عمدة السالِك وَعدة النَّاسِك

كتاب الصلاة
[وجوب الصلاة]:
إنما تجب على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، فلا قضاء على من زال عقله بجنون أو مرض، وكافر أصلي، ويقضي المرتد.
ويؤمر الصبي المميز بها لسبع، ويضرب عليها لعشر.
ومن نشأ بين المسلمين، وجحد وجوب الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، أو تحريم الخمر أو الزنا، أو غير ذلك مما أُجْمِع على وجوبه أو تحريمه وكان معلوماً من الدين بالضرورة كفر، وقتل بكفره.
ومن ترك الصلاة تهاوناً -مع اعتقاده وجوبها- حتى خرج وقتها وضاق وقت ضرورتها، لم يكفر، بل يضرب عنقه، ويغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين. ولا يعذر أحد في التأخير إلا نائماً أو ناسياً، أو من أخر لأجل الجمع في السفر.

باب المواقيت
المكتوبات خمس:
1 - الظهر: وأول وقتها إذا زالت الشمس، وآخره مصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال.

(1/35)


2 - العصر: وأوله آخر وقت الظهر، وآخره الغروب. لكن إذا صار ظل كل شيء مِثْلَيْه خرج وقت الاختيار وبقي الجواز.
3 - المغرب: وأوله تكامل غروب الشمس، ثم يمتد بقدر وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات متوسطات، فإن أخر الدخول فيها عن هذا القدر عصى وهي قضاء، وإن دخل فيه فله استدامتها إلى غيبوبة الشفق الأحمر.
4 - العشاء: وأوله غيبوبة الشفق الأحمر، وآخره الفجر الصادق، ولكن إذا مضى ثلث الليل خرج وقت الاختيار وبقي الجواز.
5 - الصبح: وأوله الفجر الصادق، وآخره طلوع الشمس. لكن إذا أسفر خرج وقت الاختيار وبقي الجواز.
والأفضل أن يصلي أول الوقت، ويحصل بأن يشتغل أول دخوله بالأسباب، كطهارة وستر عورة وأذان وإقامة، ثم يصلي.
ويستثنى الظهر، فيسن الإبراد بها في شدة الحر، ببلد حار، لمن يمضي إلى جماعة بعيدة، وليس في طريقه كِنٌّ يظله، فيؤخر حتى يصير للحيطان ظل يظله، فإن فقد شرط من ذلك ندب التعجيل.
ولو وقع في الوقت دون ركعة والباقي خارجه فكلها قضاء، أو ركعة فأكثر والباقي خارجه فكلها أداء، ولكن يحرم تعمد التأخير عن الوقت حتى يقع بعضها خارج الوقت.
ومن جهل دخول الوقت، فأخبره ثقة

(1/36)


عن مشاهدة وجب قبوله، أو عن اجتهاد فلا، فللأعمى أو البصير العاجز عن الاجتهاد تقليده، لا القادر عليه. ويجوز اعتماد مؤذن ثقة عارف، وديك مجرَّب، فإن فقد الأعمى أو البصير مخبراً اجتهدا بوردٍ ونحوه، وإن أمكنهما اليقين بالصبر، فإن تحيرا صبرا حتى يظنا، فإن صليا بلا اجتهاد أعادا وإن أصابا.
وإن مضى من أول الوقت ما يمكن فيه الصلاة، فجُنَّ أو حاضت، وجب القضاء.
ومتى فاتت المكتوبة بعذر نُدِبَ الفور في القضاء، وإن فاتت بغير عذر وجب الفور.
والصوم كالصلاة، ويحرم تراخيه لرمضان القابِل.
ويندب ترتيب الفوائت وتقديمها على الحاضرة، إلا أن يخشى فوات الحاضرة فيجب تقديمها.
وإن شرع في فائتة ظاناً سعة الوقت، فبان ضيقه، وجب قطعها وفَعَلَ الحاضرة.
ومن عليه فائتة فوجد جماعة الحاضرة قائمة نُدِبَ تقديم الفائتة منفرداً، ثم الحاضرة.
ومن نسي صلاة فأكثر من الخمس، ولم يعرف عينها لزمه الخمس، وينوي بكل واحدة الفائتة.

باب الأذان والإقامة
وهما سنتان في المكتوبات حتى لمنفرد وجماعة ثانية، بحيث يظهر الشعار.
والأذان أفضل من الإمامة، وقيل

(1/37)


عكسه.
فإن أذَّن المنفرد في مسجد صُلِّيَت فيه جماعة لم يرفع صوته، وإلا رفع. وكذا الجماعة الثانية لا يرفعون صوتهم.
ويُسَنُّ لجماعة النساء الإقامة دون الأذان.
ولا يؤذن للفائتة في الجديد، ويؤذن لها في القديم، وهو الأظهر. فإن فاتته صلوات لم يؤذن لما بعد الأولى، وفي الأولى الخلاف، ويقيم لكل واحدة.
وألفاظ الأذان والإقامة معروفة، ويجب ترتيبهما، فإن سكت أو تكلم في أثنائه طويلاً بَطَلَ أذانه، فيستأنفه، وإن قَصُرَ فلا.
وأقل ما يجب أن يسمع نفسه إن أذّن وأقام لنفسه، فإن أذّن وأقام لجماعة وجب إسماع واحد جميعهما. ولا يصح الأذان قبل الوقت، إلا الصبح فإنه يجوز أن يؤذن لها بعد نصف الليل.
ويندب الطهارة، والقيام، واستقبال القِبْلة، والالتفات في الحَيْعَلَتَيْن: في الأولى يميناً وفي الثانية شمالاً، فيلوي عنقه ولا يحول صدره وقدميه.
ويكره للمحدث، وكراهة الجنب أشد، وفي الإقامة أغلظ.
وأن يؤذن على موضع عال، وبقرب المسجد، ويجعل أصبعيه في صماخيه، ويرتل الأذان ويُدْرج الإقامة.
ويشترط أن يكون المؤذن مسلماً، عاقلاً، مميزاً، ذكراً، إن أذّن للرجال.
وندب كونه حراً عدلاً، صيتاً حسن الصوت،

(1/38)


من أقارب مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره للأعمى إلا أن يكون معه بصير.
ويندب لسامعه -ولو جنباً وحائضاً أو في قراءة- أن يقول مثل قوله عقب كل كلمة، وفي الحَيْعَلَتَيْن: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي (الصلاة خير من النوم): صدقت وبررت، وفي كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض، وجعلني من صالحي أهلها. فإن كان مجامعاً أو على الخلاء أو مصلياً أجاب بعد فراغه.
ويندب للمؤذن وسامعه بعد فراغه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته".

باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة
وطهارة البدن والملبوس -وإن لم يتحرك بحركته- وما يمسهما، وموضع الصلاة، شرط لصحة الصلاة.
ولو قبض طرف حبل، أو ربطه معه، وطرفه الآخر متصل بنجس، لم تصح صلاته. ولو تنجس بعض بساط فصلى على موضع طاهر منه، وتحرك الباقي بحركته، أو على سرير قوائمه على نجس، وهو يتحرك بحركته، صحت صلاته.
والنجاسة

(1/39)


-غير الدم- إن لم يدركها طرْفٌ يُعْفَ عنها، وإن أدركها لم يعف عنها، إلا عن دم براغيث وقمل وغيرهما، مما لا نفس له سائلة، فيعفى عن قليله وكثيره، وإن انتشر بعرق. وأما الدم والقيح: فإن كان من أجنبي عُفي عن يسيره، وإن كان من المصلي عفي عن قليله وكثيره، سواء خرج من بَثْرَة عصرها أو من دُمَّلٍ أو من قَرْح أو فصْد أو حجامة أو غيرها.
وأما ماء القروح والنَفّاطات: إن كان له رائحة كريهة فهو نجس، وإلا فلا.
ولو صلى بنجاسة جهلها أو نسيها، ثم رآها بعد فراغه، أعادها، أو فيها بطلت.
ولو أصابه طين الشوارع: فإن لم يتحقق نجاسته فهو طاهر، وإن تحققها عُفي عن قليله عرفاً، وهو ما يتعذر الاحتراز منه، ويختلف: بالوقت كأن كان أيام الأمطار، وبموضعه من البدن والثوب، ولا يعفى عن كثيره.
ومن عجز عن إزالة نجاسة ببدنه، أو حُبِس في موضع نجس، صلى وأعاد، وينحني بسجوده بحيث لو زاد أصابها، ويحرم وضع الجبهة عليها.
ولو عجز عن تطهير ثوبه صلى عُرْياناً بلا إعادة، ولو لم يجد إلا حريراً صلى فيه.
وإن خفيت النجاسة في ثوب وجب غسله كله ولا يجتهد، فإن أخبره ثقة بموضعها اعتمده.
وإن اشتبه طاهر بمتنجس اجتهد، وإن أمكن طاهر بيقين، أو غَسْلُ أحدهما، فإن تحير صلى

(1/40)


عُرْياناً وأعاد، إن لم يمكنه غسل ثوبه، فإن أمكن وجب، وإذا غسل ما ظنه نجساً صلى فيهما معاً، أو في كل منفرداً، ولو صلى بلا اجتهاد في كل ثوب مرة لم تصح.
ولو خفيت النجاسة في فلاة صلى حيث شاء بلا اجتهاد، أو في أرض صغيرة أو في بيت وجب غسل الكل. ولو اشتبه بيتان اجتهد.
ولا تصح الصلاة في مقبرة عَلِمَ نَبْشَها واختلاطها بصديد الموتى، فإن لم يعلم نبشها كرهت، وصح.
وتكره في حمام ومسلخة، وقارعة الطريق، ومزبلة، ومجزرة، وكنيسة، وموضع مكسٍٍ، وخمر، وظهر الكعبة، وإلى قبر متوجهاً إليه، وأعطان الإبل، لا مراح غنم. وتحرم في ثوب وأرض مغصوبين، وتصح بلا ثواب.

باب ستر العورة
هو واجب بالإجماع حتى في الخلوات إلا

(1/41)


لحاجة، وهو شرط لصحة الصلاة، فإن رأى في ثوبه بعد الصلاة خرقاً فكرؤية النجاسة.
وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، وعورة الحرة كل بدنها إلا الوجه والكفين.
وشرط الساتر: أن يمنع لون البشرة، فلا يكفي زجاج وماء صاف، ويكفي التطيين ولو مع وجود الثوب، ويجب عند فقده.
وأن يشمل المستور لُبساً: فلو صلى في خيمة ضيقة عُرياناً لم تصح.
ويشترط الستر من الأعلى والجوانب لا الأسفل، فلو صلى مرتفعاً بحيث ترى عورته من أسفل، أو كان في سترته خرق فستره بيده، جاز.
ويندب لامرأة خمار، وقميص، وملحفة غليظة وتُجافيها، ولرجل أحسن ثيابه، ويتقمص ويتعمم، فإن اقتصر فثوبان: قميص معه رداء أو إزار أو سراويل، فإن اقتصر على ستر العورة جاز، لكن يندب له وضع شيء على عاتقه ولو حبلاً، فإن فقد ثوباً وأمكن ستر بعض العورة وجب،

(1/42)


ويستر السوأتين حتماً، فإن أمكن أحدهما فقط تعين القُبُل، فإن فقدها بالكلية صلى عُرياناً بلا إعادة، فإن وجد السترة في الصلاة -وهي بقربه- ستر وبنى إن لم يعدل عن القبلة، أو كانت بعيدة ستر واستأنف.
وتندب الجماعة للعراة، ويقف إمامهم وسطهم.
وإن أُعير ثوباً لزمه القبول، فإن لم يقبل وصلى عرياناً لم تصح صلاته، وإن وهبه لم يلزمه القبول. وسبق في التيمم مسائل، فيعود مثلها ههنا.

باب استقبال القبلة
وهو شرط لصحة الصلاة إلا في شدة الخوف ونفل السفر، فللمسافر التنفل راكباً وماشياً وإن قصُر سفره، فإن كان راكباً وأمكن استقباله وإتمام الركوع والسجود في مَحْمِل أو سفينة لزمه، وإن لم يمكنه لزمه الاستقبال عند التحرُّم فقط إن سَهُل، بأن كانت واقفة وأمكن انحرافه أو تحريفها، أو سائرة سهلة وزمامها بيده. وإن شق -بأن كانت عسرة أو مقطورة- فلا. ويومئ إلى مقصده بركوعه وسجوده، ويجب كونه أخفض، ولا يجب غاية وُسْعه، ولا وضع الجبهة على الدابة، فلو تكلفه جاز.
والماشي يركع ويسجد على الأرض ويمشي في الباقي، ويشترط الاستقبال في الإحرام والركوع والسجود فقط.
ويشترط دوام سفره

(1/43)


ولزوم جهة مقصده إلا إلى القبلة، فإن بلغ في أثنائها منزله أو مقصده -أو بلداً أو نوى الإقامة به- وجب إتمامها بركوع وسجود واستقبال، وعلى الأرض أو دابة واقفة.
ومن حضر الكعبة لزمه استقبال عينها، فلو استقبل الحِجْرَ أو خرج بعض بدنه عنها لم تصح، إلا أن يمتد صف بعيد في آخر المسجد الحرام -ولو قَرُبُوا لخرج بعضهم- فإنه يصح للكل.
ومن صلى داخل الكعبة واستقبل جدارها، أو بابها المردود، أو المفتوح وعتبته ثلثا ذراع تقريبا، صح، وإلا فلا.
وإن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل خِلْقيٌّ أو طارئ فله الاجتهاد، وإن وضع محرابه على العَيان صلى إليه أبداً، ومن غاب عنها فأخبره بها مقبول الرواية عن مشاهدة وجب قبوله، وكذا يجب اعتماد محراب ببلد أو قرية يكثر طارقها.
وكل مكان صلى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وضبط موقفه متعيِّنٌ، ولا يجتهد فيه لا بتيامن ولا بتياسر، ويجتهد بهما في غيره من المحاريب.
وإن لم يجد من يخبره عن مشاهدة اجتهد بالدلائل، فإن لم يعرفها أو كان أعمى قلد بصيراً، وإن تيقن الخطأ بعد الصلاة بالاجتهاد أعاد.
[سترة المصلي]:
ويندب للمصلي أن يكون بين يديه سترة ثلثا ذراع، أو يبسط مصلى، فإن

(1/44)


عجز خطَّ خطاً، على ثلاثة أذرع، فيحرم المرور حينئذ.
ويندب دفع المار بالأسهل، ويزيد قدر الحاجة، كالصائل، فإن مات فهدرٌ، فإن لم يكن سترةٌ أو تباعد عنها، كره المرور، وليس له الدفع.
ولو وجد في صف فرجة فله المرور ليسترها.

باب صفة الصلاة [سنن ما قبل الصلاة]:
يندب أن يقوم لها بعد فراغ الإقامة، ويندب الصف الأول، وتسوية الصفوف، وللإمام آكد، وإتمام الصف الأول فالأول، وجهة يمين الإمام أفضل.
[أركان الصلاة]:
[الركن الأول: النية]:
ثم ينوي بقلبه، فإن كان فريضة وجب نية فعل الصلاة، وكونها فرضاً، وتعيينها: ظهراً، أو عصراً، أو جمعة.
ويجب قرن ذلك بالتكبير، فيُحضره في ذهنه حتماً، ويتلفظ به ندباً، ويقصده مقارناً لأول التكبير ويستصحبه حتى يفرِغَه.
ولا يجب التعرض لعدد الركعات، ولا الإضافة إلى الله تعالى، ولا الأداء أو القضاء، بل يندب ذلك.
وإن كانت نافلة مؤقتة وجب التعيين: كعيد، وكسوف، وإحرام، وسنة الظهر، وغير ذلك. وإن كانت نافلة مطلقة أجزأه نية الصلاة.
ولو شك

(1/45)


بعد التكبير في النية أو في شرطها فيمسكك: فإن ذكرها قبل فعل ركن وقصُر الفصل لم تبطل، وإن طال أو بعد ركن قولي أو فعلي بطلت.
ولو قطع النية، أو عزم على قطعها، أو شك: هل قطعها، أو نوى في الركعة الأولى قَطْعَها في الثانية، أو علق الخروج بما يوجد في الصلاة يقيناً أو توهما -كدخول زيد- بطلت في الحال.
ولو أحرم بالظهر قبل الزوال عالماً لم تنعقد، أو جاهلاً انعقدت نفلاً.
[الركن الثاني: تكبيرة الإحرام]:
ولفظ التكبير مُتَعَيِّنٌ بالعربية، وهو: الله أكبر، أو: الله الأكبر.
ولو أسقط حرفاً منه، أو سكت بين كلمتيه، أو زاد بينهما واواً، أو بين الباء والراء ألفاً، لم تنعقد.
فإن عجز لخرس ونحوه وجب تحريك لسانه وشفتيه طاقته. فإن لم يعرف العربية كبَّر بأي لغة شاء، وعليه أن يتعلم إن أمكنه، فإن أهمل مع القدرة -وضاق الوقت- ترجم وأعاد الصلاة. وأقل التكبير والقراءة وسائر الأذكار أن يسمع نفسه -إذا كان صحيح السمع- بلا عارض، ويجهر الإمام بالتكبيرات كلها.
ويشترط أن يكبر قائماً في الفرض، فإن وقع منه حرف في غير القيام لم تنعقد فرضاً، وتنعقد نفلاً لجاهل التحريم دون عالمه.
ويندب رفع يديه حذو منكبيه -مفرقة الأصابع- مع التكبير، فإن تركه عمداً أو

(1/46)


سهواً أتى به في أثناء التكبير لا بعده، وتكون كفّاه إلى القبلة مكشوفتين، ويَحُطُّهما بعد التكبير إلى تحت صدره وفوق سرته، يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وينظر إلى موضع سجوده.
[دعاء الاستفتاح]:
ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، وهو: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ويندب ذلك لكل مصلٍّ: مفترض ومتنفل وقاعد وصبيٍّ وامرأة ومسافر، لا في جنازة.
ولو تركه عمداً أو سهواً وشرع في التَّعوُّذ لم يعد إليه.
ولو أحرم فأمَّن الإمام عقبه أمَّن معه، ثم استفتح. ولو أحرم فسلَّم الإمام قبل قعوده استفتح، وإن قعد فسلََّم فقام فلا.
ولو أدرك الإمام قائماً، وعلم إمكانه مع التعوذ والفاتحة أتى به، فإن شك لم يستفتح ولم يتعوذ، بل يَشْرعُ في الفاتحة، فإن ركع الإمام قبل أن يتمها ركع معه إن لم يكن استفتح ولا تعوذ، وإلا قرأ بقدر ما اشتغل به، فإن ركع ولم يقرأ بقدره بطلت صلاته، وإن قرأ حيث قلنا يركع فتخلَّف بلا عذر، فإن رفع الإمام قبل ركوعه فاتته ركعة.
[التعوذ]:
ويندب بعده: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتعوذ في كل ركعة، وفي الأولى آكد، سواء الإمام والمأموم والمنفرد، والمفترض والمتنفل حتى الجنازة، ويُسرُّ به في السرِّية والجهرية. [الركن الثالث: قراءة الفاتحة]:
ثم

(1/47)


يقرأ الفاتحة في كل ركعة، سواء الإمام والمأموم والمنفرد، والبسملة آية منها ومن كل سورة غير براءة.
ويجب ترتيبها وتواليها، فإن سكت فيها عمداً وطال، أو قصُر وقصد قَطْعَ القراءة، أو خللها بذكر أو قراءة من غيرها مما ليس من مصلحة الصلاة انقطعت قراءته، ويستأنفها. وإن كان من مصلحة الصلاة كتأمينه لتأمين إمامه، أو فَتْحِهِ عليه ذا غلط، أو سجوده لتلاوته ونحوها، أو سكت أو ذكر ناسياً لم تنقطع.
ولو ترك منها حرفاً، أو تشديدة، أو أبدل حرفاً بحرف، لم تصح.
وإذا قال: (وَلا الضَّالِّيِنَ) قال: آمين، سراً في السرية وجهراً في الجهرية، ويؤمِّن المأموم جهراً مقارناً لتأمين إمامه في الجهرية، ويؤمن ثانياً لفراغ فاتحته.
[مندوبات القراءة بعد الفاتحة]:
ثم يندب لإمامٍ ومنفرد في الركعة الأولى والثانية فقط -بعد الفاتحة- قراءة سورة كاملة.
ويندب لصبحٍ وظهرٍ طوال المفصَّل، وعصرٍ وعشاءٍ أوساطه، ومغربٍ قصاره، إن رضي بطواله وأوساطه مأمومون محصورون، وإلا خفف. ولصبح الجمعة: (الم. تَنْزِيلُ) و: (هَلْ أَتَى) ولسنة المغرب ولسنّة الصبح وركعتي الطواف والاستخارة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) والإخلاص.
ويندب

(1/48)


الترتيل والتدبر، وتكره السورة لمأموم يسمع قراءة الإمام، فإن كانت سرية أو جهرية ولم يسمع لبعد أو صمم ندبت له أيضاً، وكذا لو كان يسمع قراءة الإمام ولم يفهم على الأصح.
ويطوّل الأولى على الثانية. ولو فات المسبوق ركعتان، فتداركهما بعد السلام، ندبت السورة فيهما سراً.
ويجهر الإمام والمنفرد في: الصبح، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وخسوف القمر، والتراويح، والأوليين من المغرب والعشاء، ويسر في الباقي.
فإن قضى فائتة الليل والنهار ليلاً جهر، أو فائتة النهار والليل نهاراً أسر، إلا الصبح فإنه يجهر بقضائها مطلقاً. [العجز عن قراءة الفاتحة]:
ومن لا يحسن الفاتحة لزمه تعلمها، وإلا فقراءتها من مصحف، فإن عجز-لعدم ذلك، أو لم يجد معلماً، أو ضاق الوقت- حرُمت بالعجمية، فإن أحسن غيرها لزمه سبع آيات لا يَنْقُصُ حروفها عن حروف الفاتحة، فإن لم يحسن قرآناً لزمه سبعة أذكار بعدد حروفها، فإن أحسن بعض الفاتحة قرأه، وأتى بدله من قرآن أو ذكر، فإن حفظ الأول قرأه ثم أتى بالبدل، أو الآخر أتى بالبدل ثم قرأه، فإن لم يحسن شيئاً وقف بقدر الفاتحة، ولا إعادة عليه.
[الركن الرابع: القيام]:
والقيام ركن في المفروضة، وشرطه: أن يَنْصِبَ فقارَ

(1/49)


ظهره، فإن مال بحيث خرج عن القيام، أو انحنى وصار إلى الركوع أقرب، لم يجز، ولو تقوس ظهره -لكبر أو غيره- حتى صار كراكع، وقف كذلك، ثم زاد انحناءً للركوع إن قدر.
ويكره أن يقوم على رجل واحدة، وأن يَلْصِقَ قدميه، وأن يقدم إحداهما على الأخرى.
وتطويل القيام أفضل من تطويل السجود والركوع.
ويباح النفل قاعداً ومضطجعاً مع القدرة على القيام.
[الركن الخامس: الركوع]:
ثم يركع، وأقله: أن ينحني بحيث لو أراد وضع راحتيه على ركبتيه مع اعتدال الخِلقة لقدر.
وتجب الطمأنينة، وأقلها سكون بعد حركته، وأن لا يقصد بهُويّه غير الركوع.
وأكمل الركوع: أن يكبر رافعاً يديه، فيبتدئ الرفع مع التكبير، فإذا حاذى كفَّاه منكبيه انحنى، ويَمُدُّ تكبيرات الانتقالات، ويضع يديه على ركبتيه مفرقة الأصابع، ويَمُدُّ ظهره وعنقه، وينصب ساقيه، ويجافي مِرْفَقَيْه عن جنبيه، وتضم المرأة، ويقول: سبحان ربي العظيم، ثلاثاً، وهو أدنى الكمال، ويزيد المنفرد وكذا الإمام -إن رضي المأمومون وهم محصورون- خامسة وسابعة وتاسعة وحادي عشر، ثم يقول: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وما استقلت به

(1/50)


قدمي". [الركن السادس: الاعتدال]:
ثم يرفع رأسه، وأقله: أن يعود إلى ما كان عليه قبل الركوع، ويطمئن، ويجب أن لا يقصد غير الاعتدال، فلو رفع فزعاً من حية ونحوها لم يجزئه.
وأكمله: أن يرفع يديه حال ارتفاعه، قائلاً: "سمع الله لمن حمده"، سواء الإمام والمأموم والمنفرد. فإذا انتصب قائماً قال: "ربنا لك الحمد، مِلْءَ السماوات ومِلْءَ الأرض ومِلْءَ ما شئت من شيء بعد. ويزيد مَنْ قلنا يزيد في الركوع: "أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ".
[الركن السابع: السجود]:
ثم يسجد، وشروط إجزائه: أن يباشر مصلاه بجبهته أو بعضها مكشوفاً، ويطمئن، وأن ينال مصلاه ثِقَلَ رأسه، وأن تكون عجيزته أعلى من رأسه، وأن لا يسجد على متصل به يتحرك بحركته ككمّ وعمامة، وأن لا يقصد بهُوِيِّهِ غير السجود، وأن يضع جزءاً من ركبتيه وبطون أصابع رجليه وكفيه على الأرض.
ولو تعذر التنكيس لم يجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها، بل يخفض القدر الممكن.
ولو عصب جبهته لجراحة عمّتها وشق إزالتها سجد عليها بلا إعادة. هذا أقله.
وأكمله: أن يكبر، ويضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه دفعة، ويضع يديه حذو منكبيه منشورة الأصابع نحو القِبْلة، مضمومة مكشوفة، ويفرق ركبتيه

(1/51)


وقدميه قدر شبر، ويرفع الرجل بطنه عن فخذيه وذراعيه عن جنبيه، وتضم المرأة. ويقول: "سبحان ربي الأعلى وبحمده"، ثلاثاً، ويزيد مَنْ قلنا يزيد في الركوع تسبيحاً كما سبق في الركوع، ثم: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين". وإن دعا فحسن.
[الركن الثامن: الجلوس بين السجدتين]:
ثم يرفع رأسه، ويجب الجلوس مطمئناً، وأن لا يقصد برفعه غيره. وأكمله: أن يكبر ويجلس مفترشاً: يفرش يسراه ويجلس عليها، وينصب يمناه، ويضع يديه على فخذيه بقرب ركبتيه، منشورة، مضمومة الأصابع، ويقول: "اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واجبرني، واهدني، وارزقني".
والإقعاء ضربان:
أحدهما: أن يضع أليتيه على عقبيه، وركبتيه وأطراف أصابعه بالأرض، وهو مندوب بين السجدتين، لكن الافتراش أفضل.
والثاني: أن يضع أليتيه ويديه بالأرض، وينصب ساقيه. وهذا مكروه في كل صلاة.
ثم يسجد سجدة أخرى مثل الأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً.
ويسن أن يجلس مفترشاً جلسة لطيفة للاستراحة عقب كل ركعة لا يعقبها تشهد، ثم ينهض معتمداً على يديه، ويَمُد التكبير إلى أن يقوم، وإن تركها الإمام جلسها المأموم،

(1/52)


ولا تشرع لرفع من سجود التلاوة.
ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى، إلا في النية والإحرام والاستفتاح.
فإن زادت صلاته على ركعتين جلس بعدهما مفترشاً، وتشهد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وحده دون آله، ثم يقوم مكبراً معتمداً على يديه، فإذا قام رفعهما حذو منكبيه.
ويصلي ما بقي كالثانية إلا في الجهر والسورة.
[الركن التاسع والعاشر: التشهد الأخير والجلوس فيه]:
ويجلس في آخر صلاته للتشهد متوركاً: يفرش يسراه، وينصب يمناه، ويخرجها من تحته، ويفضي بوركه إلى الأرض. وكيف قعد هنا وفيما تقدم جاز.
وهيئة الافتراش والتورك سنة. ويفترش المسبوق في آخر صلاة الإمام، ويتورك آخر صلاة نفسه، وكذا يفترش هنا من عليه سجود سهو، وإذا سجد تورك وسلم.
ويضع في التشهدين يسراه على فخذه عند طرف ركبته، مبسوطة مضمومة، ويقبض يمناه ويُرْسل المسبحة ويضع إبهامه عل حرفها، ويرفع المسبحة مشيراً بها عند قوله: إلا الله، ولا يحركه عند رفعها. وأقل التشهد: "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
وأكمل التشهد: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي

(1/53)


ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله".
وألفاظ التشهد متعينة، ويشترط ترتيبها، فإن لم يحسنه وجب التعلم، فإن عجز ترجم.
[الركن الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير]:
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأقله: "اللهم صل على محمد".
وأكمله: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد".
ويندب بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بما يجوز من أمر الدين والدنيا، ومن أفضله: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".
ويندب أن يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
[الركن الثاني عشر: السلام]:
ثم يسلم، وأقله: "السلام عليكم". ويشترط وقوعه في حال القعود.
وأكمله: "السلام عليكم ورحمة الله"، ملتفتاً عن يمينه حتى يُرى خده الأيمن، ينوي به الخروج من الصلاة، والسلام على من عن يمينه من ملائكة ومسلمي إنس وجن. ثم أخرى عن يساره كذلك حتى يرى خده الأيسر، ينوي بها السلام

(1/54)


على من عن يساره منهم. والمأموم: ينوي الرد على الإمام بالأولى إن كان عن يساره، وبالثانية إن كان عن يمينه، ويتخير إن كان خلفه.
[ما يطلب بعد السلام]:
ويندب أن لا يقوم المسبوق إلا بعد تسليمتي إمامه، فإن قام المسبوق بعد التسليمة الأولى جاز، أو قبلها بطلت صلاته إن لم ينو المفارقة. ولو مكث المسبوق بعد سلام إمامه وأطال: جاز إن كان موضع تشهده، لكن يكره، وإلا بطلت إن تعمد.
ولغير المسبوق بعد سلام الإمام إطالة الجلوس للدعاء، ثم يسلم متى شاء.
ولو اقتصر الإمام على تسليمة سلَّم المأموم ثنتين.
ويندب ذكر الله تعالى والدعاء سراً عقيب الصلاة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره.
ويلتفت الإمام للذكر والدعاء: فيجعل يمينه إليهم، ويساره إلى القبلة.
ويفارق الإمام مصلاه عقيب فراغه إن لم يكن ثَمَّ نساء، ويمكث المأموم حتى يقوم الإمام.
ومن أراد نفلاً بعد فرضه نُدِبَ الفصل بكلام أو انتقال، وهو أفضل، وفي بيته أفضل.
[دعاء القنوت]:
فإن كان في الصبح فالسنة أن يقنُت في اعتدال الركعة الثانية، فيقول: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني

(1/55)


شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك".
ولو زاد: "ولا يعز من عاديت" فحسن.
فإن كان إماماً أتى بلفظ الجمع: اللهم اهدنا ... إلى آخره.
ولا تتعين هذه الكلمات، فيحصل بكل دعاء وثناء، وبآية فيها دعاء كآخر البقرة، ولكن هذه الكلمات أفضل.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويندب رفع يديه دون مسح وجهه أو صدره، ويجهر به الإمام: فيؤمن مأموم يسمعه للدعاء، ويشارك في الثناء، وإن لم يسمعه قنت، والمنفرد يسرُّ به.
وإن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا في جميع الصلوات.

باب مفسدات الصلاة ومكروهاتها وشروطها وأركانها
[مفسدات الصلاة]:
[1 - الكلام]:
متى نطق بلا عذر بحرفين، أو بحرف مفهم -مثل: (قِ) من الوقاية، و (لِ) من الولاية- بطلت صلاته.
والضحك، والبكاء، والأنين، والتنحنح، والنفخ، والتأوه، ونحوها، يبطل الصلاة إن بان حرفان، فإن كان عذرٌ -بأن سبق لسانه، أو غلبه ضحكٌ أو سعالٌ، أو تكلم ناسياً، أو جاهلاً تحريمه لقرب عهده بالإسلام- وكثر عرفاً أبطل، وإن قلَّ فلا.
ولو علم التحريم وجهل كونه مبطلاً، أو قال من خوف النار: آه، بطلت.
ولو تعذرت الفاتحة إلا بالتنحنح تنحنح لها وإن بان

(1/56)


حرفان، وإن تعذر الجهر بها إلا به تركه وأسرّ بها، ولا يتنحنح له.
ولو رأى أعمى يقع في بئر ونحوه وجب إنذاره بالنطق إن لم يمكن بغيره، وتبطل صلاته.
ولا تبطل الصلاة بالذِّكْر، وتبطل بالدعاء خطاباً: كرحمك الله، وعليك السلام، لا غيبة: كرحم الله زيداً.
ولو نابه شيء في الصلاة سبح الرجل، وصفقت المرأة ببطن اليمنى على ظهر اليسرى، لا بطناً ببطن.
ولو تكلم بنظم القرآن كـ (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ) وقصد إعلامه فقط أو أطلق بطلت، أو تلاوة فقط أو تلاوة وإعلاماً فلا.
[2 - بوصول عين إلى الجوف]:
وتبطل الصلاة بوصول عين -وإن قلَّت- إلى جوفه عمداً، وكذا سهواً أو جهلاً بالتحريم إن كثرت عرفاً، لا إن قلَّت.
[3 - الحركة]:
[أ- الحركة من جنس الصلاة]:
وتبطل الصلاة بزيادة ركن فعلي -كركوع- عمداً، لا سهواً، ولا بقوليٍّ عمداً: كتكرار الفاتحة، أو التشهد أو قراءتهما في غير محلهما.
[ب- الحركة من غير جنس الصلاة]: وتبطل الصلاة بزيادة فعل -ولو سهواً- من غير جنس الصلاة إن كثر متوالياً، كثلاث خطوات أو ضربات متواليات. لا إنْ قلَّ، كخطوتين، أو كثُر وتفرق بحيث يعد الثاني منقطعاً عن الأول، فإن فحُش -كوثبة- بطلت.
ولا تضره حركات خفيفة، كحك بأصابعه، وكإدارة سبحة في يده، ولا سكوتٌ طويلٌ، وإشارة مفهمة من أخرس.
[مكروهات الصلاة]:
وتكره وهو يدافع الأخبثين، وبحضرة طعام أو

(1/57)


شراب يتوق إليه، إلا إن خشي خروج الوقت.
ويكره تشبيك الأصابع، والالتفات لغير حاجة، ورفع بصره إلى السماء، والنظر إلى ما يلهيه، وكف ثوبه وشعره ووضعه تحت عمامته، ومسح الغبار عن جبهته، والتثاؤب، فإن غلبه وضع يده على فمه، والمبالغة في خفض الرأس في الركوع، ووضع يده على خاصرته، والبصاق قِبَلَ وجهه ويمينه، بل عن يساره في ثوبه أو تحت قدمه.
وللصلاة شروط وأركان وأبعاض وسنن:
فشروطها ثمانية:
1 - طهارة الحدث والنجس.
2 - وستر العورة.
3 - واستقبال القبلة.
واجتناب المناهي، وهي:
4 - 5 - 6 - الكلام، والأكل، والفعل الكثير.
7 - ومعرفة دخول الوقت ولو ظنّاً.
8 - والعلم بفرضية الصلاة وبكيفيتها.
فمتى أخلَّ بشرط منها بطلت الصلاة، مثل:
أن يسبقه الحدث فيها ولو سهواً، أو تصيبه نجاسة رطبة ولم يُلْقِ الثوب، أو يابسةٌ فيلقيَها بيده أو كمه، أو تكشف الريح عورته وتبعد السترة، أو يعتقد بعض أفعالها فرضاً وبعضها سنة ولم يميزهما، فلو اعتقد أن جميعها فرض، أو بادر بإلقاء الثوب النجس وبنفض اليابسة، وستر العورة، لم تبطل.
وأركانها سبعة عشر:
1 - النية.
2 - وتكبيرة الإحرام.
3 - والقيام.

(1/58)


4 - والفاتحة والبسملة آية منها.
5 - 6 - والركوع والطمأنينة.
7 - 8 - والاعتدال والطمأنينة.
9 - 10 - والسجود والطمأنينة.
11 - 12 - والجلوس بين السجدتين والطمأنينة.
13 - 14 - والتشهد الأخير وجلوسه.
15 - والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
16 - والتسليمة الأولى.
17 - والترتيب هكذا.
وأبعاضها ستة:
1 - 2 - التشهد الأول وجلوسه.
3 - 4 - والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وآله في الأخير.
5 - 6 - والقنوت وقيامه.
وما عدا ذلك سننٌ.

باب صلاة التطوع
أفضل عبادات البدن الصلاة، ونفلها أفضل النفل. وما شرع له الجماعة -وهو: العيدان والكسوفان والاستسقاء- أفضل مما لا يشرع له الجماعة، وهو ما سوى ذلك، لكن الرواتب مع الفرائض أفضل من التراويح. والسنة أن يواظب على رواتب الفرائض، وأكملها: ركعتان قبل الصبح، وأربعٌ قبل الظهر وأربعٌ بعدها، وأربعٌ قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
والمؤكد من ذلك عشر ركعات: ركعتان قبل الصبح والظهر وبعدها، وبعد المغرب والعشاء.
ويندب ركعتان قبل المغرب، والجمعة كالظهر.

(1/59)


وما قبل الفريضة وقته وقت الفريضة، وتقديمه عليها أدب، وهو بعدها أداء، وما بعدها يدخل وقته بفعلها ويخرج بخروج وقتها.
[الوتر]:
وأقل الوتر: ركعة، وأكمله: إحدى عشرة، ويسلم من كل ركعتين.
وأدنى الكمال: ثلاث بسلامين، يقرأ في الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى). وفي الثانية: (قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ). وفي الثالثة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين.
وله وصل الثلاث والإحدى عشرة بتسليمة، ويجوز بتشهد وبتشهدين في الأخيرة والتي قبلها، وبتشهدين أفضل، فإن زاد على تشهدين بطلت صلاته.
والأفضل تقديمه عقيب سنة العشاء، إلا أن يكون له تَهَجُّدٌ فالأفضل تأخيره ليوتر بعده. ولو أوتر ثم أراد تهجداً صلى مثنى مثنى ولا يعيده، ولا يحتاج إلى نقضه بركعة قبل التهجد. ويندب أن لا يَتَعَمَّد بعده صلاة.
[التراويح أو قيام رمضان]:
ويندب التراويح، وهي: كلَّ ليلة من رمضان عشرون ركعة في الجماعة، ويسلم من كل ركعتين، فلو صلى أربعاً بتسليمة لم يصح.
ويوتر بعدها جماعة، إلا لمن يتهجد فيؤخره، ويقنت في الأخيرة في النصف الأخير بقنوت الصبح، ثم يزيد: اللهم إنا نستعينك ... إلى آخره.
ووقت الوتر والتراويح ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
[الضحى]:
ويُندَب أن يصليَ الضُّحَى، وأقلها:

(1/60)


ركعتان، وأكملها: ثمان، وأكثرها: اثنتا عشْرة، ويسلم من كل ركعتين، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال. [قضاء النوافل]:
وكل نفل مؤقت -كالعيد والضحى والوتر ورواتب الفرائض- إذا فات ندب قضاؤه أبداً، وإن فعل لعارض -كالكسوف والاستسقاء والتحية والاستخارة- لم يقض.
[قيام الليل والتهجد]:
والنفل في الليل متأكدٌ وإن قلَّ، والنفل المطلق في الليل أفضل من المطلق في النهار، وأفضله السدس الرابع والخامس إن قسمه أسداساً، فإن قسمه نصفين فأفضله الأخير، أو أثلاثاً فالأوسط.
ويكره قيام كل الليل دائماً.
ويندب افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين، وينوي التهجد عند نومه، ولا يعتاد منه إلا ما يمكنه الدوام عليه بلا ضرر.
ويسلم من كل ركعتين، فإن جمع ركعات بتسليمة -أو تَطَوَّع بركعة- جاز. وله التشهد في كل ركعتين أو ثلاث أو أربع وإن كثرت التشهدات، وله أن يقتصر على تشهد واحد في الأخيرة، ولا يجوز في كل ركعة.
وإذا نوى عدداً فله الزيادة والنقص، بشرط أن يغير النية قبلهما، فلو نوى أربعاً فسلَّم من ركعتين بنية النقص جاز، أو بلا نِيَّة عمداً بطلت، أو سهواً: أتم أربعاً وسجد للسهو.
[تحية المسجد]:

(1/61)


ويندب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحيته كلما دخل، وإن كثر دخوله في ساعة، وتفوت بالقعود.
ولو نوى ركعتين مطلقاً، أو منذورةً أو راتبةً أو فريضةً فقط أو الفرض والتحية حصلا.
[نوافل مكروهة]:
وإذا دخل الإمام في المكتوبة أو شرع المؤذن في الإقامة كره افتتاح كل نفل: التحية والرواتب وغيرهما.
والنفل في بيته أفضل من المسجد.
ويكره تخصيص ليلة الجمعة بصلاة. وصلاة الرغائب في رجب وصلاة نصف شعبان بدعتان مكروهتان.

باب سجود السهو
أسباب سجود السهو اثنان: ترك مأمور به، وارتكاب منهيٍّ عنه.
[أ- ترك مأمور به]:
فإن ترك ركناً واشتغل بما بعده، ثم ذكر، تداركه وأتى بما بعده، وسجد للسهو.
ولو ترك بعضاً -ولو عمداً- سجد، ولو ترك غيرهما لم يسجد.
[ب- ارتكاب منهي عنه]:
وإن ارتكب منهيّاً: فإن لم يُبْطِلْ عَمْدُهُ الصلاة لم يسجد، وإن أبطل سجد لسهوه إن لم يبطل سهوه أيضاً.
ويستثنى مما لا يبطل عمده ما إذا

(1/62)


قرأ الفاتحة أو التشهد أو بعضهما في غير موضعه؛ فإنه يسجد لسهوه، ولا يُبْطِل عمده.
والاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين ركنان قصيران، تبطل الصلاة بإطالتهما عمداً، فإن طوَّلهما سهواً سجد.
ولو نسي التشهد الأول، فذكره بعد انتصابه، حرُم العود إليه، فإن عاد عمداً بطلت، أو سهواً أو جاهلاً سجد، ويلزمه القيام إذا ذكره.
وإن عاد قبله لم يسجد إن لم يكن إلى القيام أقرب، وإلا فيسجد.
ولو نهض عامداً، ثم عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب بطلت، وإلا فلا.
والقنوت كالتشهد، ووضع الجبهة بالأرض كالانتصاب.
ولو نهض الإمام لم يجز للمأموم القعود له إلا أن ينوي مفارقته، فلو انتصب مع الإمام فعاد الإمام إليه حرمت موافقته، بل يفارقه أو ينتظره قائماً، فإن وافقه عمداً بطلت.
ولو قعد الإمام وقام المأموم سهواً لزمه العود لموافقة إمامه.
ولو شك: هل سها، أو هل زاد ركناً، أو: هل ارتكب منهياً، لم يسجد.
أو: هل ترك بعضاً معيناً، أو: هل سجد للسهو، أو: هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، بنى على أنه لم يفعله، ويسجد. لكن إن

(1/63)


زال شكه قبل السلام يسجد أيضاً لما صلاه متردداً واحْتُمِل أنه زائد، وإن وجب فعله على كل حال لم يسجد.
مثال ذلك: شك في الثالثة: أهي ثالثةٌ أم رابعةٌ؟ فتذكر فيها، لم يسجد، أو بعد قيامه للرابعة سجد.
وسجود السهو وإن تعددت أسبابه سجدتان.
ولو سجد المسبوق مع إمامه أعاده في آخر صلاته.
وإن سها خلف الإمام لم يسجد، فإن سها قبل الاقتداء به أو بعد سلام الإمام سجد، ولو سها الإمام -ولو قبل الاقتداء به- وجب متابعته في السجود، فإن لم يتابع بطلت صلاته، فإن ترك الإمام سجد المأموم.
ولو نسي المسبوق فسلّم مع الإمام، ثم ذكر، تدارك، وسجد للسهو.
وسجود السهو سنة، ومحله قبل السلام: سواء سها بزيادة أو نقص، فإن سلَّم قبله عمداً مطلقاً -أو سهواً وطال الفصل- فات، وإن قصُر وأراد السجود سجد، وكان عائداً إلى الصلاة، فيعيد السلام.
فصل [في سجود التلاوة والشكر]
سجود التلاوة سنةٌ للقارئ والمستمع والسامع.
ويسجد المصلي المنفرد والإمام لقراءة نفسه، فإن سجدا لقراءة غيرهما بطلت صلاتهما.
ويسجد المأموم

(1/64)


لقراءة إمامه معه، فلو سجد لقراءة نفسه أو غير إمامه أو دونه أو تخلف عنه بطلت.
وهو أربعَ عشْرة سجدة، منها ثنتان في الحج.
وليس منها سجدة (ص) بل هي سجدة شكر تفعل خارج الصلاة، ويُبْطِلُ تعمدها الصلاة.
وإذا سجد في الصلاة كبَّر للسجود والرفع ندباً، ويجب أن ينتصب قائماً، ويندب أن يقرأ شيئاً ثم يركع. وفي غير الصلاة تجب تكبيرة الإحرام والسلام، وتندب تكبيرة السجود والرفع، لا التشهد وإن أخَّر السجود وقَصُرَ الفصل سجد، وإلا لم يقض.
ولو كرر آية في مجلس أو ركعة ولم يسجد للأولى كفته سجدة. ويندب لمن قرأ في الصلاة وغيرها آية رحمة: أن يسأل الله الرحمة، أو آية عذاب: أن يتعوذ منه. ولمن تجدد له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة -ومنه رؤية مبتلىً بمعصية أو مرض- أن يسجد شكراً لله تعالى، ويخفيها، إلا لفاسق فيظهرها ليرتدع، إن لم يخف ضرراً.
وهي كسجدة التلاوة خارج الصلاة، وتبطل بفعلها الصلاة.
ولو خضع فتقرب لله بسجدة منفردة بلا سبب حَرُمَ.
وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل في القبلة والطهارة والستارة.

(1/65)


باب صلاةِ الجماعةِ
هي فرضُ كفايةٍ في حقِّ الرجالِ المقيمينَ، في المكتوباتِ الخمس المؤدياتِ، بحيثُ يظهرُ الشِّعَارُ، وتُسنُّ للنساء، وللمسافرينَ، وللمقضيةِ خلفَ مثلها، لا خلفَ مؤداةٍ ومقضيةٍ غيرها، وهي في الجُمعةِ فرضُ عينٍ.
وآكدُ الجماعاتِ الصبحُ ثمَّ العِشاءُ ثمَّ العصْرُ.
وأقلُّ الجماعة إمامٌ ومأمومٌ، وهيَ للرجالِ في المساجدِ أفضلُ، وأكثرُها جماعةً أفضلُ، فإنْ كانَ بجوارِهِ مسجدٌ قليلُ الجمعِ فالبعيدُ الكثيرُ الجمعِ أولى، إلا أنْ يكونَ إمامُهُ مبتدعاً، أوْ فاسقاً، أوْ لا يعتقد بعض الأركانِ، أوْ يتعطلَ بذهابهِ إلى البعيدِ جماعةُ مسجدِ الجوارِ فمسجدُ الجوارِ أولى، والنساءُ في بيوتهنَّ أفضلُ، ويُكرهُ حضورُ المسجدِ لمشتهاةٍ أوْ شابَّةٍ، لا غيرِهِما عندَ أمنِ الفتنةِ.
[أعذارُ الجماعةِ]:
وتسقطُ الجماعةُ بالعذْرِ، كمطرٍ أوْ ثلجٍ يَبُلُّ الثوبَ، أوْ وَحَلٍ، أوْ ريحٍ بالليلِ، أو حرٍّ أوْ بردٍ شديدينِ، أوْ حضورِ طعامٍ أوْ شرابٍ يتوقُ إليهِ، أوْ مدافعةِ حدَثٍ، أوْ خوفٍ على نفسٍ أوْ مالٍ، أوْ مرضٍ، أوْ تمريضِ منْ يخافُ ضياعَه، أوْ كانَ يأنسُ بهِ، أوْ

(1/66)


حضورِ موتِ قريبٍ أوْ صديقٍ، أوْ فوتِ رفقةٍ ترحلُ، أوْ أكلِ ذي رائحةٍ كريهةٍ، أو ملازمةِ غريمهِ وهو معسرٌ.
وشروط الجماعة:
[1 - نيةُ القدوةِ والإمامةِ]: أنْ ينويَ المأمومُ الاقتداءَ، فإنْ أهملَهُ انعقدتْ فرادى، فإنْ تابعَ بلا نيةٍ بطلتْ صلاتُهُ إن انتظرَ أفعالَهُ انتظاراً طويلاً، فإنْ قلَّ، أوْ اتفقَ فلا، ولوِ اقتدى بمأمومٍ حالَ اقتدائهِ بطلتْ صلاتهُ.
ولينو الإمامُ الإمامةَ، فإنْ أهملَهُ انعقدتْ فرادى، وصحَّ الاقتداءُ بهِ، وفاتَ الإمامَ ثوابُ الجماعةِ، ويشترطُ نيةُ الإمامةِ في الجمعةِ.
ويندبُ لقاصدِ الجماعةِ المشيُ بسكينةٍ، ويحافظُ على إدراكِ فضيلةِ تكبيرةِ الإحرامِ، وتحصُلُ بأنْ يشتغلَ بالتحرُّمِ عقبَ تحرُّمِ الإمامِ، ولوْ دخلَ في نفلٍ فأقيمت الجماعةُ أتمَّهُ إنْ لمْ يخشَ فواتَ الجماعةِ، وإلا قطعَهُ، ولوْ دخلَ في الفرضِ منفرداً فأقيمتِ الجماعةُ نُدبَ قلبُهُ نفلاً ركعتينِ ثمَّ يقتدي، فإنْ لمْ يفعلْ ونوى الاقتداءَ في أثناءِ الصلاةِ صحَّ وكُرِهَ، ولزمَهُ المتابعةُ، فإنْ تمتْ صلاةُ المقتدي أولاً انتظرَ في التشهد أوْ سلَّمَ، ولوْ أحرمَ معَ الإمامِ ثمَّ أخرجَ نفسهُ منَ الجماعةِ وأتمَّ منفرداً جازَ، لكنْ يُكرهُ بلا عُذرٍ.
[صلاة المسبوق]:
ولوْ وجدَ الإمامَ راكعاً، أحرمَ منتصباً ثمَّ كبَّرَ للركوعِ، فإنْ وقعَ بعضُ تكبيرةِ الإحرامِ في غيرِ القيامِ لمْ تنعقدْ، فإنْ وصلَ

(1/67)


إلى حدِّ الركوعِ المجزئ، واطمأنَّ قبلَ رفعِ الإمام ِعنْ حدِّ الركوعِ المجزئ حصلتْ لهُ الركعةُ، فإنْ شكَّ هلْ رفعَ الإمامُ عنِ الحدِّ المجزئ قبلَ وصولهِ إلى الحدِّ المجزئ، أوْ بعدَهُ، أوْ كانَ الركوعُ غيرَ محسوبٍ للإمامِ، كمحدثٍ، وكذا من بهِ نجاسةٌ خفيّةٌ، أو ركوعَ خامسةٍ، لمْ يدركْ.
ومتى أدركَ الاعتدالَ فما بعدَهُ انتقلَ معَهُ مكبِّراً، ويسبحُ ويتشهدُ معهُ في غير موضعهِ، ولوْ أدركهُ ساجداً أوْ متشهداً سجدَ أوْ جلسَ بلا تكبيرٍ، ولوْ سلمَ الإمامُ وهوَ موضعُ جلوسِ المسبوقِ قامَ مكبراً، فإنْ لمْ يكنْ موضعَهُ فلا تكبيرَ.
وإنْ أدركَ الإمامَ قبلَ أنْ يسلمَ أدركَ فضيلةَ الجماعةِ، وما أدركَهُ فهوَ أولُ صلاتهِ، وما يأتي بهِ بعدَ سلامِ الإمامِ فهوَ آخرُ صلاتهِ فيعيدُ فيِ القنوتَ.
[2 - الثاني من شروط الجماعة: متابعة الإمام]:
ويجبُ متابعةُ الإمامِ في الأفعالِ، وليكن ابتداءُ فعلهِ متأخراً عن ابتدائهِ، ومتقدِّماً على فراغهِ، ويتابعُهُ في الأقوالِ أيضاً، إلا التأمينَ فيقارنهُ فيهِ، ولوْ قارنَهُ في تكبيرةِ الإحرامِ، أوْ شكَّ هلْ قارنَهُ لمْ تنعقدْ، أوْ في غيرهِ كُرِهَ وفاتتْهُ فضيلةُ الجماعةِ. وإنْ سبقهُ إلى ركنٍ، بأنْ ركعَ قبلهُ كُرهَ، وندبَ العَودُ إلى متابعتهِ، وإنْ سبقهُ بركنٍ، بأن ركعَ

(1/68)


ورفعَ ثمَّ مكثَ حتى رفعَ الإمامُ حرُمَ ولمْ تبطلْ، أوْ بركنينِ عمداً بطلتْ صلاتهُ، أوْ سهواً فلا، ولا يُعتدُّ بهذهِ الركعةِ.
وإنْ تخلفَ بركنٍ بلا عذرٍ كُرهَ، أوْ بركنينِ بطلتْ، فإنْ ركعَ واعتدلَ والمأمومُ بعدُ قائمٌ لمْ تبطلْ، فإنْ هوى ليسجدَ وهوَ بعدُ قائمٌ بطلتْ وإنْ لمْ يبلغ السجودَ، لأنهُ كمَّلَ الركنينِ، وإنْ تخلفَ بعذرٍ -كبطءِ قراءتهِ لعجزٍ لا لوسوسةٍ- حتى ركعَ الإمامُ لزمَهُ إتمامُ الفاتحةِ، ويسعى خلفَهُ ما لمْ يسبقْهُ بأكثرَ منْ ثلاثةِ أركانٍ، فإنْ زادَ وافقَهُ فيما هوَ فيهِ ثمَّ يتداركُ ما فاتهُ بعدَ سلامهِ.
وإذا أحسَّ الإمامُ بداخلٍ وهوَ راكعٌ أوْ في التشهدِ الأخيرِ، نُدبَ انتظارُهُ بشرطِ أنْ يكونَ قدْ دخلَ المسجدَ، وأنْ لا يَفحُشَ الطولُ، وأنْ يقصدَ الطاعةَ لا تمييزَهُ وإكرامَهُ، بأنْ ينتظرَ الشريفَ دونَ الحقيرِ، ويُكرهُ في غيرِ الركوعِ والتشهدِ.
ولوْ كان لمسجدٍ إمامٌ راتبٌ ولمْ يكنْ مطروقاً، كُرهَ لغيرهِ إقامةُ الجماعةِ فيهِ بغيرِ إذنهِ، وإنْ كانَ مطروقاً أوْ لا إمامَ لهُ لمْ يكرهْ.
ومنْ صلى منفرداً أوْ في جماعةٍ ثمَّ وجدَ جماعةً تصلي، نُدبَ أنْ يعيدَ معهمْ بنيةِ الفريضةِ، وتقعُ نفلاً.
ويندبُ للإمامِ التخفيفُ، فإن علمَ رِضَى محصورينَ بالتطويلِ ندبَ حينئذٍ. ويندبُ تلقينُ إمامهِ إنْ وقفتْ قراءتُهُ، وإنْ نسيَ ذِكْراً جهرَ بهِ المأمومُ ليسمعَهُ، أوْ فعلاً سبَّحَ، فإنْ تذكرَهُ الإمامُ عملَ بهِ، وإنْ لمْ

(1/69)


يتذكرْهُ لمْ يجز العملُ بقولِ المأمومينَ ولا غيرهمْ وإنْ كثرُوا.
وإنْ تركَ فرضاً وجبَ فراقُهُ، أوْ سنةً لا تفعلُ إلا بتخلفٍ فاحش -كتشهدٍ- حرُمَ فعلُها، فإنْ فعلَها بطلتْ صلاتُهُ، ولهُ فراقُهُ ليفعلها، فإنْ أمكنتْ قريباً -كجَلْسَةِ الاستراحةِ- فعَلها.
[الاستخلاف]:
ومتى قطعَ الإمامُ صلاتَهُ بحدَثٍ أوْ غيرهِ فلهُ استخلافُ من يتمُّهَا، بشرطِ صلاحيتهِ لإمامةِ هذهِ الصلاةِ، فإنْ فعلوا ركناً قبلَ الاستخلافِ امتنعَ الاستخلافُ، فإنْ كانَ الخليفةُ مأموماً جازَ استخلافُهُ مطلقاً، ويراعي المسبوقُ نظمَ الإمامِ، فإذا فَرَغَ منهُ قامَ وأشارَ ليفارقوهُ، أوْ ينتظروهُ وهوَ أفضلُ، وإنْ جهلَ نظمَ الإمامِ راقبهمْ، فإنْ هَمُّوا بالقيامِ قامَ وإلا قعدَ.
وإنْ كان الخليفةُ غيرَ مأمومٍ جازَ في الأولى وفي الثالثةِ مِنَ الرباعيةِ، لا في الثانيةِ والرابعةِ، ولا تجبُ نيةُ الاقتداء بالخليفةِ، بلْ لهمْ أنْ يُتمُّوا فرادى، ولوْ قدَّمَ الإمامُ واحداً والقومُ آخرَ فمقدمُهُمْ أولى.
فصل [في الإمامة]:
أولى الناسِ بالإمامةِ الأفقهُ، ثمَّ الأقرأُ، ثمَّ الأورعُ، ثمَّ الأقدمُ هجرةً وولدُهُ، ثمَّ الأسنُّ في الإسلامِ، ثمَّ النسيبُ، ثمَّ الأحسنُ سيرةً، ثمَّ الأحسنُ ذِكْراً، ثمَّ الأنظفُ بدناً وثوباً، ثمَّ الأحسنُ صوتاً، ثمَّ الأحسنُ صورةً، فمتى

(1/70)


وُجدَ واحدٌ منْ هؤلاءِ قُدِّمَ، وإن اجتمعوا أوْ بعضُهم رُتِّبوا هكذا، فإن استويا وتشاحّا أُقرعَ.
وإمامُ المسجدِ وساكنُ البيتِ ولوْ بإجارةٍ مقدَّمانِ على الأفقهِ وما بعدَهُ، ولهما تقديمُ منْ أرادا. والسلطانُ الأعظم، والأعلى فالأعلى منَ القضاةِ والولاةِ، يُقدَّمونَ على الساكنِ وإمامِ المسجدِ وغيرهما.
ويُقدَّمُ حاضرٌ وحرٌّ وعدلٌ وبالغٌ على مسافرٍ وعبدٍ وفاسقٍ وصبيٍّ، وإنْ كانوا أفقهَ. والبصيرُ والأعمى سواءٌ.
ويكرهُ أنْ يؤمَّ قوماً يكرهُهُ أكثرهم بسببٍ شرعيٍّ.
ولا يجوزُ الاقتداءُ بكافرٍ ولا مجنونٍ ولا ذي نجاسةٍ ظاهرةٍ، ولا رجلٌ وخنثى بامرأةٍ، ولا من يحفظُ الفاتحة بمنْ يخلُّ بحرفٍ منها، أوْ بأخرسَ أوْ أرتَّ أوْ ألثغَ، فإنْ ظهرَ بعدَ الصلاةِ أنَّ إمامهُ واحدٌ منْ هؤلاءِ لزمَهُ الإعادةُ، إلا إذا كانَ عليهِ نجاسةٌ خفيةٌ، أو كانَ محدثاً في غيرِ الجمعةِ، أوْ فيها وهوَ زائدٌ على الأربعينَ، فإنْ كملتْ بهِ الأربعونَ وجبتِ الإعادةُ.
ويصحُّ فرضٌ خلفَ نفلٍ، وصبحٌ خلفَ ظهرٍ، وقائمٌ خلفَ قاعدٍ، وأداءٌ خلفَ قضاءٍ، وبالعكسِ. ولوِ اقتدى بغيرِ شافعيٍّ صحَّ إنْ لمْ يتيقنْ أنهُ أخلَّ بواجبٍ، وإلا فلا، والاعتبارُ باعتقادِ المأمومِ، وتكرهُ وراءَ فاسقٍ، وفأفاءٍ، وتمتامٍ، ولاحنٍ. فصل [شروطُ القدوةِ وآدابُها]:
السنةُ أنْ يقفَ الذكرانِ فصاعداً خلفَ

(1/71)


الإمامِ، والذكرُ الواحدُ عن يمينهِ، فإنْ جاءَ آخرُ أحرمَ عنْ يسارهِ، ثمَّ يتأخرانِ إنْ أمكنَ، وإلا تقدمَ الإمامُ.
وإنْ حضرَ رجالٌ وصبيانٌ ونساءٌ، تقدمَ الرجالُ، ثمَّ الصبيانُ، ثمَّ النساءُ، وتقفُ إمامةُ النساءِ وسْطهنَّ.
ويكرهُ أنْ يرتفعَ موقفُ الإمامِ على المأمومِ وعكسُهُ، إلا أنْ يريدَ الإمامُ تعليمَهم أفعالَ الصلاةِ، أوْ يكونَ المأمومُ مبلِّغاً عن الإمامِ فيندبُ، لكنْ إنْ كانا في غيرِ مسجدٍ وجبَ أنْ يحاذيَ الأسفلُ الأعلى ببعضِ بدنهِ، بشرطِ اعتدالِ الخلقةِ.
ومنْ لمْ يجدْ في الصفِّ فُرْجةً أحرمَ، ثمَّ يَجْذِبُ لنفسهِ واحداً منَ الصفِّ ليقفَ معهُ، ويندبُ لذلكَ مساعدتُهُ. ولوْ تقدَّمَ عَقِبُ المأمومِ على عقبِ الإمامِ لمْ تصحَّ صلاتُهُ.
ومتى اجتمعَ المأمومُ والإمامُ في مسجدٍ صحَّ الاقتداءُ مطلقاً، وإنْ تباعدا أو اختلفَ البناءُ، مثل أنْ يقفَ أحدهما في السطحِ، والآخرُ في بئرٍ في المسجدِ، وإنْ أُغلقَ باب السطحِ، لكنْ يشترطُ العلمُ بانتقالاتِ الإمامِ، إما بمشاهدةٍ أو سماعٍ مبلِّغٍ.
والمساجدُ المتلاصقةُ المتنافذةُ كمسجدٍ واحدٍ.
ولوْ

(1/72)


كانا في غيرِ مسجدٍ، في فضاءٍ كصحراءَ أوْ بيتٍ واسعٍ صحَّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ إنْ لمْ يزدْ ما بينهما على الثلاثمئةِ ذراعٍ تقريباً، وإلا فلا، ولوْ صلى خلفَهُ صفوفٌ اعتُبرتْ الأذرعُ بين كلِّ صفٍّ والصفِّ الذي قُدامهُ، وإنْ بلغَ ما بينَ الأخيرِ والإمامِ أميالٌ، سواءٌ حال بينهما نارٌ أو بحرٌ يُحوِجُ إلى سباحةٍ أوْ شارعٌ مطروقٌ أمْ لا.
ولوْ وقفَ كلٌّ منهما في بناءٍ كبيتينِ، أوْ أحدُهُما في صحنٍ والآخرُ في صُفّةٍ مِنْ دارٍ أوْ خانٍ أوْ مدرسةٍ فحكمُهُ حكمُ الفضاءِ، بشرطٍ أنْ لا يحولَ ما يمنعُ الاستطراقَ كشباكٍ، أو الرؤيةَ كبابٍ مردودٍ.
وقيلَ: إنْ كانَ بناءُ المأمومِ عنْ يمينهِ أوْ شمالهِ وجبَ الاتصال، بحيثُ لا يبقى ما يسعُ واقفاً، وإنْ كانَ خلفَهُ وجبَ أنْ لا يزيدَ على ثلاثةِ أذرعٍ.
ولوْ وقفَ الإمامُ في المسجدِ والمأمومُ في فضاءٍ متصلٍ بهِ صحَّ، إنْ لمْ يزدْ ما بينهُ وبينَ آخرِ المسجدِ على ثلاثمئةِ ذراعٍ، ولمْ يحُلْ حائلٌ، مثلُ أنْ يقفَ قُبالَةَ البابِ وهوَ مفتوحٌ، فإذا صحتْ لهذا صحت لمنْ خلفَهُ أوِ اتصلَ بهِ، وإنْ خرجوا عنْ قُبالةِ البابِ، فإنْ عدلَ عنْ قُبالةِ البابِ، أوْ حالَ جدارُ المسجدِ، أوْ شباكُهُ، أوْ بابُهُ المردودُ -وإنْ لمْ يُقفَلْ- لمْ يصحَّ.

باب: الأوقاتُ التي نُهي عن الصلاة فيها
تحرمُ الصلاةُ ولا تنعقدُ:
1 - عندَ طلوعِ الشمسِ حتى

(1/73)


ترتفعَ قدرَ رمحٍ.
2 - وعندَ الاستواءِ حتى تزولَ.
3 - وعندَ الاصفرارِ حتى تغربَ.
4 - وبعدَ صلاةِ الصبحِ.
5 - وبعدَ صلاةِ العصرِ.
ولا يَحرُمُ فيها ما لهُ سببٌ كجنازةٍ، وتحيةِ مسجدٍ، وسنةِ وضوءٍ، وفائتةٍ، لا ركعتيْ إحرامٍ.
ولا تكرهُ الصلاةُ في حرمِ مكةَ مطلقاً، ولا عندَ الاستواءِ يومَ الجمعةِ.

بابُ صلاة المريض
للعاجزِ صلاةُ الفرضِ قاعداً، والمرادُ منَ العجْزِ أنْ يشقَّ عليهِ القيامُ مشقةً ظاهرةً، أو يخافَ منْه مرضاً أوْ زيادتَهُ، أوْ دورانَ الرأسِ في سفينةٍ.
ويقعدُ كيفَ شاءَ، ويندبُ الافتراشُ، ويكرهُ الإقعاءُ ومدُّ رجلهِ.
وأقلُّ ركوعهِ: محاذاةُ جبهتهِ قدَّامَ ركبتيهِ، وأكملُهُ: محاذاتُها موضعَ سجودهِ، فإنْ عَجَزَ عنْ ركوعٍ وسجودٍ فعلَ نهايةَ الممكنِ من تقريبِ الجبهةِ منَ الأرض، فإنْ عجزَ أومأَ بهما، ولو عجزَ عن القعودِ فقطْ لدمَّلٍ ونحوهِ أتى بالقعودِ قائماً، ولو أمكنهُ القيامُ -وبهِ رمدٌ أو غيرُهُ- فقالَ لهُ طبيبٌ معتمدٌ: إنْ صليتَ مستلقياً أمكنَ مداواتُكَ، جازَ الاستلقاءُ.

(1/74)


ولوْ عَجَزَ عنْ قيامٍ وقعودٍ اضطجعَ على جنبهِ الأيمن مستقبلاً بوجههِ ومُقدَّمِ بدنهِ، ويركعُ ويسجدُ إنْ أمكنَ، وإلا أومأ برأسهِ، والسجودُ أخفضُ، فإنْ عجزَ فبطرفهِ، فإنْ عجزَ فبقلبهِ، فإنْ خرَسَ قرأَ بقلبهِ. ولا تسقطُ الصلاةُ ما دامَ يعقلُ. فإنْ عجزَ في أثنائها قعدَ، ويجبُ الاستمرارُ في الفاتحةِ إنْ عجزَ في أثنائها، وإنْ خفَّ قام، فإنْ كانَ في أثناء الفاتحةِ وجبَ الإمساكُ ليقرأَ قائماً، فإنْ قرأَ في نهوضهِ لمْ يعتدَّ بهِ، وإنْ خفَّ بعدَ الفاتحةِ قام ليركعَ منهُ، أو في الركوعِ قبلَ الطمأنينةِ ارتفعَ راكعاً، فإنْ انتصبَ بطلت، أوْ بعدها اعتدلَ قائماً ثمَّ يسجدُ، أوْ في اعتدالهِ قبلَ الطمأنينةِ قامَ ليعتدلَ، أو بعدَها سجدَ ولا يقومُ.

بابُ صلاةِ المسافرِِ
[شروطُ السفرِ المبيحِ للقصرِ]:
1 - إذا سافرَ في غيرِ معصيةٍ.
2 - سفراً تبلغُ مسيرتُهُ ذهاباً

(1/75)


ثمانيةً وأربعينَ ميلاً بالهاشميِّ، وهوَ يومانِ بلياليهما بسيْرِ الأثقالِ.
فلهُ أنْ يصليَ الظهرَ والعصرَ والعشاءَ ركعتينِ ركعتينِ إذا كانتْ مؤدياتٍ، أوْ فائتةً في السفرِ فقضاها في السفرِ، فإنْ فاتتْه في الحضر فقضاها في السفرِ أو عكسُهُ أتمَّ، وفي البحرِ تعتبرُ هذهِ المسافةُ كما في البرِّ، فلوْ قطعها في لحظةٍ قصَرَ، ولوْ قصَدَ بلداً لهُ طريقانِ أحدهما دونَ مسافةِ القصرِ، فسلكَ الأبعدَ لغرضٍ، كأمنٍ وسهولةٍ ونزهةٍ، قصرَ، وإنْ قصدَ مجردَ القصرِ أتمَّ.
[3 - معرفةُ القصدِ]: ولا بدَّ منْ مقصدٍ معلومٍ، فلوْ طلبَ آبقاً لا يعرفُ موضعهُ، أو سافرَ عبدٌ وامرأةٌ وجنديٌّ معَ سيدٍ وزوجٍ وأميرٍ ولمْ يعرفوا المقصدَ، لمْ يقصروا، وإنْ عرفوهُ قصَرُوا بشرطهِ، والعاصي بسفرهِ -كآبقٍ وناشزةٍ- يتمُّ.
[4 - مجاوزةُ العمران]: ثمَّ إنْ كانَ للبلدِ سورٌ قصَرَ بمجردِ مجاوزتهِ، سواءٌ كانَ خارجَهُ عمارةٌ أمْ لا، وإنْ لمْ يكنْ لهُ سورٌ فبمجاوزةِ العمرانِ كلِّهِ، ولا يُشترطُ مجاوزةُ المزارعِ والبساتينِ والمقابرِ.
والمقيمُ في الصحراءِ يقصُرُ بمفارقةِ خيامِ قومهِ.
ثمَّ إذا انتهى السفرُ أتمَّ، وينتهي بوصولهِ إلى وطنهِ، أوْ بنيةِ إقامةِ أربعةِ أيامٍ غيرَ يوميِ الدخولِ والخروجِ، أو بنفس

(1/76)


الإقامةِ وإن لم ينوها، فمتى أقامَ أربعةَ أيامٍ غيرَ يومي الدخولِ والخروجِ أتمَّ، اللهمَّ إلا أنْ يقيمَ لحاجةٍ يتوقعُ نجازَها وينوي الارتحالَ إذا انقضتْ، فإنهُ يقصُرُ إلى ثمانيةَ عشَرَ يوماً، فإنْ تأخرَتْ عنها أتمَّ، وسواءٌ الجهادُ وغيرُهُ.
ولوْ وصلَ مقصدَهُ فإنْ نوى الإقامةَ المؤثِّرةَ أتمَّ، وإلا قصرَ إلى أربعةِ أيامٍ، أوْ ثمانيةَ عشَرَ إنْ توقعَ حاجتَهُ كلَّ وقتٍ.
وشروط القصر:
1 - وقوعُ الصلاةِ كلِّها في السفرِ.
2 - ونيةُ القصرِ في الإحرامِ.
3 - وأن لا يقتديَ بمتمٍّ في جزءٍ منَ الصلاةِ.
فلوْ نوى الإقامةَ في الصلاةِ، أوْ شكَّ هلْ نوى القصرَ أمْ لا، ثمَّ ذكرَ قريباً أنهُ نواهُ، أوْ تردَّدَ هلْ يتمُّ أمْ لا، أوْ هلْ إمامُهُ مقيمٌ أمْ لا، أتمَّ. ولوْ جهلَ نية إمامهِ فنوى إنْ قصرَ قصرتُ، وإنْ أتمَّ أتممْتُ صحَّ، فإنْ قصرَ قصرَ، وإنْ أتمَّ أتمَّ.
[جمعُ الصلاةِ بسبب السفر]:
ويجوزُ الجمعُ بينَ الظهرِ والعصرِ في وقتِ أحدِهما، وبينَ المغربِ والعشاءِ كذلكَ، في كلِّ سفرٍ تُقصَرُ الصلاةُ فيهِ، فإنْ كانَ نازلاً في وقتِ الأولى فالتقديمُ أفضلُ، وإنْ كانَ سائراً فالتأخيرُ أفضلُ.
وإذا جمعَ تقديماً فشرطُهُ:
1 - دوامُ السفرِ.
2 - وتقديمُ الأولى.
3 - ونيةُ الجمعِ قبلَ فراغِ الأولى: إمّا في الإحرامِ، أوْ في أثنائها.
4 - وأنْ لا يُفرقَ بينهما، فإنْ فرَّقَ

(1/77)


يسيراً لمْ يضرَّ، فيغتفرُ للمتيممِ طلبٌ خفيفٌ.
فإنْ قدّمَ الثانيةَ فباطلةٌ، وإنْ أقامَ قبلَ شروعهِ في الثانيةِ، أوْ لمْ ينوِ الجمعَ في الأولى، أوْ فرقَ كثيراً، وجبَ تأخيرُ الثانيةِ إلى وقتها، وإنْ أقامَ بعدَ فراغهما مضتا على الصِّحَّةِ.
وإذا جمعَ تأخيراً لمْ يلزمْهُ إلا أنْ ينويَ قبلَ خروجِ وقتِ الأولى بقدرِ ما يَسعُ فعلَها أنهُ يؤخرُ ليجمعَ، فلوْ لمْ ينوِهِ أثمَ وكانت قضاءً. ويندبُ الترتيبُ، والموالاةُ، ونيةُ الجمعِ في الأولى.
[جمع الصلاة بسبب المطر]:
ويجوزُ للمقيمِ الجمعُ تقديماً لمطرٍ يَبُلُّ الثوبَ، بشرطِ أنْ يقصدَ جماعةً في مسجدٍ بعيدٍ، وأنْ يوجدَ المطرُ عندَ افتتاحِ الأولى والفراغِ منها وافتتاحِ الثانيةِ، ويشترطُ مع ذلكَ ما تقدمَ في جمعِ السفرِ تقديماً، فإنْ انقطعَ بعدَهُما أوْ في أثناءِ الثانيةِ، مضتا على الصِّحَّةِ، ولا يجوزُ الجمعُ بالمطرِ تأخيراً.

بابُ صلاةِ الخوفِ
[العدو في غير جهة القِبلة]:
إذا كانَ القتالُ مباحاً والعدوُّ في غير جهةِ القِبلةِ فرَّق الإمامُ الناسَ فرقتينِ، فرقةً في وجهِ العدوِّ، ويصلي بفرقةٍ ركعةً، فإذا قامَ إلى الثانيةِ نوَوا مفارقتهُ، وأتموا منفردينَ، وذهبوا إلى وجهِ العدوِّ، وجاءَ أولئكَ إلى الإمامِ وهوَ قائمٌ في الصلاةِ يقرأُ، فيُحرِمونَ، ويمكثُ لهمْ بقدْرِ الفاتحةِ وسورةٍ

(1/78)


قصيرةٍ، فإذا جلسَ للتشهدِ قاموا وأتمُّوا لأنفسهمْ، ويُطيلُ هوَ التشهدَ ثمَّ يسلِّمُ بهمْ، فإنْ كانتْ مغرِباً صلى بالأولى ركعتينِ وبالثانيةِ ركعةً، أوْ رباعيةً صلى بكلِّ فرقةٍ ركعتينِ، فإنْ فرَّقهمْ أربعَ فرقٍ وصلى بكلِّ فرقةٍ ركعةً صحَّ.
[العدوُّ في جهة القِبلة]:
وإنْ كانَ العدوُّ في القِبلةِ يُشاهدونَ منْ في الصلاةِ، وفي المسلمينَ كثرةُ، صفهم الإمامُ صفينِ فأكثرَ، وأحرمَ وركعَ ورفعَ بالكلِّ، فإذا سجدَ سجدَ معهُ الصفُّ الذي يليهِ واستمرَّ الصفُّ الآخرُ قائماً، فإذا رفعوا رؤوسهمْ سجدَ الصفُّ الآخرُ، ثمَّ يركعُ ويرفعُ بالكلِّ، فإذا سجدَ سجدَ معهُ الصفُّ الذي حرسَ أولاً، وحرسَ الصفُّ الآخرُ، فإذا رفعوا سجدَ الصفُّ الآخرُ.
ويُندبُ حمْلُ السلاحِ في صلاة الخوف.
[حالة التحام القتال]:
وإذا اشتدَّ الخوفُ، أو التحمَ القتالُ، صلوا رجالاً وركباناً إلى القِبلةِ وغيرها، جماعةً وفرادى، ويومِئونَ بالركوعِ والسجودِ إنْ عجَزُوا، والسجودُ أخفضُ، وإنِ اضطروا إلى الضرْبِ المتتابعِ ضربوا، ولا إعادةَ عليهمْ، ولا يجوزُ الصياحُ. بابُ ما يحرُمُ لبسُهُ
يَحرُمُ على الرجلِ لبسُ الحريرِ وسائرُ وجوهِ استعمالِهِ، ولوْ بطانةً، ويجوزُ حشوُ جُبَّةٍ ومخدَّةٍ وفرْشٍ بهِ، ويجوزُ

(1/79)


للنساءِ استعمالُهُ، وقيلَ: يحرُمُ عليهنَّ افتراشُهُ، ويجوزُ للوليِّ إلباسُهُ للصبيِّ ما لم يبلغِ، والمركَّبُ من حريرٍ وغيرهِ إنْ زادَ وزنُ الحريرِ حرُمَ، وإنِ استويا جازَ، ويجوزُ مطرزٌ بهِ لا يجاوزُ أربعَ أصابعَ، ومطرَّفٌ ومجيَّبٌ معتادٌ.
ولهُ أنْ يبسطَ على فرشِ الحريرِ منديلاً ونحوَهُ ويجلسُ فوقهُ، ويجوزُ لبسُهُ لحرٍّ وبردٍ مُهْلِكَيْنِ، وسترِ عورةٍ، ومفاجأةِ حربٍ إذا فُقدَ غيرُهُ، ولحكَّةٍ ودفعِ قملٍ، ويجوزُ ديباجٌ ثخينٌ لا يقومُ غيرُهُ مقامَهُ في الحربِ.
ويجوزُ لبسُ ثوبٍ نجسٍ في غيرِ الصلاةِ، ويَحرُمُ جلدُ ميتةٍ إلا لضرورةٍ، كمفاجأةِ حربٍ ونحوهِ، ويجوزُ أنْ يُلبِسَ دابتهُ الجلدَ النجسَ سوى جلدِ الكلبِ والخنزيرِ.
ويحرُمُ على الرجال حليُّ الذهبِ، حتى سنُّ الخاتمِ، والمطليُّ بهِ، فلوْ صدئ وصار بحيثُ لا يبينُ جازَ، ويباحُ شدُّ سنٍّ وأنملةٍ بذهبٍ، واتخاذُ أنفٍ وأنملةٍ منهُ، لا أصبعٍ، ويجوزُ درعٌ نسجتْ بذهبٍ، وخوذةٌ طُليتْ بهِ، لمفاجأةِ حربٍ ولمْ يجدْ غيرَهُما.
ويجوزُ خاتمُ الفضةِ، وتحليةُ آلةِ الحربِ بها، كسيفٍ، ورمحٍ، وطَبْرٍ، وسهمٍ، ودِرْعٍ، وجوشَنٍ،

(1/80)


وخوذةٍ، وخفٍّ، لا سَرْجٍ، ولجامٍ، وركابٍ، وقلادةٍ، وطرفِ سُيُورٍ، ودواةٍ ومِقْلَمَةٍ وسكينِ مهنةٍ ومِهفّةٍ، وتعليقِ قنديلٍ ولوْ بمسجدٍ، وغيرِ الخاتمِ منَ الحليِّ كطوقٍ ودُمْلُجٍ وسوارٍ وتاجٍ، وفي سقفِ البيتِ والمسجدِ وجدرانهما، فلوْ استُهلِكَ بحيثُ لا يجتمعُ منهُ شيءٌ بالسبْكِ جازتْ الاستدامةُ وإلا فلا.
ويجوزُ تحليةُ المصحفِ والكَتْبُ بالفضةِ للمرأة والرجلِ، ويجوزُ تحليةُ المصحفِ بالذهبِ للمرأةِ، ويحرُمُ على الرجلِ.
ويجوزُ للمرأةِ حليُّ الذهبِ كلُّهُ حتى النعْلُ، والمنسوجُ بهِ، بشرطِ عدمِ الإسرافِ، فإنْ أسرفتْ كخَلخالٍ مئتا دينارٍ حرُمَ، ويحرُمُ عليهنَّ تحليةُ آلةِ الحربِ ولوْ بفضةٍ. بابُ صلاةِ الجمعةِ
منْ لزمَهُ الظهرُ لزمتْهُ الجمعةُ، إلا العبدَ والمرأةَ والمسافر في غير معصيةٍ، ولوْ سفراً قصيراً، وكلُّ ما أسقطَ الجماعةَ يسقطُ الجمعةَ، كالمرضِ والتمريضِ وغيرِ ذلك.
والمقيمُ بقريةٍ ليسَ فيها أربعونَ كاملونَ: فإنْ كانَ بحيثُ لوْ نادى رجلٌ عالي الصوتِ بطرفِ بلدِ الجمعةِ الذي من جهةِ القريةِ -والأصواتُ والرياحُ ساكنةٌ- لسمعَهُ مصغٍ صحيحُ السمعِ، واقفٌ بطرفِ القريةِ الذي من جهة بلد الجمعةِ لزمتِ الجمعة كلَّ أهلِ

(1/81)


القريةِ، وإنْ لمْ يسمعْ فلا تلزمُهُمْ.
ومنْ لا تلزمُهُ إذا حضرَ الجامعَ لهُ الانصرافُ، إلا المريضَ الذي لا يشقُّ عليهِ الانتظارُ، وجاءَ بعدَ دخولِ الوقتِ، والأعمى، ومنْ في طريقهِ وحلٌٌ فتلزمهمُ الجمعةُ.
ومنْ لا تلزمُهُ مخيرٌ بينها وبينَ الظهرِ، ويُخفون الجماعةَ في الظهرِ إنْ خفيَ عذرُهمْ، ويُندبُ لمنْ يرجو زوالَ عذرهِ -كمريضٍ وعبدٍ- تأخيرُ الظهرِ إلى اليأسِ منَ الجمعةِ، وإنْ لمْ يرجُ زوالَهُ كالمرأةِ فيندبُ تعجيلهُ.
ومنْ لزمتْهُ الجمعةُ لمْ يصحَّ ظهرُهُ قبلَ فواتِ الجمعةِ، ويحرُمُ عليه السفرُ منْ طلوعِ الفجرِ، إلا أنْ يكونَ في طريقهِ موضعُ جمعةٍ، أوْ ترحَلَ رفقتُهُ ويتضررُ بالتخلفِ.
[شروطُ الجمعة]:
وشروطُ صحةِ الجمعةِ بعدَ شروطِ الصلاة ستةٌ:
1 - أنْ تقامَ جماعةً.
2 - في وقتِ الظهرِ.
3 - بعدَ خطبتينِ.
4 - في خطةِ أبنيةٍ مجتمعةٍ.
5 - بأربعينَ رجلاً أحراراً بالغينَ عقلاءَ، مستوطنينَ حيثُ تقامُ الجمعة، لا يظعَنونَ عنهُ إلا لحاجةٍ.
6 - وأنْ لا تسبِقها ولا تقارِنَها جمعةٌ أخرى حيثُ لا يَشُقُّ الاجتماعُ في موضعٍ واحدٍ.
والإمامُ واحدٌ منَ الأربعينَ، فلوْ نقصُوا في الصلاةِ عن الأربعينَ، أوْ خرجَ الوقتُ في أثنائها، أتمُّوها ظهراً، ولوْ شكوا قبلَ افتتاحها في بقاءِ الوقتِ صلوا ظهراً، وإنْ شقَّ الاجتماعُ بموضعٍ، كمصرَ وبغدادَ جازتْ زيادةُ الجُمَعِ

(1/82)


بحسَبِ الحاجةِ، وإنْ لمْ يشقَّ كمكةَ والمدينةِ فأقيمتْ جمعتانِ فالجمعةُ هيَ الأولى والثانيةُ باطلةٌ، وإنْ وقعتا معاً، أوْ جُهلَ السَّبقُ، استؤنفتْ جمعةٌ.
[أركانُ الخطبةِ]:
وأركانُ الخطبةِ خمسةٌ:
1 - الحمدُ لله.
2 - والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 - والوصيةُ بالتقوى.
يجب ذلك في كلٍّ من الخُطبتين، ويتعينُ لفظُ الحمدُ لله والصلاةِ، ولا يتعينُ لفظُ الوصيةِ فيكفي: أطيعوا الله.
4 - والرابعُ: قراءةُ آيةٍ في إحداهُما.
5 - والخامس: الدعاء للمؤمنين في الثانية.
[شروط الخطبةِ وسننُها]:
وشرطُهما: الطهارةُ، والستارةُ، ووقوعُهُما في وقتِ الظهرِ قبلَ الصلاةِ، والقيامُ فيهما، والقعودُ بينهما، ورفعُ الصوتِ بحيثُ يسمعُهُ أربعونَ تنعقدُ بهم الجمعةُ.
وسننُهُما: منبرٌ أوْ موضعٌ عالٍ، وأنْ يُسلِّمَ إذا دخلَ وإذا صعدَ، ويجلسَ حتى يؤذنَ، ويعتمدَ على سيفٍ أوْ قوسٍ أوْ عصا، ويُقبِلَ عليهم في جميعهما.
[فصل]:
والجمعةُ ركعتانِ، يقرأُ في الأولى (الجمعة) وفي الثانيةِ (المنافقون). ومنْ أدركَ معَ الإمامِ ركوعَ الثانيةِ واطمأنَّ فقدْ أدركَ الجمعةَ، وإنْ أدركهُ بعدَهُ فاتتْهُ الجمعةُ، فينوي الجمعةَ خلفَهُ، فإذا سلمَ أتمَّ الظهرَ.
[سننُ مريد الجمعة]:
ويندبُ لمريدها: أنْ يغتسلَ عندَ الذهابِ إليها، ويجوزُ منَ الفجرِ،

(1/83)


فإنْ عجَزَ تيمَّمَ، وأنْ يتنظفَ بسواكٍ، وأخذِ ظفرٍ وشعرٍ، وقطعِ رائحةٍ كريهةٍ، ويتطيبَ، ويلبسَ أحسنَ ثيابهِ، وأفضلُها البيضُ، والإمامُ يزيدُ عليهمْ في الزينةِ.
ويكرهُ للمرأةِ إذا حضرت: الطيبُ وفاخرُ الثيابِ. ويُبَكِّرَ وأفضلهُ منَ الفجرِ، ويمشي بسكينةٍ ووقارٍ، ولا يركبَ إلا لعذرٍ، ويدنوَ مِنَ الإمامِ، ويشتغلَ بالذكرِ والتلاوةِ والصلاةِ، ولا يتخطى رقابَ الناسِ، فإذا وجدَ فرجةً لا يصلُ إليها إلا بالتخطي لمْ يكرهْ.
ويحرُمُ أنْ يقيمَ رجلاً ويجلسَ مكانهُ، فإنْ قامَ باختيارهِ جازَ.
ويكرهُ أنْ يؤثرَ غيرَهُ بالصفِّ الأولِ، أوْ بالقربِ منَ الإمامِ، وبكلِّ قربةٍ. ويجوزُ أنْ يبعثَ منْ يأخذُ لهُ موضعاً يبسطُ شيئاً فيهِ، ولكنْ لغيرهِ إزالتُهُ والجلوسُ مكانهُ.
ويكرهُ الكلامُ والصلاةُ حالَ الخُطبةِ ولا يحرمانِ، فإنْ دخلَ صلى التحيةَ فقطْ ويخففها.
[سنن يوم الجمعة]:
ويُندبُ الكهفُ، والصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجمعةِ ويومها، ويُكثرُ في يومها الدعاءَ رجاءَ ساعةِ الإجابةِ، وهيَ ما بينَ جلوسِ الإمامِ على المنبرِ إلى فراغِ الصلاةِ.

باب صلاةِ العيدينِ
هيَ سنةٌ مؤكدةٌ، ويندبُ لها الجماعةُ، ووقتُها منْ طلوعِ

(1/84)


الشمسِ، ويندبُ من ارتفاعها قدرَ رمحٍ إلى الزوالِ، وفعلُها في المسجدِ أفضلُ إن اتسعَ، فإنْ ضاقَ فالصحراءُ أفضلُ، ويندبُ أنْ لا يأكلَ في الأضحى حتى يصلي، ويأكلَ في الفطرِ قبلَ الصلاةِ تمراتٍ وتراً، ويغتسلَ بعدَ الفجِر وإنْ لمْ يصلِّ، ويجوزُ منْ نصفِ الليلِ، ويتطيبَ ويلبسَ أحسنَ ثيابهِ.
ويندبُ حضورُ الصبيانِ بزينتهم، ومنْ لا تُشتهى منَ النساءِ بغيرِ طيبٍ ولا زينةٍ، ويكرهُ لمشتهاةٍ، ويبكرَ بعدَ الفجرِ ماشياً، ويرجعَ في غيرِ طريقهِ، ويتأخرَ الإمامُ إلى وقتِ الصلاةِ، وينادى لها وللكسوفِ والاستسقاءِ: الصلاةُ جامعةٌ.
وهي ركعتانِ، ويكبرُ في الأولى بعدَ الاستفتاحِ وقبلَ التعوذِ سبعَ تكبيراتٍ، وفي الثانيةِ قبلَ التعوذِ خمساً غيرَ تكبيرةِ القيامِ، يرفعُ فيها اليدين، ويذكرُ الله تعالى بينهنَّ، ويضعُ اليمنى على اليسرى، ولوْ تركَ التكبيرَ أوْ زادَ فيهِ لمْ يسجدْ للسهوِ، ولوْ نسيهُ وشرع في التعوذِ فاتَ، ويقرأُ في الأولى (ق) وفي الثانيةِ (اقْتَرَبَتِ)، وإنْ شاءَ قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و (الْغَاشِيَةِ)، ثمَّ يخطبُ بعدهما خطبتينِ كالجمعةِ، ويفتتحُ الأولى ندباً بتسعِ تكبيراتٍ والثانيةَ بسبعٍ، ولوْ خطبَ قاعداً جازَ.
[سنة التكبير]:
والتكبيرُ

(1/85)


مرسلٌ ومقيدٌ.
فالمُرسلُ: وهوَ ما لا يتقيدُ بحالٍ، بلْ في المساجدِ والمنازلِ والطرقِ، يُسنُّ في العيدينِ مِنْ غروبِ الشمسِ ليلتيِ العيدينِ إلى أنْ يُحْرِمَ الإمامُ بصلاةِ العيدِ.
والمُقيَّدُ: هوَ ما يؤتى به عقيب الصلواتِ، يسنُّ في النحرِ فقطْ منْ صلاةِ ظهرِ النحرِ إلى صلاةِ صبحِ آخرِ التشريقِ وهوَ رابعُ العيدِ، يكبرُ خلفَ الفرائضِ المؤدَّاةِ والمقضيةِ، مِنَ المدةِ وقبلها، والمنذورةِ والجنازةِ والنوافلِ، ولوْ قضى فوائتَ المدةِ بعدها لمْ يكبّر.
وصيغتُهُ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، فإنْ زادَ ما اعتادهُ الناسُ فحسنٌ وهوَ: اللهُ أكبرُ كبيراً إلى آخرهِ، ولوْ رأى في عشرِ ذي الحجةِ شيئاً منَ الأنعامِ فليكبّر.

بابُ صلاةِ الكسوفِ
هيَ سنةٌ مؤكدةٌ، ويندبُ لها الجماعةُ في الجامعِ، ويحضرُها من لا هيئةَ لها منَ النساءِ.
وهيَ ركعتانِ، وأقلُّها: أنْ يحرِمَ فيقرأَ الفاتحةَ ثمَّ يركع، ثمَّ يرفع فيقرأ الفاتحةَ ثمَّ يركعَ فيطمئنَّ، ثمَّ يسجدَ سجدتينِ، فهذهِ ركعةٌ فيها قيامانِ وقراءتانِ وركوعانِ، ثمَّ يصليَ الثانيةَ كذلكَ، ولا يجوزُ زيادةُ قيامٍ وركوعٍ لتمادي الكسوف، ِ ولا يجوزُ النقصُ لتجليةٍ.
وأكملها: أنْ يقرأَ بعدَ الافتتاحِ والتعوذِ والفاتحةِ:

(1/86)


البقرةَ في القيامِ الأولِ، وآلَ عمرانَ في الثاني، والنساءَ في الثالثِ، والمائدةَ في الرابعِ، أوْ نحوَ ذلكَ، ويسبحُ في الركوعِ الأولِ بقدرِ مئةِ آيةٍ منَ البقرةِ، وفي الثاني بقدرِ ثمانينَ، وفي الثالث بقدرِ سبعينَ، وفي الرابعِ بقدرِ خمسينَ، وباقيها كغيرها منَ الصلواتِ، ثمّ يخطبُ خطبتينِ كالجمعةِ، فإنْ لمْ يصلِّ حتى تَجلَّى الجميعُ، أو غابتْ كاسفةً، أوْ طلعتِ الشمسُ والقمرُ خاسفٌ، لمْ يصلِّ، ولوْ أحرمَ فتجلتْ أوْ غابتْ كاسفةً أتمَّها. بابُ صلاةِ الاستسقاءِ
هيَ سنةٌ مؤكدةٌ، ويندبُ لها الجماعةُ، فإذا أجدبت الأرضُ، أو انقطعتِ المياهُ أوْ قلَّت، وعظَ الإمامُ الناسَ، وأمرهم بالتوبةِ والصدقةِ ومصالحةِ الأعداء، وصومِ ثلاثةِ أيامٍ، ثمَّ يخرجونَ في الرابعِ إلى الصحراءِ صياماً، في ثيابٍ بِذْلَةٍ، ويخرجُ غيرُ ذواتِ الهيئةِ منَ النساءِ، والبهائمُ والشيوخُ والعجائزُ والأطفالُ والصغارُ والصلحاءُ وأقاربُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، ويستسقونَ بهم، ويذكرُ كلٌّ في نفسهِ صالحَ عملهِ ويستشفعُ بهِ، وإنْ خرجَ أهلُ الذمةِ لم يُمنعوا لكنْ لا يختلطونَ بنا.

(1/87)


وهي ركعتانِ كالعيدِ، ثمَّ يخطبُ خطبتين كالعيدِ، إلا أنهُ يفتتحهُما بالاستغفارِ بدل التكبيرِ، ويُكثرُ فيهما منَ الاستغفارِ والصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاءِ، ومن: (استغفروا ربكمْ إنهُ كانَ غفاراً) الآية، ويستقبلُ القِبلةَ في أثناءِ الخُطبةِ الثانيةِ، ويحوِّلُ رداءهُ، ويفعلُ الناسُ كذلكَ، ويبالغُ في الدعاءِ سراً وجهراً، فإن صلُّوا ولمْ يُسقَوْا أعادوها، وإنْ تأهبوا فسُقُوا قبلَ الصلاةِ صلوا شكراً وسألوا الزيادةَ.
ويُندبُ لأهلِ الخِصْبِ أنْ يدعوا لأهلِ الجدْبِ خلفَ الصلواتِ.
ويندبُ أنْ يكشفَ بعضَ بدنهِ ليصيبهُ أولُ مطرٍ يقعُ في السنةِ.
ويُسبحُ للرعدِ والبرقِ، وإذا كثرَ المطرُ وخشيَ ضررَهُ دعا برفعهِ بما وردَ في السنةِ: "اللهمَّ حوالينا ولا علينا" إلى آخرهِ.

(1/88)