روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب التدبير
فيه بابان
الأول : في أركانه، وهي ثلاثة، المحل، والصيغة، والاهل. أما المحل، فمعلوم، وأما الصيغة، فينعقد التدبير بالصريح وبالكناية فالصريح كقوله: أنت حر بعد موتي، أو أعتقتك، أو حررتك بعد موتي، أو إذا

(8/444)


مت فأنت حر، أو عتيق، فإذا مات عتق ولو قال: دبرتك، أو أنت مدبر، فالنص أنه صريح، ويعتق إذا مات السيد. ونص في الكتابة أن قوله: كاتبتك على كذا، لا يكفي حتى يقول: فإذا أديت فأنت حر وينويه، وفيهما طريقان، فقيل: فيهما قولان أحدهما: صريحان لاشتهارهما في معنييهما، كالبيع والهبة. والثاني: كنايتان، لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق، والمذهب تقرير النصين. والكناية كقوله: خليت سبيلك بعد موتي مع نية العتق. ولو قال: دبرت نصفك أو ربعك، صح. وإذا مات، عتق ذلك الجزء، ولم يسر. ولو قال: دبرت يدك أو رجلك، فهل يصح ويكون كله مدبرا، أم يلغو ؟ وجهان. ونص في الام أنه لو قال: أنت حر بعد موتي ولست بحر، لا يصح التدبير، كما لا يحصل العتق لو قال: أنت حر أو لست بحر، ولا الطلاق إذا قال: أنت طالق، أو لست بطالق.

(8/445)


فرع يصح التدبير مطلقا، وهو أن يعلق العتق بالموت بلا شرط. مقيدا بشرط في الموت، كقوله: إن قتلت، أو مت من مرضي هذا، أو حتف أنفي أو في سفري هذا، أو في هذا الشهر، أو في هذا البلد، فأنت حر، فإن مات على الصفة المذكور، عتق، وإلا، فلا. ولو قال: إذا مت، ومضى شهر أو يوم فأنت حر، أو قال: أنت حر بعد موتي بيوم، عتق بعد موته بيوم، ولا يحتاج إلى إنشاء إعتاق بعد موته. وهل هذا تدبير مطلق، أم مقيد، أم ليس بمطلق ولا مقيد، وإنما هو تعليق ليس بتدبير ؟ فيه أوجه. الصحيح: الثالث، وبه قال الاكثرون، منهم الشيخ أبو حامد، وابن كج، وابن الصباغ، والروياني، قالوا: متى علق العتق بصفة بعد الموت، كقوله: إذا مت وشئت الحرية، أو يشاء فلان، أو إذا مت ثم دخلت فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي إذا خدمت ابني شهرا، فكل ذلك ليس بتدبير، بل تعليق، ويجوز تعليق التدبير، بأن يقول: إذا، أو متى دخلت الدرا، فأنت حر بعد موتي، أو أنت مدبر، فإذا دخل، صار مدبرا، ولا يشترط الدخول في الحال، لكن يشترط حصوله في حياة السيد، كسائر الصفات المعلق عليه، فإن مات السيد قبل الدخول، فلا تدبير، ولغا التعليق، إلا أن يصرح فيقول: إذا دخلت الدار بعد موتي، أو إذا مت، ثم دخلت الدار فأنت حر، فإنما يعتق حينئذ بالدخول بعد الموت. وللامام احتمال في تعليق العتق بالدخول بعد الموت، وذكر أن القاضي رمز إليه، ولا تشترط المبادرة إليه بعد الموت، بل متى دخل، عتق. ولو قال: إذا مت ودخلت الدار فأنت حر، قال البغوي: يشترط الدخول بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله. ولو قال: إذا مت فدخلت الدار، أو إذا مت فأنت حر إن دخلت الدار، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في التعليق بالمشيئة. ولو قال الشريكان لعبدهما: إذا متنا فأنت حر، لم يعتق حتى يموتا، إما معا، وإما مرتبا،

(8/446)


ثم إن ماتا معا، فالحاصل عتق لحصول الصفة، لا تدبير، لانه معلق بموته وموت غيره. والتدبير: أن يعلق بموت نفسه. وقيل: إنه عتق تدبير، لاتصاله بالموت، والصحيح الاول. وإن ماتا مرتبا، فوجهان. أحدهما: ليس بتدبير، والصحيح: أنه إذا مات أحدهما، صار نصيب الثاني مدبرا، لتعلق العتق بموته، وكأنه قال: إذا مات شريكي فنصيبي منك مدبر، ونصيب الميت لا يكون مدبرا، وهو بين الموتين للورثة، فلهم التصرف فيه بما لا يزيل الملك، كالاستخدام والاجارة، وليس لهم بيعه، لانه صار مستحق العتق بموت الشريك، وكذا إذا قال: إن دخلت الدار بعد موتي، فأنت حر، فليس للوارث بيعه بعد الموت وقبل الدخول، إذ ليس له إبطال تعليق الميت، وإن كان للميت أن يبطله، كما لو أوصى لرجل بشئ ومات، ليس للوارث بيعه، وإن كان للموصي أن يبيعه. وكذا من أعار، له الرجوع في العارية. ولو قال: أعيروا داري لفلان بعد موتي شهرا، وجب تنفيذ وصيته، ولم يملك الوارث الرجوع عن هذه العارية، هذا هو الصحيح. وفي الصورتين وجه أنه يجوز للورثة بيعه، وفي كسب العبد بين موتيهما وجهان، أحدهما: أنه معدود من تركة الميت، وأصحهما: أنه للوارث خاصة قال في الام ولو قالعبدهما: أنت حبيس على آخرنا موتا، فإذا مات، عتقت، فهو كما لو قالا: إذا متنا فأنت حر، إلا أن هناك المنفعة بين الموتين تكون لورثة الاول، وهي للآخر، وكذا الكسب، وكأن أولهما موتا أوصى بهما لآخرهما موتا. ولو قال أحدهما: إذا مت، فأنت حر، فإذا مات، عتق نصيبه، ولم يسر. فرع قال لعبده: أنت حر إن شئت، فإنما يعتق إذا شاء على الفور، وقيل: لا يشترط الفور، والصحيح الاول. ولو علق التدبير بمشيئة العبد، فقال: أنت مدبر إن شئت، أو دبرتك إن شئت، أو قال: إن شئت فأنت مدبر، أو فأنت حر إذا مت، أو متى مت، فلا يصير مدبرا إلا بالمشيئة، والصحيح اشتراط الفور فيها. فلو قال: متى شئت، أو مهما شئت، لم يشترط الفور، ويصير مدبرا متى شاء. وفي الحالتين تشترط المشيئة في حياة السيد، كسائر الصفات المعلق عليها، إلا إذا

(8/447)


علق صريحا بمشيئة بعد الموت، فإنما يحصل العتق بمشيئة بعد الموت، ولا يمنع الامتناع في الحياة من المشيئة بعد الموت. ثم ينظر في لفظ التعليق، فإن قال: أنت حر بعد موتي إن شئت بعد الموت، أو اقتصر على قوله: إن شئت، وقال: أردت بعد الموت، فقال الامام والغزالي: لا يشترط الفور بعد الموت، ونفى الامام الخلاف في ذلك، لانها إذا تأخرت عن الخطاب، واعتبرت بعد الموت، لم يكن لاشتراط اتصالهما بعد الموت معنى ولهذا لا يشترط في قبول الوصية. وفي التهذيب وغيره وجهان فيما لو قال: إذا مت وشئت بعد موتي فأنت حر، أن المشيئة على التراضي، أم يشترط الفور ؟ والصورة كالصورة. ولو قال: إذا مت فشئت فأنت حر، ففي اشتراط اتصال المشيئة بالموت وجهان. الاصح: الاشتراط، وبه أجاب الاكثرون، لان الفاء للتعقيب، ويجري الخلاف في سائر التعليقات، كقوله: إن دخلت الدار فكلمت زيدا فأنت طالق، هل يشترط اتصال الكلام بالدخول ؟ ولو قال: إذا مت فمتى شئت فأنت حر، لم يشترط اتصال المشيئة بالموت بلا خلاف. ولو قال: إذا مت، فأنت حر إن شئت، أو إذا شئت، أو قال: أنت حر إذا مت إن شئت، فيحتمل أن يراد بهذا اللفظ المشيئة في الحال، وتحتمل المشيئة بعد الموت، فيراجع ويعمل بمقتضى إرادته، فإن قال: أطلقت ولم أنو شيئا، فثلاثة أوجه. الاصح: حمله على المشيئة بعد الموت، وبه أجاب الاكثرون. منهم العراقيون، وشرطوا أن تكون المشيئة بعد الموت على الفور، ومقتضى ما سبق عن الامام والغزالي: أن لا يشترط الفور. والثاني: حمله على المشيئة في الحياة وبعد الموت، لان الموت متردد بينهما فتكفي المشيئة في حياة السيد، ويشترط الفور على الصحيح. والثالث: تشترط المشيئة في الحياة، فإن لم يتحققا، لم يحصل يقين العتق، وليجر هذا الخلاف في سائر التعليقات، كقوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت فلانا. أيعتبر الكلام بعد الدخول، أم قبله ؟ قال الامام: ونشأ من هذا المنتهى إشكال فيما لو قال لعبده: إن

(8/448)


رأيت عينا فأنت حر، والعين لفظ مشترك بين الباصرة، والدينار، وعين الماء، ولم ينو المعلق شيئا، فهل يعتق العبد إذا رأى شيئا منها ؟ فيه تردد، والوجه: أنه يعتق، وبه يضعف اعتبار المشيئتين في مسألة المشيئة. ولك أن تقول: إن لم تكن المسألة كالمسألة، فلا إلزام، وإن كانت كهي، فليحصل العتق بالمشيئة في الحياة أو بعد الموت، كمسألة العين، وهذا وجه غير الثلاثة، ثم الاشبه أن اللفظ المشترك لا يحمل جميع معانيه، ولا يحمل عند الاطلاق على كلها، ويمكن أن يؤمر بتعيين أحدها، ومتى اعتبر في المشيئة بعد الموت الفور فأخرها، بطل التعليق، وإذا لم تعتبر كما في قوله: فأنت حر متى شئت، فقال القاضي أبو حامد: تعرض عليه المشيئة، فإن امتنع، فللورثة بيعه وكذا لو علق بدخول الدار وغيره بعد الموت، يعرض عليه الدخول، كما يقال للموصى له: أقبل أو رد. وهل للورثة بيعه قبل المشيئة وعرضها عليه ؟ فيه الخلاف السابق في الفرع الماضي. فرع قال: إن شاء فلان وفلان، فعبدي حر بعد موتي، لم يكن مدبرا حتى يشآء جميعا. ولو قال: إذا مت، فشئت، فأنت مدبر، فهذا لغو، وكذا لو قال: إذا مت فدبروا هذا العبد. ولو قال: إذا مت فعبد من عبيدي حر، ومات ولم يبين، أقرع بينهم. قال في الام: لو قال: إذا قرأت القرآن بعد موتي فأنت حر، لا يعتق إلا بقراءة جميع القرآن. ولو قال: إذا قرأت قرآنا عتق بقراءة بعض القرآن. الركن الثالث: الاهل، فلا يصح تدبير مجنون، ولا صبي لا يميز، ولا مميز على الاظهر، فإن صححناه، صح رجوعه بالقول إن جوزنا الرجوع عن التدبير بالقول، وفيه وجه. وإن قلنا: يملك الرجوع بالقول، فالتصرف الذي يحصل به

(8/449)


الرجوع، لا يصح منه، لكن يقوم الولي مقامه، فإذا رأى المصلحة في بيعه، باعه، وبطل التدبير، ويصح تدبير المحجور عليه بسفه على المذهب، وقيل: قولان كالمميز، فإن صححنا، فرجوعه كما ذكرنا في المميز، وتدبير المحجور عليه بفلس كإعتاقه، وقد سبق في التفليس. وفي تدبير السكران الخلاف السابق في سائر تصرفاته. وفي تدبير المرتد أقوال مبنية على ملكه، إن قلنا: باق، صح تدبيره، وإن قلنا: زال، فلا. وإن قلنا: موقوف، فتدبيره موقوف، إن أسلم، بان صحته، وإن مات مرتدا، بان فساده. وحكي قول في بطلان تدبيره على قول الوقف، ثم قال ابن سلمة: الاقوال إذا حجر القاضي عليه، فأما قبله، فيصح قطعا، وقال أبو إسحق: هي قبل الحجر، فأما بعده، فلا يصح قطعا. وقال غيرهما بطرد الاقوال في الحالين. وقد سبق في الردة أن البغوي جعل الوقف أصح. وروى بعضهم أن الشافعي رضي الله عنه قال: أشبه الاقوال بالصحة، زوال الملك بنفس الردة، وبه أقول. ولو دبر عبدا، ثم ارتد، فثلاث طرق، أصحها وهو الذي رجحه ابن كج، والعراقيون، وبه قال أبو إسحق: لا يبطل التدبير قطعا، فإذا مات مرتدا، عتق العبد، صيانة لحق العبد عن الضياع، كحق الغرماء، وكما لا يبطل بيعه وسائر عقوده. والثاني: يبطل قطعا، لانه لو بقي، لنفذ من الثلث، وما نفذ من الثلث، اشترط فيه بقاء الثلثين للورثة، وهذا ضعيف، وعلى هذا تبطل وصايا المرتد. والثالث، وبه قال ابن سلمة: يبنى على أقوال الملك، إن بقي، فالتدبير باق، وإن زال، بطل، وإن وقف، فإن قلنا بالبطلان، فأسلم، عاد ملكه، وعاد

(8/450)


التدبير على المذهب. وقيل: قولان، كعود الحنث، كما لو باع مدبرا، ثم ملكه. وإن أبقينا التدبير، عتق المدبر من الثلث، وجعل الثلثان فيئا، وفي وجه: يعتق كله، ورعاية الثلث والثلثين يختص بالمياث. ولو ارتد المدبر، قتل كالقن، لكن لا يبطل التدبير بالردة، كما لا يبطل الاستيلاد والكتابة بالردة. فلو مات السيد قبل قتله، عتق. ولو التحق المرتد بدار الحرب، فسبي، فهو على تدبيره، ولا يجوز استرقاقه، لانه إن كان سيده حيا، فهو له، وإن مات، فولاؤه له، ولا يجوز إبطاله، فإن كان سيده ذميا، ففي جواز استرقاق عتيقه خلاف سبق. ولو استولى الكفار على مدبر مسلم، ثم عاد إلى يد المسلمين، فهو مدبر كما كان. فرع الكافر الاصلي، يصح تدبير وتعليقه العتق بصفة، كما يصح استيلاده، سواء الكتابي، والمجوسي، والوثني والحربي، والذمي، ولا يمنع الكافر من حمل مدبره ومستولدته الكافرين إلى دار الحرب، سواء جرى التدبير في دار الاسلام، أو دار الحرب، وليس له حمل مكاتبه الكافر قهرا، لظهور استقلاله. ولو دبر كافر عبدا كافرا، ثم أسلم العبد، فإن رجع السيد عن التدبير بالقول، وجوزناه، بيع عليه، وإلا، ففي بيعه قولان منصوصان في الام أحدهما: يباع عليه، ويبطل التدبير دفعا لاذلاله، وأظهرهما: لا يباع، بل يبقى التدبير، لتوقع الحرية، ولكن يخرج من يده، ويجعل في يد عدل، ويصرف كسبه إليه، كما لو أسلمت مستولدته، فإن خرج سيده إلى دار الحرب، أنفق من كسبه عليه، وبعث ما فضل إلى السيد، فإذا مات، عتق من الثلث، فإن بقي منه شئ للورثة، بيع عليهم. ولو أسلم مكاتب الكافر، فقيل: قولان كالمدبر، والمذهب

(8/451)


أنه لا يباع، بل تبقى الكتابة، لانقطاع سلطة السيد واستقلاله، فإن عجزه السيد، بيع عليه. فرع إذا دبر أحد الشريكين نصيبه، فالمشهور أنه لا يسري ولا يقوم عليه نصيب شريكه، فإن مات وعتق نصيبه، لم يسر أيضا إلى نصيب الشريك، لان الميت معسر، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت وهو موسر، يسري. وفي قول: يسري، وحكي هذا وجها. ولو دبر بعض عبده الخالص، صح، ولا سراية، ويجئ فيه الخلاف في نصيب الشريك وأولى.
الباب الثاني : في حكم التدبير. وله حكمان: ارتفاعه، وسرايته إلى الولد. الاول: ارتفاعه، ويرتفع بخمسة أمور. الاول: إزالة الملك، فللسيد إزالة الملك عن المدبر بالبيع والهبة والوصية وغيرها، سواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا، وإذا زال الملك عنه ببيع ونحوه، ثم عاد إلى ملكه، فهل يعود التدبير ؟ يبنى على أن التدبير وصية للعبد بالعتق، أم هو تعليق عتق بصفة ؟ وفيه قولان: القديم وأحد قولي الجديد: وصية، والثاني وهو نصه في أكثر كتبه: تعليق بصفة، وهذا هو الاظهر عند الاكثرين، فإن قلنا: وصية، لم يعد التدبير، كما لو أوصى بشئ، ثم باعه، ثم ملكه. وإن قلنا: تعليق، فعلى الخلاف في عود الحنث، وقد سبق أن الاظهر أنه لا يعود، فحصل أالمذهب أنه لا يعود التدبير الثاني لو رجع عن التدبير باللفظ، كقوله: رجعت عنه، أو فسخته، أو أبطلته، أو رفعته، أو نقضته، فإن قلنا: وصية، صح الرجوع، وإلا، فلا. وسواء التدبير المطلق والمقيد. وقيل: يختص الخلاف بالمطلق، ويقطع في المقيد بمنع الرجوع، والمذهب الاول. ولو قال: أعتقوا فلانا عني إذا مت، جاز الرجوع باللفظ كسائر الوصايا. ولو ضم إلى

(8/452)


الموت صفة أخرى، بأن قال: إذا مت، فدخلت الدار، فأنت حر، لا يجوز الرجوع باللفظ قطعا، وإنما الخلاف في التدبير. فرع إذا وهب المدبر ولم يقبضه، إن قلنا: التدبير وصية، حصل الرجوع، وإن قلنا: تعليق، لم يحصل على الصحيح، وإن اتصل بها القبض، وقلنا: يملك بالقبض، انقطع التدبير، وإن قلنا: يتبين الملك من حين الهبة، قال الامام: ففي انقطاع التدبير من حين الهبة تردد، وكذا لو باع بشرط الخيار، وقلنا: يزيل الملك، فهل يبطل التدبير قبل لزوم البيع ؟ فيه تردد، والذي أطلقه البغوي أن البيع بشرط الخيار يبطل التدبير على القولين. ولو باع نصف المدبر، أو وهب وأقبض، بطل التدبير في النصف المبيع، أو الموهوب وبقي في الباقي، وهل يبطل التدبير في الرهن ؟ قيل: يبطل، وقيل لا، والمذهب قولان بناء على أنه وصية أو تعليق ؟ ومجرد الايجاب في الهبة والرهن، إن جعلناه وصية، كان على الخلاف في أنه رجوع في الوصية، وإن جعلناه تعليقا، فلا أثر له، ولا يبطل التدبير بالاستخدام والتزويج بلا خلاف، وإذا جعلناه وصية، بطل بالعرض على البيع. وسائر ما ذكرناه في باب الوصية، لكن الوطئ ليس رجوعا عن التدبير، وإن جعلناه وصية، سواء عزل أم لا، بخلاف الوصية، فإن استولدها، فالصحيح الذي قطع به الجمهور بطلان التدبير، لان الاستيلاد أقوى، فيرتفع به الاضعف، كما يرتفع النكاح بملك اليمين، ولهذا لو دبر مستولدته، لم يصح، لانها تستحق العتق بالموت بجهة أقوى من التدبير، وقيل: لا يبطل التدبير، ويكون لعتقها بالموت سببان. وقيل:

(8/453)


لا يبطل، بل يدخل في الاستيلاد، كالحدث في الجنابة، ولو كاتب المدبر، ففي ارتفاع التدبير وجهان، بناء على أنه وصية، أم تعليق. إن قلنا: وصية، ارتفع، وإلا، فلا. فيكون مدبرا مكاتبا، كما لو دبر مكاتبا، فإن أدى النجوم، عتق بالكتابة، وإن مات السيد قبل الاداء، عتق بالتدبير، فإن لم يحتمله الثلث، عتق قدر الثلث، وبقيت الكتابة في الباقي، فإذا أدى قسطه، عتق، وهذا نص الشافعي رحمه الله وبه قطع الشيخ أبو حامد وجماعة، وقال القاضي أبو حامد: يسأل عن كتابته، فإذا أراد بها الرجوع عن التدبير، ففي ارتفاعه القولان، وإلا، فهو مدبر مكاتب قطعا. وخرج الامام على الخلاف في الكتابة، ما لو علق عتق المدبر بصفة لانه لو أوصى به ثم علق عتقه بصفة، كان رجوعا، وقطع البغوي بأنه يصح التعليق بالصفة، ويبقى التدبير بحاله، كما لو دبر المعلق عتقه بصفة تجوز، ثم إن وجدت الصفة قبل الموت، عتق، وإن مات قبلها، عتق بالتدبير. فروع قال: رجعت عن التدبير في نصفه أو ربعه، بقي التدبير في جميعه، إن قلنا: لا يكفي الرجوع باللفظ، وإلا فيبقى في باقيه فقط، نص في الام أنه إذا دبر، ثم خرس، فإن لم يكن له إشارة مفهومة، ولا كتابة، فلا مطلع على رجوعه، وإن كانت له إشارة أو كتابة، فأشار بالبيع ونحوه، ارتفع التدبير، وإن أشار بنفس الرجوع، فعلى الخلاف. ولو دبر مكاتبا، صح، فإن أدى النجوم قبل موت السيد، عتق بالكتابة وبطل التدبير ولو عجز نفسه. أو عجزه سيده، بطلت الكتاب، وبقي التدبير، ولو

(8/454)


مات قبل الاداء والتعجيز الاداء والتعجيز، عتق بالتدبير إن احتمله الثلث. قال الشيخ أبو حامد: وتبطل الكتابة. قال ابن الصباغ: وعندي أنه يتبعه ولده وكسبه، كما لو أعتق السيد مكاتبه قبل الاداء، فكما لا يملك إبطال الكتابة بالاعتاق، فكذا بالتدبير. قال: ويحتمل أن يريد بالبطلان زوال العقد دون سقوط أحكامه. الامر الثالث: إن لم نجوز الرجوع عن التدبير باللفظ، فإنكار السيد التدبير ليس برجوع، وإن جوزناه، فهل هو رجوع ؟ وكذا إنكار الموصي الوصية، والموكل الوكالة، هل هو رجوع ؟ ثلاثة أوجه، أحدها: نعم، لان هذه العقود عرضة للفسخ. ولو قال: لست بمدبر، أو لست بوكيل، أو ليس هذا موصى به، وجب القطع بارتفاع هذه العقود، فكذا إذا قال: لم أدبر، ولم أوكل، ولم أوص. والثاني: لا، لانه كذب فلم يؤثر. والثالث وهو الاصح المنصوص: ترتفع الوكالة، لان فائدتها العظمى تتعلق بالموكل، ولا يرتفع التدبير والوصية، لانهما عقدان يتعلق بهما غرض شخصين، فلا يرتفعان بإنكار أحدهما، وإنكار البيع الجائز ليس فسخا، وفيه احتمال. ولو أنكر الزوجية، فليس بطلاق على الاصح. ولو ادعت على زوجها طلاقا رجعيا، فأنكر، لم يكن إنكاره رجعة بالاتفاق. وإذا ادعى على سيده التدبير أو العتق بصفة، سمعت الدعوى على المذهب. وقيل: يسمع العتق بصفة، وفي التدبير الخلاف. وفي شهادة الحسبة على التدبير الخلاف في سماع

(8/455)


الدعوى، ورد الشهادة أولى، لان موضع شهادة الحسبة أن يثبت لله تعالى حق مجحود فيثبته الشاهد حسبة، ثم إذا توجهت الدعوى، وأنكر السيد، فله إسقاط اليمين عن نفسه، بأن يقول: إن كنت دبرته فقد رجعت عنه إذا جوزنا الرجوع باللفظ، وكذا لو قامت به بينة، وحكم به الحاكم، فله الدفع بهذا الطريق على هذا القول. ولو ادعى على الورثة أن مورثهم دبره، وأنه عتق بموته، حلفوا على نفي العلم، ولا يثبت التدبير إلا بشهادة رجلين، لانه ليس بمال، وثبت الرجوع برجل وامرأتين، وشاهد ويمين، لانه مال، وفيه وجه ضعيف، لانه ينفي الحرية. الرابع: مجاوزة الثلث، فعتق المدبر معتبر من الثلث بعد الديون، فلو كان على الميت دين مستغرق للتركة، لم يعتق منه شئ، وإن لم يكن دين، ولا مال سواه، عتق ثلثه، وإن كان دين يستغرق نصفه بيع نصفه في الدين، ويعتق ثلث الباقي منه. وفي تعليقة إبرهيم المروزي أن الحيلة في عتق الجميع بعد الموت، وإن لم يكن له مال سواه أن يقول: هذا العبد حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة، فقبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم، عتق من رأس المال، ولا سبيل عليه لاحد. ولو اقتصر على قوله: أنت حر قبل موتي بيوم أو شهر، فإذا مات، نظر، إن كان في أول اليوم، أو الشهر قبل الموت مريضا، اعتبر عتقه من الثلث، وإن كان صحيحا، فمن رأس المال ولا فرق في اعتابر التدبير من الثلث، بين أن يقع التدبير في الصحة أو في المرض كالوصية. فرع دبر عبدا ومات، وباقي ماله غائب عن بلد الورثة، أو دين على معسر، فلا يعتق جميع المدبر، وهل يعتق ثلثه ؟ وجهان أحدهما: نعم، لان الغيبة لا تزيد على العدم. ولو لم يكن إلا العبد، لعتق ثلثه، فعلى هذا ثلث أكسابه بعد

(8/456)


موت السيد له، ويوقف الباقي. وأصحهما: يعتق حتى يصل المال إلى الورثة، لان في تنجيز العتق تنفيذ التبرع قبل تسليط الورثة على الثلثين، فعلى هذا يوقف الاكساب، فإن حضر الغائب، بان أنه عتق، وأن الاكساب له. ويقال: الخلاف قولان. الاول: مخرج. والثاني: منصوص. فإذا كانت قيمة المدبر مائة، والغائب مائتان، فحضر مائة، فعلى الاول: يعتق ثلثاه، وعلى الثاني: نصفه، لحصول مثليه للورثة، فإن حضرت مائة وتلفت المائة الاخرى، استقر العتق في ثلثيه، وتسلطت الورثة على ثلثه وعلى المائة. وفي طريقة الصيدلاني تفريعا على أنه يعتق من المدبر ثلثه أن للوارث التصرف في الثلثين، فإن حضر الغائب نقض تصرفه. وأنه لو أعتق أعتق الثلثين ولم يحضر الغائب، فولاء الثلثين له. وإن حضر، فعن ابن سريج، أن الجواب كذلك، وأن فيه وجها أن جميع الولاء للميت بناء على أن إجازة الوارث تنفيذ، أم ابتداء عطية ؟ واشتد إنكار الامام على هذا، وقال: إعتاق الورثة رد للتدبير، ولا سبيل إليه بسبب غيبة المال، بل الوجه التوقف، فإن حضر الغائب، بان نفوذ العتق في الجميع، ولكن مستند إلى وقت الموت، أم عند حصول القدرة ؟ فيه احتمالان أوجههما: الاول، قال: ولو كانت التركة بحيث يفي ثلثها بالمدبر، لكن عليه دين مستغرق، فأبرأ مستحق الدين عن الدين بعد أيام من الموت، فيسند العتق إلى وقت الموت، أم يتنجز من وقت سقوط الدين ؟ فيه احتمالان: أصحهما: الثاني. ولو كان له دين على إنسان ليس له غيره، فأبرأ عنه في مرض الموت، أو عن ثلثه، هل تحصل البراءة عن الثلث قبل وصول الثلثين ؟ فيه الخلاف، الاصح: المنع، ويجري الخلاف فيما لو مات عن ابنين ولم يترك إلا دينا على أحدهما، هل يبرأ من عليه الدين من نصفه ؟ ولو أوصى بغير مال يخرج من الثلث، وباقي ماله غائب، هيسلم إلى الموصى له ثلث العين، أم ينتظر حضور الغائب ؟ فيه الخلاف، وقد سبق في الوصايا. ولو أوصى بثلث ماله،

(8/457)


وبعضه حاضر، وبعضه غائب، أو عين ودين دفع إلى الموصى له ثلث الحاضر والعين، وما حصل بعده قسم كذلك. فرع إذا علق عتق عبد بصفة، فوجدت في مرض موته، نظر، إن كان التعليق بصفة لا توجد إلا في المرض، كقوله: إن دخلت الدار في مرض موتي، فأنت حر، أو إذا مرضت مرض الموت، فأنت حر، اعتبر عتقه من الثلث. وإن احتمل وجودها في الصحة والمرض، فهل يعتق من رأس المال، أم الثلث ؟ قولان أظهرهما: الاول، هذا إن وجدت الصفة بغير اختياره، فإن وجدت باختياره، اعتبر من الثلث، لانهم قالوا: لو قال: إن دخلت الدار، فأنت حر، فدخلها في مرضه، اعتبر العتق من الثلث، لانه اختار حصول العتق في مرضه. ولو باع الصحيح محاباة، وشرط الخيار، ثم مرض في مدة الخيار، ولم يفسخ حتى مات، اعتبرت المحاباة من الثلث، لانه لزم العقد في المرض باختياره، فأشبه من وهب في الصحة، وأقبض في المرض. قلت: إنما يظهر هذا إذا قلنا: الملك في مدة الخيار للبائع، وترك الفسخ عامدا لا ناسيا. والله أعلم. فرع علق عتق عبد بصفة وهو مطلق التصرف، فوجدت وهو محجور عليه بفلس، عتق إن اعتبرنا حال التعليق، وإن اعتبرنا حال وجود الصفة، فهو كإعتاق المفلس. ولو وجدت الصفة، وهو مجنون، أو محجور عليه بسفه، عتق بلا خلاف، ذكره البغوي، وفرق بأن حجر المريض والمفلس لحق الغير، وهو الورثة والغرماء، بخلاف السفه والجنون. ولو قال: إن جننت فأنت حر، فجن، ففي العتق وجهان حكاهما صاحب الافصاح وقد يخرج هذا فيما لو كان التعليق بصفة غير الجنون، فوجدت في الجنون. ولو قال: إن مرضت مرضا مخوفا فأنت حر، فمرض مرضا مات فيه، عتق العبد من الثلث على الصحيح. وقيل: من رأس المال. ولو مرض مرضا مخوفا، وبرأ منه، عتق من رأس المال. وقيل: لا يعتق

(8/458)


أخذا من الخلاف فيمن حج عنه، وهو معضوب، فبرأ وهذا ضعيف. الامر الخامس: جناية المدبر. اعلم أن الجناية على المدبر، كهي على القن، فإن قتل، فللسيد القصاص أو القيمة، ولا يلزمه أن يشتري بها عبدا يدبره، وإن جنى على طرفه، فللسيد القصاص والارش، ويبقى التدبير بحاله. أما جناية المدبر، فهو فيها كالقن أيضا، فإن جنى بما يوجب القصاص، فاقتص منه، فات التدبير، وإن جنى بموجب للمال، أو عفي عن القصاص، فللسيد أن يفديه، وأن يسلمه ليباع في الجناية، فإن فداه، بقي التدبير. وهل يفديه بأرش الجناية، أم بالاقل من قيمته والارش ؟ فيه القولان السابقان في القن. وإن سلمه للبيع، فبيع جميعه، بطل التدبير، فإن عاد إلى ملكه، ففي عود التدبير الخلاف السابق في أول الباب، وإن حصل الغرض ببيع بعضه، بقي التدبير في الباقي. وإن مات السيد قبل البيع، واختيار الفداء، فطريقان، أصحهما: أن حصول العتق على الخلاف في نفوذ عتق الجاني، فإن نفذناه أخذ الفداء من تركة السيد، ويكون الفداء أقل الامرين بلا خلاف، لانه تعذر تسليمه للبيع، وإن لم ننفذه، فالوارث بالخيار بين أن يفديه، فيعتق من الثلث، أو يسلمه للبيع. وإن كان في ثلث المال سعة، فإذا بيع، بطل التدبير. وقد سبق في البيع أن المذهب أن إعتاق الجاني ينفذ من الموسر دون المعسر. والطريق الثاني أنه إن وفى الثلث بقيمة الرقبة والفداء، لزم الورثة تحصيل العتق، وإلا فيخرج على هذا الخلاف. ولو كانت جناية المدبر تستغرق ثلث الرقبة مثلا، ومات السيد، ففداه الوارث من ماله، ففي ولاء ذلك الثلث وجهان، هل هو للوارث أو المورث بناء على أن إجازة الوارث تنفيذ أم عطية. ولو جنت مدبرة، ولها ولد صغير، وقلنا بسراية التدبير إليه، فوجهان: أحدهما: يبيع الولد معها حذرا من التفريق، ولا يبالي بفوات التدبير فيه. والثاني، يبيعها وحدها، ويحتمل التفريق للضرورة، حفظا للتدبير في الولد، وهو كالخلاف فيمن رهن الجارية دون الولد، واحتجنا إلى بيعها للدين هل يباع معها ؟ الحكم الثاني: السراية إلى الولد يجوز وطئ المدبرة والمعلق عتقها بصفة،

(8/459)


لكمال الملك، ونفاذ التصرف، فإن أولدها، صارت مستولدة، وبطل التدبير على الاصح، كما سبق. وفائدة الخلاف فيما لو قال: كل مدبر لي حر، هل تعتق هي ؟ ولو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنى، سرى التدبير إليه على الاظهر عند الاكثرين، منهم الشيخان أبو حامد والقفال، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله، كما يتبع ولد المستولدة والاضحية والهدي أمه. قلت: بل الاظهر عند الاكثرين أنه لا يتبعها. والله أعلم. ولولدت المعلق عتقها بصفة، لم يتبعها الولد على الاظهر، وولد الموصى بها لا يتبعها على المذهب. وقال الشيخ أبو محمد: يحتمل طرد القولين، فإذا جعلنا ولد المدبرة مدبرا، فماتت في حياة السيد، لم يبطل التدبير في الولد، كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل السيد، وكما لو ماتت المستولدة لا يبطل حق الولد. ولو رجع السيد عن تدبير أحدهما باللفظ وجوزناه، أو باع أحدهما، لم يبطل التدبير في الآخر. ولو كان الثلث لا يفي إلا بأحدهما، فوجهان، أصحهما وبه قال ابن الحداد: يقرع بينهما، كعبدين ضاق الثلث عنهما والثاني: يقسم العتق عليهما، لئتخرج القرعة على الولد فيعتق، ويرق الاصل. وإذا قلنا: المعلق عتقها بصفة يتبعها الولد، فمعناه أن الصفة إذا وجدت فيها وعتقت، عتق الولد، ولا تعتبر الصفة فيه. ولو وجدت الصفة منه، فلا أثر لها. هذا هو الصحيح المعروف في المذهب. وقال الشيخ أبو محمد: مقتضى سراية التعليق أن عتقه بنفس الصفة، وهي دخول الدار مثلا، فعلى هذا لا يعتق هو بدخولها، ويعتق بدخوله. ولو بطل التعليق فيها بموتها، بطل في الولد. ومقتضى قول الشيخ أبي محمد أن لا يبطل فيه. ولو قال لامته: أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا، فإنما يعتق بعد مضي تلك المدة من يوم الموت، فلو ولدت قبل موت السيد، فهل يتبعها الولد في حكم الصفة ؟ فيه القولان. وإن ولدت بعد موت السيد وقبل مضي المدة، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يتبعها، فقيل: فيه القولان كما قبل الموت، وإنما فرع على أحدهما. وقيل:

(8/460)


يتبعها قطعا لتأكد سبب العتق، إذ ليس للوارث التصرف فيها، فأشبهت المستولدة، فعلى هذا يعتق الولد من رأس المال كولد المستولدة. وأما ولد المدبر، فلا يؤثر تدبير أبيه فيه، وإنما يتبع الام في الرق والحرية. فرع هذا الذي ذكرناه في ولد المدبرة، هو فيما إذا حدث بعد التدبير، وانفصل قبل موت السيد، فأما إذا كانت حاملا عند موت السيد، فيعتق معها الحمل بلا خلاف، كما لو أعتق حاملا، فإن لم يحتملها الثلث حاملا، عتق منها قدر الثلث، وكذا المعلق عتقها على صفة لو كانت حاملا عند وجود الصفة. ولو كانت المدبرة حاملا عند التدبير، فطريقان: أحدهما: أنه على القولين في أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا: نعم وهو الاظهر، فالولد مدبر، وإلا ففيه القولان في الولد الحادث، والمذهب القطع بأنه مدبر. وإن قلنا: لا يعرف الحمل كما يدخل في البيع. وإن قلنا: لا يعرف وليس هو بسراية التدبير بل اللفظ يتناوله وإنما يعرف كونه موجودا عند التدبير إذا ولدته لدون ستة أشهر، فإن ولدته لاكثر من أربع سنين من وقت التدبير، فهو حادث، وإن ولدته لما بينهما، نظر، هل لها زوج يفترشها أم لا، وقسبقت نظائره في مواضع. وإن كان لها زوج قد فارقها قبل التدبير، وولدت لدون اربع سنين من وقت الفراق، فالاظهر أنه يجعل موجودا يوم التدبير، كما يجعل موجودا في ثبوت النسب من الزوج. فرع إذا ثبت التدبير في الحمل، ثم انفصل، فرجوع السيد في التدبير عن أحدهما لا يرفع التدبير في حق الآخر. وإن رجع قبل الانفصال عن تدبير الحمل، وجوزنا الرجوع باللفظ، ارتفع التدبير فيه، وبقي في الام. وقيل: لا يصح الرجوع فيه ما دام حملا مع بقاء التدبير في الام، والصحيح: الاول. وإن رجع في تدبير الام، نظر، إن قال: رجعت في تدبيرها دون الولد، لم يخف حكمه، وإن أطلق، فوجهان، أحدهما: يتبعها في الرجوع، كما يتبعها في التدبير، وأصحهما: لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال، بخلاف التدبير، فإن فيه معنى العتق، وللعتق قوة. وإذا رجع في تدبيرها دون الولد، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت الرجوع، فهو مدبر. وإن أتت به لاكثر من ذلك، ولها زوج يفترشها، لم يكن مدبرا، لانه لا يعلم وجوده قبل الرجوع.

(8/461)


فرع لو دبر الحمل وحده، جاز كما لو أعتقه، ولا يتعدى إلى الام، فإذا مات السيد، عتق الحمل دون الام، فإن باع الام، فوجهان. أحدهما: أنه إن قصد به الرجوع، حصل الرجوع، وصح البيع في الام والحمل، وإن لم يقصد، لم يحصل الرجوع، فلا يصح البيع في الولد، ويبطل في الام على الاصح، كما لو باع حاملا بحر. وأصحهما: صحة البيع فيهما، وحصول الرجوع قصد أم لا، كما لو باع المدبر ناسيا للتدبير، صح البيع والرجوع. فرع لو دبر أمة، وقلنا: ولد المدبرة مدبر، وجوزنا الرجوع عن التدبير باللفظ، فقال: إذا ولدت، أو كلما ولدت ولدا فقد رجعت في تدبيره، لم يصح الرجوع، فإذا ولدت، كان مدبرا حتى يرجع بعد الولادة، لان الرجوع لا يصح إلا بعد ثبوت التدبير، ولا يثبت للولد قبل الولادة، فصار كما لو قال: إذا دبرتك فقد رجعت عن تدبيرك، فلا يصح الرجوع. فرع إذا قلنا: ولد المدبرة مدبر، وتنازع السيد والمدبرة فيه، فقال السيد: ولدته قبل التدبير، فهو قن، وقالت: بعده، صدق السيد بيمينه. ولو جرى هذا الخلاف مع الوارث بعد موت السيد، صدق الوارث أيضا. قال البغوي: وتسمع دعواها حسبة، حتى لو كانت قنة، وادعت على السيد أنك دبرت ولدي، سمعت. ولو قالت: ولدته بعد موت السيد، فهو حر، وقال الوارث: بل قبل التدبير، صدق الوارث على الصحيح. وقيل: تصدق هي، لانها لم تعترف للورثة بيدولا ملك، ولو كان في يد المدبر مال، وقال: كسبته بعد موت السيد، فهو لي، وقال الوارث: بل قبله فهو لي، صدق المدبر بيمينه، لان اليد له، بخلاف دعواها الولد، لانها تزعم أنه حر، والحر لا يدخل تحت اليد. ولو أقام كل واحد بينبدعواه، رجحت بينة المدبر، لاعتضادها باليد. ولو أقام الوارث بينة أن هذا

(8/462)


المال كان في يد المدبر في حياة السيد، فقال المدبر: كان في يدي، لكن كان لفلان فملكته بعد موت السيد، صدق المدبر أيضا، نص عليه. ولو تنازع السيد والمستولدة في ولدها، هل ولدته قبل الاستيلاد أم بعده، أو الوارث والمستولدة، هل ولدته قبل موت السيد، أم بعده، فهو على ما ذكرنا في تنازع السيد والمدبرة، فإذا قلنا بسراية الكتابة إلى الولد، فقالت المكاتبة: ولدته بعد الكتابة، وقال السيد: بل قبلها، صدق السيد أيضا على الاصح، وقيل: بل المكاتبة: لانها يثبت لها اليد على نفسها وولدها. ولو اختلف السيد والمكاتب في المال، صدق المكاتب كالمدبر. فصل دبر عبدا ثم ملكه أمة، فوطئها وأولدها، فإن قلنا: العبد لا يملك بالتمليك، فالولد للسيد ويثبت نسبه من العبد، ولا حد عليه للشبهة، نص عليه. وإن قلنا: يملك بالتمليك فالجارية للمدبر، ولا يحكم للولد بحرية، لانه حصل من رقيقين. وهل يتبع الام، ويكون رقيقا للسيد، أم يتبع الاب، فيكون مدبرا ؟. فرع أمة لرجلين دبراها، فأتت بولد، فادعاه أحدهما، فهو ابنه، ويضمن نصف قيمتها ونصف قيمته، ونصف مهرها لشريكه، وأخذ قيمتها يكون رجوعا في التدبير. وقال القاضي أبو الطيب: عندي أنه لا يقوم نصيب الشريك إلا برضاه، لانه ثبت له حق الولاء فيه.

(8/463)


فرع قول المدبر في حياة السيد وبعد موته: رددت التدبير، لغو، لا يقدح فيه، وبالله التوفيق.

(8/464)