عمدة السالِك وَعدة النَّاسِك

قسم العبادات

كتابُ الطهارةِ
[أقسامُ المياهِ]:
المياهُ أقسامٌ: طهورٌ، وطاهرٌ، ونجسٌ.
1 - فالطهورُ: هو الطاهرُ في نفسهِ المطهر لغيرهِ.
2 - والطاهرُ: هو الطاهرُ في نفسهِ ولا يطهر غيره.
3 - والنجسُ: غيرهما.
فلا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وهو الطهور على أي صفة كان من أصل الخلقة.
وتكره الطهارة بالماء المشمس في البلاد الحارة في الأواني المنطبعة، وهي ما يطرق بالمطارق، إلا الذهب والفضة، وتزول بالتبريد.
وإذا تغير الماء تغيراً كثيراً بحيث يُسلب عنه اسم الماء، بمخالطة شيء طاهر، يمكن الصون عنه كدقيق وزعفران، أو استعمل دون القلَّتين، في فرض طهارة الحدث ولو لصبي، أو لنجس ولو لم يتغير، لم تجز الطهارة به، فإن تغير بالزعفران ونحوه يسيراً، أو بمجاورة كعود ودهن مطيبين، أو بما لا يمكن الصون

(1/8)


عنه، كطحلب وورق شجر تناثر فيه، وبتراب وطول مكث، أو استعمل في النفل كمضمضة وتجديد وضوء وغسل مسنون، أو جمع المستعمل فبلغ قلتين، جازت الطهارة به.
ولو أدخل متوضئٌ يده بعد غسل وجهه مرة، أو جُنبٌ بعد النية، في دون القلتين فاغترف ونوى الاغتراف، لم يضره، وإلا صار الباقي مستعمَلاً.
ولو انغمس جنبان فأكثر دفعة، أو واحداً بعد واحد في قلتين، ارتفعت جنابتهم، ولا يصير مستعملاً.
والقلتان خمسمئة رطل بغدادية تقريباً، ومساحتها: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً.
فالقلتان لا تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة، بل بالتغير بها ولو يسيراً.
ثم إن زال التغير بنفسه أو بماء طهر، أو بنحو مسك أو بخل أو بتراب، فلا.
ودونهما ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، إلا أن يقع فيه نجس لا يراه البصر، أو ميتة لا دم لها سائل، كذباب ونحوه، فلا يضر.
وسواء الجاري والراكد.
فإن كوثر القليل النجس

(1/9)


فبلغ قلتين، ولا تغير، طهر.
والمراد بالتغير بالطاهر أو بالنجس إما: اللون أو الطعم أو الريح.
ويندب تغطية الإناء، فلو وقع في أحد الإناءين نجس توضأ من أحدهما باجتهاد وظهور علامة، سواء قدر على طاهر بيقين أم لا. فإن تحيّر أراقهما، ويتيمم بلا إعادة، والأعمى يجتهد، فإن تحير قلد بصيراً. ولو اشتبه طهورٌ بماء ورد توضأ بكل واحد مرة، أو ببول أراقهما وتيمم.
فصل [في الأواني]:
تحل الطهارة من كل إناء طاهر، إلا الذهب والفضة، والمطلي بأحدهما بحيث يتحصل منه شيء بالنار، فيحرم استعماله على الرجال والنساء، في الطهارة والأكل والشرب وغير ذلك. وكذا اقتناؤه بلا استعمال، حتى الميلُ من الفضة.
[أحكام التضبيب]: والمضبب بالذهب حرام مطلقاً، وقيل: كالفضة. والمضبب بالفضة: إن كانت الضبة كبيرة للزينة فهي حرام، أو صغيرة للحاجة حل، أو صغيرة للزينة، أو كبيرة للحاجة، كُره ولم يحرم.
ومعنى التضبيب: أن ينكسر موضع من الإناء فيجعل موضع الكسر فضة تمسكه بها.
وتكره أواني الكفار وثيابهم، ويباح الإناء من كل جوهر نفيس كياقوت وزمرد.
فصل [السواك وأوقات استعماله]:
ويندب السواك في كل وقت، إلا لصائم بعد

(1/10)


الزوال فيكره، ويتأكد استحبابه لكل صلاة، وقراءة، ووضوء، وصفرة أسنان، واستيقاظ من النوم، ودخول بيته، وتغيير الفم من أكل كل كريه الريح، وترك أكل.
ويجزئ بكل خشن، إلا أصبعه الخشنة، والأفضل بأراك يابس نُدِّي بالماء، وأن يستاك عرضاً، ويبدأ بجانبه الأيمن، ويتعهد كراسي أضراسه، وينوي به السنة.
[بعض خصال الفطرة]:
ويسن قلم ظفر، وقص شارب، ونتف إبط وأنف لمن اعتاده، وحلق عانة، والاكتحال وتراً ثلاثاً في كل عين، وغسل البراجم، وهي: عقد ظهور الأصابع، فإن شق نتف الإبط حلقه.
ويكره القزع، وهو: حلق بعض الرأس وترك بعضه، ولا بأس بحلق كله.
ويجب الختان. ويحرم خضب شعر الرجل والمرأة بسواد إلا لغرض الجهاد، ويسن بصفرة أو حمرة.
وخضب يديْ مزوجةٍ ورجليها تعميماً بحناء، ويحرم على الرجال إلا لحاجة، ويكره نتف الشيب.

باب الوضوء
[فرائض الوضوء]:
فروضه ستة: النية عند غسل الوجه، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح القليل من الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب على ما ذكرناه.
وسننه ما عدا ذلك. [1 - النية]:
فينوي المتوضئ رفع الحدث، أو

(1/11)


الطهارة للصلاة، أو لأمر لا يستباح إلا بالطهارة، كمس المصحف أو غيره، إلا المستحاضة ومن به سلس البول، ومتيمماً، فينوي استباحة فرض الصلاة.
وشرطه النية بالقلب، وأن تقترن بغسل أو جزء من الوجه. ويندب أن يتلفظ بها، وأن تكون من أول الوضوء، ويجب استصحابها إلى غسل أول الوجه، فإن اقتصر على النية عند غسل الوجه كفى، لكن لا يثاب على ما قبله من مضمضة واستنشاق وغسل كف.
ويندب أن يسمي الله تعالى، وأن يغسل كفيه ثلاثاً، فإن ترك التسمية عمداً، أو سهواً أتى بها في أثنائه.
فإن شك في نجاسة يده كره غمسها في دون القلتين قبل غسلها ثلاثاً.
ثم يستاك، ويتمضمض، ويستنشق ثلاثاً بثلاث غُرفات، فيتمضمض من غُرْفة ثم يستنشق، ثم يتمضمض من أخرى ثم يستنشق، ثم يتمضمض من الثالثة ثم يستنشق، ويبالغ فيهما إلا أن يكون صائماً فيرفق.
[2 - غسل الوجه]:
ثم يغسل وجهه ثلاثاً، وهو: ما بين منابت شعر الرأس في العادة إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً. فمنه موضع الغَمَمِ، وهو: ما تحت الشعر الذي عمَّ الجبهةَ كلَّها أو بعضها.
ويجب غسل شعور الوجه كلها ظاهرها وباطنها، والبشرة تحتها، خفيفة كانت

(1/12)


أو كثيفة، كالحاجب والشارب والعَنفَقة والعِذار والهُدْب وشعر الخد، إلا اللحية والعارضَيْن فإنه يجب غسل ظاهرهما وباطنهما والبشرة تحتهما عند الخفة، فظاهرهما فقط عند الكثافة، لكن يندب التخليل حينئذ، ويجب إفاضة الماء على ظاهر النازل من اللحية عن الذقن، ويجب غسل جزء من الرأس، وسائر ما يحيط بالوجه، ليتحقق كماله. وسُنَّ أن يُخلل اللحية من أسفلها بماء جديد. [3 - غسل اليدين]:
ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثاً، فإن قُطعت من الساعد وجب غسل الباقي، أو من مفصل المرفق لزمه غسل رأس العضد، أو من العضد ندب غسل باقيه.
[4 - مسح الرأس]:
ثم يمسح رأسه فيبدأ بمقدم رأسه فيذهب بيديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، يفعل ذلك ثلاثاً، فإن كان أقرع أو ما نبت شعره أو كان طويلاً أو مضفوراً لم يندب الرد، فلو وضع يده بلا مد بحيث بلّ ما ينطلق عليه الاسم، وهو بعض شعرة لم تخرج بالمد عن حد الرأس، أو قطّر ولم يسل، أو غسله، كفى، فإن شق نزع عمامته كمّل عليها بعد مسح ما يجب.
ثم يمسح أذنيه ظاهراً وباطناً بماء جديد ثلاثاً، ثم صِماخيه بماء جديد ثلاثاً، فيدخل خنصريه فيهما.
[5 - غسل الرجلين]:
ثم يغسل رجليه مع كعبيه ثلاثاً.
[6 - الترتيب وبعض المسنونات]:
فلو شك في تثليث عضو أخذ بالأقل، فيكمل ثلاثاً يقيناً.
ويقدم اليمنى من يد ورجل، لا

(1/13)


كفٍّ وخدٍّ وأذنٍ، فيطهرهما دُفعة.
ويطيل الغرة بأن يغسل مع وجهه من رأسه وعنقه زائداً عن الفرض، والتحجيل بأن يغسل فوق مرفقيه وكعبيه، وغايته استيعاب العضد والساق، ويوالي الأعضاء، فإن فرّق ولو طويلاً صح بغير تجديد نية.
ويقول بعد فراغه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني من عبادك الصالحين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وللأعضاء أدعية تقال عندها لا أصل لها.
[آداب الوضوء]:
وآدابه: استقبال القبلة، ولا يتكلم لغير حاجة. ويبدأ بأعلى وجهه، ولا يلطمه بالماء.
فإن صب عليه غيره بدأ بمرفقيه وكعبيه، وإن صب على نفسه بدأ بأصابعه.
ويتعهد آماق عينيه وعقبيه ونحوهما مما يخاف إغفاله سيما في الشتاء.
ويحرك خاتماً ليدخل الماء تحته.
ويخلل أصابع رجليه بخنصر يده اليسرى: يبدأ بخنصر رجله اليمنى من أسفل ويختم بخنصر اليسرى.
ويكره أن يغسل غيره أعضاءه إلا لعذر، وتقديم يساره، والإسراف في الماء.
ويندب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد، وهو رطل

(1/14)


وثلث بغدادي، ولا يَنْقُص ماء الغسل عن صاع، والصاع خمسة أرطال وثلث رطل بالعراقي.
ولا ينشف أعضاءه، ولا ينفض يديه، ولا يستعين بأحد يصب عليه، ولا يمسح الرقبة.
ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء لم يصح الوضوء.
ولو شك في أثناء الوضوء في غسل عضو لزمه مع ما بعده، أو بعد فراغه لم يلزمه شيء.
ويندب تجديد الوضوء لمن صلى به فرضاً أو نفلاً.
ويندب الوضوء لجنب يريد أكلاً أو شرباً أو نوماً أو جماعاً آخر، والله أعلم.

باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين في الوضوء للمسافر سفراً مباحاً تقصر فيه الصلاة ثلاثةَ أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة.
وابتداء المدة من الحدث بعد اللُّبْس، فإن مسحهما أو أحدهما حضراً ثم سافر، أو سفراً ثم أقام، أو شك: هل ابتدأ المسح سفراً أو حضراً، أتم مسح مقيم فقط.
ولو أحدث حضراً ومسح سفراً أتم مدة مسافر، سواء مضى عليه وقت الصلاة بكماله في الحضر أم لا.
فإن شك في انقضاء المدة لم يمسح في مدة الشك، لأن المسح رخصة.
فإن شك هل أحدث

(1/15)


وقت الظهر أو العصر، بنى أمره على أنه الظهر.
ولو أجنب في المدة وجب النزع للغسل. [شروط المسح على الخفين]:
وشرطه:
1 - أن يلبسه على وضوء كامل.
2 - وأن يكون طاهراً.
3 - وساتراً لجميع محل الفرض.
4 - ومانعاً لنفوذ الماء.
5 - ويمكن متابعة المشي عليهما لتردُّد مسافر لحاجاته، سواء كان من جلد، أو لِبْدٍ، أو خِرَقٍ مطبَّقة، أو خشب، أو غير ذلك، أو مشقوقاً شد بشَرَج.
ولو لبس خفاً في رجل ليمسحه ويغسل الأخرى، أو ظهر من الرجل شيء -وإن قَلَّ- من خرق في الخف لم يجز.
[الجرموق]:
والْجُرْمُوقُ: هو خف فوق خف، فإن كان الأعلى قوياً والأسفل مخرقاً فله مسح الأعلى، وإن كانا قويين أو القوي الأسفل لم يكف مسح الأعلى، فإن وصل البلل منه إلى الأسفل كفى، سواء قصد مسحهما أو الأسفل فقط أو أطلق، لا إن قصد الأعلى فقط.
ويسن مسح أعلى الخف وأسفله وعقبه خطوطاً، بلا استيعاب ولا تكرار، فيضع يده اليسرى تحت عقبه، ويمناه عند أصابعه، ويُمِرُّ اليمنى إلى الساق واليسرى إلى الأصابع.
فإن اقتصر على مسح أقل جزء من ظاهر أعلاه محاذياً لمحل الفرض كفى، وإن اقتصر على الأسفل أو العقب أو الحرف أو الباطن مما يلي البشرة فلا.
ومتى

(1/16)


ظهرت الرجل بنزع أو بخرق -وهو بوضوء المسح- كفاه غسل القدمين فقط.

باب أسباب الحدث:
وهي أربعة:
أحدها: الخارج من قبل أو دبر، أو ثُقْبَةٍ تحت السُّرَّة مع انسداد المخرج المعتاد، عيناً أو ريحاً، معتاداً أو نادراً، كدودة وحصاة. إلا المنيَّ فإنه يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء، وصورة ذلك: أن ينام ممكِّنا مقعده فيحتلم، أو ينظر بشهوة فينزل، وإلا فلو جامع أو نام مضطجعاً فأنزل انتقض باللمس وبالنوم.
الثاني: زوال عقله، إلا النوم قاعداً ممكناً مقعده من الأرض، سواء الراكب والمستند -ولو لشيء لو أزيل لسقط- وغيرهما.
فلو نام ممكناً فزالت أليتاه قبل انتباهه انتقض، أو بعده أو معه أو شَكَّ، أو سقطت يده على الأرض وهو نائم ممكن مقعده، أو نَعَس وهو غير ممكن، وهو يسمع ولا يفهم، أو شك هل نام أو نعس، أو هل نام ممكناً أو غير ممكن، فلا ينقض.
الثالث: التقاء شيء وإن قلَّ من بشرتي رجل وامرأة أجنبيين، ولو بغير شهوة وقصد، حتى اللسان والأشل والزائد، إلا سناً وظفراً وشعراً وعضواً مقطوعاً.
وينقض هرم وميت، لا محرم وطفل لا يشتهى في العادة.

(1/17)


فلو شك: هل لمس امرأة أم رجلاً، أو شعراً أو بشرة، أو أجنبية أو محرماً، لم ينقض.
الرابع: مس فرج الآدمي بباطن الكف والأصابع خاصة، ولو سهواً أو بلا شهوة، قبلاً أو دبراً، ذكراً أو أنثى، من نفسه أو من غيره، ولو من ميت وطفل ومحل جَبٍّ وإن اكتسى جلداً، أو أشل -ولو مقطوعاً- وبيد شلاء، لا فرج بهيمة، ولا برؤوس الأصابع وما بينها وحرف الكف.
ولا ينقض قيء، وفصد، ورعاف، وقهقهة مُصَلٍّ، وأكل لحم جزور، وغير ذلك.
[الشك في الوضوء]:
من تيقن حدثاً وشك في ارتفاعه فهو محدث، ومن تيقن طهراً وشك في ارتفاعه فهو متطهر. وإن تيقنهما وشك في السابق منهما، فإن لم يعرف ما كان قبلهما، أو عرفه وكان طهراً، وكان عادته تجديد الوضوء، لزمه الوضوء، فإن لم يكن عادته تجديد الوضوء، أو كان [ما قبله] حدثاً، فهو الآن متطهر.
[محرمات الحدث]:
ومن أحدث حرم عليه الصلاة، وسجود التلاوة والشكر، والطواف، وحمل المصحف ولو بعلاقته أو في صندوقه، ومسه سواء المكتوب وبين الأسطر والحواشي، وجلده وعلاقته وخريطته وصندوقه وهو فيهما. وكذا يحرم مس وحمل ما كتب لدراسة -ولو آية- كاللوح وغيره، ويحل حمل مصحف في

(1/18)


أمتعة.
وحل حمل دراهم ودنانير وخاتم وثوب كتب عليهن قرآن، وكتب فقه وحديث وتفسير فيها قرآن، بشرط أن يكون غير القرآن أكثر.
ويمكن الصبي المحدث من حمله ومسه.
ولو كتب محدث أو جنب قرآناً ولم يمسه ولم يحمله جاز.
ولو خاف على المصحف من حرق أو غرق أو يد كافر أو نجاسة، وجب أخذه مع الحدث والجنابة، إن لم يجد مستودعاً له، لكن يتيمم إن قدر.
ويحرم توسده وغيره من كتب العلم.

باب قضاء الحاجة
يندب لمريد الخلاء أن ينتعل إلا لعذر، ويستر رأسه، وينَحِّي ما فيه ذكر الله ورسوله وكل اسم معظم، فإن دخل بالخاتم ضم كفه عليه، ويهيء أحجار الاستنجاء.
ويقول عند الدخول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
وعند الخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
ويقدم داخلاً يساره وخارجاً يمينه.
ولا يختص ذكر الدخول للخلاء والخروج، وتقديم اليسرى واليمنى، وتنحية ذكر الله تعالى ورسوله- بالبنيان، بل يشرع بالصحراء أيضاً.
ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ويرخيه قبل انتصابه.
ويعتمد في

(1/19)


الجلوس على يساره، ولا يطيل، ولا يتكلم.
فإذا انقطع البول مسح بيساره من دبره إلى رأس ذكره، وينتر بلطف ثلاثاً.
ولا يبول قائماً بلا عذر، ولا يستنجي بالماء في موضعه إن خاف ترششاً، ولا ينتقل في المراحيض.
ويبعد في الصحراء ويستتر.
ولا يبول في جحر، وموضع صلب، ومهب ريح، ومورد، ومتحدث للناس، وطريق، وتحت شجرة مثمرة، وعند قبر، وفي الماء الراكد، وقليل جار.
ولا مستقبل الشمس والقمر، وبيت المقدس، ومستدبرَه./ 9
ويحرم البول على مطعوم، وعظم، ومعظم، وقبر، وفي مسجد ولو في إناء.
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط في الصحراء بلا حائل، ويباحان في البنيان إذا قرب من الساتر نحو ثلاثة أذرع.
ويكفي مرتفع ثلثي ذراع من جدار، ووهدة، ودابة، وذيله المرخي قبالة القبلة.
والاعتبار في الصحراء والبنيان بالسترة، فحيث قرب منها على ثلاثة أذرع -وهي ثلثا ذراع- جاز فيهما، وإلا فلا، إلا في المراحيض فيجوز مع كراهة، وإن بعُد جدارها أو قََصُر.
ويجب الاستنجاء من كل عين ملوثة خارجة من السبيلين، لا ريح ودودة وحصاة وبعرة بلا

(1/20)


رطوبة.
وتكفي الأحجار ولو في نادر كدم، وتعقيبها بالماء أفضل.
ويغني عن الحجر كل: جامد طاهر قالع للنجاسة غير محترم ومطعوم، كجلد المذكى قبل الدباغة.
فلو استعمل مائعاً غير الماء، أو نجساً، أو طرأت نجاسة أجنبية، أو انتقل ما خرج منه عن موضعه، أو جف، أو انتشر حال خروجه وجاوز الألية أو الحشفة، تعين الماء، فإن لم يجاوزهما كفى الحجر.
ويجب إزالة العين، واستيفاء ثلاث مسحات، إما بثلاثة أحجار، أو بحجر واحد له ثلاثة أحرف وإن أُنْقِيَ بدونها، فإن لم تنق الثلاثة وجب الإنقاء، وندب إيتار.
ويندب أن يبدأ بالأول من مقدم صفحة اليمنى ويمره إلى موضع ابتدائه، ثم يعكس بالثاني، ثم الثالث على الصفحتين والمسرُبة.
ويجب وضعه أولاً بموضع طاهر ثم يمره.
ويكره الاستنجاء بيمينه، فليأخذ الحجر بيمينه والذكر بشماله ويحركها.
والأفضل تقديم الاستنجاء على الوضوء، فإن أخره عنه صح، أو عن التيمم فلا.

باب الغسل
[موجبات الغسل]:
يجب على الرجل من خروج المني، ومن إيلاج

(1/21)


الحشفة في أي فرج كان، قبلاً أو دبراً، ذكراً كان أو أنثى، ولو بهيمة، أو صغيراً في صغيرة. ويجب على المرأة من خروج منيها، ومن أي ذكر دخل في قبلها أو دبرها، ولو أشل، أو من صبي، أو بهيمة.
ومن الحيض والنفاس وخروج الولد جافاً.
وإنما يتعلق الغسل بتغييب جميع الحشفة.
ولو رأى منياً في ثوب، أو فراش ينام فيه مع من يمكن كونه منه، ندب لهما الغسل ولا يجب، ولا يقتدي أحدهما بالآخر، فإن لم ينم فيه غيره لزمه الغسل، ويجب إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوث المني بعدها، لكن يندب إعادة ما أمكن كونها بعده.
ولو جومعت في قبلها فاغتسلت، ثم خرج منيه منها، لزمها غسل آخر بشرطين:
1 - أن تكون ذات شهوة لا صغيرة.
2 - أن تكون قضت شهوتها، لا نائمة ومكرهة.
ويعرف المني بتدفق أو تلذذ، أو ريح طلع أو عجين إذا كان رطباً، أو بياض بيض إذا كان جافاً.
فمتى وجد واحد منها كان منياً موجباً للغسل، ومتى فقدت كلها لم يكن منياً.
ولا

(1/22)


يشترط البياض والثخانة في مني الرجل، ولا الصفرة والرّقَّة في مني المرأة.
ولا غسل في مَذْيٍ، وهو: ماء أبيض رقيق لزج يخرج بلا شهوة عند الملاعبة. ولا في وَدْيٍ، وهو: ماء أبيض كدر ثخين يخرج عقب البول.
فإن شك: هل الخارج مني أو مذي؟ تخير، إن شاء جعله منياً واغتسل فقط، وإن شاء جعله مذياً، وغسل ما أصاب بدنه وثوبه منه، وتوضأ، ولا يغتسل. والأفضل أن يفعل جميع ذلك.
[محرمات الجنابة]:
ويحرم بالجنابة ما حرم بالحدث، وكذا اللبث في المسجد، وقراءة القرآن ولو بعض آية، ويباح أذكاره لا بقصد القرآن، فإن قصد القرآن عصى، أو الذكر أو لا شيء جاز.
وله المرور في المسجد، ويكره لغير حاجة.
فصل [كيفية الغسل]: يبدأ المغتسل بالتسمية، ثم بإزالة قذر، ثم وضوء كوضوء الصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ناوياً رفع الجنابة أو الحيض أو استباحة الصلاة، ويخلل شعره، ثم على شقه الأيمن ثلاثاً، ثم الأيسر ثلاثاً. ويتعهد معاطفه، ويدْلُك جسده.
وفي الحيض تُتْبِعُ أثر الدم فِرْصَةَ مسك، فإن لم تجده فطيباً غيره، فإن لم تجده فطيناً، فإن لم تجده كفى الماء.
والواجب منه شيئان:
1 - النية عند أول غسل مفروض.

(1/23)


2 - وتعميم شعره وبشره بالماء، حتى ما تحت قُلْفَةِ غير المختون، وما يظهر من فرج الثيب إذا قعدت لحاجتها.
ولو أحدث في أثنائه تممه، ولو تلبد شعره وجب نقضه إن لم يصل الماء إلى باطنه، ومن عليه نجاسة يغسلها ثم يغتسل، ويكفي لهما غسلة في الأصح.
ولو كان عليها غسل جنابة وغسل حيض فاغتسلت لأحدهما كفى عنهما.
ومن اغتسل مرة واحدة بنية جنابة وجمعة حصلا، أو نية أحدهما حصل دون الآخر.
فصل [الأغسال المسنونة]:
يسن غسل الجمعة، والعيدين، والكسوفين، والاستسقاء، ومن غسل الميت، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، وللإحرام، ولدخول مكة المشرفة، وللوقوف بعرفة، وللطواف والسعي، ولدخول مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالمشعر الحرام، وثلاثة لرمي الجمار أيام التشريق.

باب التيمم
وشروط التيمم ثلاثة:
أحدها: أن يقع بعد دخول الوقت، إن كان لفرض أو لنفل مؤقت.
بل يجب نقل التراب في الوقت، فلو تيمم شاكاً في الوقت لم يصح وإن صادفه، ولو تيمم لفائتة ضحوة، فلم يصلِّها حتى حضرت

(1/24)


الظهر، فله أن يصلِّيها به أو فائتة أخرى. الثاني: أن يكون بتراب طاهر خالص مطلق له غبار، ولو بغبار رمل، لا رمل متمحض، ولا بتراب مختلط بدقيق ونحوه، ولا بجِصٍّ وسحاقة خزف، ومستعمل -وهو ما على العضو أو ما تناثر عنه-.
الثالث: العجز عن استعمال الماء، فيتيمم العاجز عن استعماله.
ويكون عن الأحداث كلها.
ويستبيح به الجنب والحائض ما يستبيحان بالغسل، فإن أحدثا بعده حرم عليهما ما يحرم بالحدث الأصغر.
وللعجز أسباب:
[أسباب العجز المبيح للتيمم]:
أحدها: فقد الماء، فإن تيقن عدمه تيمم بلا طلب، وإن توهم وجوده وجب طلبه من رحله ورفقته حتى يستوعبهم، أو لا يبقى من الوقت إلا ما يسع الصلاة.
ولا يجب الطلب من كل واحد بعينه، بل ينادي: من معه ماء ولو بالثمن.
ثم ينظر حواليه إن كان في أرض مستوية، وإلا تردد إلى حد الغوث -وهو:

(1/25)


بحيث ما لو استغاث برفقته، مع اشتغالهم بأقوالهم وأفعالهم لأغاثوه- إن لم يخف ضرر نفس أو مال، أو صعد جبلاً صغيراً قريباً.
ويجب أن يقع الطلب بعد دخول الوقت، فإن طلب فلم يجده وتيمم، ومكث موضعه، وأراد فرضاً آخر: فإن لم يَحْدُث ما يوهم ماء -وكان تيقن العدم بالطلب الأول- تيمم بلا طلب. وإن لم يتيقنه، أو وجد ما يوهمه -كسحاب وركب- وجب الطلب الآن إلا من رحله.
وإن تيقن وجود الماء على مسافة يتردد إليها المسافر للاحتطاب والاحتشاش -وهي فوق حد الغوث- أو علم أنه يصله بحفرٍ قريب، وجب قصده إن لم يخف ضرراً، وإن كان فوق ذلك فله التيمم.
ولكن إن تيقن أنه لو صبر إلى آخر الوقت وجده فانتظاره أفضل، وإن ظن غير ذلك فالأفضل التيمم أول الوقت.
ولو وهبه إنسان ماء، أو أقرضه إياه، أو أعاره دلواً، لزمه القبول، وإن وهبه أو أقرضه ثمنهما فلا.
وإن وجد الماء والدلو يباعان بثمن مثله -وهو ثمنه في ذلك الموضع وذلك الوقت- لزمه شراؤه، إن وجد ثمنه فاضلاً عن دين -ولو مؤجلاً- ومؤنة سفره ذهاباً ورجوعاً، فإن امتنع من بيعه -وهو مستغن عنه- لم يأخذه غصباً إلا لعطش.
ولو وجد بعض ماء لا يكفي طهارته لزمه استعماله، ثم تيمم للباقي، فالمحدث يُطَهّر وجهه، ثم يديه على الترتيب، والجنب يبدأ

(1/26)


بما شاء، ويندب أعالي بدنه.
الثاني: خوف عطش نفسه ورفقته وحيوان محترم معه، ولو في المستقبل، ويحرم الوضوء حينئذ، فيتزود لرفقته، ويتيمم بلا إعادة.
الثالث: مرض يخاف معه تلف النفس، أو عضو، أو فوات منفعة عضو، أو حدوث مرض مخوف، أو زيادة مرض، أو تأخير البرء، أو شدة ألم، أو شيناً فاحشاً في عضو ظاهر، ويعتمد فيه معرفته، أو طبيباً يُقْبَلُ فيه خبره.
[المسح على الجرح والجبيرة]:
فإن خاف من جرح ولا ساتر عليه غسل الصحيح بأقصى الممكن، فلا يترك إلا ما لو غسله تعدى إلى الجرح، وتيمم للجرح في الوجه واليدين في وقت جواز غسل العليل، فالجنب يتيمم متى شاء، والمحدث لا ينتقل عن عضو حتى يَكْمُلَ غسلاً وتيمماً، مقدماً ما شاء.
فإن جرح عضواه، فتيممان.
ولا يجب مسح الجرح بالماء وإن لم يضره، فإن كان الجرح على عضو التيمم وجب مسحه بالتراب.
فإن احتاج لعصابة أو لصوق أو جبيرة وجب وضعها على طهر، ولا يستر إلا ما لا بد منه، فإن خاف من نزعها ضرراً وجب المسح عليها كلها بالماء مع غسل الصحيح والتيمم كما تقدم.
فإن كانت الجراحة في غير عضو

(1/27)


التيمم لم يجب مسحها بتراب.
فإن أراد أن يصلي فرضاً آخر لم يعد الجنب غسلاً، وكذا المحدث، وقيل: يغسل ما بعد عليله.
وإن وضع بلا طهر وجب النزع، فإن خاف فعل ما تقدم وهو آثم، ويعيد الصلاة. ولا يعيد إن وضع على طهر ولم يكن في أعضاء التيمم، ولا من تيمم لمرض أو جرح بلا ساتر، إلا من بجرحه دم كثير يخاف من غسله فيعيد.
ولو خاف من شدة البرد مرضاً مما تقدم، ولم يقدر على تسخين الماء وتدفئة عضو، تيمم وأعاد.
ومن فقد ماء وتراباً وجب أن يصلي الفرض وحده، ويعيد إذا وجد الماء، أو التراب حيث يُسْقِطُ التيمم الإعادة، فلا يعيد إذا وجد تراباً في الحضر.
[واجبات التيمم]:
وواجباته سبعة:
الأول: النية: فينوي استباحة فرض الصلاة، أو استباحة مفتقر إلى الطهارة.
ولا يكفي نية رفع الحدث، ولا فرض التيمم.
فإن تيمم لفرض وجب نية الفرضية، لا تعيينه من ظهر أو عصر، بل لو نوى فرض الظهر استباح به العصر، ولو نوى فرضاً ونفلاً أبيحا، أو نفلاً أو جنازة أو الصلاة لم يستبح الفرض، أو فرضاً فله النفل منفرداً، وكذا النفل قبله وبعده، في الوقت وبعده.
ويجب قرنها بالنقل واستدامتها إلى مسح شيء من الوجه.

(1/28)


الثاني والثالث: قصد التراب ونقله، فلو كان على وجهه تراب فمسح به -أو ألقته الريح عليه فمسح به- لم يكف، ولو أمر غيره حتى يممه جاز، وإن كان قادراً على الأظهر.
الرابع والخامس: مسح وجهه ويديه مع مرفقيه.
السادس: الترتيب.
السابع: كونه بضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين.
وقيل: إن أمكن بضربة كفى، كخرقة ونحوها.
ولا يجب إيصاله باطن شعر خفيف.
[سنن التيمم]:
وسننه: التسمية، وتقديم يمينه وأعلى وجهه.
وفي اليد: يضع أصابع اليسرى -سوى الإبهام- على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام ويمرها إلى الكوع، ثم يضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها وإبهامه مرفوعة، فإذا بلغ الكوع مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى، ثم يمسح اليسرى باليمنى كذلك، ثم يخلل أصابعه، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى.
وتخفيف الغبار ويفرق أصابعه عند الضرب على التراب فيهما.
ويجب نزع الخاتم في الضربة الثانية.
ولو أحدث بين النقل ومسح الوجه بطل، ووجب أخذ ثان.
[مبطلات التيمم]:
ويبطل التيمم عن الوضوء

(1/29)


بنواقض الوضوء، وتوهم قدرته على ماء يجب استعماله، كرؤية سراب أو ركب قبل الصلاة، أو فيها وكانت مما تعاد، كتيمم حاضر لفقد الماء، فإن لم تُعَدْ كتيمم مسافر فلا، ويتمها وتجزئه، لكن يندب قطعها ليستأنفها بوضوء.
وإن رآه في نفل ونوى عدداً أتمه، وإلا فركعتين.
ولا يجوز بتيمم أكثر من فريضة واحدة مكتوبة أو منذورة، وما شاء من النوافل والجنائز.

باب الحيض
أقل سن تحيض فيه المرأة استكمال تسع سنين تقريباً، فلو رأته قبل تسع سنين لزمن لا يسع طهراً وحيضاً فهو حيض وإلا فلا، ولا حد لآخره، فيمكن إلى الموت.
وأقل الحيض يوم وليلة، وغالبه ست أو سبع، وأكثره خمسة عشر يوماً.
وأقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوماً، ولا حد لأكثره.
فمتى رأت دماً في سن الحيض -ولو حاملاً- وجب ترك ما تترك الحائض، فإن انقطع لدون أقله تبين أنه غير حيض، فتقضي الصلاة، فإن انقطع لأقله أو أكثره أو ما بينهما فهو حيض، وإن جاوز أكثره فهي مستحاضة، ولها أحكام طويلة مذكورة في كتب الفقه. والصفرة والكدرة حيض. وإن رأت وقتاً دماً، ووقتاً نقاءً، ووقتاً دماً،

(1/30)


وهكذا، ولم يجاوز الخمسة عشر، ولم يَنْقُصْ مجموع الدماء عن يوم وليلة: فالدماء والنقاء المتخلل كلها حيض.
وأقل النفاس لحظة، وغالبه أربعون يوماً، وأكثره ستون يوماً، فإن جاوزه فمستحاضة.
[محرمات الحيض والنفاس]:
ويحرم بالحيض والنفاس ما يحرم بالجنابة، وكذا الصوم، ويجب قضاؤه دون الصلاة.
ويحرم عبور المسجد إن خافت تلويثه، والوطء، والاستمتاع فيما بين السرة والركبة، والطلاق، والطهارة بنية رفع الحدث، فإن انقطع الدم ارتفع تحريم الصوم والطلاق والطهارة وعبور المسجد، ويبقى الباقي حتى تغتسل.
ولو ادعت الحيض ولم يقع في قلبه صدقها حل له وطؤها.
[أحكام المستحاضة]:
وتغسل المستحاضة فرجها وتشده وتعصبه ثم تتوضأ، ولا تؤخر بعد الطهارة إلا للاشتغال بأسباب الصلاة، كستر عورة، وأذان، وانتظار جماعة، فإن أخرت لغير ذلك استأنفت الطهارة. ويجب غسل الفرج وتعصيبه والوضوء لكل فريضة. ومن به سلس البول كالمستحاضة فيما تقدم.

[باب النجاسات]:
والنجاسة هي: البول، والغائط، والدم، والقيح، والقيء، والخمر، والنبيذ، وكل مسكر مائع، والكلب،

(1/31)


والخنزير، وفرع أحدهما، والوَدْي، والمَذْيُ، وما لا يؤكل لحمه إذا ذبح، والميتة إلا السمك والجراد والآدمي، ولبنُ ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي، وشعر الميتة، وشعر غير المأكول إذا انفصل في حياته، إلا الآدمي، ومنيّ الكلب والخنزير.
والإنفحة طاهرة، إن أخذت من سخلة مذكاة لم تأكل غير اللبن. وما يسيل من فم النائم: إن كان من المعدة -بأن كان لا ينقطع إذا طال نومه- نجس، وإن كان من اللهوات -بأن كان ينقطع- فطاهر. والعضو المنفصل من الحي حكمه حكم ميتة ذلك الحيوان: إن كانت طاهرة -كالسمك- فطاهر، وإلا -كالحمار- فنجس. والعلقة، والمضغة، ورطوبة فرج المرأة، وبيض المأكول وغيره، ولبنه وشعره وصوفه ووبره وريشه -إذا انفصل في حياته أو بعد ذكاته- وعرق الحيوان الطاهر، طاهر، حتى الفأرة. وريقه ودمعه ولبن الآدمي ومَنِيُّه غير نجس، وكذا مَنِيُّ غيره، غير الكلب والخنزير، وقيل: نجس.
[الطهارة بالاستحالة]:
ولا يطهر شيء من النجاسات، إلا الخمر إذا تخلل، والجلد إذا

(1/32)


دبغ، ونجساً يصير حيواناً.
فإذا تخللت الخمر بغير إلقاء شيء فيها -إما بنفسها أو بنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه أو بفتح رأسها- طهرت مع أجزاء الدَّنِّ الملاقية لها، وما فوقها مما أصابته عند الغليان، وإن ألقي فيها شيء فلا.
[الدباغة]:
الدبغ هو: نزع فضلات بكل حرّيف ولو نجساً، ولا يكفي ملح وتراب وشمس.
ولا يجب استعمال ماء في أثنائه، لكنه بعد الدبغ كثوب متنجّس، فيجب غسله بماء طهور. ولا يطهر بالدبغ جلد كلب وخنزير.
ولو كان على الجلد شعر لم يطهر الشعر بالدبغ، ويعفى عن قليله.
[ما يتعلق بالكلب والخنزير والهرة]:
وما تنجس بملاقاة شيء من الكلب والخنزير لم يطهر إلا بغسله سبعاً، إحداهن بتراب طاهر يستوعب المحل، ويجب مزجه بماء طهور، ويندب جعله في غير الأخيرة، ولا يقوم غير التراب مقامه كصابون وأُشْنان.
ولو رأى هرة تأكل نجاسة، ثم شربت من ماء دون قُلَّتَيْنِ قبل أن تغيب عنه نجسته.
وإن غابت زمناً يمكن فيه وُلُوغُها في قلتين، ثم شربت من القليل، لم تنجسه.
ودخان النجاسة نجس، ويعفى عن يسيره، فإن مسح كثيره عن تنُّور بخرقة يابسة فزال طهر،

(1/33)


أو رطبة فلا، فإن خبز عليه فطاهر وأسفل الرغيف نجس.
[بول الرضيع]: ويكفي في بول الصبي الذي لم يأكل غير اللبن الرَّشُّ مع غلبة الماء، ولا يشترط سيلانه، وبول الصبية -وكذا الخنثى- يغسل كالكبيرة.
وما سوى ذلك من النجاسات إن لم يكن له عين كفى جري الماء عليه، وإن كان له عين وجب إزالة طعمٍ وإن عَسُر، ولون وريح إن سَهُلا، فإن عسر إزالة الريح وحده أو اللون وحده لم يضر بقاؤه، وإن اجتمعا ضراه.
[حكم الغُسالة]:
ويشترط وُرُود الماء على المحل لا العصر، ويندب بعد طهارته غسله ثانية وثالثة.
ويكفي في أرض نجسة بذائبٍ المكاثرة بالماء، ولا يشترط نُضوبه.
ولو ذهب أثر نجاسة الأرض بشمس أو نار أو ريح لم تطهر حتى تُغسل.
وكل مائع غير الماء -كخل ولبن- إذا تنجس لا يمكن تطهيره، فإن كان جامداً -كالسمن الجامد- ألقى النجاسة وما حولها، والباقي طاهر.
وما غَسَل به النجاسة إن تغير أو زاد وزنه فنجسٌ، وإلا فلا، فإن بلغ قلتين فمطهر، وإلا فحكمه حكم المحل بعد الغسل به، إن كان قد حُكِمَ بطهارته فطاهر، وإلا فنجس.

(1/34)