روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الاجارة
فيه ثلاثة أبواب.
الأول : في أركانها، وهي أربعة. (الركن) الاول: العاقدان ويعتبر فيهما العقل والبلوغ كسائر التصرفات. الركن الثاني: الصيغة، وهي أن يقول: أكريتك هذه الدار، أو

(4/247)


آجرتكها مدة كذا بكذا، فيقول: على الاتصال: (قبلت، أو) استأجرت، أو اكتريت. ولو أضاف إلى المنفعة فقال: أجرتك أو أكريتك منافع هذه الدار، فوجهان. أصحهما: الجواز، وبه قطع في الشامل وذكر المنفعة تأكيد كقوله: بعتك عين هذه الدار أو رقبتها، فانه يصح البيع، والثاني: المنع، وبه قطع الامام، لان لفظ الاجارة وضع مضافا إلى العين. وإن كان العقد في الذمة، فقال: ألزمت ذمتك كذا، فقيل: جاز، وأغنى عن لفظ الاجارة والاكراء. وإن تعاقد بصيغة التمليك، نظر، إن أضاف إلى المنفعة فقال: ملكتك منفعتها شهرا، جاز على الصحيح (المعروف)، فان الاجارة تمليك منفعة بعوض. ولو قال: بعتك منفعة هذه الدار شهرا، فوجهان. قال ابن سريج: يجوز، لان الاجارة صنف من البيع. والاصح: المنع، لان البيع موضوع لملك الاعيان، فلا يستعمل في المنافع، كما لا ينعقد البيع بلفظ الاجارة. وقيل وبالمنع قطعا. الركن الثالث: الاجرة. فالاجارة قسمان. واردة على العين كمن استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها، أو شخصا بعينه لخياطة ثوب. أو بناء الحاط وواردة على الذمة، كمن أستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل، أو قال: ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب، أو بناء الحائط، فقبل. وفي قوله: استأجرتك لكذا، أو لتفعل كذا، وجهان. أصحهما: أن الحاصل به إجارة عين، للاضافة إلى المخاطب، كما لو قال: استأجرت هذه الدابة. والثاني: إجارة ذمة، وعلى هذا إنما تكون إجارة عين إذا زاد فقال: استأجرت عينك أو نفسك لكذا، أو لتعمل بنفسك كذا. وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين، لانه لا يثبت في الذمة، ولهذا لا يجوز السلم في أرض ولا دار. فرع إذا وردت الاجارة على العين، لم يجب تسليم الاجرة في

(4/248)


المجلس، كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع. ثم إن كانت في الذمة، فهي كالثمن في الذمة في جواز الاستبدال، وفي أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم، كانت مؤجلة أو منجمة. وإن شرط التعجيل، كانت معجلة، وإن أطلق، فمعجلة، وملكها المكري بنفس العقد، استحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر. واستدل الاصحاب بأن المنافع موجودة أو ملحقة بالموجود، ولهذا صح العقد عليها، وجاز أن تكون الاجرة دينا، وإلا، لكان بيع دين بدين. فرع يشترط العلم بقدر الاجرة ووصفها إذا كانت في الذمة كالثمن في الذمة، فلو قال: اعمل كذا لارضيك أو أعطيك شيئا، وما أشبهه، فسد العقد، وإذا عمل، استحق أجرة المثل. ولو استأجره بنفقته أو كسوته، فسد. ولو استأجره بقدر من الحنطة أو الشعير، وضبطه ضبط السلم، جاز. ولو استأجره بأرطال خبز، بني على جواز السلم في الخبز. ولو آجر الدار بعمارتها، أو الدابة بعلفها، أو الارض بخراجها ومؤنتها أو بدراهم معلومة على أن يعمرها، ولا يحسب ما أنفق من الاجرة، لم يصح.

(4/249)


ولو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة، لم يصح، لان الاجرة، الدراهم مع الصرف إلى العمارة، وذلك عمل مجهول. ثم إذا صرفها في العمارة، رجع بها. ولو أطلق العقد، ثم أذن له في الصرف إلى العمارة، وتبرع به المستأجر، جاز. فإن اختلفا في قدر ما أنفق، فقولان في أن القول قول من ؟ ولو أعطاه ثوبا وقال: إن خطته اليوم فلك درهم، أو غدا فنصف، فسد العقد ووجبت أجرة المثل متى خاطه. ولو قال: إن خطته روميا فلك درهم، أو فارسيا فنصف، فسد، والرومي بغرزتين، والفارسي بغرزة. فرع إذا أجلا الاجرة فحلت وقد تغير النقد، اعتبر نقد يوم العقد. وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ على الاصح، وقيل: بوقت تمام العمل، لان الاستحقاق يثبت بتمام العمل. فرع هذا الذي سبق، إذا كانت الاجرة في الذمة. فلو كانت معينة، ملكت في الحال كالمبيع، واعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع، حتى لو جعل الاجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ، لم يجز، لانه لا يعرف صفته في الرقة والثخانة وغيرهما. وهل تغني رؤية الاجرة، عن معرفة قدرها ؟ فيه طريقان. أحدهما: على قولي رأس مال السلم. والثاني: القطع بالجواز، وهو المذهب.
فصل أما الاجارة الواردة على الذمة، فلا يجوز فيها تأجيل الاجرة، ولا الاستبدال عنها، ولا الحوالة بها ولا عليها، ولا الابراء، بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم، لانه سلم في المنافع، فإن كانت الاججرة مشاهدة غير

(4/250)


معلومة القدر، فعلى القولين في رأس مال السلم. هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم، بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا، فإن عقدا بلفظ الاجارة، بأن قال: استأجرت منك دابة صفتها كذالتحملني إلى موضع كذا، فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ، أم بالمعنى ؟ أصحهما عند العراقيين، وأبي علي، والبغوي: أنه كما لو عقدا بلفظ السلم، ورجح بعضهم الآخر. فرع يجوز أن تكون الاجرة منفعة، سواء اتفق الجنس، كما إذا أجر دارا بمنفعة دار، أو اختلف، بأن أجرها بمنفعة عبد. ولا ربا في المنافع أصلا، حتى لو أجر دارا بمنفعة دارين، أو أجر حلي ذهب بذهب، جاز، ولا يشترط القبض في المجلس.
فصل لا يجوز أن يجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الاجنبي، كما لو استأجر السلاخ ينسج الشاة بجلدها، أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها، أو بصاع منه، أو بالنخالة، أو المرضعة بجزء من الرقيق المرتضع بعد الفطام، أو قاطف الثمار بجزء منها بعد القطاف، أو لينسخ الثوب بنصفه، فكل هذا فاسد، وللاجير أجرة مثله. ولو استأجر المرضع بجزء من الرقيق في الحال، أو قاطف الثمار بجزء منها على رؤوس الشجر، أو كان الرقيق لرجل وامرأة، فاستأجرها لترضعه بجزء منه، أو بغيره، جاز على الصحيح، كما لو ساقى شريكه وشرط له زيادة من الثمر، يجوز وإن كان يقع عمله في مشترك. وقيل: لا يجوز، ونقله الامام

(4/251)


والغزالي عن الاصحاب، لان عمل الاجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر، وهو ضعيف. قال البغوي: لو استأجر شريكه في الحنطة ليطحنها أو الدابة ليتعهدها بدراهم، جاز. ولو قال: استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي، قال المتولي والبغوي: يجوز، ثم يتقاسمان قبل الطحن، فيأخذ الاجرة، ويطحن الباقي. قال المتولي: وإن شاء طحن الكل والدقيق مشترك بينهما. ومثال هذه المسائل، ما إذا استأجره لحمل الشاة المذكاة إلى موضع كذا بجلدها، ففاسد أيضا. أما لو استأجره لحمل الميتة بجلدها، فباطل، لانه نجس. الركن الرابع: المنفعة، ولها خمسة شروط. أحدها: أن تكون متقومة وفيه مسائل. أحدها: استئجار تفاحة للشم باطل، لانها لا تقصد له، فلم يصح كشراء حبة حنطة. فإن كثر التفاح، فالوجه: الصحة، لانهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم، ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين. الثانية: استئجار الدراهم والدنانير، إن أطلقه، فباطل، وإن صرح بالاستئجار للتزيين، فباطل أيضا على الاصح. واستئجار الاطعمة لتزيين الحوانيت، باطل على المذهب. وقيل: فيه الوجهان. وفي استئجار الاشجار لتجفيف الثياب عليها، والوقوف في ظلها، وربط الدواب فيها، الوجهان. قال بعضهم: الاصح هنا: الصحة، لانها منافع مهمة، بخلاف التزيين. واستئجار الببغاء للاستئناس، قال البغوي: فيه الوجهان، وقطع المتولي بالجواز، وكذا في كل ما يستأنس بلونه، كالطاووس، أو صوته، كالعندليب. الثالثة: استئجار البياع على كلمة البيع، أو كلمة يروج بها السلعة ولا تعب فيها، باطل، إذ لا قيمة لها. قال الامام محمد بن يحيى: هذا في مبيع مستقر القيمة في البلد، كالخبز واللحم. أما الثياب والعبيد، وما يختلف قدر الثمن فيه

(4/252)


باختلاف المتعاقدين، فيختص بيعها من البياع، لمزيد منفعة وفائدة، فيجوز الاستئجار عليه. ثم إذا لم يجز الاستئجار، ولم يتعب البياع، فلا شئ له. وإن تعب بكثرة التردد، أو كثرة الكلام في أمر المعاملة، فله أجرة المثل، لا ما تواطأ عليه البياعون. الرابعة: استئجار الكلب المعلم للصيد والحراسة، باطل على الاصح، وقيل: يجوز كالفهد والبازي والشبكة للاصطياد والهرة لدفع الفأر. الشرط الثاني: أن لا يتضمن استيفاء عين قصدا، ومقصوده أن الاجارة عقد تراد به المنافع دون الاعيان، هذا هو الاصل، إلا أنه قد تستحق بها الاعيان تابعه لضرورة أو حاجة ماسة، فتلحق تلك الاعيان حينئذ بالمنافع، وفيه مسائل. إحداها: استئجار البستان لثماره، والشاة لنتاجها أو صوفها أو لبنها، باطل. الثانية: الاستئجار لارضاع الطفل جائز، ويستحق به ومنفعة عين. فالمنفعة: أن تضع الصبي في حجرها وتلقمه الثدي وتعصره بقدر الحاجة. والعين: اللبن الذي يمصه الصبي. وإنما جوز لمسيس الحاجة أو الضرورة. وفي الاصل الذي تناوله العقد، وجهان. أحدهما: اللبن. وأما فعلها، فتابع، لان اللبن مقصود لعينه، وفعلها طريق إليه. وأصحهما: أنه فعلها، واللبن مستحق تبعا، لقول الله تعالى: * (فإن أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن) *، علق الاجرة بفعل الارضاع، لا باللبن، ولان الاجارة موضوعة للمنافع وإنما الاعيان تتبع للضرورة، كالبئر تستأجر ليسقتى ماؤها، والدار تستأجر وفيها بئر، يجوز الاستقاء منها. ثم إن استأجرها للحضانة مع الارضاع، جاز، وإن استأجر للارضاع، ونفى الحضانة، فوجهان. أحدهما: المنع، كاستئجار الشاة لارضاع سخلة.

(4/253)


وأصحهما: الجواز، وبه قطع الاكثرون، كما يجوز الاستئجار لمجرد الحضانة. قال الامام: وهذا الخلاف إذا قصر الاجارة على صرف اللبن إلى الصبي، وقطع عنه وضعه في حجرها ونحوه، فأما الحضانة بالتفسير الذي سنذكره إن شاء الله تعالى، فيجوز قطعها عن الارضاع بلا خلاف. الثالثة: استئجار الفحل للضراب، حكمه ما ذكرناه في كتاب البيع في باب المناهي. الرابعة: استئجار القناة للزراعة بمائها، جائز، لانا إن قلنا: الماء لا يملك، فكالشبكة للاصطياد - وإلا، فالمنافع آبار الماء وقد جوز واستئجار بئر الماء للاستقاء والتي بعدها مستأجرة لاجراء الماء فيها. وقال الروياني: إذا اكترى قرار القناة ليكون أحق بمائها، جاز في وجه، وهو الاختيار. والمعروف: منعه. ومقتضى لفظه أن يكون تعريفا على أن الماء لا يملك. الشرط الثالث: أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها، فاستئجار الآبق، والمغصوب، والاخرس للتعليم، والاعمى لحفظ المتاع، إجارة عين، ومن لا يحسن القرآن لتعليمه، باطل. فإن وسع عليه وقتا يقدر على التعلم قبل التعليم، فباطل أيضا على الاصح، لان المنفعة مستحقة من عينه، والعين لا تقبل

(4/254)


التأخير. وإذا استأجر أرضا للزراعة، اشترط كون الزراعة متيسرة. والارض أنواع. منها: أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها. ومنها: أرض لا ماء لها، لكن يكفيها المطر المعتاد، والنداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة، أو لا يكفيها ذلك، لكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل، والغالب فيها الحصول. ومنها: أرض لا ماء لها، ولا تكفيها الامطار المعتادة، ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل، ولكن إن أصابها مطر عظيم أو سيل، نادراا، أمكن زرعها، فالنوع الاول يصح استئجاره قطعا. والثالث لا يصح قطعا. وفي الثاني وجهان. أصحهما: الجواز، وبه قطع القاضي حسين وابن كج وصاحب المهذب، بالمنع أجاب القفال. ومنها: أرض على شط النيل والفرات وغيرهما، يعلو الماء عليها ثم ينحسر، ويكفي ذلك لزراعتها في السنة، فإن استأجرها للزراعة بعدما علاها الماء وانحسر، صح، وإن كان قبل أن يعلوها الماء، فإن كان لا يوثق به، كالنيل لا ينضبط أمره، لم يصح. وإن كان الغالب حصوله، فليكن على الخلاف في النوع الثاني. وإن كان موثوقا (به) كالمد بالبصرة، صح كماء النهر. فإن تردد في وصول الماء إلى تلك الارض، لم يصح، لانه كالنوع الثالث. وإن كان علاها ولم ينحسر، فإن كان لا

(4/255)


يرجى انحساره، أو يشك فيه، لم يصح استئجارها، لان العجز موجود، والقدرة مشكوك فيها. وإن رجي انحساره وقت الزراعة بالعادة، صحت الاجارة على المذهب والمنصوص، سواء كانت الاجارة لما يمكن زراعته في الماء كالارز، أم لغيره، وسواء كان رأى الارض مكشوفة أم هي مرئية الآن لصفاء الماء، أم لم يكن شئ من ذلك. وقيل: إن لم تر، لم يصح في قول. وقيل: لا يصح لغير الارز ونحوه. وحجة مذهب القياس على ما لو استأجر دارا مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال، فإنه يجوز على الصحيح، أما إذا لم تكن مؤنة، فلان استتارها بالماء من مصالحها، فإنه يقويها ويقطع ئلعروق المنتشرة، فأشبه استتار الجوز بقشره. أما إذا كانت الارض على شط نهر، والظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء، فلا يجوز استئجارها. فإن احتمل ولم يظهر، جاز، لان الاصل والغالب السلامة. ويجوز أن تخرج حالة الظهور على تقابل الاصل والظاهر. إذا عرفت حكم الانواع، فكل أرض لها ماء معلوم، واستأجرها للزراعة مع شربها منه، فذاك، وإن استأجرها للزراعة دون شربها، جاز إن تيسر سقيها من ماء آخر، وإن أطل، دخل فيه الشرب، بخلاف ما إذا باعها، لا يدخل الشرب، لان المنفعة هنا لا تحصل دون الشرب. هذا إذا طردت العادة بالاجارة مع الشرب، فإن اضطربت، فسيأتي حكمه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. وكل أرض منعنا استئجارها للزراعة، فلو اكتراها لينزل فيها، أو يسكنها، أو يجمع الحطب فيها، أو يربط الدواب، جاز. وإن اكتراها مطلقا، نظر، إن قال: أكريتك هذه الارض البيضاء ولا ماء لها، جاز، لانه يعرف بنفي الماء أن الاجارة لغير الزراعة. ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها، أو زرعها على توقع حصول ماء، لم يمنع، وليس له البناء والغراس فيها، نص عليه. وإن لم يقل: لا ماء لها، فإن كانت بحيث يطمع في سوق الماء إليها، لم يصح العقد، لان الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة، فكأنه ذكرها، وإن كانت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها، صحح العقد على الاصح اكتفاء بالقرينة، وإذا اعتبرنا نفي الماء، ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفي، وجهان. أصحهما: المنع، لان العادة في مثلها الاستئجار للزراعة، فلا بد من الصرف باللفظ. واعلم أن في المسألة تصريحا بجواز الاستئجار مطلقا من غير بيان جنس

(4/256)


المنفعة، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
فصل قد عرفت انقسام الاجارة إلى واردة على العين، وعلى الذمة. أما إجارة العين، فلا يصح إيرادها على المستقبل، كاجارة الدار السنة المستقبلة، والشهر الآتي. وكذا إذا قال: أجرتك سنة أولها من غد، أو اجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا. ولو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت، فقد أجرتك سنة أخرى، فالعقد الثاني باطل على الصحيح، كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر، فقد أجرتك شهرا. أما الواردة على الذمة، فيحتمل فيها التأجيل والتأخير، كما إذا قال: ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا في دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا، كما لو أسلم مؤجلا، وإن أطلق، كانت حالة. ولو أجر داره لزيد سنة، ثم أجرها لغيره السنة المستقبلة قبل انقضاء الاولى، لم يصح. وإن أجرها لزيد نفسه، فوجهان. وقيل: قولان. أصحهما: الجواز، لاتصال المدتين. ولو أجرها أولا لزيد سنة، ثم أجرها زيد لعمرو، ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الاولى، ففيه الوجهان، ولا يجوز إجارتها لزيد، كذا قاله البغوي. وفي فتاوى القفال: أنه يجوز أن يؤجرها لزيد، ولا يجوز أن يؤجرها لعمرو، لان زيدا هو الذي عاقده، فيضم إلى ما استحق بالعقد الاول السنة المستقبلة. قال: ولو أجر داره سنة، ثم باعها في المدة، وجوزناه، لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة المستقبلة للمستأجر، لانه لم يكن بينهما معاقدة، وتردد في أن الوارث، هل يتمكن منه إذا مات المكري لان الوارث نائبه ؟ فرع إيجار الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع بهما الايام دون الليالي، باطل، لان زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض، فيكون إجارة زمن مستقبل، بخلاف مثله في العبد والبهيمة، فإنه يجوز، لانهما لا يطيقان العمل دائما،

(4/257)


ويرفهان في الليل على العادة عند إطلاق الاجارة. ولو أجر دابة إلى موضع ليركبها المكري زمانا، ثم المكتري زمانا، لم يصح، لتأخر حق المكتري وتعلق الاجارة بمستقبل. وإن أجره ليركب المكتري بعض الطريق وينزل فيمشي بعضها، أو أجر اثنين ليركب هذا زمانا، وهذا مثله، ففيه أربعة أوجه. أصحها وهو المنصوص في الام: صحت الاجارة في الصورتين، سواء وردت الاجارة على الذمة، أو العين، ويثبت الاستحقاق في الحال، ثم يقتسم المكري والمكتري أو (المكتريان)، ويكون التأخر الواقع من ضرورة القسمة والتسليم، فلا يضر. والثاني: تصح في الصورة الثانية دون الاولى، لاتصال زمن الاجارة في الثانية دون الاولى. والثالث: تبطل فيهما، لانها إجارة أزمان متقطعة. والرابع: تصح في الصورتين إن كانت مضمونة في الذمة، ولا تصح على دابة معينة، وهذه المسألة تعرف بكراء العقب وهو جمع عقبة وهي النوبة. فإذا قلنا بالجواز، فإن كان في ذلك الطريق عادة مضبوطة، إما بالزمان، بأن يركب يوما وينزل يوما، وإما بالمسافة، بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا، حمل العقد عليها، وليس لاحدهما أن يطلب الركوب (ثلاثا) والنزول ثلاثا، (لما) في دوام المشي من التعب. وإن لم تكن عادة مضبوطة، فلا بد من البيان في الابتداء. وإن اختلفا فيمن يبدأ بالركوب، أقرع. ولو أكرى دابة لاثنين، ولم يتعرض للتعاقب، قال المتولي: إن احتملت الدابة ركوب شخصين، اجتمعا على الركوب، وإلا،

(4/258)


فالرجوع إلى المهايأة كما سبق. ولو قال: أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا، أو أجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق، صح، ويقتسمان بالزمان أو المسافة، وهذه إجارة المشاع، وهي صحيحة كبيع المشاع. وحكي وجه: أن إجارة نصف الدابة لا تصح، للتقطع، بخلاف إجارة نصف الدار، وبخلاف ما إذا أجرهما ليركبا في محمل. فرع لا تصح إجارة ما لا منفعة فيه في الحال، ويصير منتفعا به في المدة، كالجحش، لان الاجارة موضوعة على تعجيل الانتفاع، بخلاف المساقاة.
فصل العجز الشرعي كالحسي، فلا يصح الاستئجار لقلع سن صحيحة، أو (قطع) يد صحيحة، ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته، ولا استئجار أحد لتعليم التوراة والانجيل، أو السحر، أو الفحش، أو ختان صغير لا يحتمل ألمه. فرع قلع السن الوجعة، إنما يجوز إذا صعب الالم وقال أهل الخبرة: إنه يزيل الالم. وقطع اليد المتأكلة، إنما يجوز إذا قال أهل الخبرة: إنه نافع، ومع ذلك، ففيه خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في باب ضمان الولاة من كتاب

(4/259)


الجنايات فحيث لا يجوز القلع أو القطع، فالاستئجار له باطل، وحيث يجوز، يصح الاستئجار على الاصح. ووجه المنع: أنه لا يوثق ببقاء العلب، فربما زالت بتعذر الوفاء. وسبيل مثل هذا، أن يحصل بالجعالة، فيقول: اقلع سني هذه ولك كذا. ورأى الامام تخصيص الوجهين بالقلع، لان زوال الوجع في ذلك الزمن غير بعيد، بخلاف الاكلة، فإنه غير محتمل في زمن القطع. ويجري الوجهان، في الاستئجار للفصد والحجامة وبزغ الدابة، لان هذه الايلامات إنما تباح بالحاجة، وقد تزول الحاجة. فرع استأجرها لكنس المسجد، فحاضت، انفسخ العقد إن أستأجر ها عينها وعينت المدة. وإن استأجر (ها) في الذمة، لم ينفسخ، لامكان الكنس بغيرها أو بعد الحيض. وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن، فسكن الوجع وبرأ، انفسخت الاجارة، للتعذر على المذهب، وفيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثالث من الباب الثالث. وإن لم يبرأ، لكن امتنع المستأجر من القلع، قال في الشامل: لا يجبر عليه، إلا أنه إذا سلم الاجير نفسه، ومضى مدة إمكان العمل، وجب على المستأجر الاجرة. ثم ذكر القاضي أبو الطيب: أنها لا تستقر، حتى لو انقلعت تلك السن، انفسخت الاجارة، ووجب رد الاجرة، كما لو مكنت الزوجة في النكاح، ولم يطأ الزوج. ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة إمكان السير، حيث تستقر عليه الاجرة، لتلف المنافع تحت يده. قلت: هذا الذي نقله عن صاحب الشامل إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب، هكذا هو في الشامل والبيان. فإن قيل: قد قال الشيخ نصر المقدسي في تهذيبه: إذا امتنع المستأجر من قلعه، لم يكن له فسخ العقد، لكن يدفع الاجرة، وله الخيار بين مطالبته بقلعه، وبين تركه، كما لو استأجره ليخيط له ثوبا. قلنا: هذا الذي قاله، لا يخالف قول

(4/260)


صاحب الشامل. والله أعلم.
فصل يجوز لغير الزوج استئجار الزوجة للارضاع وغيره باذن الزوج، ولا يجوز بغير إذنه على الاصح، لان أوقاتها مستغرقة بحقه، والثاني: يصح، وللزوج فسخه، حفظا لحقه. ولو أجرت نفسها ولا زوج لها، ثم نكحت في المدة، فالاجارة بحالها، وليس للزوج منعها من توفية ما التزمته، كما لو أجرت نفسها باذنه، لكن يستمتع بها في أوقات فراغها، فإن كانت الاجارة للارضاع، فهل لولي الطفل الذي استأجرها لارضاعه منع الزوج من وطئها ؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم، لانه ربما حبلت فينقطع اللبن أو يقل، وإلا، فيضر بالطفل. والثاني: لا، وبه قطع العراقيون، لان الحبل متوهم، فلا يمنع به الوطئ المستحق. فإن منعناه، فلا نفقة عليه في تلك المدة. قلت: الاصح قول العراقيين. والله أعلم ولو أجر أمته المزوجة، جاز، ولم يكن للزوج منعها من المستأجر، لان يده يد السيد في الانتفاع. أما الزوج، فيجوز استئجاره امرأته، إلا إذا استأجرها لارضاع ولده منها، ففيه وجهان: أحدهما. المنع، وبه قطع العراقيون. وأصحهما: الجواز، كما لو استأجرها بعد البينونة، وكما لو استأجرها للطبخ ونحوه. وعلى هذا الخلاف، استئجار الوالد ولده للخدمة. وفي عكسه وجهان إن كانت الاجارة على عينه،

(4/261)


كالوجهين فيما إذا أجر المسلم نفسه لكافر. الشرط الرابع: حصول المنفعة للمستأجر، وأكثر العناية في هذا الشرط بالقرب، وضبطها الامام فقال: هي قسان. أحدهما: قرب يتوقف الاعتداد بها على النية. فما لا تدخله النيابة منها، لا يجوز الاستئجار عليه، وما تدخله النيابة، جاز الاستئجار عليه، كالحج، وتفرقة الزكاة. قال الامام: ومن هذا، غسل الميت إذا أوجبنا فيه النية. القسم الثاني: ما لا تتوقف صحته على النية، وهو نوعان. فرض كفاية، وشعار غير فرض. والاول ضربان. أحدهما: يختص افتراضه في الاصل بشخص وموضع معين، ثم يؤمر به غيره إن عجز، كتجهيز الموتى بالتكفين والغسل والحفر وحمل الميت ودفنه، فإن هذه المؤن تختص بالتركة. فإن لم تكن، فعلى الناس القيام بها. فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه، لآن الاجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه. ومن هذا، تعليم القرآن، فإن كل أحد لا يختص بوجوب التعليم وإن كان نشر القرآن وإشاعته من فروض الكفاية، وهذا كله إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الاعمال، فإن تعين واحد لتجهيز الميت، أو تعليم الفاتحة، جاز استئجاره أيضا على الاصح، كالمضطر، يجب إطعامه ببدله. وقيل: لا، كفرض العين ابتداء. الضرب الثاني: ما يثبت فرضه في الاصل شائعا غير مختص، كالجهاد، فلا يجوز استئجار المسلم عليه، ويجوز استئجار الذمي على الصحيح. النوع الثاني: شعار غير فرض، كالاذان، تفريعا على الاصح. وفي جواز الاستئجار المسلم عليه، ثلاثة أوجه ذكرناها في بابه. فإن جوزنا، فعلى أي شئ يأخذ الاجرة ؟ فيه أوجه. أصحها: على جميع الاذان بجميع صفاته، ولا يبعد أخذ

(4/262)


الاجرة على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن وإن اشتمل على قراءة المعلم. والثاني: على رعاية المواقيت. والثالث: على رفع الصوت. والرابع: على الحيعلتين، فإنهما ليستا ذكرا. فرع الاستئجار لامامة الصلوات المفروضة، باطل، وكذا للتراويح وسائر النوافل على الاصح، لانه مصل لنفسه. ومتى صلى، اقتدى به من أراد وإن لم ينو الامامة. وإن توقف على نيته شئ، فهو إحراز فضيلة الجماعة، وهذه فائدة تختص به. ومن جوزه، شبهه بالاذان في الشعار. فرع الاستئجار للقضاء باطل. فرع أطلقوا القول ببطلان الاستئجار للتدريس. وعن الشيخ أبي بكر الطوسي ترديد جواب في الاستئجار لاعادة الدرس. قال الامام: ولو عين شخصا أو جماعة ليعلمهم مسألة أو مسائل مضبوطة، فهو جائز، والذي أطلقوه، محمول على استئجار من يتصدى للتدريس من غير تعيين من يعلمه وما يعلمه، لانه كالجهاد في أنه إقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع. وكذلك يمتنع استئجار مقرئ يقرئ على هذه الصورة، قال: ويحتمل أن يجوز. الشرط الخامس: كون المنفعة معلومة العين والقدر والصفة، فلا يجوز أن يقول: أجرتك أحدهما. ثم إن لم يكن للعين المعينة إلا منفعة، فالاجارة محمولة عليها، وإن كان لها منافع، وجب البيان. وأما الصفة، فإجارة الغائبة، فيها الخلاف السابق. وأما القدر، فيشترط العلم به، سواء فيه إجارة العين والذمة. ثم المنافع تقدر بطريقتين. أحدهما: الزمان، كاستأجرت الدار للسكنى سنة. والثاني: العمل، كاستأجرتك لتخيط هذا الثوب. ثم قد يتعين الطريق الاول، كاستئجار العقار، فإن منفعته لا تنضبط إلا بالزمان، وكالارضاع، فإن تقدير اللبن لا يمكن، ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان.

(4/263)


وقد يسوغ الطريقان، كما إذا استأجر عين شخص أو دابة، فيمكن أن يقول في الشخص: ليعمل لي كذا شهرا، وإن يقول: ليخيط لي هذا الثوب. وفي الدابة يقول: لاتردد عليها في حوائجي اليوم، أو يقول: لاركبها إلى موضع كذا، فأيهما كان، كفى، لتعريف المقدار. فإن جمع بينهما فقال: استأجرتك لتخيط لي هذا القميص اليوم، فوجهان. أصحهما: بطلان العقد. والثاني: صحته، وعلى هذا وجهان. أصحهما: يستحق الاجرة بأسرعهما، فإن انقضى اليوم قبل تمام العمل، استحقها، فإن تم العمل قبل تمام اليوم، استحقها. والثاني: الاعتبار بالعمل، فإن تم العمل أولا، استحقها. وإن تم اليوم أولا، وجب إتمامه. وإن قال: على أنك إن فرغت قجل تمام اليوم، لم تخط غيره، بطلت الاجارة، لان زمن العمل يصير مجهولا. فإذا عرفت هذا، فالمنافع متعلقة بالاعيان، تابعة لها، وعدد الاعيان التي يستأجر لها كالمتعذر، فعني الاصحاب بثلاثة أنواع تكثر إجارتها ليعرف طريق الضبط بها، ثم يقاس عليها غيرها. النوع الاول: الآدمي يستأجر لعمل أو صنعة، كخياطة، فإن كانت الاجارة في الذمة، قال: ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوما، لم يصح، لانه لم يعين خياطا ولا ثوبا. ولو استأجر عينه، قال: استأجرتك لتخيط هذا الثوب. ولو قال: لتخيط لي يوما أو شهرا، قال الاكثرون: يجوز أيضا. ويشترط أن يبين الثوب وما يريد منه من قميص، أو قباء، أو سراويل، والطول، والعرض، وأن يبين نوع الخياطة، أهي رومية، أو فارسية ؟ إلا أن تطرد العادة بنوع، فيحمل المطلق عليه. فرع من هذا النوع، الاستئجار لتعليم القرآن، فليعين السورة والآيات التي يعلمها، فإن أخل بأحدهما، لم يصح على الاصح. وقيل: لا يشترط تعيين واحد منهما، بل يكفي ذكر عشر آيات مثلا. وقيل: تشترط السورة دون الآيات. وهل

(4/264)


يكفي التقدير بالمدة فيقول: لتعلمني شهرا ؟ وجهان، قطع الامام والغزالي بالاكتفاء، وايراد غيرهما يقتضي المنع. قلت: الاكتفاء أصح وأقوى. والله أعلم وفي وجوب تعيين قراءة ابن كثير أو نافع أو غيرهما، وجهان. أصحهما: لا، إذ الامر فيها قريب. قال الامام: وكنت أود أن لا يصح الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم، كما لا يصح إيجار الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب، لكن ظاهر كلام الاصحاب، أنه لا يشترط، والحديث الصحيح يدل عليه في الذي تزوج

(4/265)


على تعليم ما معه من القرآن، وإنما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا كان المتعلم مسلما، أو كافرا يرجى إسلامه، فإن لم يرج، لم يعلم، كما لا يباع المصحف لكافر، فلا يصح الاستئجار. فرع إذا كان يتعلم الشئ بعد الشئ، ثم ينسى، فهل على الاجير إعادة تعليمه ؟ فيه أوجه. أحدها: إن تعلم آية ثم نسيها، لم يجب تعليمها ثانيا، وإن كان دون آية، وجب العرف والثاني: الاعتبار بالسورة والثالث: إن نسي في مجلس التعليم، وجب اعادته. وإن نسي بعده، فلا. والرابع: يرجع فيه إلى العزف الغالب، وهو الاصح. فرع عن القاضي حسين في الفتاوى: أن الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة، جائز، كالاستئجار للاذان وتعليم القرآن. واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط، فيجب عودها في هذه الاجارة إلى المستأجر أو ميته، فالمستأجر لا ينتفع بقراءة غيره. ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه: تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة. وذكروا له طريقين. أحدهما: أن يعقب القراءة بالدعاء للميت، لان الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة. والثاني: ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي، أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت، لم يلحقه. وإن قرأ، ثم جعل ما حصل من الاجر له، فهذا دعاء بحصول ذلك الاجر للميت، فينفع الميت. قلت: ظاهر كلام القاضي حسين: صحة الاجارة مطلقا، وهو المختار، فإن موضع القراءة موضع بركة، وبه تنزل الرحمة، وهذا مقصود ينفع الميت. والله أعلم فصل ومنه الاستئجار للارضاع، ويجب فيه التقدير بالمدة، ولا سبيل إلى

(4/266)


ضبط مرات الارضاع، ولا قدر ما يستوفيه في كل مرة، فقد تعرض له الامراض والاسباب الملهية، ويجب تعيين الصبي، لاختلاف الغرض باختلافه، وتعيين موضع الارضاع، أهو بيته، أم بيتها. فصل ومنه الاستئجار للجج، وقد ذكرناه في بابه. فصل ومنه إذا استأجر لحفر نهر أو بئر أو قناة، قدر، إما بالزمان، فيقول: تحفر لي شهرا، وإما بالعمل، فيقدر الطول والعرض والعمق، ويجب معرفة الارض بالمشاهدة، لتعرف صلابتها ورخاوتها، ويجب عليه إخراج التراب المحفور. فإن انهار شئ من جوانب البئر، لم يلزمه إخراجه. وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة، نظر، إن كان يعمل فيه المعول، وجب حفره على الاصح، وبه قال القاضي أبو الطيب. والثاني: لا يجب، وبه قال ابن الصباغ، لانه خلاف ما اقتضته المشاهدة، فعلى هذا له فسخ العقد. وإن لم يعمل فيه المعول، أو نبع الماء قبل وصوله إلى موضع المشروط وتعذر الحق، انفسخ العقد في الباقي، ولا ينفسخ فيما مضى على المذهب، فيوزع المسمى على ما عمل وما بقي. فرع إذا استأجر لحفر قبر، بين الموضع والطول والعرض والعمق، ولا يكفي الاطلاق، ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع الميت فيه. فصل ومنه إذا استأجر لضرب اللبن، قدر بالزمان أو العمل. وإذا قدر

(4/267)


بالعمل، بين العدد والقالب. فإن كان القالب معروفا، فذاك، وإلا بين طوله وعرضه وسمكه. وعن القاضي أبي الطيب، الاكتفاء بمشاهدة القالب. ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه، ولا يجب عليه إقامتها للجفاف. ولو استأجره لطبخ اللبن فطبخ، لم يجب عليه الاخراج من الاتون. فصل إذا استأجر للبناء، قدر بالزمان أو العمل، فإن قدر بالعمل، بين موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما يبنى به من اللبن أو الطين أو الآجر. ولو استأجر للتطيين أو التجصيص، قدر بالزمان، ولا سبيل إلى تقديره بالعمل، لان سمكه لا ينضبط. فصل ومنه إذا استأجر كحالا ليداوي عينه، قدره بالمدة دون البرء. فإن برأت عينه قبل تمامها، انفسخ العقد في الباقي، ولا يقدر بالعمل، لان قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة. فصل ومنه إذا استأجر للرعي، وجب بيان المدة وحبس الحيوان، ثم يجوز العقد على قطيع معين، ويجوز في الذمة، وحينئذ وجهان. أصحهما عند صاحب المهذب: يجب بيان العدد. والثاني وبه قطع ابن الصباغ والروياني: لا يجب، ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد. قال الروياني: وهو مائة رأس من الغنم تقريبا. فإن توالدت، حكى ابن الصباغ: أنه لا يلزمه رعي أولادها إن ورد العقد على أعيانها. وإن كان في الذمة، لزمه. فصل استأجر ناسخا للكتابة، بين عدد الاوراق والاسطر في كل صفحة، ولم يتعرضوا للتقدير بالمدة، والقياس جوازه، وأن يجب ند تقدير العمل بيان قدر الحواشي، والقطع الذي يكتب فيه.

(4/268)


فصل يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص، ولنقل الميتة إلى المزبلة، والخمر لتراق، ولا يجوز لنقل الخمر من بيت إلى بيت، ولا لسائر المنافع المحرمة، كالزمر والنياحة، وكما يحرم أخذ الاجرة في هذا، يحرم إعطاؤها. وإنما يباح الاعطاء دون الاخذ في موضع ضرورة، كفكاك الاسير، وإعطاء الشاعر لئلا يهجو، والظالم ليدفع ظلمه، والجائر ليحكم بالحق. وهذه الامثلة، مذكورة في باب القضاء. النوع الثاني: العقار، ويستأجر لاغراض. منها: السكنى. فإذا استأجر دارا، وجب معرفة موضعها، وكيفية أبنيتها، وفي الحمام، يعرف البيوت والبئر التي يستقي منها ماءه، والقدر التي يسخن فيها، ومبسط القماش، والاتون وهو موضع الوقود وما يجمع الاتون من السرقين ونحوه، والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود، ومطرح الرماد، والمستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمام. وعلى هذا قياس سائر المسكن. وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الرؤية في الحمام ونحوه، تفريع على منع إجارة الغائب، فإن جوزناها، لم تعتبر الرؤية، بل يكفي الوصف والبيان، ولا يدخل الوقود في بيع الحمام وإجارته، كما لا تدخل الازر والاسطال والحبل والدلو. قال في الشامل: في رؤية قدر الحمام، يكفي رؤية داخلها من الحمام، أو ظاهرها من الاتون. والقياس: على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين إذا أمكن، كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب. فرع ذكر في شرح المفتاح أنه لا بد في إجارة الدار من ذكر عدد السكان من الرجال والنساء والصبيان، ثم لا منع من دخول زائر وضيف، وإن بات فيها ليالي.

(4/269)


قلت: هذا الاشتراط لا يعرف لغيره. والمختار: أنه لا يعتر لكن يسكن فيها من جرت العادة به في مثلها، وهذا مقتضى إطلاق الاصحاب، فلا عدول عنه. والله أعلم فرع لا بد من تقدير هذه المنفعة بالمدة، وفي تقدير المدة التي يجوز عقد الاجارة عليها ثلاثة أقوال المشهور والذي عليه جمهور الاصحاب أنه يجوز سنين كثيرة، بحيث يبقى إليها ذلك الشئ غالبا، فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، والدابة تؤجر عشر سنين، والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به، والارض مائة سنة وأكثر. وقال ابن كج: يؤجر العبد إلى تمام مائة وعشرين سنة من عمره. والقول الثاني: لا يجوز أكثر من سنة مطلقا. والثالث: لا يجوز أكثر من ثلاث سنين. وحكي وجه: أنه يجوز أن يؤجرها مدة لا تبقى فيها العين غالبا، لان الاصل الدوام، فإن هلكت لعارض، فكانهدام الدار ونحوه. وحكم الوقف في مدة الاجارة حكم الطلق. قال المتولي: إلا أن الحكام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف، وهذا الاصطلاح، غير مطرد. وفي أمالي السرخسي: أن المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها، وهو غريب. وإذا جوزنا إجارة أكثر من سنة، فهل يجب تقدير حصة كل سنة ؟ قولان. أظهرهما: لا، وتوزع الاجرة على قيمة منافع السنين، ومنهم من قطع بهذا. فرع إذا قال: أجرتك شهرا، أو قال: سنة، صح على الاصح، وحمل على ما يتصل بالعقد. وقيل: يشترط أن يقول: من الآن. ولو قال: أجرتك شهرا من السنة، فالعقد باطل قطعا للابهام. ولو قال: كل شهر بدرهم من الآن، فباطل أيضا على المشهور والصحيح. وقال في الاملاء: يصح في الشهر الاول، وبه قطع الاصطخري. ولو قال: كل

(4/270)


شهر من هذه السنة بدرهم، لم يصح على الاصح، وصححه ابن سريج في شهر فقط، ونقل الامام عن الاصحاب، أنهم قالوا: إذا قال: بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم، لم يصح البيع، لانه لم يضف إلى جميع الصبرة، بخلاف ما لو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، قال: وكان ينبغي أن يفرق فيقال: إن قال: بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم، كان كقوله: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، ويصح العقد في الجميع. وإن قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، بطل على الاصح، وعلى قول ابن سريج: يصح في صاع، وكذلك يفرق في الاجارة. وقد قال بهذا الشيخ أبو محمد، فسوى بين قوله: بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم، وبين قوله: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، فصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين. فرع مدة الاجارة، كأجل المسلم فيه، في أن مطلق الشهر والسنة يحمل على العربي، وفي أنه إذا قيد بالعددية، أو قال: سنة فارسية أو رومية أو شمسية، كان الاجل ما ذكره، وفي أن العقد إذا انطبق على أول الشهر، كان ذلك الشهر وما بعده بالاهلة. وإن لم ينطبق، تمم المنكسر بالعدد من الاخير، ويحسب الباقي بالاهلة. وفي سائر المسائل المذكورة في السلم، وفي التأجيل بالشمسية، وجه: أنه لا يصح، وهو شاذ. فرع قال: أجرتك شهرا من هذه السنة، فإن لم يكن بقي منها إلا شهر، صح، وإن بقي أكثر من شهر، لم يصح، قاله المتولي والبغوي. فصل مما تستأجر له الارض، والبناء والغراس والزراعة. فإذا قال: أجرتك هذه الارض، ولم يذكر البناء ولا غيره، وكانت صالحة للجميع، لم يصح العقد، لان منافع هذه الجهات مختلفة، وضررها مختلف، فوجب التعيين، كما لو أجر بهيمة، لا يجوز الاطلاق، هكذا ذكره الاصحاب، وجعلوه متفقا عليه، حتى احتجوا به لاحد الوجهين في إعارة الارض مطلقا، لكن قدمنا في مسألة إجارة الارض التي لا ماء لها، تصريحهم بجواز الاجارة مطلقا، ويشبه أن تكون إجارتها

(4/271)


مطلقا، على وجهين، كاعارتها. والاصح: المنع فيهما. وما ذكروه في إجارة الارض التي لا ماء لها، مفرع على الوجه الآخر أو مؤول. قلت: المذهب، ما نص عليه الاصحاب في المسائل الثلاث، فلا تصح الاجارة هنا مطلقا، وتصح العارية على وجه، لان أمرها على التوسعة والارفاق، فاحتمل فيها هذا النوع من الجهالة كاباحة الطعام، بخلاف الاجارة، فإنها عقد مغابنة، فهذا عمدة الاصحاب. وأما مسألة إجارة الارض التي لا ماء لها، (فمؤولة). والله أعلم فرع أجر بيتا أو دارا، لا يحتاج إلى ذكر السكنى، لان الدار لا تستأجر إلا للسكنى ووضع المتاع فيها، وليس ضررهما بمختلف، كذا ذكروه، ويجوز أن يمنع فيقال: قد تستأجر أيضا ليتخذها مسجدا، ولعمل الحدادين والقصارين، ولطرح الزبل فيها، وهي أكثر ضررا، فما جعلوه مبطلا في الارض موجود هنا. فإن قيل: ينزل في الدار على أدنى وجوه الانتفاع وهو السكنى ووضع المتاع، لزم أن يقال في

(4/272)


الارض مثله وينزل على الزراعة، ومقتضى هذا الاشكال، أنه يشترط في استئجار الدار بيان أنه يستأجر للسكنى أو غيرها، وقد قال به بعض شارحي المفتاح. فرع قال: أجرتك هذه الارض لتنتفع بها بما شئت، صحت الاجارة، وله أن يصنع ما شاء، لرضاه، وهذا هو الاصح، وبه قطع الامام، والغزالي. وحكى البغوي وجها بالمنع، كبيع عبد من عبيده. ولو قال: أجرتكها للزراعة، ولم يذكر ما يزرع، أو للبناء أو للغراس وأطلق، صح على الاصح عند الجمهور، وبالمنع قال ابن سريج، ونقله ابن كج عن النص في الجامع الكبير. ومن جوز قال: يزرع ما شاء، للاطلاق. وكان يحتمل التنزيل على الاقل. ولو قال: أجرتكها لتزرع ما شئت، صحت الاجارة، ويزرع ما شاء، نص عليه. وعن ابن القطان وجه: أنها فاسدة كبيع عبد من عبيده. ولو قال: أجرتكها لتزرع أو تغرس، لم يصح. ولو قال: إن شئت فازرعها، وإن شئت فاغرسها، صح على الاصح، ويخير المستأجر. ولو قال: أجرتكها فازرعها واغرسها، أو لتزرعها وتغرسها، ولم يبين القدر، فوجهان. أحدهما وبه قال ابن سلمة: يصح وينزل على النصف. وعلى هذا، فله أن يزرع الجميع، لجواز العدول من الغراس إلى الزرع، ولا يجوز أن يغرس الجميع. وأصحهما: لا يصح، وبه قال المزني، وابن سريج، وأبو إسحاق، لعدم البيان، بل قال القفال: لو قال: ازرع النصف واغرس النصف، لم يصح، لانه لم يبين المغروس والمزروع، فصار كقوله: بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة. فرع يشترط في استئجار الارض للبناء، بيان موضعه وطوله وعرضه، وفي بيان قدر ارتفاعه، وجهان سبقا في كتاب الصلح. أصحهما: لا يشترط، بخلاف ما إذا استأجر سقفا للبناء. النوع الثالث: الدواب، وتستأجر لاغراض. منها: الركوب، وفيه مسائل. إحداها: يشترط أن يعرف المؤجر الراكب، وطريق معرفته المشاهدة، كذا

(4/273)


قاله الجمهور. والاصح: أن الوصف التام يكفي عنها. ثم قيل: يصفه بالوزن. وقيل: بالضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا. الثانية: إن كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه، فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه، لكن المؤجر يركبه على ما شاء من سرج وإكاف وزاملة على ما يليق بالدابة. وإن كان يركب على رحل له، أو فوق زاملة، أو في محمل، أو في عمارية، أو أراد في غير الابل الركوب على سرج أو إكاف، وجب ذكره. وينبغي أن يعرف المؤجر هذه الآلات. فإن شاهدها، كفى، وإلا، فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع: لا يتفاحش فيه التفاوت، كفى الاطلاق، وحمل على معهودهم. وإن لم يكن معهود مطرد، اشترط ذكر وزن السرج والاكاف والزاملة ووصفها. هذا هو الصحيح المعروف. وقال الامام: لم يتعرض أحد من الاصحاب لاشتراط ذكر الوزن في السرج والاكاف، لانه لا يكثر فيهما التفاوت. وأما المحمل أو العمارية، ففيهما أوجه. أصحها: أن المعتبر فيهما المشاهدة، أو الوصف مع الوزن لافادتهما التخمين. والثاني: يكفي الوزن. أو الصفة والثالث: لا بد من المشاهدة. والرابع: إن كانت محامل خفافا كالبغدادية، كفى الوصف، لتقاربها، وإن كانت ثقالا كالخرسانية، اشترط ت المشاهدة، وقال البغوي: تمتحن الزاملة باليد لتعرف خفتها وثقلها، بخلاف الراكب لا يمتحن بعد المشاهدة. وينبغي أ يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة. فرع لا بد في المحمل ونحوه من الوطاء، وهو الذي يفرش فيه ليجلس عليه، وينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف، والغطاء الذي يستظل به ويتوقى من المطر، قد يكون وقد لا يكون، فيحتاج إلى شرطه. وإذا شرطه، قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: يكفي إطلاقه، لتقارب تفاوته، ويغطيه بجلد أو كساء أو لبد.

(4/274)


وقال ابن كج والمتولي: يشترط رؤيته أو وصفه، وهو ظاهر النص كالوطاء. لكن إن كان فيه عرف مطرد، كفى الاطلاق، وقد يكون للمحمل ظرف من لبود، أو أدم، فهو كالغطاء. الثالثة: إذا استأجر للركوب، وشرط حمل المعاليق وهي السفرة، والاداوة، والقدور، والقمقمة، فإن أراها المؤجر، أو وضعها له وذكر وزنها، صح، وإلا، فلا تصح الاجارة على المذهب والمنصوص، ومن صحح، حمله على الوسط المعتاد. وإن لم يشرط المعاليق، لم يستحق حملها على الاصح. وقيل: هو كشرطها مطلقا. وهذا المذكور في السفرة والاداوة الخاليتين، فإن كان فيهما طعام وماء، فسيأتي بيانهما في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. الرابعة: إن كانت الاجارة على عين الدابة، اشترط تعيينها، وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب. وإن كانت في الذمة، اشترط ذكر جنسها، أهي من الابل، أم الخيل، أم الحمير والبغال ؟ ونوعها، كالبخاتي والعراب. ويشترط بيان الذكورة والانوثة على الاصح، لاختلاف الغرض بذلك، فإن الانثى أسهل سيرا، والذكر أقوى. ويشترط أن يقول: مهملج أو بحر أو قطوف، عى الاصح، لان معظم الغرض يتعلق بكيفية السير. الخامسة: إذا استأجر دابة للركوب، فليبينا قدر السير كل يوم، فإذا بينا، حملا على المشروط، فإن زادا في يوم أو نقصا، فلا جبران، بل يسيران بعده على

(4/275)


الشرط. ولو أراد أحدهما مجاوزة المشروط، أو النزول دونه لخوف أخصب، لم يكن له ذلك، إلا أن يوافقه صاحبه، ذكره البغوي. وكان يجوز أن يجعل الخوف عذرا لمن يحتاط، ويلزم الآخر موافقته. قلت: هذا الذي قاله البغوي، ضعيف، وينبغي أن يقال: إن غلب على الظن حصول ضرر بسبب الخوف، كان عذرا، وإلا، فلا. ولا يتجه غير هذا التفصيل. والله أعلم فإن لم يبينا قدر السير، وأطلقا العقد، نظر، إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة، صح العقد وحمل عليها، وإن لم يكن منازل، أو كانت والعادة مختلفة، لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان. هذا هو الصحيح المعروف الذي اشتملت عليه طرق الاصحاب. وقال أبو إسحق: إذا اكترى إلى مكة في زماننا، اشترط ذكر المنازل، لان السير في هذه الازمان شديد. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان الطريق مخوفا، لم يجز تقدير السير فيه، لانه لا يتعلق بالاختيار، وتابعه الروياني على هذا. ومقتضاه، امتناع التقدير بالزمان أيضا، وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفا. فرع القول في وقت السير، أهو الليل، أم النهار ؟ وفي موضع النزول في المرحلة، أهو نفس القرية، أم الصحراء ؟ وفي الطريق الذي يسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرناه في قدر السير في أنه يحمل على المشروط أو المعهود. وقد يختلف المعهود في فصلي الشتاء والصيف، وحالتي الامن والخوف، فكل عادة تراعى في وقتها، ومتى شرطا خلاف المعهود، فهو المتبع، لا المعهود. فصل مما تستأجر له الدواب الحمل عليها، فينبغي أن يكون المحمول معلوما، فإن كان حاضرا ورآه المؤجر، كفى، وإلا فلا بد من تقديره بالوزن، أو بالكيل إن كان مكيلا، والتقدير بالوزن في كل شئ أولى وأحصر، ولا بد من ذكر

(4/276)


جنسه، لاختلاف تأثيره. فلو قال: أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل مما شئت، جاز على الاصح، ويكون رضى منه بأضر الاجناس، فلا حاجة حينئذ إلى بيان الجنس. وقال صاحب الرقم: قال حذاق المراوزة: إذا استأجر دابة للحمل مطلقا، جاز، وجعل راضيا بالاضر، وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس. هذا في التقدير بالوزن، أما إذا قدر بالكيل، فالمفهوم من كلام أبي الفرج السرخسي: أنه لا يغني عن ذكر الجنس وإن قال: عشرة أقفزة مما شئت، لاختلاف الاجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل، لكن يجوز أن يجعل ذلك رضى بأثقل الاجناس، كما جعل في الوزن رضى بأضر الاجناس. قلت: الصواب قول السرخسي، والفرق ظاهر، فإن اختلاف التأثير بعد الاستواء في الوزن، يسير، بخلاف الكيل، وأين ثقل الملح من ثقل الذرة ؟ والله أعلم ولو قال: أجرتكها لتحمل عليها ما شئت، لم يصح، بخلاف إجارة الارض ليزرعها ما شاء، لان الدواب لا تطيق كل ما تحمل. فرع ظروف المتاع وحباله، إن لم تدخل في الوزن، بأن قال: مائة رطل حنطة، أو كان التقدير بالكيل، فلا بد من معرفتها بالرؤية أو الوصف، إلا أن يكون هناك غرائر متماثلة اطرد العرف باستعمالها، فيحمل مطلق العقد عليها. وإن دخلت في قدر المتاع، بأن قال: مائة رطل حنطة بظروفها، صح العقد. ولو اقتصر على قوله: مائة رطل، فالاصح: أن الظرف من المائة. والثاني: أنه وراءها، لانه السابق إلى الفهم. فعلى هذا، يكون الحكم كما لو قال: مائة رطل من الحنطة،

(4/277)


والمسألة مفرعة على الاكتفاء بالتقدير. وإهمال ذكر الجنس، إما مطلقا، وإما بأن قال: مائة رطل مما شئت. فرع الدابة المستأجرة للحمل، إن كانت معينة، فعلى ما ذكرناه في الركوب. وإن كانت الاجارة على الذمة، لم يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها، بخلاف الركوب، لان المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه، فلا يختلف الغرض. لكن لو كان المحمول زجاجا أو خزفا وشبههما، فلا بد من معرفة حال الدابة، ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء، وقوة أو ضعف، وتخلفها عن القافلة على بعض التقديرات. ولو قيل به، لم يكن بعيدا. والكلام في المعاليق وتقدير السير، على ما ذكر ناه في الاستئجار للركوب. فرع استأجره لحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا، كل صاع بدرهم، أو صاع منها بدرهم، وما زاد فبحسابه، صح العقد كما لو باع كذلك، بخلاف ما لو قال: أجرتك كل شهر بدرهم، لان جملة الصبرة معلومة محصورة، بخلاف الاشهر. ولو قال: لتحمل صاعا منها بدرهم، على أن تحمل كل صاع منها بدرهم، أو على أن ما زاد فبحسابه، فوجهان. أصحهما: المنع، لانه شرط عقد في عقد. والثاني: الجواز، وتقديره: كل صاع بدرهم. ولو قال: لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة آصع، كل صاع بدرهم، فإن زادت، فبحسابه، صح العقد في العشرة، دون الزيادة المشكوك فيها. ولو قال: لتحمل من هذه الصبرة كل صاع بدرهم، لم يصح على المذهب، وهو المعروف. وقد سبق في مثله في البيع وجه: انه يصح في صاع، فيعود هنا. فصل ومن الاغراض، سقي الارض بادارة الدولاب، والاستقاء من البئر بالدلو. فإن كانت الاجارة على عين الدابة، وجب تعيينها كما في الركوب والحمل. وإن كانت في الذمة، لم يجب بيان الدابة ومعرفة جنسها. وعلى التقديرين يعرف المؤجر الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها، بالمشاهدة، أو الوصف إن كان الوصف يضبطها، ويقدر المنفعة، إما بالزمان، بأن يقول: لتسقي بهذا الدلو من البئر اليوم، وإما بالعمل، بأن يقول: لتستقي خمسين دلوا من هذه البئر بهذا الدلو.

(4/278)


ولا يجوز التقدير بالارض، بأن يقول: لتسقي هذا البستان، أو لتسقي جريبا منه. فصل ومنها: الحراثة، فيجب أن يعرف المؤجر الارض، لاختلافها.. وتقدر المنفعة، إما بالزمان، بأن يقول: لتحرث في هذه الارض الشهر، وإما بالعمل، بأن يقول: لتحرث هذه القطعة، أو إلى موضع كذا منها. وقيل: لا يجوز تقدير هذه المنفعة بالمدة، قاله الشيخ أبو حامد. والصحيح: الاول. ولا بد من معرفة الدابة إن كانت إجارة عين. وإن كانت في الذمة، فكذلك إن قدر بالمدة وجوزناه، لان العمل يختلف باختلاف الدابة. وإن قدر بالارض المحروثة، فلا حاجة إلى معرفتها. فصل ومنها: الدياس، فيعرف المؤجر الجنس الذي يريد دياسه، ويقدر المنفعة بالزمان، أو بالزرع الذي يدوسه. والقول في معرفة الدابة، على ما ذكرناه في الحراثة. فصل الاستئجار للطحن كالاستئجار للدياس. فصل جملة ما يجب تعريفه في الاجارات، مما ذكرناه وما لم نذكره، أن ما يتفاوت به الغرض، ولا يتسامح به في المعاملة، يشترط تعريفه. فصل اختلف الاصحاب في أن المعقود عليه في الاجارة ماذا ؟ فقال أبو إسحاق وغيره: هو العين ليستوفي منها المنفعة، لان المنفعة معدومة، ومورد العقد يجب أن يكون موجودا، ولان اللفظ مضاف إلى العين. ولهذا يقول: أجرتك هذه الدار. وقال الجمهور: ليست العين معقودا عليها، لان المعقود عليه هو ما يستحق بالعقد، ويجوز التصرف فيه، وليست العين كذلك. فالمعقود عليه، هو المنفعة، وبه قال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، وعليه ينطبق قول جمهور أصحابنا: أن الاجارة تمليك المنافع بعوض، ويشبه أن لا يكون هذا خلافا محققا، لان الاول لا يقول: العين مملوكة بالاجارة كالمبيع. ومن قال بالثاني، لا يقطع النظر عن العين.

(4/279)


الباب الثاني : في حكم الاجارة الصحيحة فيه طرفان. الطرف الاول: فيما يقتضي اللفظ دخوله في العقد وضعا أو عرفا، وما يلزم المتكاربين إتماما له، ومسائله مقسومة على الانواع الثلاثة المذكورة في شرط العلم بالمنفعة. النوع الاول: استئجار الآدمي، وفيه فصلان. الفصل الاول: الاستئجار للحضانة وحدها، وللارضاع وحده جائز، وكذا لهما معا كما سبق وذكرنا أن المستحق بالاجارة للارضاع ما هو ؟ وأما الحضانة، فهي حفظ الصبي وتعهده، بغسله، وغسل رأسه وثيابه وخرقه، وتطهيره من النجاسات، ودهنه وكحله، وإضجاعه في مهده، وربطه وتحريكه في المهد لينام. وإذا أطلق الاستئجار لاحدهما، ولم ينف الآخر، ففي استتباعه الآخر ثلاثة أوجه. أصحها: منع الاستتباع. والثاني: إثباته للعادة بتلازمهما. والثالث: يستتبع الارضاع الحضانة ولا عكس. فإن أتبعنا فيهما، أو شرطهما، فانقطع اللبن، فثلاثة أوجه مبنية على أن المعقود عليه في هذه الاجارة ماذا ؟ أحدها: أنه اللبن، والحضانة تابعة، فعلى هذا ينفسخ العقد بانقطاعه، والثاني: الحضانة، واللبن تابع، فعلى هذا لا ينفسخ العقد، لكن للمستأجر الخيار، لانه عيب. وأصحهما: المعقود عليه

(4/281)


كلاهما، لانهما مقصودان. فعلى هذا، ينفسخ العقد في الارضاع، ويسقط قسطه من الاجرة. وفي الحضانة قولا تفريق الصفقة، ولم يفرقوا في طرد الاوجه بين أن يصرح بالجمع بينهما، أو يذكر أحدهما ونحكم باستتباعه الآخر. وحسن أن يفرق فيقال: إن صرح، فمقصودان قطعا. وإن ذكر أحدهما، فهو المقصود، والآخر تابع. فرع يلزم المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر به اللبن، وللمكتري أن يكلفها ذلك. الثاني: إذا استأجر وراقا، فعلى من الحبر ؟ فيه ثلاثة طرق. أصحها: الرجوع إلى العادة. فإن اضطربت، وجب البيان، وإلا فيبطل العقد. وأشهرها: القطع بأنه لا يجب على الوراق. والثالث: أنه على الخلاف في أن اللبن هل يتبع الحضانة 0 وإذا أوجبنا على الوراق، فهو كاللبن في أنه لا يجب تقديره. وإن صرح باشتراطه عليه، فهو كما لو صرح بالارضاع والحضانة. وإذا لم نوجبه عليه، فشرط في العقد، بطل العقد إن لم يكن معلوما، وإلا، فطريقان. أحدهما: يصح العقد، لان المقصود الكتابة، والحبر تابع. والثاني: أنه شراء واستئجار، وليس الحبر كاللبن، لامكان إفراده بالشراء. وعلى هذا، ينظر، فإن قال: اشتريت منك هذا الحبر على أن تكتب به كذا، فهو كشراء الزرع بشرط أن يحصده البائع. وإن قال: اشتريت الحبر واستأجرتك لتكتب به كذا بعشرة، فهو كقوله: اشتريت الزرع واستأجرتك لتحصده بعشرة. وإن قال: اشتريت الحبر بدرهم واستأجرتك لتكتب به بعشرة، فهو كقوله: اشتريت الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم، وحكم الصور مذكور في البيع. فرع إذا استأجر الخياط والصباغ وملقح النخل والكحال، فالقول في

(4/282)


الخيط والصبغ وطلع النخل والذرور، كما ذكرنا في الحبر. هذا هو المذهب وعليه الجمهور وقطع الامام وشيخه والغزالي، بأن الخيط لا يجب على الخياط، لان العادة الغالبة في الخيط خلاف الحبر والصبغ. النوع الثاني: العقار، وهو صنفان، مبني كالدار والحمام، وغيره. فالاول: فيه مسألتان. إحداهما: ما تحتاج إليه الدار المكراة من العمارة، وهو ثلاثة أضرب أحدها: مرمة لا تحتاج إلى عين جديدة، كاقامة جدار مائل، وإصلاح منكسر، وغلق تعسر فتحه. والثاني: ما يحوج إلى عين جديدة، كبناء، وجذع جديد، وتطيين سطح، والحاجة في الضربين لخلل عرض في دوام الاجارة. الثالث: عمارة يحتاج إليها لخلل قارن العقد، بأن أجر دارا ليس لها باب ولا ميزاب. ولا يجب شئ من هذه الاضرب على المستأجر، بل هي من وظيفة المؤجر، فإن بادر إلى الاصلاح، فلا خيار للمستأجر، وإلا، فله الخيار إذا نقصت المنفعة. حتلو وكف البيت لترك التطيين، قال الاصحاب: له الخيار. فإذا انقطع بطل الخيار، إلا إذا حدث بسببه نقص. وإنما يثبت الخيار في الضرب الثالث، إذا كان جاهلا به في ابتداء الحال. وهل يجبر المؤجر على هذه العمارات ؟ قال جماعة منهم المتولي والبغوي: لا يجبر في شئ منها، لانه إلزام عين لم يتناولها العقد. وقال الامام والغزالي والسرخسي: يجبر على الضرب الاول، ولا يجبر على الثالث قطعا، ولا على الثاني على الاصح. وقال القاضي حسين وأبو محمد: يجبر توفيرا للمنفعة. ويجري الوجهان فيما إذا غصبت المستأجرة وقدر المالك على الانتزاع. قلت: ينبغي أن يكون الصحيح هنا، وجوب الانتزاع. والله أعلم ولا شك أنه إذا كان العقد على موصوف في الذمة، ولم ينتزع ما سلمه، يطالب ببدله. وحكى الامام تفريعا على طريقته وجهين، في أن الدعامة المانعة من

(4/283)


الانهدام إذا احتيج إليها، من الضرب الاول، أم من الثاني ؟ فرع يجب على المكري تسليم مفتاح الدار، للتمكن من الانتفاع، بخلاف ما إذا كانت العادة فيه الاقفال، فإنه لا يجب تسليم القفل، لان الاصل أن لا يدخل المنقولات في العقد الواقع على العقار، والمفتاح تابع للغلق. وإذا سلم، فهو أمانة في يد المستأجر. فإن ضاع بلا تفريط، فلا شئ عليه، وإبداله من وظيفة المؤجر، وهل يطالب به ؟ فيه الخلاف السابق في العمارات. فإن لم يبدله، فللمستأجر الخيار. المسألة الثانية: تطهير الدار عن الكناسة والاتون عن الرماد في دوام الاجارة، على المستأجر، لانهما حصلا بفعله، وكسح الثلج عن السطح، من وظيفة المؤجر، لانه كعمارة الدار. فإن تركه على السطح وحدث به عيب، فللمستأجر الخيار. قال الامام: وهل يجب عليه ؟ فيه الخلاف السابق في العمارة. وحكي وجه: أنه لا يجب الكسح وإن وجبت العمارة، لانها تجب لتعود الدار إلى ما كانت. وأما الثلج في عرصة الدار، فإن خف ولم يمنع الانتفاع، فهو ملحق بكنس الدار. وإن كثف، فكذلك على الاصح، وقيل: كتنقية البالوعة، وفيها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى، لانه يمنع التردد في الدار. فرع يلزم المؤجر تسليم الدار وبالوعتها وحشها فارغان. فإن كان مملوءا، فللمستأجر الخيار، وكذا مستنقع الحمام، وهو الموضع الذي تنصب إليه الغسالة. فلو امتلات البالوعة والحش والمستنقع في دوام الاجارة، فهل تفريغها على المؤجر تمكينا من الانتفاع بقية المدة ؟ أم على المستأجر لحصوله بفعله ؟ وجهان.

(4/284)


أصحهما: الثاني، وبه قطع الماوردي وابن الصباغ والمتولي، كنقل الكناسات. فإن تعذر الانتفاع، فلينق، ولا خيار له على الصحيح. ولا يلزم المستأجر التنقية عند انقضاء المدة، ولا تفريغ مستنقع الحمام، ويلزمه التطهير من الكناسة، وفسروها بالقشور وما سقط من الطعام ونحوه، دون التراب الدذي بجمع بهبوب الرياح، لانه بغير فعله لكن قد سبق من أن ثلج العرصة لا يلزم المؤجر نقله، بل هم كالكناسة، مع أنه حصل لا بفعله، فيجوز أن يكون التراب أيضا كالكناسة، مع أنه حصل لا بفعله. قلت: هذا الاحتمال ضعيف. والصواب: أنه لا يلزم المستأجر نقل التراب كما قاله الاصحاب، وليس المراد بما سبق في ثلج العرصة أنه يلزم المستأجر نقله، بل المراد أنه لا يلزم المؤجر، فكذا هنا لا يلزم واحدا منهما. والله أعلم قال الامام والغزالي: رماد الاتون كالكناسة، فيجب على المستأجر نقله. وفي التهذيب أنه لا يجب، لانه من صورة استيفاء المنفعة، بخلاف الكناسة. فرع الدار المستأجرة للسكنى، لا يجوز طرح الرماد والتراب في أصل حائطها، ولا ربط دابة فيها، بخلاف وضع الامتعة. وفي جواز طرح ما يسرع (إليه) الفساد وجهان. أصحهما: الجواز، لانه معتاد. الصنف الثاني: الارض البيضاء. فإذا استأجر أرضا للزراعة ولها شرب معلوم، فإن شرط دخوله في العقد أو خروجه، اتبع الشرط، وإلا، فإن اطردت العادة باتباعه الارض، أو انفراده، اتبعت. وإن اضطربت، فكانت تكرى وحدها تارة، ومع الشرب تارة، فأوجه. أصحها: لا يجعل الشرب تابعا اقتصارا على مقتضى اللفظ، إنما عليه بعرف مطرد. والثاني: يجعل تابعا. والثالث: يبطل العقد من أصله، لان تعارض المقصودين يوجب جهالة.
فصل استأجر أرضا لزرع معين، فانقضت المدة ولم يدرك، فلعدم الادراك فيها أسباب. أحدها: التقصير في الزراعة، بأن أخرها حتى ضاق الوقت، أو أبدل الزرع المعين بما هو أبطا منه، أو أكله الجراد ونحوه، فزرع ثانيا، فللمالك إجباره على

(4/285)


قلعه، وعلى الزارع تسوية الارض كالغاصب، هذا لفظ البغوي، ومقتضى إلحاقه بالغاصب، أن يقلع زرعه قبل انقضاء المدة أيضا، لكن المتولي وغيره صرحو ابأنه لا يقلع قبل انقضاء المدة، لان منفعة الارض في الحال له. قلت: الصواب ما صرح به المتولي وغيره، وليس مراد البغوي بالحاقه بالغاصب، القلع قبل المدة. والله أعلم فرع للمالك منعه من زراعة ما هو أبطأ إدراكا، وهل له منعه من زراعة الزرع المعين ابتداء إذا ضاق الوقت ؟ وجهان لانه استحق منفعة الارض تلك المدة، وقد يقصد القصيل. قلت: الاصح: أنه ليس له منعه. والله أعلم السبب الثاني: أن يتأخر الادراك لحر أو برد، أو كثرة المطر، أو أكل الجراد رؤوس الزرع، فنبت ثانيا فتأخر لذلك، فالصحيح أنه لا يجب على القلع، بل على المالك الصبر إلى الادراك مجانا أو بأجرة المثل. وقيل: له قلعه مجانا، لخروجه عن المدة. السبب الثالث: أن يكون الزرع المعين بحيث لا يدرك في المدة، بأن استأجر لزراعة الحنطة شهرين. فإن شرطا القلع بعد المدة، جاز، وكأنه أراد القصيل. ثم لو تراضيا على الابقاء مجانا أو بأجرة المثل، جاز، فإن شرطا الابقاء، فسد العقد، للتناقض بينه وبين التوقيت، ولجهالة مدة الادراك، ويجئ فيه خلاف سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى. وإذا فسد العقد، فللمالك منعه من الزراعة، لكن لو زرع، لم يقلع مجانا، للاذن، بل يأخذ منه أجرة المثل لجميع المدة. وإن أطلقا العقد، ولم يتعرضا لقلع ولا إبقاء، صح العقد على الاصح. فعلى هذا، إن توافقا بعد المدة على إبقائه مجانا أو بأجرة، فذاك. وإن أراد المالك إجباره على القلع، لم يكن له على الاصح، وهو اختيار القفال، لان العادة فيه الابقاء. وعلى هذا، فالاصح أن له أجرة المثل للزيادة. وقيل: لا، لانه في معنى معير للزيادة. وقال أبو الفرج السرخسي: إذا قلنا: لا يقلع بعد المدة، لزم تصحيح العقد إذا شرط الابقاء بعد المدة، وكأنه صرح بمقتضى الاطلاق، وهذا حسن. أما إذا استأجر للزراعة مطلقا

(4/286)


وقلنا بالاصح وهو صحته، فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدة. فإن زرعه وتأخر إدراكه لتقصير أو لغيره، فعلى ما ذكرناه في الزرع المعين. ولو أراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدة، فللمالك منعه. فلو زرع، لم يقلع انقضاء المدة. وقال صاحب المهذب يحتمل أن لا يمنع من زرعه، كما لا يقلع إذا زرع.
فصل استأجر للبناء أو الغراس، فإن شرط القلع، صح العقد، ولزم المستأجر القلع بعد المدة، وليس على المالك أرش النقصان، ولا على المستأجر تسوية الارض ولا أرش نقصها، لتراضيهما بالقلع. ولو شرطا الابقاء بعد المدة، فوجهان. أحدهما: العقد فاسد، لجهالة المدة. وهذا أصح عند الامام والبغوي. والثاني: يصح، لان الاطلاق يقتضي الابقاء، فلا يضر شرطه، وبهذا قطع العراقيون أو جمهورهم، ويتأيد به كلام السرخسي في مسألة الزرع. فإن قلنا بالفساد، لزم المستأجر أجرة المثل للمدة، وما بعدها حكمه ما سنذكره فيما إذا أطلقا العقد. أما إذا أطلقا، فالمذهب صحة العقد. وقيل: وجهان، وليس بشئ، ثم ينظر بعد المدة، فإن أمكن القلع والرفع بلا نقص، فعل، وإلا، فإن اختار المستأجر القلع، فله ذلك، لانه ملكه. وهل عليه تسوية الحفر وأرش نقص الارض ؟ وجهان. الاصح المنصوص: يلزمه، لتصرفه في أرذ الغير بالقلع بعد خروجها من يده، وتصرفه بغير إذن مالكها. فعلى هذا، لو قلع قبل المدة، لزمه التسوية على الاصح، لعدم الاذن. وقيل: لا، لبقاء الارض في يده وتصرفه. وإن لم يختر القلع، فهل للمؤجر أن يقلعه مجانا ؟ فيه طريقان. أحدهما: القطع بالمنع. والثاني: على وجهين. أصحهما: هذا، لانه بناء محترم. والثاني: نعم. فإن منعنا، فالكلام في أن المؤخر، يتخير بين أن يقلع ويغرم أرش النقص مع نقص الثمار إن كان على الشجر ثمر، أو يتملكه عليه بالقيمة، أو يبقية بأجرة يأخذها، أو لا يتخير إلا بين الخصلتين الاوليين من هذه الثلاث، على ما ذكرناه إذا رجع المعير عن العارية. وإذا انتهى الامر إلى القلع، فمباشرة القلع أو بدل مؤنته، هل هي على المؤجر لانه الذي اختاره، أم على المستأجر لانه شغل الارض فليفرغها ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وإذا عين المؤجر خصلة، فامتنع منها

(4/287)


المستأجر، ففي إجباره ما ذكرناه في إجبار المستعير. فإن أجبرناه، كلف تفريغ الارض مجانا، وإلا، فلا، بل هو كما لو امتنع المؤجر من الاختيار، وحينئذ هل يبيع الحاكم الارض بما فيها، أم يعرض عنهما ؟ فيه خلاف سبق. فرع الاجارة الفاسدة للغراس والبناء كالصحيحة في تخيير المالك ومنع القلع مجانا. فصل إذا استأجر لزراعة جنس معين، جاز أن يزرعه وما ضرره مثل ضرره أو دونه، لا ما فوقه، والحنطة فوق ضرر الشعير. وكل واحد من الذرة والارز فوق ضرر الحنطة. وعن البويطي: أنه لا يجوز غير زرع المعين، فقيل: هو قول للشافعي رضي الله عنه. وقيل: هو مذهب للبويطي. وكيف كان، فالمذهب جوازه. هذا إذا عين جنسا أو نوعا. فلو قال: أجرتكها لزرع هذه احنطة، ففي صحة العقد وجهان. أحدهما: المنع، لان تلك الحنطة قد تتلف. والثاني: الصحة، وهو اختيار ابن كج، ولا تتعذر الزراعة بتلف تلك الحنطة. قلت: الاصح: الصحة، لانه لا يتعذر بتلف الحنطة. ولو تعذر، لم يكن احتمال التلف مانعا، كالاستئجار لارضاع هذا الصبي، والحمل على هذه الدابة. والله أعلم ولو قال: لتزرع هذه الحنطة ولا تزرع غيرها، فأوجه. أحدها: يفسد العقد، لانينافي مقتضاه. قال ابن كج والروياني: وهذا هو المذهب. والثاني وهو اختيار الامام: صحة العقد وفساد الشرط، لانه شرط لا يتعلق به غرض، فهو كقوله: أجرتك على أن لا تلبس إلا الحرير. والثالث: يصح العقد والشرط، لانه يملك المنفعة من المؤجر، فملك بحسب التمليك. قلت: الاول أقوى. والله أعلم وعلى هذا قياس طريق أخرى فيه ولو ركبها في إستيفاء سائر المنافع. فإذا استأجر دابة للركوب في طريق، لم يركبها في مثل ذلك الطريق. وإذا استأجر لحمل الحديد، لم يحمل القطن ولا العكس، وإذا استأجر دكانا لصنعة، منع مما فوقها في الضرر.

(4/288)


فرع إذا تعدى المستأجر للحنطة، فزرع الذرة، ولم يتخاصما حتى انقضت المدة وحصد الذرة، فالمذهب، وهو نصه في المختصر وبه قال أبو علي الطبري والقاضي أبو حامد: أن المؤجر بالخيار، بين أن يأخذ المسمى وبدل النقصان الزائد بزراعة الذرة ععلى ضرر الحنطة، وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة. وقال كثيرون: في المسألة قولان. أحدهما: تعيين أجرة المثل للذرة. والثاني: تعيين المسمى وبدل النقص. وقال ابن القطان: قولان. أحدهما: المسمى وبدل النقص. والثاني: التخيير. قلت: وهل يصير ضامنا للارض غاصبا ؟ وجهان حكاهما الشاشي في المستظهري أصحهما: لا. والله أعلم ولو تخاصما عند إرادته زراعة الذرة، منع منها، وإن تخاصما بعد زراعتها وقبل حصادها، فله قلعها. وإذا قلع، فإن تمكن من زراعة الحنطة، زرعها، وإلا، فلا يزرع، وعليه الاجرة لجميع المدة، لانه الذي فوت مقصود العقد. ثم إن لم تمض على بقاء الذرة مدة تتأثر الارض بها، فذاك، وإن مضت، فالمستحق أجرة المثل ؟ أم قسطها من المسمى مع بدل النقصان ؟ أم يتخير بينهما ؟ فيه الطرق السابقة. والطرق جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها، فأسكنها الحدادين أو القصارين، أو دابة ليحمل عليها قطنا، فحمل بقدره حديدا، أو غرفة ليضع فيها مائة رطل حنطة، فأبدلها بحديد، وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد. فلو تميز، بأن استأجر دابة لحمل خمسين رطلا، فحمل مائة، أو إلى موضع، فجاوزه، وجب المسمى وأجرة المثل لما زاد قطعا. ولو عدل عن الجنس المشروط إلى غيره، بأن استأجر للزرع، فغرس، أو بنى، وجبت أجرة المثل على المذهب. وقيل بطرد الخلاف. وإذا قلنا بالمذهب في أصل المسألة: إنه يتخير، فاختار المسمى وبدل النقصان الزائد، فمثله أجرة مثلها للحنطة خمسون، وللذرة سبعون، وكان المسمى أربعين، فله الاربعون والتفاوت بين الاجرتين وهو عشرون. قلت: وإذا حصد المستأجر ما أذن فيه بعد المدة، لزمه قلع ما يبقى في الارض من قصب الزرع وعروقه، لانه عين ماله، فلزمه إزالته عن ملك غيره. وممن صرح به، صاحب البيان. والله أعلم

(4/289)


النوع الثالث: استئجار الدواب، وفيه مسائل. المسألة الاولى: إذا اكترى للركوب، قال الاكثرون: على المؤجر الاكاف والبرذعة، والحزام، والثفر، والخطام، والبرة، لانه لا يتمكن من الركوب دونها. والعرف مطرد بكونها على المؤجر. وفي السرج إذا اكترى الفرس أوجه. ثالثها: اتباع العادة. قلت: صحح الرافعي في المحرر اتباع العادة. والله أعلم وقال أبو الحسن العبادي في الرقم: لا يلزم مكري الدابة إلا تسليمها عارية، والآلات كلها على المستأجر. وقال البغوي: ما عدا السرج والاكاف والبرذعة، فعلى المؤجر. وأما هذه الثلاثة، فإن استأجر عين الدابة، فهي على المستأجر، ويضمن لو ركب بغير إكاف وسرج. وإن كانت على الذمة، فعلى المؤجر، لانها للتمكين من الانتفاع. أما ما هو للتسهيل على الراكب، كالمحمل، والمظلة، والوطاء،

(4/290)


والغطاء، والحبل الذي يشد به المحمل على البعير، والذي يشد به أحد المحملين إلى الآخر، (فعلى المستأجر، والعرف مضطرد به، وفي المهذب وجه في الحبل الذي يشد به أحدهما إلى الآخر أنه على المستأجر، وهو شاذ بعيد، مع القطع بأن المحمل وسائر توابعه على المستأجر. وأما شد أحد المحملين إلى الآخر)، فهل هو على المكري كالشد على الحمل ؟ أم على المكتري لانه إصلاح ملكه ؟ وجهان. قلت: أصحهما: الاول. وممن صححه صاحب البيان. والله أعلم هذا إذا أطلقا العقد، أما إذا قال: أكريتك هذه الدابة العارية بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما، فلا يلزمه شئ من الآلات. المسألة الثانية: إذا اكترى للحمل، فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول، عل المستأجر إن وردت الاجارة على عين الدابة. وعلى المؤجر إن ورث على الذمة. والدلو والرشاء في الاستئجار للاستقاء كالوعاء في الحمل، فيفرق بين العين والذمة. وعن القاضي حسين: أنه إن كان معروفا بالاستقاء بآلات نفسه، لزمه الاتيان بها، وهذا يجب طرده في الوعاء. ورأى الامام في إجارة الذمة، الفرق بين أن يلتزم الغرض مطلقا ولا يتعرض للدابة فتكون الآلات عليه، وبين أن يتعرض لها بالوصف وحينئذ يتبع العادة. فإن اضطربت، احتمل واحتمل. وإذا رأينا اتباع العادة، فاضطربت، فالاصح أنه يشترط لصحة العقد التقييد. قلت: الاصح الذي عليه الجمهور ما سبق. والله أعلم فرع مؤنة الدليل وسائق الدابة وقائدها والبذرقة وحفظ المتاع في المنزل، كالوعاء. المسألة الثالثة: الطعام المحمول ليؤكل في الطريق، كسائر المحمولات

(4/291)


في اشتراط رؤيته أو تقديره بالوزن على الصحيح. وقيل: لا يشترط تقديره، ويحمل الامر فيه على العادة. فعلى الصحيح: لا يشترط تقدير ما يؤكل منه كل يوم، لصحة العقد على الصحيح. وإذا قدره وحمله، فإن شرط أنه يبدله كلما نقص، أو لا يبدله، اتبع الشرط، وإلا، فإن فني بعضه أو كله بسرقة أو تلف، فله الابدال كسائر المحمولات. وإن فني بالاكل، فإن فني كله، أبدله على الصحيح. وإن فني بعضه، أبدله على الاظهر. ويقال: الاصح. وموضع الخلاف، إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه. أما إذا لم يجده، أو وجده بأعلى، فله الابدال قطعا. وإذا قلنا: لا يشترط تقدير الزاد وحمل ما يعتاد لمثله، لم يبدله حتى يفنى كله، وفيه وجه ضعيف. الرابعة: إذا اكترى للركوب في الذمة، لزم المؤجر الخروج مع الدابة لسوقها، وتعهدها، وإعانة الراكب فق الركوب والنزول. وتراعى العادة في كيفية الاعانة. فينيخ البعير للمرأة، لانه يصعب عليها النزول والركوب مع قيام البعير، وكذا إذا كان الرجل ضعيفا لمرض أو شيخوخة، أو كان مفرط السمن، أو نضو الخلق، ينيخ له البعير، ويقرب البغل والحمار من نشز يسهل عليه الركوب، والاعتبار في القوة والضعف بحال الركوب، لا بحال العقد. وإذا اكترى للحمل في الذمة، لزم المؤجر رفع الحمل وحطه وشد المحمل وحله. وفي شد أحد المحملين إلى الآخر وهما بعد على الارض، الوجهان السابقان قريبا. ويقف الدابة لينزل الراكب لما لا يتهيأ عليها، كقضاء الحاجة، والوضوء، وصلاة الفرض. وإذا نزل انتظره المكري ليفرغ منها، ولا يلزمه المبالغة في التخفيف، ولا القصر ولا الجمع، وليس له الابطاء ولا التطويل. قال الروياني:

(4/292)


وله النزول في أول الوقت لينال فضله، ولا يقفها للنوافل والاكل والشرب، لامكانها على الدابة. وإن ورد العقد على دابة بعينها، فالذي على المؤجر التخلية بين المستأجر وبينها، وليس عليه أن يعينه على الركوب ولا الحمل. هذا هو المذهب وقول الجمهور في نوعي الاجارة. وحكى الامام مع هذا، ثلاثة أوجه. أحدها: أنه إن قال في إجارة الذمة: ألزمت ذمتك تبليغي موضع كذا، لزمه الاعانة. وإن قال: ألزمت ذمتك منفعة دابة صفتها كذا، لم تلزمه. والثاني: تجب الاعانة على الركوب في إجارة العين أيضا. والثالث: تجب للحمل في نوعي الاجارة، لاطراد العادة بالاعانة على الحط والحمل وإن اضطربت في الركوب. ورفع المحمل وحطه كالحمل. فرع قال الشافعي رضي الله عنه: إذا اختلفا في الرحلة، هل لا مكبوبا ولا مستلقيا. قيل: المكبوب أن يجعل مقدم المحمل أو الزاملة أوسع من المؤجر، والمستلقي عكسه. وقيل: المكبوب بأن يضيق المقدم والمؤخر جميعا، والمستلقي أن يوسعهما جميعا. وعلى التفسيرين، المكبوب أسهل على الدابة، والمستلقي أسهل على الراكب. فإن اختلفا فيهما، حملا على الوسط المعتدل، وكذا إذا اختلفا في كيفية الجلوس. فرع ليس للمؤجر منع الراكب من النوم في وقته. ويمنعه في غير ذلك الوقت، لان النائم يتقل، قاله ابن كج. فرع قد يعتاد النزول والمشي للاراحة، فإن شرطا أن ينزل أو لا ينزل، اتبع الشرط. قال الامام: ويعرض في شرط النزول إشكال، لانقطاع المسابة، ويقع في كراء العقب. قال: لكن الاصحاب احتملوه للحاجة. وإن أطلقا، لم

(4/293)


يجب النزول على المرأة والمريض. وفي الرجل القوي وجهان، لتعارض اللفظ والعادة. وهكذا حكم النزول عند العقبات الصعاب. قلت: قال أصحابنا: وفي معنى المرأة والمريض، الشيخ العاجز. وينبغي أن يلحق بهم من كانت له وجاهة ظاهرة، وشهرة يخل بمروءته في العادة المشي. ثم الكلام مفروض في طريق يعتاد النزول فيه لاراحة الدابة. فإن لم تكن معتادة، لم يجب مطلقا، ولم نصحح شيئا من الوجهين في الرجل القوي. وينبغي أن يكون الاصح وجوب النزول عند العقبات، دون الاراحة. والله أعلم فرع إذا اكترى دابة إلى بلد، فبلغ عمرانه، فللمؤجر أخذ دابته، ولا يلزمه تبليغه داره. ولو اكترى إلى مكة، لم يكن له تتميم الحج عليها. وإن اكتراها للحج، ركبها إلى منى ثم عرفات، ثم المزدلفة، ثم منى مكة لطوف الافاضة. وهل يركبها إلى مكة راجعا إلى منى للرمي والطواف ؟ وجهان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما استحقاقه ذلك، لان الحج لم يفرغ، وإن كان قد تحلل. ومن مسائل هذا النوع لو طلب أحد المتكاريين مفارقة القافلة بالتقدم أو التأخر، لم يكن له إلا برضى صاحبه. والله أعلم فرع إذا اكترى دابة بعينها، فتلفت، انفسخ العقد، وإن وجد بها عيبا فله الخيار. والعيب، مثل ان تتعثر في المشي، أو لا تبصر في الليل، أو يكون بها عرج تتخلف به عن القافلة. ومجرد خشونة المشي، ليس بعيب.

(4/294)


وإن كانت الاجارة على الذمة، وسلم دابة وتلفت، لم ينفسخ العقد. وإن وجد بها عيبا، لم يكن له الخيار في فسخ العقد، ولكن على المؤجر إبدالها. ثم الدابة المسلمة عن الاجارة في الذمة وإن لم ينفسخ العقد بتلفها، فإنه ثبت للمستأجر فيها حق الاختصاص، حتى يجوز له إجارتها. ولو أراد المؤجر إبدالها، فهل له ذلك دون إذن المستأجر ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور: المنع، لما فيها من حق المستأجر. والثاني قاله أبو محمد واختاره الغزالي: إن اعتمد باللفظ الدابة، بأن قال: أجرتك دابة صفتها كذا، لم يجز الابدال. وإن لم يعتمدها، بل قال: التزمت إركابك ددبة صفتها كذا، جاز. ويتفرع على الوجهين ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين عن إجارة الذمة، هل يتقدم المستأجر بمنفعتها على الغرماء ؟ وقد ذكرناه في التفليس. والاصح: التقدم. ولو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقه في إجارة الذمة، فإن كان قبل أن يتسلم دابة، لم يجز، لانه اعتياض عن المسلم فيه. وإن كان بعد التسليم، جاز، لان هذا الاعتياض عن حق في عين، هكذا قاله الائمة. وفيه دليل على أن القبض يفيد تعلق حق المستأجر بالعين، فيمتنع الابدال دون رضاه. فصل نذكر فيه قولا جمليا في إبدال متعلقات الاجارة المنفعة المطلوبة في العقد، لها مستوف، مستوفى منه، ومستوفى به، فأما المستوفي وهو مستحق الاستيفاء، فله أن يبدل نفسه بغيره، كما يجوز أن يؤجر ما استأجر، فإذا استأجر دابة للركوب، فله أن يركبها مثل نفسه في الطول والقصر والضخامة والنحافة ومن هو أخف منه. وكذلك يلبس الثوب مثله، ويسكن الدار، دون القصار والحداد، لزيادة الضرر. وكذا إذا استأجر دابة لحمل القطن، فله حمل الصوف والوبر. أو لحمل الحديد، فله حمل النحاس

(4/295)


والرصاص. وإذا استأجر للحمل، فأراد إركاب من لا يزيد وزنه على القدر المحمول، قال المتولي: يرجع إلى أهل الصنعة. فإن قالوا: لا يتفاوت الضرر، جاز، وإن قالوا: يتفاوت، لم يجز. وكذا لو استأجر للركوب فأراد الحمل. والاصح: المنع في الطرفين، وهو مقتضى ما في التهذيب. وأما المستوفى منه، فهو الدار والدابة المعينة، والاجير المعين، ولا يجوز إبداله كما لا يبدل المبيع. وأما المستوفى به، فهو كالثوب المعين للخياطة والصبي المعين للارضاع والتعليم، والاغنام المعينة للرعي. وفي إبداله وجهان. ويقال: قولان. أحدهما: المنع. وأصحهما عند الامام والمتولي الجواز، لانه كالراكب. والخلاف جار في انفساخ الاجارة بتلف هذه الاشياء في المدة، وميل العراقيين إلى ترجيح الانفساخ، وقالوا: هو المنصوص. والثاني: مخرج. وسنزيد المسألة إيضاحا إن شاء الله تعالى في الباب الثالث. ويجري الخلاف فيما إذا لم يلتقم الصبي المعين ثديها، فعلى رأي، ينفسخ العقد، وعلى رأي، يبدل. فصل استئجار الثياب للبس، والبسط والزلالي للفراش، واللحف للالتحاف، جائز. وإذا استأجر ثوبا ليلبسه مدة، لم يجز أن ينام فيه بالليل. وهل له النوم فيه (في) وقت القيلولة ؟ وجهان. أصحهما وبه قطع الاكثرون: جوازه للعادة. لكن لو كان المستأجر القميص الفوقاني، لزمه نزعه بل يلزمه نزعه في سائر أوقات الخلوة، وإنما تلبس ثياب التجمل في الاوقات التي جذت العادة فيها بالتجمل،

(4/296)


كحالة الخروج إلى السوق ونحوه، ودخول الناس عليه، ولا يجوز الاتزار بما يستأجر للبس، ويجوز الارتداء به على الاصح. قال المتولي: وإذا استأجر للارتداء، لم يجز الاتزار، ويجوز التعمم. قلت: هذا الذي ذكره الامام الرافعي في النوم في الثوب، هو الذي اطلقه الجمهور، إلا قوله: هل يجوز النوم في وقت القيلولة ؟ فإن الاكثرين قالوا: يجوز النوم فيه بالنهار من غير تقييد بالقيلولة، ولكن ضبطه الصيمري فقال: إن نام ساعة أو ساعتين، جاز، لانه متعار ف. وإن نام أكثر النهار، لم يجز. قالوا: وإذا استأجر للبس مطلقا، فله لبسه ليلا ونهارا إذا كان مستيقظا قطعا. ولو استأجر للبس ثلاثة أيام، ولم يذكر الليالي، فالصحيح دخول الليالي. وقيل: لا تدخل، حكياه في العدة والبيان. وإذا استأجر يوما كاملا، فوقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وإن قال: يوما، وأطلق، قال الصيمري: كان من وقته إلى مثله من الغد. وإن استأجر نهار يوم، قال في البيان: فيه وجهان حكاهما الصيمري. أحدهما: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. والثاني: من طلوع الشمس إلى غروبها. والله أعلم الطرف الثاني: في بيان حكم الاجارة في الامانة والضمان. مال الاجارة، تارة يكون في يد المستأجر، وتارة في يد الاجير على العمل. وأما المستأجر، ففيه مسألتان. إحداهما: يده على الدابة والدار المستأجرتين ونحوهما في مدة الاجارة يد أمانة، فلا يضمن ما تلف منها بغير تعد وتقصير وهل يضمن ما يتلف في يده بعد مضي المدة ؟ يبنى على أنه هل على المستأجر الرد ومؤنته ؟ وفيه وجهان. أصحهما عند الغزالي: لا، وإنما عليه التخلية بين المالك وبينها إذا طلب، لانه أمانة فأشبه الوديعة. وأقربهما إلى كلام الشافعي رضي الله عنه: يلزمه الرد ومؤنته وإن لم يطلب المالك، لانه غير مأذون في الامساك

(4/297)


بعد المدة، ولانه أخذ لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير. قال القاضي أبو الطيب: ولو شرط عليه الرد، لزمه بلا خلاف، ومنعه ابن الصباغ وقال: من لا يوجبه عليه، ينبغي أن لا يجوز شرطه. فإن قلنا: لا يلزمه الرد، فلا ضمان. وإن قلنا: يلزمه الرد، لزمه الضمان، إلا أن يكون الامساك بعذر. قلت: صحح الرافعي في المحرر أنه لا ضمان. والله أعلم ويترتب على الوجهين، ضمانه أجرة المنافع التي تتلف في يده بعد المدة. فإن ألزمناه الرد، ضمناه، وإلا، فلا. قلت: وفي فتاوى الغزالي، القطع بأن الاجارة إذا انفسخت بسبب، لا يلزم المستأجر ضمان المنافع التالفة عنده، لانه أمين، وهذا محمول على ما إذا علم المالك بأنها انفسخت، وإلا، فيجب أن يعلمه. وإذا لم يعلمه، كان مقصرا ضامنا. والله أعلم ولو غصبت الدابة المستأجرة مع دواب الرفقة، فذهب بعضهم في الطلب، ولم يذهب المستأجر، فإن قلنا: لا يلزمه الرد، فلا ضمان عليه. وإن ألزمناه، فإن استرد من ذهب بلا مشقة ولا غرامة، ضمن المستأجر المتخلف. وإن لحقه غرامة ومشقة، لم يضمن، قاله الشيخ أبو عاصم العبادي. فرع لو استأجر قدرا مدة ليطبخ فيها، ثم حملها بعد المدة ليردها، فسقط الحمار فانكسرت، قال أبو عاصم: إن كان لا يستقل بحملها، فلا ضمان. وإن كان يستقل، فعليه الضمان، سواء ألزمناه الرد، أم لا، لان العادة أن القدر لا ترد بالحمار مع استقلال المستأجر أو حمال بها. المسألة الثانية: الدابة المستأجرة للحمل أو الركوب، إذا ربطها المستأجر

(4/298)


ولم ينتفع بها في المدة، فالقول في استقرار الاجرة عليه، سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا ضمان عليه لو ماتت في الاصطبل. فلو انهدم عليها فهلكت به، نظر، إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت لو خرج بها أن يكون في الطريق، وجب عليه ضمانها. وإن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن يكون تحت السقف، كجنح الليل في الشتاء، فلا ضمان. فصل وأما المال في يد الاجير، كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته، والعبد إذا استؤجر لتعليمه أو لرضاعه، والدابة إذا استؤجر لرياضتها. فإذا تلف والاجير منفرد باليد، فهو، إما أجير مشترك، وإما منفرد. والمشترك: هو الذي يتقبل العمل في ذمته، كما هو عادة الخياطين والصواغين. فإذا التزم لواحد، أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل، فكأنه مشترك بين الناس. والمنفرد: هو الذي أجر نفسه مدة مقدرة لعمل، فلا يمكنه تقبل مثل ذلك العمل لغيره في تلك المدة. وقيل: المشترك: هو الذي شاركه في الرأي فقال: اعمل في أي موضع شئت. والمنفرد: هو الذي عين عليه العمل وموضعه. أما المشترك، فهل يضمن ما تلف في يده بلا تعد ولا تقصير ؟ فيه طريقان. أصحهما: قولان. أحدهما: يضمن كالمستعير والمستام. وأظهرهما: لا يضمن كعامل القراض. والثاني: لا يضمن قطعا. وأما المنفرد، فلا يضمن على المذهب، وقطع به جماعة. أما إذا لم يكن الاجير منفردا باليد، كما إذا قعد المستأجر عنده حتى عمل، أو حمله إلى بيته ليعمل، فالمذهب وبه قطع الجمهور: لا ضمان، لان المال غير مسلم إليه حقيقة،

(4/299)


وإنما استعان به المالك، كالاستعانة بالوكيل. وعن الاصطخري والطبري، طرد القولين. وحيث ضمنا الاجير، فالواجب أقصى قيمة من القبض إلى التلف، أم قيمة يوم التلف ؟ فيه وجهان. قلت: أصحهما: الثاني. والله أعلم هذا كله إذا لم يتعد الاجير، فإن تعدى، وجب الضمان قطعا، وذلك مثل أن يسرف على الخبز في الايقاد ويلصق الخبز قبل وقته، أو يتركه في التنور فوق العادة حتى يحترق، أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات، لان تأديبه بغير الضرب ممكن. ومتى اختلفا في التعدي ومجاوزة الحد، عملنا بقول عدلين من أهل الخبرة، فإن لم نجدهما، فالقول قول الاجير. ومتى تلف المال في يده بعد تعديه، فالواجب أقصى قيمة من وقت التعدي إلى التلف إن لم يضمن الاجير. فإن ضمناه، فأقصى قيمة من القبض إلى التلف، كذا ذكره البغوي وغيره. ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا: يضمن بأقصى قيمة من القبض إلى التلف. فأما إن قلنا: يضمن قيمة يوم التلف، فينبغي أن يجب هنا أقصى قيمة من التعدي إلى التلف. قلت: هذا الاستدراك الذي ذكره الامام الرافعي، متعين لا بد منه. والله أعلم فرع قال الاصحاب: إذا حجمه أو ختنه فتلف، إن كان المحجوم والمختون حرا، فلا ضمان، لانه لا تثبت اليد عليه. وإن كان عبدا، نظر في انفراد الحاجم باليد وعدم انفراده، وأنه أجير مشترك، أم لا ؟ وحكمه ما سبق. والمذهب: أنه لا ضمان مطلقا إذا لم يفرط. وكذا البيطار إذا بزغ الدابة فتلفت، والراعي المنفرد كذلك، فلا ضمان عليهما على المذهب، ولو اكتراه ليحفظ متاعه في دكانه فتلف، فلا ضمان (قطعا)، لان المال في يد المالك. فصل إذا دفع ثوبا إلى قصار ليقصره، أو خياط ليخيطه، أو جلس بين

(4/300)


يدي حلاق ليحلق رأسه، أو دلاك ليدلكه، ففعل، ولم يجر بينهما ذكر أجرة ولا نفيها، فيه أوجه. أصحها وهو المنصوص: لا أجرة له مطلقا، لانه لم يلتزم، وصار كما لو قال: أطعمني خبزا، فأطعمه، لا ضمان عليه. والثاني: يستحق أجرة المثل. والثالث: إن بدأ المعمول له فقال: افعل كذا، لزمه الاجرة. وإن بدأ العامل فقال: أعطني ثوبا لاقصره، فلا أجرة. والرابع: إن كان العامل معروفا بذلك العمل وأخذ الاجرة ذليه، استحق الاجرة للعادة، وإلا، فلا. ولو دخل سفينة بغير إذن صاحبها، وسار إلى الساحل، لزمه الاجرة. وإن كان بالاذن ولم يجر ذكر الاجرة، فعلى الاوجه. وإذا لم نوجب الاجرة، فالثوب أمانة في يد القصار ونحوه. وإن أوجبناها، فوجوب الضمان على الخلاف في الاجير المشترك. فرع فيما يأخذه الحمامي أوجه. أحدها: أنه ثمن الماء، وهو متطوع

(4/301)


بحفظ الثياب وإعارة السطل، فعلى هذا، الثياب غير مضمونة على الحمامي، والسطل مضمون على الداخل. والثاني: أنه ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل. وأصحها: أنه أجرة الحمام والسطل والازار وحفظ الثياب. وأما الماء، فغير مضبوط، ولا يقابل بعوض. فعلى هذا، السطل غير مضمون على الداخل، والحمامي أجير مشترك في الثياب، فلا يضمن على المذهب كسائر الاجراء، وإنما وجبت الاجرة هنا وإن لم يجر لها ذكر ولم يطرد فيه الخلاف، لان الداخل مستوف منفعة الحمام بسكونه، وهناك صاحب المنفعة صرفها. فصل إذا عمل الاجير، ثم تلفت العين التي عمل عليها، نظر، إن لم يكن منفردا باليد، بل عمل في ملك المستأجر، أو في حضرته، لم تسقط أجرته. وإن كان منفردا باليد، بأن سلم الثوب إلى قصار فقصره، ثم تلف عنده، بني على الخلاف السابق في باب التفليس، أن القصارة عين، أم أثر ؟ فإن قلنا: أثر، لم تسقط الاجرة، ثم إن ضمنا الاجير، فعليه قيمة ثوب مقصور، وإلا، فلا شئ عليه. وإن قلنا: عين، سقطت أجرته وعليه قيمة ثوب غير مقصور إن ضمنا الاجير أو وجد منه تعد، وإلا، فلا شئ عليه. وإن أتلف أجنبي الثوب المقصور، فإن قلنا: القصارة أثر، فللاجير الاجرة، وعلى الاجنبي القيمة. ثم المستأجر على قول تضمين الاجير، يتخير بين مطالبة الاجير والاجنبي، والقرار على الاجنبي. وإن قلنا: عين، جاء الخلاف فيما إذا أتلف أجنبي المبيع قبل القبض. فإن قلنا: ينفسخ العقد، فهو كما لو تلف، وإلا، فللمستأجر الخيار في فسخ الاجارة وإجازتها. فإن أجاز ولم يضمن الاجير، استقرت له الاجرة، والمستأجر يغرم الاجنبي قيمة ثوب مقصور. وإن ضمناه، فالمستأجر بالخيار، إن شاء ضمن الاجنبي قيمة ثوب مقصور، وإن شاء ضمن الاجنبي قيمة القصارة، والاجير قيمة ثوب غير مقصور، ثم الاجير يرجع على الاجنبي. وإن فسخ الاجارة، فلا أجرة عليه ويغرم الاجنبي قيمة ثوب غير مقصور. وإن ضمنا الاجير، غرم القيمة من شاء منهما، والقرار على الاجنبي ويغرم الاجنبي الاجير قيمة القصارة. ولو أتلف الاجير الثوب، فإن قلنا: القصارة أثر، فله الاجرة، وعليه قيمة ثوب مقصور. وإن قلنا: عين، جاء الخلاف في أن إتلاف البائع كالآفة السماوية، أم كإتلاف الاجنبي ؟ إن قلنا: كالآفة،

(4/302)


فالحكم ما سبق. وإن قلنا: كالاجنبي، وأثبتنا للمستأجر الخيار، فإن فسخ الاجارة، سقطت الاجرة وعلى الاجير قيمة ثوب غير مقصور. وإن أجازها، استقرت الاجرة، وعليه قيمة ثوب مقصور. وصبغ ولثوب بصبغ صاحب الثوب كالقصار. وإن استأجره ليصبغ بصبغ من عنده، قال المتولي: هو جمع بين البيع والاجارة، ففيه الخلاف المعروف. وسواء صح، أم لم يصح، فإذا هلك الثوب عنده، سقطت قيمة الصبغ. وسقوط الاجرة على ما ذكرنا في القصارة. فرع سلم ثوبا إلى قصار ليقصره، فجحده ثم أتى به مقصورا، استحق الاجرة إن قصره ثم جحد، وإن جحد ثم قصره، فوجهان، لانه عمل لنفسه. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما: الفرق بين أن يقصد بعمله لنفسه فلا أجرة، أو يقصد عمله عن الاجارة الواجبة فيستحق الاجرة. والله أعلم فصل المستأجر يضمن بالتعدي، بأن ضرب الدابة أو كبحها فوق العادة، وعادة الضرب تختلف في حق الراكب، والرائض، والراعي، فكل يراعى فيه عادة أمثاله، ويحتمل في الاجير للرياضة والرعي ما لا يحتمل في المستأجر للركوب. وأما الضرب المعتاد، إذا أفضى إلى تلف، فلا يوجب ضمانا، ويخالف ضرب الزوج زوجته، فإنه مضمن، لانه يمكن تأديبها بغير الضرب. ولو نام بالليل في الثوب الذي استأجره، أو نقل فيه التراب، أو ألبسه عصارا، أو دباغا، أو غيرهما ممن هو دون حاله، أو أسكن الدار قصارا أو حدادا أو غيرهما ممن هو أشد ضررا منه، أو أركب الدابة أثقل منه، وجب الضمان، وقراره على

(4/303)


الثاني إن كان عالما، وإلا، فعلى الاول. وإن أركبها مثله، فجاوز العادة في الضرب، فالضمان على الثاني دون الاول، لانه لم يتعد. ولو اكترى لمائة رطل حديد، فحمل مائة من القطن أو التبن، أو بالعكس، أو مائة رطل حنطة، فحمل مائة رطل شعير أو عكسه، ضمن، لان الشعير أخف، ومأخذه من ظهر الدابة أكثر، والحنطة يجتمع ثقلها في موضع واحد، وكذا القطن والحديد. ولو اكترى لعشرة أقفزة حنطة، فحمل عشرة شعيرا، لم يضمن، لان قدرهما في الحجم سواء، والشعير أخف، وبالعكس يضمن. ولو اكترى ليركب بسرج، فركب بلا شئ أو عكسه، ضمن، لان الاول أضر بالدابة، والثاني زيادة على المشروط. ولو اكترى ليحمل عليها بالاكاف، فحمل بالسرج، ضمن، لانه أشق عليها، وبالعكس لا يضمن، إلا أن يكون أثقل، ولو اكترى ليركب بالسرج، فركب بالاكاف، ضمن، وبالعكس لا يضمن، إلا أن يكون أثقل، وقس على هذا أشباهه. فرع لو اكترى دابة لحمل مقدار سمياه، فكان المحمول أكثر، نظر، إن كانت الزيادة بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين من ذلك المبلغ، فلا عبرة بها، وإن كانت أكثر، بأن كان المشروط عشرة آصع، والمحمول أحد عشر، فللمسألة ثلاثة أحوال. أحدها: إذا كال المستأجر الطعام، وحمله هو عليها، فعليه أجرة المثل لما زاد على المشهور، وفي قول: عليه أجرة المثل للجميع. وفي قول: يتخير بين

(4/304)


المسمى وما دخل الدابة من نقص وبين أجرة المثل. وفي قول: يتخير بين المسمى وأجرة المثل للزيادة وبين أجرة المثل للجميع. فلو تلفت البهيمة بالحمل، فإن انفراد المستأجر جاليد، ولم يكن معها صاحبها، فعليه ضمانها، لانه صار غاصبا، وإن كان معها صاحبها، فهل يلزمه كل القيمة، أم نصفها، أم قسط الزيادة من جملة القيمة ؟ فيه أقوال. أظهرها: الثالث، ورجحه الامام وغيره. وعن الشيخ أبي محمد، أن الثاني أظهر. ولو تلفت الدابة بسبب غير الحمل، ضمن عند انفراده بايد، ولم يضمن اإذا لم ينفرد. وأما اإذا لم يحمل المستأجر الطعام بنفسه، ولكنه كاله وسلمه إلى المؤجر، فحمله المؤجر على البهيمة، فإن كان المؤجر جاهلا بالحال، بأن قال له هو عشرة كاذبا، وجب الضمان على المذهب، كما لو حمل بنفسه. وقيل: قولان، لاجتماع الغرور والمباشرة. وإن كان عالما بالزيادة، نظر، إن لم يقل له المستأجر شيئا، ولكن حمله المؤجر، فحكمه ما يأتي في الحال الثاني، لانه حمل بغير إذن صاحبه، ولا فرق بين أن يضعه المستأجر على الارض فيحمله المؤجر على البهية، وبين أن يضعه على ظهر الدابة وهى واقفة فيسيرها المؤجر. وإن قال المستأجر: احمل هذه الزيادة، فأجابه، قال المتوالى: هو مستعير للبهيمة في الزيادة، فلا أجرة لها، وإذا تلفت البهيمة بالحمل ب، فعليه الضمان. وفى كلام الائمة ما ينازعه في الاجرة والضمان جميعا. الحال الثاني: إذا كال المؤجر وحمله على البهيمة، فلا أجرة لما زاد، سواء غلط أو تعمد، وسواء جهل المستأجر الزيادة أو علمها وسكت، لانه لم يأذن في نقل الزيادة، فلا يجب عليه ضمان البهيمة، وله مطالبة المؤجر برد الزيادة إلى الموضع المنقول منه، وليس للمؤجر أن يردها دون رضاه. فلو لم يعلم المستأجر حتى عاد إلى البلد المنقول منه، فله مطالبة المؤجر بردها. والاظهر أو الاصح: أن له مطالبته ببدلها في الحال، كما لو أبق المغصوب من يد الغاصب. والثاني: لا يطالبه ببدلها، لان عين ماله باقية، وردها مقدور عليه. فإذا قلنا بالاول، فعرم البدل، فإذا ردها إلى ذلك البلد، استرد البدل وردها إليه.

(4/305)


أما لو كال المؤجر، وحمله المستأجر على البهيمة، قال المتولي: إن كان المؤجر عالما بالزيادة، فهو كما لو كال بنفسه وحمل، لانه لما علم بالزيادة كان من حقه أن لا يحملها. وإن كان جاهلا، فوجهان مأخوذان مما لو قدم الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا، هل يبرأ من الضمان ؟ الحال الثالث: إذا كال أجنبي وحمل بلا إذن، فعليه أجرة الزيادة للمؤجر، وعليه الرد إلى الموضع المنقول منه إن طالبه المستأجر، وضمان البهيمة على ما ذكرناه في حق المستأجر. وان تولى الحمل بعد كيل الاجنبي أحد المتكاريين، نظر، أعالم هو، أم جاهل ؟ ويقاس بما ذكرناه. هذا كله إذا اتفقا على الزيادة، وعلى أنها للمستأجر، فإن اختلفا في أصل الزيادة، أو قدرها، فالقول قول المنكر. وإن ادعى المؤجر أن الزيادة له، والدابة في يده، فالقول قوله. وإن لم يدعها واحد منهما، تركت في يد من هي في يده حتى يظهر مستحقها، ولا يلزم المستأجر أجرتها. فرع لو وجد المحمول على الدابة دون المشروط، نظر، إن كان النقص بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين، فلا عبرة به، وإن كان أكثر، قال المتولي: إن كال المؤجر، حط من الاجرة بقسطه إن لم يعلم المستأجر. فإن علم، فإن كانت الاجارة في الذمة، فكذلك، لانه لم يف بالمشروط. وإن كانت إجارة عين، فالحكم كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص، فلا يحط شئ من الاجرة، لان التمكين من الاستيفاء قد حصل، وذلك كاف في تقرر الاجرة. فرع إكترى إثنان دابة وركباها، فارتدفهما ثالث بغير إذنهما، فتلفت، ففيما يلزم المرتدف ثلاثة أوجه. أحدها: نصف القيمة. والثاني: ثلثها. والثالث: تقسط على أوزانهم، فيلزمه حصة وزنه. قلت: أصحها: الثاني. قال الشيخ أبو حامد وغيره: لو سخر رجلا مع بهيمته، فتلفت البهيمة في يد صاحبها، لم يضمنها المسخر، لانها في يد صاحبها. والله أعلم فصل إذا دفع ثوبا إلى خياط ليقطعه ويخيطه، فخاطه قباء، ثم اختلفا،

(4/306)


فقال الخياط: أمرتني بقباء، وقال: بل أمرتك بقميص، أو سود الثوب بصبغ وقال: هكذا أمرتني، فقال: بل أمرتك بصبغة أحمر، ففيه خمسة طرق. أصحها وبه قال الاكثرون: في المسألة قولان. أظهرهما عند الجمهور: أن القول قول المالك. والثاني: القول قول الخياط والصباغ. والطريق الثاني: فيه ثلاثة أقوال. هذان، والثالث: أنهما يتحالفان. والطريق الثالث: قولان. تصديق المالك، والتحالف. والرابع: القطع بالتحالف، قاله أبو علي الطبري، وصاحب التقريب، والشيخ أبو حامد. والخامس: عن ابن سريج، إن جرى بينهما عقد، تعين التحالف، وإلا، فالقولان الاولان. فإ قلنا: القول قول الخياط، فإذا حلف، لا أرش عليه قطعا، ولا أجرة له على الاصح. والثاني: يجب له المسمى إتماما لتصديقه. والثالث: أجرة المثل. فإذا قلنا: لا أجرة له بيمينه، فله أن يدعي الاجرة على المالك، ويحلفه، فإن نكل، ففي تجديد اليمين عليه وجهان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما: التجديد، وهذه قضية مسأنفة. والله أعلم وإن قلنا: القول قول المالك. فإذا حلف، فلا أجرة عليه، ويلزم الخياط أرش النقص على المذهب. وقيل: فيه وجهان كما في وجوب الاجرة تفريعا على تصديق الخياط. والفرق على المذهب: أن القطع يوجب الضمان، إلا أن يكون بإذن، وهو غير موجب إلا بإذن. ثم في الارش الواجب وجهان. أحدهما: ما بين قيمته

(4/307)


صحيحا ومقطوعا. والثاني: ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء. وعلى هذا إن لم ينقص، فلا شئ عليه. وعلى الثاني: في استحقاقه الاجرة للقدر الذي يصلح للقميص من القطع، وجهان. قال ابن أبي هريرة: نعم، وبه قطع البغوي، وضعفه ابن الصباغ، لانه لم يقطعه للقميص. قلت: المنع أصح، ونقله صاحب البيان عن نص الشافعي رضي الله عنه. والله أعلم وإذا قلنا: يتحالفان، فحلفا، فلا أجرة للخياط قطعا، ولا أرش عليه على الاظهر. وإذا أراد الخياط نزع الخيط، لم يمكن منه حيث حكمنا (له) بالاجرة، سواء كان الخيط للمالك أو من عنده، لانه تابع للخياطة. وحيث قلنا: لا أجرة، فله نزع خيطه كالصبغ. وحينئذ لو أراد المالك أن يشد بخيطه خيطا ليدخر في الدروز إذا خرج الاول، لم يكن له إلا برضى الخياط. وأما كيفية اليمين، فقال في الشامل: إن صدقنا الخياط، حلف بالله: ما أذنت لي في قطعه قميصا، ولقد أذنت لي في قطعه قباء، قال: وإن صدقنا المالك، كفاه عندي أن يحلف: ما أذنت له في قطعه، ولا حاجة إلى التعرض، لان وجوب الغرم وسقوط الاجرة يقتضيهما نفي الاذن في القباء. وإن قلنا بالتحالف، جمع كل واحد في يمينه بين النفي والاثبات كما سبق في البيع. (قال ابن كج: والكلام في البداءة بمن ؟ هو كما سبق في البيع)، والمالك هنا في رتبة البائع. قلت: وقال الشيخ أبو حامد: إذا صدقنا الخياط، حلف: لقد أذنت لي في قطعه قباء فقط. فإن لم نثبت للخياط أجرة، فهذا أصح من قول صاحب الشامل لان هذا القدر كا ف في نفي الغرم عنه وإن اثبتناها، فقول صاحب الشامل هو الصواب. والله أعلم

(4/308)


فرع قال للخياط: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه، فقطعه فلم يكفه، ضمن الارش، لان الاذن مشروط بما لم يوجد. وإن قال: هل يكفيني قميصا، فقال: نعم، فقال: أقطعه، فقطعه فلم يكفه، لم يضمن، لان الاذن مطلق. فصل اختلاف المتكاريين في الاجرة أو المدة أو قدر المنفعة، هل هي عشرة فراسخ، أم خمسة، أم كل الدار، أم بيت منها ؟ يوجب التحالف، فإذا تحالفا، فسخ العقد، وعلى المستأجر أجرة المثل لما استوفاه.
الباب الثالث : في الطوارئ الموجبة للفسخ
فالفسخ والانفساخ، يثبت بخلل يعرض في المعقود عليه، وهو ثلاثة أقسام. إحداها: ما ينقص المنفعة. ومتى ظهر بالمستأجرة نقص تتفاوت به الاجرة، فهو عيب مثبت للفسخ، وذلك كمرض العبد والدابة، وانقطاع ماء البئر وتغيره بحيث يمنع إلشرب، وانكسار دعائم الدار واعوجاجها، وانهدام بعض جدرانها، لكن لو بادر المؤجر إلى الاصلاح، وكان قابلا للاصلاح في الحال، سقط خيار المستأجر كما سبق. وسواء كان العيب سابقا للعقد أو القبض، أو حادثا في يد المستأجر. ثم إن ظهر العيب قبل مضي مدة لها أجرة، فإن شاء فسخ ولا شئ عليه، وإن شاء أجاز بجميع الاجرة. وإن ظهر في أثناء المدة، فالوجه ما ذكره المتولي وهو انه إن أراد الفسخ في جميع المدة، فهو كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما، ثم وجد بالباقي عيبا وأراد الفسخ فيهما. وإن أراد الفسخ فيما بقي من المدة، فهو كما لو أراد الفسخ في العبد الباقي وحده، وحكمهما مذكور في البيع. وأطلق الجمهور القول بأن له الفسخ، ولم يذكروا هذا التفصيل. ومتى امتنع الفسخ، فله الارش، فيعرف أجرة مثله سليما ومعيبا، ويعرف التفاوت بينهما. هذا كله في إجارة العين. أما إذا وجد في إجارة الذمة بالدابة المسلمة عيبا، فلا فسخ، بل يردها ويلزم المؤجر إبدالها. فصل لا تنفسخ الاجارة بالاعذار، سواء كانت إجارة عين أو ذمة، وذلك كما إذا استأجر دابة للسفر عليها فمرض، أو حانوتا لحرفة فندم أو هلكت آلات تلك

(4/309)


الحرفة، أو حماما فتعذر الوقود، وكذا لو كان العذر للمؤجر، بأن مرض وعجز عن الخروج مع الدابة، أو أكرى داره وأهله مسافرون، فعادوا واحتاج إلى الدار، أو تأهل، فلا فسخ في شئ منها، إذ لا خلل في المعقود عليه. ولو اكترى أرضا للزراعة، فزرعها، فهلك الزرع بجائحة من سيل أو شدة حر أو برد أو كثر مطر ونحوها، فليس له الفسخ ولا حط شئ من الاجرة، لان الجائحة لحقت زرع المستأجر، لا منفعة الارض، فصار كما لو اكترى دكانا لبيع البز فاحترق بزه، لا تنفسخ الاجارة. فلو فسدت الارض بجائحة أبطلت قوة الانبات في مدة الاجارة، انفسخت الاجارة في المدة الباقية. ثم إن كان فساد الارض بعد فساد الزرع، فهل يسترد شيئا من الاجرة ؟ فيه احتمالان للامام. أصحهما عند الغزالي: المنع، لانه لو بقيت صلاحية الارض، لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع. والثاني وبه قطع بعض أصحاب الامام: يسترد، لان بقاء الارض على صفتها مطلوب. فإذا زال، ثبت الانفساخ. وإن كان فساد الزرع بعد فساد الارض، فأصح الاحتمالين بالاتفاق: الاسترداد. القسم الثاني: فوات المنفعة بالكلية حسا، فمن صوره موت الدابة والاجير المعين، فإن كان قبل القبض أو عقبه قبل

(4/310)


مضي مدة لمثلها أجرة، انفسخ العقد. وإن كان في خلال المدة، انفسخ العقد في الباقي وفي الماضي الطريقان فيما إذا اشترى عبدين، فقبض أحدهما وتلف الثاني قبل القبض، هل ينفسخ البيع في المقبوض ؟ فإن قلنا: ينفسخ في الماضي، سقط المسمى ووجب أجرة المثل لما مضى. وإن قلنا: لا ينفسخ فيه، فهل له خيار الفسخ ؟ وجهان. أصحهما عند الامام والبغوي: لا، لان منافعه استهلكت. والثاني: نعم، وبه قطع ابن الصباغ وآرون، لان جميع المعقود عليه لم يسلم. فإن قلنا: له الفسخ، ففسخ، رجع إ لى أجرة المثل. وإن قلنا: لا فسخ، أو أجاز، وجب قسط ما مضى من المسمى، والتوزيع على قيمة المنفعة وهي أجرة المثل، لا على نفس الزمان، وذلك يختلف، فربما تزيد أجرة شهر على أجرة شهرين، لكثرة الرغبات في ذلك الشهر. وإن كدنت مدة الاجارة سنة، ومضى نصفها، وأجرة المثل فيه مثلا أجرة المثل في النصف الباقي، وجب من المسمى ثلثاه. وإن كانت بالعكس، فثلثه. وإذا أثبتنا الخيار بعيب، ففسخ العقد في المستقبل، ففي الانفساخ في الماضي الطريقان. فإن لم ينفسخ، فطريق التوزيع ما بيناه. وإن أجازه، فعليه الاجرة المسماة بتمامها، كما لو رضي بعيب المبيع، لزمه جميع الثمن. وسواء حصل التلف بآفة سماوية، أم بفعل المستأجر، بل لو قتل العبد أو الدابة المعينة، كان حكم الانفساخ والاجرة ما ذكرناه، ويلزمه قيمة ما أتلف. وعن ابن أبي هريرة: أنه تستقر عليه الاجرة المسماة بالاتلاف كما يستقر الثمن على المشتري بإتلافه. والصحيح الاول، لان البيع ورد على العين، فإذا أتلفها صار قابضا، والاجارة واردة على المنافع، ومنافع الزمن المستقبل معدومة لا يتصور ورود الاتلاف عليها، وعلى هذا لو عيب المستأجر الدار، أو جرح العبد، فهو كالتعيب بآفة سماوية في ثبوت الخيار. فرع نص أن انهدام الدار يقتضي الانفساخ، ونص فيما إذا اكترى أرضا

(4/311)


للزراعة ولها ماء: معتاد فإنقطع، أن له فسخ العقد، وفيهما ثلاثة طرق. أحدها: تقرير النصين، لان الدار لم تبق دارا، والارض بقيت أرضا، ولان الارض يمكن زراعتها بالامطار. والثاني: القطع بعدم الانفساخ. وأصحها: قولان في المسألتين. أظهرهما: في الانهدام الانفساخ، وفي انقطاع الماء: ثبوت الخيار، وإنما يثبت الخيار إذا انقطعت الزراعة. فإن قال المؤجر: أنا أسوق إليها ماء من موضع آخر، سقط الخيار كما لو بادر إلى إصلاح الدار. فإن قلنا بالانفساخ، فالحكم كموت العبد، وإلا، فله الفسخ في المدة الباقية. وفي الماضي الوجهان. فإن منعناه، فعليه قسط ما مضى من المسمى، وإن أجاز، لزمه المسمى كله، وقيل يحط للانهدام وانقطاع الماء ما يخصه. فرع لو غصب العبد المستأجر أو أبق، أو ندت الدابة، فإن كانت الاجارة في الذمة، فعلى المؤجر الابدال. فإن امتنع، استؤجر عليه. وإن كانت إجارة عين، أو غصبت الدار المستأجرة، فللمستأجر الخيار. فإن كان ذلك في أثناء المدة، فإن اختار الفسخ، فسخ في الباقي. وفي الماضي الخلاف السابق. وإن لم يفسخ وكان قد استأجر مدة معلومة فانقضت، بني على الخلاف فيما إذا أتلف أجنبي المبيع قبل القبض، هل ينفسخ البيع، أم لا ؟ إن قلنا: ينفسخ، فكذلك الاجارة، ويسترد الاجرة. وإن قلنا: لا ينفسخ، فكذلك

(4/312)


الاجارة، ويتخير بين أن يفسخ ويسترد الاجرة، وبين أن يجيز ويطالب الغاصب بأجرة المثل. والذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه والاصحاب، انفساخ الاجارة وإن كان البناء المذكور يقتضي ترجيح عدم الانفساخ، لكن المذهب الانفساخ. وعلى هذا، لو عاد إلى يده وقد بقي بعض المدة، فللمستأجر أن ينتفع به في الباقي، وتسقط حصة المدة الماضية، إلا إذا قلنا: إن الانفساخ في بعض المدة يوجب الانفساخ في الباقي، فليس له الانتفاع في بقية المدة. وإن كان استأجره لعمل معلوم، فله أن يستعمله فيه متى قدر عليه. وإذا بادر المؤجر إلى الانتزاع من الغاصب، ولم تتعطل منفعة على المستأجر، سقط خياره كما سبق في إصلاح الدار. فرع إذا أقر المؤجر بالمستأجرة للغاصب من المستأجر أو لغيره، ففي قبول إقراره في الرقبة قولان. أظهرهما: القبول. فإن قبلناه، ففي بطلان حق المستأجر من المنفعة أوجه. أصحها: لا يبطل. والثاني: يبطل. والثالث: إن كانت العين في يد المستأجر تركت في يده إلى انقضاء المدة. وإن كانت في يد المقر له، لم تنزع منه، فإن قلنا بالبطلان، فهل يحلف المؤجر ؟ فيه الخلاف المذكور في أن المرتهن، هل يحلف الراهن إذا أقر بالمرهون وقبلناه ؟ فرع للمؤجر مخاصمة من غصب المستأجرة أو سرقها، وليس للمستأجر المخاصمة على الاصح المنصوص كالمودع والمستعير، ويجري الوجهان في أن المرتهن هل يخاصم لان له حقا ؟
فصل الثوب المعين للخياطة، إذا تلف، ففي انفساخ العقد خلاف سبق. الاصح عند الامام وجماعة: لا ينفسخ، وعن العراقيين والشيخ أبي علي: أنه ينفسخ لتعلقه بذلك الثوب، وبه قطع ابن الحداد، وفيما إذا اكترى دواب في الذمة لحمل خمسة أعبد معينين، فمات إثنان منهم وحمل ثلاثة، فقال: له ثلاثة أخماس الكراء وسقط خمساه، والصورة فيما إذا تساوت أوزانهم، ويشهد له نص الشافعي رضي الله عنه حيث قال: إذا نكحها على خياطة ثوب معين فتلف قبل الخياطة، لها مهر المثل. قال الشيخ أبو علي: والخلاف فيما إذا ألزم ذمته خياطة

(4/313)


ثوب بعينه، أو حمل متاع بعينه، أو عبد، فإن العقد وإن كان في الذمة، فمتعلق بعين الثوب والمتاع. أما إذا استأجر دابة بعينها مدة لركوب أو حمل متاع، فهلكا، فلا ينفسخ العقد، بل يجوز إبدال الراكب والمتاع بلا خلاف. فإن قلنا: لا ينفسخ، فأتى بثوب مثله، فذاك. وإن لم يأت لعجزه، أو امتنع مع القدرة حتى مضت مدة إمكان العمل، ففي استقرار الاجرة وجهان. قلت: أصحهما: لا تستقر. والله أعلم فإن قلنا: تستقر، فللمستأجر فسخ العقد على الاصح، لانه ربما لا يجد ثوبا آخر، أو لا يريد قطعه. فرع موت الصبي المعين للتعليم، كتلف الثوب المعين للخياطة، وكذا الصبي المعين للارضاع إن لم يكن ولد المرضعة. فإن كان ولدها، فخلاف مرتب، وأولى بالانفساخ، لان درور اللبن على ولدها أكثر من الاجنبي، فلا يمكن إقامة غيره مقامه. فرع لو بدأ له في قطع الثوب المعين وهو باق، قال الامام: المتجه أنه لا يجب عليه الاتيان به، لكن تستقر عليه الاجرة إذا سلم الاجير نفسه ومضى مدة إمكان العمل إن قلنا: تستقر الاجرة بتسليم الاجير نفسه وليس للاجير فسخ الاجارة، وإن قلنا: لا تستقر، فله فسخها، وليس للمستأجر الفسخ بحال، لان الاجارة لا تنفسخ بالاعذار.
فصل لا تنفسخ الاجارة بموت المتعاقدين، بل إن مات المستأجر، قام

(4/314)


وارثه في استيفاء المنفعة مقامه. وإن مات المؤجر، ترك المال عند المستأجر إلى انقضاء مدة الاجارة، فإن كانت الاجارة على الذمة، فما التزمه، دين عليه. فإن كان في التركة وفاء، استؤجر منها لتوفيته، وإلا، فالواراث بالخيار، إن شاء وفاه واستحق الاجرة، وإن أعرض فللمستأجر فسخ الاجارة. ولو أوصى بداره لزيد مدة عمر زيد، فقبل الوصية، وأجرها زيد مدة، ثم مات في خلالها، انفسخت الاجارة، لانتهاء حقه بموته. فصل إذا أكرى جمالا فهرب، فتارة يهرب بها، وتارة يهرب ويتركها عند المستأجر، فإن هرب بها، نظر، فإن كانت الاجارة في الذمة، إكترى الحاكم عليه من ماله. فإن لم يجد له مالا، اقترض عليه من بيت المال أو من المستأجر أو غيره واكترى عليه. قال في الشامل: ولا يجوز أن يكل أمر الاكتراء إلى المستأجر، لانه يصير وكيلا في حق نفسه. وإن تعذر الاكتراء عليه، فللمستأجر الفسخ كما لو انقطع المسلم فيه عند المحل. فإن فسخ، فالاجرة دين في ذمة الجمال وإن لم يفسخ، فله مطالبة الجمال - إذا عاد - بما التزمه. وإن كانت إجارة عين، فللمستأجر فسخ العقد، كما أذا ندت الدابة. وأما إذا تركها عند المستأجر، فإن تبرع بالانفاق عليها، فذاك، وإلا، راجع الحاكم لينفق عليها وعلى من يقوم بتعهدها من مال المؤجر إن وجده، وإلا، استقرض عليه كما ذكرنا، ثم إن وثق بالمستأجر، سلم إليه ما اقترضه لينفق عليها، وإلا، دفعه إلى من يثق به. وإذا لم يجد مالا آخر، باع منها بقدر الحاجة لينفق عليها من ثمنه، ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجرة، لانه محل ضرورة، ويبقى في يد المستأجر إلى انتهاء المدة. ولو لم يقترض الحاكم من المستأجر، ولكن أذن له في الانفاق ليرجع، جاز على الاظهر، كما لو اقترض منه ثم دفعه إليه. والثاني: المنع، ويجعل متبرعا.

(4/315)


وعلى الاول، لو اختلفا في قدر ما أنفق، فالصحيح: أن القول قول المنفق. وقيل: قول الجمال. قلت: قال أصحابنا: إنما يقبل قول المستأجر إذا ادعى نفقة مثله في العادة. والله أعلم. ولو أنفق المستأجر بغير إذن الحاكم مع إمكانه، لم يرجع. وإن لم يكن حاكم، فعلى ما ذكرناه في عامل المساقاة إذا هرب. قال الامام: ولو كان هناك حاكم، وعسر إثبات الواقعة عنده، فهو كما إذا لم يكن حاكم. وإذا أثبتنا الرجوع فيما إذا أنفق بغير مراجعة الحاكم، فاختلفا في قدره، فالقول قول الجمال، لان إنفاقه لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم، قال: وفيه احتمال، لان الشرع سلطة عليه. وإذا انقضت مدة الاجارة ولم يعد الجمال، باع الحاكم منها ما يقضي بثمنه ما اقترضه وحفظ باقيها. وإن رأى بيعها لئلا تأكل نفسها، فعل. فصل إذا اكترى دابة أو دارا مدة، وقبضها وأمسكها حتى مضت المدة، انتهت الاجارة واستقرت الاجرة سواء انتفع بها في المدة، أم لا، وليس له الانتفاع بعد المدة، فإن فعل، لزمه أجرة المثل مع المسمى. ولو ضبضت المنفعة بالعمل دون المدة، بأن استأجر دابة ليركبها إلى بلد، أو ليحمل عليها إلى موضع معلوم، وقبضها وأمسكها عنده حتى مضت مدة يمكن فيها السير إليه، استقرت عليه الاجرة أيضا، وسواء تخلف المستأجر لعذر أم لغيره، حتى لو تخلف لخوف الطريق أو عدم الرفقة، استقرت الاجرة عليه، لان المنافع تلفت في يده، ولانه يمكنه السفر عليها إلى بلد آخر واستعمالها في البلد تلك، وليس للمستأجر فسخ العقد بهذا السبب، ولا أن يلزم المؤجر استرداد الدابة إلى تيسر الخروج، هذا في إجارة العين، فإن كانت على الذمة وسلم دابة بالوصف المشروط، فمضت المدة عند المستأجر، استقرت الاجرة أيضا، لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكن. ولو كانت الاجارة فاسدة، استقرت فيها أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الاجارة الصحيحة، سواء

(4/316)


انتفع، أم لا، وسواء كانت أجرة المثل أقل من المسمى أو أكثر. فرع أجر الحر نفسه لعمل معلوم، وسلم نفسه، فلم يستعمله المستأجر حتى مضت المدة، أو مدة يمكن فيها ذلك العمل، استقرت الاجرة على الاصح، ويجري الخلاف فيما إذا ألزم ذمة الحر عملا، فسلم نفسه مدة إمكان ذلك العمل ولم يستعمله، وطرد المتولي الخلاف فيما إذا التزم الحر عملا في الذمة وسلم عبده ليستعمله فلم يستعمله، ووجهه بما يقتضي إثبات خلاف في كل إجارة على الذمة. ثم إن قلنا: لا تستقر، فللاجير أن يرفع الامر إلى الحاكم ليجبره على الاستعمال. فرع أكرى عينا مدة، ولم يسلمها حتى مضت المدة، انفسخت الاجارة، لفوات المعقود عليه، فلو استوفى منفعة المدة، فطريقان. أحدهما: أنه كاتلاف البائع المبيع قبل القبض. والثاني: القطع بالانفساخ. ولو أمسكها بعض المدة، ثم سلمها، انفسخت الاجارة في المدة التي تلفت منافعها. وفي الباقي الخلاف فيما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض، فإن قلنا: لا ينفسخ، فللمستأجر الخيار، ولا يبدل زمان بزمان. ولو لم تكن المدة مقدرة، واستأجر دابة للركوب إلى بلد فلم يسلمها حتى مضت مدة يمكن فيها المضي إليه، فوجهان، أحدهما: تنفسخ الاجارة، وهو اختيار الامام. وأصحهما وبه قطع الاكثرون: لا تنفسخ، لان هذه

(4/317)


الاجارة متعلقة بالمنفعة لا بالزمان، ولم يتعذر استيفاؤها. فعلى هذا، قال الاصحاب: لا خيار للمستأجر، كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع مدة ثم سلمه. وشذ الغزالي فقال في الوسيط: له الخيار، لتأخر حقه. والمعروف، ما سبق. ولو كانت الاجارة في الذمة ولم يسلم ما تستوفى المنفعة منه حتى مضت مدة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة، فلا فسخ ولا انفساخ بحال، لانه دين تأخر إيفاؤه. القسم الثالث: فوات المنفعة شرعا، كفواتها حسا في اقتضاء الانفساخ، لتعذر الاستيفاء، فإذا استؤجر لقلع سن وجعة، أو يد متأكلة، أو لاستيفاء قصاص في نفس أو طرف، فالاجارة صحيحة على الاصح كما سبق، فإذا زال الوجع، أو عفي عن القصاص، فقد أطلق الجمهور أن الاجارة تنفسخ، وفيه كلامان. أحدهما: أن المنفعة في هذه الاجارة مضبوطة بالعمل دون الزمان، وهو غير مأيوس منه، لاحتمال عود الوجع، فليكن زوال الوجع كغصب المستأجرة حتى يثبت خيار الفسخ دون الانفساخ. والثاني: حكى الشيخ أبو محمد وجها أن الاجارة لا تنفسخ، بل يستعمل الاجير في قلع مسمار أو وتد، ويراعى تداني العملين، وهذا ضعيف، والقوي ما قيل أن الحكم بالانفساخ جواب على أن المستوفى به لا يبدل، فإن جوزناه، أمره بقلع سن وجعة لغيره. فصل إذا آجر الوقف البطن الاول، ثم مات في أثناء المدة، فوجهان. أحدهما: تبقى الاجارة بحالها كما لو آجر ملكه فمات. وأصحهما: المنع، لان المنافع بعد موته لغيره، ولا ولاية له عليه، ولا نيابة، ثم عبارة الجمهور بالانفساخ وعدمه، ففي وجه: ينفسخ. وفي وجه: لا ينفسخ، واستبعدها الصيدلاني والامام وطائفة، لان الانفساخ يشعر بسبق الانعقاد، وجعلوا الخلاف في أنا هل نتبين البطلان لانا تبينا أنه تصرف في غير ملكه ؟ ثم إن أبقينا الاجارة، فحصة المدة الباقية من الاجرة تكون للبطن الثاني، فإن أتلفها الاول، فهي دين في تركته، وليس كما لو أجر ملكه ومات في المدة، حيث تكون جميع الاجرة تركة تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه، لان التصرف ورد على خالص ملكه، والباقي له بعد الاجارة رقبة مسلوبة المنفعة في تلك المدة، فتنتقل خلى الوارث كذلك. وإن قلنا: لا تبقى الاجارة،

(4/318)


فهل تبطل فيما مضى ؟ قال ابن الصباغ: يبنى على الخلاف في تفريق الصفقة. فإن قلنا: لا تفرق، كان للبطن الاول أجرة المثل لما مضى. أما إذا أجر الوقف متولية، فموته لا يؤثر في الاجارة على الصحيح، لانه ناظر للجميع. وقيل: تبطل الاجارة كما سيأتي في ولي الصبي إن شاء الله تعالى. فرع للولي إجارة الطفل وماله، أبا كان أو وصيا أو قيما، إذا رأى المصلحة فيها، لكن لا يجاوز مدة بلوغه بالسن. فلو أجره مدة يبلغ في أثنائها، بأن كان ابن سبع سنين، فأجره عشر سنين، فطريقان. قال الجمهور: يبطل فيما يزيد على مدة البلوغ، وفيما لا يزيد قولا تفريق الصفقة. والثاني: القطع بالبطلان في الجميع، وهو الاصح عند البغوي. قلت: واختاره أيضا ابن الصباغ. والله أعلم ويجوز أن يؤجره مدة لا يبلغ فيها بالسن وإن احتمل بلوغه بالاحتلام، لان الاصل بقاء الصبا فلو انفق في الاحتلام في اثنائها، فوجهان، اصحهما عند الصاحب ولان المهذب والروياني: بقاء الاجارة. وأصحهما عند الامام والمتولي: لا تبقى. قلت: صحح الرافعي في المحرر الثاني. والله أعلم ثم التعبير عن هذا بالانفساخ أو تبين البطلان، كما ذكرنا في مسألة الوقف.

(4/319)


وإذا قلنا: لا تبقى الاجارة، جاء فيما مضى خلاف تفريق الصفقة. وإذا قلنا: تبقى، فهل له خيار الفسخ إذا بلغ ؟ وجهان. أصحهما: لا، كما لو زوجها ثم بلغت. فرع أجر الولي مال المجنون، فأفاق في أثناء المدة، فهو كبلوغ الصبي بالاحتلام. فصل لو أجر عبده ثم أعتقه، نفذ، لان إعتاق المغصوب والآبق نافذ، فهذا أولى، ولا تنفسخ الاجارة على الصحيح، ولا خيار للعبد على الاصح، ولا يرجع على السيد بأجرة المثل للمدة الواقعة بعد العتق على الاظهر الجديد. وقيل: على الاصح. فإن قلنا: يرجع، فنفقته في تلك المدة على نفسه، لانه مالك لمنفعة نفسه. وإن قلنا: لا يرجع، فهل هي على سيده لادامة حبسه ؟ أم في بيت المال لانه حر عاجز ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. قلت: فإن قلنا: النفقة على السيد، فوجهان. أحدهما: تجب بالغة ما بلغت. وأصحهما: يجب أقل الامرين من أجرة مثله وكفايته. والله أعلم ولو ظهر بالعبد عيب بعد العتق، وفسخ المستأجر الاجارة، فالمنافع للعتيق إن قلنا: يرجع بمنافعه على السيد، وإلا، فهل هي له، أم للسيد ؟ وجهان. قلت: الاصح: كونها للعتيق. والله أعلم ولو أجر عبده ومات، وأعتقه الوارث في المدة، ففي انفساخ الاجارة ما سبق. فإن قلنا: لا انفساخ، لم يرجع هنا على المعتق بشئ بلا خلاف. ولو أجر أم ولده ومات في المدة، عتقت. وفي بطلان الاجارة، الخلاف المذكور إذا أجر البطن الاول الوقف ومات، وكذا الحكم في إجارة المعلق عتقه

(4/320)


بصفة. قال البغوي: وإنما تجوز إجارته مدة لا تتحقق الصفة فيها، فإن تحققت، فهو كإجارة الصبي مدة يتحقق بلوغه فيها. قلت: هذا الذي قاله البغوي ظاهر إن منعنا بيع العين المستأجرة، فإن جوزناه فينبغي أن يقطع بجواز إجارته هنا، لانه متمكن من بيعه، وإبقاء الاجارة إلى انقضاء مدتها، بخلاف مسألة الصبي، لكن قد يقال: وإن تمكن فقد لا يفعل. والله أعلم فرع كتابة العبد المكرى جائزة عند ابن القطان، باطلة عند ابن كج. قلت: الثاني: أقوى. والله أعلم فإن جوزناها، عاد الخلاف في الخيار وفي الرجوع على السيد. قلت: ومن مسائل الفصل، ما ذكره ابن كج، وهو خارج عن القواعد السابقة: أنه لو أكرى دارا لعبد ثم قبض العبد وأعتقه، فانهدمت الدار، رجع على المعتق بقدر ما بقي في المدة من قيمة العبد. والله أعلم.
فصل إذا باع العين المستأجرة، فله حالان. الحال الاول: البيع للمستأجر، وهو صحيح قطعا. ثم في الاجارة وجهان. أحدهما: تنفسخ، قاله ابن الحداد، ويعبر عنه بأن الاجارة والملك لا يجتمعان. وأصحهما: لا تنفسخ. فعلى الاول، يرجع المستأجر على المؤجر بقية المدة على الاصح. وقال ابن الحداد: لا يرجع. ولو فسخ المستأجر البيع بعيب، لم يكن (له) الامساك بحكم الاجارة، لانها قد انفسخت بالشراء.

(4/321)


ولو تلفت العين، لم يرجع على البائع بشئ، لان الاجارة غير باقية عند التلف، وعلى الوجه الثاني الاصح، وهو أن الاجارة لا تنفسخ بالشراء، ففي صورة فسخ البيع بالعيب له الامساك بحكم الاجارة، ولو فسخ عقد الاجارة، رجع على البائع بأجرة بقية المدة. وفي صورة التلف تنفسخ الاجارة بالتلف، وحكمه ما سبق، وتتخرج على الخلاف في أن الاجارة والملك هل يجتمعان ؟ مسائل. إحداها: أوصى لزيد برقبة دار، ولعمرو بمنفعتها، وأجرها لعمرو، ففي صحة الاجارة الوجهان. الثانية: مات المستأجر ووارثه، المؤجر ففي انفساخها الوجهان. الثالثة: أجر المستأجر العين المستأجرة للمالك، جاز على الصحيح المنصوص، كما يجوز أن يبيعه ما اشتراه منه، ومنعه ابن سريج، لاجتماع الملك والاجارة. الرابعة: أجر داره لابنه، ومات الاب في المدة ولا وارث له غير الابن المستأجر، وعليه ديون مستغرقة، بني أولا على أن الوارث هل يملك التركة وهناك دين مستغرق ؟ إن قلنا: لا يملك، بقيت الاجارة بحالها. وإن قلنا: يملك، وهو الصحيح، فعلى الاصح: لا تنفسخ الاجارة. وعلى قول ابن الحداد: تنفسخ، لان الملك طرأ على الاجارة. وادعى الروياني أن هذا أصح. وإذا انفسخت الاجارة، قال ابن الحداد: الابن غريم يضارب بأجرة بقية المدة للغرماء، ووافقه بعضهم، وخالفه المعتبرون، لانه خلاف ما سبق عنه في الشراء: أنه لا يرجع، وضعفوا الفرق. ولو مات الاب المؤجر عن ابنين، أحدهما المستئجر، فعلى الاصح: لا تنفسخ الاجارة في شئ من الدار، ويسكنها المستأجر إلى انقضاء المدة، ورقبتها بينهما بالارث. وقال ابن الحداد: تنفسخ الاجارة في النصف الذي يملكه

(4/322)


المستأجر، وله الرجوع بنصف أجرة ما انفسخ العقد فيه، لان مقتضى الانفساخ في النصف الرجوع بنصف الاجرة، لكنه خلف ابنين والتركة في يدهما، والدين الذي يلحقها يتوزع، فيخص الراجع الربع، ويرجع بالربع على أخيه، فإن لم يترك الميت سوى الدار، بيع من نصيب الاخ المرجوع عليه بقدر ما يثبت به الرجوع، وهذا بعيد عند الائمة، لان الابن المستأجر ورث نصيبه بمنافعه، وأخوه ورث نصيبه مسلوب المنفعة، ثم قد تكون أجرة مثل الدار في تلك المدة مثلي ثمنها، فإذا رجع على الاخ بربع الاجرة، إحتاج إلى بيع نصيبه، فيكون أحدهما قد فاز بجميع نصيبه، وبيع نصيب الآخر وحده في دين الميت. قال الشيخ أبو علي: ولو لم يخلف إلا الابن المستأجر، ولا دين عليه، فلا فائدة في الانفساخ، ولا أثر له، لان الكل له، سواء (أخذ) بالارث، أو أخذ مدة الاجارة بالاجارة وبعدها بالارث، وسواء أخذ بالدين أم بالارث. فرع أجر البطن الاول الوقف للبطن الثاني، ومات المؤجر في المدة، فإن قلنا: لو أجر أجنبيا بطلت الاجارة، فهنا أولى، وإلا، فوجهان، لانه طرأ الاستحقاق في مدة الاجارة. قال الامام: وهذا أولى بارتفاع الاجارة. الحال الثاني: البيع لغير المستأجر، وهو صحيح على الاظهر عند الاكثرين. ويجري القولان سواء أذن المستأجر، أم لا. وإذا صححنا، لم

(4/323)


تنفسخ الاجارة، كما لا ينفسخ النكاح ببيع المزوجة، ويترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدة، وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلا. وإن كان عالما، فلا فسخ له، ولا أجرة لتلك المدة، وكذا لو كان جاهلا وأجاز، ذكره البغوي، ويشبه أن يكون على الخلاف في مدة بقاء الزرع إذا باع أرضا مزروعة. ولو وجد المستأجر به عيبا، وفسخ الاجارة، أو عرض ما تنفسخ به الاجارة بمنفعة بقية المدة، لمن يكون ؟ وجهان. قال ابن الحداد: للمشتري. وقال أبو زيد: للبائع، لان المشتري لم يملك منافع تلك المدة. وبناهما المتولي على أن الرد بالعيب يرفع العقد من أصله، أم من حينه ؟ إن قلنا بالاول، فهي للمشتري وكأن الاجارة لم تكن. وإن قلنا: من حينه، فللبائع، لانه لم يوجد عند الرد ما يوجب الحق للمشتري. قال: ولو تقايلا الاجارة، فإن قلنا: الاقالة بيع، فهي للبائع. وإن قلنا: فسخ، فكذلك على الصحيح، لانها ترفع العقد من حينها قطعا. وإذا حصل الانفساخ، رجع المستأجر بأجرة بقية المدة على البائع. قال ابن كج: ويحتمل أن يرجع على المشتري. فرع القولان في صحة بيع المستأجر يجريان في هبته، وتجوز الوصية به قطعا. فرع لو باع عينا واستثنى منفعتها لنفسه سنة أو شهرا، فطريقان. أحدهما يحكى عن ابن سريج: أنه على قولي بيع المستأجر. والمذهب: القطع ببطلان العقد.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بالباب الأول إحداها: قال: ألزمت

(4/324)


ذمتك نسج ثوب صفته كذا على أن تنسجه بنفسك، لم يصح العقد، لانه غرر، فأشبه السلم في شئ معين. الثانية: يصح استئجار الارض بما يستأجر به الثوب والعبد من الدراهم والطعام وما تنبت الارض وغيرها، إذا عين أو وصف. الثالثة: إذا استأجر دابة ليركبها إلى بلد بعشرة دنانير، وجب نقد بلد العقد. ولو كانت الاجارة فاسدة، فالاعتبار في أجرة المثل بموضع إتلاف المنفعة نقدا أو وزنا. الرابعة: تجوز إجارة المصحف والكتب لمطالعتها والقراءة منها. الخامسة: لا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ لنها السمك. فلو استأجرها ليحبس فيها الماء حتى يجتمع فيها السمك، جاز على الصحيح. السادسة: يصح من المستأجر إجارة ما استأجره بعد قبضه، سواء أجر بمثل ما استأجر، أم بأقل، أم بأكثر. وفي إجارته قبل القبض وجهان. قال ابن سريج: يجوز، والاصح: المنع. فعلى هذا، في إجارته المؤجر وجهان، كبيع المبيع للبائع قبل قبضه. قلت: الاصح: صحة إجارته للمؤجر. والله أعلم السابعة: المستعير لا يكري. فلو استعار ليكريه، لم يصح على الاصح. وقيل: يجوز كما لو استعاره ليرهنه. الثامنة: أجر ناظر المسجد حانوته الخراب، بشرط أن يعمره المستأجر بماله، ويكون ما أنفقه محسوبا من أجرته، لم تصح الاجارة، لانه عند الاجارة غير منتفع به. التاسعة: لا تجوز إجارة الحمام بشرط أن تكون مدة تعطله بسبب العمارة

(4/325)


ونحوها محسوبة على المستأجر، ولا على المؤجر، لا بمعنى انحصار الاجارة في المدة في الباقي لان المدة تصير مجهولة، ولا بمعنى استيفاء مثلها بعد المدة لان آخر المدة يصير مجهولا. العاشرة: استأجره ليبيع له شيئا معينا، جاز، لان الظاهر أنه يجد راغبا، ولشراء شئ معين لا يجوز، لان رغبة مالكه في البيع غير مظنونة، ولشراء شئ موصوف يجوز، ولبيع شئ معين لا يجوز. الحادية عشرة: لو أراد استئجاره للخروج إلى بلد السلطان، والتظلم للمستأجر، وعرض حاله في المظالم، قال القفال في الفتاوى: يستأجر مدة كذا ليخرج إلى موضع كذا ويذكر حاله في المظالم ويسعى في أمره عند من يحتاج إليه، فتصح الاجارة، لان المدة معلومة وإن كان في العمل جهالة، كما لو استأجره يوما ليخاصم غرماءه، قال: ولو بدا للمستأجر، فله أن يستعمله فيما ضرره مثل ذلك. الثانية عشرة: حكى ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه، أنه لا تصح إجارة الارض حتى ترى لا حائل دونها من زرع وغيره، وفي هذا تصريح بأن إجارة الارض المزروعة لا تصح، توجيها بأن الزرع يمنع رؤيتها، وفيها معنى آخر وهو تأخر التسليم والانتفاع عن العقد، ومشابهته إجارة الزمان المستقبل، ويقرب منه ما لو أجر دارا مشحونة بطعام وغيره وكان التفريغ يستدعي مدة، ورأيت للائمة فيما جمع من فتاوى القفال جوابين فيه. أحدهما: أنه إن أمكن التفريغ في مدة ليس لمثلها أجرة، صح العقد، وإلا، فلا، لانه إجارة مدة مستقبلة. والثاني: أنه إن كان يذهب في التفريغ جميع مدة الاجارة، لم يصح. وإن كان يبقى منها شئ، صح ولزم قسطه من الاجرة إذا وجد فيه التسليم. وخرجوا على

(4/326)


الجوابين، ما إذا استأجر دارا ببلد آخر، فإنه لا يتأنى التسليم إلا بقطع المسافة بين البلدين، وما إذا (باع) جمدا وزنا وكان ينماع بعضه إلى أن يوزن. قلت: الصحيح من الجوابين هو الاول، بل قد تقدم في الشرط الثالث من الركن الرابع من الباب الاول وجه: أنه لا تصح إجارة المشحونة بالقماش وإن أمكن تفريغها في الحال. وتقدم هناك، أن المذهب صحة إجارة الارض المستورة بالماء للزراعة، وليس هو مخالفا للمذكور هنا، لان التعليل هناك بأن الماء من مصالحها مفقود هنا. والاصح عندي، فيما إذا استأجر دارا ببلد آخر، الصحة، وفي الجمد المنع، لامكان بيعه جزافا. والله أعلم الثالثة عشرة: إذا استأجر للخدمة، وذكر وقتها من الليل والنهار، وفصل أنواعها، صح. وإن أطلق، فقد حكي عن النص المنع، والمذهب الجواز، ويلزم ما جرت العادة به. وفصل القاضي أبو سعد بن أبي يوسف أنواعها فقال: يدخل في هذه الاجارة، غسل الثوب وخياطته، والخبز والعجن وإيقاد النار والتنور، وعلف الدابة وحلبها، وخدمة الزوجة، والغرس في الدار، وحمل الماء إلى الدار للشرب، وإلى المتوضئ للطهارة. وعن سهل الصعلوكي: أن علف الدابة وحلبها، وخدمه الزوجة، لا تدخل إلا بالتنصيص عليها، وينبغي أن يكون الحكم كذلك في خياطة الثوب وحمل الماء إلى الدار، ويجوز أن يختلف الحكم فيه بالعادة. وذكر بعض شراح المفتاح أنه ليس له إخراجه من البلدة، إلا أن يشرط عليه مسافة معلومة من كل جانب، وأن عليه المكث عنده إلى أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة. قلت: المختار في هذا كله، الرجوع إلى عادة الخادم في ذلك البلد وذلك الوقت، ويختلف ذلك باختلاف مراتب المستأجرين، وباختلاف الاجراء، وفي

(4/327)


الذكورة والانوثة من الطرفين، وغير ذلك، فيدخل ما اقتضه العادة دون غيره. والله أعلم الرابعة عشرة: استأجره على القيام على ضيعة، قام عليها ليلا ونهارا على المعتاد. الخامسة عشرة: استأجره للخبز، بين أنه يخبز أقراصا، أو أرغفة غلاظا أو رقاقا، وأنه يخبز في تنور أو فرن، وآلات الخبز على الاجير إن كانت إجارة على الذمة، وإلا، فعلى المستأجر، وليس على الاجير إلا تسليم نفسه، والقول فيمن عليه السادسة عشرة: قال بعض شراح المفتاح: لو اكترى الحطب كالحبر في حق الوراق دابة ليركبها فرسخين، لم يجز حتى يبين شرقا أو غربا، فإذا بين فأراد العدول إلى غيرها، فللمكري منعه، لان المعين قد يكون أسهل، أو له فيه غرض، وهذا يخالف ما سبق، فليجعل وجها.
فصل في مسائل تتعلق بالباب الثاني إحداها: استأجره لعمل مدة، يكون زمن الطهارة والصلوات - فرائضها وسننها الرواتب - مستثنى، ولا ينقص من الاجرة، وسواء فيه الجمعة وغيرها. وعن ابن سريج، جواز ترك الجمعة بهذا السبب، حكاه أبو الفضل بن عبدان. والسبوت في استئجار اليهودي مستثناة إن أطرد عرفهم، قال الغزالي ف الفتاوى. الثانية: استأجر مرضعة لتعهد الصبي، فالدهن على أبيه، فإن جرى عرف البلد بخلافه، فوجهان. الثالثة: استأجره لحمل حطب إلى داره وهي ضيقة الباب، هل عليه إدخاله الدار ؟ فيه قولان للعرف، ولا يكلف صعود السطح به.

(4/328)


الرابعة: استأجره لغسل ثياب معلومة، فحملها إليه حمال، فإن شرطت أجرته على أحدهما، فذاك، وإلا، فعلى الغسال، لانه من تمام الغسل. الخامسة: استأجره لقطع أشجار بقرية، لم تجب عليه أجرة الذهاب والمجئ، لانهما ليسا من العمل، ذكر هذه المسائل الاربع أبو عاصم العبادي. السادسة: إستأجر دابة ليركبها ويحمل عليها كذا رطلا، فركب وحمل وأخذ في السير، فأراد المؤجر أن يعلق عليها مخلاة أو سفرة أو نحوهما من قدام القتب أو من خلفه، أو أن يردف معه رديفا، فللمستأجر منعه. السابعة: إستأجر دابة ليركبها إلى موضع معلوم، فركبها (إليه)، فعن صاحب التقريب أن له أن يردها إلى الموضع الذي سار منه، إلا أن ينهاه صاحبها. وقال الاكثرون: ليس له ردها، بل يسلمها إلى وكيل المالك إن كان، وإلا، فإلى الحاكم هناك. فإن لم يكن حاكم، فإلى أمين، فإن لم يجد أمينا، ردها أو استصحبها إلى حيث يذهب، كالمودع يسافر بالوديعة للضرورة. وإذا جاز له الرد، لم يجز له الركوب، بل يسوقها أو يقودها، إلا أن يكون بها جماح لاتنقاد إلا بالركوب، وبمثله لو استعار للركوب إليه. قال العبادي: له الركوب في الرد، لان الرد لازم له، فالاذن تناوله بالعرف، والمستأجر لا رد عليه. الثامنة: إستأجر دابة للركوب إلى مكان، فجاوزه، لزمه المسمى للمكان، وأجرة المثل للزيادة، ويصير ضامنا من وقت المجاوزة. فإن ماتت، لزمه أقصى القيم من حينئذ إن لم يكن معها صاحبها، ولا يبرأ عن الضمان بردها إلى ذلك الموضع. وإن كان معها صاحبها، فإن تلفت بعدما نزل وسلمها إليه، فلا ضمان عليه. وإن تلفت وهو راكب، نظر، إن تلفت بالوقوع في بئر ونحوه، ضمن جميع القيمة. وإن لم يحدث سبب ظاهر، فقيل: تلزم كل القيمة أيضا، والاصح: لا يلزمه الكل جل النصف في قول. ومقتضى التوزيع عل المسافتين في قول كما سبق، فيما إذا حمل أكثر من

(4/329)


المشروط، لان الظاهر حصول التلف بكثرة التعب وتعاقب السير. حتى لو قام في المقصد قدر ما يزول فيه التعب، ثم خرج بغير إذن المالك، ضمن الكل. وإذا استأجر ليركب ويعود، فلا يلزمه لما جاوز أجرة المثل، لانه يستحق قطع قدر تلك المسافة ذهابا ورجوعا، بناء على أن يجوز العدول إلى مثل الطريق المعين. قلت: ولا يجوز أن يركبها بعد المجاوزة جميع الطريق راجعا، بل يركبها بقدر تمام مسافة الرجوع. والله أعلم ثم إن قدر في هذه الاجارة مدة مقامه في المقصد، فذاك، وإلا، فإن لم يزد على مدة المسافرين، انتفع بها في الرجوع. وإن زاد، حسبت الزيادة عليه. التاسعة: إستأجر دابة للركوب إلى عشرة فراسخ، فقطع نصف المسافة، ثم رجع لاخذ شئ نسيه راكبا، انتهت الاجارة واستقر جميع الاجرة، لان الطريق لا تتعين، وكذا لو أخذ الدابة وأمسكها يوما في البيت ثم خرج، فإذا بقي بينه وبين المقصد يوم، استقرت الاجرة، ولم يجز له الركوب بعده، وكذا لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شئ يمينا وشمالا، كان محسوبا من المدة، ويترك الانتفاع إذا قرب من المقصد بقدره. العاشرة: دفع إليه ثوبا ليقصره بأجرة، ثم استرجعه، فقال: لم أقصره بعد، فلا أرده، فقال صاحب الثوب: لا أريد أن تقصره فأردده إلي، فلم يرد وتلف الثوب عنده، لزمه ضمانه. وإن قصره ورده، فلا أجرة له، وعلى هذا قياس الغزل عند النساج ونظائره. قلت: صورة المسألة، إذا لم يقع عقد صحيح. والله أعلم الحادية عشرة: استأجره ليكتب صكا في هذا البياض، فكتبه خطأ، فعليه نقصان الكاغد، وكذا لو أمره أن يكتب بالعربية فكتب بالعجمية أو بالعكس. قلت: ولا أجرة له، ويقرب منه ما ذكره الغزالي في الفتاوى: أنه لو استأجره لنسخ كتاب، فغير ترتيب الابواب، قال: إن أمكن بناء بعض المكتوب بأن كان عشرة أبواب، فكتب الباب الاول آخرا منفصلا، بحيث يبنى عليه، استحق بقسطه من الاجرة وإلا، فلا شئ له. والله أعلم

(4/330)


الثانية عشرة: استأجر دابة لحمل الحنطة من موضع كذا إلى داره يوما إلى الليل مترددا مرات، فركبها في عوده، فعطبت الدابة، ضمن على الاصح، لانه استأجرها للحمل لا للركوب. وقيل: لا يضمن، للعر ف، ذكرهما العبادي. الثالثة عشرة: العامل في المزارعة الصحيحة، لو ترك السقي متعمدا، ففسد الزرع، ضمن، لانه في يده وعليه حفظه. الرابعة عشرة: تعدى المستأجر بالحمل على الدابة، فقرح ظهرها وهلكت منه، لزمه الضمان وإن كان الهلاك بعد الرد إلى المالك.
فصل في مسائل تتعلق بالباب الثالث إحداها: في المنثور للمزني، أنه لو استأجر لخياطة ثوب، فخاطه بعضه، واحترق الثوب، استحق الاجرة لما عمل. وإن قلنا: ينفسخ العقد، استحق أجرة المثل، وإلا، فقسط المسمى. ولو استأجره لحمل جرة إلى موضع، فزلق في الطريق فإنكسرت، لا شئ له من الاجرة. والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب، فوقع العمل مسلما بظهور أثره، والحمل لا يظهر على الجرة. الثانية: أجر أرضا فغرقت بسيل أو ماء نبع منها، فإن لم يتوقع الخسارة في مدة الاجارة، فهو كانهدام الدار. وإن توقع، فللمستأجر الخيار كما لو غصبت. فإن أجاز، سقط من الاجرة بقدر ما كان الماء عليها. وإن غرق نصفها وقد مضى نصف المدة، انفسخ العقد فيه. والمذهب: أنه لا ينفسخ في الباقي، بل له الخيار فيه في بقية المدة. فإن فسخ وكانت أجرة المدة لا تتفاوت، فعليه نصف المسمى للمدة الماضية. وإن أجاز، فعليه ثلاثة أرباع المسمى، فالنصف للماضي، والربع للباقي.

(4/331)


الثالثة: تعطل الرحى لانقطاع الماء، والحمام لخلل في الابنية، أو لنقص الماء في بئره ونحوه، كانهدام الدار، وكذا لو استأجر قناة فإنقطع ماؤها. فلو نقص، ثبت الخيار ولم ينفسخ. ولو استأجر طاحونتين متقابلتين، فنقص الماء، وبقي ماء تدور به إحداهما ولم يفسخ، قال العبادي: تلزمه أجرة أكثرهما. الرابعة: قال في التتمة: لو دفع غزلا إلى نساج واستأجره لنسج ثوب طوله عشرة في عرض معلوم، فجاء بالثوب وطوله أحد عشر، لا يستحق شيئا من الاجرة، وإن جاء به وطوله تسعة، فإن كان طول السدى عشرة، استحق من الاجرة بقدره، لانه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكن منه. وإن كان طوله تسعة، لم يستحق شيئا، لمخالفته. ولو كان الغزل المدفوع إليه مسدى، استأجره كما ذكرنا، ودفع إليه من اللحمة ما يحتاج إليه، فجاء به أطول في العرض المشروط، لم يستحق للزيادة شيئا. وإن جاء به أقصر في العرض المشروط، استحق بقدره من الاجرة. وإن وافق في الطول، وخالف في العرض، فإن كان أنقص، نظر، إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصفاقة، لم يستحق شيئا من الاجرة، لانه مفرط لمخالفته. وإن راعى المشروط في صفة الثوب رقة وصفاقة، فله الاجرة، لان الخلل والحالة هذه من السدى. وإن كان زائدا، فإن أخذ بالصفاقة، لم يستحق شيئا، وإلا، استحق الاجرة بتمامها، لانه زاد خيرا. الخامسة: مهما ثبت الخيار لنقص، فأجاز، ثم أراد الفسخ، فإن كان (ذلك) السبب بحيث لا يرجى زواله، بأن انقطع الماء، ولم يتوقع عوده، فليس له الفسخ، لانه عيب واحد وقد رضي به. وإن كان بحيث يرجى زواله، فله الفسخ ما لم يزل، لان الضرر يتجدد، كما لو تركت المطالبة بعد مدة الايلاء، أو الفسخ بعد ثبوت الاعسار، فلها العود إليه. وكذا لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض وأجاز، ثم أراد الفسخ، فله ذلك ما لم يعد العبد. فصل لو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة، فان كانت الاجارة في الذمة، لم يجز. وإن كانت إجارة عين، قال البغوي: هو كما لو أجر العين المستأجرة للمؤجر، وفيه وجهان. أصحهما: الجواز وإن جرى بعد القبض. فصل لو ضمن رجل العهدة للمستأجر، ففي الفتاوى أنه يصح ويرجع

(4/332)


عليه عند ظهور الاستحقاق. وعن ابن سريج: أنه لا يصح. قلت: ومما يتعلق بكتاب الاجارة، مسائل. إحداها: إذا توجه الحبس على الاجير، قال الغزالي في الفتاوى: إن أمكن العمل في الحبس، جمع بينهما. وإن تعذر، فإن كانت الاجارة على العين، قدم حق المستأجر كما يقدم حق المرتهن، ولان العمل مقصود في نفسه، والحبس ليس مقصودا في نفسه، ثم القاضي يستوثق (عليه مدة العمل) إن خاف هربه على ما يراه. وإن كانت الاجارة في الذمة، طولب بتحصيله بغيره. فإن امتنع، حبس بالحقين. الثانية: لا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المستأجرة الحريق والنهب وغيرهما، وإنما عليه تسليم العين ورد الاجرة إن تعذر الاستيفاء. وأما المستأجر، فإن قدر على ذلك من غير خطر، لزمه كالمودع. الثالثة: إذا وقعت الدار على متاع المستأجر، فلا شئ على المؤجر، ولا أجرة تخليصه. الرابعة: استأجره لبناء درجة، فلما فرغ منها انهدمت في الحال، فهذا قد يكون لفساد الآلة، وقد يكون لفساد العمل، والرجوع فيه إلى أهل العرف. فإن قالوا: هذه الآلة قابلة للعمل المحكم وهو المقصر، لزمه غرامة ما تلف. الخامسة: إذا جعل غلة في المسجد وأغلقه، لزمه أجرته، لانه كما يضمن المسجد بالاتلاف يضمن منفعته، ذكر هذه المسائل الخمس الغزالي في الفتاوى، وتقييده في المسجد بما إذا أغلقه، لا حاجة إليه، بل لو لم يغلقه، ينبغي أن تجب الاجرة، للعلة المذكورة. السادسة: استأجر بهيمة إلى بلد لحمل متاع، ثم أراد في أثناء الطريق بيعه والرجوع، وطلب رد بعض الاجرة، فليس له شئ، لان الاجارة عقد لازم، بل إن باعه، فله حمل مثله إلى المقصد المسمى. السابعة: في فتاوى القاضي حسين: أنه لو أكره الامام رجلا على غسل

(4/333)


ميت، فلا أجرة له، لان غسله فرض كفاية، فإذا فعله بأمر الامام، وقع عن الفرض، ولو أكرهه بعض الرعية، لزمه أجرة المثلانه مما يستأجر عليه، هذا كلام القاضي حسين، ووافقه جماعة. قال إمام الحرمين: هذا إذا لم يكن للميت تركة، ولا في بيت المال سعة. فإن كان له تركة، فمؤنة تجهيزه في تركته، وإلا، ففي بيت المال إن اتسع، فيستحق المكره الاجرة. قال الرافعي في أوائل كتاب السير: هذا التفصيل حسن، فيحمل عليه إطلاقهم. الثامنة: أجرت نفسها للارضاع، هل عليها الفطر في رمضان إذا احتاج الرضيع إليه ؟ فيه كلام سبق واضحا في كتاب الصيام. التاسعة: استأجر ابنة الذي بلغ سنا يعمل مثله فيه ليسقط نفقته عن نفسه عليه وينفق عليه من أجرته، جاز، كما يشتري ماله، ذكره في فتاوى القاضي حسين. والله أعلم

(4/334)