روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الكتابة
لا يجب على السيد أن يكاتب عبده، وحكى صاحب التقريب قولا انها واجبة إذا طلبها العبد، لقول الله تعالى: * (فكاتبوهم) *، والمشهور الاول، وبه قطع الجماهير، كمالا يجب التدبير وشراء القريب، والآية محمولة على الندب، فتستحب الاجابة إذ طلبها العبد وكان أمينا قادرا على الكسب، فإن فقد الشرطان،

(8/465)


لم يستحب، ولكن لا يكره، لانها قد تفضي إلى العتق. وقال ابن القطان: يكره، والصحيح الاول. وإن فقدت الامانة، وقدر على الكسب، لم يستحب، على الصحيح. وقيل: يستحب دون الاستحباب مع الشرطين، وإن كان أمينا بلا كسب، لم يستحب على الاصح. ولو طلب السيد الكتابة، فامتنع العبد، لم يجبره. وفي الكتابة بابان :
الأول: في أركان الكتابة، وهي أربعة: الاول: الصيغة، وهي أن يقول لعبده: كاتبتك على ألف مثلا تؤديه إلي في نجمين مثلا أو أكثر، فإذا أديت فأنت حر، فيقول العبد قبلت. ولو لم يصرح بتعليق الحرية بالاداء، لكن نواه بقوله: كاتبتك على كذا، صحت الكتابة أيضا، فإن لم يصرح بالتعليق، ولا نواه، لم يصح، ولم يحصل العتق. ومنهم من خرج من التدبير قولا ان لفظ الكتابة صريح مغن عن التصريح بالتعلق ونيته، وقد سبق في التدبير عن أبي إسحق أنه قال: إن كان الرجل فقيها، صحت كتابته بمجرد اللفظ، وإلا، فلا بد من التعليق أو نيته، والمذهب الاول والفرق بين التدبير والكتابة، أن التدبير مشهور بين الخواص والعوام، والكتابة لا يعرفها العوام، وقد نقلوا عن أبي إسحق أنه قال على هذا: لو كان قريب الاسلام، أو جاهلا بالاحكام لا يعرف التدبير، لم ينعقد تدبيره بمجرد لفظة التدبير، حتى تنضم إليه نية أو زيادة لفظ. وحكي وجه أنه إن ذكر ما تتميز به الكتابة عن المخارجة، كفى، كقوله: تعاملني أو أضمن لك أرش الجناية، أو يستحق مني الايتاء، أو من الناس سهم الرقاب،

(8/466)


فيكفي عن تعليق الحرية بالاداء. ولا خلاف أنه لا يكفي قوله: كاتبتك وحده، كما إذا قال: بعتك كذا ولم يذكر عوضا. فرع قال: أنت حر على ألف، فقبل، عتق في الحال، وثبت الالف في ذمته، وهو كقوله لزوجته: أنت طالق على ألف، فقبلت، ولو قال: إن أعطيتني ألفا، أو أديت لي ألفا فأنت حر، فلا يمكنه أن يعطيه من مال نفسه، لانه لا يملك. فلو أعطاه من مال غيره، هل يعتق ؟ وجهان، أصحهما: لا. والثاني: نعم، فعلى هذا هل سبيله سبيل الكتابة الفاسدة، أم تعليق محض ؟ وجهان، فإن قلنا: كتابة فاسدة، رد السيد ما أخذ، ورجع على العبد بقيمته، وتبعه كسبه وأولاده الحاصلة بعد التعليق. وإن قلنا: تعليق، فهل يرجع عليه بقيمته ؟ وجهان، أصحهما: لا، ولا يتبعه الكسب والولد، بخلاف ما إذا قال لزوجته: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فأعطته مغصوبا، وقلنا: تطلق، فإنه يرجع لانها أهل للالتزام وقت المخاطبة، بخلاف العبد. فرع قال لعبده: بعتك نفسك بكذا، فقال: اشتريت، أو قال العبد: بعني نفسي بكذا، فقال: بعتك، صح البيع، وثبت المال في ذمته، وعتق في الحال، كما لو أعتقه على مال. وذكر الربيع قولا انه لا يصح. فمن الاصحاب من أثبته قولا ضعيفا، ومنهم من نفاه وقال: هو تخريج له، فعلى المذهب: للسيد

(8/467)


الولاء، كما لو أعتقه على مال، وفيه وجه سبق. ولو أقر السيد بأنه باعه نفسه، فأنكر العبد، عتق بالاقرار، وحلف أنه لم يشتر، ولا شئ عليه. ولو قال: بعتك نفسك بهذه العين، أو بخمر، أو خنزير، فإن صححنا بيعه له، وأثبتنا الولاء للسيد، عتق، وعليه قيمته، كما لو قال: أعتقتك على خمر أو خنزير، فإن قلنا: لا ولاء عليه، لم يصح، ولم يعتق، كما لو باعه لاجنبي بخمر. ولو قال: وهبت لك نفسك، أو ملكتك، فقبل، عتق. ولو أوصى له برقبته، فقبل بعد الموت، عتق. واعلم أن الاعتاق على عوض، وبيع العبد نفسه، يشاركان الكتابة في أن كل واحد منها يتضمن إعتاقا بعوض، ويفارقانها في الشروط والاحكام، وهما عقدان مستقلان. الركن الثاني: العوض، وشروطه ثلاثة: الاول: كونه دينا مؤجلا، إذ لا قدرة له في الحال فلو ملك بعض شخص باقيه حر، وكاتبه في ملكه بدين حال، لم يصح على الاصح. وقيل: يصح، لانه يملك ببعضه الحر، فلا يتحقق عجزه، ولهذا يصح البيع لمعسر، لان الحرية مظنة الملك، وإن لم يملك شيئا آخر. فلو زاد الثمن على قيمة المبيع، فالصحيح الصحة، وبه قطع الجمهور، لانه قد يجد من يشتريه بقدر الثمن فيؤدي ذلك. وحكى الشيخ أبو محمد وجها أنه لا يصح البيع والحالة هذه. ولو أسلم إلى مكاتبه عقب الكتابة، ففي صحته وجهان حكاهما القاضي حسين. الثاني: أن ينجم نجمين فصاعدا. ومن بعضه رقيق هل يشترط في كتابة الرقيق منه التنجيم ؟ وجهان كالتأجيل، وهل تجوز الكتابة على مال كثير إلى نجمين

(8/468)


قصيرين، أو إلى طويل وقصير، بشرط أداء الاكثر في القصير ؟ وجهان. أصحهما: نعم لامكان القدرة، كما لو أسلم إلى معسر في مال كثير. والثاني: لا، لان النادر كالمعجوز عنه، كما في السلم، ويجوز جعل العوض منفعة، كبناء دار، وخياطة، وخدمة شهر، كما يجوز جعل المنفعة ثمنا وأجرة ومهرا، ولا يجوز أن يكتفى بخدمة شهر، أو شهرين، أو سنة، ويقدر كل عشرة أيام نجما، أو كل شهر، لان الجميع نجم واحد، والمطالبة به ثابتة في الحال. فلو شرط صريحا كون خدمة شهر نجما، وخدمة الشهر بعده نجما آخر، لم يصح على الاصح المنصوص في الام لان منفعة الشهر الثاني متعينة، والمنافع المتعلقة بالاعيان لا يجوز شرط تأخيرها. ولو انقطع ابتداء المدة الثانية عن آخر الاولى كخدمة رجب ورمضان، لم يصح بلا خلاف. ثم يشترط أن تتصل الخدمة وغيرها من المنافع المتعلقة بالاعيان بعقد الكتابة ولا تتأخر عنها، كما أن عين المبيع لا يقبل التأجيل وتأخير التسليم. فلو كاتبه في رمضان على خدمة شوال لم يصح، ولو كاتبه على دينار يؤديه في آخر هذا الشهر، وعلى خدمة الشهر الذبعده، لم يصح. وأما المنافع الملتزمة في الذمة، كخياطة ثوب معين، وبناء جدار موصوف، ودار موصوفة، فيجوز فيها التأجيل. ولو كاتبه على بناء دارين، وجعل لكل واحدة منهما وقتا معلوما، صح. ولو قال: كاتبتك على خدمة شهر من الآن، وعلى دينار بعد انقضائه بيوم أو شهر، جاز. ولو قال: وعلى دينار عند انقضائه، فوجهان. وقيل: قولان، الاصح المنصوص: الجواز، قالوا: ولا بأس بكون المنفعة حالة لان التأجيل يشترط لحصول القدرة، وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال، بخلاف ما لو كاتب على دينارين، أحدهما حال، والآخر مؤجل، وهذا يبين أن الاجل وإن أطلقوا اشتراطه، فليس ذلك بشرط في المنفعة التي تقدر على الشروع فيها في الحال. ولو كاتب على خدمة شهر ودينار في أثناء الشهر، كقوله:

(8/469)


ودينار بعد العقد بيوم، جاز على الاصح. ولو قال: على خدمة شهر من وقت العقد، وعلى خياطة ثوب موصوف بعد انقضاء الشهر، فهو كقوله: ودينار بعد انقضاء الشهر. وذكر البغوي أنه يشترط بيان العمل في الخدمة، قال ابن الصباغ: يكفي إطلاق الخدمة، لكن لو قال: على منفعة شهر، لم يصح، لاختلاف المنافع. وإذا كاتب على خدمة ودينار، فمرض في الشهر، وفاتت الخدمة، انفسخت الكتابة في قدر الخدمة، وأما الباقي فقيل: تبطل فيه قطعا، لانها لا تصح في بعض العبد. وقيل: هو كمن باع عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض، ففي الباقي طريقان. أحدهما: لا تبطل. والثاني: قولان. فرع إذا قال لعبده: أعتقتك على أن تخدمني، أو على أن تخدمني أبدا، فقبل العبد، عتق في الحال، ورجع السيد عليه بقيمته. ولو قال: على أن تخدمني شهرا من الآن، فقبل، عتق، وعليه الوفاء، فإن تعذر بمرض وغيره، ففيما يرجع عليه السيد به من أجرة مثل الخدمة، أو قيمة العبد قولان، كالصداق وبدل الخلع إذا تلفا قبل القبض. ولو قال: كاتبتك على أن تخدمني أبدا، لم يعتق. ولو قال: على أن تخدمني شهرا، فقبل وخدمه شهرا، عتق، ورجع السيد عليه بقيمته، وهو على السيد بأجرة مثل الخدمة، لانها كتابة فاسد، وإن خدمه أقل من شهر، لم يعتق. الشرط الثالث: بيان قدر العوض، والاجل فيشترط بيان قدر العوض وصفته، وأقدار الآجال، وما يؤدى عند حلول كل نجم. فإن كاتب على نقد كفى الاطلاق إن كان في البلد نقد منفرد أو غالب، وإلا، فيشترط التبيين. وإن كاتب على عرض، وصفه بالصفات المشترطة في المسلم، وإن كاتب على ثوب موصوف على أن يؤدي نصفه بعد سنة، ونصفه بعد سنة، ونصفه الآخر بعد انقضاء سنتين،

(8/470)


لم يصح لانه إذا سلم النصف في السنة الاولى، تعين النصف الثاني للثانية، والمعين لا يجوز شرط الاجل فيه، ولا يشترط تساوي الآجال، ولا الاقدار المؤداة في آخر الآجال. ولو كاتبه على مائة على أن يؤدي نصفها أو ثلثها عند انقضاء خمس، والباقي عند تمام العشر، أو على أن يؤدي عند تمام كل سنة عشرة، جاز. ولو قال: تؤدي بعضها عند انقضاء نصف المدة، والباقي عند تمامها، لم يجز. ولو قال: تؤديها في عشر سنين، لم يجز على الصحيح. وقيل: يجوز ويوزع المال على عدد السنين. ولو قال: في كل شهر كذا، وفي سنة كذا، فهل هو مجهول، أم يحمل على أول الشهر والسنة ؟ وجهان، كنظيره في السلم، وكذا لو قال: في يوم كذا. ولو قال: في وسط السنة، فهل هو مجهول، أم يحمل على نصفها، لانه الوسط الحقيقي ؟ وجهان. ولو قال: تؤديها إلى عشر سنين، لم يجز، لانه كتابة إلى أجل واحد. ولو قال: كاتبتك على مائة تؤديها إلى ثلاثة أشهر، قسط كل شهر عند انقضائه، جوزه ابن سريج، ومنعه ابن أبي هريرة وغيره إذا لم يعلم حصة كل شهر. ولو كاتب على دينار إلى شهر، ودينارين إلى شهر على أنه إذا أدى الاول، عتق، ويؤدي الدينارين بعد العتق، ففي صحة الكتابة القولان فيما إذا جمعت الصفقة عقدين مختلفين. فرع هل يشترط بيان موضع تسليم النجوم ؟ ذكر ابن كج أن فيه الخلاف المذكور في السلم، وذكر خلافا في أنه لو عين موضع، فخرب، هل يسلم فيه، أم في أقرب المواضع إليه.

(8/471)


فرع لو كاتب على مال الغير، فسدت الكتابة، فإن أذن رب المال في أن يعطيه لسيده فأعطاه، عتق، وإن أعطاه بغير إذن المالك، لم يعتق، بخلاف ما إذا قال: إن أديت إلي هذا فأنت حر، فإنه إذا أداه، عتق، وإن كان مستحقا، لان ذلك محض تعليق، وهذه كتابة تقتضي التمليك، فإذا وجد إذن المالك، وجد ما يقتضي الملك، لكن يجب الرد والرجوع إلى القيمة لفساد الكتابة. فرع إذا شرط أن يشتري أحدهما من الآخر، فسدت الكتابة. ولو كاتبه وباعه شيئا بعوض واحد، كقوله: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بمائة إلى شهرين، تؤدي نصفها في آخر كل شهر، فإذا أديت فأنت حر، فقال: قبلت الكتابة والبيع، أو البيع والكتابة، أو قبلتهما، فطريقان. أحدهما: على القولين فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم، ففي قول: يصحان، وفي قول: يبطلان. والثاني وهو المذهب: يبطل البيع، وفي الكتابة قولا تفريق الصفقة، فإن صححناها وهو الاظهر، فيصح بجميع العوض في قول، وبالقسط على الاظهر، فيوزع ما سماه على قيمة العبد وقيمة الثوب، فما خص العبد، لزمه في النجمين، فإذا أداه، عتق. وإن قلنا: فاسدة، لم يعتق حتى يؤدي جميع المال ليحقق الصفة ثم يتراجعان. قال الصيدلاني: ويحتمل أن يخرج قول: انه إذا أدى ما يخص قيمته، عتق ثم يتراجعان. فرع كاتب ثلاثة أعبد صفقة، فقال: كاتبتكم على ألف إلى وقتي كذا وكذا، فإذا أديتم، فأنتم أحرار، فالنص صحة الكتابة. ولو اشترى رجل ثلاثة أعبد، كل لرجل عبد من ملاكهم صفقة، فالنص بطلان البيع. ولو نكح نسوة، أو خالعهن على عوض واحد، ففي صحة المسمى قولان منصوصان. وقد سبق ذكر هذه الصورة وما فيها من الطرق في كتاب الصداق، فإن أفسدنا هذه الكتابة، فأدوا المال، عتقوا بالتعليق، وإن أد بعضهم حصته، فهل يعتق ؟ وجهان أو قولان. أصحهما: لا، لعدم كمال الصفة، كما لو قال: إن دخلتم الدار، فأنتم أحرار، فدخل بعضهم، لا يعتق. والثاني: نعم، لا العتق في الكتابة الفاسدة، محمول

(8/472)


على المعاوضة، ولهذا يتراجعان. ومقتضى المعاوضة أن يعتق كل واحد بأداء حصته، ثم من عتق رجع على السيد بقيمته يوم العتق، لان سلطة السيد باقية إلى يوم العتق، لتمكنه من فسخ الكتابة الفاسدة، وإن صححنا الكتابة، وهو المذهب، وزع المسمى عليهم. ثم المذهب توزيعه على قيمتهم لا على عددهم، ثم كل عبد يؤدي حصته من النجمين، فإذا أداها، عتق، ولا يتوقف عتقه على أداء غيره. وإن مات بعضهم، أو عجز، فهو رقيق، ويعتق غيره بالاداء، ولا يقال: علق بأدائهم، لان الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة، ولهذا إذا أبرأ السيد المكاتب، عتق، وإذا مات، لم تبطل الكتابة، بخلاف التعليقات. الركن الثالث: السيد، وشرطه: كونه مختارا، مكلفا، أهلا للتبرع، فلا تصح كتابة صبي ومجنون، ولا إعتاقهما على مال، ولو أذن فيه الولي. ولا كتابة وليهما أبا كان أو غيره، ولا إعتاقه عبدهما بمال. فلو أدى العبد إلى الولي ما كاتبه عليه، لم يعتق لبطلان التعليق، ولا تصح كتابة محجور عليه بسفه، ولا يحصل العتق بتسليم المال إليه، لا في الحجر ولا بعد ارتفاعه. وحكى الفوراني خلافا فيما لو سلم المال إليه في حال الحجر ثم ارتفع حجره، أنه هل يعتق بالتسليم السابق ؟ والمذهب الاول. فرع المريض إذا كاتب في مرض موته، اعتبرت قيمة العبد من الثلث، وإن كاتبه على أكثر منها، ثم إن كان يملك عند الموت مثلي قيمته، صحت الكتابة، وإن لم يملك غيره، وأدى في حياة السيد، فإن كان كاتبه على مثلي قيمته، عتق كله، لانه يبقى للورثة مثلاه، وإن كان كاتبه على مثل قيمته، عتق ثلثاه. وإن كاتبه على مثل قيمته، وأدى نصف النجوم، صحت الكتابة في نصفه. أما إذا لم يؤد شيئا حتى مات السيد، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث فثلثه

(8/473)


مكاتب، فإذا أدى حصته من النجوم، عتق. وهل يزاد في الكتابة بقدر نصف ما أدى، وهو سدس العبد ؟ وجهان، الاصح المنصوص: لا، لان الكتابة بطلت في الثلثين، فلا تعود، والثاني نعم، كما لو ظهر للميت دفين، أو نصب شبكة في الحياة، فيعقل بها صيد بعد الموت، فإنه يزاد في الكتابة. فإن قلنا: يزاد، وكان الاداء بعد حلول النجم، فهل يلزمه حصة السدس من النجوم في الحال، أم يضرب له مثل المدة التي ضربها الميت أولا ؟ وجهان بناء على ما إذا حبس السيد المكاتب مده، فإذا زيدت الكتابة بقدر السدس، فأدى نجومه، يزداد نصف السدس، وهكذا يزاد نصف ما يؤدي مرة بعد أخرى إلى أن ينتهي إلى ما لا يقبل التنصيف. وإن قلنا لا يزاد في الكتابة، فالباقي قن، ولا يخرج على الخلاف فيما لو كاتب نصيبه من مشترك، فإن ذاك ابتداء كتابة، وهنا وردت الكتابة على الجميع، ثم دعت ضرورة إلى إبطال البعض. وحكى ابن كج عن بعضهم تخريج صحة الكتابة في الثلث على كتابة المشترك. أما إذا أجاز الورثة الكتابة في جميعه، فيصح في جميعه، فإذا عتق بالاداء، فولاء الجميع للمورث إن قلنا: إجازتهم تنفيذ، وإن قلنا: ابتداء عطية، فولاء الثلث للمورث والثلثين لهم على قدر مواريثهم. وإن أجازوا بعض الثلثين، فإن قلنا: إجازتهم تنفيذ، صحت فيما أجازوا، وحكم الباقي ما سبق. وإن قلنا: عطية، فهو على الخلاف في تبعيض الكتابة. ولو كان عبدان قيمتهما سواء، لا مال له غيرهما، وكاتب في مرض موته أحدهما، وبالآخر نسيئة، نظر، إن حصل الثمن والنجوم في حياته، فالكتابة والبيع صحيحان وإن لم يحصل حتى مات السيد، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث، صحت الكتابة في ثلث هذا، والبيع في ثلث ذاك، فإذا حصلت نجوم الثلث، وثمن الثلث، فهل يزاد في الكتابة والبيع ؟ فيه الوجهان. إن قلنا: نعم، يقع فيهما جميعا، وصححت الكتابة في نصف سدس، وكذا البيع، وإن حصلت نجوم الثلث وثمن الثلث معا، صحح كل واحد منهما في السدس. ولو كاتبه في الصحة، ثم أبرأه عن النجوم في المرض، أو

(8/474)


قال: وضعت عنه النجوم، أو أعتقته، فإن خرج من الثلث، عتق كله، وإن لم يكن له مال سواه، فإن اختار العجز، عتق ثلثه، ورق ثلثاه، وإن اختار بقاء الكتابة، فإن كانت النجوم مثل القيمة، فالاصح أنه يعتق ثلثه، وتبقى الكتابة في الثلثين. والثاني: لا يعتق ثلثه حتى يسلم للورثة ثلثاه، إما بأداء نجوم الثلثين، وإما بالعجز. وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت، اعتبر خروج الاقل منهما من الثلث. وقد ذكرنا جميع هذا ووجوهه وطرق حسابه في الوصايا. ولو أوصى بإعتاق مكاتبه، أو إبرائه، أو وضع النجوم عنه، نظر، أيخرج من الثلث، أم لا ؟ ويكون الحكم كما لو أعتقه السيد أو أبرأه، إلا أنه يحتاج إلى إنشاء عتق وإبراء بعد موت السيد. ولو كاتب في صحته، وقبض النجوم في مرض موته، أو قبضها وارثه بعد موته، صح القبض، وكانت الكتابة من رأس المال، كما لو باع بمحاباة في الصحة، وقبض الثمن في المرض. ولو أقر في المرض أنه قبض النجوم في الصحة، أو في المرض، قبل إقراره، وكان الاعتبار من رأس المال، لانه أقر بما يقدر على إنشائه، ولان الاقرار لغير الوارث يستوي فيه الصحة والمرض. فصل لا يشترط لصحة الكتابة إسلام السيد، بل تصح كتابة الكافر كإعتاقه. وفي كتابة المرتد خمسة أقوال منصوصة ومخرجة، أظهرها: البطلان. والثاني: تصح. والثالث: موقوف على إسلامه. والرابع: يصح قبل الحجر عليه. وإن قلنا: يصير محجورا عليه بنفس الردة. والخامس: يصح قبل أن يصير عليه حجرا، إما بنفس الردة، وإما بحجر القاضي، فإذا صححناها، ولم نحجر عليه، وقلنا: لا يصير محجورا عليه بالردة، فدفع المكاتب النجوم إليه، عتق، وكان له الولاء، ويملك النجوم، لانا حكمنا ببقاء ملكه على هذا القوم. إن أبطلناها، لم يصح الاداء، ويعتق. وإن قلنا: موقوف، فالاداء موقوف، فإن مات مرتدا بان بطلانها، وكان العبد قنا، وإن صار محجورا عليه بنفس الردة، أو بحجر القاضي، فإن أبطلناها، فعلى ما ذكرنا إذا لم يكن حجر، وإن صححناها، أو توقفنا، لم يجز دفع النجوم إليه، لان المحجور عليه لا يصح قبضه، بل يجب دفعه إلى الحاكم، فإن دفعها إلى المرتد، لم يعتق، ويستردها ويدفعها إلى

(8/475)


الحاكم، فإن تلفت وتعذر الاسترداد، فإن كان معه ما يفي بالنجوم، ودفعه إلى الحاكم، فذاك، وإلا فله تعجيزه. ثم إن مات السيد على الردة بعد ما عجزه، فهو رقيق، وإن أسلم، فهل يكفي التعجيز ؟ قولان أو وجهان. أظهرهما وهو نصه في المختصر: نعم، لان المنع من التسليم إليه كان لحق المسلمين، فإذا أسلم، صار الحق له، فيعتمد بقبضه، فعلى هذا يعتق إن كان دفع إليه كل النجوم. وقيل: لا يعتق، ولا ينقلب القبض الممنوع منه صحيحا، لكن يبقى مكاتبا، فيستأنف الاداء، ويمهل مدة الردة، والصحيح المعروف: الاول. ولو كاتب مسلم عبده، ثم ارتد السيد لم تبطل الكتابة، كما لا يبطل بيعه، لكن لا يجوز دفع النجوم إليه إن قلنا: زال ملكه، وصار محجورا عليه، فإن دفعها إليه، فعلى ما ذكرناه. فرع يجوز أن يكاتب عبده المرتد، كما يجوز بيعه وتدبيره وإعتاقه، ثم إن أدى النجوم في ردته من أكسابه، أو تبرع بأدائها غيره، عتق، ثم جرى عليه حكم المرتدين، وإن لم يؤدها، وعاد إلى الاسلام، بقي مكاتبا، وإن لم يسلم، قتل، وكان ما في يده لسيده. وإن ارتد مكاتب، لم تبطل كتابته، فإن هلك على الردة، كان ما في يده لسيده، وارتفعت الكتابة. قال في الام: ولا أجيز كتابة السيد المرتد، والعبد المرتد، إلا على ما أجيز عليه كتابة المسلمين، بخلاف الكافرين الاصليين يتركان على ما يستحلان، ما لم يتحاكما إلينا. قال: ولو لحق السيد بعد ردته بدار الحرب، ووقف الحخكم ماله، تتأدى كتابة مكاتبه، فإن عجز رده إلى الرق فإن عجزه ثم جاء سيده، فالتعجيز ماض، ويكون رقيقا له، فإن أسلم السيد، ففي الاعتداد بما دفعه إليه ما سبق. فرع تصح كتابة الذمي كتابيا كان أو مجوسيا، وكتابة المستأمن، هذا إذا كاتبوا على شرائط شرعنا، فإن كاتب ذمي على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، فإن كان ذلك قبل العوض المسمى، فالعتق حاصل، ولا رجوع للسيد على العبد، وإن كان قبل القبض، حكمنا بفسادها وإبطالها، فإن وجد القبض بعد

(8/476)


ذلك، لم يحصل العتق، لانه لا أثر للكتابة الفاسدة بعد الفسخ والابطال. وإن قبض بعد الاسلام، ثم ترافعا، حصل العتق، لوجود الصفة، ويرجع السيد على المكاتب بقيمته، ولا يرجع المكاتب على السيد بشئ للخمر والخنزير. ولو كان المسمى له قيمة، رجع وإن قبض بعض المسمى في الشرك، ثم أسلما، أو ترافعا إلينا، حكم ببطلان الكتابة، فلو اتفق قبض الباقي بعد الاسلام وقبل إبطالها، حصل العتق، ورجع السيد عليه بجميع قيمته، ولا يوزع على المقبوض والباقي، لان العتق يتعلق بالنجم الاخير، وقد وجد في الاسلام. ولو أسلم عبد لذمى، أو اشترى مسلما، وصححنا شراءه، وأمرنا بإزالة الملك عنه، فكاتبه، صحت الكتابة على الاظهر، لان فيه نظرا للعبد، فإن عجز، أمر بإزالة الملك. وإن قلنا: لا يصح، أمر بإزالة الملك في الحال، فإن أدى النجوم قبل الازالة، عتق بحكم الكتابة الفاسدة. ولو كاتب ذمي عبده، فأسلم المكاتب، لم ترتفع الكتابة على المذهب، لقوة الدوام. فرع تصح كتابة الحربي، لانه مالك، فإن قهره سيده بعد الكتابة، ارتفعت، وصار قنا. ولو قهر سيده، صار حرا، وعاد السيد عبدا له، لان الدار دار قهر، وكذا لو قهر حر حرا هناك، بخلاف ما لو دخل السيد، والمكاتب دار الاسلام بأمان، ثم قهر أحدهما الآخر، لا يملكه، لان الدار دار حق وإنصاف. ولو خرج المكاتب إلينا مسلما هاربا من سيده، ارتفعت الكتابة، وصار حرا، لانه قهره على نفسه، فزال ملكه عنه. وإن خرج غير مسلم، نظر، إن خرج بإذنه وأماننا، لتجارة، وغيرها، استمرت الكتابة، وإن خرج هاربا، بطلت، وصار حرا. ثم لا يمكن من الاقامة عندنا إلا بالجزية، فإن لم يقبل، أو كان ممن لا يقر بالجزية، ألحق بمأمنه، وإن جاءنا السيد مسلما، لم يتعرض لمكاتبه هناك، وإن دخل بأمان مع المكاتب، ولم يقهر أحدهما الآخر، وأراد العود إلى دار الحرب، وكاتبه بعد ما دخلا، وأراد

(8/477)


العود، فلم يوافقه المكاتب، لم يكن له أن يحمله قهرا، كما لا يسافر المسلم بمكاتبه، بل يوكل من يقبض النجوم، فإن أراد أن يقيم، طولب بالجزية، ثم إن عتق المكاتب طولب بالجزية أو رد إلى المأمن، وإن عجز نفسه، عاد قنا للسيد. قال ابن الصباغ: ويبقى الامان فيه، وإن انتقض في نفس سيده بعوده، لان المال ينفرد بالامان. ولهذا لو بعث الحربي ماله إلى دار الاسلام بأمان، ثبت الامان للمال دون صاحبه، ويجئ فيه الخلاف السابق في السيد، فيمن رجع وخلف عندنا مالا. ولو مات السيد في دار الاسلام، أو بعد العود إلى دار الحرب، ففي مال الكتابة قولان. أظهرهما: يبقى الامان فيه، فيرسل إلى ورثته، لانه لا خلاف أنهم ورثوه، ومن ورث مالا، ورثه بحقوقه، كالرهن والضمين. والثاني: يبطل الامان فيه، ويكون قنا، لانه مال كافر لا أمان له. وإن سبي السيد بعد رجوعه إلى دار الحرب، نظر، إن من عليه أو فدي، أخذ النجوم، وهما بما جرى في أمان ما دام في دار الاسلام، فإن رجع انتقض الامان فيه. وفي المال إن تركه عندنا ما سبق، وإن استرق، زال ملكه. وفي مال الكتابة طريقان. أحدهما: قولان، كالموت. والثاني: لا يبطل قطعا، لانه ينتظر عتقه ومصيره مالكا، بخلاف الميت. وأما ولاء هذا المكاتب، فإن عتق قبل استرقاق السيد، فطريقان، أحدهما: أن الولاء كالمال، فإن جعلناه فيئا، فالولاء لاهل الفئ، وإن توقفنا، فكذلك تتوقف في الولاء. والثاني وهو المذهب: أنه يسقط ولاؤه، لان الولاء لا يورث، ولا ينتقل من شخص إلى شخص. وإن استرق السيد قبل عتق المكاتب، فإن جعلنا ما في ذمته فيئا، فادعى عتق بدفعه إلى المكاتب، ففي الولاء وجهان. وإن قلنا: موقوف، فإن عتق السيد، دفع المكاتب المال إليه، وكان له الولاء، وإن مات رقيقا، وصار المال فيئا، ففي الولاء الوجهان. ولو قال المكاتب في مدة التوقف: انصبوا من يقبض المال لاعتق، أجيب إليه، وإذا عتق، فليكن في الخلاف. وقيل: يبنى على أن مكاتب المكاتب إذا عتق تفريعا على صحة كتابته، يكون ولاؤه لسيد

(8/478)


المكاتب، أو يوقف على عتق المكاتب. وفيه قولا. إن قلنا بالاول، فالولاء هنا لاهل الفئ، وإن قلنا بالثاني، فيوقف. قال الروياني: الاصح عند الاصحاب أنه يوقف المال، والولاء، فإن عتق، فهما له، وإن مات رقيقا، فالمال فئ، ويسقط الولاء. فرع كاتب مسلم عبدا كافرا في دار الاسلام أو الحرب، صح، فإن عتق، لم يمكن من الاقامة بدارنا إلا بجزية، فإن كاتب بدار الحرب، فأسر، لم تبطل كتابته، لانه في أمان سيده. ولو استولى الكفار على مكاتب مسلم، لم تبطل كتابته، وكذا لم يبطل التدبير والاستيلاد، فإذا استنقذ المسلمون مكاتبه، فهل يحسب عليه مدة الاسر من أجل مال الكتابة ؟ طريقان. أحدهما: كما لو حبسه السيد، والمذهب القطع بالاحتساب، لعدم تقصير السيد. وهل للسيد الفسخ بالتعجيز وهو الاسر ؟ إن قلنا: يحسب، فله ذلك. ثم هل يفسخ بنفسه كما لو حضر المكاتب، أو يرفع الامر إلى القاضي ليبحث هل له مال ؟ وجهان. أظهرهما: الاول. فإذا فسخت، وخلص، وأقام بينة أنه كان له من المال ما يكفي بالكتابة، بطل الفسخ، وأدى المال وعتق. الركن الرابع: المكاتب، وشرطه كونه مكلفا مختارا، فلا تصح كتابة مجنون، ولا صبي وإن كان مميزا، ولا مكره. ولو كاتب البالغ لنفسه ولاولاده الصغار، لم يصح لهم. وفي صحتها لنفسه قولا تفريق الصفقة. ولو كاتب عبده الصغير أو المجنون وقال في كتابته: إذا أديت كذا فأنت حر، فوجدت الصفة، عتق، هكذا قال الاصحاب، وفيه احتمال للامام. ثم قيل: يعتق بحكم كتابة فاسدة، لانه لم يرض بعتقه إلا بعوض. فعلى هذا يرجع السيد عليه بقيمته، ويرجع هو على السيد بما دفع، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يعتق بمجرد الصفة، وليس لما جرى حكم الكتابة الفاسدة في التراجع ولا غيره، ولا تصح كتابة عبد مرهون، لانه مرصد للبيع، ولا مستأجر، لانه مستحق المنفعة، وتصح كتابة المعلق عتقه بصفة، والمدبر، والمستولدة. وفي امستولدة وجه. ولو قبل الكتابة

(8/479)


من السيد أجنبي على أن يؤدي عن العبد كذا في نجمين، فإذا أداها، عتق العبد، فهل يصح ؟ وجهان. أحدهما: نعم، كخلع الاجنبي. والثاني: لا، لمخالفة موضوع الباب، فإن صححناها، فهل تجوز حالة ؟ وجهان. وإن لم نصححها، فأدى عتق العبد بالصفة، ويرجع المؤدي على السيد بما أدى، والسيد عليه بقيمة العبد. قلت: الاصح أنها لا تصح. والله أعلم فصل إذا كاتب بعض عبده، إن كان باقيه حرا، صحت الكتابة، لانها استغرقت الرقيه منه، فإن كاتب جميعه والحالة هذه، بطلت في الحر منه. وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، وكذا لو كان يعتقد الرق في جميعه، فبان بعضه حرا، فإن قلنا: تفسد، لم يعتق حتى يؤدي جميع المسمى، لتتحقق الصفة، فإذا عتق، استرد من السيد ما أدى، وللسيد قسط القدر الذي كاتبه من القيمة. وإن قلنا: يصح، فهل يستحق جميع المسمى، أم قسط الرقيق من القيمة ؟ قولان، كالبيع إذا أجازه في المملوك. أما إذا كاتب بعض عبد، وباقيه رقيق، فللرقيق حالان. أحدهما: أن يكون له أيضا، فلا تصح كتابته على المذهب والمنصوص، وبه قطع الجمهور. فإن صححنا، وكان بينه وبين السيد مهايأة، وكسب النجوم في نوبته، فأداها، عتق القدر الذي كاتبه وسرى إلى الباقي. وإن لم تكن مهايأة، فكسبه بينهما، فإن كسب ما يفي بقسط السيد والنجوم، عتق، وإن لم يكسب إلا قدر النجوم، ففي العتق خلاف سنذكر نظيره إن شاء الله تعالى. وإن لم نصححها، فهي كتابة فاسدة، فإن أدى المال قبل أيفسخها السيد، عتق، والسراية كما ذكرنا، ثم يرجع المكاتب على السيد بما أدى، ويرجع السيد عليه بقسط القدر المكاتب من القيمة، ولا يرجع بقسط ما سرى العتق إليه، لانه لم يعتق بحكم الكتابة. الحال الثاني: أن يكون الباقي لغيره، فإذا كاتب أحد الشريكين نصيبه، إن

(8/480)


كان بإذن الآخر، فقولان أظهرهما: لا يصح، لان الشريك الآخر يمنعه من التردد والمسافرة، ولا يمكن أن يصرف إليه سهم المكاتبين من الزكاة. والثاني: يصح، كما يصح إعتاق بعضه. وإن كاتبه بغير إذن الآخر، لم يصح على المذهب. وقيل بطرد الخلاف. فإن أفسدنا كتابة الشريك، فللسيد إبطالها، فإن لم يفعل، ودفع العبد إلى الذي لم يكاتبه بعض كسبه، وإلى الذي كاتب بعضه بحسب الملك حتى أدى مال الكتابة، عتق ويقوم نصيب الشريك على الذي كاتب، بشرط يساره، ويرجع العبد عليه بما دفع، ويرجع هو على العبد بقسط القدر الذي كاتبه من القيمة. وإن دفع جميع ما كسبه إلى الذي كاتبه حتى تم قدر النجوم، فوجهان، ونقلهما الصيدلاني قولين أحدهما: يعتق، لان العتق في الكتابة الفاسدة يتعلق بحصول الصفة، وقد حصلت. وأصحهما: لا يعتق، لان المعاوضة تقتضي إعطاء ما تملكه لينتفع به المدفوع إليه. وأجري الخلاف فيما لو قال: إن أعطيتني عبدا، فأنت حر، فأعطاه عبدا مغصوبا، هل يحصل العتق ؟ فإن قلنا: لا يعتق فللذي لم يكاتب أن يأخذ نصيبه مما أخذه الذي كاتب، ثم أن أدى العبد تمام النجوم من حصته من الكسب، عتق، وإلا فلا. وإن قلنا: يعتق فيأخذ نصيبه أيضا. والتراجع بين الذي كاتب والعبد، وسراية العتق على ما سبق. وإن صححنا كتابة الشريك، فدفع العبد من كسبه إلى الذي كاتبه حصته، أو جرت بينه وبين الذي لم يكاتبه مهايأة، فدفع ما كسبه في نوبة نفسه إلى الذي كاتبه حتى تمت النجوم، عتق، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا، وكذا لو أبرأه عن النجوم أو أعتقه. وإن دفع إليه كل كسبه حتى تم قدر النجوم، فقيل: في حصول العتق وجهان أو قولان، كما ذكرنا تفريعا على الفساد، والمذهب القطع بالمنع، لان الكتابة إذا صحت، غلب فيها حكم العارضات. وفي العارضات تسلم غير المملوك كعدمه، وأما الفاسدة، فالمغلب فيها حكم الصفة. فرع أذن الشريك في كتابة نصيبه، فله أن يرجع عن الاذن، فإن لم يعلم الشريك برجوعه حتى كاتب، فعلى الخلاف في تصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به. ولو كاتب نصيبه بإذن الشريك، وجوزناه، فأراد الآخر كتابة نصيبه، هل

(8/481)


يحتاج إلى إذن الاول ؟ وجهان. فرع كاتب أحدهما نصيبه، وقال للآخر: كاتبته بإذنك، فأنكر، فإن قال مع ذلك: قد أدى المال، عتق بإقراره، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا. وإن لم يقر بالاداء، فالقول قول المنكر بيمينه، فإن حلف، بطلت الكتابة، وإن نكل، حلف الذي كاتب، فإن نكل، حلف العبد. هكذا حكاه ابن كج عن ابن القطان، قال: وعنده ينبغي أن يكون هذا التداعي بين الشريك والمكاتب، فإذا ادعى المكاتب الاذن، وأنكر الشريك، صدق، فإن نكل، حلف المكاتب، وثبتت الكتابة. فرع إذا كاتب الشريكان العبد معا، أو وكلا من كاتبه، أو وكل أحدهما الآخر فكاتبه، صحت الكتابة قطعا إن اتفقت النجوم جنسا وأجلا وعددا، وجعلا حصة كل واحد من النجوم بحسب اشتراكهم في العبد، أو أطلقا، فإنها تقسم كذلك. وإن اختلفت النجوم في الجنس، أو قدر الاجل، أو العدد، أو شرط التساوي في النجوم مع التساوي في الملك، أو بالعكس، ففي صحة كتابتهما القولان فيما إذا انفرد أحدهما بكتابة نصيبه بإذن الآخر. وقيل: تبطل قطعا، فلا يشترط استواء ملك الشريكين في الذي تكاتبا فيه. وقيل: يشترط، وليس بشئ. فرع من بعضه رقيق، لا يجوز صرف الزكاة إليه للقدر المكاتب منه على الصحيح أو المشهور، وحكي وجه وقول، ومال الروياني إلى تفصيل حسن، وهو أنه إن لم يكن بينهما مهايأة لا يجوز، وإلا فيجوز في اليوم نفسه. فرع إذا كاتباه، ثم عجز، فعجزه أحدهما، وفسخ الكتابة، وأراد الآخر إنظاره وإبقاء الكتابة، فالمذهب أنه كابتداء الكتابة، فلا يجوز بغير إذن الشريك على المذهب، ولا بإذنه على الاظهر. ومنهم من قطع بالجواز بالاذن، لان الدوام أقوى من الابتداء. وهل يكون التوافق على ابتداء الكتابة إذنا في ابقائها ؟ وجهان.

(8/482)


أحدهما: نعم، لانهما إذا توافقا فقد رضيا بأحكامها. ومن أحكامها جواز الانظار عن العجز. وأصحهما: المنع، وجعل الارقاق ناقصا لما جرى به الاذن. ولو كاتب رجل عبده، ومات عن ابنين، وعجز المكاتب، فأرقه أحدهما، وأراد الآخر إنظاره، ففيه الطريقان، وأولى بالابقاء، لانها صدرت أولا من واحد، فيصير كأنه كاتب بعض عبده. فصل قد ذكرنا الكتابة الصحيحة بأركانها وشروطها. فأما التي لا تصح، فتنقسم إلى باطلة وفاسدة. أما الباطلة، فهي التي اختل بعض أركانها، بأن كان السيد صبيا، أو مجنونا، أو مكرها على الكتابة، أو كان العبد كذلك، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما، أو لم يجر ذكر عوض، أو ذكر ما لا يقصد، ولا مالية فيه، كالحشرات، والدم، أو اختلت الصيغة، بأن فقد الايجاب أو القبول، أو لم يوافق أحدهما الآخر. وأما الفاسدة، فهي التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض، بأن ذكر خمرا، أو خنزيرا، أو مجهولا، أو لم يؤجله، أو لم ينجمه، أو كاتب بعض العبد. وضبطها الامام فقال: إذا صدرت الكتابة إيجابا وقبولا ممن تصح عبارته، وظهر اشتمالها المالية، لكنها لم تجمع شرائط الصحة، فهي الكتابة الفاسدة، وجعل الصيدلاني الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة، كالكتابة على خمر. إذا عرف هذا، فالكتابة الباطلة لاغية، إلا أنه إذا صرح بالتعليق، وهو ممن يصح تعليقه، ثبت حكم التعليق. وأما الفاسدة، فإنها تشارك الصحيحة في بعض الاحكام، كما سنذكره على الاثر إن شاء الله تعالى بخلاف البيع وغيره من العقود، لا يفرق بين فاسدها

(8/483)


وصحيحها، لان مقصود الكتابة العتق، وهو لا يبطل بالتعليق على فاسد. قال الاصحاب: تعليق العتق بالصفة ثلاثة أقسام. أحدها: التعليق الخالي عن المعاوضة، كقوله: إن دخلت الدار، أو كلمت فلانا، فأنت حر. ومن هذا: إن أديت إلي كذا فأنت حر، فإن المال ليس مذكورا على سبيل المعاوضة، فهذا القسم لازم من الجانبين، فليس للسيد، ولا للعبد، ولا لهما، رفعه بالقول، ويبطل بموت السيد. وإذا وجدت الصفة في حياة السيد، عتق، وكسبه قبل وجود الصفة للسيد. ولو أبرأه في صورة التعليق بأداء المال عن المال، لم يعتق، ولا تراجع بين السيد وبينه. القسم الثاني: التعليق في عقد يغلب فيه معنى المعاوضة، وهو الكتابة الصحيحة، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى.

(8/484)


الثالث: التعليق في عقد فيه معنى المعاوضة، ويغلب فيه معنى التعليق، وهو الكتابة الفاسدة، وهي كالصحيحة في أحكام. أحدها: أنه إذا أدى العبد المسمى، عتق بموجب التعليق، ولا يعتق بإبراء السيد، ولا بأداء الغير عنه تبرعا، لان الصفة لا تحصل بهما. ولو اعتاض عن المسمى، لم يعتق أيضا. الثاني: أنه يستقل بالاكتساب، فيتردد ويتصرف، فيؤدي المسمى ويعتق. وإذا أدى، فما فضل من الكسب، فهو له، لان الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق بالاداء، فكذلك في الكسب، وولد المكاتب من جارية ككسبه، لكن لا يجوز له بيعه، لانه مكاتب عليه، فإذا عتق تبعه، وعتق عليه. وهل يتبع المكاتبة كتابة فاسدة ولدها ؟ طريقان. المذهب: نعم، كالكسب. والثاني: قولان، كما سبق في باب التدبير في ولد المعلق عتقها بصفة. الثالث: ذكر الامام والغزالي أنه إذا استقل، سقطت نفقته عن السيد، وان معاملته كالمكاتب كتابة صحيحة. والذي ذكره البغوي أنه لا تجوز معاملته مع السيد، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده، كما في المعلق عتقه بصفة، ولعل هذا أقوى. فرع المكاتب كتابة صحيحة، هل له السفر بغير إذن السيد ؟ فيه نصان، فقيل: قولان أظهرهما: الجواز، لانه يستعين به على الكسب، ولانه في يد نفسه، وعليه دين مؤجل، فلم يمنع السفر. وقيل: نص الجواز محمول على سفر قصير، والمنع على طويل. وقيل: الجواز إذا لم يحل النجم، والمنع إذا حل، فإن جوزناه، فهل يجوز للمكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان، أصحهما: لا. فرع تفارق الفاسدة الصحيحة في أمور. أحدها: إذا أدى المسمى في الفاسدة، وعتق، رجع على السيد بما أدى، ورجع السيد عليه بقيمته يوم العتق. وفي قول ضعيف: يرجع بقيمة يوم العقد، فإن هلك المسمى في يد السيد، رجع العتيق بثلثه أو قيمته، فإن كان الواجب على السيد من جنس القيمة، بأن كان غالب نقد البلد، فهو على أقوال التقاص، وسنذكرها إن شاء الله تعالى. وإذا حصل التقاص وفضل لاحدهما شئ رجع به، وإنما يثبت التراجع إذا كان المسمى

(8/485)


مالا، فإن كان خمرا أو نحوه، لم يرجع العتيق على السيد بشئ، ويرجع السيد عليه بالقيمة. الثاني: للسيد فسخ الكتابة الفاسدة، بخلاف الصحيحة، ثم إن شاء فسخ بنفسه، وإن شاء رفع الامر إلى القاضي، ليحكم بإبطالها أو يفسخها. قال الروياني: وهو كما لو وجد المشتري المبيع معيبا، له أن يفسخ بنفسه، وله أن يرفع الامر إلى القاضي ليفسخ، ولا يبطلها القاضي بغير طلب السيد. وقال ابن سلمة: لا سبيل إلى إبطال الفاسدة بالقول، لان العتق فيها يحصل بالتعليق، والتعليق لا يصح إبطاله، والصحيح الاول، فإذا فسخها، أو حكم الحاكم بإبطالها، ثم أدى المسمى، لم يعتق، لانه إن كان تعليقا، فهو في ضمن معاوضته، فإذا ارتفعت المعاوضة، ارتفع ما تضمنته من التعليق، وليشهد السيد على الفسخ، فإن أدى المسمى، وقال: أديته قبل الفسخ، وقال السيد: بل بعده، صدق العبد، لان الاصل عدم الفسخ، وعلى السيد البينة. الثالث: إذا أعتق المكاتب كتابة فاسدة، لا عن جهة الكتابة أو باعه، أو وهبه، كان فسخا للكتابة. ولو أعتقه عن كفارة، أجزأه، نص عليه في الام قال الشيخ أبو علي: إذا عتق لا عن جهة الكتابة، لا يتبعه الكسب والولد، بخلاف الكتابة الصحيحة، لان المكاتب هناك استحق العتق على السيد بعقد لازم، واستحق استتباع الولد والكسب، فليس للسيد إبطاله، وهناك لا استحقاق على السيد، فجعل فاسخا. قال: وعرضت هذا على القفال، فاستحسنه، وأقرني عليه، ولم ير غيره. وحكى الامام وجها أنه لا يجزئ عن الكفارة، ولا يتبعه الولد والكسب، والصحيح الاول. الرابع: تبطل الكتابة الفاسدة بموت السيد، ولا يعتق بالاداء إلى الوارث بعد الموت، بخلاف الصحيحة، فإن قال: إن أديت إلى وارثي كذا بعد موتي، فأنت حر، عتق بالاداء إليه. الخامس: لا يجب الايتاء في الفاسدة. السادس: لو كاتب أمة كتابة فاسدة، وعجزت عن الاداء، فأرقها، أو فسخ

(8/486)


الكتابة قبل عجزها، لم يجب الاستبراء، بخلاف الصحيحة. السابع: لو عجل النجوم في الكتابة الفاسدة، فهل يعتق كالصحيحة، أم لا، لان الصفة لم توجد على وجهها 0 وجهان. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم الثامن: من يلزم السيد فطرة المكاتب كتابة فاسدة. التاسع: هل يصرف سهم المكاتبين إلى المكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان الاصح المنصوص: المنع. العاشر: المسافرة ممنوعة في الفاسدة على المذهب، جائزة في الصحيحة على المذهب، كما سبق وبالله التوفيق.

(8/487)


الباب الثاني : في أحكام الكتابة الصحيحة هي خمسة: الاول: حصول العتق، ويتعلق بما يحصل به العتق مسائل. إحداها: أنه يحصل بأداء كل النجوم، وكذا بالابراء، وفي حصوله بالاستبدال عن النجوم خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. وإذا جوزنا الحوالة بالنجوم، أو عليها، حصل العتق بنفس الحوالة. ولو أدى بعض النجوم، أو أبرأه عن بعضها، لم يعتق شئ منه، بل يتوقف على الجميع، للحديب الحسن المكاتب عبدما بقي عليه درهم. ولو كاتب عبيدا صفقة واحدة، فقد سبق أن المذهب صحتها، وأنه إذا أدى بعضهم حصته، عتق، وإن لم يؤد الآخرون شيئا. ولو كاتب اثنان عبدهما معا، فليسو بينهما في الاداء، ولا يعتق نصيب أحدهما بأداء نصيب أحدهما بأداج نصيبه من النجوم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ولو كاتب إنسان عبدا، ومات، وخلف ابنين، فأدى نصيب أحدهما بغير إذن الآخر، لم يعتق. وإن أدى بإذنه، ففي عتقه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. الثانية: لا تنفسخ الكتابة بجنون السيد، ولا العبد، ولا بإغمائهما، فإن جن السيد، فعلى المكاتب تسليم النجوم إلى وليه، فإن سلم إليه، لم يعتق، لان قبضه فاسد. ولو تلف في يده، فلا ضمان، لتقصيره بالتسليم إليه، ثم إن لم يكن في يد المكاتب شئ آخر يؤديه، فللولي تعجيزه. ولو حجر عليه بالسفه، فهو كالجنون.

(8/488)


فلو أدى المكاتب إليه في حال الحجر، وعجزه الولي، ثم رفع الحجر عنه، استمر التعجيز. وقيل: فيه قولان، كما سبق في المرتد إذا أخذ النجوم، وعجز الحاكم المكاتب، ثم أسلم المرتد، والمذهب الاول، لان حجر السفة أقوى. ولهذا لا ينفذ تصرفه قطعا، بخلاف المرتد في قول، ولان حجر السفه لحفظ ماله. فلو حسب عليه ما أخذه، وأتلفه في حال الحجر لم يحصل حفظ المال، وحجر المرتد لحق المسلمين، فإذا أسلم، لم يبق لهم في ماله حق. وأما إذا جن المكاتب، فأدى في جنونه، أو أخذه السيد من غير أداء منه فيعتق، لان قبض النجوم مستحق. ولو أخذها المولى من غير إقباض من المكاتب وقع موقعه. هذا المعروف في المذهب. وقال الامام: إن عسر وصول السيد إلى حقه إلا من جهة قبض ما يصادف، فله ذلك، وإن أمكن مراجعة الولي، فلا وجه لاستبداده بالقبض. فلو استبد، لم يصح، وإذا لم يصح، فلو أقبض المجنون، لم يكلاقباضه حكم. وحكى قولا أو وجها أن الكتابة تنفسخ بجنون المكاتب، والمذهب الاو. هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة، فهل تبطل بجنونهما وإغمائهما ؟ فيه أوجه، أحدهما نعم، كالشركة، والثاني: لا، كالبيع بشرط الخيار، وأصحها عند الجمهور، وهو ظاهر النص: تبطل بجنون السيد وإغمائه، وبالحجر عليه، لا بجنون العبد وإغمائه، لان الحظ في الكتابة للعبد لا للسيد. فإن قلنا: لا تبطل، فأفاق، وأدى المسمى، عتق، وثبت التراجع. قالوا: وكذا لو أخذ السيد في جنونه، وقالوا: ينصب السيد من يرجع له، وينبغي أن لا يعتق بأخذ السيد هنا. وإن قلنا: يعتق في الكتابة الصحيحة، لان المغلب هنا التعليق، والصفة المعلق عليها، بالاداء من العبد، فلم يوجد. وإن قلنا: يبطل، فأدى المسمى، لم يعتق على الاصح، لان العتق بالتعليق في الفاسدة يتبعها، فإذا بطلت، بطل التعليق، كما لو فسخها السيد. والثاني: يعتق، فعلى هذا، قال الامام: الوجه القطع بأن لا تراجع، لان التراجع مقتضى الكتابة الفاسدة وقد زالت، وبقي التعليق

(8/489)


المحض. وقيل يثبت، قال: ومساقه أن يتبعه الكسب، وهذا ضعيف. الثالثة: إذا كاتب الشريكان معا، ثم أعتق أحدهما نصيبه، عتق. وهل يسري إلى نصيب الشريك إن كان موسرا ؟ وجهان أو قولان. الصحيح المشهور: يسري. وفي وقت السراية قولان. أحدهما: في الحال لئلا تتبعض الحرية. وأظهرهما: لا يثبت في الحال، لانه قد انعقد سبب الحرية في النصف الآخر، وفي التعجيل ضرر على السيد، لفوات الولاء، وبالمكاتب بانقطاع الولد والكسب عنه. فإن قلنا: تتعجل السراية، فهل تنفسخ الكتابة في نصيب الشريك، أم يسري العتق مع بقاء الكتابة ؟ وجهان. الصحيح وبه قطع الجمهور: تنفسخ، لان الاعتاق أقوى من الكتابة، فعلى هذا يعتق كله على الشريك للمعتق، ويكون له الولاء. والثاني: يسري العتق مع بقاء الكتابة، لئلا يبطل حق الغير، فعلى هذا ولاء النصف الآخر للشريك، لا للمعتق حينئذ. وإن قلنا: لا تتعجل السراية، فأدى نصيب الآخر من النجوم، عتق عن الكتابة، وكان الولاء بينهما. وإن عجز، وعاد إلى الرق ثبتت السراية حينئذ، ويكون الولاء كله للمعتق، ويجئ الخلاف في أنها ثبتت بنفس العجز، أم بأداء القيمة، أم يثبت بأداء القيمة حصول التعليق من وقت العجز ؟ ويجري هذا الخلاف على قولنا بتعجيل السراية. وإن مات قبل الاداء والعجز، فقد مات بعضه رقيقا وبعضه حرا. وهل يورث ؟ فيه القولان السابقان في الفرائض. ولو أبرأه أحد الشريكين عن نصيبه من النجوم، فهو كما لو أعتقه، والقول في السراية، وفي وقتها كما ذكرنا لو أعتق أحدهما نصيبه. ولو قبض أحدهما نصيبه من النجوم برضى صاحبه، فهل يعتق نصيبه ؟ فيه خلاف سنذكره في الحكم الثاني إن شاء الله تعالى. فإن قلنا: يعتق، فهو كالاعتاق في السراية ووقتها. قال الامام: ولا نقول: إنه مجبر على القبض فلا يسري، لانه مختار في إنشاء الكتابة التي اقتضت إجباره على القبض، فهو كما لو قال أحد الشريكين: إذا طلعت الشمس فنصيبي حر، فإذا طلعت، عتق نصيبه، وسرى، لانه مختار في التعليق. ولو كاتب عبدا ومات عن ابنين، فعتق أحدهما نصيبه، وقلنا: يعتق

(8/490)


نصيبه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، لم يسر، لانه مجبر على القبض وابتداء الكتابة لم يصدر منه. فرع قال العبد لمالكيه وقد كاتباه: قد أعطيتكما النجوم، وأنكرا، صدقا باليمين، وإن صدقه أحدهما، وكذبه الآخر، عتق نصيب المصدق، ويصدق المكذب بيمينه. وهل يسري العتق ؟ فيه خلاف سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى، والمذهب: المنع، والاختلاف في غير النجم الاخير كالاختلاف فيه، لان العتق لا يحصل بغير الاخير. ولو قال المكاتب لاحدهما: دفعت إليك جميع النجوم لتأخذ نصيبك، وتدفع نصيب الآخر إليه، فقال: دفعت إلي نصيبي، ودفعت نصيب الآخر إليه بنفسك، وأنكر الآخر القبض، عتق نصيب المقر، وصدق في أنه لم يقبض نصيب الآخر بيمينه، وصدق الآخر في أنه لم يقبض نصيبه، ولا حاجة إلى اليمين، لان المكاتب لا يدعي عليه شيئا. ثم يتخير المنكر بين أن يأخذ حصته من النجوم من العبد، وبين أن يأخذ من المقر نصف ما أخذ، لان كسب المكاتب متعلق حقهما بالشركة، ويأخذ الباقي من العبد، ولا تقبل شهادة المقر عليه، لانه متهم بدفع المشاركة عنه. وإذا عجز المكاتب عما طالب المنكر به، فله تعجيزه وإرقاق نصيبه. ثم عن نصه في الاملاء أنه يقوم ما أرقه على المقر، ونقله ابن سلمة، وابن خيران إلى الصورة السابقة، وجعلوا التقويم عند العجز في الصورتين على قولين وامتنع الجمهور من نقله إلى تلك الصورة، وفرقوا بأن العبد هناك يقول: أنا حركامل الحال فلا يستحق التقويم، وهنا يعترف بأن نصيب المنكر منه لم يعتق. ولو قال المكاتب لاحدهما: دفعت النجوم إليك لتأخذ نصيبك وتدفع نصيب الآخر إليه، كما صورنا، فقال في الجواب: قد فعلت ما أمرت به فأنت عتيق، وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وصدق المنكر بيمينه، فإذا حلف، بقي نصيبه مكاتبا، وله الخيار بين أخذ حصته من المكاتب، وبين أخذه من المقر لاقراره بأخذها، ومن أيهما أخذ، عتق نصيبه. ثم إن أخذها من المكاتب، فله الرجوع

(8/491)


على المقر، لانه وإن صدقه في الدفع إلى الشريك، فإنه كان ينبغي أن يشهد عليه. وإن أخذها من المقر، فلا رجوع له على المكاتب، لاعترافه بأنه مظلوم. فإذا اختار الرجوع على المكاتب، فلم يأخذ حصته من المقر، ولم يدفعها إلى المنكر، وعجز نفسه، فنصفه حر، ونصفه رقيق، فيقوم على المقر، فيأخذ المنكر منه قيمة النصف، ويأخذ أيضا ما أقر بقبضه له، فإنه كسب النصف الذي كان ملكه. الرابعة: كاتب عبدا وما ت عن ابنين، فهما قائمان مقامه في أنهما إذا أعتقاه أو أبرآه عن النجوم، عتق، وكذا لو استوفياها. ولو أعتقه أحدهما، أو أعتق نصيبه عتق نصيبه وكذا لو أبرأه أحدهما عن نصيبه من النجوم. وقال المزني: لا يعتق نصيبه بالابراء حتى يبرئه الآخر، أو يستوفي منه، كما لو كان الاب حيا فأبرأه عن بعض النجوم. وأجاب الاصحاب بأن هناك لم يبرئه عن جميع ماله عليه، وهنا أبرأه الابن عن جميع ماله عليه، فصار كأحد الشريكين يبرئه عن نصيبه من النجوم، وهذا الذي ذكرنا من أنه إذا أعتق الابن نصيبه، أو أبرأه عن نصيبه، يعتق، وهو الذي قطع به الاصحاب. وقال البغوي: مقتضى سياق المختصر حصول قولين في عتق نصيبه. أحدهما: العتق، وأظهرهما: المنع، بل يوقف، فإن أدى نصيب الآخر، عتق كله، والولاء للاب، وإن عجز، فإن كان قد أعتق نصيبه، عتق الآن نصيبه. ثم إن كان معسرا، فله ولاء ما عتق، والباقي قن للآخر، وإن كان موسرا، قوم عليه الباقي، وبطلت كتابة الاب، وكان ولاء الجميع للابن. وإن كان قد أبرأه عن نصيبه من النجوم، لم يعتق منه شئ بالعجز، لان الكتابة تبطل بالعجز، والعتق في غير الكتابة لا يحصل بالابراء، والمذهب ما قدمناه عن الاصحاب. فعلى هذا إن كان الذي أعتق نصيبه، أو أبرأه معسرا، بقيت الكتابة في نصيب الآخر، فإن عجز، عاد قنا، وإن أدى، وعتق، فولاؤه للاب. وأما ولاء نصيب الاول، فالاصح أنه للاب أيضا. وقيل: للابن، وقيل: إن أعتقه، فله، وإن أبرأه، فللاب. وإن كان موسرا، فهل يسري العتق إلى نصيب الشريك ؟ إذا قلنا بالاصح، لان الكتابة لا تمنع السراية، فيه قولان، أحدهما: نعم، كما لو كاتبه شريكان، ثم أعتقه أحدهما، وأظهرهما: لا، لان الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها، والميت لا يقوم عليه، والابن كالنائب عنه، فإن قلنا: يسري،

(8/492)


فهل يسري في الحال، أو عند العجز ؟ قولان كما سبق في الشريكين، أظهرهما: الثاني، فإن قلنا يسري في الحال، فحكى الامام وجهين في انفساخ الكتابة فيما سرى العتق إليه، كما حكاهما في صورة الشريكين، والذي قطع به الجمهور: الانفساخ فيه، وإثبات ولائه للمعتق، وفي ولاء النصف الاول وجهان، أحدهما: للمعتق فقط، لان نصيب الآخر بقي رقيقا، وأصحهما: أنه لهما، لانه عتق بحكم كتابة الاب، فيثبت له الولاء، وينتقل إليهما بالعصوبة. وإذا قلنا: لا تنفسخ الكتابة فيما سرى إليه، فولاء الجميع للاب، وإن قلنا: إن السراية تثبت عند العجز، فإن أدى نصيب الآخر، عتق كله، وولاؤه للاب، وإن عجز، فطريقان، أحدهما: تبطل الكتابة، ويكون ولاء الجميع له، وأصحهما: أن ولاء ما سرى العتق إليه، وقوم عليه له. وفي ولاء النصف الاول الوجهان. وقد يختص الوجهان بصورة الاعتاق. وفي صورة الابراء يكون ولاء النصف للاب، ينتقل إليهما قطعا، أما إذا قلنا: لا سراية، فنصيب الآخر مكاتب، كما كان، فإن عتق بأداء، أو إعتاق، أو إبراء، فولاء الجميع للاب. وإن عجز، بقي نصيبه رقيقا. وفي ولاء نصيب الاول الوجهان، هل هو له، أم لهما ؟ ولو قبض أحد الابنين نصيبه من النجوم، إن كان بغير إذن الآخر، فهو فاسد، وإن كان بإذنه، فقولان، كما سنذكره في الشريكين إن شاء الله تعالى. فإن صححنا، فقال الامام: لا سراية بلا خلاف، لانه يجبر على القبض. ولا سراية حيث حصل العتق بغير اختيار. وفي التهذيب أن القول في عتق نصيبه، وفي السراية كما ذكرنا فيما إذا أعتق نصيبه، أو أبرأ عن نصيبه من النجوم، بلا فرق. ولمن قال بهذا أن يمنع كونه مجبرا على القبض، ويقول: له الاعتاق والابراء، فإن لم يفعلهما، فيشبه أن يقال: لا يجبر على الانفراد بالقبض، وإن جوزناه، لانه لو عجز عن نصيب الثاني، قاسم الاول فيما أخذ، فله الامتناع من قبض ما عسى الثاني أن يزاحمه فيه. فرع خلف ابنين وعبدا، فادعى العبد أن أباهما كاتبه، فإن كذباه، صدقا بيمينهما على نفي العلم بكتابة الاب، فإن حلف، فذاك، وإن نكلا، وحلف العبد

(8/493)


اليمين المردودة، ثبتت الكتابة، وإن حلف أحدهما دون الآخر، ثبت الرق في نصيب الحالف، وترد اليمين في نصيب الناكل، فإن أقام بينة، اشترط رجلان، لان المقصود الحرية لا المال، وإن صدقاه، أو قامت بينة، فالحكم ما سبق قبل الفرع. وإن صدقه أحدهما، وكذبه الآخر، فالمكذب يصدق بيمينه. وأما نصيب المصدق، فالصحيح ثبوت الكتابة فيه، ولا يضر التبعيض فيه للضرورة. ثم أطلقوا القول بقبول شهادة المصدق على المكذب، وقال الامام: شهادته هذه تثبت له حقوقا، فإن النجوم موروثة، فإن شهد بعد الابراء من النجوم، فله غرض في السراية، فإن نفينا السراية، اتجه القبول، وإذا حكمنا بأن نصيب المصدق مكاتب، والآخر قن، فنصف الكسب له، يصرف في جهة النجوم، ونصفه للمكذب. وإن اتفقا على مهايأة، ليكسب يوما لنفسه، ويوما للمكذب، أو يخدمه، جاز، ولا إجبار عليها على الاصح، ولا تقدير في النوبتين في المهايأة. وقال ابن كج: يجوز يومين وثلاثة، فإن كسبه، فوجهان. وإذا أدى النجوم، وفضل شئ مما كسب لنفسه، فه له. ثم إن أعتق المصدق نصيب نفسه، عتق. وفي سرايته طريقان، قال الاكثرون: قولان، كما لو صدقاه، إلا أنا إذا قلنا بالسراية، ثبت هنا في الحال، ولا يجئ القول الآخر، لان صاحبه منكر الكتابة، فلا يمكن التوقف إلى العجز، وقيل: تثبت السراية في الحال قطعا، لان منكر الكتابة يقول: هو رقيق لهما، فإذا أعتق صاحبه، ثبتت السراية، فإن قلنا: لا سراية، فولاء ما عتق، هل يكون بينهما، أم ينفرد به المصدق ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، لان المنكر أبطل حقه بالانكار، فإن جعلناه بينهما، فمات هذا العبد، ونصفه رقيق، وقلنا: إن مثله يورث، وقفت حصة المنكر، وإن قلنا بالسراية، فولاء النصف الذي سرى العتق إليه، للمعتق، وفي ولاء النصف الآخر الوجهان. ولو أبرأه المصدق عن نصيبه من النجوم، فالمذهب أنه لا سراية، لان منكر الكتابة لا يعترف بعتق نريبه، ويعتقد الابراء لغوا قال الامام: ويجئ الخلاف في السراية، لان قول المصدق مقبول في نصيبه، فإذا أتى بما يقتضي

(8/494)


العتق، فالسراية بعده قهرية، وإن أدى نصيب المصدق من جلنجوم، فلا سراية. وهل يكون ولاء ما عتق لهما، أم يختص به المصدق ؟ فيه الوجهان. ولو عجزه المصدق، عاد قنا، ويكون الكسب الذي في يده للمصدق، لان المكذب أخذ حصته. ولو اختلفا في شئ من أكسابه، فقال المصدق: كسبته بعد الكتابة، وقد أخذت نصيبك، فهو لي، وقال المكذب: بل قبلها، وكان للاب، فورثنا، صدق المصدق، لان الاصل عدم الكسب قبل الكتابة. المسألة الخامسة: إذا قبض النجوم، فوجدها ناقصة، تقدم على هذا أن عوض الكتابة لا يكون إلا دينا كما سبق، ويجوز كونه نقدا وعرضا موصوفا، وأن من له دين، فقبضه، فوجده دون المشروط، فله رده، وطلب ما استحقه، ولا يبطل العقد، فإن كان المقبوض من غير جنس حقه، لم يملكه إلا أن يعتاضه، حيث يجوز الاعتياض. وإن اطلع على عيب به، نظر، هل يرضى به، فإن رضي، فهل نقول: ملكه بالرضى، أم نقول: ملكه بالقبض وتأكد الملك بالرضى ؟ فيه قولان. وإن رده، فهل نقول: ملكه بالقبض، ثم انتقض الملك بالرد، أم نقول: إذا رد، تبين أنه لا يملكه ؟ فيه قولان ؟ ويبنى على هذا الخلاف مسائل سبقت كلها أو بعضها. منها: تصارفا في الذمة، وتقابضا، وتفرقا، فوجد أحدهما بما قبضه عيبا، فرده، إن قلنا: ملك بالقبض، صح العقد، وإن قلنا: تبين أنه لم يملك، فالعقد فاسد، لانهما تفرقا قبل قبض. ومنها: أسلم في جارية، وقبض جارية، فوجدها معيبة، فردها، هل على المسلم إليه استبراؤها ؟ يبنى على هذا الخلاف. ومنها: قال الامام: الموصوف في الذمة إذا قبضه، فوجده معيبا إن قلنا: يملكه بالرضى، فلا شك أن الرد ليس على الفور، والملك موقوف على الرضى، وإن قلنا: يملك بالقبض، فيحتمل أن يقال: الرد على الفور، كما في شراء

(8/495)


الاعيان، والاوجه: المنع، لانه ليس بمعقود عليه، وإنما يثبت الفور فيما يؤدي رده إلى رفع العقد ابقاء للعقد. إذا ثبت هذا، فإن وجد السيد بالنجوم المقبوضة أو بعضها عيبا، له الخيار، بين أن يرضى به، أو يرده، ويطالب ببدله، سواء العيب اليسير، والفاحش، فإن كان العيب في النجم الاخير، فإن رضي به، فالعتق نافذ قطعا، ويكون رضاه بالعيب كالابراء عن بعض الحق. وهل يحصل العتق من وقت القبض، أم عند الرضى ؟ وجهان، أصحهما: الاول. وإن أراد الرد والاستبدال، فرد، وإن قلنا: نتبين بالرد أن الملك لم يحصل بالقبض، فلا عتق، وإن أدى بعد ذلك على الصفة المستحقة، حصل العتق حينئذ. وإن قلنا: يحصل الملك في المقبوض وبالرد يرتفع، فوجهان. أحدهما: أن العتق كان حاصلا، إلا أنه كان بصفة الجواز، فإذا رد العوض، ارتد. وأصحهما: نتبين أن العتق لم يحصل، إذ لو حصل، لم يرتفع، ولا يثبت العتق هنا بصفة اللزوم باتفاق الاصحاب. ولو تلف عند السيد ما قبضه، ثم عرف أنه كان معيبا، فقد قدم الامام عليه، أنه لو اتفق ذلك في عين فإن رضي، فالذي يدل عليه فحوى كلام الاصحاب، أن الرضى كاف، ولا حاجة إلى إنشاء إبراء، لان الارش كالعوض فق الرد، والرد يكفي في سقوط الرضى، فكذا الارش. وإن طلبه، تقرر، ولم يسقط إلا بالاسقاط. وأما النجوم، فإن رضي، فالحق نافذ، ويعود الوجهان في أنه يحصل عند الرضى، أم يستند إلى القبض ؟ وإن طلب الارش، تبين أن العتق لم يحصل، فإذا أدى الارش، حصل حينئذ، وإن عجز، فللسيد إرقاقه، كما لو عجز ببعض النجوم. ويجئ الوجه الآخر، وهو أنه يرتفع العقد بعد حصوله. وفقدر الارش وجهان، أحدهما: ما نقص من قيمة قدر رقبة العبد بحسب نقصان العيب من قيمة النجوم، وبهذا قطع السرخسي. والثاني: ما نقص من النجوم المقبوضة بسبب العيب. ونقل الروياني ترجيح هذا الوجه، وأجري الوجهان في كل عقد ورد على موصوف في الذمة. قال الامام: وأمثل منهما أن يقال: يغرم السيد ما قبض، ويطالبه بالمسمى بصفاته المشروطة. أما إذا قبض النجوم، فوجدها ناقصة الكيل أو الوزن، فلا يعتق بلا خلاف، سواء بقي المقبوض في يد السيد أم تلف، فإن رضي بالناقص، فحينئذ

(8/496)


يعتق بالابراء عن الباقي. السادسة: إذا خرج بعض النجوم مستحقا، تبين أن لا عتق، لان الاداء لم يصح، وإن ظهر الاستحقاق بعد موت المكاتب، تبين أنه مات رقيقا، وأن ما تركه للسيد دون الورثة. ولو قال السيد عند الاخذ: اذهب فأنت حر، أو قد عتقت، ثم بان الاستحقاق، فهل يحكم بالحرية مؤاخذة له، أم لا، لانه بناه على ظاهر الحال، وهو صحة الاداء ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، وهو المنصوص، وهما كالوجهين فيما إذا خرج المبيع مستحقا وكان قد قال في مخاصمة المدعي: إنه كان ملكا للبائع فلان إلى أن اشتريته منه، أنه هل يرجع بالثمن على بائعه ؟ وجزم البغوي بالاصح في المسألتين. ثم قال: ولو اختلفا، فقال المكاتب: أعتقتني بقولك: أنت حر، وقال السيد: أردت أنك حر بما أديت، وبان أنه لم يصح الاداء، فالقول قول السيد بيمينه، وهذا السياق يقتضي أن مطلق قول السيد، محمول على أنه حر بما أدى، وإن لم يذكر إرادته، قال الصيدلاني: وقياس تصديق السيد أنه لو قيل لرجل: طلقت امرأتك ؟ فقال: نعم، طلقتها، ثم قال: إنما قلت ذلك على ظن أن اللفظ الذي جرى طلاق، وقد سألت المفتين فقالوا: لا يقع به شئ. وقالت المرأة: بل أردت إنشاء الطلاق أو الاقرار به، أنه يقبل قوله بيمينه، وكذا الحكم في مثله في العتق، وهكذا قد ذكره غيره، ونقله الروياني، وليعترض عليه، لكن قال الامام هذا عندي غلط، لان الاقرار جرى بصريح الطلاق، فقبول قوله في دفعه محال، ولو فتح هذا الباب، لما استقر إقرار، بخلاف إطلاق لفظ الحرية عقيب قبض النجوم، فإنه محمول على الاخبار عما يقتضيه القبض، ولم توجد الاشارة في الطلاق إلى واقعة، وإنما وجد سؤال مطلق، وجواب مطلق. وفي كلام الامام

(8/497)


إشعار بأن قوله: أنت حر، إنما يقبل تنزيله على الحرية بموجب القبض إذا رتبه على القبض، وإن في مسألة الطلاق لو وجد قرينة عند الاقرار، بأن كانا يتخاصما في لفظة أطلقها، فقال ذلك، ثم ذكر التأويل، يقبل، وأن في الصورتين لو انفصل قوله عن القرائن، لم يقبل التأويل. وهذا تفصيل قويم لا بأس بالاخذ به، لكن قال في الوسيط: لا فرق بين أن يكون قوله: أنت حر، جوابا عن سؤال حريته، أم ابتداء، وبين أن يكون متصلا بقبض النجوم، أو غير متصل، لشمول العذر. ومال لذلك إلى قبول التأويل في الطلاق وغيره. الحكم الثاني في الاداء. وفيما يتعلق به مسائل: إحداها: يجب على السيد إيتاء المكاتب، لقول الله تعالى * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * واختار الروياني في الحلية أن الايتاء مستحب، وليس بشئ. والايتاء: أن يحط عن المكاتب شيئا من النجوم، أو يبذل شيئا ويأخذ النجوم، والحط أفضل، وهل هو الاصل، والبذل بدل عنه، أم بالعكس ؟ وجهان. الاصح المنصوص: الاول، ومحل الايتاء الكتابة الصحيحة، ولا يجب في الفاسدة على الاصح. فإن أوجبنا، كفى حط شئ من القيمة التي يجب فيها. ومن أعتق عبده بعوض، أو باعه نفسه، فلا إيتاء على الصحيح، وحكى الشيخ أبو

(8/498)


محمد وجها أنه يجب في كل عقد عتاقة على عوض، ولا يجب في الاعتاق بغير عوض بلا خلاف. وفي وقت وجوب الايتاء وجهان. أحدهما: بعد العتق كالمتعة، ليتبلغ به، وأصحهما: قبله ليستعين به في الاداء. وعلى هذا، فإنما يتعين في النجم الاخير. وأما وقت الجواز، فمن أول عقد الكتابة، ويجوز أيضا بعد الاداء وحصول العتق، لكن يكون قضاء إذا أوجبنا التقديم على العتق. وقيل: لا يجوز الايتاء إلا في النجم الاخير أو بعده، وفي قدره وجهان، الاصح المنصوص في الام: لا يتقدر، بل يكفي أقل ما يتمو، والثاني: أنه ما يليق بالحال، ويستعين به على العتق، فيختلف بقلة المال وكثرته، فإن لم يتفقا على شئ، قدره الحاكم بالاجتهاد، ونظر فيه إلى قوة العبد وأكسابه. وقيل: يعتبر حال السيد في اليسار والاعسار، وقال الاصطخري: يحتمل أن يقدر بربع العشر، قال الامام: إذا قلنا: يقدره الحاكم، فقدر شيئا تبين أن له وقعا بالنسبة إلى مال الكتابة، كفى، وإن تيقنا أنه لا وقع له، لا يكفي، وإن شككنا، فخلاف، لتعارض أصل براءة السيد وأصل بقاء وجوب الايتاء. أما المستحب، فقدر الربع، وقيل: الثلث، وإلا، فالسبع. وأما جنسه، فالايتاء بالحط لا يكون إلا من نفس مال الكتابة، وأما البدل، فإن كان المبذول من غير جنس مال الكتابة كبذل الدراهم عن الدنانير، لم يلزم المكاتب قبوله على الصحيح، وبه قطع الاكثرون، وشذ الغزالي بترجيح اللزوم. فلو رضي به، جاز قطعا، نص عليه، لان الكتابة من قبيل المعاوضات، فلا يسلك بها مسلك العبادات، على أن الامام قال: إذا منعنا نقل الزكاة، وانحصر المستحقون، فقد نقول: لهم أن يعتاضوا عروضا عن حقوقهم، فلو كان المبذول من غير مال الكتابة، لكن من جنسه، فهل يلزمه القبول ؟ وجهان، أحدهما: لا، لظاهر الآية، والصحيح: نعم، كالزكاة، ولان المقصود الاعانة.

(8/499)


فرع لو مات السيد بعد أخذ النجوم، وقبل الايتاء، لزم الورثة الايتاء، فإن كانوا صغارا، تولاه وليهم، فإن كان مال الكتابة باقيا، أخذ الواجب منه، ولا يزاحمه أصحاب الديون، لان حقه في عينه، أو هو كالمرهون به، هكذا قاله القفال، ونقله ابن كج عن نصه في المبسوط. وإن لم يكن باقيا فثلاثة أوجه، أحدها: أن واجب الايتاء لضعفه يؤخر عن الديون، ويحصل في رتبة الوصية. والثاني: أنا إذا قلنا: بقدر الواجب في الاجتهاد، فأقل ما يتمول في رتبة الديون والزيادة في رتبة الوصية لضعفها. والثالث وهو الصحيح: أن ما يحكم بوجوبه على الاختلاف، يقدم على الوصايا، فإن أوصى بزيادة على الواجب، فتلك الزيادة من الوصايا. إذا لم يبق من النجوم إلا القدر الواجب في الايتاء، لم يسقط ولم يحصل التقاص، لان للسيد أن يؤتيه من غيره، وليس للسيد تعجيزه، لانله عليه مثله، لكن يرفع المكاتب إلى القاضي حتى يرى برأيه، ويفصل الامر بينهما. وإن جعلنا الايتاء أصلا، فقال القاضي حسين: له تعجيزه بالباقي إذا لم نجده، وإذا عجزه، سقط الايتاء، وارتفع العقد من أصله. قال الامام: هذا عندي غير صحيح، وإنما شرع الايتاء لئلا يعجز العبد بقدره، ولا يفوت العتق. المسألة الثانية: إذا عجل المكاتب النجوم قبل المحل، فإن لم يكن على السيد ضرر في القبول، أجبر عليه، وإن كان، بأن كان لا يبقى بحاله إلى وقت الحلول، كالطعام الرطب، ألزمه له مؤنة، كالحيوان، وما يحتاج إلى حفظ، أو كان في أيام فتنة أو غرة، فيجبر على القبول. فلو أنشأ العقد في وقت الفتنة والغارة، لم يجبر على الاصح، لانها قد تزول عند المحل. ولو أتى بالنجوم في غير

(8/500)


بلد العقد، فإن كان في النقل مؤنة، أو كان الطريق أو ذلك البلد مخوفا، لم يجبر على القبول، وإلا، فيجبر. ولو أتى بالنجم في محله، والسيد غائب، قبض القاضي عنه، وكذا يقبض عنه إذا امتنع وهو حاضر، ويعتق المكاتب. ولو أتى بالنجم قبل الحول، والسيد غائب، قبض عنه أيضا إذا علم أن السيد لا ضرر عليه في أخذه، قال الصيدلاني: ومثله لو كان للغائب دين على حر، فأذن له الحاكم، هل يقبضه للغائب ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لانه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين عنه، والنظر للغائب أن يبقى المال في ذمة الملئ، فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم. فرع إذا أتى المكاتب بالنجوم، فقال السيد: هذا حرام، أو مغصوب، نظر، إن أقام بينة بذلك، لم يجبر على قبوله، وتسمع منه هذه البينة لان في إقامتها غرضا ظاهرا، وهو الامتناع عن الحرام، هكذا أطلقه كثيرون. وقال الصيدلاني: إنما تقبل البينة إذا عين له مالكا إما أذا لم يعين، فلا تتصور البينة للمجهول، ولا معنى لقولهم: إنه مغصوب. والصحيح الاول. وإن لم يكن بينة، فالقول قول المكاتب بيمينه أنه له، لظاهر اليد، فإن نكل، حلف السيد، وكان كإقامة البينة، في وجه: لا يحتاج السيد إلى بينة، والصحيح الاول. ولا تثبت بينة السيد في حق المالك الذي عينه، ولا يسقط بحلف المكاتب حقه، ثم إذا حلف المكاتب، فالمذهب أنه يجبر السيد على قبوله، أو إبرائه عن ذلك القدر فإن امتنع منهما، أخذ الحاكم تلك النجوم، وعتق المكاتب. وقيل: في إجباره على الاخذ قولان. ثم إذا أخذه السيد، نظر، إن عين له مالكا، أمر بتسليمه إليه بلا خلاف، مؤاخذة له باعترافه، وإن لم يقبل قوله على المكاتب. وإن لم يعين مالك، بل اقتصر على قوله: هو مغصوب، أو مسروق، أو حرام، فوجهان. أحدهما: ينتزعه الحاكم

(8/501)


ويحفظه ببيت المال إلى أن يظهر مالكه. وأصحهما: لا ينتزعه، لانه لم يقر لمعين. ونقل الروياني وغيره على هذا أن يقال: امسكه حتى يتبين صاحبه، ويمنع من التصرف فيه، فإن كذب نفسه، فقال: هو للمكاتب كان كما ادعاه، قال الامام: فالصحيح أنه يقبل، وينفذ تصرفه فيه بحسبه. قال: وإن قلنا: يزيل الحاكم يده، فالظاهر أنه لو كذب نفسه، لا يقبل. فرع إذا جاء المكاتب بالنجم عند المحل، وعلى شرط السيد أن يبرئه، فالشرط لغو، وللسيد أخذه، فلا يلزمه أن يبرئه عن الباقي، وإن عجل قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي فأخذه وأبرأه، لم يصح القبض، ولا الابراء. ولو قال: أبرأتك عن كذا، بشرط أن تعجل لي الباقي، وإذا عجلت علي كذا فقد أبرأتك عن الباقي، فعجل، لم يصح القبض ولا الابراء، وإذا لم يصح، لا يحصل العتق، وعلى السيد رد المأخوذ. هذا هو المذهب، وأشار المزني إلى ترديد قول في صحة القبض والابراء، ولم يسلم له جمهور الاصحاب اختلاف القول، وحملوا التجويز على ما إذا لم يجر شرط، فابتدأ بذلك. ولو أنشأ رضى جديدا بقبضه عما عليه، حكم بصحته، كما لو أذن للمشتري في قبض ما في يده عن جهة الشراء، أو للمرتهن في قبضه عن جهة الرهن. ولو أخذ السيد ما عجله المكاتب، وأبرأه عن الباقي بلا شرط، أو عجز المكاتب نفسه، فأخذ السيد ما معه، وأبرأه عن الباقي، أو أعتقه، جاز. ولو أراد السيد والمكاتب حيلة يعتق بها بما عجل، ويكون بجهة الكتابة، فقال الاصحاب: طريقه أن يقول: إذا عجزت نفسك، وأديت كذا، فأنت حر، فإذا وجدت الصفات، عتق عن جهة الكتابة، لانها لا ترتفع بمجرد تعجيز نفسه، وإنما ترتفع إذا فسخها بعد التعجيز، وإذا عتق عن الكتابة، كانت الاكساب

(8/502)


له، فيتراجعان، فيرجع المكاتب على السيد بما أخذه، والسيد عليه بقيمته، لانه أعتقه على عوضين: التعجيز، والمال المذكور، والتعجيز لا يصلح عوضا، فكأنه أعتقه بعوض فاسد. قال صاحب الشامل: ولو لم يعلق هكذا، ولكن قال: إن أعطيتني كذا فأنت حر، فأعطاه، عتق، ولكنه عوض فاسد، لان المكاتب لا تصح المعاوضة عليه، فيعتق بالصفة، وعليه تمام قيمته. ولو عجل المكاتب النجم، على أن يعتقه، ويبرئه عن الباقي، ففعل السيد ذلك، عتق المكاتب، ورجع عليه بقيمته، ويرجع المكاتب على السيد بما دفع، لانه أعتقه بعوض فاسد، حكاه القاضي عن النص. المسألة الثالثة: في تعذر تحصيل النجوم عند حلولها، وله أسباب، الاول: الافلاس، فإذا حل نجم على المكاتب، وهو عاجز عن أدائه، أو عن بعضه، فللسيد فسخ الكتابة، وله أن يفسخ بنفسه، لانه فسخ مجمع عليه، كفسخ النكاح بالعتق، وإن شاء رفع إلى الحاكم ليفسخ. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: لانه إذا ثبت عجزه بإقراره، أو بالبينة فللسيفسخ الكتابة. وينبغي أن لا يشترط إقراره بالعجز، ولا قيام البينة عليه، لانا سنذكر إن شاء الله أنه لو امتنع من الاداء ثبت حق الفسخ. وإذا لم يؤد، فهو ممتنع، إذا لم يكن عاجزا. وإذا رفع إلى القاضي، فلا بد من ثبوت الكتابة، وحلول النجم عنده. ومتى فسخت، سلم للسيد ما أخذه، لانه كسب عبده، لكن ما أخذه من الزكاة يسترد ويؤديه. وهذا قد سبق في الزكاة، وليس هذا الفسخ على الفور، بل له تأخيره ما شاء، كفسخ الاعسار. وإذا استنظره المكاتب، استحب أن ينظره، ثم لا يلزمه الامهال، بل له الرجوع إلى الفسخ متى بدا له. وإذا طالبه بالمال، فلا بد من الامهال بقدر ما يخرجه من

(8/503)


الصندوق والدكان والمخزن، ويزن فإن كان ماله غائبا، فقد أطلق الامام والغزالي أن السيد الفسخ، وليحمل على تفصيل ذكره ابن الصباغ والبغوي وغيرهما، وهو أنه إن كان على مسافة القصر، لم يلزمه التأخير إلى استيفائه، كما لو كانت له وديعة، وإن كان مؤجلا، أو على معسر، فلا. وإن كان الدين على السيد، وهو من جنس النجوم، ففيه الخلاف في التقاص، وإن كان من غير جنسه، أداه ليصرفه المكاتب في النجوم. ولو حل النجم وهو نقد، وللمكاتب عروض، فإن أمكن بيعها أمكن بيعها على الفور، بيعت ولا فسخ، وإن احتاج البيع إلى مدة، لكساد وغيره، فمقتضى كلام الصيدلاني أن لا فسخ. ورأى الامام الفسخ، كغيبة المال، وهذا أصح، وضبط البغوي التأخير للبيع بثلاثة أيام. وقال: لا يلزم أكثر منها. السبب الثاني: غيبة المكاتب، فإذا حل النجم، والمكاتب غائب، أو غاب بعد حلوله بغير إذن السيد، فللسيد الفسخ إن شاء بنفسه، وإن شاء بالحاكم، وقيل: لا يفسخ بنفسه والصحيح الاول فلا يلزمه تأخير الفسخ لكون الطريق مخوفا، أو المكاتب مريضا. وإذا فسخ بنفسه، فليشهد عليه، لئلا يكذبه المكاتب، وإن رفع إلى الحاكم، فلا بد أن يثبت عنده حلول النجم وتعذر التحصيل، ويحلفه الحاكم مع ذلك، لانه قضاء على الغائب. قال الصيدلاني: يحلفه أنه ما قبض النجوم منه، ولا من وكيله، ولا أبرأه، ولا أحال به، ولا يعلم له مال حاضر. وذكر الحوالة مبني على جواز الحوالة بالنجوم. ولو كان مال المكاتب حاضرا، لم يؤد الحاكم النجوم منه، ويمكن السيد من الفسخ، لانه ربما عجز نفسه لو كان حاضرا، ولم يؤد المال. ولو نظر المكاتب بعد حلول النجم، وأذن له في السفر، ثم بدا له في الانظار، لم يكن له الفسخ في الحال، لان المكاتب غير

(8/504)


مقصر هنا، ولكن يرفع السيد الامر إلى الحاكم، ويقيم البينة على الحلول والغيبة، ويحلف مع ذلك، ويذكر أنه رجع عن الانظار، فيكتب الحاكم إلى حاكم بلد المكاتب ليعرفه الحال، فإن أظهر العجز، كتب به إلى حاكم بلد السيد ليفسخ إن شاء، وإن قال: أؤدي الواجب، فإن كان للسيد هناك وكيل، سلم إليه، فإن أبى، ثبت حق الفسخ للسيد، وللوكيل أيضا إن كان وكيلا فيه. وحكى ابن كج قولا آخر أنه لا فسخ بالامتناع عن التسليم إلى الوكيل، لاحتمال العزل. وإن لم يكن هناك وكيل، أمره الحاكم بإيصاله إليه، إما بنفسه، وإما بغيره، ويلزمه ذلك في أول رفقة تخرج، أو في الحال إن كان لا يحتاج إلى رفقة في ذلك الطريق، وعلى السيد الصبر إلى أن تمضي مدة إمكان الوصول، فإن مضت، ولم يوصله مقصرا، فللسيد الفسخ. قال ابن كج: ولو لم يكن في بلد السيد حاكم، فكتب السيد إلى العبد، وأعلمه بالحال، وأمره بالتسليم إلى رجل، فامتنع، فعندي أنه كما لو امتنع بعد كتاب القاضي إذا وقع له العلم به. وحكى ابن القطان فيه وجهين. قال: وحكى وجهين فيما لو سلم المكاتب إلى وكيل السيد، وبان أن السيد عزله، هل يبرأ المكاتب ؟ قال: قال: وعندي أن الوجهين مخصوصان بما إذا قال الحاكم: فلان وكيله، ولم يأذن بالتسليم إليه، فإن أمره، بالتسليم إليه، برئ بلا خلاف. السبب الثالث: الامتناع، فإذا امتنع المكاتب من أداء النجوم مع القدرة، لم يجب عليه، لان الحط له، فلا يجبر عليه، ولان الكتابة جائزة من جهة المكاتب، ولانها تتضمن التعليق بالصفة، والعبد لا يجبر على الصفة، فإذا عجز نفسه، فالسيد بالخيار، إن شاء فسخ، وإن شاء صبر، وإن أراد الفسخ، فسخ بنفسه، ولا يحتاج إلى القاضي. وهل للمكاتب الفسخ ؟ وجهان، أحدهما: لا، إذ لا ضرر عليه في بقائها، وأصحهما: نعم، كالمرتهن يفسخ الرهن، قال الامام: وتجويز الامتناع من الاداء مع أنه لا يملك الفسخ بعيد.

(8/505)


الرابع: قد سبق أن الكتابة لا تنفسخ بجنون العبد، فإن أراد السيد الفسخ، اشترط أن يأتي الحاكم، فيثبت عنده الكتابة، وحلول النجم، ويطالب به، ويحلفه الحاكم على بقاء الاستحقاق، ثم يبحث، فإن وجد للمكاتب مالا، أداه عن الواجب عليه، ليعتق، لان المجنون ليس من أهل الضرر لنفسه، فناب عنه الحاكم، بخلاف الغائب الذي له مال حاضر. ثم إن الجمهور أطلقوا أن الحاكم يؤدي عنه. وقال الغزالي: يؤدي إن رأى له مصلحة في الحرية، وإن رأى أنه يضيع إذا عتق، لم يؤد، وهذا حسن، ولكنه قليل النفع، مع قولنا: إن للسيد إذا وجد مالا الاستقلال بأخذه، إلا أن يقال: يمنعه الحاكم من الاخذ والحالة هذه. وإن لم يجد الحاكم له مالا، مكن السيد من الفسخ، فإذا فسخ، عاد المكاتب قنا له، وعليه نفقته، فإن أفاق، وظهر له مال كان حصله قبل الفسخ، دفعه إلى السيد، وحكم بعتقه، وبعض التعجيز. هكذا أطلقوه. وأحسن الامام، فقال: إن ظهر المال في يد السيد، رد التعجيز، وإلا، فهو ماض، لانه فسخ حين تعذر الوصول إلى حقه، فأشبه ما لو كان ماله غائبا، فحضر بعد الفسخ. وإذا حكمنا ببطلان التعجيز، وكان السيد جاهلا بحال المال، فعلى المكاتب رد ما أنفق السيد عليه. وإن وجد السيد للمكاتب في جنونه مالا، فقد سبق أن الاستقلال بأخذه، وحكينا عن الامام فيه تفصيلا. الخامس: إذا مات المكاتب قبل تمام الاداء، انفسخت الكتابة، ومات رقيقا، فلا يورث، وتكون أكسابه لسيده، وتجهيزه عليه، سواء خلف وفاء بالنجوم، أم لا، وسواء كان الباقي قليلا أم كثيرا، وسواء كان حط عنه شيئا، أم لا، لان الايتاء غير معلوم، فلا يسقط به معلوما. نص في الام على أنه لو أحضر المكاتب المال ليدفعه إلى السيد، أو دفع المال إلى رسوله ليوصله إليه، فمات قبل قبضه، مات رقيقا أيضا، وأنه لو وكل المكاتب رجلا في دفع النجم الاخير إلى السيد، ومات المكاتب، فقال أولاده الاحرار: دفع الوكيل قبل موته، فمات حرا،

(8/506)


وكذبه السيد، فهو المصدق، فإن أقاموا بينة على الدفع يوم الخميس، وكان قد مات يوم الخميس، لم ينفعهم إلا أن يقول الشهود: دفع قبل موته، أو يقولوا: دفع قبل طلوع الشمس، ويكون السيد معترفا بأن مات بعد الطلوع. وأنه لو شهد وكيل المكاتب بقبض السيد قبل موت المكاتب، لم تقبل شهادته، ولو شهد به وكيل السيد، قبلت، لعدم التهمة. فروع تتعلق بالفسخ والانفساخ، فيحصل الفسخ بقول السيد: فسخت الكتابة، ونقضتها، ورفعتها، وأبطلتها، وعجزت المكاتب. ولو لم يطالبه السيد بعد حلول النجم مدة، ثم أحضر المكاتب المال، لم يكن للسيد الامتناع من قبضه، ونص في الام أنه لو قال بعد التعجيز: قررتك على الكتابة، لم يصر مكاتبا حتى يجدد كتابة، وقد سبق في القراض ما يقتضي خلافا فيه. قلت: ليس هذا كالقراض، فإن معظم الاعتماد هنا في العتق على التعليق، وهذا اللفظ لا يصلح له. والله أعلم. ولو تطوع رجل بأداءمال الكتابة، فهل يجبر السيد على القبول، أم له الفسخ ؟ وجهان أصحهما: له الفسخ، وبه قطع الامام. وإذا قبل، ففي وقوعه عن المكاتب إذا كانبإذنه وجهان القياس: الوقوع. وإذا مات المكاتب رقيقا، أو فسخ السيد الكتابة لعجزه، رق كل من يكاتب عليه والد وولد، وصاروا جميعا للسيد، وجميع ما في يده من المال للسيد إن لم يكن عليه دين، فإن كان، فسنذكره إن شاء الله تعالى. فرع إذا قهر السيد المكاتب، واستعمله مدة، لزمه أجرة مثله. ثم إذا جاء المحل، هل يلزم إمهاله مثل تلك المدة، أم له تعجيزه والفسخ ؟ قولان. أظهرهما: الثاني، لان أخذ بدل منافعه. ولو حبسه عن السيد، فالمذهب، فالمذهب أنه لا

(8/507)


إمهال، وأجرا العراقيون على القولين. وقد ذكرنا المسألة فيما لو أسر الكفار مكاتبا مدة ثم استنقذناه. المسألة الرابعة: فيما إذا انضم إلى النجوم ديون على المكاتب لسيده أو لغيره، أو له ولغيره. وفيها صور. الاولى: كان للسيد مع النجوم دين معاوضة، أو أرش جناية، فإن تراضيا بتقديم الدين، فذاك، وإن تراضينا بتقديم النجوم، عتق. ثم المذهب أن الدين الآخر لا يسقط، فللسيد مطالبته به. ولو كان ما في يده وافيا بالنجوم دون الدين، فإذا أداه عن النجوم بإذن السيد، فالحكم ما ذكرناه، وللسيد منعه من تقديم النجوم، فيأخذ ما معه عن الدين، ثم يعجزه. وهل له تعجيزه قبل أخذه ؟ وجهان، أصحهما: نعم. ولو دفع المكاتب ما في يده إلى السيد، ولم يتعرضا للجهة، ثم قال المكاتب: قصدت النجوم، وأنكر السيد، أو قال: أصدقه، ولكن قصدت أنا الدين لا النجوم، فقال القفال: يصدق المكاتب. وقال الصيدلاني: يصدق السيد، لان الاختيار هنا إليه، بخلاف سائر الديون. قلت: قول القفال أصح، والله أعلم. الثانية والثالثة: إذا اجتمع عليه نجوم وديون للسيد أو لغيره، أو له ولغيره، فهو كالحر في الحجر عليه بالفلس، وقسم ماله بين أصحاب الديون. وهل تحل بالحجر الديون المؤجلة ؟ طريقان. أصحهما: قولان، كالمفلس. والثاني: تحل قطعا، لان للرق أثرا في إبطال الاجل، ولهذا نص الشافعي رحمه الله أن الحربي إذا استرق وعليه دين مؤجل، حل، قلنا: يحل، قسم المال على الجميع، وإلا، فعلى الحال، ولا يحجر عليه بالتماس السيد للنجوم، لانها غير مستقرة، والمكاتب متمكن من إسقاطها. إذا ثبت هذا، فإن كان ما في يد المكاتب وافيا بالديون، قضيت، وإلا، فإن لم يحجر عليه، فله تقديم ما شامن الديون، وله تعجيل الديون قبل المحل، ولا يجوز تعجيل الديون المؤجلة بغير إذن سيده. وفي جوازه بإذنه الخلاف في تبرعاته

(8/508)


بإذنه. وفي معناه ما إذا عجل الديون للسيد، ومنهم من طرد الخلاف في تعجيل النجوم، ذكره الروياني. وإذا قدم النجوم، عتق، وبقي دين الاجانب عليه، ولا يجئ فيه الخلاف في إعتاق الجاني، لان العتق يحصل بالصفة السابقة على الجناية، فهو كما لو علق عتق عبده بصفة، ثم جنت، فإن الجناية لا تمنع وقوع العتق بالتعليق السابق بلا خلاف، والاولى أن يقدم دين المعاملة، فإن فضل شئ، جعله في الارش، فإن فضل شئ، صرفه في النجوم. وسيظها وجه هذا الترتيب إن شاء الله تعالى. وإن حجر عليه، تولى قسمة ما في يده. وفي كيفية القسمة وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: يقسم على قدر الديون، وأصحهما يقدم دين المعاملة، لانه يتعلق بما في يده خاصة، وللارش متعلق آخر، وهو الرقبة، وكذا حق السيد بتقدير العجز يعود إلى الرقبة، ويسوى بين النقد والعرض، ثم يقدم أرش الجناية على النجوم، لان الارش مستقر، والنجوم معرضة للسقوط. وقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أن هذا الثاني مذهب الشافعي رحمه الله، وإنما الاول إذا رضوا بالتسوية، فإن عجز المكاتب نفسه، سقطت النجوم. وفي دين المعاملة للسيد وجهان، أصحهما: يسقط أيضا ويصرف ما في يده إلى ديون الاجانب، من معاملة وأرش، فإن لم يف بالنوعين، فهل تقدم المعاملة، أم الارش، أم يسوى بينهما ؟ أوجه، أصحها عند الشيخ أبي محمد، والغزالي ونحوهما: الثالث. ثم ما تبقى من دين المعاملة، يتبع به بعد العتق، وما تبقى من الارش يتعلق بالرقبة، يباع فيه. ولوو مات المكاتب قبل قسمة ما في يده، انفسخت الكتابة، وسقطت النجوم. قال ابن سريج، وابن الصباغ: تسقط الاروش أيضا، لانها تتعلق بالرقبة، وقد فاتت، وبما في يده بحكم الكتابة، وقد بطلت، فعلى هذا يتعين صرف ما خلفه إلى المعاملة. وقال الصيدلاني والامام والبغوي: تبقى الاروش وتعلقها بالمال، فعلى هذا إن سوينا في صورة التعجيز، فهنا أولى، وإن قدمنا الارش، فكذا هنا، وإن قدمنا المعاملة، فهل تقدم هنا أيضا، أم يسوى ؟ وجهان، أصحهما: التسوية، لانهما متعلقان بما خلفه. فرع إذا لم يكن في يد المكاتب مال، أو قسم الموجود، إما على الديون

(8/509)


جميعا بالسوية، وإما على التقديم والترتيب، وبقيت النجوم أو بعضها، فللسيد تعجيزه، ورده رقيقا. وإن بقيت الاروش أو بعضها فمستحق الارش الباقي، لعجزه، لتباع رقبته في حقه، ولا يعجزه بنفسه، لانه لم يعقده، لكن يرفع الامر إلى الحاكم ليعجزه، صرح الاصحاب بهذا. وقال الامام: ظاهر كلامهم أنه يعجزه بنفسه، لانه لم يعقده، لكن يرفع الامر إلى الحاكم ليعجزه، بنفسه، والوجه: الرفع إلى القاضي. فلو أراد السيد أن يفديه ويبقي الكتابة، فهل يمتنع على مستحق الارش التعجيز ويلزمه قبول الفداء ؟ وجهان: أرجحهما عند الامام والغزالي: لا، وأصحهما: نعم، وبهذا قطع الجمهور. وأما صاحب دين المعاملة، فليس له التعجيز، لان حقه لا يتعلق بالرقبة. ولو أمهله السيد ومستحق الارش، ثم بدا لبعضهم وأراد التعجيز، فله ذلك. وإذا تحقق التعجيز، سقطت النجوم، ويباع في الارش، إلا أن يفديه السيد، ودين المعاملة لا يتعلق بالرقبة على الصحيح. فرع ذكرنا أن الاصح تقديم دين الاجنبي على النجوم، وهل يضارب السيد معهم بماله من دين المعاملة ؟ وجهان، أصحهما: نعم، وأما ما للسيد عليه من أرش جناية، فقال ابن كج: يستوي السيد والاجنبي فيه في دوام الكتابة، وأما بعد التعجيز، فيباع في أرش الجناية للاجنبي، ويسقط ما للسيد، لانه صار ملكه، ولا يثبت للسيد على عبده أرش، ويجوز أن يجعل فيه خلاف. المسألة الخامسة: إذا كان بينهما عبد بالسوية، فكاتباه، لم يكن للمكاتب أن يفضل أحدهما على الآخر في المدفوع. فلو دفع إلى أحدهما تمام حصته بغير إذن الآخر، لم يعتق منه شئ، لان نصف المأخوذ لشريكه، ويجئ فيه وجه ضعيف سبق. وإن دفع إليه تمام النجوم، فكذلك على الاصح، وللشريك الآخر أخذ حصته مما قبض بلا خلاف. ولو قبض أحدهما جميع النجوم بإذن الآخر، عتق العبد قطعا. وإن سلم إلى أحدهما حصته من مال الكتابة بإذن الآخر ورضاه

(8/510)


بتقديمه، فهل يصح القبض ؟ قولان أظهرهما: لا، لان حقه في ذمة المكاتب. وما في يده ملكه، فلا أثر للاذن فيه، ولانه لو جاء بالمال ليعطيهما، فرضي أحدهما بأن يزن للآخر أولا، ففعل، وأقبضه، لم يعتق حتى يزن للآخر. ولو هلك الباقي قبل أن يزن للثاني، كان المدفوع بينهما، فكذا هنا، والثاني: نعم، لان الحق لا يعدوهم، فإن قلنا: لا يصح القبض، لم يعتق نصيب القابض، وللآذن طلب حصته من المقبوض. ثم إن أدى المكاتب الباقي، عتق عليهما، وإلا، فلهما التعجيز. وإن قلنا: يصح القبض، اختص القابض بما قبض، وعتق نصيبه. ثم إن كان معسرا، لم يعتق عليه نصيب الآخر، ولكن إن كان في يد المكاتب ما يفي بنصيب الآخر، وأداه، عتق أيضا، وإلا، فله التعجيز. وإن كان موسرا، قوم عليه نصيب الشريك. وهل يقوم في الحال، أم عند التعجيز عن نصيب الآخر ؟ فيه القولان السابقان فيما إذا عتق أحدهما نصيبه، فإن قلنا: يقوم في الحال، فجميع ما في يد المكاتب يكون للشريك الآذن، وما كسبه بعد ذلك يكون بين المكاتب والشريك الآذن، لانه كسب بنصفيه الحر والمكاتب. وإن مات قبل الاداء والتعجيز، فعلى ما سبق هناك. هذه طريقة جماهير الاصحاب. وقال الامام: إن كان في يده وفاء بنصيب الشريك الآذن، فالذي رأيته للاصحاب القطع بأنه لا سراية. وقال الغزالي: ولا نقول بعتق نصيبه، بل يؤدي نصيب الآذن، فإذا أدى، عتق عليهما، وإن عجز عن أداء نصيب الآذن، فعن ابن سريج: لا يشارك القابض فيما قبض، لانه لما قدمه رضي ببقاء حقه في ذمة المكاتب، فعلى هذا يعتق نصيب القابض. وفي السراية ما ذكره الجماهير. وعن غيره أن الآذن يشاركه، لان

(8/511)


ما قبضه، كسب عبدهما، وإنما تبرع الآذن بالتقديم، لا بالتمليك، ولا يخلص له المقبوض. فعلى هذا لهما تعجيزه وإرقاقه. فرع قد سبق أنهما إذا كاتبا المشترك، فادعى أنه أوفاهما، فصدقه أحدهما، وكذبه الآخر، صدق المكذب بيمينه، فإذا حلف، بقيت الكتابة في نصيبه، وهو بالخيار بين أن يشارك المصدق فيما أقر بقبضه، فيأخذ نصفه، ويطالب العبد بالباقي، وبين أن يطالب المكاتب بتمام نصيبه، لان كسبه متعلق حقهما بالشركة. وقيل: إذا جوزنا انفراد أحدهما بكتابة نصيبه، لم يشارك المصدق، بل يطالب المكاتب بجميع حقه. وإنكاره قبض الشريك لا يمنعه الرجوع عليه، لانه أقر بالقبض، وربما قبض وهو لا يعلم. ثم إذا أخذ المكاتب حصته منهما، أو من العبد لاعترافه بأنه مظلوم، ولا يرجع العبد أيضا على المصدق بما العبد وحده، عتق باقيه، ولا يرجع المصدق إن أخذ منهما بشئ على يأخذ منه، ولا تقبل شهادة المصدق على المكذب، لانه متهم. السادسة: إذا كاتب عبيدا، وشرط أن يتكفل بعضهم بعضا بالنجوم، فسدت الكتابة، لانه شرط فاسد، لان ضمان النجوم باطل. ولو ضمن بعضهم بعضا بلا شرط، لم يصح، وفي قول قديم: لا تفسد الكتابة بالشرط المذكور، لانه مصلحة العقد والمشهور الاول، ولو كاتب عبدا بشرط أن يضمن عنه فلان، لم تصح الكتابة أيضا، ولو أدى بعض المكاتبين عن بعض بلا شرطولا ضمان، أو كاتب عبدين في عقدين، فأدى أحدهما عن الآخر، فإن أدى بإذنه، رجع عليه، وإلا، فلا، وإن أدى قبل العتق، فهو تبرع، وتبرعه بغير إذن السيد باطل، وبإذنه قولان، فإن لم يعلم السيد أنه يؤدي عن غيره، بأن ظن أن كسب المؤدى عنه، وأنه وكيله، فهو تبرع بغير إذن السيد، وإن علم الحال، فهو كالتصريح بالاذن على الاصح، فإن صححنا الاداء، لم يرجع المؤدى على السيد، ويرجع على المؤدى عنه إن أدى بإذنه، ولا يرجع إن أدى بغير إذنه، وإذا ثبت له الرجوع عليه، فإن كان قد عتق، فذاك، وإلا، فيأخذ مما في يده، ويقدم على النجوم، لانه لا بدل له، وحق السبد له بدل عند التعذر، وهو رقبته، وإن لم نصحح الاداء، فلا رجوع للمؤدي على المؤدى عنه، لكنه يسترد من السيد، فلو أدى النجوم، وعتق، فالنص أنه لا يسترد حينئذ، ونص فيما لو جنى السيد على مكاتبه، فعفا عن الارش، وأبطلنا العفو بناء

(8/512)


على رد تبرعاته، فعتق، أن له أخذ الارش. قال أكثر الاصحاب: في الصورتين قولان، كزوال المانع من تبرعه، لكن وقع العفو والاداء فاسدين، فلا ينقلبان صحيحيحن. ولو كاتب رجلان كل واحد منهما عبده، ثم أدى أحدهما عن الآخر بغير إذن سيده، لم يصح أداءه، وبإذنه قولان. وقال القفال: إن انضم إذن المؤدى عنه إلى آذن سيده، صح بلا خلاف، لانه يكون إقراضا، والاقراض بإذن السيد صحيح بلا خلاف، فإن لم نصحح أداءاه، فله الاسترداد، فإن عتق قبل الاسترداد، ففيه الخلاف. فرع المكاتبون دفعة واحدة إذا اختلفوا فيما دفعه إلى السيد، فقال من قلت قيمته: أدينا النجوم على عدد الرؤوس، وقال من كثرت قيمته: بل على أقدار القيم، فقولان. أظهرهما: يصدق من قلت قيمته، لثبوت يده على ما ادعاه. والثاني: يصدق الآخر، لان الظاهر معه. وقيل: ليست على قولين، بل إن أدوا بعض المال بحيث لو وزع على رؤوسهم، لم يخص أحدهم أكثر من قسطه، صدق قليل القيمة، وإن أدوا الجميع، وادعى قليل القيمة أنه أدى أكثر ممن عليه ليكون وديعة عند السيد أو قرضا على كثير القيمة، فيصدق كثير القيمة. قال الروياني: ويجري الخلاف فيما لو اشترى اثنان شيئا على التفاضل، وأديا الثمن واختلفا في أنهما أديا متفاضلا، أم متساويا. السابعة: في الاختلاف، وفي صور، إحداهما: ادعى عبد على سيده انك كاتبتني، فأنكر، صدق السيد بيمينه، وكذا لوادعى على وارثه بعده، أن مورثك كاتبني، صدق الوارث، ويحلف على نفي العلم ولو قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، قال العبد: بل كنت كاملا، فإن عرف للسيد جنون أو حجر، صدق، وإلا، فيصدق العبد. ولو قال السيد: كاتبتك، فأنكر العبد، ففي كتاب ابن كج أنه إن لم يعترف بأداء المال عاد رقيقا، ويكون إنكاره تعجيزا منه. وإن قال السيد وأديت المال وعتقت، فهو حر بإقراره، فإن قال العبد: الذي أديت

(8/513)


إليك ليس لي، بل ودبعة لزيد، وادعاه زيد، صدق، أما إذا اختلفا في أداء المال، فالمصدق السيد، فإن أراد المكاتب إقامة بينة بالاداء، أمهل ثلاثة أيام. وهل هذا الامهال واجب، أم مستحب ؟ وجهان. ولا تثبت الكتابة بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين. ويشترط في الشهادة التعرض للتنجيم، وقدر كل نجم ووقته، ويثبت الاداء بشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين. وقيل: لا يثبت النجم الاخير إلا بعدلين، لتضمنه العتق، والصحيح الاول. وحكى الروياني في الكافي أنه لو أمهل ثلاثة أيام ليأتي ببينة الاداء، فأحضر شاهدا بعد الثلاثة، واستنظر ليأتي بالثاني، أنظر ثلاثة أخرى. الثانية: اختلفا في قدر النجوم، أو عددها، أو جنسها، أو صفتها، أو قدر الاجل، ولا بينة، تحالفا، وكيفيته كما سبق في البيع، فإذا تحالفا، نظر، إن لم يحصل العتق باتفاقهما، بأن لم يقبض جميع ما يدعيه، أو قبض غير الجنس الذي يدعيه، فهل تنفسخ الكتابة، أم يفسخها الحاكم إن لم يتراضيا على شئ ؟ فيه ما سبق في البيع. وإن حصل العتق باتفاقهما، بأن قبض ما يدعيه بتمامه، وزعم المكاتب أن الزيادة على القدر الذي اعترف به أودعها عنده، استمر نفوذه، ويتراجعان، فيرجع السيد بقيمة المكاتب، ويرجع هو بما أدى، وقد يقع في التقاص. ولو قال السيد: كاتبتك على نجم، فقال: بل على نجمين، قال البغوي: صدق السيد بيمينه، لانه يدعي فساد العقد. قلت: ينبغي أن يكون على الخلاف فيما لو اختلف المتبايعان في مفسد للبيع. والله أعلم.

(8/514)


فلو أقام العبد بينة، بأنه كاتبه في رمضان سنة كذا على ألف، وأقام السيد بينة أنه كاتبه في شوال تلك السنة على ألفين، فإن اتفقا أن الكتابة متحدة، فكل بينة تكذب الاخرى، فيتساقطان ويتحالفان. وإن لم يتفقا على الاتحاد، فالبينة المتأخرة أولى، لانه ربما كاتب في رمضان ثم ارتفعت تلك الكتابة، وأحدث أخرى. الثالثة: ولد المكاتب من زوجته المعتقة حر، وولاؤه لمواليها، فإن عتق المكاتب، انجر الولاء إلى مواليه، كما سبق في الولاء. فلو مات المكاتب، فاختلف مولاه ومولى أم أولاده، فقال مولاه: عتق بأداء النجوم، ثم مات وجر ولاء أولاده إلي، وأنكر مواليها، فهم المصدقون باليمين، وعليه البينة. وهل يكفيه شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتان، أم يحتاج إلى شاهدين ؟ فيه الخلاف في النجم الاخير، ويدفع مال المكاتب إلى ورثته الاحرار، لاقرار السيد أنه مات حرا. ولو أقر السيد في حياة المكاتب بأنه أدى النجوم، عتق، وجر إليه ولاء ولده. الرابعة: كاتب عبدين في صفقتين، أو صفقة، وجوزناها، ثم أقر أنه استوفى نجوم أحدهما، أو أنه أبرأ أحدهما، أمر بالبيان، فإن قال: نسيته، أمر بالتذكر، ولا يقرع بينهما ما دام حيا، وقيل: يقرع، والصحيح الاول، فإن بين أحدهما، فصدقه الآخر، فذاك، وإن كذبه وقال: بل استوفيت مني، أو أبرأتني، فله تحليف السيد، فإن حلف، بقيت كتابته إلى أداء النجوم، وإن نكل، حلف المكذب، وعتق أيضا. وإن لم يتذكر، حلف لهما إذا ادعاه. وإذا حلف، فوجهان، أحدهما: يبقيان على الكتابة، ولا يعتق واحد منهما إلا بأداء النجوم، والثاني: تتحول دعوى المكاتبين، فإن حلفا على الاداء، أو نكلا، بقيا على الكتابة، وإن

(8/515)


حلف أحدهما، ونكل الآخر، حكم بعتق الحالف، وبقي الآخر، مكاتبا. ولو بين أحدهما، فقال الآخر: تؤتيني بالاقرار الذي اتهمته، ولم يقل: استوفيت مني أو أبرأتني، قال الامام: فالاصح أن دعواه مردودة، لانه لا يدعي حقا ثابتا، وإنما يدعي إخبارا قد يصدق فيه وقد يكذب، وقد سبق نظير هذا في الدعاوى. ولو مات السيد قبل البيان، فهل يقوم الوارث مقامه في البيان ؟ قولان. أحدهما: لا، بل يقرع، فمن خرجت قرعته، فهو حر، وعلى الآخر أداء النجوم، وله تحليف الوارث على نفي العلم. وأظهرهما: يقوم مقامه، ولا قرعة، فإذا بين، فالحكم كما سبق في بيان المورث، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم، فإن قال الوارث: لا أعلم المؤدي، فلكل واحد تحليفه أنه لا يعلمه أدى، فإذا حلف لهما، فوجهان: أحدهما: يستوفي من كل واحد منهما ما عليه، كما لو أقر بأن أحد غريميه أوفاه دينه، ومات قبل البيان، وحلف الوارث لكل واحد منهما، فإنه يستوفي الدينين جميعا. وحكى ابن الصباغ توقف العتق على أداء كل واحد منهما جميع ما عليه، ثم قال: وعندي أنه إن استوفى المالان، فقالا: نؤدي ما على أحدنا، أو اختلفا، فقالا: نؤدي الاكثر ليعتق، كان لهما ذلك، لانهما بأدائه قد أديا جميع ما عليهما. والوجه الثاني وهو الاصح، وبه قال القاضي أبو الطيب: يقرع بينهما، هكذا رتب الجمهور المسألة. وقال الامام والغزالي: لكل واحد من الكاتبين أن يدعي على الوارث توفية النجوم إلى المورث أو إبراءه له، وأن يحلفه على نفي العلم، فإذا حلف هل يقرع ؟ قولان. أظهرهما: نعم، فمن خرجت له القرعة، فهو حر، وعلى الآخر أداء النجوم. وإن قلنا: لا يقرع، قال الامام: الذي يقتضيه

(8/516)


القياس التوقف إلى الاصطلاح، أو البيان، أو بينة، وينقدح أن يقال: للوارث تعجيزهما، فإنهما ممتنعان من الاداء وأحدهما مكاتب، وحينئذ فأحدهما حر، والآخر رقيق، فيقرع، والمذهب ما قدمناه عن الجمهور. ولو أقر باستيفاء بعض نجوم أحدهما، ولم يبين، فلا قرعة، لان العتق لا يحصل به، بل يوقف الامر. ولو ادعى أحد المكاتبين على الوارث الاداء أو الابراء، فأنكر، حصل بإنكاره الاقرار للآخر، قاله الصيدلاني. قلت: هذا الذي قاله الصيدلاني فيما إذا قال في إنكاره: لست المؤدي. أما إذا قال: لا أعلم ونحوه، فليس مقرا للآخر بلا شك والله أعلم. فروع من التهذيب لو قال السيد: استوفيت، أو قال المكاتب: أليس قد أوفيتك، فقال: بلى، ثم قال المكاتب: وفيتك الجميع. وقال السيد: البعض، فالمصدق السيد، لان اللفظ يحتملهما جميعا. ولو وضع عن المكاتب

(8/517)


شيئا من النجوم، واختلفا، فقال السيد: وضعت من النجم الاول، وقال المكاتب: من الاخير، أو قال: وضعت بعض النجوم، فقال المكاتب: بل كلها، صدق السيد بيمينه. ولو كاتبه على ألف درهم، فوضع عنه عشرة دنانير، لم يصح، فإن قال: أردت قيمة عشرة دنانير من الدراهم، صح. فلو قال المكاتب: أردت المعنى الثاني، فأنكر السيد، صدق السيد. ولو وضع عنه من الدراهم ما يقابل عشرة دنانير، فهو مجهول عندهما، ففي صحته وجهان، بناء على الخلاف فيما لو أوصى بزيادة على الثلث وأجاز الوارث وهو جاهل بالزيادة، ففي وجه، لا يصح، ويحمل ظلى أقل ما يتيقن. الحكم الثالث: تصرفات السيد في المكاتب، وما يتعلق به، وتصرف المكاتب، أما القسم الاول، ففيه مسائل: إحداها: في صحة بيع السيد رقبة المكاتب، وهبته قولان، الاظهر الجديد: بطلانه، ومنهم من قطع به، فعلى هذا لو أدى النجوم إلى المشتري بعد البيع، فهل يعتق ؟ فيه الخلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى فيما لو دفع النجوم إلى مشتري النجوم. ولو استخدمه المشتري مدة، لزمه أجرة المثل للمكاتب، وهل على السيد أن يمهله قدر المدة التي كانت في يد المشتري ؟ قولان كما لو استخدمه السيد أو حبسه. وإن قلنا بالقديم فثلاثة أوجه، الصحيح: بفاء الكتابة، وينتقل إلى المشتري مكاتبا، فإذا أدى إليه النجوم، عتق وكان الولاء للمشتري. والثاني: يعتق بالاداء إلى المشتري، ويكون الولاء للبائع، ويكون انتقاله بالشراء كانتقاله بالارث. والثالث: ترتفع الكتابة بالبيع، فينتقل غير مكاتب، وهو ضعيف. ولو قال أجنبي لسيد المكاتب: أعتق مكاتبك على كذا، أو أعتقه عني على كذا، أو مجانا، فهو كقوله: أعتق مستولدتك، وقد سبق في الكفارات، ولا يجوز للسيد بيع ما في يد المكاتب، ولا إعتاق عبيده، ولا تزويج إمائه. الثانية: لا يصح بيع السيد نجوم الكتابة التي على المكاتب على المذهب، ولا الاستبدال عنها على الصحيح، فلو باعها، لم يجر للمكاتب تسليمها إلى

(8/518)


المشتري، ولا للمشتري مطالبته بها، ويحصل العتق بدفعها إلى السيد. وهل يحصل بدفعها إلى المشتري ؟ قال في المختصر: نعم. وفي الام: لا، فقال الجمهور: قولان. أحدهما: نعم، لان للسيد سلطة على القبض، فأشبه الوكيل وأظهرهما: لا، لانه يقبض لنفسه، حتى لو تلف في يده، ضمنه، بخلاف الوكيل، وقال أبو إسحق: إن قال عند البيع: خذها منه، أو قال للمكاتب: ادفعها إليه، صار وكيلا، وعتق بقبضه، وإن اقتصر على البيع، فلا. ويقال: إن أبا إسحق، عرض هذا الرق على ابن سريج، فلم يعبأ به. وقال هو وإن صرح بالاذن، فإنما يأذن بحكم المعاوضة لا بالوكالة. فإن قلنا: يعتق، فما أخذه المشتري يعطيه للسيد لانا جعلناه كتوكيله. وإن قلنا: لا يعتق، فالسيد يطالب المكاتب، والمكاتب يسترد من المشتري. الثالثة: السيد معه في المعاملة كأجنبي يبايعه، ويأخذ ثمنه بالشفعة. فلو ثبت له على سيده دين معاملة، ولسيده عليه النجوم، أو دين معاملة، ففي التقاص الخلاف الآتي في الفرع عقيبه إن شاء الله تعالى. فرع في التقاص. إذا ثبت لشخصين كل واحد منهما على صاحبه دين بجهة واحدة أو جهتين، كسلم وقرض، أو قرض وثمن، نظر، هل هما نقدان، أم لا ؟ وهل هما جنس، أم لا ؟ فإن كانا جنسا، واتفقا في الحلول وسائر الصفات، فأربعة أقوال. أظهرها: يحصل التقاص بنفس ثبوت الدينيين، ولا حاجة إلى الرضى، إذ لا فائدة فيه. والثاني: لا يحصل التقاص، وإن رضيا، لانه بيع دين بدين. والثالث: يشترط في التقاص رضاهما. والرابع: يكفي رضى أحدهما.

(8/519)


وإن اختلف الدينان في الصفات، كالصحة، والكسر، والحلول، والتأجيل، أو قدر الاجل، لم يحصل التقاص، لاختلاف الاغراض، ولصاحب الحال أن يستوفيه وينتفع به إلى أن يحل ما عليه، فإن تراضيا على جعل الحال قصاصا عن المؤجل، لم يجز، كما في الحوالة. وحكى أبو الفرج الزاز فيهما وجها. ولو كانا مؤجلين لاجل واحد، فهل هما كالحالين، أم كمؤجلين بأجلين مختلفين ؟ وجهان، أرجحهما عند الامام: الاول، وعند البغوي: الثاني. وإن كانا جنسين: دراهم، ودنانير، فلا مقاصة. والطريق: أن يأخذ أحدهما ما على الآخر، ثم إن شاء جعل المأخوذ عوضا عما عليه، فيرده إليه، ولا حاجة إلى قبض العوض الآخر. أما إذا لم يكن الدينان نقدين، فإن كانا جنسا، فالمذهب أنه لا تقاص، وبه قطع جمهور العراقيين، وغيرهم. وقيل: هو على الاقوال. وقيل: إن كانا من ذوات الامثال، فعلى الاقوال، وإلا، فلا تقاص قطعا وإن كانا جنسين، فلا تقاص قطعا وإن تراضيا، بل إن كانا عرضين، فليقبض كل واحد ما على الآخر، فإن قبض أحدهما، لم يجز رده عوضا عن المستحق للمردود عليه، لانه بيع عرض قبل القبض، إلا أن يكون ذلك العرض مستحقا بقرض أو إتلاف، لا بعقد. وإن كان أحدهما عرضا، والآخر نقدا، فإن قبض مستحق العرض العرض، ورده عوضا عن النقد المستحق عليه جاز وإن قبض مستحق النقد النقد، ورده عوضا عن العرض المستحق عليه لم يجز، إلا أن يكون العرض مستحقا بقرض أو إتلاف. هكذا ذكر ابن الصباغ والروياني وإذا حصل التقاص بين السيد والمكاتب، وبرئ المكاتب عن النجوم، عتق كما لو أداها. قلت: فإذا قلنا: لا يتقاصان، ولم يبدأ أحدهما بتسليم ما عليه، حبس حتى يسلما، ذكره صاحب الشامل وغيره. والله أعلم. الرابعة: إذا أوصى السيد بالمكاتب، صحت الوصية على القديم الذي نصحح بيعه، ولا يصح على الجديد. فعلى هذا لو قال: إن عجز مكاتبي، وعاد

(8/520)


إلى الرق، فقد أوصيت به لفلان، فوجهان، أحدهما: لا يصح اعتبارا بحال التعليق، وكما لو قال: إن ملكت عبد فلان، فهو حر. والثاني وهو الصحيح وبه قطع الجمهور: تصح الوصية كما لو أوصى بثمرة نخلته، وحمل جاريته، وكما لو قال: إن ملكت عبد فلان، فقد أوصيت به، فإن قلنا بالصحيح، فعجز، وأراد الوارث إنظاره، فللموصى له تعجيزه، وليأخذه، وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم، كما سبق في المجني عليه. ولو أوصى بالنجوم التي عليه، صحت وإن لم تكن مستقرة، كما تصح الوصية بالحمل. وإن لم يكن مملوكا في الحال، فإن أداها، فهي للموصى له، وولاء المكاتب للسيد. وإن عجز، فللوارث تعجيزه، وفسخ الكتابة. وإن أنظره الموصى له، فهل للموصى له إبراؤه عن النجوم ؟ فيه احتمالان لابن كج والقاضي حسين. ولو أوصى لواحد برقبته إن عجز ولآخر بالنجوم، صحت الوصيتان، فإن أدى المال، بطلت الاولى. وإن رق، بطلت الثانية. ولو أوصى لرجل بما يعجله المكاتب، فلم يعجل، وأدى النجوم في محلها، بطلت الوصية، ولا يجبر على التعجيل لتنفيذ الوصية. هذا كله في الكتاب الصحيحة، أما إن كاتبه كتابة فاسدة، ثم أوصى برقبته، فإن كان عالما بفساد الكتابة، صحت الوصية. قال الصيدلاني وغيره: وتتضمن الوصية فسخ الكتابة. وإن كان يظن صحتها، فقولان، أحدهما: لا تصح الوصية، لانه أوصى معتقدا بطلان الوصية وأظهرهما: تصح اعتبارا بحقيقة الحال. ومنهم من طرد القولين فيما لو كان عالما بفساد الكتابة، لان الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق وغيره، بخلاف ما لو باع بيعا فاسدا، ثم أوصى بالمبيع وهو عالم بفساد البيع، فإنه يصح قولا واحدا، لان البيع الفاسد ليس كالصحيح. وأما إذا أوصى بالمبيع جاهلا بفساد المبيع، فهو على القولين. ولو باع المكاتب كتابة فاسدة، أو المبيع بيعا فاسدا، أو وهب، أرهن وهو جاهل بالفساد، فقيل: فيه القولان. وقيل: يبطل قطعا،

(8/521)


بخلاف الوصية، لانها تحتمل الغرر. والخلاف في هذا كله كالخلاف فيمن باع مال أبيه ظانا أنه حي فكان ميتا. وفي معناها، ما إذا وكل رجلا بشراء عبد، ثم باعه وهو لا يعلم أن الوكيل اشتراه له، أو باع مال اليتيم وهو لا يعلم أن أباه جعله وصيا له، فبان أنه جعله. الخامسة: الوصية بوضع النجوم عن المكاتب صحيحة معتبرة من الثلث، فلو قال: ضعوا عنه ما عليه من النجوم أو كتابته، فمقتضاه وضع النجوم. فلو قال: نجما من نجومه، فالاختيار للوارث يضع ما شاء أقلها أو أكثرها، أولها، أو آخرها، أو أوسطها، وكذا لو قال: ضعوا عنه ما قل أو كثر، أو ما خف، وثقل. ولو قال: ضعوا عنه ما شاء من نجوم الكتابة، فشاء وضع الجميع، لم يوضع الجميع، بل يبقى أقل ما يتمول، لان من للتبعيض. ولو اقتصر على قوله: ضعوا عنه ما شاء فشاء الجميع، فقيل بوضع الجميع. والصحيح المنصوص: أنه يبقى شئ كالصورة السابقة. ولو قال: ضعوا عنه أكثر مما عليه، أو أكثر ما بقي عليه، وضع نص ما عليه وزيادة، وتقدير الزيادة إلى اختيار الوارث. ولو قال: ضعوا عنه أكثر مما عليه أو ما عليه وأكثر، وضع عنه الجميع، ولغا ذكر الزيادة. ولو كانت عليه نجوم مختلفة الاقدار والآجال، فقال: ضعوا عنه أكثر النجوم أو أكبرها، روعي القدر. وإن قال: أطولها وأقصرها، روعيت المدة. وإن قال: أوسط النجوم، فهذا يحتمل الاوسط في القدر، وفي الاجل وفي العدد، فإن اختلفت النجوم فيها جميعا، فللورثة تعيين ما شاؤوا، فإن زعم المكاتب أنه أراد غيرهم، حلفهم على نفي العلم. وإن تساوت في القدر والاجل، حملت على العدد، فإذا كان العدد وترا، كالثلاثة والخمسة، فالاوسط واحد. وإن كان شفعا، فالاوسط اثنان، كالثاني والثالث من أربعة، فيعين الوارث أحدهما، هكذا قال ابن الصباغ وغيره. ويجوز أن يقال: الاوسط كلاهما، فيوضعان، وهذا مقتضى ما في التهذيب. فرع أوصى بكتابة عبد بعد موته، فلم يرغب العبد في الكتابة، تعذر تنفيذ

(8/522)


الوصية، ولا يكاتب بدله آخر، كما لو أوصى لزيد بمال فلم يقبل، فلا يصرف إلى غيره. وإن رغب فإن خرج كله من الثلث، كوتب ثم إن عين مال الكتابة، كوتب على ما عينه، وإلا، فعلى ما جرت به العادة. والعادة أن يكاتب العبد على ما فوق قيمته. وإن ليخرج كله من الثلث، فلم يجز الوارث، فقيل: كتابة القدر الذي يخرج من الثلث يكون على الخلاف في كتابة بعض العبد، والمذهب أنه يكاتب ذلك القدر، ويصح بلا خلاف، ولا يبالي بالتبعيض إذا أفضت الوصية إليه،، وإذا كوتب بعضه، وأدى النجوم، عتق، وولاؤه للموصي، والباقي رقيق، فإن أجاز الوارث كتابة كله، وعتق بأداء النجوم، فولاء الجميع للموصي إن جعلنا الاجازة تنفيذا، وإلا فولاء ما زاد على القدر الخارج من الثلث للوارث. ولو قال: كاتبوا أحد عبيدي، لم يكاتب أمة، ولا خنثى مشكل. وهل يكاتب خنثى ظهرت ذكورته ؟ فيه طريقان. المذهب: نعم. والثاني: قولان، لبعده عن الفهم عند الاطلاق. ولو قال: كاتبوا إحدى إمائي، لم يكاتب المشكل، فإن ظهرت أنوثتها، فعلى الطريقين. ولو قال: أحد رقيقي، جاز العبد والامة، وجاز المشكل على المشهور. فصل وأما تصرفات المكاتب، فهو كالحر في معظمها، فيبيع ويشتري، ويؤجر ويستأجر، ويأخذ بالشفعة، ويقبل الهبة، والوصية، والصدقة، ويصطاد ويحتطب، ويؤدب عبيده إصلاحا للمال، كما يقصدهم ويختنهم. وفي إقامته الحدود عليهم خلاف سبق في الحدود. ولو أجر نفسه أو عبيده أو أمواله، فعجزه السيد في المدة، انفسخ العقد. وقيل: لا يجوز أن تزيد مدة الاجارة على مدة النجوم، ولا يصح منه تصرف فيه تبرع أو خطر. هذا هو القول الجملي فيه، وفي تفصيله صور. إحداها: لا يصح إعتاقه ولا إبراؤه عن دين وهبة مجانا، ولا بشرط الثواب، لان في قدر الثواب خلافا، فقد يحكم القاضي بقليل. وإن شرط فيها ثوابا معلوما، ولم يكن فيه غبن وقلنا: هذه الهبة بيع، ولا يشترط في ثبوت الملك

(8/523)


الاقباض، فهي جارية على قياس البيوع، وكذا إن شرطنا الاقباض، صحت الهبة، لكن لا يسلمها حتى يقبض العوض. الثانية: قال الشيخ أبو محمد: لا يحل له التبسط في الملابس والمآكل، ولا يكلف فيها التقتير المفرط. الثالثة: ليس له دفع المال إلى غيره قراضا، لانه قد يخون أو يموت فيضيع. وله أن يأخذه إقراضا، لانه أكساب، وليس له أن يقرض، وله أن يقترض، وليس له تعجيل دين مؤجل. الرابعة: ليس له شراء أحد من أصوله وفروعه، لتضمنه العتق. فلو وهب له قريبه، أو أوصى له به، فإن لم يقدر على الكسب لهرم أو زمانة، وعجز، وكان بحيث يلزمه نفقته، لم يجز قبوله. وقيل: يجوز قبول الزمن، وهو ضعيف. وإن كان كسوبا يقوم بكفاية نفسه، استحب قبوله، إذ لا ضرر فيه، ثم لا يعتق عليه لضعف ملكه، بل يكاتب عليه، فيعتق بعتقه، ويرق برقه، وليس له بيعه. وعن ابن أبي هريرة: أنه يجوز بيعه. قال الشيخ أبو علي: هذا غلط، وتكون نفقته في كسبه، وما فضل، فللمكاتب أن يستعين به في أداء النجوم، فإن مرض أو عجز، أنفق المكاتب عليه، لانه من صلاح ملكه، فإن جنى، بيع في الجناية، وليس للمكدتب أن يفديه، بخلاف ما إذا جنى عبده، له أن يفديه، لان الرقبة تبقى له يصرفها في النجوم. الخامسة: ليس له الشراء بالمحاباة، ولا البيع بالغبن، ولا بالنسيئة. ولو استوثق برهن وكفيل، فلو باع ما يساوي مائة بمائة نقدا، أو مائة نسيئة، جاز ولو اشترى نسيئة بثمن النقد، جاز، ولا يرهن به، لانه قد يتلف الرهن. وإن اشتراه بثمن نسيئة، لم يجز، ذكره البغوي لما فيه من التبرع، وذكره الروياني في جمع الجوامع أنه يجوز، إذ لا غبن. وقد سبق في كتاب الرهن حكاية وجه أن المكاتب

(8/524)


كولي الطفل في البيع نسيئة، والرهن والارتهان، والصحيح الذي عليه الجمهور الفرق. السادسة: إذا باع أو اشترى، لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض، لان رفع اليد عن المال بلا عوض نوع غرر، وكذا ليس له السلم، لانه يقتضي تسليم رأس المال في المجلس، وانتظار المسلم فيه، لاسيما إن كان سلما مؤجلا. وقيل: يجوز السلم حالا، ويسلم رأس المال، ثم يتسلم المسلم فيه في المجلس. وقيل: يجوز مطلقا بشرط الغبطة، والصحيح الاول. السابعة: ليس له أيكاتب عبده، فلو كاتبه، فأدى المال، لم يعتق لان تعليقه غير صحيح، ولا يتزوج، ولا يزوج عبده، لما فيه من المؤن، ولا يتزوج المكاتبة، لان ذلك ينقصها. وله شراء الجواري للتجارة، ولا يجوز له التسري خوفا من هلاك الجارية في الطلق، ولضعف الملك. وقال الشيخ أبو محمد: لا يبعد إجراء الوجهين في وطئ من يؤمن حبلها، كما في المرهونة. قال الامام: هذا غير مرضي. الثامنة: إذا لزم المكاتب كفارة قتل أو ظهار، أو وطئ في نهار رمضان، أو يمين، كفر بالصوم، دون المال، لان ملكه ليس بتمام، وهو مستحق لجهة الكتابة. فرع جميع ما منعناه في هذه الصور، مفروض فيما إذا لم يأذن له السيد، فإن أذن فسنذكره عقيبه إن شاء الله تعالى.

(8/525)


فرع وصية المكاتب باطلة، سواء أوصى بعين أو ثلث ماله، لان ملكه غير تمام. فصل تبرعات المكاتب وتصرفاته المحظرة كالهبة والابراء والانفاق على الاقارب، والاقراض والقراض والبيع بمحاباة وبنسيئة، وتعجيل المؤجل ونحوها، إن جرت بإذن السيد، فمنقول المزني والمنصوص في الام صحتها. ونقل الربيع قولا آخر بالمنع. ونص أن اختلاع المكاتب بالاذن لا يجوز، فقال الجمهور: في الجميع قولان. أظهرهما: الصحة. وقيل: يصح ما سوى الخلع قطعا، ولا يصح هو. وعن ابن سلمة القطع بصحة الخلع أيضا. ولو وهب للسيد أو لابنه الصغير، فقبل له السيد، أو أقرضه، أو باعه نسيئة أو بمحاباة أو عجل له دينا مؤجلا غير النجوم، فالمذهب أنه على الخلاف فيما إذا وهب لغيره بإذنه. وقيل: يصح قطعا، واختاره الشيخ أبو محمد، لان للمكاتب أن يعجز نفسه، فيجعل جميع ما في يده لسيده، فجواز الهبة أولى. ولو وهب بإذن السيد، فرجع عن الاذن قبل إقباض الموهوب، لم يكن له إقباضه. ولو اشترى قريبه بإذن السيد، ففي صحته القولان في الهبة، فإن صححناه يكاتب عليه. وعن أبي إسحق: القطع بالصحة، لانه قد يستفيد من أكسابه، وفيه صلة الرحم. ولو أعتق المكاتب عبده عن سيده، أو عن غيره بإذنه، فهو كتبرعه بالاذن. ولو أعتق عن نفسه بإذن السيد، لا يصح على المذهب، لتضمنه الولاء، والمكاتب ليس أهلا لثبوت الولاء له، كالقن، فإن صححناه، فلمن يكون ولاء العتيق ؟ قولان، أحدهما: للسيد، لان المكاتب ليس أهلا للولاء، ووقف الولاء بعيد، وأظهرهما: يوقف، لان الولاء لمن أعتق، والسيد لم يعتق، فإن عتق المكاتب، هان له، وإن مات رقيقا، كان لسيده، وإن عجزه، ورق، فحكى الامام أنه يبقى التوقف، لانه يرجى عتقه من جهة أخرى. والصحيح الذي قطع به الاصحاب أن يكون للسيد بلا توقف، لانقطاع الكتابة، فإن جعلنا الولاء للسيد، فعتق المكاتب بعد ذلك، ففي انجرار الولاء إليه وجهان، حكاهما أبو علي الطبري وصاحب التقريب أصحهما: المنع، وكأن السيد

(8/526)


أعتقه. وإن قلنا بالتوقف، فمات العتيق قبل موت المكاتب وعوده إلى الرق، فهل يوقف الميراث أيضا، أم يكون للسيد، أم لبيت المال ؟ أقوال. أظهرها: الاول. ولو كاتب المكاتب عبده بإذن السيد، فهو كتنجيز العتق، نص عليه في المختصر، وقاله الاصحاب، فيعود الطريقان في صحة الكتابة. والقولان في الولاء تفريعا على الصحة إذا عتق المكاتب الثاني قبل الاول. وإن عتق الاول ثم الثاني، فولاء الثاني للاول. وفي نكاح المكاتب بإذن السيد طريقان. أحدهما: قولان، كتبرعه، لانه يبذل المهر والنفقة لا في مقابلة مال. والثاني. وهو المذهب عند الجمهور: القطع بالصحة، لانه إذا صح نكاح القن بالاذن، فالمكاتب أولى، لانه أحسن حالا منه، ولانه يحتاج إليه للتحصين وغيره، بخلاف الهبة ونحوها. وتزويج المكاتبة بإذنها صحيح على الصحيح. وقال القفال: لا تزوج أصلا، لضعف ملك السيد ونقصها، فلا يؤثر إذنها. ولو أذن السيد للمكاتب في التسري بجارية، لم يصح على المذهب. ولو أذن له في التكفير بالاطعام أو بالكسوة، فقولان ولو أذن في التكفير بالاعتاق، لم يجزئه على المذهب. فرع > اشترى المكاتب من يعتق على سيده، أو أوصى له به، فقبل، صح، وملكه المكاتب. فإن رق المكاتب، صار القريب للسيد، وعتق عليه. ولو اشترى بعضه، أو اتهبه، أو قبل الوصية به، صح أيضا. وإذا رق، عتق ذلك الشقص على السيد. وهل يسري إلى الباقي ؟ إن كان السيد موسرا، ينظر إن عجز المكاتب نفسه بغير اختيار السيد، لم يسر، كما لو ورث بعض قريبه، وإن عجزه السيد، فوجهان. لان المقصود فسخ الكتابة، والملك يحصل قهرا. ولو اتهب العبد القن من يعتق على سيده بغير إذن، بني على أن اتهابه بغير إذن السيد، هل ينقذ ؟ وفيه خلاف سبق. إن قلنا: لا، فلا كلام. وإن قلنا: نعم وهو

(8/527)


الصحيح، فإن خيف وجوب النفقة على السيد في الحال، فإن اتهب زمنا والسيد موسر، لم يصح قبوله لان فيه إضرارا بالسيد. وإن لم يجب النفقة في الحال، لكون القريب كسوبا، أو السيد فقيرا، صح القبول، وعتق الموهوب على السيد. ولو اتهب بعض من يعتق على السيد بغير إذنه، وصححنا اتهابه بغير إذنه، ولم يتعلق به لزوم النفقة، صح القبول على الاظهر، ولا يسري، لحصول الملك قهرا. والثاني: لا يصح. قال الشيخ أبو علي: وخرج ابن سريج على هذين القولين، ما إذا اشترى المريض أباه بألف لا يملك غيره، وعليه دين مستغرق، ففي قول: لا يصح الشراء، لانه لو صح، لعتق، وبطل حق الغرماء. وفي الثاني: يصح، ولا يعتق ويباع في ديونهم. وفي الوسيط وجه أنه يصح، ويعتق ويسري، ويجعل اختيار العبد كاختياره، كما جعل قبوله كقبوله. ولم أجد هذا الوجه في النهاية وإذا صححنا اتهاب القن بغير إذن سيده، دخل الموهوب في ملك السيد، قهرا كما لو احتطب. وهل للسيد رده بعد قبول السيد ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لان تمليك الرشيد قهرا، بعيد. وأصحهما: المنع، كالملك بالاحتطاب، فعلى الاول هل ينقطع ملكه من وقت الرد، أم يتبين أنه لم يدخل في ملكه ؟ وجهان وفائدتهما، لو كان الموهوب عبدا، ووقع هلال شوال بين قبول العبد ورد السيد في الفطرة. فرع وهب المكاتب بعض ابنه، فقبله، وصححنا قبوله، فعتق المكاتب، عتق عليه ذلك الشقص. وهل يقوم الباقي عليه إن كان موسرا ؟ وجهان، أصحهما: نعم، قاله ابن الحداد، وصححه الشيخ أبو علي، ومنعه القفال فرع اشترى المكاتب ابن سيده، ثم باعه بأبي السيد، صح، وملك الاب، فإن رق المكاتب، صار الاب ملكا للسيد، وعتق عليه، فإن وجد به عيبا،

(8/528)


لم يكن له الرد، وله الارش، وهو جزء من الثمن، فإن نقص العين عشر قيمة الاب، رجع بعشر الابن الذي هو الثمن، ويعتق ذلك العشر، ولا يقوم الباقي على السيد إن كان المكاتب عجز نفسه، وكذا إن عجزه سيد على الاصح. فرع ذكرنا أنه لا يجوز للمكاتب وطئ أمته بغير إذن سيده، ولا بإذنه على المذهب. فلو وطئ، فلا حد، ولا مهر، لانه لو ثبت مهر لكان له، فإن أولدها، فالولد نسيب، فإن ولجته وهو مكاتب بعد، فهو ملكه لانه ولد أمته، لكن لا يملك بيعه، لانه ولده، ولا يعتق عليه، لضعف ملكه، بل يتوقف عتقه على عتق المكاتب، إن عتق، عتق، وإلا، رق، وصار للسيد، ولا تصير الامة مستولدة له في الحال على المذهب، لانها علقت بمملوك، فأشبهت الامة المنكوحة، وحق الحرية للولد لم يثبت بالاستيلاد في الملك، بل لمصيره ملكا لابيه، كما لو ملكه بهبة، فإن عتق، ففي مصيرها أم ولد قولان. فإن قلنا: يثبت الاستيلاد في الحال، فإن عتق المكاتب، استقر الاستيلاد، وإن عجز، رقت مع الولد للسيد، فإن عتق المكاتب بعد ذلك، وملكها، لم تصر مستولدة له، لان بالعجزتين انها علقت برقيق، وأن لا استيلاد. وإن قلنا: لا يثبت، فإن عجز، ثم عتق وملكها، لم تصر مستولدة له، وإن أعتق بأداء النجوم، فكذلك على المذهب. وقال أبو إسحق:

(8/529)


قولان، كما لو استولد مرهونته، وبيعت ثم ملكها، والفرق أن العلوق هنا بمملوك هذا كله إذا ولدت وهو بعد مكاتب، فإن ولدت بعد عتقه، فإن كان لدون ستة أشهر من حين العتق، فكذلك الحكم، لان العلوق وقع في الرق، وإن كان لستة أشهر فأكثر من يومئذ، فقد أطلق الشافعي أنها تصير مستولدة. وللاصحاب طريقان. أصحهما: أن هذا إذا وطئ بعد الحرية، وولدت لستة أشهر فصاعدا من حين الوطئ لظهور العلوق بعد الحرية والولد والحالة هذه لا ولاء عليه إلا بالولاء على أبيه، ولا ينظر إلى احتمال العلوق في الرق تغليبا للحرية. فأما إذا لم يطأها بعد الحرية، فالاستيلاد على الخلاف. والثاني: يثبت الاستيلاد، وطئ بعد الحرية أم لا، لانها كانت فراشا قبل الحرية والفراش مستدام بعدها، وإمكان العلوق بعدها قائم، فيكتفى به. الحكم الرابع: في ولد المكاتبة: فإذا كاتب أمة لها ولد، فالولد باق على ملك السيد، فإن شرط دخوله في عقد الكتابة، فسدت، فإن أدت، عتق الولد أيضا بموجب التعليق. وإن كان في يدها مال، وشرط أن يكون المال لها، فهو جمع بين البيع والكتابة بعوض واحد. وإن كانت حاملا، وتيقنا الحمل بانفصاله لدون ستة أشهر، فإن قلنا: الحمل لا يعرف، فهو كالولد الحادث بعد الكتابة، وسنذكره إن شاء الله تعالى قريبا. فإن قلنا: يعرف، فوجهان. أصحهما: أن عقد الكتابة متوجهة إليهما، فإذا عتقت، عتق.

(8/530)


والثاني: لا يثبت للولد كتابة، وإن حدث الولد بعد الكتابة، فإن كان من السيد، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن كان من أجنبي بزنا أو نكاح، فهل ثبتت له الكتابة ؟ قولان. أظهرهما وأحبهما إلى الشافعي وهو نصه في المختصر: تثبت، فيعتق بعتق الام بالاداء أو الابراء أو الاعتاق. وقطع أبو إسحق بهذا القول، وقال: إذا اختاره الشافعي كان الآخر ساقطا، واتفق الاصحاب على أنه لا يدخل في الكتابة، ولا يطالبه بشئ من النجوم، لانه لم يوجد منه التزام. ولو عجزت المكاتبة، أو ماتت، بطلت الكتابة، وكان الولد رقيقا للسيد بلا خلاف. ولو فسخت الكتابة، ثم عتقت، لم يعتق الولد قطعا، لانه إنما يعتق بعتقها الجهة الكتابة، فإن قلنا: لا يثبت الولد حكم الكتابة، فهو قن، للسيد بيعه وإعتاقه عن الكفارة، والوطئ إن كان الولد أمة ولا يعتق بعتق الام. وإن قلنا: يثبت، فحق الملك فيه لمن هو فيه قولان. أظهرهما عند الشافعي رضي الله عنه: أنه للسيد، كما أن حق الملك في الام له، وكولد أم الولد. والثاني: أنه للمكاتبة، لانه يتكاتب عليه، ولانه لو كان للسيد لما عتق بعتقها. ويتفرع على القولين صور. منها: إذا قتل الولد، فعلى القول الاول: القيمة للسيد وعلى الثاني: للمكاتب. وقيل: للسيد أيضا. ومنها: كسب الولد وأرش الجناية على أطرافه، ومهر وطئ الشبهة إن قلنا بالقول الثاني، فهي للام يستعين بها في كتابتها، ويصرف ما يحصل إليها يوما يوما بلا توقف. وإن قلنا بالاول، فوجهان. أحدهما: يصرف إلى السيد بلا توقف، كما تصرف إليه القيمة. والصحيح: التوقف، فإن عتقت، وعتق الولد، فهي له، وإلا، فللسيد. فلو أرقت نفسها مع القدرة على أداء النجوم، فقال الولد: أنا أؤدي نجومها من كسبي لتعتق، فأعتق، قال الامام: لا يمكن منه، لانه تابع لا اختيار له في العتق. وإن عجزت، فأرادت أن تأخذ من كسب ولدها الموقوف،

(8/531)


وتستعين به في أداء النجوم، فهل تجاب ؟ قولان أظهرهما: المنع، إذ لا حق لها في كسبه، فإن مات الولد في مدة التوقف، صرف الموقوف إلى السيد. ومنها: نفقة الولد، وهي على السيد. ان قلنا: يصرف الكسب إليه في الحال. وإن قلنا: يوقف، أنفق عليه من كسبه، ويعالج جرحه، ويكفي مؤناته، فما فضل فهو الذي يوقف، فإن لم يكن له كسب، أو لم يف بالنفقة، فالنفقة على السيد على الاصح، لان الملك له. وقيل: في بيت المال، لان تكليفه النفقة بلا كسب إجحاف به. وإن قلنا: الكسب للام، فالنفقة عليها. ومنها: لو أعتق السيد الولد، فإن قلنا: الملك له، وإن الكسب يصرف إليه في الحال، أو قلنا: يوقف ومنعناها من أخذه لاداء النجوم، نفذ إعتاقه، وإن جوزنلها الاستعانة بالموقوف، لم ينفذ إعتاقه على الاصح، لئلا ينقطع حقها من كسبه وإن قلنا: الملك لها، لم ينفذ إعتاقه. فرع لو رق الولد برق الام فكسبه للسيد، سواء قلنا: الملك فيه للسيد، أم للام. فرع ولد المكاتب من جاريته، حق الملك فيه للمكاتب قطعا، فيصرف كسبه إليه، ولا ينفذ إعتاق السيد فيه، ونفقته على المكاتب، لانه ولد أمته، وهي ملكه. ولو ولدت أمته من نكاح أو زنى، فهم عبيده كسائر أكسابه، فكذا هذا الولد، إلا أنه لا يتبعه، بل يتكاتب على بالقرابة، فيعتق بعتقه، ويرق برقه. وإذا عتق المكاتب، وتبعه هذا الولد ولكسب، فكسبه للمكاتب، لا للولد. ولو جنى هذا الولد، وتعلق الارش برقبته، فقد حكى الامام عن العراقيين: أنه إن كان له كسب، فله أن يفديه من كسبه، وإلا، فله أن يبيعه كله وإن زاد على قدر الارش، ثم يصرف قدر الارش إلى المجني عليه، ويأخذ الباقي، ثم غلط الامام من صار إليه، وقال: الصحيح أنه لا يفدي ولده لان كسب الولد كسائر أموال

(8/532)


المكاتب، والفداء كالشراء، وليس له صرف الما الذي يملك التصرف فيه إلى غرض ولده الذي لا يملك التصرف فيه، لانه تبرع قال: والصحيح أنه إن باع لا يبيع إلا قدر الارش كما لا يباع من المرهون إذا جنى إلا قدر الارش. وإذا فداه، لا ينفذ تصرفه فيه، بل يتكاتب عليه، كما لا ينفذ إذا اشتراه. وولد المكاتبة من عبدها يشبه أن يكون كولد المكاتب من جاريته. فرع اختلف السيد والمكاتب في ولدها، وقال: ولدته قبل الكتابة، فهو رقيق، وقالت: بعدها، وقد يكاتب تفريعا على الاظهر، وكل واحد من الامرين محتمل، فإن كان بينة، قضي بها. قال البغوي: ولو أقام السيد أربع نسوة، قبلن، لانها شهادة على الولادة، ويثبت الملك ضمنا. وإن أقاما بينتين، تعارضتا. وإ لم يكن بينة، صدق السيد بيمينه، لانه اختلاف في وقت الكتابة، فصدق فيه كأصلها. فرع زوج عبده بأمته ثم كاتبه ثم باعها له. وولدت، فقال السيد: ولدت قبل الكتابة، فهو قن لي. وقال المكاتب: بعد الشراء، وقد تكاتب، صدق المكاتب بيمينه، بخلاف ما سبق في الفرع قبله، لان المكاتب هنا يدعي ملك الولد، كما سبق أن ولد أمته ملكه، ويده مقرة على هذا الولد، وهي تدل على الملك والمكاتبة هناك لا تدعي الملك، بل تدعي ثبوت حكم الكتابة فيه. فرع حكى الصيدلاني: أن الشافعي رحمه الله قال: لو أتت المكاتبة بولدين أحدهما: قبل الكتابة، والآخر: بعدها، فهما للسيد، لانه حمل واحد، وكذا لو أتت بأحدهما لدون ستة أشهر من حين ملكها، وبالآخر لاكثر، فهما للسيد. وإن أبا زيد أفتى بذلك، والصحيح أن كلام الشافعي مؤول، وأن الحمل يتبع الام في البيع كيف كان، حتى لو وضعت ولدا وفي بطنها آخر، فباعها، فالولد الثاني مبيع معها، والاول للبائع، وهذا ما ذكره البغوي.

(8/533)


فصل السيد ممنوع من وطئ المكاتبة لاختلال ملكه، فإن شرط في الكتابة أن يطأها، فسد العقد، فإن وطئ، فلا حد وإن علم التحريم للشبهة، وفي قول: يحد العالم، والمشهور الاول، لكن يعزر على الصحيح هو وهي، ويجب المهر مع العلم والجهل. وقيل: إن طاوعته، فلا مهر، والصحيح الاول، وهو نصه في الام وإذا وجب المهر، فلها أخذه في الحال، فإن حل عليها نجم، وهما من جنس، فعلى أقوال التقاص. وإن عجزت قبل أخذه، سقط. وإن عتقت بالاداء، فلها المطالبة. ولو أولدها، فالولد حر، لانها علقت به في ملكه، وتصير مستولدة. وهل يلزمه قيمة الولد ؟ إن قلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، أو قلنا: يتكاتب وحق الملك فيه للسيد، فلا شئ عليه، كما لو قتل ولد المكاتبة. وإن قلنا: الحق لها، لزمه لها القيمة، فإن عجزت قبل الاخذ، سقطت، وإن عتقت، أخذتها، وإن ولدت بعد ما عجزت، ورقت، فلا شئ لها، وكذا لو ولدت بعد ما عتقت، فإن عجزت ثم مات السيد، عتقت بالاستيلاد، والاولاد الحادثون بعد الاستيلاد من نكاح أو زنى، يتبعونها، والحاصلون قبلها، أرقاء للسيد. وإن مات السيد قبل عجزها، عتقت. قال البغوي: ويتبعها كسبها. وهل يعتق عن الكتابة، أم عن الاستيلاد ؟ وجهان. أصحهما: الاول، كما لو أعتق السيد المكاتب، أو ابرأه عن النجوم، فعلى هذا الاولاد الحادثون بعد الكتابة وقبل الاستيلاد، هل يتبعونها ؟ فيه الخلاف السابق، وأجري هذا الخلاف فيما لو علق عتق المكاتب بصفة، فوجدت قبل أداء النجوم، وفيما إذا تقدم الاستيلاد على الكتابة. قال البغوي: وإذا استولد، ثم كاتب، وأدت النجوم، فالكسب الحاصل بعد الكتابة يتبعها،

(8/534)


والحاصل قبلها للسيد، والاولاد الحاصلون بعد الاستيلاد يتبعونها، وهذا مبني على صحة كتابة المستولدة، وقد سبق فيه خلاف. فرع ليس للسيد وطئ أمة مكاتبه أو مكاتبته، فإن وطئ، فلا حد، للشبهة، لانه يملك سيدها، ويلزمه المهر للمكاتب. وإن أولدها، فالولد حر نسيب، وتصير الامة مستولدة له. قال في الشامل: يلزمه قيمتها لسيدها لانها ملكه، ولا يلزمه قيمة الولد، لانها وضعته في ملكه، ويجيئ فيه الخلاف السابق. وللسيدوطئ بنت المكاتبة إن لم يثبت حكم الكتابة في ولد المكاتبة، فإن أثبتناه فليس له وطؤها، ولكن لا حد عليه. وأما المهر، فيبنى على الخلاف في الكسب. إن قلنا: يصرف إلى السيد في الحال، فلا مهر عليه، وإن قلنا: هو للام، فكذا المهر. وإن قلنا بالتوقف، أنفق منه عليها، ووقف الباقي، فإن عتقت بعتق الام، فهو لها، وإن عجزت، فهو للسيد. وإن أولدها، صارت مستولدة، والولد حر نسيب، ولا يلزمه قيمة المستولدة لامها، لانها لا تملكها، وإنما يثبت لها حق العتق بعتقها. وقد تأكد ذلك بالاستيلاد، هكذا ذكره ابن الصباغ، وقد سبق في قتلها قولان، في أنه هل تجب القيمة للام ؟ فينبغي أن يكون كذلك. قال البغوي: ويبقى حق الكتابة فيها، فتعتق بعتق الام، ويكون الكسب لها إذا جعلنا الحق فيها للام، فإن مات السيد، عتقت البنت بموته، وتؤخذ القيمة من تركته للام إذا جعلنا الحق لها، كما في القتل. وأما قيمة الولد، فعلى ما ذكرنا في ولد المكاتب. فرع الامة المشتركة إذا كاتبها مالكاها معا، ثم وطئها أحدهما، فحكم الحد والتعزير ولزوم المهر على الواطئ كما ذكرنا في المالك الواحد. ثم إن لم يحل النجم، فلها المهر في الحال، وإن حل، فإن كان معها مثل المهر، دفعته إلى الذي لم يطأ. وفي المهر ونصيب الواطئ من النجم الذي حل، الخلاف في التقاص وإن لم يكن معها شئ آخر، فنصف النجم الذي للواطئ مع المهر على الخلاف في التقاص، والنصف الآخر يدفع إلى الذي لم يطأ وإن عتقت قبل أخذ المهر ومصيره قصاصا، أخذت وإن عجزت بعد أخذه، فإن بقي، فهو للسيدين،

(8/535)


وإن تلف تلف من ملكهما، وإن عجزت قبل أخذه، فإن كان في يدها بقدر المهر مال، أخذه الذي لم يطأ وبرئت ذمة الواطئ. وإن لم يكن معها شئ، فللذي لم يطأ أن يأخذ نصف المهر من الواطئ. وإن أجلها، نظر، إن ادعى الاستبراء وحلف عليه، فولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الاستبراء، لم يلحقه، وهو كولد المكاتبة من نكاح أو زنى، وإن لم يدع الاستبراء، وولدت لدون ستة أشهر، فالولد لاحق به، ويثبت الاستيلاد في نصيبه من الامة مع بقاء الكتابة فيه. ثم هو معسر أو موسر، فإن كان معسرا، لم يسر الاستيلاد إلى نصيب الشريك، فإن أدت النجوم حليهما، عتقت بالكتابة، وبطل الاستيلاد. وإن عجزت، وفسخا الكتابة، فنصفها قن، ونصفها مستولد. وإن مات الواطئ قبل الاداء والفسخ، عتق نصفها، وبقيت الكتابة في النصف الآخر. وإن مات بعد الفسخ، عتق النصف، والباقي قن. وفي الولد وجهان. أصحهما: نصفه حر، ونصفه رقيق. والثاني: ينعقد كله حرا، لشبهة الملك، وإن قلنا بالاول، وقلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، لزم الواطئ نصف قيمته للشريك. وإن قلنا: ثبت فيه حكم الكتابة، وقلنا: الحق فيه للسيد، فكذلك الجواب. وإن قلنا: الحق للمكاتبة، لزمه جميع قيمته لها، فإن عتقت قبل أخذها، أخذتها، وإن عجزت قبل الاداء، أخذ الشريك الآخر نصفها، وسقط النصف، وإن قلنا: ينعقد نصفه حرا ونصفه رقيقا، فآن قلنا: ولد المكاتب قن للسيد، فالنصف الرقيق للشريك، ولا يجب شئ من. قيمة الولد على الواطئ. وإن قلنا: تثبت الكتابة في ولد المكاتبة، فالنصف الرقيق يتكاتب عليها، إن عتقت، عتق، وإلا، رق للشريك الآخر. وهل تجب قيمة النصف الحر على الواطئ ؟ يبنى على أن الحفي ولد المكاتبة للسيد أم لها ؟ إن قلنا: له، لم تجب، وإلا، وجبت. ثم إن عتقت، عتق، وسلم لها نصف القيمة، فيأخذه إن لم تكن أخذته، وإن عجزت، سقط عنه. وإن كان دفعه، استرده إن كان باقيا، أما إذا كان موسرا، فيسري الاستيلاد إلى نصيب الشريك، وكان الولد كله حرا، ومتى يسري ؟ فيه طريقان، قال الجمهور: قولان، كما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من المكاتب، ففي قول في الحال، وفي قول عند العجز. وعن ابن أبي هريرة وغيره القطع بأنه يسري عند العجز، فإن قلنا بالسراية في الحال، انفسخت الكتابة في

(8/536)


نصيب الشريك، وتبقى في نصيب الواطئ، ويثبت الاستيلاد في جميع الجارية، وعلى الواطئ للشريك نصف مهرها، ونصف قيمتها. وأما نصف قيمة الولد منه، ففي وجوبها قولان، كما لو استولد أحد الشريكين الامة القنة، وانعقد الولد حرا، وعليه أيضا نصف المهر للمكاتبة لبقاء الكتابة في نصيبه، وهل يجب لها نصف قيمة الولد ؟ يبنى على أن الملك في ولد المكاتبة لمن هو ؟ ولو أدت نصيب الواطئ من مال الكتابة، عتق نصيبه، وسرى إلى الباقي وإن عجزت، وفسخ الكتابة، بقيت مستولدة محضة. وإن قلنا بالسراية عن العجز، فأدت النجوم، عتقت عن الكتابة، وولاؤه بينهما، ويبطل الاستيلاد، وله المهر على الواطئ، فتأخذه إن لم تكن أخذته، وتجب نصف قيمة الولد للشريك إقلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، أو قلنا: ثبتت فيه صفة الكتابة، وحق الملك فيه للسيد. وإن قلنا: حق الملك فيه للمكاتبة، وجب جميع القيمة لها. وإن لم تؤد النجوم، وعجزت، لزم الواطئ للشريك نصف مهرها، ونصف قيمتها، ونصف قيمة الولد. هذا تمام الكلام في وطئ أحد الشريكين. فأما إذا وطئاها جميعا، فإن لم يحصل علوق، فحكم الحد والتعزير ما سبق. وعلى كل واحد مهر كامل، فإن عجزت، ورقت بعد قبض المهرين، لم يطالب أحدهما الآخر بشئ. ويقتسمان المهرين إن كانا باقيين. وإن عجزت قبل أخذه، سقط عن كل واحد نصف ما لزمه، ويجئ في النصف الآخر التقاص، وقد يكون أحد المهرين أكثر من الآخر، إما لكونها بكرا عند وطئ أحدهما، ثيبا عند الآخر، وإما لاختلاف حالها في الصحة والمرض وغيرهما، فيأخذ مستحق الفضل الفضل. وإن أفضاها أحدهما، لزمه نصف القيمة للشريك. فإن أفتضها، لزمه نصف أرش الافتضاض مع المهر. وإن ادعى كل واحد على الآخر أنه الذي أفضى أو افتض، حلف كل واحد منهما للآخر، فإن حلفا، فذاك، وإن حلف أحداهما، ونكل الآخر، قضي للحالف، وإن حصل علوق، نظر هل أتت بولد، أم بولدين، من كل واحد ولد. القسم الاول: إن أتت بولد، فينظر، إن ادعيا الاستبراء، وحلفا عليه، لم يلحق بواحد منهما، وهو كولد المكاتب من نكاح أو زنى، وإن لم يدعيا الاستبراء، فله أربعة أحوال. أحدهما: أن لا يمكن كون الولد من واحد منهما، بأن ولدته لاكثر من أربع سنين من وطئ الاول، ولدون ستة أشهر من وطئ الثاني، أو ولدته لاكثر من

(8/537)


أربع سنين من وطئ أحدهما، فهو كما لو ادعيا الاستبراء. وحكم المهرين في الحالين، كما إذا لم يكن علوق. الحال الثاني: أن يمكن كونه من الاول دون الثاني، فيلحق بالاول، ويثبت الاستيلاد في نصيبه، فإن كان معسرا، فلا سراية، وتبقى الكتابة في جميعها، فإن أدت النجوم، وعتقت، فلها على كل واحد المهر. وإن رقت، فنصفها قن للثاني، ونصيب الاول يبقى مستولدا، ولكل واحد على الآخر نصف المهر، وهو من صور التقاص. وهل كل الولد حر، أم تتبعض حريته ؟ فيه الخلاف السابق. وإن كان موسرا، فالولد كله حر، ويسري الاستيلاد من نصيبه إلى نصيب شريكه، ويعود الخلاف في أنه يسري في الحال، أم عند العجز ؟ فإن قلنا: في الحال، انفسخت الكتابة في نصيب الثاني، وبقيت في نصيب الاول. وإن قلنا: عند العجز، فإذا عجزت، ورقت، ارتفعت الكتابة وهي مستولدة له على القولين. والحكم فيما إذا أدت النجوم وعتقت على ما سبق فيما إذا وطئ أحدهما وأولدها، وكذا الحكم لو عتقت بالموت. وما ذكرنا هناك أنه يجب للشريك على الذي أولدها من المهر وقيمة الجارية. وقيمة الولد تجب هنا للثاني على الاول. وأما وطئ الثاني فإن كان بعدما حكمنا بمصير جميعها أم ولد الاول، وجب جميع المهر، فإن بقيت الكتابة في نصيب الاول، فهو بينه وبين المكاتبة. وإن ارتفعت في نصيبه أيضا، فجميعه له. وإن كان قبل الحكم يصير جميعها أم ولد له، لم يلزمه إلا نصف المهر، لان السراية إذا حصلت أخيرا انفسخت الكتابة، وعاد نصفه رقيقا، فتكون الاكساب له، والمهر من الاكساب. ثم ذلك النصف للمكاتبة، إن بقيت في نصيب الاول، وإلا، فهو للاول. هكذا ضبط القول فيما يلزم الثاني جماعة، منهم ابن الصباغ. واعلم أن وطئ الثاني إذا وقع بعد الحكم بمصير جميعها أم ولد، للاول، فقد وقع بعد ارتفاع شبهة الملك، فيكون زنى، وإطلاق وجوب جميع المهر مصور فيما إذا فرضت شبهة أخرى. وأطلق في المختصر قولين في أنه يلزم الثاني جميع المهر، أم نصفه ؟ قال أبو إسحق: الاظهر: وجوب جميع المهر، وهو اختيار الشافعي والمزني رضي الله عنهما.

(8/538)


الحال الثالث: أن يمكن كونه من الثاني دون الاول، فيلحق الثاني، ويثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا. وفي تبعيض الحرية في الولد الخلاف. وإن كان موسرا، سرى الاستيلاد إما في الحال، وإما عند العجز كما سبق. ويجب على الثاني هنا ما ذكرنا أنه يجب على الاول في الحال الثاني، وأما الاول، فقال البغوي: إن كان الثاني معسرا لزم الاول كمال المهر للمكاتبة، وكذا إن كان موسرا وقلنا: السراية تحصل بعد العجز. وإن قلنا: تحصل في الحال، انفسخت الكتابة في نصيب الاول، ولا يجب إلا نصف المهر لها. وأطلق العراقيون والروياني وغيرهما، أنه لا يلزم الاول عند يسار الثاني إلا نصف المهر. الحال الرابع: أن يمكن كونه من كل واحد منهما وادعياه، أو ادعاه أحدهما، فيعرض على القائف، فمن ألحقه به، كان الحكم كما لو تعين الامكان منه، فإن تعذرت معرفته بالقائف، اعتمد انتسابه بعد بلوغه، ويكون الحكم ما ذكرنا. قال الامام: ولو فرض ذلك في الامة، القنة، وألحقه القائف بأحدهما، لحقه، وثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا، لكن يثبت الاستيلاد أيضا في نصيب الآخر بإقراره أنها مستولدة. وإن كان موسرا، سرولا يلزمه للشريك قيمة نصيبه، لانه يدعي أن الجارية مستولدته، فيؤخذ بإقراره. وإذا لم نجد القائف والمتد اعيان موسران، فلم بأنها مستولدتهما، نصفهما لهذا، ونصفها لذاك، وليس أحدهما بالسراية أولى من الآخر. ولو أقر بالوطئ وسكتا عن دعوى الولد وألحقه القائف بأحدهما ثبت الاستيلاد في. نصيبه، ويسري، وعليه الغرم للشريك، لانه لم يوجد هنا إقرار ينافي الغرم. ولو لم نجد قائفا، وإعتمدنا انتسابه بعد بلوغه، ففي ثبوت الغرم وجهان. القسم الثاني: إذا أتت بولدين وعرفا حالهما، واتفقا على أن هذا من هذا، وذاك من ذاك، وله صورتان إحداهما: اتفقا على السابق منهما، فينظر إن كانا

(8/539)


موسرين، أو كان الاول موسرا، صارت مستولدة للاول، وعليه للثاني نصف مهرها، ونصف قيمتها، وأما قيمة الولد، فقال البغوي: إن قلنا: تحصل السراية بنفس العلوق، لم يجب. وإن قلنا تتوقف على العجز وقلنا: لا يحصل إلا بأداء القيمة، وجبت. وأما الثاني: فإن وطئها بعد ما صار جميعها مستولدا للاول، وهو عالم بالحال، لزم الحد، وولده رقيق للاول. وإن كان جاهلا، فالولد حر، وعليه تمام المهر، وتمام قيمة الولد يوم الوضع، ويكون جميعهما للاول إن ارتفعت الكتابة في نصيبه أيضا. وإن بقيت، فنصف المهر له، ونصفه للمكاتبة، ونصف قيمة الولد على الخلاف في ولد المكاتبة. وإن وطئها قبل أن يصير جميعها مستولدا للاول، لم يلزمه إلا نصف المهر، لان نصفها يعدله، وفي تبعيض حرية الولد ما سبق، فإن لم تتبعض، فعليه نصف قيمة الولد، ولا يثبت الاستيلاد في نصيب الثاني له، وإن بقي نصيبه له، لان الاول استحق السراية، ولا يجوز إبطال حقه. وعن القفال في ثبوت الاستيلاد الثاني في نصيبه وجهان، كما لو أعتق شريك نصيبه وهو موسر، وقلنا: السراية تقف على القيمة، فأعتق الآخر نصيبه قبل أدائها. وأما إذا كانا معسرين، أو كان الاول معسرا، فثبت الاستيلاد في نصيب الاول ولم يسر، فإذا أحبلها الثاني، ثبت في نصيبه أيضا. وعلى كل واحد تمام المهر للمكاتبة، فإن عجزت قبل الاجل، فعلى كل واحد نصف المهر لشريكه، ومن مات منهما، عتق نصيبه. وذكر البغوي أن في تبعيض الحرية في ولد كل واحد منهما الخلاف، وأنا إذا لم نحكم بالحرية في نصفه، فهل هو قن للآخر، أم يتكاتب ؟ فيه الخلاف. وأنه لا يلزم كل واحد منهما شئ من قيمة الولد. وفي أمالي السرخسي: أنا إذا قلنا بالتبعيض، فالحكم كذلك، وإن قلنا بحرية الجميع، لزم كل واحد للآخر نصف قيمة ولده، ولم يجز العراقيون وغيرهم الخلاف في تبعيض الحرية في ولد كل واحد إذا كان الاول معسرا والثاني موسرا، وحكموا بأن ولد الموسر حر كله، والخلاف مخصوص بالمعسر. الصورة الثانية: اختلفا في السابق، فقال كل واحد: أنا أولدتها أولا ولدي

(8/540)


هذا، واحتمل، صدق كل واحد منهما، فهما موسران أو معسران، أو أحدهما موسر والآخر معسر، والاعتبار باليسار والاعسار حالة الاحبال. الضرب الاول: موسران، فكل واحد يدعي على الآخر جميع المهر وجميع قيمة ولده، لانه يقول: وطئتها وهي مستولدتي، أو يدعي نصفها على ما ذكرناه في الصورة الاولى، وكل واحد يقر للآخر بنصف المهر، ونصف قيمة الجارية، لانه يقول: أنا أولدتها وهي مشتركة، فصارت مستولدة لي، ويقرأ أيضا بنصف قيمة الولد على اختلاف فيه، وما يقر به كل واحد من نصف قيمة الجارية يكذبه فيه الآخر، فيسقط إقراره به، وتبقى دعوى كل واحد في المهر وقيمة الولد، فإن اقتضى الحال التسوية بينهما، لم يعظم أثر الاختلاف، وجاء الكلام في التقاص، وإن تفاوتا، حلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر. وقيل: يتحالفان على النفي والاثبات، وهو بعيد، فإذا حلف، فلا شئ لاحدهما على الآخر، وهي مستولدة احدهما على الابهام، ونفقتها عليه، فإذا ماتا فهي حرة، والولاء موقوف بينهما. وإن مات أحدهما، فالاصح أنه لا يعتق شئ منها، لاحتمال أنها مستولدة الآخر، وقال ابن أبي هريرة وأبو علي الطبري: يعتق نصفها، واختاره القاضيان أبو الطيب والروياني، وحكى ذلك عن نصه في الام لانه يملك نصفها، وقد أولدها، وشككنا هل سرى إحبال شريكه إلى نصيبه، والاصل عدمه. الضرب الثاني: أن يكونا معسرين، فلا ثمرة للاختلاف، والحكم كما لو عرف السابق وهما معسران. وإذا مات أحدهما، عتق نصيبه، وولاؤه لعصبته. وإن ماتا فالولاء لعصبتهما بالسوية. ونقل الربيع في الام أن الولاء موقوف، وإن كانا معسرين. واتفق الجمهور أن هذا غلط من الربيع أو من غيره. وقيل: أراد حالة الموت، فلا فرق حينئذ بين كونهما موسرين أو معسرين لما سبق أن الاعتبار في اليسار والاعسار بحالة الاحبال. الضرب الثالث: أن يكون أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فيحلف كل واحد على نفي ما يدعي عليه ويثبت الاستيلاد للموسر في نصيبه، فلا منازعة، وهما متنازعان في نصيب المعسر، فنصف نفقتها على الموسر، ونصفها بينهما، ثم إن مات الموسر أولا، عتق نصيبه وولاؤه لورثته، وإذا مات المعسر بعده، عتق نصيبه،

(8/541)


وولاؤه موقوف بينهما وإن مات المعسر أولا، لم يعتق منها شئ، فإذا مات الموسر بعده، عتقت كلها وولاء نصفها لورثته، وولاء النصف الآخر موقوف، قال الصيدلاني: هذا إذا قلنا لا تتوقف سراية الاستيلاد على أداء القيمة، فإن قلنا: يتوقف هنا الاداء، فتكون الجارية هنا مستولدتهما، والولاء بينهما بلا وقف، أما لو كان الاختلاف عكسه، فقال كل واحد للآخر: أنت وطئت أولا، فسرى إلى نصيبي، وهما موسران، فقال البغوي: يتحالفان، ثم نفقتها عليهما، وإذا مات أحدهما، لمن يعتق نصيبه، لاحتمال أن الآخر سبقه بالاستيلاد، ويعتق نصيب الحي، لانه أقر بأن الميت أولد أولا، ثم سرى إلى نصيبه، وعتق بموته، وولاء ذلك النصف موقوف، فإذا مات الآخر، عتقت كلها وولاء الكل موقوف. وإن كان أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فقال المعسر: سرى إيلادك إلى نصيبي، وقال الموسر: أنت أولدت أولا، ولم يسر إلى نصيبي، تحالفا، ثم النفقة عليهما، فإن مات الموسر أولا عتقت كلها. أما نصيب الموسر، فبموته، وولاؤه لعصبته، وأما نصيب المعسر، فبإقراره، وولاؤه موقوف. وإن مات المعسر أولا، لم يعتق منها شئ لاحتمال أن الموسر سبقه بالاحبال، فإذا مات المعسر بعده، عتقت كلها. وولاء نصيب الموسر لعصبته، ونصيب الموسر موقوف، وبالله التوفيق. الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه، وفيه مسائل: إحداها: إذا جنى على أجنبي بما يوجبه قصاص نفس أو طرف، فلمستحقه القصاص. فإن عفا على مال، أو كانت الجناية موجبة للمال، نظر إن كان في يده مال، وكان الواجب مثل قيمته، أو أقل، طولب به مما في يده، وإن كان أكثر، فهل يطالب بالارش بالغا ما بلغ، أم لا يطالب إلا بأقل الامرين من قيمته والارش ؟ قولان، أظهرهما: الثاني، فعلى هذا له أن يفدي بالاقل، وإن لم يرض السيد، وإن فدى بالارش، وزاد على القيمة، لم يستقل به، فإن أذن السيد، فقولان، كتبرعه، فإن لم يكن في يده مال، وطلب مستحق الارش تعجيزه، عجزه

(8/542)


الحاكم، ثم يباع كله في الجناية إن استغرق الارش قيمته، وإلا فيباع قدر الارش، وتبقى الكتابة في الباقي، فإذا أدى حصته من النجوم، عتق ذلك القدر. ولو أراد السيد أن يفديه من ماله، ويستديم الكتابة، فله ذلك، وعلى مستحق الارش قبوله، هذا هو المذهب، وفيه شئ سبق. وفيما يفديه (به) قولان، الجديد بأقل الامرين، والقديم بالارش، وله أن يرجع عن اختيار الفداء ويسلمه للبيع إلا إذا مات العبد بعد اختيار الفداء، أو باعه بإذن المجني عليه بشرط الفداء، فيلزمه الفداء. ولو أبرأه السيد من النجوم، أو أعتقه، لزمه الفداء، لانه فوت متعلق حق المجني عليه، فهو كما لو قتله، هذا إذا قلنا بالمذهب، والذي قطع به الجمهور أنه ينفذ إعتاقه، وأشار ابن كج إلى خلاف فيه، كإعتاق القن الجاني، والفرق أن المكاتب صار متحق العتق بالكتابة قبل الجناية، فإذا أعتقه، وقع العتق عن الجهة المستحقة بخلاف القن، وفيما يفديه السيد به ؟ طريقان، أحدهما: على القولين الجديد والقديم، والثاني: القطع بالاقل بخلاف حال بقاء الكتابة، لان الرق باق هناك وكما يلزم السيد بإعتاق المكاتب فداؤه، يلزمه بإعتاقه فداء ابن المكاتب وأبيه إذا تكاتبا عليه وجنيا، لانهما يعتقان بإعتاقه. ولو عتق المكاتب بأداء النجوم، لزمه ضمان الجناية، ولا يلزم السيد فداؤه، وفيما يلزمه الطريقان. ولو جنى المكاتب جنايات، وأعتقه السيد أو أبرأه عن النجوم، لزمه أن يفديه، فإن أدى النجوم وعتق، فضمان الجنايات على المكاتب، وأما الذي يلزمهما، فإن كاتب الجنايات معا بأن قتل جماعة بضربة، أو هدم عليهم جدارا، ففيه القولان، كالجناية الواحدة، والجديد أقل الامرين من أرش الجنايات كلها، وقيمته، والقديم وجوب الاروش كلها، وإن كانت الجنايات متفرقة، فالقديم بحاله، وفي الجديد قولان، أظهرهما: أنه أيضا بحاله، فيجب الاقل من الاروش كلها وقيمته. والثاني: يجب لكل جناية الاقل من أرشها والقيمة، لان البيع كان عقب كل جناية، وبالاعتاق فوت ذلك، فكأنه أحدث لكل جناية منعا ولو أراد المكاتب أن يفدي نفسه مما في

(8/543)


يده عن الجنايات، فطريقان، أحدهما: على القولين المنقولين عن الجديد، والثاني: القطع بالاقل من أرش كل جناية والقيمة. وقطع البغوي بأنه يؤخذ مما في يده الاقل من أروش الجنايات كلها ومن قيمته، ويشبه أن يكون هذا هو المذهب، ولو لم يكن في يده مال، وسأل المستحقون تعجيزه، عجزه الحاكم ويباع، ويقسم الثمن على أقدار الاروش، وإن أبرأه بعضهم، قسم على الباقين، وإن اختار السيد، فداءه بعد التعجيز لم يبع، وفيما يفديه به القولان. المسألة الثانية: إذا جنى المكاتب على عبد سيده، أو على طرف سيده، فله القصاص، وإن قتل السيد، فللوارث القصاص، فإن عفا المستحقون على مال، أو كانت موجبة للمال تعلق الواجب بما في يده، لانه معه كأجنبي، وهل الواجب الارش أم أقل الامرين ؟ فيه القولان، فإن قلنا: الواجب الارش وكان أكثر من القيمة، فقال الشيخ أبو حامد: له أن يفدي نفسه به، وقال القاضي أبو الطيب: فيه الخلاف في هبته لسيده، ثم قال ابن الصباغ: وهذا يقتضي أن يقال: للسيد الامتناع من القبول لا يلزمه قبول الهبة، وعندي أنه يلزمه القبول إذا أمكن أداؤه وأداء مال الكتابة، وإذا لم يكن في يده شئ، أو كان لا يفي بالارش، هل للسيد تعجيزه بسبب الارش ؟ وجهان، أحدهما: لا، لانه إذا عجزه سقط الارش، لانه لا يثبت له على عبده دين، بخلاف ما إذا عجزه أجنبي، فإن الارش يتعلق برقبته، وأصحهما: نعم، وبه قطع الشيخ أبو حامد وغيره، ويستفيد رده إلى الرق المحض، وإذا عجز بسبب الارش أو النجوم، ورق، فهل يسقط الارش، أم يبقى في ذمته إلى أن يعتق ؟ وجهان. أصحهما الاول، وهما كالوجهين فيما لو كان له على عبد غيره دين، فملكه، هل يسقط. وجناية المكاتب على طرف ابن سيده، كجنايته على أجنبي، وجنايته على نفسه تثبت القصاص اللسيد، فإن عفا، أو كان القتل خطأ، فهو كما لو جنى على السيد، ولو أعتق السيد المكاتب بعد جنايته عليه، أو أبرأه عن النجوم، فإن لم يكن في يده مال، سقط الارش على المذهب، وإن كان تعلق به على الاصح. ولو أدى النجوم، فعتق لم يسقط الواجب بلا خلاف، كما لا يسقط

(8/544)


إذا جنى على أجنبي، وأدى النجوم وعتق، ثم الواجب الارش بالغا ما بلغ، هذا هو المذهب، والمنصوص، وبه قطع الجمهور، وقيل: فيه القولان. المسألة الثالثة: إذا جنى عبد المكاتب، فجنايته إما على أجنبي وإما على سيد المكاتب، وإما سيد سيده، فإن كانت على أجنبي، فله القصاص، فإن عفا على مال، أو كانت الجناية موجبة للمال تعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المكاتب، وهل يفديه بالارش أم بالاقل ؟ قولان، وقيل بالاقل قطعا، فإن قلنا بالارش، وكان قدر قيمته، أو أقل، فله الاستقلال به، وإلا فلا يستقل وفي جوازه بإذن السيد قولان، كتبرعه. وفي الوقت الذي تعتبر قيمة العبد فيه أوجه، الاصح، وظاهر نصه في المختصر: يوم الجناية، لانه وقت تعلق الارش، والثاني: يوم الاندمال، والثالث: يوم الفداء، والرابع: أقل القيمتين من يومي الجناية والفداء، قال ابن كج: هذا هو المذهب، وهو نصه في الام قال: وعندي أن الحكم في جناية المكاتب بنفسه إذا اعتبرنا قيمته كذلك، هذا كله في عبد المكاتب الذي لم يتكاتب عليه، أما من يكاتب عليه كولده من أمته ووالده وولده إذا وهبا له حيث يجوز القبول، فليس له أن يفديه بغير إذن سيده وبإذنه قولان، كتبرعه، لان فداءه

(8/545)


كشرائه، ولو جنى بعض عبيد المكاتب على بعض، أو جنى عبد غيره على عبده، فله أن يقتص، لانه من مصالح الملك، ولا يحتاج فيه إلى إذن السيد على المشهور، فلو كان القاتل والد المقتول، أو كان في عبيد المكاتب أبوه، فقتل عبدا له، لم يقتص، ولو كان فيهم ابنه، فقتل عبدا له، فله أن يقتص، وهل له أن يبيع ابنه وأباه إذا كانا في ملكه وجنيا على عبد آخر له جناية توجب المال ؟ فوجهان. أصحهما: المنع، وهو نصه في الام أما إذا جنى عبد المكاتب (على المكاتب) فله الاقتصاص بغير إذن السيد، فإن كانت الجناية خطأ، أو عفا على مال، لم يجب إذ لا يثبت لسيده على عبده مال وإن جنى على سيد سيده، فهو كما لو جنى على أجنبي، فيباع في الارش إلا أن يفديه المكاتب. الرابعة: الجناية على المكاتب إن كانت على طرفه، فله الاقتصاص، ولا يشترط إذن السيد على المشهور، ثم إن إقتص فذاك، وإن عفا على مال ثبت المال، لكن إن كان دون أرش الجناية فقدر المحاباة، حكمه حكم الجميع إذا عفا مجانا، وسنذكره إن شاء الله تعالى، وإن عفا مطلقا، فإن قلنا: موجب أحد الامرين، أو قلنا: يوجب القصاص، ولكن مطلق العفو يوجب المال، ثبت الارش، وإن قلنا: يوجب القصاص، ومطلق العفو لا يوجب المال، لم يجب شئ، وإن عفا مجانا سنذكره ان شاء الله تعالى وان عفا مطلقا، فان قلنا: موجب احد الامرين أو قلنا: يوجب القصاص، ولكن مطلق العفو يوجب المال، ثبت الارش، وان قلنا: يوجب القصاص ومطلق العفو لا يوجب المال، لم يجب شي، وان عفا مجانا سقط القصاص، ثم إن قلنا: موجب العمد القصاص، لم يجب شئ، وإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال، وإن قلنا: يوجبه، فوجهان، أحدهما: يجب المال إن عفا بغير إذن السيد، وبإذنه قولان، كتبرعه، والثاني: لا يجب شئ وإن عفا بغير إذنه، لان الجناية على هذا القول لا توجب المال، وإنما تثبته إذا اختاره أو عفا مطلقا على قول، فإذا عفا مجانا، فقد ترك الاكتساب بالعفو، ولا يجبر على الكسب، وإن كانت الجناية موجبة للمال، لم يصح عفوه بغير إذن سيده وبإذنه قولان. وحيث ثبت المال بالجناية على طرفه فهو للمكاتب يستعين به على اداء النجوم. وهل يستحق أخذه في الحال أم يتوقف على الاندمال ؟ قولان، كالجناية على الحر. وقيل: يستحقه في الحال قطعا مبادرة إلى تحصيل العتق، فإن

(8/546)


قلنا: تتوقف على الاندمال وقد قطعت يده، نظر إن سرت الجناية إلى النفس، انفسخت الكتابة، وعلى الجاني القيمة للسيد إن كان أجنبيا، وإن اندملت، فإن كان الجاني أجنبيا أخذ المكاتب نصف قيمته، وإن كان السيد استحق عليه نصف القيمة وهو يستحق النجوم، فإن حل نجم، واتحد الحقان جنسا وصفة، ففيه أقوال التقاص، فيأخذ من له الفضل الفضل، وإن اختلفا أخذ كل واحد حقه، وإن قلنا: له أخذ الارش في الحال، فإن كان مثل دية حر أو أقل، فله أخذ جميعه، وإلا فلا يأخذ أكثر من قدر الدية، لان الجناية قد تسري إلى نفسه بعد عتقه، فيعود الواجب إلى دية، وإذا أخذ ماله أخذه ثم اندملت الجراحة، فقد استقر الارش، ويأخذ الباقي إن لم يكن أخذ الجميع، وإن سرت إلى النفس، نظر إن سرت قبل أن يعتق انفسخت الكتابة، فإن كان الجاني أجنبيا، فللسيد مطالبته بتمام القيمة، وإن كان هو السيد، سقط عنه الضمان، وأخذ أكسابه، وإن كانت السراية بعد عتقه بأداء النجوم، فإن كان الجاني أجنبيا فعليه تمام الدية، لان الاعتبار في الضمان بحال الاستقرار، ويكون ذلك لورثته، فإن لم يكونوا فللسيد بالولاء، وإن كان الجاني السيد، فعليه تمام الدية أيضا بخلاف ما لو جرح عبده القن ثم أعتقه، فمات بالسراية، فإنه لا ضمان لان ابتداء الجناية غير مضمون هناك، وهنا مضمون، ولو حصل العتق بالتقاص، فهو كما لو حصل بالاداء، ولا يمنع من التقاص كون الدية إبلا، لان الواجب في الابتداء نصف القيمة، والتقاص حينئذ يحصل، ثم إن سرت الجناية بعد العتق وجب الفاضل من الابل. ولو عفا المكاتب عن المال، ولم نصحح عفوه، ثم عتق قبل أخذ المال، فهل له أخذه ؟ قولان، أظهرهما: نعم، لان عفوه وقع لاغيا، ولو جنى على طرف المكاتب عبده، فله القصاص، فإن كانت الجناية خطأ، أو عفا على مال، لم يثبت له على عبده مال، وإن كانت الجناية على نفس المكاتب، انفسخت الكتابة، ويموت رقيقا. ثم إن قتله السيد، فليس عليه إلا الكفارة، وإن قتله أجنبي، فللسيد القصاص، أو القيمة، وله أكسابه بحكم الملك لا بالارث. فرع جنى على طرف مكاتبه، وكان الارش مثل النجوم، وحكمنا بالتقاص وحصول العتق، ثم جنى عليه السيد جناية أخرى موجبة للقصاص، فهي جناية على حر، فيجب القصاص، نص عليه في الام فإن قال: لم أعلم أنه حصل التقاص

(8/547)


والعتق، لم يقبل منه، كما لو قتل من كان عبدا فعتق، وقال: لم أعلم أنه عتق، قال الربيع: فيه قول أنه يؤخذ منه دية حر، ولا قصاص للشبهة، قال في الام: لو عتق المكاتب، فاختلف هو ومن جنى عليه، فقال المكاتب: كنت حرا عند الجناية، وقال الجاني: بل مكاتبا صدق الجاني بيمينه، وتقبل شهادة السيد للمكاتب.
فصل في مسائل منثورة قال لمكاتبه: إن عجزت عن النجوم بعد وفاتي، فأنت حر، صح التعليق، فإن قال المكاتب: قبل الحلول عجزت، لم يعتبر قوله، وإن قاله بعد الحلول، ووجدنا له ما يفي بالواجب، فلا عجز أيضا، وإن لم يوجد، صدق بيمينه، ويقبل إقرار المكاتب بديون المعاملة، وبالبيع وما يقدر على إنشائه، وفي كتاب ابن كج أنه لو قال: بعت هذه السلعة وهذا ثمنها، قبل إقراره، وإن قال: بعتها، وتلف الثمن في بدين، ففي القبول قولان، وإن أقر بدين جناية، فهل يقبل في حق السيد ؟ قولان أظهرهما عند البغوي: نعم، ويؤدي مما في يده كدين المعاملة، ولكن لو كان ما أقر به أكثر من قيمته، لم يلزم إلا قدر قيمته، فإن لم يكن في يده شئ، بيع في دين الجناية. والثاني وبه قطع جماعة: لا يقبل في حق السيد، لانه لم يسلط عليه بعقد الكتابة، فإن قبلنا إقراره، فعجز قبل أن يؤخذ منه، فهل يباع فيه أم لا يباع ويكون في ذمته إلى أن يعتق ؟ قولان. ولا يقبل إقرار السيد على المكاتب بالجناية، لكن لو عجز ألزم السيد بإقراره، ولو قال: كان جنى قبل الكتابة، لم يقبل على المكاتبة أيضا لخروجه عن يده بالكتابة. ولو مات سيد المكاتب، فقد سبق أن الكتابة تبقى، فإن لم يعتق بالاداء إلى الوارث، فلو كان له وارثان، لم يعتق إلا بأداء حقهما، فإن كان الوارث صغيرا أو مجنونا، لم يعتق إلا بالدفع إلى وليه، فإن كان له وصيان، لم يعتق إلا بالدفع إليهما إلا إذا أثبت لكل واحد منهما الاستقلال، فإن كان على الميت دين وأوصى بوصايا، فإن كان الوارث وصيا في قضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، عتق بالدفع إليه، وإلا فيجمع بين الوصي والورثة ويدفع إليهم، فإن لم يوص إلى أحد، قام القاضي مقام الوصي، ولو دفع إلى الغريم، لم يعتق، وإن دفع إلى الوارث، فإن قضى الديون والوصايا، عتق، وإلا وجب الضمان على المكاتب، ولم يعتق، هكذا ذكره البغوي. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان الدين مستغرقا للتركة، برئ المكاتب بالدفع إلى

(8/548)


الغريم، وان كان قد أوصى بالنجوم لانسان، عتق بالدفع إليه، وإن أوصى بها للفقراء أو المساكين، دفعها إلى من أوصى إليه، فيفرقها، أو إلى الحاكم، وإن أوصى بقضاء الدين منها، تعين صرفها إليه، وهو كما لو أوصى بها لانسان. ولو مات السيد والمكاتب ممن يعتق على الوارث، عتق عليه، ولو نكح الابن مكاتبة أبيه، ثم مات الاب والابن وارث، انفسخ النكاح، لانه ملك زوجته، وكذا لو مات السيد وبنته تحت مكاتبه، فورثت زوجها، ولو اشترى المكاتب زوجته، أو اشترت المكاتبة زوجها، انفسخ النكاح، وبالله التوفيق.

(8/549)