روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الظهار
صورته الاصلية: أنت علي كظهر أمي. قال الاصحاب: الظهار حرام،

(6/235)


قالوا: وقوله: أنت علي حرام، ليس بحرام، بل هو مكروه، لان الظهار علق به الكفارة العظمى، وإنما علق بقوله: أنت علي حرام كفارة اليمين، واليمين والحنث ليسا بمحرمين، ولان التحريم مع الزوجية قد يجتمعان في التحريم، كتحريم الام مع الزوجية لا يجتمعان. فصل هذا الكتاب مشتمل على بابين.
أحدهما في أركانه، وهي ثلاثة:
أحدها : الزوجان، فيصح الظهار من كل زوج مكلف، حرا كان أو عبدا، مسلما أو ذميا، خصيا أو مجبوبا أو سليما. وظهار الصبي والمجنون باطل، وظهار السكران كطلاقه. ومن لحقها الطلاق، صح الظهار منها، سواء فيه الحرة والامة، والصغيرة

(6/236)


والمجنونة، والذمية والرتقاء، والحائض والنفساء، والمعتدة عن شبهة، والمطلقة الرجعية وغيرهن. ولو قال لاجنبية: إذا نكحتك، فأنت علي كظهر أمي، لم يصح، ويجئ فيه القول الشاذ في مثله في الطلاق، ولا يصح الظهار من الامة وأم الولد. فرع يتصور من الذمي الاعتاق عن الكفارة، بأن يرث عبدا مسلما، أو يكون له عبد كافر فيسلم، أو يقول لمسلم: أعتق عبدك المسلم عن كفارتي، فيجيبه، أو يشتري عبدا مسلما إن جوزناهما، فإن لم نجوز الشراء وتعذر تحصيله، فما دام موسرا لا يباح له الوطئ. ويقال له: إن أردت الوطئ، فأسلم وأعتق، لان الرقبة موجودة والتعذر منه، وكذا لو كان معسرا وهو قادر على الصوم، لا يجوز له العدول إلى الاطعام، لانه يمكنه أن يسلم ويصوم، فإن عجز عنه لمرض أو هرم، فحينئذ يطعم في كفره، هكذا ذكره صاحبا التهذيب والتتمة، وحكاه الامام عن القاضي، وتردد فيه، من حيث إن الذمي مقر على دينه، فحمله على الاسلام بعيد، وجوابه، أنا لا نحمله على الاسلام، بل نقول: لا نمكنك من الوطئ إلا هكذا، فإما أن تتركه، وإما أن تسلك طريق الحل.
الركن الثاني : الصيغة، فصريح الظهار: أنت علي كظهر أمي، وفي معناه سائر الصلات، كقوله: أنت معي أو عندي، أو مني أو لي كظهر أمي. وكذا لو ترك الصلة فقال: أنت كظهر أمي، وعن الداركي: أنه إذا ترك الصلة، كان كناية، لاحتمال أنه يريد: أنت محرمة على غيري، والصحيح الاول، كما أن قوله: أنت طالق، صريح وإن لم يقل: مني، ومتى أتى بصريح الظهار، وقال: أردت غيره، لم يقبل على الصحيح، كما لو أتى بصريح الطلاق وادعى غيره، وقيل: يقبل لانه حق الله تعالى. فرع قوله: جملتك، أو نفسك، أو ذاتك، أو جسمك، أو بدنك علي كظهر أمي، كقوله: أنت علي كظهر أمي، وكذا قوله: أنت علي كبدن أمي أو

(6/237)


جسمها، أو ذاتها، لدخول الظهر فيها. فرع إذا شبهها ببعض أجزاء الام غير الظهر نظر، إن كان ذلك مما لا يذكر في معرض الكرامة والاعزاز، كاليد والرجل، والصدر والبطن، والفرج والشعر، فقولان. أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم: أنه ظهار. وقيل: ظهار قطعا، وقيل: التشبيه بالفرج ظهار قطعا، والباقي على القولين. وإن كان مما يذكر في معرض الاعزاز والاكرام، كقوله: أنت علي كعين أمي، فإن أراد الكرامة، فليس بظهار، وإن أراد الظهار، فظهار (قطعا) تفريعا على الجديد في قوله: كصدر أمي، وإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. اختار القفال الاكرام، والقاضي حسين، أنه ظهار، وأشار البغوي إلى ترجيحه، والاول أرجح. ولو قال: كروح أمي، فكقوله: كعين أمي، قاله جماعة، وعن ابن أبي هريرة، أنه ليس بظهار ولا كناية، والتشبيه برأس الام كهو باليد والرجل، وكذا قطع به العراقيون، وقيل: كالعين، وبه أجاب السرخسي، وهو أقرب. ولو قال: أنت

(6/238)


علي كأمي، أو مثل أمي، فإن أراد الظهار، فظهار، وإن أراد الكرامة، فلا، وإن أطلق، فليس بظهار على الاصح، وبه قطع كثيرون. فرع لو شبه بعض الزوجة فقال: رأسك أو يدك، أو ظهرك، أو فرجك، أو جلدك، أو شعرك علي كظهر أمي، أو نصفك، أم ربعك علي كظهر أمي، فهو ظهار، ويجئ فيه القول القديم، ولو شبه بعضها ببعضها فقال: رأسك علي كيد أمي، فهو ظهار، ويجئ فيه القديم. فرع قال الاصحاب: ما يقبل التعليق من التصرفات، يصح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف، كالطلاق، والعتاق، وما لا يقبله، لا تصح إضافته إلى بعض المحل، كالنكاح والرجعة. وأما الايلاء، فإن أضافه إلى الفرج فقال: لا أجامع فرجك، كان مؤليا، وإن أضاف إلى اليد والرجل وسائر الاعضاء غير الفرج، لم يكن مؤليا، وإن قال: لا أجامع بعضك، لم يكن مؤليا، إلا أن يريد بالبعض الفرج، وإن قال: لا أجامع نصفك، فقد أطلق الشيخ أبو علي، أنه ليس بمؤل قال الامام: إن أراد أنه ليس بصريح، فظاهر، أما إذا نوى، ففيه احتمال، لان من ضرورة ترك الجماع في النصف، تركه في الجميع، ويجوز أن يجاب عنه. قلت: ولو قال: لا أجامع نصفك الاسفل، فهو صريح في الايلاء، ذكره في الوسيط. والمراد بالفرج المذكور، القبل. والله أعلم.

(6/239)


الركن الثالث : المشبه به أصل الظهار، تشبيه الزوجة بظهر الام، ولو شبهها بجدة من جهة الاب أو الام، فهو ظهار قطعا، هكذا قطع به الجمهور. وقيل: فيه خلاف كالتشبيه بالبنت. وأما غير الام والجدة من المحارم، فقسمان. أحدهما: محرمات بالنسب، كالبنات، والاخوات، والعمات، والخالات، وبنات الاخت. فإذا شبه زوجته بظهر واحدة منهن، فقولان، الجديد وأحد قولي القديم: أنه ظهار، والثاني: لا، للعدول عن المعهود. القسم الثاني: المحرمات بالسبب، وهن ضربان، محرمات بالرضاع، ومحرمات بالمصاهرة، وفيهن خلاف مشتمل على أقوال، وطرق، وأوجه، والمذهب منها عند الاصحاب: أن التشبيه بمن لم تزل منهن محرمة عليه ظهار، وبما كانت حلالا له ثم حرمت، ليس بظهار، وإذا اختصرت الخلاف في الجميع، جاء سبعة أقوال وأوجه. أحدها: اقتصار الظهار على التشبيه بالام. والثاني: إلحاق الجدات بها فقط. والثالث: إلحاق محارم النسب. والرابع: إلحاق محارم الرضاع أيضا إذا لم يعهدن محللات. الخامس: إلحاقهن بحذف هذا الشرط. والسادس: إلحاق محارم المصاهرة بالشرط المذكور. السابع: إلحاقهن بحذف الشرط. والمذهب: إلحاق كل من لم تزل محرمة من الجميع فقط. ولو شبه بمن لا تحرم مؤبدا كأجنبية، ومطلقة، ومعتدة، ومجوسية، ومرتدة، وأخت امرأته، فليس بظهار قطعا، سواء طرأ ما يؤيد التحريم، بأن نكح بنت الاجنبية، أو وطئ أمها وطءا محرما، أم لم يطرأ. ولو شبه بملاعنته، فليس بظهار، لان تحريمها ليس للمحرمية والوصلة، ولو شبهها بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو قالت: أنت علي كظهر ابني، أو أبي، أو غلامي، فليس بظهار. فرع قالت لزوجها: أنت علي كظهر أمي، أو أنا عليك كظهر أمك، فلا يلزم به شئ، بل يختص بالرجال (كالطلاق).

(6/240)


فصل تعليق الظهار صحيح، فإذا قال: إن دخلت الدار، وإذا جاء رأس الشهر، فأنت علي كظهر أمي، فوجدت الصفة، صار مظاهرا منها. ولو قال: إن ظاهرت من حفصة، فعمرة علي كظهر أمي وهما في نكاحه، ثم ظاهر من حفصة صار مظاهرا منهما جميعا. ولو قال: إن ظاهرت من إحداكما، أو أيكما ظاهرت منها، فالاخرى علي كظهر أمي، ثم ظاهر من إحداهما، صار مظاهرا من الاخرى أيضا. ولو قال: إن ظاهرت من فلانة، فأنت علي كظهر أمي، وكانت فلانة أجنبية، فخاطبها بلفظ الظهار، لم يصر مظاهرا من زوجته، لان الظهار من الاجنبية لا ينعقد، إلا أن يريد التلفظ بلفظ الظهار، فيصير بالتلفظ مظاهرا من زوجته. ولو نكح فلانة ثم ظاهر منها، صار مظاهرا من زوجته الاولى. ولو قال: إن ظاهرت من فلانة الاجنبية، فأنت علي كظهر أمي، فإن خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها، فحكمه ما سبق. فإن نكحها ثم ظاهر منها، فهل يصير مظاهرا من الزوجة الاولى ؟ وجهان. أصحهما: نعم، ويكون لفظ الاجنبية تعريفا لا شرطا، كما لو قال: لا أدخل دار زيد هذه، فباعها، ثم دخلها، حنث، ولو قال: إن ظاهرت من فلانة أجنبية، أو وهي أجنبية، فأنت علي كظهر أمي، فسواء خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها، أو نكحها، وظاهر منها، لا يصير مظاهرا من المعلق ظهارها، لانه شرط المظاهرة منها وهي أجنبية، ولم يوجد الشرط، وهو كقوله: إن بعت الخمر، فأنت طالق، أو كظهر أمي، فأتى بلفظ البيع، لا يقع الطلاق ولا الظهار، تنزيلا للفظ العقود على الصحة. وعند المزني، ينزل في مثل هذا على صورة العقد، ومن الاصحاب من وافقه، فصحح الظهار هنا. فرع قال: إن دخلت الدار، فأنت علي كظهر أمي، فدخلت الدار وهو مجنون، أو ناس، فعن ابن القطان: أن في حصول العود ولزوم الكفارة قولين. قال ابن كج: وعندي أنها تلزم بلا خلاف، كما لو علق طلاقها بالدخول، فدخلت وهو مجنون، وإنما يؤثر النسيان والاكراه، في فعل المحلوف على فعله، وهذا هو الصواب.

(6/241)


فصل سبق أن كل واحد من لفظي الطلاق والظهار، لا يجوز أن يجعل كناية عن الآخر، وأن قوله لزوجته: أنت علي حرام، يصح كناية عن الطلاق والظهار. فإذا قال: أنت طالق كظهر أمي، فله أحوال. أحدها: أن لا ينوي شيئا، فتطلق، ولا يصح الظهار. الثاني: أن يقصد بكل كلامه الطلاق وحده وأكده بلفظ الظهار، فيقع الطلاق ولا ظهار. الثالث: أن يقصد بالجمع الظهار، فتطلق، ولا ظهار على الصحيح، لان لفظ الطلاق ليس بظهار، والباقي ليس بصريح في الظهار، لعدم استقلاله، ولم ينو به الظهار، وإنما نواه بالمجموع. الرابع: أن يقصد الطلاق والظهار، فينظر، إن قصدهما بمجموع كلامه، حصل الطلاق ولا يحصل الظهار على الصحيح. وقيل: يحصل لاقراره به، وإن قصد الطلاق بقوله: أنت طالق، والظهار بقوله: كظهر أمي، طلقت، فإن كانت تبين بالطلاق، لم يصح الظهار، وإلا فيصح الظهار مع الطلاق، وقيل: لا يصح، وهو ضعيف. وإن قال: أردت بقولي: أنت طالق الظهار، وبقولي: كظهر أمي الطلاق، وقع الطلاق وحده. وإن قال: أنت علي كظهر أمي طالق، قال ابن كج: إن أراد الظهار والطلاق، حصلا، ولا يكون عائدا، لانه عقب الظهار بالطلاق، فإن راجع، كان عائدا، وإن لم يرد شيئا، صح الظهار. وفي وقوع الطلاق وجهان. فرع قال: أنت علي حرام كظهر أمي، فإن نوى بكلامه الطلاق فقط، فهو طلاق على الاظهر الاشهر، وفي قول: ظهار، وقيل: طلاق قطعا، وقيل: طلاق وظهار، حكاه ابن كج. وإن نوى بكلامه الظهار، فظهار، وإن نوى الطلاق والظهار جميعا، نظر، إن أرادهما بمجموع الكلام، أو بقوله: أنت علي حرام، لم يثبتا معا، وأيهما يثبت ؟ فيه أوجه. أحدها: الطلاق، والثاني: الظهار،

(6/242)


والثالث وبه قال ابن الحداد والجمهور: يخير فيثبت ما اختاره منهما، وإن أراد بقوله: أنت علي حرام الطلاق، وبقوله: كظهر أمي الظهار، وقع الطلاق وحصل الظهار إن كان الطلاق رجعيا على الصحيح، وإن كان بائنا، فلا. وإن أراد بقوله: أنت علي حرام الظهار، وبقوله: كظهر أمي الطلاق، حصل الظهار قطعا، ولا يقع الطلاق على الصحيح، وإن قال: أردت بقولي: أنت علي حرام تحريم ذاتها الذي مقتضاه كفارة يمين، قبل منه على الاصح، وقيل: لا يقبل ويكون مظاهرا، لانه وصف التحريم بما يقتضي الكفارة العظمى، فلا يقبل رده إلى الصغرى، فعلى الاول، إن لم ينو بقوله: كظهر أمي الظهار، لم يلزمه شئ سوى كفارة اليمين، ويكون قوله: كظهر أمي تأكيدا للتحريم، وإن نوى الظهار، لزمه كفارة اليمين، وكان مظاهرا. وأما إذا أطلق ولم ينو شيئا يحتمله كلامه، فلا طلاق لعدم الصريح والنية، وفي كونه ظهارا وجهان. المنصوص في الام أنه ظهار. فرع قال: أنت علي كظهر أمي حرام، كان مظاهرا، قاله المتولي: فإن لم ينو بقوله: حرام شيئا، كان تأكيدا، وإن نوى تحريم عينها، فكذلك، ويدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى، في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى، وإن نوى به الطلاق، فقد عقب الظهار بالطلاق، فلا عود. فرع قال: أنت مثل أمي ونوى الطلاق، كان طلاقا، وكذا قوله: كروح أمي وعينها، وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في حكم الظهار له حكمان.

(6/243)


أحدهما : تحريم الوطئ إذا وجبت الكفارة إلى أن يكفر، فلو وطئ قبل التكفير، عصى، ويحرم عليه الوطئ ثانيا، سواء كفر بالاطعام وغيره. وفي تحريم القبلة واللمس بشهوة، وسائر الاستمتاعات، قولان، ويقال: وجهان، أظهرهما عند الجمهور: الجواز، وهو منسوب إلى الجديد، وحكى ابن كج طريقا قاطعا به، وقال: وهو الاصح. وقول الله تعالى: * (من قبل أن يتماسا) * محمول على الجماع كقوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *. فرع عد الامام الصور التي تحرم فيها القبلة وسائر الاستمتاعات مع الوطئ، والتي تختص بالتحريم بالوطئ، فقال: ما حرم الوطئ لتاثيره في الملك، كالطلاق الرجعي وغيره، والردة أو لحلها لغيره كالامة المزوجة، أو حرمها لاستبراء الرحم عن غيره، كزوجته المعتدة عن وطئ شبهة في صلب النكاح، وكالمستبرأة بملك اليمين بشراء ونحوه، فكل هذا يحرم فيه الاستمتاعات كلها، وما حرم الوطئ بسبب الاذى، لا يحرم الاستمتاع. وأما العبادات المحرمة للوطئ، فالاحرام يحرم كل استمتاع تعبدا، والصوم والاعتكاف يحرمان كل ما يخشى منه الانزال لتأثرهما بالانزال. وإذا قلنا في الظهار: لا تحرم القبلة واللمس، ففيما بين السرة والركبة احتمالان، لانه يحوم حول الحمى، هذا كلام الامام، وحكى البغوي وجها، أنه يجوز الاستمتاع بزوجته المعتدة عن شبهة وغيره ويشبه أن يجئ في الاستمتاع بالمرهونة خلاف.

(6/244)


قلت: الوجه الجزم بجوازه في مرهونته، وقد جزم به الرافعي في باب الاستبراء. قال الامام: وإذا لم يحرم الاستمتاع، فلا بأس بالتلذذ وإن أفضى إلى الانزال، وقول الامام: الاحرام يحرم كل استمتاع، الصواب، حمله على المباشرة بشهوة، فأما اللمس ونحوه بغير شهوة، فليس بحرام كما سبق في الحج. والامة الوثنية والمجوسية والمرتدة، يحرم فيها كل استمتاع، وكذا المشركة والمكاتبة ومن بعضها حر. والله أعلم.
الحكم الثاني : وجوب الكفارة بالعود، والعود هو أن يمسكها في النكاح زمنا يمكنه مفارقتها فيه. وحكى الشيخ أبو حاتم القزويني عن القديم قولا: أن العود هو الوطئ، والمشهور الاول. واتفق الاصحاب على أن الكفارة تجب إذا ظاهر وعاد، لكن هل سبب الوجوب العود فقط، أم الظهار والعود معا، أم الظهار فقط والعود شرط ؟ فيه أوجه. ولو مات أحد الزوجين عقيب الظهار، أو فسخ أحدهما النكاح بسبب يقتضيه، أو جن الزوج، أو طلقها بائنا أو رجعيا ولم يراجع، فلا عود ولا كفارة، فلو كانت أمة فاشتراها متصلا بالظهار، فليس بعائد على الاصح، لانه قطع النكاح. ولو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن، كان عائدا على الاصح، وبه قال ابن الحداد، ورجحه المتولي وغيره. قال الامام: وهذا الخلاف إذا كان الشراء متيسرا، فإن كان متعذرا، فالاشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي. فرع لاعنها عقب الظهار، نص الشافعي رضي الله عنه أنه ليس عائدا، واختلفوا في النص على ثلاثة أوجه. أحدها: وبه قال ابن الحداد: والمراد به ما إذا سبق القذف والمرافعة إلى الحاكم، أو أتى بما قبل الخامسة من كلمات اللعان، ثم ظاهر وعقبه بالكلمة الخامسة، وإلا فعائد، وأصحها، وبه قال أبو إسحق، وابن أبي هريرة، وابن الوكيل: يشترط سبق القذف والمرافعة، ولا يشترط تقدم شئ من كلمات اللعان،

(6/245)


بل إذا وصلها بالظهار، لم يكن عائدا. والثالث، وبه قال ابن سلمة، وحكي عن المزني في الجامع الكبير: لا يشترط سبق القذف أيضا، فلو ظاهر وقذف متصلا، واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان، لم يكن عائدا وإن بقي أياما فيه، وشبه ذلك بما لو قال عقب الظهار: أنت طالق على ألف درهم، فلم تقبل، فقال عقبه: أنت طالق بلا عوض، لا يكون عائدا لاشتغاله بسبب الفراق. فرع قال: أنت كظهر أمي، يا زانية أنت طالق، فوجهان، قال ابن الحداد: هو عائد، لانه أمسكها حالة القذف. قال الشيخ أبو علي: هذا صحيح إن لم يلاعن بعده، أو لاعن وشرطنا سبق القذف، فإن لم نشرطه، فليس بعائد. والثاني، لا يكون عائدا، ويكون قوله: يا زانية أنت طالق كقوله: يا زنيت أنت طالق في منع العود، وتردد الامام، في أن ابن الحداد يسلم في هذه الصورة. قلت: تردد الامام ثم قال: والاصح التسليم. والله أعلم. فرع لو علق طلاقها عقب الظهار. كان عائدا. ولو علق بدخوله الدار، ثم ظاهر وبادر بالدخول عقب الظهار، فلا عود.
فصل إذا ظاهر ثم طلقها رجعيا عقبه، ثم راجعها، فلا خلاف أنه يعود الظهار وأحكامه. ولو طلقها بائنا أو رجعيا وتركها حتى بانت، ثم نكحها، ففي عود الظهار الخلاف في عود الحنث، ويجري الخلاف فيما لو كانت رقيقة فاشتراها عقب الظهار، ثم أعتقها أو باعها، ثم نكحها. وهل عود النكاح بعد الانفساخ

(6/246)


بالملك كعوده بعد البينونة بالثلاث، أم كالبينونة بدون الثلاثة ؟ وجهان سبق نظيرهما. ولو ارتد عقب الظهار، ثم أسلم في العدة، عاد الظهار بلا خلاف، ثم هل تكون الرجعة وتجديد النكاح والاسلام بمجردها عودا، أم لا يكون إلا أن يمسكها بعد هذه الامور زمنا يمكنه فيه الفرقة ؟ فيه طرق. المذهب: أن الرجعة عود، بخلاف التجديد والاسلام، ويجري الخلاف فيما لو ظاهر من رجعية ثم راجعها، ولا يكون عائدا قبل الرجعة بحال، ولو ارتد أحدهما عقب الظهار قبل الدخول، فلا عود، وكذا لو كان بعد الدخول، وأصر المرتد حتى انقضت العدة. ولو ظاهر كافر من كافرة، فأسلما معا في الحال، أو أسلم وهي كتابية، فالنكاح دائم، وهو عائد، وإن أسلم وهي وثنية، أو أسلمت وتخلف، فإن كان قبل الدخول، فلا عود لارتفاع النكاح، وإن كان بعده، فلا عود في الحال، ولا إذا أصر، فإن جدد النكاح بعد البينونة، ففي عود الظهار خلاف عود الحنث. وإن أسلم المتخلف في العدة، فإن كان هو، فهل يكون نفس الاسلام عودا، أم لا بد من الامساك بعده ؟ فيه الخلاف السابق، وإن كانت هي، فنفس إسلامها ليس بعود في حقه، وإنما يصير عائدا إذا أمسكها بعد علمه بإسلامها زمنا يمكنه مفارقتها. فرع لو جن عقب الظهار ثم أفاق، قال الشيخ أبو علي: جعل بعضهم كون الافاقة عودا على الخلاف في الرجعة، وهذا غلط ظاهر. قلت: نقل الامام عن الاصحاب، أنهم قالوا: لو جن عقب الظهار، فليس بعائد، لانه لم يمسكها مختارا، وقال صاحب الحاوي: لو تعقب الظهار جنون أو إغماء، صار عائدا، لان الجنون لا يحرمها، بخلاف الردة، والقصد في العود ليس بشرط، وهذا الذي قاله، وإن كان قويا، فالصحيح ما نقله الامام. والله أعلم.
فصل سبق أن تعليق الظهار صحيح، فلو علقه ووجد المعلق عليه وأمسكها جاهلا، نظر، إن علق على فعل غيره، فليس بعائد حتى يمسكها بعد علمه، وإن علق على فعل نفسه ونسي، فالمعروف في المذهب: أنه عائد، ورأى البغوي وغيره تخريج المسألة في الطرفين على حنث الناسي والجاهل، وهذا أحسن، وبه قال المتولي.

(6/247)


قلت: هذا الذي قال المتولي، أنه إن علق بفعل نفسه، ففي مصيره عائدا الخلاف في حنث الناسي، وإن علق بفعل غيره، لم يصر عائدا على المذهب. وقيل: يخرج على الناسي، قال: والفرق أنه يشتبه عليه فعل غيره، وقلما يشتبه عليه حال نفسه، ثم إذا علق على فعل نفسه أو غيره وفعل، صار عند علمه بالفعل، كأنه الآن تلفظ بالظهار، فإن أمسكها بعده، فعائد، وإلا فلا. والله أعلم. فصل متى عاد، ووجبت الكفارة، ثم طلقها بائنا أو رجعيا، أو مات أحدهما، أو فسخ النكاح، لم تسقط الكفارة. وإذا جدد النكاح، استمر التحريم إلى أن يكفر، سواء حكمنا بعود الحنث، أم لا، لان التحريم حصل في النكاح الاول، وقد قال الله تعالى: * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) * ولو كانت رقيقة وحصل العود ثم اشتراها، فهل تحل بملك اليمين قبل التكفير ؟ وجهان. أصحهما: لا.
فصل إذا وقّت الظهار، فقال: أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا أو إلى شهر، أو إلى سنة، فثلاثة أقوال، أظهرها: صحته مؤقتا عملا بلفظه، وتغليبا لشبه اليمين، والثاني: يصح مؤبدا، تغليبا لشبه الطلاق. والثالث: أنه لغو، فإن صححناه مؤبدا، فالعود فيه كالعود في الظهار المطلق. وإن صححناه مؤقتا، فوجهان، أحدهما: العود فيه كالعود في المطلق، وبه قال المزني، وأصحهما وهو ظاهر النص: أنه لا يكون بالامساك عائدا، ولا يحصل العود إلا بالوطئ في المدة. فعلى هذا لو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر، فهو مؤل على الاصح، وقال الشيخ أبو محمد: لا، لانه ليس حالفا. وإذا وطئ فمتى يصير عائدا ؟ وجهان، أصحهما: عند الوطئ، فعلى هذا لا يحرم الوطئ، لكن إذا غابت الحشفة، لزمه النزع كما سبق في قوله: إن وطئتك، فأنت طالق ثلاثا، وذكرنا هناك وجها أنه يحرم الوطئ. قال الامام: ولا شك في جريانه هنا. والثاني، قاله الصيدلاني

(6/248)


وغيره: نتبين بالوطئ كونه عائدا بالامساك عقب الظهار، فعلى هذا يحرم ابتداء الوطئ، كما لو قال: إن وطئتك، فأنت طالق قبله، يحرم عليه الوطئ. وعلى الوجهين يحرم عليه الوطئ بعد ذلك الوطئ حتى يكفر أو تمضي مدة الظهار، فإذا مضت، حل الوطئ لارتفاع الظهار، وبقيت الكفارة في ذمته، ولو لم يطأ حتى مضت المدة، فلا شئ عليه، وتردد الامام في أنه لو ظاهر ظهارا مطلقا وعاد، هل يحصل التحريم بالظهار فقط، أم به وبالعود ؟ قال: والظاهر الثاني، لان الكفارة مرتبة عليهما، والتحريم مرتب على وجوب الكفارة، وتظهر فائدة التردد في لمسه وقبلته بغرض عقب الظهار إلى أن يتم زمن لفظ الطلاق، وإذا حصل العود في الظهار المؤقت على اختلاف الوجهين، فالواجب كفارة الظهار على الصحيح، وعليه تتفرع الاحكام المذكورة، وفي وجه: الواجب كفارة يمين، وينزل لفظ الظهار منزلة لفظ التحريم. وذكر ابن كج تفريعا عليه أنه يجوز الوطئ قبل التكفير. فرع قال: أنت علي حرام شهرا أو سنة ونوى تحريم عينها، أو أطلق، وقلنا: مطلقه يوجب كفارة اليمين، فهل يصح ويوجب كفارة اليمين، أم يلغو ؟ وجهان حكاهما الامام، كالظهار المؤقت، أصحهما الاول. فصل قال لاربع نسوة: أنتن علي كظهر أمي، صار مظاهرا منهن، فإن طلقهن، فلا كفارة، وإن أمسكهن، فالجديد: وجوب أربع كفارات، والقديم: كفارة فقط، فعلى الجديد: لو امتنع العود في بعضهن بموت أو طلاق، وجبت

(6/249)


الكفارة بعدد من عاد فيهن، وعلى القديم: تجب الكفارة لو عاد في بعضهن. وفي التتمة، أنها لا تجب في بعضهن، كما لو حلف لا يكلم جماعة، فكلم بعضهم. ولو ظاهر منهن بأربع كلمات، فإن لم يوالها، لم يخف حكمه، وإن والاها، صار بظهار الثانية عائدا في الاولى، وبظهار الثالثة عائدا في الثانية، وبظهار الرابعة عائدا في الثالثة، فإن فارق الرابعة عقب ظهارها، فعليه ثلاث كفارات، وإلا فأربع. فرع قال لاربع نسوة: أنتن علي حرام ونوى تحريم أعيانهن، فالقول في تعدد الكفارة واتحادها كما في الظهار، ذكره الامام. فرع كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة، فإن أتى بالالفاظ متوالية، نظر، إن أراد بالمرة الثانية وما بعدها التأكيد، فالجميع ظهار واحد، فإن أمسكها بعد المرات، فعليه كفارة، وإن فارقها، فوجهان. أحدهما: تلزمه الكفارة لتمكنه من الفراق بدلا من التأكيد، وأصحهما: لا كفارة، لان الكلمات المؤكد بها كالكلمة الواحدة، وإن أراد بالمرة الثانية ظهارا آخر، تعذرت الكفارة على الجديد، واتحدت على القديم. وقيل: تتعدد قطعا، فإن عددنا، ففارق عقب المرة الاخيرة، فهل يلزمه كفارة الظهار الاول ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لانه كلام آخر، بخلاف التأكيد، وإن أطلق ولم ينو شيئا، فهل تتحد، أم تتعدد ؟ قولان، أظهرهما: الاتحاد، وقطع به صاحبا الشامل والتتمة. وأما إذا تفاصلت المرات، وقصد بكل مرة، ظهارا، أو أطلق، فكل مرة ظهار مستقل له كفارة، وفي قول ضعيف: لا يكون الثاني ظهارا ما لم يكفر عن الاول، وإن قال: أردت بالمرة الثانية إعادة الظهار الاول، فعن القفال: اختلاف جواب في قبوله. قال الامام: هو مبني على أن المغلب في الظهار شبه اليمين، أم الطلاق ؟ إن غلبنا الطلاق، لم يقبل، وإلا فالظاهر قبوله كما ذكرنا في الايلاء، والاصح تغليب شبه الطلاق فيكون الاصح أنه لا يقبل إرادته التأكيد، وكذا ذكره البغوي وغيره.

(6/250)


قلت: نقل صاحب البيان عن البغداديين، يعني بهم العراقيين، القطع بأنه لا يقبل، وجزم صاحب الحاوي بالقبول، والصحيح المنع. والله أعلم. فرع قال: إن دخلت الدار، فأنت علي كظهر أمي، وكرر هذا اللفظ ثلاثا، فإذا دخلت الدار، صار مظاهرا، فإن قصد التأكيد، لم يجب إلا كفارة وإن قالها في مجالس، وإن قصد الاستئناف، تعددت الكفارة، ويجب الجميع بعود واحد بعد الدخول، فإن طلقها عقب الدخول، لم يجب شئ، وإن أطلق فهل يحمل على التأكيد، أم الاستئناف ؟ قولان. فصل قال: إن لم أتزوج عليك، فأنت علي كظهر أمي، فإن تزوج، أو لم يتمكن منه بأن مات، أو ماتت عقب الظهار، فلا عود ولا ظهار، وإنما يصير مظاهرا إذ فات التزويج عليها مع إمكانه، وحصل اليأس منه بموت أحدهما، وحينئذ يحكم بكونه كان مظاهرا قبيل الموت، وفي لزوم الكفارة وحصول العود وجهان، قال ابن الحداد: يلزم، وقال الجمهور: لا يلزم ولا ضرورة إلى تقدير حصول العود عقب الظهار، وهذا هو الصحيح. ولو لم يتزوج عليها مع الامكان حتى جن، فإن أفاق ثم مات قبل التزويج، فحكمه ما سبق، وإن اتصل الموت بالجنون، تبينا مصيره ظاهرا قبيل الجنون. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يحكم بمصيره مظاهرا إلا قبيل الموت، ويجئ مثله في تعليق الطلاق. قال الشيخ: ولا تظهر فائدة هذا الخلاف في الظهار إذا قلنا بالصحيح وقول الجمهور: إنه لا كفارة، وعلى قول ابن الحداد تظهر فائدته إن اختلف حاله في اليسار والاعسار. ولو قال: إذا لم أتزوج عليك، فأنت علي كظهر أمي، فإذا مضى عقب التعليق زمان إمكان التزوج ولم يتزوج، صار مظاهرا، والفرق بين إن وإذا سبق بيانه في كتاب الطلاق، وذكرنا هناك أن من الاصحاب من خرج من كل واحدة إلى الاخرى، وهو جار هنا.

(6/251)


فصل قال: إن دخلت فأنت علي كظهر أمي، ثم أعتق عن كفارة الظهار، ثم دخلت، فهل يجزئه إعتاقه عن الكفارة ؟ وجهان، قال ابن الحداد: نعم، كتقديم الزكاة وكفارة اليمين، وقال الجمهور: لا، لانه تقديم على السببين جميعا، فلم يصح كتقديم الزكاة على الحول والنصاب، وكفارة اليمين على اليمين، ويجري الخلاف، لو أطعم عن الظهار وهو من أهل الاطعام قبل دخول الدار، ولا يجري في الصوم على المذهب، والوجهان جاريان في تعليق الايلاء. فإذا قال: إن دخلت الدار فوالله لا أطؤك، ثم أعتق عن كفارة اليمين قبل دخول الدار، جوزه ابن الحداد، وخالفه الجمهور. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، وقال: متى دخلت، فعبدي فلان حر عن ظهاري، فدخلت، فعلى رأي ابن الحداد يصير مظاهرا، ويعتق العبد عن الظهار، وعلى الصحيح وقول الجمهور: لا يصح تعليق إعتاقه عن الظهار، وأما إذا أعتق عن الظهار بعد الظهار وقبل العود، فيجزئه قطعا، وسنوضحه في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى. ولو قال: أنت علي كظهر أمي، أعتقت هذا عن كفارتي، أو أنت علي كظهر أمي، وسالم حر عن ظهاري، فهذا إعتاق مع العود، ويجزئه عن الكفارة التأخر عن الظهار. فرع ظاهر من زوجته الامة، وعاد ثم قال لمالكها: أعتقتها عن ظهاري، ففعل، وقع عتقها عن كفارته، وانفسخ النكاح. وكذا لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفارة أخرى، ولو ملكها بعدما ظاهر، وعاد فانفسخ النكاح، ثم أعتقها عن ظهاره منها، أجزأه. ولو آلى من زوجته الامة، ووطئها ولزمته الكفارة فقال لسيدها: أعتقها عن كفارة يميني، ففعل، أجزأه وانفسخ النكاح، ولو آلى من زوجته الذمية، ثم وطئها، أو ظاهر منها وعاد، ثم نقضت العهد، فاسترقت، فملكها الزوج فأسلمت، فأعتقها عن كفارة ظهاره، أجزأه، وبالله التوفيق.

(6/252)