روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب العدد
فيه أبواب.
الأول : في عدة الطلاق وسائر أنواع الفرقة الواقعة في الحياة. والثاني: في تداخل العدتين وعدمه. والثالث: في عدة الوفاة. والرابع: في السكنى. والخامس: في الاستبراء.
الأول : في عدة الطلاق وما في معناه من اللعان، وسائر الفسوخ، ووطئ الشبهة، وإنما تجب هذه العدة إذا فارقها بعد الدخول، فإن فارق قبله، فلا عدة. واستدخال المرأة مني الرجل، يقام مقام الوطئ في وجوب العدة، وثبوت النسب، وكذا استدخال ماء من تظنه زوجها يقوم مقام وطئ الشبهة، ولا اعتبار

(6/340)


بقول الاطباء أن المني إذ ضربه الهواء، لم ينعقد منه الولد، لانه قول بالظن، لا ينافي الامكان. وفي التتمة وجه أن استدخال المني لا يوجب عدة، لعدم صورة الوطئ، وهو شاذ ضعيف، ولا تقام الخلوة مقام الوطئ على الجديد، كما سبق في كتاب الصداق ولو وطئ الخصي زوجته ثم طلق، وجبت العدة والخصي: من قطعت أنثياه وبقي ذكره. وأما من قطع ذكره وبقي أنثياه، فلا عدة على زوجته بالطلاق إن كانت حائلا، فإن ظهر بهما حمل، فقد ذكرنا في اللعان، أنه يلحقه الولد فعليها العدة بوضع الحمل. وأما الممسوح الذي لم يبق له شئ أصلا، فلا يتصور منه دخول. ولو ولدت زوجته، لم يلحقه على المذهب، ولا تجب عدة الطلاق ووطئ الصبي، وإن كان في سن لا يولد له، يوجب عدة الطلاق، لان الوطئ شاغل في الجملة. ولذلك لو علق الطلاق على براءة الرحم يقينا وحصلت الصفة، طلقت ووجبت العدة إذا كانت مدخولا بها.
فصل عدة الطلاق ونحوه ثلاثة أنواع: الاقراء، والاشهر، والحمل، ولا مدخل للاقراء في عدة الوفاة، ويدخل النوعان الاخريان. النوع الاول: الاقراء، وواحدها قرء بفتح القاف، ويقال بضمها، وزعم بعضهم، أنه بالفتح الطهر، وبالضم الحيض. والصحيح أنهما يقعان على الحيض والطهر لغة، ثم فيه وجهان للاصحاب. أحدهما: أنه حقيقة في الطهر، مجاز في الحيض. وأصحهما: أنه حقيقة فيهما، هذا أصله في اللغة، والمراد بالاقراء في العدة: الاطهار. وفي المراد بالطهر هنا، قولان. أحدهما: الانتقال إلى الحيض دون عكسه. وأظهرهما: أنه الطهر المحتوش بدمين، لا مجرد الانتقال إلى الحيض، ممن نص على ترجيح هذا القول، البغوي والروياني وغيرهما، وفيه مخالفة لما سبق في الطلاق، أن الاكثرين أوقعوا الطلاق في الحال وإذا قال للتي لم تحض: أنت طالق في كل قرء، ويجوز أن يجعل ترجيحهم لوقوع الطلاق لمعنى

(6/341)


يختص بتلك الصورة، لا لرجحان القول، بأن الطهر الانتقال، ثم إذا طلقها وقد بقي من الطهر بقية، حسبت تلك البقية قرءا، سواء كان جامعها في تلك البقية أم لا، فإذا طلقها وهي طاهر فحاضت، ثم طهرت، ثم حاضت، ثم طهرت، ثم شرعت في الحيض، انقضت عدتها، وإن طلقها في الحيض، فإذا شرعت في الحيضة الرابعة، انقضت عدتها. وهل تنقضي العدة برؤية الدم للحيضة الثالثة أو الرابعة، أم يعتبر مضي يوم وليلة بعد رؤية الدم ليعلم أنه حيض ؟ فيه قولان. أظهرهما: الاول، لان الظاهر أنه دم حيض، ولئلا تزيد العدة على ثلاثة أقراء. وقيل: إن رأت الدم لعادتها، انقضت برؤيته، وإن رأته على خلافها، اعتبر يوم وليلة. وإذا حكمنا بانقضائها بالرؤية، فانقطع الدم لدون يوم وليلة، ولم يعد حتى مضت خمسة عشر يوما، تبينا أن العدة لم تنقض ثم لحظة رؤية الدم أو اليوم والليلة، إذا اعتبرناهما، هل هما من نفس العدة، أم يتبين بهما انقضاؤها وليسا منها ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. قلت: قال أصحابنا: إن جعلناه من العدة، صحت فيه الرجعة، ولا يصح نكاحها لاجنبي فيه، وإلا فينعكس. وقد سبق هذا، ولكن لا يليق إخلاء هذا الموضع منه. والله أعلم. فرع قال: أنت طالق في آخر طهرك، أو في آخر جزء من أجزاء طهرك. فإن قلنا: القرء الانتقال، اعتد بذلك الجزء، وإلا فلا. ولو طلق من لم تحض أصلا، إن قلنا: الطهر الانتقال، حسب طهرها، قرءا، وإلا فلا.

(6/342)


واعلم أن قولهم: القرء هو الطهر المحتوش، أو الانتقال، ليس مرادهم الطهر بتمامه، لانه لا خلاف أن بقية الطهر تحسب قرءا، وإنما مرادهم أنه هل يعتبر من الطهر المحتوش شئ، أم يكفي الانتقال ؟ والمكتفون بالانتقال قالوا: الانتقال وحده قرء، فإن وجد قبله شئ من الطهر، أدخلوه في إسم القرء. ولهذا قالوا: لو قال للتي لم تحض: أنت طالق في كل قرء طلقة، طلقت في الحال تفريعا على هذا القول، ولم يؤخروا الوقوع إلى الحيض للانتقال.
فصل الحرة التي تحيض عدة طلاقها ثلاثة أقراء، والامة قرآن، والمكاتبة، والمدبرة، وأم الولد، ومن بعضها رقيق، كالقنة في العدة. ولو وطئت أمة بنكاح فاسد، أو بشبهة نكاح، اعتدت بقرءين كتطليقها، وإن وطئت بشبهة ملك اليمين، استبرأت بقرء واحد. فرع لو عتقت الامة المطلقة في العدة، فهل يتم عدة حرة، أم أمة، أم يفرق، فإن كانت بائنة، فعدة الامة، وإلا فعدة حرة ؟ فيه أقوال. أظهرها: الثالث، وهو الجديد. ولو طلق العبد الامة رجعيا فعتقت في العدة، ثم فسخت في الحال، فهل تبني أم تستأنف العدة ؟ فيه خلاف كما لو طلق الرجعية طلقة أخرى، وعن أبي إسحق وغيره القطع بالبناء. ولو أخرت الفسخ حتى راجعها ثم فسخت قبل الوطئ، ففيه الطريقان. والمذهب الاستئناف، لانها فسخت وهي زوجة، والفسخ يوجب العدة. وحيث قلنا: تستأنف، فتستأنف عدة حرة. وحيث قلنا: تبني، فهل تبني على عدة حرة، أم أمة ؟ فيه الخلاف فيما إذا عتقت المعتدة بلا فسخ. فرع وطئ أمة أجنبي يظنها أمته، لم يلزمها إلا قرء. ولو ظنها زوجته المملوكة، فهل يلزمها قرء أم قرآن اعتبارا باعتقاده [ فيه ] وجهان. أصحهما: قرآن، وإن ظنها زوجته الحرة، فهل يلزمها قرء أم قرآن أم ثلاثة ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث.

(6/343)


ولو وطئ حرة يظنها أمته، فقطع جماعة بثلاثة أقراء، لان الظن يؤثر في الاحتياط دون المساهلة، وأجرى المتولي الوجهين، إن اعتبرنا حالها، فثلاثة أقراء، أو ظنه فقرء. ولو ظنها زوجته المملوكة، فطرد فيه الوجهين، هل يجب قرآن لظنه، أم ثلاثة ؟ والاشبه النظر إلى ظنه لان العدة لحقه.
فصل المعتدات أصناف
الاول: من لها حيض وطهر صحيحان، فتعتد بالاقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها. الصنف الثاني: المستحاضة، فإن كان لها مرد، اعتدت بالاقراء المردود إليها من تمييز أو عادة، أو الاقل، أو الغالب إن كانت مبتدأة كما سبق في الحيض، والاظهر: رد المبتدأة إلى الاقل. وعلى القولين: إذا مضت ثلاثة أشهر، انقضت عدتها، لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا، وشهرها ثلاثون يوما، والحساب من أول رؤية الدم، هكذا أطلق، ويمكن أن يعتبر بالاهلة، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الناسية، وقد أشار إليه مشيرون، فإن لم يكن لها مرد وهي المتحيرة، فقد سبق في كتاب الحيض أنها على قول ترد إلى مرد المبتدأة، وأن المذهب أن عليها الاحتياط. فإن قلنا: كالمبتدأة، انقضت عدتها بثلاثة أشهر، وإن قلنا بالاحتياط، فالاصح أنها كالمبتدأة أيضا لعظم المشقة في الانتظار. والثاني: يلزمها الاحتياط كمن تباعد حيضها، فتؤمر بالتربص إلى سن اليأس، أو أربع سنين، أو

(6/344)


تسعة أشهر، على الخلاف الآتي، ولا نقول: تمتد الرجعة وحق السكنى جميع هذه المدة، لان الزوج يتضرر به، بل لا يزيد ذلك على ثلاثة أشهر، ويختص الاحتياط بما يتعلق بها، وهو تحريم النكاح. وإذا قلنا: تنقضي عدتها بثلاثة أشهر في الحال، فالاعتبار بالاهلة، فإن انطبق الطلاق على أول الهلال، فذا ك، وإن وقع في أثناء الشهر الهلالي، فإن كان الباقي أكثر من خمسة عشر يوما، حسب قرءا، وتعتد بعده بهلالين. وإن كان خمسة عشر فما دونها، فهل يحسب قرءا ؟ وجهان. أصحهما: لا. وعلى هذا، فقد ذكر أكثرهم أن ذلك الباقي لا اعتبار به، وأنها تدخل في العدة لاستقبال الهلال. والمفهوم مما قالوا تصريحا وتلويحا أن الاشهر ليست متأصلة في حق الناسية، ولكن يحسب كل شهر قرءا لاشتماله على حيض وطهر غالبا. وأشار بعضهم إلى أن الاشهر أصل في حقها، كما في حق الصغيرة والمجنونة، ومقتضى هذا أن تدخل في العدة من وقت الطلاق، ويكون كما لو طلق ذات الاشهر في أثناء الشهر، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. ولو كانت المتحيرة المنقطعة الدم، ترى يوما دما، ويوما نقاء، لم تنقض عدتها إلا بثلاثة أشهر

(6/345)


سواء قلنا بالتلفيق أم بالسحب. والاطهار الناقصة المتخللة لا تنقضي بها العدة بحال. الصنف الثالث: من لم تر دما ليأس، وصغر، أو بلغت سن الحيض أو جاوزته ولم تحض، فعدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن، ولو ولدت ولم تر حيضا قط ولا نفاسا، فهل تعتد بالاشهر، أم هي كمن انقطع حيضها بلا سبب ؟ وجهان. وبالاول قال الشيخ أبو حامد. قلت: الصحيح الاعتداد بالاشهر، لدخولها في قول الله تعالى: (واللائي لم يحضن) * وذكر الرافعي في آخر العدد عن فتاوى البغوي: أن التي لم تحض قط، إذا ولدت ونفست، تعتد بثلاثة أشهر، ولا يجعلها النفاس من ذوات الاقراء فجزم البغوي بهذا، ولم يذكر الرافعي هناك خلافا. والله أعلم. ثم إن الاشهر معتبرة بالهلال، وعليه المواقيت الشرعية، وإن انطبق الطلاق على أول الهلال، فذاك، وإن انكسر، اعتبر شهران بالهلال، ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الرابع. فقال ابن بنت الشافعي: إذا انكسر شهر، انكسر الجميع، والصحيح الاول. وإذا وقع الطلاق في أثناء الليل أو النهار، ابتدئ حساب الشهر من حينئذ. وإذا اعتدت صغيرة بالاشهر ثم حاضت بعد فراغها، فقد انقضت العدة، ولا يلزمها الاقراء، ولو حاضت في أثناء الاشهر، انتقلت إلى

(6/346)


الاقراء وهل يحسب ما مضى قرءا ؟ وجهان. أقربهما إلى ظاهر النص المنع. فإن كانت الآيسة، والتي لم تحض أمة، فهل عدتها ثلاثة أشهر، أم شهران، أم شهر ونصف ؟ فيه أقوال. قال المحاملي: أظهرها: الاول، واختاره الروياني، قال: ولكن القياس، وظاهر المذهب، شهر ونصف، وعليه جمهور أصحابنا الخراسانيين. الصنف الرابع: من انقطع دمها، ينظر، إن انقطع لعارض يعرف، لرضاع، أو نفاس، أو مرض، أو داء باطن، صبرت حتى تحيض، فتعتد بالاقراء، أو تبلغ سن اليأس، فتعتد بالاشهر، ولا تبالي بطول مدة الانتظار، وإن انقطع لا لعلة تعرف، فالقول الجديد: أنه كالانقطاع لعارض، والقديم: أنها تتربص تسعة أشهر. وفي قول أربع سنين، وفي قول مخرج ستة أشهر، ثم بعد التربص، تعتد بثلاثة أشهر. فإذا قلنا بالقديم فحاضت بعد التربص والعدة وبعدما تزوجت، استمر النكاح للثاني على الصحيح، وقيل: يتبين بطلانه، لتبيننا أنها ليست من ذوات الاشهر، وإن حاضت قبل تمام التربص، بطل التربص وانتقلت إلى الاقراء، ويحسب ما مضى قرءا بلا خلاف، فإن لم يعاودها الدم، ولم تتم الاقراء، استأنفت التربص لتعتد بعده بالاشهر، لان التربص الاول بطل بظهور الدم. قال المتولي: لا نأمرها باستئناف التربص، لانا على هذا القول، لا نعتبر اليأس، وإنما نعتبر ظهور براءة الرحم وقد ظهرت البراءة، ورؤية الدم تؤكد البراءة. والصحيح المعروف، هو الاول، وإن حاضت بعد التربص، وفي مدة العدة انتقلت إلى الاقراء، فإن لم يعاودها الدم، عاد الصحيح، وقول المتولي. وإذا تربصت، فتبني الاشهر على ما مضى من الاشهر الثلاثة، أم تستأنف الاشهر ؟ وجهان. أحدهما: تستأنف كما تستأنف التربص، وأصحهما: تبني، لان ما مضى من الاشهر كان من صلب

(6/347)


العدة، فلا معنى لابطاله، بخلاف التربص، فعلى هذا في كيفية البناء وجهان. أحدهما: تعد ما مضى قرءا، ويبقى عليها قرآن، فتعتد بدلهما بشهرين. وعلى هذا، لو حاضت مرتين، بقي عليها قرء، فتعتد بدله بشهر. وأصحهما: يحسب ما مضى من الايام، وتتمة ثلاثة أشهر، ولا تضم بعض الاشهر إلى بعض الاقراء، لئلا يجمع بين البدل والمبدل، هكذا أطلقوا ذكر عدم المعاودة في الصورتين، ولم يقولوا: إذا لم تعد إلى مدة كذا. ويشبه أن يضبط بعادتها القديمة، أو بغالب عادات النساء. وإن حاضت بعد التربص والاشهر، وقبل النكاح، فأوجه. أصحها وينسب إلى النص: تنتقل إلى الاقراء. والثاني: لا، بل انقضت العدة. والثالث: عن أبي هريرة: إن اعتدت بالاشهر بحكم قاض، لم ينقض حكمه، ولم تنتقل إلى الاقراء، وإن اعتدت بها بمجرد فتوى، انتقلت، وسواء في هذه الصور والاحكام، جعلنا التربص ستة أشهر أو تسعة، أو أربع سنين، هذا كله تفريع القديم. أما إذا قلنا بالجديد وهو انتظار سن اليأس، ففي النسوة المعتبرات قولان. أظهرهما وإليه ميل الاكثرين: يعتبر أقصى يأس نساء العالم. قال الامام: ولا يمكن طوف العالم، وإنما المراد ما يبلغ خبره ويعرف. وعلى هذا، فالاشهر أن سن اليأس، اثنان وستون سنة، وقيل: ستون، وقيل: خمسون، حكاهما أبو الحسن بن خيران في كتابه اللطيف، وحكاهما غيره. وقال السرخسي: تسعون سنة. وحكي أن إمرأة حاضت لتسعين سنة، وعن أبي علي الطبري تخريج وجه أنه يعتبر سن اليأس غالبا، ولا يعتبر الاقصى. والقول الثاني، أنه يعتبر يأس عشيرتها من الابوين، نص عليه في الام. وقيل: يعتبر نساء العصبات، وقيل: نساء البلد. فإذا رأت الدم بعد سن اليأس، نظر، إن رأته في أثناء الاشهر، انتقلت إلى الاقراء، وحسب ما مضى قرءا بلا خلاف، فتضم إليه قرءين. واعلم أنا إذا اعتبرنا أقصى اليأس في العالم، فبلغته، ثم رأت الدم، صار

(6/348)


أقصى اليأس ما رأته، ويعتبر بعد ذلك غيرها بها، ثم إن لم يعاودها الدم، رجعت إلى الاشهر. وهل تؤمر بالتربص قبلها تسعة أشهر، أو أربع سنين ؟ وجهان. أحدهما: نعم، استظهارا، وأصحهما: لا، لانها بلغت اليأس. ثم في التتمة، أنها تعتد بشهرين، بدلا عن قرءين، والذي صححه الائمة وحكوه عن القفال وغيره، أنها تعتد بثلاثة أشهر تستأنفها. ولا يجئ في البناء الخلاف السابق في تفريع القديم، لانه في القديم تكفي غلبة الظن، وهنا يطلب اليقين أو القرب منه. فإذا رأت الدم، بطل ما ظنناه يأسا، وبطل ما ترتب عليه من العدة، فوجب الاستئناف. وأما إذا رأت الدم بعد تمام الاشهر، فثلاثة أقوال. أحدها: لا يلزمها العود إلى الاقراء، بل انقضت عدتها، كما لو حاضت الصغيرة بعد الاشهر. والثاني: يلزمها، لانه بان أنها ليست آيسة، بخلاف الصغيرة، فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن، وهذا أصح عند البغوي. والثالث وهو الاظهر فيما يدل عليه كلام الاكثرين: إن كانت نكحت بعد الاشهر، فقد تمت العدة، والنكاح صحيح، وإلا لزمها الاقراء، وقطع صاحبا التتمة والشامل بصحة النكاح. النوع الثالث: الحمل. قد سبق أن عدة الطلاق ثلاثة أنواع: الاقراء، والاشهر، وقد مضيا، والتف أحدهما بالآخر، والثالث: هو الحمل، ويشترط في انقضاء العدة به شرطان، أحدهما: كونه منسوبا إلى من العدة منه. إما ظاهرا، وإما احتمالا، كالمنفي باللعان. فإذا لاعن حاملا ونفى الحمل، انقضت عدتها بوضعه لامكان كونها منه، والقول قولها في العدة إذا تحقق الامكان.

(6/349)


أما إذا لم يمكن أن يكون منه، بأن مات صبي لا ينزل وامرأته حامل، فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل، بل تعتد بالاشهر. ولو مات من قطع ذكره وأنثياه، وامرأته حامل، لم تنقض عدتها بوضعه على المذهب، بناء على أنه لا يلحقه الولد. وعن الاصطخري والصيرفي والقفال: أنه يلحقه. وحكي هذا قول للشافعي، وقد سبق في اللعان. فعلى هذا، تنقضي عدتها بوضعه. ومن سل خصياه وبقي ذكره، كالفحل في لحوق الولد على المذهب، فتنقضي العدة منه بوضعه، سواء فيه عدة الوفاة والطلاق. وفي وجه: لا يلحقه فلا تنقضي به العدة، وحكى القاضي أبو الطيب وجها أنه إن كان مسلول الخصية اليمنى لم يلحقه وإن بقيت اليسرى، لانه يقال: إن الماء من الخصية اليمنى، والشعر من اليسرى. ونقل الروياني في جمع الجوامع، أن أبا بكر بن الحداد، كان فقيد الخصية اليمنى، فكان لا ينزل، وكانت لحيته طويلة، وهذا شئ يعتمده الجمهور. وأما مجبوب الذكر باقي الانثيين، فيلحقه الولد، فتعتد إمرأته عن الوفاة بوضع الحمل، ولا يلزمها عدة الطلاق لعدم الدخول. فرع من مات عن زوجته، أو طلقها وهي حامل بولد، لا يمكن أن يكون

(6/350)


منه، بأن وضعته لدون ستة أشهر من حين العقد، أو لاكثر، ولكن كان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة، لم تنقض به عدته، هذا هو المذهب، وبه قطع الاصحاب. وحكى الغزالي في الوجيز وجهين آخرين. أحدهما: تنقضي، لاحتمال أنه وطئها بشبهة قبل النكاح، ويكفي الاحتمال، كالولد المنفي باللعان. والثاني: إن ادعت وطئ شبهة، حكم بانقضاء العدة، لان القول في العدة قولها مع الامكان، ولم يذكر هذه الاوجه في الوسيط والبسيط في هذه الصورة، بل ذكرها فيمن قال: إن ولدت فأنت طالق، فولدت وشرعت في العدة، ثم ولدت بعد ستة أشهر ولدا آخر. والثالث: الفرق بين أن تدعي وطءا محترما من الزوج بعد الولادة الاولى فتنقضي العدة، أو لا فلا. فإذا قلنا بالمذهب، فإن كان المولود لاحقا بغيره بوطئ شبهة، أو في عقد فاسد، انقضت عدة الوطئ بوضعه، ثم تعتد عن الزوج بعده، وإن كان من زنا، اعتدت عدة الوفاة من يوم الموت، أو عدة الطلاق من يوم الطلاق، وتنقضي العدة مع الحمل في عدة الوفاة. وفي عدة الطلاق، إذا كانت من ذوات الاشهر، أو كانت من ذوات الاقراء، ولم تر دما أو رأته، وقلنا: إن الحامل لا تحيض وإن رأته، وقلنا: إنه حيض، ففي انقضاء العدة بأطهارها وهي حامل وجهان. أصحهما: الانقضاء، لان حمل الزنا كالمعدوم. فعلى هذا، لو زنت في عدة الوفاة أو الطلاق، وحبلت من الزنا، لم يمنع ذلك انقضاء العدة، ولو كان الحمل مجهول الحال، حمل على أنه من زنا، قاله الروياني في جمع الجوامع. فرع لو نكح حاملا من الزنا، صح نكاحه بلا خلاف. وهل له وطؤها قبل

(6/351)


الوضع ؟ وجهان. أصحهما: نعم، إذ لا حرمة له، ومنعه ابن الحداد. الشرط الثاني: أن تضع الحمل بتمامه، فلو كانت حاملا بتوأمين، لم تنقض العدة حتى تضعهما، حتى لو كانت رجعية، ووضعت أحدهما، فله الرجعة قبل أن تضع الثاني، وإنما يكونان توأمين إذا وضعتهما معا، أو كان بينهما دون ستة أشهر، فإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا، فالثاني حمل آخر. فرع لا تنقضي العدة بخروج بعض الولد، ولو خرج بعضه منفصلا أو غير منفصل ولم يخرج الباقي، بقيت الرجعة. ولو طلقها، وقع الطلاق. ولو مات أحدهما ورثه الآخر، وكذا تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون بعض، كمنع توريثه، وكسراية عتق الام إليه، وعدم إجزائه عن الكفارة، ووجوب الغرة عند الجناية على الام، وتبعية الام في البيع والهبة وغيرهما. وفي وجه ضعيف: إذا خرج كان حكمه حكم المنفصل كله في جميع ما ذكرنا، إلا في العدة، فإنها لا تنقضي إلا بفراغ الرحم، وينسب إلى القفال وهو منقاس، ولكنه بعيد في المذهب. فرع تنقضي العدة بانفصال الولد حيا، أو ميتا، ولا تنقضي بإسقاط العلقة والدم. ولو أسقطت مضغة، فلها أحوال. أحدها: أن يظهر فيها شئ من صورة الآدمي، كيد، أو أصبع، أو ظفر وغيرها، فتنقضي بها العدة. والثاني: أن لا يظهر شئ من صورة الآدمي لكل أحد، لكن قال أهل الخبرة من النساء: فيه صورة خفية، وهي بينة لنا وإن خفيت على غيرها، فتقبل شهادتهن، ويحكم بانقضاء العدة وسائر الاحكام. الثالث: أن لا يكون صورة ظاهرة ولا خفية يعرفها القوابل، لكنهن قلن: إنه أصل آدمي، ولو بقي لتصور ولتخلق، فالنص أن العدة تنقضي به. ونص أنه لا

(6/352)


يجب فيه الغرة، وأشعر نصه أنه لا يثبت به الاستيلاد، فقيل في الجميع قولان.. وقيل: بتقرير النصوص، لان المراد بالعدة براءة الرحم وقد حصلت. والاصل براءة الذمة في الغرة. وأمومة الولد إنما تثبت تبعا للولد. وقيل: تثبت هذه الاحكام قطعا، وحمل نص المنع على ما إذا يعلمن أنه مبتدأ خلق. وقيل: لا تثبت قطعا، وحمل نص العدة على ما إذا كانت صورة خفية، والمذهب على الجملة انقضاء العدة ومنع الآخرين. ولو شك القوابل في أنه لحم آدمي، أم لا، لم يثبت شئ من هذه الاحكام، بلا خلاف. ولو اختلف الزوجان، فقالت: كان السقط الذي وضعته مما تنقضي به العدة، وأنكر الزوج، وضاع السقط، فالقول قولها بيمينها، لانها مأمونة في العدة. فصل إذا كانت تعتد بالاقراء أو بالاشهر، فظهر بها حمل من الزوج، اعتدت بوضعه، ولا اعتبار بما مضى من الاقراء والاشهر، فإن لم يظهر الحمل بأمارة، ولكنها ارتابت لثقل وحركة تجدها، نظر، إن ارتابت قبل تمام الاشهر، أو الاقراء، فليس لها أن تتزوج بعد تمامها حتى تزول الريبة. فإن تزوجت، فالنكاح باطل. وإن ارتابت بعد أن انقضت الاقراء أو الاشهر وتزوجت، لم يحكم ببطلان النكاح، لكن لو تحققنا كونها حاملا وقت النكاح، بأن ولدت لدون ستة أشهر من وقت النكاح، تبينا بطلان النكاح، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا، فالولد للثاني، ونكاحه مستمر على صحته. وإن ارتابت بعد الاقراء والاشهر، وقبل أن تتزوج، فالاولى أن تصبر إلى زوال الريبة، فإن لم تفعل وتزوجت، فالمذهب القطع بأن النكاح لا يبطل في الحال، بل هو كما لو تزوجت، وهو نصه في المختصر والام، وبه قال ابن خيران، وأبو إسحق، والاصطخري، لانا حكمنا بانقضاء

(6/353)


العدة، فلا نبطله بالشك، وقيل: يحكم ببطلانه، حكي عن ابن سريج. وقيل: قولان. فصل أكثر مدة الحمل أربع سنين، فلو أبانها بخلع أو بالثلاث، أو بفسخ، أو لعان ولم ينف الحمل، فولدت لاربع سنين فأقل من وقت الفراق، لحق الولد بالزوج، هكذا أطلقوه. وقال أبو منصور التميمي: ينبغي أن يقال: لاربع سنين من وقت إمكان العلوق، وقبيل الطلاق، وهذا قويم، وفي إطلاقهم تساهل، وسواء أقرت بانقضاء عدتها ثم ولدت، أم لم تقر، لان النسب حق الولد، فلا ينقطع بإقرارها. وقال ابن سريج: إذا أقرت بانقضائها ثم ولدت، لم يلحقه إلا أن تأتي به لدون ستة أشهر من الاقراء، كما إذا صارت الامة فراشا لسيدها بالوطئ ثم استبرأها فأتت بولد بعد الاستبراء لستة أشهر فصاعدا، لا يلحقه، نص عليه. فمن الاصحاب من جعل المسألتين على قولين، وقطع الجمهور بتقرير النصين، وفرقوا بأن فراش النكاح أقوى وأسرع ثبوتا، فإنه يثبت بمجرد الامكان. أما إذا ولدت لاكثر من أربع سنين، فالولد منفي عنه بلا لعان. ولو طلقها رجعيا ثم ولدت، فالحكم على التفصيل المذكور، إلا أن السنين الاربع، هل تحسب من وقت الطلاق، أم من وقت انصرام العدة ؟ قولان. أظهرهما: الاول، لانها كالبائن في تحريم الوطئ، فلا يؤثر كونها زوجة في معظم الاحكام. فإن قلنا: من وقت الانصرام، فقد أطلق الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما حكاية وجهين. أحدهما: أنه يلحقه متى أتت به من غير تقدير، لان الفراش على هذا القول، إنما يزول بانقضاء العدة. والثاني:

(6/354)


أنه إذا مضت العدة بالاقراء أو الاشهر، ثم ولدت لاكثر من أربع سنين من انقضائها، لم يلحقه، لانا تحققنا أنه لم يكن موجودا في الاقراء والاشهر، فتبين بانقضائها، وتصير كما لو بانت بالطلاق، ثم ولدت لاكثر من أربع سنين. وهذا الثاني هو الاصح عند الاكثرين، وحكوه عن نص الشافعي رحمه الله. ولك أن تقول هذا، وإن استمر في الاقراء، لا يستمر في الاشهر، فإن التي لا تحمل، لا تعتد بالاشهر، فإذا حبلت، بان أن عدتها لم تنقض بالاشهر، وسيأتي نظير هذا إن شاء الله تعالى، ثم هذا الخلاف، على ما ذكره الروياني وغيره، فيما إذا أقرت بانقضاء العدة، فإن لم تقر، فالولد الذي تأتي به، يلحقه وإن طال الزمان، لان العدة قد تمتد لطول الطهر. وحكى القفال فيما إذا لم تقر وجها ضعيفا، أنه إذا مضت ثلاثة أشهر ثم ولدت لاكثر من أربع سنين، لم يلحقه، لان الغالب انقضاء العدة في ثلاثة أشهر، ومتى حكمنا بثبوت النسب، كانت المرأة معتدة إلى الوضع، فيثبت للزوج الرجعة 1 إن كانت رجعية، ولها السكنى والنفقة. فرع ولدت لاكثر من أربع سنين، وادعت في الطلاق الرجعي أن الزوج راجعها، أو أنه جدد نكاحها، أو وطئها بشبهة، وأنها ولدته على الفراش المجدد، نظر، إن صدقها الزوج، لزمه مقتضى إقراره، فعليه المهر في صورة التجديد، والنفقة والسكنى في الرجعة، والتجديد جميعا، ويلحقه الولد للفراش، وإن أنكر إحداث فراش، فهو المصدق بيمينه، وعليها البينة، فإن نكل، حلفت، وثبت النسب، إلا أن ينفيه باللعان. وحكى أبو الفرج الزاز قولا، أنه إذا نكل، لا ترد اليمين عليها، لانها إذا حلفت، ثبت نسب الولد، ويبعد أن يحلف الشخص لفائدة غيره، والمشهور الاول، فإن لم يحلفها، أو نكلت، ففي حلف الولد إذا بلغ خلاف سبق في نظائره. وإن اعترف بفراش جديد، وأنكر ولادتها، وادعى أنها

(6/355)


التقطته واستعارته، صدق بيمينه، وعليها البينة على الولادة. فإن نكل، حلفت وثبتت الولادة والنسب بالفراش، إلا أن ينفيه باللعان، ويعود في تحليفها الخلاف السابق. ثم قال الائمة: العدة تنقضي بوضعه وإن حلف الرجل على النفي ولم يثبت ما ادعته، لانها تزعم أنه منه، فكان كما لو نفي حملها باللعان، فإنه وإن انتفى الولد تنقضي العدة بوضعه لزعمها أنه منه. ولو ادعت على الوارث بعد موت الزوج أن الزوج كان راجعها، أو جدد نكاحها، فإن كان الوارث ممن لا يحجب، نظر، إن كان إبنا واحدا، فالحكم كما لو ادعت على الزوج، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم، وإلا أنه إذا ثبت النسب، لا يمكنه نفيه باللعان. وإن كان له ابنان، وادعت عليهما، فكذباها وحلفا، أو نكلا أو صدقها أحدهما وكذب الآخر وحلفت، ثبت المهر والنفقة بحصة المصدق، ولا يثبت النسب، لان جميع الورثة لم يتفقوا. وفي ثبوت ميراث الزوجة في حصة المصدق خلاف مذكور في موضعه. وإن كان الوارث ممن يحجب كالاخ، فإن صدقها فذاك، ولا يرث الولد وإن ثبت نسبه، وإن كذبها، فعلى ما ذكرنا. فرع علق طلاقها بالولادة، فولدت ولدين، فإن كان بينهما دون ستة أشهر، لحقاه، وطلقت بالاول، وانقضت عدتها بالثاني، وإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر، طلقت بولادة الاول، ثم إن كان الطلاق بائنا، لم يلحقه الثاني، لان العلوق به لم يكن في نكاح، وإن كان رجعيا، بني على أن السنين الاربع تعتبر من وقت الطلاق، أم من انصرام العدة ؟ إن قلنا بالاول، لم يلحقه. وإن قلنا بالثاني، لحقه إذا أتت به لدون أربع سنين من ولادة الاول، وتنقضي العدة بوضعه، سواء لحقه أم

(6/356)


لا، لاحتمال وطئ الشبهة بعد البينونة، كذا قاله ابن الصباغ. ولو ولدت ثلاثة أولاد، فإن كانوا حملا واحدا، بأن كان بين الاول والثالث دون ستة أشهر، طلقت بالاول، وانقضت عدتها بالثالث، ولحقه الجميع. وإن كان بين الاولين أقل من ستة أشهر، وبين الثاني والثالث أكثر منها، لحقه الاولان وانقضت عدتها بالثاني، ولا يلحقه الثالث. وإن كان بين الاول والثاني أكثر من ستة أشهر، وبين الثاني والثالث، دون الستة، طلقت بالاول ولم يلحقه الآخران إن كان الطلاق بائنا، وإن كان رجعيا، ففيه الخلاف. وإن زاد ما بين الاولين على ستة أشهر، وكذا ما بين الثاني والثالث، فالثالث غير لاحق به، وكذا الثاني إن كان الطلاق بائنا. وإن كان رجعيا، فعلى الخلاف، ولو كان ما بين الاولين دون الستة، وكذا ما بين الثاني والثالث، وكان بين الثالث والاول أكثر من الستة، فالاولان لاحقان دون الثالث. فرع هذا الكلام السابق، إذا لم تصر بعد الطلاق فراشا لغيره حتى ولدت، فلو صارت بأن نكحت بعد العدة، ثم ولدت، نظر، أن ولدت لدون ستة أشهر من النكاح الثاني، فكأنها لم تنكح، والحكم على ما سبق، وإن أتت به لستة

(6/357)


أشهر فأكثر، فالولد للثاني وإن أمكن كونه من الاول، لان الفراش للثاني ناجز، فهو أقوى، ولان النكاح الثاني قد صح ظاهرا. فلو ألحقنا الولد بالاول، لبطل النكاح لوقوعه في العدة، ولا سبيل إلى إبطال ما صح بالاحتمال، ولو نكحت نكاحا فاسدا، بأن نكحت في العدة، لم يقطع العقد العدة، لكن تسقط نفقتها وسكناها لنشوزها. ثم إن وطئها الزوج عالما بالتحريم، فهو زان لا يؤثر وطؤه في العدة، وإن جهل التحريم لظنه انقضاء العدة، أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها، انقطعت به العدة لمصيرها فراشا للثاني. قال الروياني: ودعوى الجهل بتحريم المعتدة، لا يقبل إلا من قريب عهد بالاسلام، ودعوى الجهل بكونها معتدة يقبل من كل أحد، ثم إذا فرق بينهما، تكمل عدة الاول، ثم تعتد للثاني، فلو ولدت لزمان الامكان من الاول دون الثاني، لحق بالاول وانقضت عدته بوضعه، ثم تعتد للثاني، وإن أتت به لزمان الامكان من الثاني دون الاول، بأن أتت به لاكثر من أربع سنين من طلاق الاول، فإن كان الطلاق بائنا، فهو ملحق بالثاني، وإن كان رجعيا، فهل يلحق بالثاني، أم يقال: فراش الاول باق فيعرض الولد على القائف ؟ فيه قولان، وإن ولدته لزمن الامكان منهما، عرض على القائف، فإن ألحقه بهما، أو نفاه عنهما، أو أشكل عليه، أو لم يكن قائف، انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه، وإذا وضعته ومضت ثلاثة أقراء، حلت للزواج، وإن ولدته لزمان لا يمكن أن يكون من واحد منهما، بأن كان لدون ستة أشهر من نكاح الثاني، ولاكثر من أربع سنين من طلاق الاول، لم يلحق واحد منهما إن كان الطلاق بائنا، فإن كان رجعيا عاد الخلاف في أنها هل هي فراش. وإذا نفيناه عنهما، فعن الشيخ أبي حامد: أنه لا تنقضي العدة بوضعه عن واحد منهما، بل بعد الوضع تكمل العدة عن الاول، ثم تعتد عن الثاني. قال ابن الصباغ:

(6/358)


وقياس ما ذكرنا، فيما إذا علق طلاقها بالولادة فولدت ولدين بينهما ستة أشهر، أن الثاني لا يلحقه، وتنقضي العدة بوضعه أن نقول هنا: تنقضي العدة عن أحدهما. ثم مدة الامكان من الزوج الثاني، هل تحسب من وقت النكاح الفاسد، أم من وقت الوطئ ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبالاول قال القفال الشاشي. ويقرب من هذا الخلاف الخلاف في أن العدة في نكاح الفاسد، هل تحسب من آخر وطئ فيه، أم من وقت التفريق ؟ والاصح من التفريق، لان الفراش حينئذ يزول، والتفريق بأن يفرق القاضي بينهما. وفي معناه: ما إذا اتفق الزوجان على المفارقة، وما إذا مات الزوج عنها أو طلقها وهو يظن الصحة، ولو غاب عنها على عزم أن يعود إليها، لم تحسب مدة الغيبة من العدة، ولو عزم أن لا يعود، حسبت. وخرج على الخلاف المذكور، أن لحوق الولد في النكاح الفاسد، هل يتوقف على إقراره بالوطئ كما في ملك اليمين، أم يكفي فيه مجرد العقد كالنكاح الصحيح ؟ وأما إذا أحوجناه إلى الاقرار بالوطئ، فهل ينتفي الولد بدعوى الاستبراء كملك اليمين، أم لا ينتفي باللعان ؟ والاصح الثاني. ولو وطئت بالشبهة في العدة

(6/359)


فولدت للامكان من الزواج والواطئ، عرض الولد على القائف، كما ذكرنا في النكاح الفاسد. ولو وطئت بعد انقضاء العدة، فهل هو كالنكاح الثاني في قطع فراش الاول ؟ وجهان. أحدهما: لا، بل يعرض الولد على القائف، وأصحهما: (نعم لانقطاع النكاح الاول والعدة عنه في الظاهر، فعلى هذا، لو ولدت للامكان منهما، لحق بالواطئ كما يلحق بالزوج الثاني. فرع ولدت وطلقها، ثم اختلفا، فقال: طلقتك بعد الولادة فلي الرجعة، وقالت: بل قبلها وانقضت عدتي بالوضع، فإن اتفقا على وقت الولادة، كيوم الجمعة وقال: طلقتك يوم السبت، وقالت: يوم الخميس، فهو المصدق بيمينه، لان الطلاق بيده، فصدق فيه كأصله. وإن اتفقا على (وقت) الطلاق كيوم الجمعة، وقال: ولدت يوم الخميس، وقالت: يوم السبت، صدقت بيمينها. وإن لم يتفقا على وقت، وادعى تقدم الولادة، وهي تقدم الطلاق، فهو المصدق. ولو ادعت تقدم الطلاق، فقال: لا أدري، لم يقنع منه، بل إما أن يحلف يمينا جازمة أن الطلاق لم يتقدم، وإما أن ينكل فتحلف هي، ويجعل بقوله: لا أدري منكرا، فتعرض اليمين عليه، فإن أعاد كلامه الاول، جعل ناكلا فتحلف هي ولا عدة عليها ولا رجعة له، وإن نكلت، فعليها العدة. قال الاصحاب: وليس هذا قضاء بالنكول، بل الاصل بقاء النكاح وآثاره، فيعمل بهذا الاصل ما لم يظهر دافع. ولو جزم الزوج بتقدم الولادة، وقالت هي: لا أدري، فله الرجعة، والورع أن لا يراجع، وكذا الحكم لو قال: لا ندري السابق منهما، وليس لها النكاح حتى تمضي ثلاثة أقراء.
الباب الثاني : في اجتماع عدتين قد يجتمعان عليها لشخص، وقد يكونان لشخصين. القسم الاول: إذا كانتا لشخص، فينظر، إن كانتا من جنس، بأن طلقها وشرعت في العدة بالاقراء أو الاشهر، ثم وطئها في العدة جاهلا إن كان الطلاق بائنا وجاهلا، أو عالما إن كان رجعيا، تداخلت العدتان، ومعنى التداخل، أنها تعتد

(6/360)


بثلاثة أقراء، أو ثلاثة أشهر من وقت الوطئ، ويندرج فيها بقية عدة الطلاق. وقدر تلك البقية، يكون مشتركا واقعا عن الجهتين، وله الرجعة في قدر البقية إن كان الطلاق رجعيا، ولا رجعة بعدها، ويجوز تجديد النكاح في تلك البقية وبعدها إذا لم يكن عدد الطلاق مستوفى، هذا هو الصحيح. وحكى أبو الحسن العبادي عن الحليمي، أن عدة الطلاق تنقطع بالوطئ، ويسقط باقيها، وتتمحض العدة الواجبة عن الوطئ. قال: وقياسه أن لا تثبت الرجعة في البقية، ولكن منعنا منه بالاجماع. وقد ينقطع أثر النكاح في حكم دون حكم. وفي وجه ثالث: أن ما بقي من عدة الطلاق يقع متمحضا عن الطلاق، ولا يوجب الوطئ إلا ما وراء ذلك إلى تمام ثلاثة أقراء، وهذا ضعيف. وإن كانت العدتان من جنسين، بأن كانت إحداهما بالحمل، والاخرى بالاقراء سواء طلقها حاملا، ثم وطئها، أو حائلا ثم أحبلها، ففي دخول الاخرى في الحمل وجهان، أصحهما: الدخول كالجنس. فعلى هذا، تنقضيان بالوضع، وله الرجعة في الطلاق الرجعي إلى أن تضع إن كانت عدة الطلاق بالحمل، وكذا إن كانت بالاقراء على الاصح. وقيل: لا رجعة بناء على أن عدة الطلاق سقطت، وهي الآن معتدة للوطئ. وإن قلنا: لا يتداخلان، فإن كان الحمل لعدة الطلاق، اعتدت بعد وضعه بثلاثة أقراء، ولا رجعة إلا في مدة الحمل، وإن كان الحمل لعدة الوطئ، أتمت بعد وضعه بقية عدة الطلاق، وله الرجعة في تلك البقية، وله الرجعة قبل الوضع أيضا على الاصح، وله تجديد نكاحها قبل الوضع وبعده إذا لم يكن الطلاق رجعيا. فإن لم يعلم هذا الحمل من عدة الطلاق، أم حدث بالوطئ، قال المتولي: يلزمها الاعتداد بثلاثة أقراء كاملة بعد الوضع، لجواز أن تكون عدة الطلاق بالوضع. وحيث أثبتنا الرجعة، فلو مات أحدهما، ورثه الآخر، ولو طلقها، لحقها الطلاق، ويصح الظهار والايلاء منها. ولو مات الزوج، انتقلت إلى عدة الوفاة. وحيث قلنا: لا تثبت الرجعة، لا يثبت شئ من هذه الاحكام.

(6/361)


فرع جميع ما ذكرناه، فيما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل، أو تراه وقلنا: ليس هو بحيض. فأما إن جعلناه حيضا، فهل تنقضي مع الحمل العدة الاخرى بالاقراء ؟ وجهان، أصحهما: نعم، وبه قال الشيخ أبو حامد، والقاضي حسين. فعلى هذا، لو كان الحمل حادثا من الوطئ، فمضت الاقراء قبل الوضع، فقد انقضت عدة الطلاق، وليس للزوج الرجعة بعد ذلك، وإن وضعت الحمل قبل تمام الاقراء، فقد انقضت عدة الوطئ، وعليها بقية عدة الطلاق، وللزوج الرجعة قبل الوضع وبعده إلى تمام الاقراء بلا خلاف 2 (232). وإن كان الحمل لعدة الطلاق، فله الرجعة إلى الوضع. فإذا وضعت، أكملت لعدة الوطئ ما بقي من الاقراء. القسم الثاني: إذا كانت العدتان لشخصين، بأن كانت معتدة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة، أو نكحها جاهلا ووطئها، أو كانت المنكوحة معتدة عن وطئ شبهة، فطلقها زوجها، فلا تداخل، بل تعتد عن كل واحد عدة كاملة، ثم قد لا يكون هناك حمل، وقد يكون. الحال الاول: أن لا يكون، فإن سبق الطلاق وطئ الشبهة، أتمت عدة الطلاق، لتقدمها وقوتها. فإذا أتمتها، استأنفت عدة الشبهة، ثم إن لم يكن من الثاني إلا وطئ شبهة، ابتدأت عدته عقب عدة الطلاق، فإن نكح الثاني ووطئ، فزمن كونها فراشا له لا يحسب عن واحدة من العدتين. وبماذا تنقطع عدة الطلاق ؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. ومتى تعود إليها ؟ وجهان، أحدهما: من آخر

(6/362)


وطئ وقع في النكاح الثاني، حكي عن القفال الشاشي. والثاني وهو الصحيح: من حين التفريق بينهما، وللزوج الرجعة في عدته، فإذا راجعها، شرعت في عدة وطئ الشبهة، وليس للزوج الاستمتاع بها إلى أن تنقضي. وهل له تجديد نكاحها إن كان الطلاق بائنا ؟ وجهان، أصحهما عند الاكثرين: نعم. ولو وطئت منكوحة بشبهة، ثم طلقت وهي في عدة الشبهة، فوجهان. أحدهما: تتم عدة الشبهة، ثم تبتدئ عدة الطلاق مراعاة للسابق، وأصحهما عند الاكثرين: تقدم عدة الطلاق، لقوتها. فإن قدمنا عدة الشبهة، فله الرجعة إذا اشتغلت بعد الطلاق. وهل له الرجعة قبل ذلك ؟ وجهان، ولا يجوز تجديد نكاحها في عدة الشبهة إذا كان الطلاق بائنا، لانها في عدة الغير. وإذا قلنا: تقدم عدة الطلاق، شرعت فيها بنفس الطلاق، فإذا تمت، عادت إلى بقية عدة الشبهة، وللزوج الرجعة إن كان الطلاق رجعيا. وهل له تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان. ولو طرأ وطئ شبهة في عدة وطئ شبهة، أتمت عدة الواطئ الاول بلا خلاف. ولو نكح إمرأة نكاحا فاسدا، ووطئها غيره بشبهة، ثم فرق بينهما لظهور فساد النكاح، قال البغوي: تقدم عدة الواطئ بشبهة بلا خلاف، لان عدته من وقت الوطئ، وعدة الناكح من التفريق، ومعناه: أن عدة الواطئ سبق وجوبها، وليس للفاسد قوة الصحيح ليترجح بها، وقد تكون إحدى العدتين بالاقراء، والاخرى بالاشهر، بأن طلقها فمضى قرآن، ثم نكحت فاسدا ودام فراشه حتى أيست، ثم فرق بينهما، فتكمل عدة الاول بشهر، بدلا عن القرء الباقي، ثم تعتد للفاسد بثلاثة أشهر. الحال الثاني: أن يكون هناك حمل، فيقدم عدة من الحمل منه سابقا كان أو متأخرا، فإن كان الحمل للمطلق، ثم وطئت بشبهة، فإذا وضعت انقضت عدة الطلاق، ثم تعتد بالاقراء للشبهة بعد طهرها من النفاس، وللزوج رجعتها قبل

(6/363)


الوضع. قال الروياني: لكن لا يراجعها في مدة اجتماع الواطئ بها، لانها حينئذ خارجة عن عدة الاول، وفراش لغيره، فلا تصح الرجعة في تلك الحالة. وهل له تجديد نكاحها قبل الوضع إن كان الطلاق بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان، ويجريان فيما لو وطئ إمرأة بشبهة وأحبلها، ثم وطئها آخر، هل للاول أن ينكحها قبل الوضع، وليس له أن ينكحها في عدة الثاني بحال، وللثاني أن ينكحها في عدة نفسه ؟. وإن كان الحمل من وطئ الشبهة، فإذا وضعت، انقضت عدة الوطئ وعادت إلى بقية عدة الطلاق، وللزوج الرجعة في تلك البقية، إن كان طلاقه رجعيا، سواء في ذلك مدة النفاس وغيرها، لانها من جملة العدة، كالحيض الذي يقع فيه الطلاق. وقيل: لا رجعة في مدة النفاس، والصحيح الاول. وإذا ثبتت الرجعة، فلو طلق، لحقها الطلاق، ولو مات أحدهما، ورثه الآخر وانتقلت إلى عدة الوفاة بوفاة الزوج، وهل له الرجعة قبل الوضع إن كان الطلاق رجعيا، أو تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ وجهان. أصحهما عند الشيخ أبي حامد: نعم، لانه لم تنقض عدته، وكما في العدتين المختلفتين من شخص. وأصحهما عند الماوردي والبغوي: لا، لانها في عدة غيره. ثم قال البغوي: لو طلقها قبل الوضع، لحقها الطلاق ولو مات أحدهما، ورثه الآخر، فإن مات الزوج، انتقلت إلى عدة الوفاة، حتى إذا وضعت، تعتد عن الزوج عدة الوفاة وإن كان لا تصح رجعته، لانا نجعل زمان الرجعة كزمان صلب النكاح، هذا لفظه، وإذا راجعها وهي حامل من الاجنبي، وجوزناه، فليس له الوطئ حتى تضع، كما إذا وطئت منكوحة بشبهة، فاشتغلت بالعدة، وإن كانت حاملا منه، وفي ذمتها عدة الشبهة، فراجعها، انقضت عدته في الحال، وبقيت عدة الشبهة مؤخرة حتى تضع وتعود إلى أقرائها. وهل له وطؤها في الحال ؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم، لانها زوجة ليست في عدة. والثاني: لا، لانها متعرضة للعدة، ومال المتولي إلى ترجيح هذا، ورجح بعضهم الاول.

(6/364)


قلت: الراجح الجواز. والله أعلم. ويجري الوجهان فيما لو وطئت المنكوحة في صلب النكاح بشبهة وهي حامل من الزوج. ولو كانت ترى الدم على الحمل، وجعلناه حيضا، فعن القاضي حسين: أن العدة الاخرى تنقضي بالاقراء، كالعدتين من شخص، وهذا ضعيف، وضعفه الامام والغزالي، لان فيه مصيرا إلى تداخل عدتي شخصين. وجميع ما ذكرنا، فيما إذا علم أن الولد من هذا أو ذاك، لانحصار الامكان فيه، فلو لم يمكن كونه من واحد منهما، بأن ولدته لاكثر من أربع سنين من طلاق الاول وهو بائن أو رجعي على قول، ولدون ستة أشهر من وطئ الثاني، فالولد منفي عنهما، ولا تنقضي بوضعه عدة واحد منهما على الاصح، بل إذا وضعته تممت عدة الاول، ثم استأنفت عدة الثاني. وقيل: تعتد بوضعه من أحدهما لا بعينه، لامكان كونه من أحدهما بوطئ شبهة، ثم تعتد عن الآخر بثلاثة أقراء. فرع ويتفرع على الوجهين فرعان. أحدهما: لو كانت ترى الدم والحالة هذه وجعلناه حيضا، قال الروياني: إن قلنا: تنقضي عدة أحدهما بالوضع، لم تعتد بأقرائها، لئلا تتداخل عدة شخصين، وإلا ففي الاحتساب بأقرائها وجهان: أصحهما: الاحتساب، لانها إذا لم تعتد بالحمل، كانت كالحائل، وبهذا قطع صاحب الشامل. الثاني: إن قلنا تنقضي بالوضع عدة أحدهما، لم تصح رجعة الزوج في مدة الحمل ولا في الاقراء بعد الوضع، للشك في أن عدته هذه أم هذه ؟ فلو راجع مرة في الحمل، ومرة في الاقراء، ففي صحة الرجعة وجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى. وإن قلنا: لا تنقضي، أتمت بعد الوضع عدة الاول وهو الزوج، وله الرجعة فيه. وهل له الرجعة قبله في مدة الحمل ؟ فيه الوجهان السابقان.

(6/365)


فرع إذا احتمل كون الولد من الزوج، ومن الواطئ بالشبهة، عرض بعد الوضع على القائف، فإن ألحقه بالزوج أو بالواطئ، فحكمه ما ذكرنا فيما إذا اختص الاحتمال به، فإن لم يكن قائف أو أشكل عليه، أو ألحقه بهما، أو نفاه عنهما، أو مات الولد وتعذر عرضه، انقضت عدة أحدهما بوضعه، لانه من أحدهما، ثم تعتد بعد الوضع للآخر بثلاثة أقراء. قال الروياني: وقول الشافعي رحمه الله تعالى: فإن لم يكن قائف، ليس المراد به إن لا يوجد في الدنيا، بل المراد أن لا يوجد في موضع الولد وما يقرب منه، وهو المسافة التي تقطع في أقل من يوم وليلة. وسواء في وجوب العرض على القائف، ادعياه جميعا، أو ادعاه أحدهما فقط. وقيل: إذا ادعاه أحدهما فقط، اختص به، كالاموال، والصحيح الاول، لحق الولد وحق الشرع في النسب. قال المتولي: إن كان الطلاق بائنا، عرض على القائف كما ذكرنا. وإن كان رجعيا، بني على أن الرجعة هل هي فراش، أم لا ؟ إن قلنا: لا، عرض أيضا، وإن قلنا: فراش، وأن السنين الاربع في حقها تعتبر من انقضاء العدة، فالولد ملحق (بالزوج) ولا يعرض على القائف. ثم في هذا الفرع مسألتان. إحداهما: إذا رجع الزوج في مدة الحمل، بني على ما إذا تأخرت عدة الزوج لاحبال الواطئ، هل له الرجعة في مدة الحمل ؟ إن قلنا: نعم، صحت رجعته، وهو الاصح، وإلا فلا. فلو بان بعد الوضع أن الحمل منه بإلحاق القائف، فهل يحكم الآن بأن الرجعة وقعت صحيحة ؟ وجهان. أصحهما: نعم. ولو راجع بعد الوضع، لم يحكم بصحة الرجعة أيضا، لاحتمال كون الحمل منه، وأن عدته انقضت بوضعه. فلو بان بإلحاق القائف أن الحمل من وطئ الشبهة، ففي الحكم الآن بصحة الرجعة الوجهان، هذا إذا راجع في القدر المتيقن بعد الوضع أنه من الاقراء دون ما أوجبناه احتياطا. بيانه: وطئها الاجنبي بعد مضي قرء من وقت الطلاق، فالقدر الذي يتيقن لزومه بعد الوضع قرآن، وإنما نوجب القرء الثالث احتياطا، لاحتمال كون الحمل من الزوج. ولو راجع مرتين، مرة قبل الوضع، ومرة بعده في القرءين، ففي صحة

(6/366)


رجعته وجهان. أصحهما: الصحة، وبه قال القفال، لوجود رجعة في عدته يقينا، والثاني: المنع، للتردد. ولو جدد النكاح، إذا كان الطلاق بائنا، نظر، إن نكحها مرة واحدة قبل الوضع أو بعده، لم يحكم بصحته، لاحتمال كونه في عدة الشبهة. فإن بان بعد ذلك كون العدة كانت منه بإلحاق القائف، قال المتولي: فهو على الخلاف في الرجعة. قال: وليس هو من وقف العقود، وإنما هو وقف على ظهور أمر كان عند العقد. وإن نكحها مرتين قبل الوضع وبعده، ففي صحته وجهان، كالرجعة. قال الامام: الاصح هنا المنع، لان الرجعة تحتمل ما لا يحتمله النكاح، ولهذا تصح في الاحرام، والوجهان مفرعان على صحة تجديد الزوج في عدته، مع أن في ذمتها عدة شبهة، وإلا فلا يصح قطعا، لاحتمال تأخر عدة الشبهة، فلا تصح المرة الاولى للعدة التي في ذمتها، ولا الثانية، لكونها في عدة شبهة. فلو نكحها الواطئ بشبهة قبل الوضع أو بعده في القرءين، لم يصح، لاحتمال كونها في عدة الزوج. ولو نكحها بعد الوضع في القرءين، ثم بان بالقائف أن الحمل من الزوج، ففي تبين الصحة الخلاف السابق. ولو نكحها في القرء الثالث، صح قطعا، لانها في عدته إن كان الحمل من الزوج، وإلا فغير معتدة. المسألة الثانية: سنذكر إن شاء الله تعالى أن الرجعية تستحق النفقة في العدة، وأن البائن لا تستحقها إلا إذا كانت حاملا، ونذكر قولين في أن تلك النفقة للحمل، أم للحامل ؟ وقولين في أن تلك النفقة تصرف إليها يوما بيوم، أم يصرف الجميع إليها عند الوضع ؟ وأن المعتدة عن وطئ شبهة لا نفقة لها على الواطئ إذا قلنا: النفقة للحامل. إذا عرفت هذه الجمل، فإن قلنا: النفقة للحامل وهو الاظهر، لم تطالب المرأة الزوج، ولا الواطئ بالنفقة مدة الحمل المحتمل. فإذا وضعت، نظر، إن ألحقه القائف بالزوج، طالبته بنفقة مدة الحمل الماضية، وهذا إذا لم تصر فراشا للثاني، بأن لم يوجد إلا وطئ شبهة، وينبغي أن يستثنى زمن اجتماعها بالثاني، فإن صارت فراشا له، بأن نكحها جاهلا وبقيت في فراشه حتى وضعت، فلا نفقة لها على الزوج، لكونها ناشزة بالنكاح، فإن فرق الحاكم بينهما قبل الوضع، طالبته

(6/367)


بالنفقة من يوم التفريق إلى الوضع، ثم لا نفقة لها على الواطئ في عدتها عنه بالاقراء. وإن ألحقه القائف بالواطئ، لم يلزم واحدا منهما نفقة مدة الحمل، ويلزم الزوج نفقة مدة القرءين بعد الوضع إذا كان الطلاق رجعيا، ويلزمه أيضا نفقة مدة النفاس على الاصح، كما أن له الرجعة فيها، ولا يمنع ذلك كونه لا يحسب من العدة كمدة الحيض، وإن لم نلحقه بواحد منهما، أو لم يكن قائف، فلا نفقة على الواطئ، ولا على الزوج وإن كان الطلاق بائنا، لانا لا نعلم حال الحمل، ولا نفقة إذا لم يكن حمل. وإن كان رجعيا، فلا نفقة لمدة كونها فراشا، ولها عليه الاقل من نفقتها من يوم التفريق إلى الوضع، ونفقتها في القدر الذي تكمل به عدة الطلاق بعد الوضع وهو قرآن في المثال السابق. هذا إذا قلنا: النفقة للحامل، فإن قلنا: إنها للحمل، فعلى أحدهما نفقة مدة الحمل بيقين، فإذا أشكل الحال، أنفقا عليه بالسوية، فإن قلنا: نصرف الجميع إليها بعد الوضع، أخذت من كل واحد منهما نصف نفقتهما، هكذا رتب ابن الصباغ والروياني في جمع الجوامع، وهو المذهب. ومنهم من أطلق أنها لا تطالب واحدا منهما في مدة الحمل، ولم يفرق هؤلاء بين قولنا: النفقة للحمل أو للحامل، فعلى هذا، إذا وضعت فألحقه القائف بالواطئ، قال الامام والغزالي: لا تطالب بالنفقة الماضية، بناء على أن نفقة القريب تسقط بمضي الزمان، والذي ذكره البغوي وجماعة، أنه يطالب بتلك النفقة، وقالوا: هذه النفقة تصير دينا في الذمة وليست كنفقة الاقارب. قال الامام: ولم يقل أحد من الاصحاب، أنه إذا ألحقه القائف بالزوج، لا يطالب بالنفقة الماضية، تفريعا على أنها للحمل، وأنها تسقط بمضي الزمان، قال: والقياس يقتضي المصير إليه. أما نفقة الولد بعد الوضع وحضانته، فعلى ما ألحقه القائف به منهما، فإن لم يكن قائف، أو أشكل عليه، فهي عليهما مناصفة إلى أن يوجد القائف، أو يبلغ الصبي، فينتسب إلى أحدهما. وقيل: لا يطالبان بالنفقة في مدة الاشكال، وهو ضعيف. ثم إذا أنفقا (عليه)، ثم لحق الولد بأحدهما بإلحاق

(6/368)


القائف، أو بانتسابه، رجع الآخر عليه بما أنفق بشرطين، أحدهما: أن يكون الانفاق بإذن الحاكم، وإلا فهو متبرع. والثاني: أن لا يكون مدعيا للولد، فإن كان يدعيه، فلا رجوع لانه أنفق على ولده بزعمه. ولو مات الولد في زمن الاشكال، فكفنه عليهما، وللام ثلث ماله، ويوقف الباقي بين الزوج والواطئ حتى يصطلحا. فإن كان لها ولدان آخران، أو كان لكل واحد من الزوج والواطئ ولدان، فلها السدس. فإن كان لاحدهما ولدان دون الآخر، فهل لها الثلث للشك في كونهما أخوين للميت، أم السدس لانه اليقين ؟ وجهان. قلت: الاصح أو الصحيح أنه السدس. والله أعلم. ولو أوصى إنسان لهذا الحمل بشئ، فانفصل حيا، ثم مات، فإن مات بعد قبول الزوج والواطئ الوصية، فالوصية مستقرة، لان أحدهما أبوه، والمال لورثته كما ذكرنا، وإن مات قبل أن يقبلا، فحق القبول للورثة. ولو سمى الموصي أحدهما، فقال: أوصيت لحمل فلان هذا، فإن ألحقه القائف بغير المسمى، بطلت الوصية، وإن ألحقه به، صحت، وإن نفاه باللعان، ففي بطلانها وجهان. فرع ما ذكرناه من كون العدتين من شخصين، لا يتداخلان إذا كان في شخصين محترمين. فأما إذا طلق حربي زوجته، فوطئها في عدته حربي آخر بشبهة، أو نكحها ووطئها، ثم أسلمت مع الثاني، أو دخلا بأمان، وترافعا إلينا، فحكي عن النص أنه لا يجمع عليها عدتان، بل يكفيها واحدة من يوم وطئها الثاني). وللاصحاب طرق. أحدها: الاكتفاء بعده عملا بهذا النص، لان حقوقهم ضعيفة، وماؤهم غير محترم، فيراعى أصل العدة، ويجعل جميعهم كشخص. والثاني: القطع بأنه لا بد من عدتين كالمسلمين، ورد هذا النص. والثالث: على قولين.

(6/369)


ونقل السرخسي والروياني، أن بعضهم خرج من هذا النص، فيما إذا كانت العدتان لمسلمين، وجعل الصورتين على قولين نقلا وتخريجا، وهذا غريب ضعيف جدا. فإذا قلنا في الكافرين: يكفي عدة، فهل نقول: هي للوطئ الثاني فقط وتسقط بقية عدة الاول لضعف حقوق الحربي وبطلانها بالاستيلاء عليه، أو على زوجته، أم نقول: تدخل بقية العدة الاولى في الثانية ؟ وجهان. قلت: أرجحهما الاول. والله أعلم. قال المتولي: ولو أسلمت المرأة، ولم يسلم الثاني، وجب أن تكمل العدة الاولى، ثم تعتد عن الثاني قطعا، لان العدة الثانية ليست هنا أقوى حتى تسقط بقية الاولى أو تدخل فيها. قال: ولو كان الاول طلقها رجعية، وأسلمت مع الثاني، ثم أسلم الاول، فله الرجعة في بقية عدته، إن قلنا بدخولها في العدة الثانية. وإن قلنا بسقوطها، فلا. قال: ولو أراد الثاني أن ينكحها، فله ذلك إن قلنا: بسقوط بقية العدة الاولى، لانها في عدته فقط، وإن قلنا بدخولها في الثانية، فلا حتى تنقضي تلك البقية، قال: ولو كانت حاملا من الاول، لم تكفها عدة واحدة، بل تستأنف بعد الوضع عدة الثاني. وإن أحبلها الثاني، فإن قلنا: تسقط بقية الاولى، فكذا هنا، ويكفيها وضع الحمل. وإن قلنا بالتداخل، عادت بعد الوضع إلى بقية العدة الاولى، لان الحمل ليس من الاول، فلا تنقضي به عدته. ولو طلق حربي

(6/370)


زوجته، فوطئها في العدة حربي بنكاح وطلقها حربي، فيها الخلاف، وفيه صور الامام المسألة. فصل طلق زوجته وهجرها، أو غاب عنها، انقضت عدتها بمضي الاقراء أو الاشهر. فلو لم يهجرها، بل كان يطؤها، فإن كان الطلاق بائنا، لم يمنع ذلك انقضاء العدة، لانه وطئ زنا لا حرمة له، وإن كان رجعيا، قال المتولي: لا تشرع في العدة ما دام يطؤها، لان العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة. وإن كان لا يطؤها، ولكن يخالطها ويعاشرها معاشرة الازواج، فثلاثة أوجه. أحدها: لا تحسب تلك المدة من العدة، لانها شبيهة بالزوجات دون المطلقات المهجورات. والثاني: تحسب، لان هذه المخالطة لا توجب عدة، فلا تمنعها، حكاه الغزالي عن المحققين. والثالث وهو الاصح، وبه أخذ الائمة، منهم القفال والقاضي حسين، والبغوي في التهذيب والفتاوى، والروياني في الحلية: إن كان الطلاق بائنا، حسبت مدة المعاشرة من العدة. وإن كان رجعيا، فلا، لان مخالطة البائن محرمة بلا شبهة، فأشبهت الزنا بها. وفي الرجعية الشبهة قائمة، وهو بالمخالطة مستفرش لها، فلا يحسب زمن الاستفراش من العدة، كما لو نكحت في العدة زوجا جاهلا بالحال، لا يحسب زمن استفراشه. ثم يتعلق بالمسألة فرعان. أحدهما: قال البغوي في الفتاوى: الذي عندي، أنه لا رجعة للزوج بعد انقضاء الاقراء، وإن لم تنقض العدة عملا بالاحتياط في الجانبين. وفي فتاوى القفال ما يوافق هذا، وأما لحوق الطلقة الثانية والثالثة، فيستمر إلى

(6/371)


انقضاء العدة عملا بالاحتياط أيضا، وقد صرح به الروياني في الحلية. الثاني: قال في البسيط: يكفي في الحكم بالمعاشرة الخلوة، ولا يكفي دخول دار هي فيها، ولا يشترط تواصل الخلوة، بل يكفي أن يخلو بها الليالي، ويفارقها الايام كما هو المعتاد بين الزوجين. فلو طالبت المفارقة، ثم جرت خلوة، ففي البناء على ما مضى احتمالان. أشبههما: البناء، وأجرى الخلاف المذكور في الاصل فيما لو

(6/372)


طلق زوجته الامة فعاشرها السيد، هل تمنع من الاحتساب بالعدة ؟ قال البغوي في الفتاوى: ولو طلق زوجته ثلاثا ونكحها في العدة على ظن أن عدتها انقضت وحلت، فينبغي أن يقال: زمن استفراشها لا يحسب من العدة كالرجعية، وأما إذا خالط المعتدة أجنبي عالما، فلا يؤثر، كما لا يؤثر وطؤه. وإن خالط بشبهة، فيجوز أن يمنع من الاحتساب، كما سبق أنها في زمن الوطئ بالشبهة خارجة عن العدة. وجميع ما ذكرناه، فيما إذا كانت حائلا، فأما المعتدة بالحمل، فلا شك أن معاشرتها لا تمنع انقضاء العدة بالوضع. فرع سبق أنه إذا نكح معتدة على ظن الصحة، ووطئها، لم يحسب زمن استفراشه إياها عن عدة الطلاق. ومن أي وقت يحكم بانقضاء العدة ؟ فيه أربعة أوجه. أصحها: من وقت الوطئ، لان النكاح الفاسد لا حرمة له. والثاني: من حين يخلو بها ويعاشرها، وإن لم يطأ. والثالث: من وقت العقد إن اتصل به زفاف، وإلا فلا. والرابع: من وقت العقد وإن لم يتصل به زفاف، وبه قال القفال الشاشي، لانها بالعقد معرضة عن العدة. فرع من نكح معتدة من غيره جاهلا ووطئها، لم تحرم عليه على التأبيد، هذا هو المذهب ونصه في الجديد. وعن القديم: أنها تحرم أبدا، ومنهم من أنكر القديم. وذكر الذين أثبتوه وجهين في أن التحريم المؤبد يشترط فيه تفريط الحاكم كاللعان، أم لا، كالارضاع ؟ ونقل الروياني إجراء القديم في كل وطئ يفسد النسب، كوطئ زوجة الغير، أو أمته بالشبهة. فصل طلق رجعيا ثم راجعها، انقضت العدة، فإن طلقها بعده، فلها حالان. أحدهما: أن تكون حائلا، فإن وطئها بعد الرجعة، لزمها استئناف العدة، وإلا لزمها الاستئناف أيضا على الجديد الاظهر. وفي القديم: تبني على العدة

(6/373)


السابقة. فعلى هذا، لو راجعها في خلال الطهر، فهل يحسب ما مضى من الطهر قرءا ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لان بعض القرء كالقرء. فعلى هذا إذا كانت الرجعة في خلال الطهر الثالث، ثم طلقها، فلا شئ عليها على قول البناء، لتمام الاقراء بما مضى، وأصحهما: لا، بل عليها في هذه الصورة قرء ثالث، وإنما يجعل بعض الطهر من آخره قرءا لاتصاله بالحيض، ودلالته على البراءة، بخلاف بعض الاول. الحال الثاني: أن تكون حاملا، فإن طلقها ثانية قبل الولادة، انقضت عدتها بالولادة، وطئها أم لا. وإن ولدت ثم طلقها، فإن وطئها قبل الولادة أو بعدها، لزمها استئناف العدة بالاقراء، وإن لم يطأ، استأنفت أيضا على المذهب. وقيل: وجهان، أصحهما: هذا، والثاني: لا عدة عليها، وتنقضي عدتها بالوضع، هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها. فلو طلقها ولم يراجعها، ثم طلقها أخرى، فالمذهب أنها تبني على العدة الاولى، لانهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة، فصار كما لو طلقها طلقتين معا. وقال ابن خيران والاصطخري والقفال: في وجوب الاستئناف قولان، كما في الحال الاول. ولو راجعها ثم خالعها، فإن جعلنا الخلع طلاقا، فهو كما لو طلقها بعد الرجعة، وإن جعلناه فسخا، فطريقان. أحدهما: أن وجوب الاستئناف على القولين. والثاني: القطع بالاستئناف، لان الفسخ ليس من جنس الطلاق، فلا تبنى عدة أحدهما على الآخر، وهذا الطريق أظهر عند الروياني، ويجري الطريقان في سائر الفسوخ، مثل أن ينكح عبد أمة ثم يطلقها رجعيا، ثم تعتق هي ويفسخ النكاح.

(6/374)


فرع إذا طلق المدخول بها على عوض، أو خالعها، فله أن ينكحها في العدة، ونقل في المهذب عن المزني: أنه لا يجوز، كما لا يجوز لغيره، وهذا غريب. فإذا نكحها، فعن ابن سريج: أنه لا تنقطع عدتها ما لم يطأها، كما لو تزوجها أجنبي في العدة جاهلا، والصحيح: أنها تنقطع بنفس النكاح، لان نكاحه صحيح، وزوجته المباحة لا يجوز أن تكون معتدة منه، فعلى هذا لو طلقها بعد التجديد، نظر إن كانت حاملا، انقضت عدتها بوضع الحمل، وإن كانت حائلا ولم يدخل بها، بنت على العدة السابقة، ولم يلزمه إلا نصف المهر، لان هذا النكاح جديد طلقها فيه قبل المسيس، فلا يتعلق به العدة، ولا كمال المهر، بخلاف ما سبق في الرجعية، فإنها تعود بالرجعة إلى ذلك النكاح. وإن دخل بها، لزمها استئناف العدة، وتدخل في العدة المستأنفة بقية العدة السابقة، ولو مات عنها بعد التجديد، فالمذهب وبه قطع البغوي وغيره: أنه يكفيها عدة الوفاة، وتسقط بقية العدة السابقة، كما لو مات عن رجعية. وذكر الغزالي في اندراج تلك البقية في عدة الوفاة وجهين لاختلاف الجنس. فصل في مسائل تتعلق بالباب إحداها: نكح معتدة عن وفاة، ووطئها جاهلا، فأتت بولد يمكن كونه من كل منهما، ولا قائف، انقضت بوضعه عدة أحدهما، وعليها بعده أكثر الامرين من بقية عدة الوفاة بالاشهر، وثلاثة أقراء. الثانية: وطئ الشريكان المشتركة، لزمها استبراءان على الصحيح، كما لا تتداخل العدتان، وقيل: يكفي استبراء.

(6/375)


الثالثة: أحبل إمرأة بشبهة ثم نكحها ومات قبل ولادتها، فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل، أم بأكثر الاجلين من وضع الحمل ومدة عدة الوفاة ؟ وجهان. ولو طلقها بعد الدخول، ففي انقضاء العدتين بالوضع الوجهان، وبالله التوفيق.
الباب الثالث : في عدة الوفاة والمفقود إذا مات زوجها، لزمها عدة الوفاة بالنصوص والاجماع، فإن كانت حائلا، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها، ويستوي فيها الصغيرة والكبيرة، وذات الاقراء وغيرها، والمدخول بها وغيرها، وزوجة الصبي والممسوح وغيرهما، وتعتبر الاشهر بالاهلة ما أمكن. فإن مات في خلال شهر، وكان الباقي منه أكثر من عشرة أيام، عدت ما بقي، وحسبت بعدة ثلاثة أشهر بالاهلة، وتكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الواقع بعد الثلاثة، وتضم إليه عشرة أيام، وإن كان الباقي من شهر الوفاة أقل من عشرة أيام، حسبت بعد أربعة أشهر بالاهلة، ثم تكمل بقية العشرة من الشهر السادس. وإن كان الباقي عشرة أيام بلا زيادة ولا نقص، اعتدت بها وبأربعة أهلة بعدها. ولنا وجه شاذ: أنه إن انكسر شهر، انكسر الجميع واعتبرت كلها بالعدد، والصواب الاول. وإن انطبق الموت على أول الهلال، حسبت أربعة أشهر بالاهلة، وضمت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس. ولو كانت محبوسة لا تعرف الاستهلال، اعتدت بمائة وثلاثين يوما، والامة تعتد بنصف عدة الحرة وهو شهران وخمسة أيام. وسواء رأت في المدة دم حيض أم لم تره، ولو مات الزوج والمرأة في عدة طلاقه، فإن كانت رجعية، سقطت عنها عدة الطلاق، وانتقلت إلى عدة الوفاة، حتى يلزمها الاحداد ولا تستحق النفقة، وإن كانت بائنا أكملت عدة الطلاق، ولها النفقة إذا كانت حاملا، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة حاملا كانت أو حائلا.

(6/376)


أما إذا كانت المتوفى عنها حاملا، فعدتها بوضع الحمل بشرطه السابق في عدة الطلاق، وسواء تعجل الوضع أو تأخر. فرع عدة الوفاة تختص بالنكاح الصحيح، فلو نكح فاسدا ومات قبل الدخول، فلا عدة، وإن دخل ثم مات أو فرق بينهما، اعتدت للدخول كما تعتد عن الشبهة. فرع طلق إحدى امرأتيه، ومات قبل أن تبين التي أرادها، أو تعين إحداهما إن أبهم، نظر، إن لم تكونا ممسوستين، أو كانتا من ذوات الاشهر، فعلى كل منهما عدة الوفاة، وإن كانتا حاملتين، فعدتهما بالحمل، وإن كانتا من ذوات الاقراء، نظر، إن أراد واحدة معينة، لزم كل واحدة الاعتداد بأقصى الاجلين من عدة الوفاة، وثلاثة أقراء، وتحسب عدة الوفاة من حين الموت، وتحسب الاقراء من وقت الطلاق على الصحيح، وقيل: من حين الموت، هذا في الطلاق البائن، فإن كان رجعيا، فالرجعة تنتقل إلى عدة الوفاة، فعلى كل واحدة عدة الوفاة. وإن أبهم الطلاق، بني على أنه لو عين، هل يقع الطلاق من حين اللفظ، أم من وقت التعيين. إن قلنا: من اللفظ، فهو كما لو أراد معينة، وإن قلنا: من التعيين، فوجهان. أصحهما: أن عليهما الاعتداد بأقصى الاجلين أيضا، لكن الاقراء هنا تحسب من يوم الموت. والثاني: أن كل واحدة تعتد بعدة الوفاة، لانه كمن لم يطلق، ولو اختلف حال المرأتين، فكانت إحداهما ممسوسة أو حاملا أو ذات أقراء، والاخرى بخلافها، عملت كل واحدة بمقتضى الاحتياط في حقها كما سبق.
فصل الغائب عن زوجته، إن لم ينقطع خبره، فنكاحه مستمر، وينفق عليها الحاكم من ماله إن كان في بلد الزوجة مال، فإن لم يكن كتب إلى حاكم بلده ليطالبه بحقها، وإن انقطع خبره ولم يوقف على حاله حتى يتوهم موته، فقولان. الجديد الاظهر: أنه لا يجوز لها أن تنكح غيره حتى يتحقق موته أو طلاقه، ثم

(6/377)


تعتد. والقديم: أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة، ثم تنكح، ومما احتجوا به للجديد: أن أم ولده لا تعتق، ولا يقسم ماله، والاصل الحياة والنكاح، وأنكر بعضهم القديم. وسواء فيما ذكرناه المفقود في جوف البلد أو في السفر وفي القتال، ومن انكسرت سفينته ولم يعلم حاله. وإن أمكن حمل انقطاع الخبر على شدة البعد والايغال في الاسفار، فقد حكى الامام في إجراء القول القديم تردد، والاصح إجراؤه. ويتفرع على القولين صور. إحداها: إذا قلنا بالقديم، تربصت أربع سنين، ثم يحكم الحاكم بالوفاة وحصول الفرقة، فتعتد عدة الوفاة، ثم تنكح، وهل تفتقر مدة التربص إلى ضرب القاضي، أم لا ويحسب من وقت انقطاع الخبر ؟ فيه وجهان، ويقال: قولان، أصحهما عند كثير من الائمة: يفتقر، ولا تحسب ما مضى قبله، فإذا ضرب القاضي المدة فمضت، فهل يكون حكما بوفاته، أم لا بد من استئناف حكم ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وإذا حكم الحاكم بالفرقة، فهل ينفذ ظاهرا وباطنا، أم ظاهرا فقط ؟ وجهان أو قولان. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم. الثانية: إذا حكم القاضي بمقتضى القديم، فهل ينقض حكمه تفريعا على

(6/378)


الجديد ؟ وجهان. أصحهما: نعم. الثالثة: إذا نكحت على مقتضى القديم، ثم بان الزوج ميتا وقت الحكم بالفرقة، ففي صحة النكاح على الجديد وجهان، بناء على بيع مال أبيه مع ظن الحياة إذا بان ميتا. الرابعة: طلقها المفقود، أو آلى منها، أو ظاهر، أو قذفها، فإن كان قبل الحكم بالفرقة، فلهذه التصرفات أحكامها من الزوج قطعا، وإن كان بعده، فقال الاصحاب: على الجديد: تلزم أحكامها، وليكن هذا تفريعا على أنه ينقض على الجديد حكم من حكم بالقديم. وأما إذا قلنا بالقديم، فإن قلنا: ينفذ الحكم ظاهرا فقط، ثبت أحكام هذه التصرفات، وإن قلنا: ينفذ ظاهرا وباطنا، فهو كالاجنبي يباشرها. الخامسة: نفقتها واجبة على المفقود، لانها مسلمة نفسها، فإن رفعت الامر إلى القاضي، وطلبت الفرقة، فنفقة مدة التربص عليه، لانها محبوسة عليه بعد، فإن انقضت وحكم القاضي بالفرقة والاعتداد. فإن قلنا بالقديم، فلا نفقة لها في مدة العدة، لانها عدة الوفاة. وفي السكنى قولان، وإن قلنا بالجديد، فالنفقة على المفقود، لانها زوجته، ويستمر ذلك حتى تنكح. فحينئذ تسقط لانها ناشزة بالنكاح وإن كان فاسدا. وعن القاضي أبي الطيب القطع بالنفقة في مدة العدة على القولين، كمدة التربص، والمذهب الاول، وإذا فرق بينهما وقد عاد المفقود وسلمت إليه، عادت نفقتها عليه، فإن كان الثاني دخل بها، لم يلزم المفقود نفقة زمان العدة، وإن لم بعد المفقود وعادت هي بعد التفريق إلى بيته، ففي عود النفقة قولان. وقيل: إن نكحت بنفسها بغير حكم حاكم، عادت النفقة، وإلا فلا. قال الروياني: الاظهر أنها لا تعود، وينبغي أن يقطع به إذا لم يعلم الزوج عودها إلى الطاعة. قال: وهو الذي ذكره القفال، وأما النفقة على الزوج الثاني،

(6/379)


فلا يخفى حكمها على القديم، وأما على الجديد، فلا نفقة لزمن الاستفراش، إذ لا زوجية، فإن أنفق، لم يرجع عليها لانه متطوع إلا أن يلزمه الحاكم، فيرجع عليها على الصحيح، وقيل: على الزوج الاول. وإذا شرعت في عدة الثاني، فلا نفقة إلا أن تكون حاملا، فقولان بناء على أن النفقة للحمل، أم للحامل. السادسة: إذا ظهر المفقود، فإن قلنا بالجديد، فهي زوجته بكل حال، فإن نكحت، لم يطأها المفقود حتى تنقضي عدة الناكح، وإن قلنا بالقديم، ففيه طرق. أحدها: عن أبوي علي: ابن أبي هريرة، والطبري، أن الحكم كذلك، لانا تيقنا الخطأ في الحكم بموته، فصار كمن حكم بالاجتهاد، ثم وجد النص بخلافه، وهذا أصحهما عند الروياني. والثاني: إن قلنا ينفذ الحكم بالفرقة ظاهرا فقط، فالحكم كما ذكرنا. وإن قلنا: ينفذ ظاهرا وباطنا، فقد ارتفع نكاح الاول كالفسخ بالاعسار. فإن نكحت، فهي زوجة الثاني. قاله أبو إسحق. والثالث عن أبي إسحق أيضا: إن ظهر وقد نكحت، لم ترد إلى المفقود، وإن لم تنكح، ردت إليه وإن حكم الحاكم بالفرقة. والرابع: لا ترد إلى الاول قطعا. والخامس عن الكرابيسي، عن الشافعي رحمهما الله تعالى: أن المفقود بالخيار بين أن ينزعها من الثاني، وبين أن يتركها ويأخذ منه مهر المثل. ومستنده، أن عمر رضي الله عنه قضى به. وعن القاضي حسين زيادة فيه، وهي أنه إن فسخ غرم الثاني مهر مثلها. والسادس: أن نكاح الاول كان ارتفع بلا خلاف، لكن إذا ظهر المفقود، هل يحكم ببطلان نكاح الثاني ؟ وجهان. أصحهما: لا، لكن للمفقود الخيار كما ذكرنا. وإذا قلنا: نكاح الثاني باطل، فهل نقول: وقع صحيحا ثم إذا ظهر المفقود بطل ؟ أم نقول: نتبين بظهور المفقود أنه وقع باطلا ؟ وجهان. فعلى الثاني: يجب مهر المثل إن جرى دخول، وإلا فلا شئ، وعلى الاول: الواجب المسمى أو نصفه، ولو ظهر المفقود وقد نكحت وماتت، فهل يرثها الاول أم الثاني ؟ يخرج على هذه الطرق. السابعة: إذا نكحت على مقتضى القديم وأتت بولد يمكن كونه من الثاني،

(6/380)


وجاء المفقود ولم يدع الولد، فهو للثاني، لان بمضي أربع سنين يتحقق براءة الرحم من المفقود، وإن ادعاه فوجهان. أصحهما: يسأل عن جهة ادعائه، فإن قال: هو ولدي ولدته زوجتي على فراشي، قلنا له: هذه دعوى باطلة، لان الولد لا يبقى في الرحم هذه المدة، وإن قال: قدمت عليها في أثناء هذه المدة فوطئتها وكان قوله محتملا، عرض الولد على القائف، والوجه الثاني: يعرض على القائف من غير بحت واستقصاء. وذكر الروياني أن الوجهين أخذا من وجهين نقلا في أن هذه المرأة لو أتت بولد من غير أن تتزوج، هل يلحق المفقود ؟ إن قلنا: نعم، فلا حاجة إلى السؤال وإن قلنا: لا وهو الاصح، فلا بد منه، وحيث قلنا: الولد للثاني، وحكمنا ببقاء النكاح الاول، فله منعها من إرضاع الولد إلا اللبأ الذي لا يعيش إلا به، وكذا إذا لم يوجد مرضعة غيرها، ثم إن لم تخرج من بيت الزوج وأرضعته فيه ولم يقع خلل في التمكين، فعلى الزوج نفقتها، سواء وجب الارضاع، أم لا، وإن خرجت للارضاع بغير إذنه، سقطت نفقتها، وإن خرجت له بإذنه، فوجهان بناء على ما لو سافرت بإذنه لحاجتها، وإن كان الارضاع واجبا، فعليه أن يأذن. الثامنة: نكحت على مقتضى القديم، ووطئها الثاني، ثم علم أن الاول كان حيا وقت نكاحه، وأنه مات بعد ذلك، فإن قلنا: تقع الفرقة ظاهرا وباطنا، فهي زوجة الثاني، ولا يلزمها بموت الاول عدة، وإن قلنا: لا فرقة باطنا، فعليها عدة الوفاة عن الاول، لكن لا تشرع فيها حتى يموت الثاني، أو يفرق بينها وبينه، وحينئذ تعتد للاول عدة الوفاة، ثم للثاني بثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر. وإن مات الثاني أولا، أو فرق بينهما، شرعت في الاقراء. فإن تمت الاقراء، ثم مات الاول، اعتدت عن الاول عدة الوفاة، وإن مات الاول قبل تمام الاقراء، فوجهان. أصحهما: تنقطع الاقراء، فتعتد عن الاول للوفاة، ثم تعود إلى بقية الاقراء. والثاني: تقدم ما شرعت فيه، وإن ماتا معا أو لم يعلم السابق منهما، اعتدت بأربعة أشهر، وعشرة أيام، وبعدها بثلاثة أقراء لتبرأ من العدتين بيقين. ولو لم يعلم موتهما حتى مضت أربعة أشهر وعشرة أيام وثلاثة أقراء بعدها، فقد انقضت العدتان، ولو كانت حاملا من الثاني، اعتدت منه بالوضع، ثم تعتد عن الاول عدة الوفاة، والاصح: أنه يحسب منها زمن النفاس، لانه ليس من عدة الثاني، وقيل: لا يحسب لتعلقه بالحمل.

(6/381)


فرع زوجة الغائب إذا أخبرها عدل بوفاة زوجها، جاز لها فيما بينها وبين الله تعالى، أن تتزوج، لان ذلك خبر لا شهادة، ذكره القفال.
فصل يجب على المعتدة الاحداد في عدة الوفاة، ولا يجب في عدة الرجعية، لكن روى أبو ثور عن الشافعي رحمهما الله تعالى، أنه يستحب لها الاحداد، ومن الاصحاب من قال: الاولى أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها. وفي عدة البائن بخلع أو استيفاء الطلقات قولان، القديم: وجوب الاحداد، والجديد: الاظهر: لا يجب، بل يستحب. والمفسوخ نكاحها لعيب ونحوه، على القولين. وقيل: لا يجب قطعا، والمعتدة عن وطئ شبهة أو نكاح فاسد، وأم الولد، لا إحداد عليهن قطعا لعدم الزوجية. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قد يحتج به على تحريم الاحداد على أم الولد، والمعتدة عن شبهة. فرع الذمية، والصبية، والمجنونة، والرقيقة، كغيرهن في الاحداد، وولي الصبية والمجنونة، يمنعهما مما تمتنع منه الكبيرة العاقلة. فرع في كيفية الاحداد وهو ترك التزين بالثياب، والحلي والطيب. النوع الاول: الثياب، ولا يحرم جنس القطن والصوف، والوبر والشعر، والكتان والقصب والدبيقي، بل يجوز لبس المنسوج منها على أنواع اختلاف ألوانها الخلقية وإن كانت نفيسة ناعمة، لان نفاستها من أصل الخلقة، لا من زينة دخلت

(6/382)


عليها. وأما الابريسم، فقال الجمهور: هو كالكتان فلا يحرم ما لم تحدث فيه زينة. وقال القفال: يحرم، واختاره الامام والغزالي والمتولي، فعلى هذا، لا تلبس العتابي الذي غلب فيه الابريسم، ولها لبس الخز قطعا. ولو صبغ ما لا يحرم في جنسه، نظر في صبغه، إن كان مما يقصد منه الزينة غالبا، كالاحمر والاصفر، حرم لبسه إن كان لينا، وكذا إن كان خشنا على المشهور، وهو نصه في الام ويدخل في هذا القسم، الديباج المنقش، والحرير الملون، فيحرمان. والمصبوغ غزله قبل النسج كالبرود حرام على الاصح، كالمصبوغ بعد النسج، وإن كان الصبغ مما لا يقصد به الزينة، بل يعمل للمصيبة، واحتمال الوسخ كالاسود والكحلي، فلها لبسه وهو أبلغ في الحداد، بل في الحاوي وجه أنه يلزمها السواد في الحداد. وإن كان الصبغ مترددا بين الزينة وغيرها، كالاخضر والازرق، فإن كان براقا صافي اللون فحرام، وإن كان كدرا أو مشبعا، أو أكهب وهو الذي يضرب إلى الغبرة، جاز، وأما الطراز على الثوب، فإن كان كبيرا فحرام، وإلا فثلاثة أوجه، ثالثها: إن نسج مع الثوب، جاز، وإن ركب عليه، حرم، لانه محض زينة. النوع الثاني: الحلي، فيحرم عليها لبسه، سواء فيه الخلخال والسوار والخاتم وغيرها، والذهب والفضة، وقال الامام: يجوز لها التختم بخاتم الفضة كالرجل، وبالاول قطع الجمهور. وفي اللآلي تردد للامام، وبالتحريم قطع الغزالي وهو الاصح. قال الروياني قال بعض الاصحاب: لو كانت تلبس الحلي ليلا وتنزعه نهارا، جاز، لكنه يكره لغير حاجة، فلو فعلته لاحراز المال، لم يكره. قال: ولو تحلت بنحاس أو رصاص، فإن كان مموها بذهب أو فضة أو مشابها لهما، بحيث لا يعرف إلا بتأمل، أو لم يكن كذلك، ولكنها من قوم يتزينون بذلك، فحرام، وإلا فحلال. النوع الثالث: الطيب فيحرم عليها الطيب في بدنها وثيابها، وتفصيل الطيب

(6/383)


سبق في كتاب الحج، ويحرم دهن رأسها بكل دهن. ولو كان لها لحية، حرم دهنها وإن لم يكن في الدهن طيب، لانه زينة، ويجوز لها دهن البدن بما لا طيب فيه، كالزيت والشيرج والسمن، ولا بما فيه طيب كدهن البان والبنفسج، ويحرم عليها أكل طعام فيه طيب، ويحرم أن تكتحل بما فيه طيب. وأما ما لا طيب فيه، فإن كان أسود وهو الاثمد، فحرام على البيضاء قطعا، وكذا على السوداء على المشهور والصحيح، لاطلاق الاحاديث فيه، فإن احتاجت إلى الاكتحال به لرمد وغيره، اكتحلت به ليلا ومسحته نهارا، فإن دعت ضرورة إلى الاستعمال نهارا أيضا جاز، ويجوز استعماله في غير العين، إلا الحاجب، فإنه تتزين به فيه. وأما الكحل الاصفر وهو الصبر، فحرام على السوداء، وكذا على البيضاء على الاصح، لانه يحسن العين. ويحرم أيضا أن تطلي به وجهها، لانه يصفر الوجه، فهو كالخضاب. وأما الكحل الابيض كالتوتياء ونحوه، فلا يحرم، إذ لا زينة فيه. وقيل: يحرم على البيضاء حيث تتزين به، والصحيح الاول، ويحرم الدمام، وهو ما يطلى به الوجه للتحسين. وقيل: هو الكلكون الذي يحمر الوجه، ويحرم الاسفيداج، ويحرم أن تخضب بحناء ونحوه فيما ظهر من البدن كالوجه واليدين والرجلين، ولا يحرم فيما تحت الثياب، ذكره الروياني. والغالية وإن ذهبت

(6/384)


ريحها كالخضاب. قال الامام: وتجعيد الاصداغ، وتصفيف الطرة، لا نقل فيه، ولا يمنع أن يكون كالحلي. فرع يجوز للمحدة التزيين في الفرش والبسط والستور وأثاث البيت، لان الحداد في البدن، لا في الفرش، ويجوز التنظيف بغسل الرأس، والامتشاط، ودخول الحمام، وقلم الاظفار، والاستحداد وإزالة الاوساخ، فإنها ليست من الزينة. فرع إذا لم نوجب الاحداد على المبتوتة، ففي تحريم التطيب وجهان، لانه يحرك الشهوة. فرع يجوز لها الاحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها، صرح به المتولي، والغزالي في البسيط للحديث الصحيح الذي ذكرناه. فرع لو تركت الاحداد الواجب عليها في كل المدة أو بعضها، عصت وانقضت عدتها. وكذا لو تركت ملازمة المسكن وخرجت من غير حاجة، عصت وانقضت عدتها بمضي المدة، كما لو بلغها وفاة الزوج بعد مضي أربعة أشهر وعشر، كانت العدة منقضية وبالله التوفيق.
الباب الرابع : في السكنى
المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن بخلع، أو باستيفاء الطلقات، تستحق السكنى حاملا كانت أو حائلا، وكذا المعتدة عن وفاة على الاظهر. وأما المعتدة عن النكاح بفرقة غير الطلاق في الحياة، كالفسخ بردة أو إسلام أو رضاع أو عيب ونحوه، ففيها خمسة طرق. أحدها: على قولين كالمعتدة عن وفاة. والثاني: إن كان لها مدخل في ارتفاع النكاح، بأن فسخت بخيار العتق، أو

(6/385)


بعيب الزوج، أو فسخ بعيبها، فلا سكنى قطعا، وإن لم يكن، بأن انفسخ بإسلامه أو ردته، أو إرضاع أجنبي، ففي استحقاقها السكنى القولان. والثالث: إن كان لها مدخل، فلا سكنى، وإلا فلها السكنى قطعا. والرابع: ذكره البغوي: إن كانت الفرقة بعيب أو غرور، فلا سكنى، وإن كانت برضاع أو مصاهرة أو خيار عتق، فلها السكنى على الاصح، لان السبب لم يكن موجودا يوم العقد، ولا استند إليه. قال: والملاعنة تستحق قطعا كالمطلقة ثلاثا. والخامس: القطع بأنها تستحق السكنى، لانها معتدة عن نكاح بفرقة في الحياة كالمطلقة. قال المتولي: هذا هو المذهب. وأما المعتدة عن وطئ شبهة أو نكاح فاسد، وأم الولد إذا أعتقها سيدها، فلا سكنى لهن، هذا بيان السكنى، وأما النفقة والكسوة، فمؤخرتان إلى كتاب النفقات. فرع الصغيرة التي لا تحتمل الجماع، هل تستحق النفقة ؟ فيه خلاف يأتي في النفقات إن شاء الله تعالى. فإن قلنا: تستحقها، استحقت السكنى في العدة، وإلا فلا، والامة المزوجة ذكرنا أنه ليس على السيد أن يسلمها ليلا ونهارا، بل له استخدامها نهارا، وكذا الحكم في زمن العدة، فإن سلمها ليلا ونهارا، أو رفع اليد عنها، استحقت السكنى. وإن كان يستخدمها نهارا، فقد ذكرنا خلافا في استحقاقها، النفقة في صلب النكاح. فإن استحقتها، استحقت السكنى في العدة، وإلا فلا، لكن للزوج أن يسكنها حالة فراغها من خدمة السيد لتحصينها. فرع إذا طلقها وهي ناشزة، فلا سكنى لها في العدة، لانها لا تستحق النفقة والسكنى في صلب النكاح، فبعد البينونة أولى، كذا قاله القاضي حسين

(6/386)


والمتولي، وزاد المتولي فقال: وكذا لو نشزت في العدة، سقطت سكناها. فلو عادت إلى الطاعة، عاد حق السكنى. قال الامام: إذا طلقت في مسكن النكاح، فعليها ملازمته لحق الشرع، فإن أطاعت، استحقت السكنى، وعبر بعضهم عن كلام الامام، بأنها إن نشزت على الزوج في بيته، فلها السكنى في العدة، وإن خرجت من بيته واستعصت عليه، فلا سكنى.
فصل من استحقت السكنى من المعتدات، تسكن في المسكن الذي كانت فيه عند الفراق، إلا أن يمنع منه مانع، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فليس للزوج ولا لاهله إخراجها منه، ولا يجوز لها الخروج. فلو اتفق الزوجان على أن تنتقل إلى مسكن آخر من غير حاجة، لم يجز، وكان على الحاكم المنع منه. ولو انتقلت في صلب النكاح من مسكن إلى آخر بغير إذن الزوج، ثم طلقها أو مات، لزمها أن (تعود إلى الاول وتعتد فيه، ولو أذن لها بعد الانتقال أن) تقيم فيه، كان كما لو انتقلت بإذنه. وإذا انتقلت بالاذن، ثم طلق أو مات، اعتدت في المنتقل إليه، لانه المسكن عند الفراق، وإن خرجت فطلقها قبل وصولها إلى الثاني المأذون فيه، فهل تعتد في الثاني أم في الاول، أم في أقربهما إليها، أم تتخير فيهما ؟ فيه أوجه، أصحها: أولها، وهو نصه في الام لانها مأمورة بالمقام فيه، ممنوعة من الاول، والاعتبار بالانتقال ببدنها، لا بالامتعة والخدم والزوج، ولو أذن في الانتقال إلى الثاني، فانتقلت ثم عادت إلى الاول لنقل متاع وغيره فطلقها، فالمسكن هو الثاني، فتعتد فيه، كما لو خرجت لحاجة فطلقها وهي خارجة. ولو أذن لها في الانتقال إلى بلد آخر، ثم طلقها، أو مات، فحكمه كما ذكرنا فيما لو أذن في الانتقال من مسكن إلى مسكن، فإن وجد سبب الفراق بعد الانتقال إلى البلد الثاني، اعتدت فيه، وإن وجد قبل مفارقة عمران الاول، لم تخرج، بل تعود إلى

(6/387)


المسكن وتعتد فيه، وإن كان في الطريق، فعلى الاوجه. وإن أذن في السفر لغير النقلة، نظر، إن تعلق بغرض مهم، كتجارة وحج وعمرة واستحلال عن مظلمة ونحوها، ثم حدث سبب الفرقة، نظر، إن كان حدث قبل خروجها من المسكن، لم تخرج بلا خلاف. وإن خرجت منه على قصد السفر ولم تفارق عمران البلد، فالاصح عند الجمهور أنه يلزمها العود إلى المسكن، لانها لم تشرع في السفر. والثاني: تتخير بين العود والمضي في السفر، لان عليها ضررا في إبطال سفرها، وفوات غرضها. والثالث: إن كان سفر حج، تخيرت، وإلا فيلزم العود، وإن حدث سبب الفرقة في الطريق، تخيرت بين العود والمضي. وقيل: إن حدث بعد مسيرة يوم وليلة تخيرت، وإن حدث قبله، تعين العود، وليس بشئ، وإذا خيرناها، فاختارت العود إلى المسكن والاعتداد، فذاك، وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه الافضل، وإن اختارت المضي إلى المقصد، فلها أن تقيم فيه إلى انقضاء حاجتها، فلو انقضت قبل تمام مدة إقامة المسافرين، فالمذكور في التهذيب والوسيط وغيرهما، أن لها أن تقيم تمام مدة المسافرين، وحكى الروياني هذا

(6/388)


عن بعضهم، ثم غلط قائله وقال: نهاية سفرها قضاء الحاجة لا غير. قلت: الاصح أنه لا يجوز أن تقيم بعد قضاء الحاجة، وبه قطع صاحب المهذب والجرجاني، والرافعي في المحرر وآخرون. والله أعلم. وإن كان أذن لها في سفر نزهة فبلغت المقصد، ثم حدث ما يوجب العدة، فإن لم يقدر الزوج مدة، لم تقم أكثر من مدة المسافرين، وإن قدر، فهل الحكم كذلك، أم لها استيفاء المدة المقدرة ؟ قولان. أظهرهما: الثاني، ويجريان فيما لو قدر في الحاجة مدة تزيد على قدر الحاجة، لان الزائد كالنزهة. ففي قول: يجب الانصراف إذا انقضت الحاجة. وفي قول: تقيم المأذون فيه، ويجريان فيما لو أذن في الانتقال إلى مسكن آخر في البلد مدة قدرها ثم طلقها، أو مات، كذا حكاه الروياني عن نصه في الام وفي الوسيط أن الطلاق يبطل تلك المدة، ويجريان فيما لو أذن لها في الاعتكاف مدة ولزمتها العدة قبل مضي المدة، هل لها إدامة الاعتكاف إلى تمام المدة، أم يلزمها الخروج لتعتد في المسكن ؟ فإن لم يلزمها الخروج فخرجت، بطل اعتكافها ولم يكن لها البناء عليه إذا كان منذورا، وإن ألزمناها، فهل يبطل بالخروج، أم يجوز البناء ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وإن حدث سبب العدة في سفر النزهة قبل بلوغها المقصد، فحيث قلنا في سفر الحاجة: يجب الانصراف، فهنا أولى. وحيث قلنا: لا يجب، فهنا وجهان. وقطع صاحب الشامل، بأنه كسفر الحاجة. وأما سفر الزيارة، فكسفر النزهة على ظاهر النص، وقيل: كسفر الحاجة، ثم إذا انتهت مدة جواز الاقامة في هذه الاحوال، فعليها الانصراف في الحال إن لم تكن انقضت مدة العدة بتمامها لتعتد بقية العدة في المسكن. فإن كان الطريق مخوفا، أو لم تجد رفقة، عذرت في التأخير. فلو علمت أن البقية تنقضي في الطريق، ففي لزوم العود وجهان. أصحهما: يلزمها، وهو نصه في الام ليكون أقرب إلى موضع العدة، ولان تلك الاقامة غير

(6/389)


مأذون فيها، والعود مأذون فيه، هذا كله إذا أذن لها في السفر. فأما إذا خرجت مع الزوج ثم طلقها، أو مات، فعليها الانصراف، ولا تقيم أكثر من مدة المسافرين، إلا إذا كان الطريق مخوفا، أو لم تجد رفقة. وهذا إذا كان سفره لغرضه واستصحبها ليستمتع بها. فأما إذا كان السفر لغرضها وخرج بها، فليكن الحكم كما لو أذن لها فخرجت. وفي لفظ المختصر ما يشعر بهذا. فرع أذن لها في الاحرام بحج وعمرة، ثم طلقها قبل الاحرام، فلا تحرم، ولا تنشئ السفر بعد لزوم العدة، فلو أحرمت، فهو كما لو أحرمت بعد الطلاق بغير إذن، وحكمه أن لا يجوز لها الخروج في الحال وإن كان الحج فرضا، بل يلزمها أن تقيم وتعتد، لان لزوم العدة سبق الاحرام، فإذا انقضت العدة، أتمت عمرتها إن كانت معتمرة، وكذا الحج إن بقي وقته، فإن فات، تحللت بأفعال العمرة، ولزمها القضاء ودم الفوات. ولو أحرمت أولا بإذن الزوج، أو بغير إذنه ثم طلقها، فإن كانت تخشى فوات الحج لضيق الوقت، خرجت إلى الحج معتدة، لان الاحرام سبق العدة، مع أنه في خروجها يحصل الحج والعدة، وإن كانت لا تخشى فوات الحج أو أقامت للعدة، أو كان الاحرام بعمرة، فوجهان. أحدهما وهو مذكور في المهذب: يلزمها أن تقيم للعدة، ثم تخرج جمعا بين الحقين. وأصحهما وبه قطع الشيخ أبو حامد والاكثرون: تتخير بين أن تقيم وبين أن تخرج في الحال، لان مصابرة الاحرام مشقة. فرع منزل البدوية وبيتها من صوف ووبر وشعر، كمنزل الحضرية من طين وحجر، فإذا لزمتها العدة فيه، لزمها ملازمته، فإن كان أهلها نازلين على ما لا ينتقلون عنه، ولا يظعنون إلا لحاجة، فهي كالحضرية من كل وجه. وإن كانوا من

(6/390)


قوم ينتقلون شتاء أو صيفا، فإن ارتحلوا جميعا ارتحلت معهم للضرورة، وإن ارتحل بعضهم، نظر، إن كان أهلها ممن لم يرتحل وفي المقيمين قوة وعدد، فليس لها الارتحال. وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة وعدد، فوجهان، أحدهما: ليس لها الارتحال، بل تعتد هناك لتيسره، وأصحهما: تتخير بين أن تقيم وبين أن ترتحل، لان مفارقة الاهل عسرة موحشة. ولو هرب أهلها خوفا من عدو ولم ينتقلوا، ولم تخف هي، لم يجز لها الارتحال، لان المرتحلين يعودون إذا أمنوا، ولو ارتحلت حيث يجوز الارتحال، ثم أرادت الاقامة في قرية في الطريق والاعتداد فيها، جاز، لانه أليق بحال المعتدة من السير. فرع طلقها أو ماتت وهي في سفينة، فإن ركبتها مسافرة، فحكم السفر ما سبق، وإن كان الزوج ملاحا ولا منزل له سوى السفينة، فإن كانت سفينة كبيرة فيها بيوت متميزة المرافق، اعتدت في بيت منها معتزلة عن الزوج، وسكن الزوج بيتا آخر، وإن كانت صغيرة، نظر، إن كان معها محرم لها يمكن أن يعالج السفينة، خرج الزوج، واعتدت هي فيها، وإلا فتخرج هي وتعتد في أقرب المواضع إلى الشط، وإذا تعذر خروجه وخروجها، فعليها أن تستتر وتبعد منه بقدر الامكان، هكذا ذكره صاحب الشامل والتهذيب وغيرهما، وفيه إشعار بأنه لا يجوز لها الخروج من السفينة إذا أمكن الاعتداد فيها، وقد صرح به آخرون، ونقل الروياني في كتبه، أنها تتخير بين أن تعتد في السفينة، وبين أن تخرج فتعتد خارجها. فإن اختارت السفينة، نظرنا حينئذ، هل هي صغيرة أم كبيرة ؟ وراعينا التفصيل المذكور، وذكر فيما إذا اختارت الخروج، وجهين أصحهما وبه قال الماسرجسي: تعتد في أقرب القرى إلى الشط. والثاني وبه قال أبو إسحق: تعتد حيث شاءت. فرع إذا خرجت الزوجة إلى غير الدار المألوفة، أو غير البلد المألوف، ثم طلقها واختلفا، فقالت: أذنت لي في الانتقال فاعتد في المنزل الثاني، وقال: إنما

(6/391)


أذنت لك في النزهة أو في غرض كذا فعودي إلى المنزل الاول فاعتدي فيه، في من يصدق منهما اختلاف نص وطرق منتشرة انتشارا كثيرا، وحاصلها: أن المذهب تصديق الزوج وإذا اختلف الزوجان، وتصديقها إذا اختلفت هي ووارث الزوج. وقيل: قولان. أحدهما: تصديق الزوج والوارث. والثاني: تصديقها لان الظاهر معها. وقيل: إن اتفقا على إذن في الخروج مطلقا، وقال الزوج: أردت النزهة، أو قال ذلك وارثه، وقالت: بل أردت النقلة، فالقول قولها، وإن قال: قلت: اخرجي للنزهة، أو قال ذلك وارثه. وقالت: بل قلت: اخرجي للنقلة، فالقول قول الزوج ووارثه. وقيل: إن تحول الزوج معها إلى المنزل الثاني فهي المصدقة عليه وعلى وارثه. وإن انفردت بالتحول، صدقا عليها. أما إذا اتفقا على جريان لفظ الانتقال، أو الاقامة، بأن قال: انتقلي إلى موضع كذا، أو اخرجي إليه وأقيمي به، قال الزوج: ضممت إليه: للنزهة، أو شهرا، أو نحوهما، وأنكرت الزوجة هذه الضميمة، أو قال ذلك وارثه، فالقول قولها، لان الاصل عدم هذه الضميمة.
فصل يجب على المعتدة ملازمة مسكن العدة، فلا تخرج إلا لضرورة أو عذر، فإن خرجت، أثمت، وللزوج منعها، وكذا لوارثه عند موته، وتعذر في الخروج في مواضع. منها: إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق، أو غرق، فلها الخروج، سواء فيه عدة الوفاة والطلاق، وكذا لو لم تكن الدار حصينة وخافت لصوصا، أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها، أو تتأذى من الجيران أو الاحماء تأذيا شديدا، أو تبذو أو تستطيل بلسانها عليهم، يجوز إخراجها من المسكن، ثم في التهذيب أنها إذا بذت على أحمائها، سقطت سكناها، وعليها أن تعتد في

(6/392)


بيت أهلها، والذي ذكره العراقيون والروياني والجمهور: أنه ينقلها الزوج إلى مسكن آخر، ويتحرى القرب من مسكن العدة. ثم موضع النقل بالبذاء ما إذا كانت الاحماء معها في دار تسع جميعهم، وإن كانت ضيقة لا تسع جميعهم، نقل الزوج الاحماء وترك الدار لها، وإن كان الاحماء في دار أخرى، لم ينقل المعتدة بالبذاء عن دارها، ونقل المتولي أنها تنقل لايذاء الجيران كما تنقل لايذاء الاحماء. فعلى هذا، إذا كانت في دار والاحماء في القرى، فإنها لا تنتقل بالبذاء إذا لم تكن الداران متجاورتين، ولو كان البذاء من الاحماء دونها، نقلوا دونها، ولو كانت في دار أبويها لكون الزوج كان يسكن دارهما، فبذت على الابوين، أو بذا الابوان عليها، لم ينقل واحد منهم، لان الشر والوحشة لا تطول بينهم، فلو كان أحماؤها في دار أبويها أيضا، وبذت عليهم، نقلوا دونها، لانها أحق بدار أبويها. ومنها: إذا احتاجت إلى شراء طعام، أو قطن، أو بيع غزل ونحو ذلك، نظر، إن كانت رجعية، فهي زوجته، فعليه القيام بكفايتها، فلا تخرج إلا بإذنه. قال المتولي: وكذا الحكم في الجارية المشتراة، والمسيبة في مدة الاستبراء. وأما سائر المعتدات: فيجوز المعتدة عن وفاة الخروج لهذه الحاجات نهارا، وكذا لها أن تخرج بالليل إلى دار بعض الجيران للغزل والحديث، لكن لا تبيت عندهم، بل تعود إلى مسكنها للنوم. وحكم العدة عن شبهة أو نكاح فاسد حكم عدة الوفاة. قال المتولي: إلا أن تكون حاملا. وقلنا: إنها تستحق النفقة، فلا يباح لها الخروج. وفي البائن بطلاق أو فسخ، قولان. القديم: ليس لها الخروج، والجديد: جوازه كالمتوفى عنها، قال المتولي: هذا في الحائل، أما الحامل: إذا قلنا: تعجل نفقتها، فهي مكفية فلا تخرج إلا لضرورة.

(6/393)


ومنها: لو لزمها عدة وهي في دار الحرب، لزمها أن تهاجر إلى دار الاسلام. قال المتولي: إلا أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها، ولا على دينها، فلا تخرج حتى تعتد. ومنها: إذا لزمها حق، واحتيج إلى استيفائه، فإن أمكن استيفاؤه في مسكنها، كالدين والوديعة، فعل، وإن لم يمكن، واحتيج فيه إلى الحاكم، بأن توجه عليها حد أو يمين في دعوى، فإن كانت برزة خرجت وحدت، أو حلفت، ثم تعود إلى المسكن، وإن كانت مخدرة، بعث الحاكم إليها نائبا، أو أحضرها بنفسه. ومنها: إذا كان المسكن مستعارا، أو مستأجرا، فرجع المعير، أو مضت المدة، أو طلبه المالك، فلا بد من الخروج. ومنها: البدوية تفارق المنزل وترتحل مع القوم إذا ارتحلوا. فرع لا تعذر في الخروج لاغراض تعد من الزيادات دون المهمات، كالزيارة والعمارة واستنماء المال بالتجارة، وتعجيل حجة الاسلام وأشباهها. فرع زنت المعتدة عن وفاة في عدتها وهي بكر، فعلى السلطان تغريبها، ولا يؤخره إلى انقضاء عدتها، وقيل: لا تغريب، والصحيح الاول.
فصل على الزوج أن يسكن مستحقة السكنى من المعتدات مسكنا يصلح لمثلها، فإن كان مسكن النكاح كذلك، فلا معدل عنه. وحيث قلنا: تجب ملازمة مسكن النكاح، فهذا مرادنا به، فإن أسكنها في النكاح دارا فوق سكنى مثلها، فطلقها وهي فيها، فله أن لا يرضى الآن، وينقلها إلى دار بصفة استحقاقها، ولو رضيت بدار خسيسة، فطلقها وهي فيها، فلها أن تطلب النقل إلى ما يليق بها، ويلزمه الابدال. وفي الصورتين احتمال ذكره في البسيط، والمعروف للاصحاب

(6/394)


ما سبق، وينبغي أن ينقلها إلى مسكن قريب من موضعها الاول، ولا تنقل إلى الابعد مع وجود الاقرب. وظاهر كلام الاصحاب أن رعاية هذا القريب واجبة، واستبعد الغزالي الوجوب، وتردد في الاستحباب.
فصل يحرم على الزوج مساكنة المعتدة في الدار التي تعتد فيها ومداخلتها، لانه يؤدي إلى الخلوة بها، وخلوته بها كخلوته بالاجنبية، ويستثنى من ذلك موضعان. أحدهما: أن يكون في الدار محرم لها من الرجال، أو محرم له من النساء، أو من في معنى المحرم، كزوجة أخرى وجارية، ولا بد في المحرم ومن في معناه من التمييز، فلا عبرة بالمجنون، والصغير الذي لا يميز، واشترط الشافعي رضي الله عنه البلوغ، قال القاضي أبو الطيب: لان من لم يبلغ، لا تكليف عليه، فلا ينكر الفاحشة. وقال الشيخ أبو حامد: يكفي عندي حضور المراهق، والنسوة الثقات كالمحرم على الصحيح، ويكفي حضور المرأة الواحدة الثقة على الاصح، وبه قطع صاحب الشامل وغيره، والحكاية عن الاصحاب، أنه لا يجوز أن يخلو رجلان بامرأة واحدة، ويجوز أن يخلو الرجل بامرأتين ثقتين، لان استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، ثم لا يخفى أن مساكنة الزوج والمحرم ومن في معناه، إنما يفرض فيما إذا كان في الدار زيادة على

(6/395)


سكنى مثلها، فإن لم يكن كذلك، فعلى الزوج تخليتها للمعتدة، والانتقال عنها ثم المساكنة، وإن جازت بسبب المحرم، فالكراهة باقية، لانه لا يؤمن النظر. الموضع الثاني: إذا كان في الدار حجرة، فأراد أن يسكن أحدهما ويسكنها الاخرى، فإن كانت مرافق الحجرة كالمطبخ والمستراح، والبئر، والمصعد إلى السطح في الدار، لم يجز إلا بشرط المحرم، وإن كانت المرافق في الحجرة، جاز، كالحجرتين والدارين المتجاورتين وحكم السفلي والعلوي، حكم الدار والحجرة، ثم ذكر البغوي والمتولي وغيرهما، أنه يشترط أن لا يكون ممر إحداهما على الاخرى، ويغلق الباب بينهما أو يسد، وهذا حسن. ويؤيده ما ذكره الائمة أنه لو كانت الدار واسعة ولم يكن فيها إلا بيت والباقي صفف، لم يجز أن يساكنها و إن كان معها محرم، لانها لا تتميز من المسكن بموضع، فإن قال: أنا أبني بيني وبينها حائلا، وكان الذي يبقى لها سكنى مثلها، فله ذلك، ثم إن جعل باب ما يسكنه خارجا عن مسكنها، فلا حاجة إلى محرم، وإن جعله في مسكنها، لم يجز أن يسكنه إلا بشرط المحرم أو من في معناه، وقيل: لا يشترط اختلاف الممر، بل يكفي أن يغلق على الحجرة باب. ولو كانا في بيتين من دار كبيرة، وانفرد كل بباب يغلق، جاز على الاصح كبيتين من خان.
فصل إذا كانت معتدة بالاقراء أو الحمل، لم يصح بيع المسكن الذي يستحق فيه السكنى، سواء كان لها عادة مستقيمة في الاقراء والحمل، أم لا. وإن كانت تعتد بالاشهر، ففي صحة بيعه قولان، كالدار المستأجرة، وقيل: لا يصح قطعا، ويجري الطريقان سواء كانت تتوقع مجئ الحيض في أثناء الشهر، بأن كانت بنت تسع سنين فصاعدا ولم تحض، أو لا تتوقعه كالآيسة، وبنت سبع سنين. وقيل: لا يصح البيع في الصورة الاولى قطعا، فإن جوزنا البيع، فحاضت وانتقلت إلى الاقراء، خرج ذلك على اختلاط الثمار المبيعة بالحادثة بعد البيع فيما لا

(6/396)


يغلب فيه التلاحق، وفيه قولان سبقا. أظهرهما: لا ينفسخ البيع، بل يثبت الخيار للمشتري. فرع لو كان المنزل مستعارا، لازمته ما لم يرجع المعير، وليس للزوج نقلها، وقيل: له نقلها في البلد الذي لا يعتاد فيه إعادة المنزل، كيلا يلحقه منة، والصحيح الاول. وإذا رجع، قال المتولي وغيره: على الزوج أن يطلبه منه بأجرة، فإن امتنع أو طلب أكثر من أجرة المثل، نقلها، وإن نقلها ثم بذل المنزل الاول مالكه، قال الروياني: إن بذله بإعارة، لم يلزم ردها إليه، وإن بذل بأجرة، فإن كان المنقول إليه مستعارا، وجب ردها إلى الاول، وإن كان بأجرة، فوجهان. فرع كان المنزل الذي تعتد فيه مستأجرا، فانقضت مدة الاجارة ولم يجدد المالك إجارة، فلا بد من نقلها، وإذا وجب النقل في هذه الصور، فالقول في تحري أقرب المواضع على ما سبق. فرع إذا كانت تسكن منزل نفسها، ففي المهذب والتهذيب أنه يلزمها أن تعتد فيه، ولها طلب الاجرة، والاصح ما ذكره صاحب الشامل وغيره أنها إن رضيت بالاقامة فيه بإعارة أو إجارة، جاز وهو الاولى، وإن طلبت نقلها، فلها ذلك، إذ ليس عليها بذل منزلها بإعارة ولا إجارة. فرع لو طلقها وهي في منزل مملوك للزوج، ثم أفلس وحجر عليه، بقي لها حق السكنى، وتقدم به على الغرماء، وكذا لو مات وعليه ديون، تقدم به على حق الغرماء والورثة، وهل للحاكم بيع رقبة المسكن ؟ فيه الطريقان السابقان، ولو أفلس وحجر عليه، ثم طلقها، ضاربت الغرماء بالسكنى، وليس ذلك كدين

(6/397)


حادث، لان حقها مستند إلى سبب متقدم على الحجر وهو النكاح والوطئ فيه، ولو طلقها وليست في منزل له، ضاربتهم بالاجرة، سواء تقدم الطلاق أو تأخر، لان حقها هنا مرسل غير متعلق بعين. ومتى ضاربت، فإن كانت عدتها بالاشهر، ضاربت بأجرة المثل للاشهر، وإن كانت بالاقراء أو الحمل، نظر، إن لم تكن لها عادة فيهما، فوجهان. أصحهما: تضارب بأقل مدة يمكن انقضاء الاقراء فيها، والحامل بأجرة ما بقي من أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر من حين العلوق، لان استحقاق الزيادة مشكوك فيه. والثاني: تؤخذ بالعادة الغالبة، فتضارب ذات الاقراء بأجرة ثلاثة أشهر، والحامل بما بقي من تسعة أشهر، وهذا اختيار صاحب الحاوي. وإن كانت لها عادة مستقيمة فيهما، ضاربت بأجرة مدة العادة على الصحيح، وقيل بالاقل، وإن كان لها عادات مختلفة، وراعينا العادة، فالمعتبر أقل عاداتها. وإذا ضاربت بأجرة مدة، وانقضت العدة على وفق تلك المضاربة، فهل ترجع على المفلس بالباقي من الاجرة عند يساره ؟ حكى الشيخ أبو علي فيه طريقين، أحدهما: على وجهين بناء على أن الزوجة إذا لم تطالب بالسكنى في النكاح أو في العدة مدة، هل تصير سكنى المدة الماضية دينا لها عليه، وتطالبه بها ؟ وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. وأصحهما: القطع بالرجوع، كما في الباقي من ديون الغرماء، بخلاف مسألة الوجهين، لانها هنا طلبت الجميع، ولكن زحمة الغرماء منعتها، ولو انقضت العدة قبل تمام المدة التي ضاربت لها، ردت الفضل على الغرماء، وفي رجوعها على المفلس بما تقتضيه المحاصة للمدة المنقضية الطريقان. ولو امتدت العدة وزادت على مدة المضاربة، ففي رجوعها بحصة المدة الزائدة على الغرماء ثلاثة أوجه. أصحها: الرجوع، لانا تبينا استحقاقها، كما لو ظهر غريم، ولها أن ترجع على المفلس إذا أيسر، والثاني: لا ترجع على الغرماء، لئلا تغير ما حكمنا به، وينسب هذا إلى النص، وصححه الروياني في التجربة، والثالث: ترجع الحامل لانه حسي دون ذات الاقراء، فإنها متهمة بتأخيرها، وإذا قلنا: لا ترجع على الغرماء، رجعت على الزوج على الاصح إذا أيسر، قال

(6/398)


الامام: والخلاف في رجوعها على الغرماء، إذا لم يصدقوها، فإن صدقوها رجعت عليهم بلا خلاف، قال: وفي غير صورة الافلاس إذا مضى زمن العادة، فادعت مزيدا، وتغيرا في العادة، فالذي يدل عليه كلام الاصحاب، أنها تصدق بلا خلاف، وعلى الزوج الاسكان، قال: وفيه احتمال، لانا إذا صدقناها ربما تمادت في دعواها إلى سن اليأس. فرع إذا ضاربت في صورة الافلاس بالاجرة، استؤجر بحصتها المنزل الذي وجبت فيه العدة، فإن تعذر، فأقرب الممكن كما سبق. قال ابن الصباغ: فإذا جاوزت مدة ما أخذت أجرته، سكنت حيث شاءت. فرع لو كانت المطلقة رجعية، أو حاملا، استحقت مع السكنى النفقة، وتضارب الغرماء عند إفلاس الزوج بالنفقة والسكنى، والقول في كيفية المضاربة والرجوع كما سبق، ولكن إذا قلنا: إن نفقة الحامل لا تعجل، لم يدفع إليها حصة النفقة في الحال.
فصل إذا طلقها وهو غائب، وهي في دار له بملك أو إجارة، اعتدت فيها، وإن لم يكن له مسكن وله مال، اكترى الحاكم من ماله مسكنا تعتد فيه إن لم يجد متطوعا به، فإن لم يكن له مال، اقترض عليه، واكترى، فإذا رجع، قضاه، فإن أذن لها أن تعترض عليه، أو تكتري المسكن من مالها، ففعلت، جاز، وترجع، ولو اكترت من مالها، أو اقترضت بقصد الرجوع، ولم تستأذن الحاكم، نظر، إن قدرت على الاستئذان أو لم تقدر ولم تشهد، لم ترجع، وإن لم تقدر أو أشهدت، رجعت على الاصح، وكل هذا على ما سبق في مسألة هروب الجمال ونظائرها. فرع إذا مضت مدة العدة، أو بعضها، ولم تطلب حق السكنى، سقط، ولم يصر دينا في الذمة، نص عليه، ونص أن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان، بل تصير دينا في الذمة، فقيل: قولان فيهما لترددهما بين الديون ونفقة القريب، والمذهب تقرير النصين، والفرق بأن النفقة بالتمكين، وقد وجد، والسكنى لصيانة مائه على موجب نظره، ولم يتحقق، وحكم السكنى في صلب النكاح كما ذكرنا في العدة.

(6/399)


فصل إذا مات الزوج في خلال العدة، لم يسقط ما استحقته المبتوتة من السكنى، وإذا استحقت السكنى، أو مات عنها وهي زوجة وقلنا: تستحق السكنى، فإن كانت في مسكن مملوك للزوج، لم يقسمه الورثة حتى تنقضي العدة، ولو أرادوا التمييز بخطوط ترسم من غير نقض وبناء، جاز إن قلنا: القسمة إفراز، وإن قلنا: بيع، فحكم بيع مسكن العدة كما سبق، وقيل: إن قلنا: إفراز، فلهم القسمة كيف شاؤوا، والصحيح الاول. وإن كان في مسكن مستأجرا أو مستعارا، واحتيج إلى نقلها، فعلى الوارث أن يستأجر لها من التركة، فإن لم يكن تركة، فليس على الوارث إسكانها. فلو تبرع به، لزمها الاجابة، وإذا لم يتبرع، ففي التهذيب أنه يستحب للسلطان أن يسكنها من بيت المال، لا سيما إن كانت تتهم بريبة، ولفظ الروياني في البحر أن السلطان لا يلزمه أن يكتري لها، إلا عند الريبة فيلزمه. وإذا قلنا: لا تجب السكنى في عدة الوفاة، فالمذهب أن للورثة إسكانها حيث أرادوا، وبهذا قطع الاصحاب. وحكى الغزالي وجهين، أصحهما هذا، والثاني: أنه إنما تلزمها الاجابة، وإذا توقع شغل الرحم بالماء، فإن لم يتبرع الوارث بإسكانها، فللسلطان أن يحصنها بالاسكان. وفي الوسيط والبسيط، أنه ليس للسلطان تعيين المسكن، بخلاف الوارث، والاول هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الجماهير، وإذا لم يسكنها الوارث والسلطان، سكنت حيث شاءت، فلو أسكنها أجنبي متبرع، قال الروياني: إن لم يكن المتبرع ذا ريبة، فهو كالوارث، فعليها أن تسكن حيث يسكنها. قلت: وفي هذا نظر. والله أعلم.

(6/400)


فرع للواطئ بشبهة أو في نكاح فاسد إسكان المعتدة.
فصل في مسائل تتعلق بالعدد إحداها: إذا طلق الغائب، أو مات، فالعدة من حين الطلاق أو الموت، لا من بلوغ الخبر. الثانية: لو نكحت المعتدة بعد مضي قرء، ووطئها الزوج الثاني، ثم جاء الاول ووطئها بشبهة، ثم فرق بينهما وبين الثاني، فتشتغل بالباقي من عدة الطلاق وهو قرءان، ويدخل فيه قرءان من عدة وطئ الشبهة، ثم تعتد عن الثاني بثلاثة أقراء، ثم تعتد عن الاول بقرء لما بقي من عدة الشبهة، ذكره القفال في الفتاوى. الثالثة: مات زوج المعتدة، فقالت: انقضت عدتي قبل موته، لا يقبل قولها في ترك العدة، ولا ترث لاقرارها. الرابعة: في فتاوى القفال: أن المعتدة لو أسقطت مؤنة السكنى عن الزوج، لم يصح الاسقاط، لان السكنى تجب يوما فيوما، ولا يصح إسقاط ما لم يجب. الخامسة: في فتاوى القفال: أن المنكوحة لو وطئت بشبهة، وصارت في العدة، فوطئها الزوج، لم يقطع وطؤه عدة الشبهة، لان وطئ الزوج لا يوجب عدة، فلا يقطعها كما لو زنت المعتدة.
الباب الخامس : في الاستبراء
فيه ثلاثة أطراف.
الأول : فيما يتعلق بنفس الاستبراء، فإن كانت المستبرأة من ذوات الاقراء،

(6/401)


استبرأت بقرء، وهو حيض على الجديد الاظهر، وفي قول: هو طهر. وفي وجه: أن استبراء أم الولد لموت السيد أو إعتاقه بطهر، والامة التي يحدث ملكها بحيض، فإن قلنا: القرء هو الطهر، فصادف وجوب الاستبراء آخر الحيض، كان الطهر الكامل بعده استبراء. وهل يكفي ظهور الدم بعده، أم يعتبر يوم وليلة ؟ فيه الخلاف السابق في العدة. وفي وجه: لا بد من مضي حيضة كاملة بعد ذلك الطهر، وهو ضعيف عند الغزالي وغيره، وصححه الروياني، وإن وجد سبب الاستبراء وهي طاهر، فهل يكفي بقية الطهر ؟ وجهان. أحدهما: يكفي كما في العدة، وهذا هو الراجح في البسيط، وحكاه الماوردي عن البغداديين. والثاني: لا يكفي، ولا ينقضي الاستبراء حتى تحيض بعده ثم تطهر، وبه قطع البغوي، وحكاه الماوردي عن البصريين. وإذا قلنا: القرء الحيض، لم يكف بقية الحيض، بل يعتبر حيضة كاملة. فلو كانت حائضا عند وجوب الاستبراء، لم ينقض الاستبراء حتى تطهر، ثم تحيض حيضة، ثم تطهر، وإذا تباعد حيض ذا ت الاقراء، فحكمها في التربص إلى سن اليأس حكم المعتدة. فإن كانت المستبرأة من ذوات الاشهر، فهل تستبرئ بشهر، أم بثلاثة ؟ قولان. أظهرهما عند الجمهور: بشهر، لانه بدل قرء، ورجح صاحب المهذب وجماعة، الثلاثة، وإن كانت حاملا، نظر، إن زال فراشه عن مستولدته، أو أمته الحامل، فاستبراؤها بوضع الحمل. فإن ملك أمة، فقد أطلق المتولي، أن الحكم كذلك إن كان الحمل ثابت النسب من زوج، أو وطئ بشبهة، والاصح التفصيل. فإن ملكها بسبي حصل الاستبراء بالوضع، وإن ملك بالشراء، فإن كانت حاملا من زوج وهي في نكاحه أو عدته، أو من وطئ شبهة وهي معتدة من ذلك الوطئ، فسيأتي إن شاء الله تعالى أنه لا استبراء في الحال على المذهب. وفي وجوبه بعد العدة خلاف، وإذا كان كذلك، فليس الاستبراء بالوضع، لانه إما غير واجب، وإما مؤخر عن الوضع. وذكر البغوي في حصول

(6/402)


الاستبراء في الوضع قولين. ولو كان الحمل من زنا، ففي حصول الاستبراء بوضعه حيث يحصل في ثابت النسب، وجهان. أصحهما: الحصول، لاطلاق الحديث، ولحصول البراءة بخلاف العدة، فإنها مخصوصة بالتأكيد، ولهذا اشترط فيها التكرار. فإن قلنا: لا يحصل، ورأت دما على الحمل، وقلنا: هو حيض، حصل الاستبراء بحيضة على الحمل على الاصح. وإن قلنا: ليس بحيض، أو لم تر دما، فاستبراؤها بحيضة بعد الوضع. ولو ارتابت المستبرأة بالحمل في مدة الاستبراء أو بعدها، فعلى ما ذكرناه في العدة.
الطرف الثاني : في سبب الاستبراء، وهو سببان. السبب الاول: حصول الملك، فمن ملك جارية بإرث أو هبة، أو شراء أو وصية، أو سبي، أو عاد ملكه فيها بالرد بالعيب، أو التحالف، أو الاقالة، أو خيار الرؤية، أو الرجوع في الهبة، لزمه استبراؤها، سواء في الاقالة ونحوها، ما قبل القبض وبعده، وسواء كان الانتقال إليه ممن يتصور اشتغال الرحم بمائه أو ممن لا يتصور، كإمرأة وصبي ونحوهما، وسواء كانت الامة صغيرة، أو آيسة، أو غيرهما، بكرا، أو ثيبا، وسواء استبرأها البائع قبل البيع، أم لا. وعن ابن سريج تخريج في البكر: أنه لا يجب. وعن المزني: أنه إنما يجب استبراء الحامل والموطوءة. قال الروياني: وأنا أميل إلى هذا، واحتج الشافعي رحمه الله بإطلاق الاحاديث في

(6/403)


سبايا أوطاس، مع العلم بأن فيهن الصغار، والابكار، والآيسات. ولا يجب على بائع الامة استبراؤها قبل البيع، سواء وطئها أم لا، لكنه يستحب إن كان وطئها ليكون على بصيرة منها. ولو أقرض جارية لمن لا تحل له، ثم استردها قبل تصرف المقترض فيها، لزم المقرض استبراؤها إن قلنا: إن القرض يملك بالقبض، وإن قلنا: بالتصرف، لم يلزمه. فرع كاتب جاريته، ثم فسخت الكتابة، أو عجزها السيد، لزمها الاستبراء. فرع لو حرمت على السيد بصلاة أو صوم، أو اعتكاف أو رهن، أو حيض أو نفاس، ثم زالت هذه الاشياء، حلت بغير استبراء. فرع ارتدت أمته ثم أسلمت، لزمه استبراؤها على الاصح، لانه زال ملك الاستمتاع ثم عاد. قال البغوي: الوجهان مبنيان على الوجهين فيما لو اشترى مرتدة ثم أسلمت، هل يحسب حيضها في زمن الردة من الاستبراء ؟ فإن قلنا: يحسب، لم يجب الاستبراء، وإلا وجب. ولو ارتد السيد ثم أسلم، فإن قلنا: يزول ملكه بالردة، لزمه الاستبراء قطعا، وإلا فعلى الاصح كردة الامة. فرع أحرمت ثم تحللت، فالمذهب وبه قطع الجمهور: أنه لا استبراء كما لو صامت ثم أفطرت. وقيل: وجهان كالردة. فرع زوج أمته، فطلقت قبل الدخول، فهل على السيد استبراؤها ؟ قولان يأتي بيانهما إن شاء الله تعالى. فرع باعها بشرط الخيار، فعادت إليه بالفسخ في مدة الخيار، ففي وجوب الاستبراء خلاف، المذهب منه أنه يجب إن قلنا: يزول ملك البائع بنفس العقد، وإلا فلا.

(6/404)


فرع اشترى زوجته، فوجهان. الاصح المنصوص، أنه يدوم حل وطئها، ولا يجب الاستبراء، لكن يستحب، أما أنه لا يجب، فلانه لم يتجدد حل، ولانه لا يؤدي إلى اختلاط ماء، وأما استحبابه، فلتمييز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين، فإنه في النكاح ينعقد مملوكا، ثم يعتق ولا تصير به أم ولد. وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أم ولد. والثاني: يجب الاستبراء لتجدد الملك. ولو اشتراها بشرط الخيار، فهل له وطؤها في مدة الخيار لانها منكوحة أو مملوكة، أم لا للتردد في حالها ؟ وجهان، قال البغوي: المنصوص أنه لا يحل. ولو طلقها ثم اشتراها في العدة، وجب الاستبراء قطعا، لانه ملكها وهي محرمة عليه. ولو اشترى زوجته ثم أراد تزويجها لغيره، لم يجز إن كان دخل بها قبل الشراء إلا بعد قرءين، لانه إذا انفسخ النكاح وجب أن تعتد منه، فلا تنكح غيره حتى تنقضي عدتها بقرءين. فلو مات عقب الشراء، لم يلزمها عدة الوفاة، بل تكمل عدة الانفساخ، كذا ذكره ابن الحداد، وحكى عن نصه في الاملاء. فرع اشترى مزوجة أو معتدة عن زوج، أو وطئ شبهة، والمشتري عالم بالحال أو جاهل، وأجاز البيع، فلا استبراء في الحال، لانها مشغولة بحق غيره. فإن طلقت قبل الدخول أو بعده، وانقضت عدة الشبهة، فهل يلزم للمشتري الاستبراء ؟ قولان. أظهرهما: نعم. وقد يقال: يجب الاستبراء، ويرد الخلاف إلى أنه هل تدخل في العدة ؟ واستنبط القاضي حسين من القولين عبارتين يتخرج عليهما مسائل. إحداهما: أن الموجب للاستبراء حدو ث ملك الرقبة مع فراغ محل الاستمتاع. والثانية: أن الموجب حدوث حل الاستمتاع في المملوكة بملك اليمين،

(6/405)


فعلى العبارة الاولى: لا يجب الاستبراء عند انقضاء العدة، لانه لم يحدث حينئذ ملك، وعند حدوثه لم يكن محل الاستمتاع فارغا، وعلى الثانية: يجب. وخرج بعضهم عليهما الخلاف فيما لو اشترى مجوسية فحاضت ثم أسلمت، هل يلزم الاستبراء بعد الاسلام، أم يكفي ما سبق ؟ وكذا الخلاف فيما لو زوج وطلقت قبل الدخول، هل على السيد استبراء ؟ فعلى الاولى، لا. وعلى الثانية، نعم. ويجري الخلاف فيما لو زوجها وطلقت بعد الدخول وانقضت عدتها، أو وطئت بشبهة وانقضت عدتها. وإذا قلنا: فيما إذا اشترى مزوجة وطلقت، لا يجب الاستبراء، فلمن يريد تعجيل الاستمتاع أن يتخذ ذلك حيلة في اندفاع الاستبراء، فيسأل البائع أن يزوجها ثم يشتريها، ثم يسأل الزوج أن يطلقها، فتحل في الحال، لكن لا يجوز تزويج الموطوءة إلا بعد الاستبراء، فإنما يحصل الغرض إذا لم تكن موطوءة، أو كان البائع قد استبرأها. وإذا كانت الجارية كذلك، فلو أعتقها المشتري في الحال، وأراد أن يزوجها البائع أو غيره، أو يتزوجها بنفسه، جاز على الاصح، ذكره البغوي وغيره. فعلى هذا، من يريد تعجيل الاستمتاع يمكنه أن يعتقها في الحال ويتزوجها، ولا يحتاج إلى سؤال البائع أن يزوجها أولا إذا كان يسمح بفوات ماليتها. فرع إذا تم ملكه على جميع جارية كانت مشتركة بينه وبين غيره، لزمه الاستبراء، ولو أسلم في جارية وقبضها، فوجدها بغير الصفة المشروطة فردها، لزم المسلم إليه الاستبراء. فرع إذا كانت الجارية المشتراة محرما للمشتري، أو اشترتها إمرأة أو رجلان، فلا معنى للاستبراء إلا فيما يرجع إلى التزويج. فرع ظهر بالمشتراة حمل فقال البائع: هو مني، نظر، إن صدقه المشتري، فالبيع باطل باتفاقهما، والجارية مستولدة للبائع. وإن كذبه، نظر، إن لم يقر البائع بوطئها عند البيع ولا قبله، لم يقبل قوله، كما لو قال بعد البيع: كنت أعتقته، لكن يحلف المشتري، أنه لا يعلم كون الحمل منه. وفي ثبوت نسبه من

(6/406)


البائع خلاف، لانه يقطع إرث المشتري بالولاء، وإن كان أقر بوطئها، نظر، إن كان استبرأها ثم باعها، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت استبراء المشتري، فالولد لاحق بالبائع، والجارية مستولدة له، والبيع باطل، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر، لم يقبل قوله، ولم يلحقه الولد، لانه لو كان ملكه، لم يلحقه، ثم ينظر، إن لم يطأها المشتري، أو وطئها وولدت لدون ستة أشهر من وقت وطئه، فالولد مملوكه. وإن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه، فالولد لاحق بالمشتري، والجارية مستولدة له. وإن لم يستبرئها البائع قبل البيع، نظر، إن ولدت لاقل من ستة أشهر من وقت استبراء المشتري، أو لاكثر ولم يطأها المشتري، فالولد للبائع، والبيع باطل. وإن وطئها المشتري وأمكن أن يكون من هذا، وأن يكون من ذاك، عرض على القائف. فرع لا يجب في شراء الامة التي كان البائع يطؤها إلا استبراء واحد، لحصول البراءة، فلو اشتراها من شريكين وطئاها في طهر واحد، فهل يكفي استبراء لحصول البراءة، أم يجب استبرءان كالعدتين من شخصين ؟ وجهان. ويجريان فيما لو وطئاها وأرادا تزويجها، فهل يكفي استبراء، أم يجب استبراءان. ولو وطئ أجنبيان أمة كل يظنها أمته، قال المتولي: وطئ كل واحد يقتضي استبراء بقرء. وفي تداخلهما وجهان. أصحهما: المنع. فصل من ملك أمة، لم يجز له وطؤها حتى ينقضي الاستبراء. وأما الاستمتاع بالقبلة واللمس والنظر بشهوة ونحوها، فحرام إن ملكها بغير السبي، وإن ملكها بالسبي، فحلال على الاصح. وإذا طهرت من الحيض وتم الاستبراء، بقي تحريم الوطئ حتى تغتسل، ويحل الاستمتاع قبل الغسل على الصحيح.

(6/407)


فصل وجب الاستبراء لا يمنع المالك من إثبات اليد على الجارية، بل هو مؤتمن فيه شرعا، لان سبايا أوطاس لم ينزعن من أيدي أصحابهن، وسواء كانت حسناء أم قبيحة. فصل لو مضى زمن الاستبراء بعد الملك وقبل القبض، هل يعتد به ؟ نظر، إن ملك بالارث، اعتد به، وإن ملك بالهبة، فلا. وإن ملك بالشراء، اعتد به على الاصح، وفي الوصية، لا يعتد بما قبل القبول، ويعتد بما بعده على المذهب. ولو وقع الحمل أو الحيض في زمن خيار الشرط في الشراء، فإن قلنا: الملك للبائع، لم يحصل الاستبراء. وإن قلنا: للمشتري، لم يحصل أيضا على الاصح، لضعف الملك. وقيل: يحصل، وقيل: يحصل في صورة الحمل دون الحيض، لقوة الحمل. فرع لو اشترى مجوسية أو مرتدة، فمضت عليها حيضة، أو ولدت ثم أسلمت، فهل تعتد بالاستبراء في الكفر لوجود الملك، أم يجب بعد الاسلام ليستعقب حل الاستمتاع ؟ وجهان، أصحهما الثاني. فرع إذا اشترى العبد المأذون له جارية، فللسيد وطؤها إن لم يكن على العبد دين، فإن كان، لم يجز، لئلا يحبلها. فإن انفكت عن الديون بقضاء أو إبراء، وقد جرى قبل الانفكاك ما يحصل به الاستبراء، فهل يعتد به، أم يشترط وقوع الاستبراء بعد الانفكاك ؟ وجهان كالمجوسية، أصحهما الثاني، وبه قطع العراقيون.

(6/408)


ولو رهنها قبل الاستبراء، ثم انفك الرهن، قال في الشامل: يجب استبراؤها، ولا يعتد بما جرى، وهي مرهونة، وغلطه الروياني. فرع لو وطئها قبل الاستبراء، أو استمتع بها، وقلنا بتحريمه، أثم، ولا ينقطع الاستبراء، لان الملك لا يمنع الاحتساب، فكذا المعاشرة بخلاف العدة. فلو أحبلها بالوطئ في الحيض، فإن انقطع الدم، حلت له لتمام الحيضة، وإن كانت طاهرا عند الاحبال، لم ينقض الاستبراء حتى تضع الحمل، هذا لفظه في الوسيط وبالله التوفيق. السبب الثاني: زوال الفراش عن موطوءة بملك يمين، فإذا أعتق أمته التي وطئها، أو مستولدته، أو مات عنها، وليست في زوجية ولا عدة نكاح، لزمها الاستبراء، لانه زال عنها الفراش، فأشبهت الحرة، ويكون استبراؤها بقرء، كالممتلكة. ولو مضت مدة الاستبراء على أم الولد، ثم أعتقها سيدها، أو مات عنها، فهل يكفي ذلك، أم يلزمها الاستبراء بعد العتق ؟ وجهان، وقيل: قولان. أصحهما: الثاني، كما لا تعتد المنكوحة بما تقدم من الاقراء على ارتفاع النكاح، والخلاف مبني على أن أم الولد، هل تخرج عن كونها فراشا بالاستبراء أو الولادة، وهل تعود فراشا للسيد إذا مات زوجها أو طلقها وانقضت عدتها، أم لا تعود ولا تحل له إلا بالاستبراء ؟ ولو استبرأ الامة الموطوءة، ثم أعتقها، قال الاصحاب: لا استبراء عليها، ولها أن تتزوج في الحال، ولم يطردوا فيها الخلاف الذي في المستولدة، لان المستولدة يشبه فراشها فراش النكاح، ولو لم تكن الامة موطوءة، لم تكن فراشا، ولم يجب الاستبراء بإعتاقها.

(6/409)


فرع لا يجوز تزويج الامة الموطوءة قبل الاستبراء، بخلاف بيعها، لان مقصود النكاح الوطئ، فينبغي أن يستعقب الحل. وفي جواز تزويج أم الولد خلاف مذكور في باب أمهات الاولاد الاصح الصحة. فعلى هذا، لا تزوج حتى تستبرأ. ولو استبرأها، ثم أعتقها، فهل يجوز تزويجها في الحال، أم تحتاج إلى استبراء جديد ؟ وجهان. قلت: أصحهما. والله أعلم. ولو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الاستبراء، فإن كان البائع وطئها، لم يجز إلا أن يزوجها به. وإن لم يكن وطئها البائع، أو وطئها واستبرأها قبل البيع، أو كان الانتقال من إمرأة أو صبي، جاز تزويجها في الحال على الاصح، كما كان للبائع تزويجها بعد الاستبراء. فرع إذا أعتق مستولدته، أو مات عنها وهي في نكاح أو عدة زوج، فلا استبراء عليها، لانها ليست فراشا للسيد. وخرج ابن سريج قولا أنه يلزمها الاستبراء بعد فراغ عدة الزوج. وحكى السرخسي هذا قولا قديما، وحكي أيضا عن الاصطخري، والمذهب الاول، وهو المنصوص، وبه قطع الجمهور. وقال الشيخ أبو علي: فعلى المذهب متى انقضت عدة الزوج، وكان السيد حيا، عادت فراشا له، وعلى التخريج لا تعود فراشا حتى يستبرئها. ولو أعتقها، أو مات عقب انقضاء عدة الزوج، فقيل: لا استبراء عليها، والصحيح المنصوص وجوبه. لكن هل يشترط لوجوبه أن يقع إعتاق السيد أو موته بعد انقضاء العدة بلحظة لتعود فيها فراشا للسيد، أم لا لكون مصيرها فراشا أمرا حكميا لا يحتاج إلى زمن حسي ؟ وجهان. أرجحهما الثاني. ولو انقضت عدتها ولم يمت السيد ولم يعتقها، فالمذهب والمنصوص في

(6/410)


الجديد: أنها تعود فراشا للسيد، وتحل له بلا استبراء. وحكي قول قديم: أنها لا تحل له بلا استبراء، فعلى المذهب، لو مات السيد بعد ذلك، لزمها الاستبراء، وعلى القديم: لا استبراء. والخلاف في حل أم الولد إذا زال حق الزوج، كالخلاف فيما إذا زال حق الزوج عن الامة المزوجة، هل يحتاج السيد إلى استبرائها ؟ لكن الراجح في الامة الاحتياج. ونقله البندنيجي عن النص، لان فراش أم الولد أشبه بالنكاح، ولهذا ولد أم الولد يلحقه إذا ولدته بعد ستة أشهر من حين استبرائها، وولد الامة لا يلحقه، كذا قاله الروياني. ولو أعتق مستولدته، أو مات عنها وهي في عدة وطئ شبهة، فهل يلزمها الاستبراء تفريعا على المنصوص فيما إذا كانت في عدة زوج ؟ وجهان. أصحهما الوجوب. فرع أعتق مستولدته، وأراد أن يتزوجها قبل تمام الاستبراء، جاز على الاصح، كما يتزوج المعتدة منه بنكاح أو وطئ شبهة. فرع المستولدة المزوجة، إذا مات عنها سيدها وزوجها جميعا، فلها أحوال. أحدها: أن يموت السيد أولا، فقد مات وهي مزوجة، وقد ذكرنا أنه لا استبراء عليها على المذهب، فإذا مات الزوج بعده، اعتدت عدة حرة، وكذا لو طلقها. الحال الثاني: أن يموت الزوج أولا، فتعتد عدة أمة شهرين وخمسة أيام، فإن مات السيد وهي في عدة الزوج، فقد عتقت في أثناء العدة، وقد سبق في أول كتاب العدد الخلاف، في أنها هل تكمل عدة حرة أم عدة أمة ؟ والمذهب أنه لا استبراء عليها كما ذكرناه قريبا. وإن أوجبناه، فإن كانت ذوات الاشهر، استبرأت بشهر بعد العدة، وإن كانت من ذوات الاقراء، استبرأت بحيضة بعد العدة إن لم تحض في العدة، فإن حاضت في العدة بعد ما عتقت، كفاها ذلك. وإن مات السيد بعد خروجها من العدة، لزمه الاستبراء على الاصح تفريعا على عودها فراشا.

(6/411)


الحال الثالث: أن يموت السيد والزوج معا، فلا استبراء، لانها لم تعد إلى فراشه. ويجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا عتقت وهي معتدة، وهل تعتد عدة أمة، أم عدة حرة ؟ وجهان. أصحهما عند الغزالي: عدة أمة، وقطع البغوي بعدة حرة احتياطا. الحال الرابع: أن يتقدم أحدهما ويشكل السابق، فله صور. إحداها: أن يعلم أنه لم يتخلل بين موتهما شهران وخمسة أيام، فعليها أربعة أشهر وعشر من موت آخرهما موتا، لاحتمال أن السيد مات أولا، ثم مات الزوج وهي حرة، ولا استبراء عليها على الصحيح، لانها عند موت السيد زوجة أو معتدة. وإن أوجبنا الاستبراء، فحكمه كما نذكره إن شاء الله تعالى في الصورة الثانية. ولو تخلل شهران وخمسة أيام بلا مزيد، فهل هو كما لو كان المتخلل أقل من هذه المدة، أم كما لو كان أكثر منها ؟ فيه الوجهان السابقان. الصورة الثانية: أن يعلم أنه تخلل بين الموتين أكثر من شهرين وخمسة أيام، فعليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام من موت آخرهما موتا، ثم إن لم تحض في هذه المدة، فعليها أن تتربص بعدها بحيضة لاحتمال أن الزوج مات أولا، وانقضت عدتها، وعادت فراشا للسيد، وإن حاضت في هذه المدة، فلا شئ عليها، وسواء كان الحيض في أول المدة أو آخرها. وقيل: يشترط كونه بعد شهرين وخمسة أيام من هذه المدة لئلا يقع الاستبراء وعدة الوفاة في وقت واحد. قال الاصحاب: هذا غلط، لان الاستبراء إنما يجب على تقدير تأخر موت السيد، وحينئذ تكون عدة الوفاة منقضية بالمدة المتخللة، ولا يتصور الاجتماع سواء كان الحيض في أول هذه المدة أو آخرها. ولو كانت المستولدة ممن لا تحيض، كفاها أربعة أشهر وعشرة أيام.

(6/412)


الصورة الثالثة: أن لا يعلم كم المدة المتخللة، فعليها التربص كما ذكرناه في الصورة الثانية، أخذا بالاحوط، ولا نورثها من الزوج إذا شككنا في أسبقهما موتا، فإن ادعت علم الورثة أنها كانت حرة يوم موت الزوج، فعليهم الحلف على نفي العلم. فصل متى قالت المستبرأة: حضت، صدقت بلا يمين. ولو امتنعت على السيد فقال: قد أخبرتني بانقضاء الاستبراء، صدق السيد على الاصح، لان الاستبراء مفوض إلى أمانة السيد، ولهذا لا يحال بينه وبينها، بخلاف المعتدة من وطئ بشبهة، فإنه يحال بين الزوج وبينها. وهل لها تحليف السيد ؟ وجهان. حقيقتهما: أنه هل للامة المخاصمة ؟ ويقرب منه ما إذا ورث جارية فادعت أن مورثها وطئها، وأنها حرمت عليه بوطئه، فلا يلزمه تصديقها. وطريق الورع لا يخفى. وهل لها تحليفه ؟ فيه هذان الوجهان. قلت: الاصح أن لها التحليف في الصورتين، وعليها الامتناع من التمكين إذا تحققت بقاء شئ من زمن الاستبراء وإن أبحناها له في الظاهر. والله أعلم. فصل وطئ السيد أمته في عدتها عن وفاة زوج، ثم مات السيد، فعليها إكمال عدة الوفاة، ثم تتربص بحيضة لموت السيد. فلو مرت بها حيضة في بقية عدة الوفاة، لم يعتد بها، لانهما واجبان لشخصين، فلا يتداخلان. ولو لم يمت السيد، لكن أراد تزويجها، فكذلك تكمل عدة الوفاة، ثم تتربص بحيضة، ثم يتزوجها، ولو أراد أن يطأها بعد عدة الوفاة، فالصحيح جوازه، ولا حاجة إلى الاستبراء، ولو كانت في عدة طلاق، فوطئها السيد، ثم مات، أكملت عدة الطلاق، ثم تربصت بحيضة لموت السيد، ولا تحسب المدة من وقت وطئ السيد إلى موته إن كان يستفرشها، كما لو نكحت في العدة وكان الزوج الثاني يستفرشها جاهلا، هذا كله إذا وطئها ولم يظهر بها حمل. أما إذا وطئها السيد في عدة الوفاة ومات، فظهر بها حمل وولدت لزمن يمكن أن يكون من الزوج، وأن يكون من السيد، عرض على القائف، فإن ألحقه بالزوج، انقضت عدتها بالوضع، وعليها حيضة بعد طهرها من النفاس، وإن ألحقه بالسيد، حصل الاستبراء بوضعه، وعليها بعد إتمام عدة الوفاة. فإن لم يكن قائف، فعليها إتمام بقية العدة بعد الوضع على

(6/413)


تقدير كون الولد من السيد، وعلى تقدير كونه من الزوج، فعليها التربص بحيضة بعد الوضع، فيلزمها أطول المدتين، فإن وقعت الحيضة في بقية عدة الوفاة، كفاها ذلك. ولو ظهر بها حمل والصورة في عدة الطلاق، فولدت لزمان يحتملها، فإن ألحق بالزوج، فعليها بعد الوضع حيضة، وإن ألحق بالسيد، فعليها بعده بقية العدة، وإن أشكل، فعليها بقية العدة، أو حيضة فتأخذ بأكثرهما. فرع اشترى مزوجة، فوطئها قبل العلم بأنها مزوجة، وظهر بها حمل، ومات الزوج، فإن ولدت لزمن يحتمل كونه منهما، بأن ولدت لستة أشهر فصاعدا من وطئ السيد، ولا ربع سنين فأقل من وطئ الزوج، عرض على القائف. فإن ألحقه بالزوج، انقضت العدة بالوضع، وإن ألحقه بالسيد، لم تنقض بالوضع، وكذا لو لم يكن قائف، أو أشكل عليه، لم تنقض العدة بالوضع، لاحتمال كونه من السيد، وعليها إتمام عدة الوفاة شهرين وخمسة أيام، ولا تحسب مدة افتراش السيد من العدة. وإن احتمل أن يكون الولد من السيد دون الزوج، فكذا الحكم، وإن احتمل كونه من الزوج دون السيد، انقضت العدة بوضعه، وهل على السيد الاستبراء بعد العدة ؟ فيه الخلاف السابق، ولو لم يظهر بها حمل والتصوير كما ذكرنا، فإما أن يموت الزوج عقب الوطئ، وإما بعده بمدة، فإن مات عقبه، اعتدت عدة الوفاة. وهل تحل بعدها للسيد، أم تحتاج إلى استبراء ؟ فيه الخلاف. ولا يجوز تزويجها إلا بعد الاستبراء بلا خلاف. وإن عاش بعد الوطئ مدة، لزمه اعتزالها إذا علم الحال حتى تنقضي مدة الاستبراء، كالمنكوحة توطأ بالشبهة. وإذا مات بعد انقضائها، فليس عليها إلا عدة الوفاة، وتحل للسيد بعدها، وله تزويجها بلا استبراء جديد. ولو استفرشها الزوج بعد وطئ السيد جاهلا ثم مات، فإذا قضت عدته، فهل تحل للسيد بغير استبراء ؟ فيه الخلاف السابق. ولا يجوز تزويجها إلا بعد الاستبراء. فرع رجل له زوجة وأمة مزوجة، حنث في طلاق الزوجة، أو عتق الامة ومات قبل البيان، ثم مات زوج الامة، لزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام من يوم مات الزوج، لاحتمال أن السيد حنث في عتقها، ويلزم إمرأته الاكثر من أربعة أشهر

(6/414)


وعشر، وثلاثة أقراء. فلو كان لزوج الامة أمة أيضا، وحنث أيضا هو في عتقها، أو طلاق زوجته الامة وماتا قبل البيان، فعلى كل واحدة الاكثر من أربعة أشهر وعشر، وثلاثة أقراء. الطرف الثالث : فيما تصير به الأمة فراشا، فيه مسائل. الاولى: لا تصير الامة فراشا بمجرد الملك، فلو كانت تحل له وخلا بها، فولدت ولدا يمكن كونه منه، لم يلحقه، بخلاف الزوجة، لان مقصود النكاح الاستمتاع والولد، وإنما تصير الامة فراشا إذا وطئها، فإذا أتت بعد الوطئ بولد لزمان يمكن أن يكون منه، لحقه ويعرف الوطئ بإقراره أو بالبينة. فلو نفى الولد مع الاعتراف بالوطئ، فإن ادعى الاستبراء بحيضة بعد الوطئ، نظر، إن ولدته لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء، فالاستبراء لغو فيلحقه الولد. فلو أراد نفيه باللعان، فقد سبق في كتاب اللعان، أن الصحيح جواز اللعان في هذه الصورة، وإن ولدته لستة أشهر إلى أربع سنين، فالمذهب والمنصوص أنه لا يلحقه، وقد سبق فيه خلاف وتخريج. فلو أنكرت الاستبراء، فهل يحلف السيد، أم يصدق بغير يمين ؟ وجهان. الصحيح الذي عليه الجمهور، أنه يحلف. فعلى هذا، هل يكفي الحلف على الاستبراء، أم يضم إليه أن الولد ليس منه، أم يكفي الحلف أن الولد ليس منه من غير تعرض للاستبراء كما في نفي ولد الزوجة ؟ فيه أوجه. أصحها الثالث، ويفهم منه، أنه لو علم أن الولد من غيره ولم يستبرئها، جاز له نفيه والحلف عليه، لا على سبيل اللعان. وإذا حلف على الاستبراء، فهل يقول: استبرأتها قبل ستة أشهر من

(6/415)


ولادتها هذا الولد، أم يقول: ولدته بعد ستة أشهر بعد استبرائي ؟ فيه وجهان. ولو نكل، فوجهان. أحدهما: يلحقه بنكوله. والثاني: تحلف الامة، فإن نكلت توقفنا إلى بلوغ الصبي، فإن حلف بعد البلوغ، لحق به. المسألة الثانية: ادعت الوطئ وأمية الولد، وأنكر السيد أصل الوطئ، فالصحيح أنه لا يحلف، وإنما حلف في الصورة السابقة، لانه سبق منه الاقرار بما يقتضي ثبوت النسب، وقيل: يحلف، لانه لو اعترف به ثبت النسب. وإذا لم يكن ولد، لم يحلف بلا خلاف. الثالثة: أقر بالوطئ فأتت بولد لاكثر من أربع سنين من وقت الوطئ، لم يلحقه على الصحيح، وقيل: يلحقه كولد الزوجة، وهذا تفريع على أنه يلحقه بعد الاستبراء، ويقرب منه الخلاف فيما لو أتت بولد يلحق السيد، ثم ولدت آخر لستة أشهر فصاعدا، هل يلحقه الثاني، لانها صارت فراشه فيلحقه أولادها كالزوجة، أم لا يلحقه ؟ إلا أن يقر بوطئ جديد، لان هذا الفراش يبطل بالاستبراء، فبالولادة أولى. أما لو أتت بالولد الثاني لدون ستة أشهر، فهما حمل واحد، فإذا لحقه الاول، لحقه الثاني بلا خلاف. وأصل الخلاف أن أم الولد، هل تعود فراشا للسيد إذا انقطعت علقة الزوج عنها نكاحا وعدة ؟ وفيه قولان. أحدهما: تعود حتى لو مات السيد، أو أعتقها بعد ذلك لزمها الاستبراء. ولو أتت بولد لستة أشهر فصاعدا من انقطاع علقة الزوج، لحق السيد. والثاني: لا تعود فراشا ما لم يطأها، فلو ولدت لدون أربع سنين من الطلاق، لحق بالزوج. لكن الاظهر، أن أم الولد تعود فراشا، والاصح أنه لا يلحقه الولد الثاني إلا أن يقر بوطئ جديد، لان الولادة أقوى من الاستبراء. الرابعة: قال: كنت أطأ وأعزل، لحقه الولد على الاصح، لان الماء قد يسبق، ولان أحكام الوطئ لا يشترط فيها الانزال. وقيل: ينتفي عنه كدعوى الاستبراء، ولو قال: كنت أطأ في الدبر، لم يلحقه الولد على الصحيح، ولو

(6/416)


قال: كنت أصيبها فيما دون الفرج، لم يلحقه على الاصح. فصل لو اشترى زوجته، فولدت بعد الشراء، فقد سبق في كتاب اللعان بيان أنه متى يلحقه هذا الولد بالنكاح، ومتى يلحقه بملك اليمين، ومتى لا يلحقه ؟ ولا يحكم بكونها أم ولد إذا احتمل كونه من النكاح فلم يقر بالوطئ بعد الشراء. وقيل: يلحق إذا أمكن كونه من وطئ ملك اليمين وهو ضعيف، ولو أقر بالوطئ بعد الشراء، ولحق الولد بملك اليمين، ولكن احتمل كونه من النكاح، ثبتت أمومة الولد على الاصح، وأجري الوجهان فيما لو زوج أمته وطلقت قبل الدخول، وأقر السيد بوطئها فولدت لزمن يحتمل كونه منهما، وبالله التوفيق.

(6/417)