عمدة السالِك وَعدة النَّاسِك

قسمُ المعاملات

كتابُ البيعِ
[أركانُ البيعِ]:
[1 - الصيغة]:
لا يصحُّ البيعُ إلا بالإيجابِ والقَبولِ، فالإيجابُ: هوَ قولُ البائعِ أوْ وكيلهِ: بعتُكَ، أوْ ملَّكتُكَ، والقَبولُ: هوِ قولُ المشتري أوْ وكيلهِ: اشتريتُ، أوْ تملَّكتُ، أوْ قبلتُ.
ويجوزُ أنْ يتقدَّمَ لفظُ المشتري مثل أنْ يقولَ: اشتريتُ بكذا، فيقولُ: بعتكَ، ويجوزُ أنْ يقولَ: بِعني بكذا، فيقولُ: بعتُكَ، فهذهِ صرائحُ.
وينعقدُ أيضاً بالكنايةِ معَ النيةِ، مثل: خذهُ بكذا، أوْ جعلتُهُ لك بكذا، وينوي بذلكَ البيعَ، فيقبلُ، فإنْ لمْ ينوِ بهِ البيعَ فليسَ بشيءٍ.
ويجبُ ألا يطولَ الفصل بينَ الإيجابِ والقَبولِ عُرْفاً، وإشارةُ الأخرسِ كلفظِ الناطقِ.
[2 - المتبايعان]: وشروطُ المتبايعَيْنِ: البلوغُ، والعقلُ، وعدمُ الرقِّ، وعدمُ الحَجْرِ، ويشترطُ أيضاً عدمُ الإكراهِ بغيرِ حقٍّ، والإسلامُ فيمَنْ يُشترى لهُ مُصحفٌ، أوْ مسلمٌ لا يَعتِقُ عليهِ، وعدمُ الحِرابةِ في شراءِ السلاحِ.
فإنْ أذنَ السيدُ لعبدهِ البالغِ في التجارةِ تصرَّفَ بحسبِ الإذنِ، ولا يجوزُ لأحدٍ معاملةُ عبدٍ إلا أنْ يعلمَ أنَّ سيدهُ أَذِنَ لهُ، ببينةٍ، أوْ بقولِ السيدِ، ولا يُقبلُ فيهِ قولُ العبدِ، والعبدُ لا يملكُ شيئاً وإنْ ملَّكهُ سيدُهُ.
[حكمُ المبيعِ في مدةِ الخيار]:
وإذا انعقدَ

(1/150)


البيعُ ثبتَ لكلٍّ منَ البائعِ والمشتري خيارُ المجلسِ، ما لمْ يتفرقا، أوْ يختارا الإمضاءَ جميعاً، أوْ يفسخْهُ أحدهُما.
ولكلٍّ منَ البائعِ والمشتري شرطُ الخيارِ في البيعِ ثلاثةُ أيامٍ فما دونها، لهما أوْ لأحدهما، إلا إذا كانَ العقدُ مما يَحْرُمُ فيهِ التفرُّقُ قبلَ القبضِ، كما في الربا والسَّلَم.
وإذا كانَ الخيارُ للبائعِ وحدهُ فالمبيعُ في زمنِ الخيارِ مِلكُهُ، وإذا كانَ للمشتري وحدهُ فالمبيعُ في زمنِ الخيارِ مِلكُهُ، وإنْ كانَ لهما فالمِلكُ فيهِ موقوفٌ، إنْ تمَّ البيعُ تبينَ أنهُ كانَ مِلكاً للمشتري، وإنْ فسخَ البيعُ تبينَ أنهُ كانَ مِلكَ البائعِ.
فصلٌ [في شروطِ المبيعِ]:
للمبيعِ شروطٌ خمسةٌ:
أنْ يكونَ طاهراً، منتفَعاً بهِ، مقدوراً على تسليمهِ، مملوكاً للعاقدِ، أو لمن ناب العاقد عنه، معلوماً.
فلا يصحُّ بيعُ عينٍ نجسةٍ كالكلبِ، أوْ متنجسةٍ ولمْ يمكنْ تطهيرها، كاللبنِ والدهنِ مثلاً، فإنْ أمكنَ كثوبٍ متنجسٍ جازَ.
ولا يصحُّ بيعُ ما لا ينتفعُ بهِ، كالحشراتِ، وحبةِ حنطةٍ، وآلاتِ الملاهي المحرَّمةِ.
ولا بيعُ ما لا يقدرُ على تسليمهِ، كعبدٍ آبقٍ، وطيرٍ طائرٍ، ومغصوبٍ، لكنْ إنْ باعَ المغصوبَ ممنْ يقدرُ على انتزاعهِ جازَ، فإنْ تبينَ عجزهُ فلهُ الخيارُ، ولا بيعُ نصفٍ معيَّنٍ منْ إناءٍ، أوْ سيفٍ، أوْ ثوبٍ، وكذا كلُّ ما تنقصُ قيمتُهُ بالقطعِ والكسرِ، فإنْ لمْ تنقصْ

(1/151)


كثوبٍ ثخينٍ جازَ. ولا يجوزُ بيعُ المرهونِ دونَ إذنِ المرتهِنِ، ولا بيعُ الفُضوليِّ وهوَ أنْ يبيعَ مالَ غيرهِ بغيرِ ولايةٍ ولا وكالةٍ.
ولا بيعُ ما لمْ يُعيَّنْ كأحدِ العبدينِ، ولا بيعُ عَيٍن غائبةٍ عن العَينِ، مثلُ بعتُكَ الثوبَ المرْوزيِّ الذي في كُمِّي، والفرسَ الأدهمَ الذي في اصطبلي، فإنْ كانَ المشتري رآها قبلَ ذلكَ وهيَ مما لا يتغيرُ في مدةِ الغَيْبةِ غالباً جازَ.
ولوْ باعَ عُرْمةَ حنطةٍ ونحوها وهيَ مشاهدةٌ ولمْ يُعلمْ كيلُها، أوْ باعَ شيئاً بعُرْمةِ فضةٍ مشاهدةٍ ولمْ يُعلمْ وزنها جازَ، وتكفي الرؤيةُ.
ولا يصحُّ بيعُ الأعمى ولا شراؤهُ، وطريقُهُ التوكيلُ، ويصحُّ سلَمُهُ بعِوَضٍ في ذمَّتهِ.
فصلٌ في الربا:
لا يحرمُ الرِّبا إلا في المطعوماتِ، والذهبِ والفضَّةِ، والعلَّةُ في تحريمِ المطعوماتِ الطُّعمُ، وفي تحريمِ الذهب والفضة كونُهُما قيمَ الأشياء، فإذا بيعَ مطعومٌ بمطعومٍ منْ جنسهِ، كَبُرٍّ بِبُرٍّ اشتُرِطَ ثلاثةُ أمورٍ: المماثلةُ في القدْرِ، والتقابضُ قبلَ التفرُّقِ، والحُلولُ.
وإنْ كانَ منْ غيرِ جنسهِ، كَبُرٍّ بشعيرٍ اشتُرِطَ شرطانِ: الحُلولُ، والتقابضُ قبلَ التفرُّقِ، وجاز التفاضلُ.
وإنْ باعَ نقداً بجنسهِ، كذهبٍ بذهبٍ اشتُرطَ الشروطُ الثلاثةُ المتقدِّمةُ، وإنْ باعَ بغيرِ

(1/152)


جنسهِ، كذهبٍ بفضَّةٍ اشتُرطَ الشرطانِ، وجازَ التفاضُلُ، وإنْ باعَ مطعوماً بنقدٍ صحَّ مطلقاً.
ويعتبرُ التماثُلُ في المَكيلِ بالكيلِ، وفي الموزونِ بالوزنِ، فلا يصحُّ رطلُ بُرٍّ برطلِ بُرٍّ إذا كانَ يتفاوتُ بالكيلِ، ويجوزُ إردبٌّ بإردبٍّ وإنْ تفاوتَ الوزنُ، والمرادُ ما كانَ يوزنُ أوْ يكالُ في الحجازِ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فإنْ جُهلَ حالُهُ اعتُبرَ ببلدِ البيعِ، وإنْ كانَ مما لا يوزنُ ولا يُكالُ في العادةِ ولا جفافَ لهُ، كالقثَّاءِ والسفرجَلِ والأُترجِّ لمْ يصحَّ بيعُ بعضهِ ببعضٍ، فلوْ باعَ بُرَّاً ببُرٍّ جِزافاً لمْ يصحَّ، وإنْ ظهرَ منْ بعدُ تساويهما كيلاً. وإنما تُعتبرُ المماثلةُ حالةَ الكمالِ، فحالةُ كمالِ الثمرةِ الجفافُ، فلا يصحُّ رُطبٌ برُطبٍ، أوْ رُطبٌ بتمرٍ، وكذا عنبٌ بعنبٍ، أوْ بزبيبٍ، وإنْ تماثلا، فإنْ لمْ يجئ منهُ تمرٌ ولا زبيبٌ لمْ يصحَّ بيعُ بعضهِ ببعضٍ.
ولا يباعُ دقيقٌ بدقيقٍ، ولا ببُرٍّ، ولا خُبزٌ بخُبزٍ، ولا خالصٌ بمَشوبٍ، ولا مطبوخٌ بنَيءٍ، ولا بمطبوخٍ إلا أنْ يجفَّ الطبخُ، كتمييزِ العسلِ والسمنِ.
[قاعدةُ مدِّ عجوة]:
ولا يجوزُ مدُّ عجوةٍ ودرهمٌ بدرهمينِ، أوْ بمدَّينِ، ولا مدٌّ ودرهمٌ بمدٍّ ودرهم، ولا مدٌّ وثوبٌ بمدَّينِ، ولا درهمٌ وثوبٌ بدرهمينِ.
ولا يصحُّ بيعُ اللحمِ بالحيوانِ.

(1/153)


فصلٌ [في البيوعِ الفاسدة]:
لا يصحُّ بيعُ نَتاجِ النَتاجِ، كقولهِ: إذا وَلَدَت ناقتي وولَد ولدُها فقدْ بعتُكَ الولدُ، ولا أنْ يبيعَ شيئاً ويؤجِّلَ الثمنَ بذلكَ، ولا بيعُ المُلامَسةِ، والمنابذةِ، والحصاةِ، ولا بيعتينِ في بيعةٍ كقولكَ: بعتُكَ هذا بألفٍ نقداً، أوْ بألفينِ مؤجلاً، أوْ بعتُكَ ثوبي بألفٍ على أنْ تبيعني عبدكَ بخمسمئةٍ، ولا بيعٌ وشرطٌ، مثل: بعتُكَ بشرط أنْ تقرضني مئة، ويصحُّ بيعٌ وشرطٌ في صورٍ وهي:
1 - شرطُ الأجلِ في الثمنِ بشرطِ أن يكونَ الأجلُ معلوماً.
2 - وأنْ يرهنَ بهِ رهناً، أوْ يضمنَهُ بهِ زيدٌ.
3 - أوْ أنْ يعتِقَ العبدَ المبيعَ.
4 - أوْ شرَطَ ما يقتضيهِ العقدُ، كالردِّ بالعيبِ ونحوهِ.
فإنْ باعَ وشرطَ البراءةَ منَ العيوبِ صحَّ، وبَرئ منْ كلِّ عيبٍ باطنٍ في الحيوانِ لمْ يعلمْ بهِ البائعُ، ولا يبرَأُ مما سواهُ.
ولا يصحُّ بيعُ العُرْبونِ، بأنْ يشتري سلعةً ويدفعَ درهماً على أنهُ إنْ رضيَ بالسِّلعةِ فالدِّرهمُ منَ الثمنِ، وإلا فهوَ للبائعِ مجاناً.
ولوْ فرَّقَ بينَ الجاريةِ وولدها قبلَ سنِّ التمييزِ ببيعٍ أوْ هبةٍ بطلَ العقدُ، وبعدَ التمييزِ يصحُّ.
[البيوعُ المحرَّمة]: يحرم [البيع في صور]:
1 - أنْ يبيعَ

(1/154)


حاضرٌ لبادٍ، بأنْ يقولَ الحاضرُ للبدويِّ الذي قدمَ بسلعةٍ، وهيَ مما يُحتاجُ إليها في البلدِ: لا تبعِ الآنَ حتى أبيعَها لكَ قليلاً قليلاً بثمنٍ غالٍ.
2 - وأنْ يتلقَّى الركبانَ فيخبرَهُمْ بكسادِ ما معهمْ ليشتريَ منهمْ بغَبْنٍ.
3 - وأنْ يسُومَ على سَوْمِ أخيهِ، بأنْ يزيدَ في السِّلعةِ بعدَ استقرارِ الثمنِ.
4 - وأنْ يبيعَ على بيعِ أخيهِ، بأنْ يقولَ للمشتري: افسخِ البيعَ وأنا أبيعُكَ بأرخصَ منهُ.
5 - وأنْ ينجُشَ بأنْ يزيدَ في السلعةِ وهوَ غير راغبٍ فيها ليغرَّ بها غيرَهُ.
6 - وأنْ يبيعَ العنَبَ ممنْ يتخذهُ خمراً.
فإنْ باعَ في هذهِ الصُّورِ كلِّها المحرَّمةِ صحَّ البيعُ.
[تفريقُ الصفقةِ وتعددها]:
وإنْ جمعَ في عقدٍ واحدٍ ما يجوزُ وما لا يجوزُ، مثلَ عبدِهِ وعبدِ غيرهِ بغيرِ إذنهِ، أوْ خمرٍ وخلٍّ، صحَّ فيما يجوزُ بقِسطِهِ منَ الثمنِ، وبطُلَ فيما لا يجوزُ، وللمشتري الخيارُ إنْ جهلَ الحالَ.
وإنْ جمعَ في عقدينِ مختلفي الحكمَ، مثلَ بعتُكَ عبدي وآجَرتُكَ داري سنةً بكذا، أوْ زوجتُكَ ابنتي وبعتُكَ عبدَها بكذا، صحَّ وقُسِّطَ العِوضُ عليهما.
فصل [ردُّ المبيعِ بالعيبِ]:
منْ علمَ بالسِّلعةِ عيباً لزمهُ أنْ يبينَهُ، فإنْ لمْ يُبَيِّنْ فقدْ غشَّ، والبيعُ صحيحٌ، فإذا اطَّلعَ المشتري على عيبٍ كانَ عندَ البائعِ فلهُ الردُّ.
وضابطُهُ: ما نقصَ العينَ أو القيمةَ نُقصاناً يفوتُ بهِ غرضٌ صحيحٌ، والغالبُ في مثلِ ذلكَ المبيعِ عدمُهُ.
فيُردُّ إنْ بانَ العبدُ خِصيَّاً، أوْ سارقاً، أوْ

(1/155)


يبولُ في الفراشِ وهوَ كبيرٌ، فلوِ اطلعَ على العيبِ بعدَ تلفِ المبيعِ تعيَّنَ الأرشُ، أوْ بعدَ زوالِ المِلكِ عنهُ، ببيعٍ أوْ غيرهِ لمْ يكنْ لهُ طلبُ الأرشِ الآنَ، فإنْ رجعَ إليهِ بعدَ ذلكَ فلهُ الردُّ.
وإنْ حدثَ عندَ المشتري عيبٌ آخرُ، مثلُ أنْ يفتضَّ البِكْرَ، تعيَّنَ الأرشُ وامتنعَ الردُّ، فإنْ رضيَ البائعُ بالعيبِ لمْ يكنْ للمشتري طلبُ الأرشِ، فإنْ كانَ العيبُ الحادثُ لا يُعرفُ العيبُ القديمُ إلا بهِ، ككسرٍ البِطِّيخِ والبيضِ ونحوهما لمْ يمنعِ الردَّ، فإنْ زادَ على ما يمكنُ المعرفةُ بهِ فلا ردَّ.
وشرْطُ الردِّ أنْ يكونَ على الفورِ، ويُشهِدَ في طريقهِ أنَّهُ فسخَ، فلوْ عرفَ العيبَ وهوَ يصلي، أوْ يأكلُ، أوْ يقضي حاجةً، أوْ ليلاً، فلهُ التأخيرُ إلى زوالِ العارضِ، بشرطِ تركِ الاستعمالِ والانتفاعِ، فإنْ أخَّرَ متمكناً، سقطَ الردُّ والأرشُ.
[حكم التصريةِ]:
وتحرُمُ التصريةُ، وهي أنْ يشُدَّ البائعُ أخلافَ البهيمةِ ويترُكَ حلْبها أياماً ليغرَّ غيرَهُ بكثرةِ اللبنِ، فإذا اطلعَ عليهِ المشتري فلهُ الردُّ مطلقاً، فإنْ كانَ بعدَ

(1/156)


حلْبِها، وتلِفَ اللبنُ، ردَّ صاعاً منْ تمرٍِ بدل اللبنِ إنْ كانَ الجاريةِ، وتسويدُ الشَّعْرِ، ونحوهما، ويلزمُ البائعَ أنْ يخبرَ في بيعِ المرابحةِ بالعيبِ الذي حدَثَ عندَهُ، فيقولُ: اشتريتُهُ بعشرةٍ مثلاً لكنْ حدثَ عندي فيهِ العيبُ الفلانيُّ، ويبين الأجلَ أيضاً.
فصلٌ [في بيعِ الثمارِ]:
بيعُ الثمرةِ وحدَها على الشجرةِ إنْ كانَ قبلَ بدوِّ الصلاحِ لم يجزْ إلا بشرطِ القطعِ، وإنْ كانَ بعدَهُ جازَ مطلقاً، وبدوِّ الصلاحِ هوَ: أنْ يطيبَ أكلُهُ فيما لا يتلوَّنُ، أو يأخذَ بالتلوينِ فيما يتلوَّنُ.
وإن باعَ الشجرةَ وثمرتها جازَ منْ غيرِ شرطِ القطعِ، والزرعُ الأخضرُ كالثمرةِ قبلَ بدوِّ الصلاحِ، لا يجوزُ إلا بشرطِ القطعِ، وبعدَ اشتدادِ الحبِّ يجوزُ مطلقاً، ولا يجوزُ بيعُ الحبِّ في سُنبلِهِ، ولا الجوزِ واللوزِ والباقلا الأخضرِ في القشْرينِ.
فصل [قبضُ المبيعِ وضمانهُ]:
المبيعُ قبلَ قبضهِ من ضمانِ البائعِ، فإنْ تلفَ أو أتلفَهُ البائعُ انفسخَ البيعُ، وسقطَ الثمنُ، وإنْ أتلفهُ المشتري استقرَّ عليهِ الثمنُ، ويكونُ إتلافُهُ قَبْضاً، وإنْ أتلفهُ أجنبيٌّ لمْ ينفسخْ بل يُخيَّرُ المشتري بينَ أن يفسخَ فيغرم الأجنبيُّ للبائعِ القيمةَ، أو يجيزَ ويعطي الثمنَ ويغرِّمَ الأجنبيَّ القيمةَ.
وإذا اشترى شيئاً لم يجزْ أنْ يبيعهُ حتى يقبضَهُ، لكنْ للبائعِ إذا كانَ الثمنُ في الذِّمَّةِ أن يستبدلَ

(1/157)


الحيوانُ مأكولاً، ويُلحقُ بالتَّصْريةِ في الردِّ تحميرُ وجهِعنهُ قبلَ قَبْضهِ، مثلَ أنْ يبيعَ بدراهمَ فيعتاضَ عنها ذهباً، أو ثوباً، ونحوَ ذلكَ. والقبضُ فيما يُنقلُ بالنَّقلِ، مثلُ القمحِ والشعيرِ، وفيما يُتناولُ باليدِ التناولُ، مثلُ الثوبِ والكتابِ، وفيما سواهما التخليةُ، مثلُ الدارِ والأرضِ.
فلو قالَ البائعُ: لا أسلِّمُ المبيعَ حتى أقبضَ الثمنَ، وقالَ المشتري: لا أسلِّمُ الثمنَ حتى أقبضَ المبيعَ. فإن كانَ الثمنُ في الذِّمَّةِ، أُلزمَ البائعُ بالتسليمِ أولاً، ثمَّ يُلزَمُ المشتري بالتسليمِ، وإن كانَ الثمنُ معيَّناً أُلزِما معاً، بأن يُؤمرا فيسلِّما إلى عدلٍ، ثمَّ العدلُ يعطي لكلِّ واحدٍ حقَّهُ.
فصلٌ [اختلافُ المتبايعين في كيفيةِ العقدِ]:
إذا اتفقا على صحَّةِ العقدِ واختلفا في كيفيتهِ، بأنْ قالَ البائعُ: بعتُكَ بحالّ، فقالَ: بل بمؤجّلٍ، أوْ بعتُكَ بعشرة، فقال: بلْ بخمسةٍ، أو بعتُكَ بشرطِ الخيارِ، فقال: بلْ بلا خيارٍ، وما أشبهَ ذلكَ، ولم يكنْ ثَمَّ بينةٌ، تحالفا، فيبدأُ البائعُ فيقولُ: واللهِ ما بعتُكَ بكذا، ولقد بعتُكَ بكذا. ثمَّ يقولُ المشتري: واللهِ ما اشتريتُ بكذا ولقد اشتريتُ بكذا، وهي يمينٌ واحدةٌ، يجمعُ فيها بينَ نفي قول صاحبهِ وإثباتِ قولهِ، ويقدِّمُ النفي، فإذا تحالفا، فإن تراضيا بعد ذلكَ فلا فسخَ للعقدِ، وإلا فيفسخانهِ، أو أحدُهُما، أو الحاكمُ.
فلو ادعى أحدُهما شيئاً يقتضي أنَّ البيعَ وقعَ فاسداً وكذَّبهُ

(1/158)


الآخرُ، صُدِّقَ مدعي الصحَّةِ بيمينهِ، ولو جاءهُ بمَعيبٍ ليردَّهُ، فقالَ البائعُ: ليس هو الذي بعتُكَهُ، صُدِّقَ البائعُ بيمينهِ، ولو اختلفا في عيبٍ يمكنُ حدوثُهُ عندَ المشتري، فقال البائعُ: حدثَ عندكَ، وقال المشتري: بلْ كانَ عندكَ، صدّق البائعُ بيمينهِ.

بابُ السَّلَمِ
السلمُ هو بيعُ موصوفٍ في الذمةِ، ويُشترطُ فيهِ معَ شروطِ البيعِ أمورٌ:
أحدُها: قبضُ الثمنِ في المجلسِ، وتكفي رؤيةُ الثمنِ وإنْ لمْ يُعرفْ قدرُهُ.
والثاني: كونُ المُسْلَمِ فيهِ دَيناً، ويجوزُ حالاًّ، ومؤجلاً إلى أجلٍ معلومٍ، فلوْ قالَ: أسلَمْتُ إليكَ هذهِ الدراهمَ في هذا العبدِ لمْ يجزْ.
الثالثُ: إذا أسلَمَ في موضعٍ لا يصلحُ للتسليمِ مثلَ البريَّةِ، أوْ يصلحُ لكنْ لنقلهِ إليهِ مؤنةٌ، اشتُرطَ بيانُ موضعِ التسليمِ.
وشروطُ المسلَمِ فيهِ: 1 - كونُهُ معلومَ القدْرِ كيلاً أوْ وزناً أو عدداً أوْ ذَرعاً، بمقدارٍ معلومٍ، فلوْ قال زِنةُ هذهِ الصخرةِ، أوْ ملءَ هذا الزنبيلِ، ولا يُعرفُ وزنها، ولا ما يسعُ الزنبيلُ لمْ يصحَّ.
2 - أن يكونَ مقدوراً عليهِ عندَ وجوبِ التسليمِ، مأمونَ الانقطاعِ، فإنْ كانَ عزيزَ الوجودِ، كجاريةٍ وبنتها، أوْ لا يُؤمَنُ انقطاعُهُ كثمرةِ نخلةٍ بعيْنها، لمْ يجُزْ.
3 - أنْ يمكنَ

(1/159)


ضبطُهُ بالصفاتِ، كالأدقَّةِ، والمائعاتِ، والحيوانِ، واللحمِ، والقطنِ، والحديدِ، والأحجارِ، والأخشابِ، ونحوِ ذلكَ.
فيُشترطُ ضبطُهُ بالصفاتِ التي يختلفُ بها الغرضُ، فيقولُ مثلاً: أسلمتُ إليكَ في عبدٍ تركيٍّ، أبيضَ، رباعيَّ السنِّ، طولُهُ وسمنُهُ كذا، ونحوِ ذلكَ.
فلا يجوزُ في الجواهرِ، والمختلطاتِ كالهريسةِ والغاليةِ والخِفافِ، وكذا ما اختلف أعلاهُ وأسفلُهُ كمنارةٍ وإبريقٍ، أوْ ما دخلتهُ نارٌ قويةٌ كالخبزِ والشواءِ، إذ لا يمكنُ ضبطُ ذلكَ بالصفةِ.
ولا يجوزُ بيعُ المسْلَمِ فيهِ قبلَ قبضهِ، ولا الاستبدالُ عنهُ، وإذا أحضرهُ مثلَ ما شَرَطَ، أو أجودَ، وجبَ قبولُهُ.
فصلٌ [في القرضِ]:
القرضُ مندوبٌ إليهِ بإيجابٍ وقبولٍ، مثلَ: أقرضتُكَ أو أسلفتُكَ، ويجوزُ قرضُ كلِّ ما يجوزُ السَّلَمُ فيهِ، وما لا فلا، ولا يجوزُ فيهِ شرطُ الأجلِ، ولا شرطٌ جرَّ منفعةٍ كرَدِّ الأجودِ، أو على أن تبيعني عبدَك بكذا، فإنهُ ربا، فإنْ ردَّ عليهِ المقترضُ أجودَ من غيرِ شرطٍ جازَ، ويجوزُ شرطُ الرهنِ والضمانِ، ويجبُ ردُّ المِثلِ، وإنْ أخذَ عنه عِوَضاً جازَ.
وإنْ أقرضَهُ ثم لقيَهُ ببلدٍ آخرَ فطالبهُ لزمهُ الدفعُ، إنْ كانَ ذهباً أو فضةً ونحوهما، وإن كان لحملهِ مؤنةٌ نحو حنطةٍ وشعيرٍ فلا، بل تلزمهُ القيمةُ.

(1/160)


بابُ الرهنِ
لا يصحُّ إلا من مطلقِ التصرُّفِ بدَينٍ لازمٍ كالثمنِ والقرضِ، أو يؤولُ إلى اللزومِ، كالثمنِ في مدةِ الخيارِ، فإنْ لمْ يلزمْهُ الدَينُ بعدُ، مثلُ أنْ يرهنَ على ما سيقرضُهُ لمْ يصحَّ. وشرطُهُ: إيجابٌ وقبولٌ، ولا يلزمُ إلا بالقبضِ بإذنِ الراهنِ، فيجوزُ للراهنِ فسخُهُ قبلَ القبضِ، وإذا لزمَ، فإن اتفقا أنْ يوضعَ عندَ أحدهما أو ثالثٍ وُضعَ، وإلا وضعَهُ الحاكمُ عندَ عدلٍ.
وشرطُ المرهونِ أن يكونَ عيناً يجوزُ بيعُها، ولا ينفكُّ من الرهنِ شيءٌ حتى يقضيَ جميعَ الدَّينِ، وليسَ للراهنِ أن يتصرفَ فيهِ بما يُبطلُ حقَّ المُرْتَهِن كبيعٍ وهبةٍ، أو ينقصُ قيمتَهُ كاللبس والوطءِ، ويجوزُ بما لا يضرُّ كركوب وسُكنى، ولا يجوزُ رهنُهُ بدَين آخرَ ولو عندَ المرتَهِن، وعلى الراهنِ مؤونةُ الرهنِ، ويُلزَمُ بها صيانةً لحق المرتهِن، ولهُ زوائدُهُ كلبنٍ وثمرةٍ، وإنْ هلكَ عندَ المرتهنِ بلا تفريطٍ لمْ يلزمْهُ شيءٌ، أوْ بتفريطٍ ضمنهُ، ولا يسقطُ بتلفهِ شيءٌ منَ الدَيْنْ، والقولُ في القيمةِ قولهُ، وفي الردِّ قولُ الراهنِ.
وفائدةُ الرهنِ: بيعُ العينِ عندَ الحاجةِ إلى وفاءِ الحقِّ، فإنْ

(1/161)


امتنعَ الراهنُ منهُ ألزمهُ الحاكمُ إما الوفاءَ أو البيعَ، فإنْ أصرَّ باعها الحاكمُ.

بابُ التفليس
إذا لزمهُ ديْنٌ حالٌّ فطولبَ فادعى الإعسارَ، فإنْ عُهدَ لهُ مالٌ حُبسَ حتى يقيمَ بينةً على إعسارهِ، وإلا حلفَ وخُلِّيَ سبيلهُ إلى أنْ يوسرَ، فإنْ كان لهُ مالٌ وامتنعَ منَ الوفاءِ، باعهُ الحاكمُ ووفَّى عنهُ، فإنْ لمْ يفِ مالُهُ بدينهِ وسألَ هوَ أو وكيلُهُ أوْ غرماؤُهُ الحاكمَ الحَجْرَ حُجِرَ عليهِ، فإذا حجَرَ لمْ يَنْفُذْ تصرُفُهُ في المالٍ، وينفقُ عليهِ وعلى عيالهِ منهُ إنْ لمْ يكنْ لهُ كسبٌ، ثمَّ يبيعهُ الحاكمُ ويحتاطُ، ويَقْسِمُهُ على قدْرِ ديونهمْ، وإنْ كانَ فيهمْ منْ دَينهُ مؤجَّلٌ يجْعلهُ تحتَ يدهِ ولمْ يُقْضَ، أو منْ عندهُ بدَينهِ رهنٌ خُصَّ منْ ثمنهِ بقدْرِ دَينهِ.
ولوْ وجدَ أحدهمْ عينَ مالهِ التي باعها لهُ، فإنْ شاءَ ضاربَ معَ الغرماءِ، وإنْ شاءَ فسخَ البيعَ ورجعَ فيها، إلا أنْ يمنعَ مانعٌ منَ الرجوعِ فيها، مثل أنْ تُسْتَحَقَّ بشُفعةٍ، أو رهنٍ، أو خُلِطَتْ بأجودَ، ونحوِ ذلكَ.
ويُتركُ للمفلسِ دَسْتُ ثوبٍ يليقُ بهِ، وقوتُهُ وقوتُ عيالهِ يومَ القسْمةِ.

بابُ الحجرِ
لا يجوزُ تصرُّفُ الصبيِّ والمجنونِ في مالهما، ويتصرّفُ

(1/162)


لهما الوليُّ وهوَ: الأبُ أو الجدُّ أبو الأبِ عند عدمهِ، ثمَّ الوصيُّ ثمَّ الحاكمُ أوْ أمينُهُ، ويتصرَّفُ لهما بالغبطةِ، فإنْ ادعى الوليُّ أنهُ أنفقَ عليهِ مالهُ أوْ تلفَ قُبِل، أوْ أنهُ دفعهُ إليهِ فلا، فإذا بلغَ أوْ أفاقَ رشيداً بأنْ بلغَ مُصلحاً لدينهِ ومالهِ انفكَّ الحَجْرُ، ولا يُسلَّمُ إليهِ المالُ إلا بالاختبارِ فيما يليقُ بهِ قبلَ البلوغِ، وإنْ بلغَ أوْ أفاقَ مفسداً لدينهِ أوْ مالهِ استُديمَ الحَجْرُ عليهِ، ولا يجوزُ تصرفُهُ في المالِ ببيعٍ وغيرهِ، سواءٌ أذنَ الوليُّ أمْ لا، فإنْ أذِنَ لهُ في النكاحِ صحَّ، فإنْ بلغَ رشيداً ثمَّ بذَّرَ حجرَ عليهِ الحاكمُ لا الوليُّ، وإنْ فَسَقَ لمْ يُعَدْ عليهِ الحَجْرُ.
والبلوغُ بالاحتلامِ أو باستكمالِ خمسَ عشرةَ سنة، أو بالحيضِ والحبلِ في الجاريةِ.
واللهُ أعلمُ.

بابُ الحوالةِ
يُشترطُ فيها رضا المُحيلِ وقَبولُ المُحْتالِ دونَ رضا المُحالِ عليهِ.
ولا تصحُّ على من لا دَين عليه، وتصحُّ بدَين لازمٍ على دين لازمٍ بشرطِ العلْمِ بما يُحالُ به وعليهِ، وتساويهما جِنْساً وقدْراً، وصحةً وتكسيراً، وحلولاً وأجلاً، ويَبراُ فيها المُحيلُ من دَين المُحتالِ، والمُحالُ عليهِ منْ دَينِ المُحيلِ، ويَتَحوَّلُ حقُ المُحتالِ إلى ذمَّةِ المُحالِ عليهِ.
فإنْ تعذَّرَ على المُحتالِ أخذُهُ من المُحالِ عليهِ لِفَلَسِ المُحالِ عليهِ

(1/163)


أو جَحْدهِ أو غيرِ ذلكَ لمْ يرجعْ إلى المُحيلِ.

بابُ الضمانِ
يصحُّ ضمانُ منْ يصحُّ تصرفُهُ في مالهِ، فلا يصحُّ منْ صبيٍّ ومجنونٍ وسفيهٍ وعبدٍ لمْ يأذنْ لهُ سيدُهُ، ويصحُّ من محجورٍ عليهِ بفَلَسٍ، ومنْ عبدٍ أذنَ لهُ سيدهُ، ويشترطُ معرفةُ المضمونِ لهُ، ولا يشترطُ رضاهُ ولا رضا المضمونِ عنهُ ولا معرفتُهُ.
ويشترطُ أنْ يكونَ المضمونُ: ديْناً ثابتاً معلوماً، وأنْ يأتيَ بلفظٍ يقتضي الالتزامَ، كضمنتُ دينكَ أو تحمَّلتُهُ ونحو ذلكَ، ولا يجوزُ تعليقهُ على شرطٍ مثل: إذا جاء رمضانُ فقدْ ضمنتُ. ويصحُّ ضمانُ الدَّرَكِ بعدَ قبضِ الثمنِ، وهوَ أنْ يضمنَ للمشتري الثمنَ إذا خرجَ المبيعُ مستَحَقَّاً أو معيباً.
وللمضمونِ لهُ مطالبةُ الضامنِ والمضمونِ عنهُ، فإنْ ضمِن عن الضامنِ ضامنٌ آخرُ طالبَ الكلَّ، وإنْ طالبَ الضامنَ فللضامنِ مطالبةُ الأصيلِ بتخليصهِ إنْ ضمنَ بإذنهِ، فإنْ أبرأَ الأصيلَ برئَ الضامنُ، وإنْ أبرأَ الضامنَ لمْ يبرأَ الأصيلُ، وإنْ قضى الضامنُ الدينَ رجعَ بهِ على الأصيلِ إنْ كانَ ضمنَ بإذنهِ، وإلا فلا، سواءٌ قضاهُ بإذنهِ أمْ لا. ولا يصحُّ ضمانُ الأعيانِ كالمغصوبِ والعواري.

(1/164)


[كفالةُ البدنِ]:
وتصحُّ الكفالةُ ببدنِ منْ عليهِ مالٌ أوْ عقوبةٌ لآدميٍّ كالقصاصِ وحدِّ القذفِ، بإذنِ المكفولِ، وإنْ كانَ عليهِ حدٌّ للهِ تعالى فلا تصحُّ، ثمَّ إذا صحَّتِ الكفالةُ فأطلقَ طولِبَ بهِ في الحالِ، وإنْ شَرَطَ أجلاً طولبَ بهِ عندَ الأجلِ، وإن انقطعَ خبرُهُ لمْ يطالبْ بهِ حتى يَعرفَ مكانهُ، ويُمهَلُ مدةَ الذهابِ والعودِ فإنْ لمْ يحضرهُ حُبسَ، ولا تلزمهُ غرامةُ ما عليهِ، وإنْ ماتَ المكفولُ سقطتِ الكفالةُ، لكنْ إنْ طولبَ بإحضارهِ قبلَ الدفنِ ليشهدَ على عينهِ وأمكنهُ ذاك لزمهُ.

بابُ الشَرِكةِ
تَصِحُّ من كلِّ جائزِ التصرُّفِ، وهي أنواعٌ أربعةٌ:
[1 - شركةُ العِنان]:
وإنما تصحُّ منها شركةُ العِنانِ خاصةً، وهي أن يأتيَ كلٌّ منهما بمالٍ، وتصحُّ على النقودِ وعلى مثليٍّ. ويُشترطُ أنْ يُخلطَ المالانِ بحيثُ لا يتميزانِ، وأنْ يكونَ مالُ أحدهِما من جنسِ مالِ الآخرِ وعلى صفتهِ، فلو كانَ لهذا ذهبٌ ولهذا فضةٌ، أو لهذا حنطةٌ ولهذا شعيرٌ، أو لهذا صحيحٌ ولهذا مكسَّرٌ لم يصحَّ.
ويُشترطُ أن يأذنَ كلٌّ منهما للآخرِ في التصرُّفِ، فيتصرَّفُ كلٌّ منهما بالنظرِ والاحتياطِ، فلا يسافرُ بهِ ولا يبيعُ بمؤجَّلٍ، ولا يُشترطُ تساوي المالينِ، ويكونُ الربحُ والخسرانُ بينهُما على قدْرِ المالينِ، فإن شرَطا خلاف ذلكَ

(1/165)


بطُلتْ، فإن عزلَ أحدُهُما الآخرَ عن التصرفِ انعزلَ، وللآخرِ التصرفُ إلى أنْ يعزلهُ صاحبهُ، ولكل منهما فسخُها متى شاءَ. [2 - شرك الأبدان]:
وأما شَرِكَةُ الأبدانِ فباطلةٌ، كشركةِ الحمَّالينَ وغيرهمْ من ذوي الحِرَفِ على أنْ يكونَ الكَسْبُ بينَهُمْ.
3 - وشركةُ الوجوهِ.
4 - والمفاوضةِ أيضاً باطلتانِ.

بابُ الوكالةِ
يُشترطُ في الموكِّل والوكيل أن يكونا جائزي التصرُّفِ فيما يوكَّلُ فيه، وتصحُّ وكالةُ الصبي في الإذْنِ في دخولِ الدارِ وحَمْلِ الهديةِ، والعبدِ في قبولِ النكاحِ.
ويجوزُ التوكيلُ في العقودِ والفسوخِ والطلاقِ والعِتْقِ، وإثباتِ الحقوقِ واستيفائها، وفي تمليكِ المباحاتِ كالصيدِ والحشيشِ والمياهِ.
وأما حقوقُ اللهِ تعالى: فإن كانتْ عبادةً لمْ تَجُزْ إلا في تَفْرِقةِ الزكاةِ والحجِّ وذبحِ الأضحيةِ، وإنْ كانَ حدَّاً جازَ في استيفائهِ دونَ إثباتهِ.
وشَرطُها: الإيجابُ باللفظِ من غيرِ تَعليقٍ كوكَّلتُكَ أو بعْ هذا الثوبَ.
والقبولُ باللفظِ أو الفعلِ وهو امتثالُ ما وُكِّلَ بهِ، ولا يُشترطُ الفوْرُ في القبول، فإنْ نجَّزها وعلَّقَ التصرُّفَ على شرطِ جازَ، كقولهِ: وكَّلتُكَ ولا تبِعْ إلى شهر.
وليس للوكيلِ أنْ يوكِّلَ إلا بإذنه، أو كانَ مما لا يتولاّه بنفسهِ، أو لا يَتمكنُ منهُ لكثرتهِ، وليس له أن يبيعَ

(1/166)


ما وُكِّلَ فيهِ لنفسهِ أو لابنهِ الصغيرِ، ولا بدونِ ثمنِ مثلهِ، ولا بمؤجَّلٍ، ولا بغيرِ نقْدِ البلدِ، إلا أن يأذنَ له في ذلك، ولو نَصَّ له على جنسِ الثمنِ فخالفَ لم يصحَّ البيعُ، كبعْ بألفِ درهم فباعَ بألفِ دينارٍ، وإن نصَّ على القدْرِ فزادَ منَ الجنسِ صحَّ، كبعْ بألفِ درهمٍ فباعَ بألفينِ، إلا أنْ ينهاهُ.
ولو قال: اشْترِ بمئة، فاشترى ما تُساويها بدونِ مئة صحَّ، وإن اشترى بمئتينِ ما يساوي مئتين فلا، وإن قال: اشْترِ بهذا الدينار شاةً، فاشترى به شاتينِ تساوي كلٌّ واحدةٍ ديناراً صحَّ، وكانتا للموكِّلِ، فإن لم تساوي كلُّ واحدةٍ ديناراً لم يصحَّ العقدُ، وإن قال: بِعْ لزيدٍ، فباعَ لغيرهِ لم يَجُزْ، وإنْ قال: اشْترِ هذا الثوبَ فاشتراهُ فوجدهُ مَعيباً فله الرَدُّ، أو اشْتر ثوباً، لم يجُز شراءُ مَعيبٍ. ويُشترطُ كونُ الموكَّل فيه معلوماً من بعض الوجوهِ، فلو قال: وكلتكِ في بيعِ مالي وعِتْقِ عبدي وطلاقِ زوجاتي صحَّ، أو في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ، أو في كلِّ أموري لم يصحَّ.
ويدُ الوكيلِ يدُ أمانةٍ، فما يتْلفُ معهُ بلا تفريطٍ لا يضمنُهُ، والقولُ في الهلاكِ والرَدِّ وما يُدَّعى عليهِ من الخيانة قولُهُ، ولكلٍّ منهما الفسخُ متى شاءَ، فإن عَزَلَهُ ولم يعلمْ فتصرَّفَ لم يصحَّ التصرُّفُ، وإن ماتَ أحدُهُما أو جُنَّ أو أُغمِيَ عليهِ انفسخَتْ.

(1/167)


بابُ الوديعةِ
لا تصحُّ إلا من جائزِ التصرُّفِ عندَ جائزِ التصرُّفِ، فإنْ أودعَ صبيٌّ أو سفيهٌ عندَ بالغٍ شيئاً فلا يقبلُهُ، فإن قبلهُ دخلَ في ضمانهِ، ولا يَبرأُ إلا بدفعهِ لوليِّه، فلو ردَّهُ للصبيّ ِلم يبرأْ، وإن أودع بالغ عند صبي فتلف عند الصبي لتفريط أو غيره لم يضمنه الصبي، وإن أتلفهُ ضَمِنَهُ.
ومن عَجَزَ عن حفظِ الوديعةِ حَرُمَ عليهِ قبولُها، وإن قَدَرَ ولم يَثِقْ بأمانةِ نفسهِ وخافَ أنْ يخونَ كُرهَ له أخذها، فإنْ وثِقَ استُحبَّ.
ثم يَلزَمهُ الحفظُ في حِرْزِ مثلها، فإن أرادَ السفرَ أو خافَ الموتَ فليرَدَّها إلى صاحبها، فإن لم يجدْه ولا وكيلَهُ سلَّمها إلى الحاكمِ، فإنْ فُقِدَ فإلى أمينٍ، فإن لم يفعلْ فماتَ ولمْ يوصِ بها، أو سافرَ بها، ضَمنَها، فإن سلَّمها إلى أمينٍ مع وجودِ الحاكمِ ضَمِنَ، إلا أن يموتَ فجأةً، أوْ يقعَ في البلدِ نهبٌ أو حريقٌ ولمْ يتمكنْ من شيءٍ من ذلكَ فسافرَ بها.
ومتى طلبها المالكُ لزمهُ الردُّ بأنْ يُخْلِيَ بينهُ وبينها، فإن أخَّرَ بلا عُذْرٍ، أوْ أودَعها عندَ غيرِهِ بلا سفرٍ ولا ضرورةٍ، أو خلطها بمالٍ لهُ أو للمودعِ أيضاً بحيثُ لا يتَمَيَّزُ، أو استعملها أو أخرَجها من الحِرْزِ ليَنتَفِعَ بها فلم يَنتفِعْ، أو حَفِظها في دونِ

(1/168)


حِرْزِها، أو قال له المالكُ: احفظْها في هذا الحِرْزِ. فوضعها في دونهِ وهو حرْزُها أيضاً، ضَمِنَها.
ولكلٍّ منهما الفسْخُ متى شاءَ، فإن ماتَ أحدُهُما أو جنَّ أو أُغميَ عليه انْفَسَخَتْ، ويدُ المودَعِ أمانةٌ، فالقولُ في أصلِ الإيداعِ أو في الرَّدِّ أو التلفِ قولُهُ، فلو قالَ: ما أودعتني شيئاً، أو ردَدْتُها إليكَ، أوْ تَلِفَتْ بلا تفريطٍ، صُدِّقَ بيمينهِ. ويُشترطُ لفظٌ منَ المُودِعِ كاستودعتُكَ واسْتَحْفَظْتُك، ولا يُشترطُ القَبولُ، بلْ يكفي القَبضُ. بابُ العاريةِ
تصحُّ من كلِّ جائزِ التصرفِ، مالكٍ للمنفعةِ ولو بإجارة.
ويجوزُ إعارةُ كلِّ ما يُنتفعُ به مع بقاء عينهِ بشرطِ لفظٍ من أحدهما.
وينتفعُ بحسَبِ الإذْنِ، فيفعلُ المأذونَ فيهِ أو مثلَهُ أو دونَهُ إلا أن ينهاهُ عن الغيرِ، فإن قالَ: ازرعْ حنطةً، جازَ الشعيرُ لا عكسُهُ، فإن قالَ: ازرعْ، وأطلقَ، زَرعَ ما شاءَ، فإنْ رجعَ قبلَ وقتِ الحصادِ بقيَ إلى الحصادِ، لكنْ بأجْرةٍ إن أذنَ مطلقاً، وبغيرها إن أذنَ في مُعيَّنٍ فزَرَعهُ. وإن قالَ: اغرِسْ أو ابنِ، ثم رجعَ، فإن كانَ شرَطَ عليهِ القلْعَ قَلَعَ، وإن لم يَشترِطْ واختارَ المُستعيرُ القلْعَ قَلَعَ، وإن لم يختَرْ فالمُعيرُ بالخيارِ بينَ تَبقِيَتِهِ بأجْرَةٍ وبينَ قَلْعِهِ وضَمانِ أَرْشِ ما نَقَصَ بالقَلْعِ.

(1/169)


ولهُ الرجوعُ في الإعارةِ متى شاءَ، إلا أن يُعيرَ أرضاً للدفْنِ فإنهُ لا يرجعُ فيها ما لم يَبْلَ الميتُ.
والعاريةُ مضمونةٌ، فإن تَلِفَتْ بغيرِ الاستعمالِ المأذونِ فيهِ ولو بغيرِ تفريطٍ ضَمِنها بقيمَتِها يومَ التَلَفِ، فإنْ تَلِفَتْ بالاستعمالِ المأذونِ فيهِ لم يَضْمَنْ، ومؤونةُ الرَّدِّ على المُستعيرِ، وليسَ لهُ أن يُعيرَ.

بابُ الغَصْبِ
هو الاستيلاءُ على حقِّ الغيرِ عُدْواناً، فمنْ غَصَبَ شيئاً لهُ قيمةٌ -وإنْ قلَّتْ- لزمهُ ردُّهُ، إلا أن يترتَّبَ على ردِّهِ تلفُ حيوانٍ أوْ مالٍ معصومَينِ، مثل: أنْ غَصَبَ لوحاً فسمَّرهُ على خَرْقِ سفينةٍ في وسطِ البحرِ وفيها مالٌ لغيرِ الغاصبِ، أو حيوانٌ معصومٌ، فإن تَلِفَ عندَهُ أوْ أَتْلفهُ فإنْ كانَ مِثلياً ضمِنهُ بمثلِهِ، فإنْ تعذرَ المِثلُ فالْقيمةُ أكثرَ ما كانتْ منَ الغصبِ إلى تعذُّر المثلِ، وإنْ كانَ متقوِّماً ضَمِنَهُ بقيمتهِ أكثرَ ما كانتْ منَ الغصبِ إلى التلفِ، حتى لوْ زادَ عندَ الغاصبِ بأنْ سَمنَ لزمَهُ قيمتُهُ سميناً، سواءٌ هزَلَ بعدَ ذلكَ أمْ لا.
فإن اختلفا في قدْرِ القيمةِ أوْ في التلفِ، فالقولُ قولُ الغاصبِ، أو في الردِّ فقولُ المالكِ، وإنْ ردَّهُ ناقصَ العينِ أو القيمةِ لعيبٍ، أو ناقِصهما ضمنَ الأَرْشَ، وإنْ نقَصَت القيمةُ

(1/170)


بانخفاضِ السعرِ فقط لم يَلزمهُ شيءٌ، وإنْ كانَ لهُ منفعةٌ ضمِنَ أجرتهُ للمدةِ التي قامَ في يدهِ، سواءٌ انتفعَ بهِ أمْ لا، لكنْ لا يلزمُهُ مهرُ الجاريةِ المغصوبةِ إلا أن يطأها وهيَ غيرُ مطاوعةٍ.
والمثليُّ هوَ ما حصرَهُ كيلٌ أو وزنٌ وجازَ فيهِ السَّلَمُ، كالحبوبِ والنقودِ وغيرِ ذلكَ.
والمتقوِّمُ غيرُ ذلكَ، كالحيواناتِ والمختلطاتِ كالهريسةِ وغيرِ ذلكَ.
وكلُّ يد ترتَّبت على يدِ الغصبِ فهي يدُ ضمانٍ، سواءٌ علمتْ بالغصْبِ أمْ لا، فللمالكِ أنْ يُضمِّنَ الأولَ والثاني، لكنْ إنْ كانت اليدُ الثانيةُ عالمةً بالغصبِ، أو جاهلةً وهيَ يدُ ضمانٍ كغَصْبِ عاريةٍ، أو لم تكنْ وباشرت الإتلافَ، فقرارُ الضمانِ على الثاني، أيْ: إذا غرَّمهُ المالكُ لا يَرجعُ على الأولِ، وإنْ غَرِمَ الأولُ رجعَ عليهِ، وإنْ جَهِلَت الغصبَ وهيَ يدُ أمانةٍ كوديعةٍ، فالقرارُ على الأولِ، أيْ: إذا غرِمَ الثاني رجعَ على الأولِ، وإنْ غرِمَ الأولُ فلا.
وإنْ غَصَبَ كلباً فيهِ منفعةٌ، أوْ جلْدَ ميتةٍ، أوْ خمراً منْ ذمِّيٍّ أوْ منْ مسلمٍ وهيَ محترَمَةٌ لزمَهُ الردُّ، فإنْ أتلفَ ذلكَ لمْ يضمنْهُ، فإنْ دُبغَ الجلدُ أوْ تخللت الخمرةُ فهما للمغصوبِ منهُ.

بابُ الشُّفْعَةِ
إنما تجبُ في جزءٍ مُشاعٍ منْ أرضٍ تَحتمِلُ القِسْمةَ إذا

(1/171)


مُلكتْ بمعاوَضةٍ، فيأخذُها الشريكُ أو الشركاءُ على قدْرِ حِصَصِهِمْ، بالعِوَضِ الذي استقرَّ عليهِ العقدُ، والقولُ قولُ المشتري في قَدْرهِ.
ويُشترطُ اللفظُ: كتملَّكْتُ أوْ أخذْتُ بالشفْعةِ، ويجِبُ معَ ذلكَ: إما تسليمُ العوَضِ إلى المشتري، أوْ رضاهُ بكونهِ في ذمةِ الشفيعِ، أوْ قضاءُ القاضي لهُ بالشُفْعةِ، فحينئذٍ يملِكُ.
فإنْ كانَ ما بذلهُ المشتري مثلياً دفعَ مِثْلَهُ، وإلا فقيمتُهُ حالَ البيعِ، أما المِلكُ المقسومُ، أو البناء والغِراس إذا بيعا منفردَيْنِِ، أو ما تبطُلُ بالقِسْمة منفعتُهُ المقصودةُ، كالبئرِ والطريقِ الضيقِ، أو ما مُلِكَ بغيرِ معاوضةٍ كالموهوبِ، أو ما لمْ يُعلمْ قَدْرُ ثمنهِ، فلا شُفعةَ فيهِ، وإنْ بيعَ البناءُ والغراسُ معَ الأرضِ أخذهُ بالشُفعةِ تبعاً لها.
والشُفعةُ على الفورِ، فإذا عُلمَ فليبادرْ على العادةِ، فإنْ أخَّرَ بلا عُذرٍ سقطتْ، إلا أنْ يكونَ الثمنُ مؤجلاً فيتخيرُ، إنْ شاءَ عجَّلَ وأخذَ، وإنْ شاءَ صبرَ حتى يحلَّ ويأخذَ. ولوْ بلغهُ الخبرُ وهوَ مريضٌ أوْ محبوسٌ فليوكِّلْ، فإنْ لمْ يفعلْ بطُلت، فإنْ لمْ يقدرْ أوْ كانَ المُخبِرُ صبياً، أوْ غيرَ ثقةٍ، أوْ أُخْبِرَ وهو مسافرٌ فسافرَ في طلبهِ فهوَ على شُفعتِهِ.
وإنْ تصرَّفَ المشتري فبنى أوْ غرسَ، تَخَيَّرَ الشفيعُ بينَ تَملُّكِ ما

(1/172)


بناهُ بالقيمةِ وبينَ قلْعهِ وضمانِ أرْشِهِ، وإنْ وهبَ المشتري الشِّقْصَ، أو وَقَفَهُ، أو باعهُ، أو ردَّهُ بالعيبِ، فلهُ أنْ يفسخَ ما فعلهُ المشتري، ولهُ أنْ يأخذَ منَ المشتري الثاني بما اشترى بهِ.
وإذا ماتَ الشفيعُ فللورثةِ الأخذُ، فإنْ عفا بعضُهُمْ أخذَ الباقونَ الكلَّ أوْ يدَعون.

بابُ القِراضِ
هوَ أنْ يدفعَ إلى رجلٍ مالاً ليتَّجِرَ فيهِ، ويكونَ الربح بينهما، ويجوزُ منْ جائزِ التصرُّفِ مع جائزِ التصرُّفِ. وشرطُهُ:
1 - إيجابٌ وقَبولٌ.
2 - وكونُ المالِ نقداً خالصاً مضروباً.
3 - معلومَ القدْرِ.
4 - مُعيَّناً.
5 - مسلَّماً إلى العاملِ.
6 - بجزءٍ معلومٍ منَ الربحِ كالنصفِ والثلثِ.
فلا يجوزُ على عُروضٍ ومغشوشٍ وسبيكةٍ، ولا على أنْ يكونَ المالُ عندَ المالكِ، ولا على أنَّ لأحدهما رِبحَ صنفٍ معينٍ، ولا عشَرَة دراهمَ، ولا على أنَّ الرِبحَ كلَّهُ لأحدهما، ولا على أنَّ المالكَ يعملُ معهُ.
ووظيفةُ العاملِ التجارةُ وتوابعُها بالنظرِ والاحتياطِ، فلا يبيعُ بغَبْنٍ ولا نسيئةٍ، ولا يسافرُ بلا إذنٍ ونحوِ ذلكَ، فلوْ شَرطَ عليهِ أنْ يشتريَ حنطةً فيطحن ويخبز، أو غزلاً فينسجَ ويبيعَ، أوْ أنْ لا يتصرَّفَ إلا في كذا وهو عزيزُ الوجودِ، أوْ لا يعاملَ العاملُ إلا زيداً، فسدَ، فحيثُ

(1/173)


فسدَ نفذَ تصرفُ العاملِِ بأجرةِ المثلِ، وكلُّ الربحِ للمالكِ، إلا إذا قالَ المالكُ: الربحُ كلُّهُ لي، فلا شيءَ للعاملِ. ومتى فسخَهُ أحدُهُما أوْ جُنَّ أوْ أغميَ عليهِ انفسخَ العقدُ، فيلزمُ العاملَ تنضيضُ رأسِ المالِ، والقولُ قولُ العاملِ في قدْرِ رأسِ المالِ، وفي ردِّهِ، وفيما يدَّعي منْ هلاك، وفيما يُدَّعى عليهِ منَ الخيانةِ.
وإنْ اختلفا في قدْرِ الرِبحِ المشروطِ تحالَفا، ولا يملكُ العاملُ حصتهُ منَ الربحِ إلا بالقِسْمةِ.

بابُ المساقاةِ
تصحُّ ممنْ يصحُّ قراضُهُ على كرْمٍ ونخْلٍ خاصةً، مغروسَينِ إلى مدةٍ يبقى فيها الشجرُ ويُثمرُ غالباً، بجزءٍ معلومٍ منَ الثمرةِ كثُلُثٍ ورُبعٍ كالقِراضِ، ويملكُ حِصتَهُ منَ الثمرةِ بالظهورِِ.
ووظيفتُهُ أنْ يعملَ ما فيهِ صلاحُ الثمرةِ كتلقيحٍ وسقيٍ، وتنقيةِ ساقيةٍ، وقطعِ حشيشٍ مُضرٍّ ونحوِهِ، وعلى المالكِ ما يحفظُ الأصلَ، كبناءِ حائطٍ وحَفْرِ نَهرٍ ونحوهِ.
والعاملُ أمينٌ، فإنْ ثبتَتْ خيانتُهُ ضُمَّ إليهِ مُشرِفٌ، لأنَّ المساقاةَ لازمةٌ ليسَ لأحدهما فسْخُها كالإجارةِ، فإنْ لمْ يتحفَّظْ بالمشرِفِ استؤجِرَ عليهِ من يعملُ عنهُ.

(1/174)


فصل [المزارعة]:
العملُ في الأرضِ ببعضِ ما يخرُجُ منها إن كانَ البذْرُ من المالكِ سُميَ مُزارعةً، أو منَ العاملِ سُميَ مخابَرَةً، وهما باطلتانِ، إلا أن يكونَ بينَ النخيلِ بياضٌ وإن كَثُرَ، فتصحُّ المزارعةُ عليهِ تبَعاً للمساقاةِ على النخيلِ، وإن تفاوتَ المشروطُ في المساقاة والمزارعةِ، بشرط:
1 - أن يتحدَ العاملُ في الأرضِ والنخيلِ.
2 - ويعسُرَ إفرادُ النخلِ بالسقي، والبياضِ بالعِمارةِ.
3 - وأن يتقدمَ لفظُ المساقاةِ، فيقول: ساقَيْتُكَ وزارعْتُكَ.
4 - وأن لا يُفْصَلَ بينهما.
ولا تجوزُ المخابَرَةُ تَبَعاً للمساقاةِ.

بابُ الإجارةِ
تصحُّ الإجارةُ ممن يصحُّ بيعُهُ، وشرطها:
إيجابٌ: مثلُ آجرتُك هذا أو منافعهُ، أو أكْريتُك. وقَبولٌ. وهي على قسمين: إجارةُ ذِمةٍ، وإجارةُ عَيْنٍ.
فإجارةُ الذمةِ: أن يقولَ استأجرتُ منكَ دابةً صفتُها كذا، أو استأجَرتُكَ لِتُحصِّلَ لي خياطةَ ثوبٍ أو ركوبي إلى مكة.
وإجارةُ العينِ: مثلُ استأجَرْتُ منكَ هذه الدابةَ أو استأجرتُكَ لِتَخيطَ لي هذا الثوبَ.
وشرطُ إجارةِ الذمةِ: قبضُ الأجرةِ في المجلسِ.
وشرطُ إجارةِ العينِ:
1 - أن تكونَ العينُ مُعيَّنة.
2 - مقدوراً على تسليمها.

(1/175)


3 - يمكنُ استيفاءُ المنفعةِ المذكورةِ منها.
4 - ويتصلُ استيفاءُ منفعتها بالعقدِ.
5 - ولا يتضَّمنَ الانتفاعُ استهلاكَ عينها.
6 - وأن يعقدَ إلى مدةٍ تبقى فيها العينُ غالباً، ولو مئةَ سنةٍ في الأرضِِِ.
فلا تصحُّ إجارةُ أحدِ العبدَيْنِ، ولا غائبٍ وآبقٍ، وأرضٍ لا ماءَ لها ولا يكفيها المطرُ للزرعِ، وحائضٍ لكَنْسِ مسجدٍ، ومنكوحَةٍ للرضاعِ بلا إذنِ زوجٍ، ولا استئجارُ العامِ المُستقبَلِ لغيرِ المستأجر -ويجوزُ لهُ- ولا الشمعِ للوقودِ، ولا ما لا يبقى إلا سنةً مثلاً أكثرَ منها.
وشرْطُها: أن تكونَ المنفعةُ مباحةً متقومةً معلومةً، كقولهِ: آجرتُكَ لتزرعَ، أو تبْني، أو تحملَ قنطارَ حديدٍ أو قُطنٍ، في مدة معلومةٍ، وبأجرةٍ معلومةٍ، ولو بالرؤيةِ جُزافاً، أو منفعةً أخرى.
فلا تصحُّ على: زمرٍ، وحمْلِ خمرٍ لغيرِ إراقتها، وكلمةِ بيَّاعٍ لا كُلفةَ فيها وإن روَّجتِ السِّلعةَ، وحملِ قِنطار لم يُعيَِّن ما هو، وكلِّ شهرٍ بدرهمٍ ولم يُبيِّنْ جُملةَ المدةِ، ولا بالطُّعمةِ والكِسْوةِ.
ثمَّ المنفعةُ قد لا تُعرفُ إلا بالزمانِ -كالسُّكنى والرَّضاعِ- فتُقدَّر به، وقد لا تُعرفُ إلا بالعملِ كالحجِّ ونحوهِ فتقدَّرُ بهِ، وقد تُعرَفُ بهما -كالخياطةِ والبناءِ وتعليمِ القرآنِ- فتقدَّرُ بأحدهما، فإن قُدِّرتْ بهما فقال: لتخيطَ لي هذا الثوبَ بياضَ هذا اليومِ، لم يصحَّ.

(1/176)


وتُشترطُ معرفةُ الراكبِ بمشاهَدَةٍ أو وصف تام، وكذا ما يركَبُ عليهِ من محْمل وغيرهِ.
وفي إجارةِ الذمةِ ذِكرُ جنسِ الدابةِ ونوعها، وكونِها ذكراً أو أنثى في الاستئجار للركوبِ لا للحملِ، إلا أن يكونَ لنحو زجاج.
وما يُحتاج إليه للتمكُّن من الانتفاعِ كالمِفتاحِ والزِّمامِ والحزامِ والقَتَبِ والسَّرْجِ فهو على المُكْري، أو لكمالِ الانتفاعِ كالمَحمِلِ والغطاء والدلْوِ والحبْلِ فعلى المُكتري.
وعلى المُكري في إجارةِ الذمةِ الخروجُ معهُ والتحميلُ والحطُّ وإركابُ الشيوخِ وإبراكُ الجملِ للمرأةِ والضعيفِ، وللمكتري أن يستوفيَ المنفعةَ بالمعروفِ أو مثلَها إما بنفسهِ أو مثلِهِ، فإذا استأجرَ ليزرعَ حنطةً زرعَ مثلَها، أو ليركَبَ أَرْكَبَ مثلَهُ، وإن جاوزَ المكانَ المُكترَى إليهِ لزمهُ المسمى في المكانِ أجرةُ المثلِ للزائدِ.
ويجوزُ تعجيلُ الأجرةِ وتأجيلُها، فإنْ أطلقا تعجلتْ.
ويجوزُ في إجارةِ الذمَّةِ تعجيلُ المنفعةِ وتأجيلُها.
وإنْ تَلِفت العينُ المستأجرةُ انفسختْ في المستقبلِ، وإنْ تعيَّبتْ تَخيَّرَ، فإنْ كانت الإجارةُ في الذمةِ لمْ تنفسْخ ولم يتخيَّرْ بلْ لهُ طلبُ بدلها ليستوفيَ المنفعةَ، وإنْ تلِفَتِ العينُ التي استؤجِرَ على العملِ فيها في يدِ الأجيرِ، أو العينُ المستأجرةِ في يدِ المستأجرِ بلا عدوانٍ لمْ يضمنْها.
وإنْ ماتَ أحدُ المتكاريَيْنِ

(1/177)


والعينُ المستأجرةُ باقيةٌ لم تنفسخْ، وإذا انقضت المدةُ لزمَ المستأجرَ ردُّ العينِ وعليهِ مؤونةُ الردِّ.
وإذا عُقِدَ على مدةٍ أوْ منفعةٍ معيَّنةٍ فسلمَ العينَ وانقضت المدةُ أوْ زمنٌ يمكنُ فيهِ استيفاءُ المنفعةِ، استقرَّتِ الأجرةُ ووجبَ ردُّ العينِ، وتَستقرُّ في الإجارةِ الفاسدةِ أُجرةُ المثلِ، حيثُ يستقرُّ المُسمَّى في الصحيحةِ.
فصل الجُعالةِ:
إذا قال: منْ بنى لي حائطاً فلهُ درهمٌ، أوْ منْ ردَّ لي آبقي فلهُ كذا، فهذهِ جَعَالةٌ يُغتفرُ فيها جهالةُ العملِ دونَ جهالةِ العِوَضِ، فمنْ بنى، أوْ ردَّ إليهِ الآبِقَ -ولوْ جماعةً- استحقَّ الجُعلَ. ومنْ عملَ بلا شرطٍ لمْ يستحقَّ شيئاً، فلوْ دفعَ ثوباً لغسَّالٍ فقالَ: اغسلْهُ، ولمْ يسمِّ لهُ أجرةً، فغسلَهُ لمْ يستحقَّ شيئاً، فإنْ قالَ: شرطْتَ لي عِوضاً فأنكرَ، فالقولُ قولُ المُنكِرِ.
ولكلٍّ منهما فسخُها، لكنْ إنْ فسخَ صاحبُ العملِ بعدَ الشروعِ لزمهُ قسطُهُ منَ العِوضِ، وفيما سوى ذلك لا شيءَ للعاملِ.

بابُ اللقطةِ واللقيطِ
إذا وَجَدَ الحُرُّ الرشيدُ لُقطةً جازَ التقاطُها، فإنْ وثقَ بأمانةِ نفسهِ نُدبَ، وإنْ خافَ الخيانةَ كُرهَ.
ثمَّّ يُندبُ أنْ يعرِفَ جنسها وصفتها وقدْرَها ووعاءها ووِكاءَها وهوَ

(1/178)


الخيطُ الذي رُبطَتْ بهِ، وأنْ يُشهِدَ عليها.
ثمَّ إنْ كانَ الالتقاطُ في الحَرَمِ أوْ كانت اللقطةُ جاريةً يحلُّ لهُ وَطؤها بمِلكِ أوْ نِكاحٍ، أو وجدَ في بريةٍ حيواناً يمتنِعُ منْ صغارِ السباعِ كبعيرٍ وفرسٍ وأرنبٍ وظبيٍ وطيرٍ فلا يجوزُ في هذهِ المواضعِ أنْ يلتقطَ إلا للحفظِ على صاحبها، فإنْ التقطَ للتمَلُّكِ حَرُمَ وكانَ ضامناً، وفيما عدا ذلكَ يجوزُ للحفظِ والتَّملُّكِ.
فإن التقطَ للحفظِ لمْ يلزمْهُ تعريفُها، وتكونُ عندهُ أمانةً لا يتصرَّفُ فيها أبداً إلى أنْ يجدَ صاحبَها فيدفعَها إليهِ، وإنْ دفعَها إلى الحاكمِ لزِمهُ القَبولُ، نعمْ لُقَطةُ الحَرَمِ مع كونها للحِفظِ يجبُ تعريفُها.
وإن التقطَ للتملكِ وجبَ أنْ يعرِّفها سنةً على أبوابِ المساجدِ والأسواقِ والمواضعِ التي وجدها فيها على العادةِ، ففي أولِ الأمرِ يُعرِّفُ طرَفي النهارِ، ثمَّ في كلِّ يومٍ مرةً، ثمَّ في كلِّ أسبوعٍ، ثمَّ في كلِّ شهرٍ مرةً بحيثُ لا يُنسى التعريفُ الأولُ ويُعْلَمُ أنَّ هذا تكرارٌ لهُ، فيذكرَ بعضَ أوصافها ولا يستوعِبها.
وإنْ كانت اللقَطةُ يسيرةً وهيَ مما لا يُتأَسَّفُ عليهِ ويُعرَضُ عنهُ غالباً إذا فُقِدَ لمْ يجبْ تعريفها سنةً بلْ زمناً يُظَنُّ أنَّ فاقدها أعرضَ عنها، ثمَّ إذا عرَّفَ سنةً لم ْ تدخلْ في مِلكهِ حتى يختارَ التَّملُّكَ باللفظِ، فإذا اختارهُ ملَكَها، حتى لوْ تَلِفَتْ قبلَ أن يختارَ لمْ يضْمَنْها،

(1/179)


وإذا تملّكها ثمَّ جاءَ صاحبُها يوماً منَ الدهرِ فلهُ أخْذُها بعينها إن كانتْ باقيةً وإلا فمِثلِها أوْ قيمتِها، وإنْ تعيَّبتْ أخذها معَ الأرشِ. ويُكرهُ التقاطُ الفاسقِ ويُنْزعُ منهُ ويُسلَّمُ إلى ثقةٍ، ويُضمُّ إلى الفاسقِ ثقةٌ يُشرفُ عليهِ في التعريفِ ثمَّ يتملَّكُها الفاسقُ، ولا يصحُّ لَقْطُ العبدِ، فإنْ أخذها السيدُ منهُ كانَ السيدُ ملتقِطاً.
وإذا لمْ يُمكنْ حفظُ اللقطةِ كالبطيخِ ونحوهِ يُخيَّرُ بينَ أكلِهِ وبيعهِ ثمَّ يُعرِّفُ سنةً، وإنْ أمكنَ إصلاحُهُ كالرطَبِ فإنْ كانَ الأحظُّ في بيعهِ باعهُ، أوْ تجفيفهُ جَفَّفَهُ.
فصل [التقاطِ المنبوذِ]:
التقاطُ المنبوذِ فرضُ كفايةٍ، فإذا وُجدَ لقيطٌ حُكِمَ بحريتهِ وكذا بإسلامهِ إنْ وُجدَ في بلدٍ فيهِ مسلمٌ وإنْ نفاهُ، فإنْ كانَ معهُ مالٌ متصلٌ بهِ أوْ تحتَ رأسهِ فهوَ لهُ، فإذا التقَطهُ حرٌّ، مسلمٌ، أمينٌ، مقيمٌ، أُقرَّ في يدهِ، ويلزمُهُ الإشهادُ عليهِ وعلى ما معهُ، ويُنفقُ عليهِ منْ مالهِ بإذنِ الحاكمِ، فإنْ لمْ يكنْ حاكمٌ أنفقَ منهُ وأشهدَ، فإنْ لمْ يكنْ لهُ مالٌ فمنْ بيتِ المالِ، وإلا اقتَرَضَ على ذمةِ الطفلِ، وإنْ أخذَهُ عبدٌ، أوْ فاسقٌ، أو منْ يَظعَنُ بهِ منَ الحضرِ إلى الباديةِ، وكذا كافرٌ وهوَ محكومٌ بإسلامِهِ انتُزِعَ منهُ، وإنْ التقطَهُ اثنانِ وتنازعا فالموسرُ المقيمُ أولى.

(1/180)


بابُ المسابقةِ
تجوز على العِوَض بينَ الخيلِ والبِغالِ والحميرِ والإبلِ والفيلةِ، بشرطِ اتحادِ الجنسِ، فلا تجوزُ بينَ بعيرٍ وفرسٍ، ويُشترطُ معرفةُ المرْكوبَيْنِ وقدْرِ العِوَضِ والمسافةِ.
ويجوزُ أنْ يكونَ العِوَضُ منهما أوْ من أحدهما أوْ منْ أجنبيٍّ، فإنْ كانَ منْ أحدهما أوْ منْ أجنبيِّ جازَ بلا شرطٍ، فمنْ سَبَقَ أخذَهُ.
وإنْ كانَ منهما اشتُرطَ أنْ يكونَ معهما مُحَلِّلٌ، وهو ثالثٌ على مركوبٍ كفْءٍ لمركوبيْهما لا يُخرجُ عِوَضاً، فمنْ سبقَ منَ الثلاثةِ أخذَ، وإنْ سبقَ اثنان اشتركا فيه.
[المناضلة]:
وتجوزُ على النَّشَّابِ والرمحِ وآلاتِ الحربِ، والعِوَضُ منهما، أوْ منْ أحدهما أوْ منْ أجنبيٍّ، والمُحَلِّلُ معَهُما إذا كان منهما على ما تقدَّم، ويُشترطُ تعيينُ الرمياتِ، وعددِ الرَّشْقِ، والإصابةِ، وصفةِ الرميِ، والمسافةِ، ومَن البادئُ منهما، ولا تجوزُ بالعِوَضِ على الطيورِ، والأقدامِ، والصَّراعِ. بابُ الوقفِ
هوَ قربةٌ، ولا يصحُّ إلا منْ مُطلَقِ التصرُّفِ، في عينٍ مُعيَّنةٍ، يُنتفعُ بها معَ بقاءِ عينها دائماً، كالعقارِ والحيوانِ، على جهةٍ معيَّنةٍ، غيرِ نفسِهِ، وغيرِ مُحرَّمةٍ، إما قُربةٌ

(1/181)


كالمساجدِ والأقاربِ وسبيلِ الخيرِ، وإما مباحةٌ كالأغنياءِ وأهلِ الذمَّةِ، باللفظِ المنجَّزِ، وهوَ: وقفتُ وحبستُ وسبَّلتُ، أوْ: تصدقْتُ صدقةً لا تباعُ.
فحينئذٍ ينتقِلُ المِلكُ في الرَّقبَةِ إلى اللهِ تعالى، ويملكُ الموقوفُ عليهِ غلَّتَهُ ومنفعته، إلا الوطءَ إنْ كانَ جاريةً.
وينظُرُ فيهِ مَنْ شَرَطَ الواقفُ إما بنفسهِ، أو الموقوفِ عليهِ، أوْ غيرِهما، فإنْ لمْ يَشرِطْ فالحاكمُ، وتُصْرَفُ الغَلَّةُ على ما شَرَطَ مِنَ المفاضَلةِ، والتقديمِ، والجمعِ، والترتيبِ، وغيرِ ذلكَ.
وإنْ وقفَ شيئاً في الذمةَ، أوْ إحدى الدارينِ، أو مطعوماً، أوْ رَيحاناً، أو وقفَ ولم يُعيِّنِ المَصرِفَ، أوْ وقفَ على مجهولٍ، أو على نفسهِ، أو على مُحرَّم كعمارةِ كنيسةٍ، أوْ علَّقَ ابتداءَهُ وانتهاءَهُ على شرطٍ، كقولهِ: إذا جاءَ رأسُ الشهرِ فقدْ وقفتُ، أوْ وقفتُهُ إلى سنةٍ، أوْ على أنَّ لي بيعَهُ، أوْ على منْ لا يجوزُ ثمَّ على منْ يجوزُ، كعَلَى نفسهِ ثمَّ للفقراءِ، بطلَ.
ولوْ وقفَ على مُعيَّنٍ اشتُرِطَ قَبولُهُ، فإنْ رَدَّهُ بطلَ، وإنْ وقفَ على زيدٍ ولمْ يقلْ: وبعدَهُ إلى كذا، صحَّ، ويُصرَفُ بعدَ زيدٍ لفقراءِ أقاربِ الواقفِ، وإنْ وقفَ على عبدٍ نفسِهِ بطلَ، وإنْ أطلقَ فهو لسيدهِ.

بابُ الهبةِ
هيَ مندوبةٌ وللأقاربِ أفضلُ، وتُندبُ التسويةُ فيها

(1/182)


بينَ أولادهِ حتى بينَ الذكرِ والأنثى، وإنما تصحُّ منْ مطلقِ التصرفِ فيما يجوزُ بيعُهُ بإيجابِ مُنَجَّزٍ وقَبولٍ.
ولا تُملكُ إلا بالقبضِِ، فلهُ الرجوعُ قبلهُ، ولا يصحُّ القبضُ إلا بإذنِ الواهبِ، فلو وهبَهُ شيئاً عندهُ، أوْ رهنَهُ إياهُ فلا بدَّ من الإذنِ في قبضهِ ومضيِّ زمن يتأتى فيهِ قبضُهُ والمُضيُّ إليهِ. فإذا ملكَ لم يكن للواهبِ الرجوعُ إلا أن يَهَبَ لولدهِ أوْ ولدِ ولدهِ وإنْ سفلَ، فلهُ الرجوعُ فيهِ بعدَ قبضِهِ بزيادتِهِ المتصلةِ كالسِّمَنِ لا المنفصلةِ كالولدِ، فلوْ حُجرَ على الولدِ بفلَسٍ أو باعَ الموهوبَ ثمَّ عادَ إليهِ فلا رجوعَ.
فإنْ وهَبَ وشَرَطَ ثواباً معْلوماً صحَّ وكانَ بيعاً، أوْ مجهولاً بطلَ، وإنْ لمْ يَشْرطهُ لمْ يلزمْ.

بابُ العتقِِ
هو قربةٌ ولا يصحُّ إلا منْ مُطْلقِ التصرفِ، ويصحُّ بالصَّريحِ بلا نيةٍ، وبالكنايةِ معَ النيةِ.
فصريحُهُ العِتْقُ والحريةُ وفَكَكْتُ رَقَبَتَكَ.
والكنايةُ لا مِلكَ لي عليكَ، ولا سُلطانَ لي عليكَ، وأنتَ لله، وحبْلُكَ على غاربِكَ، وشِبهُ ذلكَ.
ويجوزُ تعليقُهُ على شرْطٍ مثلُ: إذا جاءَ زيدٌ فأنتَ حرٌّ، فإذا علَّقَ بِصِفةٍ لمْ يملِكِ الرجوعَ فيهِ بالقولِ، ويجوزُ

(1/183)


الرجوعُ بالتصرفِ كالبيعِ ونحوهِ، فإن اشتراهُ بعد ذلكَ لمْ تعُد الصفةُ، ويجوزُ في العبدِ وفي بعضهِ، فإنْ أعتقَ بعضَ عبدِهِ عتق كلُّهُ، فإنْ كانَ عبداً بينَ اثنينِ فعتَقَ أحدُهُما نَصيبَهُ عتق، ثمّ إنْ كانَ موسراً عتقَ عليهِ نَصيبُ شريكِهِ في الحالِ، ولزمهُ قيمتُهُ حينئذٍ، وإنْ كانَ مُعسراً عَتَقَ نصيبُهُ فقط.
ومنْ ملَكَ أحدَ الوالدينِ وإنْ علوا أو المولودينَ وإن سفلوا عتقَ عليه، وإنْ ملكَ بعضهُ فإن كانَ برضاهُ وهوَ موسرٌ قُوِّمَ عليهِ الباقي وعتقَ، وإلا فلا، ولوْ أعتقَ الحاملَ عتقتْ هي وحَمْلُها، أو أعتقَ الحمْلَ عتقَ دونها، ولوْ قالَ: أعتقْتُكَ على ألفٍ، أوْ بعتُكَ نفسَكَ بألف وقَبِلَ، عتق ولزمهُ الألف.

بابُ التدبيرِ
التدبيرُ قُرْبَةٌ، وهو أن يقولَ: إذا متُّ فأنتَ حُرٌّ أوْ دبَّرتُك، أوْ أنتَ مدَبَّرٌ. ويعتبرُ منَ الثلُثِ، ويصحُّ منْ مُطلق التصرُفِ وكذا منْ مبذرٍ لا صبيٍّ.
ويجوزُ تعليقُهُ على صفةٍ مثلُ: إنْ دخلتَ الدارَ فأنتَ حرٌّ بعدَ موتي، فيُشترطُ الدخولُ قبلَ الموتِ. وإذا دبَّرَ بعضَ عبدهِ، أوْ كلَّ ما يملكُهُ مَنَ العبدِ المُشترَك، لمْ يسرِ إلى الباقي، ويجوزُ الرجوعُ فيهِ بالتصرُفِ لا بالقولِ.
ولوْ أتت

(1/184)


المدبَّرةُ بولدٍ لمْ يتبعها في التدبيرِ.
فصل [الكتابةِ]
الكتابةُ قربةٌ، تعتبرُ في الصحَّةِ منْ رأسِ المالِ، وفي مرضِ الموتِ منَ الثُلُثِ، ولا تصحُّ إلا منْ جائزِ التصرُفِ، مع عبدٍ بالغٍ عاقلٍ، على عِوَضٍ في الذمةِ، معلومِ الصفةِ، في نَجميْنِ فأكثرَ، يعلمُ ما يؤدي في كلِّ نجمٍ، بإيجاب منجَّزٍ، وهوَ: كاتَبتُكَ على كذا تؤديهِ في نجميْن، كلُّ نجمِ كذا، فإذا أدَّيتَ فأنتَ حُرٌّ. وقَبولٌ.
ولا يجوزُ كتابةُ بعضِ عبدٍ إلا أنْ يكونَ باقيهِ حرّاً، ولا تُستحبُّ إلا لمنْ يُعرَفُ كَسْبُهُ وأمانتُهُ، وللعبدِ فسْخُها متى شاءَ، وليسَ للسيِّدِ فسْخُها إلا أنْ يَعجَزَ المُكاتَبُ عن الأداءِ، وإنْ ماتَ العبدُ انفسخَتْ، أو السيدُ فلا، ويلزمُ السيدَ أنْ يحُطَّ عنهُ جزءاً منَ المالِ وإنْ قلَّ قبلَ العِتقِ، أو يدفَعَهُ إليهِ، وفي النجمِ الأخيرِ أليَقُ، ويُندبُ الربُعُ، فإنْ لمْ يفعلَ حتى قبضَ المال ردَّ عليهِ بعضهُ، ولا يعتقُ المكاتَبُ ولا شيءٌ منهُ ما بقيَ عليهِ شيءٌ.
ويَملك بالعقدِ منافعهُ وأكسابهُ وهو معَ السيدِ كالأجنبيِّ، ولا يتزوجُ ولا يهبُ ولا يعتقُ ولا يُحابي إلا بإذنِ السيدِ، ولا يجوزُ بيعُ المكاتبِ، ولا بيعُ ما في ذمتهِ منَ النجومِ. وولدُ المكاتبةِ يعتقُ إذا عتقتْ.

(1/185)


فصلٌ [في حكمِ أمهاتِ الأولاد]:
إذا أولدَ جاريتَهُ، أوْ جاريةً يملِكُ بعضها أوْ جاريةَ ابنهِ فالولدُ حرٌّ، والجاريةُ أمُّ ولدٍ له، فتعتِقُ بموتهِ ويمتنع بيعُها وهبَتُها.
ويجوزُ استخدامُها وإجارتُها وتزويجُها، وكَسْبُها للسيدِ، وسواءٌ ولدتْهُ حيّاً أوْ ميْتاً، لكنْ لوْ لمْ يُتَصوَّر فيهِ خلقُ آدميٍّ لمْ تَصِرْ أمَّ ولدٍ، ولوْ أولدَ جاريةَ أجنبيٍّ بنِكاحٍ أوْ زِناً فالولدُ مِلكٌ لسيدها، أوْ بشُبهةٍ فهو حرٌّ، فلوْ ملكها بعدَ ذلكَ لمْ تَصِرْ أمَّ ولدٍ.

بابُ الوصيةِ
تصِحُّ من المكلَّفِ الحرِّ ولوْ مبذِّراً، ثمَّ الكلامُ في فصلينِ:
أحدُهُما في نَصْبِ الوصيِّ: وشرطُهُ: التكليفُ، والحريةُ، والعدالةُ، والاهتداءُ للموصَى بهِ، فلوْ أوصى لغيرِ أهلٍ فصارَ عندَ الموتِ أهلاً، أو أوصى لجماعةٍ، أوْ لزيدٍ ثمَّ منْ بعدهِ لعَمروٍ، أو جعلَ للوصيِّ أنْ يوصيَ منْ يختارُ، صحَّ، ولا يتمُّ إلا بالقَبُولِ بعدَ موتِ الموصِي ولوْ على التراخي، ولكلٍّ منهما العزْلُ متى شاءَ. ولا تصحُّ الوصيةُ إلا في معروفٍ وبِرٍّ، كقضاءِ دَينٍ، وحجٍّ، والنظرِ في أمرِ الأولادِ وشبههِ، وليسَ لهُ أنْ يوصيَ على الأولاد وصيّاً والجدُّ أبُ الأبِ حيٌّ أهلٌ للولايةِ.
الفصل الثاني في الموصى بهِ:
تجوزُ الوصيةُ بثُلثِ المالِ

(1/186)


فما دونَهُ، ولا تجوزُ بالزيادةِ عليهِ، والمرادُ ثُلُثَهُ عندَ الموتِ، فإنْ كانَ ورثتُهُ أغنياءَ نُدِبَ استيفاءُ الثُلثِ، وإلا فلا، فإنْ زادَ عليهِ بطلتْ في الزائدِ إنْ لمْ يكنْ لهُ وارثٌ، وكذا إن كان ورُدَّ الزائدُ، فإنْ أجازَهُ صحَّ، ولا تصحُّ الإجازةُ والرَّدُّ إلا بعدَ الموتِ.
وما وصَّى بهِ منَ التبرعاتِ تعتبرُ منَ الثُلثِ، وكذا منَ الواجباتِ إنْ قيَّدهُ بالثلثِ، فإنْ أطلقهُ فمن رأسِ المالِ، وما نجَّزهُ في حياتهِ منَ التبرعاتِ كالوقفِ والعِتقِ والهبةِ وغيرها: فإنْ فعلهُ في الصحَّةِ اعتُبرَ منْ رأسِ المالِ، وإنْ فعلهُ في مرضِ الموتِ، أو في حالِ التحامِ الحربِ، أو تموُّجِ البحرِ، أوِ التقديمِ للقتلِ، أوِ الطَّلْقِ، أوْ بعدَ الولادةِ وقبلَ انفصالِ المشيمةِ، واتصلتْ هذهِ الأشياءُ بالموتِ اعتُبِرَ منَ الثُلثِ وإلا فلا.
فإنْ عجَزَ الثلثُ، عما نجَّزهُ في المرضِ بُدئ بالأولِ فالأول، فإنْ وقعتْ دُفعةً، أو عجَزَ الثُلُثُ عنِ الوصايا -متفرِّقةً كانتْ أو دُفعةً- قُسِّمَ الثلُثُ بينَ الكلِّ، سواءٌ كانَ ثَمَّ عِتْقٌ أمْ لا.
وتلزمُ الوصيةُ بالموتِ إنْ كانت لغيرِ معيَّنٍ كالفقراءِ، فإنْ كانت لمُعيَّنٍ -كزيدٍ- فالمِلكُ موقوفٌ، فإنْ قبل بعدَ الموتِ -ولوْ متراخياً- حُكمَ بأنهُ مِلكُهُ منْ حينِ الموتِ، وإنْ ردَّهُ حُكِمَ بالمِلكِ للوارثِ، وإنْ قَبِلَ ورَدَّ قبْلَ القبضِ سقطَ المِلكُ، أو بعدهُ فلا.

(1/187)


ويجوزُ تعليقُ الوصيةِ على شرطٍ في الحياةِ أوْ بعدَ الموتِ.
ويجوزُ بالمنافعِ والأعيانِ، وبالمعدومِ، كالوصيةِ بما تحْملُ هذهِ الجارية أو الشجرةُ، وبالمجهولِ، وبما لا يقدرُ على تسليمهِ كالآبقِ، وبما لا يملكُهُ الآن، وبما يجوزُ الانتفاعُ بهِ منَ النجاساتِ، كالكلبِ والزيتِ النَّجِسِ، لا بما لا يُنتفعُ بهِ منها كالخَمرِ والخِنزيرِ.
وتجوزُ الوصيةُ: للحربيِّ والذميِّ والمرتدِّ ولقاتلهِ، وكذا لوارثِهِ عندَ الموتِ إنْ أجازها بقيةُ الورثةِ، وللحَمْلِ فتُدفعُ لمنْ عُلِمَ وجودُهُ عندَ الوصيةِ إذا انفصلَ حياً، بأنْ تلدَ لدونِ ستةِ أشهرٍ منَ الوصيةِ، أوْ فوقها ودونَ أربع سنينَ، ولا زوجَ لها ولا سيدَ يطؤها.
وإنْ أوصى لعبدٍ فَقَبِلَ دُفعَ إلى سيدهِ.
وإنْ وصى بشيءٍ ثمَّ رجعَ عن الوصيةِ صحَّ الرجوعُ وبطلت الوصيةُ، وإزالةُ المِلكِ فيهِ كالبيعِ والهبةِ، أوْ تعريضُهُ لزوالِهِ بأنْ دبَّرهُ أوْ كاتَبَهُ أوْ رهنَهُ، أوْ عَرَضَهُ على البيعِ، أوْ أوصى ببيعهِ، أوْ أزالَ اسمَهُ بأنْ طحنَ القمحَ أوْ عجنَ الدقيقَ، أوْ نسجَ الغَزْلَ أوْ خلطهُ -إذا كان مُعيَّناً- بغيرِهِ رُجوعٌ.
وإنْ ماتَ الموصَى لهُ قبلَ الموصِي بطلَتِ الوصيةُ، وإنْ ماتَ بعدَهُ وقبْلَ القَبولِ فلوارثهِ قَبُولُها وردُّها.

(1/188)