فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

كتاب الطهارة
(وفيه ثمانية أبواب الباب الاول في المياه الطاهرة
(والمطهر للحدث والخبث (ح) هو الماء من بين سائر المائعات) أراد بالطهارة بعض أنواع الطهارة وهو الطهارة بالماء والا فمن شرطه ادراج التيمم في أبواب هذا الكتاب لانه إحدى

(1/79)


الطهارات الا تري الي قول الشافعي رضي الله عنه طهارتان فكيف يفترقان فلما افرده دل انه أراد الطهارة بالماء: ثم الاحكام المتعلقة بالطهارة تنقسم الي ما يجرى مجرى المقدمات كالقول في المياه والي ما يجرى مجرى المقاصد كالقول في نفس الوضوء والغسل فجعل من الابواب الثمانية اربعة في المقدمات واربعة في المقاصد ولهذا قال عند تمام الاربعة الاولي هذا قسم المقدمات: ثم الماء اما ان يكون معلوم الحكم أو لا يكون فان كان فهو اما طاهر أو نجس وان لم يكن فهو الذى

(1/80)


يشكل ويشتبه حاله: ثم هو على التقديرين اما ان يكون في اناء يحفظ فيه ويستعمل منه أو لا يكون فجعل الباب الاول في المياه الطاهرة: والطاهر ينتظم الطهور وغيره والثاني في المياه النجسة والثالث فيما اشتبه حكمه والرابع فيما يعتوره من الاحكام باعتبار الظروف والاوانى * وقوله والمطر للحدث والخبث هو الماء من بين سائر المائعات فيه كلامان احدهما ان الخبث مرقوم في النسخ برقم ابي حنيفة رحمة الله عليه دون الحدث بناء علي ان المشهوران الطهورية مخصوصة بالماء في الحدث اجماعا لكنه في الخبث مختلف فيه بيننا وبينه: ولك ان تقول دعوى الاجماع في الحدث على اطلاقه لا يستقيم

(1/81)


لان نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند اعواز الماء وإذا كان كذلك فلو جعل الرقم على قوله هو الماء ليشملهما جميعا لم يضر: الثاني لم قال من بين سائر المائعات ولم يقتصر على قوله والمطهر للحديث والخبث هو الماء والجواب انه لو اقتصر عليه لا شكل بالتراب فانه مطهر وليس بماء.
واعلم انه لو اراد تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعا بالماء لما لزم هذا الاشكال لكنه لم يرد التخصيص في الفصلين جميعا وانما أراد التخصيص في كل واحد منهما فوجب الاحتراز: فان قلت ولم اختصت الطهورية بالماء: قلنا أما في الحدث فلقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لولا اختصاص الوضوء

(1/82)


بالماء لما نقل الي التراب الا بعد فقد ما يشارك الماء في الطهورية من المائعات ليأتي باكمل الطهارات واما في الخبث فلما نستوفي من الخلاف * قال (ثم المياه علي ثلاثة أقسام الاول الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور ومنه ماء البحر وماء البئر وكل ما نزل من السماء أو نبع من الارض) قوله ثم المياه يعني المياه الداخلة في هذا الباب وهى الطاهرة: وانما انقسمت الي ثلاثة اقسام لانها اما ان تبقى على اصل الخلقة أو لا تبقى وان لم تبق فلما ان يخرج بما تغير من الصفات عن أن يسمى ماء مطلقا أو لا يكون كذلك الاول الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور لوقوع اسم مطلق الماء عليه واندراجه تحت النصوص

(1/83)


الآمرة باستعمال الماء والمجوزة له.
وقد ورد في ماء البحر قوله صلى الله عليه وسلم (البحر هو الطهور ماؤه)

(1/84)


وفى ماء البئر انه توضأ من بئر بضاعة فان قلت لم اعتبر الاطلاق مع البقاء على اصل الخلقة حيث

(1/90)


قال الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته ثم إذا اعتبر فكيف عد منه ماء البحر وماء البئر وهذا مقيد لا مطلق: فالجواب ان وصف الماء بالاطلاق قد تكرر في كلام الآئمة ثم منهم من يفسر المطلق بالباقي على اوصاف الخاتمة ومنهم من يفسره بالعاري عن القيود والاوصاف ويقول الماء ينقسم الي مطلق والي مضاف ثم من المضاف ما هو طهور كماء الكوز والبحر ومنه ما ليس بطهور كماء الزعفران وماء الشجر: فيجوز ان يقال أراد بالمطلق الباقي على اوصاف الخلقة وبه يشعر

(1/94)


ظاهر كلامه في الوسيط وعلى هذا يكون تعقيب المطلق بالباقي على وصف الخلقة تفسيرا وبيانا للمعنى.
ويجوز أن يقال أراد العارى عن القيود والاضافات أي كل ما يسمى ماء من غير قيد فهو طهور وهذا لا ينافيه وقوع اسم الماء عليه مضافا بل تصح الاشارة إلى الماء المعين بأنه ماء
وبأنه ماء عين أو نهر وبهذا يظهر فساد تقسيم من قسم الماء إلى مطلق ومضاف لان المطلق يجوز

(1/95)


أن يكون مضافا وبالعكس أيضا فيدخل أحد القسمين في الآخر فإذا عرفت ذلك فان اراد المعني الاول فهما شئ واحد فلا معنى لقول القائل لم اعتبر الاطلاق مع البقاء علي أصل الخلقة وان أراد المعنى الثاني فقد ذكرنا انه لا منافاة بين كونه مطلقا بهذا المعنى ومضافا ثم ليس ذلك علي سبيل

(1/96)


اشتراط الاطلاق لان كل باق علي أصل الخلقة يقع عليه اسم الماء عريا عن الاضافة عن القيود والاوصاف فهو إذا ملازم للبقاء علي أصل الخلقة وانما هو اشارة الي أن المعني المقتضي للطهورية اطلاقه والدخول في النصوص على ما سبق ويتبين مما ذكرناه انه لو حذف لفظ المطلق لم يضر: قال (ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث فانه طاهر (ح) غير مطهر على القول الجديد

(1/97)


لتأدى العبادة به وانتقال المنع إليه: فالمستعمل في الكرة الرابعة طهور لعدم المعنيين: أما المستعمل في الثانية والثالثة أو في تجديد الوضوء أو في غسل الذمية إذا اغتسلت من الحيض ليحل للزوج غشيانها فيه وجهان لوجود أحد المعنيين دون الثاني) * استثناء المستعمل من الباقي على أوصاف الخلقة يبين انه ليس المراد من الاوصاف كل ما يصح وصف الماء به حتى الاضافات والاعتبارات والافانه قبل الاستعمال موصوف بانه غير مستعمل وبعده بانه مستعمل فلا يكون باقيا على الاوصاف

(1/98)


كلها حتي يستثنى منه وانما المراد الصفات المعنوية ثم الاعتبار منها باللون والطعم والرائحة وهى المنظور إليها في التغير بالنجاسة كما سيأتي والصفات المعنوية باقية بحالها في المستعمل ثم هو غير طهور علي المذهب فوجب استثناؤه * وفقه الفصل أن الماء المستعمل في الحدث طاهر وفي رواية عن أبي حنيفة رحمه الله هو نجس وبه قال أبو يوسف رحمه الله * لنا وجهان أحدهما قال صلي الله

(1/99)


عليه وسلم خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه ولا تغير ههنا: والثانى

(1/100)


أن الصحابة فمن بعد هم كانوا يتوضؤن في ثيابهم ولا يحترزون عما يتقاطر إليهم وإلى ثيابهم: وهل هو طهور أم لا قال في الجديد لا لانهم ما كانوا يجمعون المياه المستعملة للاستعمال ثانيا ولو جاز الاستعمال لجمعوها كي لا يحتاجوا إلى التيمم: وحكي عن القديم انه طهور وبه قال مالك رحمه الله لان الطهور ما يتكرر منه الطهارة كالقتول والشتوم من يتكرر منه الفعل ولانه ماء باق على اطلاقه فأشبه غيره: ومنهم من لم يثبت هذا القول وجزم بالجديد وسواء ثبت أم لا فالفتوى على الجديد: ثم ذكر الاصحاب في انه لم سقطت طهورية المستعمل معنيين أحدهما تأدى عبادة الطهارة

(1/105)


به والثاني تأدي فرض الطهارة به: فمن قال بالاول أسقط طهورية المستعمل في الكرة الثانية والثالثة وتجديد الوضوء والمضمضة والاستنشاق وغسل الجمعة والعيدين وسائر مسنونات الطهارة والطهارة المسنونة وقالوا ببقاء الطهورية فيما اغتسلت به الذمية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم إذ لا تصح منها العبادة: ومن قال بالآخر عكس الحكم واتفقوا علي انهما ليستا علتين مستقلتين والا لما صار بعضهم الي ثبوت الطهورية في هذه الصور وعلى انهما ليستا جزأي علة واحدة والا لما صار بعضهم إلى النفى وانما اختلفوا في ان المعنى هذا أو ذاك وكل واحد منهما ملائم: أما تأدي

(1/106)


العبادة فلان الآلة المستعملة في المقصود الحسي يورثها ضعفا وكلالا فكذلك الآلة المستعملة في المقصود الشرعي: وأما تأدى الفرض به فلان المراد منه رفع الحدث به أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع هو كما في وضوء صاحب الضرورة وذلك يقتضى تأثر الماء الا ترى أن غسالة النجاسة لما أثرت في المحل حتى لم يبق المحل كما كان قبل الغسل تأثرت هي بالاستعمال حتي لم تبق

(1/107)


كما كانت قبل الغسل يحكي هذا التقرير عن ابن سريج ويجوز أن لا يقدر لكل واحد من فريقي
الاصحاب التعليل بالمعنى الذى أبداه استقلالا بل يقول هؤلاء ما ذكرناه من المعنى واقع في موضع الاتفاق ملائم للحكم فلا يحذف عن درجة الاعتبار ويزعمون أن المعنى الثاني لغو: والآخرون يدعون مثل ذلك في المعني الثاني فينتظم الخلاف علي هذا التقدير أيضا *

(1/108)


واعلم ان ظاهر المذهب اعتبار أداء الفرض دون المعني الثاني حتى لا تسقط طهورية المستعمل في المرة الثانية واخواتها وتسقط في مسألة الذمية: والوجهان في الذمية مخصوصان بقولنا ان الذمية إذا أسلمت يجب عليها اعادة ذلك الغسل وهو الصحيح أما إذا قلنا لا تجب الاعادة عليها فهو مستعمل علي المعنيين لانه قد ارتفع به المنع من الوطئ وأفاد جواز العبادة به لو ارتفع مانع الكفر: وقوله في الاصل لتأدي العبادة به وانتقال كذلك يوجد في بعض النسخ بل في اكثرها وفي بعض النسخ المحدثة أو انتقال المنع إليه وشغف به جماعة من محصلى هذا الكتاب لما ذكرنا ان العلة غير مركبة من المعنبين: وانما اختلفوا في أن العلة ماذا ولا شك ان ما شرحناه من كلام الاصحاب واختلافهم يقتضي ذلك ولكن الواو واو قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر فالواقف علي حظ المعنى قد ينزل الواو على أو ولا يغير صورة الكتاب ونظيره يكثر في المذهب ثم الحدث ليس شيئا محققا يفرض انتقاله من البدن إلى الماء لكن المعنى ان باستعمال الماء يرتفع منع كان في البدن وهو انه كان ممنوعا من الصلاة وغيرها ويحدث منع في الماء لم يكن وهو أنه

(1/109)


لا يستعمل مرة أخرى فعبر عن ارتفاع منع وحدوث منع بالانتقال توسعا: وينبغي أن تعلم ان انتقال المنع الذى ذكره هو الذى عبر عنه غيره من الاصحاب باداء الفرض لان رفع الحدث فرض ولا نعنى بالفرض في مثل هذا ما يلحق الاثم بتركه بل ما لا بد منه ولذلك نحكم باستعمال ما توضأ به الصبى الا علي وجه لا يعبأ به وباستعمال ما توضأ به البالغ لصلاة النفل: وعبارة اداء الفرض أوضح وأولى: قال (فروع ثلاثة (الاول) المستعمل في الحدث لا يستعمل في الخبث علي أحسن الوجهين
(الثاني) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين عاد طهورا علي أقيس الوجهين كالماء النجس (الثالث)

(1/110)


إذا انغمس الجنب في ماء قليل ناويا وخرج منه ارتفعت (و) جنابته وصار الماء مستعملا بعد الخروج والانفصال) اعلم انه يتفرع علي القول الجديد مسائل (احداها) المستعمل في الحدث هل يستعمل في الخبث فيه وجهان قال الانماطي وابن خيران نعم لان للماء قوتين ولم يستوف الا أحداهما وقال الا كثرون وهو الاصح لا كما ان المستعمل في الحدث الاصغر لا يستعمل في الا كبر وبالعكس: ولا يقال الماء له قوتان ولم يستوف الا احداهما: ويجرى الوجهان في المستعمل في الخبث هل يستعمل في الحدث إذا فرعنا علي ان المستعمل في الخبث طاهر غير طهور وهو المذهب على ما سيأتي: ولك أن تقول إذا كان المستعمل في الخبث بحيث لا نحكم بنجاسته كان باقيا على أوصاف خلقته وهو غير طهور على الظاهر فيكون مستثني مع المستعمل في الحدث عن الماء الباقي على أوصاف الخلقة فكيف ساغ للامام رضى الله عنه ان يقول ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث (المسألة الثانية) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا وجهان أصحهما نعم

(1/111)


لانه لو لم يعد الي الطهورية لقبل النجاسة وقد قال صلى الله عليه وعلي آله وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ولان الماء النجس المتفرق إذا جمع ولاتغير يعود طهورا فالمستعمل أولى لان النجاسة أقوى من الاستعمال ولانه صار إلى حالة لو كان عليها في الابتداء لم يتأثر بالاستعمال فإذا عاد الي تلك الحالة يسقط حكم الاستعمال: والثاني لا يعود طهورا لان قوته صارت مستوفاة بالاستعمال فالتحق بماء الورد وسائر المائعات (الثالثة) إذا انغمس الجنب في ماء قليل ونوى نظر ان نوى بعد تمام انغماسه فيه واتصال الماء بجميع البدن فلاخلاف في انه يرتفع حدثه ويصير الماء مستعملا: أما ارتفاع الحدث فلوصول الماء الطهور إلى محل الحدث مع النية: وأما الاستعمال فلاداء العبادة

(1/112)


المفروضة به: وهل يحكم باستعماله في حق غيره قبل انفصاله عنه فيه وجهان أحدهما لا: وإنما يثبت حكم الاستعمال بعد الانفصال الا ترى ان الماء مادام مترددا علي أعضاء المتطهر لا يحكم باستعماله: والثاني وهو الاصح نعم وانما لا يحكم بالاستعمال ما دام الماء مترددا جاريا للحاجة إلى انغسال الباقي ولا ضرورة في حق غيره والماء منفصل عنه: فعلى هذا ليس لغيره ان يرفع به الحدث

(1/113)


وعلي الاول يجوز: ولو خاص جنبان فيه ونويا معا بعد تمام الا نغماس ارتفع حدثهما على الوجهين: وان نوى الجنب قبل تمام الانغماس إما في أولى الملاقاة أو بعد غمس بعض البدن ففيه وجهان قال أبو عبد الله الخضرى لا ترتفع الجنابة الا عن أول الجزء الملاقي مع النية لان الماء يصير مستعملا بملاقاته فلا ترتفع الجنابة عن الباقي بخلاف ما إذا كان الماء واردا على البدن حيث لا يحكم باستعماله باول الملاقاة لاختصاصه بقوة الورود والاصح انه ترتفع الجنابة ولا يصير الماء مستعملا باول

(1/114)


الملاقاة لانا انما لم نحكم بالاستعمال عند ورود الماء على البدن للحاجة إلى رفع الحدث وعسر إفراد كل موضع بماء جديد وهذا المعنى موجود سواء كان الماء واردا أو كان هو واردا على الماء: وإذا عرفت ذلك نشأ لك البحث والنظر في امور من الفاظ الكتاب في الفرع الثالث: أحدها ان مراده ما إذا نوى بعد تمام الانغماس اما إذا نوى قبله أم كلتا الحالتين أما اللفظ فهو شامل لهما والتزويل عليهما صحيح لما ذكر بانه لا خلاف في
__________
كذا في جميع النسخ وهو محل تأمل اه

(1/115)


ارتفاع الجنابة في الحالة الاولى وان الصحيح في الحالة الثانية ايضا الارتفاع لكنه ما أراد الحالة الاولى وحدها لان قوله ارتفعت جنابته معلم بالواو ولا خلاف في ارتفاع الجنابة في تلك الحالة بقى احتمالان ارادة الحالة الثانية وحدها وعلامة الواو إشارة إلى وجه الخضرى واحتمال ارادتهما جميعا ويصح الاعلام بالواو أيضا لان الصائر إلى النفى في احدى الصورتين يخالف المثبت في

(1/116)


الصورتين والاحتمال الثاني أقرب إلى اطلاق اللفظ والاول قضية ايراده في الوسيط (الثاني) انه لم قيد صورة الفرع بالخروج فقال إذا انغمس الجنب في ماء قليل وخرج: اعلم أن ارتفاع الجنابة لا يحتاج الي هذا القيد بل سواء خرج أو لم يخرج ترتفع الجنابة: وأما صيرورة الماء مستعملا ففى كلام الاصحاب ما يقتضى توقف الحكم بالاستعمال علي خروجه منه وهو مشكل لان المقتضي للاستعمال انه رفع

(1/117)


الحدث فإذا ارتفع الحدث وجب أن يصير هو مستعملا سواء انفصل عن البدن أم لا هذا بالاضافة إليه وأما بالاضافة إلى غيره ففيه ما حكينا من الوجهين * وإذا عرفت ذلك فقد رتب على الانغماس والخروج شيئين ارتفاع الجنابة وصيرورة الماء مستعملا والاول مستغن عن شرط الخروج والثاني بتقدير أن يكون محتاجا إليه: ففى قوله بعد الخروج والانفصال ما يفيد التعرض لهذا الشرط

(1/118)


فإذا قوله وخرج ضائع (الثالث) لم جمع بين لفظي الخروج والانفصال ظنى أن هذا مما يجرى به القلم لاعن قصد أو مما يقصد به البسط في العبارة ايضاحا وعلى التقديرين فلا يطلب لكل لفظة فائدة تخصها وان زعم زاعم أنه إذا لم يبق في الماء الا عضو واحد من المنغمس يسمى خارجا من الماء ولا يسمى منفصلا وحكم الاستعمال انما يثبت بعد الانفصال: قلت له هب انه كذلك

(1/119)


لكن هذا وجه الحاجة إلى تعقيب الخروج بالانفصال فما الجواب عن قول القائل لم جمع بينهما وهلا اقتصر على الانفصال: قال (القسم الثاني ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لايزايله اسم الماء المطلق فهو طهور كالمتغير (و) بيسير الزعفران * وكذا المتغير بما يجاوره (و) كالعود والكافور الصلب

(1/120)


وكذا المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب وكذلك المتغير بطول المكث والتراب والزرنيخ والنورة فان كل ذلك لا يسلب عنه اسم الماء المطلق وكذا المسخن والمشمس وفي
المشمس كراهية من جهة الطب إذا شمس في البلاد المفرطة الحرارة في الاواني المنطبعة) ذكرنا أن المتغير عن أوصاف الخلقة قسمان أحدهما المتغير الذى لا يسلب اسم الماء المطلق عنه: والثاني

(1/121)


ما يسلب * أما القسم الاول فقد أدرج فيه أنواعا منها أن يكون التغير يسيرا وان كان المغير خليطا مستغنى عنه كالزعفران والدقيق ونحوهما فظاهر المذهب أنه لا يقدح في الطهورية لانه لا يبطل اسم الماء المطلق وفيه وجه أنه يقدح كالتغير بالنجاسة يسلب الطهارة سواء كان يسيرا أو فاحشا: ومنها أن يتغير بشئ يجاور الماء ولا يخالطه كالعود ونحوه: وهل يؤثر في سلب الطهورية فيه قولان أصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب أنه لا يؤثر لان هذا النوع من التغير تروح لا يسلب

(1/122)


اطلاق اسم الماء كتغير الماء بجيفة ملقاة علي شط نهر: والثاني نعم لانه تغير بما يلاقى الماء فأشبه التغير بما يخالط: وفي معنى العود الدهن والشمع وما لا يختلط بالماء * والكافور نوعان أحدهما يذوب في الماء ويختلط به والثاني لا ينماع فيه فالاول كالدقيق والزعفران والثاني كالعود فلذلك

(1/123)


قيد الكافور باصلابة: ومنها أن يتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب والكبريت والنورة في مقر الماء وممره فهذا التغير لا يسلب الطهورية لوجهين أحدهما أن أهل اللسان والعرف لا يمتنعون من إيقاع اسم الماء المطلق عليه والثاني عسر الاحتراز عنه: ومن

(1/124)


هذا القبيل المتغير بالتراب الذى يثور وينبث في الماء ويختلط به والمتغير بالزرنيخ * ومنها المتغير بطول المكث وهو علي طهوريته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة وكان ماؤها كنقاعة الحناء وذلك التغير لا يمكن أن يكون بالنجاسة والا لما توضأ به فبعد

(1/125)


ذلك لا يخلو إما أن يكون بنفسه أو بشئ طاهر آخر ان كان بنفسه صح المدعى وان كان

(1/126)


بغيره فكذلك لان تغيره بنفسه أهون من تغيره بغيره فإذا لم يقدح الثاني فأولى ان لا يقدح

(1/127)


الاول * ومنها المسخن فهو علي طهوريته لبقاء اطلاق الاسم ولانهم تطهروا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء المسخن ولم ينكر عليهم * ومنها المشمس وهو علي طهوريته كالمسخن

(1/128)


وهل في استعماله كراهية أم لا فيه وجهان أحدهما لا وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كماء الحياض والسواقي إذا تأثرت بالشمس وكما أن التسخين لا يؤثر في الكراهية: والثاني وهو

(1/129)


الاصح نعم لما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن التشميس وقال انه يورث البرص *

(1/130)


وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من

(1/131)


اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلو من الا نفسه *

(1/132)


وكره عمر رضي الله عنه المشمس وقال انه يورث البرص فان قلنا بالكراهية ففى محلها اختلاف منشؤه اشارة النقل بعد النهى إلى سببه وهو خوف الوضح فقال قائلون من أصحابنا انما يكره إذا خيف منه هذا المحذور وانما يخاف عند اجتماع شرطين أحدهما أن يجرى التشميس في الاواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس لان الشمس إذا أثرت فيها استخرجت

(1/133)


منها زهومة تعلو الماء ومنها يتولد المحذور: والثاني أن يتفق في البلاد المفرضة الحرارة دون الباردة
والمعتدلة فان تأثير الشمس فيها ضعيف: ولا فرق عند القائلين بهذه الطريقة بين أن يقع ذلك قصدا أو اتفاقا فان المحذور لا يختلف: وأيدوا طريقتهم بالمشمس في الحياض والبرك فانه غير مكروه بالاتفاق وانما كان ذلك لانه لا يخاف منه مكروه: وقال آخرون لا تتوقف الكراهية علي

(1/134)


خوف المحذور لا طلاق النهى والتعرض للمحذور اشارة إلى حكمته فلا يشترط حصولها في كل صورة وهؤلاء طردوا الكراهية في الاواني المنطبعة وغيرها كالخزفية وفى البلاد الحارة وغيرها واعتذروا عن ماء الحياض والبرك بتعذر الاحتراز: والطريقة الاولى أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه فانه قال ولا أكره المشمس الا من جهة الطب أي انما اكرهه شرعا حيث يقتضى الطب محذورا فيه.
واستثنى بعضهم من المنطبعات الذهب والفضة لصفاء جوهرهما وبعد انفصال محذور

(1/135)


عنهما وإذا عرفت ذلك نعد إلى الفاظ الكتاب: واعلم أن قوله ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لا يزايله اسم الماء المطلق ليس المراد من اليسير سوى انه بحيث لا يزايله اسم الماء المطلق وتعقيبه به مذكور تفسيرا لليسير وان لم يكن كذلك وجرينا على ظاهر اللفظ لزم اشتراط كون التغير يسيرا لبقاء الطهورية في جميع المسائل المعدودة وليس كذلك بل التغير بطول المكث وما لا يمكن صون الماء عنه وبالمجاور

(1/136)


لا يفترق حكمه بين اليسير والفاحش وقوله وكذا المتغير بطول المكث والتراب والزرنيخ عطفه على المتغير بالطين والطحلب أحسن منه على المتغير بما يجاوره والمتغير بما لا يمكن صون الماء عنه ليكون تعذر الصور نوعا يدخل تحته المتغير بطول المكث وما لا يخلو الماء عنه في المقر والممر فمنه الطين والطحلب ومنه التراب الذى يثور وينتصر فيه * وأما الماء الذى يطرح فيه قصدا فقد ذكره من بعد: والاختلافات التى ذكرناها في المشمس تقتضي أن يكون لفظ الكراهية في قوله وفي

(1/137)


المشمس كراهية معلما بالواو والحاء والميم والالف وهو علامة أحمد رضي الله عنه وأن يكون
قوله من جهة الطب معلما بالواو اشارة إلى خلاف من اتبع ظاهر النهى ولم تقف الكراهية على موضع خوف الوضح ولا بأس إأن يعلم قوله في الاواني المنطبعة بذلك أيضا اشارة الي استثناء من استثنى التبزين * قال (القسم الثالث ما تفاحش تغيره بمخالطة ما يستغنى الماء عنه حتي زايله اسم الماء المطلق

(1/138)


فليس بطهور (ح) وان لم يستجد اسما آخر كالمتغير بالصابون والزعفران الكثير (ح) واجناسهما) * إذا بلغ تغير الماء حدا ينسلب به اسم الماء المطلق عنه خرج عن كونه طهورا ولا فرق بين أن يقع اسم الماء عليه مضافا إلى الخليط المغير كماء الزعفران والدقيق أو لا يقع ويحدث له أسم آخر كالصبغ والمرق والحبر خلافا لا بي حنيفة رضى الله عنه في الحالة الاولي: لنا وجهان احدهما القياس على ماء الباقلاء ونحوه والثاني أن النصوص الواردة في طهورية الماء متعرضة لاسم الماء عريا عن القيود

(1/139)


والاضافات والكلام فيما انسلب عنه اسم الماء عريا عن القيود والاضافات فلا يلحق بمورد النص لظهور الفرق في خاصيته الرقة وغيرها: فان قيل النصوص متناولة للماء وماء الزعفران ماء: قلنا لا نسلمه بل الماء المضاف على ضربين منه ما يصح اطلاق اسم الماء عليه كماء البحر وماء الكوز: ومنه ما لا يصح كماء الورد وماء الباقلى فلم قلتم بأن ماء الزعفران من قبيل الاول لا من قبيل الثاني بل هو من الثاني فان التغير الفاحش يصح قول القائل هذا ليس بماء وانما هو ماء الزعفران

(1/140)


ولهذا لو حلف ان لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لا يحنث وكان اسم الماء عريا عن القيود والاضافات غير موضوع للحقيقة المشتركة بين الماء وماء الزعفران بل كمالا يتفاحش تغير صفاته الاصلية والله أعلم: وهل يعتبر تغير اللون والطعم والرائحة جميعا أم يكفى تغير واحد منها ذكر الموفق بن طاهر في شرح مختصر الجوينى أن صاحب جمع الجوامع حكي فيه قولين اختار ابن

(1/141)


سريج الثاني منهما وهو المشهور المتوجه: وحكي قولا آخر عن رواية الربيع أن التغير في اللون وحده وفى الطعم والرائحة معا يمنع الطهورية وفى احدهما لايمنع: وينبغي أن يتنبه من الفاظ الكتاب للاحتراز عن التغيرات التى لا تقدح: فقوله ما تفاحش تغيره يخرج عنه التغير اليسير وان كان

(1/142)


بخليط مستغني عنه: وقوله بمخالطة ما يستغني عنه يخرج عنه التغير بالمجاور وبما لا يمكن صون الماء عنه * قال (فرع ثلاثة) الاول المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا فيه وجهان أظهرهما أنه طهور ويقرب منه الملح إذا طرح (و) في الماء فصدا لانه اجزاء سبخة من الارض بها يصير ماء البحر ما لحا

(1/143)


فيضاهى التراب: الثاني إذا تفتتت الاوراق في المياه وخالطتها ففيها ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الربيعي والخريفى لتعذر الاحتراز عن الخريفي: الثالث لو صب مائع علي ماء قليل ولم يغيره فان كان بحيث لو خالف في اللون لتفاحش تغيره زالت الطهورية به وان كان أقل منه فهو طهور ويجوز استعمال الكل على الاظهر وقيل إذا بقى قدر ذلك المائع لم يجز استعماله) في المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وجهان: وقيل قولان: أحدهما أنه ليس بطهور لانه

(1/144)


تغير بمخالطة مستغنى عنه فاشبه التغير بالزعفران: والثاني وهو الاظهر انه على طهوريته لان التغير الحاصل بالتراب ليس إلا الكدورة وهى لا تسلب اسم الماء ولان التراب يوافق الماء في الطهورية ولان الشرع امر بالتعفير في ولوغ الكلب ولو سلب طرح التراب في الماء الطهورية لما امر به: واما المتغير بالملح المطروح فيه فينظر فيه ان كان الملح مائيا فوجهان أظهرهما انه طهور لانه منعقد من عين الماء كالجمد والثلج والثاني

(1/145)


لا وليس الملح عين الماء بل المياه نزلت عذبة من السماء ثم تختلط بها الاجزاء السبخات فتنعقد ملحا ولهذا لا يذوب في الشمس ولو كان منعقدا من الماء لذاب كالجمد: وان كان جبليا ترتب على المائي ان
سبلنا الطهورية تمة فههنا أولي وإلا فوجهان أظهرهما السلب أيضا لانه خليط مستغنى عنه غير منعقد من الماء ومن لم يسلب زعم انه في الاصل كان ماء أيضا ولهذا يذوب في الماء وإذا اطلقت الكلام في

(1/146)


الملح فقل في التغير به ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين الجبلى والمائي تشبيها للمائي بالجمد واستبعد الامام الغزالي ذلك وقال لو كان كالجمد لذاب في الشمس ولكن تعليله التشبيه بالتراب المطروح فيه قصدا لان ماء البحر ملح وملوحته من اجزاء سبخة في الارض تنتشر فيه فالملح إذا من اجزاء الارض فان حصل التغير به من غير قصد كماء البحر فهو طهور كالمتغير بالتراب من غير قصد وان

(1/147)


كان بقصد فهو على الخلاف كالمتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وهذا معنى قوله في الكتاب ويقرب منه الملح إلى قوله فيضا هي التراب: ولك أن تقول الملح اما ان يكون فيه ما ينعقد من محض الماء أو لا يكون ان كان فتشبيهه بالجمد قوى ولهذا لو تغير الماء العذب بذلك الماء الملح لم يؤثر فكذلك التغير بالمنعقد منه: والقول بانه لو كان كالجمد لذاب في الشمس ممنوع على هذا التقدير

(1/148)


بل من المنعقد الماء ما يذوب ومنه ما لا يذوب وان لم يكن فيه ما ينعقد من محض الماء بل كان كل ملح من اجزاء الارض فانما يتضح تشبيه الخالف فيه بالخلاف في التراب أن لو جرى ذلك الخلاف في جميع اجزاء الارض وليس كذلك بل نص الاصحاب على أنه لا يجرى في الجص والنورة وغيرهما واستبعدوا خلاف من خالف فيه: وإذا كان كذلك فما الفرق بين الجص والملح وكل واحد منهما ليس بتراب: وقوله وبها يصير ماء البحر مالحا ربما تجد في بعض النسخ ملحا: ولا شك في انه افصح في اللغة قال الله تعالى (وهذا ملح أجاج) وورد المالح في لفظ الشافعي رضى الله عنه واعترض عليه

(1/149)


معترضون وزعموا انه لا يصح في اللغة وأجاب الاصحاب عنه وصححوه هذا أحد الفروع * الثاني الاوراق إذا تناثرت في الماء وتروح الماء بها من غير أن يعرض لها عفونة واختلاط فهذا ماء
متغير بشئ مجاور فيبقى على طهوريته على أظهر القولين كما سبق وان تعفنت واختلطت به ففيه ثلاثة اوجه أظهرها انه لا يسلب الطهورية كالمتغير بالطين والطحلب وسائر ما يعسر الاحتراز عنه: والثاني يسلب كسائر المتغيرات التى تلحق بالماء من خارج: والثالث وبه قال أبو زيد المروزى لا يسلب التغير بالخريفى لغلبة التناثر في الخريف بخلاف الربيعي: ولان الاوراق الخريفية قدامتصت الاشجار رطوبتها وقرب طبعها من طبع الخشب بخلاف الربيعية فان فيها رطوبة ولزوجة

(1/150)


تقتضي الامتزاج وهذه الوجوه فيما إذا تناثرت الماء بنفسها وهو مسألة الكتاب: فلو طرحت فيه قصدا فطريقان احدهما القطع بسلب الطهورية للاستغناء عنه والثانى طرد الوجوه الثلاثة والفارق على الوجه الثالث ههنا انما هو المعنى الثاني لا غير: الثالث إذا اختلط بالماء مائع.
يوافق الماء في الصفات كماء ورد منقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل ففيه وجهان احدهما انه ان كان الخليط أقل من الماء فهو طهور وان كان أكثر أو مثله فلا لانه تعذر اعتبار الاوصاف فيعدل إلى اعتبار الاجزاء ويجعل الحكم للغالب فإذا استويا اخذنا بالاحتياط والثاني وهو المذكور في الكتاب وهو الا ظهرانه ان كان الخليط قدرا لو خالف الماء في طعم أولون أو رائحة لتغير الماء فهو مسلوب الطهورية وان كان لا يؤثر مع المخالفة فلا لان التغير سالب للطهورية وهذا الخليط بسبب الموافقة في الاوصاف لا يغير فيعتبر تغيره لاستفادة ما طلبناه كما يفعل في معرفة الحكومات: ثم إذا اقتضى الحال بقاء الطهورية إما لقلة الخليط على الوجه الاول أو لتقاعده عن التغير على الثاني مع تقدير المخالفة فهل يستعمل جميعه أم يبقى قدر الخليط فيه ثلاثة أوجه أظهرها انه يستعمل الجميع لاستهلاك الخليط فيه وانطلاق اسم

(1/151)


الماء عليه: والثاني انه يبقى قدر الخليط وإلا كان مستعملا لغير الماء يقينا وصار كما لو حلف ان لا يأكل تمرة وخلطها بتمر كثير لا يحنث ما بقيت تمرة وان استوعب الكل حنث: واطبقوا على ضعف هذا الوجه: والثالث ان كان الماء وحده يكفى لواجب الطهارة فله استعمال الجميع وإلا فلا: فان قلنا يجوز استعمال الجميع ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بما يستهلك فيه لكفاه لزمه
ذلك: واعلم ان الخلاف في ان الجميع هل يستعمل جار فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء الكثير وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء لقلته مع مخالفة الاوصاف لاوصاف الماء ولو لم يتغير الماء الكثير لموافقة النجاسة له في الاوصاف فالاعتبار بتقدير المخالفة لا بالاجزاء بلا خلاف كذلك ذكروه لتغليظ امر النجاسة واعتبروا في النجاسة بالمخالف الذى هو أشد صفة احتياطا:

(1/152)


وفى الطاهرات بالوسط المعتدل فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ولا في الرائحة ذكاء المسك: وقضية هذا الوجه ان ينطر إلى صفات الماء عذوبة وملوحة ورقة وصفاء فان لها أثرا ظاهرا في حصول التغير وعدمه ثم عد إلى الفاظ الكتاب واعلم ان قوله ان كان بحيث لو خالفه في اللون ليس لاعتبار اللون بعينه وانما ذكره مثالا وسائر الاوصاف في معناه وفيه ما قدمناه عن رواية الربيع رحمه الله: وقوله لتفاحش تغيره اشارة إلى انه لو كان التغير يسيرا لم يؤثر كما سبق: وقوله زالت الطهورية

(1/153)


ينبغي ان يعلم بالواو: وكذا قولة فهو طهور لان الحكم لا يتعلق بتقدير التغير وعدمه عند من يعتبر الاجزاء: وقوله في أول هذا الفرع إذا صب مائع على ماء قليل ينبغي ان يعرف ان الصب لا اثر له بل انصباب المائع عليه واختلاطه به كالصب وانما يفرق بين الوقوع فيه والطرح قصدا فيما يتعذر الاحتراز عنه وكذلك التعرض للقليل ليس للتقييد بل القليل والكثير في هذا الحكم سواء ولو حذف لفظ القليل لم يضر * قال:

(1/154)


الباب الثاني (في المياه النجسة) (وفيه فصول اربعة الاول في النجاسات والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر وكل نبيذ (ح) مسكر والحيوانات كلها علي الطهارة الا الكلب والخنزير وفروعهما)

(1/155)


لما كان الاصل في الماء الطهوارة نجاسة عارضة تطرأ بملاقاة شئ نجس حسن القول في ان النجس ماذا أولا فعقد الفصل الاول في النجاسات وأداها في تقسيم اقتدى في معظمه بامام الحرمين رحمه الله وهو ان الاعيان تنقسم الي جماد وحيوان والاصل في الجميع الطهارة لانها مخلوقة لمنافع العباد وانما يحصل الانتفاع أو يكمل بالطهارة ولا يستثنى عن هذا الاصل من الجمادات إلا الخمر وما يسكر من الانبذة

(1/156)


اما الخمر فلوجهين (احدهما) انها محرمة التناول لا لاحترام وضرر ظاهر والناس مشغوفون بها فينبغي أن يكون محكوما بنجاستها تأكيدا للزجر الا ترى ان الشرح حكم بنجاسة الكلاب لما نهى عن مخالطتها مبالغة في المنع: (الثاني) ان الله تعالى سماها رجسا والرجس والنجس عبارتان عن معنى واحد: واما الانبذة المسكرة فلانها ملحقة بها في التحريم فكذلك في النجاسة: وينبغى

(1/157)


أن يكون النبيذ معلما بعلامة أبي حنيفة رحمة الله عليه فان يقول بالطهارة حيث يقول بالحل: وبالواو أيضا لان يحيى اليمنى حكي في البيان وجها ضعيفا ان النبيذ طاهر لاختلاف الناس فيه بخلاف الخمر بل ينبغي أن يكون لفظ الخمر معلما بالواو أيضا لامور ثلاثة احدها ان الشيخ أبا علي حكي خلافا في نجاسة المثلث المسكر الذى يبيحه أبو حنيفة مع الحكم بالتحريم قطعا: والثاني انه حكي وجها في

(1/158)


طهارة الخمر المحترمة والثالث انهم ذكروا وجها في ان بواطن حبات العنقود مع استحالتها خمر الا يحكم بنجاستها تشبيها بما في باطن الحيوان وكل ذلك ينافى اطلاق القول بالنجاسة: واعلم انه لا يريد بالجماد في هذا التقسيم.
مطلق ما لاحياة فيه بل وما لم يكن حيوانا من قبل ولا جزءا من الحيوان ولا خارجا منه وإلا لدخل في الجمادات الميتات واجزاء الحيوانات وما ينفصل من باطن الحيوان وحينئذ لا ينتظم قصر الاستثناء على الخمر والنبيذ

(1/159)


وأما الحيوانات فهى طاهرة ويستثني منها ثلاثة: أحدها الكلب لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور انها ليست بنجسة يعنى الهرة: ووجه الاستدلال منه مشهور ولان سؤره
نجس بدليل ورود الامر با لاراقة في خبر الولوغ: ونجاسة السؤر تدل على نجاسة الفم وإذا كان فمه نجسا كانت سائر اعضائه نجسة لان فمه أطيب من غيره: ويقال انه أطيب الحيوان

(1/160)


نكهة لكثرة ما يلهث: والثاني الخنزير وهو أسوأ حالا من الكلب فهو أولى بان يكون نجسا والثالث المتولد من أحدهما نجس لتولده من أصحل نجس: وعن مالك ان الكلب والخنزير طاهران ويغسل من ولو غهما تعبدا: ولك أن تعلم قوله والحيوانات على الطهارة بالواو لان أبا العباس الجرجاني في آخرين نقلوا وجها أن الدود المتولد من نفس الميتة نجس العين كولد الكلب فعلي ذلك الوجه لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره لكن هذا الوجه ساقط ولو صح ذلك للزم أن يحكم بنجاسة الحيوان من حكم بنجاسة العلقة والمضغة ومني غير المأكول * قال (والميتات كلها على النجاسة الا السمك والجراد وكذا الآدمى علي الصحيح وكذا دود الطعام فهو طاهر على الصحيح ولا يحرم أكله مع الطعام على الاصح وما ليس له نفس سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه على الجديد وقيل انها نجست (ح م) بالموت وهذا عفو لتعذر الاحتراز عنه وقيل انها لا تنجس بالموت إذا ليس فيها دم معفن فاشبهت النبات) الاصل في الميتات النجاسة قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وتحريم ما ليس بمحترم ولا فيه ضرر كالسم

(1/161)


يدل على نجاسته ويستثنى منها انواع: أحدهما السمك والجرد قال صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان الخبر ولو كانا نجسين لكان محرمين الثاني الآدمى وفي نجاسته بالموت قولان أحدهما ينجس بالموت لانه حيوان طاهر في الحياة غير مأكول بعد الموت فيكون نجسا كغيره والثاني وهو الاصح لا ينجس لقوله تعالي (ولقد كرمنا بنى آدم) وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسة ولانه لو نجس بالموت لكان نجس العين كسائر الميتات ولو كان كذلك لما امر بغسله كسائر الاعيان النجسة روى هذا الاستدلال عن

(1/162)


ابن سريج قال أبو اسحق عليه لو كان طاهرا لما أمر بغسله كسائر الاعيان الطاهرة أجابوا عنه بان غسل نجس العين غير معهود أما غسل الطاهر معهود في حق الجنب والمحدث علي أن الغرض منه تكريمه وازالة الاوساخ عنه: وقال أبو حنيفة ينجس بالموت ويطهر بالغسل وهو خلاف القولين جميعا: الثالث الحيوانات التى ليست لها نفس سائلة هل تنجس الماء إذا ماتت فيه اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه على قولين: أحدهما نعم لا نها ميتة فتكون نجسة كسائر الميتات وإذا كانت نجسة نجس الماء بها كسائر النجاسات: والثاني وهو الاصح: لا: لقوله صلى الله

(1/163)


عليه وسلم " إذا سقط الذباب في اناء أحدكم فامقلوه فان في أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء وانه يقدم الداء " وقد يفضى المقل إلى الموت سيما إذا كان الطعام حارا فلو نجس الماء لما أمر به

(1/164)


وعن سلمان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فهو الحلال أكله وشر به والوضوء منه) ولان الاحتراز عنها مما يعسر وهذا الخلاف في غير ما نشؤه في الماء وأما ما نشؤه فيه وليس له نفس سائلة فلا ينجس الماء بلا خلاف فلو طرح فيه من خارج عاد الخلاف: فان قلنا انها تنجس الماء فلا شك في نجاستها.
وان قلنا لا تنجس فهل هي نجسة في نفسها قال الا كثرون نعم كسائر الميتات وهو ظاهر المذهب: وقال القفال لا لان هذه الحيوانات لا تستحيل بالموت لان الاستحالة انما تأتي من قبل انحصار الدم واحتباسه بالموت في العروق واستحالته وتغيره: وهذه الحيوانات لا دم لها: وما فيها من الرطوبة كرطوبة النبات: وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت انه لم يرتب الخلاف في النجاسة على الجديد: فقال وقيل إنها نجست بالموت وعرفت أن هذه الحيوانات على ظاهر المذهب غير مستثناة عن الميتات

(1/166)


وانما الاستثناء على قول القفال واما جعله القول بعدم نجاسة الماء قوله الجديد: فانما أخذه من امام الحرمين وروى القاضي أبو المحاسن الروياني خلاف ذلك فسمي هذا القول القديم: والا كثرون
ارسلوا ذكر القولين من غير تعيين جديد وقديم: وأما ما ذكره في دود الطعام فايراده يشعر بمغايرة حكمه لحكم ما ليس له نفس سائلة اشعارا بينا وليس كذلك: بل من قال بنجاسة ما ليس له نفس سائلة صرح بانه لا فرق بين ما يتولد من الطعام كدود الخل والتفاح وغيرهما وبين ما لا يتولد منه كالذباب والخنفساء وقالوا ينجس الكل بالموت لكن لا ينجس الطعام الذى يموت فيه كما ذكرنا في نجاسة ما نشؤه في الماء: ومن قال لا ينجس ما ليس له نفس سائلة بالموت فلا شك أنه يقول به في دود الطعام بطريق الاولى فإذا قوله وكذا دود الطعام طاهر علي الصحيح اختيار لطريقة القفال والمعنى علي الصحيح من القولين ذهابا الي أن القول بعدم نجاسة الماء بموت ما ليس له نفس سائلة فيه مبنى

(1/167)


على انه ليس بنجس وأما قوله ولا يحرم أكله مع الطعام على الاصح فاعلم أن التقييد بكونه مع الطعام غير محتاج إليه لثبوت أصل الخلاف: ويجوز أن يكون محتاجا إليه: لكن القول بالحل أصح أما الاول فلانه ذكر في النهاية أنه لو جمع جامع من دود الطعام شيئا وأعتمد أكله فهل يحل فيه: وجهان أحدهما نعم لانه كالجزء من الطعام طعما وطبعا وأصحهما التحريم فنقل الوجهين في أكله منفردا وقد أطلق في الوسيط الوجهين في الحل من غير تخصيص بالاكل مع الطعام أو منفردا: وأما الثاني فلان إفراده بالاكل مستغنى عنه وهو مستقذر مندرج تحت عموم تحريم الميتة: أما التمييز بينه وبين الطعام عند الاكل فعسير جاز أنه يعفى عنه وبهذا المعنى قلنا لا ينجس الطعام بلا خلاف: وان حكمنا بنجاسته: وربما يخطر بالبال أن الخلاف في حل الاكل مبنى على الخلاف في الطهارة والنجاسة ان قلنا بالنجاسة يحرم: والا فيحل: وليس الامر فيه على هذا الاطلاق: بل الخلاف منتظم مع

(1/168)


حكمنا بالطهارة فوجه التحريم الا ستقذار وشمول استم الميتة وصار كما لا نفس له سائلة مما لا يكون نشؤه في الطعام فانه يحرم: وان حكم بطهارته: ووجه الحل انه كالجزء من الطعام طبعا وطعما واما إذا حكمنا بالنجاسة فوجه التحريم بين: ووجه الحل إذا كان يؤكل مع الطعام عسر الاحتراز والتمييز وعن الانفراد لا ينقدح شئ والله أعلم واعرف بعد هذا شيئين أحدهما قوله والميتات علي النجاسة
لا يعنى الميتة بجميع اجزائها بل ما سوى الشعر وما في معناه وفيها من الخلاف والتفصيل ما ذكره في باب الاواني: والثاني ظاهر كلامه حصر المستثنى من الميتات في الانواع المذكورة وليس كذلك بل الجنين الذى يوجد ميتا عند ذبح الام حلال طاهر أيضا وكذا الصيد إذا مات بالضغط على أحد القولين *

(1/169)


قال (أما الاجزاء المنفصلة عن ظاهر الحيوان فكل ما أبين من حى فهو ميت الا الشعور المنتفع بها في المفارش والملابس فانها طاهرة بعد الجز للحاجة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ما أبين من حي فهو ميت فالاصل فيما بان من الحى النجاسة ويستثنى منه شعر المأكول المجزور في حياته فهو طاهر للحاجة إليه في الملابس ولو قدر قصر الانتفاع علي ما يكون على المذكي لضاع معظم الشعور * وفي معنى الشعور الريش والصوف والوبر وقد قيل في قوله تعالي

(1/170)


(ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) ان المراد إلى حين فنائها هذا فيما بيان بطريق الجز: وفي النتف والتناثر وجهان والاصح الحاقها بالجز وعلى هذا فقوله في الكتاب فانها طاهرة بعد الجز ليس مذكورا ليكون قيدا في الطهارة وعلى الوجه الآخر يمكن جعله قيدا: واعلم أن ظاهر قوله فكل ما أبين من حي فهو ميت الا الشعور المنتفع بها لا يمكن العمل به لا في طرف المستثني ولا في طرف السمتثنى منه أما المستثنى فلانه يتناول جملة الشعور المجزوزة والطهارة

(1/171)


مخصوصة بشعر المأكول وأيضا فلانه يتناول الشعر المبان على العضو المبان من الحيوان وانه نجس في أصح الوجهين وأما المستثنى منه فلانه يدخل فيه العضو المبان من الآدمى ومن السمك والجراد ومشيمة الآدمى وهذه الاشياء طاهرة على المذهب الصحيح وكذلك يدخل فيها شعر الآدمى لانه غير منتفع به حتى يدخل في المستثنى وإذا لم يتناوله الاستثناء بقى داخلا في المستثنى منه ومع ذلك فهو طاهر فظهر تعذر العمل بالظاهر ووقوع الحاجة بالتأويل ومما ينبغى أن يتنبه له معرفة أن تفصيل

(1/172)


الشعور المبانة وتقسيمها إلى طاهر ونجس مبنى على ظاهر المذهب في نجاسة الشعور بالموت فان قلنا لا ينجس بالموت فلا ينجس بالابانة أيضا بحال * قال: (وأما الاجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فهو طاهر من كل حيوان طاهر كالدمع واللعاب والعرق وما استحال في الباطن فأصله علي النجاسة

(1/173)


كالدم والبول والعذرة الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان وكذا في جزء الجراد والسمك وما ليس له نفس سائلة وجهان لشبهها بالنبات) المنفصل عن باطن الحيوان قسمان أحدهما ما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وانما يرشح رشحا والثاني ما يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج فالاول كاللعاب والدمع والعرق فحكمه حكم الحيوان المترشح منه

(1/174)


ان كان نجسا فهو نجس وان كان طاهرا فهو طاهر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها ": حكم بطهارة السؤر وذلك يدل على طهارة اللعاب

(1/175)


وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معروريا لابي طلحة وركضه ولم يحترز عن العرق: والقسم الثاني كالدم والبول والعذرة وهذه الاشياء نجسة من الآدمى ومن سائر الحيوانات المأكول منها وغير المأكول: أما في غير المأكول فبالاجماع: وأما في المأكول فبالقياس عليه
__________
قلت ويقبل في زكاة الحيوان منهما إذا كان اهلا للزكاة اه من هامش نسخة الاذرعي

(1/177)


لانها متغيرة مستحيلة: وذهب مالك وأحمد رحمهما الله إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه وبه قال أبو سعيد الاصطخرى من أصحابنا واختاره القاضى الرويانى وتمسكوا بأحاديث مشهورة في الباب مع تأويلاتها ومعارضاتها وهل نحكم بنجاسة هذه الفضلات من رسول الله صلى الله عليه

(1/178)


وسلم فيه وجهان قال أبو جعفر الترمذي لا لان اباطيبة الحاجم شرب دمه لم ينكر عليه

(1/179)


وروى أن أم أيمن شربت بوله فقال إذا لا تلج النار بطنك ولم ينكر عليها ويروى شرب دمه

(1/182)


عن على وابن الزبير أيضا رضي الله عنهما وقال معظم الاصحاب حكمها حكمها من غيره قياسا وحملوا الاخبار على التداوى وقد روى أنه قال لا بي طيبة لا تعد الدم كله حرام وفي خرء السمك والجراد وبولهما وجهان أظهرهما النجاسة قياسا على غيرهما لوجود الاستحالة والتغير وبه قال أبو حنيفة وكذا في زرق الطيور الا الدحاجة والثاني الطهارة لجواز ابتلاع السموك حية وميتة واطباق الناس على أكل المملحة منها على ما في بطونها وكذلك في خرء ما ليس له نفس سائلة وجهان أظهرهما النجاسة: والثاني لا لان الرطوبة المنفصلة منه كالرطوبة المنفصلة من النبات لمشابهة صورته بعد الموت صورته في الحياة ولهذا لم يحكم بنجاسة بالموت على رأي ولهذا بنى بعضهم الخلاف في طهارة روثه على الخلاف في نجاسة بالموت * ونعود بعد هذا إلى ألفاظ الكتاب

(1/184)


أما قوله فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فالمراد منه القسم الاول: وقوله وما استحال في الباطن فالمراد منه القسم الثاني: والتعرض للترشح في الاول انما وقع لان الغالب فيه الخروج علي هيئة الترشح لا أنه من خواصه أو أن الطهارة منوطة به ألا ترى أن الدم والصديد قد يترشحان من القروح والنفاطات وهما نجسان وقوله ليس له مقر يستحيل فيه لا يلزم من ظاهره ألا يكون مستحيلا أصلا لجواز أن يكون مستحيلا لا في مقرفان الدمع وسائر ما يقع في هذا القسم لا يستحيل أصلا فالتعرض لنفي المقر ضرب من التأكيد والبيان وان كان يستحيل لا في المقر فالحكم منوط بنفى الاستحالة في المقر لا بمطلق نفى الاستحالة وحينئذ يكون قوله وما استحال في الباطن منصرفا إليه * والمعنى وما استحال في مقر في الباطن وقوله كالدم والبول والعذرة ينبغى أن يعلم البول والعذرة بالميم والالف والواو اشارة إلى ما حكينا
من مذهب مالك واحمد والاصطخري بل لا بأس باعلام الدم ايضا بالواو لان في المتحلب من الكبد والطحال وجها أنه طاهر وكذلك في دم السمك والله أعلم *

(1/185)


قال (والالبان طاهرة من الآدمي (ح) ومن كل حيوان مأكول: والانفحة مع استحالتها في الباطن قيل بطهارتها لحاجه الجبن إليها) * اللبن من جملة المستحيلات في الباطن الا أن الله تعالى من علينا بألبان الحيوانات المأكولة فقال تعالى (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها) الآية وجعل ذلك رفقا عظيما بالعباد * وأما غير المأكول فان كان نجسا فلا تخفى نجاسته منه وان كان طاهرا فهو إما آدمي أو غيره أما الآدمي فلبنه طاهر إذ لا يليق بكرامته أن يكون نشؤه على الشئ النجس ولانه لم ينقل أن النسوة أمرن في عصره بغسل الثياب والا بدان مما يصيبهن من اللبن وحكي وجه أنه نجس كسائر ما لا يؤكل وانما يربى الصبى به لضرورة: وأما غير الآدمي فالمذهب نجاسة لبنه على قياس المستحيلات وانما خالفنا في المأكول تبعا للحم وفي الادمي

(1/186)


لكرامته: وعن أبي سعيد الاصطخرى انه طاهر كالسؤر والعرق * وإذا عرفت ذلك فالمعتبر عنده في طهارة اللبن طهارة الحيوان لا كونه مأكولا.
فلا بأس لو أعلمت المأكول في قوله ومن كل حيوان مأكول بالواو.
لانه مذكور قيدا في الطهارة.
وكذلك قوله من الآدمى للوجه الذى رويناه * ومما يستثنى من المستحيلات الانفحة في أصح الوجهين: ولم يذكر كثيرون سوا أنها طاهرة لاطباق الناس على أكل الجبن من غير انكار والثاني أنها نجسة على قياس الاستحالة فان الانفحة لبن مستحيل في جوف السخلة وانما يجرى الوجهان بشرطين احدهما أن يؤخذ من السخلة المذبوحة فان ماتت فهي نجسة بلا خلاف والثاني الا تطعم الا اللبن والا فهي نجسة بلا خلاف * قال (والمنى طاهر من الآدمى (م) وفي سائر الحيوانات الطاهرة ثلاثة أوجه تخصص الطهارة في الثالث بمأكول اللحم منها لانه يشبه بيض الطير المأكول وفي بزر القز وبيض ما لا يؤكل لحمه وجهان:
أما دود القز فطاهر والمسك طاهر وفأرته كذلك على الاظهر) *

(1/187)


المني قسمان مني الآدمى ومنى غيره فاما منى الآدمى فهو طاهر لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه وفي رواية وهو في الصلاة والاستدلال بها أقوى ولانه مبدأ خلق الآدمى فاشبه التراب فان قيل هذا منقوض بالعلقة والمضغة قلنا أصح

(1/188)


الوجهين فيهما الطهارة أيضا وحكي بعضهم عن صاحب التلخيص قولين في مني المرأة وحكي آخرون عنه أن منى المرأة نجس وفي منى الرجل قولان وهذا أقوى النقلين عنه ويوجه القول بنجاسة المنى

(1/189)


وهو مذهب أبى حنيفة ومالك بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال يغسل الثوب من البول والمذى والمنى وبما روى أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها اغسليه رطبا وافركيه يابسا وإذا نصرنا ظاهر المذهب حملنا هما علي الاستحباب جمعا بين الاخبار * والمذهب الاول وهو طهارة المنى من الرجل والمرأة نعم قال الائمة ان قلنا رطوبة فرج المرأة نجسة نجس منيا بملاقاتها ومجاورتها وليس ذلك لنجاسة المنى في أصله بل هو كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره فان منيه ينجس

(1/190)


بملاقات المحل النجس * وأما مني غير الآدمى فينظر ان كان ذلك الغير نجسا فهو نجس: وان كان طاهرا ففيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه نجس لانه مستحيل في الباطن كالدم وانما حكم بطهارته من الآدمى تكريما له والثاني أنه طاهر لانه أصل حيوان طاهر فاشبه منى الآدمى: والثالث انه طاهر من المأكول نجس من غيره كاللبن * وبيض الطائر المأكول طاهر كلبن الانعام: وفي بيض ما لا يؤكل لحمه وجهان كما في منيه والاظهر النجاسة: ويجرى الوجهان في بزر القز فانه أصل الدود

(1/191)


كالبيض فانه أصل الطير وفيه معني آخر وهو أن الدود من جملة ما ليس له نفس سائلة وقد ذكرنا
في روث ما ليس له نفس سائلة وجهين فان كان البزر روثا عاد فيه ذلك الخلاف وان لم يكن روثا بل كان بيضا له فإذا كان روثه على الخلاف فبيضه أولى أن يكون كذلك * وأما دود القز فلا

(1/192)


خلاف في طهارته كسائر الحيوانات * وليس المسك من جملة النجاسات وان قيل انه دم لانه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله وكان أحب الطيب إليه * وفي فأرته وجهان: أحدهما النجاسة لانها جزء انفصل من حى وأظهرهما الطهارة لانه منفصل بالطبع كالجنين ولان المسك فيها طاهر ولو كانت نجسة لكان المظروف نجسا وموضع الوجهين ما إذا انفصلت في حياة الظبية أما لو انفصلت منها بعد موتها فهى نجسة كالجنين واللبن وحكي وجه آخر انها طاهرة كالبيض المتصلب: وألفاظ الكتاب في هذه المسائل بينه: نعم قوله في مني غير الآدمى يخصص

(1/193)


الطهارة في الثالث بمأكول اللحم منه لانه أشبه بيض الطير يقتضى ظاهره أن تكون الطهارة في البيض مخصوصة ببيض المأكول وفاقا وليس كذلك بل في بيض غير المأكول وجهان كما في منى غير المأكول فالمراد تشبيه مني المأكول ببيض المأكول لا ثبات الطهارة فيه من جهة أن كل واحد منهما أصل الحيوان المأكول لا لتخصيص الطهارة به ولا خلاف في طهارة بيض المأكول وصاحب الوجه الثالث يقول ينبغى أن يكون المنى كذلك وأما من غير المأكول فيبقي علي قياس المستحيلات *

(1/194)


(قال) (الفصل الثاني في الماء الراكد) (والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير: والكثير لا ينجس الا إذا تغير ولو يسيرا وإن زال التغير بطول المكث عاد طهورا وان زال بطرح المسك والزعفران فلا: وان زال بطرح التراب فقولان للتردد في أنه مزيل أو سائر) الماء قسمان راكد وجار وبينهما بعض الاختلافات في كيفية قبول النجاسة وزوالها

(1/195)


فلا بد من التمييز بينهما: أما الراكد فينقسم إلى قليل وكثير وسيأتى معناهما: أما القليل فينجس بملاقاة النجاسة تغير بها أم لا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ويروى نجسا والمعنى أنه يدفعه ولا يقبله فدل ان ما دون القلتين يقبله: وقد استوى حكم القليل والكثير عند التغير فيرجع الفرق إلى النجاسة من غير التغير ويدل عليه أنه يستحب غسل اليدين للمستيقظ من النوم قبل إدخالهما الاناء وفي الخبر تعليل

(1/196)


ذلك باحتمال النجاسة وهو قوله صلى الله عليه وسلم فانه لا يدرى أين باتت يده ولولا أن قيل النجاسة يؤثر في الماء القليل لما كان لهذا الاستحباب معني وقال مالك لا ينجس

(1/197)


القليل الا بالتغير كالكثير لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير طعمه أو ريحه واختاره القاضى الروياني في الحلية: والشافعي رضى الله عنه حمل هذا الخبر على الكثير لانه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرا: وأما الكثير فينجس إذا تغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا الخبر نص على الطعم والريح وقاس الشافعي رضى الله عنه اللون عليهما: وان لم يتغير نظر ان كان ذلك لقلة النجاسة واستهلاكها فيه لم ينجس الماء لقوله صلى الله عليه وسلم لم يحمل خبثا وهل يستعمل جميع ذلك الماء أم يبقى قدر النجاسة: فيه الوجهان المذكوران من قبل: وان كان عدم التغير لموافقتها الماء في الاوصاف فيقدر بما يخالف على ما سبق: ثم لو طال مكث الماء وزوال تغيره بنفسه عاد طهورا لان الاصل

(1/199)


في الماء الطهورية وانما حكمنا بنجاسة الكثير منه لمكان التغير فإذا زال سبب النجاسة عمل المقتضى للطهارة عمله: وحكي في التتمة وجها عن الاصطخرى انه إذا زال التغير بنفسه لا يطهر وكما لم ينجس الا بوارد عليه لا يطهر الا بوارد عليه: ولو طرح فيه المسك فلم توجد رائحة النجاسة
أو الزعفران فلم يوجد لونها أو الخل فلم يوجد طعمها فلا يعود طهورا لانا لا ندرى أن أوصاف النجاسة زالت أم غلب عليها المطروح فيه فسترها بل الظاهر الاستتار ألا ترى أن ذكاء رائحة المسك يغلب الروائح الكريهة بحيث لا يحس بها ثم إذا فترت رائحة المسك حصل الاحساس بها: وان طرح فيه التراب فلم يكف التغير فهل يعود طهورا فيه قولان أحدهما ويروى عن المزني نعم لان التراب لا يغلب عليه شئ من الاوصاف الثلاثة حتى يفرض ستره إياها فإذا لم يصادف

(1/200)


تغييرا أشعر ذلك بالزوال وأصحهما انه لا يعود طهورا لانه وان لم تغلب عليه هذه الاوصاف إلا أنه يكدر الماء والكدورة من اسباب الستر فلا يدرى معها ان التغير زائل أو مغلوب * ووجه بعضهم القول الاول بان التراب بوافق الماء في الطهارية فيتعاونان في دفع النجاسة ولهذا يجمع بينهما في ازالة النجاسة المغلظة * وهذا التوجيه يليق بمن يزعم اختصاص القولين بالتراب لكن الطريقة الصحيحة طرد القولين في الجص والنورة التي لم تطبخ وغير ذلك مما لا يكون الوصف المتغير من الماء غالبا عليه * هذا فقه الفصل * ثم نتكلم فيما يتعلق بألفاظ الكتاب من الفوائد أما قوله والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير يدخل فيه النجاسة المجاورة والمخالطة ولا يدخل فيه

(1/201)


ما إذا تروح الماء بجيفة ملقاة على شط النهر لانه لا ملاقاة واعلم أنه ليس المراد تأثر الماء القليل بملاقات كل نجاسة فان من النجاسات ما لا يؤثر فيه كميته ما لا نفس له سائلة على الجديد كما سبق كالنجاسة التى لا يدركها الطرف وكما إذا ولغت الهرة بعد نجاسة فمها في ماء قليل وفيها خلاف سيأتي وانما الغرض بيان كيفية التأثر ان التغير غير معتبر فيه وأما ان النجاسة المؤثرة أية نجاسة فذلك شئ آخر * وأما قوله والكثير لا ينجس الا إذا تغير تغيرا يسيرا هكذا في أكثر النسخ ورأيت في بعضها طرح قوله تغيرا يسيرا لانه يوهم التقييد باليسير ومتى كان التغير اليسير قادحا فالفاحش أولي أن يكون قادحا فيستحيل التقيد ياليسير فان طرح فذاك * وقوله الا إذا تغير

(1/202)


يشمل اليسير والفاحش وان لم يطرح فالمراد الا إذا تغير وان كان تغيرا يسيرا لا كالتغير بالطاهرات فانه انما يسلب الطهورية إذا تفاحش: ثم ننبه لامور أحدها قوله والكثير لا ينجس الا إذا تغير لا يمكن العمل بظاهره لانه يقتضي أن لا ينجس إذا لم يتغير أصلا وليس كذلك لما ذكرنا أنه لو لم يتغير للموافقة في الاوصاف تعذر كونه مخالفا فان كان بحيث تغير لو كان مخالفا فالماء نجس وان لم يتغير: فإذا اللفظ محتاج إلى التأويل: الثاني قوله الا إذا تغير يعم التغير بالنجاسة المخالطة والمجاورة والنوعان يسلبان الطهارة على ظاهر المذهب وفي وجه التغير بالنجاسة المجاورة لا يسلب الطهارة كما أن التغير بالطاهر المجاور لا يسلب الطهورية فلو أعلم قوله الا إذا تغير بالواو اشارة إلى هذا الوجه لم يكن ممتنعا: الثالث قضية اللفظ أنه

(1/203)


لا ينجس الا إذا تغير كله أما إذا تغير بعضه فلا لان قوله إذا تغير صفة الكثير وذلك يتناول الكل الا ترى انه إذا تغير البعض يصح أن يقال ما تغير هذا الماء وانما تغير بعضه أو طرف منه ولكن ظاهر المذهب نجاسة الكل.
وان كان المتغير البعض وهو المذكور في المهذب وغيره وخرج وجه أنه لا ينجس الا لقدر المتغير وهذا يوافق ظاهر اللفظ وأما قوله وان زال بطرح التراب فقولان للتردد في انه مزيل أو ساتر ففيه استدراك لفظي وهو ان قوله وان زال فرض المسألة في الزوال مع الفرض في الزوال كيف ينتظم التردد في أن الحاصل زوال أم لا: وأشد من هذا قوله في الوسيط وان زال بطرح المسك والزعفران فلا لانه استتار لا زوال فطريق الجواب التأويل اما بحمل الزوال الاول علي فقد التغير وحمل الثاني على الحقيقة وأما باضمار بأن

(1/204)


يقال المعنى وان اعتقد الزوال أو ما أشبه ذلك وذكر بعضهم أن هذا الخلاف في مسألة التراب مفروض في تغير الرائحة أما لو تغير اللون لم يؤثر طرح التراب فيه بحال والاصول المعتمدة ساكتة عن هذا التفصيل * قال (والكثير قلتان (ح) لقوله عليه الصلاة والسلام إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا والاشبه
أنهما ثلثمائة من تقريبا لا تحديدا) * روينا الخبر الوارد في اعتبار القلتين وفي بعض الروايات إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر ثم روى الشافعي رضى الله عنه عن ابن جريج أنه قال رأيت قلال هجر فالقلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا واحتاط الشافعي رضى الله عنه فحسب الشئ نصفا لانه لو كان فوق النص لقال تسع ثلاث قرب الاشيئا وهذا عادة أهل اللسان: فإذا

(1/205)


جملة القلتين خمس قرب واختلفوا في تقدير ذلك بالوزن علي ثلاثة أوجه أحدها ذهب أبو عبد الله الزهري رحمة الله عليه إلى أن القلتين ثلثمائة من لان القلة ما يقله البعير ولا يقل الواحد من بعر ان العرب غالبا أكثر من وسق والوسق ستون صاعا وذلك مائة وستون منا فالقلتان ثلثمائة وعشرون يحط منها عشرون للظروف والحبال يبقى ثلثمائة وهذا اختيار القفال والاشبه عند صاحب الكتاب: والثاني ان القلتين ألف رطل لان القربة قد تسع مائة رطل فالاحتياط الاخذ بالاكثر ويحكي هذا عن أبي زيد: والثالث وهو المذهب أن القلتين خمسمائة رطل مائتان وخمسون منا بالبغدادي

(1/206)


لان القربة الواحدة لا تزيد على مائة رطل في الغالب ويحكي هذا عن نص الشافعي رضى الله عنه ثم ذلك معتبر بالتقريب أم بالتحديد فيه وجهان أصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب أنه معتبر بالتقريب لان ابن جريج رد القلة إلى القرب تقريبا والشافعي رضى الله عنه حمل الشئ علي النصف احتياطا وتقريبا والقلال في الاصل تكون متفاوتة أيضا كما نعهده اليوم في الحباب والكيزان والثاني أنه معتبر بالتحديد كنصاب السرقة ونحو ذلك فان قلنا بهذا لم نسامح بنقصان شئ وان قلنا بالاول فنسامح بالقدر الذى لا يتبين بنقصانه تفاوت في التغير بالقدر المعين من الاشياء المغيرة وعند أبي حنيفة وأصحابه لااعتبار بالقلال وانما الكثير هو الذى إذا حرك

(1/207)


جانب منه لم يتحرك الثاني هذه رواية ولهم روايات سواها * قال (فروع خمسة الاول يدركه الطرف من النجاسة الاول ما لا يدركه الطرف من النجاسة اضطرب فيه نص الشافعي رضى
الله عنه والاقرب ان ما انتهت قلته إلى حد لا يدركه الطرف مع مخالفة لونه للون ما يتصل به فلا يدخل تحت التكليف التحفظ عنه وما يدركه عند مخالفة اللون فينبغي أن لا يعفى عنه لا في الثوب ولا في الماء) * النجاسة التى لا يدركها الطرف كنقطة الخمر والبول التى لا تبصر والذبابة تقع على النجاسة ثم تطير عنها هل تؤثر كالنجاسة المدركة أم يعفى عنها لفظه في المختصر بشعر بأنها لا تؤثر ونقل عن الام انه لا فرق بينها وبين النجاسة المدركة وعن الاملاء التسوية

(1/208)


بينهما في الثوب واختلف الاصحاب فيه على سبعة طرق: أحدها أن في تأثيرها في الماء والثوب قولين: والثاني أنها تؤثر فيهما بلا خلاف: والثالث لا تؤثر فيهما بلا خلاف: والرابع تؤثر في الماء وفي الثوب قولان: والخامس تؤثر في الثوب وفى الماء قولان: والسادس تؤثر في الماء دون الثوب بلا خلاف: والسبع تؤثر في الثوب دون الماء بلا خلاف: فهذا هو اضطراب النص ومقالات الاصحاب: وأما التوجيه فمن ألحق هذه النجاسة بما يدركه بما يدركه الطرف قال الظواهر المقتضية لاحتساب النجاسة عامة تتناول التى يدركها الطرف والتى لا يدركها ومن سامح بهذه النجاسة علل بتعذر الاحتراز فان الذباب يقع على النجاسات ثم يطير ويقع في الماء وعلى الثياب فأشبه دم البراغيث وسائر ما يتعذر الاحتراز عنه: ومن قال تؤثر في الماء دون الثوب فرق من وجهين أحدهما أن صون الماء بتغطية رأس الاناء ممكن بخلاف الثياب: والثاني أن الذبابة إذا ارتفعت عن النجاسة جف ما نجس منها بالهواء فلا يؤثر في الثوب ويؤثر في الماء فلو كان الثوب

(1/209)


رطبا كان كالماء: ومن قال يؤثر في الثوب دون الماء قال الماء أقوى على دفع النجاسات بدليل الماء الكثير: وأما ما ذكره حجة الاسلام رحمه الله من أنه ان انتهت القلة إلى حد لا يدرك مع مخالفة لونه للون ما يتصل به فهو معفو عنه في الماء وغيره والا فلا: فهذا تفصيل لا نراه لغيره ووجهه في غير الوجيز بأن قال إذا بلغت القلة الحد المذكور كانت هذه النجاسة كما تحملها الرباح من النجاسات مثل الذر وتبثها على المياه والثياب ومعلوم أن ذلك مما لا يبالى به فكذلك ههنا ولك
أن تقول غير هذا التفصيل أجود منه لان الكلام فيما لا يدركه الطرف لقلته لا للموافقة في اللون وما لا يدرك لقلته لا يدرك اختلف اللون أو اتفق: فأحد القسمين وهو أن يكون بحيث يدرك عند اختلاف اللون خارج عن صورة المسألة وانما صورتها القسم الثاني ثم القول فيه بالعفو اختيار القول المنقول في عدم تأثير هذه النجاسة في الماء والثوب جميعا: وظاهر المذهب عند

(1/210)


المعظم خلافه: ثم في عبارة الكتاب بسط وتطويل ولا يخفى ايراد الغرض في أقصر منها لمن يبتغى الايجاز * قال (الثاني قلتان نجستان غير متغرتين إذا جمعتا ولا تغير عادتا طاهرتين فإذا فرقتا بقيتا على الطهارة ولم يضر التفريق بينهما الا إذا كانت النجاسة جامدة فبقيت في إحدى القلتين) * الماء القليل النجس إذا كوثر حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا نظر: إن كوثر بغير الماء فلا بل لو كمل الماء الناقص عن القلتين بماء ورد وصار مستهلكا فيه ثم وقعت فيه نجاسة تنجس وان لم يتغير وانما لا تقبل النجاسة قلتان من محض الماء على ما قال صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وان كوثر بالماء نظر ان كان مستعملا ففى عود الطهورية وجهان: أحدهما لا يعود لا نسلاب قوة المستعمل والتحاقه بسائر المائعات: وأظهرها تعود لان الاصل فيه الطهورية والضعف الذى عرض له ليس بأكثر

(1/211)


من أن تعرض له النجاسة: ولو كوثر الماء النجس بماء نجس ولاتغير: عادت الطهورية ومأخذ هذا الخلاف كمأخذ الخلاف في أن المستعمل هل يعود بالكثرة طهورا: وان لم يكن مستعملا عادت الطهورية فان الاصل في الماء الطهورية والنجاسة عرضت لعلة القلة فإذا كثر عمل الاصل عمله ثم التفريق بعد عود الطهورية لا يضر كما لو كان الماء قلتين عند وقوع النجاسة فيه ولم يتغير ثم فرق: ولا فرق بين أن يقع التكميل بماء طاهر أو نجس في عود الطهورية: وصورة مسألة الكتاب ما إذا كان كل واحد من المكمل والمكمل نجسا: ثم لا يخفى أن عود الطهورية انما يكون بشرط عدم التغير في المجموع وهل يشترط أن لا يكون فيه نجاسة جامدة فيه خلاف التباعد: ولو كوثر
الاءإ القليل بما يغلب عليه ويغمره ولكن لم يبلغ قلتين فهل تزول نجاسته فيه وجهان أظهرهما لا تزول:

(1/212)


وان قلنا بالزوال فهو طاهر غير طهور وذلك بشروط أحدها أن يكون التكميل بماء طاهر لا ينجس: والثاني أن يورد الطاهر على النجس: والثالث أن يكون المكمل أكثر من المكمل مما لا يكون فيه نجاسة وكل ذلك فيما إذا بلغ قلتين بخلافه: ويشترط أيضا أن لا يكون فيه نجاسة جامدة لا محالة: وقوله في الكتاب جمعتا عادتا طاهرتين في لفظ الجمع اشارة إلى ما ذكره الاصحاب أن المعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد البعضين صافيا والآخر كدرا وانضما تزول النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التمييز وقوله عادتا معلم بالالف لما روى عن أحمد وعن أصحابه أنه لا تعود الطهارة: وليس المراد من قوله عادتا طاهرتين مجرد الطهارة بل مع الطهورية *

(1/213)


قال (الثالث نجاسة جامدة وقعت في ماء راكد كثير يجوز الاغتراف من جوانبها على القول القديم هو الاقيس ويجب التباعد عنها بقدر القلتين في القول الجديد) إذا وقع في الماء الكثير الراكد نجاسة جامدة كالميتة فهل يجوز الاغتراف مما حوالى النجاسة أم يجب التباعد عنها بقدر القلتين فيه قولان القديم وهو ظاهر المذهب على خلاف الغالب أنه يجوز الاغتراف من أي موضع شاء ولا حاجة إلى التباعد لانه طاهر كله فيستعمله المستعمل كيف شاء والدليل على أنه طاهر كله قوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين الخبر: والجديد أنه يبعد عن النجاسة بقدر قلتين ثم يغترف لان ما دون القلتين مما يجاور النجاسة لو كان وحده لكان مجتنبا فكذلك إذا كان معه غيره وأثر الكثيرة دفع النجاسة عما وراء ذلك

(1/214)


القدر قال من نصر المذهب ذلك القدر المجتنب لو كان وحده محكوم له بالنجاسة في حالة الانفراد فاما أن يكون محكوما له بالنجاسة ههنا أيضا أولا يكون ان يكن فقد تغير حكمه عما كان
عليه وحده وان كان فلينجس ما يجاوره بمجاورته كما ينجس هو بمجاورة النجاسة وهكذا حتى تنتشر النجاسة الي الكل لا يقال هذا مائع وذلك جامد وحكم النجاسة المائعة أخف الا ترى ان النجاسة المائعة لو وقعت في ماء كثير وانغمرت فيه جاز استعمال الكل لانا نقول إذا كان حكم النجاسة المائعة ما ذكرتم فلنأخذ حكم الطهارة ههنا أيضا لا تصاله بالملا الكثير وحصوله فيه وإذا كان طاهرا وجب أن يجوز الاغتراف والاستعمال واعلم ان من أصحابنا العراقيين من حكى خلاف

(1/215)


التباعد وجهين ونقل القولين أثبت فان فرعنا على وجوب التباعد فلا يكفي ان يبعد في البحر بقدر شبر على أحد العمق في حساب القلتين بل يتباعد بقدر القلتين في ابعاد متماثلة طولا وعرضا وعمقا فان كان الماء في موضع لا يتاتي فيه ذلك كما لو وقف في موضع منبسطا من غير عمق يتباعد في الطول والعرض قدر ما يبلغ قلتين في ذلك العمق وقال الامام محمد بن يحي رضي الله عنه لا يغنى التباعد بقدر قلتين في هذه الصورة بل يبعد إلى حيث يعلم ان النجاسة لا تنتشر إليه كما يعتبره أبو حنيفة رحمة الله عليه في بعض الروايات في الماء الكثير ولو كان الماء قلتين بلا زيادة فعلى الجديد لا يجوز لاعتراف منه وعلى القديم يجوز ذلك في أصح الوجهين كما في الحالة الاولى والثاني لا لان المأخوذ بعض الباقي والباقي نجس بالانفصال فكذلك المأخوذ وينبني ان يبحث علي القولين في مسألة

(1/216)


التباعد أهما في جواز الاستعمال وعدمه بعد الاتفاق علي الطهارة ام في الطهارة والنجاسة: وذلك يترتب عليه فان كان الثاني فلم تكلم الا كثرون في الاغتراف والاستعمال نفيا واثباتا واشتهرت المسألة بالتباعد وهلا تكلموا في الطهارة والنجاسة على المعهود في نظائره ثم يفرع عليه جواز الاستعمال وعدمه: وان كان الاول فيم يوجه المنع من الاستعمال مع الحكم بالطهارة ولم تكلم بعضهم في النجاسة ونفيها وفرض فيها الخلاف وهل هما طريقتان هذا موضع نظر وتأمل ويدل على الاحتمال الاول اخبار القلتين فانها تنفي نجاسة الماء الكثير وأيضا فقد صرح بعض المعلقين عن الشيخ أبي محمد بانه لا خلاف في الطهارة وانما الخلاف في جواز الاستعمال وأما لفظ الكتاب فاعلم ان

(1/217)


قضية كلامه في وجوب اجتناب الحريم في الفصل الثالث يقتضي ان يكون مراده من قوله ههنا يجوز الاعتراف من جوازها على القول القديم ما وراء الحريم الا ان المذهب ان حكم الحريم حكم غيره على ما سيأتي * قال (الرابع كوز فيه ماء نجس غير متغير طريق تطهيره ان يغمس في ماء كثير فإذا استوى عليه الماء صار طهورا للاتصال به) إذا غمس كوز فيه ماء نجس في ماء طاهر هل يعود طهورا ان كان الكوز ضيق الرأس فوجهان أحدهما نعم لحصول الكثرة والاتصال وأصحهما لا لانه لا يحصل به ما يقيد تأثير أحدهما

(1/218)


بالاخر لان ماء الكوز كالمودع بظرفه فيه وليس معدود اجزءا منه وان كان واسع الرأس فعلى هذين الوجهين لكن الاظهر هنا الطهارة لتاثر كل واحد منهما بالآخر عند سعة رأس الاناء وحيث يحكم بعود الطهارة فتعود على الفور أم بعد أن تمكث زمانا: فيه وجهان أظهرهما لا تعود على الفور بل لابد من مضي زمان يزول فيه التغير لو كان متغيرا ولا شك أن ذلك الزمان يكون في ضيق الرأس أطول منه في واسعه وإذا عرفت ذلك فعد إلى الفاظ الكتاب: وأعلم مقوله صار طهورا بالواو للوجه الثاني لعود الطهارة والطهورية * وقوله فإذا استوى عليه الماء أيضا اشارة إلى الوجه الصائر إلى اشتراط المكث ثم تنبه لامور: أحدها قوله غير متغير ليس مذكورا للتقييد

(1/219)


فانه لو كان متغيرا فزال التغير بالاتصال عادت الطهورية أيضا فكأنه تعرض لهذا الوصف لانه حكم بعود الطهورية باستواء الماء عليه وبتقدير التغير لا تعود الطهورية بمجرد استواء الماء بل لابد من زوال التغير: الثاني قوله فإذا استوى عليه ينبه على انه لو لم يكن الكوز ملانا وغمسه فيه فما دام يدخل فيه الماء فلا اتصال وهو علي نجاسته: الثالث حكم بالطهورية من غير التعرض للخلاف فان كان يختار ذلك سواء ضاق رأس الكوز أم اتسع فهو معمول بظاهره وان قال بالمنع
عند ضيق الرأس كما حكينا انه ظاهر المذهب ففى الكلام اضمار تقديره كوز واسع الرأس فيه ماء نجس والاحتمال الثاني هو قضية كلامه في سائر كتبه *

(1/220)


قال (الخامس فأرة وقعت في البئر فتمعط شعرها فالطريق إلى تطهيره ان يستقي الماء الموجود في البئر فما تحصل بعد ذلك فان رؤي فيه شعر فنجس والا فطهور إذ الاصل طهارته وبقاء الشعر مشكوك فيه وإخراج الجميع هو الغالب باستقاء الماء) ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها: لكن ضرورة التدرج الي الاستقاء منها قد يخصه لضرب من العسر فان كان قليلا وقد تنجس بوقوع نجاسة فيه فليس من الرأى ان ينزح لينبع بعده الماء الطهور لانه وان نزح فقعر البئر يبقي نجسا وقد يفضى النزح الي تنجيس جدران البئر أيضا بل ينبغي ان يترك ليزداد ويبلغ حد الكثرة فان كانت قليلة الماء لا يتوقع

(1/221)


كثرته صب فيها ماء من خارج حتى يكثر: وينبغي أن يزول التغير أيضا لو كان متغيرا فان كان ماؤها كثيرا وقد تنجس بالتغير فتكاثر إلى زوال التغير أو يترك بحاله حتى يزول التغير بطول المكث أو بازدياد الماء فلو تفتت الشئ النجس فيه كالفأرة تمعط شعرها فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير لكن يتعذر استعماله بسبب أنه لا ينزح منه دلو الا وفيه شئ من أجزاء النجاسة فينبغي أن يستقى الماء كله لتخرج الشعور في صحبته فان كان العين فوارة وتعذر استقاء الكل فينزح بقدر ما يغلب على الظن ان الشعر قد خرج معه كله فما يبقي بعد ذلك في البئر وما يحدث فيه فهو طهور لانه ماء غير مستيقن النجاسة ولا مظنون النجاسة ولا

(1/222)


أثر للشك والتردد في بقاء الشعر فيه ووقوعه فيما حدث لحصول الظن باخراج الجميع نعم ان تحقق شيئا بعد ذلك على خلاف الغالب اتبعه وقيل أن ينزج إلى الحد المذكور فإذا غلب على ظنه انه لا يخلو كل دلو عن شئ من النجاسة ولكنه لم يره ولا تيقنه فجواز الاستعمال على القولين في
الاصل والغالب إذا تعارضا كما سيأتي نظائر ذلك واعلم ان فرض المسألة في تمعط الشعور مبنى علي نجاسة شعور الحيوانات بالموت فان لم ينجسها فليقع الفرض في سائر الاجزاء * قال (الفصل الثالث في الماء الجارى فان وقعت فيه نجاسة مائعة لم تغيره فهو طاهر إذا الاولون لم يحترزوا من الانهار الصغيرة)

(1/223)


نشرح مسائل الماء الجارى علي ما ذكرها ورواها في الاصل ثم نردفها بما ينبغي فنقول الماء الجاري ينقسم إلى ماء الانهار المعتدلة وإلى ماء الانهار العظيمة * القسم الاول ماء الانهار المعتدلة والنجاسة الواقعة فيه اما أن تكون مائعة أو جامدة فان كانت مائعة فينظر هل تغير الماء ام لا فان غيرته فالقدر المتغير نجس وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة وان لم تغيره فينظر ان كان عدم التغير للموافقة في الاوصاف فالحكم على ما ذكرنا في الراكد وان كان لقلة النجاسة وانمحاقها فيه لم ينجس الماء وان كان قليلا لان الاولين كانوا يستنجون على شطوط الانهار الصغيره ولا يرون

(1/224)


ذلك تنجيسا لمياهها وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب (وان كانت النجاسة جامدة تجري بجري الماء فما فوق النجاسة وتحتها طاهر لتفاصل جريات الماء وما علي جانبيها فيه طريقان قيل بطهارته وقيل بتخريجه علي قول التباعد: وان كانت النجاسة واقفة فالحكم ما سبق الا أن ما يجرى من الماء علي النجاسة وينفصل عنها فهو نجس فيما دون القلتين: فان زاد علي القلتين اعني ما بين المغترف والنجاسة فوجهان أظهرهما المنع الا أن يجتمع في حوض مترادا فان الجارى لا تراد له فهو متفاصل الاجزاء) أما إذا كانت النجاسة جامدة كالميتة فان غيرت شيئا من الماء فهو نجس وان لم تغير فينظر أتجرى مع الماء أم هي واقفة والماء يجرى عليها: فان كانت تجرى مع الماء فما فوقها الذى لم يصل النجاسة وما

(1/225)


تحتها الذى لم يصل إليه النجاسة طاهران لتفاصل أجزاء الماء الجارى فان كل جرية منه طالبة لما أمامها هاربة عما خلفها بخلاف الراكد فان أجزاءه مترادة متعاضدة: وأما ما علي يمينها وشمالها وفي سمتها
إلى العمق أو وجه الماء فيه طريقان: أحدهما القطع بالطهارة لما ذكرنا من تفاصل الاجزاء: والثاني التخريج على قولى التباعد كالراكد: والتفاصل انما يكون في طول النهر لا نحدار الماء فيه لا في العرض ومنهم من أجرى خلاف التباعد بما تحت النجاسة دون ما فوقها لان ما تحتها مستمد من موضعها وفى كلام العراقيين ما يقتضى طرده في جميع الجوانب فينبغي أن يعلم قوله فما فوق النجاسة وما تحتها طاهر بالواو اشارة إلى الخلاف المذكور: وان كانت النجاسة واقفة والماء يجرى عليها فالحكم كما لو

(1/226)


كانت جارية مع الماء ونزيدها هنا أن ما يجرى من الماء على النجاسة وهو قليل ينجس بملاقاتها ولايجوز الاغتراف منها إذا كان بين النجاسة وموضع الاغتراف دون القلتين: فان بلغ قلتين في الطول فوجهان: أحدهما وبه قال صاحب التلخيص وأبو إسحق رحمهما الله انه طاهر يجوز الاغتراف منه لحيلولة قدر القلتين ودفعه النجاسة وأصحهما وبه قال ابن سريج انه نجس وان امتد الجدول فراسخ لما سبق ان أجزاء الماء الجارى متفاصلة فلا يتقوى البعض منها بالبعض ولا تندفع النجاسة الا بأن تجتمع في حوض أو حفرة مترادا وقد يسأل فيقال ماء هو الف قلة وهو نجس من غير أن يتغير بالنجاسة هذا صورته *

(1/227)


قال (وهذا كله في الانهار المعتدلة فأما النهر العظيم الذي يمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة بقدر القلتين فلا يجتنب فيه الا حريم (و) النجاسة) ولا يعود فيه الخلاف الذى ذكرناه في التباعد عما حوالى النجاسة (وهو الذى تغير شكله بسبب النجاسة وهذا الحريم مجتنب أيضا في الماء الراكد) بينا انقسام الماء الجاري الي ماء الانهار المعتدلة وإلى ماء الانهار العظيمة وذكرنا حكم القسم الاول أما النهر العظيم فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة ولا يعود في الخلاف الذى ذكرناه في التباعد عما حوالي النجاسة: وحكي في البسيط وجها آخر أنه يجرى الخلاف في أيضا ولابد من بيان العظيم والحريم وقد أشار إلى تفسيرهما في الكتاب أما العظيم فقد قال هو الذى يمكن التباعد

(1/228)


فيه عن جوانب النجاسة كلها بقدر القلتين والمعتدل ما لا يمكن فيه ذلك ويدخل فيه الجداول الصغيره التى يجرى فيها الماء اليسير والانهار التى يبلغ ما بين حافتيها قدر قلتين ولكن لا يمكن التباعد فيها بقدر قلتين من كل جانب وذكر إمام الحرمين رضي الله عنه أن النهر المعتدل هو الذى يفرض تغيره بالنجاسات المعتادة والعظيم ما لا يمكن تغيره بها قال (والبعرة في النهر المعتدل كالجيفة في الوادي العظيم وأما الحريم فقد فسره بما يتغير شكله بسبب النجاسة) يعنى ما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها وانعطافه عليها أو التفافه بها ولهذا اعتبر التغير

(1/229)


في الشكل دون الرائحة وسائر الصفات وفي وجوب اجتناب الحريم وجهان حكاهما في البسيط أحدهما أنه لا يجتنب كغيره: والثاني وهو الذى ذكره ها هنا أنه يجتنب وان لم يوجب التباعد لانه في العيافة والاستقذار كالمتغير بالنجاسة: ثم قال وهذا الحريم مجتنب في الماء الراكد أيضا وذكر في البسيط أنه لا يجتنب في الماء الراكد وفرق بينه وبين الجارى علي أحد الوجهين بأن الراكد لا حركة له حتى ينفصل البعض عن البعض في الحكم فكما يجوز الاغتراف مما بعد من النجاسة يجوز الاغتراف من جوارها وهذه الاختلاف تقتضي اعلام المستثنى والمستثني منه في قوله فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة لان منهم من أوجب اجتناب غير الحريم ومنهم من لم يوجب

(1/230)


اجتناب الحريم أيضا وكذلك اعلام قوله: وهذا الحريم يجتنب أيضا في الماء الراكد: فهذا شرح ما ذكره ونعود إلى الموعود ونذكر أمورا من شرط محصل هذا الكتاب أن يعرفها: أحدها حكمه بطهورية القليل من الجارى إذا وقعت فيه نجاسة مائعة ولم تغيره كانه اختيار القول القديم الذى حكاه صاحب التلخيص وغيره في أن الماء الجارى لا ينجس الا بالتغير وذلك القول قد اختاره طائفة من الاصحاب ووجهوه بشئ آخر سوى ما ذكره في الكتاب: وهو أن الماء الجارى وارد على النجاسة فلا ينجس إلا بالتغير كالماء الذى تزال به النجاسة لكن المذهب
الذى عليه الجمهور الفرق بين القليل والكثير كما في الراكد ونجاسة القليل بمجرد الملاقاة

(1/231)


ويدل عليه الاخبار الفارقة بين القليل والكثير فانها تعم الراكد والجارى: والثاني لم يتعرض في تفصيل النجاسة الجامدة للفرق بين القليل من الماء والكثير ولابد منه لانه لا يمكن أن تكون مسائله كلها مفروضة في الكثير وحده ولا في الكثير والقليل جميعا وإلا كان الوجهان في نجاسة الماء الجارى علي الميتة جاريين في الكثير الذى تبلغ كل جرية منه قلتين فصاعدا وهو محال ولا يمكن أن تكون كلها مفروضة في القليل وحده والا كان خلاف التباعد جاريا فيما علي يمين النجاسة ويسارها مع قلة الماء وهو بعيد بل الوجه الحكم بالنجاسة عند القلة وكذلك ذكره

(1/232)


صاحب التهذيب وغيره: الثالث قضية كلام الا كثرين تصريحا وتلويحا انه لا فرق بين الحريم وغيره لا في الراكد ولا في الجارى على خلاف ما ذكره لانه اما أن يكون طاهرا في نفسه أو نجسا ان كان طاهرا فلا معنى لوجوب الاجتناب: وان كان نجسا فيلزم نجاسة ما يجاوره بملاقاته حتي يتعدى الي جميع الراكد والي جميع ما في عرض النهر في الماء الجارى *

(1/233)


قال (الفصل الرابع في ازالة النجاسة) (فان كانت حكيمة فيكفى اجراء الماء على موردها وان كانت عينية فلابد من ازالة عينها فان بقى طعم لم يطهر لان ازالته سهل وان بقي لون بعد الحت والقرض فمعفو عنه والرائحة كاللون علي الاصح)

(1/234)


الشئ النجس ينقسم إلى نجس العين وغيره أما نجس العين فلا يطهر بحال الا الخمر تطهر بالتخلل وجلد الميتة يطهر بالدباغ والعلقة والمضغة والدم الذى هو حشو البيض إذا نجسناها فاستحالت حيوانا: وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حكيمة وإلى عينية: أما الحكيمة فهي التى
لا تحس مع تيقن وجودها كالبول إذا جف على المحل ولم توجد له رائحة ولا أثر فيكفى اجراء

(1/235)


الماء على موردها إذ ليس ثم ما يزال ولا يجب في الاجزاء عدد خلافا لابي حنيفة حيث شرط في ازالة النجاسة الحكمية الغسل ثلاثا في رواية: وفي رواية الشرط أن يغلب على ظن الغاسل طهارته ولا حمد رحمه الله حيث قال في احدى الروايتين يشترط الغسل سبعا في جميع النجاسات

(1/236)


كما في نجاسة الكلب: لنا قوله صلى الله عليه وسلم لاسماء رضى الله عنها حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء أمر بالغسل من غير اعتبار عدد، وأما العينية فلا يكفى فيها اجراء الماء بل لا بد من محاولة ازالة أوصافها الثلاثة الطعم واللون والرائحة أو ما وجد منها فان بقي طعم لم يطهر سواء

(1/237)


بقى مع غيره من الصفات أو وحده لان الطعم سهل الازالة ويظهر تصويره فيما إذا دميت لثته أو تنجس فوة بنجاسة اخرى فغسله فهو غير طاهر مادام يجد طعمه في فيه وان لم يبق الطعم نظر: ان بقى اللون وحده وكان سهل الازالة فلا يطهر: وان كان عمر الازالة كدم الحيض يصيب الثوب

(1/238)


وربما لا يزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص فيطهر لما روى أن نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب وذكرن أن لون الدم يبقى فقال ألطخنه بزعفران المعنى أن اللون الباقي لا أثر له فان كرهتن رؤيته فالطخنه بزعفران وعن خولة بنت

(1/239)


يسار قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض فقال اغسليه فقلت اغسله فيبقى أثره فقال يكفيك ولا يضرك اثره وان بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الازالة كرائحة الخمر فهل يطهر المحل فيه قولان: وقيل وجهان والاول اصح أحدهما لا: لان بقاء الرائحة يدل على بقاء العين فصار كالطعم وهذا هو القياس في اللون لكن منعنا عنه الاخبار: والثاني وهو الاصح

(1/240)


يطهر لانا انما احتملنا بقاء اللون لمكان المشقة في ازالته وهذا المعنى موجود الرائحة وروى في اللون ايضا وجه أنه لا يطهر المحل مادام باقيا ذكره في التتمة ونسبه امام الحرمين إلى صاحب التلخيص فلو اعلمت قوله فمعفو اشارة إلى هذا الوجه لما كان به بأس وان بقى اللون والرائحة معا فلا يطهر المحل لقوة دلالتهما على بقاء العين وفيه وجه ضعيف ويتبين لك بما حكيناه أن قوله فان بقي طعم لم يطهر مجري على اطلاقه لانه لا فرق بين أن يبقى وحده أو مع غيره في الصفات الثلاث: وقوله في الرائحة واللون غير محمول على اطلاقه بل المراد ما إذا كان كل واحد منهما وحده: ثم لك في قوله وان بقي لون بعد الحت والقرص فمعفو مباحثتان أحداهما: الاستعانة بالحت

(1/241)


والقرص وهل هي شرط أم لا: ظاهر كلامه يقتضى الاشتراط وبه يشعر نقل بعضهم لكن الذى نص عيله المعظم خلافه واحتجوا عليه بحديث خولة واقتصروا على الاستحباب: الثانية لم قال فمعفو ولم يقل فطاهر: أهو نجس لكن يعفى عنه: أم كيف الحال: أطلق الا كثرون القول بالطهارة ويجوز أن يقال أنه نجس لكن يعفى عنه كما في أثر محل الاستنجاء ودم البراغيث: وليس في الاخبار تصريح بالطهارة وانما يقتضي العفو والمسامحة: وقد تعرض في التتمه لمثل هذا في الرائحة فقال ان قلنا لا يطهر فهو معفو عنه كدم البراغيث * قال (ثم يستحب الاستظهار بغسلة ثانية وثالثة وفي وجوب العصر وجهان فان وجب العصر

(1/242)


ففى الاكتفاء بالجفاف وجهان) قوله ثم يستحب الاستظهار يجوز أن يقرأ بالطاء والظاء فالاستطهار طلب الطهارة والاستظهار طلب الاحتياط وهذا كما قال الشافعي رضي الله عنه في المبتدأة المميزة إذا استحيضت ولا يجوز لها أن تسظهر بثلاثة أيام قرئ بهما جميعا والغرض ان التثليث مستحب في ازالة النجاسة كما في رفع الحدث واحتجوا عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستيقظ من نومه بان لا يغمس يده في
الاناء حتي يغسلها ثلاثا لتوهم النجاسة فعند تحققها أولي وانما يتأدى الاستحباب إذا وقعت المرة الثانية والثالثة بعد زوال النجاسة: أما الغسلات المحتاج إليها لا زالة النجاسة فلا بد منها: واستحباب

(1/243)


الاستظهار يشمل النجاسة الحكمية والعينية وقد حكينا عن مذهب احمد ان العدد واجب في ازالة النجاسات مطلقا فينبغي أن يكون قوله ثم يستحب معلما بالالف: وأما العصر فقد اختلفوا في حصول الطهارة قبله على وجهين وبنوهما على ان الغسالة طاهرة أم نجسة: ان قلنا انها طاهرة فلا حاجة إلى العصر وهو الاصح: والا فالغسالة باقية فلا تطهر وعلى هذا هل يكتفى بالجفاف: فيه وجهان أصحهما نعم: لان زوال الغسالة بالجفاف أبلغ منه بالعصر: والثاني لا: لانا بالعصر نتوهم انتقال أجزاء النجاسة في صحبة الماء وعند الجفاف لا يزول الا بلل الماء وتبقي أجزاء النجاسة: وقد يستدرك على العبارة التى ذكرها في تفريع الوجهين في الجفاف على وجوب العصر لان التفريع على الشئ لا ينبغي أن يرفع

(1/244)


الاصل ومن قال يطهر بالجفاف لا ينتظر منه القول بوجوب العصر واشتراطه بل الشرط عنده زوال البلل اما بالعصر أو بالجفاف فالعبارة السليمة أن يقال غسل المحل ولم يعصر هل يطهر مع بقاء البلل فيه وجهان: ان قلنا لا يطهر فهل يطهر إذا جف فيه وجهان * قال (فروع سبعة الاول إذا أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب على الاظهر) ما سبق من طهارة المحل بالغسل اما مع العصر أو دونه فيما إذا كان الماء واردا على المحل أما لو ورد المحل النجس كالثوب نغمس في إجابة فيها ماء ويغسل فيه فهل يطهر فيه وجهان قال ابن سريج يطهر كما لو كان الماء واردا عليه وقال الاكثرون وهو الاصح لا يطهر لان بالملاقاة بين الماء القليل والنجاسة يقتضى

(1/245)


نجاسة خالفنا فيما إذا كان الماء واردا فان الوارد عامل والقوة للعامل ويدل على الفرق انه صلى الله عليه وسلم منع المستيقظ من النوم من غمس اليد في الاناء قبل الغسل ثلاثا ولولا الفرق بين الوارد والمورود لما انتظم المنع من الغمس والامر بالغسل والوجه الاول فيما إذا قصد بالغمس ازالة النجاسة
فاما لو ألقته الريح فيه والماء قليل نجس الماء بلا خلاف قال الائمة ومن هذا نشأظن من نقل عن ابن سريج أنه يشترط النية في ازالة النجاسة قال (الثاني إذا أصاب الارض بول فصب عليها الماء حتى صار مغلوبا ونضب الماء طهر (ح) وكذا إذا لم ينضب إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب) * إذا أصاب الارض بول فصب عليها من الماء

(1/246)


ما يغمره وتستهلك فيه النجاسة طهرت بعد نضوب الماء وقبله: وجهان: ان قلنا ان الغسالة طاهرة والعصر لا يجب فنعم وان قلنا انها نجسة والعصر واجب فلا وعلى هذا فلا يتوقف الحكم بالطهارة على الجفاف بل يكفى أن يفاض الماء كالثوب المعصور لا يشترط فيه الجفاف والنضوب كالعصر وقال أبو حنيفة لا تطهر الارض حتى تحفر إلى الموضع الذى وصلت إليه النداوة وينقل التراب لنا ما روى ان اعرابيا بال في ناحية المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم صبوا عليه ذنوبا من ماء ولم يأمر بنقل التراب وقوله

(1/247)


حتى صار مغلوبا اشارة إلى أن المعتبر أن يكون الماء المصبوب على الموضع غالبا على النجاسة غامرا لها ولا بأس لو أعلمته أو اعلمت قوله طهر: بالواو لوجهين رويا على خلاف ظاهر المذهب أحدهما يجب أن يكون الماء سبعة أضعاف البول: الثاني يجب أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلي بول الاثنين ذنوبان وعلى هذا أبدا ثم الخمر وسائر النجاسات المائعة كالبول تطهر الارض عنها بالمكاثرة ولا تقدير علي على ظاهر المذهب: وقوله إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب لا ضرورة الي الجمع بينهما بل

(1/248)


لو اقتصر على نفى وجوب العصر لحصل الغرض فان الخلاف في العصر مبنى على الخلاف في الغسالة قال (الثالث اللبن المعجون بماء نجس يطهر إذا صب عليه الماء الطهور فان طبخ طهر ظاهره بافاضة الماء دون باطنه) اللبن النجس ضربان أحدهما ان يختلط بالتراب نجاسة جامدة من روث أو عظام ميتة أو غيرهما فيضرب منه لبن فهو نجس ولا سبيل إلى تطهيره بحال لما فيه من عين النجاسة: فلو طبخ فالمذهب الجديد
انه علي نجاسته والنار لا تطهر شيئا بل الطهورية مخصوصة بالماء: وفي القديم قول أن الارض النجسة تطهر إذا زال اثر النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمان فخرج أبو زيد والخضرى

(1/249)


وآخرون منه قولا في تأثير النار وقالوا تأثير النار اشد واقوي من تأثير الشمس: فعلى هذا يطهر ظاهره بالطبخ لان النار تحرق ما عليه من النجاسة: وان قلنا بالجديد الصحيح فلو غسل هل يطهر ظاهره: المنصوص في الام انه لا يطهر لانتشار أجزاء النجاسة والتصاقها بالمحل وزوال الجميع غير معلوم وقال أبو الحسين بن المرزبان والقفال يطهر لان عين النجاسة قد زالت فإذا ورد عليه الماء طهر محله النجس والظاهر الاول: الضرب الثاني أن لا يختلط به نجاسة جامدة

(1/250)


ولكن يعجن بماء نجس أو بول وهو الذى ذكره في الكتاب فهذا اللبن يمكن تطهيره كسائر الاعيان التي أصابتها نجاسة مائعة وطريق تطهير ظاهره افاضة الماء عليه على سبيل غسل سائر الاعيان وطريق تطهير باطنه أن ينقع في الماء حتى يصل الماء إلى جميع اجزائه كالعجين بمائع نجس انما يطهر بوصول الماء إلى جميع اجزائه هكذا حكمه ما لم يطبخ فان طبخ فعلى التخريج الذى سبق يطهر ظاهره وكذلك باطنه في اظهر القولين لتأثره بالنار وعلى الجديد هو على نجاسته وإذا غسل طهر ظاهره دون باطنه لانه استحجر بالطبخ فلا يتغلغل الماء فيه وانما يطهر الكل إذا دق حتى صار كالتراب ثم افيض الماء عليه: ولو كان رخوا لا يمتنع نفوذ الماء فيه بعد الطبخ

(1/251)


فهو كما قبل الطبخ: وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله يطهر إذا صب فيه الماء الطهور ليس المراد منه طهارة الظاهر وحده بدليل قوله بعده فان طبخ طهر ظاهره دون باطنه فانه بين ارادة طهارة الكل في الاول وحينئذ فمجرد الصب لا يكفي بل في الكلام اضمار: المعنى إذا صب فيه الماء الطهور حتي ينتقع فيه ويصل الماء إلى جميع اجزائه وفي بعض النسخ إذا نضب وهو عبارة الوسيط وتقييد الماء بالطهورية في هذا الموضع كالمستغني عنه لوضوح اشتراط الطهورية في الماء الذي تزال
به النجاسات مطلقا وعدم اختصاصه بهذا الموضع وقوله فان طبخ طهر ظاهره بافاضه الماء يجوز أن يعلم قوله بافاضة الماء بالواو اشارة إلى التخريج المذكور فان من صار إليه قال بأنه يطهر

(1/252)


بالطبخ لا بافاضة الماء عليه كذلك قوله دون باطنه لما ذكرنا أن أحد القولين علي قاعدة القول المخرج طهارة الباطن ايضا قال (الرابع بول الصبى قبل أن يطعم يكفى فيه رش الماء (ح م) ولا يجب الغسل بخلاف بول الصبية للحديث) الواجب في ازالة النجاسات الغسل الا في بول الصبى الذى لم يطعم ولم يشرب سوى اللبن فيكفى فيه الرش ولا يجب الغسل خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد: لنا ما روى أنه صلى الله عليه

(1/253)


وسلم قال انما يغسل من بول الصبية ويرش على بول الغلام

(1/254)


وعن أم قيس أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي لها لم يأكل الطعام فأجاسته في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله واعلم أنه لابد من أن يصيب الماء جميع موضع البول ثم لا يراده ثلاث درجات أحداها النضح المجرد: الثانية النضح مع الغلبة والمكاثرة: الثالث أن ينضم إلى ذلك الجريان والسيلان ولا حاجة في الرش الي الدرجة الثالثة وهل يحتاج إلى الثانية فيه

(1/258)


وجهان اظهرهما نعم والرش والغسل يفترقان في أمر السيلان والتقاطر وهل يلحق بول الصبية ببول الصبي فيه وجهان أحدهما نعم كما يستوى بول الرجل والمرأة في الحكم واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يلحق به للخبر ويفرق بينهما من جهة المعني بأن بول الصبى كالماء وبول الصبية أصفر ثخين وأيضا بأن طبعها أحر فبولها الصق بالمحل

(1/259)


(الخامس ولوغ الكلب يغسل سبعا احداهن بالتراب وعرقه وسائر اجزائه كاللعاب وفي الحاق (م) الخنزير به قولان والاظهر أنه لا يقوم الصابون والاشنان (ز) مقام التراب ولا الغسلة الثامنة ولو كان التراب نجسا أو مزج بالخل فوجهان ولو ذر التراب على المحل لم يكف بل لا بد من ماء يعفر به فيوصله إليه) ولوغ الكلب ما ولغ فيه والولوغ المصدر وقاعده الفرع أنه يغسل من ولوغ الكلب سبعا احداهن بالتراب خلافا لابي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر النجاسات ولا حمد حيث قال في رواية يغسل ثمان مرات: لنا ما روى أبو هريرة رضي الله أن النبي صلي الله عليه قال إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه وليغسله سبعا أو لا هن أو احداهن بالتراب ثم فيه مسائل

(1/260)


أحداها عرقه وسائر اجزائه وفضلاته كاللعاب إذا تنجس الشئ بها وجب العدد والتعفير لان فمه أنظف من غيره كما سبق فإذا ورد التغليظ فيه ففى غيره أولى وفى وجه غير اللعاب كسائر النجاسات قياسا وعند مالك لا يغسل من غير الولوغ لان الكلب طاهر عنده والغسل من الولوغ تعبد: الثانية في الحاق الخنزير بالكلب في هذا التغليظ قولان الجديد أنه يلحق به لانه حيوان

(1/261)


نجس العين والسؤر كالكلب فهو أولى بالتغليظ لانه لا يجوز اقتناؤه بحال والقديم انه لا يلحق به لان القياس يقتضى الاقتصار على المرة الواحدة وانما ورد التغليظ في الكلاب فطما لهم عن عادة مخالطتها ومنهم من قطع بالحاق الخنزير بالكلب ولم يثبت القول القديم فلك أن تعلم قوله قولان بالواو ويشير إلى هذه الطريقة الثالثة هل يقوم الصابون والاشنان مقام التراب فيه ثلاثة

(1/262)


أقوال أظهرها لا: لظاهر الخبر ولانها طهارة متعلقة فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم والثاني نعم كالدباغ يقوم فيه غير الشب والقرظ مقامهما وكالاستنجاء يقوم فيه غير الحجارة مقامها.
الثالث أن وجد التراب لم يعدل إلى غيره وان لم يجده جاز اقامة غيره مقامه للضرورة ومنهم من قال
يجوز اقامة غير التراب مقامه فيما يفسد باستعمال التراب فيه كالثياب ولا يجوز فيما لا يفسد

(1/263)


كالاواني: الرابعة لو اقتصر على الماء وزاد في عدد الغسلات على السبع هل يطهر فيه وجهان أصحهما لا لظاهر الخبر ولانه غلظ أمر هذه النجاة بالجمع فيه بين جنسين فلا يجوز الاقتصار على أحدهما كزنا البكر لما غلظ أمره بالجمع بين الجلد والتغريب لا يقصر على أحدهما: والثاني نعم لان المقصود التطهير والماء أبلغ في التطهير من التراب ثم منهم من رتب هذا الخلاف على أن الصابون والاشنان ونحوهما هل تقوم مقام التراب أم لا ان قلنا لا فكذلك الغسلة الثامنة وان قلنا نعم فههنا وجهان لان ثم استعان بشئ آخر سوى الماء ومنهم من بناه على الخلاف فيما إذا غمس الاناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء كثير هل يطهر أم لا يعتد بذلك غسلة واحدة

(1/264)


ويجب غسله ستا احداهن بالتراب فان قلنا بالاول طهر بالغسلة الثامنة وان قلنا بالثاني فلا: وحكى القاضي الروياني في المسألة وجها ثالثا أن الغسلة الثامنة تقوم مقام التراب عند عدمه: ولا تقوم مقامه عند وجوده وهو نظير القول الثالث في المسألة السابقة: الخامسة لو كان التراب نجسا ففيه وجهان أحدهما يجزى كالدبغ بالشئ النجس فان المقصود الاستعانة على القلع بشئ آخر وأصحهما لا كما لو تيمم بالتراب النجس وهذه المسألة تناظر مسألة أخرى وهى أن الارض الترابية لو

(1/265)


تنجست باصابة الكلب اياها هل يحتاج في تطهيرها إلى التراب أم يكفي محض الماء ان قلنا يجوز التطهير بالتراب النجس فلا حاجة إلى تراب آخر وان قلنا لا يجوز فلابد من استعمال تراب آخر والا ظهر في هذه المسألة أنه لا حاجة إلى استعمال التراب لانه لا معنى للتعفير في التراب: السادسة لا يكفي ذر التراب على المحل وان غسله سبعا بل لابد من مائع يمزجه ليصل التراب بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ثم ذلك المائع ان كان ماء حصل الغرض وان كان غيره كالخل

(1/266)


وماء الورد وغسله ستا بالماء فوجهان أحدهما يكفى لان المقصود من تلك الغسلة التراب وأصحهما لا لقوله صلى الله عليه وسلم فليغسله سبعا احداهن بالتراب المعنى فليغسله بالماء سبعا والا لجاز الغسل بغير الماء وبنى طبقة من الائمة ومنهم صاحب الكتاب الخلاف في المسائل والاربع الاخيرة علي النظر في أن التعفير لماذا روعى فمنهم من قال هو تعبد يتبع فيه ظاهر النقل وقيل سببه الاستظهار بغير الماء وقيل سببه الجمع بين نوعي الطهور فعلى الاول لا يغني استعمال

(1/267)


غير التراب ولا الغسلة الثامنة والتراب النجس والمزج بسائر المائعات لكن لاتجزى الغسلة الثامنة وعلى الثالث يمنع الكل الا المزج بسائر المائعات وقد يتوقف المتأمل في بعض هذه التفاريع وقوله في الاصل بل لابد من مائع يغيره ليوصله إليه يجوز أن يقرأ بالياء من التغير أي يغير التراب ذلك المائع فيوصل المائع التراب إليه ويمكن أن يجعل الفعل للمائع على معنى أنه يغير التراب عن هيئته فيهيأ للنفوذ والوصول إلى جميع الاجزاء وفي بعض النسخ يغبر به وكل جائز

(1/268)


قال (السادس سؤر الهرة طاهر فان أكلت فأرة ثم ولغت في ماء قليل ففيه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن تلغ في الحال أو بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير والاحسن تعميم العفو للحاجة) * سؤر الهرة طاهر لانها طاهرة العين وما هو طاهر العين فهو طاهر السؤر ولذلك لما تعجبوا من اصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الاناء للهرة قال انها ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم جعل طهارة العين علة طهارة السؤر فلو أكلت فأرة أو تنجس فمها بسبب آخر ثم ولغت في ماء قليل ونحن نتيقن نجاسة فمها بعد فهل ينجس: فيه وجهان أحدهما لا لكثرة اختلاطها وعسر الاحتراز ولانه صلى الله عليه وسلم كان يصغى لها الاناء ولا شك أنه تعترى النجاسة لفيها ولم يكن بقرب حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء كثير ترده الهرة وأصحهما نعم كسائر النجاسات والاحتراز وان عسر فانما يعسر عن مطلق الولوغ فأما عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم فممنوع

(1/269)


وتغطية رأس الاناء هينة واصغاء النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل انه كان عند العلم بالطهارة أو عدم العلم بالنجاسة وان لم يتيقن عند الولوغ ان فمها نجس بعد فان غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير أو ماء جاز فهل ينجس وجهان أحدهما لا لانه ماء معلوم الطهارة فلا يحكم بنجاسته بالشك والثاني نعم استصحابا لنجاسة الفم إذ لم تتيقن طهارته والاول أظهر وصاحب الكتاب قد جمع بين الحمالتين وجعل المسألة على ثلاثة أوجه وهو حسن لكن اختار تعميم العفو وهو خلاف ما صححه معظم الاصحاب والله أعلم قال (السابع غسالة النجاسة ان تغيرت فهو نجس وان لم تتغير فحكمه حكم المحل بعد الغسل ان طهر فطاهر (ح) وفي القديم هي طاهرة بكل حال ما لم تتغير وقيل حكمه حكم المحل قبل الغسل وفائدته تظهر في رشاش الغسلة الثانية من ولوغ الكلب)

(1/270)


الماء المستعمل في ازالة النجاسة وهو الغسالة اما أن يتغير بعض أو صافه بالنجاسة فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم (الا ما غير طعمه أو ريحه) أو لا يتغير ففيه ثلاثة أقوال الجديدان حكمه حكم المحل بعد الغسل ان كان نجسا بعد فهو نجس والا فطاهر غير طهور لان البلل الباقي في المحل بعضه: والماء الواحد القليل لا يتبعض في الطهارة والنجاسة وانما حكمنا بسقوط الطهورية لما سبق في المستعمل في الحدث: والثاني وهو مخرج على الجديد انه نجس لانه ماء قليل أصابته نجاسة والعبارة عن هذا القول ان حكم الغسالة حكم المحل قبل استعمالها فيه كما في المستعمل في الحدث ومنه خرج: والثالث وهو القول القديم انه طاهر طهور بكل حال لما سبق في توجبه القديم في المستعمل في الحدث والعبارة عنه أن حكم الغسالة حكمها قبل الورود على المحل ومنهم من يعبر عن هذا الخلاف بالوجوه لانها غير منصوصة ويخرج على هذا الخلاف غسالات الماء المستعمل في ازالة نجاسة

(1/271)


الكلب فلو تطاير منها شئ في المرة الاولى إلى ثوب أو غيره غسل ذلك الموضع على الاول ست
مرات لانه حكم المحل المغسول بعد تلك الغسلة وعلى الثاني يغسل سبعا لانه حكم المحل قبل تلك الغسلة وعلى الثالث لا حاجة إلى غسله أصلا وعلى هذا لو تطاير من السابعة غسل على الثاني مرة ولا يغسل منها اصلا فقس المرة الثانية وما بعدها حتى تنتهي إلى المرة السابعة فيغسل منهما على القول الثاني مرة ولا يغسل منها أصلا على الاول ولثالث ومتى وجب الغسل عنها نظر هل سبق التعفير للمرة المصاب منها ام لا فان لم يسبق لزم رعايته وفي وجه لكل غسلة سبع حكم المحل لانها تزيل سبع النجاسة فيغسل منها مرة وهذا الوجه يتضمن التسوية بين الغسلة المشتملة على التعفير وبين سائر الغسلات وهو اسقاط لا ثر التعفير ولا يخفى عليك بعد هذا ان قوله حكمه حكم المحل قبل الغسل أي قبل ذلك لا قبل مطلق الغسل وان ذكر الغسلة الثانية جرى على سبيل المثال والكناية في قوله وتظهر فائدته يجوز أن يعود إلى القول الثالث ويجوز أن يعود إلى الخلاف واستخراج العبارات الثلاث والاول أحسن وأولى

(1/272)


فهذا شرح ما في الكتاب على النظم: وينبغى أن يتنبه فيه لمسائل أحداهان ما ذكره من الخلاف مخصوص بالماء القليل إذا غسل به النجاسة وان أطلق اللفظ والا فلا خلاف في أن الكثير لا ينجس الا بالتغير: الثانية اطلق الخلاف فيما إذا لم يتغير ولو لم يتغير ولكن ازداد وزنه عند الانفصال على ما كان فهو نجس بمثابة ما لو تغير في أصح الوجهين: الثالثة الخلاف المذكور في المستعمل في واجب الازالة أما المستعمل في مندوبها ففيه وجهان أظهرهما انه طاهر طهور بلا خلاف: والثاني انه كالمستعمل في واجبها فيعود فيه القول الاول: والثالث دون الثاني * قال (الباب الثالث في الاجتهاد * مهما اشتبه عليه أناء تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن عدل بأناء طاهر لم يحز (و) استعمال أحد الانائين الا باجتهاد (ز) وطلب علامة تغلب ظن الطهارة) إذا اشتبه عليه أناء طاهر بأناء نجس واحتاج إلى الطهارة فماذا يفعل: فيه ثلاثة أوجه أحدها يستعمل ما شاء من غير اجتهاد ونظر: لان الذى يقصده بالاستعمال غير معلوم النجاسة والاصل

(1/273)


فيه الطهارة: والثاني انه انما يأخذ أحدهما إذا ظن طهارته ولكن لا يشترط استناده إلى اجتهاد وأمارة بل له ان يأخذ بما سبق وهمه إليه وكفى ذلك مرجحا لاصل الطهارة: والثالثة وهو المذهب ولم يذكر في الكتاب سواه انه لا يجوز أخذ احدهما الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب ظن طهارة المأخوذ ونجاسة المتروك لان أصل الطهارة عارضه يقين النجاسة وعرفنا أن ذلك الاصل صار متروكا اما في هذا أو في ذلك فيجب النظر في التعيين: وقال المزني يتيمم ولا يجتهد: وان كان الاشتباه في ثوبين صلى فيهما صلاتين وبه قال احمد: وقال أبو حنيفة يجتهد في الثياب ولا يجتهد في الاواني الا إذا كان عدد الطاهر أكثر:؟ ؟ قياس الاواني على الثياب وقد أعلموا لفظ الكتاب بالعلامات المشعرة بهذه الاختلافات فقوله لم يجز معلم بالواو ولفظ الانائين معلم بالحاء وقوله الا باجتهاد بالالف والزاى ولو كان سبب الاشتباه اخبار عدل اياه عن نجاسة أحدهما على الابهام وجب الاجتهاد كما لو عرفه بنفسه وكذلك لو أخبره عن نجاسة أحدهما بعينه ثم اشتبه عليه وسبيله سبيل الرواية فكل

(1/274)


من تقبل روايته من ذكر وأنثى وعبد وحر يقبل قوله في ذلك بشرط العدالة وهل يقبل قول الصبى المميز وفيه وجهان ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر الا عن حقيقة لان المذاهب مختلفة في أسباب النجاسات فقد يظن ما ليس بمنجس منجسا ولعلك تقول لفظ الكتاب يقتضي أن يكون اخبار العدل مفيدا لليقين لانه قال تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن عدل وقول الواحد لا يفيد اليقين فاعلم أن الفقهاء كثيرا ما يعبرون بلفظ المعرفة واليقين عن الاعتقاد القوى علما كان أو ظنا مؤكدا ويجري ذلك في لسان أهل العرف وهذا على ذلك المذهب: ولك أن تستفيد من قوله لم يجز أخذ أحد الانائين الا بالاجتهاد فائدة وهي النظر فيما لو خرج أحد الانائين عن أن يستعمل اما بالانصباب أو بتقاطر شئ من الآخر فيه هل يحتاج إلى الاجتهاد في الثاني: الذى يقتضيه لفظ الكتاب أنه يحتاج إليه وهو الظاهر وفيه وجهان آخران أحدهما يتوضأ به من غير تحر: والثاني لا يتوضأ به أصلا بل يتيمم: وقوله الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب

(1/275)


ظن الطهارة ليس فيه الا الايضاح ولو اقتصر على قوله لم يجز أخذ أحد الانائين الا بالاجتهاد أو قال الا بطلب علامة لحصل به الغرض * قال (وان غلب على ظنه نجاسة أحد الانائين بكونه من مياه مدمنى الخمر أو الكفار المتدينين باستعمال النجاسة فهو كاستيقان النجاسة على أحد القولين وعليه تمتنع الصلاة في المقابر المنبوشة ومع طين الشوارع وكل ما الغالب نجاسته) * الشئ الذى لا يتيقن نجاسته ولكن الغالب في مثله النجاسة يستصحب طهارته أم يؤخذ بنجاسته قولان أحدهما يستصحب طهارته تمسكا بالاصل المتيقن إلى أن يزول بيقين بعده كما في الاحداث: والثاني يؤخذ عملا بالظن المستفاد من الغلبة بخلاف الاحداث فان عروصها أكثر فخفف الامر فيها بطرح الظن كالشك ويشهد هذان القولان لقولي تعارض الاصل والظاهر وللمسألة نظائر كثيرة منها ثياب مدمنى الخمر وأوانهيم وثياب القصابين والصبيان الذين لا حتراز لهم عن النجاسات وطين الشوارع حيث لاتتيقن

(1/276)


نجاسته والمقابر المنبوشة حيث لا تتيقن النجاسة ومنها أواني الكفار الذين يتدينون باستعمال النجاسات كالمجوس يغتسلون ببول البقر ويتقربون بذلك ولا يلحق بهم الكفار الذين لا يتدينون باستعمالها كاليهود والنصارى: نعم المنهكمون منهم في الخمر والتلوث بالخنزير يجرى في ثيابهم وأوانيهم القولان لا محالة كمدمني الخمر من المسلمين وربما أطلقوا نقل القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة ولم يستيقن ولكن له شرط وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى أن الغالب في مثله النجاسة أما لو كان سبب الظن غير ذلك لم يلزم طرد القولين حتى لو رأى ظبية تبول في ماء كثير وكان بعيدا عن الماء فانتهى إليه ووجده متغيرا وشك في أن تغيره بالبول أم بغيره فهو نجس نص عليه الشافعي رضى الله عنه وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ثم الظاهر من القولين استصحاب الاصل فانه أصدق وأضبط من الغالب الذى يختلف باختلاف الزمان والاحوال والنقل

(1/277)


يعضد ذلك مثل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم حمل امامة بنت أبي العاص في صلاته وكانت
هي بحيث لا تحترز عن النجاسات إذا تقرر هذا الاصل فنقول: ان ألحقنا غلبة الظن باليقين فلو اشتبه عليه اناء طاهر باناء الغالب في مثله النجاسة كان كما لو اشتبه باناء مستيقن النجاسة فيحتاج إلى الاجتهاد كما سبق: وان لم نلحقها باليقين فلا حاجة إلى الاجتهاد ويستعمل أيها شاء وكليهما أيضا وقوله وعليه يخرج امتناع الصلاة في المقابر المنبوشة وفي بعض النسخ وعليه تمتنع الصلاة أي على قول الحاق الغلبة باليقين تمتنع الصلاة في المقابر المنبوشة وكذلك حكم التيمم بترابها وامتناع الصلاة مع طين الشوارع ونحوه ويجوز أن يرجع الكتابة في قوله وعليه يخرج الي الخلاف *

(1/278)


قال (ثم للاجتهاد شرائط الاول أن يكون للعلامة مجال في المجتهد فيه فيجوز (ز) الاجتهاد في الثياب والاواني ولا يجوز في تمييز المحرم والميتة عن المذكاة والا جنبية) * الشرائط جمع شريطة وحقها أن يقال الاولى والثانية فقوله الاول والثاني محمول على المعني: التقدير الشرط الاول والثاني إذا عرفت ذلك فمن شرائط الاجتهاد أن يكون للعلامة مجال في المجتهد فيه فيجوز في الثياب والاوانى إذا اشتبه بعضها ببعض لانها محال العلامات على ما سيأتي أما إذا كان الاشتباه فيما لا يتوقع ظهور الحال فيه بالعلامات لفقدها فلا يجوز الاجتهاد كما لو اختلط محرم له بنسب أو رضاع بأجنبية أو أجنبيات محصورات فلا يجوز نكاح واحدة بالاجتهاد

(1/279)


إذ لا علامة تمتاز بها المحرم عن الاجنبية ولو اشتبه عليه ميتة ومذكاة أو لبن بقرة بلبن اتان فوجهان أصحهما لا يجتهد أيضا إذ لا علامة: والثاني يجتهد إذ الميتة تطفوا الماء واعلم أنه لو منع مانع فقد الامارات في المحرم والاجنبية وادعى امكان الامتياز بالامور الخلقية والاخلاق وغيرها لم يبعد وكذلك في الصورة الثانية ثم انما ينتظم التعليل بفقد الامارات إذا اعتبرنا في الاجتهاد النظر في الامارات أما إذا قلنا يأخذ بما سبق وهمه إليه فليست العلة هذا وانما العلة فيه أن سبق الوهم انما يؤخذ به أعتمادا على ان الاصل في الماء الطهارة وههنا الاصل في الابضاع الحرمة وليست اللحوم
على الاباحة أيضا ألا ترى أنه لو ذبح المشرف على الموت وشك في أن حركته عند الذبح كانت حركة المذبوح أو حياة مستقرة يغلب التحريم ولك أن تقول في توجيه المنع على قاعدة اعتبار

(1/280)


العلامات ان فقدت العلامات ههنا فقد تعذر الاجتهاد وان وجدت فالعلامات انما تعتمد عند تأييدها بالاصل لما سيأتي ولم توجد ههنا * قال (الثاني أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الحال فلا يجوز الاجتهاد عند اشتباه البول أو ماء الورد (ح) بالماء على أظهر الوجهين) * إذا اشتبه عليه ماء وبول أو ماء وماء ورد فهل يجتهد فيه فيه وجهان أحدهما نعم: اعتمادا على الامارات كما في الماء النجس: وأصحهما لا: لان الاجتهاد وهم أو رجم ظن لا يعتمد الا إذا اعتضد بأصل الطهارة والطهورية فعلى هذا يعرض ههنا في الصورة الاولى ويتيمم: وفي الثانية يتوضأ بهذا مرة وبهذا مرة وان قلنا بالاول فلا شك أن ههنا لا يكتفى بسبق الوهم بفقد الاصل فلا بد من

(1/281)


الامارات وبنى بعضهم الخلاف في الصورتين جميعا علي الخلاف في أناهل نكتفي في الاجتهاد بسبق الوهم أم يعتبر النظر في الامارات: ان قلنا بالاول فلا يجتهد وان قلنا بالثاني فيجتهد * قال (الثالث أن يعجز عن الوصول إلى اليقين فان كان على شط نهر امتنع الاجتهاد في الثياب والاواني على أحد الوجهين) * هل يجتهد مع امكان الطهارة فيه وجهان أحدهما لا لان الاجتهاد انما يصار إليه عند العجز عن درك اليقين ألا ترى أن في الحوادث لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص: وأظهرهما نعم لان تركه التطهير بالماء المقطوع بطهارته والعدول إلى المشكوك في طهارته جائز وهذا أصل يتخرج عليه مسائل: منها ما إذا كان على شط نهر أمكنه التطهر به والا عراض عن المائين المشتبهين جميعا

(1/282)


وأمكن غسل الثياب المشتبهة به وهذه الصورة هي المذكورة في الكتاب ومنها أن يكون عنده
قلتا ماء أحداهما نجسة من غير تغير ولو جمعها لبلغ المجموع قلتين ومنها أن يشتبه عليه ماء طهور ومستعمل ومنها أن يشتبه عليه ماء.
وماء ورد فيجرى الوجهان في جميع هذه الصور الا أن الظاهر في الصورة الا خيرة منع الاجتهاد لا من جهة هذا الاصل بل للمعنى الذى سبق * قال (الرابع أن تلوح علامة النجاسة كحركة الماء أو نقصانه أو انصبابه أو ابتلال طرف الاناء إذا كانت النجاسة بولوغ الكلب ويشترك في دركه الاعمي (و) والبصير فان لم تلح علامة صب الماء وتيمم فان تيمم قبل الصب وجب القضاء لان معه ماء طاهرا بيقين) ان قلنا يأخذه ويستعمله من غير اجتهاد أو قلنا ما سبق وهمه إلى طهارته أخذ به فلا يحتاج إلى العلامات وان اعتبرنا الامارات والعلامات وهو الصحيح وعليه بنى صاحب الكتاب الكلام فلا بد من أن تلوح علامة النجاسة ليمتاز عنده النجس عن الطاهر مثال ذلك أن يعرف

(1/283)


أن سبب النجاسة ولوغ الكلب ثم يرى نقصان ماء أحد الانائين أو حركته أو ابتلال طرف الاناء أو قرب أثر قدم الكلب من أحدهما فهذه الامور مشعرة بكونه نجسا وقد تدل حركة الماء وابتلال طرف الاناء علي النجاسة من غير ولوغ الكلب أيضا فان لم تلح له علامة وتحير تيمم لعجزه عن الوضوء ثم ان كان تيممه بعد صب الماء في الانائين فلا قضاء عليه ويعذر في صبه لدفع القضاء بخلاف ما إذا صب ما عنده من الماء الطاهر عبثا وتيمم حتى يقضى علي أحد الوجهين وفي معنى الصب ما لو جمع بينهما لتنجسا وان تيمم قبل ذلك قضى لان معه ماء طاهرا بيقين وهل يجتهد الاعمى في الاواني فيه قولان أحدهما لا كما لا يجتهد في القبلة بل يقلد فيهما وأصحهما نعم وهو الذى ذكره في الكتاب لانه يعرف باللمس اعوجاج الاناء واضطراب الغطاء وسائر العلامات فصار كالاجتهاد في الوقت فعلى الاول من شرائط الاجتهاد كونه بصيرا وعلي الثاني لا فرق: ثم ان عجز الاعمى ولم يغلب على ظنه شئ فوجهان أظهرها أن له أن يقلد بخلاف البصير

(1/284)


إذا تحير فيه هذا آخر الشروط وإذا تأملتها عرفت أن اشتراط الكل مختلف فيه أما الثاني والثالث
فظاهر وأما الاول والرابع فهما مبنيان علي اعتبار العلامات ولعلك تقول الاجتهاد هو البحث والنظر وثمرته ظهور العلامات وثمرة الشئ تتأخر عنه والشرط يتقدم فكيف جعل ظهور العلامات شرطا فالجواب أن قوله ثم للاجتهاد شرائط أي للعمل بالاجتهاد أو لكونه مفيدا أو ما أشبه ذلك * قال (فرع لو ادى اجتهاده إلى اناء وصلى به الصبح ثم أدى عند الظهر اجتهاده إلى الثاني تيمم ولا يستعمل لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وخرج ابن سريج أنه يستعمل ونورده على جميع الموارد الاول: لان هذه قضية أخرى وعلى النص هل يقضي الصلاة الثانية لان معه ماء طاهرا بحكم الاجتهاد فيه وجهان) * إذا غلب علي ظنه طهارة أحد الانائين فالمستحب ان يريق الثاني لئلا يتغير اجتهاده فيشكل عليه الامر فلو لم يفعل وقد صلى الصبح مثلا بما ظن طهارته ثم تغير اجتهاده عند الظهر إلى طهارة الثاني فلا يخلو اما ألا يبقى من الاول شئ أو بقى فهما حالتان أحدهما ألا يبقى من الاول شئ وهذه الحالة هي التي تكلم فيها في الكتاب فنقول أولا لا يجب عليه اعادة الاجتهاد ههنا إذا حضرته الصلاة الثانية لكن لو أعاد وتغير اجتهاده فظن طهارة الثاني ففيه قولان أحدهما وهو المنصوص أنه لا يستعمله بل يتيمم لانه لو استعمله فاما أن يغسل ما اصابه الماء الاول من بدنه

(1/285)


وثيابه فيلزم نقض الاجتهاد أو لا يغسل ذلك فيكون مصليا مع تعين النجاسة والثاني خرجه ابن سريج من تغير الاجتهاد في القبلة أنه يتوضأ بالثاني ولا يتيمم لان هذه قضية مستأنفة فلا يؤثر فيها الاجتهاد الماضي لكن لابد من ايراد الماء على جميع المواضع التى أصابها الماء الاول وغسلها لازالة النجاسة ثم يتوضأ بعد ذلك لان من علي بدنه نجاسة وأراد أن يتوضأ أو يغتسل لم تكف الغسلة الواحدة عنهما جميعا ثم علي النص هل تقضى الصلاة الثانية الموداة بالتيمم فيه وجهان أصحهما لا إذ ليس معه ماء طاهر بيقين والثاني نعم لان معه ماء طاهرا بحكم الاجتهاد وأما الصلاة الاولى فلا حاجة إلى قضائها لا على النص ولا على التخريج: الحالة الثانية أن يبقي
من الاول شئ فان كانت البقية كافية لطهارته فالحكم على ما ذكرناه في الحالة الاولى لا في شيئين أحدهما انه يجب اعادة الاجتهاد للصلاة الثانية لان معه ماء مستيقن الطهارة والثاني ان الصلاة الثانية المؤداة بالتيمم يجب قضاؤها لان معه ماء طاهرا بيقين أما هذا أو ذاك هذا هو النص وفيه وجه أنه لا يجب لان ما معه من الماء ممنوع من استعماله شرعا فاشبه الذى حال بينه وبينه سبع وان لم تكن البقية كافية زاد النظر في أن ما لا يكفيه من الماء هل يجب استعماله أم لا ان قلنا لا فكما لو لم يبق شئ من الاول والافكما لو بقى ولو صب الماء الثاني في الحالة الاولى أو صبهما جميعا في الحالة الثانية ثم تيمم سقط القضاء بلا خلاف *

(1/286)


قال (الباب الرابع في الاواني وهى ثلاثة أقسام) (القسم الاول المتخذ من الجلود واستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا وطهارته بالذكاة فيما يؤكل لجمه (ح) أو بالدباغ في الجميع الا الكلب (ح) والخنزير) * جعل الاواني على ثلاثة أقسام لانها اما أن تتخذ من الجلود أو من العظام أو من غيرهما وعلى الاحوال فالاعيان المتخذ منها أما أن تكون نجسة فلا يجوز استعمالها في الشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال أو طاهرة فيجوز ويستثنى الذهب والفضة على ما سيأتي وهذه الجملة ظاهرة نعم الحاجة تمس إلى بيان الطاهر والنجس من الجلود والعظام وتمييز أحدهما عن الآخر وإلى حكم

(1/287)


المتخذ من الذهب والفضة فحصر كلام الاقسام الثلاثة في هذه الامور وانما يكون الجلد المتخذ منه الاناء طاهرا في حالتين أحدهما أن يكون جلد المأكول المذكي فهو على طهارته كاللحم وسائر الاجزاء وقد يؤكل الجلد على الرؤوس والمسموط ولا يلحق غير المأكول بالمأكول في ذلك بل جلد غير المأكول نجس وان ذكي كلحمه خلافا لابي حنيفة رحمه الله الثانية أن يكون مدبوغا فالدباغ يفيد طهارة الجلد من المأكول وغيره خلافا لا حمد لنا ما روى أنه عليه السلام مر بشاة ميتة لميمونة فقال هلا اتخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقيل انها ميتة فقال أيما أهاب دبغ
فقد طهر ويستثنى جلد الحيوان النجس في الحياة وهو الكلب والخنزير وفروعهما خلافا لابي حنيفة

(1/288)


في الكلب لنا أن جلدها لم ينجس بالموت لما بينا أنهما نجسان في الحياة والدباغ انما يطهر جلدا نجس بالموت لان غاية الدباغ نزع الفضلات ودفع الاستحالات ومعلوم أن الحياة أبلغ في ذلك من الدباغ فإذا لم تفد الحياة الطهارة حتى كان نجسا قبل الموت فأولى أن لا يفيدها الدباغ: ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب أما قوله المتخذ من الجلد فاستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا فاعلم أن هذا كما هو شرط في المتخذ من الجلد فهو شرط في المتخذ من سائر الاعيان وان لم يذكره في سائر الاقسام: وقوله وطهارته بالذكاة ليس على معنى أن الذكاة تطهر فان التطهير يستدعي سبق النجاسة وهو طاهر في الحياة وانما المراد أن الجلد الذى يتخذ منه الاناء لا يكون طاهرا الا إذا وجد أحد المعنيين أما الذكاة في المأكول أو الدباغ: وقوله فيما يؤكل لحمه ينبغي أن يكون معلما بالحاء لان عنده لا حاجة إلى هذا القيد وموضع باقي العلامات ظاهر بعد ما نقلناه من الخلاف وقوله الا الكلب والخنزير يوجب حصر الاستثنأ فيهما وهو ظاهر المذهب بعد الحاق فروعهما

(1/289)


بهما ولنا قول أن الآدمى ينجس بالموت على تقدم ذكره فعلى ذلك القول هل يطهر جلده بالدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لعموم الخبر ولانه طاهر في الحياة فأشبه جلده سائر الجلود: والثاني وهو مذهب أبي حنيفة أنه لا يطهر لما فيه من الامتهان فعلى هذا يلحق جلد الآدمى بالمتثنى ولك أن تعلم قوله وبالدباغ مع الالف المشيرة إلى مذهب أحمد بالواو لا لمصير بعض الاصحاب الي المنع من الدباغ فليس فيهم من يقول به لكن لان صاحب التتمة حكي وجها عن رواية ابن القطان أن جلد الميتة لا ينجس وانما أمر بالدبغ لا زالة الزهومة فإذا كان طاهرا قبل الدباغ لم تكن طهارته بالدباغ * قال (وكيفية الدباغ نزع الفضلات بالاشياء الحريفة ولا يكفى الترتيب (ح) والتشميس (ح) ولا يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ على أقيس الوجهين ويجب افاضة الماء المطلق على الجلد المدبوغ
على أظهر الوجهين) *

(1/290)


لك في قوله وكيفية الدباغ نزع الفضلات مباحثتان احداهما أن تقول ما الذى أراد بكيفية الدباغ أراد به حقيقته أم غير ذلك: وكيف يجوز ارادة الحقيقة وقد اشتهر في كلام الفقهاء ان مقصود الدباغ نزع الفضلات وعد ذلك كلاما صحيحا منتظما مقصود الشئ غير حقيقته: وان اراد غير ذلك فما هو: والجواب يجوز أن يكون المعنى والكيفية المعتبرة في الدباغ نزع الفضلات ويجوز أن يريد بكيفيته حقيقته لكن الدباغ يطلق بمعنيين يطلق بمعنى الفعل المخصوص في الجلد علي الهيأة التى يبتغي بها صلاح الجلد ويطلق بمعنى الفعل المصلح ولهذا يقال يحصل الدباغ بكذا ولا يحصل بكذا ومع وجود الدلك والاستعمال علي الهيئة التى يبتغي بها الصلاح فبالمعنى الاول ينتظم أن يقال مقصود الدباغ نزع الفضلات وبالمعني الثاني ينتظم أن يقال حقيقة الدباغ نزع الفضلات: الثانية أن يقول كيف اعتبر مجرد النزع والاصحاب يقولون يعتبر عند الشافعي رضى الله عنه في الدباغ ثلاثة أشياء نزع الفضول وتطييب الجلد وصيرورته بحيث لو نقع في الماء لم يعد الفساد والنتن

(1/291)


والجواب أنه لا فرق في المعنى فانه إذا نزعت الفضلات طاب الجلد وصار إلى الحالة المذكورة وإذا اعتبرنا أحد الامور المتلازمة فقد اعتبرناها جميعا وقوله بالاشياء الحريفة يجوز أن يكون معلما بالواو لشيئين أحدهما أن هذا اللفظ يعم الشب والقرظ الواردين في خبر الدباغ وغيرهما كالعفص وقشور الرمان: وحكي بعضهم وجها أنه يختص الدباغ بالشب والقرظ كما يختص تطهير ولوغ الكلب بالتراب على الاظهر والمذهب أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما مما يصلح للدباغ: والشب بالباء كذلك ذكره الازهرى وفي الصحاح أن الشب بالباء شئ يشبه الزاج والشث بالثاء نبت يدبغ به: الثاني أنه يعم الطاهر والنجس من آلات الدباغ سواء كان نجس العين كذرق الطائر أو غيره وفيه وجهان أحدهما لا يجوز الدباغ بالنجس لان النجس لا يصلح للتطهير وأظهرهما وهو ظاهر ما ذكره الجواز: لان الغرض اخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة وهذا يحصل
بالطاهر والنجس جميعا وهذا في طهارة العين ويجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشئ

(1/292)


الطاهر ففى وجوب غسله خلاف يأتي ذكره وإذا عرفت ذلك فاعلم أن النزع انما اعتبر ليصير الجلد نظيفا مصونا عن الاستحالات والتغيرات فيطهر كما كان في حال الحياة ويترتب عليه أن التجميد بالالقاء في التراب والشمس لا يكفى لان الفضلات لا تزول ألا ترى أنه إذا نقع في الماء عاد الفساد: وعن أبي حنيفة أنه يكفى ذلك وبه قال بعض الاصحاب لحصول الجفاف وطيب الرائحة: ثم في الفصل مسألتان أحداهما هل يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ مع الادوية فيه وجهان أحدهما نعم لان معنى الازالة في الدباغ أغلب والماء متعين لا زالة النجاسات وأيضا فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال أليس في الشب والقرظ والماء ما يطهره وأظهرهما لا: لقوله صلى الله عليه وسلم سلم أيما أهاب دبغ فقد طهر والغالب في الدباغ الاحالة دون الازالة ومعناه أن الجلد بنزع الفضلات يستحيل إلى الطهارة كالخمر يستحيل خلا: الثانية إذا دبغ الجلد بشئ طاهر فهل يجب غسله بعد الدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لا زالة أجزاء الادوية فانها نجست بملاقات

(1/293)


الجلد وبقيت ملتصقة به: والثاني لا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فقد طهر فان قلنا يجب فالجلد بعد الدباغ طاهر العين كالثوب النجس بخلاف ما إذا أوجبنا استعمال الماء في أثناء الدباغ ولم يستعمل فانه يكون نجس العين وهل يطهر بمجرد نقعه في الماء أم لا بد من استعمال الادوية ثانيا فيه وجهان: وإذا أوجنا الغسل بعد الدباغ لم يجز أن يكون الماء متغيرا بالادوية وإذا أوجبنا الاستعمال في أثناء الدباغ لم يضر كونه متغيرا بها بل لا بد منه فلهذا وصف الماء في المسألة الثانية بكونه مطلقا ولم يتعرض لذلك في الاولى * قال (ثم الجلد المدبوغ طاهر ظاهره وباطنه (وم) يجوز بيعه (وم) ويحل أكله على أقيس القولين) *

(1/294)


هل يطهر بالدباغ باطن الجلد كظاهره أم لا يطهر الا ظاهره: فيه قولان الجديد انه يطهر الباطن والظاهر حتى يصلى فيه وعليه ويباع ويستعمل في الاشياء الرطبة واليابسة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال أيما أهاب دبغ فقد طهر ولقوله هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به أطلق ولم يفصل بين الانتفاع في الرطب واليابس ولان الدباغ يؤثر في الظاهر والباطن جميعا والقديم وهو مذهب مالك أنه لا يطهر باطنه حتى يصلى عليه ولا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل

(1/295)


في الاشياء الرطبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب ظاهره المنع مطلقا خالفنا في ظاهر الجلد جمعا بينه وبين الاخبار المجوزة للدباغ وأما الا كل منه فان كان

(1/296)


جلد مأكول فقولان الجديد الجواز لقوله صلى الله عليه وسلم دباغ الاديم ذكاته والقديم المنع

(1/298)


لقوله عليه السلام انما حرم من الميتة أكلها وان كان من غير مأكول فطريقان أحدهما طرد القولين وأظهرهما القطع بالمنع كما في الذكاة وقد أطلق في الكتاب ذكر القولين في الاكل فيجوز أن يريد من المأكول ويجوز أن يريد المأكول وغيره علي طريقة طرد القولين فيهما وبها قال القفال: ثم الخلاف في الاكل يجوز أن يجعل من فروع الخلاف في طهارة الباطن وهو قضية ايراده في الاصل ويجوز أن يجعل خلافا مستقلا ويوجه بما سبق وكذلك جعله بعضهم وجها لا قولا وكذلك حكاه في الوسيط * قال (القسم الثاني المتخذ من العظام * والعظم ينجس (ح) بالموت على ظاهر المذهب وقيل قولان كما في الشعر ولا ينجس (و) شعر الآدمى بالموت والابانة ولا شعر الحيوان المأكول بالجز قولا واحدا فان حكمنا أن الشعر لا ينجس بالموت فالاصح أن شعر الكلب والخنزير نجس لنجاسة المنبت) * الشعور هل تنجس بالموت والابانة فيه قولان أحدهما لا لانه لاتحلها الحياة بدليل أنها
لا تحس ولا تألم وانما يتأثر بالموت ما تحله الحياة: وأظهرهما نعم لانه ان حلها الحياة كانت كسائر الاجزاء والا فهي حادثة من الجملة فتكون تابعة لها في الطهارة والنجاسة كما تجعل تابعة لها في حكم الجنابة وغيره ويجرى القولان في الصوف والوبر والريش وأما العظام ففيها طريقان أظهرهما القطع بالنجاسة لانها تحس وتألم: والثاني طرد القولين كما فيها لان الظفر يقلم ولا يألم والظلف تبرد بالمبرد ولا يحس به الحيوان فان قلنا الشعر والعظم ينجسان بالموت والابانة وجعلنا حكمهما حكم سائر الاجزاء فيستثنى عنهما موضعان أحدهما شعر المأكول إذا أبين في حياته كما سبق: والثاني شعر الآدمى وفيه قولان أو وجهان مبنيان على نجاسته بالموت ان قلنا لا ينجس وهو الاصح فلا ينجس شعره بالموت والابانة وان قلنا ينجس ينجس شعره أيضا بالموت والابانة وعلى هذا القول إذا سقطت منه شعرة أو شعرتان وصلى فيها فلا بأس للقلة وتعذر الاحتراز فان كثرت

(1/299)


لم يحتمل كدم البراغيث وان قلنا ينجس شعره بالموت والابانة فهل يستثنى شعر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وجهان: وجه الاستثناء أنه لما حلق شعره ناوله أبا طلحة رضي الله عنه ليفرقه على أصحابه ولم يمنعهم من استصحابه وإذا كان الصحيح في شعر غيره الطهارة فما ظنك بشعره صلى الله عليه وسلم: وجلد الميتة إذا دبغ وعليه شعر فهل يطهر على هذا القول فيه قولان أظهرهما لا لان الشعور لا تتأثر بالدباغ بل هي قبله وبعده على هيئة واحدة بخلاف الجلد: والثاني أنها تطهر تبعا لطهارة الجلد كما نجست بالموت تبعا وإذا فرعنا على أن الشعور لا تنجس بالموت فهى ملحقة بالجمادات وجميعا طاهر الا شعر الكلب والخنزير ففيه وجهان أصحهما أنه نجس ويستثنى هو من الجمادات كما استثنى صاحبه من الحيوانات والثاني أنه طاهر كشعر غيره والو جهان يشملان حالتى الموت والحياة جميعا فهذا فقه هذه المسائل وحظ الباب منه أن العظم إذا كان طاهرا فاستعمال الاناء المتخذ منه جائز والا فلا: وانما يكون طاهرا إذا كان من المذكي المأكول أو فرعنا علي القول الضعيف أن العظام لا تنجس أصلا.
واعلم أن القطع في قوله ولا ينجس شعر الآدمى بالموت والابانة ولا شعر المأكول لحمه بالجز قولا واحدا لا يرجع إلى المسألتين وانما يرجع إلى المسألة
الا خيرة وفي شعر الآدمى هل ينجس بالموت والابانة ما سبق من الخلاف وشعر المأكول قد سبق في الكتاب في فصل النجاسات وانما أعاده ههنا ليتبين أنه ليس موضع القولين وقوله فان حكمنا بأن الشعر لا ينجس بالموت هكذا الصواب وربما نجد في بعض النسخ فان حكمنا بان شعر الآدمى لا ينجس بالموت وقوله فالاصح أن شعر الكلب والخنزير نجس ليس المعنى أنه نجس بالموت لانه نجس في الحياة والموت جميعا على الاصح وظاهر فيهما على الثاني وعلى التقديرين فلا يكون نجسا بالموت وانما المعنى التعرض لنفس النجاسة وقوله لنجاسة المنبت قد يعترض عليه بأن هذا التعليل يقتضي نجاسة الزرع النابت على السرقين وقد نصوا علي أنه ليس بنجس العين لكنه نجس بملاقات النجاسة فإذا غسل طهر وإذا تسنبل فالحبات الخارجة منه طاهرة ويجوز أو يجاب عنه بأنه أراد

(1/300)


بالمنبت ما منه النبات والذى ينبت منه الشعر نجس أما الزرع فانه ينبت من الحبات المنبثة في السرقين لا من نفس السرقين * قال (القسم الثالث المتخذ من الذهب والفضة وهو محرم الاستعمال على الرجال والنساء ولايجوز تزيين الحوانيت به على الاصح ولا يجوز اتخاذه (و) ولا قيمة على كاسره (و) ولا يتعدى التحريم إلى الفيروزج والياقوت على الاصح لان نفاستهما ما لا يدركها الا الخواص) عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما يكره استعمال الاواني المتخذة من الذهب والفضة وهل ذلك على سبيل التحريم أو هو على سبيل التنزيه فيه قولان قال في القديم أنه على التنزيه لان جهة المنع ما فيه من السرف والخيلاء وانكسار قلوب المساكين ومثل هذا لا يقتضى التحريم وقال في الجديد انه على التحريم وهو الصحيح وبه قطع بعضهم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة انما يجر جر في جوفه نار جهنم رتب الوعيد بالنار عليه

(1/301)


ويستوى في المنع الرجال والنساء لشمول معني الخيلاء وان جاز للنساء التحلى بالذهب والفضة
يزينا كما أن افتراش الحرير يحرم عليهن كما يحرم على الرجال ولا يحرم اللبس عليهن ثم الخبر وان ورد في الاكل والشرب منهما فسائر وجوه الاستعمال في معناهما كالتوضى والاكل بملعقة الفضة والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها ولا حرج في اتيان الرائحة من بعد وهل يجوز اتخاذ الاواني الذهبية والفضية ان قلنا لا يحرم استعمالها على القديم فيجوز وان قلنا يحرم فوجهان أحدهما يجوز لجمع المال واحرازه كيلا يتفرق: والثاني وهو الاصح والمذكور في الكتاب أنه لا يجوز لان ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي فان قيل آلات الملاهي تتشوف النفس إلى استعمالها بخلاف الاواني قيل لا نسلم أن الاواني لا تتشوف النفس إلى استعمالها بل الواجد لها يلتذ باستعمالها واحتجوا لهذا الوجه أيضا بانه لا خلاف في وجوب الزكاة فيها ولو كان اتخاذها مباحا لكان وجوب الزكاة فيها على القولين في الحلى المباح وعلى الوجهين يبنى جواز الاستئجار على اتخاذها وغرامة الصنعة على من كسرها ان قلنا يجوز اتخاذها جاز الاستئجار ووجب الغرم والا فلا: وفي جواز تزيين البيوت والحوانيت والمجالس بها وجهان لانه ليس باستعمال لكن السرف والخيلاء يكاد يكون أبلغ ثم في كلام بعضهم بناء الخلاف في الاتخاذ على هذا الخلاف ان حرمناه فلا منفعة فيها بحال فلا يجوز اتخاذها والا فيجوز ويجوز أن يعكس هذا البناء فيقال ان حرمنا الاتخاذ حرم التزيين لان ما حرم اتخاذه يجب اتلافه والتزيين يتضمن الامساك وان ابحنا الاتخاذ فلا منع الا من الاستعمال: وقال امام الحرمين رحمة الله عليه الوجه عندي تحريم التزيين بها للسرف مع الخلاف في حرمة الصنعة وأما الاواني المتخذة من سائر الجواهر النفيسة كالفيروزج والياقوت والزبرجد وغيرها فهل هي في معني المتخذ من الذهب والفضة فيه قولان بناهما الائمة علي أن تحريم إناء الذهب والفضة لعينهما أو لمعنى فيهما قالوا وفيه قولان الجديد أنه لعينهما كاختصاصهما بتقويم الاشيإ بهما ووجوب حق المعدن فيهما وجعلهما رأس مال القراض ونحو ذلك: والثاني أنه لمعنى فيهما وهو السرف والخيلاء فعلى الاول لا يحرم ما اتخذ من

(1/302)


غيرهما من الجواهر النفيسة وعلى الثاني يحرم واعتبر العراقيون والامام معني السرف والخيلاء لا محالة
وقالوا حسم باب المعني مع ظهوره بعيد لكن وجه الجواز ان التبرين يظهر ان لكافة الناس والجواهر النفيسة يختص بمعرفتها بعضهم فيكون السرف والخيلاء في التبرين اكثر وهذا قضية قول صاحب الكتاب لان نفاستها لا يدركها الا الخواص وكيف ما كان فالاصح انها ليست في معنى الذهب والفضة ولا خلاف في أن ما تكون نفاسته بسبب الصنعة لا يحرم استعماله ولا يكره كلبس الكتان النفيس قال (والمموه لا يحرم على أظهر المذهبين والمضبب في محل يلقي فم الشارب محظور على الاظهر فان لم يلق فان كان صغيرا لا يلوح من البعد أو على قدر حاجة الكسر فجائز (و) وان انتفى المعنيان فحرام (ح) وان وجد أحدهما دون الثاني فوجهان وفي المكحلة الصغيرة تردد) لو اتخذ اناء من حديد أو غيره وموهه بالذهب أو الفضة نظر ان كان يحصل منها شئ بالعرض على النار منع من استعماله وليس هذا موضع الخلاف وان لم يحصل شئ فهل يمنع من الاستعمال فيه وجهان مبنيان علي مثل ما ذكرنا في الجواهر النفيسة: قال آخرون معنى الخيلا معتبر لكن من جوز قال المموه لا يكاد يخفى ولا يلتبس بالتبر ولو اتخذ اناء من ذهب أو فضة وموهه بنحاس أو غيره جرى الخلاف ان قلنا التحريم لعين الذهب والفضة يحرم

(1/303)


وان قلنا المعنى الخيلاء فلا: ولو غشي ظاهره وباطنه جميعا بالنحاس قال الامام الذى أراه القطع بجواز استعماله والذى يجئ على قول من يقول التحريم لعين الذهب والفضة أن يقول بالتحريم ههنا أيضا وقوله في الاصل علي أظهر المذهبين يعنى الوجهين اللذين ذكرنا هما وأما المضبب فينظر ان كانت الضبة على شفة الاناء بحيث تلقى فم الشارب فوجهان أحدهما التحريم وبه قال مالك قدس الله روحه سواء كانت صغيرة أو كبيرة على قدر الحاجة أو فوقها لكونها في موضع الاستعمال: والثاني أنها كما لو كانت في موضع آخر وصاحب الكتاب في آخرين جعلوا الوجه الاول أظهر ولعل الذى دعاهم إليه أنه اشبه بكلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر لكن معظم العراقيين علي انه لا فرق بين أن تكون الضبة علي موضع الشرب أو غيره وهو أوفق للمعني لان التحريم ان كان لعين الذهب والفضة فلا فرق وان كان لمعني الخيلاء
فكذلك وقد تكون الزينة في غير موضع الشرب أكثر وليس لقائل أن يقول إذا كان شاربا على فضة كان متناولا بالنص لان لفظ الخبر المنع من الشرب في آنية الفضة لا على الفضة والمضبب ليس بآنية الفضة ثم من نصر الوجه الاول فمن شرطه أن يقول لو كان الاستعمال في غير الشرب وكانت الضبة على الموضع الذى يمسه المستعمل ويلاقيه يحرم أيضا ولا ينساغ غير ذلك وان كانت الضبة على غير موضع

(1/304)


الشرب نظر ان كانت صغيرة وكانت على قدر الحاجة فلا تحريم ولا كراهة روى ان حلقة قصعة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة وكذلك قبيعة سيفه وان كانت كبيرة وفوق الحاجة حرم الاستعمال لظهور الزينة ووجود عين الذهب والفضة وان كانت صغيرة لكنها فوق قدر الحاجة أو كبيرة لكنها بقدر الحاجة فوجهان أحدهما التحريم لظهور معنى الخيلاء: أما في الصورة الاولي فلانه للزينة دون الحاجة: وأما في الثانية فلكبر الضبة وافتتان الناظرين بها كأصل الاناء وأصحهما وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد والعراقيون أنه يكره ولا يحرم أما في الصورة الاولى فلصغرها وقدرة معظم الناس على مثلها: وأما في الثانية فلظهور قصد الحاجة دون الزينة وبنى بعضهم الوجهين علي الاصل الذى سبق ان قلنا

(1/305)


التحريم لعين الذهب والفضة حرم وإن قلنا لمعنى الخيلاء فلا * وفي أصل المسألة وجهان آخر ان أحدهما أن المضبب يكره استعماله ولا يحرم بحال وبه قال أبو حنيفة والثاني أنه يحرم مطلقا حكاه الشيخ أبو محمد تخربجا على اعتبار العين وإذا عرفت ذلك فليكن قوله علي قدر حاجة الكسر فجائز معلما بالواو للوجه الثاني وقوله وان انتفى المعنيان فحرام بالحاء والواو للوجه الاول ثم ههنا مبا حثات احداها هل هذا الخلاف والتفصيل في المضبب بالفضة خاصة أو يعم المضبب بالفضة والذهب جميعا ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمة الله عليه انه يحرم التضبيب بالذهب مطلقا وهذا الخلاف والتفصيل في المضبب بالفضة ووجهه قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير هذان حرام على ذكور أمتي

(1/306)


وأيضا فقد روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال من شرب في آنية الذهب والفضة أو
في انا فيه شئ من ذلك فانما يجر جر في جوفه نار جهنم قضية الخبر تحريم المضبب بهما مطلقا خالفنا في الفضة لما ورد من خبر القبعة والحلقة فبقى في الذهب على ظاهره والذى نص عليه الجمهور التسوية بين ضبة الذهب وضبة الفضة كأصل الاناء: الثانية ما حد الصغر والكبر قال بعضهم الكبير ما يستوعب جزء من الاناء كأسفله أو جانبا من جوانبه أو تكون عروته أو شفته أو غيرهما من الاجزاء كله من ذهب أو فضة: والصغير ما دون ذلك واستعبد امام الحرمين هذا وقال لعل الوجه أن يقال ما يلمع على البعد للناظر فهو كبير وما لا فهو صغير فيكون مأخذ ذلك مدانيا للقليل والكثير من طين الشوارع وهذا ما أشار إليه في الاصل حيث قال فان كان صغيرا لا يلوح من البعد أراد تفسير الصغير بما لا يلوح من البعد ولو بحث باحث عن حد البعد فلا يجد مرجعا فيه الا العرف والعادة وإذا كان كذلك فلو رجعنا في الفرق بين الصغير والكبير إلى العرف والعادة وطرحنا الواسطة لما كان به بأس وقد فعل بعض الاصحاب ذلك وقال المرجع في الفرق بين الصغير والكبير إلى العرف والعادة: الثالثة هل يسوى بين الذهب والفضة في الصغر والكبر لم يتعرض الاكثرون لذلك وعن الشيخ ابي محمد انه لا ينبغى أن يسوى بينهما فان الخيلاء في قليل الذهب كالخيلاء في كثير الفضة وأقرب معتبر فيه أن ينظر إلى قيمة ضبة الذهب إذا قومت بالفضة وهذا الكلام يقرب ما خذه مما حكيناه عن الشيخ أبي اسحق وقياس الباب أن لا فرق: الرابعة ما معني الحاجة التى اطلقناها في المسألة والجواب يعنى بها الاغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين كأصلاح موضع الكسر وكالشد والتوثيق فإذا كان على قدر ما يستدعيه الكسر فهو بقدر الحاجة وقوله في الاصل على حاجة الكسر اشارة إلى هذا ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الذهب والفضة فان الاضطرار

(1/308)


يبيح استعمال أصل الاناء من الذهب والفضة: الخامسة قدر الضبة المجوزة لو اتخذ منه اناء صغير كالمكلة وظرف الغالية هل يجوز حكي فيه وجهان للشيخ أبي محمد أحدهما نعم كما لو ضبب به غيره وأظهرهما لا: لانه الآن يقع عليه اسم الآنية فيندرج تحت النهى وخصوا هذا التردد بالفضة وقياس ما سبق التسوية بين الذهب والفضة وذكر في التهذيب أنه لو اتخذ للاناء حلقة من فضة أو سلسلة أو رأسا يجوز لانه منفصل عن الاناء
لا يستعمله ولك أن تقول لا نسلم انه لا يستعمله بل هو مستعمل بحسبه تبعا للاناء ثم هب انه لا يستعمله لكن في اتخاذ الاواني من غير استعمال خلاف سبق فليكن هذا على ذلك الخلاف أيضا ويجوز أن يوجه التجويز بالمضبب أو تجعل هذه الاشياء كالظروف الصغيره كما سبق والله أعلم * قال (هذا قسم المقدمات أما قسم المقاصد ففيه أربعة ابواب الباب الاول في صفة الوضوء

(1/309)


وفرائضه ستة الاولى النية وهى شرط في كل طهارة عن حدث (ح) ولا تجب (و) في ازالة النجاسة ولا يصح (ح و) وضوء الكافر وغسله إذ لا عبرة بنيته الا الذمية تحت المسلم تغتسل عن الحيض لحق الزوج فلا يلزمها الاعادة بعد الاسلام على أحد الوجهين والردة بعد الوضوء لا تبطله (و) وبعد التيمم تبطله في أحد الوجهين لضعف التيمم:) ذكرنا في أول الكتاب ان أحكام الطهارة على قسمين مقدمات ومقاصد وجعل قسم المقاصد على أربعة أبواب أحدها في صفة الوضوء وله فرائض وسنن أما الفرائض فهى ست: الفرض الاول منها النية فهى واجبة في طهارات الاحداث خلافا لابي حنيفة الا في التيمم لنا قوله

(1/310)


صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات واعتبار ما عدا التيمم بالتيمم وأما ازالة النجاسة فلا يعتبر فيها النية لانها من قبيل التروك والمقصود هجران النجاسة والتروك لا تعتبر فيها النية كترك الشرب والزنا وغيرهما وطهارات الاحداث عبادات فاشبهت سائر العبادات ويحكي عن ابن سريح اشتراط النية فيها وبه قال أبو سهل الصعلوكى فيما حكاه صاحب التتمة وإذا عرفت ذلك فاعلم انه بنى على اعتبار النية في الطهارات امتناع صحتها من الكافر فلو اغتسل الكافر في كفره أو توضأ ثم أسلم لم يعتد بما فعله في الكفر لانه ليس أهلا للنية فيلزم الاعادة بعد الاسلام ولان

(1/311)


الطهارة عبادة والكافر ليس أهلا للعبادات ولهذا لا يصح منه الصلاة والصوم ولعل هذا أولى من التعليل بانه لا يصح منه النية لان النية المعتبرة في الوضوء نية رفع الحدث وهي متصورة من
الكافر وقال أبو بكر الفارسي لا يجب إعادة الغسل ويجب إعادة الوضوء لان الغسل يصح من الكافر في بعض الاحيان بدليل غسل الذمية عن الحيض لزوجها المسلم والوضوء لا يصح منه بحال وحكي وجه آخر أنه لا يجب إعادة الغسل ولا الوضوء وبه قال أبو حنيفة وأما مسألة الذمية فانها إذا طهرت من الحيض والنفاس فلا يحل لزوجها المسلم غشيانها حتى تغتسل كالمسلمة المجنونة تطهر من

(1/312)


الحيض ثم لو أسلمت الذمية بعد ذلك الغسل أو أفاقت المجنونة فهل يلزمها الاعادة فيه وجهان أحدهما وبه قال أبو بكر الفارسى لا يلزم لانه غسل صح في حق حل الوطئ فيصح في حكم الصلاة وغيره وأصحهما انه يلزم الاعادة لانه ليس للكافر والمجنون أهلية العبادة وانما صح في حل الوطئ لضرورة حق الزوج ولهذا تجبر الزوجة على الغسل من الحيض مسلمة كانت أو ذمية لحقه هذا حكم الكافر الاصلى أما المرتد فلا تصح منه الطهارة بحال ولم يجروا منه الخلاف المذكور في الكافر الاصلى لان من قال ثم لا حاجة إلى الاعادة أخذ ذلك من غسل الذمية بحل الوطئ أو من التخفيف والعفو عند الاسلام

(1/313)


ولا يفرض واحد منهما في المرتد: ولو توضأ المسلم ثم ارتد هل يبطل وضوءه فيه وجهان أحدهما نعم لان ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة فإذا طرأت في دوامه أبطله كالصلاة لا يصح ابتداؤها مع الردة وتبطل إذا طرأت في دوامها واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يبطل حتي لا تجب الاعادة إذا عاد إلى الاسلام لانه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله وإذا كان كذلك لم يتأثر ما سبق بالردة الا ترى انه إذا ارتد لم يبطل ما مضى من صومه وصلاته حتى لا تجب اعادته بعد السلام وهل يجرى هذا الخلاف في الغسل المشهور انه لا يجري لان الغسل يجامع الكفر بدليل مسألة الذمية والوضوء بخلافه ومنهم من أجرى الخلاف فيه أيضا والتوجيه ما ذكرنا في

(1/314)


الوضوء: وأما التيمم ففى بطلانه بعروض الردة وجهان أيضا لكن الاصح فيه البطلان لان التيمم لا ستباحة الصلاة وإذا ارتد خرج عن اهلية الاستباحة فلا يفيد تيممه الاباحة بعد ذلك كما إذا تيمم
قبل الوقت لا يستبيح به الصلاة بعد دخول الوقت ومنه من يرتب فيقول ان بطل الوضوء بالردة فالتيمم أولى وان لم يبطل ففى التيمم وجهان والفرق ضعف التيمم وتقاعده عن افادة الاباحة بعد تعذر الاستباحة قال (ثم وقت النية حالة غسل الوجه ولا يضر الغروب بعده ولو اقترنت باول سنن الوضوء

(1/315)


وعزبت قبل غسل الوجه فوجهان) لا يجوز ان تتأخر النية عن أول غسل الوجه لانها لو تأخرت لخلا أول الفرض عن النية وصار كالصلاة يشترط فيها المقارنة باولها بخلاف الصوم يحتمل فيه التقدم تارة والتأخر أخرى لعسر مراقبة طلوع الفجر وتطبيق النية عليه ثم إذا لم تتأخر فاما ان يحدث مقارنة لاول غسل الوجه أو يتقدم عليه فان حدثت مقارنة لاول غسل الوجه صح الوضوء ولا يجب الاستصحاب إلى آخر الوضوء لما فيه من العسر ولكن لا يحصل له ثواب ما قبله من السنن إذ ليس للمؤمن من عمله الا

(1/316)


ما نوى وان تقدمت عليه نظران استصحبها إلى أن ابتدا بغسل الوجه صح الوضوء وحصل ثواب السنن المنوبة قبله وان قارنت ما قبله من السنن وعزبت قبل غسل الوجه ففى صحة الوضوء وجهان أحدهما الصحة لان تلك السنن من جملة الوضوء فإذا اقترنت النية بها فقد اقترنت بأول العبادة وان لم تكن فرضا وأصحهما المنع لان المقصود من العبادة واجباتها والمندوبات توابع وتزينات فلا يكفى اقتران النية بها ولانها أمور سابقة على فرض الوضوء فلا يكفى اقتران النية بها كالاستنجاء ثم لا خلاف في ان المضمضة والاستنشاق من سنن الوضوء واختلفوا فيما قبل ذلك كغسل اليدين

(1/317)


والسواك والتسمية فلم يعدها كثيرون من سننه وان كانت مندوبة في ابتدائه وعدها آخرون من سننه وهو الوجه ولهذا تقع معتدا بها مثابا عليها إذا نوي مطلق الوضوء ولو لم تكن معدودة من افعاله لما اعتد بها بنية الوضوء: وفى لفظ الكتاب أشياء بنبغي أن يتنبه لمثلها الاول ان قوله وقت
النية حالة غسل الوجه مؤول لان اطلاق غسل الوجه يتناول جميعه والجميع ليس بوقت النية لا بمعني انه يجب اقتران النية بالكل كقولنا وقت الصوم النهار لانه يجوز أن يغسل الوجه على التدريج ولا تقترن النية بما سوى الجزء الاول ولا بمعنى انه تجزى النية أي بعض من ابعاضه اتفقت كقولنا وقت الصلاة كذا لان اقترانها بما سوى الجزء الاول لا يغني فإذا المراد أول غسل الوجه: والثاني ان قوله ولا يضر الغروب بعده ليس على اطلاقه لان الذى لا يضر ليس مطلق الغروب بل الغروب بشرط ان لا تحدث نية أحرى حتى لو عزبت نيته المعتبرة وحدثت له نية تبرد أو تنظف لم يصح وضوءه في أصح الوجهين لان النية الاولى غير باقية حقيقة والثانية حاصلة حقيقة فتكون أقوى: والثالث قوله ولو اقترنت بأول سنن الوضوء ليس من شرط هذه الصورة أن يكون الاقتران بالنية الاولى بل سواء اقترنت النية بالاولى أو بغيرها وعزبت قبل الشروع في غسل الوجه

(1/318)


حصل الوجهان وبالله التوفيق قال (وكيفيتها ان ينوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو ما لا يباح الا بالطهارة أو اداء فرض الوضوء فان نوى رفع بعض الحدث دون البعض فسدت نيته على أحد الوجهين وان نوى استباحة صلاة لا بعينها صحت نيته على أحد الوجهين وقيل يفسد في الكل وقيل يباح له ما نوي ولو نوى ما يستحب له الوضوء كقراءة القرآن للمحدث فوجهان ولو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين الحدث ففى وجوب الاعادة وجهان للتردد في النية وان نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد لم يضر على الاظهر وكذا إذا نوى غسل الجنابة مع غسل الجمعة حصلا معا) الوضوء نوعان وضوء رفاهية ووضوء ضرورة أما وضوء الرفاهية فعلى صاحبه أن ينوى أحد امور ثلاثة أو لها رفع الحدث أو الطهارة عنه فان اطلق كفاه لان المقصود من الوضوء رفع مانع الصلاة ونحوها فإذا نواه فقد تعرض لما هو المطلوب بالفعل وحكى وجه انه ان كان يمسح على الخف لم يجزه نية رفع الحدث بل ينوى استباحة الصلاة كالمتيمم ولو نوى رفع بعض الاحداث دون بعض بان كان قد نام وبال ومس فنوى رفع حدث منها ففيه وجوه أصحها انه يصح وضوءه لانه نوى رفع البعض
فوجب ان يرتفع والحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل والثاني لا يصح لان ما لم ينو

(1/319)


رفعه يبقي والاحداث لا تتجزأ فإذا بقى البعض بقي الكل ويكاد هذان الكلامان يتقاومان لكن من نصر الاول قال نفس النوم والبول لا يرفع وانما يرفع حكمهما وهو شئ واحد تعددت أسبابه والتعرض لها ليس بشرط فإذا تعرض له مضافا إلى سبب واحد لغت الاضافة إلى السبب وارتفع والثالث ان لم ينف رفع ما عداه صح وضوءه وان نفاه فلا لان نيته حينئذ تتضمن رفع الحدث وابقاءه فصار كما لو قال أرفع الحدث لا أرفع الحدث والرابع ان نوى رفع الحدث الاول صح وضوءه وان نوى غيره فلا.
لان الاول هو الذى أثر في المنع ونقض الطهارة والخامس ان نوي رفع الحدث الاخير صح وان نوى غيره فلا لان الاخير أقرب وذكر بعضهم ان الخلاف فيما إذا نواه ونفى غيره فان لم ينف صح بلا خلاف وهذا إذا كان الحدث الذى خصه بالرفع واقعا له فان لم يكن كما إذا نوى رفع حدث النوم ولم ينم وانما بال نظر ان كان غالطا صح وضوءه لان التعرض لها ليس بشرط فلا يضر الغلط فيها وان كان عامدا لم يصح في أصح الوجهين لانه متلاعب بطهارته الثاني استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح الا بالطهارة كالطواف وسجدة التلاوة والشكر ومس المصحف فإذا نواها واطلق اجزأه لان رفع الحدث انما يطلب لهذه الاشياء فإذا نواها فقد نوى غاية المقصد

(1/320)


وروى وجه أنه لا يصح الوضوء بنية الاستباحة لان الصلاة ونحوها قد تستباح مع بقاء الحدث بدليل المتيمم وان نوى استباحة صلاة معينة فان لم يتعرض لما عداها بالنفي والاثبات صح أيضا وان نفى غيرها فثلاثة أوجه أصحها الصحة لان المنوية ينبغى أن تباح ولا تباح الا إذا ارتفع الحدث والحدث لا يتبعض: والثاني المنع لان نيته تضمنت رفع الحدث وابقاءه كما سبق والثالث يباح له المنوي دون غيره لظاهر قوله صلى الله عليه وآله ولكل امرئ ما نوى

(1/321)


وان نوى ما يستحب له الوضوء كقراء القرآن للمحدث وسماع الحديث وروايته والقعود في المسجد
وغيرها فوجهان أظهرهما لا يصح وضوءه لان هذه الافعال مباحة مع الحدث فلا يتضمن قصدها قصد رفع الحدث: والثاني يصح لانه قصد أن يكون ذلك الفعل على أكمل أحواله وان يكون كذلك الا إذا ارتفع الحدث: والوجهان جاريان فيما إذا كان الوضوء مستحبا في ذلك الفعل لمكان الحدث كما ذكرنا من الامثلة وفيما إذا كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء

(1/322)


فان المقصد منه زيادة النظافة لكن المنع في القسم الثاني أظهر منه في الاول ولذلك قطع بعضهم بنفى الصحة فيه: ولو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين أنه كان محدثا فهل يعتد بهذا الوضوء فيه هذان الوجهان لان الوضوء والحالة هذه محبوب للاحتياط لا للحدث وفي المسألة معنى آخر وهو أنه عند الوضوء متردد في الحدث فيكون مترددا

(1/323)


في نية رفع الحدث وإذا كان كذلك وجب أن لا يعتد بوضوءه لاختلال النية وهذا بخلاف ما إذا شك في الطهارة بعد يقين الحدث حيث يؤمر بالوضوء ويحكم بصحته مع التردد لان الاصل ثم بقاء الحدث والتردد الذى يعتضد أحد طرفيه بالاصل لا يضر لحصول الرجحان والظهور وهذا المعنى على العكس ههنا أما إذا كان الفعل بحيث لا يتوقف علي الوضوء ولا يستحب الوضوء له كدخول السوق فتوضأ له لم يصح الثالث: أداء فرض الوضوء بهذه النية كما إذا نوى المصلي

(1/324)


أداء فرض الصلاة وهذا لان النية معتبرة في الوضوء لجهة كونه قربة فأشبه سائر القربات ولهذا ذكروا وجهين في اشتراط الاضافة إلى الله تعالى كما في الصوم والصلاة وسائر العبادات والاولى أن لا يجعل اعتبار النية في الوضوء على سبيل القربات بل يعتبرها للتمييز ولو كان الاعتبار على وجه القربة لما جاز الاقتصار على أداء الوضوء وحذف الفرضية لان الصحيح أنه يشترط التعرض للفرضية في الصلاة وسائر العبادات وقد نصوا على أنه لو نوى أداء الوضوء كفاه بل يلزم أن يجب التعرض للفرضية ولو نوى رفع الحدث أو الاستباحة والله أعلم.
فان قيل إذا لم يدخل وقت الصلاة فليس
عليه وضوء ولا صلاة فكيف ينوى فرض الوضوء فالجواب أن الشيخ أبا علي ذكر أن الموجب

(1/325)


للطهارة هو الحدث وقد وجد الا أن وقتها لا يتضيق عليه ما لم يدخل وقت الصلاة فلذلك صح الوضوء بنية الفرضية قبل دخول الوقت لكن هذا الجواب مبني على أن الموجب للطهارة هو الحدث وقد صار بعض الاصحاب إلى أن الموجب هو دخول الوقت أو أحدهما بشرط الآخر ويجوز أن يقال لا نعنى بالفرضية انه يلزمه الاتيان به والا لا متنع أن يتوضأ الصبي المميز بهذه النية ولكن المراد أنه ينوى اقامة طهارة الحدث المشروطة في الصلاة وشروط الشئ تسمى فروضه

(1/326)


وربما نذكر في معنى فرضية الصلاة التي ينويها المصلى ما يقارب هذا ونبين ما فيه من الاشكال في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى: ثم إذا نوى بوضوءه أحد الامور الثلاثة وقصد معه شيئا آخر يحصل ذلك الشئ من غير قصد ونية كما لو نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد أو استباحة الصلاة والتبرد ففي صحة الوضوء وجهان أحدهما يحكى عن ابن سريح أنه لا يصح لان الاشتراك في النية بين القربة وغيرها مما لا يخل بالاخلاص وأصحهما أنه يصح لان التبرد حاصل وان لم ينو

(1/327)


فنيته لاغية وصار كما لو كبر الامام وقصد مع التحريم اعلام القوم لا يضر ولو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد فعلى هذين الوجهين ولو كان يغتسل ضحوة الجمعة فنوى رفع الجنابة وغسل الجمعة فهذا يبنى على انه لو اقتصر على نية رفع الجنابة هل يتأدى به سنة غسل الجمعة أم لا وفيه قولان ان قلنا لا فقضيته أنه لا يصح الغسل أصلا كما لو نوى بصلاته الفرض والنفل جميعا وان قلنا يتأدي به وهو الاصح فوجهان كالوجهين في ضم نية التبرد إلى رفع الحدث أصحهما أنه لا يضر كما

(1/328)


لو صلى الفرض عند دخول المسجد ونوى التحية أيضا لا يضر لان التحية تحصل وان لم ينوها ولا فرق في جريان الوجهين في مسألة التبرد بين أن يضم قصد التبرد إلى النية المعتبرة في الابتداء
وبين أن يحدثها في الاثناء وهو ذاكر للنية المعتبرة أما إذا كان غافلا عنها لم يصح ما أتي به بعد ذلك في أصح الوجهين وقد قدمنا هذا: هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار ونعود إلى ما يتعلق بخصوص الكتاب: قوله وكيفيته أن ينوى رفع الحدث يجوز أن يعلم رفع الحدث بالواو اشارة إلى الوجه الذى ذكرناه في حق الماسح على الخف فان ذلك القائل لا يصحح الوضوء بنية رفع الحدث على الاطلاق بل في حق غير الماسح وقوله أو استباحة الصلاة ينبغي أن يعلم أيضا بالواو للوجه الذى رويناه: وقوله أو اداء فرض الوضوء ليس ذكر الفرضية على سبيل الاعتبار والاشتراط كما سبق وقد أوضح ذلك في الوسيط فقال ينوى أداء الوضوء أو فريضة الوضوء وقوله ولو نوى رفع بعض الحدث دون البعض يشمل ما إذا لم يتعرض للباقي أصلا وما إذا نفى رفع الباقي والخلاف جار في الحالتين علي أظهر الطريقين كما سبق فهو مجرى على اطلاقه لكن قوله وان نوى استباحة صلاة بعينها المراد منه ما إذا عينها ونفى غيرها لانه لا خلاف فيما إذا لم يتعرض لما سواها: وقوله في مسألة الشك للتردد في النية اشارة إلى المعنى الثاني لوجه عدم الاجزاء لكن المناسب لا يراد المسألة مقرونة بما إذا نوى بوضوءه الافعال المستحبة المعنى الاول: وقوله وكذا لو نوى غسل الجنابة

(1/329)


والجمعة حصلا يجوز أن يريد به العطف على الاظهر في مسألة التبرد بناء على أنه يحصل غسل الجمعة وان اقتصر على رفع الجنابة وعلى هذا فاللفظ يشعر بالخلاف في المسألة ولا حاجة إلى اعلامه بالواو ويجوز أن يحمل على الابتداء وعلى هذا يحتاج إلى العلامة بالواو وعلى التقديرين هو معلم بالميم لان صاحب البيان حكي عن مالك أنه لا يجزيه الغسل الواحد عنهما * قال (والمستحاضة لا يكفيها نية رفع الحدث بل تنوى استباحة الصلاة ورفع الحدث ولو

(1/330)


اقتصر على نية الاستباحة جاز على الاصح) * تكلمنا في كيفية النية في وضوء الرفاهية أما النوع الثاني في وضوء الضرورة وهو وضوء من به حدث دائم كالمستحاضة وسلس البول ونحوهما فنقول لو اقتصرت المستحاضة على نية رفع الحدث
فهل يصح وضوءها فيه وجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح لان حدثها لا يرتفع

(1/331)


بالوضوء وكيف يرتفع ومنه ما يقارن وضوءها ويتأخر عنه: والثاني يصح لان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة فقصد رفع الحدث يؤثر بمتضمنه وان لم يؤثر بخصوصه ولو اقتصرت على نية الاستباحة فوجهان أصحهما أنه يصح وضوءها كما يصح التيمم بهذه النية: والثاني لا يصح يحكي ذلك عن أبي بكر الفارسى والخضرى لان لها أحداثا سابقة وأخرى لاحقة فتنوى الرفع لما تقدم

(1/332)


والاستباحة لما تأخر وان جمعت بينهما فهو الغاية ثم لو نوت استباحة فريضة واحدة لا غير جاز بلا خلاف بخلاف ما إذا فعل ذلك صاحب طهارة الرفاهية لان طهارته لا تفيد الا فريضة واحدة ولو نوت استباحة نافلة بعينها عاد ذلك الخلاف ثم النظر في كون المستباح فرضا أو نفلا أو مطلق الصلاة وفيما يباح لها إذا نوت النفل كما سيأتي في التيمم * قال (ولو أغفل لمعة في الاولى فانغسلت في الكرة الثانية على قصد التنفل ففى ارتفاع الحدث وجهان ولو فرق النية علي أعضاء الوضوء لم يجز على أظهر الوجهين) * في الفصل مسألتان احداهما لو كان يتوضأ ثلاثا كما هو السنة فترك لمعة في المرة الاولى غافلا وانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة وهو يقصد التنفل بهما فهل يعتد بغسل تلك اللمعة أم يحتاج إلى اعادته فيه وجهان مخرجان على أصلين سبق ذكرهما أحدهما انه إذا لم تبق نيته الاولى وحدثت نية أخرى كما إذا عزبت نية رفع الحدث وقصد التبرد أو التنظف فقد حكينا فيه وجهين وههنا

(1/333)


كذلك لانه لم يبق له في المرة الثانية والثالثة نية رفع الحدث ضرورة اعتقاده ارتفاع الحدث بالمرة الاولي: والثاني ان تلك اللمعة ما صارت مغسولة بنية رفع الحدث وما في معناه بل علي قصد التنفل فيكون كما لو نوي بوضوئه ما يستحب له الطهارة: ولو أغفل لمعة في وضوئه وانغسلت في تجديد الوضوء بعد ذلك فعلى هذين الوجهين لكن الاصح الاعتداد بالمنغسل في المرة الثانية والثالثة وعدم
الاعتداد بالمنغسل في التجديد والفرق أن الغسلات في المرات الثلاث طهارة واحدة وقضية نية الاولى أن تحصل الغسلة الثانية بعد الاولى فما لم ينغسل عن الاولى لا يقع عن الثانية وتوهمه الغسل عن الثانية لا يمنع الوقوع عن الاولى كما لو ترك سجدة من الاولى ناسيا وسجد في الثانية تتم بها الاولي وان كان توهم خلاف ذلك وأما التجديد فهو طهارة مستقلة منفردة بنية لم تتوجه إلى رفع الحدث أصلا (المسألة الثانية) إذا

(1/334)


فرق النية على اعضاء الوضوء فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه وعند غسل اليدين رفع الحدث عنهما وهكذا ففي صحة وضوئه وجهان أظهرهما عند صاحب الكتاب المنع لان الوضوء عبادة واحدة فلا يجوز تفريق النية علي ابعاضها كالصوم والصلاة: والثاني وهو الاصح عند المعظم أنه يصح لانه يجوز تفريق افعاله على الصحيح ولا يشترط فيه الموالاة وان كان عبادة واحدة فكذلك يجوز تفريق النية على أفعاله بخلاف الصلاة وغيرها لا يجوز التفريق في ابعاضها ثم من الاصحاب من يبني تفريق النية على تفريق الافعال ان جوزنا تفريق الافعال جوزنا تفريق النية والا فلا ومنهم من رتب فيقول ان لم يجز التفريق في الافعال ففي النية أولي وان جوزنا ذاك ففى هذا وجهان والفرق أنه وان فرق أفعاله فهو عبادة واحدة يرتبط بعضها ببعض ألا ترى أنه

(1/335)


لو أراد مس المصحف بوجهه المغسول قبل غسل باقي الاعضاء لا يجوز وإذا كان كذلك فليشملها نية واحدة بخلاف الافعال فانها لا تتأتي الا متفرقة ثم الخلاف في مطلق تفريق النية أم فيما إذا نوى رفع الحدث عن العضو المغسول ونفي غسل سائر الاعضاء دون ما إذا اقتصر على رفع الحدث عنه والمشهور الاول: وحكي عن بعض الاصحاب الثاني: وإذا قلنا في المسألة الاولي أنه لا يعتد بغسل اللمعة في الكرة الثانية والثالثة فهل يبطل ما مضى من طهارته أم يجوز البناء فيه وجها تفريق النية: ان قلنا لا يجوز التفريق يمتنع البناء لانه محتاج عند البناء الي تجديد النية للباقى وان قلنا يجوز جاز البناء ويبقي النظر في طول الفصل وعدمه فان اعتبرنا الموالاة لم يحتمل طول الفصل *

(1/336)


قال (الفرض الثاني استيعاب غسل الوجه وهو من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن ومن الاذن إلى الاذن واجب ولا تدخل النزعتان ولا موضع الصلع في التحديد وموضع التحذيف من الوجه على الاظهر والغمم إذا استوعب جميع الجبهة وجب ايصال الماء إليه فان لم يستوعب فوجهان) غسل الوجه أول الاركان الظاهرة في الوضوء قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وحد الوجه علي ما اختاره صاحب الكتاب من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن في الطول ومن الاذن إلى الاذن في العرض ومعنى ذلك أن ميل الرأس إلى التدوير ومن أول الجبهة يأخذ الموضع في التسطيح وتقع به المحاذاة والمواجهة فحد الوجه في الطول من حيث يبتدئ التسطيح وما فوق ذلك من الرأس: وإذا عرفت ذلك فمما يخرج عن الحد النزعتان وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى

(1/337)


الجبينين لانهما في سمت الناصية وهما جميعا في حد التدوير ومما يخرج عنه موضع الصلع لانه فوق ابتداء التسطيح ولا عبرة بانحسار الشعر عنه نظرا إلى الاعم الاغلب ومما يخرج عنه موضعا الصدغين وهما في جانبى الاذن يتصلان بالعذارين من فوق لانهما خارجان عما بين الاذنين لكونهما فوق الاذنين وحكي في الصدغين وجه أنهما من الوجه ومما يدخل في الحد موضع الغمم لانه في تسطيع الجبهة ولا عبرة بنبات الشعر على خلاف الغلب كما لا عبرة بانحساره عن موضع الصلع على خلاف الغالب هذا إذا استوعب الغمم جميع الجبهة والا فوجهان أصحهما أن الامر لا يختلف وهو من الوجه لما ذكرنا: والثاني أنه من الرأس لانه على هيئته والباقي المكشوف هو من الجبهة بخلاف ما إذا أخذ الغمم جميع الجبهة فان العادة لم تجربان لا يكون للانسان جبهة أصلا وربما وجه أحد هذين الوجهين: أنه مقبل في صفحة الوجه

(1/338)


والثاني بأنه في تدوير الرأس ومعناه أن الاغم ينتأ من أوائل جبهته شئ ولا ينقطع شكل تدوير رأسه حيث ينقطع من غيره فذلك الموضع متصل بتدوير الرأس لكنه مقبل في صفحة الوجه وأما موضع التحذيف وهو الذى ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة وربما يقال بين
الصدغ والنزعة والمعنى لا يختلف لان الصدغ والعذار متلاصقان وهل هو من الوجه أو الرأس فيه وجهان قال ابن سريج وغيره هو من الوجه لمحاذاته بياض الوجه ولذلك تعتاد النساء والاشراف ازالة الشعر عنه ولهذا سمى موضع التحذيف وقال أبو إسحاق وغيره هو من الرأس لنبات الشعر عليه متصلا بسائر شعر الرأس والاول هو الاظهر عند المصنف: والذى عليه الاكثرون الثاني وهو الذى يوافق نص الشافعي رضى الله عنه في حد الوجه وحاول امام الحرمين تقدير موضع التحذيف فقال إذا وضع طرف خيط على رأس الاذن والطرف الثاني على زاوية الجبين فما يقع منه في جانب الوجه فهو من الوجه ولك أن تقول توجيه من يجعله من الوجه لا يقتضي التقدير بهذا المقدار فان من يحذف قد يحذف أكثر من ذلك أو أقل ولا يراعي هذا الضبط فلا بد للتقدير من دليل * وأما لفظ الكتاب فقوله استيعاب غسل الوجه كان الاحسن أن يقول استيعاب الوجه بالغسل وقوله من مبتدأ تسطيح الجبهة الي آخره تحديد للوجه وكلمتا من وإلى إذا دخلتا

(1/339)


في مثل هذا الكلام قد يراد بهما دخول ما وردتا عليه في الحد وقد يراد خروجه: نظير الاول حضر القوم من فلان إلى فلان ونظير الثاني من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة كذا ذراعا وهما في قوله من مبتدأ تسطيح الجبهة الي منتهى الذقن مستعملتان بالمعنى الاول إذ لا يراد بمبتدأ التسطيح الا أوله وبمنتهى الذقن الا آخرة ومعلوم أنهما داخلان في الوجه وفي قوله من الاذن إلى الاذن مستعملتان بالمعنى الثاني لان الاذنين خارجتان من الوجه وأعلم قوله من الاذن إلى الاذن بالميم لان مالكا يعتبر من العذار إلى العذار ويخرج البياض الذي بين العذار والاذن عن حد الوجه: فان قيل يدخل في هذا الحد ما ليس من الوجه ويخرج منه ما هو من الوجه أما الاول فلانه يدخل فيه داخل الفم والانف فانه بين تستطيح الجبهة ومنتهى الذقن وليس من الوجه: وأما الثاني فلانه تخرج عنه اللحية المسترسلة وهى من الوجه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته وهو في الصلاة فقال اكشف لحيتك فانها من الوجه قلنا أما الاول فللكلام تأويل: المعني ظاهر ما بين تسطيح الجبهة ومنتهي الذقن ولهذا لو بطن جزء.
بالالتحام وظهر
جزء خرج الظاهر عن أن يكون من الوجه وصار الباطن من الوجه وعلى هذا المعنى نقيم الشعر مقام البشرة من صاحب اللحية الكثة وأما الثاني فتسمية اللحية وجها على سبيل التبعية والمجاز

(1/340)


لامرين أحدهما أنه لولا ذلك لكانت وجوه المرد والنسوان ناقصة ولصح أن يقال لمن حلقت لحيته قطع بعض وجهه ومعلوم أنه ليس كذلك: والثاني انه يصح قول القائل اللحية من الشعور النابتة علي الوجه وفي المسترسلة انها نازلة عن حد الوجه وذلك يدل على ما ذكرنا قال (ويجب ايصال الماء الي منابت الشعور الخفيفة غالبا كالحاجبين والاهداب والشاربين والعذارين وأما شعر الذقن فان كشف بحيث لا تترا آى البشرة للناظر لم يجب ايصال الماء إلى منابته الا للمرأة فان لحيتها نادرة وفي العنفقة وجهان لان كثافتها قد تعد نادرة ويجب افاضة الماء على ظاهر اللحية الخارجة عن حد الوجه على أحد القولين) لما تكلم في حد الوجه عاد إلى الشعور النابتة عليه وهي قسمان حاصلة في حد الوجه وخارجة عنه والقسم الاول علي ضربين أحدهما ما يندر فيه الكثافة كالحاجبين والاهداب والشاربين والعذارين والعذار هو القدر المحاذي للاذن يتصل من الاعلى بالصدغ ومن الاسفل بالعارض فهذه الشعور يجب غسلها ظاهرا وباطنا كالسلعة النابتة علي محل الفرض ويجب غسل البشرة تحتها لانها من الوجه ولاعبرة بحيلولة الشعر لامرين أظهرهما ان الغالب في هذه الشعور الخفة فيسهل ايصال الماء إلى منابتها فان فرضت فيها الكثافة علي سبيل الندرة فالنادر ملحق بالغالب: والثاني أن بياض الوجه محيط بها اما من جميع

(1/341)


كالحاجبين والاهداب أو من جانبين كالعذارين والشاربين فيجعل موضعها تبعا لما يحيط به ويعطي حكمه وفى كلام بعض الائمة حكاية وجه أنها إذا كشفت لا يجب غسل منابتها كاللحية فلك أن تعلم قوله ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور الخفيفة غالبا بالواو اشارة إلى هذا الوجه واقتصاره على ذكر المنابت ليس لان الشعور لا تغسل بل إذا وجب غسل المنابت وجب غسل الشعور بطريق الاولي ففى ذكر المنابت تنبيه عليها: والضرب الثاني ما لا يندر فيه الكثافة وهو شعر الذقن والعارضين والعارض ما ينحط
عن القدر المحاذي للاذن فينظر فيه ان كان خفيفا وجب غسله مع البشرة تحته كالشعور الخفيفة غالبا وان كان كثيفا وجب غسل ظاهره ولم يجب غسل البشرة تحته لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية ولا يبلغ ماء الغرفة الواحدة أصول الشعر مع الكثافة والمعني فيه عسر ايصال الماء إلى المنابت مع الكثافة الغير النادرة وحكي فيه قول قديم أنه يجب غسل البشرة تحته لانها الوجه وهذا شعر نابت عليه ومنهم من يحكيه وجها وهو قول المزني رحمه الله وليكن قوله لم يجب ايصال الماء إلى منابتها معلما بالزاى والواو لهذا الخلاف

(1/342)


والمذهب الاول ويستثنى عن اللحية الكثيفة ما إذا خرجت للمرأة لحية كثيفة فيجب ايصال الماء الي منابتها لان أصل اللحية لها نادر فكيف بصفة الكثافة وكذلك لحية المشكل إذا لم يكن نبات اللحية مزيلا للاشكال وفيه خلاف يأتي ذكره فإذا اللحية في حقها من الضرب الاول وعنفقة الرجل من الضرب الاول أو من الضرب الثاني فيه: وجهان مبنيان علي المعنيين المذكورين في الحاجبين ونحوهما ان عللنا بالمعني الاول وهو ندرة الكثافة في تلك الشعور فالعنفقة ملحقة بها وان عللنا باحاطة البياض فلا: بل هي كاللحية والمعني الاول أظهر لانهم حكوا عن نص الشافعي رضى الله عنه التعليل بان هذه الشعور لا تستر ما تحتها غالبا ويدل عليه لحية المرأة والله أعلم: ثم ههنا سؤالان أحدهما ما الفرق بين الخفيف والكثيف والجواب.
عبارة أكثر الاصحاب أن الخفيف ما تترآى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية وهذا ما يشعر به لفظ الشافعي

(1/343)


رضى الله عنه وهو الذى حكاه المصنف وقال بعض الاصحاب الخفيف ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة واستقصاء والكثيف ما يفتقر إليه ورأيت الشيخ أبا محمد والمسعودي وطبقة المحققين يقربون كل واحدة من العبارتين من الاخرى ويقولون انهما يرجعان إلى معنى واحد لكن بينهما تفاوت مع التقارب الذى ذكروه لان لهيئة النبات وكيفية الشعر في السبوطة والجعودة تأثيرا في الستر وفي وصول الماء إلى المنبت وقد يؤثر شعره في أحد الامرين دون الآخر وإذا
ظهر الاختلاف فلك أن ترجح العبارة الثانية وتقول الشارب معدود من الشعور الخفيفة وليس كونه مانعا من رؤية البشرة تحته بامر نادر: الثاني شعر الضرب الثاني لو كان بعضه خفيفا

(1/344)


وبعضه كثيفا ما حكمه.
الجواب فيه وجهان أصحهما أن للخفيف حكم الخفيف وللكثيف حكم الكثيف توفى المقتضي كل واحد منهما عليه والثاني للكل حكم الخفيف وهو الذى ذكره في التهذيب وعلله بأن كثافة البعض مع خفة البعض نادر فصار كشعر الذراع إذا كثف ولك أن تمنع ما ذكره وتدعى أن الكثافة في البعض والخفة في البعض أغلب من كثافة الكل وهذه المسألة يحتاج الناظر في الكتاب إلى معرفتها لانه قال أما شعر الذقن فان كثف الي آخره فظاهره يتناول ما إذا كثفت اللحية كلها ولم يبين حكم ما إذا لم تكثف كلها ويفرض ذلك على وجهين أحدهما أن تخف كلها ولا يخفى حكمه: والثاني أن يخف البعض ويكثف البعض وهو هذه المسألة: هذا كله في الشعور الحاصلة في حد الوجه: القسم الثاني الخارجة عن حد الوجه ففيما خرج عن حد الوجه من اللحية طولا وعرضا قولان أحدهما لا يجب غسله وبه قال أبو حنيفة والمزنى لان الشعر النازل عن حد الرأس لا يثبت له حكم الرأس حتى لا يجوز المسح عليه فكذلك الشعر النازل عن حد الوجه لا يثبت له حكم الوجه وأصحهما يجب لانه من الوجه بحكم التبعية لما سبق من الخبر ولان الوجه ما تقع به المخاطبة والمواجهة ولانه متدل من محل الفرض فأشبه الجلدة المتدلية وهذا الخلاف يجرى أيضا في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة كالعذار والسبال إذا طال ولا فرق:

(1/345)


وذكر بعضهم في السبال أنه يجب غسله قولا واحدا والظاهر الاول فان قلت قد عرفت المسألة فلماذا اشتهرت الافاضة فالناقلون يقولون تجب الافاضة في قول ولا تجب في قول وكذلك ذكر المصنف ولم يتكلموا في الغسل فاعلم أن لفظ الافاضة في اصطلاح الائمة المتقدمين إذا استعمل في الشعر لا مرار الماء علي الظاهر: ولفظ الغسل للامرار على الظاهر مع الادخال في الباطن ولذلك اعترضوا على أبي عبد الله الزبيري رضى الله عنه لما قال في هذه المسألة يجب الغسل في قول
والافاضة في قول وقالوا الغسل غير واجب قولا واحدا وانما الخلاف في الافاضة وإذا تبين ذلك فقصدهم بهذه اللفظة بيان أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعور النابتة تحت الذقن لكن المصنف تعرض لظاهر اللحية في لفظه والافاضة على هذا الاصطلاح مغنية عن التقييد بالظاهر ثم مع هذا كله فقد حكي وجه أنه يجب غسل الوجه الباطن من الطبقة العليا من المسترسل إذا أوجبنا غسل الوجه البادى منه وهو بعيد عند علماء المذهب * قال (الفرض الثالث غسل اليدين مع المرفقين فلو قطع يده من الساعد غسل الباقي وان قطع من العضد استحب غسل الباقي لتطويل الغرة وان كان من المفصل يجب غسل رأس العظم الباقي على أصح القولين لانه من المرفق ولو نبتت يد زائدة من ساعده وجب غسلها وان لم تتميز الزائدة عن الاصلية وجب غسلهما وان خرجت من العضد لا تغسل الا إذا حاذت محل الفرض فيغسل

(1/346)


القدر المحاذي) * هذا نصه قال الله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وقوله عز اسمه (من أنصاري إلى الله) وهو المراد ههنا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه وروى أنه ادار الماء على مرفقيه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ثم اليدان كانت واحدة من كل جانب على ما هو الغالب وكانت كاملة فذاك وان قطع بعضها فله ثلاثة أحوال أحدها أن يكون القطع مما تحت المرفق كالكوع والذراع فغسل الباقي واجب فالميسور لا يسقط بالمعسور والثانية أن يكون مما فوق المرفق فلا فرض لسقوط محله ولكن الباقي من العضد يستحب غسله لتطويل الغرة كما لو كان سليم اليد يستحب له غسل ذلك الموضع لهذا المعني فان قيل غسل ذلك

(1/347)


الموضع مستحب تبعا فإذا سقط المتبوع فهلا سقط التابع كمن فاتته صلوات في أيام الجنون لما سقط قضاء الاصل سقط قضاء الرواتب التى هي أتباع: قلنا سقوط القضاء ثم مسامحة ورخصة والا فهو
ممكن والتبع أولى بالمسامحة وسقوط الاصل ههنا ليس على سبيل الترخص بل هو متعذر في نفسه فحسن الاتيان بالتبع محافظة على العبادة بقدر الامكان كالمحرم إذا لم يكن على رأسه شعر يستحب له امرار الموسى علي الرأس وقت الحلق: فان قيل تطويل الغرة انما يفر ض في الوجه والذى في اليد تطويل التحجيل فكيف قال يغسل الباقي لتطويل الغرة: قلنا تطويل الغرة والتحجيل نوع واحد من السنن فيجوز أن يكون قوله لتطويل الغرة أشارة إلى النوع على أن أكثرهم لا يفرق

(1/348)


بينهما ويطلق تطويل الغرة في اليد ورأيت بعضهم احتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم من أراد منكم أن يطيل غرته فليفعل قال وانما يمكن الاطالة في اليد لان استيعاب الوجه

(1/349)


بالغسل واجب وليس هذا الاحتجاج بشئ لان للمعترض أن يقول الاطالة في الوجه أن يغسل إلى الليت وصفحة العنق وهو مستحب نص عليه الائمة: والثالثة أن يكون القطع من مفصل المرفق فهل يجب غسل رأس العظم الباقي فيه طريقان أحدهما القطع بالوجوب لانه من محل الفرض وقد بقى قاشبه الساعد إذا كان القطع من الكوع والثاني وهو الذى ذكره في الكتاب فيه قولان القديم ومنقول المزني انه لا يجب والاصح وهو منقول الربيع أنه يجب واختلفوا في مأخذ القولين: منهم من قال مأخذهما أن المرفق في اليد السليمة يغسل تبعا أم مقصودا فمن قائل تبعا وضرورة لاستيعاب غسل اليدين إلى المرافق كما يغسل شئ من الرأس تبعا وضرورة لاستيعاب الوجه

(1/350)


بالغسل: ومن قائل يغسل مقصودا كسائر أجزاء محل الفرض وكاطراف الوجه بالاضافة إلى وسطه.
ومنهم من قال بل مأخذهما الخلاف في حقيقة المرفق فمن قائل المرفق عبارة عن طرف عظم الساعد ولم يبق ومن قائل المرفق مجموع العظمين وقد بقى أحدهما فيغسل وهذا ما أشار إليه بقوله لانه من المرفق هذا كله في اليد الواحدة أما إذا خلقت لشخص واحد من جانب واحد يدان فلا يخلو اما أن تتميز الزائد من محمل الفرض كالساعد والمرفق وجب غسلها مع الاصلية كالاصبع
الزائدة والسلعة النابتة ولا فرق بين أن يجوز طولها الاصلية أو لا يجاوز وان خرجت مما فوق محل الفرض فان لم تبلغ إلى محاذات محل الفرض لم يجب غسل شئ منها وان بلغت إلى محاذاة محل الفرض فالمنقول عن نصه في الام انه يجب غسل القدر المحاذي دون ما فوقه لوقوع اسم اليد عليها وحصول ذلك القدر في محل الفرض بخلاف الجلدة المنكشطة من

(1/351)


العضد لا يغسل منها لا المحاذي ولا غيره لان اسم اليد لا يقع عليها وفيه وجه صار إليه كثير من المعتبرين وقرروه انه لا يجب غسل المحاذي ولا غيره لان هذه الزائد ليست على محل الفرض فتجعل تبعا ولا هي أصلية حتي تكون مقصودة بالخطاب وحملوا نصه في الام على ما إذا التصق شئ منها بمحل الفرض أما إذا لم تتميز الزائدة عن الاصلية وجب غسلهما جميعا سواء خرجتا من المنكب أو من المرفق أو الكوع لكن إذا خرجتا من المنكب يغسلان ضرورة أداء الواجب منهما وإذا خرجتا من المرفق أو الكوع غسلتا حتما ومن الامارات المميزة للزائدة عن الاصلية أن تكون احداها قصيرة فاحشة القصر والاخرى في حد الاعتدال فالزائدة القصيرة ومنها نقصان الاصابع ومنها فقد البطش وضعفه *

(1/352)


قال (الفرض الرابع مسح الرأس وأقله ما يسمي (ح) مسحا (م ز) ولو على شعرة واحدة (و) بشرط أن لا يخرج محل المسح عن حد الرأس ولا يستحب الغسل ولا يكره على الاظهر وفي البل دون المد وجهان) قال الله (وامسحوا برؤوسكم) وليس من الواجب استيعاب الرأس بالمسح بل الواجب ما ينطلق عليه الاسم لان من أمر يده على هامة اليتيم صح أن يقال مسح برأسه ولان النبي صلى الله

(1/353)


عليه وسلم مسح في وضوءه بناصيته وعلى عمامته ولم يستوعب * وقال مالك يجب الاستيعاب وهو اختيار المزني واحدى الروايتين عن أحمد والثانية انه يجب مسح أكثر
الرأس * وقال أبو حنيفة يتقدر بالربع ثم ان كان يمسح على بشرة الرأس فذاك ولا يضر كونها تحت الشعر وقال الروياني في البحر به لا يجوز لانتقال الفرض الي الشعر وان كان يمسح علي الشعر فكذلك يجوز وان اقتصر على مسح شعرة واحدة أو بعضها ولا تقدير وعن ابن القاص انه لا أقل من ثلاث شعرات كما يعتبر ازالتها في التحلل عن النسك وفي ايجاب الدم على المحرم وهل يختص هذا الوجه بما إذا كان يمسح على الشعر أم يجري في مسح البشرة ويشترط المسح على موضع ثلاث شعرات: في كلام النقلة ما يشعر بالاحتمالين جميعا والاول أظهر ثم شرط الشعر

(1/354)


الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس فلو كان مسترسلا خارجا عن حده وكان جعدا كانئا في حد الرأس لكنه بحيث لو مد لخرج عن حده لم يجز المسح عليه لان الماسح عليه غير ما سح على الرأس: واعلم أن كل شعر مد في جهة النبات يكون خارجا عن حد الرأس وان كان في غاية القصر وكان المراد المد في جهة الرقبة والمنكبين وهى جهة النزول ثم بعد حصول هذا الشرط هل يشترط أن لا يجاوز منبته: فيه وجهان أحدهما يشترط ذلك فلا يجوز المسح على ما جاور منبته وان كان في حد الرأس فانه كالغطاء لما تحته كالعمامة وأصحهما انه لا يشترط لوقوع اسم الرأس عليه ولو غسل الرأس بدلا عن المسح ففى اجزائه وجهان أحدهما لا يجزيه لانه مأمور بالمسح والغسل ليس بمسح واصحهما انه يجزيه لان الغسل مسح وزيادة وهو أبلغ من المسح فكان مجزيا بطريق الاولي وهذا قضية ما ذكره في الكتاب لانه نفى الاستحباب والكراهية عنه وهو مسعر بالاجزاء وهل يكره الغسل بدلا عن المسح وان أجزأ فيه وجهان احدهما نعم لانه سرف كغسل الخف بدلا عن مسحه وكالغسلة الرابعة واظهرهم لا يكره لان الاصل هو الغسل إذ به تحصل النظافة والمسح تخفيف من الشرع نازل منزلة الرخص فإذا عدل إلى الاصل لم يكن مكروها لكن لا يستحب ذلك لما اشار

(1/355)


إليه النبي صلى الله عليه وسلم في باب الرخص بقوله ان الله قد تصدق عليكم فاقبلوا صدقته وقوله لا سيتحب الغسل ولا يكره على الاظهر ربما اوهم عود الخلاف اليهما وليس كذلك وانما
الخلاف في الكراهية وحدها ولو بل رأسه ولم يمد اليد أو غيرها مما يمسح به على الموضع فهل يجزيه ذلك فيه وجهان اصحهما نعم لان المقصود وصول الماء فلا ينظر إلى كيفية الا يصال كما في الغسل لا يفترق الحال بين أن يجرى الماء على الاعضاء أو يخوض ببدنه في الماء والثاني وهو اختيار القفال لا يجزى لانه لا يسمى مسحا وهو مأمور بالمسح ولو قطر على رأسه قطرة ولم تجر هي على الموضع فعلى الخلاف فان جرت كفى وهذا يدل على أن المقصود الوصول ولا عبرة باسم المسح هذا ان سلم ان الامساس والوضع ليس بمسح

(1/356)


قال الفرض الخامس غسل الرجلين مع الكعبين قال الله تعالى (وأرجلكم الي الكعبين) وحكم الرجل على انقسامها الي الكاملة والناقصة كما سبق في اليد.
والكعبان هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم وروي القاضي ابن كج وغيره عن بعض الاصحاب ان الكعب هو الذى فوق مشط القدم: وجه الاول ما روى النعمان بن بشير رضى الله عنه قال أمسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باقامة الصفوف فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب أخيه وكعبه بكعبه والذى يتصور فيه التزاق القائمين في الصف ما ذكرنا دون ظهر القدم وقد يمتحن فيسأل عن وضوء ليس فيه غسل الرجلين وصورته ما إذا غسل الجنب جميع بدنه الا رجليه ثم أحدث والاصل في المسألة على الاختصار أن من اجتمع في حقه الحدث الاكبر والاصغر هل يكفيه الغسل أم يحتاج معه إلى الوضوء فيه وجهان أحدهما لا يكفيه لان الطهارتين عبادتان مختلفتان فلا تتداخلان كالصلاتين ولانهما مختلفتا السبب والاثر والفعل وهذه الاختلافات تمنع التداخل وأصحهما أنه يكفيه الغسل لظاهر الاخبار نحو ما روى

(1/357)


أنه صلى الله عليه وسلم قال أما انا فأحثى على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت ولم يفصل بين الحنابة المجردة والجنابة مع الحدث مع ان الغالب ان الجنابة لا تتجرد فعلي الاول يجب الوضوء والغسل ولا ترتيب بينهما: وعلى الثاني وهو الاصح هل من شرط الغسل ليكفى مراعاة
الترتيب في أعضاء الوضوء فيه وجهان أحدهما نعم لان الترتيب خاصية الوضوء والتداخل انما يجرى فيما يشترك المتداخلان فيه من الافعال دون خواصهما فعلى هذا يكفى غسل البدن مرة واحدة ولكن يشترط أن تكون اعضاء الوضوء مغسولة على الترتيب وزاد بعضهم على هذا الوجه شرطا آخر وهو ان يمسح الرأس لانه من خاصية الوضوء أيضا بناء على أن الغسل لا يقوم مقام المسح والثاني وهو الاصح لا يشترط رعاية الترتيب لما أشرنا إليه من الظواهر ولا يبعد أن يدخل الاصغر في الاكبر فلا تبقى خاصيته الا ترى أن العمرة تفوت بما يفوت به الحج إذا دخلت تحته بالقران ولو انفردت لا تفوت: فقد بطلت خاصيتها حين ما دخلت في الاكبر فعلى هذا هل يحتاج إلى أن ينويهما جميعا بغسله أم يكفيه نية الاكبر فيه وجهان احدهما يحتاج إلى الجمع كالحج والعمرة يتداخلان

(1/358)


في الافعال دون النية وأصحهما لا حاجة إليه لان الطهارات موضوعة على التداخل فعلا ونية ألا ترى انه إذا اجتمعت الاحداث كفى فعل واحد ونية واحدة هذا كله إذا اتفق وقوع الاكبر والاصغر معا أو سبق الاصغر الاكبر: اما إذا سبق الاكبر الاصغر فطريقان أحدهما طرد الخلاف والثاني الاكتفاء بالغسل بلا خلاف لان الاكبر إذا تقدم تأثر به جميع البدن فلا يؤثر فيه الاصغر بعد ذلك والاصغر إذا تقدم جاز أن يؤثر الاكبر فيه بعده لعظمه وزيادة آثاره * إذا عرفت هذا الاصل فنعود إلى الصورة المذكورة ونقول ان قلنا يجب وضوء وغسل عند اجتماع حدثين وجب غسل الرجلين عن الجنابة ووضوء كامل عن الحدث يقدم منهما ما شاء ويؤخر ما شاء وتكون الرجل مغسولة مرتين وان قلنا يكفى الغسل ثم يشترط الترتيب في أعضاء الوضوء وجب غسل الرجلين مؤخرا عن سائر أعضاء الوضوء ويكون غسلهما واقعا عن الجهتين الجنابة والحدث جميعا وان قلنا يكفى الغسل من غير اشتراط الترتيب فعليه غسل الرجلين عن جهة الجنابة إما قبل سائر اعضاء الوضوء أو بعدها أو في خلالها ويغسل سائر الاعضاء عن الحدث علي الترتيب وهذا هو الاصح واختيار ابن سريج وابن الحداد وعلي هذا الوجه يكون المأتي به وضوءا خاليا عن غسل الرجلين لان الرجلين قد اجتمع فيهما الحدثان ونحن علي هذا
الوجه نحكم باضمحلال الاصغر في جنب الاكبر فليست الرجلان مغسولتين عن جهة الوضوء

(1/359)


فهذه هي صورة الامتحان وينبغي أن يعلم أن هذا لا يختص بغسل الرجلين بل لو غسل الجنب من بدنه ما سوى الرأس والرجلين ثم أحدث كان الكلام في الرأس والرجلين على ما ذكر في الرجلين ولزم أن نقول علي الوجه الصحيح هذا وضوء خال عن مسح الرأس والرجلين وعلى هذا القياس لو غسل جميع بدنه سوى اليدين والرأس والرجلين فلهذا لا يتنجح المحصل بأمثال هذه الامتحانات (فائدة) عدوا غسل الرجلين احد فروض الوضوء وأركانه لكن المتوضئ غير مكلف بغسل الرجلين بعينه بل الذي يلزمه احد امرين إما غسل الرجلين أو المسح على الخفين بشرطه فلو عبر معبر عن هذا الركن هكذا لكان مصيبا والمراد عند الاطلاق ما إذا كان لا يمسح أو ان الاصل الغسل والمسح بدل * (الفرض السادس الترتيب (ح م ز) الا إذا اغتسل سقط الترتيب في أظهر الوجهين فانه يكفى للجنابة فللاصغر أولى والنسيان ليس بعذر في ترك الترتيب (ح) على الجديد وإذا خرج منه بلل واحتمل الجنابة والحدث فان شاء اغتسل ولم يغسل الثوب وان شاء توضأ وضوءا مرتبا وغسل الثوب) روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه

(1/360)


فيغسل وجهه ثم يغسل يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وهذا ونحوه ظاهر في اعتبار الترتيب وخلاف أبي حنيفة ومالك فيه مشهور وقد تكلم في هذا الركن في أمور احدها لو اغتسل المحدث بدلا عن الوضوء هل يجزيه ذلك: نظر ان أتي بالغسل بحيث يتأتي فيه تقدير الترتيب في لحظات متعاقبة كما إذا انغمس في الماء ومكث فيه زمانا ففيه وجهان احدهما لا يجزيه لان الترتيب من واجبات الوضوء والواجب لا يسقط بفعل ما ليس بواجب وأصحهما يجزيه لمعنيين أحدهما ان الغسل أكمل من الوضوء فانه يكفى لرفع أعلى الحدثين فالاصغر أولى: كيف والاصل هو الغسل وانما
حط تخفيفا: والثاني ان الترتيب حاصل في الحالة المفروضة فانه إذا لاقي الماء وجهه وقد نوى يرتفع الحدث عن وجهه وبعده عن اليدين لدخول وقت غسلهما وهكذا الي آخر الاعضاء فعلى المعنى الاول وهو الذى ذكره في الكتاب ايثار الغسل على الوضوء يسقط الترتيب: وعلي الثاني الترتيب حامل والرافع للحدث هو الوضوء المندرج تحت الغسل كما لو اغتسل مراعيا للترتيب في أعضاء الوضوء حقيقة يرتفع حدثه بلا خلاف وان لم يتأت فيه تقدير الترتيب بأن انغمس وخرج علي الفور أو غسل الاسافل قبل الاعالى ففيه وجهان مبنيان علي الوجهين في الحالة الاولى: ان قلنا لا يجزي ثم فهنا أولى وان قلنا يجزى فيبنى على المعنيين ان قلنا الترتيب ساقط والرافع للحدث هو الغسل أجزأه ههنا أيضا وان قلنا بالمعني الثاني فلا والمعنى الثاني أصح: فلا جرم الاصح في هذه الحالة انه لا يجزيه ولا خلاف في الاعتداد بغسل الوجه في الحالتين جميعا إذا قارنته النية والكلام فيما عداه وعنهم من قال في الحالة الاولى يجريه ما أتى به بلا خلاف والخلاف في الحالة الثانية وهذا إذا نوي رفع الحدث فان نوى رفع الجنابة ان قلنا لا يجزيه إذا نوى رفع الحدث فههنا أولى وان قلنا يجزيه فوجهان ههنا أحدهما لا يجزيه لانه إذا نوى رفع الجنابة نوى طهرة غير مرتبة وأصحهما

(1/361)


الجواز والنية لا تتعلق بخصوص الترتيب نفيا واثباتا وهذا كله في المحدث المحض يغتسل: أما إذا أجنب وأحدث فالظاهر انه يكفيه الغسل كما تقدم والاصغر يتلاشى في جنب الا كبر وإذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في لفظ الكتاب وجدته يعم الحالتين ما إذا اغتسل بحيث يتأتى فيه تقدير الترتيب وماذا اغتسل بحيث لا يتأتي فيه ذلك فان أرادهما جميعا فالخلاف شامل لكن الاظهر عند الجمهور أنه لا يجزيه الغسل في الحالة الثانية على خلاف ما ذكره.
وان أراد الحالة الاولى فالنقل والاختيار كما ذكره غيره: الثاني لو ترك الترتيب عامدا لم يجزه وضؤه لكن يعتد بغسل الوجه وبما بعده على الانتظام فلو استعان باربعة غسلوا أعضاءه دفعة واحدة لم يجزه الوضوء كما لو نكس لان المعية تنافى الترتيب أيضا وفيه وجه أن الشرط عدم التنكيس ويجزيه الوضوء ههنا وان ترك الترتيب ناسيا فقولان الجديد انه كما لو ترك عامدا كما لو ترك سائر الاركان ناسيا وفي القديم
قول انه يعذر بالنسيان وذكر الائمة انه مخرج من القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا ووجه

(1/362)


الشبه أن قراءة الفاتحة وان كانت ركنا لكنها ليست قائمة بنفسها كالركوع والقيام ونحوهما وانما هي زينة وتتمة للقيام: كذلك الترتيب زيمة وهيئة في سائر الاركان: الثالث الوضوء نوعان احدهما وضوء من يتيقن ان حدثه الاصغر فيعتبر فيه الترتيب والثاني وضوء من يجوز أن يكون حدثه الاكبر ونظيره ما إذا خرج منه بلل واحتمل أن يكون منيا واحتمل أن يكون مذيا ففيما يلزمه وجوه: احدها انه يجب عليه الوضوء لان غسل ما زاد على الاعضاء الاربعة مشكوك فيه والمستيقن هذا القدر وعلى هذا الوجه لو عدل الي الغسل كان كالمحدث يغتسل بدلا عن الوضوء والثاني يجب عليه الوضوء وغسل وسائر البدن وغسل ما أصابه ذلك البلل لان شغل ذمته باحدى الطهارتين معلوم وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته فعليه الاتيان بها ليخرج عن العهدة بيقين والثالث وهو الاصح انه يتخير بين أن يغتسل أخذا بأنه منى أو يتوضأ أخذا بانه مذى لان كل واحد منهما محتمل فإذا أتى بموجب أحدهما وجب أن تصح صلاته لان لزوم الآخر مشكوك فيه والاصل العدم وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب وليكن قوله فان شاء وان شاء معلمين بالواو اشارة إلى ما روينا من الوجهين ثم علي هذا الوجه الاظهر وجب أن يغسل ما أصابه ذلك البلل من ثوب وغيره لانه على التقدير الذى يجب الوضوء يكون ذلك الخارج نجسا

(1/363)


وفيه وجه انه لا يجب غسل الثوب وهو ضعيف ولا بد أن يكون الوضوء المأتي به مرتبا وفيه وجه انه لا يجب الترتيب لانه إذا شك في كونه منيا أو غيره فقد شك في أن الواجب الطهارة الصغرى أو الكبرى والترتيب من خاصية الطهارة الصغرى فلا يجب بالشك كما لا يجب ما يختص بالطهارة الكبرى وانما يجب المشترك بينهما ويقال كان القفال يقول بهذا الوجه ثم رجع إلى الاول وهو المذهب لانه اما مني فموجبه الغسل أو غيره فموجبه الوضوء بأركانه فإذا لم يرتب الوضوء ولا اغتسل فقد صلى مع أحد الحدثين يقينا ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أولج خنثى مشكل في دبر رجل فهما
بتقدير ذكورة الخنثى جنبان والا فمحدثان فالجنابة محتملة غير مستيقنة فإذا توضآ وجب عليهما المحافظة علي الترتيب في ظاهر المذهب وفي وجه لا يجب لان لزومك الترتيب مشكوك فيه وهذا الوجه هو الذى دعا إلى ايراد مسألة البلل ههنا وان لم يذكره في لفظ الكتاب والله أعلم *

(1/364)


القول (في سنن الوضوء وهي ثماني عشرة أن يستاك بقضبان الاشجار عرضا ويستحب ذلك عند كل صلاة وعند تغير النكهة ولا يكره الا بعد الزوال (ح م) للصائم) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب إلى أخبار كثيرة فيستحب الاستياك مطلقا ولا يكره الا بعد الزوال للصائم خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله وسنذكر تفصيل مذهبهم في الصوم ان شاء الله تعالى * لنا انه يزيل

(1/365)


أثر العبادة وهو خلوف الفم وانه مشهود له بالطيب قال صلى الله عليه وسلم لخوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإذا كان كذلك فيكره ازالته كدم الشهيد وانما خص بما بعد الزوال لان تغيير الفم بسبب الصوم وحينئذ يطهر وفى غيره هذه الحالة يطرد الاستحباب لكنه أكد في مواضع منها عند الصلاة وان كان على

(1/367)


الطهارة سواء كان متغير الفم أو لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على امتى لا مرتهم بالسواك عند كل صلاة ومنها عند تغيير النكهة وذلك قد يكون للنوم فيستحب

(1/368)


عند الا ستيقاظ الاستياك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ استاك وروى انه كان يشوص فاه بالسواك وقد يكون لطول السكوت وقد يكون لترك الاكل وقد يكون لاكل ما له رائحة كريهة فيستحب الاستياك عندها جميعا لانها أسباب تغير الفم فتشبه النوم: ومنها اصفرار الاسنان وقد يفرض ذلك من غير تغير النكهة: ومنها قراءة القرآن تعظيما وتطهيرا له: ومنها عند الوضوء

(1/369)


وان لم يصل في الحال: روى في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتى لا مرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل وضوء وقد حكينا فيما تقدم عن بعض الاصحاب أن السواك لا يعد من سنن الوضوء فلك أن تعلم قوله أيستاك بالواو اشارة إلى ذلك الوجه وقوله بقضبان الاشجار ليس علي سبيل الاشتراط لكنها أولى من غيرها والاولى منها الاراك والاحب أن يكون يابسا لين بالماء دون ما لم يلين فانه يقرح اللثة ودون الرطب فانه لا ينقى اللزوجة وأصل السنة تتأدى بكل خشن يصلح لازالة القلح كالخرقة الخشنة ونحوها نعم لو كان جزءا منه كاصبعه

(1/370)


الخشنة ففيه ثلاثة أوجه أظهرها لا يجزى لانه لا يسمى استياكا: والثاني يجزى لحصول مقصود الاستياك به: والثالث ان قدر على العود ونحوه فلا يجزى والا فيجزى لمكان العذر: وأما قوله عرضا فقد ذكر امام الحرمين أنه عد السواك علي طول الاسنان وعرضها فان اقتصر علي أحدى الجهتين فالعرض أولى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال استاكوا عرضا وهكذا أورده المصنف في الوسيط وذكر آخرون منهم صاحب التتمة أن يستاك في عرض الا سنان لا في طولها ورووا في

(1/371)


الخبر أنه قال استاكوا عرضا لا طولا فعلى الاول قوله عرضا ليس لانه متعين في اقامة هذه السنة بل خصه بالذكر لانه أولي وعلي الثاني هو تعيين *

(1/372)


قال (وأن يقول بسم الله في الابتداء وأن يغسل يديه ثلاثا قبل ادخالهما في الاناء) ومن سنن الوضوء أن يقول في ابتدائه بسم الله علي سبيل التبرك والتيمن وذهب أحمد إلى أن

(1/373)


التسمية واجبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يسم الله عليه قلنا المعنى لا وضوء

(1/386)


كاملا كذلك روى في بعض الروايات ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله كان طهورا لاعضاء وضوءه ولو كانت التسمية واجبة لما طهر شئ: ثم لو نسي التسمية في ابتداء وتذكرها في اثناء الوضوء اتى بها كما لو نسي التسمية في ابتداء الاكل يأتي بها إذا تذكر في الاثناء: ولو تركها في الابتداء عمدا فهل يشرع له التدارك في الاثناء هذا محتمل ولك أن تعلم قوله وان يقول بسم الله بالالف والواو فالالف لان احمد عدها من الواجبات والواو لان بعض الاصحاب لم يعدها من سنن الوضوء

(1/392)


وقال هي محبوبة في كل امر ذى بال فلا اختصاص لها بالوضوء: ومن سننه غسل اليدين إلى الكوعين قبل غسل الوجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في وضوءه ولا فرق في استحبابه بين القائم من النوم وغيره ولا بين ان يتردد في طهارة يديه أو يتيقنها ولا بين من يدخل يديه في الاناء في توضئه وبين من لا يفعل ذلك ولفظ الكتاب لا يقتضى الا الاستحباب في حق من يدخل يديه في الاناء: ثم من يدخل يديه في الاناء ولم يتيقن طهارة يديه بان قام من النوم واحتمل تنجس يديه في طوافهما وهو نائم يختص بشئ وهو انه يكره له ذلك قبل الغسل قال رسول الله

(1/394)


صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده وكذلك لو كان مستيقظا ولم يستيقن طهارة اليدين وإن تيقن طهارة يديه فهل يكره له الغمس قبل الغسل فيه وجهان اظهرهما لا بل يتخير بين تقديم الغمس وتأخيره لان سبب المنع ثم الاحتياط للماء لاحتمال نجاسة اليد وهذا مفقود ههنا: والثاني يكره لان المتيقن والمتردد يستويان في اصل استحباب الغسل فكذلك في استحباب تقديم الغسل علي الغمس وليكن قوله وان يغسل يديه معلما بالالف والو أو ايضا اما الالف فلان عند احمد ان قام من نوم الليل يجب غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء وان قام من نوم النهار لا يجب واما الواو فلان بعضهم لا يعده من سنن الوضوء علي ما سبق واما قوله ثلاثا فليس ذلك من خاصية هذه السنة بل التثليث مستحب
في جميع افعال الوضوء كما سيأتي *

(1/395)


قال (وأن يتمضمض ثم يستنشق فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه على أحد القولين وفي الثاني يأخذ غرفة لهما ثم يخلط على أحد الوجهين إذا كانت الغرفة واحدة ويقدم المضمضة في الوجه الثاني وأن يبالغ فيهما الا أن يكون صائما فيرفق) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق في وضوئه فهما مستحبان فيه

(1/396)


خلافا لاحمد حيث قال بوجوبهما: لنا ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عشر من السنة وعد منها المضمضة والاستنشاق ثم أصل الاستحباب يتأدى بايصال الماء إلى الفم والانف سواء كان بغرفة واحدة أو أكثر لكن اختلفوا في الكيفية التى هي أفضل على طريقين أصحهما أن فيه قولين أصحهما أن الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل لما روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق ويقال ان عثمان وعليا رضى الله عنهما كذلك روياه ولانه أقرب إلى النظافة: والثاني الجمع بينهما أفضل لما روى عن علي رضي الله عنه في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد ونقل مثله عن وصف عبد الله بن زيد والرواية عنه وعن عثمان وعلي رضى الله عنهم في الباب

(1/397)


مختلفة: والطريق الثاني أن الفصل أفضل بلا خلاف وحيث ذكر الجمع أراد بيان الجواز فان قلنا بالفصل ففى كيفيته وجهان أصحهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثلاثا وغرفة أخري يستنشق منها ثلاثا لان عليا رضى الله عنه كذلك رواه: والثاني أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاثا للاستنشاق لانه أقرب الي النظافة وأيسر ثم على هذا القول يقدم المضمضة على الاستنشاق وهذا التقديم مستحق علي أظهر الوجهين لانهما عضوان فيتعين الترتيب بينهما كما في سائر الاعضاء والثاني أنه مستحب لانهما لتقاربهما بمنزلة العضو الواحد كاليمين مع اليسار * وان قلنا بالجمع ففى كيفيته

(1/398)


وجهان أيضا أظهرهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يأخذ غرفة أخرى يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يأخذ ثالثة فيعمل بها مثل ذلك كذلك روى عن وصف عبد الله بن زيد: والثاني أنه يأخذ غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق ثلاثا روى ذلك في بعض الروايات ايضا ثم على هذا الوجه وهو اتخاذ الغرفة هل يخلط المضمضة بالاستنشاق ام يقدم المضمضة فيه وجهان احدهما انه يخلط فيتمضمض ويستنشق مرة بما معه ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة لان اتحاد الغرفة يدل على انهما في حكم عضو واحد: والثاني يقدم المضمضة على الاستنشاق فان ذلك اقرب الي

(1/399)


النظافة * ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب من هذا الاختلافات أما قوله فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه علي أحد القولين فهو قول الفصل بالكيفية المذكورة في الوجه الاول من الوجهين المذكورين على هذا القولين: وأما قوله وفي الثاني يأخذ غرفة لهما فهو قول الجمع بالكيفية المذكورة في الوجه الثاني علي هذا القول: وقوله ثم يخلط على أحد الوجهين إلى آخره هما الوجهان المذكوران أخيرا ومن سنن الوضوء المبالغة في المضمضة والاستنشاق ففى المضمضة يبلغ الماء أقصي الحنك ووجهى الاسنان واللثات مع امرار الاصبع عليها وفي الاستنشاق يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم مع ادخال الاصبع وازالة ما فيه من الاذى لكن لو كان صائما لا يبالغ فيهما كيلا يصل الماء إلى الدماغ أو البطن وقد روي

(1/400)


عن لقيط بن صبرة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال صلى الله آله وسلم أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما قال (وان يكرر الغسل والمسح " ح م و " في الجميع وان شك أخذ بالاقل)

(1/405)


توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء الانبياء قبلى ووضوء خليلي ابراهيم * وروي أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال من زاد على هذا فقد أساء وظلم ولا فرق
بين المغسول من الاعضاء والممسوح المفروض منهما وغير المفروض لانه لفظ الخبر مطلق يتناول المغسول والممسوح * وقال مالك وابو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا يستحب التكرار في مسح الرأس وحكاه أبو عيسى الترمذي في جامعة عن الشافعي رضى الله عنه ونقله أبو عبد الله الحناطي

(1/408)


وجها للاصحاب فيه وفي مسح الاذنين * واحتجوا عليه بما روى أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة وعن على وعثمان رضى الله عنهما أنهما في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه

(1/409)


وسلم مسحا رؤوسهما مرة واحدة: قلنا ورد في رواية الربيع بنت معوذ انه مسح راسه مرتين

(1/410)


وعن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ثلاثا على ان ما رويتموه يجوز ان يكون فعله في بعض الاحوال لبيان الجواز وهذا لبيان الفضيلة فلو شك في انه غسل أو مسح مرة أو مرتين أو شك في انه فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فوجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يأخذ بالاقل كما لو شك في عدد ركعات الصلاة: والثاني ذكره الشيخ أبو محمد أنه يأخذ بالاكثر حذرا من

(1/411)


ان يزيد غسلة رابعة فانها بدعة وترك السنة اهون من اقتحام البدعة لكن من قال بالاول لا يسلم ان الرابعة بدعة على الاطلاق بل البدعة اتيانه بالرابعة عن علم منه بحقيقة الحال * قال (وان يخلل اللحية إذا كانت كثيفة) ما لا يجب ايصال الماء الي باطنه ومنابته من شعر الوجه يستحب تخليله بالاصابع روى

(1/412)


عن عثمان رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وروى انه كان يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدلك وعن المزني ان التخليل واجب ورواه القاضى ابن كج عن بعض الاصحاب فان أراد المزني فتفرداته لا تعد من المذهب إذا لم
يخرجها علي أصل الشافعي رضي الله عنه وان اراد غيره حصل وجه موافق لما ذهب إليه المزني

(1/414)


قال (وأن يقدم اليمنى على اليسرى) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شئ حتى في وضؤه وانتعاله

(1/419)


وعن أبي هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأتم فابدوءا بميامنكم وزعم المرتضي من الشيعة ان الشافعي رضي الله عنه في القديم كان يوجب تقديم اليمني علي اليسرى وليس لهذا ذكر في كتب أصحابنا ولا اعتماد عليه ويدل علي نفى الوجوب ما روى عن على رضى الله عنه انه قال ما أبالى بيمينى بدأت أو بشمالي إذا أكملت الوضوء ثم استحباب تقديم اليمنى

(1/420)


على اليسرى في كل عضوين يعتبر ايراد الماء عليهما دفعة واحدة كاليدين والرجلين: أما الاذنان فلا يستحب البداية باليمنى منهما لان مسحهما معا أهون وكذلك الخدان يغسلان معا: نعم الاقطع يعجز عن غسل الخدين ومسح الاذنين دفعة واحدة فيراعى التيامن هكذا ذكر القاضى أبو المحاسن وليكن قوله وأن يقدم اليمنى مرقوما بالالف لان أحمد صار إلى وجوبه *

(1/421)


قال (وأن يطول الغرة) روي انه صلى الله عليه وسلم قال أمتى يوم القيامة غر محجلون من آثار الوضوء

(1/422)


قال أبو هريرة فكنا بعد ذلك نغسل أيدنا إلى الآباط واختلف الاصحاب في التفسير ففرق بعضهم بين تطويل الغرة وتطويل التحجيل فقالوا تطويل الغرة غسل مقدمات الرأس مع الوجه وكذلك غسل صفحة العنق والتحجيل غسل بعض العضد عند غسل اليد وغسل بعض الساق عند غسل الرجل وغاية ذلك استيعاب العضد والساق وفسر كثيرون تطويل الغرة بغسل شئ من العضد
والساق واعرضوا عن ذكر ما حوالى الوجه والاول اولي وأوفق لظاهر الخبر *

(1/423)


قال (وأن يستوعب الرأس بالمسح فان عسر تنحية العمامة كمل المسح على العمامة) من سنن الوضوء استيعاب الرأس بالمسح والاحب في كيفيته أن يضع يده علي مقدم رأسه وكل واحدة من سبابتيه ملصقة بالاخرى وأبهاماه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذى بدأ منه روى عن عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذى بدأ منه وهل الذهاب باليد والرد مسحة واحدة أم الذهاب وحده مسحة ان لم يكن على رأسه شعر أو كان عليه شعر لا ينقلب بذهابه باليد وردها لكونه ضفيرة معقودة أو لطوله فامرار اليد من المقدم إلى

(1/424)


المؤخر مسحة واحدة قال في التهذيب ولا يحسب الرد والحالة هذه مسحة أخري لصيرورة البلل مستعملا بحصول مسح جميع الرأس وان كان على رأسه شعر ينقلب بالذهاب باليد وردها فهما جميعا مسحة واحدة ليستوعب البلل جميع الرأس فان منابت الشعور مختلفة منها ما يكون وجهه الي مقدم الرأس ومنها ما يكون وجهه إلى مؤخره فبالذهاب ينبل بواطن القسم الاول وظواهر الثاني

(1/425)


وبالرد ينبل ظواهر الاول وبواطن الثاني والاولى أن يمسح من الرأس الناصية مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلي عمامته ولا يجوز الاقتصار على مسح العمامة لان المأمور به مسح الرأس والماسح على العمامة ليس بماسح على الرأس ولو عسر عليه تنحية ما علي رأسه من عمامة وغيرها ومسح من الرأس قدر ما يجب كمل بالمسح على العمامة بدلا من الاستيعاب وتشبها به:

(1/426)


قال (وأن يمسح اذنيه بماء جديد ظاهرهما وباطنهما) يستحب مسح الاذنين لما روى انه صلي الله عليه وسلم مسح في وضؤه برأسه وأذنيه
ظاهرهما وباطنهما وأدخل اصبعيه في صماخي اذنيه وينبغى أن يمسحهما بماء جديد لما روى عن

(1/427)


عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم انه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذى مسح به الرأس وليس من الشرط أن يأخذ ماء جديدا حينئذ بل لو امسك بعض أصابعه

(1/428)


من البلل المأخوذ لمسح الرأس ومسح به الاذنين تأدت هذه السنة روى انه صلي الله عليه وسلم

(1/429)


وسلم أمسك بسبابتيه وابهاميه عن الرأس لمسح الاذنين فمسح بسبابتيه باطنهما وبابهاميه ظاهرهما ويمسح الصماخين بماء جديد أيضا نص عليه لانه من الاذن كالفم والانف من الوجه وحكى قول آخر انه يكفي مسحه ببقية بلل الاذن لان الصماخ من الاذن والاحب في اقامة هذه السنة أن يدلل

(1/430)


مسحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف ويمر ابهاميه على ظهورهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالاذنين استظهارا ولك أن تعلم قوله وأن يمسح أذنيه بالالف لان احمد قال بوجوبه وبالميم لان مالكا قال في رواية هما من الوجه يغسللان معه ولا يمسحان وقوله بماء جديد بالحاء لان أبا حنيفة يقول هما من الرأس يمسحان بالبلل المأخوذ للرأس وبالميم لان مالكا يقول

(1/431)


في رواية هما من الوجه يمسحان بالبلل الباقي عن غسل الوجه وبالالف لان احمد مع قوله بالوجوب يجوزه بالمأخوذ لمسح الرأس وعن مالك روايتان أخريان احداهما مثل مذهبنا والاخريى مثل مذهب أبي حنيفة

(1/432)


قال (وأن يمسح الرقبة) روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مسح الرقبة أمان من الغل وعن ابن عمر رضى

(1/433)


الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ ومسح على عنقه وقي الغل يوم القيامة وهل يمسح بماء جديد أم بما يبقي من بلل مسح الرأس أو الاذن: بناه بعضهم على وجهين في أن مسح العنق سنة أم أدب ان قلنا سنة مسح بماء جديد وان قلنا ادب فمسح بالبلل الباقي * واعلم أن السنة والادب يشتركان في أصل الندبية والاستحباب لكن السنة ما يتأكد شأنها والادب دون ذلك ثم اختيار القاضى الروياني انه ينبغي أن يمسح بماء جديد وميل الاكثرين

(1/434)


إلى أنه يكفى مسحه بالبلل الباقي وهو قضية كلام المسعودي وصاحب التهذيب لان المسعودي قال انه غير مقصود في نفسه بل هو تابع للقفا في المسح والقفا تابع للرأس لتطويل الغرة وقال صاحب التهذيب يستحب مسحه تبعا للرأس أو الاذن اطالة للغرة واذ كان استحبابه لتطويل الغرة كفى فيه البلل الباقي والله أعلم *

(1/435)


قال (وأن يخلل أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل اصابع الرجل اليمنى ويبتدئ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى) * من سنن الوضوء تخليل اصابع الرجلين في غسلهما لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة إذا توضأ فخلل الاصابع وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الاصابع ملتفة لا يصل الماء إليها الا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لاداء فرض الغسل وان كانت ملتحمة لم يجب الفتق ولا يستحب أيضا والاحب في كيفية التخليل أن يخلل بخنصر اليد اليسرى من أسفل الاصابع مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى ورد الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ذكره الائمة وعن أبي ظاهر الزيادي انه يخلل ما بين كل اصبعين من أصابع رجله باصبع من اصابع يده ليكون بماء جديد ويفصل الابهامان فلا

(1/436)


يخلل بهما لما فيه من العسر وهل التخليل من خاصية اصابع الرجلين أم هو مستحب في أصابع اليدين ايضا معظم أئمة المذهب ذكروه في أصابع الرجلين وسكتوا عنه في اليدين لكن القاضي أبا القاسم بن كج قال انه مستحب فيهما واستدل بخبر لقيط بن صبرة فان لفظ الاصابع ينتظمها وفي جامع أبي عيسي الترمذي عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأت فخلل اصابع يديك ورجليك وعلى هذا فالذي يقرب من الفهم ههنا أن يشبك بين الاصابع ولا تعود فيه الكيفية المذكورة في الرجلين ولك أن تعلم قوله يخنصر اليد اليسرى بالواو اشارة إلى ما حكينا عن الاستاذ أبي طاهر *

(1/437)


قال (وان يوالى بين الافعال فهى سنة على الجديد) اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في الموالاة فقال في القديم هي واجبة وبه قال مالك واحمد في رواية لان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم توضأ على سبيل الموالاة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ولانه عبادة ينقضها الحدث فيعتبر فيها الموالاة كالصلاة وقال في الجديد هي

(1/438)


سنة لما روى أن رجلا توضأ وترك لمعة في عقبه فلما كان بعد ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بغسل ذلك الموضع ولم يأمره بالاستئناف ولم يبحث عن قدر المدة الفاصلة: وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يتوضأ في سوق المدينة فدعى إلى جنازة وقد بقى من وضؤه فرض الرجلين فمذهب معها الي المصلى ثم مسح على خفيه وكان لا بسا ولان أفعال الوضوء يجوز أن يتخللها الزمان اليسير فكذلك الزمان الكثير بخلاف الصلاة: ثم لجريان القولين شرطان وان أطلق في الكتاب

(1/439)


احدهما أن يهمل الموالاة بتفريق كثير أما التفريق اليسير فلا يقدح بلا خلاف سواء كابعذر أو بغير عذر والتفريق الكثير أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص ولا عبرة بحال المحموم ولا بتباطئ الجفاف بسبب برودة الهواء ولا بتسارعه بسبب الحرارة وقيل يؤخذ الكثير والقليل من العادة وقيل إذا مضي قدر ما يمكن فيه اتمام الطهارة فقد
كثر التفريق واعتبار مدة التفريق من آخر الفعل المأتي به من أفعال الوضوء حتي لو غسل وجهه

(1/440)


ويديه ووقع فصل ثم مسح رأسه قبل جفاف ماء اليدين لم يضر وان جف الماء علي وجهه: وإذا غسل ثلاثا فالاعتبار من الغسلة الاخيرة * الشرط الثاني أن يكون التفريق الكثير بغير عذر أما إذا كان بعذر فلا يضر ولا يعود فيه القول القديم قال المسعودي لان الشافعي رضي الله عنه جوز في القديم تفريق الصلاة بالعذر فانه إذا سبقه الحدث يتطهر ويبنى ففى الطهارة أولي والعذر كما إذا نفد ماؤه فذهب لطلبه أو خاف من شئ فهرب وهل النسيان من الاعذار فيه وجهان للشيخ أبي محمد والاظهر انه من الاعذار ومنهم من طرد القولين في التفريق بالعذر أيضا والاكثرون علي

(1/441)


الاول وحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه ما يدل عليه وإذا عرفت موضع القولين فنقول ان فرعنا على القديم وفرق وجب عليه الاستئناف وان فرعنا علي الجديد فله البناء ثم ان كان مستديما للنية فذاك وان لم يكن فهل يحتاج إلى تجديد النية فيه وجهان أحدهما نعم لان استيفاء النية حكما خلاف الحقيقة انما يصار إليه عند تواصل الافعال وأظهرهما لا لان التفريق إذا كان جائزا كانت النية الاولى كافية ألا ترى أن الحج إذا جاز فيه التفريق كفت النية الاولى فيه *

(1/442)


قال (وأن لا يستعين في الوضوء بغيره وأن لا ينشف الاعضاء فهى سنة علي أظهر الوجهين وان لا ينفض يديه للنهي عنه وأن يدعو بالدعوات المأثورة المشهورة عند غسل الاعضاء) هذه البقية تشتمل علي أربع سنن احداها ان لا يستعين في وضوء بغيره روى انه صلى الله عليه وسلم قال أنا لا أستعين على وضوئي بأحد قاله لعمر رضي الله عنه وقد بادر ليصب الماء على يديه ولانه نوع من التنعم والتكبر ذلك لا يليق بحال المتعبد والاجر على قدر النصب وهل تكره الاستعانة فيه وجهان

(1/443)


أحدهما نعم لما ذكرناه وأظهرهما لا لان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان احيانا منها ما روى
ان اسامة والربيع بنت معوذ صبا الماء علي يديه ومنها ما روى انه استعان بالمغيرة بن شعبة لمكان جبة ضيقة الكمين كان قد لبسها فعسر عليه الاسباغ منفردا ولا يستبعدن الخلاف في أن الاستعانة

(1/444)


هل تكره مع الجزم بأن تركها محبوب فان الشئ قد يكون أولي ولا يوصف ضده بالكراهية كاستغراق الاوقاف بالعبادة وتركه: الثانية هل يستحب ترك تنشيف الاعضاء فيه وجهان

(1/445)


أظهرهما نعم لما روى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينشف أعضاءه وعن عائشة رضى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصبح جنبا فيغسل ثم يخرج إلى الصلاة ورأسه يقطر ماء والثاني لا يستحب ذلك وعلى هذا اختلفوا منهم من قال لا يستحب التنشيف أيضا وقد روى من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم التنشيف وتركه وكل حسن ولا ترجيح ومنهم من قال يستحب التنشيف لما فيه من الاحتراز عن التصاق الغبار وإذا فرعنا على الاظهر وهو استحباب الترك فهل نقول التنشيف مكروه أم لا فيه ثلاثة أوجه اظهرها لا لان النبي صلي الله عليه

(1/446)


وسلم اغتسل فأتى بملحفة ورسية فالتحف بها حتي رؤى أثر الورس في عكنه ولو كان مكروها لما فعل: والثاني نعم لانه ازالة آلاثر العبادة فأشبه ازالة خلوف فم الصائم: والثالث حكى عن القاضي

(1/447)


الحسين انه ان كان في الصيف كره وان كان في الشتاء لم يكره لعذر البرد: الثالثة أن لا ينفض يديه

(1/448)


فهو مكروه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ تم فلا تنفضوا ايديكم فانها مراوح الشيطان (الرابعة) أن يحافظ على الدعوات الواردة في الوضوء فيقول في غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليد اليمني اللهم اعطني كتابي بيمينى وحاسبني

(1/449)


حسابا يسيرا وعند غسل اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهرى وعند مسح الرأس اللهم حرم شعرى وبشرى على النار وروى اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى وعند مسح الاذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند غسل الرجلين اللهم ثبت قدمى علي الصراط يوم تزل فيه الاقدام ورد بها الاثر عن السلف الصالحين (خاتمتان) احداهما السنن التي أوردها يعود يصفها في الغسل التسمية وغسل اليدين والمضمضة

(1/450)


والاستنشاق والمبالغة فيهما والتكرار والموالاة وترك الاستعانة والتنشيف والنفض: وفي التسمية وجه انها لا تستحب في الغسل وفي الموالاة طريق انها لا تجب في الغسل بلا خلاف (الثانية) ظاهر لفظ الكتاب حصر السنن في العدد المذكور لكن للوضوء مندوبات أخرمها أن يقول بعد التسمية الحمد لله الذى جعل الماء طهورا وأن يستصحب النية في جميع الافعال وأن يجمع في النية بين اللسان القلب

(1/451)


وان يتعهد الماقين بالسبابتين وما تحت الخاتم بتحريك الخاتم وكذلك المواضع التي يحتاج فيها إلى الاحتياط وأن يبدأ في غسل الوجه بأعلاه وفي مسح الرأس بمقدمه وفي اليد والرجل بأطراف الاصابع ويختم

(1/452)


بالمرافق والكعب ان كان يصب الماء عليهما بنفسه وان صبه عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب وأن لا ينقص الماء المتوضأ به عن مدو أن لا يسرف في صب الماء وأن لا يزيد على ثلاث مرات وأن لا يتكلم

(1/453)


في أثنائه ولا يلطم الوجه بالماء وان يتوضأ في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه وان يمر اليد على الاعضاء المغسولة وان يقول بعد الوضوء مستقبلا للقبلة اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله الا أنت استغفرك وأتوب اليك وليس لك أن تقول هذا من الاذكار والادعية وقد

(1/454)


أشار إليها في الكتاب فلا يكون وراء ما ذكره لان الادعية التى أشار إليها في الكتاب هي المأثورة عند غسل الاعضاء وهذا متأخر عن غسلها *

(1/455)


قال (الباب الثاني في الاستنجاء) (وهو واجب وفيه فصول أربعة الاول في آداب قضاء الحاجة وهي أن يستر عورته ولا يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا الا إذا كان في بناء وان لا يجلس في متحدث الناس) الاستنجاء واجب عندنا خلافا لا بي حنيفة: لنا ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام وليستنج احدكم بثلاثة أحجار ونحوه ثم المحوج إلى الاستنجاء انما هو قضاء الحاجة فلذلك قدم فصلا أولا في آدابة وذكر منها أمورا أحدها أن يستر عورته عن العيون بشجرة أو بقية جدار ونحوهما

(1/456)


لما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله قال من أتي الغائط فليستتر فان لم يجد الا ان يجمع كثيبا من ر مل فليفعل وهذا إذا لم يكن في بناء سانر وهو أن يكون مسقفا أو محوطا يمكن تسقيفه فلو كان في بستان محوط وجلس بعيدا عن الجدار أو جلس في عرصة دار فيحاء فهو كما لو جلس في الصحراء فينبغي أن يستتر بشئ ثم ليكن الساتر قريبا من مؤخرة الرجل وليكن بينه وبين الساتر قدر ثلاثة اذرع فما دونها ولو اناخ راحلته وتستر بها أو جلس في وهدة أو نهر أو أرخى ذيله حصل الغرض: (الثاني) ان لا يستقبل الشمس والقمر بفرجه

(1/457)


فقد ورد النهي عنه ويشترك فيه الصحراء والبنيان كذلك ذكره المحاملى (الثالث) إذا كان في بناء أو بين يديه سافر فالادب ان لا يستقبل ولا يستدبرها وإذا كان في الصحراء ولم يستتر بشئ

(1/458)


حرم عليه استقبال القبلة واستدبارها لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم الغائط
فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وروى انه عليه الصلاة والسلام قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا ولا يحرم ذلك في البناء وان كان الخبر مطلقا خلافا لابي حنيفة وذلك لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رقيت السطح مرة فرأيت رسول

(1/459)


الله صلى الله عليه وآله جالسا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس ومن استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة وعن جابر قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستقبل القبلة بفروجنا ثم رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة وسبب المنع في الصحراء فيما ذكر الاصحاب أن الصحراء لا تخلوا عن مصل من ملك أو جنى أو انسى فربما وقع بصره على عورته: فاما في

(1/460)


في الابنية فالحشوش لا يحضرها الا الشياطين ومن يصلى يكون خارجا عنها فيحول البناء بينه وبين المصلى وليس السبب مجرد احترام الكعبة وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي رضي الله عنهما: الرابع أن لا يجلس في متحدث الناس كيلا يفسد عليهم مجلسهم فيلعنوه وقد قال صلى الله عليه وسلم اتقوا الملاعن ثم في لفظ الكتاب في الادب الثاني والثالث كلامان أحدهما قوله ولا يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا يقتضى المنع من استقبال الشمس والقمر واستدبار هما جميعا كالقبلة سواء رجع قوله استقبالا واستدبار إلى الشمس والقمر والقبلة أو إلى القبلة وحدها: أما على التقدير الاول فظاهر واما علي الثاني فلان لفظة المحاذاة

(1/461)


وهي تشمل الاستقبال والاستدبار.
واكثر الكتب ساكتة عن استدبارهما وان كان المنع عن استقبالهما مشهورا لكنه صحيح حكاه في البيان عن الصيمري ورأيته في الشافي لا بي العباس الجرجاني وفي الخبر ما يدل عليه الثاني ظاهر كلامه يقتضي عود الاستثناء في قوله الا إذا كان في بناء إلى الشمس والقمر والقبلة جميعا ولاشك أنه ليس كذلك بل هو مخصوص بالقبلة ثم الاحتراز عن استقبال النيرين واستدبارهما ليس بواجب بحال وانما هو ادب والاحتراز عن

(1/462)


استقبال الكعبة واستدبارها أدب في حال وواجب في حال كما سبق بيانه وإذا عرفت ذلك فيتوجه للناظر أن يقول ان اراد الامام بالمنع حالة التحريم لم يحسن درجه في جملة الاداب ولا الجمع بين القبلة والشمس والقمر في جملة واحدة وان أراد حالة الكراهة فلم استثنى ما إذا كان في بناء والادب الاحتراز في البناء أيضا

(1/463)


قال (وأن لا يبول في الماء الراكد ولا في الجخرة ولا تحت الاشجار المثمرة ولا في مهاب الرياح استنزاها من البول) ومن الآداب ان لا يبول في الماء الراكد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبول أحدكم في الماء الدائم ويروى في الراكد وهذا المنع يشمل القليل والكثير لما فيه من الاستقذار ثم ان كان قليلا ففيه شئ آخر وهو انه تنجيس للماء وتعطيل لفوائد فان كان بالليل زاد شئ آخر وهو ما قيل ان الماء بالليل للجن فلا ينبغي أن يبال فيه ولا يغتسل خوفا من آفة تصيب من جهتهم ومنها أن لا يبول في الجحرة لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس ان النبي صلى الله عليه وسلم

(1/464)


وسلم نهى عنه قيل لقتادة ما بال الجحرة قال يقال انها مساكن الجن: ومنها أن يجلس تحت الاشجار المثمرة صيانة لها عن التلويث والتنجيس وهذا في البول والغائط جميعا وان كان نظم الكتاب يخص

(1/465)


البول: ومنها ان لا يبول في مهاب الرياح استنزاها من البول وحذارا من رشاشه قال صلى الله عليه

(1/466)


وسلم استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه وروى أنه صلى الله عليه وسلم

(1/467)


كان يتمخر الريح أي ينظر أين مجراها فلا يستقبلها لئلا يرد عليه البول لكن يستدبرها

(1/469)


قال (ويعتمد في الجلوس علي الرجل اليسرى ويعد النبل ولا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى ورسوله ويقدم الرجل اليسرى في دخوله الخلاء واليمني في الخروج وان يستبرى من البول بالتنحنح والنتر) ومنها ان يعتمد إذا جلس على الرجل اليسرى لما روى عن سراقة بن مالك قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ علي اليسرى ومنها أن يعد النبل ان كان

(1/471)


يستنجي بالاحجار ثم يشتغل بعد ذلك بقضاء الحاجة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وسلم قال اتقوا الملاعن واعدوا النبل والمعنى فيه خوف الانتشار لو طلبها بعد قضاء الحاجة والنبل أحجار الاستنجاء جمع نبلة وأصلها الحصاة الصغيرة: ومنها ان لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة بل ينتقل عنه ثم يستنجي تحرزا من عود الرشاش إليه إذا أصاب الماء النجاسة وأما إذا أكان يستنجي بالحجر فلا يقوم عن الموضع كيلا تنتشر النجاسة: ومنها أن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى كالخاتم والدارهم التى عليها اسم الله تعالي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل الخلاء وضع خاتمه لانه كان عليه محمد رسول الله وألحق باسم الله تعالى اسم رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم تعظيما وتوقيرا له وكذلك يحترز عن استصحاب ما عليه شئ من القرآن وهل

(1/472)


يختص هذا الادب بالبنيان لم يعم البنيان والصحاى فيه اختلاف للاصحاب والاظهر التعميم ورأيت للصيمري أنه إذا كان على فص الخاتم ذكر الله تعالي خلعه قبل دخول الخلاء أو ضم كفه عليه فخير بينهما وكلام غيره يشعر بانه لا بد من النزع نعم قيل إنه لو غفل عن النزع حتي اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه حتى لا يظهر ومنها أن يقدم رجله اليسرى في دخول الخلاء واليمني في الخروج على العكس من دخول المسجد والخروج منه لان اليسار للاذى واليمني لغيره

(1/473)


وهل يختص ذلك بالبنيان ام لا اختلف فيه كلام الاصحاب والذى ذكره في الوسيط يقتضى الاختصاص لكن الاكثرين على انه لا يختص حتى يقدم رجله اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه في الصحراء أيضا وإذا فرغ قدم اليمنى: ومنها أن يستبرئ من البول بالتنحنح عند انقطاعه وبالنتر ثلاثا بان يمر بعض أصابعه على أسفل الذكر ويدلكه لاخراج ما هنا لك من البقايا وهذا

(1/474)


للاستنزاه من البول أيضا ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال فلينتر ذكره ولو استبرأ بالمشي عقيب البول فلا بأس وأكثره فيما قيل سبعون خطوة ويكره حشو الاحليل بالقطنة ونحوها * قال (الفصل الثاني فيما يستنجي عنه * وهى كل نجاسة ملوثة خارجة عن المحل المعتاد نادرة كانت أو معتادة جاز الاقتصار فيها على الجحر ما لم تنتشر الا ما ينتشر من العامة ولا يقتصر على الجحر في دم الحيض: وفي النجاسات النادرة قول إنه يتعين الماء فيه وقيل المذى نادر وان خرجت دودة لم تلوث ففى وجوب الاستنجاء وجهان)

(1/475)


الخارج من البدن اما ريح فلا استنجاء منها أو عين فان وجبت بخروجها الطهارة الكبرى كالمني والحيض فيجب الغسل ولا يمكن الاقتصار على الحجارة وان لم تجب به الطهارة الكبرى نظر ان لم تجب به الصغرى أيضا فان كان طاهرا فذاك وان كان نجسا كدم الفصد والحجامة فيزال كما تزال سائر النجاسات ولا مدخل للحجر فيه وان وجبت به الطهارة الصغرى فان خرج من الثقبة التي تنفتح ويحكم بانتقاض الطهارة بالخارج منها على ما سيأتي فتزال كسائر النجاسات أم للحجارة فيه مدخل: فيه وجوه ثلاثة قد ذكرها في الكتاب في باب الاحداث ونذكرها في

(1/476)


موضعها ان شاء الله تعالى وان خرج من السبيل نظر ان لم يكن ملوثا كالدودة والحصاة التى لا رطوبة معها ففى وجوب الاستنجاء منه قولان أصحها لا يجب لا بالماء ولا بالحجر لان المقصود من
الاستنجاء ازالة النجاسة أو تخفيفها عن المحل فإذا لم يتلوث المحل ولم يتنجس فلا معني للازالة ولا للتخفيف: والثاني يجب لانه لا يخلو عن رطوبة وان قلت وخفيت وان كان ملوثا فينظر إن كان نادرا كالدم والقيح ففيه قولان أحدهما أنه يتعين ازالته بالماء رواه الربيع حيث حكي عن نصه انه ان كان في جوف مقعدته بواسير يخرج منها الدم والقيح يجب غسله بالماء ووجهه ان الاقتصار

(1/477)


على الحجر تخفيف على خلاف القياس ورد فيما يعم به البلوى فلا يلحق به غيره: والثاني رواه المزني وحرملة وهو الاصح أنه يجوز فيه الاقتصار علي الحجر نظرا الي المخرج المعتاد فان خروج النجاسات منه علي الانقسام إلى الغالبة والنادرة مما يتكرر ويعسر البحث عنها والوقوف علي كيفياتها فيناط الحكم بالمخرج ومنهم من قطع بهذا وحمل ما رواه الربيع على ما إذا كان بين الاليتين لا في الداخل: ومن جملة النجاسات النادرة المذى فيجئ فيه هذا الاختلاف وحكي عن القفال تفصيل في النجاسات النادرة وهو ان ما يخرج منها مشوبا بالمعتاد كفى الحجر وان تمحض النادر فلا بد من الماء هذا

(1/478)


في الخارج النادر: أما المعتاد فان لم يعد المخرج فعليه أحد الامرين إما ازالته بالماء كسائر النجاسات وإما التخفيف بجامد علي الشرط المذكور في الفصل الثالث وذلك أن الاصل في النجات الازالة بالماء بحيث لا يبقى عين ولا أثر فان جرى على الاصل فذاك والا أجزأه الاقتصار على الاحجار تخفيفا روى

(1/479)


عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب احدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة احجار يستطيب بها فانها تجزى عنه وان عدا المخرج نطر ان لم ينتشر اكثر من القدر المعتاد فكذلك يتخير بين الامرين وذلك القدر من الانتشار يتعذر أو يتعسر الاحتراز عنه ونقل المزني رحمه الله أنه إذا عدا المخرج لا يجزى فيه الا الماء فمنهم من أثبته قولا آخر وزعم أن الضرورة تختص بالمخرج فلا تسامح فيما عداه بالاقتصار علي الاحجار والاكثرون امتنعوا من اثباته قولا وانقسموا إلى مغلط ومؤول وان انتشر أكثر من القدر المعتاد وهو أن يعد والمخرج وما
حواليه فينطر ان لم يجاوز الغائط الا ليتين ففي جواز الاقتصار فيه على الاحجار قولان أظهرهما

(1/480)


الجواز رواه الربيع واحتج الشافعي رضي الله عنه لهذا القول بأن قال لم يزل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم والي اليوم رقة البطون وكان اكثر اقواتهم التمر وهو مما يرقق البطن ومن رق بطنه انتشر خلاؤه عن الموضع وما حواليه ومع ذلك أمروا بالاستجمار والثاني ذكره في القديم أنه لا يجوز لانه انتشار لا يعمم ولا يغلب فإذا اتفق وجب غسله كسائر النجاسات وفيه

(1/481)


طريقتان أخريان أحداهما القطع بالقول الاول رواها الشيخ أبو محمد والمسعودي والثانية القطع بالقول الثاني حكاها كثيرون من الائمة: وأما البول فالحشفة فيه بمثابة الا ليتين في الغائط والامر فيه على هذا الاختلاف وعن أبي اسحق المروزى أنه قال إذا جاوز البول الثقب لم يجز فيه الحجر قولا واحدا والخلاف والتفصيل في الغائط والفرق ان البول ينفصل على سبيل التزريق فيبعد فيه

(1/482)


الانتشار وان جاوز الغائط الاليتين والبول الحشفة تعينت الازالة بالماء كسائر النجاسات لانه نادر نحوه: ولا فرق بين القدر المجاوز وغيره ومنهم من جعل ما لم يجاوز على الخلاف ثم حيث يجوز الاقتصار علي الحجر فذاك بشرط ان لا تنتقل النجاسة عن الموضع الذى أصابته عند الخروج فلو قام وانضمت اليتاه عند الخطو وانتقلت النجاسة تعين الماء ويشترط ان لا يصيب

(1/483)


موضع النجو نجاسة من خارج حتي لو عاد إليه رشاش ما أصاب الارض تعين الماء ويشترط أن لا يجف الخارج علي الموضع فان جف تعين الماء وحكي القاضى الروياني انه ان كان يقلعه الحجر يجزي فيه الحجر والا فلا واختار هذا الوجه والله أعلم * هذا فقة مسائل الفصل والفاظ الكتاب في بعض المواضع من الفصل تفتقر إلى مزيد بيان فنقول أما قوله الفصل الثاني فيما يستنجي

(1/484)


عنه فلفظ الاستنجاء يشمل الازالة بالماء والتخفيف بالاحجار لانه مشتق من النجو وهو القلع الا أن المراد ههنا انما هو الاستنجاء بالحجر لا مطلق الاستنجاء والا فلا يشترط في مطلق الاستنجاء كونه خارجا من المخرج المعتاد ولا كونه غير منتشر لكن قوله في آخر الفصل فإذا خرجت دودة لم تلوث ففى وجوب الاستنجاء وجهان ليس المراد منه الاستنجاء بالحجر بل مطلق الاستنجاء على ما بينا

(1/485)


المسألة من قبل وقد عبر عن الخلاف في المسألة بالوجهين وكذلك نقل الشيخ أبو محمد والصيدلاني والامام والاكثرون نقلوا قولين ومنهم من حكاهما عن الجامع الكبير والله أعلم * وأما قوله كل نجاسه يخرج عنه الاشياء الطاهرة وقوله ملوثة يخرج عنه ما لا يلوث واشتراط هذا القيد على الخلاف المذكور وقوله خارجة عن المخرج المعتاد يخرج عنه دم الفصد والحجامة وكذا الخارج عن الثقبة المنفتحة وان حكمنا بانقاض الطهر بالخارج منها وفيه الخلاف الذى أشرنا إليه من قبل لكن

(1/486)


الاظهر أنه لا يقتصر فيه على الحجر فلا بأس بخروجه عن الضابط: وقوله نادرة كانت أو معتادة جرى علي اصح القولين في النجاسات النادرة وهو انه يقتصر فيها على الحجر وقد ذكر القول الثاني بعد ذلك: وقوله ما ينتشر الا ما ينتشر من العامة ينبغى أن تكون كلمة الاستثناء منه مرقوم بالواو اشارة إلى مذهب من جعل منقول المزني قولا فان عدم الانتشار شرط عنده من غير استثناء وكذلك قوله ما ينتشرر من العامة اشارة إلى القول رواه الربيع انه وان زاد علي ذلك جاز الاقتصار فيه على الحجر ما لم يجاوز الاليتين والذى ذكره جواب على القول المنسوب إلى القديم واختيار له وقد

(1/487)


رجحه امام الحرمين وكثيرون لكن منقول الربيع أظهر كما سبق وكذلك ذكره المسعودي والقاضى الروياني وآخرون وبه أجاب المحاملى في المقنع: وأما قوله وقيل المذى نادر قيقتضى اثبات خلاف أي انه هل يعد من النجاسات النادرة ولكلامه في الوسيط اشعار به ايضا لكن الذى يشتمل

(1/488)


عليه كتب الاصحاب قديمها وحديثها عده من النجاسات النادرة من غير التعرض لخلاف فيه وطرح بعضهم لهذا السبب لفظة قيل من الكتاب وقد أحسن ولك أن تستدرك فتقول ما ذكره في الضابط لا يحوى جملة الشرائط المعتبرة في جواز الاقتصار علي الحجر لان منها ان لا تجف النجاسة

(1/489)


على الموضع ولا تنتقل عنه ولا تصيبه نجاسة أخرى كما سبق وقد سكته عنها * قال (الفصل الثالث فيما يستنجى به وهو كل عين طاهرة منشفة غير محترمة فلا يجز بالروث والزجاج الاملس والمطعوم وفي سقوط الفرض بالمطعوم وجهان والعظم مطعوم والجلد الطاهر يجوز الاستنجإ به على أصح الاقوال)

(1/490)


قوله فيما يستنجي به أي من الجامدات وله شروط أحدها ان يكون طاهرا خلافا لابي حنيفة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة ولان النجاسة لا تزال بالنجس كما لا تزال بالماء النجس ولا فرق بين نجس العين كالروث وما تنجس بعارض ألا ترى أن الشافعي رضى الله عنه قال ولا يستنجى بحجر قد مسح به مرة الا أن يكون قد طهر بالماء فلو استنجي بنجس

(1/491)


هل يتعين استعمال الماء بعد ذلك أم له الاقتصار علي الحجر كما قبل استعماله: فيه وجهان احدهما له الاقتصار على الحجر لان النجس لا يتأثر بالنجاسة فيبقى حكمه كما كان وأظهرهما أنه يتعين الماء لان المحل قد اصابته نجاسة أجنبية باستعماله فيه والاقتصار على الحجر تخفيف فيما تعمم به البلوى

(1/492)


فلا يلحق به: والثاني أن يكون منشفا قالعا للنجاسة فما لا يقلع لملاسته كالزجاج الاملس والقصب والحديد المملس لا يجوز الاستنجاء به لانه لا يزيل النجاسة وينقلها عن موضعها وكذلك ما لا يقلع للزوجته أو لتناثر أجزائه كالحممة الرخوة والتراب لا يجوز الاستنجاء به وقد نقل عن الشافعي رضي

(1/493)


الله عنه جواز الاستنجاء بالمقابس ونقل انه لا يجوز بالحممة فمنهم من أثبت قولين والاصح تنزيلهما على حالين ان بقيت فيه صلابة اما لضعف تأثير النار فيه أو لقوة في جوهره كالغضا فيجوز الاستنجاء به وهو المراد بالمقابس وان كان يتناثر عند الاعتماد فلا يجوز وهو المراد بالحممة وكذلك نقل اختلاف النص في

(1/494)


التراب وأثبت بعضهم فيه قولين وان كان يتناثر والاصح انه حيث جوز اراد المدر المتماسك وحيث منع أراد المتناثر لانه يلتصق بالنجاسة ولا يتأتي التحامل عليه ولو تحامل لتعدت النجاسة موضعها وانتشرت ثم لو استنجي بما لا يقلع لم يسقط الفرض به وان أنقى ويتعين بعده الازالة بالماء ان نقل النجاسة من موضع إلى موضع وان لم ينقل جاز الاقتصار على الحجر وخرجوا علي الشرط الاول والثاني امتناع الاستنجاء بالحجر الرطب ونحوه لان البلل الذى عليه ينجس باصابة النجاسة اياه ويعود شئ منه إلى محل النجو فيحصل عليه نجاسة أجنبية ويكون كاستعمال الخجر النجس ولان الشئ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلوث والانتشار وحكي القاضى بن كج وغيره وجها

(1/495)


آخر أنه يجوز الاستنجاء بالشئ الرطب ولمن نصره أن يقول لا نسلم ان البلل الذى عليه ينجس باصابة النجاسة اياه وانما ينجس عندي بالانفصال كالماء الذى يغسل به النجاسات وأما قوله انه لا يزيل النجاسة ممنوع نعم لو كان عليه شئ محسوس من الماء فربما كان كذلك أما مجرد البلل فلا: والثالث أن لا يكون محترما فلا يجوز الاستنجاء بالمطعومات لحرمتها والعظم معدود من المطعومات

(1/496)


لان النبي صلى الله عليه وآله نهي عن الاستنجاء بالعظم وقال انه زاد اخوانكم من الجن وليس له حكم طعامنا من تحريم الربا فيه وغيره وعند مالك لا منع من الاستنجاء بالعظم الطاهر والخبر حجة عليه ومن الاشياء المحترمة ما كتب عليه شئ من العلم كالحديث والفقه وفي جزء الحيوان المتصل به كاليد والعقب من المستنجي وغيره كذنب الحمار وجهان أصحهما أنه لا يجوز الاستنجاء به لحرمته ومنهم من فرق بين أن يستنجي بيد نفسه أو يد غيره فقال لا يجوز أن يستنجى بيد نفسه

(1/497)


ويجوز أن يستنجى بيد غيره كما يجوز أن يسجد على يد غيره دون يد نفسه وعكس امام الحرمين ذلك فقال له أن يستنجي بيد نفسه دون يد غيره لانه لا حرج على المرء في تعاطى النجاسات ومهما جرى الخلاف في جزء الحيوان ففى جملة الحيوان أولى وصورته أن يستنجى بعصفورة حية وما في معناها ولا يلحق بالمحترمات في هذا الحكم الذهب والفضة في أظهر الوجهين فيجوز الاستنجاء بالقطعة الخشنة من الذهب والجواهر النفيسة كما يجوز أن يستنجى بالقطعة من الديباج ثم إذا

(1/498)


استنجي بشئ محترم من مطعوم وغيره عصي وهل يجزئه ذلك عن الفرض فيه وجهان أحدهما نعم لان المقصود قلع النجاسة وقد حصل فصار كالاستنجاء باليمين وأظهرهما أنه لا يجزئه لان الاقتصار على الاحجار من قبيل الرخص والرخص لا تناط بالمعاصي وعلى هذا فله أن يقتصر على الاحجار كما لو لم يستعمل شيئا الا إذا نقل النجاسة عن موضعها كما في الاملس ويلتحق بهذا الشرط القول في الجلد: والطاهر منه ضربان غير المدبوغ وهو جلد المأكول المذكي والمدبوغ من المأكول

(1/499)


وغيره أما غير المدبوغ ففى جواز الاستنجاء به قولان أحدهما الجواز كالثياب وسائر الاعيان وان كان فيه حرمة فليست هي بحيث تمنع الاستعمال في سائر النجاسات فكذلك في هذه النجاسة وأصحهما المنع لا مرين أحدهما أن فيه دسومة تمنع التنشيف والثاني أنه مأكول ألا ترى أنه يؤكل علي الرؤس والا كارع فصار كسائر المطعومات ومنهم من قال لا يجوز بلا خلاف واليه مال الشيخ أبو حامد وكثيرون وحملوا ما نقل من تجويز الاستنجاء علي ما بعد الدباغ: وأما الضرب الثاني وهو

(1/500)


المدبوغ ففيه قولان أيضا اصحهما الجواز لان الدباغ يزيل ما فيه من الدسومة ويقلبه عن طبع اللحوم الي طبع الثياب والثاني لا يجوز لانه من جنس ما يؤكل ويجوز أكله إذا دبغ وان كان جلد ميتة على اختلاف فيه قد قدمناه ومنهم من قال يجوز ههنا بلا خلاف وما نقل من المنع محمول على ما قبل
الدباغ وإذا جرينا على الطريقة الظاهرة وهى اجراء القولين في الصورتين واعتبرنا مطلق الجلد انتظم ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب المنع مطلقا والتجويز مطلقا والفرق بين المدبوغ وغيره وهو الاصح في المذهب وان جعل صاحب الكتاب الثاني أصح وليس من شرط المستنجى به أن لا يكون قد استنجى به مرة بل ان تلوث وتنجس جاز استعماله مرة أخرى إذا طهر وجف وان لم ينجس كالحجر

(1/501)


الثاني والثالث إذا لم يبق على الموضع شئ جاز استعماله في الحال وفيه وجه أنه لا يجوز كالتراب المستعمل ولو كان كذلك لما جاز أيضا بعد غسله ولم يختلفوا في جواز استعماله بعد الغسل * قال (الفصل الرابع في كيفية الاستنجاء * فيستنجى بثلاثة أحجار والعدد واجب (ح م ز) فان لم يحصل الانقاء استعمل رابعة فان حصل أوتر بخامسة ويمر كل حجر على جميع الموضع على أحسن الوجهين وقيل ان واحدة للصفحة اليمني وواحدة وواحدة للصفحة اليسرى وواحدة للوسط وينبغى أن يضع الحجر على موضع طاهر حتى لا يلقى جزءا من النجاسة ثم يدير ليختطف النجاسة ولا يمر

(1/502)


فينقلها فان أمر ولم ينقل كفى على أصح الوجهين ويستنجي بيده اليسرى (والاستنجاء واجب اما بالماء أو الحجر) والافضل أن يجمع بين الماء والحجر) * في الفصل مسائل احداها إذا كان يستنجى بالجامد وجب أن يستوفى ثلاث مسحات اما باحرف حجر واحد وما
__________
ما بين القوسين ساقط من بعض النسخ

(1/503)


في معناه أو بأحجار لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات وعن سلمان رضى الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1/504)


أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار وظاهر الامر للوجوب فيجب رعاية العدد * وعند أبي حنيفة الاستنجاء مستحب من أصله والعدد فيه غير مستحب وانما الاعتبار للانقاء: وقال مالك إذا حصل الانقاء

(1/505)


بما دون الثلاث كفى ولا صحابنا وجه يوافقه حكاه أبو عبد الله الحناطي وغيره ويحتج له بما روي

(1/506)


أنه صلى الله عليه وسلم قال من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج ومن اوجب العدد حمله على ما بعد الثلاث جمعا بين الاخبار وحينئذ لا حرج في ترك الايتار ثم قوله وليستنج بثلاثة أحجار ليس لتخصيص الحكم بها لان غير الحجر بالشرائط المذكورة مشارك للحجر في تحصيل مقصود

(1/507)


الاستنجاء وقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم هذا يشعر بان الحكم غير مخصوص بالحجر والا فلا فرق بين الرجيع والعظم وسائر ما ليس بحجر ولعل ذكر الاحجار جري لغلبتها والقدرة عليها في عامة الاماكن ثم إذا استنجي بثلاثة أحجار ونحوها واستوفى العدد لكنه لم ينق وجب عليه أن يزيد حتي ينقي فانه المقصود الاصلى من شرع الاستنجاء فلو حصل الانقاء بالرابعة استحب ان يوتر بخامسة لما روى انه صلى

(1/508)


الله عليه وسلم قال إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان قوله فيستنجى بثلاثة احجار مسوق على موافقة الخبر والا فالحكم غير مخصوص بالاحجار

(1/509)


وقوله استعمل رابعة أي وجوبا وقوله أو تر بخامسة أي استحبابا (المسألة الثانية) في كيفية الاستنجاء وجهان اظهرهما وبه قال ابن ابي هريرة وابو المروزي انه يمسح بكل حجر جميع المحل بان يضع واحدا على مقدم الصفحة اليمنى فيمسحها به الي مؤخرها ويديرها إلى الصفحة اليسرى فيمسحها به من مؤخرها الي مقدمها فيرجع الي الموضع الذى بدأ منه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل به مثل ذلك ويمسح بالثالث الصفتين والمسربة وتوجيه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم

(1/510)


وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار يقبل بواحدة ويدبر باخرى ويحلق بالثالث والثاني قاله أبو

(1/511)


اسحق ان حجرا للصفحة اليمنى وحجرا لليسرى وحجرا للوسط لما روى انه صلى الله عليه وآله

(1/512)


وسلم قال حجر للصفحة اليمني وحجر للصفحة اليسرى وحجر للوسط وحكي في التهذيب وجها ثالثا وهو انه يأخذ واحدا فيضعه على مقدم المسربة ويديره الي مؤخرها ويضع الثاني علي مؤخرها ويديره إلى مقدمها ويحلق بالثالث كأن المراد بالمسربة جميع الموضع وعلى هذا الوجه يمسح بالحجر الاول والثاني جميع الموضع كأنه صفحة واحدة ويدير الحجر الثالث على المنفد وبهذا يفارق هذا الوجه الاول فانه على ذلك الوجه يطيف الحجرين الاولين ويمسح بالثالث

(1/513)


جميع الموضع وهذا الخلاف في الاستحقاق أم في الاولوية والاستحباب فيه وجهان عن الشيخ أبي محمد أن الوجهين موضوعان على التنافى فصاحب الوجه الاول لا يجيز الثاني لان تخصيص كل حجر بموضع مما يمنع رعاية العدد الواجب ولا يحصل في كل موضع الا مسحة واحدة وصاحب الوجه الثاني لا يجيز الاول للخبر المصرح بالتخصيص ويقول العدد معتبر بالاضافة الي جملة الموضع دون كل جزء منه وقال المعظم الخلاف في الاولوية والاستحباب لثبوت الروايتين جميعا وكل منهما

(1/514)


جائز وقوله في هذه المسألة ويمر كل حجر على جميع الموضع يعنى به المسح المشترك بين الامرار والادارة دون خصوص الامرار ألا تراه يقول بعد ذلك يدير الحجر ولا يمره (المسألة الثالثة) ينبغى أن يضع الحجر على موضع طاهر بالقرب من النجاسة لانه لو وضع على النجاسة لبقى شيئا منها ونشرها وحينئذ يتعين الغسل بالماء ثم إذا انتهي إلى النجاسة أدار الحجر قليلا قليلا حتى يرفع كل جزء منه جزءا من النجاسة ولو أمره من غير ادارة لنقل النجاسة من الموضع إلى الموضع وتعين الماء ولو أمر ولم

(1/515)


ينقل هل يجزئه ذلك فيه وجهان أحدهما لا لان الجزء الثاني من المحل يلقى ما تنجس من الحجر والاستنجاء بالنجس لا يجوز وأظهرهما أنه يجزئه لان الاقتصار على الحجر رخصة وتكليف الادارة يضيق باب الرخصة وقد يعبر عن هذا الخلاف بان الادارة هل تجب أم لا: المسألة الرابعة الادب الاستنجاء باليسار دون اليمين لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت يد رسول الله صلى

(1/516)


الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى فان كان يستنجي بالماء صبه بيمينه ومسح بيساره وان كان يستنجى بالجامد ففى الغائط يأخذ الحجر بيساره ويمسح به الموضع ولا يستعين باليمنى بخلاف ما في الماء وكذلك تفعل المرأة في الاستنجاء من البول وأما الرجل إذا كان يستنجي من البول فينظر ان استنجى بما لا يحتاج إلى ضبطه كالصخرة العظيمة والجدار أخذ ذكره باليسار ومسحه عليه وان كان يحتاج إلى ضبطه كالحجر

(1/517)


الصغير فيمسكه بين ابهامى الرجلين أو بين العقبين ويأخذ ذكره بيساره ويمسحه عليه فان احتاج إلى الاستعانة باليمين اخذ الحجر باليمين والذكر باليسار ويحرك اليسار دون اليمين فلو حركهما جميعا أو خص اليمين بالحركة كان مستنجيا باليمين ومنهم من قال الاولي ان يأخذ الحجر بيساره والذكر بيمينه ويمر الحجر على الذكر لان الاستنجاء يقع بالحجر فامساكه باليسار اولى والاول أظهر وأشهر لان مس الذكر باليمين مكروه: روى ابو قتادة انه صلي الله عليه وسلم قال

(1/518)


إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وذكر بعضهم انه لا طريق للاحتراز عن هذه الكراهية الا الامساك بين العقبين أو الابهامين اما إذا استعمل اليمين فيه كان مرتكبا للنبى كيف فعل (الخامسة) الافضل ان يجمع بين الماء والحجر أو ما في معناه قد أثنى الله تعالي على اهل قباء

(1/519)


بذلك وانزل فيه قوله تعالي فيه رجال يحبون ان يتطهروا الاية وفيه من طريق المعنى ان العين تزول بالحجر والاثر بالماء فلا يحتاج إلى مخامرة عين النجاسة وهى محبوبة فان اقتصر على

(1/520)


أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال

(1/521)


في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه

(1/522)


أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة

(1/523)


منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار

(1/524)


على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما

(1/525)


واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها

(1/526)


وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول

(1/527)


الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان

(1/528)


الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار

(1/529)


علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين
أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال

(1/530)


في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه

(1/522)


أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة

(1/523)


منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار

(1/524)


على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما

(1/525)


واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها

(1/526)


وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول

(1/527)


الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان

(1/528)


الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار

(1/529)


علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة *
أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال

(1/530)


في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه

(1/522)


أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة

(1/523)


منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار

(1/524)


على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما

(1/525)


واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها

(1/526)


وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول

(1/527)


الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان

(1/528)


الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار

(1/529)


علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة *
أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال

(1/530)


في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه

(1/522)


أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة

(1/523)


منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار

(1/524)


على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما

(1/525)


واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها

(1/526)


وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول

(1/527)


الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان

(1/528)


الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار

(1/529)


علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة *

(1/530)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 2
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 2

(2/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثاني دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم

(2/1)


[قال * (الباب الثالث في الاحداث وفيه فصلان الاول في أسبابها) * [ولا تنتقض الطهارة بالفصد (ح) والحجامة (ح) والقهقهة (ح) في الصلاة وغيرها وأكل ما مسته النار (و) ] * الحديث يقع علي الحالة الموجبه للوضوء والحالة الموجبة للغسل ألا ترى أنه يقال هذا حدث أصغر وذا حدث أكبر لكن إذا أطلق مجردا عن الوصف بالصغر والكبر كان المراد منه الاصغر غالبا وهو الذي اراده في هذا الموضوع ثم له سبب وأثر فجعل كلام الباب في فصلين أحدهما في الاسباب والثاني في الاثار وتكلم أو لا فيما ليس من أسباب الحدث عندنا واشتهر خلاف العلماء ايانا فيه فمن ذلك الفصد والحجامة وكل خارج من غير السبيلين لا ينقض الطهارة خلافا لابي حنيفة حيث قال كل نجاسة خارجة من البدن تنقض الوضوء كالدم إذا سال والقي إذا ملا الفم وبه قال احمد الا أنه لا يقول بالانتقاض إذا كان الدم قطرة أو قطرتين: لنا ما روى أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم وصلي ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه) وروى مثل مذهبنا عن عبد

(2/2)


[الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن ابي أوفى وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة رضي الله عنهم ومنها القهقهة فلا تنقض الوضوء سواء وجدت في الصلاة أو في غيرها وعند ابي حنيفة القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء الا في صلاة الجنازة لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه أنه صلى]

(2/3)


[الله عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء) ومنها أكل ما مسته النار فلا يؤثر في انتقاض الطهارة وقال أحمد تنتقض الطهارة باكل لحم الجزور وحكي ابن القاص عن القديم]

(2/4)


[قولا مثله لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (توضؤا من لحوم الابل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم) لنا ما روى عن جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم]

(2/5)


(ترك الوضوء مما مسته النار) قال (وانما ينتقض بامور أربعة الاول خروج الخارج من احد السبيلين ريحا كان أو عينا نادرا كان أو معتادا طاهرا كان أو نجسا) نواقض الوضوء عندنا أربعة أحدها خروج الخارج من أحد السبيلين يدل عليه الاجماع والنصوص]

(2/6)


[كقوله تعالي (أو جاء أحد منكم من الغائط) وقوله صلى الله عليه وسلم في المذى (ينضح فرجه بالماء ويتوضأ وضوءه للصلاة) ولا فرق بين العين والريح قال صلى الله عليه وسلم]

(2/7)


[ (لا وضوء الا من صوت أو ريح) وقد يفرض خروج الريح من القبل في النساء ومن الاحليل أيضا لا درة وغيرها فينقض الطهارة أيضا خلافا لابي حنيفة: لنا القياس على الدبر ولك]

(2/9)


[ان تعلم قوله ريحا بالحاء اشارة إلى هذا الخلاف وإذا كان الخارج عينا فلا فرق بين أن يكون معتادا أو نادرا كالدود والحصا خلافا لمالك في النادر الا في دم الاستحاضة: لنا القياس على المعتاد بعلة أنه خارج من السبيلين وظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الوضوء مما خرج) ]

(2/10)


[ونحو ذلك وأما قوله طاهرا أو نجسا فقد يتوهم أن المراد من الطاهر المنى وليس كذلك بل المراد منه الدود والحصا وسائر ما هو طاهر العين وأما المنى فلا يوجب خروجه الحدث وانما يوجب الجنابة ولا يغتر بتعميم الائمة القول في ان الخارج من السبيلين ناقض للطهارة فان هذا ظاهر يعارضه نصهم في تصوير الجنابة المجردة عن الحدث على أن من أنزل بمجرد النظر أو بالاحتلام قاعدا فهو جنب غير محدث وحكى في البيان عن القاضى ابي الطيب أن خروج المني يوجب الحدثين جميعا]

(2/11)


[الاصغر لانه خارج من السبيلين والاكبر لانه منى والمذهب المشهور هو الاول فالشئ مهما أوجب أعظم الاثرين بخصوصه لا يوجب أهونها بعمومه كزني المحصن لما أوجبت أعظم الحدين لانه زني المحصن لا يوجب أدناهما لانه زني ولا يخفى ان المراد من قوله خروج الخارج من السبيلين هو الخروج من أيهما كان ولا يشترط في الانتقاض الخروج من كليهما وكل ما ذكرناه فيمن هو واضح الحال في أمر الذكورة والانوثة أما المشكل فان خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث لان أحدهما أصلى وان خرج من أحدهما فالحكم كما لو خرج من واضح الحال خارج من ثقبة انفتحت تحت المعدة

(2/12)


[مع انفتاح السبيل المعتاد وسيأتي حكمه * قال [وفى معناه ثقبة انفتحت تحت المعدة مع انسداد المسلك المعتاد فان كان فوق المعدة أو تحتها لكن مع انفتاح المسلك المعتاد فقولان فان قلنا ينتقض فلو كان الخارج نادرا فقولان وفى جواز الاقتصار فيه على الحجر ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين المعتاد وغيره وكذا في انتقاض الطهر بمسه وفى وجوب الغسل بالايلاج فيه وفى حل النظر إليه تردد] لو انسد السبيل المعتاد وانفتحت ثقبة تحت المعدة نظر ان خرج منها النجاسة المعتادة وهى البول والعذرة انتقض الطهر لان الانسان لابد له في مطرد العادة من منفذ يخرج منه الفضلات التى

(2/13)


[تدفعها الطبيعة فإذا انسد ذلك قام ما انفتح مقامه وان خرج غيرها كالدود والحصا والدم والريح
ففيه قولان أحدهما لا ينتقص به الوضوء لان غير الفرج انما يقام مقامه لضرورة أن الانسان لابد له من منفذ تنفصل فيه الفضلات المعتادة التى تخرج لا محالة ولا ضرورة في خروج غير المعتاد وأظهرهما أنه ينتقض لانه منفذ تنتقض الطهارة بالمعتاد إذا خرج منه فكذلك بغيره كالفرج الاصلى ولوافتحت الثقبة فوق المعدة وقد انسد السبيل المعتاد أو تحت المعدة والمعتاد منفتح فهل تنتقض الطهارة بالخارج المعتاد منها في الصورتين: فيه قولان أصحهما لا: أما في الصورة الاولى فلان ما يخرج من فوق المعدة أو من حيث يحاذبها لا يكون مما احالته الطبيعة لان ما تحيله تلقيه إلى الاسفل فهو إذا]

(2/14)


[بالقئ أشبه: وأما في الثانية فلان غير الفرج انما يعطي حكمه لضرورة ان الانسان لابد له من مسلك فيقام المنفتح عند انسداد المعتاد مقامه ولا انسداد: والثاني ينتقض لان الخارج النجاسة المعتادة ولا يضر في أن تتحول الثقبة التي تنفصل فيها الفضلات إلى مكان أعلى أو أسفل وهاتان الصورتان هما المجوعتان في قوله فان كان فوق المعدة أو تحتها ولكن مع انفتاح المسلك المعتاد المعنى فان كان فوق المعتاد مع الانسداد أو تحتها ولكن مع الانفتاح فان قلنا لا تنتقض الطهارة نخروج المعتاد في الصورتين فلا كلام وان قلنا تنتقض فهل تنتقض بخروج النادر فيه القولان المذكوران في خروج النادر من ثقبة تحت المعدة مع انسداد السبيل المعتاد وان انتفى المعنيان فلم يكن المعتاد منسدا ولا المنفتح تحت المعدة فلا انتقاض كالقئ والرعاف ونحوهما ومتى حكمنا بالانتقاض فيتفرع عليه]

(2/15)


[فروع (احدها) هل يجوز الاقتصار في الخارج منه على الاحجار وما في معناها أم تتعين الازالة بالماء حكي صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه يتعين الماء لانه نادر والاقتصار على الحجر خارج عن القياس فلا يكون في معني السبيلين وثانيها يجوز الاقتصار عليه لانه منفذ ألحق بالسبيلين في كون الخارج منه ناقضا للطهارة فكذلك في جواز الاقتصار على الحجر وثاليثها يفرق بين أن يكون الخارج النجاسة المعتادة فيجوز بين أن تكون غيرها فلا لانضمام ندرة الخارج إلى ندرة المخرج وحكي امام الحرمين بدل الوجوه اقوالا وهو والامام الغزالي قدس الله روحهما مسبوقان بهذا
الاختلاف لان القاضى أبا القاسم بن كج حكي في المسألة قولين وهما الاول والثاني وحكاهما أبو على صاحب الافصاح وجهين وكذلك روى الصيدلاني الثاني هل تنتقض الطهارة بمسه فيه وجهان أحدهما نعم لانه التحق بالفرج في انتقاض الطهارة بالخارج منه فكذلك في حكم الانتقاض بمسه وأصحهما لا لانه لا يقع مسه في مظنة الشهوة ولانه ليس بفرج حقيقة فلا ينتاوله النصوص الواردة في مس

(2/16)


[الفرج وحينئذ وجب ان يحكم ببقاء الطهارة (الثالث) إذا أولج فيه هل يجب الغسل فيه وجهان لا يخفى توجيههما مما ذكرنا (الرابع) هل يحل النظر إليه فيه هذان الوجهان وموضع الوجهين ما إذا كان فوق السرة أما إذا كان تحتها لا يحل النظر إليه لا محالة ولو كان بحيث يحاذي السرة جري الوجهان]

(2/17)


[كما لو كان فوقها لان الصحيح أن السرة ليست من العورة والظاهر أنه لا يثبت شىء من الاحكام قال إمام الحرمين والتردد في هذه الاحكام علي بعده لا يتعدى أحكام الاحداث فلا يثبت في الايلاج فيه شئ من أحكام الوطئ سوى ما ذكرناه في وجوب الغسل نعم كان شيخي يتردد في حل النظر وهو قريب هذا كلامه: ورأيت لابي عبد الله الحناطي طرد التردد في ايجاب المهر وسائر أحكام الوطئ والله أعلم * قال: [الثاني زوال العقل باغماء أو جنون أو سكر أو نوم كل ذلك ينقض الطهارة الا النوم قاعدا ممكنا مقعده من الارض] زوال العقل يفرض بطريقين احدهما غير النوم كالجنون والاغماء والسكر فينتقض الوضوء بكل حال لان النوم ناقض على ما سيأتي وانما كان كذلك لانه قد يخرج منه الخارج من غير شعوره]

(2/18)


[به ومعلوم أن الذهول عند هذه الاسباب أبلغ والسكر الذى ينقض الوضوء هو الذى لا يبقى معه الشعور دون أوائل النشوة وحكى في التتمة وجها ضعيفا أن السكر لا ينقض الوضوء أصلا والثاني النوم وانما نحصل حقيقته إذا استرخي البدن وزال الاستشعار وخفى عليه كلام من يتكلم عنده وليس في معناه النعاس وحديث النفس وهو من نواقض الوضوء في الجملة لما روى انه صلى الله

(2/19)


[عليه وسلم قال (العينان وكاء السه فإذا نام العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ) وروى

(2/20)


أنه صلى الله عليه وسلم قال (من استجمع نوما فعليه الوضوء) وتفصيله بأن يقال النوم اما أن يكون في غير الصلاة وفي الصلاة: ان كان في غير الصلاة فنظر ان نام قاعدا ممكنا مقعده من مقره فلا ينتقض وضوءه لانه يأمن استطلاق الوكاء إذا نام على هذه الحالة وقد روى أن أصحاب

(2/21)


[رسول الله صلى الله عليه وسلم (كانو ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضئون)

(2/22)


[وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا) فان من نام مضطجعا استرخت مفاصله ولا فرق بين أن يكون مستندا أو غيره مستند بعد أن يكون المقعد متمكنا من الارض ولا بين أن يكون السناد بحيث لوسل لسقط وبين أن لا يكون كذلك

(2/23)


[وعن الشيخ أبي محمد أنه ان كان بحيث لو سل لسقط بطل الوضوء وان نام على غير هيئة العقود بالصفة المذكورة بطل الوضوء سواء كان مضطجعا أو مستلقيا أو قائما أو على هيئة الساجدين أو الراكعين وفى قول لا ينتقض الوضوء بالنوم على أي هيئة كانت من هيآت المصلين عند الاختيار وان لم يكن في الصلاة وبه قال أبو حنيفة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا) لكن أئمة الحديث ضعفوه فعلى هذين القولين لا ينحصر الاستثناء في حالة العقود على خلاف ما ذكره صاحب

(2/24)


[الكتاب وعن الشافعي رضى الله عنه قول آخر أن تلك الحالة أيضا لا تستثنى بل النوم في عينه حدث لاطلاق ما سبق من الاخبار وكما في سائر الاحداث لا فرق فيها بين حالتى العقود وغيرها والى هذا القول صار المزني: وعن مالك أنه ان نام جالسا قليلا لم ينتقض وضوءه وان نام كثيرا
انتقض هذا كله إذا كان في غير الصلاة أما إذا كان في الصلاة فقولان القديم أنه لا ينتقض]

(2/25)


[وضوئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدى) والجديد أن حكمه كما لو كان خارج الصلاة لما سبق من الاخبار وللقياس علي سائر الاحداث ولان النوم انما أثر لانه قد يخرج

(2/26)


[منه الشئ من غير شعوره به وهذا المعني لا يختلف بين أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة وإذا عرفت ما ذكرنا عرفت أن قوله أو سكر ينبغى أن يكون معلما بالواو وكلمة الاستثناء من قوله الا النوم قاعدا بالقاف والزاى اشارة الي القول الذى حكينا أن عين النوم حدث واليه ذهب

(2/27)


[المزني فانه لااستثناء علي ذلك القول وقوله وكذا النوم قاعدا بالميم لما ذكرنا من مذهب مالك وكذلك ينبغى أن يكون قوله كل ذلك ينقض الطهر معلما بالقاف اشارة إلى القول المنقول في النوم قائما أنه لا ينقض وفى النوم علي هيئات المصلين وكذلك في النوم في الصلاة فانها مستثناة أيضا علي هذه الاقوال]

(2/28)


[قال الثالث لمس بشرة المرأة الكبيرة الاجنبية ناقض للطهارته (م ح) فان كانت محرما أو صغيرة أو ميتة أو مس شعرها أو ظفرها أو عضوا مبانا منها ففى الكل خلاف وفى الملموس قولان واللمس سهوا أو عمدا سواء (وم) اللمس من نواقض الوضوء خلافا لابي حنيفة الا في المباشرة الفاحشة وهى أن يضع الفرج على الفرج مع الانتشار ولمالك وأحمد فانهما اعتبر الشهوة في كونه ناقضا هذه رواية عن أحمد وعنه روايتان أخريان أحداهما مثل مذهبنا والاخرى مثل مذهب ابى حنيفة: لنا قوله تعالى (أو لمستم النساء) عطف اللمس علي المجئ من الغائط ورتب عليهما الامر بالتيمم عند فقدان الماء فدل على كونه حدثنا كالمجئ من الغائط والمراد من اللمس الجس باليد كذلك روي عن ابن عمر

(2/29)


[رضى الله عنهما وغيرهم ثم ينظر ان وجد اللمس من الرجل بالصفات المذكورة في الكتاب وهى أن يلمس بشرة المرأة الكبيرة الاجنبية فتنقض طهارته: فان قيل الشرط في الانتقاض ان لا يكون بينهما حائل ولم يتعرض له: قلنا في قوله لمس بشرة المرأة ما يفيد ذلك لانه إذا كن بينهما حائل فلا يقال لمس ولا مس ولهذا لو حلف أن لا يمس امرأة فمسها من وراء حائل قال الاصحاب لا يحنث وان فقد شئ من الصفات التي ذكرها نظر ان لمس غير البشرة كالشعر والظفر والسن ففيه]

(2/30)


[وجهان أحدهما ينتقض وضوءه كسائر أجزاء البدن ولهذا يسوى بين الكل في الحل والحرمة واضافة الطلاق وأصحهما لا ينتقض لان الا لتذاذ بهذه الاشياء انما يكون بالنظر دون اللمس أو معظم الالتذاذ فيها بالنظر: وان كان الملموس عضوامبانا منها ففيه وجهان أحدهما أنه كالمتصل الا ترى ان مس الذكر المقطوع كمس الذكر المتصل على الصحيح واصحهما انه لا ينتقض لان اللمس حدث لظاهر الآية وفهم من جهة المعني اعتبار الوقوع في مظنة الشهوة وان لم يعتبر نفس الشهوة ولمس المبان ليس في مظنة الشهوة ولايقال لمن لمسه لمس امرأة بخلاف من مس الذكر المبان فانه قد مس الذكر وان لمس

(2/31)


[صغيرة والمراد التى لم تبلغ حد الشهوة ففيه وجهان أحدهما نعم لظاهر الآية وأصحهما لا لانه ليس في مظنة الشهوة فصار كلمس الرجل الرجل ومنهم من يقول في المسألة قولان كما في المحرم وان لمس محرما فقولان: أحدهما ان حكمها حكم الاجنبيات في اللمس لعموم الآية: وأصحهما لا لانها ليست في مظنة الشهوه بالاضافة إليه ولا فرق بين محرمية النسب والرضاع والمصاهرة في اطراد القولين وان لمس ميتة ففيه وجهان ايضا ينظر في أحدهما إلى عموم اللفظ وفى الثاني إلى أن لمسها ليس في مظنة الشهوة والظاهر الاول كما يجب الغسل بالايلاج فيها ولم يذكر مسألة الميتة في الوسيط وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك أن الخلاف الذى ابهمه في قوله ففى الكل خلاف قولان في مسألة المحرم ووجهان في سائر المسائل وهذا مما ينبغي أن يعتني به محصل هذا الكتاب فانه كثيرا ما يرسل ذكر الخلاف والتردد في مسائل يعطف بعضها
على بعض وهو قول في بعضها ووجه في البعض فينبغي أن يضبط ثم كما ينتقض وضوء الرجل إذا

(2/32)


[لمس بهذه الشرائط ينتقض وضوء المرأة إذا لمست هذه الشرائط وفى الملموس قولان أصحهما أنه ينتقض وضوءه أيضا لاستوائهما في اللذة كما أن الفاعل والمفعول يستويان في حكم الجماع والثاني لا ينتقض لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (أصابت يدى أخمص قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فلما فرغ من صلاته قال أتاك شيطانك) ولو انتقض طهر الملموس

(2/33)


[لما أتم الصلاة ثم حكي قولان في أن الملموس من هو أحدهما أن الملموسة هي المرأة وان وجد فعل اللمس منها والرجل لامس والثاني وهو الاصح المشهور أن اللامس من وجد منه فعل اللمس رجلا كان أو امرأة والملموس الآخر ويخرج مما ذكرناه قول أن المرأة لا ينتقض وضوءها وان لمست وإن نفى المصنف في الوسيط أن يكون في الانتقاض خلاف ثم لافرق بيين أن يتفق اللمس عمدا]

(2/34)


[أو سهوا كسائر الاحداث ولا بين أن يكون بشهوة أو بغير شهوة وحكي وجه أن اللمس انما ينقض الوضوء إذا وقع قصدا وكان تخصيص اللمس بالذكر في الكتاب انما كان لمكان هذا الوجه والا فسائر الاحداث ايضا عمدها وسهوها سواء لكن أبا عبد الله الحناطى روى في مس الذكر ناسيا وجهين أيضا وحكي في اللمس أن ابن سريج ذهب إلى اعتبار الشهوة كما صار إليه مالك قال وحكي ذلك عن الشافعي رضي الله عنه أيضا ولمس العجوز كغيرها ولمس العضو الاشل والزائد كلمس الصحيح والاصلي وفى الصور الثلاث وجه آخر *

(2/35)


(قال) [الرابع مس الذكر ببطن الكف ناقض (خ ز) للوضوء وكذا مس فرج المرأة وكذامس حلقة الدبر (م) على الجديد وكذا مس فرج البهيمة على القديم وكذا فرج الميت (و) والصغير (م) وكذا محل الجب (و) وفى الذكر المبان وجهان وفى المس برؤوس الاصابع وجهان وبما بين
الاصابع لا ينقض علي الصحيح]

(2/36)


[مس الذكر ناقض للوضوء خلافا لابي حنيفة ومالك فان حكم المس عندهما علي ما ذكرنا في اللمس: لنا حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مس ذكره فليتوضأ) ]

(2/37)


[وانما ينتقض الوضوء إذا مس بالكف والمراد بالكف الراحة وبطون الاصابع وقال أحمد تنتق ظالطهارة سواء مس بظهر الكف أو ببطنها: لنا أن الاخبار الواردة في الباب جرى في بعضها لفظ

(2/38)


[المس وفى بعضها لفظ الافضاء ومعلوم أن المراد منهما واحد والافضاء في اللغة المس ببطن الكف ولو مس ببطن أصبع زائدة نظران كانت على استواء الاصابع فهي كالاصلية على أصح الوجهين وان لم تكن علي استواء الاصابع فلا في أصح الوجهين ولو كانت له كفان فان كانتا عاملتين أو غير

(2/39)


[عاملتين فبأيتهما مس انتقض الوضوء وان كانت احداهما عاملة دون الاخرى انتقض بالمس بالعاملة]

(2/40)


[دون الاخرى ذكره القاضى الروياني وصاحب التهذيب وحكي بعضهم خلافا في اليد الزائدة مطلقا واليد الشلاء كالصحيحة في أصح الوجهين وكذا الذكر الاشل كالصحيح وحكم فرج المرأة في]

(2/41)


[المس حكم الذكر لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضأون) قالت عائشة بابي وأمى هذا للرجال أفرأيت النساء قال (إذا مست احداكن فرجها فلتتوضأ) وفى حلقة الدبر وهى ملتقى المنفذ قولان قال]

(2/56)


[في القديم لا ينتقض الوضوء بمسه وبه قال مالك لان الاخبار وردت في القبل وهو الذى يفضى
بمسه إذا كان على سبيل الشهوة إلى خروج المذي وغيره فاقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر]

(2/57)


[وقال في الجديد ينتقض لانه فرج فينتقض الوضوء بمسه لقوله صلى الله عليه وسلم (ويل للذين يسمون فروجهم ولا يتوضؤون) وبالقياس على القبل ومن الاصحاب من جزم بما قاله في الجديد وففى الخلاف فيه وعن أحمد روايتن كالقولين وفى فرج البهيمة قولان حكي عن القديم أن مسه]

(2/58)


[كمس فرج الآدمى لظاهر قوله (من مس الفراج الوضوء) ولان فرج البهيمة كفرج الآدمى في الايلاج فكذلك في حكم المس وهذا القول في القبل دون الدبر فان دبر الآدمى لا يلحق علي القديم بالقبل فمن غيره أولى: وقال في الجديد لاأثر لمسه كما لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه ولا يتعلق به ختان ولا استنجاء ولان لمس إناث البهائم ليس بحدث فكذلك مس فروجها وقطع بعضهم بما قاله في الجديد: وفى مس فرج الميت ذكرا كان أو أنثى وجهان: أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه كفرج الحى لشمول الاسم وبقاء الحرمة: والثاني لاأثر لمسه لزوال الحياة وخروج لمسه عن]

(2/59)


[مظنة الشهوة: وفى فرج الصغيرة وجهان أصحهما أنه كفرج الكبير لما ذكرنا: والثاني لا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن أو الحسين ولم يرو أنه توضأ: ومس محل الجب من المجبوب هل يؤثر فيه وجهان أصحهما نعم لان مسه مظنة خروج الخارج منه فأشبه الشاخص:]

(2/60)


[والثانى لا: لانه مس محل الذكر دون الذكر وقد حكي عن القفال أن الوجهين مرتبان على أحد أصلين: أما مس حلقة الدبر فان قلنا انه لا يوثر فهذا أولى وان قلنا يوثر فهمنا وجهان لان اللحقة طاهرة]

(2/61)


[بأصل الخلقة وهذا قد طهر بعارض: وأما مس الثقبة المنفتحة مع انسداد المسلك المعتاد فيه وجهان سبق ذكرهما وعلى هذا فالانتقاض ههنا أولي لانه أصلي والوجهان في المسألة فيما إذا لم يبق شئ]

(2/62)


[شاخص أصلا فان بقى شئ فلا خلاف في أن مسه ناقض: وفى الذكر المبان وجهان أصحهما أنه كالمتصل لشمول الاسم له: والثاني لا لخروج لمسه عن مظنة الشهوة: ولعلك تقول رجح الائمة]

(2/63)


[من الخلاف في مسائل اللمس الوجه الناظر إلى وقوعه في محل الشهوة ومظنتها حتى قالوا لا تنقض الطهارة بلمس المحرم والصغيرة على الاصح وههنا عكسوا ذلك فقالوا الاصح الانتقاض بمس فرج الميت والصغير ولم يعتبروا الشهرة فما الفرق * فالجواب أن اللمس والمس متقاربان في أمر الشهوة

(2/64)


[وحصول الخلاف إذا وقعا في غير مظنة الشهوة إلا أن الشافعي رضي الله عنه آنظر في اللمس الي شئ آخر إذا كان الممسوس فرج الغير وهو أنه بالمس هاتك حرمة الممسوس فرجه فحكم بانتقاض وضوئه منعاله عن ذلك ولهذا لم يحكم بانتقاض طهارة الممسوس فرجه لانه لاهتك منه بخلاف الملموس حيث

(2/65)


[انتقض طهره على أظهر القولين لشمول معنى الشهوة وكان الهتك أرجح المعنيين عند الشافعي رضي الله عنه والنظر إليه أولى ألاتراه علل في مس فرج البهيمة لا يوجب حدثا فقال لانه لاحرمة لها ولا تعبد عليها والله أعلم * وهذه المسائل كلها في المس ببطن الكف: أما لو مس يرؤوس الاصابع

(2/66)


[ففيه وجهان: أحدهما أن المس بها كالمس بالراحة لانها من جنس بشرة الكف ويعتاد المس بها بالشهوة وغيرها: وأظهرهما أنه لا يؤثر المس بها لانها خارجة عن سمت الكف ولا يعتمد على المس بها وحدها من أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخشونة وغيرهما وفيما بين الاصابع أيضا

(2/67)


[وجهان وعدم الانتقاض فيه أظهر وقد نقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه واطبقوا على ترجيحه: وأما في رؤوس الاصابع فمنهم من رجح القول بالانتقاض وكأنه لهذا التفاوت صرح بأن
الصحيح عدم الانتقاض في المسألة الثانية وسكت عن الترجيح والتصحيح في الاولى والمعني برأس

(2/68)


[الاصبع موضع الاستواء بعد المنحرف الذى يلي الكف فأنه من الكف بلا خلاف ثم من يقول بأن المس برأس الاصبع ناقض بقول باطن الكف ما بين الاظفار والزنداي في الطول ومن يقول انه غير ناقض يقول باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعت احدى اليدين على الاخرى مع تحامل]

(2/69)


[يسير والتقييد بقولنا مع تحامل يسير ليدخل فيه المنحرف الذي ذكرناه وطرف الكف وهو حرف اليد على الوجهين في رؤس الاصابع * قال [وإذا مس الخنثى من نفسه أحد فرجيه لم ينتقض لاحتمال أن الممسوس زائد وان مس رجل

(2/70)


[ذكره أو امرأة فرجه انتقض إذ لا يخلو عن مس أو لمس وان مس رجل فرجه أو امرأة ذكره لم ينتقض لاحتمال أنه زائد ولو ان خنثيين مس احدهما من صاحبه الفرج ومس الآخر الذكر فقد انتقض طهارة أحدهما لا بعينه ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده لان بقاء لههارته ممكن]

(2/71)


ما سبق من المسائل فيما إذا اتفق المس ولم يكن في الماس ولا في الممسوس إشكال في حكم الذكورة والانوثة فان كان ففيه مسائل أحداها ان مس الخنثي المشكل فرج واضح فالحكم على ما سبق وان مس فرج نفسه نظر ان مس فرجيه جميعا انتقض وضوءه لانه ان كان رجلا فقد مس ذكره وان كانت امرأة فقدمست فرجها وان مس أحدهما لم ينتقض وضوءه لانه ان مس الذكر فيجوز أن يكون أنثى وهو سلعة زائدة وان مس الآخر فيجوز أن يكون رجلا وهو ثقبة زائدة وان مس أحدهما وصلى الصبح مثلا ثم توضأ ومس الآخر وصلى الظهر ففى المسألة وجهان احدهما انه يقضيهما جميعا لان احدى صلايته واقعة مع الحدث واظهرهما انه لا يقضي واحدة منهما

(2/72)


[لان كل صلاة مفردة بحكمها وقد بنى كل واحدة على ظن صحيح فصار كما لو صلى صلاتين
إلى جهتين باجتهادين وان مس احدهما وصلى الصبح ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء بينهما أعاد الظهر لانه محدث عندها ومضت الصبح على الصحة: الثانية لو مس الواضح فرج مشكل نظر ان مس رجل ذكره انتقض وضوءه لانه ان كان رجلا فقد مس الذكر وان كانت امرأة فقد

(2/73)


[لمس امرأة وان مست امرأة فرجه انتقض وضوءها ايضا لمثل هذا المعنى وهذا إذا لم يكن بين الخنثى والماس محرمية وغيرها مما يمنع لمسه عن ان ينتقض به الوضوء فان كان فلا انتقاض وان مس الرجل فرجه لم ينتقض وضوءه لاحتمال ان يكون رجلا والممسوس ثقبة زائدة وان مست المرأة ذكره فكذلك لا ينتقض وضوءها لاحتمال ان يكون الخنثى امرأة والممسوس سلعة زائدة والضابط ان الواضح إذا مس منه ماله انتقض وضوءه فان مس ما ليس له فلا: ثم إذا حكمنا بانتقاض طهارة

(2/74)


[الواضح فلا نقول الخنثى ملموس حتى يعود في انتقاض طهارته القولان بل هو ممسوس حتى لاتنتقض طهارته طرحاللشك واستضحابا للطهارة: والثالثة لو مس مشكل فرج مشكل آخر نظر ان مس فرجيه جميعا انتقض وضوءه كما لو مسهما من نفسه وكذلك لو مس ذكر مشكل وفرج مشكل آخر ينتقض وضوءه أيضا لكن ههنا ينتقض لعلة المس أو اللمس وان مس أحد فرجيه لاغير لم ينتقض وضوءه لاحتمال كونه عضوا زائدا ولو مس أحد المشكلين فرج الآخر ومس الآخر ذكر الاول انتقض

(2/75)


[طهارة أحدهما لا بعينه لانهما ان كانا رجلين فقد أحدث ماس الذكر وان كانتا امرأتين فقد احدثت ماسة الفرج وان كان أحدهما رجلا والآخر امرأة فقد احدثا جميعا بسبب اللمس فإذا طهارة أحدهما باطلة لا محالة لكنه غير متعين وما من واجد منهما أفردناه بالنظر الا والحدث في حقه مشكوك فيه فنستصحب يقين الطهارة ولا نمنع واحدا منهما عن الصلاة ونظائر ذلك لاتخفى وأما قوله في الكتاب في هذه المسألة ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده ففى كلمة وحده أشكال لان المفهوم منه ان لكل واحد منهما ان يصلى منفردا ويمتنع ان يقتدى بالآخر كما نقول
إذا اختلف اجتهاد اثنين في انانين مشتبهين صلى كل واحد منهما وحده يريد به ما ذكرنا لكن

(2/76)


[اقتداء الخنثى بالخنثى ممتنع علي الاطلاق فأن معنى التقييد في هذه المسألة ان كلمة وحده يشبه ان يكون من سبق القلم لاعن قصد وتعمد لانه في الوسيط لم يتعرض لذلك وانما قال لكن تصح صلاتهما ويأخذ كل واحد منهما باحتمال الصحة وان اتي بها عن قصد فقد ذكر بعضهم ان فائدة التقييد انه لاتجزى صلاة واحد منهما خلف الآخر قطعا وان بان بعد الفراغ كون الامام رجلا بخلاف ماذا اقتدى الخثنى بالخنثى في غير هذه الصورة ثم بان بعد الفراغ كون الامام رجلا فان في وجوب القضاء قولين والله أعلم *

(2/77)


[قال واليقين لا يرفع بالشك (م) لا في الطهارة ولا في الحدث وان تيقن انه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق اسند الوهم إلى ما قبله فان انتهى إلى الحدث فهو الآن متطهر لانه تيقن طهرا بعده وشك في الحدث بعد الطهر وان انتهى إلى الطهر فهو الآن محدث وقيل انه يستصحب ما قبل الحالتين ويتعارض الظنان] [من القواعد التى ينبني عليها كثير من الاحكام الشرعية استصحاب اليقين والاعراض عن الشك والاصل فيه ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2/78)


[ (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه اخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (ان الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين اليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ولا فرق عندنا بين ان يتيقن الطهارة ويشك في الحدث بعده أو يتقن الحدث ويشك في الطهارة بعده بل يستصحب اليقين في الحالتين خلافا لمالك حيث قال إذا استيقن الطهارة وشك في الحدث أخذ بالحدث احتياطا وتوضأ إذا كان خارج الصلاة وان كان في الصلاة سلم انه يمضيى في صلاته وما
رويناه من الخبر حجة عليه لانه مطلق وحكي في التتمة وجها عن بعض الاصحاب يوافق مذهب]

(2/79)


[مالك ومن نظائر الشك في عروض الحدث ما إذا نام قاعدا ثم تمايل وانتبه ولم يدر أيهما سبق فلا ينتقض وضوءه بخلاف ما إذا عرف أن الانتباه كان بعد التمايل يلزمه الوضوء ومنها ما إذا شك في أنه لمس الشعر أو البشرة إذا قلنا انه لا أثر للمس الشعر ومنها ما إذا مس الخنثى فرجيه مرتين وشك في ان الممسوس ثانيا هو الممسوس أولا أو الفرج الآخر ومنها ما لو شك في ان ما عرض له رؤيا

(2/80)


[أو حديث نفس فلا يلزمه الوضوء في شئ منها وكذلك القول في الشك في الحدث الاكبر وهذا كله إذا عرف سبق الطهارة اما إذا لم يعرف ذلك بان تيقن انه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق وانه الآن علي ماذا ففى المسألة وجهان أصحها قال صاحب التلخيص والاكثرون]

(2/81)


[يؤمر باسناد الوهم الي ما قبل طلوع الشمس وتذكر ما كان عليه من الطهارة والحدث فان تذكر انه كان محدثا فهو الآن علي الطهارة لانه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في تأخر الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة وان تذكر انه كان متطهرا فهو الان محدث لانه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في تأخر الطهارة عن ذلك الحدث ومن الجائز سبقها علي الحدث وتوالى الطهارتين وهذا إذا كان الشخص ممن يعتاد تجديد الطهارة فان لم يكن التجديد من عادته فالظاهر ان طهارته بعد الحدث فيكون الآن متطهرا وان لم يتذكر ما قبلها فلا بعد من]

(2/82)


الوضوء لتعارض الاحنمالين من غير ترجيح ولا سبيل الي الصلاة مع التردد المحض في الطهارة ومنهم من قال يؤمر بالتذكر لكنه ان تذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث أيضا وان تذكر الطهارة فهو الآن متطهر لان ما يذكره من قبل معلوم فيستصحب ويتعارض الظنان الطارآن بعده لتقابل الاحتمالين والوجه الثاني انه لا نظر إلى ما قبل الطلوع ويؤمر بالوضوء بكل حال

(2/83)


[اخذا بالاحتياط ثم نتكلم في قوله واليقين لا يرفع بالشك في ابتداء هذا الفصل من ثلاثة أوجه أحدها قد يتوهم أن هذا الكلام متصل بآخر مسألة الخنثيين وهو قوله لان بقاء طهارته ممكن ولا شك انه صالح لذلك لكنه لم يقصد تذنيب المسألة به وانما أراد افتتاح قاعدة مقصودة في نفسها وايراده في الوسيط يوضح ذلك ثم لا يخفى تخريج مسألة الخنثيين علي هذه القاعدة: الثاني لا نعني بقولنا اليقين لا يرفع ولا يترك بالشك يقينا حاضرا فان الطهارة والحدث نقيضان ومهما شككنا في أحد النقيضين فمحال ان نتيقن الآخر ولكن المراد أن اليقين الذي كان لا يترك حكمه بالشك بل يستصحب لان الاصل في الشئ الدوام والاستمرار فهو في الحقيقة عمل

(2/84)


[بالظن وطرح للشك: الثالث المشهور من معني الشك الرتدد في طرفي وجود الشئ وعدمه بصفة التساوى فإذا حدث له هذا التردد في الحدث بعد تيقن الطهارة أو في الطهارة بعد تيقن الحدث لم يلتفت إليه واستصحب ما كان: وهذا الحكم لا يختص بالشك في طرف الحدث بل لو كان الحادث ظن الحدث بعد تيقن الطهارة فهو كالشك في انه يجوز له الصلاة استصحابا ليقين الطهارة لكن لو ظن الطهارة بعد الحدث لم يستصحب حكم الحدث بل له أن يصلى بالظن فإذا حكم الشك واحد في الطرفين وحكم الظن في الحدث بخلاف حكمه في الطهارة * قال [قاعدة تنكشف حال الخنثي بثلاث طرق: أحدها خروج خارج من الفرجين فان بال بفرج

(2/85)


[الرجال أو أمنى فرجل وان بال بفرج النساء أوحاض فامرأة وان بال بفرج الرجال وحاض بفرج النساء قيل التعويل على المبال لانه أدوم وقيل مشكل: (الثانية) نبات اللحية ونهود الثدى فيه خلاف والاظهر ان لا عبرة بهما كما لا عبرة بتأخر النبات والنهود عن أو انهما: (الثالثة) ان يراجع الشخص ليحكم بمبله فإذا اخبر لا يقبل رجوعه الا ان يكذبه الحس بأن يقول أنا رجل ثم ولدت ولدا] [لما تكلم في صور مس الخنثي أراد ان يبين ما ينكشف به حال الخنثي فذكر له طرقا منها
خروج الخارج من أحد الفرجين وذلك على قسمين أحدها خارج لا يوجب الغسل وهو البول فإذا بال بفرج الرجال فرجل وان بال بفرج النساء فامرأة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما]

(2/86)


[ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذى له ما للرجال وما للنساء (يورث من حيث يبول) وهذا بشرط ان يكون له ما يشبه آلة الرجال وما يشبه آلة النساء ويكون بوله من أحدهما فأما إذا لم يكونا له وهو يبول من ثقبة أو كانا له لكنه لا يبول بهما فلا دلالة في بوله ولو بال بهما جميعا ففيه وجهان أحدهما أن دلالة البول قد سقطت وأصحهما ان ما يختص بسبق الخروج أو تأخر الانقطاع فالحكم له فان وجد أحد المعنيين في أحدهما والآخر في الثاني فالاخذ بسبق الخروج]

(2/87)


[أولى وان فقد المعينان فيهما سقطت دلالة البول ولا حكم للكثرة ولا للتزريق والترشيش في أصح الوجهين: والثاني ان الحكم للاكثر وانه ان زرق بهما فرجل وان رشش فامرأة وان زرق بهذا ورشش بذلك فحينئذ تسقط دلالة البول: والقسم الثاني خارج موجب للغسل كالحيض والمني فإذا أمنى بفرج الرجال فرجل وان أمنى بفرج النساء أو حاض فامرأة وذلك بشرطين أحدهما ان ينفصل في وقت امكان خروج المني والحيض: والثاني أن يتكرر خروجه ليتأكد الظن ولا يتوهم]

(2/88)


[كونه اتفافيا ولو أمنى من الفرجين جميعا فوجهان أحدهما أنه تسقط هذه الدلالة ويستمر الاشكال وأصحهما انه لو أمنى منهما على صفة منى الرجال يكون رجلا ولو أمنى منهما على صفة منى النساء يكون امرأة لان الظاهر أن المنى الموصوف بصفة منى الرجال ينفصل من الرجال وكذلك ما هو بصفة منى النساء ينفصل من النساء نعم لو أمنى من فرج الرجال على صفة منى النساء أو من فرج النساء على صفة منى الرجال أو أمنى من فرج الرجال على صفة منيهم ومن فرج النساء على صفة منيهن يستمر

(2/89)


[الاشكال ومن هذا القسم خروج الولد فيفيد القطع بالانوثة حتى يترجح على ما يعارضه من الامارات
اما لو تعارض البول مع الحيض أو مع المنى ففيه وجهان أحدهما أنه يحكم بمقتضي البول لانه دائم متكرر فيكون أقوى دلالة وأصحهما أن يستمر الاشكال ويتساقطان ومنها نبات اللحية ونهود الثدى وفيهما وجهان أحدهما أن نبات اللحية يدل على الذكورة ونهود الثدى على الانوثة لان اللحى انما تكون للرجال غالبا وتدلى الثديين للنساء غالبا فيستدل بهما على الذكورة والانوثة وأظهرهما أنه لا عبرة بهما لانه لا خلاف أن عدم نبات اللحية في وقته لا يقتضي الانوثة وعدم تدلي الثديين في وقته لا يقتضى الذكورة ولو جاز الاستدلال بنبات اللحية على الذكورة لجاز الاستدلال

(2/90)


[بعدمه على الانوثة لان الغالب من حال من لا يلتحى في وقته الانوثة كما ان الغالب من حال من يلتحى الذكورة وأجرى بعضهم الوجهين في نزول اللبن ايضا وذهب بعض الاصحاب إلى انه تعد أضلاع الخنثى من جانبيه فان نقص عددها من الجانب الايسر فهو دليل الذكورة وان تساوى عددها من الجانبين فهو دليل الانوثة وظاهر المذهب انه لا عبرة بذلك والتفاوت بين الرجل والمرأة في عدد الاضلاع غير معلوم ولا مسلم ومنها ان يراجع الخنثى فان قال أميل الي الرجال استدللنا على الانوثة وان قال أميل إلى النساء استدللنا به على الذكورة لان الله تعالي أجرى العادة بميل الرجال الي النساء والنساء إلى الرجال بالطبع وهذا إذا عجزنا عن الامارات السابقة والا

(2/91)


[فالحكم لها لانها محسوسة معلومة الوجود وقيام الميل غير معلوم فانه ربما يكذب في إخباره ومن شرط الاعتماد على إخباره وقوعه بعد العقل والبلوغ كسائر الروايات والاخبار ومن الاصحاب من قال يكفى وقوعه في سن التمييز كالحضانة يخير فيها الصبى بين الابوين في سن التمييز والمذهب الاول لان اختبار الخنثى لازم فلا حكم له قبل البلوغ كالمولود إذا تداعاة اثنان لا يصح انتسابه قبل البلوغ والاختيار في الحضانة ليس بلازم ثم يتعلق بفصل الاختيار (فروع) أحدها إذا بلغ وهو يجد من نفسه أحد الميلين يجب عليه ان يخبر عنه فان أخر عصى * الثاني لا يخبر بالتشهى فانه غير مخير ولكن يخبر عما يجده من ميله الجبلي: * الثالث لو زعم انه لا

(2/92)


[يميل الي الرجال ولا الى النساء أو أنه يميل اليهما جميعا استمر الاشكال: الرابع اخبر عن أحد الميلين لزمه ولا يقبل رجوعه بعد ذلك لاعترافه بموجبه نعم لو وجدت الدلالة القاطعة بعد اخباره عن الذكورة وهى الولادة غيرنا الحكم لانا تيقنا خلاف ما ظنناه وكذا لو ظهر حمل بعده تبين بطلان اخباره كما لو حكمنا بشئ من الدلائل الظاهرة ثم ظهر به حمل بطل ذلك وقد ذكر هذا الفرع في الكتاب لكن للمتأمل وقفة عند قوله فإذا اخبر لا يقبل رجوعه الا إذا كذبه الحس لان ظاهر الاستثناء يقتضي قبول الرجوع عند الولادة وإذا ولدت فلا عبرة بالرجوع ولا معنى له بل يبطل الحكم السابق سواء وجد الرجوع أم لا وكأنه أراد أنه لا يقبل رجوعه ويجرى عليه حكم قوله الاول الا ان

(2/93)


يكذبه الحس بالولادة فالاستثناء يرجع إلى أجزاء حكم القول الاول عليه لا إلى عدم قبول الرجوع وكذلك أورد امام الحرمين رحمه الله هذا اللفظة: الخامس ذكرنا ان الاختيار انما يرجع إليه عند فقد الامارات الظاهرة فلو رجعنا إليه لفقدها ثم وجد بعض تلك الامارات يجوز ان يقال لا نبالي به ونستصحب الحكم الاول الا ان توجد دلالة قاطعة: وهذا قضية قوله الا ان يكذبه الحس إذا قدرنا عود الاستثناء إلى ما بيناه ويجوز ان يقال يعدل إلى الامارة الظاهرة ويحكم بها كما إذا تداعى اثنان مولودا ولم يكن قائف فانتسب بعد البلوغ واختار ثم وجدنا القائف تقدم القيافة على اختياره والله أعلم] *

(2/94)


[قال (الفصل الثاني في حكم الحدث: وهو المنع من الصلاة ومس المصحف وحمله ويستوى (ح) في المس الجلد والحواشي ومحل الكتابة وفى مس الخريطة والصندوق (ح) والعلاقة وتقليب الاراق بقضيب وحمل صندوق فيه أمتعة سوى المصحف خلاف ولا يحرم مس كتب التفسير والفقه والدراهم المنقوشة الا ما كتب للدراسة كلوح الصبيان (و) والاصح انه لا يجب على المعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لمس اللوح والمصحف] *
المحدث ممنوع من الصلاة قال صلى الله عليه وسلم (لاصلاة الا بطهارة) وكذلك من]

(2/95)


[الطواف قال صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا ان الله سبحانه وتعالى أباح فيه الكلام) ]

(2/96)


[وسجدة الشكر والتلاوة كالصلاة في ان المحدث ممنوع منهما ويحرم عليه أيضا مس المصحف وحمله قال]

(2/97)


[الله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) وروى انه صلي الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام (لا تمس المصحف الا طاهرا) وروى أنه قال (لاتحمل المصحف ولا تمسه الا طاهرا) ثم فيه]

(2/101)


[مسائل احداها إذا كان المصحف مجلدا فهل يحرم مس الجلد كمس الموضع المكتوب فيه وجهان أصحهما وهو الذى ذكره في اكتاب نعم لانه كالجزء من المصحف الا ترى أنه لو باعه دخل الجلد فيه: والثاني لا لانه ظرف ووعاء لما كتب عليه القرآن فصار كالكيس والجراب الذى فيه المصحف: الثانية لا فرق في حكم المس بين موضع الكتابة وبين الحواشي والبياض في خلال السطور لان اسم المصحف يقع على جميع ذلك وقوعا واحدا: الثالثة في مس الخريطة والصندوق والعلاقة وجهان إذا كان المصحف فيها أظهرهما انه يحرم لانها متخذة للقرآن منسوبة إليه فإذا اشتملت على القرآن اقتضي التعظيم ان لا يمس الا على الطهارة: والثاني لا لان الظواهر واردة في المصحف وهذه الاشياء غير المصحف وهذا الخلاف قريب من الاخلاف في الجلد ولذلك جمع بعض الاصحاب]

(2/102)


[بينهما جميعا وحكي فيهما الوجهين ومنهم من جزم بالجواز في غير الجلد وخصص الخلاف بالجلد ومنهم من جزم بالمنع في الجلد وخصص الخلاف بما سواه وكلامه في الكتاب أوفق لهذه الطريقة أو هو هي وفى كتب أصحابنا عن أبي حنيفة أنه يجوز للمحدث مس غير المكتوب من الحواشى وظهر المصحف وغيرهما: نعم لا يجوز ذلك للجنب والحائض: وعنه أيضا انه يجوز للمحدث الحمل
والمس مطلقا ولايجوز للجنب والحائض: وعنه أيضا أنه يجوز له حمل المصحف بعلاقته وبه قال أحمد وحكي بعضهم عن مالك أنه يجوز له حمل المصحف ومسه من غير طهارة والمشهور ان هذا قول داود ولا يخفى موضع العلامة من هذه الاختلافات: الرابعة لو وضع المصحف بين يديه وهو]

(2/103)


يقلب أوراقه بقضيب وغيره ويقرأ منه هل يجوز فيه وجهان: أحدهما نعم لانه لم يحمل المصحف ولا مسه فقد حافظ على شرط التعظيم وأصحهما أنه لا يجوز لانه حمل بعض المصحف مقصود افان الورقة بحمله تنتقل من جانب إلى جانب: الخامسة المنع من الحمل حيث كان المصحف هو المقصود بالحمل فأما إذا حمل صندوقا فيه ثياب وأمتعة سواه ففيه وجهان: أحدهما انه لا يجوز لانه حامل للمصحف وحكم الحمل لا يختلف بين ان يكون هو المحمول أو يكون محمولا مع غيره الا ترى أنه لو حمل نجاسة في صلاته لم تصح صلاته سواء حملها وحدها أو مع غيرها وأصحهما الجواز لان المنع من الحمل المخل]

(2/104)


[بالتعظيم والاجلال ويفارق حمل الصندوق والخريطة فان ذلك تبع للمصحف وهنا بخلافه: السادسة المصحف مكتوب لدراسة القرآن منه فحكمه في المس والحمل ما ذكرنا: وفى لوح الصبيان وجهان أصحهما هو الذى ذكره في الكتاب انه في معنى المصحف لانه أثبت فيه القرآن للتعلم منه ولدراسته: والثاني لا لانه لا يقصد باثباته الدوام بل هو كالمسودة التى تتخذ وسيلة ولا يعتنى بها: وأما ما اثبت فيه شئ من القرآن لا للدراسة كالدراهم الاحدية والعمامة المطرزة بآيات القرآن والحيطان المنقوشة به وكتب الفقه والاصول والتفسير ففيه وجهان: أحدهما انها كالمصحف في حرمة المس]

(2/105)


[والحمل تعظيما للقرآن: وأصحهما أنه لامنع لما روى انه صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى هرقل وكان فيه (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) الآية ولم يأمر الحامل بالمحافظة على الطهارة ولان هذه الاشياء لا يقصد باثبات القرآن فيها قراءته فلا تجرى عليها احكام القرآن ولهذا يجوز هدم الجدار المنقوش عليه وأكل الطعام وهذا الوجه هو المذكور في الكتاب وذهب بعض الاصحاب
إلى تفصيل في الكتب فقال ان كان القرآن اكثر حرم المس والحمل والا فوجهان ذكروا ذلك في كتاب التفسير ولاشك في ان غيره في معناه ومنهم من قال ان كتب القرآن بخط غليظ والتفسير

(2/106)


[بخط دقيق وميز بينهما حرم الحمل وان كان الكل بخط واحد فوجهان (السابعة) كل ما ذكرناه في العاقل البالغ: أما الصبي المميز هل يجب علي الولي والمعلم منعه من مس المصحف وحمله إذا كان محدثا فيه وجهان: أحدها نعم لان البالغ انما يمنع منه تعظيما للقرآن والصبي أنقص حالا منه فأولي ان يمنع وأصحهما لا لان تكليفهم استصحاب الطهارة مما يعظم فيه المشقة والوجهان جاريان في اللوح أيضا وفيه تكلم في الكتاب وهو بناء على ان اللوح حكمه حكم المصحف كما تقدم هذه مسائل الكتاب]

(2/107)


[ونختمها بفروع: الاول كتابة القرآن على الشئ الموضوع بين يديه من غير مس ولا حمل جائز للمحدث في أصح الوجهين: الثاني لا يحرم مس التوراة والانجيل وحملهما في أصح الوجهين وكذا حكم ما نسخ من القرآن: الثالث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحق بالقرآن فيما نحن فيه لكن الاولى ان يكون على الوضوء إذا مسه]

(2/108)


قال [الباب الرابع في الغسل: وموجبه الحيض والنفاس والموت والولادة وان كانت ذات جفاف على الاظهر] * عد موجبات الغسل أربعة: يشتمل هذا الفصل على ثلاثة منها: أحدها الحيض قال الله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) ثم وجوبه بخروج الدم أو بانقطاعه فيه ثلاثة أوجه: أحدها بخروجه كما يجب الوضوء بخروج البول والغسل بخروج المني: وثانيها بالانقطاع لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (إذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) علق الاغتسال بادبار الدم: وثالثها وهو الا ظهران الخروج]

(2/109)


[يوجب الغسل عند الانقطاع كما يقال الوطئ يوجب العدة عند الطلاق والنكاح يوجب الارث عند الموت وكذلك نقول في البول والمني خروجهما يوجب الغسل والوضوء عند الانقطاع بل عند القيام الي الصلاة والنفاس كالحيض في الغسل ومعظم الاحكام: الثاني الموت يوجب غسل]

(2/110)


[الميت على ما سيأتي في الجنائز: ولك ان تقول الغسل اما أن يكون مفسرا بما سوى النية وهو غسل الاعضاء أو يكون مفشرا به مع النية والاول ضعيف فان النية عندنا من جملة الغسل ولولا ذلك لعد نجاسة جميع البدن ونجاسة موضع منه اشبه بالباقي من موجبات الغسل وقد امتنع صاحب الكتاب ومعظم الائمة منه فتعين الثاني وحينئذ: اما أن يكون المعتبر مطلق النية أو النية من صاحب الاعضاء]

(2/111)


[المغسولة فان كان الثاني لم ينتظم عد الموت من موجبات الغسل وكان اطلاق الغسل في الميت بمعنى آخر وان كان الاول فغسل الميت انما يكون من هذه الجملة إذا كانت النية معتبرة فيه من جهة الغاسل ولنا في ذلك وجهان يأتي ذكرهما في باب الجنائز: الثالث الولادة فلو ولدت ولم تر بللا ولا دما]

(2/112)


[ففى وجوب الغسل عليها وجهان أحدهما لا يجب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) فانه ينفى وجوب الغسل بغير الانزال خالفنا في الاسباب المتفق عليها فيتمسك به فيما عداها وأظهرهما الوجوب لانه لا يخلو عن بلل وان قل غالبا فيقام الولد مقامه كالنوم يقام مقام الخروج لمقارنته اياه غالبا ولانه يجب الغسل بخروج الماء الذى يخلق الولد منه فبخروج الولد أولى ويجرى الوجهان في القاء العلقة والمضغة *

(2/113)


[قال والجنابة وحصولها بالتقاء الختانين أو بايلاج قدر الحشفة من مقطوع الحشفة في أي فرج كان من غير المأتي أوميت (ح) ويخروج المنى: وخواص صفاته ثلاثة: رائحة الطلع والتدفق بدفعات والتلذذ بخروجه فلو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل لبقية الصفات وكذلك لو
خرج (ح م) بغير شهوة لمرض أو خرج بقيته بعد الغسل حصلت (م) الجنابة إذا بقيت رائحة الطلع ولو انتبه ولم ير الا الثخانة والبياض فيحتمل ان يكون وديا فلا يلزمه الغسل والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها لزمها الغسل وكذا إذا اغتسلت وخرج منها منى الرجل بعده فانه لا ينفك عن مائها] *

(2/114)


[السبب الرابع الجنابة ولها طريقان: أحدهما التقاء الختانين: قالت عائشة رضى الله عنها (إذا التقى الختانان وجب الغسل) فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا وفسر الشافعي رضى الله عنه التقاء الختانين فقال المراد منه تحاذيهما لاتضامهما فان التضام غير ممكن لان مدخل الذكر في أسفل الفرج وهو مخرج الولد والحيض وموضع الختان في أعلاه وبينهما ثقبة البول وشفرا المرأة يحيطان بها جميعا وإذا كان كذلك كان التضام متعذر لما بينهما من الفاصل]

(2/115)


وههنا شبهة وهى ان يقال ان كان موضع ختان المرأة من حيز الداخل بحيث لا يصل إليه شئ من الحشفة فالقول بتعذر التضام واضح لكن لو كان بحيث إذا أحاط الشفران باول الحشفة لاقى شئ من الحشفة ذلك الموضع كان التضام ممكنا فلعل المراد من الخبر ذلك والله أعلم: ثم موضع الختان غير معتبر بعينه لا في الذكر ولا في المحل اما في الذكر فمقطوع الحشفة إذا غيب مقدار الحشفة لزمه الغسل فانه في معنى الحشفة ومعلوم ان ما سفل من الحشفة ليس موضع ختان لكن تغييب قدر الحشفة معتبر فلو غيب البعض لم يجب الغسل لان التحاذى لا يحصل به غالبا وحكى القاضي ابن كج ان تغييب بعض]

(2/116)


[الحشفة كتغييب الكل وروى وجه ان تغييب قدر الحشفة في مقطوع الحشفة لا يوجب الجنابة وانما الموجب تغييب جميع الباقي إذا كان مثل الحشفة أو أكثر واما في المحل فلان المحل الذى هو موضع الختان قبل المرأة وكما يجب الغسل بالايلاج فيه يجب الغسل بالايلاج في غيره كالاتيان في غير المأتي وهو الدبر يجب الغسل به على الفاعل والمفعول وكذا فرج البهيمة خلافا لابي حنيفة لنا انه جماع في الفرج فاشبه فرج الادمى بل ايجاب الغسل ههنا أولى لانه أحق بالتغليظ ولا فرق بين اليلاج
في فرج الميت والايلاج في فرج الحي وخالف أبو حنيفة في فرج الميت وكذا قال في الصغيرة التى لا]

(2/117)


[تشتهي: لنا انه التقى الختانان فيجب الغسل ثم كما يجب الغسل بالايلاج في فرج الميت والبهيمة يجب علي من غاب في فرجه فرجهما ولا يجب اعادة غسل الميت بسبب الايلاج فيه على أظهر الوجهين وإذا عرفت ما ذكرنا فانظر في لفظ الكتاب واعلم انه انما عقب قوله بالتقاء الختانين بقوله أو ايلاج قدر الحشفة في أي فرج كان لما بينا ان التقاء الختانين غير معنى بعينه والايلاج في كل فرج في معناه ولو اقتصر على قوله والجنابة وحصولها بايلاج قدر الحشفة في أي فرج كان حصل الغرض ودخل فيه التقاء الختانين الا ان التقاء الختانين هو الاصل الذى ورد فيه الخبر فقدمه ثم بين ان كل جماع في معناه وفى قوله قدر الحشفة اشارة الي ما سبق ان المرعى مقدار الحشفة لا عينها: وليكن معلما بالواو للخلاف الذى حكيناه ثم قوله أو ايلاج قدر الحشفة يتناول ظاهره ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج وكذلك التقاء الختانين لان المراد منه التحاذى فهل هو كذلك أم لا تحصل الجنابة حينئذ فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه تحصل الجنابة لما سبق من حديث عائشة رضى الله عنها وروى

(2/118)


[انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان وجب الغسل) والالتقاء ينظم هذه الصورة ولا يخلو عن قضاء شهوة أيضا: والثانى لا يحصل لان اللذة انما تكمل عند ارتفاع الحجاب: والثالث أنه ان كان الخرقة لينة حصلت الجنابة والا فلا لان اللينة لا تمنع حصول اللذة بخلاف الخشنة والخشنة هي التى تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر واللينة مالا تمنع وكل هذا فيما إذا جرى الايلاج وهما واضحا الحل أما إذا كان مشكلين]

(2/119)


[وأولج أحدهما في فرج الآخر فلا جنابة ولا حدث لجواز كونهما امرأتين أو رجلين وكذا لو أولج كل واحد منهما في فرج الآخر وان أولج كل واحد منهما في دبر الآخر فلا جنابة أيضا لجواز كونهما امرأتين ولكن بالنزع يحدثان لان خروج الخارج من السبيلين ينقض الوضوء وان
أولج أحدهما في دبر الآخر انتقض وضوء المولج في دبره لهذا المعنى وان أولج أحدهما في فرج الآخر وأولج الآخر في دبر الاول فلا جنابة أيضا لاحتمال كونهما امرأتين لكنهما على هذا]

(2/120)


[التقدير يحدثان بالنزع لخروج الخارج من قبل أحدهما ودبر الثاني وعلي غير هذا التقدير هما جنبان فيحكم بثبوت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في الفاعل وحده فلا جنابة أيضا سواء أولج في فرج بهيمة أو امرأة لجواز كونه امرأة وينتقض وضوء المرأة بالنزع وان أولج في دبر رجل فلا جنابة أيضا لكن يحدثان لان بتقدير الذكورة هما جنبان وبتقدير الانوثة قد لمس الخنثى وخرج من دبر الرجل شئ وهما من نواقض الوضوء فيثبت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في المفعول وحده فالايلاج في دبره كهو في دبر غيره والايلاج في فرجه لا يوجب جنابة ولا حدثا لجواز كونه رجلا ولو أولج رجل في فرج مشكل والمشكل في فرج امرأة فالمشكل جنب لانه جامع أو جومع والرجل والمرأة]

(2/121)


[لا يجنبان لكن ينتقض وضوء المرأة بالنزع: الطريق الثاني للجنابة خروج المني فهو موجب للغسل للاجماع ولقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولافرق بين ان يخرج منه من الطريق المعتاد أو من غيره مثل ان يخرج من ثقبة في الصلب أو في الخصية كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو ظاهر ما ذكره في الكتاب وقال في التتمة حكمه في الجنابة حكم النجاسة المعتادة إذا خرجت من منفذ غير السبيلين فيعود فيه التفصيل والخلاف المذكور ثم ويجوز ان يكون الصلب ههنا بمثابة المعدة ثم فقد قيل يخرج المنى من الصلب ثم للمني خواص ثلاث: أحداها الرائحة الشبيهة برائحة العجين والطلع مادام رطبا فإذا جف اشتبهت رائحته برائحة بياض البيض: والثانية التدفق بدفعات]

(2/122)


[قال الله تعالى (من ماء دافق) : والثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة وله صفات أخر نحو الثخانة واليباض في منى الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة في حال اعتدال الطبع لكن هذه الصفات ليست من خواصه بل الودي أيضا أبيض ثخين كمنى الرجل والمذي رقيق
كمنى المرأة وإذا عرفت ذلك فنقول ما ليس من خواصه لا ينفى عدمه كونه منيا ولا يقتضى وجوده كونه منيا ويوضح الطرفين بالمثال: أما الاول فلو زالت الثخانة والبياض لمرض وجب الغسل عند وجود شئ من خواصه ولو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل أيضا اعتمادا على الصفات الخاصة به: وحكي وجه انه لا يجب الغسل ههنا لان المنى دم في الاصل فإذا خرج على]

(2/123)


[لون الدم لم يقتض غسلا كسائر الدماء: واما الثاني فلو تنبه ولم ير الا الثخانة والبياض فلا غسل عليه لان الودي يشارك المنى في هاتين الصفتين فيحتمل ان يكون الخارج وديا فلا يجب الغسل بالشك بل يتخير بين ان يتوضأ ويغسل المحل الذى أصابه ذلك الخارج وبين ان يغتسل ولا يغسله على ما ذكرناه في فصل الترتيب هذا ظاهر المذهب: وقد حكينا وجها انه يلزمه الغسل فلذلك أعلم قوله في الكتاب فلا يلزمه الغسل بالواو فان قلنا بظاهر المذهب وغلب على الظن أنه مني لان الودى لا يليق بحال صاحب الواقعة أو لتذكر وقاع تخيله: قال امام الحرمين يجوز ان يقال يستصحب يقين الطهارة ويجوز ان يحمل الامر على غالب الظن تخريجا على غلبة الظن في النجاسة]

(2/124)


[والاحتمال الاول أوفق لكلام المعظم هذا حكم غير الخواص واما الخواص فلا يشترط اجتماعها بل الخاصة الواحدة كافية في معرفة الخارج منى فلو خرج بغير دفق وشهوة لمرض أو لحمل شئ ثقيل وجب الغسل خلافا لابي حنيفة وكذلك لمالك وأحمد رحمهما الله فيما حكاه أصحابنا: لنا ان الخارج مني لوجود خاصية الرائحة فيه فيوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولو اغتسل عن الانزال ثم خرجت منه بقية وجب اغسل لوجود الرائحة سواء خرجت بعد ما بال أو قبله خلافا لمالك حيث قال في احدى الروايتين لا غسل عليه في الحالتين وفى رواية ان خرج قبل البول فهو من بقية المني الاول فلا يجب الغسل ثانيا وان خرج بعده فهو منى جديد

(2/125)


[فيلزمه الغسل وخلافا لاحمد حيث قال ان خرج قبل البول وجب الغسل ثانيا وان خرج بعده
فلا: وحكي عن أبي حنيفة مثله وجعل ذلك بناء على المسألة الاولى وهى اعتبار الدفق والشهوة لان ما خرج قبل البول بقية ما خرج لشهوة وما خرج بعد البول خرج بغير شهوة لنا ما سبق وقياس احدى الحالتين على الاخرى وقول من قال الخارج بعد البول منى جديد ممنوع بل هو بقية الاول بكل حال والله أعلم * ولا فرق في خروج المنى بين الرجال والنساء في حكم الغسل: روى ان أم سليم جاءت]

(2/126)


[الي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت ان الله لا يستحي من الحق هل على المراة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء) وقوله في الاصل والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها لزمها الغسل يشعر بان طريق معرفة المنى في حقها الشهوة والتلذذ لاغير: وقد صرح به في الوسيط فقال ولا يعرف في حقها الا من الشهوة وكذلك ذكره إمام الحرمين لكن ما ذكره الاكثرون]

(2/127)


[تصريحا وتعريضا التسوية بين منى الرجل والمرأة في طرد الخواص الثلاث وقد قال في التهذيب ان مني المرأة إذا خرج بشهوة أو بغير شهوة وجب الغسل كمني الرجل فإذا وجب الغسل مع انتفاء الشهوة كان الاعتماد على سائر الخواص ولو اغتسلت المرأة من الجماع ثم خرج منها المنى لزمها الغسل بشرطين: أحدهما ان تكون ذات شهوة دون الصغيرة التى لا شهوة لها: والثاني أن تقضى شهوتها]

(2/128)


[بذلك الجماع لا كالنائمة والمكرهة وانما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين لانه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه فإذا خرج منها ذلك المختلط فقد خرج منها منيها: أما في الصغيرة والمكرهة والنائمة إذا خرج المني بعد الغسل لم يلزم اعادة الغسل لان الخارج منى الرجل وخروج منى الغير من الانسان لا يقتضى جنابته وصورة المسألة في الكتاب وان كانت مطلقة لكن في]

(2/129)


[قوله فانه لا ينفك عن مائها ما يبين اشتراط ما ذكرنا: ويحكي وجه آخر انه لا يشترط اعادة الغسل
بحال لانه لا يتيقن خروج منيها: نعم الاحتياط الاعادة: هذا تمام الكلام في طريقي الجنابة ولفظ الكتاب ظاهر في الحصر فيهما وهو الصحيح وزاد بعض الاصحاب طريقا آخر للجنابة وهو استدخال المني قالوا إذا استدخلت المرأة منيا لزمها الغسل كما يجب به العدة إذا كان الماء محترما: وينسب هذا إلى أبي زيد المروزى وعلى هذا لا يفترق الحال بين القبل والدبر والمذهب الاول لان الاستدخال غير متناول بالنصوص الواردة في الباب ولا هو في معني المنصوص عليه (خاتمة) قوله في أول الباب وموجبه الحيض والنفاس إلى آخره يقتضي حصر موجبات الغسل في الاربعة المذكورة لكن القاء المضغة والعلقة موجب على الصحيح كما سبق وهو لا يدخل في لفظ الولادة فيكون خارجا عما ذكره واختلفوا في شيئين آخرين أحدهما غسل الميت قال في القديم يجب به الغسل على الغاسل واليه

(2/130)


[ذهب أحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ) والجديد انه ليس من موجبات الغسل والحديث وان ثبت محمول على الاستحباب: والثاني زوال العقل بالجنون والاغماء: حكي بعضهم عن أبي هريرة ان زواله بالجنون يوجب الغسل: وروى آخرون وجهين في الجنون والاغماء جميعا: ووجه وجوبه ان زوال العقل يفضي إلى الانزال غالبا فاقيم مقامه كالنوم اقيم مقام خروج الخارج والمذهب المشهور أنه لا يجب به الغسل ويستصحب يقين الطهارة إلى ان يستيقن انزال: والقول بان الغالب منه الانزال ممنوع] *

(2/131)


قال [ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريم قراءة القرآن والمكث في المسجد (ز) اما العبور فلا (م ح) ثم لا فرق في القراءة بين آية (م) أو بعضها (ح) الا أن يقول بسم الله والحمد لله على قصد الذكر ولا بحل لحائض القراءة بحاجة التعليم (م) وخوف النسيان على الاصح]

(2/132)


[لما فرغ من بيان موجب الجنابة ذكر حكمها: وأما حكم الحيض والنفاس فيأتي في بابهما ولا يفرض في الموت مثل هذه الاحكام فيقول كل ما يحرم بالحدث الاصغر يحرم بالجنابة بطريق الاولى لانها
اغلظ ويزداد تحريم شيئين: أحدهما قراءة القرآن فيحرم على الجنب ان يقرأ شيئا من القرآن]

(2/133)


[قاصدا به القرآن سواء كان آية أو بعض آية خلافا لمالك حيث جوز قراءة الآيات اليسيرة للجنب ولابي حنيفة حيث جوز له قراءة بعض الآية وبه قال أحمد في أصح الروايتين: لنا ما]

(2/134)


[روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لايقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) وعن

(2/139)


[على رضي الله عنه قال: لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شئ سوى الجنابة: ويروى يحجز: ولا يستثنى عندنا شئ من الصور الا إذا لم يجد الجنب ماء ولا تربا وصلى على حسب الحال ففي جواز قراءة الفاتحة له وجهان: أحدهما يجوز والترخيص في الصلاة ترخيص في قراءة الفاتحة إذ لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فعلى هذا الوجة تستثنى هذه الصورة: والثاني وهو الاظهر أنه لا يجوز قراءتها كقراءة غيرها ويأتي بالذكر والتسبيح بدلا كالعاجز عن القراءة حقيقة أما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن فيجوز كما لو قال بسم الله علي قصد التبرك والابتداء أو الحمد الله في خاتمة الامر أو قال سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين علي قصد اقامة سنة الركوب لانه إذا

(2/142)


[لم يقصد القرآن لم يكن فيه اخلال بالتعظيم ولو جرى علي لسانه ولم يقصد هذا ولا ذاك فلا يحرم أيضا وكما تحرم القراءة على الجنب تحرم على الحائض لما سبق من الخبر ولان حدثها اغلظ فيكون الحكم بالتحريم أولي وعن مالك انه يجوز لها قراءة القرآن ورواه أبو ثور عن أبي عبد الله فمن الاصحاب من قال أراد به مالكا ونفي ان يكون الجواز قولا للشافعي ومنهم من قال أراد الشافعي رضى الله عنه وهو قول له في القديم وهذا ما ذكره في الكتاب فقال ولا يحل للحائض القراءة لحاجة التعليم وخوف النسيان علي الاصح أي من القولين وهذه الطريقة أظهر لان الشيخ أبا محمد قال وجدت أبا ثور جمع بينهما في بعض المواضع فقال قال أبو عبد الله ومالك فثبت نقل

(2/143)


[قول الجواز وتوجيهه ما أشار إليه وهو انها قد تكون معلمة فلو منعناها عن القراءة والحيض مما يعرض في كل شهر غالبا لانقطعت عن حرفتها ولان ترك القراءة يؤدى إلى النسيان لامتداد زمان الحيض بخلاف الجنابة فانه يمكن ازالتها في الحال وهذا القول يجرى في النفساء أيضا: الثاني المكث]

(2/144)


[في المسجد وهو حرام علي الجنب: روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) ولا يحرم العبور قال الله تعالى (ولا جنبا إلا عابرى سبيل) والمعنى الفارق بين المكث والعبور في المسجد لا قربة فيه وفى المكث قربة الاعتكاف فمنع منه الجنب ثم قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لاغلاق الباب أو]

(2/146)


[الخوف من العسس أو غيره علي النفس أو المال وليتيمم في هذه الحالة تطهير أو تخفيفا للحدث بقدر الامكان وهذا إذا وجد ترابا غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه لكن لو تيمم به صح والعبور وان لم يكن حراما فهو مكروه إلا لغرض كما إذا كان المسجد طريقه إلى مقصده أو كان أقرب الطريقين إليه ولا فرق في الجواز بين ان يكون له سبيل آخر إلى مقصده وبين ان لا يكون وفى وجه انما يجوز إذا لم يجد طريقا]

(2/147)


[سواه وليس له ان يتردد في اكناف المسجد فان التردد في غير جهة الخروج كالمكث وليكن قوله والمكث في المسجد معلما بالالف لان عند أحمد يجوز للجنب المكث إذا توضأ وبالزاء لان عند المزني في الرواية المشهورة يجوز له المكث مطلقا: وقوله اما العبور فلا معلما بالحاء والميم لان عندهما لا يجوز له العبور أيضا الا ان يحتلم في المسجد فله ان يعبر في الخروج ولا يكلف قصد]

(2/148)


[الباب الاقرب * قال [وفضل ماء الجنب والحائض طهور ولا بأس للجنب ان يجامع ويأكل ويشرب ولكن
يستحب له ان يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع] * في الفصل مسألتان: أحداهما فضل ماء الجنب والحائض طهور ولا كراهية في استعماله وقال أحمد لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل ما استعملته المرأة إذا خلت بالماء واستعملت بعضه: لنا ماروى]

(2/149)


[عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت اغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من اناء واحد تختلف أيدينا فيه قال إمام الحرمين: لو فسر فضل الحائض والجنب بما لم يمساه من الماء فلا يتخيل امتناع استعماله والذى يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض]

(2/150)


[على وجه لا يصير الماء به مستعملا ولهذا استدل الشافعي رضي الله عنه في الباب باخبار تدل على طهارة بدنهما: الثانية يجوز للجنب ان يجامع ثانيا وان ينام ويأكل ويشرب لكن يستحب ان لا يفعل شيئا من ذلك الا بعد غسل الفرج والوضوء كما يؤتي به للصلاة: عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يأكل أو ينام وهو جنب توضأ للصلاة وروى]

(2/151)


[عن عائشة كان إذا اراد ان ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل ان ينام وللبخاري عن عروة عنها إذا اراد ان ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ورواه النسائي بلفظه إلى قوله توضأ وهو أيضا من رواية الاسود: وروى ابن ابى خيثمة عن القطان قال ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد ان ياكل: (قلت) قد اخرجه مسلم من طريقه فلعله تركه بعد أن كان يحدث به لتفرده بذكر الاكل كما حكاه الخلال عن احمد: (وقد روى) الوضوء عند الاكل للجنب من حديث جابر عند ابن ماجه وابن خزيمة ومن حديث ام سلمة وابى هريرة]

(2/152)


[انه قال إذا (اتى أحدكم أهله ثم بدا له ان يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا) والمقصود منه التنظيف ودفع الاذي واعلم ان كلامه في الكتاب يشعر بتخصيص الوضوء وغسل الفرج بالجماع أو تخصيص
غسل الفرج به واستحباب الوضوء بغير الجماع لانه قال لا بأس للجنب أن يجامع وياكل ويشرب لكن يستحب له أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع فان كان قوله عند الجماع راجعا

(2/158)


[إلى جميع ماء صفه بالاستحباب فهو تخصيص للوضوء وغسل الفرج معا بالجماع والا فهو راجع إلى غسل الفرج المذكور أخيرا وفيه تخصيص لغسل الفرج بالجماع لكن ليسا ولا واحد منهما مما يختص استحبابه بالجماع بل هما مستحبان في الاكل والشرب والنوم أيضا كذلك ذكره في التهذيب وغيره]

(2/159)


[وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه قال يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال (نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد) ويروى انه قال اغسل ذكرك وتوضأ ثم نم *]

(2/160)


[قال [واما كيفية الغسل فاقله النية واستيعاب البدن بالغسل ولا يجب المضمضة والاستنشاق (ح) ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور وان كثفت ويجب (م) نقض الضفائر ان كان لا يصل الماء إلى باطنها] * [لما فرغ من الكلام في موجبات الجنابة وأحكامها تكلم في كيفية الغسل والقول في كيفيتة]

(2/161)


[يتعلق بالاقل والاكمل: اما الاقل فهو شيئان أحدهما النية فهى واجبة عندنا خلافا لابي حنيفة كما في الوضوء وقد ذكرنا مسائل النية في الوضوء ونظائرها في الغسل تقاس بها فلا يجوز أن تتأخر النية عن أول الغسل المفروض كما لا يجوز ان تتأخر في الوضوء عن أول غسل الوجه وان حدثت مقارنة لاول الغسل المفروض صح الغسل لكنه لا ينال ثواب ما قبله من السنن على ما سيأتي بيانها: وان تقدمت على أول غسل مفروض وعزبت قبله فوجهان كما سبق في الوضوء ثم ان نوى رفع الجنابة أو رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل وان نوى رفع الحدث مطلقا ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله أيضا على أظهر الوجهين لان الحدث عبارة عن المانع

(2/162)


[عن الصلاة وغيرها على أي وجه فرض: ولو نوى رفع الحدث الاصغر فان تعمد لم يصح غسله علي أظهر الوجهين وان غلط فظن ان حدثه الاصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء وفى أعضاء الوضوء وجهان أحدهما لا ترتفع عنها أيضا لان الجنابة أغلظ ولم يقصد رفعها وأظهرهما انها ترتفع عن الوجه واليدين والرجلين لان غسل هذه الاعضاء واجب في الحدثين فإذا غسلها بنية غسل واجب كفى ولا يرتفع عن الرأس في أصح الوجهين لان فرض الرأس في الوضوء المسح فالذي نواه انما هو المسح والمسح لا يغني عن الغسل اما إذا نوى المغتسل استباحة فعل نظر ان كان مما يتوقف على الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن فالحكم على ما سبق في الوضوء ومن هذا القبيل ما إذا نوت

(2/163)


الحائض استباحة الوطئ في أصح الوجهين: والثاني ان غسلها بهذه النية لا يصح للصلاة وما في معناها كغسل الذمية عن الحيض لتحل للزوج: وان لم يتوقف الفعل المنوي على الغسل نظر ان لم يستحب له الغسل لم تصح نيته استباحته: وان كان يستحب له الغسل كالعبور في المسجد والاذان وغسل الجمعة والعيد فالحكم على ما ذكرنا في الوضوء وان نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل

(2/164)


[صح غسله: الثاني استيعاب جميع البدن بالغسل قال صلى الله عليه وسلم (تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة) ومن جملة البشرة ما يظهر من صماخي الاذنين وما يبدوا من الشقوق وكذا ما تحت القلفة من الاقلف وما ظهر من انف المجدوع في أظهر الوجهين وكذلك ما ظهر من الثيب بالافتضاض قدر ما يبدو عند العقود لقضاء الحاجة دون ما وراء ذلك في اظهر الوجوه لانه صار ذلك في حكم الظاهر كالشقوق: والثاني انه لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين كما لا]

(2/165)


[يجب غسل باطن الفم والانف: والثالث يجب عليها غسل باطن الفرج في غسل الحيض والنفاس خاصة لازالة دمهما ولا يدخل فيها باطن الانف والفم فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل عندنا خلافا لابي حنيفة
وذكر امام الحرمين ان في بعض تعاليق شيخه حكاية وجه موافق لمذهب ابي حنيفة: لنا انهما لا يجبان في غسل الميت ولو وجبا في غسل الحي لوجبا في غسل الميت وايضا فلو وجب غسل باطن الفم والانف في الغسل لكانا من الوجه ولو كانا من الوجه لوجب غسلهما في الوضوء: واما الشعور فيجب ايصال الماء إلى منابتها خفت]

(2/166)


[أو كثفت بخلاف الوضوء لانه يتكرر في اليوم والليلة مرارا فلو كلف ايصال الماء فيه إلى المنابت لعظمت المشقة ويجب نقض الضفائر ان كان لا يصل الماء إلى باطنها الا بالنقض: إما لاحكام]

(2/167)


الشد أو للتلبد أو لغيرهما فان وصل الماء إليها بدون النقض فلا حاجة إليه: وعن مالك انه لا يجب نقض الضفائر ولا ايصال الماء الي باطن الشعور الكثيفة وما تحتها: وعن أبي حنيفة انه إذا بلغ الماء أصول الشعر فليس على المرأة نقض الضفائر: وعن أحمد ان الحائض تنقض شعرها دون الجنب: لنا الخبر الذى قدمناه ويستثنى من الشعور ما ينبت في العين فان ادخال الماء في العين لا يجب وكذلك باطن]

(2/168)


[العقد التى تقع على الشعرات يسامح به وحكي القاضى الروياني وجها آخر انه يلزم قطعها قال [والاكمل ان يغسل ما على بدنه من أذى أولا ثم يتوضأ للصلاة وان لم يكن محدثا ويؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل في أحد القولين ثم يتعهد معاطف بدنه ثم يفيض الماء على رأسه ثم يكرر ثلاثا ثم يدلك وان كانت حائضا تستعل فرصة من مسك أوما يقوم مقامها وماء الغسل والوضوء غير مقدر (ح) وقد يرفق بالقليل فيكفى ويخرق بالكثير فلا يكفي والرفق أولى وأحب] *

(2/169)


[كمال الغسل يجب بأمور ذكر منها ثمانية: أحدها ان يغسل ما علي بدنه من أذى أولا: ان اعترض معترض فقال الاذى المذكور اما ان يكون المراد منه الشئ القذر أو النجاسة وكيف يجوز الاول وقد فسر الشارحون قول الشافعي رضى الله عنه ثم يغسل ما به من أذى بموضع الاستنجاء
إذا كان قد استنجي بالحجر وهذا تفسير له بالنجاسة وكذلك فسروا لفظ الاذى في الخبر وان كان الثاني فكيف عطف النجاسة على الاذى في الوسيط والعطف يقتضى المغايرة ثم من علي بدنه نجاسة لابد له من ازالة النجاسة أولا ليعتد بغسله ووضوئه وإذا كان كذلك كان غسل الموضع عن]

(2/170)


[النجاسة من الواجبات لا من صفات الكمال (الجواب) قلنا من علي بدنه نجاسة لو اقتصر علي الاغتسال والوضوء وزالت تلك النجاسة طهر المحل وهل يرتفع الحدث وجهان حكاهما في المعتمد وغيره: فان قلنا بارتفاع الحدث أمكن عد ازالة النجاسة من جملة صفات الكمال ولعل من عده منها]

(2/171)


[صار إلى ذلك الوجه: وان قلنا لا يرتفع الحدث وهو الظاهر من المذهب فالاذى المعدود ازالته من جملة صفات الكمال انما هو الشئ المستقذر: واعلم انا إذا جرينا علي ظاهر المذهب وهو انه لا يرتفع الحدث إذا كان علي بدنه نجاسة حتى يغسل النجاسة أولا ثم يغسل الموضع عن الحدث فكما لا يصح عد ازالة النجاسة من كمال الغسل لا يصح عدها من أركانه أيضا خلافا لكثير من أصحابنا حيث قالوا واجبات الغسل ثلاثة: غسل النجاسة ان كانت علي البدن والنية وايصال الماء الي الشعر والبشرة لنا انه لو كان من واجبات نفس الغسل لكان الترتيب معتبرا في أركان الغسل لاشتراط تقديم ازالة النجاسة وقد اتفقوا على انه لا ترتيب في الغسل ولان الامر في الوضوء والغسل واحد ولم يعده]

(2/172)


[أحد من أركان الوضوء فإذا تقديم ازالة النجاسة شرط فيهما وشرط الشئ لا يعد من نفس ذلك الشئ كالطهارة وستر العورة لا يعدان من أفعال الصلاة وأركانها: واما من جمع بين الاذى والنجاسة وعد ازالتهما من كمال الغسل لم ينتظم ما فعله في النجاسة الا علي قولنا ان الغسلة الواحدة كافية عن الخبث والحدث جميعا ولم يتفق المفسرون لكلام الشافعي رضى الله عنه]

(2/173)


[على ان المراد من الاذى النجاسة بل اختلفوا منهم من فسره بها ومنهم من فسره بالمنى ونحوه مما
يستقذر: حكي هذا الخلاف القاضى أبو القاسم بن كج وغيره ولعل ذلك بحسب الاختلاف في المسألة المذكورة والله اعلم: الثاني ان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة: روت عائشة رضى الله عنها انه صلى]

(2/174)


[الله عليه وسلم كان إذا غتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها اصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله: واعلم ان قوله في الاصل ويتوضأ وضوءه للصلاة وان لم يكن محدثا يشعر بالطراد الاستحباب فيما إذا كان يغتسل عن الجنابة المجردة وفيما إذا]

(2/175)


[انضم الحدث إلى الجنابة وانما يتضح ذلك بتصوير الجنابة المجردة أولا فنقول من صور ذلك: اتيان الغلام والبهيمة يوجب الجنابة دون الحدث لفقد أسبابه الاربعة ومنها ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج في فرج امرأة تحصل الجنابة علي قولنا ان الخرقة الحائلة لا تمنع حصول الجنابة وقد قدمنا الخلاف فيه ولا يحصل الحدث لان اللمس انما يوجب الحدث إذا لم يكن بين البشرتين حائل ومنها إذا انزل بفكر]

(2/176)


[ونظر أو احتلم قاعدا ممكنا مقعده من الارض تحصل الجنابة دون الحدث علي ما سبق في باب الاحداث وألحق المسعودي بهذه الصور الجماع مطلقا وقال انه يوجب الجنابة لا غير واللمس الذى يتضمنه يصير مغمورا به كما ان خروج الخارج الذى يتضمنه الانزال يصير مغمورا به واستشهد على ما ذكره بان من جامع في الحج يلزمه بدنة وان كان متضمنا للمس ومجرد اللمس يوجب شاة وعند الاكثرين بالجماع يحصل الحدثان جميعا ولا يندفع اثر اللمس الذى يتضمنه الجماع بخلاف اندفاع اثر خروج الخارج الذى يتضمنه الانزال لان اللمس يسبق حصول حقيقة

(2/177)


[الجماع فيجب ترتيب حكمه عليه وإذا تم حقيقة الجماع وجب حصول الجنابة ايضا: وفى الانزال لا يسبق خروج الخارج الانزال بل إذا نزل حصل خروج الخارج وخروج المنى وموجب خروج المنى أعظم الحدثين فيدفع حلوله حلول الاصغر معه كما سبق: وأما مسألة المحرم فممنوع على وجه
وعلى التسليم ففى الفدية معنى الزجر والمؤاخذة وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد: الا يرى ان مقدمات الزنا لو تجردت أوجبت التعزير وإذا أفضت إلى الزنا لم يجب التعزير مع الحد: واما ههنا فالحكم منوط بصورة اللمس ولهذا لا يفرق فيه بين العمد والنسيان: وإذا عرفت ذلك فنقول]

(2/178)


[ان تجردت الجنابة فالوضوء محبوب في الغسل عنها وان اجتمع الحدث والجنابة فقد حكينا في باب صفة الوضوء الخلاف في انه هل يكفيه الغسل أم يجب معه الوضوء فان اكتفينا بالغسل فالوضوء فيه محبوب كما لو كان يغتسل عن مجرد الجنابة وعلى هذا ينتظم القول باستحباب الوضوء علي الاطراد اما إذا أوجبنا معه الوضوء امتنع القول باستحبابه في الغسل ولا صائر إلى أنه يأتي بوضوء مفرد وبوضوء آخر لرعاية كمال الغسل ولا ترتيب علي هذا الوجه بين الوضوء والغسل بل يقدم منهما ما شاء ولابد من إفراد الوضوء بالنية لانها عبادة مستقلة علي هذا بخلاف ما إذا كان من محبوبات

(2/179)


[الغسل فانه لا يحتاج إلى إفراده بنية: ثم الوضوء المحبوب في الغسل هل يتمه في ابتداء الغسل أم يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل: فيه قولان أظهرهما انه يتمه ويقدم غسل الرجلين مع سائر اعضاء الوضوء لما سبق من حديث عائشة فانها قدمت الوضوء على افاضة الماء والوضوء ينتظم غسل الرجلين: وثانيهما انه يؤخره إلى آخر الغسل وبه قال أبو حنيفة لان ميمونة وصفت غسل

(2/180)


[رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض علي سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه) ولا كلام في ان أصل السنة يتأدي بكل واحد من الطريقين انما الكلام في الاولى (الثالث) يتعهد من بدنه الموضع الذي فيه انعطاف والتواء كالاذنين فيأخذ]

(2/181)


[كفا من الماء ويضع الاذن برفق عليه ليصل إلى معاطفه وزواياه ولغضون البطن إذا كان سمينا وكذلك يفعل بمنابت الشعر فيخلل أصول الشعر ومنابته وكل ذلك قبل افاضة الماء على الرأس]

(2/182)


[وانما يفعل ذلك ليكون أبعد عن الاسراف في الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء (الرابع) يفيض الماء على رأسه ثم على الشق الايمن ثم علي الشق الايسر ويروى ذلك في صفة غسل رسول الله صلي الله عليه وسلم (الخامس) يكرر غسل البدن ثلاثا كما في الوضوء بل أولى لان الوضوء مبني]

(2/183)


[على التخفيف فان كان ينغمس في الماء انغمس ثلاث مرات وهل يستحب تجديد الغسل: فيه وجهان أحدهما نعم كالوضوء: وأظهرهما لا لان الترغيب في التجديد انما ورد في الوضوء والغسل ليس في معناه لان موجب الوضوء أغلب وقوعا واحتمال عدم الشعور به أقرب فيكون الاحتياط فيه أتم (السادس) ]

(2/184)


[يدلك ما وصل إليه يده من بدنه يتبع به الماء والفائدة ما ذكرنا في التعبد: وقال مالك يجب الدلك لنا قوله صلى الله عليه وسلم (أما انا فاحثي علي رأسي ثلاث حثيات من الماء فإذا أنا قد طهرت) رتب الطهارة على افاضة الماء ولم يتعرض المدلك (السابع) إذا اغتسلت الحائض تتعهد أثر الدم]

(2/185)


[بمسك أو طيب آخر بان تجعله على قطنة وتدخلها في فرجها: روى عن عائشة ان امرأة جاءت الي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال خذى فرصة من مسك فتطهري]

(2/186)


[بها فلم تعرف ما أراد فاجتذبتها وقلت تتبعي بها آثار الدم: والفرصة القطعة من كل شئ ذكره ثعلب]

(2/187)


[ويروي خذى فرصة ممسكة قال في العربين الفرصة القطعة من الصوف والقطن فالاولى المسك فان لم تجده استعملت طيبا آخر فان لم تجد فطينا لقطع الرائحة الكريهة فان لم تجد كفي الماء والنفساء كالحائض]

(2/188)


[في ذلك (الثامن) ماء الوضوء والغسل غير مقدر: قال الشافعي رضى الله عنه وقد يخرق بالكثير
فلا يكفى ويرفق بالقليل فيكفى والاحب أن لا ينقص ماء الوضوء من مد وماء الغسل من صاع]

(2/189)


[لما روى انه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وروى انه قال (سيأتي أقوام يستقلون هذا فمن رغب في سنتي وتمسك بعث معى في حضيرة القدس) والصاع والمد معتبران

(2/190)


[على التقريب دون التجديد والله أعلم * وحكي بعض مشايخنا عن أبي حنيفة انه يتقدر ماء الغسل بصاع فلا يجوز أقل منه وماء الوضوء بمد وربما حكي ذلك عن محمد بن الحسن لنا ان ثبتت الرواية

(2/191)


[عنهما ما روى انه صلي الله عليه وسلم توضأ بنصف مد وروى أيضا انه عليه الصلاة والسلام توضأ بثلث مد ونختم الباب بكلامين (أحدهما) انه ادخل كلمة ثم في معظم هذه الآداب وهى على حقيقتها في الترتيب الا في قوله ثم يدلك بعد قوله ثم يكرر ثلاثا فان الدلك لا يكون متأخرا عن التكرار ثلاثا بل الدلك في كل غسلة معها (الثاني) ان كمال الغسل لا ينحصر فيما ذكره بل له مندوبات أخر منها ما بيناه في فصل سنن الوضوء ومنها أن يستصحب النية إلى آخر الغسل ومنها أن لا يغتسل في الماء الراكد ومنها أن يقول في آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله]

(2/192)


[قال * (كتاب التيمم) * (وفيه ثلاثة أبواب) [الباب الاول فيما يبيح التيمم وهو العجز عن استعمال الماء وللعجز أسباب سبعة: الاول فقدان الماء وللمسافر أربعة أحوال الاولى أن يتحقق عدم الماء حواليه فيتيمم من غير طلب (و) ]

(2/193)


[لابد من النظر في انه متى يتيمم وكيف يتيمم ولم يتيمم فجعل (الباب الاول) فيما يبيح التيمم فحينئذ يتيمم
والثاني في كيفيته: والثالث في حكمه ليعرف ما يستفاد به ومالا يستفاد فانه انما يتيمم لفائدته: الباب الاول في المبيح وهو شئ واحد وهو العجز عن استعمال الماء والمراد منه أن يتعذر استعمال الماء عليه أو ينغمس للحوق ضرر ظاهر وأسباب العجز فيما ذكره سبعة (أحدها) فقد الماء قال الله تعالى (فلم تجدوا الماء فتيمموا) وللمسافر أربع احوال لانه اما أن يتيقن وجود الماء حواليه أو لا يتيقنه فان لم يتيقنه فاما أن يتيقن عدمه وهو الحالة الاولى أو لا يتيقن عدمه أيضا بل يتردد وهو

(2/194)


[الثانية وان تيقنه فاما ان لا يزحمه غيره على الاخذ والاستيفاء وهو الحالة الثالثة أو يزحمه غيره عليه وهو الرابعة: الحالة الاولى أن يتحقق عدم الماء حواليه مثل أن يكون في بعض رمال البوادى فيتيمم وهل يفتقر إلى تقديم الطلب عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الله تعالى قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وانما يقال لم يجد إذا فقد بعد الطلب وأظهرهما وهو الذى ذكره في الكتاب انه لا حاجة الي الطلب لان الطلب مع يقين العدم عبث: وأما ذكر الاول في الاستدلال بالآية ممنوع]

(2/195)


قال [الثانية: أن يتوهم وجود الماء حواليه فليتردد (ح) الرجل الي حد يلحقه غوث الرفاق فلو دخل عليه وقت صلاة أخرى ففى وجوب اعادة الطلب وجهان] إذا لم يتيقن عدم الماء حواليه بل جوز وجوده تجويزا قريبا أو بعيدا وجب تقديم الطلب على التيمم لان التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع امكان الطهارة بالماء: ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت فحينئذ تحصل الضرورة: وهل يجب أن يطلب بنفسه أم يجوز أن ينيب غيره فيه وجهان: أظهرهما أنه يجوز الانابة حتى لو بعث النازلون واحدا ليطلب الماء أجزأ طلبه عن الكل ولا خلاف أنه لا يسقط بطلبه الطلب عمن لم يأمره ولم يأذن له فيه: وكيفية الطلب ان يبحث

(2/196)


[عن رحله ان كان وحده ثم ينظر يمينا وشمالا وخلفا وقداما إذا كان في مستو من الارض ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطيور بمزيد الاحتياط وان لم يكن الموضع مستويا واحتاج إلى التردد
نظر * فان كان يخاف على نفسه وماله فلا يجب ذلك لان الخوف يبيح له الاعراض عند تيقن الماء فعند التوهم أولى وان لم يخف: وهذه الحالة هي المحكوم فيها بقوله في الكتاب فعليه أن يتردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق وهذا الضابط مستفاد من امام الحرمين رحمه الله: قال لا نكلفه البعد عن مخيم الرفقة فرسخا أو فرسخين وان كانت الطرق آمنة: ولا نقول لا يفارق طنب الخيام فالوجه القصد أن يتردد ويطلب إلى حيث لو استغاث بالرفقة لاغاثوه مع ماهم عليه من التشاغل بالاشغال والتفاوض]

(2/197)


[في الاقوال وهذا يختلف باستواء الارض واختلافها صعودا وهبوطا وهذا الضبط لا يكفى في كلام غير لكن الائمة من بعده تابعوه عليه وليس في الطرق ما يخالفه: هذا إذا كان وحده فان كان في رفقة وجب البحث عنهم أيضا إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى الا ما يسع لتلك الصلاة وفى وجه إلى ان: يستوعبهم أو لا يبقى من الوقت الا ما يسع ركعة وفى وجه إلى أن يستوعبهم وان خرج وقت الصلاة وإذا عرف أن معهم ماء فهل يجب استيهابه من صاحبه: فيه وجهان: أحدهما لا: لصعوبة السؤال علي أهل المروءة: والثاني وهو الاظهر نعم: لانه ليس في هبة الماء كثير منة وهذان الوجهان يخرجان على ظاهر المذهب في أنه إذا وهب منه الماء وجب عليه قبوله

(2/198)


[وفيه وجه نذكره من بعد: وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يسبق تيمه تيمم آخر وطلب للماء فان اتفق ذلك واحتاج إلى التيمم مرة أخرى اما لبطلان الاول بحدث أو لفريضة أخري فائتة أو مؤداة فهل يفتقر الى اعادة الطلب نظر ان انتقل من ذلك المكان إلى مكان آخر أو اطبقت غمامة أو طلع ركب ومنا أشبه ذلك مما يظن عنده حصول الماء وجب الطلب كما في التيمم الاول نعم كل موضع تيقن بالطلب أنه لا ماء فيه ولم يجوز بالسبب الذي حدث حصوله فيه لم يحتج إلى البحث والطلب في ذلك الموضع على ظاهر المذهب كما سبق: وان لم ينتقل عن ذلك الموضع ولم يحدث شئ يوهم حصول الماء فان تيقن بالطلب الاول أن لا ماء ثم فعلي ما ذكرنا في حالة يقين العدم: وان لم يتيقنه بل غلب على ظنه العدم فوجهان: أحدهما أنه لا يحتاج الي اعادة الطلب لانه لو كان ثم ماء

(2/199)


[لظفر به بالطلب الاول ظاهرا: وأظهرهما أنه يجب الطلب ثانيا لانه قد يطلع على بئر خفيت عليه أو يجد من يدله علي الماء لكن يجعل الطلب الثاني أخف من الاول وإذا عرفت ما ذكرناه وتأملت قوله فان دخل عليه وقت صلاة أخرى ففى وجوب اعادة الطلب وجهان: فينبغي أن لا يخفى عليك منه شيئآن: أحدهما أن هذا الخلاف غير مخصوص بما أذا دخل عليه وقت صلاة آخرى بل مهما احتاج إلى اعادة التيمم اما لهذا السبب أو لان تيممه الاول قد بطل بعروض حدث أو طلوع ركب: جرى الوجهان سواء تخلل بين التيممين زمان أو لم يتخلل: والثاني ان]

(2/200)


[كلامه وان كان مطلقا لكن الشرط في صورة الخلاف أن لا يحدث سبب يوهم حدوث الماء من الانتقال إلى مكان آخر أو طلوع ركب ونحوهما والا وجب اعادة لطلب بلا خلاف وان لا يكون العدم مستيقنا بمقتضى الطلب الاول والا فإذا استيقن العدم ولم يحدث ما يوهم حصول الماء كان اليقين الاول مستمرا ولا معني للطلب مع يقين العدم كما تقدم: ولك أن تعلم قوله فليتردد الرجل بالحاء لامرين أحدهما أن عند أبي حنيفة ليس علي المتيمم طلب الا إذا غلب على ظنه ان بقربه ماء: والثاني أن عنده صلاة العيد وصلاة الجنازة يجوز ان يتيمم لهما إذا خاف الفوت لو اشتغل بالوضوء وان كان الماء موجودا عنده وكلام الكتاب مطلق *]

(2/201)


[قال الثالثة ان يتيقن وجود الماء في حد القرب فيلزمه (ح) ان يسعى إليه وحد القرب إلى حيث يتردد إليه المسافر للرعي والاحتطاب وهو فوق حد الغوث فان انتهى العبد إلى حيث لا يجد الماء في القوت فلا يلزمه وان كان بين الرتبتين فقد نص أنه يلزمه إذا كان علي يمين المنزل أو يساره ونص فيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يلزمه فقيل قولان وقيل بتقرير النصين لان جوانب المنزل منسوبة إليه دون صوب الطريق] * إذا تيقن وجود الماء حواليه فله ثلاث مراتب احداها ان يكون علي مسافة ينتشر إليها
النازلون في الاحتطاب والاحتشاش وتنتهي البهائم إليها في الرعى فيجب السعي إليه والوضوء به]

(2/202)


[لانه إذا كان يسعي لاشغاله إلى هذا الحد فلمهم العبادة أولى وهذا فوق حد الغوث الذى يسعى إليه عند التوهم قال الامام محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فرسخ: (الثانية) أن يكون بعيدا عنه بحيث لو سعى إليه الفاته فرض الوقت فيتيمم ولا يسعى إليه لانه فاقد في الحال ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلا بخلاف مالو كان واجدا للماء وخاف فوات الوقت لو توضأ حيث لا يجوز له التيمم لانه ليس بفاقد على ان صاحب التهذيب حكي في هذه الصورة وجها انه يتيمم ويصلى لحرمة الوقت ثم يتوضأ ويعيد: وقد يقول الناظر أيعتبر كونه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت من حين نزوله في ذلك المنزل أو من أول وقت الصلاة لو كان نازلا فيه فان كان الاول فقد

(2/203)


[يكون الماء في حد القرب ولو سعى إليه لفابه فرض الوقت لنزوله في آخر الوقت فإذا لم نوجب السعي إليه بطل اطلاق قولنا انه إذا كان الماء في حد القرب لزم السعي إليه وان اعتبرنا من أول وقت الصلاة فمواقيت الصلاة مختلفة في الطول والقصر فما الذى يفعل انعتبر الوسط منها كما يفعل في حد القرب فان القدر الذى ينتشر إليه المسافر لحاجة مختلف صيفا وشتاء وتؤثر فيه وعورة المكان وسهولته وما أشبه ذلك والمعتاد في نظائر ذلك الاخذ بالوسط المعتدل أم نعتبر في كل صلاة وقتها فتختلف المسافة التى يحتاج إلى قطعها أم كيف الحال ولو كان يتيمم لفائتة فكيف يقدر فوات وقتها لو سعى إلى الماء أيقال وقتها أول حالة التذكر فيلزم ان لا يسعى الي الماء في حد القرب لانه زمان يسير أو]

(2/204)


[لا يقال هذا ويحنئذ لا يفرض لها وقت آخر يفوت بالسعي الماء ولو كان يتيمم للنوافل وجوزنا ذلك فكيف نعتبر الوقت فيها وهل نجعل مواقيت الفرائض الخمس معيارا للفوائت والنوافل أم لا: والجواب الاشبه بكلام الائمة ان الاعتبار من أول وقت الصلاة لو كان نازلا في ذلك المنزل ولا بأس باختلاف المواقيت والمسافات فان الغرض صيانة وظيفة الوقت عن الفوات وعلى هذا إذا
انتهى الي المنزل في آخر الوقت وكان الماء في حد القرب لزم السعي إليه والوضوء به وان كان يفوته فرض الوقت كما لو كان الماء في رحله وفاته الفرض لو توضأ والاشبه ان نجعل وقت الحاضرة معيارا في الفوائت والنوافل فانها الاصل والمقصد بالتيمم غالبا والله أعلم: الثالثة ان يكون بين الرتبتين]

(2/205)


[وتزيد المسافة علي التي يتردد المسافر إليها لحاجاته ولا ينتهي الي حد خروج الوقت فهل يلزمه السعي إليه أم يجوز له التيمم نص الشافعي على انه إذا كان على يمين المنزل أو يساره يلزمه السعي إليه ولا يجوز له التيمم وفيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يجب السعي إليه وله التيمم فاختلف الاصحاب فيه على طريقتين أحداهما تقرير النصين: والثانية جعل المسئلتين علي قولين نقلا وتخريجا ولنبين أولا معنى قول المذهبيين في المسئلتين قولان بالنقل والتخريج فنقول إذا ورد نصان عن صاحب المذهب مختلفان في صورتين متشابهتين ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقا فالاصحاب يخرجون نصه في كل واحدة من الصورتين في الصورة الاخرى لاشتراكهما في المعني فيحصل في كل واحدة

(2/206)


[من الصورتين قولان منصوص ومخرج: المنصوص في هذه هو المخرج في تلك والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه فيقولون فيهما قولان بالنقل والتخريج أي نقل المنصوص في هذه الصورة إلى تلك وخرج فيها وكذلك بالعكس ويجوز ان يراد بالنقل الرواية ويكون المعني في كل واحدة من الصورتين قول منقول أي مروي عنه وآخر مخرج: ثم الغالب في مثل ذلك عدم اطباق الاصحاب على هذا التصرف بل ينقسمون إلى فريقين منهم من يقول به ومنهم من يأبي ويستخرج فارقا بين الصورتين يستند إليه افتراق النصين وانما ذكرنا هذا الكلام في هذا الموضع لانه]

(2/207)


[أول موضع ذكر فيه المصنف النقل والتخريج وإذا عرف ذلك فنقول أما من قرر النصين فرق بان المسافر قد يتيامن ويتياسر في حوائجه ولا يمضى في صوب مقصده ثم يرجع قهقرى وجوانب المنزل منسوبة إليه دون ما بين يديه: واما من جعل الصورتين على قولين وجه تجويز التيمم بانه
فاقد للماء في الحال والمنع بانه قادر على الوصول الي الماء والتيمم انما يعدل إليه عند الضوررة وهذه الطريقة أظهر من الاولى لان لاصحابها ان يقولوا للاولين المسافر مادام سائر الا يعناد المضي يمينا وشمالا كمالا يرجع قهقرى *]

(2/208)


[وإذا كان في المنزل ينتشر في الجوانب كلها ويعود إلى منزله فالفرق ممنوع وما ذكرناه من الطريقين نقل صاحب الكتاب وامام الحرمين في آخرين: وقال في التهذيب إذا كان الماء على طريقه وهو يتيقن الوصول إليه قبل خروج الوقت وصلى في آخر الوقت بالتيمم جاز وقال في الاملاء لا يجوز بل يؤخر حتى يأتي الماء والاول المذهب وان كان الماء على يمينه أو يساره أو ورائه لم يلزمه اتيانه وان امكن في الوقت لان في زيادة الطريق مشقة عليه كما لو وجد الماء يباع باكثر من ثمن المثل لا يلزمه الشراء: وقيل لا فرق بل متى امكنه ان يأتي الماء في الوقت من غير خوف فلا فرق بين ان يكون على يمينه أو يساره أو أمامه * في جواز التيمم قولان هذا ما رواه وبينه وبين الكلام]

(2/209)


[الاول بعض المباينة توجيها وحكما: أما التوجيه فظاهر واما الحكم فلان هذا الكلام انما يستمر في حق السائر وقضيته نفى الفرق بين الجوانب في حق النازل في المنزل لانه يحتاج إلى الرجوع في المنزل من أي جانب مضي إلى الماء وفى زيادة الطريق مشقة: وأما الكلام الاول فقضيته الفرق بين الجوانب في حق المنازل ايضا الا أن الفرق ممنوع كما تقدم وأيضا فان منقول صاحب الكتاب يقتضى كون السعي إلى ما يكون علي اليمين واليسار أولى بالايجاب وما ذكره في التهذيب يقتضى كون الايجاب فيما على صوب القصد أولي لانه جعل فيه قولين وفيما على اليمين واليسار طريقين وجزم في أحدهما بنفى الوجوب: واعلم أن ظاهر المذهب جواز التيمم وان علم الوصول إلى الماء]

(2/210)


[في آخر الوقت روى أن ابن عمز رضى الله عنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم وصلى العصر فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك فقال أو أحيى حتى أدخلها ثم دخل
المدينة والشمس حية مرتفعة فلم يعد الصلاة وإذا جاز التيمم في حق من يعلم الانتهاء إلى الماء في صوب سفره فأولى أن يجوز للنازل في بعض المراحل إذا كان الماء على يمينه أو يساره لزيادة مشقة السير لو سعى إليه وإذا جاز التيمم للنازل فهو للسائر أجوز وهذا في حق المسافر أما]

(2/211)


[المقيم فذمته مشغولة بالقضاء وان صلى بالتيمم وليس له أن يصلى بالتيمم وان خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء وتوضأ واذ كان ممنوعا من الصلاة بالتيمم مع فوات الوقت فأولى أن يكون ممنوعا عنها في أول الوقت قال [ثم ان تيقن وجور الماء قبل مضى الوقت فالاولى التأخير قولا واحدا فان توقعه بظن غالب فقولان لتقابل نفس فضيلة أول الوقت مع ظن ادراك الوضوء]

(2/212)


[هذا تفريع على جواز التيمم وان أمكن الوصول إلى الماء قبل مضى الوقت وقد ذكرنا الخلاف فيه فان جوزناه وهو المذهب فنقول الاولى ان يؤخر ليصلى بالوضوء أو أن يجعل الصلاة بالتيمم نظر ان تيقن وجود الماء في آخر الوقت فالاولي أن يؤخر ليصلى بالوضوء لان فضيلة الصلاة بالوضوء وان كان في آخر الوقت أبلغ من فضيلة الصلاة بالتيمم في أوله ألا يرى أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت جائز مع القدرة على أدائها في أوله ولا]

(2/213)


[يجوز التيمم مع القدرة على الوضوء هذا ما قطع به الاكثرون وبه قال صاحب الكتاب حيث قال قولا واحدا وحكي في التيمم خلافا في أن الاولى التقديم أو التأخير على ما سنحكي نظيره في الحالة الثانية فلك أن تعلم قوله قولا واحدا بالواو اشارة إلى هذا الخلاف وان لم يتيقن وجود الماء في آخر الوقت ولكن رجاه فقولان أصحهما التعجيل في أول الوقت بالتيمم لانه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن]

(2/214)


[أفضل الاعمال فقال (الصلاة في آول وقتها) ولم يفرق بين أن يكون بالوضوء أو التيمم ولان فضيلة الاولوية ناجزة وهى تفوت بالتأخير يقينا وفضيلة الوضوء غير معلومة الحصول فصيانة الناجز عن يقين الفوات أولى من المحافظة على أمر موهم: والثاني وبه قال أبو حنيفة أن التأخير أفضل
لان الايراد بالظهر وتأخيرها عند شدة الحر مأمور به كي لا يختل معنى الخشوع فالتأخير لادراك الوضوء أولي أن يؤمر به * واحتج في الوسيط للقول الاول بأن تعجيل الصلاة منفردا أفضل]

(2/215)


[من تأخيره لحيازة الجماعة وكذلك فعل امام الحرمين: لكن أبا علي الطبري ذكر في الافصاح أن التأخير لحيازة الجماعة أفضل واحتج به للقول الثاني وتوسط آخرون فجعلوا المسألة على وجهين مبنيين على القولين في المسألة التى نحن فيها ثم لا يخفى أن موضع القولين ما إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم في أول الوقت وبالوضوء في آخره فهو النهاية في أحراز الفضيلة: ولك أن تبحث عن قوله وان توقعه بظن غالب فنقول لم قيده بالظن الغالب ولم يقتصر على مجرد التوقع فاعلم أن التوقع]

(2/216)


[يشمل الظن ومجرد التجويز فلو لم يقل بظن غالب لدخل فيه ما إذا تساوى الطرفان عنده فلم يظن الوجود في آخر الوقت ولا العدم وما أذا ظن العدم وجوز الوجود ولا جريان للقولين في هاتين الحالتين بل الحكم فيهما أو لوية التعجيل لا محالة وموضع القولين ما إذا ترجح عنده الوجود على العدم وان لم يتيقنه فلذلك قال بظن غالب وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا العدم ولا وثوق به وكأن ذلك القائل اراد بالظن اليقين]

(2/217)


[قال [الرابعة أن يكون الماء حاضرا كماء البئر يتنازع عليها الواردون وعلم أن النوبة لا تنتهى إليه الا بعد خروج الوقت فقد نص فيه وفى مثله في الثوب الواحد يتناوب عليه جماعة من العراة أنه يصبر: ونص في السفينة انه يصلي قاعدا إذا ضاق محل القيام ولا يصبر فقيل سببه أن القعود أهون ولذلك جاز في النفل مع القدرة على القيام وقيل قولان بالنقل والتخريج] * إذا زاحمه غيره على الاستقاء كما إذا انتهوا إلى بئر ولم يمكن الاستقاء الا بالمناوبة اما لاتحاد الآلة أو لضيق موضع النازح فان توقع]

(2/218)


[النوبة إليه قبل خروج الوقت لم يتيمم فلعله يجد فرصة للوضوء: وان علم انه لا تنتهى النوبة إليه الا
بعد الوقت فقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يصبر إلى أن يتوضأ ولا يبالى بخروج الوقت: ولو حضر جمع من العراة وليس ثم الاثوب واحد يصلون فيه على التناوب وعلم أن النوبة لا تنتهى إليه الا بعد الوقت نص انه يصبر أيضا ولا يصلى عاريا يفى الوقت ولو اجتمعوا في سفينة أو بيت ضيق وهناك موضع واحد يمكن فيه الصلاة قائما نص انه يصلي في الوقت قاعدا ولا يصبر]

(2/219)


[إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت وهذا يخالف النص في المسألتين الاولين فاختلف الاصحاب على طريقين أظهرهما وبها قال أبو زيد المروزى لا فرق والمسائل كلها على قولين بالنقل والتخريج أظهرهما أنه يصلي في الوقت بالتيمم و؟ ريا وقاعدا لان؟ رمة الوقت لابد من رعايتها والقدرة بعد الوقت لا تأثير لها في صلاة الوقت: والثاني انه يصبر لوجود القدرة على الوضوء واللبس والقيام: (الثانية) تقرير النصين: والفرق أن تقرير أمر القعود أسهل من أمر الوضوء واللبس ولهذا جاز تركه في النفل]

(2/220)


[مع القدرة على القيام بخلاف التيمم وكشف العورة لا يحتمل في النفل كما في الفرض وهذا الفرق حكاه الشيخ أبو محمد عن القفال قال امام الحرمين هذا ضعيف لان القيام ركن في صلاة الفرض فمن أين ينفع حطه في صلاة أخرى: وللفارق أن يقول الواجب في نوعي الفرض والنفل أهم من الواجب في أحدهما فيكون أبعد عن قبول المسامحة وينتظم الفرق: وقال كثيرون من الاصحاب لا نص للشافعي في مسألة البير لكن نص في المسألتين الاخريين على ما سبق فمنهم من نقل وخرج ومنهم من قرر النصين وفرق بوجهين أحدهما ما سبق: والثاني أن للقيام بدلا]

(2/221)


[ينتقل إليه وهو القعود ألا يرى أن قعود المريض كقيام الصحيح وستر العورة لا بدل له فوجب الصبر إلى القدرة عليه وهؤلاء ألحقوا مسألة البير بمسألة السفينة وقالوا لا يصبر لان للوضوء بدلا وهو التيمم: ولك أن تعلم قوله فقد نص فيه وفى مثله في الثوب بالواو لان هؤلاء نفوا أن يكون للشافعي نص في مسألة البير وخالفوا ما رواه: واعلم أن امام الحرمين أجرى الخلاف المذكور في
هذه المسألة فيما إذا ضاق الوقت ولاح للمسافر ولا عائق لكن علم أنه لو اشتعل به لفاتته الصلاة]

(2/222)


[وذكر في الوسيط ذلك أيضا وهو يقتضي اثبات الخلاف في المرتبة الثانية وان لم يذكر ثم قال] فرعان أحدهما لو وجد ماء لا يكفيه لوضوئه يلزمه (ح) استعماله قبل التيمم على أظهر القولين] * إذا وجد الجنب من الماء ما لا يكفيه لغسله أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه ففيه قولان احدهما وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني لا يجب استعماله بل يتيمم كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب اعتاقه عن الكفارة بل يعدل]

(2/223)


[إلى الصوم وأصحهما أنه يجب استعماله ويتيمم للباقي لانه قدر على غسل بعض أعضائه فلا يسقط بالعجز عن الباقي فصار كما إذا كان بعض أعضائه جريحا والبعض صحيحا يجب غسل الصحيح وهذا الثاني قوله الجديد والاول القديم: وذكر الشيخ أبو علي والمسعودي أن له في الجديد قولين أحدهما مثل القديم ورواية المزني في المختصر تدل علي ما قالاه فان فرعنا على القول الثاني وجب استعمال الماء أو لا ليصير فاقدا ولهذا قال في الاصل يلزمه استعماله قبل التيمم ثم ان كان

(2/224)


[محدثا غسل به وجهه ثم يديه على الترتيب إلى أن ينفد وان كان جنبا غسل أي عضو شاء اذلا ترتيب في الغسل والاولى أن يستعمله في أعضاء الوضوء وفى الرأس وانما يجب تقديم استعماله علي التيمم إذا وقع الغسل والتيمم عن طهارة واحدة: أما لو أحدث وأجنب ووجد ما يكفى للوضوء به دون الغسل وقلنا الحدث الاصغر لا يدخل في الاكبر بل يجب الوضوء مع الغسل فانه يتوضأ به ويتيمم عن الجنابة ويتخير في التقديم والتأخير: وان قلنا يدخل الاصغر في الاكبر سقط حكمه وواجبه الغسل فيجب تقديم استعماله علي التيمم على هذا القول وكل ما ذكرناه فيما إذا كان الموجود يصلح للغسل: فأماا؟ اكان الشخص محدثا ولم يجد الا ما يصلح للمسح دون الغسل كثلج وبرد لا يذوب ففيه طريقان أظهرهما أنه يكفيه التيمم ها هنا لانا حيث نوجب استعمال الموجود من

(2/225)


الماء علي المحدث نأمره بتقديمه على التيمم ولا يمكن تقديم مسح الرأس مع بقاء فرض الوجه واليدين عليه: والثاني أنه على القولين فان قلنا يجب استعمال الماء الناقص فقد ذكر أبو العباس الجرجاني من أصحابنا أنه يتيمم علي الوجه واليدين ثم يمسح رأسه ببلل الثلج ثم يتيمم للرجلين وهذا كله إذا وجد ترابا يتيمم به أما إذا وجد المحدث أو الجنب الماء الناقص ولم يجد ما يتيمم به ففيه طريقان أحدهما طرد القولين وأظهرهما أنه يجب استعماله لا محالة لانه لا بدل ينتقل إليه فصار كالعريان يجد ما يستر به بعض عورته يلزمه ستر ما يمكن به بخلاف ما إذا وجد بعض الرقبة ولم يقدر على الصوم والاطعام لا يؤمر بالاعتاق لان الكفارات علي التراخي فقد تطرأ القدرة بعد ذلك فافهم هذه]

(2/226)


[المسائل واعرف موضع القولين اللذين أطلقهما في الكتاب قال [الثاني لو صب الماء في الوقت فتيمم ففى القضاء وجهان وجه وجوبه أنه عصي بصبه بخلاف الصب قبل الوقت وبخلاف ما لم تجاوز نهرا ولم يتوضأ في الوقت] * إذا فوت الماء الذى عنده بالاراقة أو الشرب أو غيرهما واحتاج لذلك الي التيمم فلا خلاف في أنه يتيمم لانه فاقد في الحال وكذلك لو نجسه ثم ننظر ان فعل ذلك قبل دخول الوقت وتيمم في الوقت فلا قضاء عليه سواء فعل ذلك لغرض أو سفها لانه لا فرض عليه ما لم يدخل الوقت وان فعله بعد دخول الوقت فان كان له فيه غرض فكذلك لا قضاء عليه وذلك مثل أن يتبرد به

(2/227)


[أو يشربه لحاجة العطش أو يغسل به ثوبه تنظيفا وكذلك إذا اشتبه عليه الاناء ان واجتهد ولم يغلب على ظنه شئ فاراقهما أو جمع بينهما وتيمم فهو معذور لان فيه غرضا وهو أن لا يكون مصليا بالتيمم وعدنه ماء طاهر بيقين وان فوته لغير غرض وفائدة وتيمم وصلى فهل يجب عليه القضاء: فيه وجهان أظهرهما لا لانه فاقد حين يتيمم فيكفيه البدل كما لو قتل عبده أو أعتقه وكفر بالصوم يجزئه: والثاني نعم لانه عصى بالصب والحالة هذه وسقوط الفرض بالتيمم من قبيل الرخص فلا تناط بالمعاصي بخلاف ما إذا كان الصب قبل الوقت فانه لا يعصى وبخلاف ما إذا كان الصب لغرض فانه معذور ولو اجتاز
بماء في الوقت ولم يتوضأ ثم بعد عنه وصلى بالتيمم فالذي ذكره في الكتاب يشعر بالقطع بانه لاقضاء

(2/228)


[عليه وكذلك أورده صاحب التهذيب وغيره: والفرق أنه لم يصنع شيئا هاهنا وانما امتنع من التحصيل والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل: ورأيت في كلام الشيخ أبي محمد طرد الوجهين في صورة الاجتياز وهو غريب ولو وهب الماء في الوقت من غير حاجة وعطش للمتهب أو باعه من غير حاجة إلى ثمنه ففى صحة البيع والهبة وجهان أشبهما المنع لان البدل حرام عليه فهو غير مقدور علي تسليمه شرعا وثانيهما الجواز لانه مالك نافذ التصرف والمنع لا يرجع الي سبب يختص بالعقل فلا يوثر في فساد العقد فان قلنا بصحة البيع والهبة فحكم قضاء الصلاة على البائع والواهب ما ذكرنا في الصب لانه فوته بازالة الملك عنه: وان قلنا بعدم الصحة فلا يصح تيممه مادام الماء في]

(2/229)


[يد المبتاع أو الموهوب منه وعليه الاسترداد ار قدر فان لم يقدر وتيمم قضى وان تلف في يده وتيمم ففى القضاء الخلاف المذكور في الاراقة لانه إذا تلف الماء صار فاقدا عند التيمم: ثم إذا أوجبنا القضاء في هذه الصور ففى القدر المقضى ثلاثة أوجه أصحها يقضي تلك الصلاة الواحدة التى فوت الماء في وقتها: والثاني يقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد: والثالث كل صلاة صلاها بالتيمم * والله أعلم * قال [السبب الثاني أن يخاف على نفسه أو ماله من سبع أو سارق فله التيمم ولو وهب منه الماء أو أعير منه الدلو يلزمه القبول بخلاف ما إذا وهب (ز) ثمن الماء أو الدلو فان المنة فيه تثقل ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه وبمثل الثمن يلزم ألا إذا كان عليه دين مستغرق أو احتاج إليه لنفقة سفره والاصح أن ثمن المثل يعرف بقدر أجرة النقل]

(2/230)


[إذا كان بقربه ماء لكنه يخاف من السعي إليه على نفسه من سبع أو عدو أو على ماله المخلف في المنزل أو الذى معه من غاصب أو سارق فله التيمم وهذا الماء كالمعدوم وكذلك الحكم لو كان في السفينة ولا ماء معه وخاف على نفسه لو استقى من البحر والخوف على بعض الاعضاء كالخوف على النفس ولو خاف
الوحدة والانقطاع عن الرفقة لو سعي الي الماء فان كان عليه ضرر وخوف في الانقطاع لم يلزمه السعي إليه ويتيمم وان لم يكن ضرر فكذلك على أظهر الوجهين وان كان الماء لغيره فوهبه منه فهل عليه قبوله فيه وجهان المذهب أنه يجب وهو الذي ذكره في الكتاب لانه والحالة هذه يعد واجدا للماء والمسامحة غالبة في الماء فلا تعظم منة في قبوله بخلاف ما لو وهب منه الرقبة لا يلزمه القبول لانها]

(2/231)


[ليست في محل المسامحة غالبا: والثاني أنه لا يلزمه القبول لانه نوع يكسب للطهارة فلا يلزمه كما لا يلزمه اكتساب ثمن الماء ولو أعير منه الدلو أو الرشاء وجب قبوله لان الاعارة لا يعظم فيها المنة والقادر على قبولها لا يعد فاقدا للماء هكذا أطلقه الاكثرون ومنهم صاحب الكتاب وفصل بعضهم فقال ان لم تزد قيمة المستعار على ثمن مثل الماء وجب القبول وان زادت فلا لان العارية مضمونة وقد يتلف فيحتاج الي غرامة ما فوق ثمن الماء ولو أفترض الماء وجب قبوله في أصح الوجهين لانه انما يطالب عند الوجدان وحينئذ يهون الخروج عن العهدة ولو بيع منه الماء وهو

(2/232)


[لا يملك الثمن لكنه وهب منه فقد أطلق القول في الكتاب بأنه لا يلزمه قبوله لان المنة تثقل فيه كما لا يلزم على العارى قبول الثوب: وحكي بعض الاصحاب فيما إذا وهبه الاب من الابن أو العكس وجهين كالوجهين فيما إذا بذل الابن لابيه أو بالعكس المال في الحج هل يلزمه وهل يصير مستطيعا به وهذا حسن لكن الاظهر ثم أنه لا يجب القبول فيجوز أن يكون اطلاق الجواب هاهنا جريا على الاظهر واقتصارا عليه وهبة آلات الاستقاء كالدلو والرشاء كهبة ثمن الماء في الحكم ولو أقرض منه الثمن فلو كان معسرا لم يلزمه الاستقراض وأن كان موسرا لكن المال غائب فكذلك في أظهر الوجهين بخلاف ما إذا أقرض منه الماء لان الماء في محل المسامحة والقدرة]

(2/233)


[عليه عند توجه المطالبة أظهر وأغلب: ولو بيع منه الماء نسيئة وهو موسر لزم الشراء على أظهر الوجهين لان الاجل لازم هاهنا فلا مطالبة قبل الحلول بخلاف صورة الاقراض ولو ملك الثمن
فكان حاضرا عنده لكنه كان محتاجا لدين مستغرق في ذمته أو لنفقته أو نفقة رقيقه أو حيوان محترم معه أو لسائر مؤنات سفره في ذهابه وايابه فلا يجب عليه الشراء ويعذر في الصرف الي هذه الوجه وان فضل عن حاجته لزمه الشراء إن بيع بثمن المثل لانه قادر على استعمال الماء ويصرف إليه أي نوع من المال كان معه: وان بيع بغبن لا يلزمه الشراء كما لو كان يتلف شئ من ماله لوسعي إلى الماء المباح وظاهر كلامه في الكتاب وعليه الاكثرون أنه لا فرق بين أن يكون الغبن بقدر قليل

(2/234)


[أو كثير ومنهم من قال أبن بيع بزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب الشراء ولا عبرة بتلك الزيادة وإذا كان البيع نسيئه وزيد بسبب التأجيل ما يليق به فهو بيع بثمن المثل على أظهر الوجهين وان زاد المبلغ على ثمن مثله نقدا فيجب الشراء على قولنا يجب الشراء بالنسيئة: وكيف يعتبر ثمن مثل الماء وما معناه فيه ثلاثة اوجه: أحدها ثمن مثله قدر أجرة نقله الي الموضع الذى فيه الشخص لانه لا يرغب في الماء بأكثر منه وعلى هذا فالاجرة تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا فيجوز ان يعتبر الوسط المقصد ويجوز أن يعتبر الحد الذى يسعى إليه المسافر عند تيقن الماء فان ذلك الحد لو لم يقدر علي السعي إليه

(2/235)


[بنفسه واحتاج إلى بذل الاجرة لم ينقل الماء منه إليه يلزمه البذل إذا كان واجدا لها وثانيها أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الاوقات ولا يعتبر ذلك الوقت بخصوصه فان الشربة الواحدة عند العزة يرغب فيها بدنانير كثيرة: وثالثها أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في تلك الحالة فان لكل شئ سوقا يرتفع وينخفض وثمن مثل الشئ ما يليق به في تلك الحالة ألا تري أن الرقبة وان كانت غالية بالاضافة إلى عموم الاحوال يجب شراؤها بما يرغب فيها في تلك الحالة وهذا الوجه هو الاظهر عند الاكثرين من الاصحاب والوجه الثاني منقول عن أبي اسحاق واختاره القاضى الرويانى ولم نر أحدا اختار الوجه الاول سوى صاحب الكتاب ومن تابعه]

(2/236)


[وقد ذكر امام الحرمين أن ذلك الوجه مبني علي أن الماء لا يملك فانه إذا لم يملك لم يمكن له ثمن
فاعتبر أجرة النقل: وأشار المسعودي إلى هذا البناء أيضا ومعلوم أن القول بان الماء لا يملك وجهه ضعيف في المذهب فليكن كذلك ما هو مبنى عليه: وادعى في الوسيط أن الوجه الذى اختاره غير مبنى على ذلك الوجه حيث قال أحدها ان ثمن مثله أجرة نقل الماء فبه تعرف الرغبة في الماء وان كان مملوكا على الاصح يعنى أنه وان كان مملوكا فالقدر الذى يرغب به فيه أجرة النقل: وللاكثرين أن يقولوا ان ادعيت أن هذا القدر هو الذى يرغب به في الماء حيث يكثر الماء في البلاد

(2/237)


[وغيرها فهذا مسلم لكن الماء والحالة هذه لا يشتري انما ينقل: وان ادعيت انه القدر الذى يرغب به في الماء حيث يحتاج إلى الشراء فممنوع ولو بيع منه آلات الاستقاء كالدلو والرشاء بثمن المثل وجب شراؤها إذا كان فاقدا لها وكذلك لو أوجرت باجرة مثلها فان باعها مالكها أو أجرها بزيادة لم يجب تحصيلها هكذا ذكروه: ولو قال قائل يجب التحصيل ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان محسنا لان الآلة المشتراة تبقى له وقدر ثمن الماء محتمل التلف في هذه الجهة: ولو لم يجد الا ثوبا وقدر علي شده في الدلو ليستقى لزمه ذلك: ولو لم يكن دلو وأمكن ادلاؤه في البئر ليبتل ويعصر منه ما يتوضأ به لزمه ذلك ولو لم: يصل إلى الماء وأمكن شقه وشد البعض في البعض ليصل وجب: وهكذا كله]

(2/238)


[إذا لم يدخل نقصان أو لم يزد نقصا به عل أكثر الامرين من ثمن مثل الماء وأجرة مثل الحبل قال [الثالث ان يحتاج إلى الماء لعطشه في الحال أو توقعه في المآل أو لعطش رفيقه أو عطش حيوان محترم فله التيمم: وان رات صاحب الماء ورفقاؤه عطشى يمموه وغرموا للورثة الثمن فان المثل لا يكون له قيمة غالبا: ولو أوصي بمائه لاولى الناس به فحضر جنب وحائض وميت فالميت أولى لانه آخر عهده ومن عليه نجاسة أولى من الجنب إذ لا بدل له وفيه مع الميت وجهان: والجنب أولى من المحدث الا إذا كان الماء قدر الوضوء فقط فان انتهى هولاء الي ماء مباح واستووا في اثبات اليد فالملك لهم وكل واحد أولى بملك نفسه وان كان حدث

(2/239)


[غيره أغلظ] في الفصل مسائل: (احداها) لو قدر علي ماء مملوك أو غير مملوك لكنه احتاج إليه لعطشه فله التيمم دفعا لما يلحقه من الضرر لو توضأ والقول فيما يلحقه لو توضأ ولم يشرب يقاس بما سيأتي في المرض المبيح للتيمم: ولو احتاج إليه رفيق له أو حيوان آخر محترم للعطش دفعه إليه اما مجانا أو بعوض وتيمم وللعطشان أن يأخذه منه قهرا لو لم يندله له وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها وكان والذى رحمه الله يقول ينبغي أن يقال لو قدر على التطهر به وجمعه في ظرف ليشربه لزم ذلك ولم يجز التيمم وما ذكره يجيئ وجها]

(2/240)


[في المذهب لان أبا علي الزجاجي وأقضي القضاة الماوردى وآخرين ذكروا في كتبهم أن من معه ماء طاهر وآخر نجس وهو عطشان يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر: وإذا امر بشرب النجس ليتوضأ بالطاهر فاولى أن يؤمر بالوضوء وشرب المستعمل وهل يفترق الحال بين أن تكون هذه الحاجة ناجزة أو متوقعة في المآل اما في عطش نفسه فلا فرق بل توقعه مالا لاعواز غير

(2/241)


[ذلك الماء طاهرا كحصوله حالا: واما في عطش الرفيق والبهيمة فقد أبدى فيه امام الحرمين ترددا فيه وتابعه عليه في الوسيط والظاهر الذى اتفق عليه المعظم انه يتزود لرفيقه ويتيمم كما يفعل ذلك لفسه إذ لا فرق بين الروحين في الحرمة: (الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه إذا مات رجل له ماء ورفقاؤه يخافون العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وانما جاز لهم شربه وان كان فيه تفويت غسل]

(2/242)


[الميت عليه لانهم يخافون علي مهجهم وليس للشرب بدل وللطهارة بدل وهو التيمم: وأما قوله (وادوا ثمنه في ميراثه) فقد تكلموا في المراد بالثمن منهم من قال أراد بالثمن المثل لان الماء مثل والمثليات تضمن بالمثل دون القيمة: ومنهم من قال أراد به القيمة وانما أوجب القيمة هاهنا لان المسألة مفروضة فيما إذا كاوا في مغازة عند الشرب ثم رجعوا إلى بلدهم ولا قيمة للماء بها فلو أدواالماء لكان]

(2/243)


[ذلك احباطا لحقوق الورثة فيغرمون قيمة يوم الاتلاف في موضعه: وهذا الثاني هو الذى ذكره في الكتاب وينبغي أن يعلم لفظ الثمن في قوله وغرموا للورثة الثمن بالواو لانه أراد به القيمة حيث علل فقال فان المثلى لا يكون له قيمة غالبا ولو أنه لم يعلل لما انتظم اعلامه بالواو لان من أوجب المثل جوز تسميته بالثمن أيضا ألا تراهم اختلفوا في مراد الشافعي رضي الله عنه بلفظ الثمن:

(2/244)


[ (الثالثة) إذا أوصى بمائه لاولى الناس به أو وكل رجلا يصرف ماءه الي اولى الناس به فحضر محتاجون إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة فمن يقدم منهم * اعلم أن الميت ومن على بدنه نجاسة أولى من غيرهما: أما الميت فلمعنيين: أحدهما قال الشافعي رضى الله عنه ان أمره يفوت فليختم باكمل الطهارتين والاحياء يقدرون عليه في ثاني الحال: والثاني قال بعض]

(2/245)


[الاصحاب المقصد من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله والتراب لا يفيد ذلك وغرض الحى استبا؟ ة الصلاة واسقاط الفرض عن الذمة وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل: وأما من على بدنه نجاسة فلان ازالة النجاسة لا بدل لها وللطهارات بدل وهو التيمم: وإذا اجتمعا فمن المقدم منهما: فيه وجهان أصحهما أن الميت أولى قال المحاملي من أئمة العراق والصيدلاني من غيرهم الوجهان مبنيان على

(2/246)


[المعنيين في الميت ان قلنا بالتعليل الاول فالميت أولى وان قلنا بالتعليل الثاني فالنجس أولى لان فرضه لا يسقط بالتيمم بخلاف غسل الميت ولا خلاف انه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون له ثم وارث يقبل عنه كما لو تطوع أنسان بتكفين ميت لا حاجة الي قابل: وفى المسألة وجه ضعيف: وان اجتمع ميتان والماء لا يكفى الا لاحدهما فان]

(2/247)


[كان الماء موجودا قبل موتهما وماتا على الترتيب فالاول أولى وان ماتا معا أو وجد الماء بعد
موتهما فأفضلهما أولى: فان استويا اقرع بينهما: هذا كلامنا في الميت ومن عليه نجاسة: أما غيرهما ففى الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه أصحها الحائض أولى لان حدثها أغلظ ألا يرى أن الحيض يحرم الوطئ ويسقط ايجاب الصلاة: والثاني الجنب أولى لانه أحق بالاغتسال فان الصحابة اختلفوا]

(2/248)


[في تيمم الجنب ولم يختلفوا في تيمم الحائض: (والثالث) هما سواء لتعارض المعنيين وعلى هذا ان طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فالقرعة أولى في أظهر الوجهين والقسمة في الثاني هذا ان أوجبنا استعمال الماء الناقص والا تعينت القرعة وان اتفقا علي القسمة جاز ان قلنا يجب استعمال الماء الناقص والا لم يجز فانه تضييع وإذا حضر جنب ومحدث نظر ان كان ذلك الماء كافيا للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى أن لم نوجب استعمال الماء الناقص وان أوجبناه فثلاثة أوجه أصحها ان المحدث أولى أيضا لانه]

(2/249)


[يرتفع حدثه بكماله: والثاني الجنب أولى لغلظ حدثه والثالث يتساويان وتفريعه على ما سبق وان لم يكن ذلك كافيا لواحد منهما فالجنب أولى ان أوجبنا استعمال الماء الناقص لغلظ حدثه والا فهو كالمعدوم وان كان كافيا لكل واحد منهما فننظر ان فضل شئ من الوضوء به ولم يفضل من الغسل فالجنب أولى ان لم نوجب استعمال الناقص لانه لو استعمله المحدث لضاع الباقي وان أوجبنا استعمال الناقص فثلاثة أوجه أصحها ان الجنب أولى أيضا لغلظ حدثه: والثاني المحدث أولى بقدر الوضوء والباقي للجنب]

(2/250)


[مراعاة للجانبين: والثالث أنهما سواء وان فضل من كل واحد منهما شئ أو لم يفضل من واحد منهما فالجنب أولى لا محالة وان كان الماء الموجود كافيا للغسل دون الوضوء ويتصور ذلك بان يكون الجنب نضو الخلقة فقيد الاعضاء والمحدث ضخما عظيم الاعضاء فالجنب أولى أيضا لانا ان لم نوجب استعمال الماء الناقص فالمحدث لا ينتفع به وان أوجبناه فحدث الجنب أغلظ: وإذا عرفت ما ذكرنا تبين لك ان أحوال المسألة أربع: أن يكون الماء كافيا للوضوء دون الغسل: وان يكون كافيا لكل واحد]

(2/251)


[منهما: وان لا يكون كافيا لواحد منهما: وان يكون كافيا للغسل دون الوضوء والظاهر تقديم المحدث في الحالة الاولى وتقديم الجنب فيما عداها فلذلك قال والجنب أولى من المحدث الا أن يكون الماء قدر الوضوء فقط وليكن المستثنى والسمتثنى منه من هذا اللفظ معلما بالواو لما حكينا من التفصيل والخلاف وقوله (قدر الوضوء فقط) ان كان المراد أنه قدر الوضوء دون الغسل فحسن وان كان المراد انه لا يزيد على قدر الوضوء فهذا ليس بشرط في تصوير الحالة الاولى بل إذا لم يكن كافيا للغسل وكان

(2/252)


[كافيا للوضوء فالمحدث أولى سواء زاد على قدر الوضوء أو لم يزد عليه فهذا شرح مسألة الوصية * واعلم انه ان عين المكان فقال اصرفوا هذا الماء الي أولى الناس به في هذه المفازة فالحكم على ما ذكرنا ولو لم يعين بل قال اصرفوا إلى أولى الناس به واقتصر عليه فينبغي أن يبحث عن المحتاجين في غير ذلك المكان ألا يرى أنه لو أوصى لاعلم الناس لا يختص بأهل ذلك الموضع الا ان حفظ الماء ونقله الي مفازة أخرى كالمستبعد * والله أعلم * ولو انتهى هؤلاء المحتاجون الي ماء مباح واستووا في]

(2/253)


[احرازه واثبات اليد عليه ملكوه على السواء لاستوائهم في سبب الملك وكل واحد أحق بملك نفسه من غيره وان كان ذلك الغير أحوج إلى الماء وكان حدثه أغلظ بل لا يجوز لكل واحد ان يبذل ما ملكه لغيره وان كان ناقصا الا إذا قلنا لا يجب استعمال الماء الناقص عن قدر الكفاية: هذا ما أورده صاحب الكتاب وذكره امام الحرمين وأورد أكثر الاصحاب هذه الصورة وقالوا يقدم فيها الاحوج فالاحوج كما في مسألة الوصية ولا منافاة بين الكلامين لان هؤلاء أرادو التقديم على سبيل الاستحباب وكانهم يقولون مجرد الانتهاء إلى الماء المباح لا يقتضى الملك وانما يثبت الملك بالاستيلاء والاحراز فيستحب لغير الاحوج ترك الاحراز والاستيلاء ايثارا للاحوج وهؤلاء

(2/254)


[يسلمون أنهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا عليه وازدحموا كان الامر على ما ذكره امام الحرمين لكن يمكن ان ينازع هو فيما ذكروه من الاستحباب ويقول انه متمكن من الطهارة بالماء فلا يجوز له العدول
إلى التيمم كما لو ملكه لا يجوز له بذله لغيره * قال [الرابع العجز بسبب الجهل كما إذا نسي الماء في رحله فتيمم (ح) قضي الصلاة على الجديد ولو ادرج في رحله ولم يشعر به لم يقض على الصحيح إذ لا تفريط: ولو أضل الماء في رحله فلم يجده مع الامعان في الطلب ففى القضاء قولان كمن أخطأ القبلة: ولو أضل رحله في الرحال فقولان والاولى سقوط القضاء لان المخيم أوسع من الرحل] * لك أن تقول الكلام هاهنا في أسباب العجز المبيح للتيمم والسبب المبيح هاهنا انما هو]

(2/255)


[الفقد في ظنه الا انه تبين بعد ذلك أنه لم يكن فاقدا ولا شك في ان الاسباب المبيحة يكفى فيها الظن ولا يعتبر التعين وإذا كان كذلك فليس هذا سببا خارجا عما تقدم: وأما الكلام في أنه هل يقضي الصلاة إذا تبين أنه غير فاقد فذلك شئ آخر وراء جواز التيمم واللائق ذكره في أحد موضعين أما آخر سبب الفقد واما الفصل المعقود فيما يقضى من الصلوات المختلة: ثم ذكر في هذا الفصل أربع مسائل: (احداها) لو نسي الماء في رحله فتيمم على ظن انه لا ماء عنده ثم تبين الحال فهل يلزمه قضاء الصلاة التي أداها به نص في المختصر على وجوب الاعادة: وعن أبي ثور قال سألت أبا عبد الله عنها فقال لا اعادة عليه: واختلف الاصحاب على طريقتين أظهرهما وهو المذكور في الكتاب أن في المسألة قولين الجديد الصحيح وجوب الاعادة: وبه قال أحمد لان مثل هذا الشخص اما ان يكون

(2/256)


[واجدا للماء أو لا يكون ان كان واجدا فقد فات شرط التيمم وهو أن لا يجد وان لم يكن واجدا فسببه تقصيره فتجب الاعادة كما لو نسي ستر العورة أو غسل بعض أعضاء الطهارة والقديم: انه لا تجب الاعادة لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فيسقط فرضه بالتيمم كما لو حال بينهما سبع وشبهوا هذا القول القديم في نسيان الترتيب في الوضوء ونسيان الفاتحة: وعن مالك روايتان كالقولين وعند أبى حنيفة لا اعادة: والطريقة الثانية القطع بوجوب الاعادة وتأويل ما نقله أبو ثور

(2/257)


[بحمل أبي عبد الله علي مالك أو تنزيل ما نقله علي المسألة الثانية التى نذكرها: ولو علم المسافر أن في موضع نزوله بئرا فنسيها وتيمم وصلى ثم تذكر فعلى الطريقتين: ولو كان الماء يباع فنسي الثمن وتيمم وصلى ثم تذكر قال القاضي أبو القاسم بن كج يحتمل أن يكون مثل نسيان الماء ويحتمل غيره والاول أظهر (المسألة الثانية) لو ادرح الماء في رحله من غير شعوره به فتيمم علي اعتقاد أن لا ماء عنده وصلى ثم تبين الحال ففى المسألة طريقتان (احداهما) طرد قول النسيان فيه لكن]

(2/258)


[الاصح ههنا نفى الاعادة: (والثانية) القطع بنفى الاعادة لعدم التقصير ههنا بخلاف صورة النسيان فانه كان عالما بالماء ثم ذهل عنه: ولو تبين أن بقربه بئرا ولم يكن علم بها أصلا فهو نظير هذه الصورة وقوله في الكتاب لم يقض على الصحيح يجوز أن يكون اختيارا للطريقة الثانية والمعني علي الصحيح من الطريقين ويجوز ان يكون جوابا علي الطريقة الاولى والمعنى الصحيح من القولين وطريقة القولين أظهر عند علماء الاصحاب (الثالثة) لو كان في]

(2/259)


[رحله ماء فأضله فتيمم ثم وجده نظر ان لم يمعن في الطلب فعليه القضاء لتقصيره وان أمعن حتى غلب على ظنه فقد الماء فقولان: أحدهما أنه لا اعادة عليه لانه لم يفرط في البحث والطلب فيعذر وأظهرهما تجب الاعادة لانه عذر نادر لا يدوم وانما يسقط القضاء بالاعذار العامة والنادرة التى تتصل وتدوم: قال الائمة والقولان مخرجان على القولين فيمن اجتهد في القبلة وصلى ثم تيقن الخطأ ولذلك يقول بعضهم في المسألة وجهان: (الرابعة) لو أضل رحله في الرحال بسبب ظلمة]

(2/260)


[أو غيرها فان لم يمعن في الطلب وجبت الاعادة لا محالة وان أمعن فطريقان احدهما أنه علي القولين في اضلال الماء في الرحل: والثاني القطع بنفى الاعادة والفرق من وجهين: أحدهما ما ذكر في الكتاب ان مخيم الرفقة أوسع من الرحل ورحله اضبط للماء من المخيم للرحل وإذا كان كذلك كان أبعد عن التقصير ههنا: والثاني ان من صلى في رحله وفيه ماء فقد صلى بالتيمم علي الماء
ومن صلي وقد أضل رحله فقد صلى وليس معه ماء ومنهم من يحكي في المسألة وجهين كما ذكرنا]

(2/261)


[في الصورة السابقة وعن الحليمى وجه ثالث انه لو وجده قريبا منه فيعيد ولو وجده بعيدا فلا وظاهر المذهب نفى الاعادة مطلقا ولا ينبغي أن يفهم ذلك من قوله في الكتاب وأولي بسقوط القضاء فانهم إذا رتبوا صورة على صورة في الخلاف ثم قالوا وأولي بكذا لا يعنون به سوى رجحان ما وصفوه بالاولوية بالاضافة إليه في الصورة المرتب عليها ولا يلزم من كون النفي أو الاثبات

(2/262)


[في صورة أرجح منه في صورة أخرى كونه أرجح علي مقابله: نعم إذا قيل أولى الوجهين كذا فقضيته رجحان ذلك الوجه كما؟ ؟ قيل الاظهر أو الاصح كذا * قال [السبب الخامس المرض الذى يخاف من الوضوء معه فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة أو مرضا مخوفا وكذا ان لم يخف الا شدة الضني وبطء البرء أو بقاء شين علي عضو

(2/263)


[ظاهر علي أقيس الوجهين فان كل ذلك ضرر ظاهر وان كان يتألم في الحال ولا يخاف عافبة لزمه الوضوء] *

(2/264)


[المرض مبيح للتيمم في الجملة قال الله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر) إلى قوله (فلم تجدوا]

(2/265)


[ماء فتيمموا) نقل عن ابن عباس ان المعنى وان كنتم مرضي فتيمموا وان كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا: ثم هو على ثلاثة أقسام أولها المرض الذى يخاف من الوضوء معه فوت الروح أو فوت عضو أو فوت منفعة عضو فيبيح التيمم نقل عن ابن عباس في تفسير الآية إذا كان]

(2/266)


[بالرجل جراحة في سبيل الله أو قروح أو جدري فيجنب ويخاف أن يغتسل فيموت يتيمم بالصعيد والحق
بهذا النوع ما إذا خاف مرضا مخوفا وكذا لو كان به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه التلف لكن يخاف من استعمال الماء معه حدوث المرض المخوف: وينبغي أن يعلم قوله أو مرضا مخوفا]

(2/267)


[بالواو لان امام الحرمين حكي فيه عن العراقيين طريقين أحدهما القطع بجواز التيمم: والثاني ان فيه قولين وقد توجه المنع بالقدرة على استعمال الماء وقصور الضرر فيه عما تقدم من المضاو فظاهر المذهب القطع بالجواز لانه إذا خاف المرض الذى يخاف منه التلف فقد خاف التلف وهذا قضية كلامه في المختصر وهو الذى ذكره المسعودي وغيره في الشروح: على أن في تشبيه الامام]

(2/268)


[الطريقين في هذه الصورة شبهة قوية فان الذى يلفى في كتبهم حكاية الطريقتين في صورة بطء البر وأخواتها كما سيأتي لا في هذه الصورة بل الذى يدل عليه كلامهم تجويز التيمم هاهنا من غير تردد والله أعلم: وثانيها المرض الذى يخاف من استعمال الماء معه شدة الضنى أو زيادة العلة أو بطء البرء]

(2/269)


وبقاء الشين القبيح ولنفصل هذه الصور وأحكامها: أما زيادة العلة وبطء البرء فقد حكوا فيهما ثلاثة طرق أظهرها ان في جواز التيمم للخوف منها قولين (أحدهما) المنع لان اباحة التيمم لمريض ماخوذة من الآية وقد روينا عن تفسير ابن عباس اعتبار خوف التلف فيه وأظهرهما]

(2/270)


[والجواز وبه قال مالك وابو حنيفة لانا لا نوجب شراء الماء باكثر من ثمن المثل لما فيه من الضرر ومعلوم ان الضرر ههنا أشد ولان ترك الصوم وترك القيام في الصلاة لا يعتبر فيه خوف التلف بل يلفي فيه هذا النوع من المرض فكذلك ههنا والطريق الثاني القطع بالجواز وتأويل]

(2/271)


[قول المنع على ما إذا لم يلحقه الا مجرد الالم والمشقة والثالث القطع بالمنع وتأويل الجواز على ما إذا كان المخوف التلف فان قلت وما الفرق بين زيادة العلة وبطء البرء فالجواب أن المراد من
زيادة العلة افراط الالم وكثرة المقدار وان لم تمتد المدة ومن بطء البرء امتداد المدة وان لم يزد القدر]

(2/272)


[ثم قد يجتمع الامران وأما شدة الضنى ففى جواز التيمم بها الطريقان الاوليان والظاهر عود الطريقة الثالثة أيضا والمراد من الضنى المرض المدنف الذى يجعله ضمنا وكأنه نوع من المرض خاص: وأما إذا خاف من استعمال الماء بقاء الشين علي بدنه فنظر ان خاف شيئا فبيحا علي عضو ظاهر كالسواد الكثير في الوجه ففيه ثلاثة طرق أيضا أحدها الجزم بالجواز لانه يشوه الخلقة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو ويحكي ذلك عن ابن سريج والاصطخري والثاني الجزم بالمنع إذ ليس فيه بطلان عضو ولا منفعته وانما هو فوات جمال والثالث أنه علي القولين المقدمين وان خاف شيئا]

(2/273)


[يسيرا كأثر الجدري والسواد القليل فلا عبرة به وكذلك لو خاف شيئا قبيحا علي غير الاعضاء الظاهرة والمراد من الظاهرة ما يبدو عند المهنة غالبا كلوجه واليدين: وأما تعبيره عن الخلاف في هذه المسائل بالوجهين فانما اتبع فيه امام الحرمين والمشهور في طرق الاصحاب أن فيها قولين علي طريقة اثبات الخلاف كما حكيناه: وثانها المرض الذى لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة فلا يرخص في التيمم وان كان يتألم في الحال لجراحة أو حر أو برد لانه واجد للماء قادر على استعماله من غير ضرر شديد: واعلم أن المرض المرخص لا يفترق الحال فيه بين أن يعرف]

(2/274)


[كونه بحيث يرخص بنفسه وبين أن يخبره طبيب حاذق بشرط كونه مسلما بالغا عدلا وفى وجه يقبل في ذلك خبر الصبي المراهق والفاسق أيضا ولا فرق بين الحر والعبد والذكر والانثى لان طريقه الخبر وأخبارهم مقبولة ولا يشترط فيه العدد وحكي أبو عاصم العبادي فيه وجهين وهذا كله فيما إذا منعت العلة استعمال الماء أصلا لعموم العذر جميع موضع الطهارة وضوءا كان أو غسلا فان تمكنت العلة من بعض أعضاء الطهارة دون بعض غسل الصحيح بقدر الامكان وما الذي يفعل العليل نذكره بعد هذا والله أعلم *]

(2/275)


قال [السادس القاء الجبيرة بانخلاع العضو فيجب غسل ما صح من الاعضاء والمسح على الجبيرة بالماء وفى نزوله منزلة مسح الخف في تقدير مدته وسقوط الاستيعاب وجهان: ثم يتيمم مع الغسل والمسح على أظهر الوجهين ولا يمسح الجبيرة بالتراب علي الاصح لان التراب ضعيف وفى تقديم الغسل على التيمم ثلاثة أوجه الاعدل هو الثالث وهو أنه لا ينتقل عن عضو ما لم يتم تطهير ذلك العضو فلو كانت الجراحة علي يده تيمم قبل مسح الرأس] لو جعل المرض سببا واحدا من أسباب العجز ثم قسمه إلى مالا يحوج إلى القاء الجبيرة

(2/276)


[ولا لصوق عليه والى ما يحوج إليه وحذف السبب السادس والسابع لكان أحسن وأولي فان الانخلاع والجراحة نوعان خاصان من العلل والامراض ولو عددنا كل مرض سببا علي حدة لطال الامر وكثرت الاسباب فان قلت اسم المرض لا يقع علي انخلاع العضو والجراحة قلنا نحن لا نعني بالمرض سوى العلة العارضة التى يخاف معها من استعمال الماء علي أن ابن عباس رضي الله عنه فسر المريض بالجريح كما تقدم فدل على أن اسم المرض يقع على الجراحه: ثم الكسر والانخلاع له حالتان: احداهما أن يحوج إلى القاء الجبائر على موضعه وهي الالواح التى تهيأ]

(2/277)


[لذلك: والثانية ألا يحوج إليه والمعتبر في حاجة الالقاء أن يخاف شيئا من المضار السابقة لو لم يلقها عليه: الحالة الاولي أن يحتاج إلى القائها عليه والغالب في مثلها أن يكون ذلك الموضع بحيث لا يخاف من ايصال الماء إليه وانما يقصد بالقائها الانجبار فإذا ألقاها علي موضع فلا يخلو اما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير أن يخاف شيئا من المضار السابقة أو لا يقدر عليه فان لم يقدر لم يكلف النزع ويراعى في الطهاره أمورا أحدها غسل الصحيح وفى وجوبه عليه طريقان أحدهما أن فيه قولين في قول يجب وفى قول لا بل يكفيه التيمم وهما عند أصحاب هذا الطريق مخرجان]

(2/278)


[من القولين فيما إذا وجد من الماء ما يكفى لبعض الاعضاء هل يقتصر على التيمم أم يستعمله مع التيمم ووجه الشبه أنه في الصورتين تمكن من غسل بعض الاعضاء دون بعض وغسل البعض لا يكفى مطهرا والتيمم يكفي مطهرا والطريق الثاني وهو الاصح القطع بوجوب غسل الصحيح لان اعتلال بعضن الاعضاء لا يزيد على فقدانه ولو كان مقطوع بعض الاطراف لم يسقط عنه غسل الباقي فهنا أولي بخلاف ما إذا وجد بعض الماء فان الخلل ثم في الآلة التى تتأدى بها العبادة فأشبه ما إذا وجد بعض الرقبة فان قلنا بالصحيح وهو وجوب غسل الصحيح فيجب ذلك بحسب]

(2/279)


[الامكان حتى لو قدر على غسل ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح الذى أخذنه الجبيرة وجب ذلك بأن يضع خرقة مبلولة عليه ويعصرها لتنغسل تلك المواضع بالتقاطر منها: والثاني]

(2/280)


[يجب المسح على الجبيرة بالماء لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضى الله عنه أن يمسح على الجبائر وحكي أبو عبد الله الحناطى قولا أنه لا يمسح ويكفيه التيمم: وعن القاضي أبي الطيب أنه قال عندي يكفيه التيمم وغسل الصحيح والاول هو الصحيح المشهور وعليه تتفرع مسائل احداها ان كان جنبا مسح الجبيرة متى شاء وان كان محدثا والجبيرة على بعض]

(2/281)


[أعضاء الوضوء مسحها إذا وصل إلى غسل العضو الذى عليه الجبيرة فان الترتيب ركن في الوضوء (الثانية) هل تتقدرمدة هذا المسح فيه وجهان: أحدهما نعم لانه مسح على حائل فأشبه المسح على الخف فيتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة أيام ولياليهن وأصحهما وبه قطع الصيدلاني لا: لان التقدير انما يعرف بنقل أو توقيف ولم يرد بل له الاستدامة الي الاندمال: قال امام الحرمين]

(2/282)


[وهذا الاختلاف فيما إذا كان يتأتي الرفع بعد انقضاء كل يوم وليلة من غير ضرر فان لم يمكن فلا خلاف في جواز استدامته وان كان يتأتي ذلك في كل طهارة لم يجز المسح ووجب النزع لا محالة: (الثالثة)
هل يجب تعميم الجبيرة بالمسح فيه وجهان: احدهما لا بل يكفى ما يقع عليه الاسم لانه مسح بالماء فأشبه مسح الرأس والخف وأصحهما أنه يجب لانه مسح أبيح لضرورة العجز عن الاصل فيجب]

(2/283)


[فيه التعميم كالمسح في التيمم بخلاف مسح الخف فانه بني على التخفيف والترخص وهاتان المسألتان هما اللتان أشار اليهما بقوله وفى نزوله منزلة المسح على الخف في تقدير مدة وسقوط الاستيعاب وجهان وينبغى أن يكون قوله فيجب غسل ما صح من الاعضاء والمسح على الجبيرة معلما بالواو لما سبق حكايته في الغسل والمسح جميعا: والثالث التيمم على الوجه واليدين وفى وجوبه مع الغسل]

(2/284)


[والمسح طريقان أظهرهما أن فيه قولين أحدهما لا يجب لان المسح على الجبيرة ناب عما تحتها فلا حاجة إلى بدل آخر كالمسح على الخف وأصحهما أنه يجب لحديث جابر رضي الله عنه في المشجوج

(2/285)


[الذى احتلم واغتسل فدخل الماء شجته ومات ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (انما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب علي رأسه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) والطريق الثاني ان ما تحت الجبيرة ان كان معلولا بحيث لا يمكن غسله وان كان باديا وجب التيمم كالجريح الذى ليس على جرحه شئ فانه يتيمم وان كان يمكن غسله لو كان باديا فلا حاجة إلى التيمم كالمسح على الخف واعلم ان المشهور عند اصحاب الطريقة الاولى ان المسألة علي قولين وحكوهما جميعا عن البويطى]

(2/286)


ورووا عن الام أنه يتيمم وعن القديم أنه لايتيمم وصاحب الكتاب عبر عن الخلاف بوجهين تقليدا لامام الحرمين فانه كذا روى فان قلنا يتيمم تفرع عليه مسألتان احداهما لو كانت الجبيرة على موضع التيمم فهل يمسح بالتراب في تيممه فيه وجهان أحدهما نعم محاولة لاتمام التيمم بالمسح بالترا ب كما يحاول اتمام الوضوء بالمسح بالماء وأصحهما لا لان التراب ضعيف فلا يوثر من وراء حائل بخلاف الماء فان]

(2/287)


[تأثيره من وراء الحائل معهود في المسح عل الخف: الثانية هل يجب تقديم غسل الصحيح على التيمم أم لا أما في حق الجنب فوجهان أحدهما أنه يجب لان الغسل أصل والتيمم بدل فيقدم الاصل كما إذا وجد من الماء مالا يكفيه يستعمله ثم يتيمم وأصحهما أنه يتخير ان شاء قدم وان شاء أخر لانه انما يتيمم لما به من العلة وهى مستمرة بخلاف تلك المسألة فانه انما يتيمم لعدم الماء]

(2/288)


[فلابد من استعمال الموجود أولا ليصير عادما وأما المحدث ففيه ثلاثة أوجه أشار إليها في الكتاب أحدها يجب تقديم غسل المقدور عليه من أعضاء الوضوء كلها كما ذكرنا في الجنب: والثاني أنه يتخير ان شاء قدم الغسل وان شاء أخره عن التيمم وان شاء أدخله في خلال المغسول ولا نظر الي أن الترتيب مرعى في الوضوء لان التيمم فرض مستقل بنفسه والترتيب انما يراعى في العبادة الواحدة وهذا اختيار الشيخ أبي علي.
والثالث وهو الصحيح عند المعظم أن التيمم بدل]

(2/289)


[عن موضع العذر فلا يجوز أن ينتقل عن العضو المعلول قبل أن يتمم ولا يجوز أن يقدمه عليه إذا لم يكن المعلول أول أعضاء الوضوء وذلك لان الترتيب شرط في الوضوء فلا يعدل من عضو الي عضو ما لم يتم تطهير الاول أصلا وبدلا وقول الاول أن التيمم فرض مستقل بنفسه ممنوع بل وصف تابع في طهارة المعلول وكونه مستقلا في بعض المواضع لا ينافى كونه تابعا ههنا فعلى هذا]

(2/290)


لو كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين ويتخير في تقديمه على غسل الصحيح من الوجه وتأخيره عنه فان العضو الواحد لا ترتيب فيه وان كانت علي اليدين وجب أن يكون التيمم مؤخرا عن غسل الوجه مقدما علي مسح الرأس وعلي هذا القياس ولو كان له علي عضوين فصاعدا جبائر فلا بد من تعديد التيمم علي هذا الوجه الثالث نظيره كانت علي الوجه]

(2/291)


[جبيرة وعلي اليد اخرى يغسل الصحيح من وجهه ويتيمم للمعلول منه ثم يغسل الصحيح من يديه
ويتيمم للمعلول منهما ثم يمسح برأسه ويغسل رجليه وعلي الوجه الاول والثاني يكفى التيمم الواحد وان تعددت الجراحات وانما يجوز الاقتصار علي غسل الصحيح والمسح علي الجبائر مع التيمم أو دونه علي الخلاف المتقدم بشرطين أحدهما ألا يأخذ من الصحيح تحت الجبيرة الا القدر الذى]

(2/292)


[لابد منه للاستمساك: والثاني أن يضع الجبيرة علي طهر كالخف لابد وان يلبس علي الطهارة ليجوز المسح عليه هذا ظاهر المذهب وفى وجه لا يشترط الوضع علي الطهارة ثم ليس معنى اشتراط الطهارة تعذر المسح أصلا ورأسا لو وضع الجبيرة علي الحدث ولكن المراد أنه يلزم النزع وتقديم الطهارة ان أمكن النزع والا فيجب القضاء بعد البرء وفى سقوط الفرض بالتيمم لالقاء الجبيرة خلاف يأتي]

(2/293)


[ذكره في الباب الثالث من الكتاب ان شاء الله تعالى فهذا إذا لم يقدر علي نزع الجبيرة عند الطهارة فأن قدر علي النزع واحل من غير ضرر فعليه النزع عند الطهارة وغسل ذلك الموضع أن أمكن والمسح بالتراب ان كان علي موضع التيمم ولم يمكن الغسل هذا تمام الحالة الاولى وهى أن يحوجه الكسر إلى القاء الجبيرة عليه: (المسالة الثانية) ألا يحتاج إليه ويخاف من ايصال الماء إليه]

(2/294)


[فيغسل الصحيح بقدر الامكان ويتلطف إذا خاف سيلان الماء إلى موضع العلة بوضع خرقة مبلولة بالقرب منه ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه ويلزمه ذلك سواء قدر عليه بنفسه أو بغيره فان لم يطعه الغير الا باجرة لزمته كالاقطع الذى يحتاج إلى من يوضئه وهل يحتاج إلى ضم التيمم إليه فيه الخلاف الذى قدمناه في الحالة الاولي ولا يجب مسح]

(2/295)


[موضع العلة بالماء وان كان لا يخاف من المسح فان الواجب الغسل فإذا تعذر ذلك فلا فائده في المسح بخلاف المسح على الجبيرة فانه مسح على حائل كالخف وقد ورد الخبر به هكذا ذكره الائمة رضي الله عنهم وللشافعي رضي الله عنه نص مساقه وجوب المسح وليس هذا موضع ذكره وإذا فرعنا على
أنه يتيمم فلو كانت العلة على محل التيمم امر التراب على موضعها فانه لا ضرر ولا خوف في امرار]

(2/296)


[التراب عليه بخلاف امرار الماء وكذا لو كان للجراحة أفواه مفتحة وامكن امرار التراب عليها لزم لانها صارت ظاهرة فهذا شرح هذا الفصل وينبغي أن يعلم قوله ثم يتيمم مع الغسل والمسح بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بوجوب الغسل علي الاطلاق ولا بوجوب التيمم علي الاطلاق بل قال ان كان اكثر بدنه صحيحا اقتصر على غسل الصحيح وان كان الاكثر جريحا اقتصر علي التيمم]

(2/297)


[قال [السابع الجراحة ان لم يكن عليها لصوق فلا يمسح علي محل الجرح وان كان فهو كالجبيرة وفى لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد كالتردد في لزوم لبس الخف علي من وجد من الماء ما يكفيه لو مسح علي الخف] * الجراحة قد تحتاج في معالجتها إلى الصاق لصوق بها من خرقة وقطنة ونحوهما كما يحتاج]

(2/298)


[في معالجة الانخلاع والانكسار إلى القاء الجبائر وحكم الجراحة وما عليها من اللصوق حكم الانكسار وما علي موضعه من الجبائر فيعود فيه جميع ما سبق وإذا لم يكن علي الجراحة لصوق فلا يجب المسح علي محل الجرح كما ذكرنا في الانكسار إذا لم يكن عليه جبيرة وهل يجب القاء اللصوق عليه عند امكانه وكذا القاء الجبيرة فيه وجهان قال الشيخ أبو محمد يجب لانه لو القى الحائل لمسح عليه بدلا]

(2/299)


[عن الغسل فليتسبب إليه تكميلا للطهارة بقدر الامكان واستبعد امام الحرمين ذلك وقال انه لا نظير له في الرخص وليس للقياس مجال فيها ولو اتبع القياس لكان اقرب شئ ان يمسح علي محل الجرح عند الامكان فإذا لم يجب ذلك فهذا اولى قال ولم ار القول بالوجوب لاحد من الاصحاب ثم رتب عليه ما إذا كان الشخص علي طهارة كاملة وقد ارهقه حدث ووجد من الماء ما يكفى لوجهه]

(2/300)


[ويديه وراسه ويقصر عن رجليه ولو لبس الخف لامكنه ان يمسح علي خفيه فهل يجب عليه ان يلبس الخف ثم بمسح بعد الحدث عليه قال قياس ما ذكره شيخي ايجاب ذلك وهو بعيد عندي والله اعلم * وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان المراد من التردد في قول صاحب الكتاب وفى لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد وهو الوجهان اللذان حكيناهما ما صار إليه الشيخ أبو محمد وما]

(2/301)


[عليه الاكثرون واما ما اشار إليه من التردد في مسألة وجوب اللبس فسياق كلامه يشعر باثبات وجهين في المسألة لكن امام الحرمين لم يذكرهما نقلا عن شيخه وانما قال قياس ما ذكره وجوب اللبس ولا يصح اثبات الخلاف إذا لم يكن نقل الا إذا انتفى الفارق وقد وجد الفرق بين المسألتين وبينه الامام فقال لشيخي ان ينفصل عما ذكرته في المسح علي الخف بانه رخصه محضة فلا يليق بها ايجاب لبس الخف وما نحن فيه من مسالك الضروريات فيجب فيه الاتيان بالممكن والقاء خرقة يمسح عليها ممكن واعلم ان ظاهر المذهب اشتراط الطهارة عند القاء الجبيرة واللصوق ليجوز المسح]

(2/302)


[عليه كما يشترط ذلك عند لبس الخف وقد بيناه من قبل وإذا كان كذلك فمن يقول بوجوب الالقاء عند الامكان يأمر به قبل الحدث ليمسح عليه إذا تطهر بعد الحدث كما في مسألة اللبس ويضعف المصير الي الوجوب في الصورتين بشئ وهو أن الشخص إذا كان متطهرا فلا يخلو اما أن يكون أدى وظيفة الوقت أو لم يؤدها فان لم يؤدها فهو متمكن من ادائها بهذه الطهارة فلا يكلف والحالة هذه بطهارة أخرى والطهارة التى لا يكلف بها لا يكلف باعداد اسبابها ألا ترى أنه لا يؤمر بامساك الماء ليتوضأ به للصلاة التى لم يدخل وقتها ولو صبه هزلا واحتاج إلى الصلاة بالتيمم لم يلزمه القضاء]

(2/303)


[وان أدى وظيفة الوقت فليس عليه طهارة أخرى حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى ولا يكلف باعداد اسباب الطهارة التي لم يلزم بعد قال [ومهما تيمم لمرض أو جراحة أعادة لكل صلاة ولم يعد الوضوء ولا المسح]
الاصل في المسألة أن التيمم لا يؤدى به فريضتان بل تفتقر كل فريضة إلى تيمم وكذلك وضوء المستحاضة وسنذكره في موضعه وإذا عرفت ذلك فنقول من غسل الصحيح وتيمم لمكان عذر المرض أو الانخلاع أو الجراحة أما مع المسح علي الحائل أو دونه إذا لم يكن حائل وصلي فريضة بطهارته فله أن يصلي بها من النوافل ما شاء ولابد من اعادة التيمم للفريضة الاخرى وان لم يحدث وهل يحتاج الي اعادة الوضوء مع التيمم المعاد فيه طريقان أحدهما أن فيه قولين كما لو]

(2/304)


[نزع الماسح علي الخف الخف أو انقضت مدة المسح هل يستأنف الوضوء أم يقتصر علي غسل الرجلين فيه قولان ووجه الشبه أن الطهارة في الصورتين كملت من جنسين أصل وبدل فإذا بطل حكم البدل هل يبطل الاصل حتى يؤمر بالاستئناف فيه اختلاف والطريق الثاني القطع بنفى الاستئناف لان التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم بارتفاع حكمها انتقاض طهارة أخرى وان كانت بعضها من منها في هذه الصورة كما لو اغتسل الجنب ثم أحدث يلزمه الوضوء ولا ينتقض غسله وان كان أعضاء الوضوء بعض المغسول في الجنابة لان الوضوء طهارة مستقلة في الجملة ويخرج عليه المسح علي الخف فانه غير مستقل]

(2/305)


[أصلا وهذا الخلاف جار في الجنب إذا غسل الصحيح من بدنه وتيمم للعليل وصلي هل يفتقر للفريضه الثانية إلى استئناف الغسل مع التيمم وإذا فرعنا علي الصحيح وهو أنه لا يجب استئناف الوضوء والغسل فهل يجب اعادة شئ منهما مع التيمم أما في الغسل فلا: وأما في الوضوء فوجهان أحدهما وبه قال احمد ابن الحداد لا: لان الوضوء الكامل لا يجب اعادته لكل فريضة فكذلك غسل الصحيح الذى هو بعضه وانما التيمم هو الذي يعاد لكل فريضة وأظهرهما انه يجب أن يعيد مع التيمم غسل كل عضو يترتب علي العضو المجروح رعاية للترتيب فانه إذا تيمم بدلا عن محل العذر فإذا وجب اعادته خرج ذلك العضو عن أن يكون طهارته]

(2/306)


[تامة فإذا أتمها وجب اعادة غسل ما بعد ذلك العضو كما لو أغفل لمعة من وجهه وتنبه له بعد الفراغ يغسلها وما بعد الوجه من الاعضاء ثم نعود إلى لفظه في الكتاب ونقول لا يخفى أن قوله
لم يعد الوضوء لكل صلاة أراد الفريضة لا مطلق الصلاة وهكذا هو في بعض النسخ وينبغي أن يعلم قوله بالواو لما حكينا من الخلاف ثم لك أن تقول قوله ولم يعد الوضوء أما ان يعنى به أنه لا يعيد الوضوء بكماله أي لا يستأنف أو يعنى به أنه لا يعيد شيئا منه والاول صحيح وجواب علي الطريقة الثانية الا أن كلامه في الوسيط يبين أنه ما أراده وانما أراد المعني الثاني لانه قال يجب اعادة التيمم عند كل صلاة ولا يجب اعادة الغسل ولا اعادة مسح الجبيرة فنفى اعادة مطلق الغسل لكن ارادة المعنى الثاني لا تحسن من وجهين أحدهما]

(2/307)


[أنه يكون جوابا بالوجه الاول الذى ذهب إليه ابن الحداد وظاهر المذهب انما هو الثاني والثانى أن الشيخ أبا علي والمعتبرين قالوا الخلاف في أنه هل يعيد شيئا من الوضوء أم لا مبني علي الخلاف الذى سبق في أن التيمم المضموم إلى الوضوء هل يعتبر فيه الترتيب أم لا فان أوجبنا الترتيب اعاد ههنا مع التيمم غسل الاعضاء المترتبة علي العضو المعلول والا فلا وإذا كان كذلك فصاحب الكتاب قد اختار ثم وجه اعتبار الترتيب وعبر عنه بالاعدل فلا يلائمه أن يقول ههنا لا يعيد شيئا من الوضوء أصلا والله أعلم * ولو تطهر المعلول كما ذكرنا ثم برأ وهو علي طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العضو المعلول أيضا بلا خلاف رعاية للترتيب وهل يجب استئناف الوضوء والغسل فيه القولان في نزع الخف هذا إذا تحقق الاندمال والبرء بعد الطهارة وهو كما لو وجد العادم الماء بعد التيمم فيبطل تيممه وغسل ذلك الموضع والاستئناف علي ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فإذا هو لم يندمل لم يبطل تيممه على أصح الوجهين بخلاف ما إذا توهم وجود الماء يبطل تيممه وان بان خلاف ما توهمه لان توهم الماء يوجب الطلب وتوهم الاندمال لا يوجب البحث والطلب عنه وإذا وجب الطلب بطل التيمم لان التيمم طهارة ضرورة فلا صحة له الا حيث يتمكن من الصلاة وإذا وجب الطلب لم يتمكن من الصلاة وتوقف امام الحرمين في قول الاصحاب لا يجب الطلب عند]

(2/308)


[توهم الاندمال] قال [الباب الثاني في كيفية التيمم وله سبعة اركان
الركن الاول نقل التراب إلى الوجه واليدين فلا يكفى ضرب (ح) اليد علي حجر صلد ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا خالصا مطلقا فيجوز التيمم بالاعفر والاسود والاصفر والاحمر والابيض وهو المأكول والسبخ والبطحاء فان كل ذلك تراب ولا يجوز الزرنيخ (ح) والجص (ح) والنورة (ح) والمعادن إذ لا يسمى ترابا ولا يجوز التراب النجس والمشوب بالزعفران وان كان قليلا ولا التراب المستعمل علي أحد لوجهين ولا يجوز سحاقة الخزف وفى الطين المسوى المأكول تردد ويجوز بالرمل إذا كان عليه غبار] جعل للتيمم سبعة أركان أحدها نقل التراب إلى الوجه واليدين وغرضه في هذا الفصل الكلام في التراب وما يعتبر فيه من الاوصاف فأما الكلام في النقل وفى الوجه واليدين فهو مذكور فيما بعد من الاركان وجملة ما اعتبره فيما يتيمم به أربعة أمور أن يكون ترابا طاهرا خالصا مطلقا أما كونه ترابا فلابد منه وبه قال أبو يوسف وأحمد فلا يكفى ضرب اليد على حجر صلد لا غبار عليه خلافا لابي حنيفة ومحمد حيث قالا يجوز بكل ما هو من جنس الارض كالتراب والرمل والحجر والزرنيخ والكحل ولا يشترط أن يكون على الحجر المضروب عليه غبار ولمالك حيث قال بمثل قولهما وزاد فجوز بكل متصل بالارض أيضا كالاشجار والزرع لنا قوله تعالى]

(2/309)


[فتيمموا صعيدا طيبا) عن ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما (أي ترابا طاهرا) وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الارض مسجدا وجعل ترابها طهورا) عدل إلى ذكر التراب بعد ذكر الارض ولولا اختصاص الطهورية بالتراب لقال جعلت لنا الارض مسجدا وطهورا ثم اسم التراب لا يختص ببعض الالوان والانواع ويدخل فيه الاصفر وهو ما لا يخلص بياضه والاصفر والاسود ومنه طين الدواة والاحمر ومنه الطين الارمني الذى يوكل تداويا والابيض ومنه الذى يؤكل سفها ويقال انه الخراساني والسبخ وهو الذى لا ينبت دون الذى يعلوه ملح فان الملح ليس بتراب والبطحاء وهو التراب اللين في مسيل الماء وكل ذلك يقع عليه اسم التراب كما يقع اسم الماء على الملح والعذب والكدر والصفى وسائر الانواع وقد تيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتراب المدينة وأرضها سبخة
وقد روى أن الشافعي رضى الله عنه قال في بعض المواضع في بيان ما لا يتيمم به (ولا السبخ ولا البطحاء) وليس ذلك باختلاف قول منه باتفاق الاصحاب وانما أراد به ما إذا كانا صلبين لا غبار عليهما فهما إذا كالحجر الصلب ولو ضرب اليد على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار كفى فانه تيمم بالتراب وسئل القاضي الحسين عن تراب الارضة فقال ما أخرجته من الخشب لم يجز التيمم به فانه ليس بتراب وان أشبهه وان أخرجته من مدر جاز ولا بأس باختلاطه بلعابها كالتراب]

(2/310)


[المعجون بالخل إذا جف يتيمم به ولا يدخل تحت اسم التراب الزرنيخ والنورة والجص وسائر المعادن فلا يجوز التيمم بها وأغرب أبو عبد الله الحناط من أصحابنا فحكي في جواز التيمم بالذريرة والنورة والزرنيخ قولين وكذا في الاحجار المدفونة والقوارير المسحوقة واشباهها وأما الرمل فقد حكي عن نصه في القديم والاملاء جواز التيمم به وعن الام المنع واختلفوا فيه على طريقين أحداهما وبها قال صاحب التلخيص أنه على قولين أحدهما المنع كالحجارة المدفونة والثاني الجواز لانه من جنس التراب وعلي طبعه والثانية وهى الصحيحة انه ليس فيه اختلاف قول والنصان محمولان علي حالتين ان كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليد عليه وهو المراد بالمنع وان كان يرتفع منه غبار يعلق باليد يجوز التيمم به فان ذلك المرتفع غبار وهو المراد بالجواز وأما كون المتيمم به طاهرا فلابد منه فلا يجوز التيمم بالتر اب النجس كما لا يجوز الوضوء بالماء النجس والتراب النجس هو الذى أصابه مائع نجس أما إذا اختلط به جامد نجس كأجزاء الروث فلا مؤثر في أجزائه بالنجاسة لكن لا يجوز التيمم به أيضا لانه إذا استعمله كان الواصل إلى بعض أجزائه ترابا والى بعضها روثا والنجس لا يطهر ولو تيمم بتراب المقابر التي عم فيها النبش وغلب اختلاط صديد الموتي به ففى جوازه قولا تقابل الاصل والغالب الظاهر كما تقدم وان ضرب يده علي ظهور كلب عليه تراب فان عرف التصاقه به في حالة الجفاف جاز وان عرف التصاقه به في حال الرطوبة أو علم]

(2/311)


[أنه أصابه عرق فلا وان تردد فيه فعلي القولين وأما كونه خالصا فيخرج عن المثوب بلزعفران
والدقيق ونحوهما فان كان الخليط كثيرا لم يجز التيمم به بلا خلاف فان الخليط الكثير يسلب طهورية الماء مع قوته فأولى أن يسلب ههنا وان كان قليلا فوجهان عن أبى اسحاق وصاحب التقريب انه لا يضر كما في الماء الحافا بالمغمور بالمعدوم وقال الاكثرون أنه يسلب طهوريته كالكثير بخلاف الماء فانه نظيف لا يمنعه الخليط عن السيلان فيزيل جزء الدقيق في صوب جريانه ويجرى علي موضعه وليس للتراب هذه القوة لكثافته فالموضع الذى علق به الدقيق لا يصل إليه التراب ثم بماذا تعتبر القلة والكثرة ولو اعتبرت الاوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكا وأما كونه مطلقا فقد قال امام الحرمين يتعلق به شيئان أحدهما الكلام في التراب المستعمل ونحن نذكر حكم المستعمل ثم تعود إلى ما ذكر من التعلق بوصف الاطلاق واختلفوا في أن التراب المستعمل]

(2/312)


[في التيمم هل يجوز استعماله فيه ثانيا وثالثا علي وجهين أصحهما لا كما في الماء لانه تأدت به العبادة واستبيح به الصلاة والثاني نعم بخلاف الماء لانه يرفع الحدث والتراب لا يرفع فلا يتأثر بالاستعمال ثم الكلام في أن الملتصق من التراب بالوجه واليدين مستعمل حتى لا يجوز علي الاصح أن يضرب الانسان يده علي وجه المتيمم ويده ليتيمم بالغبار المأخوذ منه وأما المتناثر فهل هو مستعمل حتى يعود فيه الخلاف المذكور فيه وجهان أحدهما لا: لان التراب كثيف إذا علقت منه صفحة بالمحل منعت التصاق غيرها به وإذا لم يلتصق بالمحل فلا يؤثر ولا يتأثر بخلاف الماء فان صفحاته رقيقة لطيفة فيلاقى المحل بجميعها وأصحهما أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء لان الملتصق والساتر مادام يمسح يتردد من الموضع إلى الموضع والفرض يسقط بالجميع فهذا هو حكم المستعمل والذى ذكره الامام من تعلقه بوصف الاطلاق فليس له وجه بين لان التراب المستعمل موصوف بوصف الاطلاق كما أنه موصوف]

(2/313)


[بوصف الخلوص وسائر الاوصاف التي هي معتبرة في المتيمم به الا ترى ان الامام الغزالي قدس الله روحه استثني الماء المستعمل من الماء المطلق في أول الكتاب ولولا كون المستعمل مطلقا لما انتظم الاستثناء نعم من قال لا يجوز التيمم بالمستعمل اعتبر سوى الاوصاف الاربعة شرطا آخر وهو ألا يكون
مستعملا ومن جوز التيمم به اكتفى بالاوصاف الاربعة ومعلوم ان هذا الكلام لا اختصاص له بقيد الاطلاق: الثاني قال ان سحاقة الخزف أصلها تراب ولكنها لا تسمى ترابا مطلقا فلا يجوز التيمم بها وتابعه صاحب الكتاب فجعل وصف الاطلاق احترازا عن السحاقة ذكره في الوسيط ولك أن تقول التراب المطلق وغير المطلق يشتركان في مسمى التراب وسحاقة الخزف لا تسمى ترابا أصلا لا مطلقا ولا غير مطلق فهى خارجة عن اسم التراب ولا حاجة إلى هذا القيد يوضح ذلك انه حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه في الام انه قال ان دق الخزف ناعما لم يجز التيمم به لان الطبخ احاله عن أن يقع عليه اسم التراب ولو أحرق التراب حتى صار رمادا فكذلك لا يجوز التيمم به ولو شوى الطين المأكول وسحقه ففى جواز التيمم به وجهان أحدهما لا يجوز كالخرف والآخر المسحوقين والثانى يجوز وهو الاظهر لان اسم التراب لا يبطل بمجرد الشي بخلاف طبخ الخزف والآجر فانه يسلب اسم التراب ويجعله جنسا آخر ولو أصاب التراب نار فاسود ولم يحترق بحيث يسمي رمادا فعلى هذين الوجهين * ونختم الفصل بالتنصيص على المواضع المستحقة من لفظ الكتاب المرقوم المشيرة إلى ما حكينا من الاختلافات فنقول ينبغى أن يعلم قوله فلا يكفى]

(2/314)


[ضرب اليد على حجر صلد بالحاء والميم وكذا لفظ التراب في قوله ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا وقوله ولا يجوز الزرنيخ إلى آخره بهما وبالواو لما رواه الحناطى وقوله وان كان قليلا بالواو وكذا سحاقة الخزف لما رواه الحناطى وقوله ويجوز بالرمل بالواو قال [الثاني القصد إلى الصعيد فلو تعرض لمهب الريح لم يكف ولو يممه غيره باذنه وهو عاجز جاز وان كان قادرا فوجهان] القصد إلى التراب معتبر واحتجوا عليه بقوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا) أمر بالتيمم والمسح والتيمم القصد فلو وقف في مهب الريح فسفت عليه التراب فامر اليد عليه نظر ان وقف غيرنا وثم لما حصل التراب عليه نوى التيمم لم يصح تيممه وان وقف قاصدا بوقوفه التيمم حتى أصابه التراب فمسحه بيده فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وقول اكثر الاصحاب أنه لا يصح تيممه لانه لم يقصد التراب وانما التراب أتاه وعن أبي حامد المروزى قدس الله روحه أنه لا يصح كما لو
جلس في الوضوء تحت الميزاب أو برز للمطر وذكره صاحب التقريب وبه قال الحليمى والقاضى أبو الطيب وحكاه القاضى أبو القاسم بن كج عن نص الشافعي رضى الله عنه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لفظ الكتاب في المسألة يجوز أن يراد به الصورة الاولى ويجوز أن يراد به الثانية أو المشترك بينهما وعلي هذا يكون نفى الجواز جوابا على أظهر الوجهين والظاهر الاحتمال الثاني لانه حكى الخلاف في الوسيط ولا خلاف في]

(2/317)


[الصورة الاولى وإذا كان كذلك فليكن قوله لم يكف معلما بالواو ولو يممه غيره نظر ان كان بغير اذنه فهو كالتعرض لمهب الريح وان كان باذنه نظر ان كان عاجزا عن المباشرة بنفسه لقطع أو مرض جاز بل يجب عليه ذلك إذا وجد غيره وان كان قادرا فوجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز كما في مسألة الريح لانه مأمور بقصد التراب ولم يقصد والاظهر الجواز اقامة لفعل نائبه مقام فعله ويحكي ذلك عن نصه في الام قال [الثالث النقل فلو كان على وجهه تراب فردده بالمسح لم يجز إذ لا نقل فان نقل من سائر أعضائه الي وجهه جاز وان نقل من يده إلى وجهه جاز على الاصح ولو معك وجهه في التراب جاز على الصحيح] نقل التراب الممسوح به إلى العضو ركن في التيمم واحتجوا عليه بأن الله تعالى أمر بالتيمم وهو القصد وانما يكون قاصدا إذا نقل التراب الي المحل الممسوح وغير هذا الاستدلال أوضح منه وجملة المذهب في النقل أن يكون على العضو الممسوح به اما ان التراب الممسوح أو ينقل إليه من غيره فان كان عليه بان كانت الريح قد سفته عليه من غير قصد منه إلى التيمم أو بسبب آخر فردده عليه من جانب إلى جانب ومسحه لم يجز لانه لم ينقل ولو أخذه منه ورده إليه ومسحه به جاز على أصح الوجهين لانه بالانفصال انقطع حكم ذلك العضو عنه وان نقله إلى العضو الممسوح من غيره نظر ان نقله من عضو ليس هو محل التيمم فيجوز كما لو نقله من الارض أو من بدن غيره وهذا ما أراد بقوله وان نقله من سائر أعضائه وان نقله من يده إلى وجهه أو بالعكس فوجهان أحدهما لا يجوز لانه منقول من محل الفرض فاشبه مالو نقل من أعلى الوجه الي أسفله أو من الساعد إلى الكف وأظهرهما يجوز لانه منقول من غير العضو الممسوح به]

(2/318)


[فصار كالمنقول من الرأس والظهر وهذا في غير تراب التيمم: فأما لو مسح وجهه بتراب كثير ثم أخذه ليمسح به اليد زاد النظر في استعمال المستعمل وقد سبق ذلك ولو تمعك في التراب فوصل إلى وجهه ويديه بهذا الطريق نظر ان كان معذورا جاز نص عليه والا فوجهان أحدهما لا يجوز لانه لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم انما نقل العضو إليه وادعى المسعودي ان هذا ظاهر المذهب وأصحهما عند الاكثرين الجواز لان القصد إلى التراب قد تحقق بهذا الطريق وهو المطلوب ولو سفت الريح ترابا على كمه فمسح به وجهه جاز على أصح الوجهين وكذا لو أخذ التراب من الهواء للمسح حالة اثارة الريح اياه * قال [الرابع أن ينوى استباحة الصلاة فلو نوى رفع الحدث لم يجز وأكمله أن ينوى استباحة الفرض والنفل جميعا أو استباحة الصلاة مطلقا (و) فيكفيه فلو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا بالتبعية على الصحيح ولكن في جوازه بعد وقت تلك الفريضة أو قبل فعلها خلاف مشهور ولو نوى النفل ففى جواز الفرض به قولان فان منع ففى جواز النفل وجهان من حيث أن النفل كالتابع فلا يفرد ولو نوى استباحة فرضين صح تيممه لفرض واحد على أحد الوجهين]

(2/319)


[النية واجبة في التيمم قال صلى الله عليه وسلم (ليس للمرء من عمله الا ما نواه) وقد ذكرنا صحة الوضوء إذا نوى أحد أمور ثلاثة فبين في التيمم حكمها الاول رفع الحدث وهل يجوز التيمم بهذه النية فيه وجهان أحدهما نعم لان التيمم يرفع الحدث في حق الفريضة الواحدة والنوافل لانها مستباحة به وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بطهارة) ولان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة فقصد رفع الحدث يتضمن قصد الاستباحة ويحكي هذا الوجه عن ابن سريح وجعله ابن خيران قولا للشافعي رضى الله عنه وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان التيمم لا يرفع الحدث الا ترى]

(2/320)


[انه صلي الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص وقد تيمم للجنابة من شدة البرد (يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقال عمرو اني سمعت الله تعالى يقول ولا تقتلوا أنفسكم فضحك رسول
الله صلي الله عليه وسلم ولم ينكر عليه شيئا) سماه جنبا بعد التيمم ولانه لو رفع الحدث لما بطل الا بعروض الحدث ولما تأثر بروية الماء وإذا لم يرفع الحدث لم يصح التيمم بنية رفعه كما لو قصد شيئا آخر لا يفيده التيمم ولو تيمم الجنب بنية رفع الجنابة فهو علي هذا الخلاف الثاني استباحة الصلاة وغيرها مما لا يباح الا بالطهارة وإذا تيمم بنية استباحة الصلاة مثلا فله أربعة احوال أحدها أن يقصد استباحة نوعيها الفرض والنفل وأخطرهما بالبال فيصح تيممه لانه قد تعرض لمقصود التيمم ويباح له الفريضة بهذا التيمم وكذلك النافلة قبل الفريضة وبعدها حكي عن نصه في رواية البويطي وفى وجه ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة وانما يخرج هذا الوجه إذا كانت الفريضة المنوية معينة وهل يشترط تعينها بصفاتها أم يكفى نية مطلق الفريضة فيه وجهان أحدهما يشترط ويروى ذلك عن أبي اسحق وابن أبي هريرة وبه قال أبو قاسم الصيمري]

(2/321)


[واختاره الشيخ أبو علي لانه لابد من نية الفريضة ليستبيحها فلابد من تعينها الا ترى ان في نية الصلاة لما وجب التعرض للفريضة وجب تعينها وأصحهما عند الاكثرين أنه لا يشترط لانه لا يحتاج في الطهارة إلى تعيين الحدث الذى ينوى رفعه فكذلك لا يحتاج الي تعين ما ينوى استياحته وعلى هذا إذا أطلق صلى أية فريضة شاء ولو عين واحدة جاز له أن يصلي غيرها: (الحالة الثانية) أن ينوى الفريضة ولا تخطر له النافلة فتباح الفريضة له بشرط التعيين أو دونه كما سبق لانه نواها وللمرء من عمله ما نواه وحكم المنذورة حكم المكتوبات الخمس وإذا استباح الفريضة بهذا تيمم فهل له أن يتنفل به قبل فعل الفريضة فيه قولان أحصهما نعم لان النوافل تبع الفرائض فإذا صلحت طهارته للفريضة التي هي الاصل فللنوافل أولى: والثاني لا يجوز وبه قال مالك لان النوافل تؤدى بالتيمم تبعا للفرائض فانه طهارة ضرورة ولا ضرورة في الاتيان بالنوافل والتابع لا يقدم علي المتبوع وهل يتنفل بعد الفريضة فيه طريقان أصحهما القطع بانه يتنفل لانه إذا قدم]

(2/322)


[الفريضة فقد حافظ على قضية التبعية وهى تقديم المتبوع وتأخير التابع: والثاني وهو اختيار القفال فيما حكاه الشيخ أبو محمد طرد القولين وجه المنع انه لم ينو غير الفريضة فلا يباح له غيرها فان جوزنا له التنفل بعد الفريضة؟ ذلك مادام وقت الفريضة باقيا ان عينها فإذا خرج فل يجوز له أن يتنفل بذلك
التيمم: فيه وجهان أظهرهما نعم لانه إذا جاز له التنفل وجب ألا يفترق الحال فيه بين ما قبل انقضاء الوقت وما بعده كما في الوضوء: والثاني لا لانقطاع التبعية بانقضاء الوقت ومن قال بالطريقة الثانية في أنه هل يتنفل بعد الفريضة وطرد القولين انتظم منه أن يقول إذا تيمم للفرض فهل له ان يتنقل فيه قولان ان قلنا نعم فذلك بعد فعل الفريضة وقبل خروج وقته: أما قبل فعله فهل له ذلك قولان وبعد خروج الوقت وجهان وكلام صاحب الكتاب الي هذا الايراد أقرب فقوله جاز النفل أيضا بالتبعية على الصحيح أي من القولين وقوله خلاف مشهور يعنى به قولين فيما قبل فعل الفريضة ووجهين فيما بعد وقتها وهذا كله فيما إذا لم يقصد عددا من الفرض بل قصد نوع الفرض أو فريضة واحدة أما إذا تيمم لفائتتين أو منذورتين فهل يصح تيممه فيه وجهان أصحهما نعم لانه نوى الواحدة وزاد فلغت الزيادة وعمل الاصل والثاني لا: لانه نوى مالا يباح بالتيمم الواحد ففسدت نيته وصار كما لو لم ينو أصلا وقرب امام الحرمين الوجهين ههنا من الوجهين فيما إذا نوى المتوضي استباحة صلاة دون غيرها لانه بقتصر النية على النية على الصلاة الواحدة مخالف حكم الوضوء كما أن المتيمم بنية الزيادة مخاف حكمه وإذا عين فريضة]

(2/323)


[فيشترط أن تكون عليه حتى لو تيمم لفائتة ظنها عليه ولم تكن عليه فائتة أصلا أو تيمم لفائتة ظهر ثم بان أن التى عليه عصر لم يصح تيممه لان استباحة الفريضة لازمة وان لم يجب التعيين فأذا عين وأخطأ لم يصح كما إذا عين الامام في الصلاة وأخطأ بخلاف مثله في الوضوء لان نية الاستباحة غير لازمة في الوضوء من أصلها فلا يضر الخطأ فيها كما لو عين المصلي اليوم وأخطأ: (الحالة الثالثة) أن ينوى النفل ولم يخطر له الفرض فهل يباح له الفرض بهذا التيمم فيه قولان أصحهما لا: لان الفرض هو الاصل والنفل تبع فلا يجعل المتبوع تابعا: والثاني نعم لانه نوى بطهارته ما يفتقر إلى الطهارة فاشبه مالو توضأ للنافلة وعن أبي الحسين ابن القطان أنه لا يختلف القول في انه لا يباح الفرض به فهذا طريق آخر جازم فان قلنا يباح له الفريضة فالنافلة أولى وان قلنا لا يباح الفريضة ففى النافلة وجهان أصحهما أنها تباح لانه نواها بطهارته والتيمم صالح للفرض إذا نواه فللنفل أولى والثاني لا يباح لان النفل تابع والتيمم طهارة ضرورة فلا يجعل مقصدا به ومن قال بهذا الوجه فقد قال بان هذا التيمم لا يصح أصلا ولو نوى بتيممه حمل المصحف أو سجود
التلاوة أو الشكر أو نوي الجنب الاعتكاف وقراءة القرآن فهو كما لو نوى بتيممه صلاة النفل ففى جواز]

(2/324)


[الفريضة له قولان وإذا منعنا ففى جواز ما نواه وجهان ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كما لو تيمم للنافلة على أظهر الوجهين لانها وان تعينت عليه فهي كالنافلة من حيث انها لا تنحصر وهى غير متوجهة نحوه على التعيين ويتصور سقوطها بفعل الغير بخلاف المكتوبات ولو نوت الحائض استباحة الوطئ صح تيممها على أصح الوجهين لانه مما يفتقر إلى الطهارة لكنه يكون كالتيمم للنافلة (الحالة الرابعة) أن يقصد نفس الصلاة من غير تعرض للفرض والنفل ففيه وجهان أحدهما أنه كما لو نوى الفرض والنفل جميعا وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال أو استباحة الصلاة مطلقا فيكفيه وهو قياس قول الحليمي فيما حكاه أبو الحسن العبادي وقطع به امام الحرمين رحمهم الله لان الصلاة اسم جنس يتناول الفرض والنفل جميعا فاشبه ما لو تعرض لهما في نيته والثانى أنه كما لو نوى النفل وحده لان مطلق اسم الصلاة محمول عليه والفرض يحتاج إلى تخصيصه بالنية الا ترى أنه لو تحرم بالصلاة مطلقا انعقدت صلاته نفلا وهذا الوجه أظهر ولم يذكر أصحابنا العراقيون غيره وهو المنقول عن القفال فهذا تمام الاحوال الاربع وهى بأسرها مذكورة في الكتاب الامر الثالث لو نوى فريضة التيمم أو اقامة التيمم المفروض ففيه وجهان أحدهما يصح تيممه كما يصح الوضوء بهذه النية وأصحهما أنه لا يصح لان التيمم ليس مقصودا في نفسه وانما يؤتي به عن ضرورة فلا يصلح مقصدا بخلاف الوضوء ولهذا يستحب تجديد الوضوء دون التيمم واعلم انه كما لا يجوز أن تتأخر النية في الوضوء عن أول فعل مفروض كذلك لا يجوز في التيمم وأول أفعاله المفروضة نقل التراب ولو قارنته النية وعزبت قبل مسح شئ من الوجه فهل يجوز وجهان أحدهما نعم كما لو قارنت أول غسل الوجه في الوضوء وعزبت بعده وأظهرهما وهو الذى ذكره في التهذيب أنه لا يجوز لان النقل وان كان واجبا الا أنه ليس بركن مقصود في نفسه بخلاف غسل الوجه في الوضوء ولو تقدمت النية على أول فعل]

(2/325)


[مفروض فهو كمثله في الوضوء
قال [الخامس أن يستوعب (ح) وجهه بالمسح ولا يلزمه ايصال التراب إلى منابت الشعور وان خفت] قال الله تعالي (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) يجب استعياب الوجه بالمسح بالتراب خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع حكاه الصيدلاني من أصحابنا وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه إذا مسح أكثر وجهه أجزأه لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (تيمم فمسح وجهه ويديه) ومن لم يستوعب صح أن يقال ما مسح وجهه انما مسح بعض الوجه وأيضا وانه عضو هو محل الفرض في الطهارتين يجب استيعابه في الوضوء فيجب في التيمم ولا يجب اتصال التراب إلى منابت الشعور خفيفة كانت أو كثيفة عامة كانت أو نادرة كلحية المرأة لان النبي صلى الله عليه]

(2/326)


[وسلم تيمم بضربتين مسح بأحدهما وجهه وبالضربة الواحدة لا يصل التراب إلى منابت الشعور وفيه وجه أنه يجب ايصال التراب إلى ما تحت الشعور التي يجب ايصال الماء إليها اعطاء للبدل حكم الاصل والفرق ظاهر لعسر ايصال التراب إلى منابت الشعور وهل يجب مسح ظاهر المسترسل من اللحية الخارج عن حد الوجه فيه قولان كما في الوضوء قال [السادس مسح اليدين إلى المرفقين (م) فيضرب ضربة واحدة لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه وينزع ويفرج في الضربة الثانية ويمسح الي المرفقين ولا يغفل شيئا] يجب استيعاب اليدين إلى المرفقين بالمسح في التيمم كما يجب الاستيعاب بالغسل في الوضوء لما روى أنه صلى الله عليه وآله تيمم فمسح وجهه وذراعيه والذراع اسم للساعد إلى المرفق وروى أنه صلى الله]

(2/327)


[عليه وسلم (قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) وقال مالك واحمد يمسح يده إلى الكوعين لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لعمار يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين) ونقل مثل هذا عن القديم للشافعي رضي الله عنه وأنكر الشيخ أبو حامد وطائفة ذلك وسواء ثبت أم لا فالمذهب الاول واعلم انه قد تكرر لفظ الضربتين في الاخبار فجرى طائفة من الاصحاب على الظاهر وقالوا لا يجوز أن ينقص منها ويجوز أن يزيد فانه قد لا يتأتي له الاستيعاب بالضربتين
وقال آخرون الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين سواء كان بضربة أو اكثر وهذا أصح نعم يستحب ألا يزيد ولا ينقص وحكي القاضي ابن كح عن بعض أصحابنا أنه يستحب]

(2/329)


[أن يضرب ضربة للوجه واخرى لليد اليمنى واخرى لليسرى والمشهور الاول وصورة الضرب غير معينة بل لو كان التراب ناعما فوضع اليد عليه وعلق الغبار بيده كفى ثم إذا أخذ التراب بدأ في مسح الوجه باعلاه ومسح اليدين بان يضع أصابع يده اليسرى سوى الابهام علي ظهور أصابع اليمني سوى الابهام بحيث لا تخرج انامل اليمني عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمني فإذا بلغت الكوع ضم اطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وابهامه منصوبة فإذا بلغ الكوع مسح ابهامه ببطنها ظهر ابهامه اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها كذلك وهذه الكيفية محبوبة علي المشهور وقد زعم بعضهم أنها منقولة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الصيدلاني أنها غير واجبة ولا سنة وهو قضية كلام أكثر الشارحين للمختصر قالوا أنما ذكر الشافعي رضى الله عنه هذه الكيفية ردا علي مالك رضي الله عنه حيث قال بالضربة الواحدة لا يتأتي المسح إلى المرفقين وهذا يشعر بأنها غير محبوبة ولا مقصودة في نفسها وهل يفرق أصابعه في الضربتين أما في الثانية فنعم وأما في الاولى فقد روى المزني التفريق أيضا واختلف الاصحاب فيه فغلطه قوم منهم القفال وقالوا لا يفرق في الضربة الاولى لانها لمسح الوجه]

(2/330)


[ولا يمسح الوجه بما بين الاصابع وما لم يمسح الوجه لا يدخل وقت مسح اليدين حتى يقدر الاحتساب به عن اليدين فلا فائدة في التفريق وأما في الضربة الثانية دخل وقت مسح اليدين فيفرق حتي يستغنى عن ايصال التراب إليها مما علي الكف وصوبه آخرون وقالوا فائدته زيادة تأثير الضرب في أثارة الغبار لاختلاف موضع الاصابع إذا كانت مفرقة وهذا أصح ثم القائلون بالاول اختلفوا في أنه هل يجوز أن يفرق في الضربة الاولى فقال الاكثرون نعم إذ ليس فيه الا حصول تراب غير مستعمل بين أصابعه فان لم يفرق في الضربة الثانية كفاه ذلك التراب لها وان فرق حصل
فوقه تراب آخر غير مستعمل فيقع المجموع عن الفرض وقال الاقلون ومنهم القفال لا يجوز ذلك ولا يصح تيممه لو فعل لان فرض ما بين الاصابع لا ينأتي بالضربة الاولى لوجوب الترتيب وحصول ذلك الغبار ولمنع وصول الثاني ولصوقه بالمحل ومن قال بالاول قال الغبار الاول لا يمنع وصول الثاني أو لا يمنع الوصول المعتبر ولهذا لو غشيه غبار في تقبله في السفر ثم تيمم يصح تيممه ولا يكلف نفض التراب أولا ثم إذا فرق في الضربتين وجوزنا ذلك أو فرق في الضربة الثانية وحدها فيستحب تخليل الاصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة احتياطا ولو لم يفرق فيهما]

(2/331)


[أو فرق في الاولى وحدها وجب التخليل آخرا لان ما وصل إليه قبل مسح الوجه غير معتد به ثم يمسح بعد ذلك احدى الراحتين بالاخرى وهو واجب أو مستحب فيه خلاف مبني على أن فرض الكفين هل يتأتى بضربهما علي التراب أم لا وفيه وجهان منهم من قال لا لانه لو تأدى فرضهما حينئذ لما صلح الغبار الحاصل عليهما لموضع آخر لانه يصير بالانفصال عنه مستعملا ومنهم من قال وهو الاصح نعم لانه وصل الطهور إلى محل الطهارة بعد النية ودخول وقت طهارة ذلك المحل فعلى هذا المسح آخرا متحب وعلي الاول هو واجب هذا ما يتعلق بهذه الهيئة والقدر الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين كيف ما كان ولا يشترط أن يكون المسح باليد بل لو مسح وجهه بخرقة أو خشبة عليها تراب جاز ولا يشترط الامرار علي أصح الوجهين كما ذكرنا في مسح الرأس ولا يشترط أيضا ألا يرفع عن العضو الممسوح ختى يستوعبه في أصح الوجهين والثاني يشترط لان التراب]

(2/332)


[الباقي بالفصل يصير مستعملا فلا يصح تيممه بالمردود حتى يأخذ ترابا جديدا ومن قال بالاول أجاب بانا إذا قلنا أن المستعمل هو اللاصق بالعضو فالباقي غير مستعمل بحال وان قلنا أن المتناثر مستعمل فانما يثبت حكم الاستعمال إذا انفصل بالكلية واعرض المتيمم عنه لان في ايصال التراب إلى الاعضاء عسرا سيما مع رعاية الاقتصار على الضربتين فيعذر في رفع اليد وردها كما يعذر في التقاذف الذى يغلب في الماء ولا يحكم باستعمال المتقاذف والله أعلم *
ونعود إلى لفظ الكتاب في نزع الخاتم وتفريج الاصابع قال فيضرب ضربة واحدة لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه وقد يوجد في بعض النسخ وينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه فعلى الاول المراد أنه لا يجب نزع الخاتم لان المقصود من الضربة الاولى مسح الوجه دون اليدين وقد ذكرنا أن المسح لو كان بخرقة ونحوها جاز فغايته مسح بعض الوجه بما علي الخاتم وليس المراد أنه لا يجوز النزع فانه لا صائر إليه ولا وجه له بل يستحب النزع ليكون مسح جميع الوجه باليد اتباعا للسنة وقوله ولا يفرج أصابعه يمكن أن يراد به أنه لا يجوز التفريج ذهابا إلى ما صار إليه القفال ومن وافقه لكنه لم يرد ذلك لانه نقل كلام القفال في الوسيط واستبعده وانما أراد أنه]

(2/333)


[لا يجب التفريج أو انه لا يستحب أو انه يستحب ألا يفرج فان أراد الاحتمال الاول فلا كلام فيه وان أراد غيره فليكن معلما بالواو لما ذكرنا من رواية المزني وتصحيح الاصحاب لها وبينا أنه ظاهر المذهب وأما من روى في الكتاب وينزع خاتمه فذلك ظاهر والمراد الاستحباب على ما سبق قال [السابع الترتيب كما في الوضوء] الترتيب معتبر بين الوجه واليدين كما في الوضوء وتركه ناسيا حكمه ما سبق في الوضوء ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على أصح الوجهين حتى لو ضرب يديه على ح الارض معا وتمكن من مسح الوجه بيمينه ومن مسح يمينه بيساره جاز لان الركن الاصلى هو المسح وأخذ التراب ونقله وسيلة فلا يعتبر فيه ترتيب (خاتمتان) احداهما قال جماعة من الاصحاب اركان التيمم وفروضه خمسة وحذفوا الركن الاول والثاني من السبعة التى عدها في الكتاب والذى فعلوه أولى اما الركن الاول فلانه ما ساقه الا للكلام في التراب المتيمم به ولو حسن عد التراب ركنا في التيمم لحسن عد الماء ركنا في الوضوء والغسل واما الركن الثاني فلان القصد داخل في النقل فانه إذا نقل التراب علي الوجه الذى سبق وقد نوى التيمم كان قاصدا الي التراب لا محالة وحذف بعضهم النقل ايضا فاقتصر على اربعة والاكثرون عدوه ركنا وبنوا عليه انه لو احدث بعد اخذ التراب]

(2/334)


[وقبل ان يمسح به الوجه يبطل ما فعله وعليه الاخذ ثانيا كما لو غسل في الوضوء وجهه ثم احدث بخلاف ما إذا اخذ كفا من الماء ليغسل به وجهه فاحدث ثم غسل الوجه جاز لان القصد إلى الماء ونقله لا يجب وقياس ذلك انه لا يضر عزوب النية بعد افترانها باخذ التراب وهو وجه قدمناه لكن الاصح انه لابد من الاستصحاب الي مسح بعض الوجه لما سبق وإذا يممه غيره باذنه وهو عاجز أو قادر وجوزناه واحدث احدهما بعد الضرب واخذ التراب وقبل المسح فقد ذكر القاضى في فتاويه انه لا يضر ذلك لانه الآذن لم يأخذ حتي يبطل بحدثه وحدث المأدون لا يؤثر في طهارة غيره وهذا مشكل بل ينبغى ان يبطل الاخذ بحدث الآذن كما لو كان يتيمم بنفسه ولهذا لو احدث بعد مسح الوجه يبطل ولا نقول انه لم يمسح حتى يبطل بحدثه ولو ضرب يده علي بشرة امرأة اجنبية عليها تراب فان كان كثيرا يمنع تلاقى البشرتين فلا بأس وان كان قليلا لا يجوز لان اللمس حدث والحدث إذا قارن فعل الطهارة منع الاعتداد به وفرق في التتمة بين ان يضرب اليد عليها في الضربة الاولى أو في الثانية وقال الاخذ للوجه صحيح فا؟ اضرب اليد عليها في المرة الثانية بطل مسح الوجه لانه حدث طرأ في اثناء التيمم والاول هو الوجه فان النقل من الاركان فمقارنة الحدث له كمقارنته لغسل الوجه في الوضوء وهكذا اطلق القاضى في الفتاوى وزاد بعضهم في الاركان طلب التراب وليس ذلك من نفس التيمم فان المريض يتيمم كالمسافر والطلب مخصوص بالمسافر وما يختص به بعض المتيممين لا يكون من نفس مطلق التيمم (الثانية) لم يفرد في الكتاب السنن بالذكر كما فعل في الوضوء وللتيمم سنن منها ما صار مذكورا في]

(2/335)


[كيفية مسح الوجه واليدين ومنها التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى ومنها امرار التراب علي العضد ذكر في التهذيب وغيره انه مستحب ونازع بعضهم فيه ومنها الموالاة وفيها قولان كما في الوضوء ويعتبر ههنا مدة الجفاف لو كان المستعمل ماء هذا إذا اعتبرنا ثم الجفاف وحكى أبو عبد الله الحناطي ههنا طريقة اخرى جازمة بانها لا تشترط في التيمم وذكر القاضى ابن كج طريقة ثالثة
جازمة بالاشتراط ومنها تخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا بنفض اليدين ومنها الا يرفع اليد عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه ومنها الا يكرر المسح وفيه وجه ضعيف قال [الباب الثالث في احكام التيمم وهى ثلاثة الاول انه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة ولا تبطل الصلاة (ح ز) بعد الشروع فيها وتبطل بظن وجود الماء قبل الشروع ولكن المصلي إذا رأى الماء فالاولي له ان يقلب فرضه نفلا علي وجه وان يستمر علي وجه وان يخرج من الصلاة علي وجه ليدرك فضيلة الوضوء وفى وجه يلزمه المضى ولا يجوز الخروج وعلي هذا لو كان في نافلة بطلت لانها غير مانعة من الخروج وهو بعيد نعم لو اراد ان يزيد في ركعات النافلة ففى جوازه وجهان] ذكرنا ان هذا الباب مسوق لبيان فائدة التيمم وهي التى تباح به فتكلم في ثلاثة امور في انه إلى م أبيح وفى انه ماذا يبيح وفى ان ما يبيحه إذا اتى به هل يستغنى عن القضاء ام لا أما الاول فلا شك في ان التيمم يبطل بعرض الحدث كالوضوء ويختص هو بالبطلان بعروض القدرة علي استعمال الماء فجعل كلام الحكم الاول فيه واعلم ان التيمم على قسمين احدهما ما يرخص فيه مع وجدان الماء كتيمم المريض والثاني ما يكون بسبب اعواز الماء أو الحاجة إليه أو الخوف من]

(2/336)


[الاستقاء وما اشبه ذلك فالاول لا يتأثر برؤية الماء وطلوع الركب بحال واما الثاني فيتأثر بذلك وجملته ان ننظران رأى الماء خارج الصلاة يبطل تيممه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال لابي ذر رضي الله عنه (إذا وجدت الماء فامسسه جلدك) وكذا لو لم يتيقن الظفر بالماء لكن ظنه كما لو طلع عليه ركب أو اطبقت بالقرب منه غمامة أو توهمه كما إذا تخيل سرابا ماء لانه يجب عليه الطلب عند حدوث هذه العوارض وقد ذكرنا انه إذا وجب الطلب بطل التيمم وانما يبطل التيمم في هذه الصور بشرط ان لا يقارن هذه العوارض مانع آخر من استعمال الماء فلو قارنها مانع لم يبطل التيمم لانه يجوز التيمم ابتداء فاولى ان يدفع البطلان دواما وذلك كما إذا وجد ماء وهو محتاج إليه لسقيه أو وجده في قعر بئر وهو عند العثور عليه عالم بتعذر الاستقاء أو قال انسان اودعني فلان ماء وهو حين يسمع يعرف غيبة المودع وما اشبه ذلك وان رأى الماء في الصلاة فلا يخلو
اما ان تكون الصلاة مغنية عن القضاء أو لا تكون فان لم تكن مغنية عن القضاء كما إذا تيمم الحاضر لعدم الماء وشرع في الصلاة ثم رأى الماء في صلاته فهل تبطل صلاته وتيممه فيه وجهان احدهما لا لانه شرع في الصلاة بطهور امر باستعماله فيتمها محافظة على حرمتها ثم يتوضأ ويعيد واصحهما نعم لان الحاضر تلزمه الاعادة إذا وجد الماء بعد الفراغ فإذا وجده في اثناء الصلاة فليشتغل بالاعادة وان كانت مغنية عن القضاء فظاهر المذهب المنصوص انه لا يبطل تيممه ولا صلاته واشار المزني إلى تخريج قول انهما يبطلان وبه قال أبو حنيفة واحمد في رواية وساعد ابن سريج المزني علي التخريج وقال المستحاضة إذا انقطع دمها في الصلاة تبطل صلاتها فليكن المتيمم برؤية الماء كذلك لان الضرورة قد ارتفعت في الصورتين وجعل المسألتين علي قولين بالنقل والتخريج وجه الاول انه لو طلع عليه ركب لا يبطل تيممه فكذلك إذا رأى الماء وتيقن وجوده]

(2/337)


[لانهما متلازمان الا ترى انه قبل الشروع ببطل بهما وبعد الفراغ لا يبطل لا بهذا ولا بذاك وايضا لما شرع في الصلاة فقد تلبس بالمقصود ووجدان الاصل بعد التلبس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل حكم البدل كما لو شرع في الصيام ثم وجد الرقبة وأيضا فان احباط الصلاة عليه أشد ضررا من تكليفه شراء الماء بالزيادة على ثمن المثل بقدر يسير فإذا لم يجب ذلك فاستعمال الماء ههنا أولى ألا يجب لحرمة الصلاة ووجه الثاني ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (فأمسسه جلدك) وأيضا فان المعتدة بالشهور لو حاضت في أثنائها تنتقل إلى الاقراء فكذلك ههنا والفرق بين المتيمم والمستحاضة نذكره في أحكام المستحاضة ان شاء الله تعالى ويتعلق بالمذهب المنصوص ويتفرع عليه أمور أحدها أنه يستثنى عنه ما لو شرع في الصلاة وهو مسافر ثم نوى الاقامة فيها بعد وجدان الماء ففى بطلان صلاته وجهان أصحهما البطلان تغليبا لحكم الاقامة وهما كالوجهين فيما إذا كان مقيما ورأى الماء في صلاته ولو شرع المسافر في الصلاة بالتيمم ونوى القصر ثم وجد الماء في الصلاة ونوى الاتمام بعده بطلت صلاته أيضا في أصح الوجهين لان تيممه صح لهذه الصلاة مقصورة وقد التزم الآن زيادة ركعتين والثانى لو كان في صلاة فريضة فهل يجوز له أن يخرج منها ليتوضأ فيه ثلاثة
أوجه أحدها نعم وهل هو أولى فيه وجهان أظهرهما نعم ليخرج من الخلاف فان من العلماء من حرم عليه الاستمرار ولانه لو وجد الرقبة في اثناء الصيام فالافضل أن يعدل الي التحرير فكذلك ههنا والثانى الاولى الاستمرار لان الخروج ابطال للعمل وقد قال الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) حكى الوجهين هكذا الشيخ أبو حامد وطبقه وعن الشيخ ابى محمد والقاضي الحسين أن الخروج المطلق ليس بأولى لا محالة لكن الخلاف في أن الاولي أن يقلب فرضه نفلا ويسلم عن ركعتين أم الاولي أن يتم الفريضة فمن صائر الي الاول صيانة للعبادة عن الابطال وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين ومن صائر الي الثاني محافظة علي حرمة الفريضة والوجه الثاني في أصل المسألة أنه لا يجوز]

(2/338)


[الاعراض عن الفريضة بحال لان الاعراض ابطال للفريضة والثالث ذكره امام الحرمين أنه يفرق بين أن يضيق الوقت فلا يجوز الخروج لانه ان لم يكن في الصلاة تعين عليه البدار حينئد فإذا كان فيها يمتنع الخروج وان لم يضق الوقت فله الخروج لان الوجوب في أول الوقت موسع والشروع لا يلزم شيئا وهذا التفصيل عنده لا يختص بالتيمم بل مطرد في كل مصل * الثلث إذا لم يخرج منها وأتم الفريضة فكما تمت بطل تيممه ان كان الماء الذى ظفر به باقيا بحاله حتى حكى القاضي الروياني عن والده أنه لا يسلم التسليمة الثانية لان بالتسليمة الاولى تمت الصلاة وبطل التيمم وان لم يكن ذلك الماء باقيا ولم يعرفه المصلي حتى فرغ فكذلك وان عرف فواته وهو بعد في الصلاة فهل يبطل تيممه إذا فرغ وجهان قال صاحب التلخيص نعم وبه قال الشيخ أبو حامد لان التيمم يبطل بوجدان الماء الا في الصلاة التى هو فيها لحرمتها وقال آخرون منهم القفال لا يبطل حتى يجوز له التنفل به لانه حين الفراغ غير واجد للماء ولا متوهم للوجدان * الرابع لو رأى الماء وهو في صلاة نافلة ففى بطلانها وجهان أصحهما لا تبطل كالفريضة والثانى أنها تبطل لان حرمتها قاصرة عن حرمة الفريضة الا يرى أنها لا تلزم بالشروع والفريضة تلزم وهذا الوجه حكاه امام الحرمين قدس الله روحه عن ابن سريج رحمه الله فعلى الاول الاصح لو كان قد شرع فيها من غير تعيين عدد في نيته لم يزد علي ركعتين نص عليه لان الاولي في النوافل أن تكون مثني مثني فليسلم عن ركعتين وليصل بالوضوء
وعن القاضى الحسين أن له أن يزيد ما شاء وان كان قد نوى ركعة أو ركعتين فلا يزيد على ما نوى لان الزيادة كافتتاح نافلة بعد وجود الماء الا ترى أنه تفتقر الزيادة إلى قصد جديد وعن القفال أنه يجوز أن يزيد ما شاء لان حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم بخلاف مالو سلم وأراد افتتاح نافلة أخرى ولو نوى عددا فوق الركعتين ثم رأى الماء فهل يستوفى ما نواه أم يجب الاقتصار علي ركعتين فيه وجهان أظهرهما أن له أن يستوفى ما نواه لان احرامه انعقد لذلك العدد فأشبه المكتوبة]

(2/339)


[المقدرة وعلي هذا ففي جواز الزيادة علي المنوي الوجهان المذكوران في جواز الزيادة علي الركعتين إذا نواهما واصل هذه المسائل أن المصلى بسبيل من زيادة الركعات ونقصانها في النوافل المطلقة كيف شاء وسيأتي ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى فإذا وقفت على ما ذكرنا فعد إلى ألفاظ الكتاب (اعلم) أن قوله أنه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة وان كان مطلقا مشروط بشرطين أحدهما أن يكون ذلك التيمم غير تيمم المريض ونحوه والثاني ألا يقارن رؤية الماء مانع يرخص في ابتداء التيمم على ما بيناهما وقوله ولا تبطل برؤية الماء بعد الشروع فيها مقيد بما إذا كانت الصلاة مغنية عن القضاء والا فهى باطلة علي الاصح ولابد من استثناء الصورتين المذكورتين من قبل أيضا وقوله ولكن المصلي إذا رأى الماء لا يتعلق بقوله ويبطل بظن الماء قبل الشروع وان كان مذكورا عقيبه بل بقوله لا تبطل بعد الشروع فيها والوجوه الثلاثة التى ذكرها في أن الاولى ماذا كلها مبنية على أنه يجوز له الخروج وترك الفريضة والذى يقابله قوله وفى وجه يلزمه المضي ولا يجوز الخروج وليس في الجمع بين هاتين العبارتين سوى الايضاح وقوله وعلي هذا لو كان في نافلة بطلت لانها غير مانعة يعني به انا إذا قلنا بوجوب المضي في الفريضة انما نقول به لحرمة الفريضة وليس للنافلة حرمة مانعة من الخروج فتبطل وقوله وهو بعيد يجوز أن يريد به هذا البناء ووجه البعد فيه أن قضية وجوب المضى لحرمة الفريضة أن يقول بعدم الوجوب إذا فقدنا تلك الحرمة فاما أن يقول بالبطلان فلم وطريق توجيه البطلان أن يقال رؤية الماء تقتضي البطلان مطلقا خالفناه في الفريضة لزيادة حرمتها كما أشرنا إليه لكن صاحب الكتاب لم يرد استبعاد البناء
وانما أراد استبعاد أصل الوجه وهو بين من كلامه في الوسيط واستقرب بالاضافة إليه التردد في زيادة الركعات *]

(2/340)


[قال [الثاني ألا يجمع بين فرضين بتيمم واحد ويجمع بين فرض ونوافل وبين فرض ومنذورة ان قلنا يسلك بها مسلك جائز الشرع لا مسلك واجبه وبين فرض وركعتي الطواف الا إذا قلنا انهما فريضة ويجمع بينهما وبين الطواف بتيمم واحد علي احد الوجهين لانهما كالتابع له ويجمع بين فريضة وصلاة جنازة ولا يقعد في صلاة الجنازة مع القدرة على القيام هذا نصه وقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل ان تعيت عليه فلها حكم الفرض وقيل لها حكم النفل ولكن القعود لا يحتمل مع القدرة لان القيام اظهر ركانها] لا يؤدى بالتيمم الواحد مما يتوقف على الطهارة الا فريضة واحدة خلافا لابي حنيفة حيث قال يؤدى به ما شاء وكذلك قال احمد في رواية وفى رواية اخرى يتيمم لوقت كل صلاة لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال (من السنة الا يصلي بالتيمم الا مكتوبة واحدة ثم يتيمم للاخرى) والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لان التيمم طهارة ضرورة فلا يؤدى به فريضتان ولا فرق بين ان يتحد الجنس كصلاتين أو طوافين أو يختلف كصلاة وطواف ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي وحكي القاضي الرويانى]

(2/341)


[في الصبى هل يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وجهين والصحيح انه لا يجمع لانه وان لم يكن مكلفا لكن ما يؤديه حكمه حكم الفرائض الا ترى انه ينوى بصلاته المفروضة ولا فرق في المكتوبة بين الفائتة والمؤداة واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكى وجها انه يجوز الجمع بين الفوائت وبين الفائتة والمؤداة ويجوز ان يجمع المتيمم بين فريضة ونوافل لان النوافل مما لا يمكن المنع منها وفى تجديد التيمم لكل واحدة منها حرج عظيم لانها لا تنضبط وايضا فهي اتباع للفرائض بخلاف الفرائض بعضها مع بعض ثم في الفصل مسائل (احداها) هل يجمع بين مكتوبة ومنذورة فيه وجهان وربما قيل قولان اصحهما لا لانها مفروضة متعينة على الناذر فاشبهت المكتوبة والثانى نعم لانها وجبت
بعارض فلا يلحق بالمفروض الاصلي وهذا الخلاف مبني على اصل في النذر وهو انه يسلك بالمنذور مسلك واجب الشرع أو مسلك أقل ما يتقرب به وفيه وجهان فإذا نذر هديا حمل في قول علي شئ من النعم لانه الهدى الواجب شرعا وعلي قول له ان يقتصر علي دجاجة وقطعة لحم لان ذلك مما يتقرب به وإذا قلنا بهذا القول فيعطى المنذور حكم القربات التى لا تجب حتى يجوز القعود في الصلاة مع القدرة علي القيام ويجوز اداؤها علي الراحلة وإذا قلنا بالاول لا يجوز وقول الاصحاب يسلك به مسلك جائز الشرع أي في الاحكام مع وجوب الاصل وعنوا بجائز الشرع ههنا القربات التي جوز تركها ويجرى الخلاف فيما لو جمع بين منذورتين (الثانية) في وجوب ركعتي الطواف قولان يذكران في موضعهما فان لم نوجبهما فلا يخفى جواز الجمع بينهما وبين]

(2/342)


[الطواف وبينهما وبين مكتوبة وان اوجبناهما ففى الجمع بينهما وبين الطواف وجهان احدهما ويحكى عن ابن سريج انه يجوز لانهما تابعتان للطواف أو كالجزء منه بمثابة بعض الاشواط واصحهما انه لا يجوز لان ركعتي الطواف عبادة مستقله ولهذا يحتاج الي نية مفردة بخلاف بعض الاشواط والخلاف في الوجوب مخصوص بركعتي طواف الفرض اما ركعتا طواف التطوع فتطوع ومنهم من اجرى القولين في ركعتي طواف التطوع أيضا وقال اتفاق الفرض والنفل في الشرائط لا ينكر الا يرى ان صلاة الفرض والنفل يستويان في اعتبار الطهارة وستر العورة فعلى هذا لو صلى فريضة بتيمم وطاف تطوعا هل له ان يصلى به ركعتي الطواف فيه وجهان وفى جواز الجمع بين الخطبة وصلاة الجمعة بالتيمم الواحد وجهان كالوجهين في الجمع بين الطواف أو اجب وركعتيه إذا اوجبناهما لان الخطبة تابعة للصلاة كالركعتين للطواف وهذا علي قولنا تشترط طهارة الحدث في الخطبة الثالثة نص في المختصر انه يجمع بين فريضة وصلاة جنازة وفى موضع آخر انه لا يقعد فيها مع القدرة علي القيام وانها لا تؤدى علي الراحلة فهذا يقتضي الحاقها بالفرائض والاول يقتضى الحاقها بالنوافل واختلفوا فيه علي ثلاثة طرق احدها ان المسألتين علي قولين نقلا وتخريجا احدهما انها ملحقة بالفرائض فلا يجوز الجمع ولا القعود ولا علي الراحلة لانها فرض في الجملة والفرض بالفرض اشبه منه بالنفل وان اختلفت
كيفية الافتراض والثاني انها ملحقة بالنوافل فيجوز فعلها على الراحلة والجمع والقعود لان فروض الكفايات كالنوافل في جواز الترك وعدم الانحصار والطريق الثاني تنزيل النصين على حالين حيث قال يجمع اراد ما إذا لم يتعين عليه وفى هذه الحالة له ان يقعد ويؤديها على الراحلة وحيث قال لا يقعد اراد ما إذا تعينت عليه بان لم يحضر غيره وفى هذه الحالة لا يجمع والثالث ان حكمها]

(2/343)


حكم النفل على الاصلاق الا انه لا يسامح بالقعود فيها لان قوامها بالقيام إذ ليس فيها ركوع ولا سجود فإذا قعد فيها بطلت صورتها بالكلية فلا تلحق في هذا الحكم بالنوافل وهذا تقرير النصين وظاهر المذهب جواز الجمع بكل حال ولو جمع بين صلاتي جنازة بتيمم واحد ففيه هذا الخلاف ولو اراد ان يصلى على جنازتين صلاة واحدة فقد قال بعضهم يبنى ذلك على الخلاف ان اعتبرنا لكل صلاة تيمما لم يجز ذلك والا فيجوز وقال صاحب المعتمد ينبغي ان يجوز ذلك بكل حال لانه إذا جاز سقوط الفرضين بصلاة واحدة جاز الاقتصار على التيمم الواحد قال * (ومن نسى صلاة من خمس صلوات يصلي خمس صلوات بتيمم واحد وان نسي صلاتين فان شاء صلى خمس صلوات بخمس تيممات وان شاء اقتصر على تيممين وادى بالتيمم الاول الاربعة الاولى من الخمسة وبالثاني الاربعة الاخيرة من الخمسة) * إذا نسى صلاة من صلوات نظر ان كانت متفقة كما إذا نسي ظهرا من اسبوع فلا يلزمه الا ظهر واحدة ولا اثر للتردد في اليوم الذي فاتت منه ولا يخفى انه يفردها بتيمم وان لم تكن متفقة كما إذا نسى صلاة من الصلوات الخمس فيلزمه ان يأتي بالخمس ليخرج عن العهدة بيقين وعن المزني انه يكفيه ارب ركعات ينوى بها فائتته ويجلس في الثلاث الاخيرة ويسجد للسهو ويسلم وهل

(2/344)


[يكفيه تيمم واحد للجميع أم يفتقر لكل واحدة إلى تيمم فيه وجهان أحدهما ويحكى عن ابن سريج أنه يفتقر لكل صلاة إلى تيمم لان كل واحدة منها واجبة عليه بعينه فأشبهت الفائتتين وهذا اختيار الخضرى وأصحهما وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن القاص وابن الحداد أنه يكفيه تيمم واحد
للجميع لانها وان كانت واجبة الفعل فالمقصود منها واحدة وما عداها كالوسيلة إليها قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان علي أنه لا يجب تعبين الفريضة المقصودة بالتيمم فان أوجبنا لتعبين وجب لكل واحدة تيمم لا محالة ولك أن تقول انما يجب التعبين إذا كانت الفريضة معينة فأما إذا لم تكن فيجوز أن يقال ينوى بتيممه ما عليه ويحتمل منه التردد والابهام كما يحتمل في كل واحدة من الصلوات ينوى أنها فائتته وهو متردد في ذلك ويجوز أن يعلم قوله يصلي خمس صلوات بالزاى لان عنده يكفيه صلاة واحدة بالصفة التى تقدمت وان نسي صلاتين من صلوات نظر أن كانتا مختلفتين وهى الحالة المرادة من مسألة الكتاب كما إذا نسى صلاتين من الوظائف الخمس فيجب الاتيان بالخمس لا محالة وحكم التيمم يبنى علي ما إذا كانت المنسية واحدة فان قلنا يجب ثم خمس تيممات فكذلك ههنا وان قلنا ثم يكفى تيمم واحد فما الذى يفعل ههنا قال ابن القاص يتيمم لكل واحدة منها ويقتصر عليها وقال ابن الحداد يقتصر علي تيممين ويزيد في عدد الصلوات فيصلي بالتيمم الاول الفجر والظهر والعصر والمغرب وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيخرج عن العهدة بيقين لانه صلى الظهر]

(2/345)


[والعصر والمغرب مرتين بتيممين فان كانت الفائتتان من هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم وان كانت الفائتتان الفجر والعشاء فقد تأدت الفجر بالتيمم الاول والعشاء بالثاني وان كانت احدى الفائتتين احدى الثلاث واخر الفجر والعشاء فكذلك ولا شك أن ما ذكره ابن القاص جائز عند ابن الحداد فيخرج عن العهدة والذى ذكره ابن الحداد هل يجوز عند ابن القاص ظاهر كلامه في التلخيص أنه لا يجوز وقال الصيدلاني وغيره من الائمة لا خلاف بينهما وكل واحد منهما يجيز ما قاله الآخر فان كان الاول التقى كلام ابن القائن والخسرى في هذه الصورة ونظائرها وإذا كان الثاني انتظم أن يقال هو مخير ان شاء فعل ذلك وان شاء فعل هذا كما ذكره في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله ان شاء وان شاء بالواو لظاهر كلامه في التلخيص وبالزاى ان قياس قوله أن لا يلزمه واحد من الامرين بل يكفيه صلاتان كما ذكرنا بتيممين وحكى وجه آخر أنه يتيمم مرتين ويصلي بكل واحد منهم الصلوات الخمس لانه للفائتة الواحدة يقضي الخمس بتيمم فللفائتتين يلزمه ضعف ذلك وهذا أبعد الوجوه عند مشايخ الاصحاب
من جهة أنه إذا صلي الاربع بالتيمم الاول فقد علم سقوط احدي الفائتتين عنه ففعل الخامسة عبث لانه لا يتأدى فرضان بتيمم واحد والمستحسن عندهم ما ذكره ابن الحداد ولابد فيه من زيادة في عدد الصلوات فيجب معرفة ضابط القدر الزائد وما يشترط في كيفية أدائها ليخرج عن العهدة أما الضابط فهو أن يزيد في عدد المنسى فيه عددا لا ينقص عما يبقى من المنسى فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم المجموع صحيحا على المنسى بيانه في الصورة المذكورة المنسى صلاتان والمنسى فيه خمس يزيد عليه ثلاثة لانها لا تنقص عما ببقى من الخمسة بعد اسقاط الاثنين بل يساويه والمجموع وهو ثمانية ينقسم على الاثنين صحيحا ولو أنه أبي بعشر صلوات يجزيه عما ذكرنا في الوجه الاحير لانه زاد ما لا ينقص عن الباقي من المنسي فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم مع الاصل صحيحا عليه وأول عدد يزيد عليه ووجد فيه الوصفان المذكوران حصل به الفرض فان تكلف زيادة عليه فأولى أن يجزيه وأما ما يشترط في كيفية الاداء فانه يبتدئ من المنسي فيه بأية صلاة شاء ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه]

(2/346)


[القسمة لكن شرط خروجه عن العهدة بالعدد المذكور أن يترك في كل مرة ما ابتدأ به في المرة التي قبلها ويأتي في المرة الاخيرة بما بقى من الصلوات فلو صلى في المثال الذى سبق بالتيمم الاول الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالثانى الصبح والظهر والعصر والمغرب فقد أخل بهذا الشرط ان لم يترك في المرة الثانية ما ابتدأ به في المرة الاولي وانما ترك ما ختم به في المرة الاولى فلا يخرج عن العهدة لجواز أن يكون ما عليه الظهر أو العصر أو المغرب مع العشاء فبالتيمم الاول صحت تلك الصلاة ولم تصح العشاء وبالتيمم الثاني لم يصل العشاء فلو صلى العشاء بعد ذلك بالتيمم الثاني خرج عن العهدة وقد أشار إلى هذا الشرط في الكتاب بقوله وأدى بالاول الاربع الاولى من الخمس وبالثانى الاربع الاخيرة ولو نسى ثلاث صلوات من صلوات يوم وليلة ولم يعرف عينها فعلى طريقة صاحب التلخيص يتيمم خمس تيممات ويصلي الخمس وعلى الوجه الاخير يتيمم ثلاث مرات ويصلى بكل واحد منها الخمس وعلى قول ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويزيد في عدد الصلوات فيضم الي الخمس أربعا لان الاربعة لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد اسقاط الثلاثة بل يزيد عليه وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا
علي الثلاثة ولو ضممنا إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لما انقسم ثم يصلى بالتيمم الاول الصبح والظهر والعصر وبالثاني الظهر والعصر والمغرب وبالثالث العصر والمغرب والعشاء وله غير هذا الترتيب إذا حافظ على الشرط المذكور فلو أخل به كما إذا صلى بالتيمم الاول العصر ثم الظهر ثم الصبح وبالثانى المغرب ثم العصر ثم الظهر وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر لم يخرج عن العهدة لجواز أن يكون التي عليه الصبح والعشاء وثالثهما الظهر أو العصر فيتأدى بالتيمم الاول الظهر أو العصر ويتأدي بالثالث العشاء ويبقى الصبح عليه فيحتاج الي تيمم رابع للصبح وقس علي هذا نظائره هذا كله فيما إذا نسي صلاتين مختلفتين أو أكثر أما إذا نسى صلاتين متفقتين من صلوات يومين فصاعدا فعليه أن يأتي بعشر صلوات صبحين وظهرين وعصرين ومغربين وعشائين ليخرج عن العهدة بيقين ويجب لها]

(2/347)


[عشرة تيممات علي لوجه المنسوب إلى الخضرى وعند معظم الاصحاب يكفيه تيممان يصلى بكل واحد منهما الصلوات الخمس ولا يكفى ههنا ثمان صلوات بتيممين بخلاف ما إذا كانتا مختلفتين لانه إذا فعل ذلك لم يأت بالصبح الا مرة واحدة بالتيمم الاول ولا بالعشاء الا مرة بالتيمم الثاني ويجوز أن يكون ما عليه صبحين أو عشائين ولو لم يعلم أن فائتتيه متفقتان أو مختلفتان أخذ بالاسوأ وهو أن تكونا متفقتين فيحتاج إلى عشر صلوت بتيممين لا يكفيه الاقتصار علي الثمان والوجه الذى هو اختيار الخضرى لا يخفى والله أعلم: وان اشتبه الحال علي حاج فلم يدر أترك صلاة فرض أم طواف فرض أتى بالطواف وبالصلوات الخمس بتيمم واحد وعلي وجه الخضرى يحتاج إلى ستة تيممات ولو صلى منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة وأراد اعادتها معهم فان قلنا المعادة سنة له أن يعيدها بذلك التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه فهل يجوز فعله بذلك التيمم فيه وجهان كالوجهين فيما إذا نسى صلاة من الخمس هل يكفيه لها تيمم واحد والصحيح أنه يكفى ولو صلي الفرض بالتيمم علي وجه يحتاج إلى قضائه كالمربوط علي الخشبة ونحوه وأراد القضاء بالتيمم فيبني علي أن الفرض المعاد أو الاول أو كلاهما أو احدهما لا بعينه ان قلنا الفرض المعاد أو كلاهما افتقر إلى تيمم آخر وان قلنا الفرض الاول فلا حاجة الي اعادة التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه
فهو على الوجهين السابقين قال [وكذلك لا يتيمم لفريضة قبل دخول (ح) وقتها ووقت صلاة الخسوف بالخسوف ووقت الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء ووقت صلاة المبت بغسل الميت والفائتة بتذكرها والنوافل الرواتب لا يتأقت تيممها علي أحد الوجهين ولو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤدبه الا ظهرا بعد الزوال فهو جائز علي الاصح وكذا لو تيمم للظهر ثم تذكر فائتة فاداها به جاز على الاصح ولو تيمم لنافلة ضحوة وقلنا يستباح به الفريضة فأدى الظهر به فعلي هذا الخلاف]

(2/348)


[لا يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها خلافا لابي حنيفة لنا انه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها لم يصح للفرض وهل يصح للنفل حكى بعضهم فيه وجهين بناء علي أن من احرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وظاهر المذهب انه لا يصح تيممه لا للفرض ولا للنفل وهذا الاصل يطلق اطلافا الا انه لابد من استثناء صورة عنه وهى ما إذا كان يجمع بين صلاتي الجمع بالتيمم فان ظاهر المذهب أن الجمع بين الصلاتين بتيممين جائز وحينئذ إذا قدم الاخيرة فقد تيمم لها قبل وقتها الاصلى ولو تيمم وصلى الظهر ثم تيمم فيضم إليها العصر فدخل وقت العصر قبل ان يشرع فيها فيبطل الجمع ولا يصلح ذلك التيمم للعصر لوقوعه قبل وقتها وانحلال رابطة الجمع وكما لا يقدم التيمم للمؤداة علي وقتها لا يقدم التيمم للفائتة علي وقتها ووقتها يدخل بتذكرها قال صلى الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) وإذا تيمم للفريضة في اول الوقت واخرها إلى آخر الوقت جاز نص عليه لانه تيمم في وقت الحاجة ولو تيمم لفائتة ضحوة النهار ولم يؤدها به حتي زالت الشمس فاراد أن يصلى به الظهر هل يجوز فيه وجهان اصحهما وبه قال ابن الحداد يجوز لان التيمم قد صح لما قصده وإذا صح التيمم لفريضة جاز له ان يعدل عنها الي غيرها كما إذا كانت عليه فائتتان فتيمم لاحداهما له ان يصلي الاخرى به دون التى تيمم لها والثاني لا يجوز وبه قال أبو زيد والخضرى لانه يقدم على وقت الظهر فلا يؤدى به كما إذا تيمم لها قبل وقتها ولو تيمم للظهر في وقتها ثم تذكر فائتة فاراد اداءها به فيه]

(2/349)


[طريقان احدهما طرد الوجهين والثاني القطع بالجواز والفرق انه إذا تيمم لقضاء الفائتة ضحوة فقد تيمم والظهر غير واجبة عليه فلا يصلح تيممه لها وههنا تيمم للظهر والفائتة واجبة عليه لكنه لم يكن عارفا بوجوبها وقد سلم الجواز هنا أبو زيد والخضرى وقوله في الكتاب في الصورة الاولى على الاصح يعنى من الوجهين وفى الصورة الثانية يجوز ان يريد الاصح من الوجهين جريا على طريقة طرد الوجهين وسكوتا عن الاخرى ويجوز ان يريد الاصح من الطريقين وهو قضية كلامه في الوسيط لكن طريقة طرد الخلاف اظهر من جهة النقل وكل هذا تفريع علي ان تعيين الفريضة التى يتيمم لها ليس بشرط فان شرطناه لم يصلح التيمم لغير ما عينه وجملة ما ذكرنا فيما إذا كانت الصلاة التى يتيمم لها فريضة اما النافلة فتنقسم الي مؤقتة والى غيرها اما المؤقتة فكالرواتب التابعة للفرائض وصلاتي العيد والكسوف وأوقاتها مذكورة في مواضعها ومنها صلاة الاستسقاء ووقتها اجتماع الناس لها في الصحراء ومنها صلاة الجنازة وبم يدخل وقتها فيه وجهان اظهرهما وهو المذكور في الكتاب انه يدخل بغسل الميت فانها حينئذ تباح وتجرى والثانى وبه اجاب صاحب الكتاب في الفتاوى انه يدخل بالموت فانه السبب المحوج إلى الصلاة فان قدم التيمم لهذه النوافل علي اوقاتها فالمشهور انه لا يصح كما في الفرائض لانه مستغن عن التيمم لها قبل وقتها وحكي امام الحرمين فيه وجهين والفرق ان امر النوافل اوسع ولهذا جاز اذاء نوافل كثيرة بتيمم واحد فصاحب الكتاب ذكر هذا الخلاف في الرواتب وهو غير مخصوص بها وان تيمم لهذه النوافل في اوقاتها جاز له ان يصلي النافلة التى تيمم لها وغيرها وهل يجوز الفريضة يبنى علي القولين اللذين قدمناهما في انه إذا تيمم للنافلة هل يصلي به الفريضة ان قلنا لا فلا يجوز وان قلنا نعم فله ذلك ان تيمم للنافلة في وقت تلك الفريضة ولو تيمم لنافلة ضحوة ثم دخل وقت الظهر فهل له ان يصلي الظهر به علي هذا القول فيه الوجهان المذكوران فيما إذا تيمم لفائتة قبل الزوال هل يصلي الظهر به وقوله فيه هذا الخلاف يعني الوجهين المذكورين دون الطريقين وان كان مذكورا بعد مسألة]

(2/350)


[الطريقين وما ذكرنا من المسائل فيما إذا تيمم للنافلة وحدها مبني علي ظاهر المذهب وهو ان التيمم لمجرد النافلة صحيح وفيه وجه قدمناه واما غير المؤقتة من النوافل فيتيمم لها متى شاء الا في اوقات الكراهية في اظهر الوجهين واعلم ان الشرح قد يقتضى تغيير مسائل الكتاب عن نظمها وترتيبها وهذا الفصل من ذاك قال [الحكم الثالث فيما يقضى من الصلوات المختلة والضابط فيه ان ما كان بعذر (ح) إذا وقع دام فلا قضاء افيه كصلاة المستحاضة وسلس البول وصلاة المريض قاعدا ومضطجعا وصلاة المسافر بتيمم: وإذا لم يكن العذر فيه دائما نظر فان لم يكن له بدل وجب (و) القضاء كمن لا يجد ماء ولا ترابا فصلي علي حسب حاله * والمصلوب إذا صلي بالايماء أو من علي جرحه أو ثوبه نجاسة ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فانها رخصة وان كان لها بدل كتيمم المقيم (و) أو التيمم لالقاء الجبيرة أو تيمم المسافر لشدة (ح) البرد ففي القضاء قولان] التيمم قد يكون بحيث يغنى الصلاة المؤداة به عن القضاء وقد يكون بحيث لا يغنى والغرص الاعظم في هذا الموضع بيان ذلك ثم اختلط به القول في الصلوات المشتملة علي غير ذلك من وجوه الخلل ما التى تقضى وما التى لا تقضى لاندراج الكل تحت ضايط واحد قال الاصحاب الاعذار ضربان عام ونادر فاما العام فيسقط القضاء لان ايجابه مع عموم العذر يفضى إلى عموم المشقة وقال تعالى (وما جعل عليكم من الدين من حرج) ولهذا المعني جعلنا الحيض مسقطا للقضاء وعدوا في هذا القسم صورا منها صلاة المسافر بالتيمم لعدم الماء فلا اعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت ولا قضاء إذا وجده بعده (روى ان رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا وصليا ثم وجدا الماء في الوقت وأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول]

(2/351)


[ألله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذى أعاد لك الاجر مرتين وللذي لم يعد اصبت السنة وأجزأتك صلاتك) والمعنى فيه ان فقد الماء في الاسفار عذر عام وسنبين من بعد ان الحكم غير منوط بالسفر بل بالموضع الذى يغلب فيه فقد الماء وانما لا يقضي المسافر بشرط ألا يكون سفره سفر معصية: أما
لو كان سفر معصية وتيمم وصلى ففى القضاء وجهان: أحدهما لا يقضى لانا إذا أوجبنا عليه التيمم فقد صار عزيمة في حقه بخلاف العصر والفطر ونحوهما فانها لا تجب وأظهرهما أنه يجب لانه وان كان واجبا فسقوط الفرض به رخصة فلا بناط بسفر المعصية وحكي الحناطي مع هذا الخلاف وجها آخر انه لا يتيمم أصلا وهل يشترط لعدم القضاء أن يكون السفر طويلا: فيه قولان أصحهما لا والقصير كالطويل في هذا الحكم لقوله تعالى (وان كنتم مرضى أو علي سفر) الآية واسم السفر يقع علي الطويل والقصير وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رجع عن الجرف فلما بلغ المربد تيمم ثم دخل المدينة فلم يعد مع بقاء القوت والثاني أن يقضي في السفر القصير لانه يلحق بالحضر في امتناع القصر والفطر فكذلك في حكم القضاء ومنهم من قطع بالاول ولم يثبت الثاني قولا للشافعي رضي الله عنه قال امام الحرمين رضى الله عنه وفى هذه الصورة مزيد مع عموم العذر وهو أنه وان اختل الوضوء فقد أثبت الشرع عنه بدلا وهو التيمم فقام مقام المبدل وهذا المعنى يسقط القضاء على قول وان كان العذر نادرا علي ما سنذكره من بعد ولا فرق في نفى القضاء بين أن يكون تيممه عن جنابة أو عن حدث ولو كان مع المسافر ماء لكنه يحتاج إليه للشرب أو عجز عن تناول الماء للخوف من سبع أو ظالم أو لفقدان آلة الاستقاء فتيمم وصلى فكذلك لا اعادة عليه ومنها ما إذا تيمم لمرض مانع من استعمال الماء ومنها المرض المحوج إلى القعود أو الاضطجاع في الصلاة فان المرض علي الجملة من الاعذار العامة فيسقط القضاء: وأما العذر النادر فعلى ضربين نادر إذا وقع دام غالبا ونادر إذا وقع لم يدم غالبا أما الذى يدوم غالبا فيسقط القضاء أيضا لما يلحق صاحبه من المشقة]

(2/352)


[الشديدة وذلك كالاستحاضة وسلس البول والمذى والجرح السائل واسترخاء المقعد ودوام خروچ الحدث منه ولا فرق في هذا القسم بين أن يون عن الصفة الفائتة بدل أو لا يكون فان المستحاضة وان كانت تتوضأ لكل صلاة فريضة لكن ليس للنجاسات الدائمة ازالة ولا بدل عنها وأما الذي لا يدوم غالبا فعلى ضربين أحدهما أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع عن الفائت: والثانى ألا يكون معه بدل فان لم يكن معه بدل وجب القضاء لدور العذر وفوات الصفة المطلوبة لا الي بدل وذكر في]

(2/353)


[الكتاب لهذا القسم صورا منها ما إذا لم يجد ماء ولا ترابا فصلى وقد يفرض فقدهما جميعا في حق المحبوس في موضع لا يجد واحدا منهما أو في موضع لا يجد الا ترابا نجسا أو فيما إذا كانت الارض متوحلة ولم يقدر على تخفيف الطين فإذا اتفق ذلك ببعض هذه الاسباب أو غيرها فهل يجب عليه الصلاة في القديم لا يجب لانه يجب عليه الاعادة وان صلى فلو أوجبناه لالزمناه ظهرين وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لاظهر ان في يوم) نعم يستحب ذلك لحرمة الوقت والجديد الصحيح أنه يجب عليه الصلاة في الوقت لانه استطاع الاتيان بافعال الصلاة وان عجز عن الطهارة وقد قال]

(2/354)


[صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) وصار كما إذا عجز عن ستر العورة لا يترك الصلاة بسببه ومنهم من نقل القول القديم في الحرمة وقال يحرم عليه أن يصلي كالحائض وبه قال أبو حنيفة وإذا صلى في الوقت امنثالا لما أمرناه به وجوبا أو ندبا فظاهر المذهب وجوب الاعادة لان هذا عذر نادر لا دوام له وحكي بعض الاصحاب فيه قولين وهذا العادم وان أمر بالصلاة والحلة هذه لا يجوز له حمل المصحف وقراءة القرآن ان كان جنبا وان كان حائضا فليس للزوج غشيانها ولو قدر على أحد الطهورين في خلال الصلاة بطلت صلاته ومنها المربوط على الخشبة ومن شد وثاقه على الارض يصلي على حسب حاله بالايماء ثم يعيد لانه عذر نادر بخلاف المريض يصلي بالايماء ولا يعيد لان عذر المرض يعم وقال الصيدلاني ان كان مستقبل القبلة فلا اعادة عليه كالمريض يصلي بالايماء علي جنب وان لم يكن يلزمه الاعادة قال وكذا الغريق يتعلق بعود ويصلي بالايماء يعيد إذا كان الي غير القبلة وذكر في التهذيب نحوا من هذا في مسألة الغريق فقال لا يعيد ما صلى إلى القبلة بالايماء وما صلى إلى غير القبلة فيه قولان أحدهما لا يعيد أيضا كما لو صلى بالايماء إلى القبلة واصحهما أنه يعيد بخلاف ما لو صلي بالايماء لان حكم الايماء أخف من ترك القبلة الا ترى أن المريض يصلي بالايماء ولا يعيد وإذا لم يجد من يحوله إلى القبلة يصلي إلى غيرها ويعيد: وأما مسألة المربوط فلم يذكر فيها هذا التفصيل وحكم بوجوب الاعادة وبه قال امام الحرمين قدس الله روءحه ومنها إذا كان على بدنه جراحة عليها دم وخاف من غسله التلف صلى وأعاد وان كانت على أعضاء الوضوء تيمم وصلى وأعاد فان هذا]

(2/355)


[الخلل ليس له بدل والعذر نادر غير دائم وفي القديم قول انه لا يعيد وبه قال أبو حنيفة والمزنى وكذلك الخلاف فيما إذا كان محبوسا في مكان نجس وصلي على النجاسة هل يعيد أم لا والقول القديم مطرد في كل صلاة وجبت في الوقت وان كانت مختلة وهو اختيار المزني والضرب الثاني أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع يعدل إليه ففى وجوب القضاء خلاف نفصله في صور هذا القسم منها المقيم إذا تيمم لعدم الماء فظاهر المذهب أنه يجب عليه القضاء لان عدم الماء في موضع الامامة نادر وإذا اتفق لا يدوم غالبا فان أهل ذلك الموضع يتبادرون إلى الاصلاح والاثباط فلا يصلح عذرا دافعا للقضاء والبدل المعدول إليه يقام مقام الاصل في جواز الاتيان بالصلاة حتى لا يخلو الوقت عن وظيفته وفى القديم وهو اختيار المزني أنه لا اعادة عليه لانه أتي بالمقدور عليه]

(2/356)


[واعلم أن وجوب القضاء على المقيم إذا قلنا بظاهر المذهب ليس لعلة الاقامة بل لان فقد الماء في موضع الافامة نادر وكذلك عدم الوجوب في السفر ليس لانه مسافر بل لان الفقد في السفر مما يعم ويغلب حتي لو أقام الرجل في مفازة أو موضع يعدم فيه الماء غالبا وطالت اقامته فيه يتيمم ويصلي ولا يعيد وفى مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر وكان يقيم بالربذة ويفقد الماء أيا (فسأل عن ذلك فقال ما لتراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج) ولو دخل المسافر في طريقه بلده أو قرية وعدم الماء وتيمم وصلى أعاد علي أظهر الوجهين فان كان حكم السفر باقيا نظر إلى ندرة العدم في ذلك الموضع وإذا عرفت ذلك فقول الاصحاب المقيم يقضي والمسافر لا يقضي جار على الغالب من حال السفر والاقامة والحقيقة وما بينا ومنها التيمم لالقاء الجبيرة وجملته أنه إذا كان به عذ يمنع من استعمال الماء في بعض محل الطهارة دون بعض فغسل المفدور عليه وتيمم وصلي هل يجزيه ذلك أم يلزمه القضاء عند زوال العذر ننظر ان لم يكن على محل العذر ساتر من جبيرة]

(2/357)


[ولصوق فيجزيه ولا قضاء عليه لانه لو تجرد التيمم لشئ من العلل والامراض لما كان عليه اعادة
فإذا انضم إلى التيمم غسل بعض الاعضاء كان أولى ألا يجب عليه الاعادة وان كان على محل العذر سائر فنظر أن ألقاه علي الطهارة ففى القضاء قولان أحدهما يجب لانه عذر نادر غيره دائم وأظهرهما أنه لا يجب لحديث جابر في الشجوج كما تقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعادة مع الحاجة إلى البيان ولا المسح علي الخف يغنى عن الاعادة مع أنه لا ضرورة إليه فالمسح على الجبيرة أولى لمكان الضرورة وان ألقاه لا علي الطهارة فعليه النزع ان أمكن ولا يجوز المسح عليه كما سبق وان تعذر النزع مسح وصلى للضرورة وهل يعيد فيه طريقان أظهرهما نعم لفوات شرط الوضع علي الطهارة والثاني طرد القولين فيه وذكر بعضهم أنه ان وضع علي الطهارة فلا يعيد في القديم قولا واحدا وفى الجديد قولان وان لم يضع علي الطهارة فيعيد في الجديد قولا واحدا وفى القديم قولان ولا خلاف في جريان الخلاف في الاعادة بين أن نقول بوجوب التيمم مع غسل المقدور عليه وبين أن لا نوجب التيمم ويجوز الاقتصار علي الغسل وقد بينا الخلاف فيه في موضعه وعن أبى حفص ابن الوكيل أن الخلاف في الاعادة علي قولنا أنه لا يتيمم أما إذا قلنا بوجوب التيمم فلا اعادة بلا]

(2/358)


[خلاف وهذا كله فيما إذا كانت الجبيرة أو اللصوق علي غير محل التيمم فأما إذا كان علي محل التيمم وجبت الاعادة لا محالة لنقصان البدل والمبدل جميعا كذلك ذكره ابن الصباغ في الشامل وأبو سعيد المتولي في التتمة ومنها التيمم لشدة البرد فان اتفق ذلك في السفر ففى اعادة الصلاة المؤداة به قولان أحدهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة لان عمرو بن العاص تيمم بسبب البرد في غزوة ذات السلاسل وصلى وحكي ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالاعادة وأصحهما أنها تجب لان البرد وان لم يكن شيئا نادرا لكن العجز عما يسخن به الماء وعن ثياب يدفا بها مع ذلك نادر وأن اتفق فانه لا يذوم فلا يسقط الاعادة وان اتفق في الحضر فالمشهور وجوب الاعادة وعن أبي الحسن بن القطان انه يبنى ذلك على السفر ان قلنا يعيد في السفر ففى الحضر أولى وان قلنا لا يعيد ثم ففى الحضر قولان ونعود إلى ما يتعلق من هذه المسائل بألفاظ الكتاب ونظمه خاصة]

(2/359)


[اعلم انه اهمل التقسيم الاول الذى حكيناه عن الاصحاب حيث قالوا العذر ينقسم إلى عام ونادر ثم قالوا النادر ينقسم إلى دائم وغير دائم واقتصر على تقسيم العذر إلى دائم إذا وقع والى غير دائم ويدخل العام والنادر في كل واحد من هذين القسمين الا ان دوام الوقوع ليس بشرط في قسم العام بل هو مسقط للقضاء دام أو لم يدم الا ترى ان حاجة المسافر الي ما عنده من الماء للشرب مسسقط للقضاء لانه يعم ولا يظهر فيها الدوام والاستمرار بل عدم الماء في السفر مما لا يدوم ايضا غالبا فانه ان فقد الماء في مرحلة وجده في المرحلة الاخرى فإذا كان كذلك فلمضايق أن يضايق في عده صلات المسافر بالتيمم على موجب التقسيم الذى ذكره من القسم الاول وللمضايقة وجوه أخر لا نطول بذكرها وأما قوله فان لم يكن لها بدل وجب القضاء ينبغى ان يعلم بالقاف والزاى لما ذكرنا من القول الذى اختاره المزني وقوله فصلى فيمن لم يجد ماء ولا]

(2/360)


[ترابا بالحاء والقاف لمذهب ابي حنيفة والقول الموافق له كما سبق وقوله أو المصلوب صلي بالايماء المراد منه المربوط علي الخشبة وليعلم بالواو لما ذكرنا في شرح المسألة بقى ان يقال لم عدها من قسم ما لا بدل له وهلا جعل الايماء بدلا عن الركوع والسجود والجواب ان المعني بالبدل في هذا المقام الشئ المضبوط الذى يعدل إليه العاجزون كلهم كالتيمم مع الوضوء والايماء ليس كذلك بل يختلف بالاحوال والاشخاص وله درجات متفاوتة ينزل المعذور من كل واحدة إلى ما يليها بحسب الامكان وأما قوله ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فليس المراد الاستثناء من الصورة الاخيرة وهى ما إذا صلي وعلي جرحه نجاسة وجدها بل المراد الاستثناء من اصل هذا القسم وهو ندور العذر وعدم البدل وذلك لان في الصلاة حالة المسابقة اختلالا ظاهرا في الافعال والاركان ويحتمل ايضا كثرة الافعال وتلطخ السلاح بالدم علي تفصيل يأتي في موضعه وليس لها بدل وانما احتمل ذلك رخصة بالنص قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ونازع امام الحرمين قدس الله روحه في كون القتال والنجاسة من الاعذار النادرة وقال هو كثير الوقوع في حق المقاتلة فعلى هذا صلاة شدة الخوف غير مستثناة عن هذا القسم وقوله أو التيمم لالقاء الجبيرة مطلق لم يفرق بين ان
يكون الوضع والالقاء علي الطهارة اولا علي الطهارة فهذا جواب علي طريقة طرد القولين في الحالتين وفى عده مسألة الجبيرة من الاعذار التي لا تدوم كلام فان القاضى ابا المحاسن الروياني قال هي ملحقة بالنادر الذى يدوم وذكر كثيرون من الاصحاب ان الكثير من جملة الاعذار العامة وعلى هذا فلا اعتبار بكونه دائما أو غير دائم ولا يستبعدن قولهم انه عام فانه لا يعنى بالعموم في هذا الباب سوى الكثرة والكسر والانخلاع كثير ليس بنادر واما قوله أو تيمم المسافر لشدة]

(2/361)


[البرد فالتخصيص بالمسافر يشير إلى انه لو كان مقيما وتيمم لشدة البرد قضي بلا خلاف وهو الظاهر كما تقدم قال [والعاجز عن السترة في كيفية صلاته ثلاثة اوجه في وجه لا يتم الركوع والسجود بل يومئ حذرا من كشف العورة وفى وجه يتم وفى وجه يتخير فان قلنا لا يتم فيقضى لدور العذر وعدم البدل وان قلنا يتم فالاظهر انه لا يقضى لان وجوب الستر ليس من خصائص الصلاة] العاجز عن ستر العورة إذا صلى عاريا هل يقضى يبنى ذلك علي أنه كيف يصلي وفيه قولان أحدهما وهو اختيار المزني أنه يصلي قاعدا ليكون أقرب إلى التستر وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة وعلي هذا هل يتم الركوع والسجود أم يقتصر علي الايماء وادناء الجبهة من الارض فيه قولان وأصحهما انه يصلي قائما ويتم الركوع والسجود فان المقدور عليه لا يسقط بالمعجوز عنه كيف والقيام والركوع والسجود أركان الصلاة وستر العورة من الشرائط وانما اعتبرت الشرائط زينة وكما لا للاركان فلا يجوز ترك الاركان لها هذا نقل المعظم وهو الظاهر وحكى امام الحرمين بدل القولين وجهين ووجهان ثالثا انه يتخير لتعارض الامرين ولزوم أحد الاختلالين]

(2/362)


[وصاحب الكتاب تابع الامام فحكي في المسألة ثلاثة أوجه والمروى عن أبي حنيفة واحمد التخيير كما في الوجه الثالث فليكن الوجهان الاولان معلمين بعلامتهما والخلاف في هذه المسألة يجرى في صور منها أذا كان محبوسا في موضع نجس ولو سجد لسجد علي نجاسة هل يتم السجود أم يقتصر على الايماء وإذا وجد ثوبا طاهرا
لو فرشه لبقى عاريا ولو لبسه لصلى على نجاسة ماذا يفعل فيه الخلاف وإذا وجد العريان ثوبا نجسا هل يصلى فيه ام يصلى عاريا فيه الخلاف وإذا عرف ذلك فان قلنا في مسألة العارى انه لا تتم الاركان فيقضي علي ظاهر المذهب لندور العذر وعدم البدل كمن لم يجد ماء ولا ترابا فصلي وفيه الخلاف المذكور في تلك الصورة ونظائرها وان قلنا تتم الاركان فهل يقضي فيه وجهان احدهما نعم لان العذر نادر وليس له دوام ولا بدل واظهرهما لا: ووجهوه بشيئين احدهما ان وجوب الستر لا يختص بالصلاة فاختلاله لا يقتضي وجوب الاعادة لكن سياق هذا أن لا يجب القضاء وان ترك الستر مع القدرة كالاحتراز عن الكون في العرصة المغصوبة لما لم تكن من خاصية الصلاة لم يقتض اختلاله وجوب القضاء وان صلي فيه عمدا وهذا مذهب مالك والثاني العرى عذر عام أو نادر إذا اتفق دام فلا نوجب القضاء والطبع لا ينقاد لكون العرى بهذا الصفة واطلق قوم من شيوخ الاصحاب كصاحب التقريب القول بنفى الاعادة وهو جواب منهم علي ظاهر المذهب ولا]

(2/363)


[فرق في نفى الاعادة بين ان يكون العارى في الحضر أو في السفر بخلاف المتيمم لعدم الماء والفرق ان الثوب في مظنة الضنة فقد لا يبذل وان كان في الحضر والماء بخلافه وكل ما ذكرناه فيما إذا اتفق العرى في ناحية لا يعتاد اهلها العرى فاما إذا صلى عاريا في قوم يعتادون العرى فلا قضاء عليه إذا تحول واكتسي لعموم العذر وشيوعه عندهم كذلك فصل الشيخ أبو محمد وذكر امام الحرمين انه ساعده عليه كثير من الاصحاب وهو الذى أورده صاحب الكتاب في الوسيط قال الامام والوجه القطع بان الذين يعتادون العرى يتمون الركوع والسجود فانهم يتصرفون في أمورهم عراة فيصلون كذلك ولا يقضون وجها واحدا واعلم أن هذا التفصيل انما ينتظم على قول من يعد العرى من الاعذار النادرة ليصير باعتيادهم ذلك عاما فاما من عده من الاعذار العامة علي الاطلاق يتجه ألا يفرق بينهم وبين غيرهم والله أعلم * قال * (باب المسح علي الخفين) * [والنظر في شروطه وكيفيته وحكمه وله شرطان الاول أن يلبس الخف علي طهارة كاملة مائية قوية فلو
غسل احدى رجليه وادخلها الخف لم يصح لبسه حتى يغسل الثانية ثم يبتدئ اللبس وكذا لو صب الماء في الخف (ح) بعد لبسها علي الحدث] عن أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما وعن صفوان بن عسال قال]

(2/364)


[أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة لكل من غائط أو بول أو نوم والاحاديث في باب المسح كثيرة ومن شرط المسح علي الخف أن يلبسه وهو متطهر وعند أبى حنيفة لا يشترط تقديم الطهارة علي اللبس وانما المعتبر أن يطرأ الحدث بعد اللبس علي طهارة كاملة لنا حديث أبي بكرة وعن المغيرة ابن شعبة قال (سكبت الوضوء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهيت الي رجليه أهويت إلى الخفين لانزعهما فقال دع الخفين فاني ادخلتهما وهما طاهرتان) علل جواز المسح بطهارتهما عند اللبس وإذا كانتا طاهرتين كانت سائر الاعضاء طاهرة لان الترتيب واجب وغسل الرجل آخر الاركان ويترتب علي هذا الاصل مالو غسل احدى الرجلين وادخلها الخف ثم غسل الاخرى وادخلها الخف لم يجز المسح عليهما إذا أحدث لان أول اللبس تقدم علي تمام الطهارة وإذا كانت الطهارة شرطا للبس يجب تقدمها بكمالها علي اللبس كما يشترط تقدمها علي الصلاة فلو نزع ما لبسه أولا وأعاد اللبس وهو علي طهارته جاز المسح إذا أحدث لكمال الطهارة حين اللبس المعاد والآخر ملبوس علي كمال الطهارة فقد تحقق الشرط فيهما جميعا وعن ابن سريج انه إذا نزع]

(2/365)


[الاول وجب نزع الثاني أيضا ويستأنف لبسهما ليجوز له المسح لان حكم كل واحد منهما مرتبط بالآخر الا ترى ان نزع احدهما بعد الحدث يوجب نزع الثاني ولو لبس الخفين قبل أن يغسل رجليه ثم صب فيهما الماء حتى انغسلتا لم يجز له المسح وان تم وضوءه بما فعل لانه لبسهما قبل كمال الطهارة وأنزعهما ثم لبسهما فله المسح إذا أحدث وعند أبي حنيفة والمزنى له المسح في الصورتين ولا حاجة الي النزع واعلم ان الاعتبار فيما ذكرنا بحالة استقرار القدمين في مقرهما عن الخف حتى لو أدخل الرجلين في ساق الخف قبل أن يغسلهما وغسلهما في الساق ثم أدخلهما موضع القدم جاز له المسح
لانه حين استقرتا في مكانها علي كمال الطهارة ولو ابتدأ اللبس وهو متطهر ثم أحدث قبل أن وصلت الرجل إلى قدم الخف لم يجز المسح نص عليه في الام وذكر فيه انه إذا مسح على الخفين]

(2/366)


[بشرطه ثم ازال قدمه من مقرها ولم يظهر من محل الفرض شئ فلا يبطل المسح وقياس الاول أن يبطل لكن الفرق ان ثم الاصل عدم المسح فلا يباح الا باللبس التام وإذا مسح فالاصل استمرار الجواز ولا يبطل الا بالنزع التام ونقل القاضى أبو حامد أنه يبطل المسح في الصورة الثانية واختاره القاضى أبو الطيب الطبري كما انه في الابتداء لا يمسح وفى الصورة الاولى وجه انه يجوز المسح إذا ابتدأ اللبس علي طهارة ثم أحدث قبل أن تستقر الرجلان في موضعهما وفرض القاضي حسين المسألة فيما إذا أحدث وقد أدخل بعض قدمه في مقرها والباقى في ساق الخف وقال اختلفوا في صورتي الابتداء والانتهاء في أن حكم البعض هل هو حكم الكل أم لا وقوله في الكتاب على طهارة تامة قوية لفظ التامة معلم بالحاء والزاى لما حكيناه واحترز به عما إذا غسل احدى رجليه وأدخلها الخف ثم الثانية وأدخلها الخف وعما إذا لبسهما ثم صب الماء في الخف حتي انغسلتا ويمكن أن يقال لا حاجة إلى قيد التمام لانه من لم يغسل رجليه أو احديهما ينتظم أن يقال انه ليس على الطهارة وأما قيد القوة فالغرض منه الاحتراز عن طهارة المستحاضة وما في معناها قال [والمستحاضة إذا لبست علي وضوئها لم تمسح علي أحد الوجهين لضعف طهارتها ووضوء المجروح إذا تيمم لاجل الجراحة كوضوء المستحاضة ثم ان جوزنا فلا تستفيد بطهارة المسح الا ما كان يحل لها لو بقيت طهارتها الاولى وهو فريضة واحدة ونوافل]

(2/367)


[إذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين ثم أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة فهل لها أن تمسح علي الخف فيه وجهان نسبهما الشيخ أبو علي إلى تخريج ابن سريج أحدهما لا: لان طهارتهما ضعيفة ناقصة وانما يجوز المسح بعد طهارة قوية لانه ضعيف فلا يحتمل انضمام ضعف إلى ضعف وأصحهما الجواز ويروى أن أبا بكر الفارسى حكاه عن نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل
ووجهه انها تحتاج الي اللبس والارهاق به كغيرها وأيضا فانها تستفيد الصلاة بطهارتها فتستفيد المسح أيضا وموضع الوجهين ما إذا لم ينقطع دمها قبل أن تمسح فاما إذا انقطع دمها قبل المسح وشفيت نزعت وأتت بطهارة كاملة بلا خلاف لان الطهارة التي ترتب المسح عليها قد زالت بالشفاء الطارئ فيمتنع ترتيب المسح عليها وطرد بعضهم الوجهين ههنا أيضا وجعل انقطاع دمها بمثابة الحدث الطارئ والمشهور الاول ثم إذا جوزنا المسح نظر ان أحدثت قبل أن تصلي فريضة بطهارتها مسحت وصلت فريضة ونوافل وان أحدثت بعد ما صلت فريضة مسحت ولم تصل به الا النوافل لان ما تستفيد بطهارتها فريضة ونوافل فلا تستفيد بالمسح المترتب عليها أكثر من ذلك ولا يجوز لها استيفاء مدة المسح بل إذا مسحت وصلت فريضة ونوافل أو نوافل علي اختلاف الحالتين ثم ارادت قضاء فائتة أو دخل وقت فريضة أخرى وجب نزع الخف والوضوء الكامل لتلك الفريضة وكذلك لو أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة بعد أن صلت فريضة ونوافل بالمسح وحكى عن تعليق أبى حامد أن لها أن تستوفى مدة المسح اما يوما وليلة واما ثلاثة أيام ولياليهن لسكن عند كل صلاة فريضة تعيد الطهارة وتمسح على الخف ومال امام الحرمين في كلامه إلى هذا من جهة]

(2/368)


[المعنى وقطع بنفيه نقلا وفى معني طهارة المستحاضة طهارة سلس البول وكل من به حدث دائم وكذلك الوضوء المضموم إليه التيمم بسبب جراحة أو انكسار فيجرى فيها الخلاف المذكور في المستحاضة بلا فرق وأما محض التيمم فهل يستفاد به جواز المسح ينظر ان كان سببه اعواز الماء فلا بل إذا وجد الماء لزمه النزع والوضوء الكامل وعن ابن سريج أنه يجوز المسح لفريضة ونوافل كما ذكرنا في المستحاضة لان التيمم يبيح الصلاة أيصا فيبيح المسح والصحيح الاول بخلاف طهارة المستحاضة لان التيمم طهارة تفيد وتبيح عند الضرورة ولا ضرورة بعد وجدان الماء فلا سبيل إلى ترتيب المسح عليه وطهارة المستحاضة لا تتأثر بوجدان الماء كطهارة غيرها وان كان سبب التيمم شيئا آخر سوى اعواز الماء فهو كطهارة المستحاضة في جواز ترتيب المسح عليه فانه لا يتأثر بوجدان الماء لكنه ضعيف لا يرفع الحدث كطهارتها ولا يخفى بعد هذا الشرح
معنى قوله ان جوزنا فلا تستفيد بالمسح الا ما كان يحل لها الي آخره لكن ظاهر لفظه لا يتناول الا ما إذا أحدثت قبل أن تصلي الفريضة بطهارتها فانها حينئذ تحل لها فريضة ونوافل لو بقيت طهارتها الاولى مما إذا أحدثت بعد أن تصلي الفريضة فلا يحل لها لو بقيت تلك الطهارة الا النوافل والوافى بحكم الحالتين على النظم الذى ذكره أن يقال في آخره وهو فريضة واحدة ونوافل أو نوافل * قال [الشرط الثاني أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا فان تخرق أو كان دون الكعبين لم يكن ساترا والمشقوق القدم الذى يشد محل الشق منه بشرج فيه خلاف والقوى ما يتردد عليه في المنازل لا كالجورب واللفاف وجورب الصوفية والمغصوب (و) لا يجوز المسح عليه على أحد]

(2/369)


[الوجهين لان المسح لحاجة الاستدامة وهو مأمور بالنزع] اعتبر في الملبوس ثلاثة أمور أحدها أن يكون ساترا لمحل فرض الغسل من الرجلين فلو كان دون الكعببين لم يجز المسح عليه لان فرض الظاهر الغسل وفرض المستور المسح ولا صائر إلى الجمع بينهما فيغلب حكم الغسل فانه الاصل ولهذ لو لبس أحد الخفين لم يجز المسح له ولو كان الخف متخرقا ففيه قولان القديم به قال مالك أنه يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش الخرق لانه مما يغلب في الاسفار حيث يتعذر الاصلاح والخرز فالقول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن يسامح وعلي هذا فما حد الفاحش منه قال الاكثرون مادام يتماسك في الرجل ويتأتي المشى عليه فهو ليس بفاحش وقال في الافصاح حده ألا يبطل اسم الخف والقول الجديد أنه لا يجوز المسح عليه قليلا كان التخرق أو كثير الان بعض محل الفرض غير مستور ومواضع الخرز التى ينشد بالخيوط أو ينضم لا عبرة بها فان لم تكن كذلك وظهر منها شئ لم يجز المسح أيضا ولو تخرقت الظهارة وحدها أو البطانة وحدها جاز المسح ان كان ما بقى صفيقا والا فلا يجوز في أظهر الوجهين وعلي هذا يقاس ما إذا تخرق من الظهارة موضع ومن البطانة موضع لا يحاذيه والخف المشقوق القدم إذا شد منه محل الشق بالشرج أن كان يظهر منه شئ مع الشد فلا يجوز المسح عليه وان لم يظهر منه]

(2/370)


[شئ فوجهان احدهما لا يجوز أيضا كما لو لف قطعة أدم علي القدم وشدها لا يجوز المسح عليها وأظهرهما ونقله الشيخ أبو محمد عن نصه أنه يجوز لصول الستر به وارتفاق المشى فيه فلو فتح الشرج بطل]

(2/371)


[المسح وان لم يظهر شئ لانه إذا مشى فيه ظهر وليكن قوله في الكتاب فلو تخرق معلما بالقاف والميم لما ذكرنا وبالحاء ايضا لان عند ابي حنيفة ان كان الخرق بحيث يبين منه قدر ثلاث اصابع من اصابع الرجل لم يجز المسح عليه وان كان اقل جاز (الثاني) ان يكون قويا والمراد منه كونه]

(2/372)


[بحيث يمكن متابعة المشى عليه لافرسخا ومرحلة بل قدر ما يحتاج المسافر إليه من التردد في حوائجه عند الحط والترحال فلا يجوز المسح على اللفائف والجوارب المتخذة من الصوف واللبد لانه لا يمكن المشى عليها ويسهل نزعها ولبسها فلا حاجة إلى ادامتها في الرجل ولانها لا تمنع نفوذ الماء إلى الرجل ولابد من شئ مانع على الاصح كما سيأتي وكذلك الجوارب المتخذة من الجلد التي تلبس مع المكعب وهي جورب الصوفية لا يجوز المسح عليها حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها وتمنع نفوذ الماء ان اعتبرنا ذلك اما لصفاقها أو لتجليد القدمين والنعل على الاسفل أو الالصاق بالكعب وحكى بعضهم أنها وان كانت صفيقة ففى اشتراط تجليد القدمين قولان وعند أبى حنيفة لا يجوز

(2/373)


[المسح على الجوربين وان كانا صفيقين حتي يكونا مجلدين أو منعلين وخالفه صاحباه فهذا إذا تعذر المشى فيه لضعف الملبوس في نفسه ولو تعذر المشى فيه لسعته المفرطة أو لثقله أو لضبقه ففى جواز المسح عليه وجهان احدهما يجوز لانه في نفسه صالح للمشى عليه الا ترى انه لو لبسه غيره لارتفق به واصحهما لا يجوز لانه لا حاجة له في ادامة مثل هذا الخف في الرجل ولا فائدة له فيه ولو تعذر المشى فيه لثقله أو غلظه كما إذا اتخذ خفا من خشب أو حديد وهو بحيث لا يمكن المشى عليه فلا يجوز المسح عليه كما لو تعذر المشئ فيه لضعفه وكذلك لو كان المتخذ من الخشب محدد الرأسي لا يثبت مسنقرا على
الارض ولو كان المتخذ من الخشب والحديد لطيفا يتأتي المشي فيه جاز المسح عليه هذا قضية]

(2/374)


[ما ذكره الجمهور تصريحا وتلويحا وذكر امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط أنه يجوز المسح على الخف من الحديد وان عسر المشي فيه فان ذلك ليس لضعف الملبوس وأنما هو لضعف اللابس ولا نظر إلى احوال اللابسين فانه لا ينضبط (الثالث) ان يكون حلالا فالخف المغصوب والمسروق في جواز المسح عليه وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لان المسح عليه لحالة الاستدامة وهو مأمور بالنزع والرفض ولان لبسه معصية والمسح رخصة والرخص لا تناط بالمعاصى وقال أبو علي الطبري والاكثرون يجوز كالوضوء بالماء المغصوب والصلاة في الثوب المغصوب ولو اتخذ من الذهب أو الفضة خفا فجواز المسح عليه على الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بالمنع]

(2/375)


[جزما والاول أقرب ولعلك تقول اول كلام صاحب الكتاب يقتضى اشتراط الحل جزما حيث قال الشرط الثاني ان يكون الملبوس ساترا قويا حلالا وبالآخرة ذكر وجهين في المسح علي الخف المغصوب ثم الاظهر منهما في المذهب جواز المسح عليه فينحذف القيد الثالث عن درجة الاعتبار ولا يلائم آخر الكلام أوله فاعلم ان الضوابط في المذهب تذكر كالتراجم لما قيل باعتباره وفاقا أو خلافا والاعتماد على ما يذكر من التفصيل آخرا وكثيرا ما ينحذف بعض القيود علي الاظهر الا انه يذكر لمعرفة الخلاف لكن ههنا صورة اخرى تقتضي التعرض لهذا القيد واعتباره وان جوزنا المسح علي الخف المغصوب والمسروق وهى ما إذا اتخذ خفا من جلد الكلب أو جلد الميتة قبل]

(2/376)


[الدباغ فهذا الجلد لنجاسة عينه لا يحل استعماله في البدن باللبس وغيره علي اصح القولين وقد نص في الام علي انه لا يجوز المسح عليه لانه لا يمكن الصلاة فيه وفائدة المسح وان لم تنحصر في الصلاة الا ان المقصود الاصلي الصلاة وما عداها كالتابع لها وايضا فان الخف بدل عن الرجل ولو كانت الرجل نجسة لم تغسل عن الوضوء ما لم تطهر عن النجاسة فكيف يمسح علي البدل وهو نجس العين
ولا يعود الخلاف في هذه الصورة (واعلم) انه يعتبر في الملبوس وراء الصفات الثلاث المذكورة في الكتاب صفات أخر (احداها) ان لا يتعذر المشى عليه بسبب السعة المفرطة أو الضيق المفرط أو بسبب الثقل أو الاحتداد كما سبق (والثانية) ذكر الشيخ أبو محمد انه ينبغى ان يقع عليه اسم الخف حتى لو لف علي قدمه قطعة أدم وشده بالرباط لم يجز المسح عليه لان اللف لا يقوى ولا يتأتى التردد ومتابعة المثي عليه فان فرض ربط قوى فمثل ذلك يعسر ازالته واعادته على هيئته مع استيفاز المسافر فلا يحصل الارتفاق المقصود بالمسح فيتبع مورد النص وهو الخف (الثالثة) ان يمنع نشف الماء ووصوله إلى لرجل فلو لم يمنع كالخف المنسوج والذى لا صفاقة له فهل يجوز المسح عليه فيه وجهان اظهرهما لا: لان الغالب من الخفاف ان يمنع النفوذ فينصرف إليها نصوص المسح ويبقى الغسل واجبا فيما عداها والثاني يجوز كما لو تخرقت ظهارة الخف وبطانته من موضعين غير متوازبين يجوز المسح عليه مع نفوذ الماء واختار امام الحرمين هذا الوجه وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط ولذلك]

(2/377)


[حذف هذا الشرط من اصله ههنا لكن ظاهر المذهب الاول قال [فرع الجر موق الضعيف فوق الخف لا يمسح عليه وان كان قويا لم يجز (م ح) المسح عليه أيضا في الجديد بل عليه ان يدخل اليد بينهما فيمسح علي الاسفل] الجرموق هو الذي يلبس فوق الخف وانما يلبس غالبا لشدة البرد فإذا لبس جرموقين فوق الخفين أو خفين فوق الخفين فلا يخلو من اربع احوال (احداها) ان يكون الاسفل بحيث لا يمسح عليه لضعف أو تخرق والا علي يحيث يمسح عليه فالمسح علي الاعلي والاسفل والحالة هذه كالجورب واللفافة (والثانية) ان يكون الامر بالعكس من ذلك فيمسح على الاسفل القوى وما فوقه كخرقة تلف على الخف فلو مسح على الاعلي فوصل البلل إلى الاسفل فان قصد المسح علي الاسفل جاز وكذا لو قصد المسح عليهما جاز ويلغو قصد المسح علي الاعلي وفيه وجه انه إذا قصدهما لم يعتد بالمسح وان قصد المسح على الاعلى الضعيف لم يجزه وان لم يقصد شيئا بل كان علي نيته الاولى وقصد المسح في الجملة ففيه وجهان اظهرهما الجواز لانه قصد اسقاط فرض الرجل
بالمسح وقد وصل الماء إليه فكفى (الحالة الثالثة) الا يكون واحد منهما بحيث يمسح عليه فلا يخفى تعذر المسح (الرابعة) ان يكون كل واحد منهما بحيث يمسح عليه فهل يجوز المسح علي الاعلي فيه قولان قال في القديم والاملاء يجوز وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزنى لان المسح علي الخف جوز]

(2/378)


[رفقا وتخفيفا وهذا المعني موجود في الجرموق فان الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة في نزعه عند كل وضوء وقال في الجديد لا يجوز وهو اشهر الروايتين عن مالك لان الاصل غسل الرجلين والمسح رخصة وردت في الخف والحاجة إلى لبسه اهم واعم فلا يلحق به الجرموق فان فرعنا على القديم وجوزنا المسح علي الجرموق فكيف السبيل في ذلك: ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان اظهرها ان الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل لانه يستر الخف ستر الخف للرجل ويشق نزعه كما يشق نزع الخف فاقيم مقامه (وثانيها) ان الاسفل كاللفافة والخف هو الاعلى لانا إذا جوزنا المسح عليه فقد جعلناه اصلا في رخصة المسح وثالثها ان الاعلي والاسفل معا بمثابة خف واحد فالاعلى كالظهارة والاسفل كالبطانة ويتفرع علي هذه المعاني مسائل (منها) لو لبسهما جميعا وهو علي كمال الطهارة له ان يمسح على الاعلي علي هذا القول وهل له ان يمسح علي الاسفل بان يدخل اليد بينهما فيه وجهان ان قلنا الاعلي بدل الاسفل يجوز كما يجوز لو غسل الرجل في الخف وان قلنا الاسفل كاللفافة أو هما كطافتى خف واحد فلا (ومنها) لو لبس الاسفل علي كمال الطهارة ولبس الاعلي علي الحدث ففى جواز المسح علي الاعلي وجهان ان قلنا بالمعنى الاول أو الثاني فلا يجوز لانه مقصود بالمسح لبسه محدثا فلا يمسح عليه كالخف الواحد وان قلنا بالمعني الثالث فيجوز كما لو لبس الخف علي الطهارة ثم احدث والصق به طاقة اخرى وفى المسألة طريقة اخري انه لا يجوز المسح عليه جزما]

(2/379)


[غسل الرجلين وهل يكفيه ذلك ام يفتقر إلى استئناف الوضوء قولان كما سنذكر في نزع الخف وان قلنا انهما كالظهارة والبطانة فلا شئ عليه وان قلنا الاسفل كاللفافة فينزع الاسفل ايضا ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان فيحصل من مجموع الاختلافات في المسألة خمسة أقوال
لا يلزمه شئ: يلزم المسح علي الاسفل لا غير: يلزم المسح مع استئناف الوضوء: يلزم نزع الخفين وغسل الرجلين: يلزم ذلك مع استئناف الوضوء (ومنها) لو تخرق الاعلي من احدى الرجلين أو نزعه فان قلنا الاعلى بدل البدل فهل يلزمه نزعه من الرجل الاخرى فيه وجهان اصحهما نعم كما لو نزع احد الخفين يلزمه نزع الثاني ثم إذا نزع عاد القولان في انه يكفيه المسح علي الاسفلين ام يحتاج]

(2/380)


[ولو لبس الاسفل كذلك واحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق فهل يمسح عليه منهم من بناه على المعاني ان قلنا الجرموق بدل الخف أو قلنا انه كالظهارة فيجوز وان قلنا انه الخف والاسفل كاللفافة فلا وقيل يبني الجواز علي هذا المعني الثالث على ان المسح علي الخف هل يرفع الحدث ام لا ان قلنا يرفع فيجوز والا فلا لانه لم يلبس على طهارة قوية ومنهم من بنى المسألة على هذا الاصل وقطع النظر عن المعاني الثلاثة وإذا جوزنا المسح في هذه المسألة علي الاعلي فقد ذكر الشيخ أبو على ان ابتداء المدة يكون من حين أحدث أول ما لبس لا من وقت الحدث بعد لبس الجرموقين لان كله كاللبس الواحد يبني البعض علي البعض وفى جواز المسح على الاسفل الخلاف الذى سبق (ومنها) لو لبس الاسفل على الحدث وغسله فيه ثم لبس الاعلى وهو على طهارة كاملة فلا يجوز المسح علي الاسفل لا محالة وهل يجوز على الاعلى يبنى علي المعاني ان قلنا الاعلي بدل البدل فلا يجوز لان الاسفل ليس ممسوحا عليه إذا كان ملبوسا على الحدث فلا يصلح للبدلية وان قلنا انهما كالظهارة والبطانة فكذلك لا يجوز كما إذا لبس الخف ثم الصق به طاقة اخري وهو متطهر وان قلنا الاسفل كاللفافة فله المسح علي الاعلى (ومنها) لو تخرق الاعلى من الرجلين جميعا أو نزعهما بعد ما مسح عليه وبقي الاسفل بحاله فان قلنا الاعلى بدل البدل لم يجب نزع الاسفل لان حكم الاصل لا يبطل بسقوط البدل لكن لابد من المسح علي الخفين كما إذا نزع الخف لابد من]

(2/381)


[إلى اعادة الوضوء والثاني لا يلزم نزع الآخر لان كل واحدة من الرجلين دونها حائل والفرض فيما المسح بخلاف ما إذا نزع احد الخفين فان فرض الرجل المكشوفة حينئذ الغسل وعلي هذا فيما يلزمه
قولان احدهما المسح على الخف الذي خلع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح على ذلك الخف وعلي الاعلي من الرجل الاخرى وان قلنا الاعلي والاسفل كطاقتي خف واحد لم يلزمه شئ وان قلنا بالمعنى الثالث نزع الاسفل من الرجل التى نزع منها الاعلي أو تخرق ونزعهما من الثانية ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان (ومنها) لو تخرق الاسفل من الرجلين جميعا لم يضر علي المعاني كلها وان تخرق من احداهما فان قلنا الاعلي بدل البدل نزع واحدة من الرجل]

(2/382)


[الاخرى أيضا كيلا يكون جامعا بين البدل والمبدل كذلك ذكره في التهذيب وغيره ولك ان تقول هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الاعلى من احدى الرجلين وقد حكوا وجهين في لزوم النزع من الرجل الاخرى فليحكم بطردهما ههنا ثم إذا نزع ففيما يلزم: قولان احدهما المسح على الخف الذى تزع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح عليه وعلي الاعلي الذى تخرق الاسفل تحته وان قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شئ عليه ومنها لو تخرق الاعلي والاسفل من الرجلين جميعا أو من احداهما لزم نزع الكل علي المعاني كلها نعم ان قلناهما كطاقتي خف واحد وكان الخرق في موضعين غير متحاذيين لم يضر علي ما تقدم (ومنها) لو تخرق الاعلي من رجل والاسفل من الثانية]

(2/383)


[فان قلنا انه بدل البدل نزع الاعلي المتخرق واعاد المسح علي ما تحته وهل يكفى ذلك ام يحتاج إلى استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلي الاعلى من الرجل الاخرى: فيه قولان وان قلنا هما كطاقتي خف واحد لم يضر وان قلنا الاسفل كاللفافة وجب نزع الكل كما لو تخرق احد الخفين ثم إذا نزع غسل الرجلين وفى استئناف الوضوء قولان: هذا كله تفريع علي القديم وان فرعنا على الجديد ومنعنا المسح علي الجرموق والخف الاعلي فان نزع الاعلي ومسح علي الاسفل فذاك وان ادخل اليد بينهما ومسح علي الاسفل فهل يجوز فيه وجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب نعم كما لو غسل رجليه وهما في الخف يجوز والثاني لا يجوز لان المسح ضعيف فلا يجوز إذا كان هناك]

(2/384)


[حائل لانضمام ضعف إلى ضعف وعلي هذا القول لو تخرق الخفان تحت الجرموقين نظر ان كان عند التخرق علي طهارة لبس الاسفل مسح علي الاعلي لانه صار اصلا بخروج ما تحته عن ان يمسح عليه وان كان محدثا في تلك الحالة لم يمسح علي الاعلي كما لو ابتدأ اللبس علي الحدث فان كان علي طهارة المسح وذلك إذا جوزنا ادخال اليد بينهما والمسح على الاسفل منهما ففى جواز المسح علي]

(2/385)


[الاعلى وجهان كما ذكرنا في التفريع على القديم والله اعلم * ولو لبس الجرموق في احدى الرجلين واقتصر في الاخرى علي الخف واراد المسح علي جرموق وخف فلا شك انه يمتنع ذلك علي الجديد وعلي القديم يبنى علي المعاني الثلاثة ان قلنا الجرموق بدل البدل لم يجز ذلك لان اثبات البدل في احدى الرجلين يمتنع كما يمتنع المسح في احدى الرجلين والغسل في الاخرى وقد ذكرنا انه لو مسح]

(2/386)


[علي الجرموقين ثم نزع احدهما لا يلزمه شئ علي رأى ويستدام حكم المسح علي جرموق وخف والفرق علي هذا ان الامر في الاستدامة اقوى الا يرى ان اعتراض العدة والردة في دوام النكاح لا تبطله بخلاف ما في الابتداء وان قلناهما كطاقتي خف يجوز له المسح علي الجرموق والخف الآخر كما لو لبس حفين لاحدهما طاقة واحدة وللاخر طاقتان فان قلنا الاسفل كاللفافة فوجهان احدهما لا يجوز كما لو لبس خفا ولف على]

(2/387)


[الرجل الثانية لفافة واصحهما الجواز لانه انما ينزل منزلة اللفاقة إذا كان مستورا فاما إذا كان باديا فهو مستقل بنفسه بدل عن الرجل بخلاف مالو نزع احد الجرموقين يجب نزع الكل علي ذلك التقدير لانه يلبس الجرموق والمسح عليه صار الاسفل لفافة والله اعلم * قال [النظر الثاني في كيفية المسح واقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازى محل الفرض فلو اقتصر علي الاسفل فظاهر النص منعه واما الاكمل فان يمسح علي أعلي الخف واسفله الا ان يكون علي اسفله نجاسة واما الغسل والتكرار فمكروهان واستيعاب الجميع ليس بسنة] * الكلام في كيفية المسح يتعلق بالاقل والاكمل فاما الاقل فيكفى في قدره ما ينطلق عليه اسم المسح خلافا لابي حنيفة
حيث قدر الاقل بثلاث اصابع اليد ولاحمد حيث اوجب مسح اكثر الخف لنا ان النصوص متعرضة لمطلق المسح وإذا اتى بما يقع عليه اسم المسح فقد مسح وهذا كما ذكرنا في مسح]

(2/388)


[الرأس ثم لابد وان يكون محل المسح ما يوازى محل الفرض من الرجل إذ المسح بدل عن الغسل وهل جميع ذلك محل المسح ام لا: لا كلام في ان ما يحاذي غير الاخمصين والعقبين محل له وأما ما يحاذي الاخمصين وهو اسفل الخف ففى جواز الاقتصار علي مسحه ثلاثة طرق أظهرها أن فيه قولين اظهرهما انه لا يجوز لان الرخص يجب فيها الاتباع ولم يؤثر الاقتصار علي الاسفل قال اصحاب هذه الطريقة وهذا هو المراد فيما رواه المزني في المختصر انه ان مسح باطن الخف وترك الظاهر اعاد والثانى وهو مخرج انه يجوز لانه محاذ لمحل الفرض كالاعلي وعبر بعضهم عن هذا الخلاف بالوجهين والطريق الثاني القطع بالجواز ثم من الصائرين إليه من غلط المزني وزعم ان ما رواه لا يعرف للشافعي في شئ من كتبه ومنهم من قال اراد بالباطن الداخل لا الاسفل والطريق الثالث القطع بالمنع واما عقب الخف ففيه وجهان انه ثم منهم من رتب العقب علي الاسفل وقال العقب أولى

(2/389)


[بالجواز لانه ظاهر يرى والاسفل لا يرى في اغلب الاحوال فاشبه الداخل ومنهم من قال العقب أولى بالمنع إذ لم يرد له ذكر اصلا ومسح الاسفل مع الاعلي منقول ان لم ينقل الاقتصار عليه وننبه بعد هذا الامور من الفاظ الكتاب احدها قوله فان اقتصر علي الاسفل بعد قوله مما يوازى محل الفرض كالمنقطع عنه ولو قال لكن لو اقتصر أو نعم لو اقتصر وما اشبه ذلك كان اولى ليشعر باستثنائه مما يوازى محل الفرض الثاني قوله فظاهر النص منعه جواب علي طريقة القولين لان هذا الكلام انما يطلق غالبا حيث يكون ثم قول آخر مخرج الثالث ظاهر كلامه يقتضى تجويز المسح على عقب الخف لانه قال اقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازى محل الفرض ولم يخرج عنه الا اسفل الخف وموضع العقب مما يوازى محل الفرض وليس هو من اسفل الخف لكن الاظهر عند الاكثرين انه لا يجوز الاقتصار عليه كالاسفل واما الاكمل فهو ان يمسح اعلي الخف واسفله
خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لا يمسح الاسفل لنا ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه]

(2/390)


[ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح اعلي الخف واسفله والاولي ان يضع كفه اليسرى تحت العقب واليمني علي ظهور الاصابع ويمر اليسرى إلى اطراف الاصابع من اسفل واليمني إلى الساق يروى هذه الكيفية عن ابن عمر رضى الله عنهما وقوله الا ان يكون علي اسفله نجاسة استثناء لم يذكره في الوسيط ولا تعرض له الاكثرون وفيه اشعار بالعفو عن النجاسة التي تكون علي الخف ولا شك انه ان كان عند المسح علي اسفل خفه نجاسة فلا يمسح عليه لان المسح يزيد فيها واما اشعاره بالعفو والقول في انه كيف يصلي فيه ايتعين ازالة النجاسة عنه بالماء كما في سائر المواضع]

(2/391)


[أم يكفى دلكه بالارض فسيأتي في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى وهل يستحب مسح عقب الخف فيه قولان وقيل وجهان اصحهما نعم كسائر اجزاء الخف من الاعلي والاسفل والثانى لا: لان السنة ما جاءت به ولانه موضع صقيل وبه قوام الخف فادامة المسح عليه تفسده ومنهم من قطع بالاستحاب ونفى الخلاف فيه ثم مسح الاعلي والاسفل وان كان محبوبا لكن استيعاب الكل ليس بسنة مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم علي خفه خطوطا من الماء وحكي عن تعليق القاضى انه يستحب الاستيعاب كما في مسح الرأس واما قوله الغسل والتكرار مكروهان فانما يكره الغسل لانه تعييب]

(2/392)


[للخف بلا فائدة وكذلك التكرار يوجب ضعف الخف وفساده وهذا المسح رخصة مبنية علي التخفيف ولك ان تعلم قوله فمكروهان بالواو واما في الغسل فلان القول بالكراهة مبني علي ان الغسل جائز قائم مقام المسح في صحة الوضوء وفيه وجه ان الغسل لا يجزى كما ذكرنا في مسح الرأس لا انه مكروه واما في التكرار فلان القاضى ابا القاسم ابن كج حكى وجها انه يستحب فيه التكرار ثلاثا كما في مسح الرأس * قال [النظر الثالث في حكمه وهو اباحة الصلاة إلى انقضاء مدته أو نزع الخف ومدته للمقيم]

(2/393)


[يوم وليلة (م و) وللمسافر ثلاثة ايام من وقت الحدث فلو لبس المقيم ثم سافر قبل الحدث اتم مدة المسافرين * وكذا لو احدث في الحضر * فان مسح في الحضر (ح ز) ثم سافر أتم مسح المقيمين (ح) تغليبا للاقامة * ولو مسح في السفر ثم أقام لم يزد (ز) علي مدة المقيمين ولو شك فلم يدر أنقضت المدة أو مسح في الحضر فالاصل وجوب الغسل ولا يترك مع الشك *]

(2/394)


[يباح بالوضوء الذى مسح فيه على الخفين الصلاة وسائر ما يفتقر إلى الطهارة ومد صاحب الكتاب ذلك الي احدي غايتين اما مضى مدة المسح واما نزع الخف وفى معناه تخرقه فاما الغاية الاولى وهى مضنى مدة المدة فتعرف بمعرفة مدته وهل يتقدر المسح بمدة ام لا فيه قولان قال في القديم لا: وبه قال مالك لما روى عن خزيمة قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ان يمسح]

(2/395)


[ثلاثة ايام ولياليهن ولو استزدناه لزادنا) وعن أبي بن عمارة وكان ممن صلي إلى القبلتين قال (قلت]

(2/396)


[يا رسول الله امسح علي الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة ايام قال نعم وما شئت) وقال في الجديد وهو المذكور في الكتاب يتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة ايام ولياليهن لحديث صفوان بن عسال كما سبق وعن علي رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (جعل المسح ثلاثة ايام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم) ويتفرع علي الجديد مسائل (احداها) يعتبر ابتداء المدة في حق المسافر والمقيم جميعا من وقت الحدث بعد اللبث خلافا لاحمد حيث قال فيما رواه اصحابنا يعتبر من وقت المسح والذى رأيته لاصحابه انه يعتبر من وقت الحدث كما ذكرنا ونسبوا الاعتبار من وقت المسح إلى داود لنا ان وقت جواز المسح يدخل بالحدث ولا معنى لوقت العبادة سوى الزمان الذى يجوز فعلها فيه كوقت الصلاة وغيره وغاية ما يمكن فعله بالمسح من الصلوات المؤداة علي التوالى ست عشرة إذا لم يجمع وان جمع فيتصور ان يؤدى به سبع عشرة صلاة وذلك في حالة عدم الجمع]

(2/397)


[مثل ان يحدث بعد طلوع الفجر بقدر ما يسع صلاة الفجر وقد بقى إلى طلوع الشمس ما يسعها ايضا فتوضأ ويمسح علي خفيه ويصلى الفجر ويصلي باقى صلوات اليوم والليلة بالمسح وكذلك صلوات اليوم الثاني والثالث ويصلي الفجر في اليوم الرابع قبل الانتهاء الي وقت الحدث في اليوم الاول فتلك ست عشرة وفى حالة الجمع مثل ان يحدث بعد الزوال بقدر ما يسع صلاة الظهر والعصر وقد بقى من وقت الظهر ما يسعهما أيضا فصلاهما بالمسح وكذا ما بعدهما من الصلوات إلى ان يدخل وقت الزوال في اليوم الرابع فيصلي بالجمع الظهر والعصر قبل الانتهاء إلى وقت الحدث في اليوم الاول فيكون قد صلي اربع صلوات من صلوات اليوم الاول وعشرا من صلوات اليوم الثاني والثالث ثلاث صلوات من صلوات اليوم الرابع فجملتها سبع عشرة وغاية ما يصلي المقيم بالمسح من صلوات الوقت ست صلوات ان لم يجمع وسبع ان جمع بعذر مطر ولا يخفى تصويره مما ذكرنا في المسافر (الثانية) انما يمسح المسافر ثلاثة ايام ولياليهن بشرطين احدهما ان يكون سفر طويلا اما السفر القصير فهو كالاقامة والثانى الا يكون سفر معصية فان كان سفر معصية لم يمسح ثلاثة ايام ولياليهن كما لا يترخص بالقصر والافطار وهل يمسح يوما وليلة]

(2/398)


[فيه وجهان مذكوران في باب صلاة المسافرين في الكتاب وسنشرحهما ثم ويجريان في أن العاصي بالاقامة كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام هل يمسح يوما وليلة أم لا (الثالثة) لو لبس الخف في الحضر ثم سافر وأحدث في السفر فله أن يمسح مسح المسافرين وكذلك لو أحدث في الحضر ثم سافر وابتدأ المسح في السفر خلافا للمزني حيث قال في هذه الصورة يمسح مسح المقيمين لان ابتداء المدة وقع في الحضر * لنا أن أول المسح أول العبادة فإذا وقع في السفر أقيمت العبادة كما يقام في السفر ولا نظر إلى دخول الوقت في الحضر الا ترى أنه لو سافر بعد دخول وقت الصلاة كان له القصر على الصحيح ولا فرق بين أن يخرج وقت الصلاة بعد ما أحدث في الحضر وبين ألا يكون كذلك * قال أبو اسحق المروزى إذا مضي الوقت]

(2/399)


[في الحضر ولم يصل ثم سافر مسح مسح المقيمين لانه عاص باخراج الصلاة عن الوقت ولا رخصة للعاصي
والاول أصح كما لو فاتته صلاة في الحضر له أن يقضيها بالتيمم في السفر وليكن قوله في الكتاب وكذا لو احدث في الحضر معلما بالزاى لمذهب المزني وبالواو للتفصيل الذى رويناه عن ابى اسحق * ولو ابتدأ المسح في الحضر ثم سافر أتم مسح المقيمين ولا يزيد عليه خلافا لابي حنيفة حيث قال يمسح مسح المسافرين إلا ان يتم اليوم والليلة قبل مفارقة العمران وعن أحمد روايتان احداهما مثل مذهبنا والثانية أنه يمسح مسح المسافر * لنا أنه عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فيغلب حكم الحضر كما لو كان مقيما في أحد طرفي صلاته لا يجوز القصر واعلم أن الاعتبار في المسح بتمامه حتي لو توضأ في الحضر ومسح علي أحد الخفين ثم

(2/400)


[سافر ومسح علي الآخر كان له أن يمسح مسح المسافرين لانه لم يتم المسح في الحضر ولو ابتدأ المسح في السفر ثم صار مقيما نظر ان اقام بعد تمام يوم وليلة لم يمسح بل ينزع ويستأنف اللبس ويجزئه ما مضى وإن زاد على يوم وليلة وإن أقام قبل تمام يوم وليلة فله أن يتم يوما وليلة مسح المقيمين وقال المزني كل يوم وليلة في السفر مقابل بثلث يوم وليلة في الحضر فان مسح يوما وليلة في السفر ثم أقام فله ثلثا يوم وليلة * وان مسح يومين وليلتين ثم أقام فله ثلث يوم وليلة لنا تغليب جانب الحضر كما تقدم (الرابعة) لو شك في انقضاء مدة المسح أما المقيم في مده المقيمين أو المسافر في مدة المسافرين وجب عليه غسل الرجلين وتعذر المسح قال صاحب التلخيص هذا مما يستثنى عن قولنا اليقين لا يترك بالشك لان جواز المسح يقين]

(2/401)


[وانقضاء المدة مشكوك فيه أجاب الاصحاب بأن قالوا لا بل هذا أخذ باليقين لان الاصل وجوب غسل الرجلين والمسح رخصة منوطة بشرائط فإذا شك في المدة فقد شك في بعض الشرائط فيعود إلى الاصل وهذا كما لو توضأت المستحاضة ثم شكت في انقطاع دمها قال الشافعي رضى الله عنه لا تصلى حتى تتوضأ ولا نقول الاصل سيلان الدم بل نقول الاصل أن من احدث توضأ وانما جوز لها الصلاة للضرورة فإذا شكت في بقاء الضرورة عادت إلى الاصل وكذلك لو دخل المسافر بعض البلاد ولم يدر انه البلد الذى قصده ام غيره فلا يقصر لان الاصل وجوب الاربع وقد شك في شرط القصر وهو السفر ولو شك المسافر في ان ابتداء مسحه كان في الحضر أو في السفر لا يزيد على مدة المقيمين اخذا بالاصل]

(2/402)


[المقتضي لوجوب الغسل فلو مسح في اليوم الثاني على الشك وصلى ثم زال الشك في اليوم الثالث وعلم أنه ابتدأ المسح في السفر فعليه اعادة صلوات اليوم الثاني لانه صلاها علي الشك ويجوز أن يصلى بالمسح في اليوم الثالث ثم ان كان علي مسح اليوم الاول ولم يحدث في اليوم الثاني له أن يصلي في اليوم الثالث بذلك المسح وان كان قد أحدث في اليوم الثاني لكنه مسح علي الشك وجب عليه اعادة المسح لصلوات اليوم الثاني وفى وجوب استئاف الوضوء قولا الموالاة ويجوز له أن يعيد صلوات اليوم الثاني بالمسح في اليوم الثالث ذكر كل ذلك في التهذيب وقال ابن الصباغ في الشامل يجب اعادة الصلوات لكن يجزئه المسح]

(2/403)


[مع الشك والاول أظهر هذا تمام الكلام في احدى الغايتين * قال [ومنهما نزع الخفين أو احدهما فيجب غسل القدمين واما الاستئناف فلا يجب ان قلنا ان المسح لا يرفع الحدث وان قلنا يرفع وجب لانه في عوده لا يتجزأ] الغاية الثانية نزع الخفين أو احدهما ومهما اتفق ذلك وهو علي طهارة لزم غسل الرجلين سواء كان عند انقضاء المدة أو قبلها وهل يجب استئناف الوضوء فيه قولان احدهما يجب وبه قال احمد واصحهما لا: وبه قال مالك وابو حنيفة والمزني واختلف الاصحاب في ان القولين مستقلان بنفسهما أو هما مبنيان]

(2/404)


[علي اصل آخر: منهم من قال هما مستقلان ووجه قول الاكتفاء بغسل الرجلين بأن المسح بدل زال حكمه بطهور محل مبدله فيرجع الي المبدل وهو الغسل كالمتيمم يرى الماء ووجه قول الاستئناف بأن قال عبادة بطل بعضها فيبطل كلها كالصلاة: ومنهم من قال هما مبنيان على اصل واختلفوا فيه علي ثلاثة طرق احدها انهما مبنيان علي القولين في تفريق الوضوء ان جوزنا كفى غسلهما وإلاوجب الاستئناف ويحكى هذا عن ابن سريج وابي اسحق لكن زيفه الجمهور من وجوه منها]

(2/405)


[انه لا خلاف في جواز التفريق في الوضوء علي الجديد ونص في مواضع من الجديد علي وجوب
الاستئناف ههنا: ومنها ان قولى التفريق يختصان بالتفريق الكثير فاما اليسير منه فهو جائز بلا خلاف ولا صائر إلي الفرق فيما نحن فيه: ومنها ان التفريق بالعذر جائز والعذر موجود ههنا والثاني نهما مبنيان علي ان بعض الطهارة هل يختص بالانتقاض ام يتداعى انتقاض البعض إلى انتقاض الكل فيه قولان احدهما يختص البعض بالانتقاض لانه لو غسل بعض اعضاء طهارته يرتفع الحدث عنه وان لم يرتفع عن الباقي]

(2/406)


[وإذا جاز ان يتبعض ارتفاعا جاز ان يتبعض ثبوتا فعلي هذا لا يجب الاستئناف والثاني لا يختص البعض بالانتقاض كالصلوات وسائر العبادات فعلي هذا يجب الاستئناف والثالث وهو المذكور في الكتاب وبه قال القفال والشيخ أبو حامد واصحابهما انهما مبنيان علي ان المسح علي الخفين هل يرفع الحدث عن الرجلين ام لا وفيه قولان احدهما يرفع لانه مسح بالماء فاشبه مسح الرأس ولانه يجوز الجمع به بين فرضين ولو لم يرفع الحدث لما جاز كالتيمم والثانى لا يرفع لانه لو رفع الحدث لما تقدر بمدة ولا يمتد اثره إلى وجود الحدث فان قلنا انه لا يرفع الحدث عن الرجل فلا يجب استئناف الوضوء لان الحدث قد ارتفع عن سائر الاعضاء الا عن الرجلين فإذا غسلهما ارتفع عنهما أيضا وكفى قال في التتمة وهذا إذا لم يقع تفريق كثير فان وقع ففيه خلاف التفريق وان قلنا ان المسح يرفع الحدث عن الرجل فيجب استئناف الوضوء لان وجوب غسل الرجلين عند النزع يدل علي عود الحدث فيهما والحدث لا يتجزأ في عوده * واعلم ان هذه الطريقة والتى قبلها متقاربتان ومن يجوز انتقاض بعض الطهارة دون بعض لا يبعد ان يقول بان الحدث يتجزأ عند العود ولا يسلم لزوم الاستئناف والله اعلم * هذا تمام الكلام]

(2/407)


[في الغايتين ولك ان تقول غاية فائدة المسح لا تنحصر في الامرين المذكورين بل تنتهى بأمرين آخرين احدهما ان يلزم الماسح غسل جنابة أو كانت امرأة فلزمها غسل حيض أو نفاس فيجب غسل الرجلين واستئناف اللبس بعد ذلك ان اراد المسح قال صفوان كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثا ايام ولياليهن الا من جنابة والمعنى فيه ان الجنابة لا تتكرر فلا يشق نزع الخف لها الثاني إذا
دميت رجله في الحف ولم يمكن غسلها فيه وجب النزع وغسل الدم ولا يكون المسح بدلا عنه وان امكن غسلها فيه نغسلها لم يبطل المسح * قال [فرع لو لبس فرد خفه لم يجز المسح الا ان تكون الرجل الاخرى ساقطة من الكعب] سليم الرجلين إذا لبس احد الحفين دون الآخر لم يجز المسح عليه لوجهين احدهما ان المسح انما جوز للارتفاق بلبس الخف لغرض المشي أو دفع الحر والبرد وغيرهما والمعهود في تحصيل هذه الاغراض لبسهما جميعا فإذا لم يفعل لزمه الغسل الذى هو الاصل والثاني ان الرجلين بمثابة العضو الواحد وهو مخير فيهما بين الغسل وبين المسح علي الخفين وإذا تخير بين خصلتين في العبادة الواحدة لم يجز له التوزيع كما في خصال الكفارة ولو لم يكن له الارجل واحدة إما باصل الخلقة أو سبب عارض]

(2/408)


[فهي وحدها كالرجلين ان شاء غسلها وان شاء مسح علي ساترها بالشرائط السابقة لانه قد يحتاج إلى اللبس ايضا للمشى عليها مع عصا يتخذها أو لدفع الحر والبرد ولو بقيت من الرجل الاخرى بقية لم يجز المسح حتى يواريها بساتر مستجمع لشرائط المسح * قال * (كتاب الحيض) * وفيه خمسة أبواب (الاول) في حكم الحيض والاستحاضة * اما الحيض فاول وقت امكانه اول السنة التاسعة في وجه وإذا مضت ستة اشهر منها في وجه واول العاشرة في وجه فما قبل ذلك دم فساد وأقل مدة الحيض يوم (ح م) وليلة (و) واكثرها خمسة عشر يوما وأقل الطهر خمسة عشر يوما (ح) واكثره لاحد له واغلب الحيض ست أو سبع وأغلب الطهر بقية الشهر ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم]

(2/409)


[بالاستقراء فلو وجدنا امرأة تحيض أقل من ذلك علي الاطراد ففى اتباع ذلك خلاف لان بحث الاولين أو في] الدم الذى تراه النساء ينقسم الي غير النفاس والى النفاس وغير النفاس ينقسم إلى حيض واستحاضة وهما مختلفا الحكم ثم قد تكون المرأة بحيث تعرف حيضها من استحاضتها وقد يختلط احدهما بالآخر فلا تعرف هذا من ذاك وعلى الاحوال فالدم قد يطبق وقد ينقطع فترى مثلا يوما دما ويوما نقاء فجعل
كلام هذه الامور في خمسة ابواب أولها في خواص الدم الذى هو حيض وفى احكام الحيض والاستحاضة وثانيها في معرفة المستحاضات وثالثها في المتحيرة المشتبهة الحال ورابعها في التقطع وخامسها في النفاس اما الباب الاول فمما يحتاج إليه لمعرفة الحيض بيان السن المحتمل للحيض وفيه ثلاثة اوجه اصحها ان اقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين فان رأت الصبية دما قبل استكمال التسع فهو دم فساد قال الشافعي رضي الله عنه واعجل من سمعت من النساء نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا هو الذى عبر عنه صاحب الكتاب بقوله وأول العاشرة في وجه والثاني ان اول وقت الامكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة وقد تسمى حينئذ بنت تسع والثالث يدخل بمضي ستة اشهر من السنة التاسعة قال الاصحاب والمتبع في وقت الحيض وقدره الوجود فنرجع فيه إلى العرف لان كل ما ورد به الشرع مطلقا ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف كالقبوض والاحراز ثم كل واحد من اصحاب الوجوه الثلاثة يزعم ان ما ذكره قد عهد والاعتبار علي الوجوه بالسنين القمرية دون غيرها وهل

(2/410)


[يعتبر بالتقريب أم بالتحديد اظهرهما التقريب وعلى هذا فيه وجهان لو كان بين رؤية الدم وبين استكمال التسع علي الوجه الاصح مالا يسع لحيض وطهر يكون ذلك الدم حيضا والا فلا ولا فرق في سن الحيض بين البلاد الحارة وغيرها وعن الشيخ أبي محمد ان الامر في البلاد الحارة علي ما ذكرناه وفى الباردة وجهان واما أقل مدة الحيض فقد نص في المختصر علي ان أفل الحيض يوم وليلة وقال فيه في العدة وأقل ما علمناه من الحيض يوم فاختلفوا فيه علي طرق احدها ان فيه قولين اظهرهما ان اقله يوم وليلة لما روى عن علي رضى الله عنه ان اقل الحيض يوم وليلة ولان المتبع فيه الوجود المتعاد وقد قال الشافعي رضي الله عنه رأيت امرأة لم تزل تحيض يوما وليلة وروى مثله عن عطاء وعن أبى عبد الله الزبيري رضى الله عنهما والثانى اقله يوم لما روى عن الاوزاعي قال كانت عندنا امرأة تحيض بالغداة وتطهر بالعشى والطريق الثاني القطع بان أقله يوم وحيث قال اقله يوم وليلة انما قال ذلك لانه لم يجد في النساء من تحيض أقل من ذلك ثم وجد وعرف فرجع إليه والثالث وهو]

(2/411)


[الاظهر القطع بأن أقله يوم وليلة وحيث قال يوما أراد بليلته والعرب كثيرا ما تفعل ذلك وهذا هو المذكور في الكتاب وعليه تفاريع الحيض وبه قال احمد وقال أبو حنيفة أقله ثلاثة أيام وعند مالك لاحد لاقلة وأما اكثر الحيض فهو خمسة عشر يوما وليلة خلافا لابي حنيفة حيث قال اكثره عشرة أيام لنا ما ذكرنا ان الرجوع إلى ما وجد من عادات النساء واقصاها ما ذكرنا روى عن علي رضي الله عنه أنه قال ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة وعن عطاء رأيت من تحيض يوما ومن تحيض خمسة عشر يوما وعن أبي عبد الله الزبيري مثل ذلك واما الطهر فأكثره لا حد له فقد لا ترى المرأة الدم في عمرها إلا مرة واقله خمسة عشر يوما خلافا لاحمد حيث قال أقله ثلاثة عشر وعن مالك قال ما اعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه وعن بعض أصحابه ان اقله عشرة ايام]

(2/412)


[لنا الرجوع إلى الوجود وقد ثبت ذلك من عادات النساء وروى انه صلي الله عليه وسلم قال (تمكث احداكن شطر دهرها لا تصلي) اشعر ذلك بأقل الطهر واكثر الحيض وغالب عادات النساء في

(2/413)


الحيض ست أو سبع وفي الطهر باقي الشهر وقد ورد به الحديث قال صلي الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن) وسيأتي ذلك من بعد وقوله ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم بالاستقراء يعني ما ذكرنا ان المتبع في سن الحيض والاقل والاكثر ما وجد من عادات النساء بعد البحث الشافي فاعتمدنا ذلك واتبعناه ولو وجدنا امرأة تحيض اقل من يوم وليلة على الاطراد أو اكثر من خمسة عشر أو تطهر اقل من خمسة عشر فهل نتبع ذلك فيه ثلاثة اوجه احدها نعم وذهب إليه الاستاذ أبو اسحق الاسفراينى في جواب له والقاضى حسين]

(2/414)


[فيما حكى ووجهه انا بينا ان المتبع في هذه المقادير الوجود فإذا وجدنا الامر علي خلاف ما عهدنا وجب اتباعه وقد تختلف العادات باختلاف الاهوية والاعصار والثانى وهو الاظهر انه لا عبرة به لان الاولين قد اعطوا البحث حقه ولم ينقلوا زيادة ولا نقصانا وبحثهم اوفى واحتمال عروض دم فساد
للمرأة اقرب من انخراق العادات المستمرة والثالث انه ان وافق ذلك مذهب واحد من السلف صرنا إليه وإلا فلا لانه تبين لنا بذلك ان ما وجدناه قد وجد قبل هذا لكنه لم يبلغ الشافعي رضى الله عنه والمذهب المعتمد هو الوجه الثاني وعليه يفرع مسائل الحيض ويدل عليه الاجماع علي انها لو كانت تحيض يوما وتطهر يوما علي الاستمرار لا يجعل كل ذلك النقاء طهرا كاملا قال [وحكم الحيض تحريم اربعة امور (الاول) ما يفتقر إلى الطهارة كسجود التلاوة والطواف والصلا ثم لا يجب قضاء الصلاة عليها]

(2/415)


[يحرم علي الحائض ما يحرم علي الجنب فليس لها أن تصلي لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة) ولا ان تطوف لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها وقد حاضت وهى محرمة (اصنعي ما يصنع الحاج غير ان لا تطوفي بالبيت) ولا ان تمس المصحف لقوله تعالى لا يسمه الا المطهرون]

(2/416)


[ولا ان تلبث في المسجد لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا احل المسجد لجنب ولا حائض) ولا أن تقرأ القرآن لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) وفى قراءة القرآن قول قدمناه وفى معنى الصلاة سجود التلاوة والشكر ولا يجب]

(2/417)


[عليها قضاء الصلاة قالت عائشة رضي الله عنها (كنا نؤمر بقضا الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وسيأتى المعني فيه على الاثر وقوله ما يفتقر إلى الطهارة ان كان المراد منه الطهارة الكبرى فالمكث في المسجد داخل فيه فلا حاجة الي تكراره في الامر الثاني حيث قال فالمكث محرم وان كان المراد الطهارة الصغرى لم يكن الكلام حاويا لقراءة القرآن وهى مما تمنع على الحائض أيضا قال [الثاني العبور في المسجد فان امنت التلويث فالمكث محرم وفى العبور وجهان] الحائض أن خافت تلويث المسجد لو عبرت اما لانها لم تستوثق أو لغلبة الدم فليس لها العبور فيه صيانة للمسجد عن التلويث بالنجاسة وليس هذا من خاصية الحائض بل المستحاضة وسلس
البول ومن به جراحة نضاخة بالدم يخشي من المرور التلويث ليس لهم العبور وان امنت التلويث ففى جواز العبور لها وجهان احدهما لا يجوز لاطلاق الخبر (لا احل المسجد لجنب ولا حائض) واصحهما الجواز كالجنب ومن علي بدنه نجاسة لا يخاف معها التلويث وقوله في الكتاب (فان امنت التلويث فالمكث محرم) ترتيب تحريم المكث علي حالة الا من ليس علي سبيل التخصيص بها بل هو في حالة الخوف اولي بالتحريم لكن الفرض انه لا خلاف في تحريمه في هذه الحالة وان كان العبور مختلفا فيه وفى ذكره الوجهين في العبور حالة الا من ما يبين انه اراد بقوله اولا العبور في المسجد حالة الخوف أو اراد انه ممتنع في الجملة إلى ان يبين التفصيل قال [الثالث الصوم فلا يصح منها ويجب القضاء بخلاف الصلاة]

(2/418)


[ليس للحائض ان تصوم لما روى عن أبى سعيد الخدرى ان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال (إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم) وهذا التحريم يبقى مادامت ترى الدم فإذا انقطع ارتفع وان لم تغتسل بعد بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة فان التحريم فيه مستمر إلى ان تغتسل ومما يرتفع تحريمه بانقطاع الدم الطلاق وسقوط قضاء الصلاة ايضا ينتهي بانقطاع الدم ثم يجب علي الحائض قضاء الصوم وان لم يجب قضاء الصلاة روى ان معاذة العدوية قالت لعائشة رضى الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت (احرورية انت: كنا ندع الصوم والصلاة علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضي الصوم ولانقضي الصلاة) ]
__________
تقدم تخريج هذا الحديث من التلخيص في صفحة فلينتبه اه

(2/419)


[وذكروا في الفرق معنيين احدهما ان قضاء الصوم لا يشق مشقة قضاء الصلاة لان غاية ما يفوتها بعض شهر رمضان ويهون قضاؤه في السنة بخلاف الصلاة فانها تكثر وتتكرر والثاني ان امر الصلاة لم يبن على ان تؤخر ثم تقضى بل اما الا تجب اصلا أو تجب بحيث لا تؤخر بالاعذار والصوم قد يترك بعذر السفر والمرض ثم يقضي فكذلك يترك بالحيض ويقضي وهل يقال بوجوب
الصوم على الحائض في حال الحيض فيه وجهان فمن قائل نعم ولولاه لما وجب القضاء كالصلاة ومن قائل لا فانها ممنوعة منه والمنع والوجوب لا يجتمعان قال [الرابع الجماع ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة وما تحت الركبة وبما تحت الازار (م) وجهان ثم ان جامعها والدم عبيط تصدق بدينار وفى اواخر الدم بنصف دينار استحبابا اما الاستحاضة فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم وتستثفر وتبادر إلى الصلاة فان اخرت فوجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى وجوب تجديد العصابة لكل]

(2/420)


[فريضة وجهان فان ظهر الدم علي العصابة فلا بد من التجديد ومهما شفيت قبل الصلاة استانفت الوضوء وان كانت في الصلاة فوجهان احدهما انها كالتيمم إذا رأى الماء والثاني انها تتوضأ وتستأنف لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع فعليها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال] الاستمتاع ضربان احدهما الجماع في الفرج فيحرم في الحيض لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) قال صلى الله عليه وسلم في تفسيره (افعلوا كل شئ الا الجماع في الفرج) ويستمر هذا التحريم وان انقطع الدم]

(2/421)


[إلى ان تتطهر بالماء أو التراب عند العجز عن استعمال الماء خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا انقطع الدم لاكثر الحيض حل الجماع وان لم تغتسل لنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) بالتشديد أي يغتسلن وأما على التخفيف فقد قال فإذا تطهرن فاتوهن أي اغتسلن فلم يجوز الاتيان الا بعد الاغتسال ولو لم تجد ماء ولا ترابا لم يجز وطؤها علي اصح الوجهين بخلاف الصلاة تأتى بها تشبها لحرمة الوقت ومهما جامع في الحيض عمدا وهو عالم بالتحريم ففيه قولان الجديد انه لاغرم عليه لكنه يستغفر ويتوب مما فعل لانه وطئ محرم لا لحرمة عبادة فلا يجب به كفارة كوطئ الجارية المجوسية وكالاتيان في الموضع المكروه لكنا نستحب له ان يتصدق بدينار ان جامع في اقبال الدم وبنصف
دينار ان جامع في ادباره لو رود الخبر بذلك وهذا القول هو المذكور في الكتاب والقديم انه يلزمه غرامة كفارة لما فعل ثم فيها قولان احدهما يلزمه تحرير رقبة بكل حال لمذهب عمر رضي الله عنه واشهرهما انه ان وطئ في اقبال الدم فعليه ان يتصدق بدينار وان كان في ادباره فعليه ان يتصدق بنصف دينار لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اتى امرأته حائضا فليتصدق بدينار ومن اتاها وقد ادبر الدم فليتصدق بنصف دينار) ثم الدينار الواجب]

(2/422)


[أو المستحب مثقال الاسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين ويجوز ان يصرف إلى واحد وعلى قول الوجوب انما يجب ذلك علي الزوج دون الزوجة وما المراد باقبال الدم وبادباره فيه وجهان احدهما وبه قال الاستاذ أبو اسحق الاسفراييني انه ما لم ينقطع الدم فهو مقبل وادباره ان ينقطع ولم تغتسل بعد يدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطئها في اقبال الدم فدينار وان وطئها في ادبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار) واشهرهما ان]

(2/423)


[اقباله أوله وشدته وادباره ضعفه وقربه من الانقطاع وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ثم ان جامعها والدم عبيط تصدق بدينار إلى آخره ويدل عليه ماروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وقع الرجل باهله وهى حائض ان كان دما احمر فليتصدق بدينار وان كان اصفر فليتصدق بنصف دينار) وليكن قوله استحبابا معلما بالقاف للقول الذى حكيناه وبالالف لان عند احمد يجب عليه دينار أو نصف دينار لانه روى في بعض الروايات فليتصدق بدينار أو نصف دينار وهذه الرواية مما يستدل بها على ان هذا الامر للاستحباب لان التخيير بين القدر المعين وبعضه في الايجاب لا معنى له فهذا إذا وطئ عامدا عالما بالتحريم وان وطئها ناسيا أو جاهلا بتحريم وطئ الحائض أو بانها حائض فلا شئ عليه وقال بعض الاصحاب يجئ علي قوله القديم وجه آخر انه يجب عليه الكفارة ايضا (الضرب الثاني) من الاستمتاع غير الجماع وهو ضربان (احدهما) الاستمتاع بما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الازار]

(2/424)


[فهل يحرم في الحيض فيه ثلاثة اوجه اظهرها نعم ويحكى ذلك عن نصه في الام لظاهر قوله تعالي]

(2/425)


[فاعتزلوا النساء في المحيض وعن معاذ قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال ما فوق الازار) ولان الاستمتاع بما تحت الازار يدعو إلى الاستمتاع]

(2/427)


[بالفرج قال صلي الله عليه وسلم وسلم (من رتع حول الحمي يوشك ان يواقعه) فوجب ان يمنع منه وبهذا قال أبو حنيفة والثاني انه لا يحرم وبه قال أبو إسحاق وهو مذهب احمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (افعلوا كل شئ الا الجماع) ولان الحماع في الفرج انما يحرم بسبب الاذى فلا يحرم الاستمتاع بما حواليه كالموضع المكروه: والثالث انه ان أمن علي نفسه التعدي الي الفرج لورع أو قلة شهوة لم يحرم والاحرم ويروى هذا عن أبي الفياض ونقل بعضهم في المسألة قولين وقالوا الجديد التحريم والقديم الاباحة (الضرب الثاني) الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة كالتقبيل]

(2/428)


[والمضاجعة وهو جائز لما روينا من حديث معاذ وعن عائشة رضى الله عنها قالت (كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخميلة فحضت فانسللت فقال انفست فقلت نعم فقال خذى ثياب حيضك وعودي الي مضجعك ونال منى ما ينال الرجل من امرأته الا ما تحت الازار) ويروى مثله]

(2/429)


[عن أم سلمة رضى الله عنها ولا فرق بين ان يصيب دم الحيض موضعا منه وبين الا يصيبه وفى وجه لا يجوز الاستمتاع بالموضع المتلطخ به لانه لو استمتع به لاصابه اذى الحيض وانما منع من وطئ الحائض للاذي والاول هو الظاهر لاطلاق الاخبار ولك ان تعلم قوله ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة وبما تحت الركبة لهذا الوجه الذاهب الي التفصيل فهذا شرح الامور الاربعة الممنعة بالحيض واعلم ان قوله وحكم الحيض امتناع اربعة أمور يشعر بانحصار حكمه فيه لكن له احكام
أخر منها انه يجب الغسل أو التيمم عند انقطاعه على ما سبق بيان ذلك في موجبات الغسل ومنها]

(2/430)


[انه تمتنع صحة الطهارة مادام الدم مستمرا إلا الاغسال المشروعة لما لا يفتقر إلى الطهارة كالاحرام والوقوف بعرفة فانها تستحب للحائض لان المقصود من تلك الاغسال التنظيف وإذا فرعنا علي أن الحائض تقرأ القرآن فلها ان تغتسل إذا اجنبت لتقرأ ويستثني هذا الغسل ايضا علي القول]

(2/431)


[المشار إليه عن سائر الطهارات ومنها انه يوجب البلوغ ومنها أنه يتعلق به العدة والاستبراء ومنها انه يكون الطلاق فيه بدعيا وهذه الاحكام تذكر في مواضعها وحكم النفاس حكم الحيض الا في ايجاب البلوغ وما بعده *]

(2/432)


[قال [اما الاستحاضة فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم وتستثفر وتبادر إلى الصلاة فان اخرت فرجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى وجوب تجديد العصابة لكل فريضة وجهان فان ظهر الدم علي العصابة فلابد من التجديد] الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمى الحيض والنفاس سواء كان متصلا بدم الحيض كالمجاوز لاكثر الحيض أو لم يكن متصلا به كالذى تراه المرأة قبل تسع سنين وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده وبهذا المعنى تنوع المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة ثم إلى مميزة وغيرها ويسمي ما عدا ذلك دم فساد لكن الاحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف]

(2/433)


[والدم الخارج حدث دائم كسلس البول والمذي فلا يمنع الصوم والصلاة للاخبار التي نرويها في المستحاضات ولذلك يجوز للزوج وطؤها وانما اثر الاحداث الدائمة الاحتياط في ازالة النجاسة وفى الطهارة فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم ان كانت تيمم وتحشوه بقطن أو خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فان كان الدم قليلا يندفع به فذاك والا شدت مع ذلك وتلجمت بان تشد علي وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة أخري مشقوقة الرأسين وتجعل أحداهما قدامها
والاخرى من ورائها وتشدها بتلك الخرقة وذلك كله واجب الا في موضعين احدهما ان تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر والثاني ان تكون صائمة فتترك الحشو]

(2/434)


[نهارا وتقتصر علي الشد وسلس البول ايضا يدخل قطنة في احليله فان انقطع والاعصب مع ذلك رأس الذكر بخرقة ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذى ذكرناه ويلزمها الوضوء لكل فريضة ولا تصلي فريضتين بطهارة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (توضأى لكل صلاة) ولابد وان تكون طهارتها للصلاة بعد دخول وقتها كما ذكرنا في التيمم وحكي الشيخ أبو محمد وجها انه يجوز ان تقع طهارتها قبل الوقت بحيث ينطبق آخرها علي اول الوقت وتصلي به الصلاة والمذهب الاول وينبغى ان تبادر إلى الصلاة عقيب احتياطها وطهارتها فلو اخرت بان توضأت في أول الوقت وصلت في آخره أو بعد خروج الوقت نظر ان كان التأخر للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والاجتهاد في القبلة والاذان والاقامة وانتظار الجماعة والجمعة ونحوها فيجوز والا فثلاثة اوجه اصحها المنع لان الحدث متكرر عليها وهي مستغنية عن واحتمال ذلك قادرة علي المبادرة الثاني الجواز كما في التيمم ولانها الو امرت بالمبادرة لامرت بتخفيف]

(2/435)


[الصلاة والاقتصار علي الاقل: والثالث ان لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة فإذا خرج فليس لها ان تصلي بتلك الطهارة وذلك لان جميع الوقت في حق تلك الصلاة كالشئ الواحد والوجوب فيه موسع وهل يلزمها تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة ننظر ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له وقع أو ظهر الدم علي جوانب العصابة فلا بد من التجديد لان النجاسة قد كثرت وامكن تقليلها فلا تحتمل ولا باس بالزوال اليسير كما يعفى عن الانتشار اليسير في الاستنجاء وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان اصحهما وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء: والثانى لا يجب إذ لا معني للامر بازالة النجاسة مع استمرارها لكن الامر بطهارة الحدث مع استمراره معهود ونقل المسعودي الخلاف المسالة قولين وهذا الخلاف جار فيما إذا انتقض
وضوء المستحاضة واحتاجت الي وضوء آخر بسبب ذلك كما لو خرج منها ريح قبل ان صلت]

(2/436)


[فيلزمها الوضوء وفى تجديد الاحتياط الخلاف: ولو انتقض وضوءها بان بالت وجب التجديد لا محالة لظهور النجاسة كيف وهي غير ما ابتليت به * واعلم انه إذا خرج منها الدم بعد الشد فان كان ذلك لغلبة الدم لم يبطل وضوءها وان كان لتقصيرها في الشد بطل وكذا لو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد وزاد خروج الدم بسببه فان اتفق ذلك في الصلاة بطلت الصلاة وان اتفق بعد الفريضة لم يكن لها ان تتنفل * ولنعد الي الفاظ الكتاب اما قوله ولكن تتوضأ لكل صلاة يعني به كل صلاة الفرض وينبغى ان يعلم بالحاء والالف لان عند أبي حنيفة واحمد تتوضأ لوقت كل صلاة لا لكل صلاة ولها ان تجمع بين فرائض بوضوء واحد مادام الوقت باقيا وبخروج الوقت تبطل طهارتها قال أبو حنيفة وان توضأت قبل الوقت لصلاة لا يمكنها ان تصلي تلك الصلاة بذلك الوضوء لان دخول وقت كل صلاة يكون بخروج وقت التى قبلها وخروج الوقت مبطل]

(2/437)


[إلا صلاة الظهر فانها إذا توضأت قبل الزوال تم زالت الشمس لها ان تصلي الظهر: واما قوله وتتلجم ووتستثفر فقد ورد اللفظان في خبر حمنة بنت جحش قال صاحب الصحاح اللجام فارسي معرب واللجام ما تشده الحائض وقوله تلجمى أي شدى عليك اللجام قال وهو شبيه بقوله استثفرى واما الاستثفار فقد قال في الغريبين يحتمل ان يكون مأخوذا من ثفر الدابة أي تشد الخرقة عليها كما يشد الثفر تحت الذنب ويحتمل ان يكون مأخوذا من الثفر اريد به فرجها وان كان اصله للسباع ثم استعير يقال استفر الكلب إذا ادخل ذنبه بين رجليه واستثفر الرجل إذا ادخل ذيله بين رجليه من خلفه هذا بيان اللفظين والمراد بهما شئ واحد وهو ما سبق وصفه وسماه الشافعي رضي الله عنه التعصيب أيضا ويجب تقديم ذلك علي الوضوء كما سبق وان اخره صاحب الكتاب في اللفظ عن الوضوء: وقوله فان أخرت فوجهان ظاهره يقتضى طرد الوجهين في مطلق التأخير لكن لو كان التأخير بسبب من اسباب الصلاة فقد نفى معظم النقلة الخلاف فيه
وخصوه بما إذا لم يكن لعذر فليحمل مطلق لفظه عليه والله اعلم قال [ومهما شفيت قبل الصلاة استأنفت الوضوء وان كانت في الصلاة فوجهان أحدهما أنها كالتيمم إذا رأى الماء والثانى أنها تتوضأ وتستأنف لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع فعلبها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال]

(2/438)


[طهارة المستحاضة تبطل بحصول الشفاء لزوال العذر والضرورة ويجب عليها استئنافها وفيه وجه ضعيف انه لو اتصل الشفاء بآخر الوضوء لم تبطل هذا ان اتفق خارج الصلاة فأن وقع في الصلاة فظاهر المذهب انه يبطل الصلاة وتتوضأ وتستأنف لانها قدرت علي ان تتطهر وتصلي مع الاحتراز عن الحدث واستصحاب النجاسة وارتفعت الضرورة وخرج ابن سريج من المتيمم يرى الماء في اثناء الصلاة قولا ههنا ان طهارتها لا تبطل وتمضى في الصلاة لكن الفرق ظاهر من وجهين احدهما ان حدث المتيمم وان لم يرتفع لم تردد ولم يتجدد والمستحاضة قد تجدد حدثها بعد الوضوء والثانى ان المستحاضة مستصحبة للنجاسة وسومحت به للضرورة فإذا زالت الضرورة زالت الرخصة والمتيمم لا نجاسة عليه حتي لو كان علي بدنه نجاسة غير معفو عنها ووجد الماء في اثناء]

(2/439)


[الصلاة تبطل صلاته ولا يجوز له البناء وقد ذكرنا في التيمم ان ابن سريج كما خرج من ثم الي ههنا خرج من ههنا إلى ثم وجعل المسألتين علي قولين بالنقل والتخريج ومنهم من عبر عن الخلاف ههنا بالوجهين وكذلك فعل صاحب الكتاب وإذا لم يكن القولان منصوصين فكثيرا ما يعبر عنهما بالوجهين وعن الشيخ أبي محمد ان ابا بكر الفارسى حكي قولا عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان المستحاضة تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبنى علي صلاتها ويمكن ان يكون هذا بناء على القول القديم في سبق الحدث وهو يوافق تخريج ابن سريج في انه لا يبطل ما سبق من صلاتها ويخالفه في الامر بالوضوء وازالة النجاسة فهذا حكم الانقطاع الكلي وهو الشفاء: وذاا
عرفت ذلك فنقول مهما انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعودا ولا تعتاده ولكن اخبرها عنه من]

(2/440)


[تعتمد من أهل البصيرة فينظر ان كانت مدة الانقطاع يسيرة لاتسع الطهارة والصلاة التى تطهرت لها فلها الشروع في الصلاة ولا عبرة بهذا النوع من الانقطاع لان الظاهر أنه لا يدوم بل يعود على القرب ولا يمكن من الطهارة والصلاة من غير حدث فلو انه امتد على خلاف عادتها أو خلاف ما أخبرت عنه بان بطلان الطهارة ووجب قضاء الصلاة وان كانت مدة الانقطاع كثيرة تسع الطهارة والصلاة فعليها اعادة الوضوء بعد الانقطاع فلو عاد الدم علي خلاف عادتها قبل الامكان ففى وجوب اعادة الوضوء وجهان اظهرهما انها لا تجب لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير اعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب لقضاء علي اصح الوجهين]

(2/441)


[لانها حين الشروع كانت شاكة في بقاء الطهارة الاولى وان انقطع دمها وهي لا تعتد الانقطاع والعود ولم يخبرها اهل البصيرة عن العود فنؤمر بأعادة الوضوء في الحال ولا يجوز لها أن تصلى بالوضوء السابق لان هذا الانقطاع يحتمل ان يكون شفاء وهو الظاهر فان الاصل بعد الانقطاع عدم العود فلو عاد قبل امكان فعل الطهارة والصلاة ففيه وجهان اصحهما أن وضوءها بحاله لانه لم يوجد الانقطاع المغنى عن الصلاة مع الحدث والثاني يجب الوضوء وان عاد الدم نظرا إلى أول الانقطاع ولو خالفت أمرنا وشرعت في الصلاة من غير اعادة الوضوء بعد الانقطاع فان لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء وكذلك أن عاد بعد مضي امكان الطهارة والصلاة لتمكنها من الصلاة من غير حدث وان عاد قبل الامكان فهل يجب قضاء الصلاة فيه وجهان كما في اعادة]

(2/442)


[الوضوء لكن الاصح الوجوب لانها شرعت فيه على تردد وعلي هذا لو توضأت بعد انقطاع الدم وشرعت في الصلاة ثم عا الدم فهو حدث جديد يجب عليها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة: واعلم أن المستحاضة في غالب الامر لا ندرى عند انقطاع دمها انه شفاء أم لا وسبيلها ان تنظر هل تعتاد
الانقطاع أم لا وتجرى على مقتضي الحالتين كما بينا وحكم الشفاء الكلى إذا عرف هو المذكور أولا وهذا الذى رويناه وهو إيراد معظم أئمة أصحابنا العراقيين وغيرهم وبينه وبين كلام صاحب الكتاب بعض الاختلافات لانه قسم حال الانقطاع إلى قسمين احدهما ألا يبعد من عادتها العود والثانى ان يبعدوهما جميعا بفرضان في التى لها عادة عود وما حكيناه يقتضى جواز الشروع في]

(2/443)


[الصلاة متى كان العود معتادا بعد ام قرب وانما يمنع الشروع من غير استئناف الوضوء إذا لم يكن العود معتادا أصلا ويجوز أن يؤول كلامه علي ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق ندرة العود وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود والله اعلم * ثم قوله فلها الشروع في الصلاة في الحالة الاولى محمول]

(2/444)


[على ما إذا كانت مدة الانقطاع يسيرة وان كان اللفظ مطلقا أما لو كانت مديدة فلابد من اعادة الوضوء كما سبق ثم عروض الانقطاع في أثناء الصلاة كعروضه قبل الصلاة بناء علي ظاهر المذهب في أن الشفاء في الصلاة كهو قبلها فإذا لم يكن معتادا لها أو جرت علي عادتها بالانقطاع قدر ما تتمكن فيه من فعل الطهارة]

(2/445)


[والصلاة بطلت طهارتها وصلاتها وان كان الانقطاع معتادا لها ومدته دون ذلك لم يؤثر وقوله فان انقطع قبل الصلاة انما قيد بما قبل الصلاة لانه أراد ترتيب الشروع عليه لا ترتيب حكم ينتظم الحالتين قال * (الباب الثاني في المستحاضات وهن أربعة) * [المستحاضة الاولى مبتدأة مميزة ترى الدم اقوى (ح) اولا فتحيض في الدم القوى بشرط]

(2/446)


ألا يزيد علي خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وتستحيض في الضعيف بشرط ألا ينقص عن خمسة عشر يوما والقوي هو الاسود أو الاحمر بالاضافة إلى لون ضعيف بعده * ولو رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم اطبقت الصفرة فالحمرة مترددة بين القوة والضعف ففى وجه تلحق بالسواد إذا امكن الجمع الا ان تصير الحمرة أحد عشر وفى وجه تلحق الحمرة ابدا بالصفرة]

(2/447)


[المستحاضات أربع لان التى جاوز دمها اكثر الحيض أما أن تكون مبتدأة وهى التى لم يسبق لها حيض وطهر أو معتادة وهى التى سبق لها ذلك وعلي التقديرين فاما أن تكون مميزة أو لا تكون فالاصناف إذا أربعة مبتدأة مميزة مبتدأة غير مميزة معتادة مميزة معتادة غير مميزة وهذا اصناف اللواتى يتميز وقت حيضهن عن استحاضتهن: أما الناسية فلا يمكن التمييز في حقها بين الحيض والاستحاضة وتختص لذلك بأحكام فافرد لها بابا بعد هذا (المستحاضة الاولى) المبتدأة المميزة وهى التى ترى الدم على نوعين احدهما أقوى أو على ثلاثة أنواع احدها أقوى فترد الي التمييز علي معنى انها تكون حائضا في ايام القوى مستحاضة في أيام الضعيف خلافا لابي حنيفة حيث قال ترد إلى اكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده وتطهر باقى الشهر لنا ماروى في الصحيحين]

(2/448)


[عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت يا رسول الله انى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا انما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا ادبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) *]

(2/449)


[ويروى انه قال (دم الحيض اسود وان له رائحة فإذا كان ذلك فدعى الصلا وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلى) وورد في صفته انه اسود محتدم بحراني ذو دفعات وفى دم الاستحاضة أنه أحمر رقيق مشرق والاسود هو الذى تعلوه حمرة متراكمة فيضرب من ذلك إلى السواد والمحتدم هو الجار الذى يلذع البشرة ويحرقها]

(2/450)


[بحدته ويختص برائحة كريهة ودم الاستحاضة رقيق لا احتدام فيه يضرب إلى الشقرة أو الصفرة ولذلك يسمى مشرقا وقيل المحتدم هو الضارب إلى السواد والبحراني هو الشديد الحمرة قال صاحب الغريبين يقال احمر باحر وبحراني أي شديد الحمرة ثم انما يحكم بالتمييز بثلاثة شروط شرطان منها في القوى وهما ألا يزيد علي خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وإلا كان زائدا علي اكثر الحيض أو ناقصا عن أقله فلا يمكن تحيضها فيه والثالث في الضعيف وهو الا ينقص عن خمسة عشر يوما
وذلك لانا نريد أن نجعل الضعيف طهرا والقوى بعده حيضة اخرى وإنما يمكن جعله طهرا إذا بلغ أقل الطهر فلو رأت ستة عشر دما اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الاول ولو رأت يوما أو نصف يوم اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الثاني ولو رأت يوما وليلة دما أسود واربعة عشر احمر ثم عاد الاسود فقد فقد الشرط الثالث وهو ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر وقول الاصحاب ينبغي ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما أرادوا خمسة عشر على الاتصال وإلا فلو رأت يوما أسود ويومين أحمر وهكذا أبدا فجملة الضعيف في الشهر لم ينقص عن خمسة عشر يوما لكن لما لم يكن على الاتصال لم يكن ذلك تمييزا معتبرا ثم بماذا نعتبر القوة والضعف فيه وجهان احدهما وهو الذى ذكره في الكتاب ان الاعتبار في القوة والضعف بمجرد اللون فالاسود قوى بالاضافة الي الاحمر والاحمر قوى بالاضافة الي الاشقر والاشقر اقوى من الاصفر والاكدر إذا جعلناهما حيضا وادعي إمام الحرمين قدس]

(2/451)


[الله روحه كون هذا الوجه متفقا عليه وقال لو رأت خمسة سوادا مع الرائحة المنعوتة في الخبر حيث قال (له رائحة تعرف) وخمسة سوادا بلا رائحه فهما دم واحد وفاقا والوجه الثاني وهو الذى ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم أن القوة تحصل باحدى خصال ثلاث اللون كما ذكرنا في الوجه الاول والرائحة فالذي له راحة كريهة أقوى ممالا لهراحسة والثخن فالثخين أقوى من الرقين فيجب أن يكون قوله والقوى هو الاسودا والاحمر بالاضافة إلى لون ضعيف بعده معلما بالواو لهذا الوجه علي أن الاصح هذا الوجه على خلاف ما ذكره صاحب الكتاب الا ترى يأن الشافعي رضي الله عنه ذكر في صفة الحيض أنه محتدم ثخين له رائحة وورد في الخبر التعرض لغير اللون كما ورد التعرض للون وعلى هذا قلا يشترط اجتماع الصفات كلها بل كل واحدة منها تقتضي القوة وحدها ولو كان بعض دمها موصوفا]

(2/452)


[بصفة من الصفات الثلاث والبعض خاليا عن جميعها فالقوى هو الموصوف بها وان كان للعبض صفة وللبعض صفتان فالقوى الثاني وان كان للعبض صفتان وللبعض الصفات الثلاث فالقوى الثاني وان وجد فيالبعض صفة وفى البعض أخرى فالحكم للسابق منهما كذلك ذكره في التتمة وهو موضع
التأمل ثم إذا وجدت الشرائط الثث للتمييز فلا يخلو إما أن يتقدم القوى أو يتقدم الضعيف فان تقدم القوى نظر ان استمر بعده ضعيف واحد كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة مستمرة فايام القوى حيض وأيام الضعيف استحاضة لما سبق من الخبر ولا فرق بين أن يتمادي زمان الضعيف وبين أن يقصر علي ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران أحدهما أن الضعيف أن كان مع القوى قبله تسعين يوما فما دون ذلك عملنا بالتمييز وقلنا هي مستحاضة في أيام الضعيف وان جاوز ابتدأت بعدن التسعين حيضة أخرى وجعلنا كل دور تسعين ذكره امام الحرمى بناء علي ما قال القفال في حد العادة المردود إليها وسنذكر ذلك في باب النفاس والوجه الثاني ذكر في التتمة ان من شرط اعتبار التمييز ألا يزيد مجموع القوي والضعيف علي ثلاثين يوما فان زاد سط حكم التمييز لان الثلاثين لا تخلو عن حيض وطهر في الغالب وليس بعض المقادير بعد مجاوزة الثلاثين أولي بأن يجعل دورا من بعض فعلي هذا ينضم شرط رابع إلى الشروط الثلاث المشهورة والاصح الاول لان أخبار التمييز مطلقة وهو الذى يوافق كلام الشافعي رضى الله عنه فانه قال فإذا ذهب ذلك الدم يعني القوى وجاءها الدم الاحمر الرقيق المشرق فهو عرق وليست بالحيضة فعليها ان تغتسل اطلق الكلام اطلاقا هذا إذا استمر بعد القوى ضعيف واحدا اما إذا وجد بعد ضعيفان كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم صفرة مطبقة فالحمرة المتوسطة تلحق بالقوى قبلها ام بالضعيف بعدها حكي صاحب الكتاب فيه وجهين احدهما انها تلحق بالسوادان امكن وذلك بان لا يزيد المجموع على خمسة عشر لانها قويان بالاضافة إلى ما بعد هما وقد امكن جعلهما حيضا فصار كما لو كان كل ذلك سوادا أو حمرة فان لم يمكن الجمع حينئذ تلحق الحمرة بالصفرة والثانى انها تلحق بالصفرة بكل حال لانها إذا دارت بين ان]

(2/453)


[تلحق القوى قبلها وبين أن تلحق بالضعيف بعدها والاحتياط هو اثاني فيصار إليه ويحصل من هذا السياق اثبات وجهين في حالة امكان الجمع والجزم بالالحاق بالصفرة في حالة عدم الامكان وفى كل واحدة من الحالتين طريقة أخرى سوى ذلك اما ف حالة امكان الجمع فقد قطع بعضهم بضم الحمرة إلى السواد ونفي يالخلاف فيه واما في حالة عدم الامكان
فقد اثبت بعضهم وجهين أحدهما ان حكم الحرمة حكم السواد لقوتها ولو زاد السواد علي خمسة عشر لكانت فاقدة للتمييز فكذلك إذا زاد مجموعهما وظهرهما ان حيضها ايام السواد لاغير لاختصاصها بزيادة القوة وبالاولية أيضا فان قلت أنما يكون ما ذكره جزما بالالحاق بالصفرة عند عدم الا ما كان إذا كان حكم المستثنى في قوله الا ان تكون الحرمة احدى عشر الالحاق بالصفرة ويحتمل انه اراد الا ان تكون الحمرة احد عشر فتكون فاقدة للتمييز وهو احد الوجهين المحكيين في الحالة الثانية وعلي هذا التقدير فيكون ما ذكره اثباتا للخلاف في الحالتين فنقول نعم هذا محتمل لكن ايراده في الوسيط يبين انه اراد ما ذكرناه ثم أعلم ان قوله إذا امكن الجمع الا أن تكون الحمرة أحد عشر ليس بجيد من جهة اللفظ لانه يستحيل أن يكون ذلك استثناء من قوله إذا أمكن الجمع فان حالة عدم الامكان لا يستثني من الامكان وانما هو استثناء من قوله يلحق بالسواد ويحنئذ في قوله إذا امكن الجمع ما يغنى عن هذا الاستثناء وفى الاستثناء ما يفهم المقصود ويغنى عن قوله إذا امكن الجمع فاحدهما غير محتاج إليه فان أراد التمثيل فالسبيل ان نقول إذا أمكن الجمع بان لا تزيد الحمرة على أحد عشر ولو تقدم الاضعف من الضعتيفين وتأخر الاقوي منهما كما إذا رأت سوادا ظثم صفرة ثم حمرة فهذه الصورة تترتب علي ما إذا كانت الحمرة متسوطة فان الحقناها بالسواد فالحكم كما إذا رأت سوادا ثم حمرة ثم عاد السواد ولا يخفى بما ذكرنا من شرائط المييز وان الحقناها عند التوسط بالصفرة فالصفرة المتوسطة ههنا اولى أن تلحق بما بعدها والله اعلم *]

(2/454)


[قال [هذا إذا تقدم القوى فلو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة فالصحيح ان النظر إلى لون الدم لا إلى الاولية وقيل يجمعان إذا امكن الجمع بان لم يزد المجموع علي خمسة عشر] ذكرنا ان بعد شرائط التمييز لا يخلو الحال اما ان يتقدم الدم القوى وقد بيناه أو يتقدم الضعيف كما إذا رأت خمسة حمرة ثم سوادا ثم عادت الحمرة واستمرت فان أمكن الجمع بين الحمرة والسواد مثل أن تري خمسة حمرة وخمسة سوادا ففيه ثلاثة أوجه محكية عن ابن سريج أظهرها أن النظر الي لون الدم دون الاولية فتكون حائضا في خمسة السواد مستحاضة قبلها وبعدها ووجه ظاهر قوله صلي الله عليه
وسلم (أن دم الحيض أسود يعرف) وأيضا فان ما سوى السواد ضعيف فلا يجعل حيضا كما لو كان متأخرا عن السواد والثانى أنه يجمع بين السواد والحمرة قبله فتحيض فيهما لان للحمرة قوة السبق وللسواد قوة اللون وقد أمكن الجمع والثالث انه يسقط التمييز لان العدول عن أول الدم مع حدوثه في زمان الامكان بعيد والجمع بين السواد والحمرة يخالف عادة التمييز فلا يبقى الا أن يحكم بسقوط التمييز وان لم يمكن الجمع بين الحمرة والسواد كما إذا كانت الحمرة السابقة خمسة والسواد أحد عشر ترتب علي الحالة الاولي ان قلنا ثم حيضها الدم القوى فكذلك ههنا وان قلنا هي فاقدة للتمييز فههنا اولا فان قلنا يجمع بينهما فقد تعذر الجمع هههنا فهى فاقدة للتمييز وسنبين حكم المبتدأة التي لا تمييز لها وفيه وجه آخر أن حيضها ههنا الدم المتقدم علي السواد نظرا إلى الاولية فلو صار السواد ستة عشر فقد فقد أحد شروط التمييز فهى كمبتدأة لا تمييز لها ويعود الوجه الصائر الي رعاية الاولية الذى ذكرناه الآن وهو ضعيف وسنعيد هذه الصورة لغرض آخر ان شاء الله تعالي وإذا فرعنا على الاصح وهو أن حيضها السواد فلو رأت المبتدأة خمسة عشر حمرة أولا ثم خمسة عشر سوادا تركت الصوم والصلاة في جميع هذه المدة اما في الخمسة عشر الاولي فلانها ترجو الانقطاع واما في الثانية فلان السواد بين ان ما قبله استحاضة وانه هو الحيض ان اجتمع شرائط التمييز ويجوز أن يكون كذلك قال الائمة ولا يتصور مستحاضة تدع الصلاة شهرا كاملا الا هذه علي هذا الوجه وزاد أبو سعيد المتولي فقال ولو زاد السواد علي الخمسة عشر والصورة هذه فقد فات شرط التمييز]

(2/455)


[وحكمها أن ترد من اول الاحمر الي يوم وليلة أو الي ست أو سبع على اختلاف قولين نذكرهما من بعد فيكون ابتداء دورها الثاني الحادى والثلاثون فان حيضناها فيه يوما وليلة فهذه امرأة تؤمر بترك الصلاة احدا وثلاثين يوما وان حيضناها ستا أو سبعا فهذه امرأة تؤمر بتركها ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين * قال [ثم المبتدأة إذا انقلب دمها الي الضعيف في الدور الاول فلا تصلي فلعل الضعيف ينقطع دون خمسة عشر يوما فيكون الكل حيضا فان جاوز ذلك نأمرها بتدارك ما فات في أيام الضعيف
نعم في الشهر الثاني كما ضعف (م) الدم فتغتسل إذ بان استحاضتها ومهما شفيت قبل خمسة عشر يوما فالضعيف حيض مع القوى] إذا بلغت الانثى سن الحيض فبدأ بها الدم لزمها أن تترك الصلاة والصوم كما ظهر الدم ولا يأتيها الزوج ثم لو انقطع لما دون أقل الحيض بان انه لم يكن حيضا فتقضى الصلاة والصوم هذا هو المذهب وفيه وجه آخر أنها لا تترك الصوم والصلاة حتى تمضي مدة أقل الحيض من أول ظهور الدم لان وجوبهما مستيقن وكونه حيضا مشكوك فيه فلا يترك اليقين بالشك وهذا ما ذكره الشيخ أبو علي في شرح الفروع حيث قال إذا ابتدأ الدم بها في رمضان وهى بنت خمس عشرة سنة فليس لها أن تفطر حتى يدوم قدر أقل الحيض فانها حينئذ تعلم أنه حيض والظاهر من المذهب الاول لان الدم الخارج من مخرج الحيض في وقت الحيض يكون حيضا غالبا وظاهرا وإذا عرف ذلك فنقول إذا كانت المبتدأة مميزة فلا تشتغل بالصوم والصلاة بانقلاب دمها من القوى إلى الضعيف فانها لا تدرى أنه تجاوز الخمسة عشر أم لا وبتقدير ألا يجاوز يكون الضعيف حيضا مع القوى فلابد لها من التربص لتتبين الحال فإذا تربصت وجاوز الخمسة عشر عرفت أنها مستحاضة وان حيضها منحصر في أيام القوى علي ما سبق فتتدارك ما فات من الصوم والصلاة في أيام الضعيف هذا حكم الشهر الاول وأما في الشهر الثاني وما بعده فإذا انقلب الدم إلى الضعيف اغتسلت وصامت وصلت ولم تتربص ولا مخرج ذلك علي أن العادة هل ثبتت بمرة أم لا لان الاستحاضة]

(2/456)


[علة مزمنة والظاهر دوامها ثم لو اتفق الانقطاع قبلا الخمسة عشر وشفيت في بعض الادوار فالضعيف حيض مع القوى كما في الشهر الاول واعلم انه لا فرق في كون الكل حيضا مهما انقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر بين ان يتقدم القوى على الضعيف أو يتقدم الضعيف هذا هو المشهور المقطوع به وحكى في التهذيب وجهين فيما إذا تقدم الضعيف علي القوى ولم يزد علي الخمسة عشر كما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وانقطع دمها أحد الوجهين ما حكيناه والآخر أن حيضها أيام السواد لانه أقوى وما قبله لا يتقوي به بخلاف ما بعده فانه يتبعه وحكي وجهين
ايضا فيما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وخمسة حمرة اصحهما ان الكل حيض والثانى حيضها السواد وما بعده لا: ثم المفهوم من اطلاقهم انقلاب الدم الي الضعيف أن يتمحض ضعيفا حتى لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وانما ينقطع إذا لم يبق السواد أصلا وصرح امام الحرمين بهذا المفهوم وقوله في الكتاب كما ضعف الدم معلم بالميم لان مالكا قال المميزة بعد الدم القوى تتحيض ثلاثة ايام من الضعيف ايضا احتياطا لنا قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي) وايضا فانا لا نجعل شيئا من الدم القوى طهرا احتياطا فكذلك لا نجعل شيئا من الدم الضعيف حيضا ولك ان تعلم قوله في آخر الفصل فالضعيف حيض مع القوى بالواو لانه يشمل ما إذا تقدم الضعيف وما إذا تقدم القوى وفى حالة تقدم الضعيف الوجه الذى حكيناه عن التهذيب والله اعلم * قال [المستحاضة الثانية مبتدأة لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز ففيها قولان احدهما أن ترد إلى عادة نساء بلدها علي وجه أو نساء عشيرتها على وجه بشرط ألا ينقص عن ست ولا يزيد علي سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم وسيلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن) والقول الثاني انها ترد إلى أقل مدة الحيض احتياطا للعبادة وأما في الطهر فترد إلى اغلب العادات وهي أربع وعشرون لانه ابلغ في الاحتياط وقيل إلى تسع وعشرين لانه تتمة الدور]

(2/457)


[المبتدأة التي لا تمييز لها وهي التي يكون جميع دمها من نوع واحد ينظر في خالها أن لم تعرف وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيرة لان مردها علي ما سيأتي يترتب في كل شهر على أول مفاتحة الدم فإذا كان ذلك مجهولا لزم التحير وان عرفت وقت الابتداء وهي الحالة المرادة في الكتاب ففي القدر الذي تحيض فيه قولان اصحهما انها تحيض اقل الحيض وهو يوم وليلة لان سقوط الصلاة عنها في هذا القدر مستيقن وفيما عداه مشكوك فيه فلا تترك اليقين الا بيقين أو أمارة ظاهرة كالتمييز والعادة والثاني ترد الي غالب عادات النساء وهو ست أو سبع لان الظاهر اندراجها في جملة الغالب وقد روى ان حمنة بنت جحش قالت (كنت استحاض حيضة شديدة
فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي فإذا رأيت انك قد طهرت فصلي اربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي وصلي فان ذلك يجزئك) وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن) فقال جماعة من الاصحاب منشأ القولين الذين ذكرناهما تردد الشافعي رضى الله عنه في ان حمنة كانت مبتدأة أو معتادة ان قلنا كانت معتادة رددنا المبتدأة إلى الاقل اخذا باليقين ومن قال بهذا قال لعله عرف من عادتها انها احد العددين الغالبين اما الست أو السبع لكن لم يعرف عينه فلذلك قال تحيضي ستا أو سبعا وان قلنا كانت مبتدأة رددنا المبتدأة الي الغالب وقوله في علم الله أي فيما علمك الله من عادتك ان قلنا كانت معتادة ومن غالب عادات النساء ان قلنا كانت مبتدأة فان فرعنا علي القول الثاني فهل الرد الي الست أو السبع على سبيل التخيير بينهما أم لا فيه وجهان احدهما انه علي التخيير لظاهر الخبر فتحيض ان شاءت ستا وان شاءت سبعا ويحكي هذا عن شرح ابى اسحق المروزى وزعم الحناطى انه اصح الوجهين والثانى وهو الصحيح عند الجمهور انه ليس علي التخيير ولكن تنظر في عادات النساء اهن يحضن ستا أو سبعا ومن النسوة المنظور اليهن فيه ثلاثة اوجه اظهرها ان الاعتبار بنسوة عشيرتها من الابوين جميعا لان طبعها إلى طباعهن اقرب فان لم يكن لها عشيرة فالاعتبار بنساء بلدها والثاني ان الاعتبار]

(2/458)


[بنساء العصبات خاصة والثالث يعتبر نساء بلدها وناحيتها ولا تخصص بنساء العصبة ولا نساء العشيرة وإذا عرفت ذلك فعليها ان تجتهد وتنظر في امر النسوة المعتبر بهن فان كن يحضن جميعا ستا أو سبعا اخذت بذلك وعلي هذا حملوا قوله صلي الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا) وقالوا انه علي التنويع أي ان كن يحضن ستا فتحيضى ستا وان كن يحضن سبعا فتحيضى سبعا وان كانت عادتهن جميعا اقل من ست أو اكثر من سبع ففيه وجهان اظهرهما أنها ترد الي الست في الصورة الاولى والي السبع في الاخرى اخذا بالاقرب إلى عادتهن والخبر عين العددين وغالب عادات النساء لا تجاوزهما فلا عدول عنهما والثانى انها ترد إلى عاداتهن الحافا لها بالنسوة المعتبر بهن والوجه
الاول هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال بشرط الا ينقص عن ست ولا يزيد علي سبع وان اختلفت عادتهن فحاضت بعضهن ستا وبعضهن سبعا ردت الي الاغلب فان استوى البعضان ردت الي الست احتياطا للعبادة وكذلك الحكم لو حاضت بعضهن دون الست وبعضهن فوق السبع هذا بيان مردها في الحيض واما في الطهر فان قلنا انها مردودة في الحيض الي الغالب فكذلك في الطهر فترد إلى ثلاث وعشرين أو اربع وعشرين كما نطق به الخبر وان قلنا انها مردودة الي الاقل ففى طهرها قولان احدهما انها ترد إلى اقل الطهر أيضا فيكون دورها ستة عشر يوما وإذا جاء السابع عشر استأنفت حيضة أخرى واصحهما انها لا ترد في الطهر إلى الاقل لان الرد في الحيض إلى الاقل انما كان للاحتياط ولو رددنا في الطهر إلى الاقل لكثر حيضها لعوده على قرب وذلك نقيض قضية الاحتياط وعلي هذا فوجهان احدهما انها ترد الي الغالب وهو ثلاث وعشرون أو اربع وعشرون واظهرهما انها ترد الي تسع وعشرين ليتم الدور ثلاثين مراعاة لغالب الدور وانما لم نحمل الحيض على الغالب احتياطا للعبادة ثم نعود إلى ما يتعلق بالفاظ الكتاب خاصة اما قوله مبتدأة]

(2/459)


[لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز فاعلم ان التي لا تمييز لها هي التى ترى الدم كله نوعا واحدا والتي فقدت شرط التمييز ان ترى الدم على نوعين لكن القوى يكون دون يوم وليلة أو اكثر من خمسة عشر يوما أو يكون الضعيف دون الخمسة عشر وحكمهما واحد في جريان القولين احدهما الرد إلى الاقل والثاني الي الغالب وابتداؤه علي القولين من أول ظهور الدم وعن ابن سريج انه لو ابتدأ الدم الضعيف وجاوز القوى بعده اكثر الحيض فالضعيف استحاضة وابتداء حيضها علي اختلاف القولين من أول القوى والمعنى فيه العمل بالتمييز بقدر الامكان ونظيره ما إذا رأت خمسة حمرة ثم اسود دمها وعبر الخمسة عشر وهذه هي الصورة التي وعدنا من قبل ان نعيدها ولك ان تعلم قوله إلى عادة نساء بلدها علي وجه أو نساء عشيرتها علي وجه بالحاء والميم والالف لان ابا حنيفة لا يردها إلى هذا ولا إلى ذاك انما يردها الي اكثر الحيض وهو عشرة عنده وبه قال مالك واحمد في احدى الروايات عنهما الا ان اكثر الحيض عندهما خمسة عشر]

(2/460)


[يوما وعن مالك روايتان اخريان احداهما انها ترد الي عادة لداتها وتستظهر بعد ذلك بثلاثة ايام بشرط الا تجاوز خمسة عشر يوما والثانية انها ترد الي عادة نسائها والاستظهار كما ذكرنا وعن احمد روايتان اخريان مثل قولينا وقوله واما في الطهر فترد الي اغلب العادات الي آخره يجوز ان يكون مبينا على قول الرد الي الاقل فان في طهرها على هذا القول اختلافا كما بيناه وهذا قضية إيراده في الوسيط ويجوز ان يجعل كلاما مبتدأ غير مبني علي احد القولين فان قدر الطهر]

(2/461)


[إذا افردناه بالنظر مختلف فيه ثم الرد على الغالب يخرج على القولين جميعا وما عداه يختص بقول الرد الي الاقل وليكن قوله الي اغلب العادات معلما بما ذكرنا من العلامات فان من رد الي اكثر الحيض لا يرد في الطهر الي اغلب العادات وإنما يرد الي الباقي من الثلاثين وقوله وهي اربع وعشرون يقتضي كون الاربع والعشرين اغلب من ثلاث وعشرين وهو ممنوع ومن قال بهذا الوجه لا يرد لعين الاربع والعشرين بل يقول بردها الي الطهر الغالب وهو بين ثلاث وعشرين وبين أربع]

(2/462)


[وعشرين حكاه امام الحرمين هكذا ثم قال وكان شيخي يرى علي هذا الوجه أن ترد إلى أربع وعشرين فان الاحتياط فيه أبلغ منه في ثلاث وعشرين فإذا ما ذكره صاحب الكتاب مصير إلى كلام الشيخ أبى محمد وقضية خبر حمنة أن نعتبر طهرها بعادة النساء المنظور اليهن كما في الحيض فليكن قوله وهو أربع وعشرون معلما بالواو لما رويناه ثم ايراده يقتضى الميل إلى الرد الي غالب الطهر وتصحيح هذا الوجه وعلى هذا التقدير يكون دورها خمسة وعشرين إذا ردت الي أربع]

(2/463)


[وعشرين في الطهر والي الاقل في الحيض لكن ما اتفقت طرق الاصحاب عليه أن ظاهر المذهب اشتمال كل شهر علي حيض وطهر لها سواء ردت الي الاقل أو الغالب وذلك يقتضي ترجيح الوجه الصائر الي تسع وعشرين وبالله التوفيق *
قال [ثم في مدة الطهر تحتاط كالمتحيرة أو هي كالمستحاضات ففيه قولان] غير المميزة كالمميزة في ترك الصوم والصلاة في الشهر الاول الي تمام الخمسة عشر فإذا جاوز الدم الخمسة عشر تبينت الاستحاضة وعرفنا أن مردها الاقل والغالب]

(2/464)


[على اختلاف القولين فان رددناها إلى الاقل قضت صلوات أربعة عشر يوما وان رددناها الي الست أو السبع قضت صلوات تسعة أيام أو ثمانية وأما في الشهر الثاني وما بعده فينظر ان وجدت تمييزا بالشروط السابقة قبل تمام المرد أو بعده فلا نظر إلى ما تقدم وهي في ذلك الدور كمبتدأة مميزة مثاله مبتدأة رأت أولا دما أحمر ثم في الشهر الثاني رأت خمسة دما أسود والباقى أحمر فحيضها في الشهر الاول الاقل أو الغالب وفى الشهر الثاني خمسة السواد أخذا بالتمييز فانه شاهد في صفة الدم فالنظر إليه أولي وان استمر فقد التمييز فيما بعد الشهر الاول وهذا مقصود الفصل ومحل القولين فكما جاوز دمها المرد وهو الاقل أو الغالب فتغتسل وتصوم وتصلي لان الظاهر دوام الاستحاضة]

(2/465)


[ثم لو شفيت في بعض الشهور قبل الخمسة عشر بان أنها غير مستحاضة فيه وان جميع الدم حيض فتقضي ما تركته من الصوم في المرد وما صامته فيما وراءه أيضا لتبين الحيض فيه وتبين أن غسلها لم يصح عقب انقضاء المرد ولا تأثم بفعل الصوم والصلاة والوطئ فيما وراء المرد لانها معذورة في بناء الامر علي الظاهر وهل يلزمها الاحتياط فيما وراء المرد الي تمام الخمسة عشر فيه قولان احدهما انها تحتاط كالمتحيرة لان احتمال الحيض والطهر والانقطاع قائم الي تمام الخمسة عشر وانما تحتاط المتحيرة لقيام هذه الاحتمالات فكذلك هذه وأصحهما أنها لا تحتاط كسائر المستحاضات لانا قد جعلنا لها مردا في الحيض فلا عبرة بما بعده كما في المعتادة والمميزة فأن قلنا تحتاط فلا تحل تنزوج]

(2/466)


[الي تمام لخمسة عشر ولا تقضى في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف لاحتمال أنها حائض ويلزمها الصوم والصلاة لاحتمال انها طاهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال الانقطاع وتقضي صوم جميع الخمسة عشر اما في المرد
فلانها لم تصم وأما فيما وراءه فلاحتمال الحيض وان قلنا لا تحتاط فتصوم وتصلي ولا تقضي شيئا ويأتيها زوجها ولا غسل عليها وتقضى الفوائت وعلي القولين لا نقضى الصلوات المأتي بها بين المرد والخمسة عشر لانها ان كانت طاهرة فقد صلت وان كانت حائضا فليس عليها قضاء الصلوات وحكى في المهذب هذا الخلاف وجهين والاشهر الا ثبت القولان ولا يخفى عليك بعد ما ذكرناه شيئان أحدهما أن قوله ثم في مدة الطهر يعنى به مدة الطهر إلى تمام الخمسة عشر لا الي آخر الشهر فان ما بعد الخمسة عشر طهر بيقين والثاني]

(2/467)


[ان في وجوب قضاء الصلاة علي المتحيرة خلافا نذكره في موضعه وههنا لا يجب قضاء الصلاة بحال وان أمرناها بالاحتياط فإذا قلنا أنها تحتاط كالمتحيرة في قول وجب أن يستثني قضاء الصلاة وصاحب الكتاب لا يحتاج الي هذا الاستثناء لانه نفى وجوب القضاء علي المتحيرة علي ما سيأتي قال [المستحاضة الثالثة المعتادة وهى التى سبقت لها عادة فترد إلى عادتها في وقت الحيض وقدره فان كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها دور فحاضت ستا ثم استحيضت بعد ذلك رددناها إلى الست لان الصحيح ثبوت العادة بمرة واحدة] المعتادة تنقسم إلى ذاكرة لعادتها إلى ناسية والذى بقى من هذا الباب يشتمل علي قسم الذاكرة واما الناسية

(2/468)


[فقد افرد لها الباب التالي لهذا الباب والذاكرة تنقسم الي فاقدة للتمييز والي واجدة أما الفاقدة وهى المقصودة بهذا الفصل فهي مردودة الي عادتها القديمة خلافا لمالك حيث قال لا اعتبار بالعادة لنا ماروى عن ام مسلمة ان امرأة كانت تهريق الدماء علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها فقال (لتنظر عدد الايام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل) وتفصيل القول فيها ان يقال عادتها السابقة إما الا يكون فيها اختلاف لا في القدر ولا في الوقت أو يكون فيها اختلاف فهما حالتان فاما في الحالة الاولى فننظر ان تكررت عادة حيضها وطهرها مراراردت الي عادتها في قدر الحيض ووقته وفى الطهر ايضا وظاهر المذهب انه لا فرق بين ان تكون عادتها ان تحيض اياما من كل شهر أو من كل شهرين
أو من كل سنة وقيل بخلاف ذلك وهو الذى حكاه صاحب الكتاب في باب النفاس ونذكره ثم ان شاء الله تعالي وان لم يتكرر ما سبق من عادة الحيض والطهر ففيه خلاف مبنى على ان العادة بماذا تثبت]

(2/469)


وفيه وجهان مشهوران أصحهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق أنها تثبت بمرة واحدة واحتجوا عليه بقوله صلي الله عليه وسلم في حديث ام سلمة (فلتنظر عدد الايام والليالي التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى اصابها) اعتبر الشهر الذى قبل الاستحاضة والثاني ويحكي عن ابن خيران أنه لا تثبت العادة الا بمرتين لان العادة مشتقة من العود وإذا لم يوجد الا مرة واحدة فلا عود وحكي أبو الحسن العبادي وجها ثالثا أنها لا تثبت الا بثلاث مرات لقوله صلى الله عليه وسلم (دعي الصلاة أيام اقرائك) وأقل الجمع ثلاثة وضرب في الكتاب مثالا لهذه]

(2/470)


[القاعدة فقال لو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وغشرين فجاءها دور فحاضت يه ستا ثم استحيضت بعد ذلك فان قلنا العادة لا تثبت بمرة واحدة رددناها إلى الخمس وان قلنا أنها تثبت بمرة رددناها إلى الست وقلنا ردها الي ما قرب ونسخ ما قبله أولى ثم المعتادة في الشهر الاول من شهور الاستحاضة تتربص كالمبتدأة لجواز أن ينقطع دون الخمسة عشر وان حاوز عادتها فان عبر الخمسة عشر قضت صلوات ما وراء أيام العادة ثم في الدور الثاني وما بعده إذا مضت أيام العادة اغتسلت وصامت وصلت لطهور الاستحاضة ولا يتأتى ههنا قول الاحتياط الذي ذكرناه في المبتدأة لقوة العادة (الحالة الثانية) أن يكون في عادتها السابقة اختلاف فمن صورها أن يكون لها عادة دائرة وقد ذكره في آخر الباب الثالث في فرع وكان ذكره في هذا الموضع أليق لانها نوع من العادات (ومنها) أن يكون في عاداتها المتقدمة علي الاستحاضة اختلاف في القدر أو في الوقت وسمى متقدمو الاصحاب التى انتقلت عادتها وتغيرت عما كانت ثم استحيضت منتقلة ونحن نذكر من مسائلها صورا ترشد إلى غيرها (منها) لو كانت تحيض خمسا من أول كل شهر وتطهر باقيه فحاضت في دور أربعا من الخمسة المعتادة ثم استحيضت بعد ذلك فهذه قد انتقل حيضها من الكثرة إلى
القلة ولو حاضت في دور ستا ثم استحيضت فقد انتقل من القلة الي الكثرة والحكم في الصورتين مبنى علي الخلاف الذى سبق في العادة ان أثبتناها بمرة رددناها الي ما قبل الاستحاضة]

(2/471)


[والا فالعادة القديمة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في دور ستة أيام دما وفى دور عقببه سبعة ثم استحيضت فان أثبتنا العادة بمرة رددناها إلى السبعة والا فوجهان أحدهما أنها ترد إلى الخمسة ويتساقط العددان في الدورين الاخيرين لان واحدا منهما لم يتكرر على حياله وأظهرهما أنها ترد إلى الستة لان التكرر قد حصل فيها فانها وجدت مرة وحدها ومرة مندرجة في السبعة وإذا فرعنا علي الوجه الثالث فلا شك في ردها إلى الخمسة ولو كانت المسألة بحالها فحاضت في دور الخمسة الثانية من الشهر فهذه قد تغير وقت حيضها وصار دورها المتقدم علي هذه الخمسة بتأخر الحيض خمسة وثلاثين خمسة منها حيض والباقى طهر فينظر ان تكرر هذا الدور عليها بأن رأت الخمسة الثانية دما وطهرت ثلاثين ثم عاد الدم في الخمسة الثالثة من الشهر الآخر وعلي هذا مرارا ثم استحيضت فهي مردودة إليه فتحيض من أول الدم الدائم خمسة وتطهر ثلاثين وعلي هذا أبدا وان لم يتكرر هذا الدور كما إذا استمر الدم المتأخر المبتدئ من الخمسة الثانية وصارت مستحاضة فهل نحيضها من أوله أم لا فيه وجهان عن أبي اسحق انه لا حيض لها في هذا الشهر والذى بدأ استحاضة كله الي آخر الشهر فإذا جاء أول الشهر ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا وقال الجمهور نحيضها خمسة من الدم الذى ابتدأ من الخمسة الثانية ثم ان قلنا بثبوت العادة بمرة حكمنا لها بالطهر ثلاثين يوما وأقمنا عليها الدور الاخير أبدا وان لم نقل بذلك فوجهان أظهرهما أن]

(2/472)


[خمسة وعشرين بعدها طهر لانه المتكرر من اطهارها والثاني ان باقى الشهر طهر لا غير وتحيض الخمسة الاولي من الشهر الآخر وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا وان رأت الخمسة الثانية دما وانقطع وطهرت بقية الشهر ثم عاد الدم فقد صار دورها خمسة وعشرين فان تكرر ذلك بأن رأت الخمسة الاولي من الشهر بعده دما وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد
إليه وان لم يتكرر كما إذا عاد في الخمسة الاولى واستمر فلا خلاف في أن الخمسة الاولي حيض ويبنى حكم الطهر علي الخلاف في العادة ان أثبتناها بمرة فطهرها عشرون والا فخمسة وعشرون ولو كانت المسألة حالها فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين وعاد الدم في الخمسة الاخيرة فهذه قد تغير وقت حيضها بالتقدم وصار دورها خمسة وعشرين فان تكرر هذا الدور بأن رأت الخمسة الاخيرة دما وانقطع وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد إليه ولو لم يتكرر كما إذا استمر الدم العائد فمحصول ما تخرج من طرق الاصحاب في هذه المسألة ونظائرها أربعة أوجه أظهرها أنها تحيض خمسة من أوله وتطهر عشرين وهكذا أبدا والثانى تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين والثالث تحيض عشرة منه وتطهر خمسة وعشرين ثم تحافظ علي الدور القديم والرابع أن الخمسة الاخيرة استحاضة وتحيض من أول الدور خمسة وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة وقد ذكرنا في صورة التأخر ما حكى عن أبي اسحق من المحافظة على أول الدور]

(2/473)


[والحكم بالاستحاضة فيما قبله واختلفوا في قياس مذهبه ههنا منهم من قال قياسه الوجه الثالث ومنهم من قال لا بل هو الرابع ولو كانت المسألة بحالها حاضت خمستها وطهرت أربعة عشر يوما ثم عاد الدم واستمر فالمتخلل بين خمستها وبين الدم العائد ههنا ناقص عن أقل الطهر فحاصل ما قيل فيه أربعة أوجه أيضا أظهرها أن يوما من الدم العائد استحاضة تكميلا للطهر وخمسة بعده حيض وخمسة عشر طهر إذ صار دوها بما اتفق عشرين والثانى أن اليوم الاول استحاضة والباقى من الشهر وخمسة من الشهر الذى بعده حيض ومجموع ذلك خمسة عشر ثم تطهر خمسة وعشرين وتحافظ علي دورها القديم والثالث ان اليوم الاول استحاضة وبعده خمسة حيض وخمسة وعشرون طهر وهكذا ابدا والرابع ان جميع الدم العائد الي ول الشهر استحاضة وتفتتح منه دورها القديم وقد ذكرت كيفية هذه الوجوه ومأخذها في غير هذا الموضع فلا أطول ههنا ولك أن تعلم قوله في آخر هذا الفصل ثبوت العادة بمرة واحدة بالحاء والالف اشارة الي أنهما يقولان لا تثبت العادة بأقل من مرتين *
قال [المستحاضة الرابعة المعتادة المميزة فان رأت السواد مطابقا لايام العادة فهو المراد وان]

(2/474)


[اختلفت بأن كانت عادتها خمسة فرأت عشرة سوادا ثم اطبقت الحمرة فهل الحكم للعادة ام للتمييز فيه قولان فعلى هذا ان رأت في أيام العادة خمسة حمرة ثم عشرة سوادا ثم اطبقت الحمرة ففى وجه الحكم للعادة (م) وفى وجه للتمييز فتحيض في العشر السواد وفى وجه (ح م) يجمع بينهما الا أن يزيد المجموع على خمسة عشر فيتعين الاقتصار على العادة أو علي التمييز] * المعتادة الذاكرة لعادتها إذا كانت واجدة للتمييز نظر ان توافق مقتضي العادة والتمييز كما إذا كانت تحيض خمسة من اول كل شهر وتطهر الباقي فاستحيضت ورأت خمستها سوادا وباقى الشهر حمرة فحيضها تلك الخمسة واعتضدت كل واحدة من الدلالتين بصاحبتها وان لم يتوافق مقتضاهما]

(2/475)


[نظر ان لم يتخلل بين العادة والتمييز قدر أقل الطهر كما إذا كانت تحيض خمسة كما ذكرنا فرأت في دور عشرة سوادا ثم حمرة واستحيضت ففيه ثلاثة أوجه أصحها وبه قال ابن سريج وابو اسحق انها ترد الي التمييز فتحيض في العشرة كلها لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف) ظاهره ينفى كون غيره حيضا لان التمييز صفة موجودة والعادة دلالة قد مضت والرد الي الدلالة الموجودة أولي والثانى وبه قال ابن خيران والاصطخري أنها ترد إلى العادة فترد الي الخمسة القديمة لقوله صلى الله عليه وسلم (فلتنظر عدد الايام والليالي التى كانت تحيضهن) ولم يفصل]

(2/476)


[ولان العادة قد ثبتت واستقرت وصفة الدم بعرض البطلان الا ترى انه لو زاد الدم القوى علي خمسة عشر يوما بطلت دلالة قوته والثالث ان امكن الجمع بينهما يجمع عملا بالدلالتين والا فيتساقطان فتكون كمبتدأة لا تمييز لها وفيها ما قدمناه من القولين: مثال امكان الجمع ان ترى عشرة سوادا كما ذكرناه ومثال عدم الامكان أن ترى خمستها المعهودة حمرة واحد عشر عقيبها سوادا وان يتخلل بينهما أقل الطهر كما إذا رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا وعادتها القديمة
خمسة من أول الشهر كما سبق فقدر العادة ؤيض بحكم العادة والقوى حيض آخر لانه تخلل بينهما زمان طهر كامل ومنهم من قال تبنى هذه الحالة على الحالة الاولى ان قلنا يقدم التمييز فحيضها خمسة]

(2/477)


[السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة واربعون وقد صار دورها خمسين وان قلنا تقدم العادة فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون من بعدها طهر وان قلنا يجمع بينهما حيضت الخمسة الاولي بالعادة وخمسة السواد بالتمييز لامكان الجمع بتخلل طهر كامل بينهما هذا فق؟ الفصل * ولك ان تعلم قوله الحكم للعادة بالميم لما ذكرنا أنه لا اعتبار للعادة عنده فضلا عن ان تقدم علي التمييز وقوله الحكم للتمييز بالالف لان عند احمد تقدم العادة عند اجتماع المعنبين وبالحاء ايضا لان عند ابي حنيفة لا اعتبار للتمييز * واعلم انه تحصل مما حكيناه في كل واحدة من حالتى امكان بين العادة والتمييز وعدم الامكان ثلاثة اوجه أحدها الحكم بالعادة والثاني الحكم بالتمييز وهما يشملان

(2/478)


[الحالتين والثالث في احدى الحالتين الجمع وفى الثانية التساقط ولفظ الكتاب يفيد الوجوه الثلاثة عند امكان الجمع والوجهين الشاملين عند عدم الامكان دون الثالث وقوله فيتعين الاقتصار على العادة أو علي التمييز أي على العادة في وجه وعلي التمييز في وجه قال [فرعان الاول مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم علي لون واحد ففى الشهر الثاني نحيضها خمسا لان التمييز اثبت (ح م) لها عادة] العادة التى ترد إليها المستحاضة المعتادة ليس من شرطها ان تكون عادة حيض وطهر صحيحين بلا استحاضة بل قد تكون كذلك وقد تكون تلك العادة هي التى استفادتها من التمييز وهي مستحاضة كما]

(2/479)


[إذا رأت المبتدأة خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة وهكذا مرارا ثم استمر السواد أو الحمرة في بعض الشهر فقد عرفنا بما سبق من التمييز ان حيضها خمسة من اول كل شهر وصار ذلك عادة لها فنحيضها الآن خمسة من اول كل شهر ونحكم بالاستحاضة في الباقي * هذا هو الصحيح وحكى امام الحرمين وجها آخر انه إذا انخرم التمييز
فلا نظر الي ما سبق وهى كمبتدأة غير مميزة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في بعض الادوار عشرة سوادا وباقى الشهر حمرة ثم استمر السواد وفى الدور الذى بعده فقد قال الائمة نحيضها عشرة السواد في ذلك الدور لان]

(2/480)


[الاعتماد علي صفة الدم ثم مردها بعد ذلك العشرة ولو كاتت المسألة بحالها اعتادت السواد خمسة ثم استمر الدم ثم رأت في بعض الادوار عشرة فترد في ذلك الدور إلى العشرة وفى هاتين الصورتين اشكالان (أحدهما) ردها إلى العشرة في الصورة الاولى ظاهر إذا قلنا العادة تثبت بمرة واحدة اما إذا قلنا لا تثبت فينبغي ألا نكتفي بسبق العشرة مرة قال صاحب الكتاب في الوسيط هذه عادة تمييزية فينسخها مرة واحدة ولا يجرى فيها ذلك الخلاف كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة فانه نحكم بالحالة الناجزة وهذا لا يشفى الغليل وللمعترض أن يقول لم يختص الخلاف بغير التمييزية]

(2/481)


[ولماذا تشتبه العادة التمييزية بالصورة المذكور دون غير التمييزية وما الفارق (الثاني) إذا أفاد التمييز عادة للمستحاضة ثم تغير مقدار القوى بعد انخرام التمييز أو قبله وجب أن لا يخرم بالرد إليه بل ينبغى أن يخرج علي الخلاف فيما إذا اجتمع العادة والتمييز كما تقدم ولم يزد امام الحرمين في هذا الموضع علي دعوي اختصاص ذلك الخلاف بالعادات الجارية من غير استحاضة ولم يبد معنى فارقا ولمقرر الاشكال ان يمنع اختصاص الخلاف بتلك العادات الا ترى أنها لو كانت ترى خمسة سوادا]

(2/482)


[من أول كل شهر وباقيه حمرة فجاءها شهر رأت فيه الخمسة الاولى حمرة والخمسة الثانية سوادا ثم عادت الحمرة واستمرت يجرى فيها لك الخلاف مع أن هذه عادة مستفادة من التمييز أورد هذه الصورة صاحب التهذيب وغيره فعلى الوجه المغلب للتمييز حيضها الخمسة الثانية وعلي الوجه المغلب للعادة حيضها الخمسة الاولي وعلي وجه الجمع تحيض فيهما والله أعلم * جئنا الي ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم علي لون واحد المفهوم من ظاهره اطباق غير لون السواد من انقضاء خمسة السواد واستمراره علي الاطلاق لكن بتقدير ان يكون كذلك فالضعيف على امتداده استحاضة وليس لها شهر ثان]

(2/483)


[حتى نحكم بالتحيض خمسة من أوله فإذا المعني رأت خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة أو نحوها ثم أطبق السواد في الشهر الثاني ثم قوله ففى الشهر الثاني نحيضها خمسا بناء على عدم اشتراط التكرار في العادة التمييزية واكتفاء بوقوعها مرة واحدة وقد ذكرنا ما فيه من الاشكال ويؤيده ان ما عدا الخمسة لو كان طهرا محسوسا واستحيضت في الشهر الثاني لم نردها الي الخمسة علي قولنا العادة]

(2/484)


[لا تثبت بمرة ومعلوم ان التمييز لا يزيد عليه وليكن قوله نحيضها خمسا معلما بالواو اشارة إلى الوجه الذى تقدم * قال [الثاني قال الشافعي رضى الله عنه الصفرة والكدرة (م) في أيام الحيض حيض (ح) فهو كذلك في ايام العادة وفيما وراءها الي تمام الخمسة عشر ثلاثة اوجه احدها انه حيض كايام العادة والثانى لا لضعف اللون والثالث ان كان مسبوقا بدم قوى ولو لطخة فيكون حيضا والا فلا ومرد المبتدأة]

(2/485)


ايام العادة أو كما وراءها فيه وجهان] هذا الفرع لا اختصاص له بالمستحاضة بل معظم فائدته فيما إذا لم يعبر الدم الاكثر كما سيأتي والصفرة شئ كالصديد يعلوه اصفرار والكدرة شئ كدر وليسا على الوان الدماء ولا خلاف في كونهما حيضا في ايام العادة لان الوقوع في ايام العادة يغلب علي الظن بكون الاذى الموجود فيه الحيض المعهود وفيما وراء ايام العادة اربعة اوجه اظهرها ان لهما حكم الحيض ايضا]

(2/486)


[لقوله تعالي (قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض) والصفرة والكدرة اذى ولما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا) وهذا اخبار عما عهدته في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم والثانى ليس لهما حكم الحيض لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف) ]

(2/487)


[وعن ام عطية وكانت قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا) وبهذا الوجه قال الاصطخرى وينسب الي صاحب التلخيص أيضا وبالاول قال ابن سريج وأبو اسحق والوجه الثالث وبه قال أبو على الطبري ان سبق دم قوى من سوادا وحمرة فالصفرة والكدرة بعده حيض والا فلا والفرق ان الدم يبدو قويا ثم يرق ويضعف علي التدريج الا ترى ان الجراحة تصب دما قويا ثم يرق ويختلط بالرطوبات فإذا سبق دم قوى استتبع ما بعده والرابع حكاه القاضي ابن كج أنه انما يحكم بكون الصفرة والكدرة حيضا بشرط ان يسبقها دم قوى ويلحقها دم قوى لينسحب الحكم علي المتخلل والا فما ليس علي هيئة الدماء لا يعطي له حكمها واما المبتدأة فقد حكي امام الحرمين عن بعض الاصحاب أنها إذا رأت صفرة أو كدرة ثم طهرت فحكم مردها على اختلاف القولين وهما الاقل والغالب كايام العادة في حق المعتادة قال والصحيح أنه كما وراء أيام العادة فحصل وجهان كما روى صاحب الكتاب ان قلنا أنه كايام العادة فالصفرة والكدرة فيها حيض بلا خلاف وان قلنا كما وراء أيام العادة عاد فيه الاوجه وهذا هو الذى ذكره الجمهور ولنوضح]

(2/488)


[هذه المسألة بالامثلة: امرأة عادتها ان تحيض من كل شهر خمسة وتطهر الباقي فرأت خمستها صفرة أو كدرة وطهرت فهى حائض في تلك الخمسة بلا خلاف: ولو رأت خمستها سوادا ثم خمسة صفرة أو كدرة وانقطع ما بها فعلي الوجه الاول الكل حيض وعلي الثاني حيضها السواد وعلي الثالث لكل حيض لتقدم السواد وعلى الرابع حيضها السواد لعدم لحوق القوى ولو رأت مبتدأة خمسة عشر فما دونها صفرة أو كدرة فالذي رأته حيض على الوجه الاول دون الثاني لخروجه عن يام العادة وكذلك علي الوجه الثالث لانه لم يتقدمه سواد ولا حمرة وكذا علي الرابع لعدم التقدم والتأخر هذا على طريقة طرد الخلاف وفى مردها الوجه الذى سبق وإذا اعتبرنا تقدم الدم القوى أو تأخره ففى المقدار المشروط وجهان أصحهما أنه لا يشترط له قدر معين لان المعنى فيه ما ذكرنا من هيئة التدربج وإذا سبق الدم القوى فقد يتسارع إليه الضعف وقد لا يتسارع ولا ينضبط هذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ولو لحظة والثانى انه يشترط ان يكون قدر يوم وليلة ليكون حيضا بنفسه حتى يقوى علي استتباع غيره واما ما حكاه من لفظ الشافعي
رضي الله عنه في أول الفرع فقد نص عليه في المختصر واختلفوا في المراد بايام الحيض بحسب ما حكينا من الخلاف فمن قال الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض لا غير قال المراد بايام الحيض ايام العادة ومن قال حيض فيما وراء ايام العادة وفى المبتدأة قال أراد بايام الحيض زمان امكان]

(2/489)


[الحيض ولفظ الكتاب بعد رواية هذا النص يختلف في النسخ فقد تجد في بعض النسخ وذلك في أيام العادة وهذا لفظه في الوسيط وقد تجد وهو كذلك في أيام العادة وهما صحيحان وقد تجد وكذلك في أيام العادة وهو فاسد ولا يخفى عليك ذلك ان عرفت ما قدمناه وليكن قوله أنه حيض كايام العادة معلما بالالف لان الحكاية عن احمد أنه ليس بحيض وقوله لا لضعف اللون معلما بالحاء لان عند ابى حنيفة هو حيض كما هو الاصح عندنا والله أعلم * قال [الباب الثالث في التى نسيت عادتها ولها احوال الاولى التي نسيت العادة قدرا ووقتا وهي المتحيرة وهى مردودة إلى المبتدأة في قدر الحيض والي أول الاهلة في قول ضعيف والصحيح أنه لا يعين اول الاهلة فانه تحكم بل تؤمر بالاحتياط أخذا بأشق الاحتمالات في امور ستة] الناسية لعادتها اما أن تكون مميزة بشرط التمييز واما الا تكون كذلك فان كان الاول فهي مردودة الي التمييز لان الرجوع إلى العادة قد تعذر فنأخذ بدلالة التمييز كيف اتفق ولو أمكن الرجوع الي العادة أيضا لكنا نأخذ بالتمييز على الاصح وفى هذه الحالة لا تحير ولا اشكال وعن الاصطخرى وابن خيران أنها لا ترد الي التمييز ولا فرق بين ان تكون مميزة أو لا تكون وهذا لا يوافق لمصيرهما الي تقديم العادة عند اجتماع المعنبين لكن المشهور الاصح هو الاول وان لم تكن مميزة بشرطه وهذه الحالة هي المقصودة بهذا الباب فلها ثلاث أحوال لانها اما أن تكون ناسية لقدر الحيض ووقته جميعا واما أن]

(2/490)


[تكون ناسية لقدر الحيض دون الوقت واما أن تكون بالعكس من ذلك الحالة الاولى ان تكون ناسية لهما جميعا وتعرف بالمتحيرة لتحيرها في شأنها وقد تسمى محيرة ايضا لانها تحير الفقيه في أمرها وبعضهم يضع اسم المتحيرة موضع الناسية فتسمى ناسية الوقت وناسية القدر أيضا متحيرة وكذلك فعل صاحب
الكتاب في الوسيط والاول احسن والنسيان المطلق قد يعرض لغفلة وعلة عارضة وقد تجن صغيرة وتستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق وهي مستحاضة فلا تعرف مما سبق شيئا وفى حكمها في هذه الحالة قولان أحدهما انها مردودة الي المبتدأة لان العادة المنسية لا يمكن استفادة الحكم منها فتكون كالمعدومة الا ترى ان التمييز لما لم يمكن استفادة الحكم منه لفوات بعض الشروط الحق بالعدم ولان المصير الي القول الثاني يلزمها حرجا عظيما على ما سيأتي ولا حرج في الدين وأصحهما أنها مأمورة بالاحتياط]

(2/491)


[غير مردودة إلى المبتدأة إذ ما من زمان يمر عليها الا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع فيجب الاخذ بالاحتياط وقد نقل (ان سهلة بنت سهيل استحيضت فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها ان تغتسل عند كل صلاة) فحمله حاملون على أنها كانت ناسية فأمرها به احتياطا ومنهم من لم يثبت]

(2/492)


[سوى القول الثاني لكن طريقة اثبات القولين اظهر وهي التى ذكرها في الكتاب فان قلنا بالرد الي المبتدأة فقد اختلفوا منهم من طرد فيها القولين في الرد إلى الاقل أو الغالب ومنهم من اقتصر علي الرد الي الاقل والاول اظهر وهو قضية اطلاقه في الكتاب حيث قال فهي مردودة الي المبتدأة في قدر الحيض ويجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى الوجه الثاني واما وقت ابتداء حيضها فلا يمكن أخذه من المبتدأة لان ابتداء دورها معلوم بظهور الدم بخلاف الناسية والمشهور تفريعا على هذا القول ان ابتداء حيضها أول الهلال حتى لو افاقت المجنونة في اثناء الشهر الهلالي عدت باقى الشهر استحاضة واحتج له بان الغالب ان الحيض يبتدئ مع استهلال الشهر وهذه دعوى يخالفها الحس والجود وعن القفال انها إذا افاقت فابتداء حيضها من وقت الافافة لان التكليف حينئذ يتوجه عليها قال الائمة وهذا بعيد ايضا فانها قد تفيق في اثناء الحيض واقوى مازيفوا به اصل القول الذى يفرع عليه ما في ابتداء الحيض من الاشكال اما الرد الي الاقل أو الغالب فغير بعيد ولهذا قال صاحب الكتاب والصحيح انه لا يتعين اول الاهلة فانه تحكم محض التحكم بتعين اول الاهلة دون تعيين القدر وان كان ذلك متروكا علي قول الاحتياط ايضا ومتى
أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات عنينا به ثلاثين يوما سواء كان ابتداؤه من أول الهلال ام لا ولا نعنى به الشهر الهلالي الا في هذا الموضع علي هذا القول وليكن قوله إلى أول الاهلة في وقته معلما بالواو لما حكينا عن؟ ؟ ثم علي هذا القول هل تؤمر بالاحتياط من انقضاء وقت المرد إلى]

(2/493)


[آخر الخمسة عشر فيه القولان المذكوران في المبتدأة واما التفريع علي قول الاحتياط فقد حصره في ستة أمور ونحن نشرحها علي النسق قال [الاول ألا يجامعها زوجها اصلا لاحتمال الحيض] ليس لزوج المتحيرة وسيدها أن يجامعها اصلا إذ ما من زمان يفرض الا وهو محتمل للحيض فلابد من الاحتياط وعن اقضي القضاة الماوردى وجه آخر انه لا بأس بوطئها ورأيته لبعض المتأخرين ايضا ووجهه ان الاستحاضة علة مزمنة فالتحريم توريط لها في الفساد وإذا قلنا بالصحيح فلو فعل عصى ولزمها الغسل من الجنابة ولا يعود ههنا القول المذكور في وجوب الكفارة بوطئ الحائض لانا لانتبين وقوعه في الحيض فنسقط الكفارة بالشبهة كما نثبت التحريم بالشبهة وهل يجوز الاستمتاع بما تحت الازار منها فيه الخلاف الذى سبق في الحائض قال [الثاني الا تدخل المسجد ولا تقرأ القرآن]

(2/494)


[المتحيرة لا تقرأ القرآن لاحتمال الحيض في كل زمان وقد ذكرنا في الحائض قولا انها تقرأه فهذه أولي إذ لا نهاية لعذرها هذا في القراءة خارج الصلاة واما في الصلاة فهل تزيد علي الفاتحة فيه وجهان اظهرهما نعم ولا حجر وحكمها في دخول المسجد حكم الحائض فلا تمكث بحال ولا تعبر عند خوف التلويث وعند الامن وجهان ولا يخفى بعد هذا انه ينبغى ان يعلم قوله ولا تقرأ القرآن ولا تدخل المسجد كلاهما بالواو قال [الثالث أنها تصلى وظائف الاوقات لاحتمال الطهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال انقطاع الدم]
يجب على المتحيرة ان تصلي الخمس ابدا لان كل وقت افرد بالنظر فمن الجائز كونها طاهرة فيه فنأخذ بالاحتياط وهل لها أن تتنقل فيه وجهان أحدهما لا: لانه لا ضرورة في التنفل مع احتمال الحيض فصار كقراءة القرآن في غير الصلاة وحمل المصحف وأصحهما نعم كالمتيمم يتنفل مع بقاء حدثه ولان النوافل من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها عنها ومنهم من جوز السنن الراتبة دون غيرها وهذا الخلاف يجرى في نوافل الصوم والطواف ثم يلزمها ان تغتسل لكل فريضة لاحتمال الانقطاع قبلها ويجب ان يقع غسلها في الوقت لانه طهارة ضرورة فصار كالتيمم وفى وجه لو وقع غسلها قبل الوقت وانطبق اول الصلاة علي اول الوقت وآخر الغسل جاز وقد ذكرنا]

(2/495)


[نظيره في طهارة المستحاضة وهل تلزمها المبادرة الي الصلاة عقيب الغسل فيه وجهان احدهما نعم كما ذكرنا في وضوء المستحاضة وأصحهما عند امام الحرمين وصاحب الكتاب لا: لانا انما نوجب البدار الي الصلاة بعد الوضوء تقليلا للحدث.
والغسل انما تؤمر به لاحتمال الانقطاع ولا يمكن تكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة ولو بادرت أيضا فمن المحتمل أن غسلها وقع في الحيض وانقطع بعده فإذا لا حيلة في دفع هذا الاحتمال وان قرب الزمان وللاول ان يقول نعم دفع أصل الاحتمال لا يمكن لكن الاحتمال في الزمان الطويل أظهر منه في الزمان القصير فبالمبادرة يقل الاحتمال فعلي الوجه الثاني إذا أخرت لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز للمستحاضة تأخير الصلاة عن الطهارة * قال [الرابع يلزمها ان تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر ثم عليها أن تقضي ستة عشر يوما لاحتمال دوام الحيض خمسة عشر يوما وانطباقها إلى ستة عشر بطريانها في وسط النهار وقضاء الصلاة لا يجب (و) لما فيه من الحرج] * مقصود الفصل مسألتان أحداهما أن المتحيرة تصوم علي قول الاحتياط جميع شهر رمضان لاحتمال أنها طاهر في الكل ثم كم يجزيها من ذلك المنقول عن الشافعي رضى الله عنه انه يجزيها خمسة عشر يوما إذ لابد وان يكون لها في الشهر طهر صحيح وغاية ما يمكن امتداد الحيض إليه خمسة عشر يوما فيقع صوم خمسة عشر يوما في الطهر وهذا ما ذكره قوم من
اصحابنا كصاحب الافصاح والشيخ ابى حامد وقال أبو زيد واكثر الاصحاب علي اختلاف الطبقات لا يجزيها الا اربعة عشر يوما لاحتمال ان يبندى حيضها في اثناء نهار ويمتد خمسة عشر يوما فينقطع]

(2/496)


[في اثناء نهار أيضا فتنبسط الخمسة عشر على ستة عشر ويفسد صومها واثبت امام الحرمين في المسألة طريقتين احداهما القطع بما ذكره الاكثرون وحمل كلام الشافعي رضى الله عنه على ما إذا حفظت ان دمها كان ينقطع بالليل والثانية جعل المنقول من الشافعي رضى الله عنه من المذهب ايضا فليكن قوله ثم عليها ان تقضي ستة عشر يوما معلما بالواو لهذا المعني وهذا إذا كان الشهر كاملا وهو المراد من مسألة الكتاب قأما إذا كان ناقصا فالمحسوب علي قياس المنقول عن الشافعي رضي الله عنه لا يختلف وتقضي ههنا أربعة عشر يوما وعلى قول الاكثرين المقضى لا يختلف ويحسب لها ثلاثة عشر يوما وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في المهذب يحسب لها أربعة عشر يوما وهذا مع موافقته للاكثرين في صورة الكمال واحتج له يحيى النميى بان قال أجرى الله تعالي العادة بان الشهر لا يخلو عن طهر صحيح كاملا كان أو ناقصا وإذا كان كذلك فغاية الممكن ان يكون حيضها من الشهر الناقص اربعة عشر يوما ثم يجوز ان يفسد به صوم خمسة عشر يوما فيصح أربعة عشر ولك ان تقول لا نسلم ان الله تعالي أجرى العادة بما ادعيتة ثم هب أنه كذلك لكنا على قول الاحتياط لا نكتفي بالغالب ولو اكتفينا به لجعلنا الفاسد صوم سبعة أيام أو ثمانية لان الغالب من الحيض ستة أو سبعة فإذا ما ذكره الشيخ سافط (المسألة الثانية) إذا أدت الصلوات الخمس فهل يجزيها ذلك أم يجب القضاء مع الاداء كما في الصوم فيه وجهان احدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب ولهذا سكت الشافعي رضي الله عنه]

(2/497)


[عن قضاء الصلاة مع حكمه بوجوب قضاء الصوم والمعنى فيه أن قضاء صلوات أيام الحيض لا يجب فان كانت طاهرا وقت الصلاة المؤداة اجزأها ما فعلت والا فلا صلاة عليها وأيضا فان قضاء الصلاة يفضى إلى حرج شديد والثاني أنه يجب القضاء لجواز ان ينقطع الحيض في خلال الصلاة أو في آخر الوقت ويجوز أن ينقطع قبل غروب الشمس فيلزمها الظهر والعصر أو قبل طلوع الفجر
فيلزمها المغرب والعشاء وإذا سلكنا طريق الاحتياط وجب سلوكه في جميع جهات الاحتمال ويحكى هذا عن ابن سريج ويشهر بابى زيد وهو ظاهر المذهب عند الجمهور ولم يورد صاحبا التهذيب والتتمة سوا ذلك ومنهم من قطع به وقال الشافعي رضي الله عنه كما لم يذكر وجوب القضاء لم ينفه أيضا وقضية مذهبه الوجوب فعلى هذا تغتسل في اول وقت الصبح وتصليها ثم إذا طلعت الشمس اغتسلت مرة أخرى واعادتها لاحتمال ان المرة الاولي وقعت في الحيض وانقطع بعده فلزمها الصبح وبالمرتين تخرج عن العهدة يقينا لانها إذا كانت طاهرا في المرة الاولي فهى صحيحة والا فان انقطع في الوقت أجزأتها المرة الثانية وان لم ينقطع فلا شئ عليها ولا يشترط البدار إلى المرة الثانية بعد خروج الوقت بل متى قضتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من اول وقت الصبح خرجت من العهدة ايضا لان]

(2/498)


[الحيض لو انقطع في الوقت لم يعد الي خمسة عشر يوما قال امام الحرمين ولا يشترط تأخر جميع الصلاة المرة الثانية عن الوقت بل لو وقع بعضها في آخر الوقت جاز بشرط ان يكون دون تكبيرة إذا قلنا تلزم الصلاة بادراك تكبيرة أو دون ركعة إذا قلنا لا تلزم الا بادراك ركعة وفيه قولان مذكوران في كتاب الصلاة وانما يجوز ذلك لانه إذا فرض الانقطاع قبل المرة الثانية فقد اغتسلت وصلت والانقطاع لا يتكرر وان فرض في اثنائها فلا شىء عليه في التصوير المذكور ولك ان تقول اشكالا المرة الثانية يتقدمها الغسل فإذا وقع بعضها في الوقت والغسل سابق جاز أن يقع للانقطاع في اثناء الغسل ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة أو تكبيرة فيجب أن ننظر إلى]

(2/499)


[زمان الغسل سوى الجزء الاول منه والى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت فيقال ان كان ذلك دون ما يلزم به الصلاة جاز والا فلا ولا يقصر النظر على جزء الصلاة ثم من المعلوم أنه لا يمكن أن يكون ذلك دون التكبيرة ويبعد ان يكون دون الركعة فهذا في الصبح وأما في العصر والعشاء فيصليهما مرتين كذلك وأما الظهر فلا يكفى وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر ولا وقوع المغرب في أول وقت العشاء لانها لو ادركت قدر ركعة أو خمس ركعات علي اختلاف قولين نذكرهما
من وقت العصر يلزمها الظهر والعصر وكذلك لو أدركته في وقت العشاء يلزمها المغرب والعشاء ومن الجائز انقطاع حيضها في الوقت المفروض فيجب ان تعيد الظهر في الوقت الذى يجوز]

(2/500)


[اعادة العصر فيه وذلك بعد وقت العصر وتعيد المغرب في الوقت الذى يجوز اعادة العشاء فيه وذلك بعد وقت العشاء ثم إذا أعات الظهر والعصر بعد الغروب فينظر ان قدمتها علي اداء المغرب فعليها ان تغتسل للظهر وتتوضا للعصر وتغتسل للمغرب وانما كفى لهما غسل واحد لان دمها ان انقطع قبل الغروب فقد اغتسلت بعده وان انقطع بعد الغروب فليس عليها ظهر ولا عصر وانما لزم اعادة الغسل للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر أو العصر أو عقيبهما وهكذا الحكم إذا قضت المغرب والعشاء قبل اداء الصبح بعد طلوع الفجر وحينئذ تكون مصلية الوظائف الخمس مرتين بثمانية اغسال ووضوءين وان أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب]

(2/501)


[اغتسلت للمغرب وكفاها ذلك للظهر والعصر ايضا لانه ان انقطع حيضها قبل المغروب فلا تعود الي تمام مدة الظهر وان انقطع بعده لم يكن عليها ظهر ولا عصر ولكن تتوضأ لكل واحدة من الظهر والعصر كما هو شأن المستحاضات وهكذا القول في المغرب والعشاء إذا اخرتهما عن الصبح وحينئذ تكون مصلية الوظائف الخمس مرتين بالغسل ست مرات والوضوء اربعا وبالطريق الثاني تخرج عن عهدة الصلوات الخمس وأما بالطريق الاول فقد اخرت المغرب والصبح عن أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما فتخرج عن عهدة ما عداهما واما هما فقد قال في النهاية إذا اخرت الصلاة عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل وتلك الصلاة فلا يكفى فعلها مرة اخرى في آخر الوقت أو بعده علي التصوير الذى سبق لجواز ان تكون طاهرا في أول الوقت ثم يطرأ الحيض فيلزمها الصلاة وتكون المرتان واقعتين في الحيض بل يحتاج الي فعلها مرتين اخريين بغسلين يشترط]

(2/502)


[ان تكون احدهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة وقبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح
الصلاة المرة الاولي والثانية في أول السادس عشر من آخر الصلاة الاولى فحينئذ تخرج عن العهدة بيقين لان الخمسة عشر المتخللة أما ان تكون كلها طهرا فتصح المرة الثانية أو كلها حيضا فتصح المرة الاولي أو الثالثة أو يكون آخرها طهرا فيكون قدر ما بعدها طهرا أيضا فان انتهي الي آخر المرة الثالثة فهى واقعة في الطهر والا فالثانية واقعة فيه أو يكون أولها طهرا فيكون شيء مما قبلها طهرا أيضا فان كان افتتاحه قبل المرة الاولي فهى في الطهر وان كان في اثناء الاولى كانت الثانية في الطهر ومع هذا كله فلو اقتصرت علي اداء الصلوات في أوائل اوقاتها ولم تقض شيئا حتي مضت خمسة عشر يوما أو مضى شهر فلا يجب عليها لكل خمسة عشر الا قضاء صلوات يوم وليلة لان]

(2/503)


[القضاء انما يجب لاحتمال الانقطاع ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر الا مرة ويجوز ان يجب به تدارك صلاتي جمع وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء فإذا اشكل الحال اوجبنا قضاء صلوات يوم وليلة كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس ولو كانت تصلي في اوساط الاوقات لزمها ان تقضى للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لجواز ان يطرأ الحيض في وسط صلاة فتبطل وتنقطع في وسط اخرى فيجب ويجوز ان يكونا مثلين ومن فاته صلاتان متماثلتان ولم يعرف عينهما فعليه صلوات يومين وليلتين بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت فانه لو فرض ابتداء الحيض في اثناء الصلاة لما وجبت لانها لم تدرك من الوقت ما يسعها والله اعلم * قال [الخامس إذا كان عليها قضاء يوم واحد فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة ايام وسبيله ان]

(2/504)


[تصوم يوما وتفطر يوما ثم تصوم يوما ثم تصوم السابع عشر من صومها الاول فتخرج مما عليها بيقين لان الحيض كيفما قدر مقدما أو مؤخرا فيخرج يوم عن الحيض وعلة هذا التقدير ذكرناها في كتاب البسيط] * تكلم في أن المتحيرة إذا ارادت قضاء صوم يوم لم تبرأ ذمتها ولم يذكر ما إذا ارادت ان تقضي اكثر من يوم ولاقضاء الصلوات الفائتة والمنذورة ونحن نذكرهما على الاختصار فاما صوم يوم
واحد فانما تخرج عن عهدته بصوم ثلاثة أيام بان تصوم يوما متي شاءت وتفطر يوما وتصوم اليوم

(2/505)


[الثالث ثم اليوم السابع عشر وانما خرجت عن العهدة بذلك لانها أما طاهر في اليوم الاول فتحصل به الفرض أو غير طاهر وحينئد أما ان تكون حائضا في جميعه فينقطع حيضها قبل السابع عشر لا محالة ويقع الثالث أو السابع عشر في الطهر وأما ان تكون حائضا في بعضه فان كانت حائضا في أوله وانقطع فيه فهى طاهر في اليوم الثالث وان كانت حائضا في اخره وابتدأ فيه فغايته الانتهاء الي السادس عشر ويقع السابع عشر في الطهر فعلي أي تقدير قدر يقع يوم في الطهر واعلم ان ذكر اليوم الثالث والسابع عشر للصوم الثاني والثالث انما جرى في كلام الائمة لبيان ان السبعة عشر اقل مدة يمكن فيها قضاء اليوم الواحد والا فلا يتعين اليوم الثالث للصوم الثاني ولا السابع عشر للصوم الثالث بل لها ان تصوم بدل الثالث يوما بعده الي اخر الخامس عشر وبدل السابع عشر يوما بعده إلى اخر تسعة وعشرين يوما ولكن الشرط ان يكون المخلف من اول السادس عشر مثل ما بين معها الاول والثاني أو أقل منه فلو صامت الاول والثالث]

(2/506)


[والثامن عشر لم يجز لان المخلف من أول السادس عشر يومان وليس بين الصومين الاولين الا يوم وانما امتنع ذلك لجواز ان ينقطع الحيض في اليوم الثالث ويعود في الثامن عشر فيكون الكل في الحيض ولو صامت الاول والرابع والثامن عشر جاز لان المخلف مثل ما بين الصومين ولو صامت السابع عشر والحالة هذه جاز لان المخلف اقل مما بين الصومين ولو صامت الاول والخامس عشر فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر يوما فلها ان تصوم التاسع والعشرين لان المخلف حينئذ مثل ما بين الصومين ولها أن تصوم يوما قبله لان المخلف يكون أقل نعم لا يجوز ان تصوم السادس عشر فانها لو فعلت ذلك لم تخلف شيئا ولابد من تخليف * ثم بشرط ما ذكرنا فهذا شرح ما أورده ثم لك أن تعلم قوله فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة أيام بالواو لان من الاصحاب من قال يكفيها يومان بينهما أربعة عشر يوما وحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهذا قول من قال نحسب لها من رضمان خمسة عشر يوما]

(2/507)


[والاكثرون قطعوا بانه لا يكفى اليومان لجواز ان يبتدئ الحيض في اليوم الاول وينقطع في الخامس عشر وأولوا كلام الشافعي رضي الله عنه علي ما إذا عرفت ان دمها كان يبتدئ وينقطع ليلا وربما قالوا انه مهد القاعدة ولم يخطر له حينئذ تقدير ببعض اليوم فما يقتضيه الاحتياط عين مذهبه ولو قال صاحب الكتاب الا بصوم ثلاثة أيام بدل قوله بقضاء ثلاثة أيام لكان أحسن لان الايام الثلاثة لا تقع قضاء وفائتتها يوم وانما الواقع قضاء واحد من الثلاثة واما إذا قضت اكثر من يوم فتضعف ما عليها وتزيد يومين ثم تصوم نصف المجموع ولاء متى شاءت وتصوم مثل ذلك من أول السادس عشر فتخرج عن العهدة مثاله إذا أرادت أن تقضى يومين تضعف وتزيد يومين تكون ستة تصوم ثلاثة متى شاءت ثم ثلاثة من أول السادس عشر فيكفيها لان الثلاثة الاول اما ان تكون في الطهر

(2/508)


[فذاك أولا تكون فان كان كلها في الحيض فغايته الانتهاء الي السادس عشر بتقدير ان يكون الابتداء في اليوم الاول فيقع اليومان الاخيران في الطهر وان كان بعضها في الحيض دون البعض فان كان اليوم الاول في الطهر صح من الثامن عشر وان كان اليومان الاولان في الطهر صحا وان كن اليوم الاخير في مع السادس عشر وإذا كانت تقضى ثلاثة أيام صامت اربعة ولاء ثم أربعة من أول السادس عشر وعلي هذا القياس حتى إذا كانت تقضي اربعة عشر يوما تضعف وتزيد يومين فستوعب الشهر وهو غاية ما يمكن قضاؤه في الشهر الواحد ولذلك لم يحسب من رمضان الا هذا القدر ولو أنها صامت ما عليها علي الولاء متى شاءت من غير زيادة واعادته من أول السابع عشر وصامت بينهما]

(2/509)


[يومين اما مجتمعين أو غير مجتمعين متصلين بالصوم الاول أو الثاني أو غير متصلين لخرجت عن العهدة أيضا وكل واحد من هذين الطريقين يطرد في قضاء اليوم الواحد لكن الطريق المذكور فيه أخف للقناعة بصوم ثلاثة أيام وعلي هذين الطريقين تصير اربعة وهذا كله في قضاء الصوم الذى لا تتابع فيه اما إذا قضت صوما متتابعا بنذر وغيره فان كان قدر ما يقع في شهر صامته
علي الولاء ثم مرة أخرى قبل السابع عشر ثم مرة أخرى من السابع عشر مثاله عليها يومان متتابعان تصوم يومين وتصوم السابع عشر والثامن عشر وتصوم بينهما يومين متتابعين وإذا كان عليها شهران متتابعان صامت مائة واربعين يوما علي التوالى أربعة أشهر لستة وخمسين يوما وعشرين يوما لاربعة أيام فإذا دام طهرها شهرين فذاك والا فقدر شهرين من هذه المدة صحيح لا محالة وتخلل الحيض]

(2/510)


[لا يقطع التتابع واما إذا كانت تقضي فائتة صلاة أو تريد الخروج عن عهدة منذورة نظر ان كانت واحدة صلتها بغسل متى شاءت ثم تمهل زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة وتعيدها بغسل آخر بحيث يقع في خمسة عشر يوما من أول الصلاة المرة الاولى وتمهل من أول السادس عشر قدر الامهال الاول ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام الشهر من المرة الاولى ويشترط أن لا تؤخر الثالث عن أول السادس عشر اكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الاولى وأول الثانية وهذا كله كما ذكرنا في الصوم والامهال الاول كالافطار اليوم الثاني والامهال الثاني كالافطار السادس عشر وان كانت الصلوات التى تريدها اكثر من واحدة فلها طريقان أحدهما ان تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها على الولاء ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة وتغتسل في كل مرة للصلاة الاولي وتتوضأ لكل واحدة بعدها ولافرق علي هذا بين ان تكون الصلوات متفقة أو مختلفة والثانى]

(2/511)


[أن تنظر فيما عليها من العدد ان لم يكن فيه اختلاف فتضعفه وتزيد عليه صلاتين ابدا وتصلي نصف الجملة ولاء ثم النصف الاخر في اول السادس عشر من أول الشروع في النصف الاول مثاله عليها خمس صلوات صبح تضعفها وتزيد صلاتين تكون اثنتى عشر تصلي نصفها وهو ستة متي شاءت ثم ستة في أول السادس عشر وان كان في العدد الذى عليها اختلاف فتصلي ما عليها بانواعه علي الولاء متى شاءت ثم تصلى صلاتين من كل نوع مما عليها بشرط ان يقعا في خمسة عشر يوما]

(2/512)


[من أول الشروع وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها ثم تعيد ما عليها علي
ترتيت فعلها في المرة الاولي مثاله عليها ثلاث صلوات صبح وظهر ان تصلي الخمس متي شاءت ثم تصلى بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين وتمهل من السادس عشر ما يسع لصبح وتعيد الخمس كما فعلت أولا وفى هذا الطريق تفتقر لكل صلاة الي غسل بخلاف ما ذكرنا في الطريق الاول والطواف بمثابة الصلاة واحدا كان أو عددا وتصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفى غسل واحد للطواف مع الركعتين ان لم نوجب الركعتين وان اوجبناهما فثلاثة أوجه أصحها أنه يجب وضوء للركعتين بعد الطواف والثانى يجب غسل آخر لهما والثالث لا يجب لا هذا ولا ذاك ولو بسطنا القول في جميع ذلك لطال وقد فعلته في غير هذا الكتاب]

(2/513)


[قال [السادس إذا طلقت انقضت عدتها بثلاثة أشهر ولا تقدر تباعد حيضها الي سن اليأس لانه تشديد عظيم] * المتحيرة إذا طلقها زوجها بماذا تعتد: نقلوا عن صاحب التقريب وجها انها تصبر إلى سن اليأس ثم تعتد بالاشهر لان من المحتمل تباعد الحيض ونحن نفرع علي قول الاحتياط فنأخذ في كل حكم بالاسوأ والذى صار إليه المعظم ورواه صاحب الكتاب أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر لان الغالب أن يكون للمرأة في كل شهر حيضة وحمل أمرها على تباعد الحيض وتكليفها الصبر إلى سن اليأس فيه مشقة عظيمة وضرر بين فلا وجه لاحتماله بتجويز مجرد علي خلاف الغالب بخلاف العبادات فان المشقة فيها اهون ثم في كيفية اعتدادها بالاشهر كلام ذكره في كتاب العدة واعلم أن امام الحرمين قدس الله روحه مال إلى رد المتحيرة الي المبتدأة في قدر الحيض وان لم يجعل أول الهلال ابتداء دورها ومما استشهد به هذه المسألة فقال اتفاق معظم الاصحاب علي أنها تعتد]

(2/514)


[بثلاثة أشهر يدل علي تقريب أمرها من المبتدأة في عدد الحيض والطهر والمعني القاضى برد المبتدأة الي الاقل والغالب يقضى بمثل ذلك في المتحيرة فوجب القول به وهذ توسط بين القول الضعيف وبين الاحتياط التام وفيه تخفيف الامر عليها في المحسوب من رمضان فان غاية حيضها علي هذا التقدير يكون سبعة وأقصي ما يفرض انبساطه على ثمانية أيام فيصح لها من الشهر الكامل اثنان وعشرون يوما وكذلك
في قضاء الصوم والصلاة فيكفيها على هذا التقدير إذا كانت تقضى صوم يوم أن تصوم يومين بينهما سبعة أيام لكن الذى عليه جمهور الاصحاب ما تقدم وبالله التوفيق قال [الحالة الثانية أن تحفظ شيئا كما لو حفظت أن ابتداء الدم كان أول كل شهر فيوم وليلة من أول كل شهر حيض بيقين وبعده يحتمل الانقطاع الي انقضاء الخامس عشر فتغتسل لكل صلاة وبعده الي آخر الشهر طهر بيقين فتتوضأ لكل صلاة ولو حفظت أن الدم كان ينقطع عند آخر كل شهر الي المنتصف فاول الشهر طهر بيقين ثم بعده يتعارض الاحتمال ولا يحتمل الانقطاع لان في آخره حيضا بيقين فتتوضأ وتصلى إلى انقضاء التاسع والعشرين واليوم الاخير بليلته حيض بيقين] * إذا حفظت الناسية من عادتها شيئا ونسيت شيئا فالقول الجملي فيها أن كل زمان تتيقن فيه الحيض تثبت فيه أحكام الحيض وكل زمان تتيقن فيه الطهر تثبت فيه أحكام الطهر نعم بها حدث دائم وكل زمان يحتمل الحيض والطهر فهي في الاستمتاع كالحائض وفى لزوم العبادات كالطاهر ثم ان كان ذلك الزمان محتملا للانقطاع أيضا فعليها أن تغتسل لكل فريضة ويجب]

(2/515)


[الاحتياط علي ما تقتضيه الحال وإذا عرفت هذه المقدمة فنقول: ذكرنا أن الناسية إذا لم تنس القدر والوقت جميعا وحفظت شيئا فمحفوظها اما أن يكون الوقت واما أن يكون القدر أو شئ منه فجعل الحالة الاولى من الحالتين الاخريين في القسم الاول والثانية منهما في القسم الثاني وقوله ان تحفظ شيئا أي من الوقت والادخل فيه الحالة الاخيرة واقتصر ههنا علي ذكر مثالين احدهما لو عينت ثلاثين يوما وذكرت انها كانت يبتدئ بها الدم لاول هذه المدة وكذلك في كل ثلاثين بعدها ولم تعرف شيئا غير ذلك فيوم وليلة من أول الثلاثين حيض بيقين فانه اقل الحيض وبعده يحتمل الحيض والطهر والانقطاع إلى آخر الخامس عشر وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين وكذلك الحكم في كل ثلاثين بعدها والمراد من الشهر في هذه المسائل الايام التى تعينها هي لا الشهر الهلالي والثاني]

(2/516)


[إذا عينت ثلاثين يوما بلياليها وقالت احفظ ان الدم كان ينقطع لآخر كل شهر فالاول الي انقضاء
النصف طهر بيقين لان غاية الممكن افتتاح الحيض من اول ليلة السادس عشر وبعده يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع واليوم الثلاثون والليلة قبله حيض بيقين ويتعلق بهذه الحالة مسائل تشتهر بمسائل الخلط نذكر منها صورتين احداهما الخلط المطلق وهو ان تقول كنت اخلط شهرا بشهر حيضا أي كنت في آخر كل شهر واول ما بعده حائضا فلحظة من اول كل شهر ولحظة من آخره حيض]

(2/517)


[بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من ليلة السادس عشر طهر بيقين وما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر الخامس عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما ولا يحتمل الانقطاع ولو قالت كنت اخلط شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين لكن لها ساعتا طهر بيقين ساعة من آخر كل شهر وساعة من أوله ثم قدر اقل الحيض بعد مضي اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يمكن: الثانية لو قالت]

(2/518)


[كنت اخلط الشهر بالشهر وكنت اليوم الخامس حائضا فلحظة من آخر الشهر الي آخر خمسة أيام من الشهر الثاني حيض بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر الي آخر العشرين طهر بيقين وما بينهما كما سبق * قال [الحالة الثالثة إذا قالت اضلت عشرة في عشرين من اول الشهر فالعشر الاخير طهر بيقين وجميع العشرين من اول الشهر يحتمل الحيض والطهر نعم لا يحتمل الانقطاع في العشر]

(2/519)


[الاول فتتوضأ لكل صلاة ويحتمل في العشر الثاني فتغتسل لكل صلاة ولو قالت اضللت خمسة عشر في عشرين من أول الشهر فالخمسة الثانية والثالثة من اول الشهر حيض بيقين لانها تندرج تحت تقدير التقديم والتأخير جميعا] * الحافظة لقدر الحيض انما تخرج عن التحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداءه إذ لو قالت كان حيضي خمسة واضللته في دورى ولا اعرف سوى ذلك فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض
والطهر والانقطاع في كل زمان وكذا لو قالت حيضى خمسة ودورى ثلاثون ولا اعرف ابتداءه]

(2/520)


[وكذا لو قالت حيضى خمسة وابتداء دورى يوم كذا ولا اعرف قدره وإذا حفظتهما جميعا مع قدر الحيض فاشكال الحال بعد ذلك انما يكون لاضلال الحيض والاضلال قد يكون في جميع الدور وقد يكون في بعضه فان كان الاضلال في كله فكله يحتمل الحيض والطهر وقدر الحيض من اول الدور لا يحتمل الانقطاع وبعده يحتمل الانقطاع ايضا: مثاله قالت دورى ثلاثون ابتداؤها كذا وحيضى عشرة اضلاتها في الثلاثين فعشرة من اولها لاتحمل الانقطاع والباقى يحتمله والكل يحتمل الحيض والطهر: هذا إذا لم تعرف مع ذلك شيئا آخر فان عرفت شيئا آخر فعليها الاحتياط كما تقتضيه الحال: مثاله قالت حيضى احدى عشرات الشهر وقد نسيت عينها فهذا يفارق الصورة السابقة في ان احتمال الانقطاع بعد العشرة الاولي قائم الي آخر الشهر وههنا لا يحتمل]

(2/521)


[الانقطاع الا في آخر كل عشرة من العشرات وان كان الاضلال في بعض الدور فقد ذكر في الكتاب منه صورتين احداهما إذا قالت اضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الاخيرة طهر بيقين والعشرون من اوله يحتمل الحيض والطهر ولا يمكن الانقطاع في العشرة الاولى ويمكن في الثانية والثانية قالت اضللت خمسة عشر في عشرين من اول الشهر فالعشرة الاخيرة طهر بيقين والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين لاندراجهما تحت تقدير تقديم الحيض وتأخيره جميعا والخمسة الاولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع والرابعة تحتملها جميعا والطهر المتيقن في هاتين الصورتين وقع في الطرف الآخر من الدور وقد يقع في الطرف الاول كما إذا قالت اضللت العشرة أو الخمسة عشر في العشرين من آخر الشهر وقد يقع في الوسط كما إذا قالت كان حيضي]

(2/522)


[خمسة والدور ثلاثون وكنت اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من اول الدور تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع وما بعدها يحتملها جميعا الي آخر الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر طهر بيقين ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع ومنه الي آخر الشهر يحتملها جميعا ومتي كان القدر الذى اضلته زائدا على نصف محل الضلال كان لها حيض بيقين من وسطه وقدره ضعف القدر الزائد من الحيض على نصف محل الضلال وان شئت قلت ما يزيد من ضعف قدر الحيمن على كل محل الضلال ففى الاولي من صورتي الكتاب لم يكن قدر الحيض زائدا علي نصف محل الضلال فلم يكن لها حيض بيقين وفى الثانية كان زائدا فلا جرم لها حيض بيقين ومقداره عشرة لان الزائد من قدر الحيض علي نصف محل الضلال خمسة وضعف الخمسة عشرة وبالعبارة الثانية نقول ضعف قدر الحيض ثلاثون ومحل الضلال عشرون والثلاثون تزيد علي العشرين بعشرة *]

(2/523)


قال [فرع إذا اتسقت عادتها فكانت تحيض في شهر ثلاثا ثم في شهر خمسا ثم في شهر سبعا ثم تعود الي الثلاث علي هذا الترتيب ثم استحيضت ففى ردها الي هذه العادة الدائرة وجهان فان قلنا لا ترد إليها فقد قيل انها كالمبتدأة وقيل انها ترد الي القدر الاخير قبل الاستحاضة وقيل ترد إلى الثلاثة ان استحيضت بعد الخمسة لانها متكررة في الخمسة ولو كانت الاقدار ما سبق من ثلاث وخمس وسبع ولكن لا علي سبيل الاتساق فان قلنا ترد إلى العادة الدائرة فهذه كالتي نسيت النوبة المتقدمة في العادة الدائرة بعد الاستحاضة وحكمها الاحتياط فعليها ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض بيقين ثم تتوضأ لكل صلاة الي انقضاء الخامس ثم تغتسل مرة اخرى ثم تتوضأ الي انقضاء السابع ثم تغتسل ثم هي طاهر إلى آخر الشهر] *

(2/524)


[إذا استمرت للمرأة عادات حيض مختلفة المقادير ثم استحيضت فلا تخلو اما ان تكون متسقة منتظمة أو لا تكون كذلك فهما حالتان احداهما ان تكون منتظمة لا تختلف كما إذا كانت تحيض في شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة ثم في شهر سبعة ثم في الشهر الرابع ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة وهكذا فهل ترد بعد الاستحاضة الي هذه العادة: وجهان اظهرهما نعم لان تعاقب الاقدار المختلفة قد صار عادة لها فصار
كالوقت والقدر المعتادين والثاني لا ترد الي العادة الدائرة لان كل واحد من المقادير ينسخ ما قبله ويخرجه عن الاعتبار ولا فرق على الوجهين بين ان يكون نظم عادتها علي ترتيب العدد كما ذكرنا أو لا يكون كما إذا كانت ترى في شهر خمسة ثم ثلاثة ثم سبعة ثم تعود الي الخمسة ولا فرق ايضا بين ان ترى كل واحدة من العادات مرة كما ذكرنا أو مرتين كما إذا كانت ترى]

(2/525)


[في شهرين ثلاثة ثلاثة وفى شهرين بعدهما خمسة خمسة وفى شهرين بعدهما سبعة سبعة وقوله في صورة المسألة ثم تعود الي الثلاث علي هذا الترتيب انما ذكر ذلك لانه لو ابتدأ الحيض بها ورأت الافدار الثلاثة في ثلاثة ادوار واستحيضت في الرابع فلا خلاف في انها لا ترد الي تلك الاقدار في ادوارها اما إذا اثبتنا العادة بمرة فلان القدر الاخير ينسخ ما قبله واما إذا لم نثبت فلانه لم يثبت كون العادات المختلفة عادة لها هكذا قاله في النهاية ولهذا قال الائمة اقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور في الكتاب ستة اشهر فان كانت ترى هذه الاقدار مرتين مرتين فسنة فإذا محل الوجهين ما إذا تكررت العادة الدائرة فان قلنا ترد إليها فاستحيضت عقيب شهر الثلاثة ردت في أول شهر الاستحاضة إلى الخمسة وفى الثاني الي السبعة وفي الثالث الي الثلاثة وان استحيضت عقيب شهر الخمسة ردت الي السبعة ثم إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة وان استحيضت عقيب شهر السبعة ردت إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة ثم إلى السبعة وان]

(2/526)


قلنا لا ترد إليها فقد نقل صاحب الكتاب ثلاثة أوجه احدها انها ترد الي القدر الاخير قبل الاستحاضة ابدا وهذا مبنى على ان العادة تثبت بمرة وتنتقل بمرة والثاني ترد الي القدر المشترك بين الحيضتين المتقدمتين علي الاستحاضة فان استحيضت بعد شهر الخمسة ردت الي الثلاثة وكذا لو استحيضت بعد شهر الثلاثة وان استحيضت بعد شهر السبعة ردت الي الخمسة وهذا الذى بعده خارجان عن قولنا ان العادة لا تثبت بمرة والثالث انها كالمبتدأة لان شيئا من الاقدار لم يصر عادة لها أما إذا لم يتكرر علي حياله ولا عبرة بالتكرار في ضمن عدد اكثر منه فانه حينئذ ليس بحيضة لها ولم ار بعد البحث نقل هذه الوجوه متفرعة علي الوجه الثاني لغير صاحب الكتاب حتى لشيخه امام الحرمين رحمه الله فانه وان ذكر
هذه الوجوه فانما ذكرها فيما إذا لم تتكرر العادة الدائرة وقد حكينا ان محل الوجهين ما إذا تكررت فإذا صاحب]

(2/527)


[الكتاب متفرد بنقل هذه الوجوه تفريعا علي احد الوجهين والذى ذكره غيره تفريعا عليه الرد إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة لاغير ثم إذا رددناها إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة فهل يجب عليها الاحتياط فيما بين أقل العادات واكثرها فيه وجهان اصحهما لا كذات العادة الواحدة لا تحتاط بعد الرد والثانى نعم لجواز امتداد الحيض إليه فعلي هذا يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى آخر السبعة ثم ان استحيضت عقيب شهر الثلاثة تحيضت من كل شهر ثلاثة ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل مرة أخرى لآخر الخامس ومرة اخرى لآخر السابع وتقتضي صوم السبعة جميعا لانها لم تصم الثلاثة وفيما وراءهما احتمال الحيض قائم وان صامت ولا تقضى الصلاة ايضا لانها حائض في الثلاثة وليس على الحائض قضاء الصلاة وفيما وراءها ان كانت حائضا فلا شئ عليها وان كانت طاهرا فقد]

(2/528)


[صلت وان استحيضت عقيب شهر الخمسة تحيضت من كل شهر خمسة ثم تغتسل وتصوم وتصلى وتغتسل مرة اخرى لآخر السابع وتقضى صوم الكل وصلوات اليوم الرابع والخامس لاحتمال انها كانت طاهرا فيهما ولم تصل وان استحيضت عقييب شهر السبعة تحيضت من كل شهر سبعة واغتسلت عند انقضاء السابع وتقضى صوم السبعة وصلوات ما وراء الثلاثة المستيقنة من السبعة والله اعلم: هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة علي الاستحاضة فان نسيتها تحيضت من كل شهرا]

(2/529)


[ثلاثة فانها أقل المقادير التى عهدتها وهى حيض بيقين ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل ايضا في آخر الخامس والسابع وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة كما تفعل المستحاضات ثم هي طاهر بيقين الي آخر الشهر وهل يختص هذا الجواب بقولنا انها ترد الي العادة الدائرة أو هو مستمر على الوجهين جميعا قضية كلام الاكثرين انه مستمر على الوجهين جميعا وكثيرا ما يستوى التفريع]

(2/530)


[علي وجهين مختلفين واطلاق صاحب الكتاب يوافق كلامهم وقال امام الحرمين هو مخصوص بقولنا ترد إلى العادة الدائرة اما إذا قلنا ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة فمنهم من قال ههنا ترد إلى اقل العادات ومنهم من قال هي كالمبتدأة وقد ذكرنا قولين في المبتدأة أنها هل تؤمر بالاحتياط الي آخر الخمسة عشر فهما جاريان ههنا فيحصل من هذا خلاف في انها هل تحتاط وإذا احتاطت فلا يختص الاحتياط على هذا بآخر اكثر الاعداد (الحالة الثالثة) ان لا تكون تلك]

(2/531)


[العادات منتظمة بل كانت تأتيها مختلفة مرة تتقدم هذه واخرى هذه ذكر امام الحرمين وصاحب الكتاب ان حكم هذه الحالة يبنى على حالة الانتظام ان قلنا ثم لا ترد الي العادة الدائرة فههنا اولى وترد الي القدر المتقدم علي الاستحاضة على هذا وان قلنا ترد ألى العادة الدائرة فعدم الانتظام بمثابة نسيان النوبة المتقدمة علي الاستحاضة فتحتاط كما سبق وقد ذكر غيرهما طرقا في هذه الحالة محصول الخارج منها ثلاثة أوجه اصحها الرد الي القدر المتقدم على الاستحاضة وهذا مبنى]

(2/532)


[علي ان العادة تثبت بمرة: الثاني ان القدر المتقدم عليها ان تكرر مرتين أو ثلاثة ردت إليه وإلا فترد الي الاقل من عاداتها لانه متكرر ومستيقن: الثالث أنها كالمبتدأة ولا نظر الي شئ من تلك العادات ثم قالوا ان قلنا ترد إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة أو الي أقل العادات فتحتاط إلى آخر اكثر العادات وان قلنا هي كالمبتدأة ففي الاحتياط الي آخر الخمسة عشر الخلاف المذكور في المبتدأة هذا إذا عرفت القدر المتقدم علي الاستحاضة فان نسيته والعادات غير متسقة فههنا وجهان الذى ذكره الاكثرون الرد إلى اقل العادات والثاني أنها كالمبتدأة فعلي الثاني في الاحتياط]

(2/533)


[الخلاف المذكور في المبتدأة وعلي الاول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات وحكي بعضهم أنه يستحب ولا يجب وإذا تأملت ما حكينا حصل عندك جوابان في أنها هل تحتاط في الحالة الثانية سواء عرفت القدر المتقدم علي الاستحاضة أو نسيته إن قلنا تحتاط فذلك الي آخر اكثر
المقادير أو إلى آخر الخمسة عشر فيه جوابان ويحصل مثل هذا الخلاف عند النسيان في الحالة الاولي بل عند العلم ايضا لانا روينا فيه الوجهين في الاحتياط آخر اكثر المقادير وذكر في الكتاب وجها أنها كالمبتدأة فيجئ فيه الخلاف المذكور في احتياط المبتدأة أيضا وعند هذا لك]

(2/534)


[ن تعلم قوله وحكمها الاحتياط بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يلزمها الاحتياط وقوله في آخر الباب ثم هي طاهر الي آخر الشهر أيضا للوجه الصائر إلى أنها تحتاط الي آخر الخمسة عشر وقوله فعليها ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض بيقين أيضا لان من قال بانها كالمبتدأة حيضها يوما وليلة أو ستا أو سبعا ولا يعتبر الثلاث وقوله ثم تتوضأ إلى آخر الخامس وإلى آخر السابع أيضا للوجه الذاهب الي أنها تحتاط في جميع الخمسة عشر واعلم ان الصحيح من هذا الخلاف عند العلم في حالة انتظام العادات أنها لا تحتاط والصحيح عند النسيان وفى حالة عدم الانتظام انها تحتاط]

(2/535)


[لكن إلى آخر اكثر الاقدار لا الي تمام الخمسة عشر ولهذا خلط في الكتاب الحالة الثانية بصورة النسيان من حال الانتظام والله أعلم * قال [الباب الرابع في التلفيق] فإذا انقطع دمها يوما يوما وانقطع علي الخمسة عشر ففى قول تلتقط أيام النقا وتلفق (ح) ويحكم بالطهر فيه والقول الاصح انا نسحب (م) حكم الحيض علي أيام]

(2/536)


[النقاء ونجعل ذلك كالفترات بين دفعات الدم لان الطهر الناقص فاسد كالدم الناقص] * إذا انقطع دم المرأة وكانت ترى يوما دما ويوما نقاء أو يومين ويومين فلا يخلو اما أن ينقطع قبل مجاوزة الخمسة عشر أو يجاوزها فهما قسمان الاول أن ينقطع ولا يجاوز ففيه قولان احدهما وبه قال مالك واحمد أنها نلتقط أيام النقاء وتلفق ويحكم بالطهر فيها وحيضها أزمنة الدم لا غير لقوله تعالي]

(2/537)


[ولا تقوبوهن حتى يطهرن أي ينقطع دمهن وقد انقطع فوجب ان يجوز القربان ولانه لا يحكم في
أيام الدم حقيقة بالطهر فكذلك لا يحكم في أيام النقاء حقيقة بالحيض توفيرا لحكم كل واحدة من الحالتين عليها ولا شك أن أزمنة النقاء لا تجعل اطهارا في حق انقضاء العدة بها والطلاق فيها]

(2/538)


[لا يخرج عن كونه بدعيا فقولنا نحكم بالطهر فيها على هذا القول أي في الصوم والصلاة والاغتسال ونحوها والثانى وبه قال أبو حنيفة ان حكم الحيض ينسحب على ايام النقاء فتحيض فيها جميعا لان زمان النقاء ناقص عن أقل الطهر فيكون حيضا كساعات الفترة بين دفعات الدم ولان ازمنة النقاء]

(2/539)


[لو كانت طهرا فاما ان يكون كل واحد منها طهرا وحده أو مجموعها طهرا واحدا فان كان الاول وجب انقضاء العدة بواحد بثلاثة منها وان كان الثاني وجب ان تفرقها على جميع الشهر حتي لا تكون مستحاضة مع مجاوزة الدم بصفة التقطع وليس كذلك والقول الاول اصح عند الشيخ ابي حامد وطائفة من اصحابنا العراقيين لكن ما عليه المعظم ان الثاني اصح علي ما ذكره في الكتاب وبه قال القاضي أبو الطيب الطبري وموضع القولين ما إذا كانت مدة الانقطاع زائدة علي الفترات المعتادة بين دفعات الدم فانه لا يسيل دائما في الغالب فان لم يزد عليها فلا خلاف في كون الكل حيضا وهذا بين من الحاقه ايام النقاء علي قول السحب بها وقد قال امام الحرمين في الفرق بينهما دم الحيض يجتمع في الرحم ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء اخرى من]

(2/540)


[الرحم إلى المنفذ فما زاد علي ذلك فهو النقاء الذى فيه القولان وربما يتردد الناظر في ان مطلق الزائد علي المدة المذكورة هل تخرج عن حد الفترات المعتادة لان تلك المدة يسيرة والله أعلم بالصواب: ولا فرق على القولين بين ان يكون قدر الدم اكثر من قدر النقاء أو قدر النقاء اكثر أو يكونا متساويين وإذا رأت صفرة أو كدرة بين سوادين وقلنا الصفرة في غير ايام العادة ليست حيضا فهو من صور التقطع * قال [ولكن نسحب حكم الحيض علي النقاء بشرطين (أحدهما) أن يكون النقاء محتوشا بدمين في
الخمسة عشر حتى لو رأت يوما وليلة دما وأربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالنقاء مع]

(2/541)


[ما بعده من الدم طهر لانه ليس محتوشا بالحيض في المدة (والثانى) أن يكون قدر الحيض في المدة الخمسة عشر تمام يوم وليلة وإن تفرق بالساعات وقيل أن كل دم ينبغى أن يكون يوما وليلة وقيل لا يشترط ذلك بل لو كان المجموع قدر نصف يوم صار الباقي حيضا] * غرض الفصل بيان قاعدتين يشرطان علي قول السحب احدهما لابد من كون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر ليثبت لهما حكم الحيض ثم ينسحب علي ما بينهما أما النقاء الذى لا يقع بين دمين فهو طهر لا محالة وضرب له في الكتاب مثالا وهو ما إذا رأت يوما وليلة دما واربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالاربعة عشر طهر إذ ليس بعدها دم محكوم له بالحيض حتى ينسحب حكمه على النقاء وإنما شرط في هذا المثال أن تري الليلة دما مع اليوم لانه لا دم]

(2/542)


[في الخمسة عشر سوى ما رأته أولا فلو كان في اليوم وحده لما كان لها حيض أصلا وحينئذ لا يقتصر الطهر علي الاربعة عشر وما بعدها بل يعم الكل ولا يخفى ان الغرض من قوله فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر التسوية بينهما في نفى الحيض لا في احكام الطهارة مطلقا فانها مستحاضه في زمان الدم دون ايام النقاء ولك ألا تستحسن هذا المثال في هذا الموضع لانه الآن يتكلم فيما إذا لم يجاوز الدم الخمسة عشر وفى هذه الصورة قد جاوز واللائق غير هذا المثال نحو ما إذا رأت يوما دما ويوما نقاء الي الثالث عشر ولم يعد الدم في الرابع عشر والخامس عشر طهر لان النقاء فيهما غير محتوش بدمين في الخمسة عشر (الثانية) الدماء المتفرقة أما أن يبلغ مجموعها أقل الحيض أولا يبلغ فان بلغ مجموعها أقل الحيض نظر ان بلغ الاول والآخر كل واحد منهما أقل الحيض ففيه القولان]

(2/543)


[وحكى أبو عبد الله الحناطي طريقا آخر أن ازمنة النقاء في هذه الحالة حيض بلا خلاف والقولان فيما إذا لم يبلغ كل واحد من الطرفين الاقل وإن لم يبلغ واحد منها أقل الحيض كما إذا رأت نصف
يوم دما ومثله نقاء وهكذا إلي آخر الخمسة عشر ففيه ثلاثة طرق أصحها طرد القولين علي قول التلفيق حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف وعلى قول السحب حيضها أربعة عشر ونصف لان النصف الاخير لا يتخلل بين دمين في المدة والثانى لا حيض لها وكل ذلك دم فساد لان جعل النقاء حيضا خلاف الحقيقة إنما يصار إليه إذا تقدم أقل الحيض أو تأخر اقله أو وجد إحدهما حتي استتبع النقاء والثالث ان توسطهما قدر أقل الحيض علي الا تصل كفى ذلك لحصول القولين وإلا فكلهما دم فساد وان بلغ احدهما أقل الحيض دم الآخر فثلاثة طرق أيضا اصحها طرد القولين والثانى أن]

(2/544)


[الذى بلغه حيض وما عداه دم فساد والثالث ان بلغ الاول أقل الحيض فهو ما سواه حيض وان بلغ الآخر الاقل فهو حيض دون ما عداه والفرق أن الحيض في الابتداء أقوي وأدوم هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض أما إذا لم يبلغ فطريقان اظهرهما أنه علي القولين ان قلنا بالتلفيق فلا حيض لها بل دم فساد وان قلنا بالسحب فكذلك علي أظهر الوجهين والثانى أن الدماء وما بينها حيض والثانى القطع بان لا حيض لها وإذا تأملت ما ذكرناه حصل عندك في القدر المعتبر من الدمين ليجعل ما بينهما حيضا على قول السحب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب أظهرها وبه قال أبو بكر المحمودى أنه يشترط أن يكون مجموع الدماء قدر أقل الحيض ولا بأس بتفرقها ونقصان كل واحد منها وقوله ان يكون قدر الحيض في المدة الخمسة عشر تمام يوم ليلة عبارة]

(2/545)


[عن هذا الوجه وأراد بالحيض الدم وإلا فالنقاء حيض ايضا علي قول السحب والثانى أنه يشترط مع ذلك أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض حتى لو رأت دما ناقصا عن الاقل ودمين آخرين غير ناقصين فالاول دم فساد والآخران وما بينهما من النقاء حيض وقوله أن كل دم ينبغى أن يكون يوما وليلة لا نعنى به كل دم في الخمسة عشر إذ لا يشترط في الدماء المتوسطة ذلك وانما المراد كل دم من الاول والآخر والثالث وبه قال الانماطى أنه لا يشترط شئ من ذلك بل لو كان مجموع الدماء نصف يوم أو أقل فهي وما بينها من النقاء حيض على القول الذى نتكلم
فيه وقوله صار الباقي حيضا أي الباقي من الخمسة عشر بشرط أن يكون متخللا بين الدمين ويحصل مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يشترط أن يكون كل واحد من الدمين أقل الحيض لكن]

(2/546)


[يشترط بلوغ أولهما هذا الحد ووجه خامس وهو أنه يشترط أن يكون احدهما أقل الحيض أما الاول أو الآخر ووجه سادس وهو أنه يشترط ذلك أما في الاول أو الآخر أو الوسط * قال [فرع المبتدأة إذا أنقطع دمها فتؤمر بالعبادة في الحال وإذا استمر التقطع ففى الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة وفى الثاني تبنى علي أن العادة هل تثبت بمرة واحدة] * المبتدأة إذا انقطع الدم فكما انقطع وهو بالغ أقل الحيض لزمها ان تغتسل وتصوم وتصلي ولها ان تطوف وللزوج أن يغشاها لافرق في كل ذلك بين القولين لانها لا تدري هل يعود الدم أم لا والظاهر استمرار العدم وفى الغشيان وجه أنه لا يجوز ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة وامتنعت عن الوطئ وتبين علي قول السحب وقوع الوطئ والعبادات في الحيض لكن]

(2/547)


[لا يأثم بالوطئ وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة وعلي قول اللقط والتلفيق ما مضي صحيح ولا قضاء وهذا الحكم في الانقطاع الثاني والثالث وسائر الانقطاعات في الخمسة عشر وفيه وجه ان في سائر الانقطاعات يبنى الامر على أن العادة بماذا تثبت فإذا ثبتت توقفنا في الغسل وسائر العبادات ارتقابا للعود واما في الدور الثاني وما بعده من الادوار فعلي قول التلفيق لا يختلف الحم وعلي قول السحب في الدور الثاني طريقان أصحهما أنه يبنى علي الخلاف في العادة ان أثبتناها بمرة فقد عرفنا التقطع بالدور الاول فلا تغتسل ولا تصلى ولا تصوم حملا علي عود الدم فان لم يعد بان أنها كانت طاهر افتقضى الصوم والصلاة جميعا وان لم نثبتها بمرة فالحكم كما سبق في الشهر الاول وفى الدور الثالث وما بعده تثبت العادة بمرتين سابقتين فلا تغتسل إذا انقطع الدم ولا تصلى]

(2/548)


[ولا تصوم وقد حكينا وجها من قبل أن العادة لا تثبت الا بثلاث مرات ولا يخفى قياسه والطريق
الثاني ويحكى عن أبى زيد أن التقطع وان تكرر مرات كثيرة فالحكم في المرة الاخيرة كما في الاولي لان الدم إذا انقطع فبناء الحكم على عوده وترك العبادات بعيد وقوله في الكتاب المبتدأة إذا انقطع دمها فتؤمر بالعبادة يجوز أن يراد به الانقطاع الاول وحده ويجوز أن يراد به كل انقطاع يتفق في الدور الاول وعلى التقدير الثاني ينبغي ان يعلم قوله فتؤمر بالعبادة بالواو للوجه الصائر إلى بنائه علي الخلاف في العادة وقوله ففى الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة ينبغي أن يعلم بالواو لشيئين أحدهما الوجه الذاهب الي أن العادة تثبت بثلاث مرات والثانى الطريقة المنسوبة الي أبي زيد وكذلك قوله وفى الثاني يبنى علي ان العادة هل تثبت بمرة لطريقة أبى زيد: هذا كله إذا كان الانقطاع بعد]

(2/549)


[بلوغ الدم أقل الحيض اما إذا رأت المبتدأة نصف يوم دما وانقطع وقلنا بطرد القولين فعلى قول السحب لا غسل عليها عند الانقطاع الاول لانه ان عاد الدم في الخمسة عشر فالنقاء الذى رأته بعد ذلك الدم حيض أيضا وان لم يعد فهو دم فساد ولكن تتوضأ وتصلي وفى سائر الانقطاعات إذا بلغ مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض يصير الحكم على ما سبق في الحالة الاولي وعلي قول التلفيق لا يلزمها الغسل أيضا في الانقطاع الاول علي أظهر الوجهين لانا لا ندرى هل هو حيض أم لا والثاني يجب احتياطا كما يجب على الناسية احتياطا وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحدة أقل الحيض يلزمها الغسل وقضاء الصوم والصلاة وحكم الدور الثاني والثالث علي القولين جميعا كما ذكرنا في الحالة الاولى هذا تمام القسم الاول وهو أن لا يجاوز الدم المتقطع خمسة عشر يوما *]

(2/550)


[قال [اما إذا جاوز الدم خمسة عشر يوما صارت مستحاضة فلها أربعة أحوال (الاولى) المعتادة فان كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها الدور وأطبق الدم مع التقطع وكانت ترى الدم يوما وليلة والنقاء كذلك فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور لان النقاء فيه محتوش بالدم ولو كانت عادتها يوما وليلة فاستحيضت وكانت ترى يوما دما وليلة نقاء وهكذا ففيه اشكال لان اتمام الدم بالنقاء عسير إذ ليس محتوشا بدمين في وقت العادة لا يمكن تكميل اليوم بالليلة
فقد قيل ههنا تعود الي قول التلفيق فيلتقط النقاء من الحيض وقيل لا حيض لها أصلا وقيل يسحب حكم الحيض علي ليلة النقاء ويضم اليوم الثاني إليه فيكون قد ازداد حيضها] * إذا جاوز الدم بصفة التلفيق الخمسة عشر فقد صارت مستحاضة كغير التلفيق إذا جاوز]

(2/551)


[دمها هذه المدة ولا صائر الي الالتقاط من جميع الشهر وان لم يزد مبلغ الدم علي اكثر الحيض وإذا صارت مستحاضة ووقعت الحاجة إلى الفرق بين حيضها واستحاضتها فالمرجع إلى العادة والتمييز كما في غير ذات التلفيق وقال محمد ابن بنت الشافعي ان اتصل الدم المجاوز بالدم في آخر الخمسة عشر فالامر كذلك وان انفصل عنه بنقاء متخلل فالمجاوز استحاضة وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء إما وحدها أو مع النقاء المتخلل علي اختلاف القولين حيض مثال ما إذا اتصل رأت ستة دما وستة نقاء وجاوز فالدم متصل ههنا من آخر الخامس باول السادس ومثال ما إذا انفصل رأت يوما دما ويوما نقاء وجاوز فهذه ترى الدم في الخامس عشر وتكون نقية في السادس عشر فعنده جميع الخمسة عشر حيض على قول السحب وما فيها من الدماء علي قول اللقط وما جاوز الخمسة عشر استحاضة وبه قال أبو بكر المحمودى وغيره والمذهب الاول ثم جعل صاحب الكتاب المستحاضات في هذا الباب أربعا إحداهن الناسية وفى غير ذات التلفيق ذكر أربعا دون الناسية وليس ذلك لاختلاف]

(2/552)


[عددهن بالتقطع وعدم التقطع لكن حذف ذكر المعتادة المميزة ههنا لان الوقوف علي حكمها سهل المأخذ من حيث أن الكلام في أن أي المعنيين يرجح من العادة والتمييز وقد سبق في غير ذات التلفيق ولا فرق فيه بين حالة التقطع وعدم التقطع وإذا رجحنا أحد المعنيين فهى كالمنفردة بتلك الصفة: المستحاضة الاولي المعتادة الحافظة لعادتها وعادتها السابقة علي ضربين (احدهما) وهو الذى ذكر مثاله في الكتاب العادة التي لا تقطع فيها لكل عادة ترد إليها عند الاطبقاق والمجاوزة ترد إليها عند التقطع والمجاوزة ثم على قول السحب كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء يتخلل بين دمين فيها حيض واما النقاء الذى لا يتخلل بين دمين فيها لا يكون حيضا وأيام العادة ههنا بمثابة الخمسة عشر عند
عدم المجاوزة فلا يعدل عنها وعلي قول التلفيق أزمنة النقاء طهر وفيما يجعل حيضا لها وجهان أظهرهما]

(2/553)


[أن قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر حيض لها فان لم تبلغ الدماء في الخمسة عشر قدر عادتها جعل الموجود حيضا ووجهه أن المعتادة عند الاطباق مردودة الي قدر عادتها وقد أمكن ردها هنا إلى قدر العادة فيصار إليه والثاني أن حيضها ما يقع من الدماء في أيام العادة لا غير لان حكم الحيض عند الاطباق انما يثبت الدماء الموجود في أيام العادة فكذلك ههنا مثاله كانت تحيض خمسة علي التوالي من كل ثلاثين فجاءها دور تقطع فيه الدم والنقاء يوما ويوما وجاوز الخمسة عشر فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور وما فيها من النقاء محتوش بالدم في أيام العادة فينسحب عليه حكم الحيض وعلى قول التلفيق وجهان أظهرهما أن حيضها الاول والثالث والخامس والسابع والتاسع وتجاوز أيام العادة محافظة علي القدر والثاني أن حيضها الاول والثالث]

(2/554)


والخامس لا غير ولو كانت تحيض ستة علي التوالى ثم استحيضت والدم منقطع كما وصفنا فعلي قول السحب لا نردها الي الستة لان النقاء في اليوم السادس غير محتوش بدمين في أيام العادة وعلى قول التلفيق حيضها علي الوجه الاول الايام الخمسة والحادي عشر أيضا وعلي الوجه الثاني الاول والثالث والخامس لا غير ولو انقلبت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة الاطباق وكذا الخلاف فيما يثبت به العادة مثال التقدم كانت عادتها خمسة من ثلاثين كما ذكرنا فرأت في بعض الشهور اليوم الثلاثين دما واليوم الذى بعده نقاء وهكذا تقطع دمها وجاوز الخمسة عشر فعن ابى اسحق انها تراعى أيامها المتقدمة وما قبلها استحاضة فعلي قول السحب حيضها اليوم الثاني والثالث والرابع وعلي قول اللقط حيضها اليوم الثاني والرابع لاغير]

(2/555)


[وظاهر المذهب أن العادة تنتقل بمرة واحدة واليوم الثلاثون حيض فعلى قول السحب حيضها خمسة متوالية من الثلاثين وعلي قول اللقط حيضها اليوم الثلاثون والثاني والرابع أن لم يجاوز أيام العادة
وان جاوز ضممنا إليها السادس والثامن ومثال التأخر ما إذا رأت في المثال المذكور اليوم الاول في بعض الادوار نقاء ثم تقطع عليها الدم والنقاء من اليوم الثاني وجاوز فعند أبي اسحق الحكم علي ما ذكرنا في الصورة السابقة وعلى ظاهر المذهب ان فرعنا علي قول السحب فحيضها خمسة علي التوالى من اليوم الثاني وان فرعنا علي قول اللقط فان لم يجاوز أيام العادة فحيضها الثاني والرابع والسادس وان كنا خارجا عن أيام العادة القديمة لكن بالتأخر قد انتقلت غادتها وصار أول الخمسة الثاني وآخرها السادس وان جاوزنا أيام العادة فحيضها هذه الايام مع الثامن]

(2/556)


[والعاشر ولا يخفى ان قدر طهرها السابق علي الاستحاضة في هذه الصورة قد صار ستة وعشرين وفى صورة التقدم أربعة وعشرين ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور ولا تأخر لكن انقطع الدم والنقاء عليها يومين يومين فلا يعود خلاف أبى اسحق ويبنى الحكم على قول التلفيق ان سحبنا فحيضها خمسة أيام ولاء واليوم السادس استحاضة كالدماء التى بعده وان لقطنا فان لم يجاوز أيام العادة فحيضها اليوم الاول والثاني والخامس لاغير وان جاوز ضممنا إليها السادس والتاسع وحكي وجه ان الخامس لا يجعل حيضا علي قولنا بعدم المجاوزة ولا التاسع على قولنا بالمجاوزة لانهما متصلان بدم الاستحاضة فيضعفان بضعفه ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن أيام العادة ان اقتصرنا علي ايام العادة وعن الخمسة عشر ان جاوزنا ايام العادة وإذا عرفنا قدر حيض هذه المستحاضة علي اختلاف الاحوال فكم مدة طهرها بعد الحيض الي استئناف حيضة أخرى ينظر أن كان التقطع بحيث ينطبق الدم علي أول الدور: ابتداء الحيضة الاخرى وان]

(2/557)


[لم ينطبق فابتداء حيضها أقرب نوب الدماء إلى أول الدور تقدمت أو تأخرت فان استوتا في التقدم والتأخر فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ثم قد يتفق التقدم أو التأخر في بعض أدوار الاستحاضة دون بعض وإذا أردت أن تعرف هل ينطبق الدم علي أول الدور أم لا فخذ نوبة دم ونوبة نقاء واطلب عددا صحيحا يحصل من ضرب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها فان وجدته
فاعرف انطباق الدم علي أول الدور والا فاضربه في عدد يكون مردوده أقرب الي دورها زائدا كان أو ناقصا واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى أول الدور فان استوى طرفا الزيادة والنقصان فالاعتبار بالزائد ولنوضح ذلك بامثله: عادتها خمسة من ثلاثين وتقطع الدم يوما ويوما في بعض الادوار وجاوز فنوبة الدم يوم ونوبة النقاء مثله وانت تجد عددا لو ضربت الاثنين فيه كان الحاصل ثلاثين وهو خمسة عشر فاعرف أن الدم ينطبق على أول دورها ابدا مادام التقطع بهذه الصفة ولو كانت المسألة بحالها وتقطع الدم والنقاء يومين يومين فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثون فاطلب ما يقرب الحاصل من الضرب فيه من ثلاثين وههنا عدد ان سبعة وثمانية ان ضربت الاربعة في سبعة رد ثمانية وعشرين وان ضربتها في ثمانية رد اثنين وثلاثين والتفاوت في طرفي الزيادة والنقصان واحد فخذ بالزيادة واجعل أول الحيضة الاخرى الثالث والثلاثين وحينئذ يعود ما سبق نقله من خلاف أبي اسحق لتأخر الحيض عن أول الدور فحيضها عنده في أول الدور الثاني]

(2/558)


[هو اليوم الثالث والرابع لاغير علي قولي التلفيق جميعا وأما على قول السحب فلان ما قبلهما وما بعدهما نقاء لم يتخلل بين دمين في أيام العادة وأما على قول اللقط فلانه ليس لها في أيام العادة دم الا في هذين اليومين وأما علي ظاهر المذهب فان فرعنا على السحب حيضناها من اليوم الثالث خمسة علي التوالي وان فرعنا علي اللقط فان جاوزنا أيام العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع والثامن والحادي عشر وان لم يجاوزها فحيضها الثالث والرابع والسابع لا غير ثم في الدور الثالث ينطبق الدم علي أول الدور فلا يبقى خلاف ابي اسحق ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور الاول وفى الدور الرابع يتأخر الحيض ويعود الخلاف وعلى هذا أبدا ولم نر أحدا يقول إذا تأخر الدم في الدور الثاني بيومين فقد صار أول أدوار المجلوزة اثنين وثلاثين فنجعل هذا العدد دورا لها تفريعا علي أن العادة تثبت بمرة وحينئذ ينطبق الدم على أول الدور أبدا لانا نجد عددا يحصل من ضرب الاربعة فيه هذا العدد وهو ثمانية ولو قال به قائل لما كان به باس فان قلت هذا الدور حدث في زمان الاستحاضة فلا عبرة به قلنا لا نسلم فانا قد نثبت عادة المستحاضة مع دوام
العلة الا ترى أن المستحاضة المميزة يثبت لها بالتمييز عادة معمول بها ولو كانت المسألة بحالها ورأت ثلاثة دما وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة فلا نجد عددا إذا ضربت السبعة فيه رد ثلاثين فاضربه في اربعة ليرد ثمانية وعشرين واجعل أول الحيضة الثانية التاسع والعشرون ولا]

(2/559)


[تضربه في خمسة فانه يرد خمسة وثلاثين وذلك أبعد من الدور وعند ذلك يتقدم الحيض علي أول الدور فعلي قياس ابى اسحق ما قبل الدور استحاضة وحيضها اليوم الاول علي قولي التلفيق جميعا وقياس ظاهر المذهب لا يخفى ولو كانت عادتها قديما ستة من ثلاثين وتقطع الدم في بعض الادوار سته ستة وجاوز ففي الدور الاول حيضها الستة الاولي بلا خلاف واما في الدور الثاني فانها ترى ستة من أوله من أوله نقاء وهى أيام عادتها فعند أبى اسحاق لا حيض لها في هذا الدور أصلا وأما سائر الاصحاب فقد حكي امام الحرمين في هذه الصورة عنهم وجهين أظهرهما انا نحيضها الستة الثانية على قولي السحب واللقط جميعا والثاني أن يحضها الستة الاخيرة من الدور الاول لان الحيضة إذا فارقت محلها فقد تتقدم وقد تتأخر والستة الاخيرة قد تخلل بينها وبين الحيضة التى قبلها طهر كامل فتحيض فيها ونحكم بنقصان طهرها السابق ويجئ هذا الوجه حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض: هذا كله]

(2/560)


[إذا لم ينقص الدم الموجود في زمان العادة عن أقل الحيض اما إذا نقص كما إذا كانت عادتها يوما وليلة فرأت في بعض الادوار يوما دما وليلة نقاء واستحيضت قال صاحب الكتاب فهذا فيه اشكال يعنى علي قول السحب لان اتمام الدم بالنقاء عسير لانه غير محتوش بالدم في وقت العادة ولا يمكن الاقتصار علي اليوم الواحد ولا تكميله باليوم الثاني فان مجاوزة العادة علي قول السحب مما لا يجوز فبماذا نحكم فيه ثلاثة أوجه اظهرها أنه لا حيض لها في هذه الصورة لتعذر الاقسام وبه قال أبو اسحق والثانى انها تعود في هذه الصورة إلى قول التلفيق ونستثنيها عن قول السحب لانه يبعد ان يقال لا حيض لها وهى ترى الدم شطر دهرها علي صفة الحيض وبهذا قال ابو بكر المحمودى والثالث انا نحيضها اليوم الاول والثانى والليلة بينهما وليس فيه الا زيادة حيضها وهو اقرب الاقسام والاحوال
وهذا الوجه ذكره الشيخ أبو محمد واما على قول التلفيق فلا حيض لها ان لم نجاوز أيام العادة وان جاوزناها حيضناها في اليوم الاول والثاني وقلنا الليلة بينهما طهر: الضرب الثاني العادة المنقطعة فإذا استمرت لها عادة منقطعة قبل الاستحاضة ثم استحيضت مع التقطع فننظر ان كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبل الاستحاضة فمردها قدر حيضها علي اختلاف القولين مثاله: كانت تري ثلاثة دما واربعة نقاء وثلاثة دما وتطهر عشرين ثم استحيضت والتقطع بهذه الصفة فعلي قول السحب كان حيضها عشرة قبل الاستحاضة فكذلك بعدها وعلي قول اللقط كان حيضها ستة يتوسط بين نصفيها أربعة فكذلك الآن وان اختلفت كيفية التقطع كما إذا انقطع الدم عليها في المثال المذكور في بعض الادوار يوما يوما واستحيضت فعلى قول السحب حيضها الآن تسعة أيام لانها جملة الدماء الموجودة في أيام العادة وما بينها من النقاء واليوم العاشر نقاء لم يتخلل بين دمين في وقت العادة وعلي قول اللقط أن لم يجاوز أيام العادة فحيضها اليوم الاول والثالث والتاسع إذ ليس لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم الا في هذه الثلاثة وان جاوزناها ضممنا إليها الخامس]

(2/561)


[والسابع والحادي عشر تكميلا لقدر حيضها قال [الثانية المبتدأة فإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت وهكذا تفعل مهما رأت النقاء إلى خمسة عشر فإذا جاوز الدم ذلك تبين أنها مستحاضة ثم مردها أما يوم وليلة وأما أغلب عادات النساء في حقها كالعادة في حق المعتادة] * ذكرنا أن المبتدأة إذ انقطع عليها الدم تصوم وتصلي عند الانقطاع الاول وهكذا في سائر الانقطاعات الواقعة في الخمسة عشر وقد اشتمل الفرع المذكور قبل تقسيم المستحاضات على ما ذكره في هذا الموضع أو علي بعضه لان قوله ثم إذا انقطع دمها تؤمر بالعبادة في الحال ان أراد به كل الانقطاع فهو والمذكور في هذا الموضع شئ واحد وان أراد به الانقطاع الاول فهو قوله ههنا: وإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت: وليكن قوله وهكذا تفعل مهما رأت النقاء معلما بالواو لما بيناه في شرح]

(2/562)


[ذلك الفرع ثم إذا جاوز دمها بصفة التقطع الخمسة عشر تبين أنها مستحاضة فان قلنا المبتدأة ترد إلى يوم وليلة وهو الاصح وكان تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما فحيضها (يوم وليلة والباقى طهر وان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع فعلى قول السحب ان رددناها الي ست فحيضها) خمسة علي التوالي لان اليوم السادس نقاء لم يحتوشه دمان في المرد وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة على التوالي علي قول اللقط ان لم يجاوز ايام العادة ورددناها إلى ست فحيضها اليوم الاول الثالث والخامس وان رددناها إلى سبع ضممنا اليوم السابع إلى هذه الايام وان جاوزنا ايام العادة ورددناها الي ست فحيضها ست من ايام الدماء وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة منها وكل هذا علي ما تقدم في المعتادة فلذلك قال ومردها في حقها كالعادة في حق المعتادة وابتداء الحيضة الثانية طريقه]
__________
ما بين القوسين في بعض النسخ فقط ولا يصح المعني بدونه فتأمل ها

(2/563)


[ما ذكرنا في المعتادة ثم إذا كانت تصلى وتصوم في ايام النقاء حتى جاوز الدم الخمسة عشر وتتركهما في ايام الدم كما امرناها به فلا خلاف في أنها تقضي صيام ايام الدم بعد المرد وصلواتها لانها تركتهما رجاء الانقطاع قبل الخمسة عشر فإذا جاوزها الدم وتبين الطهر في تلك الايام فلا بد من قضاء العبادة المتروكة واما صلوات ايام النقاء وصيامها فعلى قول اللقط لا حاجة الي قضائها اصلا واما على قول السحب فلا حاجة ايضا الي قضاء الصلوات لانها ان كانت طاهرا فقد صلت وان كانت حائضا فلا صلاة عليها وفى صومها قولان أظهرهما انها لا تقضى أيضا كما في الصلاة والثاني تقضي لانها صامت علي تردد في صحته وفساده فلا يجزيها بخلاف الصلاة فان الصلاة أن لم تصح لم يجب قضاؤها إذ لا يجب قضاء الصلاة على الحائض ثم منهم من بنى القولين علي القولين فيما إذا صلى خنثي خلف امرأة وأمرناه بالقضاء فلم يقض حتي]

(2/564)


[بان كون امرأة هل يلزمه القضاء لان العبادة في الصورتين مؤداة على التردد في صحتها وفسادها وقال الاكثرون هما مبنيان علي القولين المذكورين في أن المبتدأة هل تحتاط بعد المرد إلى آخر الخمسة عشر أم لا ان قلنا تحتاط وجب القضاء مع الاداء وإلا فلا قالوا ولو كان الخلاف مبنيا علي
مسألة الخنثى لكان مخصوصا بالشهر الاول من شهور الاستحاضة لثوبت الاستحاضة بعد ذلك الشهر وارتفاع التردد والخلاف مطرد في الادوار كلها خرج من هذا انا ان حكمنا باللقط لم تقض من الخمسة عشر الا صلوا ت سبعة ايام وصيامها ان رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة وهى ايام الدم سوى اليوم الاول وان رددناها إلى ست أو سبع فان لم تجاوز أيام العادة وكان الرد إلى ست قضتها]

(2/565)


[من خمسة ايام وان ردت الي سبع فمن أربعة أيام وان جاوزناها وردت الي ست قضتها من يومين وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما ان حكمنا بالسحب فان رددناها الي يوم واحد قضت صلوات سبعة ايام وهى ايام الدم سوى اليوم الاول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان اظهرهما لا تقضى الا صيام ثمانية ايام وهي ايام الدم كلها والثانى تقضى صيام الخمسة عشر ولفظ الوسيط تعبير عن القول الاول أنه لا يلزمها إلا قضاء تسعة أيام في رمضان لانها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الاول ولولا ذلك النقاء لما لزمها إلا ستة عشر فإذا حسبنا سبعة بقى تسعة والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وإنما تلزم الستة عشر إذا أمكن انباسط اكثر الحيض علي الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذى]

(2/566)


[نتكلم فيه وان رددناها إلى ست أو سبع فان ردت الي ست قضت صلوات خمسة ايام وهى ايام الدماء التى لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في الي سبع قضت صلوات اربعة واما الصوم فعلي أحد القولين تقضى صيام الخمسة عشر جميعا وعلي اظهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة ايام ثمانية منها ايام الدم في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام احد عشر يوما هذا تمام الكلام في المبتدأة التى لا تمييز لها قال [الثالثة المميزة وهي التى ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا فان أطبق الضعيف بعد الخمسة عشر حيضناها خمسة عشر يوما لاحاطة السواد بالضعيف المتخلل وكل ذلك تفريع علي

(2/567)


[ترك التلفيق فاما إذا استمر تعاقب السواد والحمرة في جميع الشهر فهى فاقدة التمييز لفوات شرطه] المتبدأة إذا كانت مميزة ننظر ان كانت فاقدة لشرط التمييز فهى كالفاقدة لاصل التمييز وحكمها ما سبق نظيره لو رأت يوما سوادا ويوما حمرة إلى آخر الشهر فهى فاقدة لاحد شروط التمييز وهو أن لا يجاوز القوى الخمسة عشر وقوله في هذا المثال فاقدة للتمييز لفوات شرطه أي التمييز المعتبر وإلا فهي واجدة لاصله وإن كان واجدة لشرط التمييز فعلي قول السحب حيضها الدماء القوية في الخمسة عشر مع النقاء المتخلل والضعيف المتخلل وعلي قوله اللقط حيضها القوى دون ما يتخلله مثله رأت يوما سواد ويوما حمرة إلى آخر الخمسة عشر ثم استمرت الحمرة بعد الخمسة عشر أما لصفة التقطع فحيضها علي قول السحب جميع

(2/568)


[الخمسة عشر وعلي قول اللقط أيام السواد وهى ثمانية وقوله المييزة وهى التي ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا يوهم اشتراط التقطع بين القوى والضعيف ليثبت التمييز فانه كالتفسير للمميزة ولا يشترط ذلك بل يثبت التمييز المعتبر وان كان التقطع بين القوى والنقاء والشرط أن لا ترى القوى الا في الخمسة عشر ويكون المجاوز هو الضعيف ولا فرق في الضعيف المجاوز بين أن يكون دائما أو منقطعا وقوله ولك ذلك تفريع علي ترك التلفيق أي قول السحب وانما كان يحسن قوله وكل ذلك إذا جري تفريع طويل ولم يجر ههنا كثير شئ * قال [الرابعة الناسية فان أمرناها بالاحتياط على الصحيح فحكمها حكم من أطبق الدم عليها علي قول السحب إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيضا وانما تفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الوضوء في وقت النقاء لان الحدث في صورته غير متجدد ولا بتجديد الغسل إذ الانقطاع مستحيل في حالة]

(2/569)


[انتفاء الدم وعلى قول التلفيق يغشاها الزوج في أيام النقاء وهى طاهرة فيها في كل حكم] الناسية لعادتها قد تنساها من كل وجه وهى المتحيرة وقد تنساها من وجه دون وجه كما
في حالة الاطباق فاما المتحيرة فيعود فيها القولان المذكوران عند الاطباق ان قلنا هي كالمبتدأة فحكمها ما تقدم وان أمرناها بالاحتياط وهو الصحيح بنينا أمرها على قولي التلفيق ان قلنا بالسحب فتحتاط في أزمنة الدم من الوجوه التي ذكرناها في حالة الاطباق بلا فرق لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع وتحتاط في أزمنة النقاء أيضا إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيا نعم لا تؤمن بالغسل في وقت النقاء لان الغسل انما يجب لاحتمال الانقطاع ولا انقطاع في حالة انتقاء الدم وكما لا تؤمر بتجديد الغسل لا تؤمر بتجديد الوضوء أيضا لان ذلك انما يجب لتجدد الحدث ولا تجدد في وقت النقاء فإذا يكفيها لزمان النقاء الغسل عنه انقضاع كل نوبة من نوب الدماء وان قلنا باللقط فعليها أن تحتاط في أيام الدم وعند كل انقطاع وأما في أزمنة النقاء فهي طاهر في الغشيان وسائر الاحكام ولك أن تستدرك من]

(2/570)


[من جملة اللفظ على قوله وانما تفارقها في آناء لامرها بتجديد الوضوء في أيام النقاء وتقول انما ينتظم هذا الكلام ان لو كانت المتحيرة عند الاطباق مأمورة بتجديد الوضوء لتكون هذه مفارقة لها ومعلوم أنها لا تؤمر بتجديد الوضوء وانما تؤمر بتجديد الغسل فكان الاحسن أن يقول وانما تفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الغسل وكذلك بتجديد الوضوء: واما الناسية التى نسيت عادتها من وجه دون وجه فتحتاط علي مقتضى قولى التلفيق مع رعاية ما نذكره: مثاله قالت أضلت خمسة في العشرة الاولي من الشهر وقد تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما واستحيضت فان قلنا بالسحب فاليوم العاشر طهر لانه نقاء لم يتخلل بين دمي حيض ولاغسل عليها في الخمسة الاولي لتعذر الانقطاع فإذا انقضت اغتسلت وبعدها لا تغتسل في أيام النقاء وتغتسل في آخر السابع والتاسع لجواز الابتداء في أول الثالث والخامس وهل تغتسل في أثناء السابع والتاسع منهم من قال نعم لامكان الانقطاع في الوسط وغلطهم المعظم لان الانقطاع في الوسط لو فرض ههنا لفرض ابتداء في أثناء الثاني أو الرابع وهي نقية فيهما فان قلت إذا خرج اليوم العاشر انحصر الضلال في التسعة والخمسة التى هي قدر الحيض زائدة على نصف التسعة فهلا كان لها حيض بيقين كما كان في حالة الاطباق فالجواب أن اضلال الخمسة في التسعة المتقطعة يوجب التردد في مقدار الحيض لان]

(2/571)


[بتقدير تأخر الحيض الي الخمسة الاخيرة لا تكون الآن حائضا الا في ثلاثة أيام منها لان السادس نقاء لم يتخلل بين دمى حيض وكذلك العاشر وفى حالة الاطباق لاتردد في قدر الحيض فلهذا افترقا في تيقن الحيض وأما إذا قلنا باللقط فان لم يجاوز أيام العادة فالحكم كما ذكرنا في قول السحب الا أنها طاهر في أيام النقاء في كل حكم وانها تغتسل عقيب كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة لان المتقطع حيض وان جاوزنا أيام العادة حيضناها خمسة أيام وهى الاول والثالث والخامس والسابع والتاسع وبتقدير انطباق الحيض على الحيضة الاولي بتقدير تأخرها إلى الخمسة الثانية فليس لها في الخمسة الثانية الا يوما دم وهما السابع والتاسع فتضم اليهما الحادى عشر والثالث عشر والخامس عشر فهى إذا حائض في السابع والتاسع بيقين]

(2/572)


[لدخولهما في كل تقدير والله أعلم قال * (الباب الخامس في النفاس) * [واكثره ستون يوما وأغلبه أربعون يوما واقله لحظة (ز) والتعويل فيه على الوجود] * أكثر النفاس ستون يوما خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا اكثره اربعون يوما ورووا عن مالك فيه روايتين احداهما مثل مذهبنا والاخرى انه لا حد له ويرجع الي اهل الخبرة من النساء فتجلس اقصي ما تجلس النساء: لنا الرجوع لي اكثر ما وجد وعهد كما ذكرنا في الحيض وقد روى عن الاوزاعي انه قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين وعن ربيعه ادركت النساء يقولون اكثر ما تنفس المرأة ستون يوما ولك ان تعلم المسألة مع الحاء]

(2/573)


[والالف والميم بالقاف لان ابا عيسى الترمذي روى في جامعه عن الشافعي رضى الله عنه ان دم النفاس إذا جاوز الاربعين لم تدع الصلاة بعد ذلك فحصل قوله علي موافقتهم ووجهه ماروى عن اسم سلمة رضى الله عنها قالت (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعين يوما) وهذا علي ظاهر المذهب محمول علي الغالب ولاشك في ان غالب النفاس اربعون يوما واما اقله فلا حد له ويثبت حكم النفاس لما]

(2/574)


وجدته قل أو كثر والمعنى فيه الرجوع الي الوجوذ كما ذكرنا ولك ان تعلم المسألة بالحاء لانه روى عن ابي
حنيفة في اقل النفاس ثلاث روايات احداها مثل مذهبنا وهي الاظهر والثانية انه احد عشر يوما والثالثة خمسة وعشرون يوما وبالزاى لان المزني قال اقله اربعة ايام لان اكثر النفاس مثل اكثر الحيض اربع مرات فليكن اقله مع اقله كذلك واعلم انه لا فرق في حكم النفاس بين ان يكون الولد حيا أو ميتا كامل الخلقة أو ناقصها ولو القت علقة أو مضغة وقالت القوابل انه ابتداء خلق الادمي فالدم الذى تجده بعده نفاس ذكره في التتمة قال [فأن رأت قبل الولادة دما علي ادوار الحيض فله حكم الحيض في احد القولين الا في انقضاء العدة به فلو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فحاضت خمسا وولدت قبل مضي خمسة عشر من الطهر]

(2/575)


[فما بعد الولد نفاس ونقصان الطهر قبله لا يقدح في افساده ولا في افساد الحيض الماضي لان تخلل الولادة أعظم من طول المدة ولو اتصلت الولادة بآخر الخمسة وجعلناها حيضا فلا نعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق وكذلك ما يظهر من الدم في حال ظهور مخايل الطلق] ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوار الحيض هل هو حيض أم لا قال في القديم لا بل هو دم فساد وبه قال أبو حنيفة واحمد لقوله صلي الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض) جعل الحيض]

(2/576)


[دليلا على براءة الرحم فلو قلنا الحامل تحيض لبطلت دلالته ولان فم الرحم ينسد بالحمل فيمتنع خروج دم الحيض فان الحيض يخرج من اقصي الرحم: وقال في الجديد هو حيض وبه قال مالك لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض اسود يعرف) اطلق ولم يفصل بين الحامل والحائل ولانه دم في ايام العادة بصفة الحيض وعلي قدره فجاز ان يكون حيضا كدم الحامل والمرضع ولا فرق علي القولين ما تراه قبل حركة الحمل وما تراه بعدها ومنهم من قال القولان فيما بعد حركة الحمل اما من وقت العلوق الي الحركة فهو كحال الحيال فان قلنا انه ليس بحيض فهو حدث دائم كسلس البول وان قلنا أنه حيض حرم فيه الصلاة والصوم والوطئ ويثبت جميع احكام الحيض إلا أنه لا يحرم فيه الطلاق ولا تنقضي به العدة قال الله تعالى (واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ثم هذا القول في الدم من التى ولدت بعد خمسة عشر فصاعدا من وقت]

(2/577)


[انقطاعه أما إذا ولدت قبل تمام خمسة عشر من انقطاعه فهل يكون حيضا فيه وجهان أحدهما لا لانه لم يتخلل بينه وبين النفاس طهر كامل واصحهما أنه حيض أيضا علي هذا القول لانه قد تقدمه طهر كامل ونقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لافيما قبله وههنا لم يؤثر فيما بعده لان ما بعد الولد نفاس بلا خلاف فأولى أن لا يؤثر فيما قبله وعند هذا لا نسلم اشتراط تخلل الطهر الكامل بين الدمين مطلقا وانما يشترط ذلك إذا كان كل واحدها منهما حيضا وههنا احدهما نفاس ولو رأت الحامل الدم علي عادتها وولدت علي الاتصال بآخره ولم يتخلل طهر أصلا ففيه هذا الوجهان ولا خلاف في أن ذلك الدم لا يعد من النفاس لان النفاس لا يسبق الولادة بل هو عند الفقهاء عبارة عن الدم الذى يخرج عقب الولادة ولهذا قطع معظم الاصحاب بأن ما يبدو عند الطلق ليس بنفاس أيضا وقالوا ابتداء النفاس]

(2/578)


[يحسب من وقت انفصال الولد وحكي صاحب الافصاح وجها فيما يبدو عند الطلق أنه نفاس لانه من آثار الولادة ثم علي طريقة المعظم كما لا نجعل ذلك الدم نفاسا لا نجعله حيضا كذلك ذكره القاضى أبو المكارم في العدة ورأيته لابي عبد الله الحناطى أيضا وحكى مع ذلك وجها آخر أنه حيض علي قولنا الحامل تحيض وإذا كان الظاهر في هذه الصورة أنه ليس بحيض أيضا وجب أن يستثني هذا الدم عن صورة القولين في دم الحامل فانها حامل بعد في تلك الحالة واما الدم الخارج مع الولد فهل هو نفاس أم لا فيه وجهان أحدهما نعم وبه قال ابن القاص وأبو إسحق لانه خارج بسبب الولادة فصار كالخارج بعدها وأصحهما لا لما ذكرنا أنه لم يخرج عقيب الولادة وقول الاول يشكل بالبادى عند الطلق فان كلا من الاصحاب استبعد عده من النفاس ثم علي الوجه الثاني ما حكم ذلك]

(2/579)


[الدم حكى صاحب التهذيب فيه وجهين اشهرهما أنه كالخارج قبل الولادة لانها قبل انفصال كل الولد في حكم الحامل الا ترى أنه يجوز للزوج مراجعتها والثاني أنه كالخارج بين الولدين لخروج بعض الحمل فإذا قلنا أنه نفاس وجب به الغسل وإن لم تر بعد الولادة دما وقلنا لا غسل
على ذات الجفاف ويبطل صومها وعلي الوجه الثاني لا يجب الغسل به ولا يبطل صومها إذا لم تر بعد الولادة دما أو كان ما بعد الولادة بعد انقضاء النهار وتحصل من الخلاف المذكور في هذه المسائل وجوه في أن ابتداء مدة النفاس من أي وقت يحتسب أحدها يحسب من وقت الدم البادى عند الطلق الثاني من الدم الخارج مع ظهور الولد والثالث وهو الاظهر من وقت انفصال الولد وحكى إمام الحرمين وجها انها لو ولدت ولم تر الدم أياما ثم ظهر الدم فابتداء مدة النفاس من وقت خروج الدم يحسب لا من وقت الولادة فهذا وجه رابع وموضعه ما إذا كانت الايام المتخللة]

(2/580)


[دون أقل الطهر وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك أن قوله فلو كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين الي آخر المسألة تفريع علي قولنا أن الحامل تحيض ولذلك حسن في التصوير تسمية ما رأته حيضا وإلا فهو على القول الآخر ليس بحيض ثم جريان عادتها بما ذكرناه ليس بشرط بل مهما رأت دما في زمان الامكان وولدت قبل مضى خمسة عشر من وقت انقطاعه فهو صورة المسألة سواء كان ذلك الدم معتادا لها أم لا وليعلم قوله ولا في افساد الحيض بالواو لما سبق وقوله لان تخلل الولادة أعظم من طول المدة أي في التأثير وفصل أحد الدمين عن الآخر ولقوة تأثيرها قامت في العدة مقام المدة الطويلة وقوله في الصورة الاخرى وجعلناها حيضا أي إذا فرعنا علي أن ما تراه الحامل حيض ولك أن تقول لا حاجة الي هذا التقييد في الحكم الذى رتبه عليه لان الذى]

(2/581)


[علي هذء الصورة انا لانعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق والامر كذلك وإن لم نجعل تلك الخمسة حيضا علي ما سبق بيانه وقوله ما يظهر من الدم في حال ظهور مخابل الطلق ينبغى أن يعلم أيضا بالواو للوجه الذى رويناه * قال [فاما الدم بين التوأمين فنفاس علي أصح الوجهين وقيل أنه كدم الحامل فان قلنا أنه نفاس فما بعد الثاني معه نفاسان على وجه ونفاس واحد علي وجه وقيل إن تمادى الاول ستين يوما فنفاسان والا فنفاس واحد] *
في الدم الذى تراه المرأة بين التوأمين وجهان أحدهما أنه ليس بنفاس لانه دم خرج قبل فراغ الرحم فأشبه دم الحامل والثاني ويحكي عن صاحب التلخيص أنه نفاس لانه خرج عقيب خروج]

(2/582)


[نفس وجعل صاحب الكتاب هذا الوجه اصح اقتداء بامام الحرمين لكن الاصح عن الشيخ أبى حامد وأصحابنا العراقيين انما هو الاول وتابعهم عليه صاحب التهذيب فان قلنا ليس بنفاس فقال الاكثرون إنه ينبنى علي دم الحامل ان جعلناه حيضا فهو أولي والا ففيه قولان والفرق أنها إذا وضعت احدى التوأمين كان استرخاء الدم قريبا بخلاف ما قبل الولادة فان فم الرحم منسد حينئذ وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال وقيل انه كدم الحامل وهو الوجه الثاني من قوله على أصح الوجهين وليعلم بالحاء والالف لان عندهما هو نفاس ويحكي مثل ذلك عن مالك وفى كلام بعض الاصحاب ما يقتضى كونه دم فساد وان قلنا الحامل تحيض كالدم الذى يظهر عند الطلق واما إذا فرعنا على انه نفاس فهل يعد الثاني معه نفاس واحد أو نفاسان فيه وجهان اظهرهما نفاسان لانفصال كل واحدة]

(2/583)


[من الولادتين عن الاخرى فعلي وعلي هذا لا يبالى بمجاوزة الدم الستين من الولادة الاولي والثاني هما نفاس واحد لانهما في حكم الولد الواحد ألا ترى ان العدة لا تنقضي بوضع احدهما فعلي هذا إذا زاد الدم علي ستين من الولادة الاولى فهي مستحاضة واختلفوا في موضع الوجهين قال الصيدلاني موضعهما ما إذا كانت المدة المتخللة بين الدمين دون الستين أما لو بلغت الستين فهو نفاس آخر لا محالة وهذا ما أشار إليه بقوله وقيل ان تمادى الاول ستين يوما إلى آخره: وعن الشيخ أبى محمد انه لا فرق وإذا ولدت الثاني بعد الستين وفرعنا علي اتحاد النفاس فما بعده استحاضة ولو سقط عضو من الولد والباقى مجبن ورأت في تلك الحالة دما فهل هو نفاس ذكر في التتمة أنه علي الوجهين في الدم الخارج بين الولدين والله اعلم: هذا إذا لم يجاوز دم النفساء الستين *]

(2/584)


[قال [أما المستحاضات في النفاس فهن أربع الاولى المعتادة فترد الي عادتها من الاربعين مثلا
ثم بحكم بالطهر بعد الاربعين علي قدر عادتها ثم تبتدئ حيضها ولو ولدت مرارا وهى ذات جفاف ثم ولدت واستحيضت فهى كالمبتدأة وعدم النفاس لا يثبت لها عادة كما انها لو حاضت خمسة وطهرت سنة وهكذ مرار ثم استحيضت فلا نقيم الدور سنة بل أقصى ما يرتقى الدور إليه تسعون يوما وهى ما تنقضي به عده الآية فما فوقه لا تؤثر العادة فيه *] إذا جاوز الدم الستين فقد دخلت الاستحاضة في النفاس وطريق التمييز بينهما ما تقدم في الحيض: هذا ظاهر المذهب وعليه يبنى تقسيم حالها إلى المعتادة والمبتدأة كما ذكر في الكتاب وفيه وجهان آخران أحدهما ان جميع الستين نفاس والزائد عليه استحاضة بخلاف ما في الحيض لان]

(2/585)


[الحيض محكوم به ظاهرا لا قطعا فجاز أن ينتقل عنه ألى ظاهر آخر والنفاس مقطوع به إذ الولادة معلومة والنفاس هو الخارج بعد الولادة فلا ينتقل عنه الي غيره الا بيقين وهو مجاوزة الاكثر وعلى هذا يجعل الزائد استحاضة الي تمام طهرها المعتاد أو المردود إليه في المبتدأة ثم ما بعده حيض والوجه الثاني أن الستين نفاس والذى بعده حيض علي الاتصال به لانهما دمان مختلفان فيجوز أن يتعقب كل واحد منهما الآخر وأطبق الجمهور على ضعف هذين الوجهين وقالوا ننظر ان كانت معتادة ذاكرة لعادتها مثل ان كانت تنفس فيما سبق أربعين ثم ولدت مرة وجاوز دمها الستين فترد إلى الاربعين كما ترد في الحيض إلى عادتها ثم لها في الحيض حالتان ذكر أولهما في الكتاب دون الثانية الاولى أن تكون معتادة في الحيض أيضا فنحكم لها بالطهر بعد الاربعين على]

(2/586)


[قدر عادتها في الطهر ثم تحيض قدر عادتها في الحيض والثانية أن تكون مبتدأة في الحيض فنجعل القدر الذى إليه ترد المبتدأة في الطهر استحاضة والذى ترد إليه في الحيض حيضا والخلاف المذكور فيما تثبت به العادة وفى أنه إذا اجتمعت العادة والتمييز أيهما يقدم يجرى ههنا كما في الحيض ولو ولدت المرأة مرارا وهي ذات جفاف ثم ولدت مرة ونفست واستحيضت فلا نقول عدم النفاس عادة لها وانما هي مبتدأة في النفاس كالتى لم تلد أصلا وسنذكر حكم المبتدأة وشبه صاحب الكتاب هذه
المسألة بمسألة في الحيض وهى أن المعتادة في الحيض لو كانت تحيض خمسة وتطهر سنة أو سنتين واستمر بها ذلك ثم انها استحيضت فهل نجعل المدة الطويلة طهرا لها قال القفال لا: إذ يبعد أن لا نحكم بحيضها سنة أو سنتين والحد الفاصل بين ما يكون طهرا بين حيضتين ويثبت عادة وبين مالا يكون كذلك تسعون يوما خمسة عشر فما دونها حيض والباقى طهر لان عدة الآيسة تنقضي بهذا القدر والعدة وجبت لبراءة الرحم والدور الواحد مظنة البراءة بدليل الاستبراء فلو تصور أن]

(2/587)


[يزيد الدور علي هذا القدر لما اكتفى به وهذا هو الذى أورده في الكتاب وعلي هذا لو زاد الطهر المتقدم على الاستحاضة علي القدر المذكور نظر فيما قبل ذلك ان كان لها طهر علي الحد المعتبر جعل طهرها بعد الاستحاضة ذلك القدر والا فحكمها في الطهر حكم المبتدأة ووجه تشبيه مسألة النفاس بهذه المسألة انا لا نجعل عدم الحيض في المدة الطويلة عادة لها فكذلك عدم النفاس لا يصير]

(2/588)


[عادة والذى يوافق اطلاق أكثر الاصحاب الرد الي عادتها في الطهر طالت المدة أو قصرت وقد نص عليه الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويدل عليه ظاهر خبر المعتادة التي استفت لها أم سلمة كما سبق فانه مطلق فوجب اعلام قوله فلا نقيم الدور سنة بالواو لهذا المعنى * قال [الثانية المبتدأة إذا استحيضت ترد الي لحظة علي قول والي أربعين علي قول: الثالثة]

(2/589)


[المميزة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز الا أن الستين ههنا بمثابة خمسة عشر ثم لا ينبغى أن يزيد الدم القوى عليه] * إذا استحيضت في النفاس وهى مبتدأة فننظر هل هي مميزة بشرط التمييز ام لا فان لم تكن ففيها قولان أصحهما الرد الي الاقل وهو لحظة والثانى الرد الي الغالب وهو أربعون يوما وفى المسألة]

(2/590)


[طريقة أخرى عن ابن سريج وأبي اسحق وهى الجزم بالرد الي الاقل والمشهور اثبات القولين
كما في الحيض وهو الذى ذكره في الكتاب وحكي في العدة قولا ثالثا وهو الرد الي أكثر النفاس ونقله قولان عن الشافعي غريب نعم هو مشهور بالمزنى وينبغي أن يعلم قوله إلى لحظة والي الاربعين كلاهما بالزاى لذلك ثم منهم من خصص ذهابه إليه بالمبتدأة ومنهم من طرد في المعتادة أيضا وحينئذ يكون مذهبه مثل الوجه الاول من الوجهين اللذين حكيناهما في المعتادة علي خلاف]

(2/591)


[ظاهر المذهب ثم ننظر في حال هذه النفساء ان كانت معتادة في الحيض حيث تعد مرد النفاس قدر طهرها استحاضة ثم تبتدئ الحيض على عادتها وان كانت مبتدأة في الحيض أيضا أقمنا لها الهطر والحيض كما يقتضيه حال المبتدأة وأما إذا كانت مميزة بشرط التمييز فترد الي التمييز كما في الحيض وقوله في الكتاب فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز غير مجرى على اطلاقه لانا نعتبر]

(2/592)


[في الحيض ثلاثة أمور أن لا ينقص القوى عن يوم وليلة وأن لا يزيد علي خمسة عشر وأن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر والذى يعتبر من ذلك ههنا أن لا يزيد القوى على أكثر النفاس وهو ستون يوما وهى بمثابة الخمسة عشر في الحيض أما في طرف القلة فلا ضبط وكذلك لا يعتبر للضعيف حد معين *]

(2/593)


[قال [الرابعة المتحيرة إذا نسيت عادتها في النفاس ففي قول ترد إلى الاحتياط وعلى قول الي المبتدأة والرد ههنا الي المبتدأة اولى لان أول وقتها معلوم بالولادة] * في الناسية لعادة نفاسها قولان كما في الناسية لعادة الحيض فعلي قول ترد الي ما ترد إليه المبتدأة وعلي قول تؤمر بالاحتياط وعلي هذا فلو كانت مبتدأة في الحيض وجب الاحتياط أبدا لان أول]

(2/594)


[حيضها لا يعلم وقد بينا ان المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء الدم كانت كالمتحيرة وان كانت معتادة في الحيض ناسية لعادتها فكذلك تستمر علي الاحتياط وان كانت ذاكرة لعادة الحيض فهذه
يلتبس عليها الدور لالتباس منفرض النفاس وهى بمثابة ناسية لوقت الحيض عارفة بقدره]

(2/595)


[وقد سبق القول فيها وقوله والرد ههنا الي المبتدأة أولى لا يقتضي ترجيح هذا القول علي قول الاحتياط بل المراد ان هذا القول اظهر منه في الحيض لان وقت النفاس معلوم بالولادة وتعيين اول الهلال للحيض تحكم على ان امام الحرمين رجح قول الرد إلى المبتدأة ههنا علي قول الاحتياط فيجوز ان يكون ما ذكره في الكتاب جريا علي موافقته وقوله المتحيرة إذا نسيت عادتها في اللفظ]

(2/596)


زيادة مستنغي عنها لانها لا تكون متحيرة الا إذا نسيت عادتها وقد تجعل المتحيرة مع الناسية اسمين مترادفين كما سبق فلو اقتصر علي قوله المتحيرة في النفاس لما ضر * قال [فرع إذا انقطع الدم علي النفساء عاد الخلاف في التلفيق ولو طهرت خمسة عشر يوما ثم عاد الدم فالعائد نفاس علي وجه لوقوعه في الستين وهو حيض (ح) علي وجه لتقدم طهر]

(2/597)


كامل عليه فان قلنا انه نفاس فعلي قول السحب مدة النقاء ايضا نفاس وقيل تستثني هذه الصورة ايضا علي قول السحب إذ يبعد تقدير مدة كاملة في الطهر حيضا وعليه يخرج اما إذا ولدت ولم تر الدم إلى خمسة عشر في ان الدم الواقع في الستين هل هو نفاس ام لا والله اعلم] *

(2/598)


[ما ذكرناه من أول الباب الي هذا الموضع فيما إذا كان الدم مستمرا لا ينقطع اما إذا انقطع دم النفساء فله حالتان أحداهما ان لا يجاوز الستين فننظر ان لم تبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر كما لو رأت يوما دما ويوما نقاء فأزمنة الدم نفاس لامحاله وفى أزمنة النقاء القولان المذكوران في الحيض وان بلغ اقل الطهر كما لو رأت الدم اياما عقيب الولادة وطهرت خمسة عشر يوما فصاعدا ثم عاد الدم فالعائد حيض ام نفاس فيه]

(2/599)


[وجهان اصحبهما انه حيض لانه نقاء قبله دمان تخللهما طهر صحيح فلا يضر أحدهما إلى الآخر كدمي
الحيض ولانا لو جعلناه نفاسا لجعلنا الطهر الصحيح نفاسا ايضا تفريعا علي الصحيح وهو قول السحب ولا ضرورة بنا الي ذلك والثانى انه نفاس لوقوعه في زمان امكان النفاس كما لو كان المتخلل دون اقل الطهر وعلي هذا الخلاف يخرج ما إذا ولدت ولم تر الدم خمسة عشر فصاعدا ثم رأت الدم هل هو]

(2/600)


[حيض أو نفاس التفريع ان قلنا العائد حيض فلا نفاس لها في هذه الصورة الاخيرة اصلا ولو نقص العائد عن اقل الحيض ففيه وجهان اظهرهما انه دم فساد لان الطهر الكامل قطع حكم النفاس والثانى أنه نفاس لانه تعذر جعله حيضا وامكن جعله نفاس فيصار إليه وان جاوز العائد اكثر الحيض فهي مستحاضة فننظر اهى معتادة ام مبتدأة ونحكم بما يقتضيه الحال وان قلنا العائد نفاس فمدة النقاء على قولي التلفيق ان قلنا بالسحب فهو نفاس وان قلنا باللقط فهو طهر كما لو كانت المدة دون أقل الطهر هذا أشهر الطريقين ومنهم من قال هو طهر علي القولين وتستثنى هذه الصورة علي قول السحب إذ يبعد ان تجعل المدة الكاملة في الطهر نفاسا ولا نعطى لها حكم الطهر بخلاف ما إذا كانت المدة ناقصة فانها لا تصلح طهرا وحدها فيستعقبها الدم (الحالة الثانية) ايجاوز الستين فننظر ان بلغ زمان النقاء في الستين اقل الطهر ثم جاوز العائد]

(2/601)


[فالعائد حيض ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الحالة الاولي وبهذا تبين أن صاحب الكتاب اراد بكلامه المطلق الحالة الاولي وان لم يبلغ زمان النقاء اقل الطهر فننظر ان كانت مبتدأة مميزة ردت إلى التمييز وان لم تكن مميزة فعلي القولين السابقين في المبتدأة وان كانت معتادة ردت الي عادتها وفي الاحوال تراعي قضية قول التلفيق ان سحبنا فالدم في ايام المرد والنقاء بينهما نفاس وان لفقنا فنلفق في ايام الرد أو من جميع الستين فيه الخلاف المذكور في الحيض والله اعلم ولك أن تعلم قوله في الكتاب وهو حيض علي وجه بالحاء لان عند ابى حنيفة العائد نفاس]

(2/602)


[وان تعلم قوله فالعائد نفاس بالالف وقوله ايضا قبله وعاد الخلاف في التلفيق بالالف لان عند احمد الدم العائد مشكوك فيه تصوم وتصلي فيه وتقضى الصوم ولا يأتيها الزوج لانه يحتمل ان يكون نفاسا ويحتمل انه دم فساد ولا فرق عنده بين ان يبلغ مدة النقاء اقل الطهر وبين ان لا يبلغه والله اعلم *

(2/603)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 3
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 3

(3/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثالث دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم

(3/1)