روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الرضاع
الرضاع يؤثر في تحريم النكاح، وثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر والخلوة

(6/418)


دون سائر أحكام النسب، كالميراث، والنفقة، والعتق بالملك، وسقوط القصاص، ورد الشهادة وغيرها، وهذا كله متفق عليه. ثم في كتاب الرضاع أربعة أبواب:
الأول : في أركانه وشروطه، أما الاركان فثلاثة :
الأول : المرضع، وله ثلاثة شروط، الاول: كونه إمرأة، فلبن البهيمة لا يتعلق به تحريم، فلو شربه صغيران لم يثبت بينهما أخوة، ولا يحرم لبن الرجل أيضا على الصحيح، وقال الكرابيسي: يحرم، ولبن الخنثى لا يقتضي أنوثته على المذهب، فلو ارتضعه صغير، توقف في التحريم، فإن بان أنثى، حرم، وإلا، فلا. الشرط الثاني: كونها حية، فلو ارتضع ميتة، أو حلب لبنها، وهي ميتة، لم يتعلق به تحريم، كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطئ الميتة. ولو حلب لبن حية، وأوجر الصبي بعد موتها، حرم على الصحيح المنصوص. الشرط الثالث: كونها محتملة للولادة، فلو ظهر لصغيرة دون تسع سنين لبن،

(6/419)


لم يحرم، وإن كانت بنت تسع وإن لم يحكم ببلوغها، لان احتمال البلوغ قائم، والرضاع كالنسب فكفى فيه الاحتمال. فرع سواء كانت المرضعة مزوجة، أم بكرا، أم بخلافهما، وقيل: لا يحرم لبن البكر، والصحيح الاول، ونص عليه في البويطي. فرع نص في البويطي أنه إذا نزل لرجل لبن، فارتضعته صبية، كره له نكاحها.
الركن الثاني : اللبن، ولا يشترط لثبوت التحريم بقاء اللبن على هيئته حالة انفصاله عن الثدي، فلو تغير بحموضة، أو انعقاد، أو إغلاء أو صار جبنا، أو أقطا، أو زبدا، أو مخيضا، وأطعم الصبي، حرم لوصول اللبن إلى الجوف، وحصول التغذية. ولو ثرد فيه طعام ثبت التحريم. ولو عجن به دقيق، وخبز، تعلقت به الحرمة على الصحيح. ولو خلط بمائع إما دواء، وإما غيره، حلال كالماء ولبن الشاة، أو حرام كالخمر، نظر إن كان اللبن غالبا تعلقت الحرمة بالمخلوط، فلو شرب الصبي منه خمس مرات ثبت التحريم، وإن كان اللبن مغلوبا فقولان، أحدهما: لا يتعلق به تحريم كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير لا أثر لها، وكالخمر المستهلكة في غيرها لا يتعلق بها حد، وكالمحرم يأكل طعاما استهلك فيه طيب، لا فدية عليه. وأظهرهما: يتعلق به التحريم لوصول عين اللبن في الجوف، وذلك هو المعتبر، ولهذا يؤثر كثير اللبن وقليله، وليس كالنجاسة، فإنها تجنيب للاستقذار، وهو مندفع بالكثرة، ولا كالخمر، فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل، ولا كالمحرم، فإنه ممنوع من التطيب، وليس هذا بتطيب، فعلى هذا إن شرب جميع المخلوط، تعلق به التحريم، وإن شرب بعضه فوجهان، أحدهما: يثبت التحريم أيضا إن شربه خمس دفعات، أو شرب منه دفعة بعد أن شرب اللبن

(6/420)


الصرف أربعا، وهذا اختيار الصيمري، والقاضي أبي الطيب، وأصحهما، وبه قال ابن سريج وأبو إسحق والماوردي -: لا يتعلق به تحريم، لانا لم نتحقق وصول اللبن، وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه، فإن تحققنا انتشاره في الخليط، وحصول بعضه في المشروب، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن، ثبت التحريم قطعا، ذكره الامام وغيره. وهل يشترط أن يكون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط ؟ وجهان حكاهما السرخسي وقال: أصحهما الاشتراط، هذا هو المذهب في بيان حكم اختلاط اللبن بالمائعات، وسواء فيه اختلاط اللبن بالماء وبغيره، وحكى الامام طريقا آخر أنه إن كان الخليط غير الماء، فعلى ما ذكرناه، وإن كان ماء واللبن مغلوب، فإن امتزج بما دون القلتين، وشرب الصبي كله، ففي ثبوت التحريم قولان، وإن شرب بعضه، فقولان مرتبان وأولى بأن لا يثبت. وإن امتزج بقلتين، فصاعدا، فإن لم يثبت التحريم بدون القلتين فهنا أولى، وإن أثبتنا، وتناول بعضه، لم يؤثر، وإن شربه كله، فقولان مرتبان، وأولى بأن لا يؤثر. وهذه الطريقة ضعيفة، وفي المراد بمصير اللبن مغلوبا وجهان، أحدهما: خروجه عن كونه مغذيا، والصحيح الذي قطع به الاكثرون أن الاعتبار بصفات اللبن الطعم واللون والرائحة، فإن ظهر منها شئ في المخلوط، فاللبن غالب، وإلا فمغلوب. ونقل أبو الحسن العبادي في الرقم تفريعا على هذا عن الحليمي ما يفهم منه أنه لو زايلته الاوصاف الثلاثة، اعتبر قدر اللبن بما له لون قوي يستولي على الخليط، فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم، وإلا فلا، قال الحليمي: وهذا شئ استنبطته أنا وكان في قلبي منه شئ، فعرضته على القفال الشاشي وابنه القاسم، فارتضياه، فسكنت، ثم وجدته لابن سريج، فسكن قلبي إليه كل السكون، وقد سبق نظير هذا في اختلاط المائع بالماء. فرع لو وقعت قطرة في فمه، واختلطت بريقه، ثم وصل جوفه، فطريقان، أحدهما: يعتبر كونه غالبا أو مغلوبا على ما ذكرناه. والثاني: القطع بالتحريم.

(6/421)


إذا اختلط لبن إمرأة بلبن أخرى، وغلب أحدهما، فإن علقنا التحريم بالمغلوب، ثبتت الحرمة منهما، وإلا فيختص بغالبة اللبن.
الركن الثالث : المحل وهو معدة الصبي الحي، أو ما في معنى المعدة، فهذه ثلاثة قيود: الاول: المعدة، فالوصول إليها يثبت التحريم، سواء ارتضع الصبي، أو حلب اللبن، وأوجر في حلقه حتى وصلها، ولو حقن باللبن، أو قطر في إحليله، فوصل مثانته، أو كان على بطنه جراحة، فصب اللبن فيها حتى وصل الجوف لم يثبت التحريم على الاظهر. ولو صب في أنفه فوصل دماغه ثبت التحريم على المذهب، وقيل: فيه القولان، قال البغوي: ولو صب في جراحة في بطنه فوصل المعدة لخرق الامعاء، أو وصل الدماغ بالصب في مأمومة ثبت التحريم بلا خلاف. ولو صب في أذنه، ففي البحر أنه يثبت التحريم، وفي التهذيب لا يثبت، إذ لا منفذ منها إلى الدماغ، ويشبه أن يكون كالحقنة. وأما الصب في العين، فلا يؤثر بحال، ولو ارتضع، وتقيأ في الحال، حصل التحريم على الصحيح. وقيل: لا يحصل. وقيل: إن تقيأ وقد تغير اللبن، ثبت التحريم وإلا فلا. القيد الثاني: الصبي والمراد به من لم يبلغ حولين، فمن بلغ سنتين، فلا أثر لارتضاعه ويعتبر الحولان بالاهلة، فإن انكسر الشهر الاول، اعتبر ثلاثة وعشرون شهرا بعده بالاهلة ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين، ويحسب ابتداء الحولين من وقت انفصال الولد بتمامه، وقال الروياني: لو خرج نصف

(6/422)


الولد، ثم بعد مدة، خرج باقيه، فابتداء الحولين في الرضاع عند ابتداء خروجه. وحكى ابن كج فيه وجهين، وحكى وجهين فيما لو ارتضع قبل انفصال جميعه هل يتعلق به تحريم ؟ القيد الثالث: الحي فلا أثر للوصول إلى معدة الميت. فصل في شرط الرضاع لا تثبت حرمته إلا بخمس رضعات هذا هو الصحيح المنصوص. وقيل: تثبت برضعة واحدة، وقيل: بثلاث رضعات، وبه قال ابن المنذر، واختاره جماعة. فعلى المنصوص لو حكم حاكم بالتحريم برضعة، لم ينقض حكمه على الصحيح، وقال الاصطخري: ينقض. والرجوع في الرضعة والرضعات إلى العرف، وما تنزل عليه الايمان في ذلك، ومتى تخلل فصل طويل تعدد. ولو ارتضع، ثم قطع إعراضا، واشتغل بشئ آخر، ثم عاد وارتضع، فهما رضعتان، ولو قطعت المرضعة، ثم عادت إلى الارضاع، فهما رضعتان على الاصح، كما لو قطع الصبي، ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الثدي، ثم يعود إلى التقامه في الحال، ولا بأن يتحول من ثدي إلى ثدي، أو تحوله لنفاذ ما في الاول، ولا بأن يلهو عن الامتصاص والثدي في فمه، ولا بأن يقطع التنفس، ولا بأن يتخلل النومة الخفيفة، ولا بأن تقوم وتشتغل بشغل خفيف، ثم تعود إلى الارضاع، فكل ذلك رضعة واحدة. قلت: قال ابراهيم المروذي: إن نام الصبي في حجرها وهو يرتضع نومة خفيفة، ثم انتبه ورضع ثانيا، فالجميع رضعة، وإن نام طويلا، ثم انتبه وامتص،

(6/423)


فإن كان الثدي في فمه فهي رضعة، وإلا فرضعتان. والله أعلم. قال الاصحاب: يعتبر ما نحن فيه بمرات الاكل، فإذا حلف لا يأكل في اليوم إلا مرة واحدة فأكل لقمة، ثم أعرض واشتغل بشغل طويل، ثم عاد وأكل، حنث، ولو أطال الاكل على المائدة وكان ينتقل من لون إلى لون ويتحدث في خلال الاكل، ويقوم، ويأتي بالخبز عند نفاذه، لم يحنث، لان ذلك كله يعد في العرف أكلة واحدة، ولو ارتضع من ثدي إمرأة ثم انتقل في الحال إلى ثدي آخر، ففيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل الذي يليه. فرع لا يشترط وصول اللبن في المرات على صفة واحدة، بل لو ارتضع في بعضها، وأوجر في بعضها، وأسعط في بعضها حتى تم العدد، ثبت التحريم، وكذا الصب في الجراحة والحقنة إذا جعلناهما مؤثرين. فرع لو حلب لبن إمرأة دفعة، وأوجره الصبي في خمس دفعات، فهل يحسب رضعة أم خمسا ؟ قولان، أظهرهما: رضعة، وقيل: رضعة قطعا. ولو حلب خمس دفعات، وأوجره دفعة، فالمذهب أنه رضعة، وقيل: على الطريقين. ولو حلب خمس دفعات، وأوجر في خمس دفعات من غير خلط، فهو خمس رضعات قطعا. وإن حلب خمس دفعات، وخلط، ثم فرق، وأوجر في خمس دفعات، فالمذهب أنه خمس رضعات، وبه قطع الجمهور، وقيل على قولين، لانه بالخلط صار كالمحلوب دفعة. ولو حلب خمس نسوة في إناء، وأوجره الصبي دفعة واحدة حسب من كل واحدة رضعة، وإن أوجره في خمس دفعات، حسب من كل واحدة رضعة، وإن أوجره في خمس دفعات، حسب من كل واحدة رضعة على الاصح، وقيل: خمس رضعات. فرع لو شك هل أرضعته خمس رضعات، أم أقل، أو هل وصل اللبن جوفه أم لا ؟ فلا تحريم ولا يخفى الورع. ولو شك هل أرضعته الخمس في الحولين، أم بعضها، أو كلها بعد الحولين، فلا تحريم على الاظهر أو الاصح، والتحريم محكي عن الصيمري، لان الاصل بقاء المدة.

(6/424)


فصل إذا كان لبن المرأة لرجل، فسيأتي إن شاء الله تعالى أن المرتضع يصير إبنا للرجل كما يصير إبنا للمرأة، واختار ابن بنت الشافعي أنه لا يصير، والصواب الاول. فإذا كان للرجل خمس مستولدات، أو أربع زوجات ومستولدة، فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة لم يصرن أمهاته، وهل يصير الرجل أباه ؟ وجهان، قال الانماطي وابن سريج وابن الحداد: لا، وأصحهما - وبه قال أبو إسحق وابن القاص -: نعم، لانه لبنه، وهن كالظروف له، فعلى هذا تحرم المرضعات على الطفل لا بالرضاع، بل لانهن موطوءات أبيه، ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الاول، وينفسخ على الثاني، وهو الاصح، ولا غرم عليهن، لانه لا يثبت له دين على مملوكه، ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين، وأما غرامة مهرها، فإن أرضعن مرتبا، فالانفساخ يتعلق بإرضاع الاخيرة فإن كانت مستولدة، فلا شئ عليها، وإن كانت زوجة، فعليها الغرم، وإن أرضعته معا بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط، وأوجرته معا، فلا شئ على المستولدتين وعلى النسوة ثلاثة أخماس الغرم، ولا ينفسخ نكاح النسوة لانهن لم يصرن أمهات الصغيرة. ولو كان له أربع، فأرضعت إحداهن طفلا رضعتين، وأرضعته الباقيات رضعة رضعة، أو كان له ثلاث مستولدات، فأرضعت إحداهن الطفل بلبنه ثلاث رضعات، والباقيتان رضعة رضعة، جرى الخلاف في مصيره أبا ولا يصرن أمهات، وعلى هذا قياس سائر نظائرها. ولو كان لرجل أو إمرأة خمس بنات أو أخوات، فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة، لم يصرن أمهاته، ولا أزواجهن آباءه، وكذا لا تثبت الحرمة بين الرضيع والرجل على المذهب، وقيل: بطرد الوجهين، فإن أثبتنا الحرمة، قال البغوي: تحرم المرضعات على الرضيع لا لكونهن أمهات، بل لكون البنات أخواته وكون الاخوات عماته، ولك أن تقول إنما يصح كون البنات أخواته والاخوات عماته لو كان الرجل أبا، والحرمة هنا إذا ثبتت إنما هي لكونه جدا لام أو خالا، وفيه وضع بعضهم الخلاف، فقال: في مصيره جدا لام أو خالا وجهان، فينبغي أن يقال: يحرمن لكونهن كالخالات، وذلك لان بنت الجد للام إذا لم تكن أما، كانت خالة، وكذلك أخت الخال. ولو كان لرجل أم وبنت وأخت وبنت أخ لاب، وبنت أخت لاب، فارتضع طفل من كل واحدة

(6/425)


رضعة، فإن قلنا: لا يثبت التحريم في الصورة الثانية، فهنا أولى، وإلا فالاصح أيضا أن لا تحريم لان هناك يمكن نسبة الرضيع إليه بكونه ابن ابن، ونسبته إلى الرضيع بكونه جدا، وهنا لا يمكن لاختلاف الجهات، ولا يجوز أن يكون بعضه أخا وبعضه ولد بنت، وعن ابن القاص: إثبات الحرمة، فعلى هذا تحرم المرضعات على الرضيع لا بالامومة بل بجهات، فأم الرجل كأنها زوجة أبيه، لان لبنها من أبي الرجل، والرضيع كولده، وبنت الرجل بنت ابن أبيه، فتكون بنت أخيه، وأخت الرجل بنت أبيه، فتكون أخته، وبنت أخي الرجل بنت ابن أبيه، فتكون بنت أخيه، وبنت أخت الرجل بنت أخته أيضا. ولو كان بدل إحدى هؤلاء المرضعات زوجة أو جدة كان الحكم كما ذكرنا. ولو أرضعت كل واحدة من هؤلاء زوجة الرجل رضعة، فانفساخ نكاحه على الوجهين، فإن قلنا: ينفسخ، فإن أرضعن مرتبا، غرمت الاخيرة للزوج، وإن أرضعن معا، اشتركن فيه، فإن اختلف عدد الرضعات بأن كن ثلاثا فأرضعت واحدة رضعتين، وأخرى كذلك، والثالثة رضعة، فهل يغرمن أثلاثا على عدد الرؤوس، أم أخماسا على عدد الرضعات ؟ وجهان، وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا أرضعت النسوة الخمس في أوقات متفاصلة، فإن أرضعن متواليا، وحكمنا بالحرمة في المتفاصل فهنا وجهان، قال ابن القاص: لا يثبت، لانهن كالمرأة الواحدة بالنسبة إلى الرجل وإرضاع المرأة إنما يحرم إذا تفرقت أوقاته، وأصحهما: التحريم لتعدد المرضعات، فعلى الاول لو أرضعن متواليا، ثم أرضعته إحداهن أربع رضعات، صارت أما له على الاصح، لانه ارتضع منها خمسا متفاصلة، وقيل: لا، لان تلك الرضعة لم تكن تامة، ويجري هذا الخلاف في انتقال الرضيع من ثدي إمرأة إلى ثدي أخرى، فعلى وجه لا يحسب لواحدة منهما رضعة، وعلى الاصح: يحسب لكل واحدة رضعة، لان الاشتغال بالارتضاع من الاخرى قطع الارتضاع من الاولى، فصار كالاشتغال بشئ آخر، ويقرب منه خلاف فيما لو ارتضع في الحولين أربع رضعات، وتم الحولان في خلال الرضعة الخامسة، ففي وجه لا يثبت التحريم، لانها لم تتم في الحولين، والاصح: ثبوته لان ما يصل إلى الجوف في كل رضعة

(6/426)


غير مقدر، وذكر ابن كج أنه لو كان يرتضع الرضعة الخامسة، فمات: أو ماتت المرضعة قبل أن يتمها، وجهين في ثبوت التحريم كالوجهين فيما لو قطعت المرضعة. فرع لزيد ابن وابن ابن وأب وجد وأخ ارتضعت صغيرة من زوجة كل واحد منهم رضعة، فلا تحرم على زيد على الاصح، وحرمها ابن القاص على زيد، فعلى هذا تحرم على أبيه دون الابن وابن الابن، لانها بارتضاع لبن أخي زيد تكون بنت عم لابن، وبنت العم لا تحرم، ومتى كان في الخمسة من لا يقتضي لبنه تحريما، فلا تحريم. خمسة إخوة ارتضعت صغيرة من لبن زوجة كل واحد رضعة، ففي تحريم الصغيرة على الاخوة الوجهان، الاصح: المنع. إمرأة لها بنت ابن، وبنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن، أرضعت العليا طفلا ثلاث رضعات، والاخريان رضعة رضعة، ففي مصير المرأة جدة للرضيع الوجهان، فإن قلنا: نعم، ففي تحريم المرضعات على الطفل وجهان، أحدهما: لا لعدم العدد، والثاني: أن الرضعات من الجهات تجمع، إن كانت كل واحدة منها بحيث لو تم العدد منها ثبت التحريم، فعلى هذا ينظر إن كانت الوسطى بنت أخي العليا، والسفلى بنت أخي الوسطى، حرمت العليا عليه، لان إرضاعها لو تم لكان الطفل إبنها، وإرضاع الوسطى لو تم، لكان الرضيع ابن بنت أخي العليا، وإرضاع السفلى لو تم لكان للعليا ابن بنت ابن أخ. وهذه الجهات محرمة فتجمع ما فيها من عدد الرضعات. وإن كانت الوسطى بنت ابن عم العليا، والسفلى بنت ابن ابن عمها، لم تحرم العليا، لان إرضاع الوسطى لو تم، لكان الرضيع للعليا ابن بنت ابن عم، وإرضاع السفلى لو تم، لكان لها ابن بنت ابن ابن العم، وذلك لا يقتضي التحريم، وأما الوسطى والسفلى، فلا تحرمان عليه بحال، لان إرضاع العليا لو تم، لكان للوسطى ابن العمة، وللسفلى ابن عمة الاب. ولو أرضعته إحداهن خمس رضعات، حرمت هي عليه، وحرمت التي فوقها إذا كانت المرضعة بنت أخي التي فوقها، لانها تكون عمة أمه. فرع له زوجتان حلبت كل واحدة من لبنها دفعة، ثم خلطا، وشربه طفل دفعة، ثبت لكل واحدة رضعة، ولو شربه مرتين، فهل يحسب لكل واحدة رضعتان

(6/427)


اعتبارا بوصول اللبن، أم رضعة اعتبارا بالحلب ؟ وجهان، وهو كما سبق فيما لو حلب لبن نسوة، وخلط، وشربه الطفل دفعة أو دفعات. وأما بين الرضيع والزوج، فإن لم نجمع في حق الزوج رضعات زوجاته، ثبت له رضعة واحدة، وإن جمعنا ونظرنا إلى الحلب، ثبت له رضعتان، وإن نظرنا إلى وصول اللبن ثبت أربع رضعات. فرع كان له أربع نسوة وأمة موطوءات، أرضعت كل واحدة طفلة بلبن غيره رضعة، قال ابن القاص تفريعا على ثبوت الابوة: لو أرضعته بلبنه تحرم الطفلة عليه، لانها ربيبته، وإن كان فيهن من لم يدخل بها، لم تحرم عليه، لما سبق أنه متى كان فيهن من لو انفردت بالرضعات الخمس، لم تثبت الحرمة، لا يثبت التحريم. الباب الثاني : فيمن يحرم بالرضاع تحريم الرضاع يتعلق بالمرضعة، والفحل الذي له اللبن، والطفل الرضيع، فهم الاصول في الباب، ثم تنتشر الحرمة منهم إلى غيرهم. أما المرضعة فتنتشر الحرمة منها إلى آبائها من النسب والرضاع، فهم أجداد الرضيع، فإن كان الرضيع أنثى، حرم عليهم نكاحها. وإلى أمهاتها من النسب والرضاع، فهن جدات للرضيع، فيحرم عليه نكاحهن إن كان ذكرا، وإلى أولادها من النسب والرضاع، فهم إخوته وأخواته، وإلى إخوتها وأخواتها من النسب والرضاع، فهم أخواله وخالاته، ويكون أولاد أولادها أولاد إخوة وأولاد أخوات للرضيع، ولا تثبت الحرمة بين الرضيع، وأولاد إخوة المرضعة، وأولاد أخواتها، لانهم أولاد أخواله وخالاته. وأما الفحل، فكذلك تنتشر الحرمة منه إلى آبائه وأمهاته، فهم أجداد الرضيع وجداته، وإلى أولاده، فهم إخوة الرضيع وأخواته، وإلى إخوته وأخواته، فهم أعمام الرضيع وعماته. وأما المرتضع فتنتشر الحرمة منه إلى أولاده من الرضاع، أو النسب، فهم أحفاد المرضعة أو الفحل، ولا تنتشر إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته، فيجوز لابيه وأخيه أن ينكحا المرضعة وبناتها وقد سبق في النكاح أن أربع نسوة يحرمن من النسب

(6/428)


ومثلهن قد لا يحرمن من الرضاع، وجعلت تلك الصور مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقد يقال: الحرمة في تلك الصور من جهة المصاهرة، لا من جهة النسب. فرع إنما تثبت الحرمة بين الرضيع والفحل إذا كان منسوبا إلى الفحل بأن ينتسب إليه الولد الذي نزل عليه اللبن، أما اللبن النازل على ولد الزنا، فلا حرمة له، فلا يحرم على الزاني أن ينكح الصغيرة المرتضعة من ذلك اللبن، لكنه يكره وقد حكينا في النكاح وجها أنه لا يجوز له نكاح بنت زناه التي تعلم أنها من مائه، فيشبه أن يجئ ذلك الوجه هنا، ولو نفى الزوج ولدا باللعان، وارتضعت صغيرة بلبنه، لم تثبت الحرمة. ولو أرضعت به ثم لاعن، انتفى الرضيع عنه، كما ينتفي الولد. فلو استلحق الولد بعد ذلك، لحق الرضيع، ولم يذكروا هنا الوجهين المذكورين في نكاحه التي نفاها باللعان، ولا يبعد أن يسوى بينهما. ولو كان الولد من وطئ شبهة، فاللبن النازل عليه ينسب إلى الواطئ، كما ينسب إليه الولد، هذا هو المشهور، وفي قول: لا تثبت الحرمة من جهة الفحل بلبن وطئ الشبهة لانه لا ضرورة إلى إثبات حرمة الرضاع بخلاف النسب. فرع إذا وطئت منكوحة بشبهة، أو وطئ رجلان إمرأة بشبهة، أو نكح رجل إمرأة في العدة جاهلا، وأتت بولد، وأرضعت باللبن النازل عليه طفلا، فهو تبع للولد، فإن لحق الولد أحدهما لانحصار الامكان فيه، فالرضيع ولده من

(6/429)


الرضاع، وإن لم يلحق واحدا منهما لامتناع الامكان، فالرضيع مقطوع عنهما، وإن تحقق الامكان فيهما، عرض الولد على القائف، فبأيهما ألحقه، تبعه الرضيع، فإن لم يكن قائف، أو نفاه عنهما، أو أشكل، توقفنا حتى يبلغ المولود، فينتسب إلى أحدهما، فإن بلغ مجنونا، صبرنا حتى يفيق، فإذا انتسب، تبعه الرضيع، فإن مات قبل الانتساب وكان له ولد قام مقامه في الانتساب، فإن كان له أولاد فانتسب بعضهم إلى هذا، وبعضهم إلى هذا، استمر الاشكال، فإن لم يكن له ولد، وبقي الاشتباه، ففي الرضيع قولان، أحدهما: أنه ابنهما جميعا، ويجوز أن يكون لواحد آباء من الرضاع بخلاف النسب، وأظهرهما: لا يكون ابنهما، لانه تابع للولد فعلى الاول هل يكفي خمس رضعات، أم يحتاج إلى عشر ؟ وجهان خرجهما الداركي، وذكر في البسيط أن معنى هذا القول على ضعفه إثبات أبوتهما ظاهرا دون الباطن، وهذا خلاف ما قاله الاصحاب، وإن كان القول ضعيفا بالاتفاق. وإذا قلنا بالاظهر، فهل للرضيع أن ينتسب بنفسه ؟ قولان نص عليهما في الام أحدهما: لا كما لا يعرض على القائف، وأظهرهما: نعم كما للمولود. والرضاع يؤثر في الاخلاق بخلاف العرض على القائف، فإن معظم اعتماده على الاشباه الظاهرة دون الاخلاق مع أن ابن كج نقل عن ابن القطان والقاضي أبي حامد وجهين في العرض على القائف وهو غريب، فإن قلنا: له الانتساب، فهل يجبر عليه كما يجبر المولود ؟ وجهان، وقيل: قولان، أصحهما: لا، والفرق أن النسب تتعلق به حقوق له وعليه، كالميراث والعتق والشهادة وغيرها، فلا بد من رفع الاشكال، والذي يتعلق بالرضاع حرمة النكاح والامتناع منه سهل. وإذا انتسب إلى أحدهما، كان ابنه، وانقطع عن الآخر، فله نكاح بنته، ولا يخفى الورع، وإن لم ينتسب، أو قلنا: ليس له الانتساب، فليس له أن ينكح بنتيهما جميعا، لان إحداهما أخته، وفي الحاوي وجه أنه يجوز، ويحكم بانقطاع الابوة عنهما، وهذا غلط. وهل له أن ينكح بنت أحدهما ؟ وجهان، أصحهما: لا لان إحداهما أخته، فأشبه ما إذا

(6/430)


اختلطت أخته بأجنبية. والثاني: يجوز وهو ظاهر ما نقله المزني، لان الاصل الحل في كل واحدة، فصار كما لو اشتبه ماء طاهر بنجس بخلاف الاخت والاجنبية، فإن الاصل في الاخت التحريم، فصار كاشتباه الماء بالبول، فإنه يعرض عنهما، فإن جوزنا نكاح إحداهما فالصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا يحتاج إلى اجتهاد بخلاف الاواني المشتبهة، فإن فيها علامات ظاهرة، وذكر الفوراني أنه يجتهد في الرجلين أيهما الاب، ثم ينكح بنت من لا يراه أبا، وإذا نكح واحدة، ثم فارقها، فهل له نكاح الاخرى ؟ وجهان، قال أبو إسحق: نعم، لان التحريم غير متعين، فصار كمن صلى بالاجتهاد إلى جهة يجوز أن يصلي إلى جهة أخرى باجتهاد آخر. وقال ابن أبي هريرة: لا يجوز، واختاره القاضي أبو الطيب كالاواني. فصل طلق زوجته، أو مات عنها، ولها لبن منه، فأرضعت به طفلا قبل أن تنكح، فالرضيع ابن المطلق والميت، ولا تنقطع نسبة اللبن بموته وطلاقه، سواء ارتضع في العدة أو بعدها، وسواء قصرت المدة أم طالت كعشر سنين وأكثر، وسواء انقطع اللبن ثم عاد، أم لم ينقطع لانه لم يحدث ما يحال اللبن عليه، فهو على استمراره منسوب إليه، وقيل: إن انقطع وعاد بعد مضي أربع سنين من وقت الطلاق لم يكن منسوبا إليه كما لو أتت بولد بعد هذه المدة لا يلحقه، هكذا خصص البغوي هذا الوجه بما إذا انقطع وعاد، ومنهم من يشعر كلامه بطرده في صورة استمرار اللبن، وكيف كان، فالصحيح ما سبق. فلو نكحت بعد العدة زوجا، وولدت منه، فاللبن بعد الولادة للثاني، سواء انقطع وعاد، أم لم ينقطع لان اللبن تبع للولد، والولد للثاني. وأما قبل الولادة من الزوج الثاني، فإن لم يصبها أو أصابها ولم تحبل، أو حبلت ولم يدخل وقت حدوث اللبن لهذا الحمل، فاللبن للاول، سواء زاد على ما كان أم لا، وسواء انقطع، ثم عاد أم لا، ويقال: أقل مدة يحدث فيها اللبن للحمل أربعون يوما. وإن دخل وقت حدوث اللبن للحمل، فإما أن

(6/431)


ينقطع اللبن مدة طويلة، وإما أن لا يكون كذلك بأن لم ينقطع، أو انقطع مدة يسيرة، ففي الحالة الاولى ثلاثة أقوال، أظهرها: أنه لبن الاول، والثاني: أنه للثاني، والثالث: لهما. وفي الحالة الثانية ثلاثة أقوال أيضا، المشهور أنه للاول، والثاني لهما، والثالث إن زاد اللبن فلهما، وإلا فللاول. ولو نزل للبكر لبن، فنكحت، ولها لبن ثم حبلت من الزوج، فحيث قلنا فيما سبق: إن اللبن للثاني أو لهما، فهنا يكون للزوج، وحيث قلنا: هو للاول، فهو هنا للمرأة وحدها ولا أب للرضيع. ولو حبلت إمرأة من الزنا وهي ذات لبن من زوج، فحيث قلنا هناك: اللبن للاول، أولهما فهو للزوج. وحيث قلنا: هو للثاني، فلا أب للرضيع. ولو نكحت إمرأة لا لبن لها، فحبلت ونزل لها لبن، قال المتولي في ثبوت الحرمة بين الرضيع والزوج وجهان بناء على الخلاف، إن جعلنا اللبن للاول لم يجعل الحمل مؤثرا ولا تثبت الحرمة حتى ينفصل الولد، وإن جعلناه للثاني أولهما، ثبتت.
الباب الثالث : في الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم فيه طرفان :
الأول : في الغرم عند انقطاع النكاح.
الرضاع الطارئ قد يقطع النكاح وإن لم يقتض حرمة مؤبدة، وستأتي أمثلته إن شاء الله تعالى، وقد يقطعه لاقتضائه حرمة مؤبدة، فكل إمرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها إذا أرضعت تلك المرأة زوجته الصغيرة خمس رضعات، ثبتت الحرمة المؤبدة، وانقطع النكاح. فإذا كان تحته صغيرة، فأرضعتها أمه من النسب أو الرضاع، أو جدته أو بنته أو حافدته منهما، أو زوجة أبيه، أو ابنه، أو أخيه بلبانهم خمس رضعات، انفسخ النكاح. فإن كان اللبن من غير الاب والابن والاخ لم يؤثر، لان غايته أن تصير ربيبة أبيه أو ابنه أو أخيه، وليست بحرام. ولو أرضعتها زوجة أخرى له بلبنه، انفسخ النكاح، وثبتت الحرمة المؤبدة، لانها بنته، وإن كان اللبن لغيره فسنذكره إن شاء الله تعالى، ثم الصغيرة التي ينفسخ نكاحها بالرضاع تستحق نصف المسمى إن كان صحيحا، أو نصف مهر المثل إن كان فاسدا إلا أن يكون الانفساخ من جهتها بأن دبت، فرضعت من نائمة،

(6/432)


فإنه لا شئ لها على المذهب، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، ويجب على المرضعة الغرم للزوج، سواء قصدت بالارضاع فسخ النكاح أم لا، وسواء وجب عليها الارضاع بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها أم لا، لان غرامة الاتلاف لا تختلف بهذه الاسباب، وفيما إذا لزمها الارضاع احتمال للشيخ أبي حامد، ثم نص هنا أن على المرضعة نصف مهر المثل، ونص أن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يلزمهم جميع مهر المثل، فقيل: فيهما قولان نقلا وتخريجا، وقيل: بتقرير النصين، لان فرقة الرضاع حقيقية، فلا توجب إلا النصف. وفي الشهادة النكاح باق في الحقيقة بزعم الزوج والشهود، لكنهما حالا بينه وبين البضع، فغرما قيمته، كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب. فإن قلنا بالقولين، فهل هما في كل المسمى ونصفه، أم في مهر المثل ونصفه ؟ قولان، فحصل في الرضاع أربعة أقوال، أظهرها عند الجمهور: نصف مهر المثل. والثاني: جميعه، والثالث: نصف المسمى، والرابع جميعه. فرع نكح العبد صغيرة، فأرضعتها إسحق، وانفسخ النكاح، فللصغيرة نصف المسمى في كسبه، ولسيده الرجوع على أم العبد بالغرم، لانه بدل البضع، فكان للسيد كعوض الخلع. فرع صغيرة مفوضة أرضعتها أم الزوج، فلها على الزوج المتعة، قال ابن الحداد: ويرجع الزوج على المرضعة بالمتعة، قال الاصحاب: هذا تفريع على القول الذاهب لانه يرجع بنصف المسمى والاظهر: أنه يرجع بنصف مهر المثل هناك وكذا هنا، والصورة إذا كانت الصغيرة أمة، فزوجها السيد بلا مهر، لان الصغيرة الحرة لا يتصور في حقها التفويض. فرع حلب أجنبي لبن أم الزوج، أو كان محلوبا، فأخذه، وأوجره الصغيرة فالغرم على الاجنبي، وفي قدره الاقوال الاربعة. ولو أوجرها خمسة أنفس، فعلى كل واحد خمس الغرم، ولو أوجرها واحد مرة، وآخران مرتين مرتين، فهل يوزع عليهم أثلاثا أم على عدد الرضعات ؟ وجهان، أصحهما

(6/433)


الثاني. فرع أكرهت على الارضاع، فهل الغرم عليها، أم على المكره ؟ وجهان، أصحهما: عليها، قاله الروياني. فرع تحته صغيرة وكبيرة، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاح الصغيرة قطعا والكبيرة أيضا على الاظهر. ولو أرضعتها جدة الكبيرة أو أختها أو بنت أختها فكذلك. ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ولا يجمعهما. ولو أرضعتها بنت الكبيرة، فحكم الانفساخ كما ذكرنا، وتحرم الكبيرة على التأبيد وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة مدخولا بها لكونها ربيبته، وحكم مهر الصغيرة على الزوج، والغرم على المرضعة كما سبق، وكذا القول في الكبيرة إذا قلنا بانفساخ نكاحها ولم تكن ممسوسة، فإن كانت، فعلى الزوج مهرها المسمى، وهل تغرم المرضعة له ؟ قولان، أحدهما: لا، لان البضع بعد الدخول لا يتقوم للزوج، ولهذا لو انفسخ النكاح بردتها بعد المسيس لا غرم عليها، وأظهرهما: تغرم له مهر المثل، كما لو شهدوا بالطلاق بعد الدخول، ثم رجعوا يغرمون مهر المثل. وكما لو ادعى الزوج أنه راجعها قبل انقضاء العدة، فأنكرت، وصدقناها بيمينها، فنكحت ثم أقرت بالرجعة للاول لا يقبل إقرارها على الثاني، وتغرم للاول مهر مثلها، لانها أتلفت بضعها عليه. فرع إنما يجب الغرم في الصور السابقة على أم الزوج ومن في معناها إذا أرضعت أو مكنت الصغيرة من الارتضاع، ولا يؤثر مع إرضاعها ارتضاع الصغيرة، فلا يحال الانفساخ عليه، فلو كانت ذات اللبن نائمة، فدبت إليها الصغيرة،

(6/434)


فارتضعت، وانفسخ النكاح، أحلنا الانفساخ على فعل الصغيرة، فلا غرم على صاحبة اللبن، لانها لا فعل لها. وقال الداركي: عليها الغرم، والصحيح الاول، ولا مهر للصغيرة على الاصح، وقيل: لها نصف المسمى ولا أثر لفعلها، فعلى الاصح يرجع الزوج في مالها حيث ينفسخ نكاح الكبيرة، بنسبة ما يغرم لها من مهر مثلها، لانها أتلفت عليه بضع الكبيرة، ولا فرق في غرامة المتلفات بين الكبيرة والصغيرة. ولو وصلت قطرة بتطيير الريح إلى جوف الصغيرة، فلها نصف المهر ولا غرم على صاحبة اللبن، ويجئ فيه وجه الداركي، ولو ارتضعت منها وهي مستيقظة ساكتة، فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها به أم لا لعدم فعلها كالنائمة ؟ وجهان حكاهما ابن كج. قلت: الاصح: الثاني. والله أعلم. ولو ارتضعت الصغيرة من أم الزوج رضعتين وهي نائمة، ثم أرضعتها الام ثلاث رضعات ففيه الوجهان السابقان في أن الغرم يوزع على المرضعات، أو على الرضعات، إن قلنا بالاول، سقط من نصف المسمى نصفه، ويجب على الزوج نصفه وهو الربع، وإن قلنا بالثاني، سقط من نصف المسمى خمساه، ويلزم الزوج ثلاثة أخماسه، هكذا قاله صاحبا المهذب والتهذيب وهذا تفريع على الاظهر من الاقوال السابقة في أن الرجوع بنصف مهر المثل ولو أرضعتها الام أربع رضعات، ثم ارتضعت الصغيرة منها وهي نائمة المرة الخامسة، قال المتولي: في نظيره لاصحابنا وجهان، وهو إذا طلقها ثلاثا متعاقبات هل يتعلق التحريم بالثالثة وحدها، أم بالثلاث ؟ إن علقنا بالثالثة يحال التحريم على الرضعة الاخيرة، وتكون كما لو ارتضعت الخمس وصاحبة اللبن نائمة، ولا غرم على الكبيرة، ويسقط مهر الصغيرة. وإن علقنا بالثلاث، تعلق التحريم هنا بالرضعات، وعلى هذا فقياس التوزيع على الرضعات أن يسقط من نصف المهر خمسه، ويجب على الزوج أربعة أخماسه، ويرجع على المرضعة بأربعة أخماس مهر المثل تفريعا على الاظهر.

(6/435)


الطرف الثاني : في المصاهرة المتعلقة بالرضاع، فمن نكح صغيرة، أو كبيرة، حرمت عليه مرضعتها، لانها أم زوجته من الرضاع. ولو نكح صغيرة ثم طلقها، فأرضعتها إمرأة، حرمت المرضعة على المطلق، لانها صارت أم من كانت زوجته ولا نظر إلى التاريخ في ذلك. ولو كانت تحته كبيرة فطلقها، فنكحت صغيرا وأرضعته بلبن المطلق، حرمت على المطلق أبدا كما تحرم على الصغير، لانها زوجة أبيه. ولو نكحت صغيرا ففسخت نكاحه بغيبة، ثم نكحت آخر، فأرضعت الاول بلبن الثاني، انفسخ نكاحها، وحرمت عليهما أبدا، لان الاول صار ابنا للثاني، فهي زوجة ابن الثاني، وزوجة أبي الاول. ولو جاءت زوجة أخرى للثاني، وأرضعت الاول بلبن الثاني، انفسخ نكاح التي كانت زوجة الصغير. ولو زوج مستولدته بعبده الصغير، فأرضعته بلبن السيد، حرمت على السيد والصغير معا أبدا، وحكى ابن الحداد أن المزني نقل عن الشافعي أنها لا تحرم على السيد، وأن المزني أنكره على الشافعي، وعلى ذلك جرى ابن الحداد والاصحاب فجعلوا نقل المزني غلطا، قال الشيخ أبو علي: لكن يمكن تخريج ما نقل على قول في العبد الصغير أنه لا يجوز إجباره على النكاح، أو على قول في أن أم الولد لا يجوز تزويجها بحال، أو على وجه ذكر أنه لا يجوز للسيد تزويج أمته بعبده بحال، فإنا إذا لم نصحح النكاح على أحد هذه الآراء لم تكن زوجة الابن، فلا تحرم على السيد. ولو أرضعته بلبن غير السيد، انفسخ نكاحه، لانها أمة، ولا تحرم على السيد، لانه لم يصر ابنا له، وكذا لو أرضعت المطلقة الصغير الذي نكحته بغير لبن الزوج، انفسخ النكاح، ولا تحرم هي على المطلق. ولو كان تحته صغيرة، فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره، بطل نكاح الصغيرة، وحرمتا أبدا. ولو كان تحت زيد كبيرة، وتحت عمرو صغيرة، فطلق كل واحد زوجته ونكح زوجة الآخر، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما، حرمت الكبيرة عليهما أبدا، لانها أم زوجتهما، فإن كانا دخلا بالكبيرة، حرمت الصغيرة عليهما أبدا وإلا، فلا تحرم عليهما، ولا ينفسخ نكاحها، وكذا لو لم يدخل زيد بها حين كانت في نكاحه لا تحرم عليه الصغيرة، ولا ينفسخ نكاحها، وإذا انفسخ نكاحها، فعلى زوجها نصف المسمى، ويرجع بالغرم على الكبيرة، ولا

(6/436)


يجب للكبيرة شئ على زوجها إن لم يدخل بها، لان الانفساخ منها. ولو كان تحت زيد كبيرة وصغيرة، فطلقهما، فنكحهما عمرو، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة فحكم تحريمهما عليهما على ما فصلنا، وينفسخ نكاحهما وإن لم يدخل عمرو بالكبيرة لاجتماع الام والبنت في نكاحه. فصل تحته صغيرة وكبيرة أرضعتها الكبيرة، انفسخ نكاحهما، وحرمت الكبيرة مؤبدا، وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة أرضعتها بلبنه، أو كانت مدخولا بها وإلا فلا، لانها ربيبة لم يدخل بأمها، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى، وفيما يرجع به على الكبيرة الاقوال الاربعة، ولا مهر للكبيرة إن لم يكن مدخولا بها، فإن كانت فلها المهر، قال الاصحاب: ولا نقول: يرجع عليها بمهرها، لكونها أتلفت عليه بضعها، لانه يؤدي إلى إخلاء نكاحها عن المهر. فلو كانت الكبيرة نائمة، فارتضعت منها الصغيرة، فلا مهر للصغيرة، وللكبيرة نصف المسمى إن لم يدخل بها، وجميعه إن دخل، ويرجع بالغرم في مال الصغيرة كما سبق. ولو أرضعتها الكبيرة أربع رضعات، ثم ارتضعت الصغيرة منها الخامسة وهي نائمة قال المتولي: إن قلنا التحريم يتعلق بالرضعات ولم نحله على الرضعة الخامسة، سقط خمس مهر الصغيرة بفعلها، ونصفه بالفرقة قبل الدخول، ويجب على الزوج خمس ونصف، ويرجع على الكبيرة بثلاثة أعشار مهر المثل على الاظهر، وفي قول بأربعة أخماسه، وأما الكبيرة، فيسقط أربعة أخماس مهرها بفعلها، والباقي بالفرقة قبل الدخول، لان مقتضاها سقوط النصف والباقي دون النصف فيسقط، وقياس ما قدمناه عن المهذب والتهذيب أن يقال: يسقط الخمس من نصف مهر الصغيرة، ويجب أربعة أخماسه وهما خمسا الجملة، ويسقط أربعة أخماس نصف مهر الكبيرة ويجب خمسه. ولو كانت الكبيرة أمة نكحها، تعلق الغرم برقبتها، وإن أرضعت الصغيرة أمته، أو أم ولده، فلا غرم عليها للزوج، لان السيد لا يستحق على مملوكه مالا. ولو كانت أمته، أو أم ولده، فأرضعت الصغيرة، فعليها الغرم له، فإن عجزها سقطت المطالبة بالغرم. ولو كانت

(6/437)


مستولداته الخمس فأرضعن زوجته الصغيرة رضعة رضعة، صارت بنتا له على الاصح، فينفسخ النكاح، ويرجع عليهن بالغرم إن أرضعن، وإلا فجميع الغرم على الخامسة، ويمكن أن يجئ فيه خلاف في حوالة التحريم على الرضعات، فتكون كما لو أرضعن معا. فرع تحته كبيرة وثلاث صغائر، فأرضعتهن بلبنه أو بغيره، وهي مدخول بها، حرم الاربع مؤبدا، سواء أرضعتهن معا أو متعاقبا، وعليه المسمى للكبيرة، ونصف المسمى لكل صغيرة، وعلى الكبيرة الغرم. فإن لم يكن مدخولا بها، وليس اللبن له، نظر إن أرضعتهن معا الرضعة الخامسة من لبنها المحلوب، أو ألقمت ثنتين ثديها، وأوجرت الثالثة من لبنها المحلوب انفسخ نكاح جميعهن، وحرمت الكبيرة مؤبدا، ولا تحرم الصغائر مؤبدا، بل له تجديد نكاح إحداهن، ولا يجمع ثنتين، لانهن أخوات. وإن أرضعتهن مرتبا، حرمت الكبيرة مؤبدا ولا تحرم الصغائر مؤبدا، ثم للترتيب أحوال، أحدها: أن ترضع ثنتين معا، ثم الثالثة، فينفسخ نكاح الاوليين، ولا ينفسخ نكاح الثالثة لانفرادها ووقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختها. الحال الثاني: أن ترضع واحدة أولا، ثم ثنتين، فينفسخ نكاح الاربع، أما الاولى والكبيرة فلاجتماع الام والبنت، وأما الاخريان، فلانهما صارتا أختين. الثالث: أن ترضعهن متعاقبا، فينفسخ نكاح الاولى مع الكبيرة لما ذكرنا، ولا تنفسخ الثانية بمجرد ارتضاعها، لانها ليست محرمة، ولم تجتمع هي وأم ولا أخت، فإذا ارتضعت الثالثة، انفسخ نكاحها، لانها صارت أختا للثانية التي هي في نكاحه، وهل ينفسخ معها نكاح الثانية، أم يختص الانفساخ بالثالثة ؟ قولان، وينسب الثاني إلى الجديد، ورجحه الشيخ أبو حامد، والاول إلى القديم، وهو الاظهر عند أكثر الاصحاب وبه قال أبو حنيفة وأحمد، واختاره المزني، فعلى هذا المسألة من المسائل التي رجح فيها القديم. ولو كان تحته كبيرة وصغيرة، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة، فقيل: ينفسخ نكاحهما قطعا، والاصح انفساخ الصغيرة، وأن الكبيرة على القولين، وبه قال القاضي أبو الطيب. ولو كانت تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية، نظر إن أرضعتهما معا انفسخ نكاحهما، لانهما صارتا أختين معا، وحرمت الاجنبية مؤبدا، لانها أم زوجتيه، وله نكاح إحدى الصغيرتين. وإن

(6/438)


أرضعتهما متعاقبا، لم تنفسخ الاولى بإرضاعها، فإذا أرضعت الثانية، انفسخت قطعا، وفي انفساخ الاولى القولان، الاظهر الانفساخ. فرع تحته صغيرة وثلاث كبائر، أرضعتها كل كبيرة خمسا، انفسخ نكاح الجميع، لان الكبائر أمهات زوجته، والصغيرة بنت زوجاته، وحرمت الكبائر مؤبدا، وكذا الصغيرة إن كان دخل بكبيرة، وإلا فله نكاحها. فرع تحته أربع صغائر أرضعتهن أجنبية واحدة بعد واحدة، فلا أثر لرضاع الاولى في نكاح واحدة منهن، فإذا ارتضعت الثانية أختا للاولى، فينفسخ نكاح الثانية، وفي الاولى القولان، فإن فسخناها، فإذا أرضعت الثالثة، لم ينفسخ نكاحها، فإذا أرضعت الرابعة انفسخ نكاحهما، وإن قلنا: لا ينفسخ نكاح الاولى، فإذا أرضعت الثالثة، انفسخ نكاحها، لانها صارت أختا للاولى وكذا الرابعة. ولو أرضعتهن معا، أو أرضعت ثنتين معا، ثم ثنتين معا، انفسخ الجميع. فرع تحته صغيرتان وكبيرتان أرضعت كل واحدة من الكبيرتين واحدة من الصغيرتين، حرمن كلهن مؤبدا إن دخل بالكبيرتين، أو لم يدخل بهما، حرمت الكبيرتان مؤبدا، وانفسخ نكاح الصغيرتين في الحال، وله تجديد نكاحهما، والجمع بينهما لعدم الاخوة. ولو أرضعتهما إحدى الكبيرتين مرتبا، انفسخ نكاح الاولى والمرضعة، لاجتماع الام والبنت، ولم تنفسخ الصغيرة الثانية، فإذا أرضعتهما الكبيرة الثانية بعد إرضاع الاولى على ترتيب الثانية الاولى، انفسخ نكاحها بإرضاع الصغيرة الاولى، ولم ينفسخ نكاح الصغيرة الثانية لانه لم يحصل في حقها اجتماع أم وبنت في النكاح. وإن أرضعتهما على عكس ترتيب المرضعة الاولى انفسخ نكاح الجميع، وله تجديد نكاح كل صغيرة إن لم يدخل بالكبيرتين، ولا يجوز الجمع بينهما. فرع تحته كبيرتان وصغيرة، فأرضعتاها دفعة بأن أوجرتاها لبنهما المحلوب المخلوط، انفسخ نكاح الثلاث، وحرمت الكبيرتان مؤبدا، وكذا الصغيرة إن دخل بكبيرة وإلا فلا تحرم مؤبدا، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى، ويرجع على الكبيرتين بالغرم. وأما الكبيرتان، فإن كان دخل بهما، فعليه لكل واحدة منهما جميع المسمى، ويرجع على كل واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها تفريعا على

(6/439)


الاظهر، وهو إثبات الرجوع في غرم مهر الكبيرة الممسوسة، وذلك لان انفساخ نكاح كل واحدة حصل بفعلها وفعل صاحبتها، فسقط النصف لفعلها، ووجب النصف على صاحبتها. وإن لم يدخل بواحدة منهما، فلكل واحدة منهما ربع المسمى، لان الانفساخ حصل بفعلهما، فسقط بفعل كل واحدة نصف الشطر الواجب قبل الدخول، ووجب النصف الآخر، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل الاخرى تفريعا على الاظهر، وهو أن التغريم في حق غير الممسوسة يكون بنصف مهر المثل. وإن كانت إحداهما مدخولا بها دون الاخرى، فللمدخول بها تمام المسمى وللاخرى ربع مسماها، ويرجع الزوج على التي لم يدخل بها بنصف مهر مثل المدخول بها وعلى المدخول بها بربع مهر مثل التي لم يدخل بها. ولو كانت المسألة بحالها لكن أوجرتها اللبن المخلوط في المرة الخامسة إحدى الكبيرتين وحدها فحكم التحريم كما سبق، ويرجع الزوج بمهر الصغيرة على المرضعة في الخامسة وحدها، وفيما يرجع به الاقوال. وأما الكبيرتان فالتي لم توجر، إن كانت مدخولا بها، فلها على الزوج تمام المسمى، ويرجع الزوج بمهر مثلها على المؤجرة على الاظهر، وإن لم يكن مدخولا بها، فلها على الزوج نصف المسمى، ويرجع بالغرم على المؤجرة كما في الصغيرة، وأما المؤجرة، فإن كانت مدخولا بها، فلها جميع المهر، وإلا فلا شئ لها، لانها سبب الفرقة، هذا كله إذا كان من غير الزوج، فإن كان لبنه - والتصوير كما سبق - صارت الصغيرة بنته، وحرمت مؤبدا، ولو تم التحريم في حق الزوج دون الكبيرتين بأن أرضعت هذه بعض الخمس وهذه بعضها، حصل التحريم في حقه على الاصح كما سبق وحرمت الصغيرة مؤبدا، لانها بنته، ولا ينفسخ نكاح الكبيرتين، لانه لم تصر واحدة منهن أما، ثم إن حصلت الرضعات متفرقات بأن أرضعت هذه ثلاثا، وتلك مرتين، فالغرم على التي أرضعت الخامسة كذا ذكره الشيخ أبو علي، وقد سبق ما يقتضي خلافا فيه. وإن اشتركتا في الخامسة بأن أرضعت كل واحدة رضعتين، ثم أوجرتاها لبنهما المخلوط دفعة، فالغرم عليهما بالسوية. ولو حلبت إحداهما لبنها ثلاث دفعات في ثلاثة أوعية، والاخرى دفعتين في إنائين، ثم جمع الجميع، وأوجرته الصغيرة، فإن أوجرتها إحداهما، فالغرم عليها، وإن أوجرتاها، فهل تغرمان بالسوية، أم أخماسا ؟

(6/440)


وجهان، أصحهما بالسوية. ولو حلبت إحداهما أربعا في أربعة أوعية، والاخرى ثلاثا في ثلاثة، ثم خلط، وأوجرتاها معا، فتغرمان بالسوية أم أسباعا ؟ فيه الوجهان. فرع تحته ثلاثة صغائر، فجاءت ثلاث خالات للزوج من الابوين وأرضعت كل واحدة صغيرة، لم يؤثر ذلك في نكاحهن، لانه يجوز الجمع بين بنات الخالات. فلو جاءت أم أم الزوج بعد ذلك، وأرضعت زوجة صغيرة رابعة للزوج، حرمت الرابعة مؤبدا، لانها صارت خالته وخالة الصغائر الثلاث، واجتمعت هي وهن في النكاح، وفي انفساخ نكاح الثلاث القولان السابقان. وكذا الحكم لو أرضعت الرابعة إمرأة أبي أم الزوج بلبنه. ولو كانت الخالات متفرقات، وأرضعن الثلاث، ثم أرضعت الرابعة أم أم الزوج، انفسخ نكاحها، ولا ينفسخ نكاح الصغيرة التي أرضعتها الخالة للاب، وفي الاخريين القولان. ولو كن متفرقات وأرضعت الرابعة إمرأة أبي الزوج، انفسخ نكاح الرابعة، ولا ينفسخ نكاح التي أرضعتها الخالة للام، وفي الاخريين القولان. ولو أرضعت الصغائر ثلاث عمات للزوج من الابوين، أو من الاب، ثم أرضعت الرابعة أم أبيه أو إمرأة أبي أبيه بلبنه، فالحكم كما ذكرنا في الخالات. فرع تحته كبيرة وثلاث صغائر وللكبيرة ثلاث بنات، فأرضعت كل واحد منهن صغيرة، فإن كانت الكبيرة مدخولا بها حرمن مؤبدا، سواء أرضعهن معا أو مرتبا، وعلى الزوج مهر الكبيرة بتمامه، ويرجع بغرمه على الاظهر عليهن إن أرضعن معا، وعلى الاولى إن أرضعن مرتبا، ولكل صغيرة على الزوج نصف المسمى، ويرجع بالغرم لكل صغيرة على مرضعتها. وإن لم تكن الكبيرة مدخولا بها، فإن أرضعن معا المرة الخامسة، انفسخ نكاحهن، لاجتماع الجدة والحفدة، وتحرم الكبيرة مؤبدا دون الصغائر، وعلى الزوج نصف المسمى للكبيرة ولكل صغيرة، ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها، وبنصف مهر مثل الكبيرة، وعلى الثلاث على كل واحدة سدس، وإن أرضعن مرتبا، فبإرضاع الاولى تنفسخ الكبيرة وتلك

(6/441)


الصغيرة، ولكل واحدة منهما نصف المسمى على الزوج، ويرجع بالغرم، ولا ينفسخ نكاح الاخريين، سواء أرضعتا معا أو مرتبا، لانهما لم تصيرا أختين، ولا اجتمعت الجدة وهما. ولو أرضعت اثنتان صغيرتين معا، ثم أرضعت الثالثة، لم ينفسخ نكاح الثالثة وانفسخ نكاح الكبيرة والصغيرتين الاوليين وعلى الزوج نصف المسمى لكل واحدة منهن ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها وبغرم الكبيرة على المرضعتين جميعا. فرع نكح صغير صغيرة هي بنت عمه، فأرضعت جدتهما أم أبي كل واحد منهما أحدهما، ثبتت الحرمة بينهما، وانفسخ النكاح، وكذا الحكم لو كانت أم أبي الصغير غير أم أبي الصغيرة بأن كان أبواهما أخوين لاب، فأرضعت إحدى الجدتين أحد الصغيرين بلبن جدهما، انفسخ النكاح. ولو نكح صغير بنت عمته الصغيرة، فجاءت الجدة التي هي أم أبي الصغير، وأم أم الصغيرة، فأرضعت أحدهما، انفسخ النكاح، وكذا لو كانت أم أبي الصغير غير أم أم الصغيرة، وأرضعت جدتهما أم أم كل واحد منهما أحدهما، انفسخ. ولو نكح صغير بنت خاله، فأرضعت جدتهما أم أم الصغير وأم أبي الصغيرة أحدهما، انفسخ، وتنزيلاتها ظاهرة، وبالله التوفيق.
الباب الرابع : في الاختلاف فيه ثلاثة أطراف: الاول في دعوى الرضاع وحكمها: فإذا قال: فلانة أختي أو بنتي من الرضاع، أو قال: فلان أخي أو إبني من الرضاع، واتفقا على ذلك، لم يحل النكاح بينهما بشرط الامكان، فإن لم يمكن

(6/442)


بأن قال: فلانة بنتي وهي أكبر سنا منه، فهو لغو. وإذا صح الاقرار، ثم رجعا، أو رجع المقر، لم يقبل رجوعه، ولا يصح النكاح. ولو اتفق الزوجان على أن بينهما رضاعا محرما، فرق بينهما، وسقط المسمى، ويجب مهر المثل إن دخل بها، وإلا فلا شئ. وإن اختلف الزوجان في الرضاع ولا بينة، فإن ادعاه الزوج وأنكرته، قبل في حقه فقط، فيحكم ببطلان النكاح، ويفرق بينهما، ويجب لها نصف المسمى إن كان قبل الدخول، وجميعه إن كان بعده، وله تحليفها قبل الدخول وكذا بعده إن كان مهر المثل أقل من المسمى، فإن نكلت، حلف الزوج، ولا شئ لها قبل الدخول، ولا يجب أكثر من مهر المثل بعد الدخول. وإن ادعت الرضاع وأنكر، فقد سبق في كتاب النكاح أنه إن جرى التزويج برضاها، لم يقبل قولها، بل يصدق الزوج بيمينه. وإن جرى بغير رضاها فأيهما المصدق بيمينه ؟ وجهان، ظاهر كلام الشافعي وبه أجاب العراقيون، وصححه الغزالي أنه المصدق، وذكرنا هناك أن الاصح عند الشيخ أبي علي وجماعة أنها المصدقة، وبه أجاب المتولي والبغوي، ونقله القفال عن النص. وإذا مكنت الزوج وقد زوجت بغير رضاها، فتمكينها كرضاها، والورع للزوج إذا ادعت الرضاع أن يدع نكاحها بتطليقة لتحل لغيره إن كانت كاذبة، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وليس لها المطالبة بالمسمى إذا ادعت الرضاع، لانها لا تستحقه بزعمها، ولها المطالبة بمهر المثل إن جرى دخول، فإن كان ذلك بعد دفع الزوج الصداق، لم يتمكن من الاسترداد لزعمه، ويشبه أن يكون فيما يفعل بذلك المال الخلاف المذكور فيما إذا أقر لغيره بمال فأنكره المقر له. فرع أقرت أمة بأخوة الرضاع لغير سيدها، يقبل، فإذا اشتراها ذلك الغير، لم يحل له وطؤها، وإن أقرت لسيدها، لم يقبل بعد التمكين، وقبله وجهان.
الطرف الثاني : في كيفية الحلف في الرضاع.
من الأصول الممهدة أن الحالف على فعل غيره يحلف على البت إن كان

(6/443)


إثباتا، وعلى نفي العلم إن كان نفيا، والغرض هنا أن منكر الرضاع يحلف على نفي العلم، ومدعيه يحلف على البت يستوي فيه الرجل والمرأة، فلو نكلت عن اليمين، ورددناها على الزوج، أو نقل الزوج ورددناها عليها، فاليمين المردودة تكون على البت، لانها مثبتة، وقال القفال على نفي العلم، وقيل: إن غير المنكر منهما على البت، وقيل: يمينه إذا أنكر على البت، ويمينها على نفي العلم، والمذهب الاول. ولو ادعت الرضاع فشك الزوج، فلم يقع في نفسه صدقها ولا كذبها، فإن قلنا: الحلف على نفي العلم، فله أن يحلف، وإن قلنا: على البت، فلا. الطرف الثالث : في الشهادة على الرضاع فيه مسائل: إحداها: يثبت الرضاع بشهادة رجلين، وبرجل وإمرأتين، وبأربع نسوة كالولادة، ولا يثبت بدون أربع نسوة، ولا يثبت الاقرار بالرضاع إلا برجلين، وفي التتمة أنه لو كان النزاع في شرب اللبن من ظرف، لم تقبل فيه شهادة النسوة المتمحضات، لانه لا يختص باطلاع النساء، وإنما تقبل شهادتهن إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي، وأنه تقبل شهادتهن على أن اللبن الحاصل في الظرف لبن فلانة، لان الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا. الثانية: لو كان فيمن يشهد بالرضاع، أم المرأة، أو بنتها على حرمة الرضاع بينها وبين الزوج فإن كان الزوج مدعيا، والمرأة منكرة، قبلت شهادتها، وإن انعكس، فلا، قال الاصحاب: ولا يتصور أن تشهد على أمها أنها ارتضعت من أم الزوج، لان الشهادة على الرضاع تعتبر فيها المشاهدة، لكن

(6/444)


يتصور أن تشهد أنها أرضعت الزوج أو أرضعته أمها أو أختها، ولو شهدت الام أو البنت من غير تقدم دعوى على سبيل الحسبة، قبلت وإن احتمل كون الزوجة مدعية، لان الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة، وهذا كما لو شهد أبو الزوجة وابنها أو ابناها ابتداء أن زوجها طلقها، قبلت. ولو ادعت الطلاق، فشهدا، لم تقبل. الثالثة: لا تقبل شهادة المرضعة وحدها، وهل تقبل شهادتها فيمن يشهد إن ادعت أجرة الرضاع، لم تقبل، وفي وجه حكاه الماوردي عن أبي إسحق: تقبل في ثبوت الحرمة دون الاجرة، والصحيح المنع فيهما، وإن لم تدع أجرة، نظر إن لم تتعرض لفعلها بأن شهدت بأخوة الرضاع بينهما، أو على أنهما ارتضعا منها، قبلت شهادتها، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية، وجواز الخلوة والمسافرة، فإن الشهادة لا ترد بمثل هذه الاغراض. ولهذا لو شهد رجلان أن زيدا طلق زوجته، أو أعتق أمته، قبل بلا خلاف، وإن استفادا حل مناكحتها. وإن شهدت على فعل نفسها، فقالت: أرضعتهما، فوجهان، أحدهما: لا تقبل، كما لا تقبل شهادتها على ولادتها، ولا شهادة الحاكم على حكم نفسه بعد العزل، ولا القسام على القسمة. وأصحهما: تقبل، وبه قطع الاكثرون، لانها لا تجر بها نفعا ولا تدفع ضررا بخلاف الولادة، فإنه يتعلق بها حق النفقة والارث، وسقوط القصاص وغيرها، وتخالف شهادة الحاكم والقسام، فإن فعلهما مقصود، وفعل المرضعة غير مقصود، وإنما المعتبر وصول اللبن إلى الجوف، ولان الشهادة بالحكم والقسمة تتضمن تزكية النفس.

(6/445)


فرع إذا لم يتم نصاب الشهادة بأن شهدت المرضعة وحدها، أو إمرأة أجنبية، أو إمرأتان، أو ثلاث، فالورع أن يترك نكاحها، وأن يطلقها إن كان ذلك بعد النكاح. فرع لو شهد اثنان بالرضاع، وقالا: تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل الشهادة، لم تقبل شهادتهما لانهما فاسقان بقولهما، وفي النظر إلى الثدي لتحمل الشهادة خلاف سبق في أول النكاح الاصح الجواز. قلت: مجرد النظر معصية صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر عليه فاعله، ويشترط أيضا أن لا تكون ظهرت توبته بعد ذلك. والله أعلم. المسألة الرابعة: أطلق جماعة منهم الامام أن الشهادة المطلقة أن بينهما رضاعا محرما، أو حرمة الرضاع، أو أخوته، أو بنوته مقبولة، وقال الاكثرون: لا تقبل مطلقة، بل يشترط التفصيل والتعريض للشرائط، وهو ظاهر النص، قال البغوي: وهو الصحيح لاختلاف المذاهب في شروط الرضاع، فاشترط التفصيل ليعمل القاضي باجتهاده، ويحسن أن يتوسط فيقال: إن أطلق فقيه يوثق بمعرفته قبل وإلا فلا، وينزل الكلامان عليه، أو يخص الخلاف بغير الفقيه، وقد سبق مثله في الاخبار بنجاسة الماء. والمانعون من قبول المطلقة ذكروا وجهين في قبول الشهادة المطلقة على الاقرار بالرضاع. ولو قال: هي أختي من الرضاع، ففي البحر وغيره أنه لا يفتقر إلى ذكر الشروط إن كان فقيها، وإلا فوجهان، وفرقوا بين الشهادة والاقرار بأن المقر يحتاط لنفسه، فلا يقر إلا عن تحقيق. الخامسة: إذا شهد الشاهد على فعل الرضاع والارتضاع، لم يكف، وكذلك في الاقرار، بل لا بد من التعرض للوقت والعدد بأن يشهد أنها أرضعته، أو ارتضع

(6/446)


منها في الحولين خمس رضعات متفرقات، وفي اشتراط ذكر وصول اللبن إلى الجوف وجهان، أصحهما: نعم وبه قطع المتولي وغيره، كما يشترط ذكر الايلاج في شهادة الزنى. والثاني: لا، لانه لا يشاهد قال في البسيط: ولا شك أن للقاضي أن يستفصله، ولو مات الشاهد قبل الاستفصال، هل للقاضي التوقف ؟ وجهان. فرع الشاهد قد يستيقن وصول اللبن إلى الجوف بأن يعاين الحلب، وإيجار الصغير المحلوب وازدراده، وحينئذ يشهد به، ولا إشكال. وقد يشاهد القرائن الدالة عليه وهي التقام الثدي وامتصاصه، وحركة الحلق بالتجرع والازدراد بعد العلم بأنها ذات لبن، وهذا يسلطه على الشهادة، ولا يجوز أن يشهد على الرضاع بأن يراها أخذت الطفل تحت ثيابها، وأدته منها كهيئة المرضعة، لانها قد توجره لبن غيرها في شئ كهيئة الثدي، ولا بأن يسمع صوت الامتصاص فقد يمتص أصبعه أو أصبعها. ولو شاهد التقام الثدي والامتصاص وهيئة الازدراد، ولم يعلم كونها ذات لبن، فهل له الشهادة لظاهر الحال أم لا، لان الاصل عدم اللبن ؟ وجهان، أصحهما الثاني، ولا يكفي في أداء الشهادة حكاية القرائن بأن يشهد برؤية

(6/447)


الالتقام والامتصاص والتجرع من غير تعرض لوصول اللبن إلى الجوف ولا للرضاع المحرم، وإن كان مستند علمه تلك القرائن، لان معاينتها تطلع على ما لا تطلع عليه الحكاية، فإن اطلعته على وصول اللبن، فليجزم به على قاعدة الشهادات، وبالله التوفيق.

(6/448)