روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الكفارات
هي قسمان.
أحدهما : لا يدخله الاعتاق، كالواجبات في محظورات الاحرام، وسبق بيانها في الحج.
والثاني : يدخله الاعتاق، وهو نوعان. أحدهما: تترتب فيه خصال الكفارة، وهو الظهار والجماع في نهار شهر رمضان، والقتل. والثاني: للتخيير، وهي كفارة اليمين، ومعظم المقصود هنا كفارة الظهار، ويدخل فيها أشياء من غيرها، والباقي موضحة في أبوابها. فصل تشترط النية في الكفارات، ويكفيه نية الكفارة، ولا يشترط التقييد بالوجوب، لان الكفارة لا تكون إلا واجبة، كذا ذكره صاحب الشامل وغيره،

(6/253)


ولا تكفيه نية العتق الواجب من غير تعرض للكفارة، لان العتق قد يجب بالنذر فإن نوى العتق الواجب بالظهار، أو القتل مثلا، كفى، ويشترط أن تكون النية مقارنة للاعتاق والاطعام، وأما الصوم، فينوي من الليل كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقيل: يجوز تقديمها على الاعتاق والاطعام، كما ذكرنا في الزكاة، والصحيح الاول. وإذا علق العتق عن الكفارة على شرط، لم يجز تأخر النية عن التعليق، بل يشترط المقارنة للتعليق إن شرطناها في التنجيز، وعلى الوجه الآخر: يجوز تقديمها عليه، ذكره البغوي. فرع لا يجب في النية تعيين الكفارة، فلو كان عليه كفارتا ظهار وقتل، فأعتق عبدين بنية الكفارة، أجزاه عنهما. ولو اجتمع عليه كفارات، فأعتق رقبة بنية

(6/254)


الكفارة، وقعت عن واحدة منها، سواء اتفق جنسها أو اختلف، وكذا الصوم والاطعام، ولو كان عليه كفارة ونسي سببها فأعتق ونوى عليه، أجزأه، ولو كان عليه ثلاث كفارات، فأعتق رقبة عن واحدة، ثم أعسر وصام شهرين عن واحدة، ثم عجز فأطعم عن الثالثة، ولم يعين شيئا، أجزأه، ولو كانت عليه كفارة ظهار، فنوى كفارة القتل عمدا أو خطأ، لم يجزه عن الظهار. ولو كان عليه كفارتان، فأعتق عبدا بنية الكفارة المطلقة، ثم صرفه إلى واحدة معينة، تعين العتق لها، ولم يتمكن بعده من صرفه إلى الاخرى، كما لو عين في الابتداء. فرع إذا ظاهر الذمي وعاد، يكفر بالاعتاق أو الاطعام دون الصيام، ولو ارتد من لزمته كفارة، لم يصح تكفيره بالصوم. وهل يكفر بالاعتاق أو بالاطعام إذا عجز عن الاعتاق والصوم ؟ فيه طريقان. منهم من جزم بالاجزاء، ومنهم من خرجه على زوال ملكه، والمذهب: أنه يكفر، لانه مستحق قبل الردة، فكان كالديون. وعن الاصطخري: أن الدين لا يقضى أيضا إن قلنا بزوال الملك، ولكن المذهب الذي عليه الجمهور: القطع بأنه يقضى، ويشترط أن ينوي الكفارة بالاعتاق والاطعام نية التمييز دون نية التقرب، وإذا أخرج الكفارة من مالة في الردة، لم يتعين في الكفارة المخيرة أدنى الدرجات على الصحيح، وإذا كفر فيها ثم أسلم، حل له الوطئ.
فصل خصال الكفارة ثلاث. الاولى: العتق. ويشترط في الرقبة لتجزئ عن الكفارة، أربعة شروط: الاسلام، والسلامة، وكمال الرق، والخلو عن العوض. الاول: الاسلام، فلا تجزئ كافرة في شئ من الكفارات، ويجزئ إعتاق الصغير إذا كان أحد أبويه مسلما أصليا، أو أسلم قبل انعقاده، ولا يجزئ إذا كان

(6/255)


أبواه كافرين، لانه محكوم بكفره، ولو أسلم الصغير بنفسه، فقد سبق فيه في كتاب اللقيط ثلاثة أوجه، أصحهما: لا يصح، وقال الاصطخري: يصح إسلام المميز، وقال غيره: موقوف، إن بلغ وثبت عليه، تبينا صحة إسلامه، وإلا فلا، فعلى قول الاصطخري، يجزئ إعتاقه عن الكفارة، وعلى الوقف: إن بلغ وثبت ففي إجزائه وجهان. ولو أسلم أحد أبويه وهو صغير أو جنين، أجزأه عن الكفارة إن مات في صغره، أو بعد بلوغه قبل تمكنه من اللفظ بالاسلام. ولو صرح بالكفر بعد البلوغ، فقد ذكرنا في اللقيط، أن الاظهر أنه مرتد، والثاني: أنه كافر أصلي، وبينا هناك حكم الكفارة على القولين، وبهذا يقاس من أسلم بتبعية السابي، على ما بيناه في اللقيط. وفي التهذيب أنه لو سبا الصغير ساب، وسبا أحد أبويه آخر، فإن كانا في عسكر واحد، لم يحكم بإسلامه، بل هو تبع لابويه، وإن كانا في عسكرين، كانا تبعا للسابي، وأن حكم المجنون في تبعية الوالدين والدار حكم الصبي، وإذا أفاق وصرح بالكفر، فهل هو مرتد، أم كافر أصلي ؟ فيه الخلاف المذكور في الصبي إذا بلغ وصرح بالكفر، وأنه هل يجب التلفظ بكلمة الاسلام بعد البلوغ والافاقة ؟ إن قلنا: لو صرح بالكفر كان مرتدا، لم يجب، لانه محكوم بإسلامه، وإن قلنا: لا يجعل مرتدا، وجب، حتى لو مات قبل التلفظ، مات كافرا. فرع يصح إسلام الكافر بجميع اللغات، ذكره صاحب الشامل وغيره، ويشترط أن يعرف معنى الكلمة. فلو لقن العجمي الشهادة بالعربية، فتلفظ بها وهو لا يعرف معناها، لم يحكم بإسلامه، وإذا تلفظ العبد بالاسلام بلغته، وسيده لا يعرف لغته، فلا بد ممن يعرفه بلغته ليعتقه عن الكفارة. قلت: إسلامه بالعجمية صحيح، إن لم يحسن العربية قطعا، وكذا إن أحسنها على الصحيح. والوجه بالمنع مشهور في صفة الصلاة من التتمة وغيره، ويكفي السيد في معرفة لغة العبد قول ثقة، لانه خبر، كما يكفي في معرفة قول

(6/256)


المفتي والمستفتي. والله أعلم. فرع يصح إسلام الاخرس بالاشارة المفهمة. وقيل: لا يحكم بإسلامه إلا إذا صلى بعد الاشارة، وهو ظاهر نصه في الام والصحيح المعروف الاول، وحمل النص على ما إذا لم تكن الاشارة مفهمة. فرع ذكر الشافعي رضي الله عنه في المختصر في هذا الباب أن الاسلام أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويبرأ من كل دين خالف الاسلام، واقتصر في مواضع على الشهادتين، ولم يشترط البراءة، فقال الجمهور: ليس فيه خلاف، بل إن كان الكافر ممن يعترف بأصل رسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كقوم من اليهود يقولون: مرسل إلى العرب فقط، فلا بد من البراءة، وإن كان ينكر أصل الرسالة كالوثني، كفى في إسلامه الشهادتان. قال الشيخ أبو حامد: وقد رأيت هذا التفصيل منصوصا عليه في كتاب قتال المشركين، ونقل الامام خلافا للاصحاب، وفي اشتراط البراءة قال: والاصح عدم الاشتراط. قلت: في المسألة ثلاثة أوجه، حكاها صاحب الحاوي. والصحيح التفصيل المذكور، والثاني: أن التبرؤ شرط مطلقا، والثالث: أنه يستحب مطلقا. والله أعلم. والمذهب الذي قطع به الجمهور، أن كلمتي الشهادتين لا بد منهما، ولا

(6/257)


يحصل الاسلام إلا بهما، وحكى الامام مع ذلك طريقة أخرى منسوبة إلى المحققين، أن من أتى من الشهادتين بكلمة تخالف معتقده، حكم بإسلامه، وإن أتى منهما بما يوافقه، لم يحكم، فإذا وحد الثنوي، أو قال المعطل: لا إله إلا الله، جعل مسلما، وعرض عليه شهادة الرسالة، فإن أنكر، صار مرتدا. واليهودي إذا قال: محمد رسول الله، حكم بإسلامه، وحكى عن هذه الطريقة خلافا في أن اليهودي أو النصراني إذا اعترف بصلاة توافق ملتنا، أو حكم يختص بشريعتنا، هل يكون ذلك إسلاما ؟ وقال: ميل معظم المحققين إلى كونه إسلاما، وعن القاضي حسين في ضبطه، أنه قال: كلما كفر المسلم بجحده، صار الكافر المخالف له مسلما بعقده. ثم إن كذب غير ما صدق به، كان مرتدا، والمذهب المعروف ما قدمناه. فرع استحب الشافعي رضي الله عنه أن يمتحن الكافر عند إسلامه بإقراره بالبعث بعد الموت. الشرط الثاني: السلامة من كل عيب يضر بالعمل إضرارا بينا، فلا يجزئ الزمن، ولا من يجن أكثر الاوقات، فإن كانت إفاقته أكثر، أجزأ، وكذا إن استويا على الاصح. قلت: هذا الذي ذكره فيمن يجن ويفيق، هو المذهب. وفي المستظهري وجه أنه لا يجزئ وإن كانت إفاقته أكثر، وهو غلط مخالف نص الشافعي والاصحاب والدليل.

(6/258)


واختار صاحب الحاوي طريقة حسنة فقال: إن كان زمن الجنون أكثر، لم يجزئه، وإن كانت الافاقة أكثر، فإن كان يقدر على العمل في الحال، أجزأ، وإن كان لا يقدر على العمل إلا بعد حين، لم يجزئ. قال: ويجزئ المغمى عليه، لان زواله مرجو. والله أعلم. ولا يجزئ مريض لا يرجى زوال مرضه، كصاحب السل، فإن رجي، أجزأ، فلو أعتق من لا يرجى، فزال مرضه، أو من يرجى فمات ولم يزل، أجزأه على الاصح فيهما، ولو أعتق من وجب عليه قتل، قال القفال: إن أعتقه قبل أن يقدم للقتل، أجزأه، وإلا فلا، كمريض لا يرجى، ولا يجزئ مقطوع إحدى الرجلين، ولا مقطوع أنملة من إبهام اليد، ويجزئ مقطوع أنملة من غيرها، حتى لو قطع أنامله العليا من أصابعه الاربع، أجزأه، ولا يجزئ مقطوع أنملتين من السبابة، أو الوسطى، ويجزئ مقطوع جميع الخنصر من يد، والبنصر من اليد الاخرى، ولا يجزئ مقطوعهما من يد واحدة، ويجزئ مقطوع جميع أصابع الرجلين على الصحيح. وقال ابن أبي هريرة: هو كقطع أصابع اليدين، والاشل كالاقطع. قلت: الذي قاله الرافعي في أصابع الرجلين، هو المعروف في طريقة الخراسانيين، وخالفهم صاحب الحاوي، فجزم بأنه إذا قطع أصبعان من رجل واحدة، أو الابهام وحدها من رجل، لم يجزئ، وإلا فيجزئ. والله أعلم. فرع يجزئ نضو الخلق الذي يقدر على العمل، والاحمق، وهو من يضع الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه، ويجزئ الشيخ الكبير، إلا أن يعجز عن العمل والكسب. وفي التجربة للروياني، أن الاصحاب قالوا: يجزئ الشيخ الكبير، ومنعه القفال إذا عجز عن العمل، وهو الاصح، وفي هذا إثبات خلاف في الشيخ العاجز، ويجزئ الاعرج، إلا أن يكون العرج شديدا يمنع متابعة

(6/259)


المشي، ويجزئ الاعور دون الاعمى. قلت: المراد أعور لم يضعف نظر عينه السليمة. قال الشافعي رحمه الله في الام: فإن ضعف بصرها، فأضر بالعمل إضرارا بينا، لم يجزئه، قال صاحب الحاوي: إن كان ضعف البصر يمنع معرفة الخط وإثبات الوجوه القريبة منع، وإلا فلا. والله أعلم. ويجزئ الاصم، وحكي فيه قول، ومنهم من لم يثبته، وحمل ما نقل على ما إذا كان لا يسمع مع المبالغة في رفع الصوت، ويجزئ الاخرس الذي يفهم الاشارة. وعن القديم منعه، فقيل: قولان، والصحيح أنهما على حالين، فالاجزاء فيمن يفهم الاشارة، والمنع فيمن لا يفهمها. وقيل: الاجزاء إذا لم ينضم إلى الخرس صمم، والمنع إذا انضم، وحكى ابن كج عن ابن الوكيل، القطع بالمنع إذا انضم، وقولين إذا تجرد الخرس. ويجزئ الاقرع، ومقطوع الاذنين، والاخشم، ومقطوع الانف، والابرص، والمجذوم، والخصي، والمجبوب، والامة، والرتقاء، والقرناء، ومفقود الاسنان، وولد الزنا، وضعيف البطش، والصغير، ولا يجزئ الجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من حين الاعتاق، وقيل: إن انفصل لذلك، تبينا الاجزاء، ولا يحكم في الحال بالاجزاء، والصحيح الاول.

(6/260)


قلت: قال صاحب الحاوي: يجزئ عتق من لا يحسن صنعة، قال الامام: ولا يؤثر ضعيف الرأي والخرق، والكوع والوكع، ويجزئ الفاسق. قال صاحب الحاوي: وأما شجاج الرأس والبدن، فإن كانت مندملة مع سلامة الاعضاء، لم تضر وإن شانته، وإن كانت غير مندملة، أجزأ منها ما كان دون مأمومة الرأس وجائفة البدن، لانها غير مخوفة، ولا يجزئان لانهما مخوفتان. والله أعلم. الشرط الثالث: كمال الرق. وفيه مسائل: إحداها: لا يجزئ إعتاق المستولدة ولا المكاتب، سواء أدى شيئا من النجوم، أم لا، فإن كانت الكتابة فاسدة، أجزأ إعتاقه عن الكفارة على المذهب، ولو قال للمكاتب: إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي، فعجز، عتق، ولم يجزئ عن الكفارة، لانه حين علق لم يكن بصفة الاجزاء. كذا ولو قال لعبده الكافر: إذا أسلمت، فأنت حر عن كفارتي، فأسلم، أو قال: إن خرج الجنين سليما، فهو حر عن كفارتي، فخرج سليما. ولو علق العتق عن الكفارة بدخول الدار، ثم كاتب العبد، ثم دخل، فهل يجزئ عن الكفارة اعتبارا بوقت التعليق، أم لا، لانه مستحق العتق عن الكتابة وقت الحصول ؟ فيه وجهان. قلت: قال الامام وغيره: إذا قلنا بالقديم في جواز بيع أم الولد، أجزأ إعتاقها عن الكفارة، وإذا قلنا بالمشهور: إنه لا يجوز بيعها فأعتقها عن الكفارة، لا يجزئه، ويقع العتق تطوعا، ولا يريد عتقها، وكذا المكاتب إذا أعتقه عن الكفارة، عتق ولا يجزئه عنها، سواء جوزنا بيعه أم لا، بخلاف أم الولد على القول الشاذ، لان أمية الولد ينقطع أثرها بالبيع، بخلاف الكتابة، فإنه إذا أدى النجوم إلى المشتري

(6/261)


عتق، ثم إذا عتق المكاتب، تبعه أولاده وأكسابه وأم الولد لا تستتبع ذلك، لانهم إنما يتبعونها في العتق بموت السيد، ولم يحصل، وأولاد المكاتب يتبعونه إذا عتق بأداء النجوم أو البراءة منها، وهذا في معنى الابراء. والله أعلم. المسألة الثانية: إذا اشترى من يعتق عليه، ونوى كون العتق عن الكفارة، فعن الاودني أنه يجزئه، والصحيح أنه لا يجزئه، وكذا لو وهب له، فقبله، أو أوصى له به، فقبل وقلنا: تملك الوصية بالقبول، ونوى العتق عن الكفارة، وكذا لو ورثه أو ملك المكاتب من يعتق على سيده، ثم عجزه السيد، ونوى عتق قريبه عن الكفارة لان العتق مستحق بجهة القرابة في كل هذه الصور. الثالثة: لو اشترى عبدا بشرط العتق، فقد سبق في كتاب البيع أن المذهب أنه لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة. الرابعة: إذا أعتق عن الكفارة مرهونا، بني على الخلاف في نفوذ عتقه، إن نفذناه، أجزأ عن الكفارة إذا نواها، وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الانفكاك باللفظ السابق، ويكون كما لو علق عتق عبده عن الكفارة بشرط. وإعتاق الجاني عن الكفارة يبنى على نفوذ إعتاقه، وقد ذكرناه في البيع. وقيل: لا يجزئ المرهون والجاني عن الكفارة وإن قلنا بنفوذ العتق، لتعلق حق الغير بهما، ونقصان التصرفات، والمذهب الاول، لان الاعتاق إذا نفذناه رفع حق تعلق الغير، ورجع إلى الفداء، والموصى بمنفعته لا يجزئ على الاصح، وقد ذكرناه في الوصية، والمستأجر إن قلنا: يرجع على السيد بأجرة منافعه، أجزأه، وإلا فلا، لنقصان منافعه.

(6/262)


قلت: ولو أعتق عن الكفارة من تحتم قتله في المحاربة، أجزأه، ذكره القاضي حسين في تعليقه. والله أعلم. الخامسة: يجزئ المدبر والمعلق عتقه بصفة، ولو أراد بعد التعليق أن يجعل العتق المعلق عند حصوله عن الكفارة، لم يجزئه. مثاله: قال: إن دخلت الدار، فأنت حر، ثم قال: إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي، فيعتق بالدخول ولا يجزئه عن الكفارة، لانه مستحق بالتعليق الاول. السادسة: أعتق عن الكفارة حاملا، أجزأه، وعتق الحمل تبعا، ولو استثنى الحمل، عتقا، وبطل الاستثناء، وأجزأه عتقها عن الكفارة على المشهور، وحكى المتولي قولا أنه لا يجزئه، لان العتق عن الكفارة غير مبني على التغليب، فبطل الاستثناء كما يبطل به البيع، بخلاف مطلق العتق. السابعة: ملك نصف عبد، فأعتقه عن كفارة وهو معسر، ثم ملك باقيه فأعتقه عن تلك الكفارة، أجزاه كما لو أطعم في أوقات، فلو لم ينو الكفارة عند إعتاق باقيه، لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح. وقيل: يجزئه كما لو فرق وضوءه، وجوزناه، فإنه لا يجب تجديد النية على الاصح، حكاه الفوراني. ولو ملك نصفا من عبد، ونصفا من آخر، فأعتق النصفين عن الكفارة وهو معسر، فثلاثة أوجه. أحدها: لا يجزئه، قاله ابن سريج وابن خيران، لانه لا يسمى عتق رقبة، وكما لا يجزئ شقصان في الاضحية. والثاني: يجزئه، وأصحهما: يجزئه إن كان باقيهما حرا، وإلا فلا.

(6/263)


وتجري الاوجه في ثلث أحدهما، وثلثي الآخر ونظائرهما. ولو كان عليه كفارتان عن ظهارين، أو ظهار وقتل، فأعتق عبدين عن كل واحدة، نصفا من هذا، ونصفا من هذا، أجزأه على المنصوص وهو المذهب. وقيل: فيه خلاف، فعلى المذهب، اختلف في كيفيته، فعن أبي إسحق أنه يعتق نصف كل عبد عن كفارة كما أوقعه، وعن ابن سريج وابن خيران: يقع عبد عن هذه الكفارة، وعبد عن هذه، ويلغو تعرضه للتنصيف. ويجري الخلاف فيما لو أعتق عبدا عن كفارتين، ففيه وجه: يعتد به وعليه إتمام كل واحدة، قال الامام: ولا حاجة إلى هذا التقدير. فرع إذا أعتق موسر نصيبه من عبد مشترك، سرى إلى نصيب صاحبه، وهل تحصل السراية بنفس اللفظ، أم عند أداء القيمة، أم موقوف ؟ فإذا أدى تبينا حصول العتق باللفظ فيه ثلاثة أقوال. ولو أعتق جميع العبد المشترك، فمتى يعتق نصيب الشريك ؟ فيه الاقوال، فإن قلنا: يعتق باللفظ، فهل نقول: عتق الجميع دفعة، أم يعتق نصيبه ثم يسري ؟ وجهان. وكل هذا يأتي إن شاء الله تعالى (في كتاب العتق) مبسوطا. وغرضنا هنا أن إعتاق المشرك عن الكفارة جائز، سواء وجه العتق إلى جملته، أم إلى نصيبه فقط لحصول العتق بالسراية في الحالين. وقال القفال: لا يجزئ عن جميع الكفارة إذا وجه العتق إلى نصيبه فقط، لان نصيب الشريك عتق بالشرع، لا بإعتاقه، والصحيح الاول، ثم ينظر، فإن أعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة، أجزاه عنها إن قلنا: يسري عند اللفظ، أو موقوف. وإن قلنا: يسري عند أداء القيمة، فهل تكفيه هذه النية لنصيب الشريك، أم يحتاج إلى تجديد النية عند الاداء ؟ وجهان. أصحهما: تكفي لاقترانها بالعتق، إلا أنه وقع مرتبا.

(6/264)


ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة، ونوى عند أداء ا لقيمة، صرف العتق في نصيب الشريك إليها، أجزأه على الصحيح. وقيل: يشترط أن ينوي الجميع في الابتداء، لان سبب عتق الجميع لفظه، كما لو علق العتق بدخول الدار، يشترط في الاجزاء عن الكفارة نيتها عند التعليق، ولا يكفي اقترانها بالدخول، فحصل أن الراجح أنه مخير في نصيب الشريك بين تقديم النية عند اللفظ وتأخيرها إلى الاداء، هذا كله إذا نوى عتق الجميع عن الكفارة ووجه العتق إلى نصيبه. أما إذا وجه العتق إلى (نصيبه بنية الكفارة، ولم ينو الباقي، فلا ينصرف الباقي إليها وإن حكمنا بعتقه في الحال، ويجئ في وقوع نصيبه عن الكفارة الخلاف السابق في إعتاق بعض رقبة، وحكى صاحب الشامل وغيره وجها أن الباقي ينصرف إلى الكفارة (تبعا لنصيبه كما تبعه في صل العتق، ولو أعتق الجميع بنية الكفارة وقلنا: يسري عند اللفظ أو موقوف، أجزأه، وإن قلنا بحصوله عند أداء القيمة، ففي التهذيب القطع بالاجزاء، وأنه لا يحتاج إلى تجديد النية عند الاداء، ويشبه أن يعود فيه الوجهان السابقان فيما إذا وجه العتق إلى نصيبه. المسألة الثامنة: العبد الغائب، إن علم حياته، أجزأه عن الكفارة، وإن انقطع خبره، لم يجزئه على المنصوص، وهو المذهب، فلو أعتقه عنها، ثم تواصلت أخبار حياته، تبينا إجزاءه عن الكفارة لحصول العتق في ملك تام بنية الكفارة. والآبق والمغصوب يجزئان إذا علم حياتهما على الصحيح لكمال الرق. قلت: الصواب ما قطع به الماوردي والفوراني وغيرهما، أن الآبق يجزئ قطعا لاستقلاله بمنافعه كالغائب. وأما المغصوب، فأكثر العراقيين، على أنه لا يجزئ قطعا، لعدم استقلاله كالزمن، وجمهور الخراسانيين على الاجزاء لتمام الملك والمنفعة، وفيه وجه ثالث قاله صاحب الحاوي: إن قدر العبد على الخلاص من غاصبه بهرب إلى سيده، أجزأه عن الكفارة لقدرته على منافع نفسه، وإن لم يقدر على الخلاص، فالاجزاء موقوف، وإن لم يكن عتقه موقوفا كالغائب إذا علمت حياته بعد موته، وهذا الذي قاله قوي جدا، وحيث صححنا عتق الغائب، والآبق، والمغصوب، أجزأه عن

(6/265)


الكفارة، سواء علم العبد بالعتق أم لا، لان علمه ليس بشرط في نفوذ العتق، فكذا في الاجزاء، ذكره صاحب الحاوي. والله أعلم. الشرط الرابع: خلو الاعتاق عن شوب العوض، فلو أعتق عن كفارة على أن يرد عليه دينارا مثلا، لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح، وحكى ابن القطان وجها أنه يجزئه لان العتق حاصل، ويسقط العوض، كما لو قال: أصل الظهر لنفسك ولك دينار، فصلى، أجزأته صلاته ولو شرط عوضا على غير العبد، فلو قال الانسان: أعتقت عبدي هذا عن كفارتي بألف عليك، فقبل، أو قال له إنسان: أعتقه عن كفارتك، وعلي كذا، ففعل، لم يجزئه عن الكفارة، وسواء قدم في الجواب ذكر الكفارة، فقال: أعتقته عن كفارتي بألف عليك، أو عكس، فقال: أعتقته على أن لي عليك ألفا عن كفارتي. وعن أبي إسحق وجه أنه إذا قدم ذكر الكفارة، أجزأه وسقط العوض، والصحيح الاول، وسواء قال في الجواب: أعتقته عن كفارتي، على أن لي عليك كذا، أو اقتصر على قوله: أعتقته عن كفارتي، فإنه يبنى على الخطاب والالتماس، وفي استحقاقه العوض على الملتمس وجهان سنذكرهما إن شاء الله تعالى، ولا يختصان بما إذا قال: أعتقته عن كفارتك، بل يجزئان فيما إذا التمس منه أن يعتق عبده عن نفسه مطلقا بعوض، فإن قلنا: لا يستحق عوضا وقع العتق، وله الولاء، وإن قلنا: يستحق عوضا، فعمن يقع العتق ؟ وجهان، أحدهما: عن باذل العوض، وبه قال العراقيون، والشيخ أبو محمد. وأصحهما: عن المعتق، وبه قطع صاحبا المهذب والتتمة، لانه لم يعتقه عن الباذل، ولا هو استدعاه لنفسه. ولو قال المعتق: أرد العوض ليكون العتق مجزئا عن كفارتي، لم ينقلب مجزئا، فلو قال في الابتداء عقب الالتماس: أعتقته عن كفارتي لا على الالف، كان ردا لكلامه، وأجزأه عن الكفارة.
فصل العتق على مال كالطلاق على مال، فهو من جانب المالك معاوضة

(6/266)


فيها شبه التعليق، ومن جانب المستدعي معاوضة فيها شبه الجعالة، كما سبق في الخلع. فإذا قال: أعتق مستولدتك على ألف، فأعتقها، نفذ العتق، وثبت الالف، وكان ذلك افتداء من المستدعي، كاختلاع الاجنبي. ولو قال: أعتقتها عني على ألف، أو وعلي ألف، فقال: أعتقتها عنك، نفذ العتق، ولغا قوله: عني، وقول المعتق: عنك، لان المستولدة لا تنتقل من شخص إلى شخص، ثم الصحيح أنه لا يستحق عوضا، لانه التزم العوض على أن يحصل العتق عنه، ولم يحصل. وقيل: يستحق ويلغى قوله: عني، ويجعل باقي الكلام افتداء. ولو قال: طلق زوجتك عني على ألف، فطلق، قال الامام: الوجه إثبات العوض. ولو قال: أعتق عبدك عن نفسك ولك علي كذا، أو وعلي كذا، ففعل، فهل يستحق العوض عليه ؟ وجهان. أصحهما: نعم كالمستولدة ومسألة الطلاق. والثاني وهو اختيار الخضري، لا لامكان تملكه بالشراء، بخلافهما، ولو قال: أعتقه عني، ففعل، نظر، إن قال: مجانا، فلا شئ على المستدعي، وإن ذكر عوضا، لزمه العوض، وإن أطلق، فهل يستحق عليه قيمة العبد ؟ وجهان بناء على الخلاف في قوله: اقض ديني ولم يشترط الرجوع، وخص الامام والسرخسي هذا البناء بما إذا قال: أعتقه عن كفارتي، فإن العتق حق ثابت عليه كالدين، فأما إذا قال: أعتقه عني ولا عتق عليه، أو لم يقصد وقوعه عنه، فقد أطلق السرخسي أنه لا شئ عليه، ورأى الامام تخريجه على أن الهبة هل تقتضي الثواب ؟ ثم سواء نفى

(6/267)


العوض أم أثبته، يقع العتق على المستدعي. وقال المزني: إذا قال: أعتقه عني مجانا، ففعل، لا يقع على المستدعي، واحتج الاصحاب بأنه أعتقه عنه، فصار كذكر العوض. وقالوا: العتق بعوض صار كالمبيع المقبوض حتى استقر عوضه، فكذلك يجعل عند عدم العوض، كالموهوب المقبوض، ويجعل القبض مندرجا تحت العتق لقوته، وذكروا بناء على هذا، أن إعتاق الموهوب قبل القبض بإذن الواهب جائز. ولو قال: أعتقه عن كفارتي، أو عني، ونوى الكفارة، فأجابه، أجزأه عن كفارته، ولو قال: أعتق عبدك ولك علي كذا، ولم يقل: عن نفسك، ولا عني، فهل هو كقوله: عني لقرينته العوض، أم كقوله: عنك ؟ وجهان: أصحهما: الثاني، وهو المذكور في التهذيب. ولو قال: أعتق عبدك عني ولك ألف بشرط أن يكون الولاء لك، ففعل، قال المتولي في باب الخلع: المشهور من المذهب، أن هذا الشرط يفسد، ويقع العتق عن المستدعي، وعليه القيمة. وفيه وجه أنه يعتق عن المالك، وله الولاء. وعن القفال أنه لو قال: أعتق عبدك عني على ألف، والعبد مستأجر أو مغصوب، فأعتقه، جاز، ولا يضر كونه مغصوبا. وإن كان المعتق عنه لا يقدر على انتزاعه، ولا يخرج في المستأجر وليس على الخلاف في بيعه، لان البيع يحصل في ضمن الاعتاق، ولا يعتبر في الضمنيات ما يعتبر في المقاصد، وأنه لو قال: أعتق عبدك عن ابني الصغير، ففعل، جاز، وكان اكتساب ولاء له بغير ضرر يلحقه، وليس كما لو كان له رقيق فأراد الاب إعتاقه. وأنه لو وهب عبدا له لانسان، فقبله الموهوب له، ثم قال للواهب: أعتقه عن ابني وهو صغير، فأعتقه عنه، جاز وكأنه أمره بتسليمه إلى ابنه، وناب عنه في الاعتاق للابن. واعلم أن الاعتاق في صور الاستدعاء، إنما يقع على المستدعي، والعوض إنما يجب إذا اتصل الجواب بالخطاب، فإن طال الفصل وقع العتق عن المالك، ولا شئ على المستدعي. فرع قال: إذا جاء الغد، فأعتق عبدك عني بألف، فصبر حتى جاء الغد، فأعتقه عنه، حكى صاحب التقريب عن الاصحاب أنه ينفذ العتق عنه،

(6/268)


ويثبت المسمى عليه، وأنه لو قال المالك لغيره: عبدي عنك حر بألف إذا جاء الغد، فقال المخاطب: قبلت، فهو كتعليق الخلع في قوله: طلقتك على ألف إذا جاء الغد، فقالت: قبلت، وقد سبق ذكر وجهين في وقوع الطلاق عند مجئ الغد، أصحهما: الوقوع، ووجهين إذا وقع، أن الواجب مهر المثل أم المسمى ؟ أصحهما: الثاني، فكذا يجئ هنا الخلاف في وقوع العتق عن المخاطب، وإذا وقع، ففي صحة المسمى وفساده، وفرقوا بين الصورتين بأنه لم يوجد في الاولى تعليق العتق، ويحتمل مجئ وجه في الاولى أنه يستحق قيمة المثل لا المسمى، وأشار إليه صاحب التقريب، واستصوبه الامام وغيره. فرع قال: أعتق عبدك عني على خمر، أو مغصوب، ففعل، نفذ العتق عن المستدعي، ولزمه قيمة العبد، كما في الخلع. فرع لا خلاف أن العبد المعتق عن المستدعي يدخل في ملكه إذ لا عتق في غير ملك، ومتى يدخل ؟ فيه أوجه. أحدها يملكه بالاستدعاء، ويعتق عليه إذا تلفظ المالك بالاعتاق، والثاني: يملك بالشروع في لفظ الاعتاق، ويعتق إذا تم اللفظ. والثالث: يحصل الملك والعتق معا عند تمام اللفظ. وأصحها: أن العتق يترتب على الملك في لحظة لطيفة، وأن حصول الملك لا يتقدم على آخر لفظ الاعتاق. ثم قال الشيخ أبو حامد: وأكثر الذين اختاروا هذا الوجه: إن الملك يحصل عقب الفراغ من لفظ الاعتاق على الاتصال، وعن الشيخ أبي محمد أن الملك يحصل مع آخر جزء من أجزاء اللفظ. وجعل الامام اختلاف عبارة الشيخين راجعا إلى اختلاف الاصحاب، في أن حكم الطلاق والعتاق، وسائر الالفاظ، يثبت مع آخر جزء من اللفظ، أم بعد تمام أجزائه على الاتصال ؟ فعبارة الشيخ أبي محمد

(6/269)


على الوجه الاول، وأبي حامد، على الثاني، وليس في هذا الوجه الرابع إشكال سوى تأخر العتق عن الاعتاق بقدر توسط الملك. قال الامام: وسبب تأخره، أنه إعتاق عن الغير، ومعنى الاعتاق عن الغير، انتقال الملك إليه، وإيقاع العتق بعده، وقد يتأخر العتق عن الاعتاق بأسباب، ألا ترى أنه لو قال: أعتقت عبدي عنك بكذا، لا يعتق حتى يوجد القبول. فرع قال: أعتق عبدك عني على كذا، ففعل، ثم ظهر بالعبد عيب، لم يبطل العتق، بل يرجع المستدعي بأرش العيب، ثم إن كان عيبا يمنع الاجزاء عن الكفارة، لم تسقط به الكفارة. فرع في فتاوى البغوي أنه لو قال: أعتق عبدك عني على ألف، فقال: أعتقته عنك مجانا، عتق عن المعتق دون المستدعي. الخصلة الثانية: الصيام كفارة الظهار مرتبة، كما قال الله تعالى: * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) * الآية. فإن كان في ملكه عبد فاضل عن حاجته، فواجبه الاعتاق، فإن احتاج إلى خدمته، لزمانته، أو مرضه، أو كبره، أو ضخامته المانعة من خدمته نفسه، فهو كالمعدوم، وكذا لو كان من أهل المروءات ومنصبه يأبى أن يخدم نفسه وأن يباشر الاعمال التي يستخدم فيها المماليك، لم يكلف صرفه إلى الكفارة. وإن كان من أوساط الناس، لزمه الاعتاق على الاصح، ولو لم يكن في ملكه عبد ووجد ثمنه، لزمه تحصيله والاعتاق، بشرط كونه فاضلا عن حاجته، لنفقته وكسوته، ونفقة عياله وكسوتهم، وعن المسكن وما

(6/270)


لا بد منه من الاثاث، ولم يقدر الاصحاب للنفقة والكسوة مدة، ويجوز أن تعتبر كفاية العمر، ويجوز أن تعتبر سنة، لان المؤنات تتكرر فيها، ويؤيده أن البغوي قال: يترك له ثوب الشتاء، وثوب الصيف. قلت: هذا الثاني، هو الصواب. والله أعلم. ولو ملك دارا واسعة يفضل بعضها عن حاجته، وأمكن بيع الفاضل، لزمه بيعه وتحصيل رقبة. ولو كانت دارا نفيسة يجد بثمنها مسكنا يكفيه ويفضل ثمن رقبة، أو كان له عبد نفيس يجد بثمنه عبدا يخدمه، وآخر يعتقه، لزمه البيع والاعتاق إن لم يكونا مألوفين، وإلا أجزأه الصوم على الاصح، ولو كان له ثوب نفيس يجد بثمنه ثوبا يليق به، وعبدا يعتقه، لزمه الاعتاق على المذهب، وقيل بطرد الخلاف. قلت: قطع العراقيون أو جمهورهم، بأنه يلزمه الاعتاق في العبد النفيس، ونقله صاحب الشامل عن الاصحاب، وصححه المتولي. والله أعلم. فرع لو كان له ضيعة أو رأس مال يتجر فيه، وكان يحصل منهما كفايته بلا مزيد، ولو باعهما لتحصيل رقبة لصار في حد المساكين، لم يكلف بيعهما على المذهب، وبه قطع الجمهور. قلت: ولو كان له ماشية تحلب، فهي كالضيعة إن كان لا تزيد غلتها على كفايته، لم يكلف بيعها، وإن زادت، لزمه بيع الزائد، ذكره صاحب الحاوي قال: فلو كان له كسب بصناعة، فإن كان قدر الكفاية، فله الصوم، وإن كان أكثر،

(6/271)


نظر، فإن قلت: الزيادة بحيث لا تجتمع فتبلغ قيمة الرقبة إلا في زمان طويل ينسب فيه إلى تأخير التكفير، لم يلزمه جمعها للعتق، فجاز له الصوم. وإن كانت إذا جمعت في زمن قليل، لا ينسب فيه إلى تأخير التكفير، بلغت قيمة الرقبة كثلاثة أيام وما قاربها، ففي وجوب جمعها للتكفير بالعتق، وجهان. أشبههما: لا يلزمه، بل له التكفير بالصوم، فعلى هذا، لو لم يدخل في الصوم حتى اجتمع منها قيمة الرقبة، فهل يلزمه العتق اعتبارا بحال الاداء، أم له الصوم اعتبارا بالوجوب ؟ فيه القولان. والله أعلم. فرع كان ماله غائبا أو حاضرا، لكن لم يجد الرقبة، فلا يجوز له العدول إلى الصوم في كفارة القتل واليمين والجماع في نهار رمضان، بل يصبر حتى يجد الرقبة، أو يصل المال، لان الكفارة على التراخي، وبتقدير أن يموت، لا يفوت، بل تؤدى من تركته، بخلاف العاجز عن ثمن الماء، فإنه يتيمم، لانه لا يمكن قضاء الصلاة لو مات. وفي كفارة الظهار وجهان لتضرره بفوات الاستمتاع، وأشار الغزالي والمتولي إلى ترجيح وجوب الصبر. فرع لو كانت الرقبة لا تحصل إلا بثمن غال، لم يلزمه شراؤها. وقال البغوي: يلزمه إذا وجد الثمن الغالي.

(6/272)


قلت: إنما قال البغوي هذا اختيارا لنفسه، فقال حكاية للمذهب: لا يلزمه، ورأيت أن يلزمه، وقطع الجمهور بأنه لا يلزمه، وهو الصواب. والله أعلم. فرع لو بيعت نسيئة وماله غائب، فعلى ما ذكرناه في شراء الماء في التيمم. ولو وهب له عبدا وثمنه، لم يلزمه قبوله، لكن يستحب. فرع ذكر ابن كج بعد أن ذكر حكم المسكن والعبد المحتاج إليهما في الكفارة والحج وجهين في أنه هل يجوز لمن يملكهما نكاح الامة، أم بيعهما لطول الحرة، ووجهين في أنهما يباعان عليه، كما إذا أعتق شركاء له في عبد، وإن ابن القطان قال: لا يلزم العريان بيعهما ؟ قال: وعندي يلزمه، والذي قاله غلط.
فصل الموسر المتمكن من الاعتاق، يعتق، ومن تعسر عليه الاعتاق، كفر بالصوم، وهل الاعتبار في اليسار والاعسار بوقت الاداء، أم بوقت الوجوب، أم بأغلظ الحالين ؟ فيه أقوال. أظهرها الاول، فعلى هذا قال الامام: في العبارة عن الواجب قبل الاداء غموض، ولا يتجه إلا أن يقال: الواجب أصل الكفارة، ولا يعين خصلة، أويقال: يجب ما يقتضيه حالة الوجوب، ثم إذا تبدل الحال، تبدل الواجب، كما يلزم القادر صلاة القادرين، ثم إذا عجز، تبدلت صفة الصلاة، وعلى القول الثالث وجهان، قال الاكثرون: يعتبر أغلظ أحواله من وقت الوجوب، إلى وقت الاداء في حال ما، لزمه الاعتاق. والثاني: يعتبر الاغلظ من حالتي الوجوب والاداء دون ما بينهما، صرح به الامام، وأشار إلى دعوى اتفاق الاصحاب

(6/273)


عليه. فإذا قلنا: الاعتبار بحال الوجوب، فكان موسرا وقت الوجوب، ففرضه الاعتاق وإن أعسر بعده. واستحب الشافعي رحمه الله إذا أعسر قبل التكفير، أن يصوم ليكون آتيا ببعض أنواع الكفارة إن مات. وإن كان معسرا يومئذ، ففرضه الصيام، ولا يلزمه الاعتاق وإن أيسر بعده، لكن يجزئه على الصحيح، لانه أعلى من الصوم، وقيل: لا يجزئه لتعين الصوم في ذمته. وإذا قلنا: الاعتبار بحال الاداء، فكان موسرا يومئذ، ففرضه الاعتاق، وإن كان معسرا، فالصوم. ولو تكلف المعسر الاعتاق باستقراض وغيره، أجزأه على الصحيح. ولو وجبت الكفارة على عبد، فعتق، وأيسر قبل التكفير، فإن قلنا: الاعتبار بحال الوجوب، ففرضه الصوم، ويجزئه الاعتاق على الاصح أو الاظهر، لانه أعلى. وقيل: لا، لعدم أهليته بناء على أن العبد لا يملك، وإن قلنا: الاعتبار بحال الاداء، لزمه الاعتاق على الاصح أو الاظهر. فرع لو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر، كان له المضي في الصوم، ولا يلزمه الاعتاق. فإن أعتق، كان أفضل، ووقع ما مضى من صومه تطوعا، وحكى الشيخ أبو محمد وجها، أنه يلزمه الاعتاق، وهو مذهب المزني، والصحيح الذي عليه الجماهير، الاول، وكذا لو كان فرضه الاطعام فأطعم بعض المساكين ثم قدر على الصوم، لا يلزمه العدول إليه. ولو أيسر بعد ما فرغ من الصوم، لم يلزمه الرجوع إلى الاعتاق قطعا. ولو كان وقت الوجوب عاجزا عن الاعتاق والصوم، فأيسر قبل التكفير، فإن اعتبرنا حالة الوجوب، ففرضه الاطعام، وإلا فالاعتاق.

(6/274)


فصل العبد لا يملك بغير تمليك سيده قطعا، ولا بتمليكه على الجديد الاظهر، فعلى هذا لا يتصور منه التكفير بالاعتاق والاطعام. وإن قلنا: يملك، فملكه طعاما ليكفر كفارة اليمين، جاز، وعليه التكفير بما ملكه، وإن ملكه عبدا ليعتقه عنها، لم يصح، لانه يستعقب الولاء، وليس العبد من أهل إثبات الولاء. وعن صاحب التقريب أنه يصح إعتاقه، ويثبت له الولاء. وعن القفال تخريج قول: أنه يصح إعتاقه عن الكفارة، والولاء موقوف، إن عتق، فهو له، وإن دام رقه، فلسيده، والصحيح الاول، وبه قطع الجمهور. وأما تكفيره بالصوم، فإن جرى ما يتعلق به الكفارة بغير إذن سيده، بأن حلف وحنث بغير إذنه، لم يصم إلا بإذنه، لان حق السيد على الفور، والكفارة على التراخي، بخلاف صوم رمضان، فإن شرع فيه بغير إذنه، كان له تحليله، وإن جرى بإذنه بأن حلف بإذنه وحنث بإذنه، صام ولا حاجة إلى إذنه. وإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه، لم يستقل بالصوم على الاصح. وفي عكسه يستقل على المذهب، وحيث قلنا: يستقل، فسواء طويل النهار وقصيره، والحر الشديد وغيره، وحيث قلنا: يحتاج إلى الاذن، فذلك في صوم يوجب ضعفا لشدة حر وطول نهار. فإن لم يكن كذلك، ففيه خلاف نذكره في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى، والاصح، أنه ليس للسيد المنع، هذا حكم كفارة اليمين. قال في الوسيط: ومنعه من صوم كفارة الظهار غير ممكن، لانه يضر بالعبد بدوام التحريم. قلت: وحيث قلنا: لا يصوم بغير إذنه فخالف وصام، أثم وأجزأه. ولو أراد العبد صوم تطوع في وقت يضر بالسيد، فله منعه، وفي غيره، ليس

(6/275)


له المنع، حكاه المحاملي عن أبي إسحق المروزي، بخلاف الزوجة، فإن للزوج منعها من صوم التطوع، لانه يمنعه الوطئ، وحكى في البيان، أنه ليس للسيد منعه من صلاة النفل في غير وقت الخدمة، إذ لا ضرر. والله أعلم. فرع من بعضه حر، كالحر في التكفير بالمال على المذهب، وفيه كلام آخر، وتفصيل نذكره في كفارة اليمين إن شاء الله تعالى.
فصل في بيان حكم صوم الكفارة المرتبة فيه مسائل: إحداها: يجب أن ينوي صوم الكفارة في الليل لكل يوم، ولا يجب تعيين جهة الكفارة، ولا يجب نية التتابع على الاصح، وقيل: تجب في أول ليلة فقط، ولو نوى الصوم بالليل قبل طلب الرقبة، ثم طلب فلم يجدها، لم يجزئه صومه إلا أن يجدد النية في الليل بعد الفقد، لان تلك النية تقدمت على وقت جواز الصوم، ذكره الروياني في التجربة. المسألة الثانية: لو مات وعليه صوم كفارة، فهل يصوم عنه وليه ؟ فيه قولان، سبقا في كتاب الصيام. الثالثة: إن ابتدأ بالصوم لاول شهر هلالي، صام شهرين بالاهلة، ولا يضر نقصهما، وإن ابتدأ في خلال شهر، صام بقيته، ثم صام الذي يليه بالهلال، ولا يضر نقصه، ثم يتم الاول من الثالث ثلاثين يوما، وفي وجه شاذ، إذا ابتدأ في خلال شهر، لزمه ستون يوما. الرابعة: التتابع في الصوم واجب بنص القرآن، فلو وطئ المظاهر بالليل قبل تمام الشهرين، عصى بتقديم التكفير، ولكن لا يقطع التتابع.

(6/276)


ولو أفسد صوم اليوم الآخر أو غيره، لزمه استئناف الشهرين. وهل يحكم بفساد ما مضى، أم ينقلب نفلا ؟ فيه قولان فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال ونظائره. والحيض لا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والوقاع في رمضان إن لزمتها كفارة، فتبني إذا طهرت، والنفاس لا يقطع التتابع على الصحيح، كالحيض. وقيل: يقطعه لندرته، حكاه أبو الفرج السرخسي. والفطر بعذر المرض، يقطع التتابع على الاظهر، وهو الجديد، لانه لا ينافي الصوم، وإنما قطعه بفعله، بخلاف الحيض والجنون، كالحيض على المذهب. وقيل: كالمرض، والاغماء كالجنون. وقيل: كالمرض. وأما الفطر بالسفر، وفطر الحامل والمرضع خوفا على الولد، فقيل: كالمرض. وقيل: يقطع قطعا، لانه باختياره. قلت: أطلق الجمهور أن الحيض لا يقطع التتابع، وذكر المتولي، أنها لو كانت لها عادة في الطهر تمتد شهرين، فشرعت في الصوم في وقت يتخلله الحيض، انقطع، ولو أفطرت الحامل والمرضع خوفا في نفسيهما، فقال المحاملي في المجموع، وصاحبا الحاوي والشامل والاكثرون: هو كالمرض. وفي تجريد المحاملي: أنه لا ينقطع قطعا، ولو غلبه الجوع فأفطر، بطل التتابع. وقيل: كالمرض، ذكره البغوي. والله أعلم. فرع نسيان النية في بعض الليالي، يقطع التتابع كتركها عمدا، ولا يجعل النسيان عذرا في ترك المأمور به. قلت: لو صام أياما من الشهرين، ثم شك بعد فراغه من صوم يوم، هل نوى فيه، أم لا ؟ لم يلزمه الاستئناف على الصحيح، ولا أثر للشك بعد الفراغ من اليوم، ذكره الروياني في كتاب الحيض في مسائل المتحيرة. والله أعلم. ولو أكره على الاكل فأكل، وقلنا: يبطل صومه، انقطع تتابعه، لانه سبب

(6/277)


نادر، هذا هو المذهب في الصورتين، وبه قطع الجمهور، وجعلهما ابن كج كالمرض، قال: ولو استنشق، فوصل الماء إلى دماغه، وقلنا: يفطر، ففي انقطاع التتابع الخلاف. قلت: لو أوجر الطعام مكرها، لم يفطر، ولم ينقطع تتابعه، هكذا قطع به الاصحاب في كل الطرق، وشذ المحاملي فحكى في التجريد وجها أنه يفطر وينقطع تتابعه، وهذا غلط. والله أعلم. فرع لو ابتدأ بالصوم في وقت يدخل عليه رمضان قبل تمام الشهرين، أو يدخل يوم النحر، لم يجزئه عن الكفارة. قال الامام: ويعود القولان في أنه يبطل أم يقع نفلا. فرع لو صام رمضان بنية الكفارة، لم يجزئه عن واحد منهما، ولو نواهما، لم يجزئه عن واحد منهما أيضا. وحكى القاضي أبو الطيب عن أبي عبيد بن حربويه، أنه يجزئه عنهما جميعا، وغلطه فيه. وفي كتاب ابن كج، أن الاسير إذا صام عن الكفارة بالاجتهاد، فغلط فجاء رمضان أو يوم النحر قبل تمام الشهرين، ففي انقطاع التتابع الخلاف في انقطاعه بإفطار المريض. فرع إذا أوجبنا التتابع في كفارة اليمين، فحاضت في خلال الايام الثلاثة، فقيل: فيه قولان، كالفطر بالمرض في الشهرين، ويشبه أن يكون فيه طريق جازم، بانقطاع التتابع. قلت: صرح بالطريقة الجازمة، الدارمي وصاحب التتمة فقالا: المذهب انقطاعه، ذكره الدارمي في كتاب الصيام، وفيه طريق ثالث، أنه لا ينقطع قطعا، لان وجوب التتابع في كفارة اليمين هو القول القديم، والمرض لا يقطع على

(6/278)


القديم، ذكر ذلك صاحبا الابانة والعدة وغيرهما. قال صاحب التتمة: هذا غلط، لانه يمكنها الاحتراز بالثلاثة عن الحيض دون المرض. والله أعلم. المسألة الخامسة: لو شرع في صوم الشهرين، ثم أراد أن يقطع ويستأنف بعد ذلك، فقد ذكروا في جوازه احتمالين. أحدهما: يجوز كما يجوز تأخير الابتداء، لانه ليس فيه إبطال عبادة، فكل يوم عبادة مستقلة. والثاني: لا يجوز، لانه يبطل صفة الفرضية، ويجري الاحتمالان في الحائض وغيرها، فيمن شرع في الشهرين، ثم عرض فطر لا يقطع التتابع، ثم زال فأراد الفطر بلا عذر، ثم يستأنف، ثم الاحتمال الاول أرجح عند الغزالي. وقال الروياني: الذي يقتضيه قياس المذهب، أنه لا يجوز، لان الشهرين عبادة واحدة، كصوم يوم، فيكون قطعه كقطع فريضة شرع فيها، وذلك لا يجوز، وهذا حسن. قال الامام: والمسألة فيما إذا لم ينو صوم الغد، وقال: الافطار في اليوم الذي شرع فيه لبعد التسليط عليه وبالله التوفيق. الخصلة الثالثة: الاطعام، فيها مسائل. إحداها: في قدر الطعام، وهو في كفارة الظهار والجماع في رمضان، والقتل إن أوجبناه، فيها ستون مدا لستين مسكينا، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، وهو مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. واعلم أن في قدر الفطرة والكفارة ونحوهما ونوع إشكال، لان الصيدلاني وغيره ذكروا أن المعتبر فيه الكيل دون الوزن، لاختلاف جنس المكيل في الخفة والثقل، فالبر أثقل من الشعير، وأنواع البر تختلف، فالواجب ما حواه المكيال بالغا وزنه ما بلغ. وقال بعضهم: التقدير المذكور في وزن المد، اعتبر فيه البر أو التمر، ومقتضى هذا، أن يجزئ من الشعير مل ء الصاع والمد، وإن نقص وزنه، لكن اشتهر عن أبي عبيد القاسم بن سلام، ثم عن ابن سريج، أن درهم الشريعة خمسون حبة وخمسا حبة، ويسمى ذلك: درهم الكيل، لان الرطل الشرعي منه يركب، ويركب من الرطل المد والصاع. وذكر الفقيه أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن عطية، أن الحبة التي يتركب منها الدرهم، هي حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر وقطع من طرفيها ما امتد. ومقتضى هذا، أن يحوي الصاع هذا القدر من الشعير، وحينئذ إن اعتبرنا الوزن لم يملا البر بهذا الوزن الصاع، وإن اعتبرنا الكيل، كان المجزئ من البر أكثر من الشعير وزنا.

(6/279)


قلت: هذا الاشكال وجوابه، قد أوضحته في باب زكاة المعشرات. والله أعلم. المسألة الثانية: يجب الصرف إلى ستين مسكينا، فلو صرف إلى واحد ستين مدا في ستين يوما، لم يجزئه، ولو جمع ستين، ووضع بين أيديهم ستين مدا، وقال: ملكتكم هذا وأطلق، أو قال: بالسوية فقبلوه، أجزأه على الصحيح. وقال الاصطخري: لا يجزئه، ولو قال: خذوا ونوى الكفارة، فأخذوا بالسوية، أجزأه، وإن تفاوتوا، لم يجزئه إلا واحد، لانا نتيقن أن أحدهم أخذ مدا، فإن تيقنا أن عشرة أو عشرين أو غيرهم أخذ كل واحد منهم مدا فأكثر، أجزأه ذلك العدد، ولزمه الباقي، ولو صرف الستين إلى ثلاثين مسكينا، أجزأه ثلاثون مدا، ويصرف إلى ثلاثين غيرهم ثلاثين مدا، ويسترد الامداد الزائدة من الاولين إن شرط كونها كفارة، وإلا فلا يسترد. ولو صرف ستين مدا إلى مائة وعشرين مسكينا، أجزأه من ذلك ثلاثون مدا، ويصرف ثلاثين مدا إلى ستين منهم، والاسترداد من الباقين على التفصيل المذكور. ويجوز صرف الكفارة إلى الفقراء، ولا يجوز صرفها إلى كافر، ولا إلى هاشمي ومطلبي، ولا إلى من يلزمه نفقته كزوجة وقريب، ولا إلى عبد، ولا إلى مكاتب. ولو صرف إلى عبد بإذن سيده، والسيد بصفة الاستحقاق، جاز، لانه صرف إلى السيد. ولو صرف إليه بغير إذنه، بني على قبوله الوصية بغير إذنه، ويجوز أن يصرف للمجنون والصغير إلى وليهما. وقيل: إن كان الصغير رضيعا، لم يصح الصرف له، لان طعامه اللبن، والصحيح الاول. وحكى ابن كج فيما لو دفعه إلى الصغير فبلغه الصغير وليه. فرع يجوز أن يصرف إلى مسكين واحد مدين عن كفارتين، ولو دفع مدا إلى مسكين، ثم اشتراه منه ودفعه إلى آخر، ولم يزل يفعل به هكذا حتى استوعب

(6/280)


ستين مسكينا، أجزأه، لكنه مكروه. فرع لو وطئ المظاهر منها في خلال الاطعام، لم يجب الاستئناف، كما لو وطئ في خلال الصوم بالليل. فرع أطعم بعض المساكين، ثم قدر على الصوم، لا يلزمه العود إليه. فرع ذكر الروياني في التجربة، أنه لو دفع الطعام إلى الامام، فتلف في يده قبل تفرقته على المساكين، لا يجزئه على ظاهر المذهب، بخلاف الزكاة، لان الامام لا يد له على الكفارة. المسألة الثالثة: جنس طعام الكفارة، كالفطرة، وقيل: لا يجزئ الارز، وقيل: لا يجزئ إذا نحيت عنه القشرة العليا، لان ادخاره فيها، والصحيح الاجزاء، ثم إن كان في القشرة العليا، أخرج قدرا يعلم اشتماله على مد من الحب، ولم يجر هذا الخلاف في الفطرة. وجرى ذكر قول في العدس والحمص، ويشبه أن يجئ في كل باب ما نقل في الآخر، وفي الاقط الخلاف المذكور هناك. فإن قلنا بالاجزاء، فيخص أهل البادية، أم يعم الحاضر والبادي ؟ حكى ابن كج فيه وجهين. وفي اللحم واللبن خلاف مرتب على الاقط، وأولى بالمنع، ثم الاعتبار بغالب قوت البلد من الاقوات المجزئة، أم بغالب قوته، أم يتخير ؟ فيه أوجه، الصحيح: الاول: فإن كان الغالب مما لا يجزئ كاللحم، اعتبر الغالب من قوت أقرب البلاد، ولا يجزئ الدقيق ولا السويق، ولا الخبز على الصحيح في الثلاثة، ولا تجزئ القيمة قطعا.

(6/281)


المسألة الرابعة: يشترط تمليك المستحقين وتسليطهم التام، فلا تكفي التغذية والتعشية بالتمر ونحوه. المسألة الخامسة: في بيان ما يجوز العدول إلى الاطعام، فمن عجز عن الصوم بهرم أو مرض، أو لحقه من الصوم مشقة شديدة، أو خاف زيادة في المرض، فله العدول إلى الاطعام، ثم قال الامام والغزالي: لو كان المرض يدوم شهرين في غالب الظن المستفاد من العادة في مثله، أو من قول الاطباء، فله العدول إلى الاطعام، ولا ينتظر زواله ليصوم، بخلاف ما لو كان ماله غائبا، فإنه ينتظره للعتق، لانه لا يقال فيه: لم يجد رقبة، ويقال للعاجز بالمرض الناجز لا يستطيع الصوم، ومقتضى كلام الاكثرين أنه لا يجوز العدول إلى الاطعام بهذا المرض، بل يعتبر أن يكون بحيث لا يرجى زواله، وصرح المتولي (بأن المرض) المرجو الزوال، كالمال الغالب، فلا يعدل بسببه إلى الاطعام في غير كفارة الظهار، وفيها الخلاف السابق، فإن جوزنا الاطعام مع رجاء الزوال، فأطعم ثم زال، لم يلزمه العود إلى الصيام. وإن اعتبرنا كونه غير مرجو الزوال، فكان كذلك، ثم أتفق زواله نادرا، فيشبه أن يلتحق بما إذا أعتق عبدا لا يرجى زوال مرضه فزال. قلت: صرح كثيرون باشتراط كون المرض لا يرجى زواله، والاصح ما قاله الامام، وقد وافقه عليه آخرون. وقال صاحب الحاوي: إن كان عجزه بهرم ونحوه، فهو متأبد، فله الاطعام، والاولى تقديمه، وإن كان يرجى زواله كالعجز بالمرض، فهو بالخيار بين تعجيل الاطعام وبين انتظار البر للتكفير بالصيام، وسواء كان عجزه بحيث لا يقدر على الصيام أو يلحقه مشقة غالبة مع قدرته عليه، فله في الحالين الاطعام، وكذا الفطر في رمضان، قال: ولو قدر على صوم شهر فقط، أو على صوم شهرين بلا تتابع، فله العدول إلى الاطعام. قال إمام الحرمين في باب زكاة الفطر: لو

(6/282)


عجز عن العتق والصوم ولم يملك من الطعام إلا ثلاثين مدا، أو مدا واحدا، لزمه إخراجه بلا خلاف، إذ لا بد له، وإن وجد بعض مد، ففيه احتمال، هذا كلامه، وينبغي أن يجزم بوجوب بعض المد للعلة المذكورة في المد. قال الدارمي في كتاب الصيام: إذا قدر على بعض الاطعام، وقلنا: يسقط عن العاجز، ففي سقوطها عن هذا وجهان، فإن قلنا: لا تسقط، أخرج الموجود، وفي ثبوت الباقي في ذمته وجهان. والله أعلم. فرع السفر الذي يجوز الفطر في رمضان، لا يجوز العدول إلى الاطعام على الصحيح، وعن القاضي حسين وغيره جوازه. فرع في جواز العدول إلى الاطعام بعذر الشبق وغلبة الشهوة وجهان. أصحهما عند الامام والغزالي: المنع، ومال الاكثرون إلى التجويز، وبه قال أبو إسحق، ولم يذكر القاضي حسين غيره، بخلاف صوم رمضان، فإنه لا يجوز تركه بهذا، لانه لا بدل له. قلت: ولان في صوم رمضان يمكن الجماع ليلا، بخلاف كفارة الظهار، ولو كان يغلبه الجوع ويعجز عن الصوم، قال القفال والقاضي حسين والبغوي: لا يجوز له ترك الشروع في الصوم، بل يشرع، فإذا عجز، أفطر، بخلاف الشبق، فإن له ترك الشروع على الاصح، لان الخروج من الصوم يباح بفرط الجوع دون فرط الشبق. والله أعلم.
فصل لو عجز عن جميع خصال الكفارة، استقرت في ذمته على الاظهر، وفي قول: لا شئ عليه أصلا، وقد سبق في كتاب الصيام، وقد بني الخلاف على أن الاعتبار بحال الوجوب، أم الاداء ؟ إن اعتبرنا حال الوجوب، لم يستقر عليه شئ، وكان للمظاهر أن يطأ، ويستحب أن يأتي بما يقدر عليه من الخصال،

(6/283)


وإن اعتبرنا الاداء، لزمه أن يأتي بالمقدور عليه، ولا يطأ المظاهر حتى يكفر، ومن وجد بعض رقبة فقط، فكعادمها، فيصوم، فإن عجز - والحالة هذه - عن الصيام والاطعام، فعن ابن القطان تخريج أوجه. أحدها: يخرج المقدور عليه، ولا شئ عليه غيره. والثاني: يخرجه وباقي الكفارة في ذمته. والثالث: لا يخرجه أيضا.
فصل لا يجوز تبعيض كفارة، بأن يعتق نصف رقبة، ويصوم شهرا، أو يصوم شهرا، ويطعم ثلاثين، وبالله التوفيق.

(6/284)