فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال (كتاب الصلاة) (وفيه سبعة ابواب الباب الاول في المواقيت وفيه ثلاثة فصول) (الاول) في وقت الرفاهية: أما الظهر فيدخل وقته بالزوال وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل لكل شخص في جانب المشرق ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشخص (م زح) مثله من موضع الزيادة

(3/2)


الكلام في الصلاة حواه في سبعة أبواب أو لها في المواقيت وصدر الشافعي كتاب الصلاة بهذا الباب لان أهم الصلوات الوظائف الخمس وأهم ما يعرف منها مواقيتها لانها بدخول الوقت تجب وبخروجه تفوت وفي الباب ثلاثة فصول أولها في وقت الرفاهية والثانى في وقت العذر وفي كلام الشافعي رضى الله عنه أن الوقت وقتان وقت مقام ورفاهية ووقت عذر وضرورة قال الشارحون المقام الاقامة والرفاهية الفسحة والدعة يقال فلان رافه إذا كان حاضرا غير ظاعن وفلان في رفاهية من عيشه أي خفض ودعة واتفقوا علي ان الغرض بهما في كلامه شئ واحد وهو وقت المترفه الذى ليس به عذر ولا ضرورة وهو الوقت الاصلي للصلوات واختلفوا في العذر والضرورة فمنهم من قال وقت العذر غير وقت

(3/3)


الضرورة فالعذر ما يرخص في التقديم والتأخير من غير إلجاء إليه وهو السفر والمطر والضرورة ما تدفع وتلجي إليه وذلك في الصبي يبلغ والمجنون يفيق والكافر يسلم والحائص النفساء ينقطع
دمهما وعلى هذا قالوا الاوقات ثلاثة لكن الشافعي رضى الله عنه جعلهما على قسمين وجعل وقتا في حيز ووقتين في حيز لما بينهما من التناسب ومنهم من قال العذر والضرورة واحد وأراد به وقت الصبى يبلغ ومن في معناه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن صاحب الكتاب جعل الفصل الاول في وقت الرفاهية والثانى في وقت الضرورة وسماها وقت العذر كانه وافق الفرقة الصائرة الي أن

(3/4)


المراد بالعذر والضرورة واحدا فأما الفصل الاول فالاصل فيه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال (أمنى جبريل عند باب البيت مرتين فصلي بي الظهر حين زالت الشمس) وروى حين كان الفي مثل الشراك (وصلي بين العصر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلي بى العشاء حين غاب الشفق وصلي بي الفجر حين حرم

(3/5)


الطعام والشراب علي الصائم فلما كان الغد صلي به الظهر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بى العصر حين صار ظل كل شى مثليه وصلي بي المغرب للغدر الاول لم يؤخرها وصلي بي العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى بى الفجر حين اسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الانبياء من قبلك

(3/6)


والوقت فيما بين هذين الوقتين) ويروى مثل ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما وأبي هريرة وأبي موسى وجابر وأنس وغيرهم رضي الله عنهم ولهذا الحديث بدأ الائمة بصلاة الظهر ووقتها يدخل بالزوال وبيانه ان الشمس إذا طلعت وقع ظل كل شاخص في جانب المغرب طويلا ثم مادامت الشمس ترتفع فالظل ينقض حتي إذا بلغت كبد السماء وهى حالة الاستواء انتهي نقصانه وقد لا يبقى له ظل أصلا وذلك في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطوال أيام السنة وإذا بقي فهو مختلف المقدار باختلاف البلاد والفصول ثم إذا مالت الشمس إلى جانب المغرب فان لم يبق ظل عند الاستواء حدث الان في جانب المشرق وان بقى شئ زاد الان وتحول الي المشرق فحدوثه أو زيادته هو الزوال ثم إذا صار ظل الشخاص مثله من اصل الشاخص ان لم يبق شئ من الظل عند الاستواء أو من نهاية القدر الباقي في

(3/7)


حالة الاستواء أن بقى شئ فقد خرج وقت الظهر وقوله في الكتاب وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل يريد به أغلب الاحوال وهو بقاء الظل في حالة الاستواء وان قل فأما إذا لم يبق شئ عند الاستواء فالزوال بظهور الظل ولا معنى للزيادة لكنه نادر لا يكون الا في يوم واحد من السنة في بعض البلدان وقوله ويتامدى وقت الاختيار الي أن يصير ظل الشخص مثله من موضع الزيادة جار على الغالب أيضا كما بيناه فإذا كان الشاخص ذراعين مثلا والباقى من ظله عند الاستواء ربع ذراع فانما يخرج الوقت إذا صار الظل ذراعين وربع ذراع وأراد بوقت الاختيار ما اشتمل عليه بيان جبريل عليه السلام بعد وقت الفضيلة الا تراه يقول في وقت العصر ووقت الفضيلة في الاول وبعده وقت الاختيار وفسر بعضهم وقت الاختيار بما يشتمل عليه بيان جبريل من غير التقييد

(3/8)


بكونه بعد وقت الفضيلة وعلي هذا فوقت الاختيار ينقسم إلى وقت الفضيلة والي ما بعده وليكن قوله الي ان يصير ظل الشيخ مثله معلما بالحاء لان عند ابي حنيفة يبقى وقت الظهر الي ان يصير

(3/9)


ظل الشئ مثليه ثم يدخل وقت العصر وبالميم أيضا لان عند مالك يبقي وقت الظهر الي أن يصير ظل الشئ مثليه ولكن إذا صار ظل الشئ مثليه دخل وقت العصر ومن مصير الظل مثل الي

(3/10)


مصيره مثليه وقت لكل واحدة من الصلاتين هكذا روى مذهبه طائفة من أصحابنا وروى آخرون أنه قال يدخل وقت العصر بمصير الظل مثله ولا يخرج وقت الظهر حتي يمضي قدر اربع ركعات

(3/11)


وهذا القدر هو المشترك بين الصلاتين ويروى هذا عن المزني أيضا فلنضف الزاى الي الحاء والميم قال (وبه يدخل وقت العصر (ح ز) ويتمادى (م) إلى غروب المشس: ووقت الفضيلة

(3/12)


في الاول وما بعده: ووقت الاختيار إلى مصير الظل مثليه: وبعده وقت الجواز الي االاصفرار ووقت الكراهية عند الاصفرار)

(3/13)


إذا صار ظل الشئ مثله فقد دخل وقت العصر لما روينا من حديث ابن عباس وقد يوهم الخبر اشتراكا بين الظهر والعصر في قدر من الوقت كما حكيناه عن مالك لانه قال صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله وصلى العصر في اليوم الاول حين صار ظل الشئ مثله واوله الشافعي علي أنه ابتدأ العصر في اليوم الاول حين صار ظل الشئ مثله وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشئ مثله ودليل التأويل ما روى

(3/14)


عن ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر) ثم يمتد وقت

(3/15)


العصر إلى غروب الشمس لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك

(3/16)


العصر) وفيه وجه آخر واليه ذهب أبو سعيد الاصطخرى أنه لا يمتد إلى غروب الشمس بل آخر وقت العصر إذا صار ظل الشئ مثليه لانه لو زاد عليه لبينه جبريل عليه السلام وعلى ظاهر المذهب وقت الاختيار الي مصير الظل مثليه وبعده وقت الجواز بلا كراهية إلى اصفرار الشمس ومن اصفرار

(3/17)


الشمس الي الغروب وقت الكراهية ومعناه أنه يكره تأخيرها إليه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا) واما ما يتعلق بالفاظ الكتاب فقوله وبه يدخل وقت العصر ينبغي

(3/18)


أن يعلم بالحاء لما قدمناه وقوله ويمتد الي غروب الشمس بالواو للوجه المنسوب الي الاصطخرى فان قلت
قال الشافعي في المختصر (ثم لا يزال وقت الظهر قائما حتى يصير ظل كل شئ مثله فإذا جاوز ذلك باقل زيادة فقد دخل وقت العصر) ظاهر هذا يقتضي اعتبار زيادة علي مصير الظل مثله ليدخل وقت العصر وذلك ينافى قوله وبه يدخل وقت العصر ظاهر وهل في ذلك اختلاف قول أو وجه أم كيف الحال فالجواب انه لا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا وكلام الشافعي محمول على أن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف الا بزيادة الظل علي المثل والا فتلك الزيادة من وقت العصر وقوله ووقت الفضيلة في الاول لا يختص به العصر بل وقت فضيلة جميع الصلوات أول اوقاتها علي ما سيأتي لكن اجتماع الاوقات الاربعة الفضيلة والاختيار والجواز والكراهية من خاصية العصر والصبح وما عداهما إما ذات وقتين الفضيلة والاختيار كالظهر واما ذات ثلاث اوقات الفضيلة والاختيار والجواز كالعشاء والعصر أول الصلاتين المخصوصتين بالاوقات الاربعة

(3/19)


في الترتيب المذكور فهذا هو الداعي إلى تقسين وقت العصر الي الفضيلة وغيرها قال (وقلت المغرب يدخل بغروب الشمس ويمتد (م) إلى غروب الشفق في قول وعلي قول إذا مضى بعد الغروب وقت وضوء وأذان واقامة وقدر خمس (و) ركعات فقد انتقضي (ح) الوقت لان جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد وعلي هذا فلو شرع في الصلاة فمد آخر الصلاة إلى وقت غروب الشفق ففيه وجهان) * لا خلاف في أن وقت المغرب يدخل بغروب الشمس والاعتبار بسقوط قرصها وهو

(3/20)


ظاهر في الصحارى واما العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى من شعاعها شئ علي أطراف الجدران وقلل الجبال ويقبل الظلام من المشرق روي أنه صلي الله عليه وسلم قال (إذا أقبل الظلام من هاهنا) واشار إلى المشرق (وادبر النهار إلى من ههنا) واشار إلى المغرب (فقد افطر الصائم) والى متي يمتد وقت المغرب فيه قولان القديم أنه يدوم وقتها إلى غيبوبة الشفق لما روى

(3/21)


عن بريدة أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال (صل معنا هذين) يعني اليومين إلى أن قال (وصلي بى المغرب في اليومين الثاني قبل أن يغيب الشفق) وروى في الصحيح أن

(3/22)


النبي صلي الله عليه وسلم قال (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) ويعبر عن هذا القول بان للمغرب وقتين كسائر الصلوات وفي الجديد إذا مضى قدر وضوء وستر عورة واذان واقامة وخمس ركعات فقد انقضى الوقت لان جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد ولو كان لها وفتان لبين كما في سائر الصلوات ثم معلوم أن ما لابد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيحتمل التأخير بعد الغروب قدر ما يشتغل بها والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل ويحتمل أيضا اكل

(3/23)


لقم يكسر بها سورة الجوع وفي وجه ما يمكن تقديمه علي الوقت كالطهارة وستر العورة يحط عن الاعتبار وفي وجه لا يعتبر خمس ركعات وانما يعتبر ثلاث ركعات ويعبر عن هذا القول بان للمغرب وقتا واحدا يعتبر تقديره بالفعل وعلي هذا القول لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل يجوز

(3/24)


أن يستديم صلاته الي أن ينقضى هذا الوقت ان قلنا أن الصلاة التى وقع بضعها في الوقت وبعضها بعد الوقت اداء وانه يجوز تأخيرها الي أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك لا محالة وان قلنا لا يجوز

(3/25)


ذلك في الصائر الصلوات ففى المغرب وجهان أحدهما المنع كسائر الصلوات وأصحهما أن يجوز مدها الي غروب الشفق لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قرأ سورة الاعراف في المغرب) فظاهر المذهب القول الجديد واختار طائفة من الاصحاب القول الاول ورجحوه وعندهم أن المسألة مما يفتى فيها على

(3/26)


القديم وإذا عرفت ذلك فعد الي الفاظ الكتاب وعلم قوله ويمتد إلى غروب الشفق بالميم لان مذهب مالك مثل القول الجديد في أظهر الروايتين وقوله فقد انقضى الوقت بالحاء والالف لان مذهبهما مثل
القول القديم ولفظ الوضوء بالواو وكذا قوله وقدر خمس ركعات لما حكينا من الوجهين وادعى القاضي الروياني أن المذهب اعتبار الثلاث دون الخمس وقوله وعلي هذا فلو مد آخر الصلاة الي غروب الشفق فوجهان فيه اشارة إلى أن الوجهين مبنيان علي قولنا ان في سائر الصلوات لا يجوز الاتيان بها بحيث يقع بعضها بعد الوقت لا ما إذا جوزنا ذلك فلا اختصاص للامتداد بغروب الشفق مهما كان الشروع في الوقت المضبوط * قال (ووقت العشاء يدخل بغيبوبة الشفق وهو الحمرة (ح) التى تلى الشمس دون البياض والصفرة ثم يمتد وقت الاختيار الي ثلث الليل على قول وإلى النصف علي قول ووقت الجواز الي طلوع الفجر (و)) * إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء لما روينا من خبر جبريل عليه السلام والشفق هو الحمرة وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة والمزني حيث قالا هو البياض الذى يعقب الحمرة ويروى عن احمد أن الاعتبار في الصحراء بالحمرة وفي البنيان بالبياض لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله

(3/27)


عنهما عن النبي صلى أنه قال (الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) والي متى يمتد وقت الاختيار فيه قولان أصحهما الي ثلث الليل لبيان جبريل عليه السلام والثانى الي نصف

(3/28)


الليل وبه قال أبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق علي أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ولاخرت العشاء الي نصف الليل) وعن أحمد روايتان كالقولين ثم يستمر وقت الجواز الي طلوع الفجر الثاني وفيه وجه آخر انه إذا ذهب وقت الاختيار علي اختلاف القولين فقد ذهب وقت الجواز أيضا أما علي قول الثلث فلحديث جبريل عليه السلام حيث قال (الوقت ما بين هذين

(3/29)


الوقتين وأما على قول النصف فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل) والي هذا الوجه ذهب الاصطخرى وكذلك أبو بكر الفارسي فيما حكي المعلق

(3/30)


عن الشيخ أبي محمد والمذهب الاول واحتجوا له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح فليوتر بركعة) وبما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس التفريط في النوم وانما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) ظاهره يقتضي امتداد وقت وانما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الاخرى ولا يخفى عليك مما ذكرناه المواضع المستحقة للعلامات من ألفاظ الكتاب وان قوله ووقت الجواز إلى طلوع الفجر المراد منه الفجر الثاني وقوله في تفسير الشفق دون البياض والصفرة لا كلام في أن البياض خارج عن تفسير الشفق عندنا وانه لا يعتبر غروبه وأما الصفرة فقد ذكر امام الحرمين في النهاية أن أول وقت العشاء يدخل بزوال الحمرة والصفرة والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ترق إلى تنقلب صفرة ثم يبقى بياض قال وبين غيبوبة

(3/31)


الشمس الي زوال الصفرة ما بين الصادق الي طلوع قرن الشمس وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض يقرب مما بين الصبح الصادق والكاذب ونقل صاحب الكتاب في البسيط هذا الكتاب لكن الذى يوافق اطلاق المعظم ما ذكرناه في هذا الموضع وهو الاكتفاء بغيبوبة الحمرة ولفظ الشافعي رضي الله عنه دال عليه ألا تراه يقول في المختصر وإذا غاب الشفق وهو الحمرة فهو أول وقت العشاء ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلدان إليهم ذكره القاضى حسين في فتاويه

(3/32)


قال (ووقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الصادق المستطير ضوءه لا بالفجر الكاذب الذى يبدو مستطيلا كذنب السرحان ثم ينمحق أثره ثم يتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار ووقت الجواز الي الطلوع) *
يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق ولا عبرة بالفجر الكاذب والصادق هو المستطير الذى لا يزال ضوء يزداد ويعترض في الافق سمى سمتطيرا لانتشاره قال الله تعالي (كان شره مستطيرا) والكاذب يبدون مستطيلا ذاهبا في السماء ثم يمنحق وتصير الدنيا أظلم مما كانت والعرب تشبهه بذنب السرحان لمعنيين أحدهما طوله والثانى أن الضوء يكون في الاعلى دون الاسفل

(3/33)


كما أن الشعر يكثر علي أعلى ذنب الذئب دون أسفله روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يغرنكم الفجر المستطيل فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير) ويتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار لحديث جبريل عليه السلام وهل يزيد الوقت عليه قال أبو سعيد الاصطخرى لا والمذهب انه يبقي وقت الجواز الي طلوع الشمس لقوله صلي الله عليه وسلم (ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) ثم من الاسفار الي طلوع الحمرة جواز بلا كراهية ووقت طلوع الحمرة وقت الكراهية فيكره تأخير الصلاة إليها من غير عذر ذكره الشيخ أبو محمد وكذلك أورده في التهذيب فيحصل للصبح أربعة أوقات كما للعصر وقوله ووقت الجواز إلى الطلوع ان كان المراد منه ما تشترك فيه حالة الكراهية وحالة عدمها فلا مخالفة بينه وبين ما حكيناه ولكنه خص

(3/34)


اسم الجواز بما لا كراهة معه في فصل العصر الا تراه يقول وبعده وقت الجواز الي الاصفرار ووقت الكراهية عند الاصفرار فيشبه أن يريد بالجواز ههنا مثل ذلك أيضا وحينئذ يكون ما ذكره مخالفا لما حكيناه والله أعلم * قال (ثم يقدم (وح) أذان هذه الصلاة علي الوقت في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف بنصف سبع وقيل يدخل وقت أذانها بخروج وقت اختيار العشاء ثم ليكن للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والاخر بعده)

(3/35)


صلاة الصبح تختص في حكم الاذان بأمور ذكر منها ههنا شيئين احدهما أنه
يجوز تقديم أذانها علي دخول الوقت خلافا لابي حنيفة لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله

(3/36)


عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم) والمعني فيه ايقاظ النوام فان الوقت وقت النوم والغفلة ليتأهبوا للصلاة وقال الشيخ يحيى اليميني في البيان ذكر بعض أصحابنا انه إذا جرت عادة أهل بلد بالاذان بعد طلوع الفجر

(3/37)


لم يقدم فيها الاذان علي الوقت كيلا يشتبه عليهم الامر وهذا التفصيل غريب وليكن قوله ثم يقدم معلما بالواو مع الحاء لذلك ثم في القدر الذى يجوز به التقديم وجوه ذكر منها في الكتاب وجهين احدهما انه يقدم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفى الصيف لنصف سبع بقى من الليل روى عن سعد القرظي

(3/38)


قال (كان الاذان على عهد رسول لله صلي الله عليه وسلم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع) وهذا القدر لا يعتبر تحديدا وانما يعتبر تقريبا والغرض ان يتأهب الغافلون لاسباب الصلاة وفي التنبيه قريبا من السحر ما يحصل هذا المقصود والثانى أنه إذا خرج وقت اختيار العشاء إما الثلث وإما النصف علي اختلاف القولين فقد دخل وقت أذان الصبح لانه لا يخاف اشتباه احد الاذانين بالاخر فان الظاهر ان العشاء لا تؤخر عن وقت الاختيار والوجه الثالث أن وقته النصف الاخير من الليل ولا يجوز قبل ذلك وان قلنا ان وقت اختيار العشاء لا يجاوز ثلث الليل وشبه ذلك بالدفع

(3/39)


من المزدلفة والمعني فيه ذهاب معظم الليل والرابع حكاه القاضي ابو القاسم بن كج وآخرون أن جميع الليل وقت له كما انه وقت لنية صوم الغد * واحتج له باطلاق قوله صلي الله عليه وسلم (أن بلا لا يؤذن بليل) وأظهر الوجوه انما هو الاول ولم يفصل في التهذيب بين الصيف والشتاء واعتبر السبع علي الاطلاق تقريبا وكل هذا في الاذان أما الاقامة فلا تقدم علي الوقت بلا خلاف وهذا الفصل ليس من أحكام الاذان الا أن الشافعي رضى الله عنه ذكره في هذا الموضع لتعلقه بالمواقيت وتأسى به الاصحاب (الثاني)
يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والاخر بعده كما كان لمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم والاول أولي بالاقامة وان لم يكن الا مؤذن واحد فيؤذن مرتين مرة قبل الصبح وأخرى بعده ويجوز أن يقتصر على مرة واحدة اما قبل الصبح أو بعده أو بعض الكايات قبل الصبح وبعضها بعده فإذا اقتصر علي مرة فالاولي أن تكون بعد الصبح علي المعهود في سائر الصلوات * قال (قاعدة: تجب الصلاة بأول (ح) الوقت وجوبا موسعا (ح) فلو مات في وسط الوقت قبل الاداء عصى على أحد الوجهين ولو أخر حتى خرج بعض الصلاة عن الوقت ففى كونه أداء ثلاثة أوجه وفي الثالث يجعل القدر الخارج قضاء (ح)

(3/40)


الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ومعنى كونه موسعا أنه له أن يؤخرها الي آخر الوقت ولا يأثم: وعند أبى حنيفة تجب بآخر الوقت لكن لو صلي في أول الوقت سقطا لفرض * لنا قوله تعالي (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والامر للوجوب ولو أخر من غير عذر ومات في أثناء الوقت فهل يعصي فيه وجهان أحدهما نعم لانه ترك الواجب وأصحهما لا لانه أبيح له التأخير بخلاف ما لو أخر الحج بعد الوجوب فمات بعد امكان الاداء يعصي لان آخر الوقت غير معلوم وأبيح له التأخير بشرط أن يبادر الموت فإذا مات قبل الفعل أشعر الحال بتقصيره وتوانيه وفي الصلاة آخر الوقت معلوم فلا ينسب الي التقصير ما لم يؤخر عن الوقت ولو وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها بعد خروج الوقت فقد حكى صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه ولم يفرق بين أن يكون الواقع في الوقت ركعة أو دونها (أحدها) أن الكل أداء اعتبارا بأول الصلاة (والثاني) أن الكل قضاء اعتبارا بالاخر فانه وقت سقوط الفرض بما فعل (والثالث) أن الواقع في الوقت أداء وفي الخارج قضاء كما انه لو وقع الكل في الوقت كان أداء وإذا وقع خارجه كان قضاء والذى ذكره معظم لاصحاب الفرق بين ان يكون الواقع في الوقت ركعة فصاعدا أو دونها واقتصروا على وجهين أصحهما انه ان وقع في الوقت ركعة فالكل أداء والا فالكل قضاء وبه قال ابن خيران لقوله صلي الله عليه وسلم

(3/41)


(من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) وأيضا فان للركعة من التأثير ما ليس لغيرها الا يرى انه تدرك الجمعه بركعة ولا تدرك بما دونها والوجه الثاني ان ما وقع في الوفت اداء والخارج عنه قضاء وأورد امام الحرمين الاوجه الثلاثة المذكورة في الكتاب ولكن بعد الفرض في الركعة ثم قال ان الائمة ذكروا الركعة فيما يقع في الوقت وكان شيخي يرد ذلك الي تفصيل المذهب فيما يدرك به أصحاب الضرورات الفرض قال والذى ذكره غير بعيد وإذا عرفت ذلك فان كان صاحب الكتاب أراد بالبعض الذي أطلقه الركعة فذلك والا فهو جرى علي المنقول

(3/42)


عن الشيخ أبى محمد * ثم فيما يدرك به أصحاب الضزوزة الفرض قولان أحدهما ركعة والثانى تكبيرة فرض الخلاف في مطلق البعض تكون جوتبا علي هذا القول الثاني وليكن قوله يجعل القدر الخارج قضاء معلما بالالف لان القاضي الرويانى روى ان عند احمد إذا وقعت ركعة من الصلاة في الوقت فالكل أداء كما هو الصحيح عندنا ولا بأس باعلامه بالحاء لان عند أبى حنيفة لو طلعت الشمس في خلال صلاة الصبح بطلت ولا يعتد بها لا قضاء ولا أداء وسلم انه لو غربت الشمس في خلال الصلاة من

(3/43)


عصر يومه لا تبطل الصلاة لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن بطلع الشمس فليتم صلاته) ومتى قلنا الخارج عن الوقت قضاء أو قلنا الكل قضاء لم يجز للمسافر قصر تلك الصلاة علي قولنا إن القصر لا مدخل له في القضاء وهل يجوز بأخير الصلاة الي حد يخرج بعضه عن الوقت ان قلنا انها مقضنة أو ان بعضها مقضى فلا وان قلنا مؤداة فقد حكي امام الحرمين عن أبيه تريد الجواب في لا لك ومال الي انه لا يجوز وهذا هو الذى أروده في التهذيب من غير ترديد وبناء على خلاف ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسمع الجميع لكن مدها بطول القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم ولا يكره أيضا في أظهر الوجهين

(3/44)


قال (ثم تعجيل الصلاة أفضل (ح) عندنا وفضيلة الاولية بأن تشتغل بأسباب الصلاة كما دخل الوقت وقليل تتمادى الفضيلة إلى نصف وقت الاختيار ويستحب تأخير العشاء علي أحد القولين ويستحت الابراد بالظهر في شدة الحر إلى وقوع الظل الذى يمشى فيه الساعي الي الجماعة وفى الابراد بالجمعة وجهان اشدة الخطر في فواتها)

(3/45)


روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله قال الشافعي رضى الله انما يكون للمحسنين والعفو يشبه

(3/46)


أن يكون للمقصرين وروى ان النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال (أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها) (وبم تحصل فضيلة الاولية حكى الامام فيه ثلاثة أوجه أقربها عنده وهو الذى ذكره صاحب التقريب انها تحصل بأن يشتغل باسباب الصلاة كالطهارة كما دخل الوقت فانه لا يعد حينئذ متوانيا ولا مؤخرا والثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت لان معظم الوقت باق ما لم يمض النصف فيكون موقعا للصلاة في حد الاول والى هذا مال الشيخ أو محمد واعتبر نصف وقت الاختيار

(3/49)


والثالث لا تحصل الفضيلة الا إذا قدم ما يمكن تقديمه من الاسباب لينطبق الوقت علي أول دخول الوقت وعلي هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة الاولية وعلي الاول لا يشترط تقديم ستر العورة كالطهارة وعن الشيخ أبي محمد اشتراطه لان ستر العورة لا تختص بالصلاة والشغل الخفيف كاكل لقم وكلام قصير لا يمنع ادراك الفضيلة ولا يكلف العجلة علي خلاف العادة) ولنتكلم في الصلاة واحدة واحدة أما الظهر فيستحب فيها التعجيل الا إذا اشتد الحر وظاهر المذهب أنه

(3/50)


يستحب الابراد به لقوله صلي الله عليه وسلم (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر
من فيح جهنم) ومن الاصحاب من قال الابراد رخصة فلو تحمل القوم المشقة وصلوا في أول الوقت فهو افضل والاول المذهب ثم الابراد المحبوب أن يؤخر اقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذى يأتيه الناس من بعد بقدر ما يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة فلا ينبغى أن

(3/51)


يؤخر عن النصف الاول من الوقت ولو كانت منازل القوم قريبة من المسجد أو حضر جمع في موضع ولا يأتيهم غيرهم فلا يبردون بالظهر وفيه قول آخر أنهم يبردون بها ولو امكنهم المشى إلى المسجد في كن أو في ظل أو كان يصلى منفردا في بيته فلا ابراد ايضا وفي وجه يستحب الابراد فمن قال بالابراد في هذه الصور احتج باطلاق الخبر ومن منع قال المعنى المقتضى للابراد دفع المشقة والتأذى بسبب الحر وليس في هذه الصور كبير مشقة وهذا هو الاظهر وهل يختص الاستحباب

(3/52)


بالبلاد الحارة أم لا: فيه وجهان منهم من قال لا وبه قال الشيخ أبو محمد لان التأذى في اشراق الشمس حاصل في البلاد المعتدلة أيضا وهذا بخلاف النهي عن استعمال المشمس يختص بالبلاد الحارة علي الظاهر لان المحذور الظنى لا يتوقع مما يشمس في البلاد المعتدلة ومنهم من قال باختصاصه بالبلاد الحارة وبه قال الشيخ أبو علي لان الامر هين في غيرها وهذا اظهر وحكاه القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه وهل يلحق صلاة الجمعة بالظهر في الابراد: فيه وجهان احدهما

(3/53)


نعم كالظهر في سائر الايام والثاني لا لشدة الخطر في فواتها فانها إذا أخرت ربما تكاسلوا فيها وإذا حضروا فلابد من تقديم الخطبة ولان الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر وهذا أظهر وأما العصر والمغرب فالافضل تعجيلهما في جميع الاحوال وأما العشاء ففيها قولان أظهرهما ان تعجيلها أفضل كسائر الصلوات لعموم الاخبار والثانى أن تأخيرها أفضل ما لم يجاوز وقت الاختيار لقوله

(3/54)


صلي الله عليه وسلم (لولا أن اشق على امتى لامرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه) واما
الصبح فيستحب فيها التعجيل أيضا مطلقا لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت) كان النساء ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس) وينبغي ان يعرف مما يتعلق بنظم الكتاب اثنين أحدهما أن كلمة عندنا في قوله ثم

(3/55)


تعجيل الصلاة أفضل عندنا علي خلاف عادة الكتاب ثم ليس فيه كبير فائدة فانا إذا اطلقنا الكلام أطلقناه بما عندنا لا بما عند غيرنا وغايته الاشارة الي خلاف في المسألة لكن لا يعرف به المخالف من هو وانه ماذا يقول ولا تغنى عن الرموز التى هي عادة الكتاب فليكن قوله هو افضل معلما بالحاء لان عند ابى حنيفة الافضل في صلاة الصبح الاسفار بها وفي العصر التأخير

(3/56)


ما لم تتغير الشمس وفي العشاء التأخير ما لم يجاوز ثلث الليل وساعدنا في المغرب على استحباب التعجيل وكذلك في الظهر إذا لم يشتد الحر وليكن معلما بالميم أيضا لما روي عن مالك انه يستحب تأخير الظهر الي ان يصير الفئ قدر ذراع وفي العصر ايضا يستحب التأخير قليلا والثاني أن قوله تعجيل الصلاة أفضل يشمل الصلاة كلها وقوله بعد ذلك يستحب تأخير العشاء علي قول ويستحب الابراد استثناء في الحقيقة عما أطلقه أولا وإن لم يكن لفظه لفظ الاستثناء وينبغى أن يعلم قوله ويستحب الابراد بالواو للوجه الصائر الي انه رخصة

(3/57)


قال (فرع من اشتبه عليه الوقت يجتهد ويستدل بالاوراد وغيرها فان وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه وان وقعت قبل الوقت قضى علي أحد القولين وكذا في طلب شهر رمضان والقادر على درك اليقين بالصبر هل له المبادرة بالاجتهاد في أول الوقت فيه وجهان) * إذا اشتبه عليه وقت الصلاة بغيم أو حبس في موضع مظلم أو غيرهما اجتهد واستدل عليه بالدرس والاعمال والاوراد وما أشبهها ومن جملة الامارات صياح الديك المجرب اصابة صياحه للوقت وكذلك أذان المؤذنين في يوم الغيم إذا كثروا وغلب علي الظن لكثرتهم انهم
لا يخطئون والاعمى يجتهد في الوقت كالبصير وانما يجتهدان إذا لم يخبرهما عدل عن دخول الوقت عن مشاهدة فلو قال رايت الفجر طالعا أو الشفق غاربا فلا مساغ للاجتهاد ووجب قبول قوله ولو

(3/58)


أخبر عن اجتهاد فليس للبصير القادر علي الاجتهاد تقليده والاخذ بقوله وهل للاعمي ذلك فيه وجهان أصحهما نعم ويسوغ له الاجتهاد والتقليد جميعا ويترتب علي هذا الاعتماد علي أذان المؤذن فان كان بصيرا لم يعتمد عليه في يوم الغيم لانه يؤذن عن اجتهاد ويعتمد عليه في يوم الصحو إذا كان المؤذن عدلا عالما بالمواقيت لانه يؤذن عن مشاهدة وان كان أعمى فهل يعتمد عليه فيه الوجهان المذكوران في جواز التقليد له وحكى في التهذيب وجهين في تقليد المؤذن من غير فرق بين الاعمى

(3/59)


والبصير وقال الاصح الجواز * واحتج عليه بقوله صلي الله عليه وسلم سلم (المؤذنون أمناء الناس علي صلواتهم) ويحكي أن ابن سريح ذهب إليه والتفصيل أقرب وهو اختيار القاضي الرويانى وغيره وإذا لزم الاجتهاد فصلي من غير اجتهاد لزمه الاعادة وان وقعت صلاته في الوقت وان لم يكن دلالة أو كانت ولم يغلب علي ظنه شئ أخر إلى ان يغلب على ظنه دخول الوقت والاحتياط أن يؤخر ان لم يغلب على ظنه انه لو أخر عنه خرج الوقت وعند ابى حنيفة في يوم الغيم يؤخر الظهر ويعجل

(3/60)


العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وحكم الفجر كما ذكر في غير يوم الغيم وهل يجتهد إذا قدر على الصبر الي استيقان دخول الوقت فيه وجهان أحدهما وهو اختيار اذستاذ أبى اسحق الاسفرايني انه لا يجتهد للقدرة علي الايقاع في الوقت يقينا واظهرهما انه يجتهد إذ لا قدرة علي اليقين في حالة الاشتباه وهذا كالخلاف فيما إذا اشتبه عليه اناء ان ومعه ماء طاهر بيقين: فان قلت وما من حالة الا ويمكن الصبر فيها الي درك اليقين فان الاوقات في المضى والاشتباه انما يقع في أوائلها فإذا صبر زال الاشتباه قلنا يجوز أن يكون محبوسا في مطمورة لا يعرف شيئا من الاوقات أصلا ولا يدرى أن الساعة التى هو فيها ليل أو نهار ويجوز في حق غيره أيضا الا يحصل له يقين أصلا بأن لا يعرف

(3/61)


في يوم اطباق الغيم هل دخل وقت الظهر أم لا ولا يعرف نه ان دخل هل بقي ام لا ثم إذا اجتهد وصلي فان لم يتبين الحال فذاك وان تبين نظران وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه: وما فعله بعد الوقت قضاء أو اداء فيه وجهان اصحهما انه قضاء حتى لو كان مسافرا يجب عليه

(3/62)


اعادة الصلاة تامة إذا قلنا لا يجوز قصر القضاء فان وقعت صلاته قبل الوقت نظر ان أدرك الوقت أعاد ولا فقولان وكل ذلك خلافا ووفاقا يجرى فيما إذا اشتبه شهر رمضان علي الاسير فاجتهد وأخطأ:، وأصح القولين وجوب الاعادة وهما مبنيان علي أن المفعول بعد الوقت قضاء كما في غير حالة الاشتباه أو أداء قائم مقام الواقع في الوقت لمكان العذر فان قلنا بالاول لم يعتد بما تقدم على الوقت

(3/63)


وان قلنا بالثاني اعتد به * قال * (الفصل الثاني في وقت المعذورين) * (ونعني بالعذر ما يسقط القضاء كالجنون والصبا والحيض والكفر ولها ثلاثة أحوال الاولي أن يخلوا عنها آخر الوقت بقدر ركعة كما لو طهرت الحائض قبل الغروب بقدر ركعة يلزمها

(3/64)


العصر (ز) وكذا بقدر تكبيرة (م ز) على أقيس القولين) * ذكرنا في أول الباب أن الغرض من هذا الفصل هو الكلام في الوقت الذى سماه الشافعي رضي الله عنه وقت الضرورة سواء قلنا انه ووقت العذر شئ واحد أم لا والمراد من وقت الضرورة الوقت الذى يصير فيه الشخص من أهل لزوم الصلاة عليه بزوال الاسباب المانعة من اللزوم وهى الصبى والجنون والكفر والحيض وفي معنى الجنون الاغماء وفي معنى الحيض النفاس ثم لهذه الاسباب أحوال ثلاثة لانها اما أن لا تستغرق وقت الصلاة أو تستغرقه وان لم تستغرقه فاما أن يوجد في أول

(3/65)


الوقت ويخلو عنها آخره أو يكون بالعكس من ذلك (الحالة الاولي) أن يوجد في أول الوقت ويخلو عنها آخره كما لو طهرت عن الحيض أو النفاس في آخر الوقت فننظر ان بقى من الوقت قدر ركعة فصاعدا لزمها فرض الوقت واحتجوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من

(3/66)


الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن ادرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وانما يلزم فرض الوقت بادراك قدر الركعة بشرط وهو أن تمتد السلامة عن الموانع قدر امكان فعل الطهارة وتلك الصلاة أما لو عاد مانع قبل ذلك فلا مثاله إذا بلغ الصبى في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه

(3/67)


أو طهرت حائض ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت فان مضي في حال السلامة قدر ما يسع أربع ركعات بعد الطهارة لزم العصر والا فلا هذا إذا كان الباقي من الوقت مقدار ركعة أما إذا كان الباقي مقدار تكبيرة أو فوقها ودون ركعة ففى لزوم فرض الوقت به قولان في الجديد أصحهما وبه قال أبو حنيفة نعم لانه أدرك جزءا من الوقت فصار كما لو أدرك قدر ركعة ولان الادراك الذى

(3/68)


تعلق به الايجاب تستوى فيه الركعة وما دونها ألا ترى أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء يسير من الصلاة لزمه الاتمام كما لو اقتدى به في ركعة ثم اللزوم علي هذا القول انما يكون بالشرط الذى

(3/69)


ذكرناه فيما إذا بقى قدر ركعة والقول الثاني وبه قال المزني أنه لا يلزم به فرض الوقت لان الادراك في الخبر منوط بمقدار ركعة وصار كما إذا أدرك من الجمعة ما دون ركعة لا يكون مدركا لها هذا مذهبه في القديم ويحكى عن مالك مثل ذلك وقد نقل الناقلون الجديد اللزوم والقديم منعه اقتصارا من قولي الجديد على ما يقابل القديم وقوله في الكتاب ونعنى بالعذر ما يسقط القضاء أي إذا

(3/70)


استغرق الوقت واستبشع بعضهم عند الكفر من الاعذار وقال الكافر غير معذور بكفره ولا معنى للاستبشاع بعد العناية وتفسير العذر بما يسقط القضاء ولا يشك أن القضاء ساقط عن الكافر ويجوز أن يعد عذرا بعد الاسلام لانه غير مؤاخذ بما تركه في حال الكفر وقوله وكذا بقدر تكبيرة معلم بالميم والزاى * قال (وهل يلزمها الظهر بما يلزم به العصر فيه قولان فعلي قول يلزم وعلى الثاني لابد من زيادة أربع ركعات على ذلك حتى يتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده وهذه الاربع في مقابلة الظهر والعصر فيه قولان ويظهر فائدته في المغرب والعشاء)

(3/71)


ما ذكرناه من لزوم فرض الوقت بادراك ركعة أو بما دونها علي أحد القولين يشمل الصلوات كلها ثم الصلوات التى يتفق في آخر وقتها زوال العذر اما ان تكون صلاة لا يجمع بينها وبين ما قبلها أو صلاة يجمع بينهما وبين ما قبلها علي ما سيأتي كيفية الجمع في بابه فالقسم الاول هو الصبح

(3/72)


والظهر والمغرب فلا يلزم بزوال العذر في آخر وقت الواحدة من هذه الصلوات سوى تلك الصلاة والقسم الثاني هو العصر والعشاء فيجب علي الجملة بادراك وقت العصر الظهر وبادراك وقت العشاء المغرب خلافا لابي حنيفة والمزنى قال صاحب المعتمد وقول مالك يشبه ذلك لنا ما روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهما انهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر (بركعة يلزمها المغرب والعشاء) وأيضا فان وقت العصر وقت الظهر في حاله العذر ففى حالة الضرورة وهى فوق العذر أولى وإذا عرفت ذلك فينبغي أن يعرف أن صاحب الكتاب انما فرض الكلام في وقت العصر حيث قال في الفصل السابق كما لو طهرت الحائض قبل الغروب لان العصر من القسم الثاني فأراد ان يرتب لزوم الظهر عليه بعد بيان حكم العصر فقال وهل يلزمها الظهر بما يلزم به العصر الي آخره وشرح ذلك أن الشافعي رضى الله عنه بعد الجزم بأن الظهر قد يلزم بادراك وقت العصر اختلف قوله في انه بماذا يلزم فأصح قوليه انه يلزم بما يلزم به العصر وذلك ركعة علي قول

(3/73)


وتكبيرة على قول ووجهه انا جعلنا وقت العصر وقتا للظهر ومعلوم انه لو أدرك من وقت الظهر ركعة أو تحريمة يلزمه الظهر فكذلك إذا أدرك من وقت العصر لانا لا نعتبر امكان فعل الصلاتين فيكفى ادراك وقت مشترك والقول الثاني انه لا يلزم به بل لابد من زيادة اربع ركعات بعد ذلك القدر لان انما نجعلها مدركة للصلاتين حملا علي الجمع وانما يتحقق صورة الجمع إذا تمت احدى الصلاتين

(3/74)


وبعض الاخرى في الوقت ثم الاربع الزائدة تقع في مقابله الظهر أو العصر فيه قولان وليسا بمنصوصين لكنهنا مخرجان ولذلك عبر الصيدلاني وقيره عنهم بوجهين أصحهما أن الاربع في مقابلة الظهر لانها السابقة وعند الجمع لابد من تقديمهما وجوبا أو استحبابا علي ما سيأتي في موضعه.
لانه لو لم يدرك الا قدر ركعة أو تحريمة لما لزمه الظهر علي هذا القول الذى عليه تفرع وإذا زال قدر الاربع

(3/75)


لزم الظهر فدل علي أن هذه الزيادة في مقابلة الظهر والثاني انها في مقابلة العصر لان الظهر ههنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم فإذا اقتضي الحال الحكم بادراك الصلاتين وجب أن بكون الاكثر في مقابلة المتبوع والاقل في مقابلة التابع وفائدة هذا الخلاف الاخير لا يظهر في هذه الصورة وانما يظهر في المغرب والعشاء وذلك ان في لزوم المغرب بما يلزم به العشاء قولين كما في لزوم الظهر بما

(3/76)


يلزم به العصر اصح القولين انه يلزم به والثانى لابد من زيادة علي ذلك فان قلنا في الصورة الاولي الاربع في مقابلة الظهر كفى ههنا قدر ثلاث ركعات للمغرب زيادة على ما يلزم به العشاء وان قلنا انها في مقابلة العصر وجب أن يزيد قدر أربع ركعات وقوله في الكتاب حتى تتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده المراد منه ما قد مضي أن صورة الجمع انما يتحقق إذا تمت

(3/77)


احدى الصلاتين وبعض الاخرى في الوقت وتعيين الظهر ولزوم العصر بعده كأنه مبنى علي أن
الظهر لابد من تقديمه عند الجمع * قال (وهل تعتبر مدة الوضوء مع الوقت الذى ذكرناه فعلى قولين) * هل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة أو صلاتي الجمع ادراك زمان الطهارة

(3/78)


فيه قولان احدهما نعم لان الصلاة انما تمكن بعد تقديم الطهارة وأصحهما لا لان الطهارة لا تختص بالوقت ولا تشترط في الا لزام وانما يشترط في الصحة ألا ترى أن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب علي تركها وإذا جمعت بين الاقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر الذى يلزم به كل صلاة

(3/79)


من ادراك آخر وقتها أربعة أقوال أصحهما قدر تكبيرة وثانيها هذا مع زمان طهارة وثالثها قدر ركعة ورابعها هذا مع زمان طهارة وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الاربعة وخامسها قدر اربع ركعات مع تكبيرة وسادسها هذا مع زمان طهارة وسابعها قد خمس

(3/80)


ركعات وثامنها هذا مع زمان طهارة وفيها يلزم به العشاء مع المغرب مع هذه الثمانية أربعة أخرى أحدها ثلاث ركعات وتكبيرة والثانى هذا مع زمان طهارة والثالث أربع ركعات والرابع هذا مع زمان طهارة * قال (فان زال الصبي بعد أداء وظيفة الوقت فلا يجب (ح وز) اعادتها وكذا يوم الجمعة وإن أدرك الجمعة بعد الفراغ من الظهر علي أحد الوجهين وكذا لو بلغ الصبي بالسن في أثناء الصلاة واستمر عليها وقع عن الفرض) * جميع ما ذكرنا فيما إذا كان زوال العذر قبل اداء وظيفة الوقت وهكذا يكون حال ما سوى الصبى من الاعذار فانها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة فأما الصبى فيجوز أن يزول بعد اداء وظيفة

(3/81)


الوقت أو في اثنائها لانها لا تمنع الصحة وان منع الوجوب فإذا صلي الصبى وظيفة الوقت ثم بلغ
وقد بقى شئ من الوقت اما بالسن أو بالاحتلام فيستحب له ان يعيد وهل يجب عليه الاعادة ظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب لانه ادى وظيفة الوقت وصحت منه فلا تلزمه الاعادة كالامة إذا صلت مكشوفة الرأس ثم عتقت والوقت باق لا تعيد وخرج ابن سريج انه يجب لان ما أداه في حال الصغر واقع في حال النقصان فلا يجزى عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت والمفعول مع النقصان كغير المفعول وهذا مذهب أبى حنيفة والمزنى ورواه القاضى الرويانى عن مالك قال وعن احمد روايتان ولا فرق عند ابن سريج بين أن يكون الباقي من الوقت

(3/82)


حين بلغ قليلا أو كثيرا وعن الاصطخرى انه ان بلغ والباقى من الوقت ما يسع لتلك الصلاة لزمت الاعادة والا فلا ولو بلغ في أثناء الصلاة وانما يكون ذلك بالسن فقد قال الشافعي رضي الله عنه أحببت أن يتم ويعيد ولا يتبين لي أن عليه الاعادة واختلفوا في معناه بحسب الاختلاف فيما إذا بلغ بعد الصلاة فقال جمهور الاصحاب يجب الاتمام وتستحب الاعادة أما وجوب الاتمام فلان صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب فيها فيلزمه اتمامها وقد تكون العبادة تطوعا في الابتداء ثم يجب اتمامها كحج التطوع وكما إذا ابتدأ الصوم وهو مريض ثم شفى وكما لو شرع في صوم التطوع ثم نذر اتمامه يجب عليه الاتمام وأما استحباب الاعادة فليؤدى الصلاة في حال الكمال ومعنى

(3/83)


قوله أحببت أن يتم ويعيد عند هؤلاء هو استحباب الجمع بينهما وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال وقع عن الفرض وقال ابن سريج الاتمام يستحب والاعادة واجبة وهذا خلاف قوله ولا يبين لي أن عليه الاعادة والاصطخري جرى على التفصيل الذى سبق وقال إذا كان الباقي قدرا لا يسع للصلاة أشبه ما إذا بلغ في اثناء صوم يوم من رمضان لا يجب عليه القضاء لان الباقي لا يسع صوم يوم: واعلم ان مسألة الصوم قد سلم فيها ابو حنيفة والمزنى نفى القضاء تعليلا بما ذكره الاصطخرى واختلف سائر اصحابنا في تعليله منهم من ساعدهم علي هذا التعليل وقال بقية اليوم لا يسع الصوم ولا يمكن ايقاع بعضه في الليل بخلاف الصلاة يمكن ايقاع بعضها بعد خروج

(3/84)


الوقت ومنه من علل بأن الصوم المأتي به صحيح واقع عن الفرض وينبنى علي هاتين العلتين ما إذا بلغ وهو مفطر فعلي التعليل الاول لا قضاء عليه وعلى الثاني يجب وعن ابن سريح أنه يجب القضاء في الصوم كما في الصلاة بلغ مفطرا أو صائما هذا في غير الجمعة من الصلوات أما إذا صلي الظهر يوم الجمعة ثم بلغ والجمعة غير فائتة بعد هل يلزمه حضورها من قال في سائر الصلوات تلزم الاعادة أولي أن يقول باللزوم ههنا ومن نفى الاعادة في سائر الصلوات اختلفوا ههنا علي وجهين أحدهما وبه قطع ابن الحداد أنه يجب عليه الجمعة لانه لم يكن من أهل الفرض حين صلى الظهر وقد كمل حاله بالبلوغ بخلاف سائر الصلوات لانه بالبلوغ لا ينتقل إلى فرض أكمل مما فعل وههنا ينتقل إلى الجمعة وهو أكمل من الظهر الا ترى أمنها تتعلق باهل الكمال وبخلاف المسافر والعبد

(3/85)


إذا صليا الظهر ثم أقام المسافر وعتق العبد وأدركا الجمعة لا يلزمهما الجمعة لانهما حين صليا الظهر كانا من أهل الفرض والوجه الثاني وهو الاصح أنها لا تلزم كسائر الصلوات ومنعوا قوله أنه ليس من اهل الفرض لانه مأمور بالصلاة مضروب على تركها ولا يعاقب احد على ترك التطوع وعن

(3/86)


الشيخ ابي زيد يخرج هذا الخلاف علي الخلاف في أن المتعدى بترك الجمعة هل يعتد بظهره قبل فوات الجمعة لان الصبى مأمور بحضور الجمعة فإذا بلغ ولم يصل الجمعة كان مؤديا للظهر قبل فوات الجمعة ولا يخفى بعد حكاية هذه المذاهب الحاجة الي أعلام قوله فلا يجب اعادتها بالحاء والميم

(3/87)


والالف والزاى وبالواو لما ذكره ابن سريج والاصطخري وكذا اعلام قوله وقع عن الفرض بهذه العلامات وكذا أعلام قوله وكذا يوم الجمعة ما سوى الواو من العلامات * قال (الحالة الثانية أن يخلو أول الوقت فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع

(3/88)


الصلاة لزمتها ولا يلزم بأقل من ذلك وقيل لا يلزم ما لم تدرك جميع الوقت في صورة الطريان وأما العصر فلا يلزم بادراك أول وقت الظهر لان وقت الظهر لا يصلح للعصر في حق المعذورة ما لم يفرغ من
فعل الظهر) * هذه الحالة الثانية عكس الاولي وهي ان يخلو أول الوقت عن الاعذار المذكورة ثم يطرأ منها في آخر الوقت ما يمكن أن يطرأ منها وهو الحيض أو النفاس والجنون والاغماء واما الصبي فلا يتصور عروضه والكفر وان تصور عروضه لكنه لا يسقط القضاء كما سيأتي فإذا حاضت في اثناء الوقت نظر في القدر الماضي من الوقت ان كان قدر ما يسع لتلك الصلاة استقرت في ذمتها وعليها القضاء إذا طهرت

(3/89)


لانها ادركت من الوقت ما يمكن فيه فعل الفرض فلا يسقط بما يطرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد الحول وامكن الادا لا تسقط الزكاة وعن مالك انه لا تلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت وبه قال ابو حنيفة قال الكرخي في مختصره وان كانت طاهرة فحاضت في آخر الوقت فلا قضاء عليها وخرج ابن سريح مثل ذلك علي اصل الشافعي رضي الله عنه وقال لا يلزم القضاء ما لم تدرك جميع الوقت اخذا مما لو سافر الرجل في اثناء الوقت يجوز له القصر وان مضى من الوقت ما يسع للصلاة الثانية واعلم ان في تلك المسألة ايضا تخريجا مما نحن فيه لانه لا يقصر وقد ذكر الاختلاف في المسألتين جميعا في الكتاب في باب صلاة المسافرين نشرحه في موضعه ان شاء الله تعالى ثم علي ظاهر المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو طولت صلاتها فحاضت في اثنائها والماضي

(3/90)


من الوقت يسع تلك الصلاة لو خففت لزمها القضاء ولو كان الرجل مسافرا فطرأ عليه جنون واغماء بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه قضاؤها لانه لو قصر لامكنه أداؤها ولا يعتبر مع امكان فعل الصلاة زمان امكان الطهارة من الوقت لان الطهارة يمكن تقديمها على الوقت الا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة علي الوقت كالتيمم وطهارة المستحاضة وان كان الماضي من الوقت دون ما يسع لتلك الصلاة لم تلزم تلك الصلاة وقال ابويحيي البلخى من اصحابنا إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة على اختلاف القولين المذكورين في آخر الوقت لزمه القضاء اعتبار الاول الوقت بآخره حكاه ابو علي صاحب الافصاح فمن بعده عنه وخطأ فيما قال لانه لم
يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض فأشبه ما لو هلك النصاب بعد الحول وقبل امكان الاداء ويخالف آخر الوقت لانه أدرك جزءا من الوقت امكن البناء على ما أوقعه فيه بعد خروج الوقت ثم ذكرنا في الحالة الاولى ان من الصلوات ما إذا ادرك صاحب العذر آخر وقتها لزمه التى

(3/91)


قبلها معها كالظهر يلزم بادراك آخر وقت العصر والمغرب يلزم بادراك آخر وقت العشاء واما ههنا فالعصر لا يلزم بادراك وقت الظهر ولا العشاء بادراك وقت المغرب خلافا لابي يحيى البلخى حيث قال إذا ادرك من وقت الظهر ثمان ركعات ثم طرأ العذر لزم الظهر والعصر كما لو ادرك ذلك من وقت العصر لزمه الصلاتان معا والفرق علي ظاهر المذهب ان الحكم لزوم الصلاتين إذا ادرك وقت العصر مأخوذ من الجمع بينهما عند قيام سببه ولان كل واحدة منهما مؤداة في وقت الاخرى ومعلوم ان وقت الظهر انما يكون وقتا للعصر على سبيل تبعية العصر للظهر ألا ترى انه إذا جمع بالتقديم لم يجز له تقديم العصر على الظهر فإذا لم يفعل الظهر فليس وقتها بوقت العصر واما وقت العصر فليس وقتا للظهر علي سبيل تبعية الظهر للعصر ألا ترى انه إذا جمع بالتأخير جاز له تقديم الظهر علي العصر بل هو أولي على وجه ومتعين على وجه كما سيأتي في باب الجمع وكان وقت العصر وقتا للظهر من غير التوقف علي فعل العصر فلهذا المعنى افترق الطرفان: جئنا الي ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع للصلاة ليس المراد منه مطلق الصلاة بل المراد اخف ما يمكن من الصلاة بصفة العصر ان وجد المعنى المجوز للعصر على ما بيناه قوله لزمتها

(3/92)


معلم بالخاء والميم لما قدمناه ولا حاجة الي اعلامه بالواو اشارة إلى تخريج ابن سريح لان قوله بعد ذلك وقيل لا يلزم ما لم يدرك جميع الوقت في صورة الطريان وهو ذلك التخريج: ثم اعلم ان الحكم بلزوم الصلاة إذا ادرك من الوقت ما يسعها لا يختص بما إذا كان المدرك من أول الوقت بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة ايضا ونظيره ما إذا أفاق مجنون في اثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت أو بلغ ثم جن أو افاقت مجنونة ثم حاضت وقوله ولا يلزم بأقل من ذلك معلم بالواو للوجه
المشهور عن البلخي وقد حكاه القاضي ابن كج عن غيره من الاصحاب ايضا وكذلك قوله فأما العصر فلا يلزم بادراك أول الظهر وليس لفظ الاول في قوله بادراك أول الظهر لتخصيص الحكم به فان العصر لا يلزم بادراك آخر وقت الظهر ايضا بل بادراك جميعه وانما جرى لفظ الاول في مقابلة الاخر في الحالة الاولى وقوله لان وقت الظهر لا يصلح للعصر الي آخره المراد منه ما شرحناه في الفرق بين الاول والاخر واراد بالمعذور ههنا الذى يجمع لسفر أو مطر بخلاف ما في أول الفصل فانه اراد بالمعذور ثم صاحب الضرورة علي ما سبق ايضاحه: واعلم ان الاخيرة من صلوات الجمع وان لم يلزم بادراك وقت الاولي لكن الاولى منهما قد يلزم بادراك وقت الاخيرة كما انها

(3/93)


تلزم بادراك آخر وقتها مثاله إذا افاق المغمي عليه في أول وقت العصر قدر ما يسع للعصر والظهر جميعا لزمناه فان كان مقيما فالمعتبر قدر ثمان ركعات وان كان مسافرا يقصر كفى قدر اربع ركعات ويقاس المغرب والعشاء في جميع ما ذكرناه بالظهر والعصر والله الموفق * قال (الحالة الثالثة أن يعم العذر جميع الوقت فيسقط القضاء ولا تلحق الردة بالكفر بل يجب (م ح) القضاء على المرتد (م ح) والصبي يؤمر بالصلاة بعد سبع سنين ويضرب علي تركها بعد العشر وان لم يكن عليه قضاء والاغماء في معنى الجنون (ح) قل أو كثر وزوال العقل بسكر أو بسبب محرم لا يسقط القضاء ولو سكر ثم جن فلا يقضي ايام الجنون ولو ارتد ثم جن قضي أيام الجنون ولو ارتدت أو سكرت ثم حاضت لا يلزمها قضاء أيام الحيض لان سقوط القضاء عن المجنون رخصة وعن الحائض عزيمة) * قوله أن يعم العذر جميع الوقت فيه شيئان أحدهما انه فسر العذر من قبل بما يسقط القضاء والمراد ما إذا استغرق جميع الوقت كما تقدم فكأنه قال أن يعم ما يسقط القضاء فيسقط القضاء

(3/94)


وغير هذا أجود منه وليس في قولنا إذا وجد ما يسقط القضاء يسقط القضاء في مثل هذا المقام كثير فائدة: والثاني ان قوله جميع الوقت ليس المراد منه الاوقات المخصوصة بالصلوات وكيف وقد
ذكرنا انه إذا زالت الضرورة في آخر وقت العصر لزم الظهر ايضا مع انه عم العذر جميع وقت الظهر فإذا المراد منه وقت الرفاهية والضرورة جميعا وغرض الفصل أن الاسباب المانعة من لزوم الصلاة وقد عددناها من قبل مسقطة للقضاء أما الحيض فانه يمنع وجوب الصلاة وجوازها ويسقط القضاء علي ما سبق في كتاب الحيض وأما الكفر فالكافر الاصلي مخاطب بالشرائع علي أشهر وجهى اصحابنا في الاصول لكن إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر لقوله تعالي (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) والمعنى فيه أن ايجاب القضاء ينفره عن الاسلام والردة لا تلحق بالكفر بل يجب علي المرتد قضاء صلوات ايام الردة خلافا لابي حنيفة حيث قال الردة تسقط قضاء صلوات ايام الردة والصلوات المتروكة قبلها ايضا * لنا انه التزم الفرائض بالاسلام فلا يسقط عنه بالردة كحقوق الادميين: فاما الصبي فلا تجب عليه الصلوات قال صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق)

(3/95)


فلا يؤمر أحد ممن لا تجب عليه الصلاة بفعليا سوى الصبى فانه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين

(3/96)


سنين ويضرب علي تركها إذا بلغ عشرا لما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) قال الائمة فيجب على الاباء والامهات تعليم الاولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع والضرب علي تركها بعد العشر وذكروا في اختصاص الضرب بالعشر معنيين أحدهما انه زمان احتمال البلوغ بالاحتلال فربما بلغ ولا يصدق والثاني انه حينئذ يقوى ويحتمل الضرب واحتج بعض أصحابنا بهذا علي

(3/97)


انه لا يجوز أن يختن الصبى قبل العشر لان ألم الختان فوق ألم الضرب ويؤمر بالصوم أيضا ان أطاقه كما يؤمر بالصلاة وأجرة تعليم الفرائض من مال الطفل فان لم يكن له مال فعلى الاب وان لم يكن فعلى الام وهل يجوز أن تعطي الاجرة من مال الطفل علي تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض
من القرآن والادب فيه وجهان: وأما المجنون فلا صلاة عليه أيضا للخبر والاصل ان من لا تجب عليه العبادة لا يجب عليه قضاؤها وانما خالفنا ذلك في حق النائم والناسى لما روى انه صلى الله

(3/98)


عليه وسلم قال (إذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) والاغماء في معنى الجنون يستوى قليله وكثيره في اسقاط القضاء إذا استغرق وقت العذر والضرورة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تسقط الصلاة بالاغماء ما لم يزد علي يوم وليلة ولا حمد حيث قال انه لا يسقط القضاء قل أو كثر لنا القياس علي الجنون ولا يلحق بالجنون زوال العقل لسبب محرم كشرب مسكرا أو دواء مزيل للعقل بل يجب عليه القضاء لانه غير معذور وهذا إذا تناول الدواء وهو عالم بأنه مزيل للعقل من غير حاجة كما إذا اشرب المسكر وهو عالم انه مسكر أما إذا لم يعلم أن الدواء مزيل للعقل وأن الشراب مسكر فلا قضاء عليه كما في الاغماء ولو عرف ان جنسه مسكر لكن ظن ان ذلك القدر لا يسكر لفلته فليس ذلك بعذر ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء عليه وان فعله عبثا قضى ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو ارتد ثم جن قضى أيام الجنون وما قبلها إذا أفاق واسلم تغليظا علي المرتد ولو سكر ثم جن قضى بعد الافاقة صلوات المدة التى ينتهي إليها السكر لا محالة وهل يقضى صلوات أيام الجنون فيه وجهان احدهما نعم لان السكران يغلظ عليه امر الصلاة كما يغلظ علي المرتد واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يقضي صلوات ايام الجنون والفرق ان من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن في سكره ليس بسكران في

(3/99)


دوام جنونه قطعا (الثاني) لو ارتدت المرأة ثم حاضت أو سكرث ثم حاضت فلا تقضي أيام الحيض ولا فرق بين اتصالها بالردة واتصالها بالسكر بخلاف الجنون حيث افترق الحال بين اتصاله بالردة وبين اتصاله بالسكر والفرق ان سقوط القضاء عن الحائض ليس من باب الرخص والتحقيقات بل هو عزيمة فانها مكلفة بترك الصلاة والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة كما ليس مخاطبا بفعلها

(3/100)


وانما أسقط القضاء عنه تحفيفا فإذا كان مرتدا لم يستحق التخفيف ومما يوضح الفرق انها لو شربت دواء حتي حاضت لا يلزمها القضاء بخلاف ما لو شربت دواء يزيل العقل وكذلك لو شربت دواء حتى ألقت الجنين ونفست لا يجب عليها قضاء الصلوات على المذهب الصحيح لان سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء عزيمهة: فالحاصل ان من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ومن أمر بالترك فامتثل الامر لا يتوجه أن يؤمر بالقضاء وهذا يشكل لفصل الصوم فان الحائض مامورة بترك الصوم ثم تؤمر بالقضاء الا أن ذلك معدول به عن القياس اتباعا للنص: والمواضع المستحقة للعلامات من الفصل بينة والذى لا بأس بذكره قوله ولو ارتد ثم جن قضي أيام الجنون ينبغي أن يعلم قوله قضي بالحاء لان عند أبى حنيفة لا قضاء في الردة فكيف يؤمر في ايجاب قضاء أيام الجنون

(3/101)


قال الفصل الثالث في الاوقات المكروهة وهى خمسة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ووقت الطلوع إلى أن يرتفع قرص الشمس ووقت الاستواء إلى أن تزول الشمس ووقت اصفرار الشمس الي وقت تمام الغروب) * الاوقات المكروهة خمسة وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل وهى بعد صلاة الصبح حتى تطلع

(3/102)


الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس روى ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ووجه تعلق النهى فيهما بالفعل ان صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما ومن

(3/103)


صلاهما فان عجلهما ف أول الوقت طال في حقه وقت الكراهية وان أخرهما قصر وثلاثة أوقات يتعلق النهي فيهما بالزمان وهى عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح ويستولى سلطانها بظهور شعاعها فان الشعاع يكون ضعيفا في الابتداء وعند استواء الشمس حتى تزول وعند اصفرار الشمس

(3/104)


حتى يتم غروبها لما روي انه صلي الله عليه وسلم (ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها: ونهي عن الصلاة في هذه الاوقات) وقوله ومعها قرن الشيطان قيل معناه قوم الشيطان وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الاوقات نهى عن الصلاة فيها لذلك وقيل معناه ان الشيطان يقرب رأسه من الشمس في هذه الاوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له ولك ان تعلم قول

(3/105)


المصنف الي أن يرتفع قرص الشمس بالوا ولان من الاصحاب من قال يخرج وقت الكراهية بطلوع القرصة بتمامها ولم يعتبر الارتفاع وايراده في الوسيط يشعر بترجيح هذا الوجه وظاهر المذهب الاول ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا ارتفعت فارقها) واعلم أن حالة الاصفرار داخلة في الوقت الثاني وهو ما بعد العصر حتى تغرب الشمس لكن في حق من صلي العصر وحالة الطلوع الي الارتفاع متصلة بما بعد الصبح في حق من صلي الصبح وذكر بعضهم في العبارة

(3/106)


على الوقت الاول من أوقات الراهية انه ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح وعلي هذا فتنقص أوقات الكراهية عن الخمسة وربما انقسم الواحد منها إلى متعلق بالفعل والي متعلق بالزمان

(3/107)


قال (وذلك في كل صلاة لاسبب لها بخلاف الفائتة وصلاة الجنازة وسجود التلاوة وتحية المسجد وركعتي الطواف وفى الاستسقاء تردد وركعتا الاحرام مكروهة لان سببها متأخر) * الاوقات المكروهة لا ينهي فيها عن الصلاة عن على الاطلاق بل عن بعض أنواعها وما ورد فيها من النهى المطلق محمول علي ذلك البعض فالغرض من هذا الفصل بيان ما ينهى عنه من الصلوات
في هذه الاوقات وما لا ينهي عنه وقوله وذلك في كل صلاة لا سبب لها أي النهي والكراهة

(3/108)


وقول الاصحاب في هذا المقام صلاة لا سبب لها وصلاة لها سبب ما أرادوا به مطلق السبب إذ ما من صلاة الا ولها سبب ولكن أرادوا بقولهم صلاة لها سبب ان لها سببا متقدما على هذه الاوقات أو مقارنا لها وبقولهم صلاة لا سبب لها أي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن فعبروا بالمطلق عن المقيد وقد يفسر قولهم لا سبب لها بأن الشارع لم يخصها بوضع وشرعية بل هي التى يأتي بها الانسان ابتداء وهى النوافل المطلقة وعلي هذا التفسير فكل ما لا سبب له مكروه لكن كل ماله سبب ليس بجائز ألا ترى أن ركعتي الاحرام لهما سبب بهذا التفسير وهما مكروهتان كما سنذكر ان شاء الله ولفظ الكتاب يوافق التفسير الاول لانه خص النهي والكراهة بما لا سبب له من الصلواب ثم انه عد أنواعا من الصلوات التي لها سبب فمنها الفائتة فلا تكره في هذه الاوقات لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (من نام عن صلاد أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها لا وقت لها غيره) ويستوى في الجواز قضاء الفرائض والسنن والنوافل التى اتخذها وردا له ومنها صلاة الجنازة

(3/109)


روى انه صلى الله عليه وسلم قال (يا علي لا تؤخر أربعا) وذكر منها الجنازة إذا حضرت: ومنها سجود التلاوة فلا يكره في هذه الاوقات لان سبب سجدة التلاوة قراءة القرآن وهي مقارنة لهذه الاوقات فلا يؤخر عن وقتها وفى معناه سجود الشكر فان سببه السرور الحادث فليس ذكرهما في هذا الموضع لكونهما من أنواع الصلاة لكن لانهما كالصلاة في الشرائط والاحكام ومنها تحية المسجد فان اتفق دخوله في هذه الاوقات لغرض في الدخول كاعتكاف ودرس علم وقراءة فيه لم تكره التحية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ولان سبب التحية هو الدخول في المسجد وقد افترن بهذه الاوقات ولو دخلها في

(3/110)


هذه الاوقات ليصلي التحية لا لحاجة في الدخول فهل يكره فيه وجهان أحدهما لا لما سبق وأقيسهما
نعم كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الاوقات ويدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يتحرى احدكم لصلاة قبل طلوع الشمس وغروبها) وومنهم من لا يفصل ويجعل في التحية وجهين على الاطلاق وينسب القول بالكراهية إلى عبد الله الزبيري رضى الله عنه وليكن قوله

(3/111)


وتحية المسجد معلما بالواو لما حكيناه ومنها ركعتا الطواف فلا يكرهان في هذه الاوقات لانهما يؤديان بعد الطواف بسببهما موجود في هذه الاوقات ومنها صلاة الاستسقاء وفيها وجهان عبر عنهما المنصف بالتردد أحدهما إنما يكره لان الغرض منها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير فأشبهت صلاة الاستخراة وهذا هو الذى ذكره صاحب التهذيب وآخرون وأظهرهما انها لا تكره لان الحاجة الداعية ايها موجودة في الوقت ومن قال بهذا قد يمنع الكراهة في صلاة الاستخارة أيضا ومن هذه الصلوات صلاة الخسوف فانها لو أخرت عن هذه الاوقات فربما انجلت الشمس وفاتت

(3/112)


الصلوات ومنها إذا تطهر في هذه الاوقات جاز له أن يصلي ركعتين لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لبلال (حدثنى بارجي عمل عملته في الاسلام فانى سمعت دف نعليك بين يدى في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي انى لم اتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار الا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) وهل يلحق ركعتا الاحرام بهذه الصلوات فيه وجهان أحدهما نعم لحاجته الي الاحرام في هذه الاوقات بالحج أو العمرة واصحهما وهو المذكور في الكتاب لا: لان سببهما الاحرام وهو متأخر عنهما وقد يتفق بعدهما وقد يعوق دونه عائق ولك أن تعلم قوله وذلك في كل صلاة لا سبب لها بالحاء لانه يقتضى حصر النهى في الصلاة التى لا سبب لها في الاوقات الخمسة جميعا وعند ابي حنيفة الوقتان اللذان يتعلق النهى فيهما بالفعل يكره فيهما التطوع ولا يكره فيهما الفرض ولا بأس بأن يصلي فيهما على الجنازة ويقضي فوائت الفرائض وبسجد للتلاوة والسهو ولكن لا يصلى المنذورة ولا ركعتي الطواف والتطوعات وأما في الاوقات الثلاثة فلا تجوز صلاة ما الا عصر اليوم عند غروب الشمس فلو دخل في تطوع قال يقطعه ويقضيه في الوقت المأمور به فلو
مضي فيه اساء وأجزأه وان صلى فيها فرضا أو واجبا اعاد الا عصر يومه وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة ولك ان تعلمه بالميم والالف ايضا لانه روى عن مالك انه يقضى الفرائض في الاوقات الخمسة ولا يصلي فيها النافلة سواء كان لها سبب أو لم يكن وبه قال احمد واستثنى علي مذهبه ركعتا

(3/113)


الطواف وصلاة الجماعة مع امام الحى وأبو حنيفة يكره اعادتها في الجماعة لنا ما تقدم وايضا ما روى انه صلي الله عليه وسلم (دخل بيت أم سلمة رضي الله عنها بعد صلاة العصر وصلي ركعتين فسألته

(3/114)


عنهما فقال أتانى ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) وروى

(3/115)


انه صلي الله عليه وسلم (رأى قيس بن قهد يصلى ركعتين بعد الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقال اني لم اكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم بنكر عليه) ويتبين مما نقلناه انه لو علم الفائتة وما بعدها بالحاء لجاز وقد ورد الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية وقيل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة وورد أيضا باستثناء مكة فلا تكره صلاة ولا طواف في وقت من الاوقات *

(3/116)


(فرع) لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهية انغقدت علي أحد الوجهين كالصلاة في الحمام الصلاة المنهي عنها في الاوقات الخمسة على التفصيل الذى وضح لا ينهي عنها علي الاطلاق عندنا بل يستثنى عنها زمان ومكان أما الزمان فهو يوم الجمعة فيستثنى وقت الاستواء يوم الجمعة ولا تكره فيها التطوعات

(3/117)


خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد لنا ما روى انه صلى الله عليه وآله (نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة) وهل يستثنى باقى الاوقات الخمسة يوم الجمعة فيه وجهان أحدهما نعم كوقت الاستواء تخصيصا للجمعة وتفضيلا وقد روى (أن جهنم لا تسجر يوم الجمعة) وأصحهما لا: لان

(3/118)


الرخصة وردت في وقت إذ استواء فيبقى الباقي على عموم النهي فان قلنا بالوجه الاول جاز النقل في وقت الاستواء وغيره لكل أحد فيه وجهان أحدهما نعم لمطلق قوله (الا يوم الجمعة) وايراد المصنف يقتضى ترجيح هذا الوجه لانه حكم بالاستثناء ثم روى عن بعضهم تخصيص الاستثناء بمن يغشاه

(3/119)


النعاس وبترجيحه قال صاحب التهذيب وغيره واحتجوا عليه أيضا بما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم (كره الصلاة نصف النهار الا يوم الجمعة وقال ان جهنم تسجر الا يوم الجمعة) والوجه الثاني انه لا يجوز التنفل لكل أحد لان المعني المرخص لا يشمل الكل وذكروا في الترخيص ومعنيين أحدهما ان الناس عند الاجتماع يوم الجمعة يشق عليهم مراعاة الشمس والتمييز بين حالة الاستواء وما قبلها

(3/120)


وما بعدها فخفف الامر عليهم بتعميم الترخيص والثانى أن الناس يبتكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون الي طرد النعاس بالتنفل كيلا يبطل وضوءهم فيفتقرون في اعادة الوضوء إلى تخطى رقاب الناس فعلي المعنيين جميعا المتخلف القاعد في بيته وقت الاستواء لعذر أو غير عذر ليس له التنفل فيه وأما الذى حضر الجمعة فقضية المعنى الاول تجويز التنفل له مطلقا وقضية المعني الثاني تخصيص

(3/121)


الجواز بالذى يبتكر إليها ثم يغلبه النعاس أما الذى لم يبتكر ولم يؤذه النعاس فلا يجوز له ذلك وقول صاحب الكتاب وقيل يختص بذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة يوافق المعنى الثاني من جهة اعتبار غشيان النعاس ولكن قضية تجويز التنفل بمن يغشاه النعاس وان لم يبتكر إليها وفى كلام غيره ما يقتضى اعتبار التبكير وكون غلبة النعاس لطول الانتظار واعلم ان قوله وقد ورد

(3/122)


الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية ظاهره يقتضى استثناء جميع الاوقات الخمسة كما حكيناه وجها عن بعض الاصحاب ولكن قوله وهل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس يبين انه اراد بالاول وقت
الاستواء لا غير وفيه اشتهر الخبر وهو الاصح في المذهب وأما المكان فقد روى عن أبى ذر ان

(3/123)


رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) الا بمكة واختلف الاصحاب في هذا الاستثناء ومنهم من قال مكة كسائر البلاد في أوقات الكراهة والاستثناء لركعتي الطواف فان له أن يطوف متى شاء وإذا

(3/124)


طاف بالبيت يصلى ركعتي الطواف لانها صلاة لها سبب والاصح وهو المذكور في الكتاب أن مكة تخالف سائر البلاد لشرف البقعة وزيادة فضيلة الصلاة فلا يحرم فيها عن استكثار الفضيلة بحال

(3/125)


ويدل عليه ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (يا بنى عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن احد اطاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار) وليكن قوله فلا يكره فيها صلاة معلما بالواو للوجه الاول وبالحاء والميم لان عندهما لا فرق بين مكة وسائر البلاد ثم ليس المراد من مكة

(3/126)


نفس البلد بل جميع الحرم للاستواء في الفضيلة وفى وجه يحتص بالاستثناء المسجد الحرام وما عداه كسائر البلاد والمشهور الصحيح الاول ومتي ثبت النهى والكراهة فلو تحرم بالصلاة المنهية هل

(3/127)


ينعقد أم لا هذا هو الذى رسمه فرعا في الكتاب وفيه وجهان أحدهما نعم كالصلاة في الحمام لا خلاف في انعقاها مع ورود النهى واظهرهما لا كما لو صام يوم العيد لا يصح وعلي هذين الوجهين يخرج ما لو نذر أن يصلي في الاوقات المنهية ان قلنا تصح الصلاة فيها يصح النذر وان قلنا لا تصح فلا يصح النذر كما لو نذر صوم يوم العيد فان صححنا النذر فالاولي أن يصلى في وقت آخر كمن

(3/128)


نذر أن يضحي شاة بسكين مغصوب يصح نذره ويذبحها بسكين غير مغصوب وأما إذا نذر صلاة
مطلقا فله أن يفعلها في الاوقات المكروهة فانها من الصلوات التى لها سبب كالفائتة ونختم الفصل بشيئين أحدهما ان قوله في أول الفصل في الاوقات المكروهة وهى خمسة يقتضى الحصر في الخمسة المذكورة وهو المشهور والحصر في الخمسة حكم باثبات الخمسة ونفى الزائد لكن في كلام الاصحاب حكاية وجهين في أن بعد طلوع الفجر هل يكره ما سوى ركعتي الفجر من النوافل أم لا أحدهما

(3/129)


نعم وبه قال أبو حنيفة لما روى انه صلى الله عليه وسلم (قال لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتا الفجر) والثاني لا وبه قال مالك لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس)) والمفهوم من صلاة الصبح هو الفريضة فالتخصيص بالفريضة يدل علي عدم الكراهة قبلها والوجه الثاني هو الذى يوافق كلام معظم الاصحاب حيث قالوا بأن النهي في الوقتين يتعلق بالفعل والا فإذا ثبتت الكراهة من طلوع الفجر لم يختلف زمان الكراهة بتقديم الصبح وتأخيرها طولا وقصرا وهذا استدلال بين علي ترجيح هذا الوجه وصرح به الشيخ أبو محمد وغيره لكن ذكر صاحب الشامل أن ظاهر المذهب هو الوجه الاول ولم يورد في التتمة سواه وان قلنا به دخل وقت الكراهية بطلوع الفجر فان عد ما قبل صلاة الصبح وقتا بانفراده زاد الاوقات المكروهة على خمسة وان جعل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقتا واحدا وأدرجنا وقت الاصفرار فيما بعد

(3/130)


صلاة العصر كما سبق عادت الاوقات المكروهة الي أربعة وان نضم حالة الطلوع إليه فتعود الاوقات المكروهة الي ثلاثة والشيخ أبو إسحق الشيرازي في آخرين ما أطلقوا الوجهين في الكراهة من حين طلوع الفجر لكن نقلوا الوجهين في كراهة التنفل بعد ركعتي الفجر وذلك يقتضي الجزم بنفى الكراهة قبل أن يصلي ركعتي الفجر وما يتعلق بالحصر علي ما بينته لا يختلف بالطريقين (الثاني) إذا فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا فقد ذكرنا انه يجوز أن يقضيها في أوقات الكراهة ويدل عليه ما سبق من حديث أم سلمة ثم إذا فعل ذلك فهل له أن يداوم علي تلك الصلاة في وقت الكراهة فيه وجهان أحدهما نعم لان في

(3/131)


حديث أم سلمة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم (داوم علي ركعتين بعد ذلك) وعليه حمل ما روى

(3/132)


عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر الا صلى ركعتين) وأصحهما انه لا يجوز لعموم الاخبار الناهية وما فعله رسول الله صلي الله

(3/133)


عليه وسلم كان مخصوصا به فانه كان يداوم علي عمل وقد روى عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي بعد العصر وينهى عنها) فان قلنا بالاول فهذه الحالة مما تستثنى عن عموم أخبار النهي

(3/134)


قال (باب الثاني في الاذان وفيه ثلاثة فصول) (الاول) في محله وهو مشروع سنة علي اظهر الرأيين في الجماعة الاولي من صلوات الرجال في كل مفروضة مؤداة وفى الجماعة الثانية في المسجد المطروق قولان وفى جماعة النساء ثلاثة أقوال وفى الثالث انها تقيم ولا تؤذن ولا ترفع الصوت بحال وفى المنفرد في بيته ثلاثة اقوال وفى الثالث انما يؤذن ان انتظر حضور جمع فان قلنا لا يؤذن ففى اقامته خلاف وان قلنا يؤذن فيستحب رفع الصوت ولا أذان في غير مفروضة كصلاة الخسوف والاستسقاء والجنازة والعيدين بل ينادى لها الصلاة جامعة وفى الصلاة جامعة وفى الصلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال وفى الثالث يقيم ولا يؤذن (ح) ولو قدم العصر الي وقت الظهر فيؤذن للظهر ويقيم لكل واحدة ولو أخر الظهر الي العصر يؤديهما باقامتين (ح)

(3/135)


بلا أذان (و) بناء علي ان الظهر كالفائتة فلا يؤن لها) * لا شك أن الاذان دعاء إلى الصلاة اعلام للوقت ولكن لا يدعي به الي كل صلاة بل إلى بعض الصلوات وليس دعاء علي أي وجه اتفق بل له كيفية مخصوصة ولا يدعو به كل أحد بل بعض الناس فتمس الحاجة الي بيان الصلاة التى هي محل الاذان وبيان كيفية الاذان وصفات المؤذن فتكلم في هذه الامور في ثلاثة اصول وافتتح القول في الاول
بذكر الخلاف في انه سنة أم فرض كفاية ولو قدم هذه المسألة علي الفصول أجمع وقصر كلام الفصل الاول علي بيان الصلوات التى شرع فيها الاذان سنة كان أم فرضا كان اليق بترجمة الفصل وكذلك فعل في الوسيط واختلفوا في الاذان والاقامة أهما سننان أم فرضا كفاية علي ثلاثة أوجه أصحها انهما سنتان لانهما للاعلام والدعاء الي الصلاة فصار كقوله الصلاة جامعة في العيدين ونحوهما

(3/136)


ولانه صلى الله عليه وسلم (جمع بين الصلاتين واسقط الاذان من الثانية) والجمع سنة فلو كان

(3/137)


الاذان واجبا لما تركه لسنة والوجه الثاني انهما فرضا كفاية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (صلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) وظاهر الامر للوجوب ولانه من شعائر الاسلام فليؤكد بالفريضة وهذان الوجهان هما اللذان أرادهما المصنف بالرأيين والثالث انهما مسنونتان في غير الجمعة وفرضا كفاية في الجمعة لانها اختصت بوجوب الجماعة فيها

(3/138)


فاختصت بوجوب الدعاء إليها وبالوجه الثالث قال ابن خيران ونسبه القاضي بن كج والشيخ أبو حامد الي أبي سعيد الاصطخرى ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث فان قلنا هما سنة فلو اتفق أهل بلد علي تركها هل يقاتلون عليه فيه وجهان أصحهما لا كسائر السنن وينسب إلى أبى اسحق المروزى والثانى نعم لانه من شعائر الاسلام فلا يمكن من تركه وان قلنا هما فرضا كفاية فانما يسقط الحرج بالظهارها في البلدة أو القرية بحيث يعلم جميع أهلها انه قد أذن فيها لو أصقوا ففى القرية الصغيرة يؤذن في موضع واحد والبلدة الكبيرة لابد منه في مواضع ومحال فلو امتنع قوم منها قوتلوا ومن قال بافتراضهما في صلاة الجمعة خاصة فقد اختلفوا: منهم من قال الاذان الواجب هو الذى يقام بين يدى الخطيب فانه الذى يختص بالجمعة فلا يبعا ايجابه كالجماعة والخطبة وغيرهما وهذا ما حكاه الشيخ أبو محمد عن احمد بن سيان من أصحابنا قال الشيخ ووجدت لفظ الوجوب في هذا

(3/139)


الاذان نصا للشافعي رضى الله عنه فلعله أراد توكيد أمره ومنهم من قال يسقط الوجوب بالاذان الذى يؤتى به لصلاة الجمعة وان لم يكن بين يدى الخطيب ولك أن تعلم قوله مشروع سنة بالالف لان بعض اصحاب احمد ذكر ان الاذان والاقامة فرضان علي الكفاية عندهم وبالميم لان في تعليق الشيخ ابي حامد أن مالكا يقول بوجوب الاذان ويلزم الاعادة ما بقى الوقت فان ذهب الوقت وصلى من غير أذان جاز * ونعود بعد هذا الي بيان محمد الاذان وقد ضبطه المصنف فقال محله الجماعة الاولي من صلاة الرجال الرجال في كل مفروضة مؤداة وفيه خمسة قيود أولها الجماعة فالمنفرد في الصحراء أو في

(3/140)


المصر هل يؤذن الجديد أنه يؤذن لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي سعيد الخدرى رضي الله عنه (انك رجل تحب الغنم والبادية فإذا دخل عليك وقت الصلاة فأذن وارفع

(3/141)


صوتك فانه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر الا شهد لك يوم القيامة) وحكي عن القديم انه لا يؤذن لان المقصود من الاذان الابلاغ والاعلام وهذا لا ينتظم في المنفرد وقال بعض اصحابنا انه كان يرجو حضور جمع اذن والا فلا وحمل حديث ابي سعيد على انه كان ينتظر حضور غلمانه ومن معه في البادية هذا إذا لم يبلغ المنفرد اذان المؤذنين واما إذا بلغه فالخلاف فيه مرتب على هذا الخلاف وأولى بان لا يؤذن كاحاد الجمع فان قلنا لا يؤذن المنفرد فهل يقيم فيه وجهان أحدهما لا كالاذان وأصحهما نعم لانهما للحاضرين فيقيم لنفسه وإذا قلنا يؤذن فهل يرفع الصوت فيه وجهان

(3/142)


أصحهما نعم لحديث أبى سعيد والثانى ان انتظر حضور جمع رفع والا فلا ولا شك في انه إذا أذن يقيم: وأعلم أن هذا الترتيب يشتمل عليه كلام امام الحرمين وهذا الذى اقتبسه منه المصنف الا أنه جعل الفرق بين أن ينتظر حضور جمع أولا ينتظر قولا واطلق في المسألة ثلاثة أقوال والامام لم يروه الا عن بعض الاصحاب والجمهور افتصروا على ذكر المذهب المنسوب الي الجديد ولم يتعرضوا

(3/143)


لخلاف نعم حكى القول القديم في التتمة ولكن إذا كان المنفرد يصلى في المصر خاصة ولم يطرده في المنفرد في الصحراء: وقوله في الكتاب وفى المنفرد في بيته تخصيص البيت بالذكر يمكن أن يحمل علي موافقة ما رواه في التتمة لكنه لم يرد ذلك بل طرد الخلاف في السفر والحضر في الوسيط واما الفرق بين أن يرجو حضور جمع ولا يرجوا فسنيين في الاذان للفائتة أنه من أين اخذ وليكن قوله وان قلنا يؤذن -

(3/144)


فيستحب رفع الصوت مرقوما بالواو لما قدمناه ويدل علي استحباب الاذان للمنفرد وعلي ان الاقامة أولى بالرعاية ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (إذا كان أحدكم بارض فلاة فدخل عليه دقت صلاة فان صلي بغير أذان ولا اقامة صلى وحده وان صلي باقامة صلى بصلاته ملكاه فان صلي باذان واقامة صلي خلفه صف من الملائكة اولهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب) ويستثنى عما ذكرنا من أن المفرد يرفع صوته بالاذان صورة وهى ما إذا صلي في مسجد اقيمت الجماعة فيه وانصرفوا فههنا لا يرفع الصوت لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى سيما في يوم الغيم وثانيها كونها جماعة أولي ومهما اقيمت الجماعة في مسجد ثم حضر قوم فان لم يكن له امام راتب لم يكره لهم اقامة الجماعة فيه وان كان ففيه وجهان أصحهما أنه يكره وبه قال أبو حنيفة وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يسن لهم

(3/145)


الاذان حكى امام الحرمين عن رواية صاحب التقريب فيه قولين أحدهما لا لان كل واحد منهم يدعو بالاذان الاول وقد أجاب بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الاولي بعد الاذان والثانى نعم لان الاذان الاول قد انتهى حكمه باقامة الجماعه الاولي لكن الاذان الثاني لا يرفع فيه الصوت كيلا يلتبس الامر علي الناس وهذ أظهر والاول مذهب أبى حنيفة قال الكرخي في مختصره ولا يؤذن في مسجد له امام معروف مرتين واما ذكر المصنف المطروق في صورة المسالة فليس للتقييد لان رواية صاحب التقريب مطلقة ولعله انما ذكره لان اقامة الجماعة بعد الجماعة انما تتفق غالبا في المساجد المطروقة والله أعلم: وثالثهما صلاة الرجال ففى جماعة النساء ثلاثة أقوال حكاها في النهاية اصحها وهو نصه في الام والمختصر أنه يستحب لهن الاقامة دون الاذان اما أن الاذان لا يستحب فلان الاذان للابلاغ والاعلام ولا يحصل ذلك
الا برفع الصوت وفى رفع النساء الصوت خوف الافتتان وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما

(3/146)


انه قال ليس علي النساء اذان واما ان الاقامة تستحب فلانها لاستفتاح الصلاة واستنهاض الحاضرين فيستوى فيها الرجال والنساء فلو اذنت علي هذا القول من غير رفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تعالى والثانى انه لا أذان ولا اقامة أما الاذان فلما سبق واما الاقامة فلانها تبع الاذان والثالث انه يستحب الاذان والاقامة لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تؤذن وتقيم ثم لا يختص هذا الخلاف بما إذا صلين جماعة بل وهو جار في المرأة المنفردة ولكن بالترتيب علي الرجل ان قلنا لا يؤذن الرجل المنفرد فالمرأة أولى وان قلنا يؤذن ففى المرأة هذا الخلاف وقوله ولا يرفع الصوت بحال أي لا ترفع المؤذنة صوتها فوق ما تسع واحبها ويحرم عليها أن تزيد على ذلك قال في النهاية وحيث قلنا في أذان الجماعة الثانية في المسجد الذى أقيم فيه الجماعة الاولي والاذان الراتب انه لا يرفع صوته فلا يعنى به أن الاولى أن لا يرفع فان الرفع أولي في حقه ولكن يعني به انه يعتد باذانه دون الرفع ورابعها المفروضة فليس في غير المفروضة اذان ولا اقامة سواء فيه الصلاة التي

(3/147)


يسن له الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء واتى لا يسن كصلاة الضحي لانه لم ينقل الامر به عن الرسول صلي الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين رضى الله عنهم ولكن ينادى لصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء الصلاة جامعة وكذلك لصلاة التراويح إذا اقيمت جماعة واختلف الناقلون في صلاة الجنازة فعدها المصنف في جملة ما يستحب فيه هذا النداء وكذلك فعله القاضى ابن كج وآخرون وقال الشيخ ابو حامد وطبقته لا يستحب لها الاذان والاقامة ولا هذا النداء ووافقهم صاحب التهذيب فلا بأس بأعلام قوله بل ينادى لها الصلاة جامعة لهذا السبب

(3/148)


وخامسها المؤداة ففى الفائتة ثلاثة أقوال الجديد انه لا يؤذن لها لما روى عن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (حسبنا عن الصلاة يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هو يا من الليل فدعا رسول
الله صلي الله عليه وسلم بلالا فاقام للظهر فصلاها ثم أقام للعصر فصلاها ثم اقام للمغرب فصلاها

(3/149)


ثم أقام للعشاء فصلاها ولم يؤذن لها مع الاقامة) والقديم انه يؤذن لها وبه قال مالك وابو حنيفة وأحمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم كان في سفر فقال (احفظوا علينا صلاتنا) يعتى الفجر فضرب علي اذاتهم فما ايقظهم الاحر الشمس فقاموا فسار واهينة ثم نزلوا فتوضأ واو اذن بلال فصلوا ركعتي الفجر وركبوا وقال في الاملاء ان امل اجتماع قوم يصلون معه اذن والا فلا قال الائمة الاذان في

(3/150)


الجديد حق الوقت وفى القديم حق الفريضة وفى الاملاء حق الجماعة وهذا الخلاف في الاذان اما الاقامة فنأتي بها علي الاقوال كلها ثم استفيد من هذا الخلاف شيئان أحدهما أن الفرق في المنفرد بين ان ينتظر حضور جمع أولا ينتظر مخرج من قول الاملاء مصيرا إلى ان الاذان حق الجماعة حكى تخريجه منه عن ابى اسحق المروزى والثاني ظهور القول بان المنفرد في المؤداة هل يؤذن لها وجب ان يرتب فنقول ان قلنا المؤداة لا يؤذن لها فالفائتة أولي وان قلنا يؤذن ففى الفائتة

(3/151)


خلاف ولو اقيمت الفائتة جماعة فلا جريان للقول الثالث: واعلم بعد هذا ان قول المصنف وفى صلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال لفظ المفروضة مستغنى عنها فانا عرفنا بالتقييد سابقا ان غير المفروضة لا اذان لها إذا كانت مؤداة فكيف يتوهم لها الاذان إذا كانت مؤداة فائتة ثم قوله فيه ثلاثة اقوال في الثالث يقيم ولا يؤذن يقتضي ان يكون احد الاقوال انه يؤذن لها والثانى لا يؤذن لها ولا يقيم والثالث ما ذكره وتكون هذه الاقوال حينئذ علي مثال ما قدمه في جماعة النساء لكن سهو ههنا بلا شك فقد اطبقت النقلة على ان الفائتة يقيم لها وانما الاقوال في الاذان وأن ثالثها الفرق بين ان ينتظر حضور جمع اولا ينتظره وقد نقله المصنف علي الصحة في الوسيط فقال في الجديد يقيم ولا يؤذن

(3/152)


وفى القديم يقيم ويؤذن وفى الاملاء ان انتظر حضور جمع اذن والا اقتصر علي الاقامة وهى متفقة
علي انه يقيم لها وهذا كله في الفائتة الواحدة فان كانت عليه فوائت وقضاها على التوالى ففى الاذان للاولي هذه الاقوال ولا يؤذن لما عداها بلا خلاف ويقيم لكل واحدة منها الاولي وغيرها وعند ابي حنيفة يتخير فيما بعد الاولى ان شاء اذن واقام وان شاء اقتصر على الاقامة ولو والي بين فريضة وقت وفائتة فان قدم فريضة الوقت اذن واقام لها واقتصر على الاقامة للفائتة وان قدم الفائتة

(3/153)


أقام لها وفى الاذان الاقوال وأما فريضة الوقت فقد قال في النهاية ان قلنا يؤذن للفائتة فلا يؤذن للمؤداة بعدها كي يتوالى الاذانان وان قلنا يقتصر للفائتة علي الاقامة فيؤذن للاداء بعدها ويقيم والاظهر انه يقتصر لصلاة الوقت بعد الفائتة علي الاقامة بكل حال لحديث ابي سعيد الخدرى فانه لم يأمر للعشاء بالاذان وإن جمع بين صلاتي جمع بسفر أو مطر فان قدم الاخيرة الي وقت الاولي كتقديم العصر الي الظهر فيؤذن ويقيم للاولى ويقتصر للثانية علي الاقامة لما روى انه صلي الله عليه وسلم

(3/154)


(جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر باذن واقامتين) وايضا فانه لو اذن للثانية للاخل بالموالاة وهى مرعية عند التقديم لا محالة وإن أخر الاولى الي وقت الثانية كتأخير الظهر إلى العصر اقام لكل واحدة منهما ولم يؤذن للعصر محافظة علي الموالاة وأما الظهر فتجرى فيه أقوال الفائتة لانها تشبهها من جهة انها خارجة عن وقتها الاصلي والاصح انه لا يؤذن لها ايضا لان النبي

(3/155)


صلى الله عليه وسلم (جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء باقامتين من غير أذان) قال امام الحرمين قدس الله روحه وينقدح أن يقول يؤذن قبل الظهر وان قلنا الفائتة لا يؤذن لها اما لانها مؤداة ووقت الثانية وقت الاولى عند العذر واما لان اخلاء صلاة العصر عن الاذان وهى واقعة في وقتها بعيد فيقدر الاذان الواقع قبل صلاة الظهر للعصر وقد يؤذن الانسان لصلاة ويأتي بعده بتطوع وغيرها الي ان تتفق الاقامة وتخلله لا يقدح في كون الاذان لتلك الصلاة * وعند ابى حنيفة يصلى للمغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واقامة ولا يقيم للعشاء ويجوز ان
يعلم بالواو قوله بلا اذان وكذا قوله في حالة التقديم فيؤذن للظهر لانه لتخصيص الاذان بالظهر وقد حكي القاضى ابو القاسم بن كج ان ابا الحسن بن القطان خرج وجها انه يؤذن لكل واحدة

(3/156)


من صلاتي الجمع قدم أو اخر وقوله علي أن الظهر كالفائته فلا يؤذن لها هذا وحده لا يوجب نفى الاذان فيهما لكنه يفيد نفى الاذان للظهر واما العصر فانما لا يؤذن لها لمعنى الموالاة ويلزم من مجموع الامرين ان يكون اداؤهما بلا اذان وقد نجد في بعض النسخ التعرض لسبب نفى الاذان للعصر ايضا والله اعلم وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان القيود الخمسة مختلف فيها كلها سوى القيد الرابع وان الظاهر عدم اعتبار الاول والثاني واعتبار الثالث والخامس * (فرع) - لا يشرع الاذان في الصلاة المنذورة كذلك رواه صاحب التهذيب وغيره ويخرج عن الضابط بقيد الجماعة فان الجماعة لا يشرع فيها * قال (الفصل الثاني في صفة الاذان وهو مثني مثني والاقامة فرادى علي الادراج: والترجيع مأمور به وكذا التثويب في اذان الصبح علي القديم وهو الصحيح: والقيام والاستقبال شرط للصحة في احد الوجهين ثم يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يحول صدره عن القبلة)

(3/157)


الفصل ينتظم مسائل (احدها) الاذان مثني والاقامة فرادى خلافا لابي حنيفة حيث قال الاقامة كالاذان الا أنه يزاد فيها كلمة الاقامة لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنه قال (كان الاذان على

(3/158)


عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى والاقامة فرادى الا أن المؤذن كان يقول قد قامت الصلاة مرتين) ثم قولنا الاذان مثنى ليس المراد منه ان جميع كلماته مثناة لان كلمة لا اله الا الله في آخره لا يؤتي

(3/159)


بها الا مرة واحدة فكلمة التكبير يؤتى بها في أوله أربع مرات خلافا لمالك حيث قال لا يؤتى
بالتكبير في أوله الامرتين لنا أن ابا محذورة كذلك (حكاه عن تلقين رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم إياه) وكذلك هو في قصة رؤيا عبد الله بن زيد في الاذان وهي مشهورة وقولنا الاقامة فرادى

(3/160)


لا نعنى به أن جميع كلماتها موحدة بل كلمة التكبير مثناة في الابتداء والانتهاء وكذلك كلمة الاقامة هذا قوله في الجديد وفى القديم لا يقول هذه الكلمات الامرة وبه قال

(3/161)


مالك لما روى أنه (أمر بلالا أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة) وهذا يقتضى ايتار جميع الكلمات وحجة الجديد ما قدمنا من خبر ابن عمر رضى الله عنهما ومنهم من يقتصر في حكاية القديم علي

(3/162)


إفراد كلمة الاقامة دون التكبير ويجوز أن يعلم قوله والاقامة فرادى مع الحاء بالواو لان محمد بن اسحق بن خزيمة من أصحابنا قال ان رجع في الاذان ثني الاقامة وإلا أفردها جمعا بين الاخبار في

(3/163)


الباب وذكر في التهذيب أنه قول للشافعي رضى الله عنه لما روى عن أبى محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم (علمه الاذان تسع عشرة كلمة والاقامة سبع عشر كلمة) (الثانية) المستحب أن يرتل الاذان ويدرج الاقامة والترتيل أن يأتي بكلماتها مبينة من غير تمطيط يجاوز الحد والادراج أن يأتي بالكلمات حدرا

(3/164)


من غير فصل لما روى عن جابر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) والترسل هو الترتيل (الثالثة) ينبغى أن يرجع في أذانه خلافا لابي حنيفة واحمد والترجيع

(3/165)


هو أن يأتي بالشهادة مرتين مرتين بصوت خفيض ثم يمد صوته فيأتي بكل واحدة منهما مرتين أخريين بالصوت الذى افتتح الاذان به لنا ما روى عن أبى محذورة قال (القي على رسول الله صلي

(3/166)


الله عليه وسلم التأذين بنفسه فقال قل الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله الا اله الا الله اشهد أن لا اله الا الله اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله ثم قال أرجع فمد صوتك اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله وذكر باقى الاذان ووافقنا مالك علي أنه يرجع لكن الصيدلانى روى من مذهبه أنه لا يزيد في كلمات الاذان بل الترجيع

(3/167)


أن يقول مرة أشهد أن لا اله الا الله ثم مرة اشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع فيمد صوته ويعيد الكلمتين مرة مرة بصوت عال ثم أن المصنف لم يزد في الكتاب على كون الترجيع مأمورا به والامر به يشمل المستحق والمستحب فمن أي القسمين هو الاصح أنه مستحب ولو تركه لم يضر كالتثويب ولان المقصود الاعلام والابلاغ والذى يأتي به بصوت خفيض لا يسمعه الا من حوله فلا يتعلق به ابلاغ وفيه وجه اخر انه مستحق فيه كسائر الكلمات المأمور بها ومنهم من يحكيه قولا الرابعة

(3/168)


التثويب في أذان الصبح ورد الخبر به وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين ثم يأتي بباقى الاذان وسمي تثويبا من قولهم ثاب إلى الشئ أي عاد والمؤذن يعود به الي الدعاء الي الصلاة بعد ما دعا إليها بالحيعلتين وفيه طريقان أحدهما وهو المذكور في الكتاب ان فيه قولين القديم انه يثوب والجديد انه لا يتوب والثانى القطع بأنه يثوب وبه قال مالك وأحمد لما روى عن بلال رضى

(3/169)


الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تثوبن في شئ من الصلاة الا في صلاة الفجر) وبهذه الطريقة قال أبو علي الطبري والشيخ ابو حامد والقاضى ابن كح وحكاها الصيدلانى واعتمدها قال هؤلاء وانما كرهه في الجديد معللا بأن أبا محذورة لم بحكه وقد ثبت عن أبي محذورة

(3/170)


انه قال (علمتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان وقال وإذا كنت في اذان الصبح فقلت حي علي الفلاح فقل الصلاة خير من النوم مرتين) فيحتمل انه لم يبلغه عن أبى محذورة وبنى
التثويب في القديم على رواية غيره ويحتمل انه يلغه في القديم ونسيه في الجديد وعلى كل حال فاعتماده في الجديد علي خبر أبى محذورة وروايته فكأنه قال مذهبي ما ثبت في حديثه ومن أثبت القولين

(3/171)


قال المسالة مما يفتى فيها علي القديم * وأما أبو حنيفة فقد روى عنه مثل مذهبنا وروى انه يمكث بعد الاذان بقدر عشرين آية ثم يقول حى علي الصلاة حي علي الفلاح مرتين وقال انه التثويب ثم المشهور في التثويب القطع بأنه ليس بركن في الاذان وقال امام الحرمين فيه احتمال عندي من جهة انه يضاهى كلمات الاذان في شرع رفع الصوت به فكان أولي بالخلاف من الترجيع وقوله وكذا التثويب

(3/172)


في اذان الصبح مطلق يشمل الاذان الاول والثاني للصبح لكن ذكر في التهذيب انه إذا أذن مرتين وثوب في الاول لا يثوب في الثاني علي أصح الوجهين (الخامسة) ينبغي أن يؤذن ويقيم قائما لان الملك الذى رآه عبد الله بن زيد في المنام أذن قائما وكذلك كان يفعل بلال وغيره من مؤذني رسول الله صلي الله عليه وسلم ولانه أبلغ في الاعلام فلو ترك القيام مع القدرة ففيه وجهان أصحهما ان الاذان والاقامة صحيحان لحصول أصل الابلاغ والاعلام ولانه يجوز ترك القيام في صلاة النفل ففى الاذان أولي الا انه يكره ذلك الا إذا كان مسافرا فلا بأس بأن يؤذن راكبا قاعدا والثاني انه لا يعتد بأذانه واقامته كما لو ترك القيام في الخطبة وهذا لان شرائط الشعار تتلقي من استمرار

(3/173)


الخلق واتفاقهم وهذا مما استمروا عليه وينبغى أن يستقبل فيهما القبلة بمثل ما قدمناه ولو تركه وأذن

(3/174)


مستديرا ففيه الخلاف المذكور في ترك القيام ويستحب الالتفات في الحيلعتين يمينا وشمالا وذلك

(3/175)


بأن يلوى رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة أو يزيل قدميه عن مكانهما لما روى عن أبي جحيفة

(3/176)


قال (رايت بلالا خرج إلى الابطح فأذن فلما بلغ حي علي الصلاة حى الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدبر) وكيفيته أن يلتفت يمينا فيقول حى علي الصلاة مرتين ثم يلتفت شمالا فيقول حى على الفلاح مرتين وهذا هو الاصح وعليه العمل وبه قال أبو حنيفة وعن القفال انه يقسم كل حيعلة علي الجهتين فيقول حي علي الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره وكذلك قوله حي علي الفلاح ولفظ الكتاب يصلح لهذا الوجه بأن يكون المعنى انه يلتفت في كل حيعلة يمينا وشمالا ولكنه لم يرد ذلك وانما اراد الهيأة المشهورة والمعنى يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا في الاولى وشمالا في الثانية ثم حكى صاحب البيان على الوجه الاول وجهين فيما يفعل الي تمام كل واحدة من الحيعلتين (أحدهما) انه يلتفت يمينا

(3/177)


ويقول حي علي الصلاة مرتين ثم يرد وجهه الي القبلة ثم يلتفت شمالا ويقول حي علي الفلاح مرتين وهذا ما عليه العمل والثانى يلتفت يمينا ويقول حى على الصلاة مرة ثم يرد وجهه الي القبلة ثم يلتفت يمينا ويقول حى على الصلاة مرة أخرى وكذلك يفعل بالجهة الثانية وانما اختصت الحيعلتان بالالتفات دون سائر الاذان لان سائر الاذان ذكر الله تعالي وهنا خطاب الادمى فلا يعدل عن القبلة فيما

(3/178)


ليس بخطاب الادمى وهذا كالسلام في الصلاة ويلتفت فيه ولا يلتفت في سائر الاذكار وانما لم يستحب في الخطبة أن يلتفت يمينا وشمالا لان ألفاظها تختلف والغرض منها الوعظ والافهام فلا يخص بعض الناس بشئ منها كيلا يختل الفهم بذهاب بعض الكلام عن السماع وههنا الغرض الاعلام بالصوت وذلك يحصل بكل حال وفي الالتفات اسماع النواحى وهل يستحب الالتفات

(3/179)


في الاقامة فيه وجهان أشهرهما نعم كما في الاذان والثاني لا لان المقصود منها اعلام الحاضرين فلا حاجة الي الالتفات الا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه وليكن قوله ولا يحول صدره عن القبلة معلما بالحاء والالف لان عند أبى حنيفة وأحمد ان أذن علي المنارة دار عليها وان أذن علي وجه الارض اقتصر علي الالتفات
قال (ورفع الصوت في الاذان ركن) *

(3/180)


ينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالاذان وأن يبالغ فيه ما لم يجهده وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (يغفر للمؤذن مدى صوته) ثم الاذان ينقسم الي ما يأتي به الانسان لفنسه وإلى ما يأتي به للجماعة أما الاول فيكفى فيه أن يسمع نفسه على المشهور لان الغرض منه الذكر دون الاعلام وقال الامام الاقتصار علي اسماع النفس يمنع كون المأتي به أذانا واقامة فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده لو حضر ثم نفر بخلاف الذى قدمناه في أن المنفرد إذا أذن هل يرفع صوته مفروض علي المشهور في انه هل يستحب الرفع وعلي ما ذكره الامام في انه هل يعتد به دون الرفع وأما الاذان للجماعة فقد نقل عن نصه انه لو جهر بشئ من الاذان وخافت بشئ لم يكن عليه اعادة ما خافت به كما لو أسر بالقراءة في موضع الجهر وللاصحاب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه لا باس بالاسرار جريا

(3/181)


علي ظاهر النص (وثانيها) انه لا يجوز الاسرار بالكل ولو أسر بكلمة أو بكلمتين فلا بأس والنص محمول علي هذه الحالة (وأصحها) وبه قال صاحب الافصاح أنه لا يجوز الاسرار بشئ منه لان ذلك مما يبطل مقصود الاذان وهو الابلاغ والاعلام والنص محمول علي أذان المنفذر وقد عرفت بما ذكرنا ان لفظ الكتاب محمول علي أذان الجماعة ثم هو معلم بالواو للوجهين الاخرين وأما الاقامة فلا يكفى فيها الاقتصار علي اسماع النفس كما في الاذان علي الاصح ولكن الرفع فيها دون الرفع في الاذان لانها للحاضرين * قال (والترتيب في كلمات الاذان شرط ولو عكسها لا يعتد بها وان طول السكوت في أثنائها فقولان ولو بنى عليه غيره فقولان مرتبان وأولي بالالبطلان ولو ارتد في أثناء الاذان بطل وان قصر الزمان على أحد القولين لان الردة تحبط العبادة) *

(3/182)


لعلك تقول لم عد رفع الصوت ركنا والترتيب شرطا فاعلم ان ليس في هذا كثير شئ
وكلاهما مما لابد منه ولو عد الترتيب ركنا في الاذان كما فعل في الوضوء لم يبعد لكن يمكن ان يقال ركن الشئ ما يفوت بفواته المقصود من ذلك الشئ والشرط زينة الشئ وتتمتة وإذا كان كذلك فرفع الصوت مما يفوت بفواته المقصود من الاذان وهو الاعلام والترتيب زينة وهيئة للكلمات ولهذا فرقنا بين الترتيب وسائر الاركان في الوضوء فجعلنا النسيان عذرا فيه دون غيره علي قول على ان الظن أنه ما قصد تحقيق فرق بينهما وفى سياق كلامه في الوسيط ما يفهم ذلك وغرض الفصل انه يعتبر في الاذان شيثان احدهما الترتيب بين كلماته لان النبي صلى الله عليه وسلم (علمه مرتبا) فيتبع ولانه لو لم يكن لها ترتيب خاص لا ورث ذلك اختلال الاعلام والايلاغ

(3/183)


فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة ويبنى علي القدر المنتظم ولو ترك بعض الكلمات من خلاله اتى به واعاد ما بعده الثاني الموالاة لان غرض الاعلام يبطل إذا تخلل الفصل الطويل ويظن السامعون انه لعب أو تعليم ويتعلق بهذا الشرط مسائل (أحداها) لو سكت في اثناء الاذان يسيرا لم يضر لان مثله يقع للنفس والاستراحة ولا ينقطع به الولاء وان طول السكوت فقد حكي في الكتاب فيه قولين وبناهما امام على القولين في الطهارة وهذا أولي باعتبار الموالاة فيه كيلا يلتبس الامر على السامعين ولا يبطل غرض الاعلام فان اعتبرها الموالاة بطل الماتي به بالسكوت الطويل ووجب الاستئناف والا فله البناء علي المأتى به وبنى بعض الاصحاب القولين على القولين في جواز

(3/184)


البناء علي الصلاة إذا سبقه الحدث (الثانية) لكلام في خلال الاذان بمطلقه لا يبطله لانه ليس بآكد من الخطبة وهى لا تبطل به ولكن ينظر ان كان يسيرا لم يضر كما في الخطبة وكما في السكوت اليسير هذا هو المشهور وعن الشيخ ابي محمد تردد في تنزيل الكلام اليسير إذا رفع الصوت به منزلة السكوت الطويل لان الكلام اشد جرا للبس من السكوت وان تكلم بكلام كثير ففيه قولان مرتبان على السكوت الطويل وهو أولي بابطان الولاء لما ذكرنا وإذا خرج عن اهلية الاذان بغير الردة كما إذا أغمى عليه أو نام في خلال الاذان فهو علي هذا التفصيل ان كان
يسيرا أو زال علي قرب لم يضر وجاز البناء عليه وان طال ففيه القولان وان خرج عن اهلية الاذان بالردة فسياتى واعلم ان صاحب الافصاح والعراقيين قالوا يجوز البناء في هذه الصور وان طال الفصل وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه لكن الاشبه وجوب الاستئناف عند تخلل الفصل الطويل لانهم اتفقوا علي اشتراط الترتيب في الاذان وما يقتضى اشتراط الترتيب فيه هو بعينه يقتضي اشتراط الموالاة وهذا هو الذى اورده الصيدلاني والشيخ أبو علي وتابعهما صاحب التهذيب وغيره وحملوا كلام الشافعي رضى الله عنه علي الفصل اليسير ثم في الاغماء والنوم يستحب الاستئناف وان لم يجب أما لقصر الزمان أو على قولنا انه لا يضر وان طال الزمان وكذلك يستحب

(3/185)


الاستئناف في الكلام والسكوت الكثيرين وان قلنا انهما لا يبطلان ولا يستحب الاستئناف إذا كانا يسيرين (الثالثة) المستحب ان لا يتكلم في اذانه بشئ فلو عطس حمد الله تعالى في نفسه وبنى ولو سلم عليه انسان أو عطس لم يجب ولم يشمت حتى يفرغ ولو أجاب أو شمت أو تكلم بما فيه مصلحة لم يكره وان ترك المستحب وان رأى اعمي يكاد يقع في بئر فلابد من انذاره (الرابعة) إذا لم يحكم ببطلان الاذان بالفصل المتخلل فله ان يبني علي اذانه وهل لغيره البناء عليه فيه قولان بناهما بعضهم علي جواز الاستخلاف في الصلاة وقال ان جوزنا صلاة واحدة بامامين ففى الاذان أولى وان لم نجوز ففى الاذان قولان والفرق ان الاذان لا يتأثر باكلام اليسير والاغماء بخلاف الصلاة ومنهم من بناهما علي جواز البناء علي خطبة الخطيب إذا أغمى عليه في اثنائها وهما قريبان لان الخلاف في الخطبة ايضا مبنى علي قولي الاستخلاف في الصلاة ولذلك إذا جوزنا البناء شرطنا ان يكون الذى يبنى ممن سمع الخطبة من أولها ومنهم من رتب بناء غيره على بنائه علي اذان نفسه عند طول الفصل وهو أولي بالبطلان لان صدور الاذان من رجلين ابلغ في اثارة اللبس وهذا الترتيب هو المذكور في الكتاب وظاهر المذهب المنع من بناء الغير عليه (الخامسة) لو ارتد بعد

(3/186)


الفراغ من اذانه ثم اسلم واقام جاز لكن المستحب ان لا يصلي باذانه واقامته بل يعيد غيره الاذان
ويقيم لان ردته تورث شبهة في حاله ولو ارتد في خلال الاذان لم يجز البناء عليه في الردة بحال لان اذان الكافر لا يعتد به كما سيأتي ولو عاد الي الاسلام فهل يجوز البناء عليه منهم من يحكى فيه قولين وكذلك فعل المصنف ومنهم من رواهما وجهين وهم الاكثرون وانما كان كذلك لانهما ليسا بمنصوصين لكن روى عن نصه في الاذان انه لا يبنى وفي المعتكف إذا ارتد ثم أسلم انه يبني فخرجوهما علي قولين احدهما وبه قال ابو حنيفة انه لا يجوز البناء لانه عبادة واحدة فتحبط بعروض الردة فيها كالصلاة وغيرها واصحهما الجواز والردة انما تمنع العبادة في الحال فلا تبطل ما مضى الا إذا اقترن بها الموت وتخرج عليه الصلاة ونحوها من العبادات لانها لا تقبل الفصصل بحال

(3/187)


وقطع بعضهم بهذا الوجه الثاني وحمل كلام الشافعي رضى الله عنه على ما إذا اطال زمان الردة فالحاصل في الردة طريقان احدهما طرد الخلاف في مطلق الارتداد طال زمانه أم قصر وعلى هذا فللبطلان عند طول الزمان ماحذان طول الفصل وكون الردة مبطلة للعبادة والطريقة الثانية تخصيص الخلاف بما إذا طال الزمان الارتداد وتجويز البناء إذا قصر جزما وعلى هذا فالردة بمثابة الاغماء والكلام وغيرهما وهل لغير المرتد البناء على اذانه فيه خلاف الذى سبق وكذا لو مات في خلال الاذان وقوله ولو ارتد في اثناء الاذان بي ل وان قصر الزمان على احد القولين جرى علي الطريقة الاولى واثبات للخلاف في طول الزمان وقصره تعليلا بان الردة مبطلة للعباد * قال (الفصل الثالث في صفة المؤذن ويشترط ان يكون مسلما عاقلا ذكرا فلا يصح اذان كافر وامرأة ومجنون وسكران مختبط ويصح أذان الصبى المميز) * الصفات المعتبرة في المؤذن تنقسم إلى مستحقة ومستحبة فبدأ بالمستحقة وهى الاسلام والعقل والذكورة أما الاسلام فلا يصح أذان الكافر لانه ليس من اهل العبادة ولانه لا يعتقد مضمون الكلمات ولا الصلاة التى هي دعاء إليها فاتيانه به ضرب من الاستهزاء ثم الكفار ضربان أحدهما

(3/188)


الذين يستمر كفرهم مع الاتيان بالاذان وهم العيسوية فرقة من اليهود ويقولون محمد رسول الله
إلى العرب خاصة فلا ينافى لفظ الاذان مإقالتهم والثانى سائر الكفار وفى الحكم باسلامهم بكلمتي الشهادة في الاذان وجهان نقلهما صاحب البيان أحدهما لا نحكم لانه يأتي به علي سبيل الحكاية وأصحهما وهو المشهور في الكتب انه يحكم بالاسلام كما لو تكلم بالشهادتين باستدعاء غيره فعلي هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الاتيان بالاذان ولكنه لا يعتد باذانهم لوقوع أوله في الكفر وأما العقل فهو شرط فلا يصح أذان المجنون لانه ليس أهلا للعبادة وفي أذان الكسران وجهان مبنيان علي الخلاف في تصرفاته واعتبار قصده واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يلحق بالمجنون تغليظا للامر عليه وانما شرط كونه مخبطا اشارة الي ان الذى هو في أول النشوة ومبادي النشاط يصح أذانه كسائر تصرفاته لانتظام قصده وفعله وأما الذكورة فلا يصح من المرأة أن تؤذن للرجال كما لا يجوز ان تؤمهم وكذلك لا يعتد باذان الخنثى المشكل للرجال وأما أذان المرأة لنفسها ولجماعة النساء فقد سبق حمكه وقوله وولا يصح أذان كافر وامرأة المراد منه ما إذا أذنت للرجال وان كان الكلام مطلقا ويصح الاذان من الصبى المميز لوجود الشرائط الثلاث وصار كامامته للبالغين وليكن قوله ذكرا وقوله وامراة مرقوما بالحاء لان المحكى عن أبى حنيفة أنه يعتد بأذانها للرجال وبالواو لان صاحب التتمة روى وجها مثل ذلك وليكن قوله ويصح اذان الصبي المميز معلما بالواو أيضا لان صاحب التتمة روى وجهان انه لا يعتد بأذانه ومأخذ الوجهين الغريبين تنزيل الاذان منزلة الاخبار لانه بناء عن دخول الوقت وخبر المرأة مقبول وخبر الصبي غير مقبول * قال (ويستحب الطهارة في الاذان ويصح بدونها والكراهية في الجنب أشد وفي الاقامة أشد)

(3/189)


يستحب الطهارة في الاذان ولا تجب خلافا لاحمد وبعض أصحابه لنا ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (حق وسنة ان لا يؤذن الرجل الا وهو طاهر) وهذا يقتضى الاستحباب

(3/190)


وينفى الوجوب وروى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يؤذن الا متوضئ) وأيضا فانه يدعو
الي الصلاة فينبغي ان يكون هو بصفة تمكنه ان يصلى والا فهو واعظ غير معظ فلو اذن واقام جنبا أو محدثا فقد فعل مكروها ولكن يحسب أذانه لحصول مقصوده وكونه اهلا واذان الجنب أشد كراهة من اذن المحدث لان الجنابة اغلظ وما يحتاج إليه الجنب لتمكنه الصلاة فوق ما يحتاج إليه المحدث والاقامة مع أي واحد من الحدثين اتفقت أشد كراهة من الاذان مع ذلك الحدث لان الاقامة يتعقبها الصلاة وتكون بعد حضور القوم فان انتظروه ليتظهر ويعود شق عليهم والا ساءت الظنون فيه واتهم بالكسل في الصلاة * قال (وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت ليكون أرق لسامعيه وليكن عدلا ثقة لتقلده عهدة المواقيت) *

(3/191)


مما يستحب في المؤذن أن يكون صيتا لقوله صلي الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد (القه علي بلال فانه اندى منك صوتا) والمعنى فيه زيادة الابلاغ والاسماع ولهذا يستحب أن يضع اصبعيه في صماخي اذنيه لتنسد خروق الاذنين فيكون اجمع للصوت وان يؤذن علي موضع عال من منارة وسطح ونحوهما ومما يستحب فيه ان يكون حسن الصوت لان النبي صلي الله عليه وسلم اختار أبا محذورة لحسن صوته ولان الدعاء الي العبادة جذب للنفوس الي خلاف ما تقتضيه طباعها فإذا كان الداعي حلو المقال رقت قلوب السامعين فيكون ميلهم الي الاجابة أكثر ومما يستحب فيه أن يكون عدلا لمعنيين أحدهما ان السنة أن يؤذن علي موضع عال وحينئذ يشرف على العورات فإذا كان عدلا غض البصر وأمن منه والثانى انه يتقلد عهدة المواقيت فإذا كان فاسقا لم يؤمن أن يؤذن قبل الوقت وهذا المعنى هو الذى ذكره في الكتاب فان قلت قد قدمتم فيما سبق خلافا في انه هل يجوز الاعتماد على أذان المؤذن أم لا فان جاز فربما يؤذن قبل الوقت فيفطر الصائم ويصلي المبادر فيلزم المحذور أما إذا لم يجز فكل يعمل بعلمه واجتهاده فلا يستمر هذا المعنى قلنا

(3/192)


الاذان قبل الوقت غير محسوب ولا يؤمن أن يقدمه علي الوقت فيكون القوم مصلين بغير أذان وكل
احد وان اجتهد للصلاة لا يجتهد للاذان فظهر المحذور علي التقدير الثاني أيضا وأما قوله عدلا ثقة فلعلك تقول لم جمع بين اللفظين فاعلم انهما جميعا موجودن في كلام الشافعي رضي الله عنه واختلف الاصحاب منهم من قال انه تأكيد في الكلام ومنهم من قال أراد عدلا في دينه ثقة في العلم بالمواقيت ومنهم من قال أراد عدلا ان كان حرا ثقة ان كان عبدا لان العبد لا يوصف بالعدالة لكن يوصف بالثقة والامانة * قال (والامامة أفضل من التأذين على الاصح لمواظبة النبي صلي الله عليه وسلم عليها) كل واحد من الاذان والامامة عمل فيه فضيلة ثم لا يخلو اما أن تكون الامامة أفضل من الاذان أو بالعكس أو لا يكون واحد منهما أفضل من الاخرو رابع هذه الاقسام محال وأما القسم الثالث وهو التسوية بينهما فهو وجه غريب لعبض الاصحاب حكاه صاحب البيان وغيره وأما القسمان الاولان ففيهما وجهان مشهوران أحدهما أن الامامة أفضل لان الرسول صلي الله عليه وسلم واظب عليها دون الاذان وكذا الخلفاء بعده والثاني أن الاذان أفضل لقوله صلي الله عليه وسلم (الائمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الائمة وغفر للمؤذنين) والامين أحسن حالا من الضمين والدعاء بالمغفرة خير من الدعاء بالارشاد واعتذر الصائرون إلى هذا الوجه عن ترك الرسول صلي الله عليه وسلم الاذان بوجوه (أحدها) انه إذا قال حي علي الصلاة

(3/193)


لزم أن يتحتم حضور الجماعة لانه أمر ودعاء واجابة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة فتركه شفقة علي أمته (والثانى) انه لو أذن لكان اما أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله وليس ذلك بجزل والقائل محمد الرسول صلي الله عليه وسلم واما أن يقول أشهد أني رسول الله وهو تغيير لنظم الاذان (والثالث) انه ما كان يفرغ للمحافظة علي الاذان لاشتغاله بسائر مهمات الدين من الجهاد وغيره والصلاة لابد من اقامتها بكل حال فآثر الامامة فيها والي هذا الوجه أشار عمر رضي عنه بقوله (لولا الخليفى لاذنت) ولمن نصر الوجه الاول أن يقول لا اسلم غانه لو اذن لتحتم الحضور وانما يلزم ذلك أن لو كان الامر والدعاء في هذا الموضع للايجاب ومعلوم ان الاوامر منقسمة إلى
ما يكون للايجاب والى ما يكون للاستحباب وأما الثاني فلم قلتم انه لو قال اشهد ان محمدا رسول الله لاختلت الجزالة ألا ترى ان الله تعالي يقول (انما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب) ولم يقل

(3/194)


وخشينى بالغيب ونظائر ذلك لا تحصى ثم ما قولكم في كلمة الشهادة في التشهد أكان يقول اشهد ان محمدا رسول الله أو يقول أشهد أني رسول الله فان كان الاول فلا اختلال وان كان الثاني وهو المنقول فلم احتمل تغيير النظم منه ثم ولا يحتمل ههنا وأما الثالث فلا نسلم أن الاشتغال بسائر المهمات يمنع من الاذان مع حضور الجماعة واقامة الصلوات في أول الوقت وبتقدير التسليم فلا شك انه كان له أوقات فراغ فينبغي ان يؤذن في تلك الاوقات وإذا عرفت ذلك فاعلم ان الذى اختاره كثيرون من اصحابنا منهم الشيخ ابو حامد واتباعه أن الاذان أفضذل وغلطوا من صار الي تفضيل الامامة وبالغوا فيه وتابعهم صاحب التهذيب وعكس المصنف ذلك فجعل تفضيل الامامة أصح والذى فعله أولى وبه قال صاحب التقريب والقفال والشيخ أبو محمد وغيرهم ورجحه القاضي الرويانى أيضا وحكاه عن نص الشافعي رضى الله عنه في كتاب الامامة وعلل بان الامامة أشق فيكون الفضل فيها اكثر وتوسط بعض علمائنا بين المذهبين منهم أبو علي الطبري والقاضى بن كج والمسعودي والقاضى الحسين فقالوا ان علم من نفسه القيام بحقوق الامامة وما ينوب فيها واستجمع خصالها فالامامة افضل له وإلا فالاذان أفضل وأما الجمع بين الاذان والامامة فلا يستحب لم يفعله الرسول صلي الله عليه وسلم

(3/195)


ولا أمر به ولا السلف الصالح بعده وأغرب القاضي ابن كج فقال الافضل لمن يصلح لهما أن يجمع بينهما ولعله أراد الاذان لقوم والامامة لاخرين والله أعلم * قال (وللامام أن يستأجر المؤذن من بيت المال وهل لاحاد الناس ذلك فيه خلاف) * المؤذن يستحب له التطوع بالاذان لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار) فان لم يتطوع وطمع في شئ ففيما يصرف إليه طريقان أحدهما إدرار رزق عليه والثانى أن يعطي أجرة في اجارة والمذكور في الكتاب هو الثاني فأما
الطريق الاول فللامام أن يرزق المؤذن من مال المصالح وهو خمس خمس الفئ والغنيمة المضاف

(3/196)


الي الله تعالي ورسوله ولا يرزقه من اربعة أخماس خمسها لانها لاقوام مخصوصين كالزكاة وكذا لا يرزقه من أربعة أخماس الغنيمة لانها للغانمين وفي أربعة أخماس الفئ قولان يأتي ذكرهما في موضعهما ان شاء الله تعالي ان جعلناها للمصالح جاز أن يرزقه منها والا فلا: ثم إنما يرزق عند الحاجة وعلي قدر الحاجة فلو وجد فاسقا يتطوع بالاذان فله أن يرزق أمينا لا يتطوع وفيه وجه بعيد ولو وجد أمينا يتطوع وثم آخر حسن صوتا منه فهل يجوز أن يرزقه فيه وجهان أحدهما وينسب الي ابن سريج نعم والثاني ويحكي عن القفال لا وإذا كان في البلد مساجد فان لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين تحصل بهم الكفاية ويتأدي الشعار وان امكن فوجهان احدهما يجمع ويقتصر على رزق واحد نظرا لبيت المال والثاني يرزق الكل حتى لا تتعطل المساجد ولو لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالاهم وهو رزق

(3/197)


مؤذن الجامع واذان صلاة الجمعة اهم من غيره وكما يجوز الرق من بيت المال يجوز للامام ان يرزق من مال نفسه وكذلك للواحد من الرعايا وحينئذ لا حجر يرزق كم شاء ومتي شاء واما الطريق الثاني وهو ان يستأجر على الاذان ويعطي اجرة عليه فهل يجوز ذلك فيه وجهان احدهما وبه قال ابو حنيفة واحمد انه لا يجوز لانه عمل يعود نفعه الي الاجير فلا يصح الاستئجار عليه كالاستئجار علي القضاء لا يجوز وان جاز ان يرزق القاضى من بيت المال وهذا اختيار الشيخ ابى حامد ويقال ابن ابن المنذر نقله عن الشافعي رضي الله عنه واصحهما انه يجوز وبه قال مالك لانه عمل معلوم يجوز اخذ الرزق عليه فيجوز اخذ الاجرة عليه ككتبة المصاحف وعلي هذا فهل يختص الجواز بالامام ام يجوز لكل واحد فيه وجهان احدهما انه يختص بالامام أو من اذن له الامام لانه من الشعائر والمصالح العامة والامام هو القوام بها فيصرف مال بيت المال الي هذه الجهة واظهرهما أنه يجوز لاحاد الناس من أهل المحلة وغيرهم الاستئجار عليه ما مالهم كالاستئجار علي الحج وتعليم القرآن ويحصل من هذا الترتيب ثلاثة أوجه المنع المطلق والجواز المطلق والفرق بين الامام وغيره وقد
ذكرها المصنف جميعا في باب الاجارة من الكتاب وان لم يذكر في الامام خلافا في هذا الموضع فلو اعلمت قوله وللامام أن يستأجر بالواو مع الحاء والالف لكلان صحيحا والمذكور في الاجارة يشتمل علي القدر المذكور ههنا مع زيادة فلو طرحه لماضر وإذا فرعنا علي جواز الاستئجار فانما نجوز للامام الاستئجار من بيت المال حيث يجوز له الرزق منه خلافا ووفاقا وذكر في التهذيب أنه لا يحتاج الي بيان المدة إذا استأجر من بيت المال بل يكفى أن يقول استأجرتك لتؤذن

(3/198)


في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا وان استأجر من مال نفسه أو استأجر واحد من عرض الناس ففى اشتراط بيان المدة وجهان قال والاقامة تدخل في الاستئجار للاذان فلا يجوز الاستئجار علي الاقامة إذ لا كلفة فيها وفى الاذان كلفة لمراعاة الوقت وليست هذه الصورة بصافية عن الاشكال * قال (فرع) إذا كثر المؤذنون فلا يستحب ان يتراسلوا بل ان اتسع الوقت ترتبوا ثم من اذن أولا فهو يقيم فان تساووا أقرع بينهم ووقت الاقامة منوط بنظر الامام ووقت الاذان بنظر المؤذن) * الفرع يشتمل علي قاعدتين أحدهما يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وابن ام مكتوم ومن الفوائد فيه أن يؤذن أحدهما لصلاة الصبح قبل الفجر والاخر بعده كما تقدم وتجوز الزيادة لكن الاحب ان لا يزاد علي أربعة فقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة

(3/199)


من المؤذنين ولم يزد الخلفاء الراشدون علي هذا العدد وإذا ترشح للاذان اثنان فصاعدا فلا يستحب ان يتراسلوا بالاذان إذ لم يفعله مؤذنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن ينظر ان وسع الوقت ترتبوا فان تنازعوا في البداية اقرع بينهم وان ضاق الوقت فان كان المسجد كبيرا اذنوا متفرقين في افطار المسجد فانه ابلغ في الاسماع وان كان صغيرا وقفوا معا واذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الاصوات الي تشويش فان ادى لم يؤذن الا واحد فان تنازعوا اقرع بينهم روى انه صلى
الله عليه وسلم قال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) وإذا انتهى الامر الي الاقامة فان اذنوا علي الترتيب فالاول أولى بالاقامة لما روى عن زياد الصدائي قال أمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال

(3/200)


أن يقيم فقال صلى الله عليه وسلم (أن أخا صدا قد أذن ومن أذن فهو يقيم) وهذا إذا لم يكن مؤذن راتب أو كان السابق هو المؤذن الراتب فاما إذا سبق غير المؤذن الراتب فأذن فهل يستحق ولاية الاقامة فيه وجهان أحدهما نعم لاطلاق الخبر واظهرهما لا لانه مسئ بالتقدم وفي القصة المروية كان بلال غائبا وزياد أذن باذن رسول الله صلي الله عليه وسلم وإذا قلنا ولاية

(3/201)


الاقامة لمن أذن أولا فليس ذلك علي سبيل الاستحقاق بل لو اذن واحد وأقام غيره اعتد به روى أن عبد الله ابن زياد (لما القى الاذان علي بلال فأذن قال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده يا رسول الله قال فأقم انت) وحكى صاحب التتمة وغيره وجها انه لا يعتد به تخريجا من قول الشافعي رضي عنه انه لا يجوز ان يخطب واحد ويصلي آخر فهذا إذا اذنوا على الترتيب أما إذا أذنوا معا فان اتفقوا علي اقامة واحد فذاك والا اقرع بينهم ولا يقيم في المسجد الواحد الا واحد فانها لا سننها ض الحاضرين الا إذا لم تحصل الكفاية بواحد وقيل لا بأس بأن يقيم ومعا ايضا أن لم يؤد الي التشويش: ونعود إلى لفظ لكتاب قوله فلا يستحب ان يتراسلوا بل ان وسع الوقت ترتبوا نفى لاستحباب التراسل مطلقا وبيان لما يستحب علي أحد التقديرين وهو سعة الوقت وكان اللائق أن يبين معه حكم التدير الثاني فالتعرض لاحدهما والسكوت عن الثاني ترك غير مستحسن لا إيجاز فان قلت تقييد الترتيب بما أذا وسع الوقت يفيد أن الحكم بخلافه فيما إذا لم يسع الوقت قلنا نعم لكن لا يفيد الا انهم لا يترتبون ولا يعرف من ذلك انهم

(3/202)


يؤذنون جميعا لان ههنا قسما آخر وهو انه لا يؤذن الا أحدهم وبتقدير انه يفيد انهم يؤذنون جميعا اما وحده أو بقرينة قوله بعد ذلك فان استووا أقرع بينهم لكنه لا يفيد انهم يؤذنون مجتمعين
أو متفرقين في نواحى المسجد فإذا القدر المذكور لا يفيد معرفة الحكم المطلوب وأما الاقامة فقد بين حكمها علي التقديرين وأما إذا أذنوا مرتبا فحيث قال ثم من أذن أولا فهو يقيم واما إذا أذنوا

(3/203)


معا فحيث قال فان استووا أقرع بينهم والمعنى فان استووا في الاذان وتنازعوا في الاقامة والا فلو سلموها لواحد فلا حاجة الي القرعة وقوله من أذن أولا فهو يقيم وان كان مطلقا لكنه محمول علي ما إذا لم يكن السابق مسيئا بمبادرة المؤذن الراتب كما قدمناه ثم الحكم بأنه يقيم استحقاق أو استحباب قد ذكرناه (الثانية) وقت الاذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه إلى مراجعة الامام ووقت الاقامة منوط به نظر الامام فانما يقيم المؤذن عند اشارته لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (المؤذن أملك بالاذان والامام أملك بالاقامة) والمعنى فيه أن الاقامة سببها ان تعقبها الصلاة علي الاتصال والصلاة إلى الامام فينبغي أن يكون عازما علي الشروع عند تمامها ولهذا لم يقولوا بترتيب الاقامة عند كثرة المؤذنين لان ما سوى الاقامة الاخيرة لا يتصل بها الصلاة ونختم الباب بذكر محبوبات مما يتعلق بالاذان أهملها المصنف (منها) أن يكون المؤذن ممن جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم أو بعض صاحبته الاذان في آبائهم إذا وجد وكان عدلا صالحا له وان يصلى المؤذن ومن يسمع الاذان على رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد الاذان ويقول اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة

(3/204)


القائمة آت محمدا لوسيلة والضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذى وعدته وان يجب من يسمع الاذان المؤذن فيقول مثل ما يقول وان كان السامع جنبا أو محدثا الا في الحيعلتين فانه يقول لا حول ولا قوة الا بالله والا في كلمة الاقامة فانه يقول أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها والا في التثويب فانه يقول صدقت وبررت وفي وجه يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خيرمن النوم فان كان في قراءة أو ذكر فيستحب أن يقطعهما ويجيب فان ذلك لا يفوت ولو كان في الصلاة فالمستحب لا يجيب حتى يفرغ منها بل يكره أن يجيب في أظهر القولين لكن لو أجاب

(3/205)


بما استحببناه لم تبطل صلاته لانها اذكار نعم لو قال حى علي الصلاة أو تكلم بكلمة التثويب بطلت
صلاته لانه كلام ولو أجاب في خلال الفاتحة استأنفها فان الاجابة في الصلاة غير محبوبة ويستحب أن يقول من سمع أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وادبار نهارك فاغفر لي ويستحب الدعاء بين الاذان والاقامة وأن يتحول المؤذن الي موضع آخر للاقامة