فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال * (الباب الخامس) * * (في شرائط الصلاة وهى ستة) * (الاول) الطهارة عن الحدث فلو احدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته ولو سبقه الحدث بطلت (ح) علي الجديد وعلي القديم يتوضأ ويبني بشرط أن لا يتكلم ولا يحدث عمدا) * ترجم الباب بشروط الصلاة ولم يرد جميع شروطها لان منها الاستقبال وقد سبق له باب

(4/2)


منفرد ومنها ايقاع الصلاة بعد العلم بدخول وقتها أو بعد غلبة الظن به وقد صار ذلك مذكورا في باب المواقيت ولكن الغرض ههنا الكلام في ستة شروط سوى ما سبق (أحدها) طهارة الحدث وقد تبين في كتاب الطهارة أنها كيف تحصل فلو لم يكن عند الشروع في الصلاة متطهرا لم تنعقد صلاته بحال سواء كان عامدا أو ساهيا ولو شرع فيها وهو متطهر ثم احدث نظر إن احدث

(4/3)


باختياره بطلت صلاته لانه قد بطلت طهارته " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة الا بطهارة " ولا فرق بين أن يكون ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها وهو المراد من قوله في الكتاب فلو أحدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته وان أحدث بغير اختياره كما لو سبقه الحدث فلا خلاف في بطلان طهارته وهل تبطل صلاته فيه قولان (الجديد) انها تبطل لانه لا صلاة إلا بطهارة ولما روى

(4/4)


عن علي بن ابى طالب قال " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا فسا احدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة " وبهذا قال احمد ويروى عن مالك ايضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة انها لا تبطل بل يتوضأ ويبنى علي صلاته وهو أشهر الروايتين عن مالك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من قاء أو رعف أو امذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن علي صلاته ما لم يتكلم " وليس المراد ما إذا فعل ذلك باختياره بالاجماع فيتعين السبق مرادا فان فرعنا على القديم

(4/5)


فلا فرق بين الحدث الاصغر والاكبر كما إذا غلب عليه النوم في صلاته فاحتلم فانه يغتسل ويبنى وقال أبو حنيفة تبطل صلاته ههنا وكيف يبنى ايعود الي الركن الذى سبقه الحدث فيه ام يشتغل بما بعده قال الصيدلاني لو سبقه الحدث في الركوع فيعود الي الركوع لا يجزئه غيره قال ووافقنا ابو حنيفة فيه وفصل امام الحرمين فقال ان سبقه الحدث قبل أن يطمئن في ركوعه فلا بد من العود إليه وان كان بعد أن يطمئن فالظاهر انه لا يعود إليه لان ركوعه قد تم في الطهارة وهذا التفصيل هو الذى أورده المصنف في الوسيط فيجوز أن يجزى كلام الصيدلانى علي اطلاقه ويقال لابد من العود إليه وان اطمأن قبل الحدث لينتقل منه الي الركن الذى بعده فان الانتقال من الركن إلى الركن واجب وقد قدمنا له نظائر ويجب علي المصلي إذا سبقه الحدث وأراد أن يتوضأ

(4/6)


ويبنى أن يسعي في تقريب الزمان وتقليل الافعال بحسب الامكان فليس له أن يعود الي الموضع الذى كان يصلي فيه بعد ما تطهر أن كان يقدر على الصلاة في موضع أقرب منه الا إذا كان اماما لم يستخلف أو مأموما يبغى فضيلة الجماعة فهما معذوران في العود ذكره في التتمة وما لا يستغنى عنه من السعي إلى الماء والاستقاء وما اشبه ذلك فلا بأس به ولا يؤمر بالعود والبدار الخارج عن

(4/7)


الاقتصاد ويشترط أن لا يتكلم علي ما ورد في الخبر الا إذا احتاج إليه في تحصيل الماء وهل يشترط أن يمتنع عن أسباب الحدث عمدا إلى أن يتوضأ حكى أصحابنا العراقيون وغيرهم عن نص الشافعي
رضي الله عنه تفريعا على القديم انه لو سبقه البول فخرج واستتم الباقي لم يضر ذلك لان طهارته قد بطلت بما سبق ولم تتأثر الصلاة به فالبول بعده يطرأ على طهارة باطلة فلا يؤثر وقال امام الحرمين تبطل صلاته بما فعله إذا امكنه التماسك لان الفعل الكثير يبطل صلاته إذا كان مستغنى عنه فكذلك الحدث إذا كان مختارا فيه وهذا هو الذى اورده في الكتاب فقال ولا يحدث عمدا والذى أورده الجمهور هو الاول ونقل صاحب البيان هذه الصورة وحكمها عن النص قال واختلفوا في المعنى

(4/8)


فمنهم من علل بحاجته إلى اخراج البقية ومنهم من علل بان الطهارة قد بطلت بالقدر الذى سبقه فلا أثر لما بعده فعلي الاول لا يجوز ان يحدث حدثا آخر مستأنفا وعلي الثاني يجوز ولا يخفى ان جميع ما ذكرناه في طهارة الرفاهية فاما صاحب طهارة الضرورة كالمستحاضة فلا اثر لحدثه المتجدد لا عند الشروع ولا في اثناء الصلاة *

(4/9)


قال (ويجرى هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه كما إذا انحل ازاره فرده سريعا أو وقع عليه نجاسة يابسة فدفعها في الحال وانقضاء مدة المسح منسوب إلى تقصيره وفى تخرق الخف تردد لتقصيره بالذهول عنه) * ما سوى الحدث من الاسباب المناقضة للصلاة إذا طرأت في الصلاة باختياره بطلت صلاته كما لو احدث باختياره وكل ما يبطل الصلاة إذا طرأ باختياره يبطلها ايضا إذا طرأ لا باختياره لكن إذا كان منتسبا فيه إلى تقصير كما لو كان ماسحا علي الخف فانقضت مدة مسحه في اثناء الصلاة واحتاج في ذلك الي غسل القدمين أو استئناف الوضوء فتبطل صلاته ولا يخرج علي قول سبق الحدث لانه مقصر بايقاع الصلاة في الوقت الذى تنقضي

(4/10)


مدة المسح في اثنائها فاشبه المختار في الحدث وقضية هذا أن يقال لو شرع في الصلاة على مدافعة الاخبثين وهو يعلم أنه لا تبقى له قوة التماسك في اثنائها ووقع ما علمه تبطل صلاته لا محالة ولا يخرج علي القولين ولو تخرق خف الماسح في صلاته وظهر شئ من محل الفرض فوجهان (احدهما) أنه تبطل الصلاة بلا خلاف
لانه مقصر من حديث ذهل عن الخف ولم يتعهده ليعرف قوته وضعفه فاشبه انقضاء المدة (وأظهرهما) أنه على قولي سبق الحدث لان الانسان لا يتعهد الخف كل ساعة فلا يعد مقصرا بترك البحث عنه وقد يفجأ الخرق لبعض العوارض ايضا أما إذا حدث مناقض في الصلاة لا باختياره ولا تقصير منه فان امكن ازالته علي الاتصال بحدوثه كما لو انكشف عورته فرد الثوب في الحال أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه وسقطت في الحال فلا يقدح في صحة الصلاة وكذا لو القي الثوب الذى وقعت عليه النجاسة في الحال صحت

(4/11)


صلاته ولا يجوز أن ينحيها بيده أو كمه هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وان احتاج في الدفع إلى زمان يتخلل بين عروضه واندفاعه ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث: وقوله يجرى هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه يعني به هذه الحالة وان كان اللفظ مطلقا فاما إذا دفعه في الحال فالصلاة صحيحة بلا خلاف ومثال ما يحتاج في دفعه الي زمان ما إذا تنجس ثوبه أو بدنه واحتاج إلى الغسل أو

(4/12)


طيرت الريح ثوبه وابعدته ولو اصاب المصلي جرح وخرج منه دم علي سبيل الدفق ولم يلوث البشرة فقد قال في التتمة لا تبطل صلاته بحال لان المنفصل منه غير مضاف إليه ولعل هذا فيما إذا لم يمكن غسل موضع الانفتاق أو كان ما أصابه قليلا وقلنا القليل من الدم معفو عنه كما سيأتي والا فقد صار ذلك من الطاهر فيجب؟ له *

(4/13)


قال (الشرط الثاني طهارة الخبث وهي واجبة في الثوب والبدن والمكان أما الثوب فان أصاب أحد كميه نجاسة فادى اجتهاده الي احدهما فغسله لم تصح صلاته علي أحد الوجهين لانه استيقن نجاسة الثوب ولم يستيقن طهارته) * النجاسة قسمان (احدهما) النجاسة التي لا تقع في مظنة العذر والعفو (والثانى) التي تقع فيها أما الاول فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء في الثوب والبدن والمكان ويجوز ان يعلم قوله فهي واجبة بالميم لان اصحابنا نقلوا عن مالك ان ازالة النجاسة عنده لا تجب للصلاة وانما يستحب ويدل على وجوب طهارة

(4/14)


الثوب قوله تعالي (وثيابك فطهر) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء رضي الله عنها " حتيه ثم اقرضيه ثم اغسليه بالماء ثم صلي فيه " فان اصابه نجاسة وعرف موضعها منه فطريق ازالتها بالغسل كما سبق

(4/15)


ولو قطع موضع النجاسة حصل الغرض ويلزمه ذلك إذا تعذر الغسل وامكن ستر العورة بالطاهر منه ولم ينقص من قيمته بالقطع اكثر من اجرة مثل الثوب لو استأجره وان لم يعرف موضع النجاسة من الثوب وكان يجوزه في كل جرء منه وجب غسل جميعه وكذلك في البدن ولا يجوز الاقتصار على غسل البعض لا بالتحرى ولا دونه وان أفاد ذلك الشك في نجاسة الباقي لان حصول النجاسة في هذا الثوب متيقن واليقين

(4/16)


لا يدفع بالشك ولو شقه نصفين لم يجز التحريم فيهما لجواز ان يكون الشق في موضع النجاسة فيكونا نجسين ولو اصاب شئ رطب طرفا من هذا الثوب لا نحكم بنجاسته لانا لا نتيقن نجاسة موضع الاصابة ولو غسل احد نصفيه ثم غسل النصف الثاني فهو كما لو تيقن نجاسة لكل وغسله هكذا وفيه وجهان (احدهما) انه لا يطهر حتى يغسل الكل دفعة واحدة (واظهرهما) انه ان غسل مع النصف الثاني القدر الذى يجاوره من الاول طهر الكل وان لم يغسل الا النصف في الدفعة الثانية طهر الطرفان وبقى المنتصف نجسا في صورة التيقن ونجسا في الصورة الاولي ولو نحس واحد من موضعين منحصرين أو مواضع واشكل عليه كما لو تنجس أحد الكمين فادى اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فغسله وصلي فيه فهذه مسألة الكتاب وفى صحة صلاته

(4/17)


وجهان (احدهما) وينسب الي ابن سريج أنها تصح لحصول غلبة الظن بالطهارة (واصحهما) عند معظم الاصحاب أنها لا تصح لان الثوب واحد وقد تيقن نجاسته ولم يتيقن الطهارة فيستصحب اليقين وصار كما لو خفى موضع النجاسة ولم تنحصر في بعض المواضع ولو فصل أحد الكمين عن الثوب واجتهد فيهما فهما كالثوبين ان غسل ما ظنه نجسا وصلي فيه جاز وان صلي فيما ظنه طاهرا جاز أيضا لانه لم يستيقن نجاسته

(4/18)


أصلا فاجتهاده متأيد باستصحاب أصل الطهارة بخلاف ما قبل الفصل ويجرى الوجهان فيما إذا نجس احدى يديه أو احدى اصابعه وغسل النجس عنده وصلى وكذلك فيما لو اجتهد في ثوبين وغسل النجس عنده وصلي فيهما معا لانه استيقن النجاسة في المجموع ولم يستيقن الطهارة لكن الاظهر ههنا الجواز وفرقوا بأن محل الاجتهاد الاشتباه بين الشيئين فاما إذا اشتبه عليه اجزاء الشئ الواحد

(4/19)


فلا يؤمر فيه بالاجتهاد ولهذا لا يجتهد إذا خفى عليه موضع النجاسة ولم ينحصر في موضعين أو مواضع مخصوصة وإذا كان كذلك فتأثير الاجتهاد فيه أضعف ولو غسل احدى الكمين بالاجتهاد وفصله عن الباقي فجواز الصلاة فيما لم يغسله وحده على الخلاف وإذا غسل أحد الثوبين بالاجتهاد تجوز الصلاة في كل

(4/20)


واحد منهما وحده بلا خلاف ولو اشتبه عليه ثوبان طاهر ونجس أو أثواب بعضها طاهر وبعضها نجس فيجتهد كما سبق في الاواني فان لم يغلب علي ظنه شئ وامكنه غسل واحد ليستصحبه في صلاته لزمه ذلك والا فهو كما لو لم يجد الا ثوبا نجسا وسيأتى حكمه في الشرط الثالث ولو غلب علي ظنه طهارة أحد الثوبين واستصحبه ثم تغير اجتهاده عمل بمقتضي الاجتهاد الثاني في أظهر الوجهين كما في القبلة بخلاف

(4/21)


الاواني حيث لا يعمل فيها بالاجتهاد الثاني علي النص لما سبق انه يلزم منه نقض الاجتهاد بالاجتهاد * قال (ولو القى طرف عمامته على نجاسة بطلت صلاته وان كان لا يتحرك بحركته ولو قبض طرف حبل ملقى علي نجاسة بطلت صلاته ان كان الملاقى للنجاسة يتحرك بحركته والا فوجههان ولو كان علي ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة فوجهان مرتبان واولي بالجواز ولو كان رأس الحبل تحت رجله فلا بأس لانه ليس حاملا ما لبسه المصلي يجب أن يكون طاهرا سواء كان يتحرك بحركته في قيامه وقعوده أو كان يتحرك بعض اطرافه كذبابة العمامة وكما لا يجوز ان يكون شئ من ملبوسه نجسا لا يجوز ان يكون ملاقيا للنجاسة فلو القى طرف عمامته علي ارض نجسة أو عين نجسة بطلت صلاته وان لم يتحرك بحركته لانها ملبوسة له ومعدودة من ثيابه فصار كما
لو لبس قميصا طويلا لا يرتفع ذيله بارتفاعه وكان نجسا لا تصح صلاته وذكر الصيدلاني وآخرون ان عند أبي حنيفة ان لم يتحرك طرف العمامة الملقى علي النجاسة بحركته جازت صلاته فليكن قوله

(4/22)


وان كان لا يتحرك بحركته معلما بالحاء لذلك ولو قبض طرف حبل أو ثوب وطرفه الآخر نجس أو ملقي على نجاسة فان كان يتحرك ذلك الطرف بارتفاعه وانخفاضه بطلت صلاته لانه حامل للشئ النجس أو لما هو متصل بالنجاسة وان كان لا يتحرك فوجهان (احدهما) تبطل صلاته كما في العمامة لانه حامل لشئ متصل بالنجاسة (والثانى) أنها لا تبطل لان الطرف الملاقى للنجاسة ليس محمولا له فانه لا يرتفع بارتفاعه بخلاف العمامة فانها منسوبة إليه لبسا والمصلى مأخوذ بطهارة ثيابه وكلام الاكثرين يدل علي أن الوجه الاول ارجح عندهم ولو كان طرف الحبل ملقى على ساجور كلب أو مشدودا به فوجهان مرتبان علي الصورة السابقة وهذه الصورة أولي بصحة الصلاة لان بين الكلب وطرف الحبل واسطة وهى الساجور فيكون ابعد عن النجاسة ولو كان طرف الحبل على الكلب فهو والصورة السابقة سواء ولو كان طرف الحبل علي موضع طاهر من حمار وعليه نجاسة في موضع آخر فالخلاف فيه مرتب وهذه الصورة أولي بالصحة من صورة الساجور لان الساجو قد يعد من توابع الحبل واجزائه بخلاف الحمار هكذا رتب المسائل امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط وأشار ههنا إلى معظم الغرض وإذا تركت الترتيب وقلت أخذ بطرف حبل طرفه الآخر نجس أو متصل بنجاسة حصل في الجواب ثلاثة اوجه (أحدها) تصح (والثاني) لا (والثالث) ان كان الطرف

(4/23)


الآخر نجسا أو متصلا بعين النجاسة كما لو كان في عنق كلب فلا تصح وإن كان متصلا بشئ طاهر وذلك الطاهر متصل بنجاسة كما لو كان مشدودا في ساجور أو خرقه وهما في عنق كلب أو كان عنق حمار وعليه حمل نجس فلا بأس وهكذا أورد الخلاف الصيدلانى وتابعه صاحب التهذيب ثم أعرف ههنا أمورا (أحدها) أن فرض صاحب الكتاب الصورة فيما إذا قبض بيده على طرف الحبل ليس لتخصيص الحكم بالقبض بل لو شده في يده أو رجله أو في وسطه كان كما لو قبض عليه علي أن صاحب

(4/24)


التهذيب جعل صورة الشد أولي بالمنع حيث الحقها بمسألة العمامة ولم يحك فيها خلافا وفي القبض باليد روى الوجوه الثلاثة (الثاني الفرق بين أن يكون الطرف الملقى على النجاسة يتحرك بحركته وبين أن لا يتحرك في الجزم بالمنع في الحالة الاولي وتخصيص الخلاف بالحالة الثانية لم أره إلا للمصنف وإمام الحرمين ومن تابعهما وعامة الاصحاب ارسلوا الكلام إرسالا سواء منهم من جزم بالمنع ومن أثبت الخلاف (الثالث) أطلق الكلام في الكلب وهكذا فعل الشيخ أبو محمد والصيدلاني وابن الصباغ وفصل الاكثرون وقالوا ان كان الكلب صغيرا أو ميتا وطرف الحبل مشدود عليه بطلت صلاته بلا خلاف لانه حامل للنجاسة ويعنون به انه لو مشى لجره وان كان الكلب كبيرا حيا فاصح الوجهين أنها تبطل ايضا لانه حامل لشئ متصل بالنجاسة والثاني لا لانه يمشى باختياره وله قوة الامتناع وإذا كان مشدودا في سفينة وموضع الشد طاهر وفى السفينة نجاسة فان كانت صغيرة تنجر بالجر فهى كالكلب وإن كانت كبيرة فلا بأس كما لو كان مشدودا في باب دار فيها نجاسة وحكوا وجها بعيدا في السفينة الكبيرة أيضا ويعرف من هذا الفصل صحة قولنا من قبل ان قضية كلام الاكثرين ترجيح وجه البطلان (الرابع) قوله علي ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة يفهم ان الشد ليس بشرط بل يجرى الخلاف عند حصول الاتصال والالتقاء والعراقيون من اصحابنا اطبقوا علي التصوير في الشد ولعل السبب فيه انهم ينظرون إلي الانجرار عند الجر ولا يكون ذلك إلا بتقدير الشد ثم اتفقت الطوائف على أنه لو جعل رأس الحبل تحت رجله صحت صلاته في الصور جميعها لانه ليس حاملا لنجاسة ولا لما هو متصل بنجاسة وما تحت قدمه

(4/25)


طاهر فاشبه ما لو صلى علي بساط طرفه الآخر نجس * قال (واما البدن فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة وفيه مسألتان (أحداهما) إذا وصل عظمه بعظم نجس وجب (ح و) نزعه وإن كان يخاف الهلاك علي المنصوص ولكن إذا كان متعديا في الجبر بان وجد عظما طاهرا وإذا لم يكتس العظم باللحم فان استتر سقط حكم النجاسة عنه فان مات قبل النزع لم ينزع علي النص لانه ميت كله وفيه قول مخرج انه لا ينزع عند خوف الهلاك) *
قوله فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة لا اختصاص له بالبدن بل حكم ازالة النجاسة فيه وفى الثوب والمكان واحد فلو ذكر هذا الكلام عند قوله وهى واجبة في الثوب والبدن والمكان لكان أحسن الا أن يريد به الاشارة الي الاستنجاء أيضا فان النجاسة التى تصيب البدن تنقسم الي ما يزال

(4/26)


بالماء لا غير وإلي ما يخفف بالحجر ونحوه وهذا من خاصية البدن ثم تكلم ههنا في مسألتين (أحداهما) وصل العظم ومن انكسر عظم من عظامه فجبره بعظم طاهر فلا بأس وإن جبره بعظم نجس وينبغى أن يتذكر أولا ان هذا يتفرع علي ظاهر المذهب في نجاسة العظام فينظر ان احتاج إلي الجبر ولم يجد عظما طاهرا يقوم مقامه فهو معذور للضرورة وليس عليه نزعه وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه فيجب عليه النزع ان كان لا يخاف الهلاك ولا تلف عضو من أعضائه ولا شيئا من المحذورات المذكورة في التيمم فان لم يفعل أجبره السلطان عليه ولم تصح صلاته معه لانه حامل لنجاسة يمكنه ازالتها وقد تعدى بحملها ولا عبرة بالالم الذى يلحقه ولا يخاف منه ولا فرق بين ان يكتسي باللحم وبين ان لا يكتسي خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا اكتسى باللحم لم يجب النزع وان كان لا يخاف الهلاك: لنا أنه حامل لنجاسة اصابته من خارج ولم تحصل في معدن النجاسة فيلزمه الازالة عند القدرة كما لو كانت علي ظاهر البدن ومال امام الحرمين الي ما ذكره أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن ابا الحسين حكاه عن بعض الاصحاب وان خاف من النزع الهلاك أو ما في معناه ففى وجوب النزع وجهان (أحدهما) يجب لتفريطه ولو لم ينزع لكان مصليا عمره مع النجاسة ونحن نحتمل سفك الدم في ترك صلاة واحدة (والثانى) وهو المذهب انه لا يجب ابقاء للروح كما لو كان عليه نجاسه يخاف من غسلها التلف لا يجب عليه غسلها بل يحرم وهذا في حالة الحياة اما لو مات قبل النزع فهل ينزع منه العظم الذى يجب نزعه في الحياة فيه وجهان أظهرهما وهو الذى نص عليه في المختصر وغيره انه لا ينزع لان فيه مثلة وهتكا لحرمة الميت ولان النزع في حالة الحياة انما أمر به محافظة على شرائط الصلاة فإذا مات زال التكليف وسقط التعبد (والثاني) انه ينزع لئلا يلقى الله تعالي حاملا للنجاسة ومنهم من خصص هذا الوجه بما إذا لم يستتر باللحم وقطع بنفي النزع بعد الموت عند استتاره ولنعد الي
ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله وجب نزعه وان كان يخاف الهلاك علي المنصوص الخلاف في وجوب النزع يرجع الي حالة خوف الهلاك وليس هو مختلفا فيه علي الاطلاق وقوله ولكن إذا كان متعديا

(4/27)


في الجبر لا يختص بقولنا يوجب النزع عند خوف الهلاك بل حيث وجب النزع أما وفاقا وهو حالة عدم الخوف أو علي أحد المدهبين في حالة الخوف فشرطه ان يكون متعديا في الجبر وقوله في آخر المسألة وفيه قول مخرج أنه لا ينزع عند خوف الهلاك هو المقابل لقوله ههنا وان كان يخاف الهلاك علي المنصوص ولا تعلق له بقوله لم ينزع علي النص لانه ميت كله وتعبيره عن الخلاف في وجوب النزع بالقولين المنصوص والمخرج من تفرداته وسائر الاصحاب لم يطلقوا في المسألة إلا وجهين كما قدمنا ورجحوا القول بعدم الوجوب وإيراده يشعر بترجيح الوجوب ويجوز أن يقال إنما عبر عن وجوب النزع بالمنصوص لان الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر ولا يصل ما انكسر من عظمه الا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا وان رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان علي قلعه وهذا مطلق يتناول حالة الخوف وعدمه ولك ان تعلم قوله وان كان يخاف الهلاك بالحاء لان الصيدلانى روى عن ابى حنيفة أنه لا ينزع عند خوف الهلاك سواء التحم أو لم يلتحم وعند الالتحام لا ينزع خيف الهلاك أم لم يخف وقوله بان وجد عظما طاهرا معناه عظما طاهرا يقوم مقام العظم النجس عند الحاجة الي الجبر وإلا فالتعدي لا يحصل بمجرد وجدان العظم الطاهر وقوله وإذا لم يستتر العظم باللحم فان استتر سقط حكم نجاسته جواب عن الوجه الذى ذكرنا أن إمام الحرمين مال إليه والظاهر عند الجمهور انه لا فرق بين ان يستتر أو لا يستتر حيث أوجبنا النزع فليكن قوله وإذا لم يستتر معلما بالواو لانه جعله مشروطا وكذا قوله سقط حكم نجاسته وقوله فان مات قبل النزع لم ينزع علي النص لعلك تقول ما معنى قوله لم ينزع معناه انه لا يجوز النزع ام انه لا يجب والجواب أن

(4/28)


قضية التعليل بهتك الحرمة انه لا يجوز وقضية التعليل الثاني انه لا يجب وقد اختلف كلام الناقلين في الوجه المقابل له وهو انه ينزع منهم من روى الوجوب ومنهم من قال الاولي النزع وقوله لانه
ميت كله لفظ الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر فان مات صار ميتا كله والله حسيبه أي محاسبه فان شاء عفا عنه وان شاء عذبه واختلفوا في معنى قوله صار ميتا منهم من قال اراد أنه صار نجسا كله مثل ذلك العظم فلا معنى لقلعه واستخرجوا من هذا اللفظ أن له قولا في نجاسة الادمى بالموت ومنهم من قال اراد انه سقط عنه حكم التكليف بالموت وكنا نأمره بالقلع لحق الصلاة فلا حاجة إلى النزع الآن واعلم أن مداواة الجرح بالدواء النجس والخيط النجس كالوصل بالعظم النجس فيجب النزع حيث يجب نزع العظم النجس وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما وكذا لو وشم يده بالنؤورة أو العظلم فانه ينجس عند الغرز وحكى عن تعليق الفراء انه يزال الوشم بالعلاج فان لم يمكن إلا بالجرح لا يجرح ولا اثم عليه بعد التوبة * قال (الثانية قال صلي الله عليه وسلم " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة وعلة تحريم الوصل ان الشعر أما ان يكون نجسا أو شعر اجنبي لا يحل النظر إليه وان كان

(4/29)


مبانا علي احد الوجهين فان كان شعر بهيمة ولم تكن المرأة ذات زوج فهى متعرضة للتهمة وان كانت ذات زوج فهى ملبسة عليه فان كان باذن الزوج لم يحرم على اقيس الوجهين وفى تحمير الوجنة تردد في الحاقه بالوصل) * المسألة الثانية وصل الشعر والاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة " قال علماء العرب الواصلة هي التي تصل الشعر بشعر آخر والمستوصلة هي التي تسأل أن يفعل بها ذلك والوشم غرز ظهر الكف ونحوه بالابرة واشباعه بالعظلم ونحوه حتي يخضر والواشمة هي التى تفعل ذلك والمستوشمة هي التي تفعل بها والواشرة التى تشر الاسنان حتى يكون لها اشر وهو التحدد والرقة في طرف

(4/30)


الاسنان تفعله الكبيرة تشبها بالصغائر ويروى بدل المستوشمة والمستوشرة المتوشمة والمتوشرة والمعنى واحد وإذا عرفت ذلك فاعلم ان وصل الشعر حرام وفاقا في بعض الاحوال وخلافا في
بعضها ثم قد يحرم لمعنى واحد وقد يجتمع له معان وتفصيله ان الشعر أما نجس وأما طاهر وهذا التقسيم مفرع علي ظاهر المذهب وهو ان الشعر قد ينجس بالموت فاما الشعر النجس فيحرم وصله لانه لا يجوز استصحابه في الصلاة وفى غير الصلاة يكون مستعملا للشئ النجس العين في بدنه استعمال اتصال وذلك حرام في أصح القولين ومكروه في الثاني الا عند ضرورة أو حاجة حاقة ونظيره الادهان بالدهن النجس ولبس جلد الميتة والكلب والخنزير والامتشاط بمشط عاج كل ذلك حرام علي الاصح وأما غير النجس فينقسم إلى شعر الآدمى وغيره وهذا التقسيم مفرع علي ظاهر المذهب وهو ان شعر الادمى لا ينجس بالموت والابانة فاما شعر الادمى فيحرم وصله لان من كرامته أن لا ينتفع بشئ منه بعد موته وانفصاله عنه بل يدفن وايضا فلانه ان كان شعر رجل فيحرم على المرأة استصحابه والنظر إليه وان كان شعر امرأة فيحرم على زوجها أو سيدها النظر إليه وهذا بتقدير أن يكون شعر

(4/31)


رجل اجنبي عنها أو شعر امرأة اجنبية عن زوجها أو سيدها وبتقدير أن يتفرع علي أن العضو المبان يحرم النظر إليه ومسه وفيه وجهان فان كان شعر رجل من محارمها أو شعر امرأة من محارم زوجها أو لم يكن لها زوج أو فرعنا على جواز النظر إلى العضو المبان فلا تكاد تطرد هذه العلة الاخيرة ويثبت التحريم بظاهر الخبر وبالمعني الاول ولا فرق في تحريم الوصل بالشعر النجس وشعر الادمى بين أن تكون المرأة خلية أو ذات زوج وأما شعر غير الادمى فينظر فيه الي حال المرأة ان لم يكن لها زوج ولا سيد فلا يجوز لها وصله للخبر ولانها تعرض نفسها للتهمة ولانها تغر الطالب وذكر الشيخ ابو حامد وطائفة انه يكره ولا يحرم والاول اظهر وبه قال القاضي ابن كج والاكثرون فان كان لها زوج أو سيد فلا يجوز لها الوصل بغير اذنه لانه تغرير له وتلبيس عليه وان وصلت باذنه فوجهان (احدهما) المنع ايضا لعموم الخبر (واقيسهما) واظهرهما الجواز كسائر وجوه الزينة المحببة الي الزوج وقال الشيخ أبو حامد ومتبعوه لا يحرم ولا يكره إذا كان لها زوج ولم يفرقوا بين أن ياذن أو لا ياذن

(4/32)


وسوى ابن كج بين حالتى الاذن وعدمه وحكي في الجواز وجهين فيهما هذا حاصل المسألة وقوله
وعلة تحريم الوصل يوهم الجزم بالتحريم على الاطلاق ورد الكلام إلى العلة لكنه لم يرد ذلك الا تراه يقول آخر الم يحرم علي أقيس الوجهين وانما أراد أن يبين مواضع التحريم خلافا ووفاقا مع التعرض للمعانى الموجبة للتحريم فقوله اما أن يكون نجسا أي فيحرم وهو اشارة الي قسم النجس من الشعور وغير النجس علي ما ذكرناه أما شعر الآدمى وقوله أو شعر اجنبي إشارة واليه وأما شعر غيره وهو قوله أو شعر بهيمة وإنما قال أو شعر أجنبي لانه اراد التعليل بالمعني الثاني علي سبق دون المعنى الاول وهو كرامة الآدمى والشعر الموصول مبان فبين أن في تحريم النظر الي العضو المبان وجهين ليعرف أن التحريم معللا بهذا المعنى انما يستمر على قولنا بتحريم النظر واعلم انه نص في هذا الموضع على وجهين في تحريم النظر والذي أجاب به في أول كتاب النكاح انما هو التحريم حيث قال والعضو المبان كالمتصل وسنشرح المسألة ثم ان شاء الله تعالى (وقوله) فهى متعرضة للتهمة أي فيحرم عليها وكذا قوله فهى ملبسة عليه وكانه حذف ذكر التحريم اكتفاء بقوله أو لا وعلة تحريم الوصل ولا بأس لو اعلمت قوله اما ان يكون نجسا بالحاء والواو لان عنده الشعر لا يكون نجسا أصلا وهو قول لنا وأما قوله وفى تحمير الوجنة تردد فاعلم ان الصيدلاني والقاضي الحسين ذكرا في طريقهما ان تحمير الوجنة كوصل الشعر الطاهر فلا يجوز ان كانت المرأة خلية ولا إذا كانت ذات زوج ولم يأذن لها وان فعلته باذنه ففيه وجهان واستبعد امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف فيما

(4/33)


إذا كان بأذن الزوج وخصه بالوصل لانه ورد فيه النهي وفيه تغيير للخلقة وليس في التحمير نهى ولا تغيير ظاهر إذ الوجنة قد تحمر لعارض غضب أو فرح فعلي هذا لا يلتحق تحمير الوجنة بوصل الشعر الطاهر علي الاطلاق بل هو جائز عند الاذن بلا خلاف وعلي الاول يلتحق به مطلقا فهذا تنزيل التردد المذكور في الكتاب ومعناه ونسب في الوسيط التردد في المسألة الي الصيدلاني وليس في كلامه ما يقتضي ذلك ولا حكاه امام الحرمين عنه والخضاب بالسواد وتطريف الاصابع الحقوه بالتحمير قال في النهاية ويقرب منه تجعيد الشعر ولا بأس بتصفيف الطرة وتسويد الاصداغ واطلقوا القول بستحباب الخضاب بالحناء لها بكل حال وقد تنازع معنى التعرض للتهمة في بعض هذه الاحوال إذا كانت خلية فليكن الامر على تفصيل سنحكيه في فصل سنن الاحرام ان شاء الله تعالي واما الوشم المذكور في
الخبر فلا يجوز بحال والوشر كوصل الشعر الطاهر * قال (وأما المكان فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا (ح) وما لا يماس فلا بأس بنجاسته الا ما يحاذي صدره في السجود ففيه وجهان لانه كالمنسوب إليه) * يجب أن يكون ما يلاقى بدن المصلي وثيابه من موضع الصلاة طاهرا خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يشترط الا طهارة موضع القدمين وفي رواية طهارة موضع القدمين والجبهة ولا يضر نجاسة ما عداه الا أن يتحرك بحركته لنا النهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة كما سيأتي ولا سبب له الا نجاستهما وكما يعتبر ذلك في جهة السفل يعتبر في جهة العلو والجوانب المحيطة به حتي لو وقف بحيث يحتك في صلاته بجدار نجس بطلت

(4/34)


صلاته ولو صلي علي بساط تحته نجاسة أو على طرف آخر منه نجاسة أو على سرير قوائمه على نجاسة لم يضر خلافا لابي حنيفة حيث قال ان كان يتحرك ذلك الموضع بحركته لم يجز وإذا نجس احد البيتين تحرى كما في الثياب والاواني وإذا اشتبه مكان من بيت أو بساط فوجهان (اصحهما) انه لا يجزى كما لو خفى موضع النجاسة من الثوب الواحد والثاني نعم كما لو اشتبه ذلك في الصحراء يتحرى ويصلي ولو كان ما يلاقى بدنه وثيابه من موضع الصلاة طاهر لكن كان ما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في السجود نجسا فهل تصح صلاته فيه وجهان (احدهما) لا لان القدر الذى يوازيه منسوب إليه بكونه مكان صلاته فيعتبر طهارته كقميصه الفوقاني الذى لا يلاقى بدنه لما كان منسوبا إليه نعتبر طهارته (واصحهما) ان صلاته صحيحة لانه ليس حاملا للنجاسة ولا ملاقيا لها فصار كما لو صلي علي بساط احد طرفيه نجس تصح صلاته وان عد ذلك مصلاه ونسب إليه وقوله فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا ينبغي ان يعلم بالحاء وكذا قوله فلا بأس بنجاسته لما ذكرناه والمراد ما يماس بدنه وثيابه وقوله وما لا يماس أي لا يماسهما وفى لفظ المماسة اشارة الي انه لو كان تحت البساط الذى يصلي عليه نجاسة لم يضر وان كان يصلي علي نجاسة لانه لا مماسة ولو بسط علي النجاسة ثوبا مهلهل النسيج وصلى عليه فان كان يحصل المماسة والالتقاء في الفرج لم

(4/35)


تصح الصلاة وان كان لا يحصل الالتقاء لكن النجاسة تحاذى من الفرج يده الموضوعة عليه في السجود
أو سائر بدنه فهذا علي الوجهين السابقين في نجاسة ما يحاذي صدره * قال (وقد نهى عليه السلام عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام وظهر الكعبة وأعطان الابل * أما مسلخ الحمام ففيه تردد * واعطان الابل مجتمعها عند الصدر عن المنهل إذ لا يؤمن نفارها هذا حكم النجاسات التى لا عذر في استصحابها) * مما يتعلق بمكان الصلاة الكلام في الاماكن التى ورد النهى عن الصلاة فيها وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام ومعاطن الابل وفوق ظهر بيت الله تعالي ويروى بدل بطن الوادي المقبرة فاما المزبلة والمجزرة فالنهي فيهما لنجاسة المكان فلو فرش عليه ثوبا أو بساطا طاهرا فللنهى معنيان (احدهما) غلبة النجاسة في الطرق والثاني ان مرور الناس يشغله عن الصلاة قال في التتمة اختلفوا في ان العلة ماذا وبنى عليه الصلاة في جوار الطرق في البراري ان

(4/36)


قلنا النهي للمعنى الاول يثبت فيها ايضا وان قلنا للمعنى الثاني فلا وفى صحة الصلاة في الشوارع مع غلبة النجاسات فيها القولان اللذان ذكرناهما في باب الاجتهاد لتعارض الاصل والغالب فان صححناها فالنهى للتنزيه وإلا فللتحريم فلو بسط شيئا طاهرا صحت لا محالة وتبقى الكراهة بسبب الشغل: وأما بطن الوادي فسبب النهى فيه خوف السيل السالب للخشوع فان لم يتوقع السيل ثم فيجوز ان يقال لا كراهة ويجوز ان يتبع ظاهر النهي: وأما الحمام فقد اختلفوا في سبب النهي فيه: منهم من قال سببه انه يكثر فيه النجاسات والقاذورات فيخاف اصابة الرشاش اياه ومنهم من قال بل سببه انه مأوى الشيطان فلا يصلى فيه وفي المسلخ وجهان مبنيان على هذين المعنيين ان قلنا بالاول فلا تنكره الصلاة فيه وان قلنا بالثاني فتكره وأيضا فان دخول الناس يشغله وهذا الوجه أظهر وتصح الصلاة بكل حال في المسلخ وغيره إذا علم طهارة الموضع خلافا لاحمد: وأما ظهر الكعبة فحكمه ما سبق في باب الاستقبال وأما اعطان الابل فقد فسرها الشافعي رضي الله عنه بالمواضع التي تنحى إليها الابل
الشاربة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت استبقت وهو المراد من قوله مجتمعها عند الصدر من المنهل وليس النهي فيها لمكان النجاسة فانه لا كراهة في مراح الغنم وأمر النجاسة لا يختلف روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا ادركتكم الصلاة وانتم في مراح الغنم فصلوا فيها فانها سكينة وبركة وإذا ادركتكم وانتم في أعطان الابل فاخرجوا منها وصلوا فانها جن خلقت من جن ألا ترى إذا نفرت

(4/37)


كيف تشمخ بانفها " والفرق من وجهين (احدهما) قال الشافعي رضى الله عنه يبين الخبر انها خلقت من اجن والصلاة تكره في مأوى الجن والشياطين ولهذا قال صلي الله عليه وسلم " اخرجوا من هذا الوادي فان فيه شيطانا " والثاني انه يخاف من نفارها وذلك يبطل الخشوع وهذا المعنى لا يوجد في الغنم ومراح الغنم هو مأواها ليلا وقد يصور في الغنم مثل ما صور في أعطان الابل وحكمهما واحد ومأوى الابل ليلا كالموضع المعبر عنه بالعطن نظرا الي انها مخلوقة من الجن ويخاف منها أيضا نعم النفار في الموضع الذى تقف فيه صادرة من المنهل اقرب لاجتماعها وازدحامها جائية وذاهبة فتكون الكراهة فيه اشد وكل واحد من العطن والمراح ااكان نجسا بالابوال والابعار لم تجز الصلاة فيه وإن كانا طاهرين صحت مع افتراقهما في الكراهة وقال احمد لا تصح الصلاة في العطن بحال وأما المقبرة فالصلاة فيها مكروهة بكل حال روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " الارض كلها مسجد الا المقبرة والحمام " ثم ان كانت جديدة لم تنبش أو فرش على نبشها ثوبا طاهرا وصلى صحت

(4/38)


صلاته خلافا لاحمد وإن صلي في مقبرة يعلم أن موضع الصلاة منها منبوش لم تصح الصلاة لاختلاط صديد الموتي به وإن شك في نبشه فقولان سبقا في نظائر المسألة اظهرهما الجواز لان الاصل الطهارة وبه قال مالك وابن ابى هريرة والثانى المنع لان الغالب في المقابر النبش وبه قال أبو اسحق ويكره استقبال القبور في الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى ان تتخذ القبور محاريب " هذا تمام الكلام في النجاسات التي ليست هي في مظنة العفو والعذر * قال (اما مظان الاعذار فخمسة الاولي الاثر علي محل النجو ولو حمل المصلى من استجمر لم يجز
على أصح الوجهين لان العفو في محل نجو المصلي للحاجة ولو حمل طيرا جاز وما في البطن ليس له حكم النجاسة

(4/39)


قبل الخروج لانها مستترة خلقة وما على منفذه لا مبالاة به على الاظهر وفى الحاق البيضة المذرة بالحيوان تردد لان النجاسة مستترة خلقة والقارورة المصممة الرأس ليست كالبيضة (و) * القسم الثاني من النجاسات النجاسات الواقعة في مظنة العذر والعفو وقد جعل مظان الغذر خمسا (أحداها) الاثر علي محل النجو إذا استنجى بالحجر فهو معفو عنه وإن كان ذلك المحل نجسا اما كونه معفوا عنه فلما سبق من جواز الاقتصار علي الحجر واما كونه نجسا فلان المطهر هو الماء فلو خاض في ماء قليل نجس الماء لان العفو رخصة وتخفيف والخوض في الماء مما تندر الحاجة إليه ولو حمل المصلي من استنجى بالحجر ففى صحة صلاته وجهان (أحدهما) تصح لان ذلك الاثر واقع في محل العفو فلا عبرة به كما لو صلى المحمول معه وكما يعفى عنه من الحامل (واصحهما) انها لا تصح لان العفو عنه من المستجمر انما كان للحاجة ولا حاجة به الي حمل الغير فصار كما لو حمل شيئا آخر نجسا وينسب الوجه الاول إلى الشيخ ابي علي والثاني الي القفال ويجرى الوجهان فيما إذا حمل المصلي من علي ثوبه نجاسة معفو عنها ويقرب منهما الوجهان فيما لو عرق وتلوث بمحل النجو غيره لكن الاصح ههنا العفو لتعذر الاحتراز بخلاف حمل الغير ولو حمل طيرا أو حيوانا آخر لا نجاسة عليه صحت صلاته ولا نظر إلى ما في بطنه من النجاسة لانها في معدنها الخلقى فلا يعطى لها حكم النجاسة كما في جوف المصلي وما قدمناه من الفرق بين المصلي والمحمول ينقدح ههنا لكن روى ان النبي صلي الله عليه وسلم حمل امامة بنت ابى العاص في صلاته وهى بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب

(4/40)


فلذلك قلنا بالصحة وهذا إذا كان الحيوان المحمول طاهر المنفذ فان لم يكن فهو جزء طاهر تنجس بما يخرج من النجاسة فهل تصح الصلاة فيه وجهان (أظهرهما) عند المصنف أنها تصح ولا مبالاة بذلك القدر اليسير (والثاني) لا تصح كما لو كان جزء آخر منه نجسا وهذا أظهر عند امام الحرمين ولم يورد في التتمة سواه والوجهان جاريان فيما لو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع آخر وخرج حيا هل يحكم بنجاسته لنجاسة المنفذ لكن الظاهر ثم العفو لان الحمل لا تعرض الحاجة إليه الا علي سبيل الندور وصيانة الماء وسائر المائعات
عنها مما يشق وأيضا فان الطيور لم تزل تغوص في المياه الكثيرة والقليلة وكان الاولون لا يحترزون عنها ولو حمل بيضة صار حشوها دما وظاهرها طاهر ففى صلاته وجهان حكاهما القفال وغيره (أحدهما) تصح صلاته كما لو حمل حيوانا طاهر الظاهر لان النجاسة في الصورتين مستترة خلقة (وأظهرهما) أنها لا تصح كالنجاسات الطاهرة إذا حملها بخلاف باطن الحيوان لان للحيوان اثرا في درء النجاسات الا ترى انها إذا زالت نجس جميع الاجزاء وأما البيضة فهي جماد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهرها وكذلك في كل استتار خلقي ولو حمل قارورة مصممة الرأس بصفر ونحوها وفيها نجاسة فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان صلاته تبطل لان الاستتار ههنا ليس بخلقي بخلاف البيضة والحيوان وعن أبي على بن أبي هريرة أنها تصح لان النجاسة باطنة لا يخرج منها شئ فاشبهت ما في البيضة وباطن الحيوان ولو حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل الدم عن موضع الذبح فالذي قاله الائمة أن الصلاة باطلة بخلاف الحمل في حال الحياة ولم يذكروا ههنا الخلاف المذكور في البيضة ونحوها وذلك جواب منهم علي ظاهر المذهب والا فالنجاسة مستترة ههنا أيضا خلقة ويجوز أن يجعل منافذ الحيوان فارقا والله أعلم وقوله في مسألة حمل الطير لانها مستترة خلقة ظاهر اللفظ انما هو التعليل بمجرد الاستتار خلقة ولو كان كذلك لوجب ان لا يقع التردد في البيضة لوجود العلة لكن في الحيوان وجد امران الاستتار الخلقي وكونه في باطن الحيوان فكأن بعضهم جعل العلة مجموع الامرين ومنع من حمل البيضة وبعضهم اكتفى بالوصف الاول وجوز حمل البيضة فإذا قوله لانها مستترة خلقة اشارة الي الوصف الذى لابد منه ثم يبقى الكلام في انه مؤثر وحده أو مع شئ آخر وأراد بالبيضة المذكورة التى صار حشوها دما والا فهي كالمح المنتن وهو طاهر وقوله القارورة المصممة الرأس

(4/41)


يعنى بالصفر والنحاس وما أشبه ذلك أما التصميم بالخرقة ونحوها فلا يغنى كلف النجاسة في الخرقة والشمع عند بعضهم كالخرقة والحقة القاضى ابن كج بالرصاص * قال (الثانية يعذر من طين الشوارع فيما يتعذر الاحتراز عنه غالبا وكذا ما علي الخف في حق من يصلى معه) *
طين الشوارع ينقسم الي ما يغلب علي الظن اختلاطه بالنجاسات والي ما يستيقن والي غيرهما فاما

(4/42)


غيرهما فلا بأس به واما ما يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسات ففيه قولان سبق ذكرهما في باب الاجتهاد وأما ما تستيقن نجاسته فيعفى عن القليل منه لان الناس لابد لهم من الانتشار في حوائجهم وكثير منهم لا يملك الا ثوبا واحدا فلو أمروا بالغسل لعظم العناء والمشقة واما الكثير فلا يعفي عنه سائر النجاسات والقليل هو الذى يتعذر الاحتراز عنه والرجوع في الفرق بينه وبين الكثير الي العادة ويختلف الامر فيه بالوقت وبموضعه من البدن وذكر الائمة له تقريبا فقالوا القليل المعفو عنه هو الذى لا ينسب صاحبه الي سقطة أو نكبة أو قلة تحفظ فان نسب الي شئ

(4/43)


من ذلك فهو كثير وقوله ويعذر من طين الشوارع اراد به القسم الثالث وهو المستيقن النجاسة على ما صرح به في الوسيط ثم الذى يغلب علي الظن نجاسته في معناه ان فرعنا علي العمل بالغالب واما قوله وكذا ما على الخف في حق من يصلي معه فاعلم أولا أن اصحابنا حكوا عن الشافعي رضى الله عنه قولين في أنه إذا أصابت أسفل خفه أو نعله نجاسة فدلكه بالارض حتى ذهب أجزاؤها هل تجوز صلاته فيه قالوا وهما؟ ؟ علي انه لا يطهر والكلام في العفو احدهما وهو القديم أنه تجوز صلاته فيه وبه قال أبو حنيفة لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا أصاب أحدكم أذى فليدلكه بالارض " ولان النجاسة تكثر في الطرق وغسله كل مرة

(4/44)


مما يشق فعفى عنه فاكتفى بالمسح كمحل النجو والثانى وهو الجديد أنه لا يجوز الصلاة فيه ما لم يغسل كالثوب إذا أصابته نجاسة والاذى في الخبر محمول علي المستقذرات وذكروا للقولين شروطا (أحدها) ان يكون تنجسه بنجاسة لها جرم يلتصق به أما البول ونحوه فلا يكفى فيه الدلك بحال (والثانى) ان يقع الدلك في حال الجفاف فاما ما دام رطبا فلا يغنى الدلك بلا خلاف (والثالث) حكى عن الشيخ ابي محمد ان الخلاف فيما إذا كان يمشى في الطريق فأصابته النجاسة من غير تعمد منه فاما إذا تعمد تلطيخ الخف بها وجب الغسل لا محالة ثم قال الاصحاب الفتوى علي الجديد ولم يفرقوا في حكاية القولين بين

(4/45)


القليل والكثير من طين الشوارع المستيقن نجاسته ومن سائر النجاسات الغالبة في الطرق واعلم ثانيا ان قوله وكذا ما على الخف يعني من طين الشوارع وسائر النجاسات الغالبة في الطرق كالروث وغيره لان لفظه في الوسيط وكذا ما علي الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عن مثلها وإذا عرفت ذلك فلك ان تقول (ان قلنا) بالقديم فيحتمل نجاسة الخف ويكتفى بانتشار جرم النجاسة عنه بالدلك بعد الجفاف وان قلنا بالجديد فلا يحتمل ذلك فما معني قوله وكذا ما علي الخف اهو جواب على القديم ام كيف الحال والجواب ان خروجه علي القديم واضح لا ينكرو وراءه احتمالان اقربهما أن يكون القولان مفروضين في الكثير الذى لا يعفى عنه من النجاسات هل يجب غسله إذا اصاب الخف ام يكفى فيه الدلك ويكون المراد مما ذكره في الكتاب القليل من الطين المستيقن نجاسته ومن

(4/46)


الروث وغيره فيعفى عنه في الخف كما في الثوب والبدن من غير غسل ولا دلك بل العفو فيه لان الاحتراز اشق وكذلك يكتفى فيه بالدلك علي قول ولا يكتفى به في الثوب والبدن بحال فعلي هذا لا يتعين كلام الكتاب جوابا على القديم بل القليل معفو عنه بلا خلاف والاثر الباقي علي القديم ايضا فينتظم فيهما الحكم بالعفو مما علي الخف والاحتمال الثاني ان يؤخذ باطلاق القولين ويطرد في القليل والكثير من هذه النجاسات ويجوز ان يفرق علي هذا بين الخف والثوب بأن الحاصل علي الثوب لطخات قليلة والحاصل على الخف قدر كبير وايضا فان الخف ينزع في الغالب ولا يحتاج إلى استصحابه بخلاف الثياب فعلي هذا يتعين كلام الكتاب جوابا علي القديم ومتى وقع التفريع على القديم مرادا سواء كان ذلك كل المراد أو من المراد فيجب ان يريد بقوله وكذا ما على الخف

(4/47)


اثر النجاسات المذكورة بعد الجفاف دون عينها فانه لو بقى العين فلا يحتمل علي القديم ايضا كما لا يحتمل على الجديد وعلى الاحتمال الاول ينبغى ان يعفى عن اللوث الحاصل على جميع اسفل الخف واطرافه ويعد ذلك قليلا بخلاف ما لو كان علي الثوب والبدن وكذا يعفى عن اللوث في حال الرطوبة كما في
الثوب والبدن بخلاف ما إذا فرعنا علي القديم فان العفو يختص بالاثر الباقي بعد الجفاف والدلك ثم

(4/48)


العفو بكل حال فيما يحصل من غير قصد منه اما لو تعمد التلطيخ فلا وهكذا يكون الحكم في الثوب والبدن ولهذا قال في باب الاستقبال الماشي المتنفل لو مشي على نجاسة قصدا بطلت صلاته ولا تجب المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسات في الطرق (فان قلت) حكيتم ثم عن امام الحرمين أنه لو مشى علي نجاسة رطبة بطلت صلاته سواء كان قاصدا إليها أو لم يكن وهذا يخالف ما ذكرتم الآن (قلنا) ذاك إذا جرينا علي الاحتمال الاول الاقرب محمول علي ما إذا حصل تلويث كثير لا يقع في حد العفو واعلم أن قوله في باب المسح على الخفين يمسح أعلى الخف وأسفله إلا أن يكون على أسفله نجاسة إن كان تجويزا للصلاة معه وعفوا فتنزيله علي قضية القولين كما ذكرنا في قوله وكذا ما على الخف

(4/49)


ويمكن أن يقال ليس الغرض ثم سوى أنه لا يمسح علي الاسفل إذا كان عليه نجاسة كما قدمناه * قال (الثالثة دم البراغيث معفو عنه إلا إذا كثر كثرة يندر وقوعها ويختلف ذلك بالاوقات والاماكن فان وقع كثرته في محل الشك فالاحتياط أحسن والترخص به جائز ايضا) *

(4/50)


دم البراغيث ينقسم إلى قليل وكثير فالقليل معفو عنه في الثوب والبدن جميعا لانه مما تعم البلوى به ويشق الاحتراز عنه فعفي عنه نفيا للحرج واما الكثير ففيه وجهان أصحهما عند العراقيين والقاضي الرويانى وغيرهم انه يعفي عنه أيضا لانه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه والغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز فيلحق غير الغالب منه بالغالب كما أن المسافر يترخص وإن لم يلحقه في سفره مشقة اعتبارا بالغالب ولان الحاجة الي الفرق والتمييز بين القليل والكثير مما توجب المشقة والوجه الثاني انه لا يعفي عنه لان الاصل اجتناب النجاسات وانما خالفنا في القليل لعموم البلوى به وهذا أصح عند امام الحرمين وهو المذكور في الكتاب وفى معنى دم البراغيث دم القمل والبعوض وما أشبه ذلك وكذا ونيم الذباب وبول الخفاش ولو كان قليلا فعرق وانتشر اللطخ

(4/51)


بسببه ففيه الوجهان المذكوران في الكثير واختيار القاضي الحسين انه لا يعفى عنه لمجاوزته محله واختيار أبى عاصم العبادي العفو لتعذر الاحتراز ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير في دم البراغيث وغيره حكى فيه قولان قديمان أحدهما ان القليل قدر دينار فما دونه وان زاد عليه فهو كثير والثانى ان القليل ما دون قد الكف والجديد انه لا عبرة بذلك واختلفوا فيما يضبط به علي قياسه في الجديد علي وجهين أحدهما انه إذا بلغ حد يظهر للناظر من غير تأمل وامعان طلب فهو كثير وان كان دونه فهو قليل لان المقصود من الاحتراز عن النجاسات تعظيم أمر الصلاة وأداؤها على الهيئة

(4/52)


الحسني وإذا صارت النجاسة بحيث تظهر للناظرين فقد اختل معنى التعظيم وأظهرهما ان الرجوع فيه الي العادة فما يقع التلطيخ به غالبا وتعسر الاحتراز عنه فهو قليل وان زاد عليه فهو كثير وذلك لان اصل العفو انما اثبتناه لتعذر الاحتراز عن هذه النجاسة فينظر في الفرق بين القليل والكثير إليه ايضا فعلي الوجه الاول لا يختلف الحال بالاماكن والاوقات وعلى الوجه الثاني هل يختلف فيه وجهان

(4/53)


احدهما لا بل يعتبر الوسط المعتدل ولا ينظر في الازمنة والامكنة الي ما يندر فيه ذلك ولا إلى ما يتفاحش فيه وأظهرهما انه يختلف الامر باختلاف الاوقات والاماكن لان لها تأثيرا ظاهرا في سهولة الاحتراز وعسرة فعلى هذا يجتهد المصلى فيه وينظر اهو قليل أم كثير وإذا فرعنا علي ما ذكره في الكتاب وهو أن الكثير لا يعفي عنه فلو شك في ان ما اصابه قليل أو كثير فقد ذكر امام الحرمين فيه احتمالين

(4/54)


أحدهما انه لا يعفى عنه لان الاصل اجتناب النجاسة والرخصة انما تثبت في القليل فإذا شككنا في انه قليل ام لا فقد شككنا في المرخص والثانى انه يعفى لان الاصل في هذه النجاسة العفو الا إذا تيقنا الكثرة وهذا هو الذى رجحه وذكره في الكتاب حيث قال والترخص جائز ايضا والاول هو الاحتياط

(4/55)


ولنبين المواضع المستحقة للعلامات من هذا الفصل قوله الا إذا كثر ينبغي ان يعلم بالواو للوجه الصائر إلى العفو في الكثير والقليل وكذلك بالحاء والالف لان الحكاية عن أبي حنيفة ان دم البراغيث طاهر وبه قال أحمد في أصح الروايتين فلا فرق بين القليل والكثير وهذا مذهبهما في الرطوبة

(4/56)


المنفصلة عن كل ما ليس له نفس سائلة كونيم الذباب ونحوه وقوله كثرة يندر وقوعها بالواو اشارة الي القولين القديمين فانهما لا ينظران الي غلبة الوقوع وندرته ولا يعتبران الكثرة بندرة الوقوع وقوله ويختلف ذلك بالاوقات والاماكن للوجه الصائر إلى مراعاة الظهور والوجه المعتبر للوسط ايضا وقوله والترخص جائز أيضا ينبغي ان يعلم ايضا للاحتمال الاول على ما سبق قال (الرابعة دم البثرات وقيحها وصديذها معفو عنه وان أصابه من بدن غيره فوجهان ولطخات الدماميل والفصدان دام غالبا فكدم الاستحاضة وان لم يدم ففى الحاقها بالبثرات تردد) دم البثرات كدم البراغيث لان الانسان قلما يخلو عن بثرة يترشح منها شئ فلو وجب الغسل كل مرة لشق بل ليس دم البراغيث الا رشحات تمصها البراغيث من بدن الانسان ثم

(4/57)


تمجها والا فليس لها دماء في نفسها ذكره امام الحرمين وغيره ولذلك عدت البراغيث مما ليس له نفس سائلة إذا تمهد ذلك فالقليل منه معفو عنه بلا خلاف وفى الكثير وجهان كما في دم البراغيث ولفظ الكتاب ههنا وان كان مطلقا الا انه اراد به القليل لوجهين (أحدهما) أنه أجاب بعدم العفو في دم البراغيث إذا كان كثيرا والخلاف في الدمين واحد فلا ينتظم أن نحكم ههنا

(4/58)


بالعفو في الكثير والثانى انه قال متصلا به وان أصابه من بدن الغير فوجهان والخلاف فيما يصيبه من بدن الغير في القليل دون الكثير على ما سيأتي وإذا كان مراده القليل فلا حاجة إلى اعلامه بالواو من حديث أن اللفظ يتناول الكثير وهو مختلف فيه لان القلة مضمرة فيه لكن يجوز ان يعلم بالواو من جهة انه يشمل ما إذا عصر البثرة قصدا واخرج ما فيها وقد

(4/59)


نقل صاحب التتمة في هذه الصورة وجهين لانه مستغنى عنه والاظهر العفو علي ما يقتضيه اطلاق الكتاب لما روى أن ابن عمر رضى الله عنهما عصر بثرة على وجهه ودلك بين اصابعه بما خرج منها وصلي ولم يغسله ولو اصابه دم من بدن غيره من آدمي أو بهيمة أو غيرهما نظر ان كان كثيرا

(4/60)


فلا عفو عنه لانه قدر فاحش والاحتراز عنه سهل وان كان قليلا وهو المراد من لفظ الكتاب فقد حكى فيه وجهين وكذلك فعل الصيدلانى وجماعة والجمهور حكوهما قولين احدهما وهو نصه في الاملاء انه لا يعفى عنه لانه لا يشق الاحتراز عنه فاشبه القليل من الخمر وسائر النجاسات والثانى وهو نصه في القديم وفى الام انه يعفي عنه لان جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل

(4/61)


المسامجة والاصح منهما عند العراقيين انما هو العفو وتابعهم صاحب التهذيب وعند امام الحرمين وجماعة عدم العفو وهو الاحسن ولو أصابه شئ من دم نفسه ولكن لا من البثرات بل من

(4/62)


الدماميل والقروح ومن موضع الفصد والحجامة ففيه وجهان (احدهما) ويحكى عن ابن سريج انه كدم البثرات لانها وان لم تكن غالبة فليست بنادرة ايضا وإذا وجدت دامت وعسر الاحتراز

(4/63)


عن لطخها ولان الفرق بين البثرات والدماميل الصغار قد يعسر والثانى انها لا تلحق بدم البثرات

(4/64)


لان البثرات لا يخلو معظم الناس عنها في معظم الاحوال بخلاف الدماميل والجراحات وعلي هذا فينظر ان كان مثلها مما يدوم غالبا فهى كدم الاستحاضة وحكمه ما سبق في الحيض وان كان مما لا يدوم غالبا

(4/65)


فيلحق بدم الأجنبي حتى لا يعفى عن كثيره بحال وفى قليله الخلاف الذى سبق والوجه الاول هو قضية كلام
الاكثرين حيث لم يفرقوا في الدم الخارج من البدن بين ان يخرج من البثرات أو غيرها والوجه الثاني وهو اختيار القاضى ابن كج والشيخ ابى محمد وامام الحرمين رحمهم الله وهو الاولي وإذا أردت تلخيص حكم الدماء بعد دم البراغيث فطريقه علي قضية الوجه الاول أن نقول ما سوى دم البراغيث ينقسم إلى الخارج من بدنه فهو كدم البراغيث والى غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليله الخلاف وعلي قضية الوجه الثاني أن نقول ما سوى دم البراغيث ينقسم الي الخارج من بدنه على وجه يعم وهو دم البثرات فهو كدم البراغيث والي غيره ويدخل فيه ما يخرج من بدنه وعلي وجه لا يعم وما يخرج من غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليلة الخلاف وحكم القيح والصديد حكم الدم في جميع ما ذكرناه لانهما دما مستحيلان الي نتن وفساد وأما ماء القروح والنفطات فان كان له رائحة كريهة فهو نجس كالقيح والصديد والا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بطهارته تشبيها له بالعرق (والثاني)

(4/66)


فيه قولان (احدهما) هذا (وأظهرهما) النجاسة كالصديد الذى لا رائحة له ويحكى هذا عن الشيخين أبي محمد وأبى علي وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فمنه ما اندرج في اثناء الكلام ومنه ان قوله وان أصابه من بدن الغير راجع الي اول كلامه وهو دم البثرات لكن الخلاف في دم الغير لا يختص بالخارج من بثراته بل يستوى فيه الخارج من البثرات وغير البثرات وقوله ولطخات الدماميل والفصد وقد يقرأ بعضهم بدل الفصد العقد ولا بأس به فموضع الفصد والحجامة والدماميل كلها في الحكم سواء وقوله ان دام غالبا أي أن دام مثلها غالبا وكذا قوله وان لم يدم أي مثلها أو ما اشبه ذلك والا فلا يمكن ان يكون قوله دام ولم يدم صفة الدماميل ولا صفة اللطخات لان منها ما هو دائم ومنها ما هو غير دائم فلا يجوز وصف كلها لا بالدوام ولا بعدم الدوام ثم لك ان تستدرك فتقول نظم الكتاب يقتضى أن يكون التردد في الحاقها بدم البثرات مخصوصا بلطخات الدميل التى لا تدوم وان تكون

(4/67)


لطخات الدماميل الدائمة ملحقة بدم الاستحاضة من غير تردد وليس الامر كذلك بل حكى امام الحرمين وغيره في الحاقها بدم البثرات وجهين مطلقا كما قدمنا ثم يفصل على وجه عدم الالحاق
فيقال ما يدوم منها كدم الاستحاضة وما لا يدوم كدم الأجنبي وايراده في الوسيط محتمل لما ذكره في الوجيز ولما هو الحق * قال (الخامسة الجاهل بنجاسة ثوبه فيه قولان الجديد وجوب القضاء فان كان عالما ثم نسي فقولان مرتبان واولى بالوجوب (م) ومثار التردد انه من قبيل المناهى فيكون النسيان عذرا فيه أو من قبيل الشروط كطهارة الحدث) *

(4/68)


إذا صلي وعلي ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنهما وهو لا يدرى نظر ان لم يعلم بها أصلا ثم تبين الامر له ففى وجوب القضاء قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة انه يجب كما لو بان له بعد الفراغ من الصلاة انه كان محدثا والقديم انه لا يجب لما روى انه صلي الله عليه وسلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما قضى صلاته قال ما حملكم علي ما صنعتم قالوا رأيناك القيت نعلك فالقينا نعالنا فقال ان جبريل أتاني واخبرني أن فيها قذرا " والاستدلال انه بعد تبين الحال مضى في صلاته ولم يستأنف ولو علم بالنجاسة ثم نسى فصلى ثم تذكر فطريقان (احدهما) القطع بوجوب القضاء لتفريطه (والثانى) أنه علي القولين لان النسيان عذر كالجهل ويقال

(4/69)


ان القول بعدم وجوب الاعادة مخرج من القول القديم في نسيان الماء في الرحل ولا يمكن اعتبارها بالحدث فان العفو الي النجاسات أسرع منه إلي الحدث فيجوز ان يعد الجهل والنسيان فيها من الاعذار ثم إذا أوجبنا الاعادة فيجب اعادة كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة وان احتمل انها حدثت بعد ما صلي فلا شئ عليه وعن أبي حنيفة ان كانت النجاسة رطبة اعاد صلاة واحدة وان كانت يابسة وكان في الصيف فكذلك وان كان في الشتاء اعاد صلاة يوم وليلة إذا عرفت ذلك فاعلم ان قوله الجاهل بنجاسة ثوبه المراد منه النجاسة التى لا يعفي عنها والخلاف لا يختص بالثوب بل البدن والمكان في معناه وإنما ذكر الثوب مثالا فقوله الجديد وجوب القضاء اعلم لفظ الوجوب بالميم لان المنقول عن مالك انه كان الوقت باقيا يعيد والا فلا قال الشيخ أبو حامد ومهما قال مالك ذلك

(4/70)


فلا يوجب الاعادة ولكن يستحبها في الوقت وحكى امام الحرمين مثل ذلك عن أئمة مذهبه ويجوز ان يعلم بالالف ايضا لانه روى عن أحمد روايتان في المسألة كالقولين وقوله فقولان مرتبان في الصورة الثانية يشير الي أن فيها طريقين كما رويناهما وقوله وأولي بالوجوب يجوز ان يعلم لفظ الوجوب بالميم والالف اشارة الي مذهبهما والحكم عندهما واحد في الصورتين وقوله ومثار التردد الي آخره شرحه ان خطاب الشارع قسمان (أحدهما) خطاب التكليف بالامر أو النهي والنسيان يؤثر في هذا القسم الا يرى ان الناس لا ياثم بترك المأمور ولا بفعل المنهى لانه لم يبق مكلفا عند النسيان بل التحق بالمجنون وبسائر من لا يخاطب والقسم الثاني خطاب الاخبار وهو ربط الاحكام بالاسباب وجعل الشي شرطا من هذا القبيل فان معناه ان يقول إذا لم يوجب كذا في كذا فهو غير معتد به والنسيان لا يؤثر في هذا القسم ولهذا يجب الضمان علي من اتلف مال الغير ناسيا لانه مأخوذ من قوله من أتلف ضمن واختلاف القولين مستند الي أن استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة

(4/71)


حتى إذا كان ناسيا يعذر ولا يعد مقصرا مخالفا أو الطهارة عنها من قبيل الشروط فلا يؤثر الجهل والنسيان كما في طهارة الحدث وقد ورد في الباب الفاظ ناهية نحو قوله صلي الله عليه وسلم " تنزهوا من البول " وقوله تعالي والزجر فاهجروا الفاظ شارطة نحو ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم ": فهذا بيان ما ذكره واعلم ان هذا الكلام يوجب ان يكون

(4/72)


قوله من قبل الشرط الثاني طهارة الحدث بناء على قوله الجديد وان يكون القول القديم منازعا فيه ثم لك أن تقول انه عد ترك الكلام من الشروط ومعلوم ان الكلام ناسيا لا يضر بلا خلاف بيننا فان كانت الشروط لا تتأثر بالنسيان فمن الواجب ان لا يعده شرطا وحيث ادرجه في الشروط فكأنه

(4/73)


اراد بالشروط عند عد الاشياء الستة ما لا بد منه في الصلاة عند العلم واراد بالشروط في قوله ههنا
ومن قبيل الشروط ما لا بد منه مطلقا وما لا بد منه عند العلم قد يكون بحيث لا بد منه علي الاطلاق وقد لا يكون كذلك ثم بتقدير ان يكون استصحاب النجاسة من المناهى في الصلاة فلم تبطل الصلاة إذا استصحبها عالما ايلزم ذلك من نفس النهي ام يؤخذ من دليل زائد فيه كلام اصولي

(4/74)


لا اطول منها بذكره خاتمة لهذا الشرط قوله في اول القسم الثاني اما مظان الاعذار فخمس يشعر بانحصارها في الخمس المذكورة لكن للعذر مظان أخر منها النجاسة التى تستصحبها المستحاضة وسلس البول في صلاته ومنها ما إذا كان على جرحه دم كثير يخاف من ازالته ومنها تلطخ سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف ومنها الشعر الذى ينتف ولا يخلوا عنه ثوبه

(4/75)


وبدنه وحكمه حكم دم البراغيث ومنها القدر الذى لا يدركه الطرف من البول والخمر وغير الدم من النجاسات ففيه خلاف ذكرناه في الطهارة وقال أبو حنيفة النجاسة قسمان مغلظة ومخففة فالمغلظة

(4/76)


كالخمر والعذرة وبول ما لا يؤكل لحمه فيعفى عنها في الثوب والبدن والمكان بقدر الدرهم البغلي فما دونه فان زاد لم يجز والمخففة كبول ما يؤكل لحمه فتجوز الصلاة معه ما لم يتفاحش وهو ان لا يبلغ ربع الثوب ومنهم من قال التفاحش الشبر في الشبر *

(4/77)


قال (الشرط الثالث ستر العورة وهو واجب في غير الصلاة وفى وجوبه في الخلوة تردد والمصلي في الخلوة يلزمه الستر في الصلاة) * وجوب ستر العورة عند القدرة لا يختص بحالة الصلاة بل يجب في غير حالة الصلاة أيضا لما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت " وروى

(4/78)


" لا تبرز فخذك " وهذا إذا كان معه غيره فاما إذا كان في الخلوة فوجهان احدهما وبه قال الشيخ أبو محمد
لا يجب إذ ليس ثم من ينظر إليه وروى هذا عن أبى حنيفة واحمد واصحهما وبه قال الشيخ أبو علي

(4/79)


يجب لظاهر الخبر وللتستر عن الجن والملائكة وأيضا فان الله تعالي أحق ان يستحيي منه واما في حالة الصلاة فهو شرط للصحة فلو تركه مع القدرة بطلت صلاته سواء كان في خلوة أو معه غيره

(4/80)


خلافا لمالك حيث قال انه ليس بشرط لكنه واجب في الصلاة وغيرها وروى بعضهم عن مذهبه أن الستر شرط عند الذكر ولا يشترط حالة النسيان لنا قوله تعالي خذوا زينتكم عند كل مسجد عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال يعنى الثياب عند الصلاة وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله صلاة الحائض الا بخمار " والمراد بالحائض البالغة فلك أن تعلم قوله الشرط الثالث ستر العورة بالميم

(4/81)


لما حكينا عن مذهب مالك وقوله يلزمه الستر في الخلوة ان كان المراد منه الاشتراط فكذلك ينبغى أن يعلم بالميم وان كان المراد منه الوجوب فلا ويجوز أن يعلم قوله ستر العورة بالحاء والالف أيضا لانه يشير إلى أن ستر الكل شرط فانه لو كان البعض مكشوفا فاصح أن يقال ما ستر عورته انما ستر بعضها وعند أبي حنيفة لو ظهر من العورة المغلظة قدر درهم بطلت صلاته ولا باس بظهور ما دونه ولو ظهر من العورة المخففة قدر ربع عضو بطلت الصلاة ولا باس بظهور ما دونه قال والمغلظة السوأتان والمخففة ما سواهما

(4/82)


علي تفاوته بين الرجل والمرأة كما سيأتي وعند أحمد لو ظهر اليسير من العورة لم يضر ولم يقدر كما فعله أبو حنيفة رحمه الله * قال (وعورة الرجل ما بين السرة والركبة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه واليدين إلى الكوعين وظهر القدم عورة في الصلاة وفى أخمصها وجهان أما الامة فما يبدو منها في حال المهنة ليس بعورة وما هو عورة من الرجل فو عورة منها وما بينهما) *

(4/83)


ترجمة هذا الشرط الثالث انما هي ستر العورة فيجب بيان العورة وبيان كيفية الستر وانه بم يحصل وهذا الفصل لبيان حد العورة وهى من الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة وليست السرة من العورة ولا الركبة علي ظاهر المذهب لما روى عن أبى أيوب الانصاري رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " ما فوق الركبة ودون السرة عورة " وروى انه قال " عورة الرجل ما بين سرته

(4/84)


وركبته " وليكن قوله ما بين السرة والركبة معلما بالحاء لان عند ابي حنيفة الركبة غير خارجة عن حد العورة وان كانت السرة خارجة وبالميم لان عن مالك الفخذ ليس بعورة وبالواو لامور ثلاثة (أحدها) انهم حكوا وجها عن بعض الاصحاب أنهما جميعا من العورة (والثانى) أن أبا عبد الله الحناطي حكى عن

(4/85)


الاصطخرى أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط (والثالث) أن أبا عاصم العبادي حكي عن بعضهم أن الركبة من العورة دون السرة وليكن معلما بالالف ايضا لان عن احمد رواية أن عورته القبل والدبر

(4/86)


لا غير وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا وهي أظهر عندهم وايضا فان المراد من العورة ههنا ما يجب ستره في الصلاة وعنده يجب ستر المنكب في الصلاة المفروضة وهو خارج عما بين السرة والركبة اما المرأة فان كانت حرة فجميع بدنها عورة الا الوجه واليدين لقوله تعالي (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال

(4/87)


المفسرون هو الوجه والكفان وليس المراد الراحة وحدها بل اليدان ظهرا وبطنا الي الكوعين خارجتان عن حد العورة ولا يكاد يفرض ظهور باطن اليدين دون ظاهرهما ولا يستثنى ظهور قدميها

(4/88)


خلافا لابي حنيفة حيث قال القدمان من العورة وبه قال المزني لنا ما روى صلي الله عليه وسلم " سئل عن المرأة تصلي في درع وخمار من غير ازار فقال لا باس إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها " وهل يستثني اخمصا القدمين حكي صاحب الكتاب وطائفة فيه وجهين وجعلهما آخرون قولين منهم
القفال (احدهما) انهما ليستا من العورة لان النبي صلي الله عليه وسلم خص ظهور القدمين بالذكر فاشعر ذلك بان تغطية باطن القدمين لا تجب (واصحهما) انهما من العورة تسوية بين ظاهرهما وباطنهما كما يسوى

(4/89)


بين ظاهر اليدين وباطنهما في الخروج عن حد العورة: ولك ان تعلم قوله واليدين بالالف لان اصحابنا حكوا عن احمد انه لا يستثنى الا الوجه ويدها عورة وقوله وظهر القدمين عورة في الصلاة كالمستغنى عنه ولو اقتصر علي قوله الا الوجه واليدين وفى اخمصي قدميها وجهان لحصل الغرض لانه إذا لم يستثن الا الوجه واليدين بقى ظهر القدمين داخلا في المستثنى منه واذ ذكره فليعلم بالحاء والزاى لما قدمناه وقوله عورة في الصلاة أشار به إلى ان العورة قد تطلق لمعنى آخر وهو ما يحرم النظر إليه وكلامنا

(4/90)


الآن فيما يجب ستره في الصلاة فاما ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز فيذكر في اول كتاب النكاح هذا ما قصده لكن هذه الاشارة لا اختصاص لها بظهر القدم فلو تعرض لها في اول ما ذكر العورة لكان احسن واما الامة فقد جعل بدنها على ثلاث مراتب (احداها) ما هو عورة من الرجل فلا شك في كونه عورة منها (والثانية) ما يبدو وينكشف في حال المهنة فليس بعورة منها وهو الراس والرقبة والساعد وطرف الساق لانها تحتاج الي كشفه ويعسر عليها ستره وفيه وجه ان جميع ذلك عورة كما في حق الحرة سوى الرأس لان عمر رضي الله عنه رأى أمة سترت رأسها فمنعها عن ذلك وقال أتتشبهين بالحرائر فليكن قوله مما يبدو منها في حال المهنة معلما بالواو لهذا الوجه (والثالثة) ما عداهما كالظهر والصدر وفيه وجهان أحدهما انه عورة كما في حق الحرة وانما احتملنا الشكف فينا يظهر عند المهنة لان الحاجة تدعو إليه واصحهما انه ليس بعورة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال في الرجل يشترى الامة " لا باس أن ينظر إليها الا الي العورة وعورتها بين معقد ازارها الي ركبتها " وحكم المكاتبة والمدبرة والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الامة وحكم الخنثي المشكل ان كان رقيقا وقلنا بظاهر المذهب وهو ان عورة الامة كعورة الرجل فلا يلزمه أن يستر في صلاته الا ما بين السرة والركبة وان كان حرا أو رقيقا وقلنا ان عورة الامة أكثر من عورة الرجل وجب عليه ستر الزيادة على عورة الرجل ايضا
لجواز الانوثة فلو خالف ولم يستر الا ما بين السرة والركبة فهل تجزيه صلاته فيه وجهان نقلهما في البيان أحدهما نعم لان كون الزيادة عورة مشكوك فيه والثانى لا لاشتغال ذمته بفرض الصلاة والشك في براءتها *

(4/91)


قال (وأما الساتر فكل ما يحول بين الناظر وبين البشرة ولا يكفى الثوب السخيف ولا الماء الصافى ويكفى الماء الكدر والطين وفى وجوب التطيين عند فقد الثوب وجهان وإذا كان القميص متسع الذيل فلا باس وان كان متسع الجيب لم يجز الا إذا كانت كثافة لحيته تمنع من الرؤية عند الركوع فيجوز علي أحد الوجهين وكذا لو ستر باليد بعض عورته) * في الفصل مسألتان (أحداهما) في صفة الساتر ويجب ان يستر عورته بما يحول بين الناظر ولون البشرة فلا يكفى الثوب الرقيق الذى يشاهد من ورائه سواد البشرة وبياضها وكذا الغليظ المهلهل النسج الذي تظهر بعض العورة من فرجه فان مقصود الستر لا يحصل بذلك اما لو ستر اللون ووصف حجم الاعضاء فلا باس كما لو لبس سروالا ضيقا أو ثوبا ضيقا ووقف في الشمس وكان حجم أعضائه يبدو

(4/92)


من وارئه ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته لانه لا يحول بين الناظر ولون البشرة الا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء فان خاض فيه الي عنقه ومنعت الخضرة من رؤية لون البشرة فحينئذ يجوز وقوله ولا الماء الصافى المراد منه غير هذه الحالة وان كان اللفظ مطلقا ولو وقف في ماء كدر وصلي فهل يجزئه فيه وجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يجزئه لانه يمنع مشاهدة اللون فاشبه ورق الشجر والجلد وغيرها والثانى لا يجزئه لانه لا يعد ساتر حكي هذا عن الحاوى ونقله أبو الحسن العبادي عن القفال ايضا وانما تفرض الصلاة في الماء إذا قدر علي الركوع والسجود علي الارض أو كان في صلاة الجنازة حتى لا يحتاج إلى الركوع والسجود ولو طين عورته واستتر اللون اجزأه وان قدر على الستر بالثياب لحصول مقصود الستر هذا هو المشهور وذكر امام الحرمين انه متفق عليه بين الاصحاب لكن صاحب العدة قال

(4/93)


فيه وجه آخر انه لا يجوز لانه إذا جف تشقق فلا يحصل به الستر وهذا قريب من الوجه المحكي في الماء الكدر فان الستر بهما مما لا يعتاد بحال فليكن كل واحد من اللفظين الماء الكدر والطين معلما بالواو وإذا فرعنا على الظاهر فلو لم يجد ثوبا ونحوه وأمكنه التطيين فهل يجب عليه ذلك فيه وجهان احدهما لا وبه قال أبو اسحق لما فيه من المشقة والتلويث واصحهما نعم لحصول الستر وإذا طين فان كان الطين ثخينا وأمكن الاحتراز عن مس الفرج بثخنه فذاك وان كان رقيقا فليلف خرقة علي اليد ان وجدها وله ان يستعين فيه بغيره وكل هذا إذا عجز عن تقديم التطيين علي الوضوء (المسألة الثانية) في كيفية الستر قال الاصحاب الستر يرعى من الجوانب ومن فوق ولا يرعي من اسفل الازار والذيل حتي لو صلى في قميص متسع الذيل وان كان على طرف سطح يرى عورته من نظر من الاسفل لان الستر انما

(4/94)


يلزم من الجهة التى جرت العادة بالنظر منها والعادة لم تجر بالنظر من أسفل وتوقف امام الحرمين وصاحب المعتمد في صورة الواقف علي طرف السطح لان الستر من الاسفل انما لا يراعي إذا كان علي وجه الارض فان التطلع من تحت الازار لا يمكن الا بحيلة وتعب أما إذا كان علي طرف السطح فالاعين تبتدر ادراك السوءة فليمتنع ذلك ولو صلي في قميص واسع الجيب ترى عورته من الاعلي في حال من احوال الصلاة اما في الركوع والسجود أو غيرهما لم تصح الصلاة لما روى عن سلمة بن الاكوع قال " قلت يا رسول الله انى رجل اصيد أفاصلى في القميص الواحد قال نعم وازرره بشوكة " وطريقه عند سعة الجيب أن يزره

(4/95)


كما أرشد إليه النبي صلي الله عليه وسلم أو يشد وسطه بخيط أو يستر موضع الجيب بشئ يلقيه على عاتقه أو ما أشبه ذلك وكذا لو لم يكن واسع الجيب لكن كان علي صدر القميص أو ظهره خرق تبدو منه العورة فلا بد من شئ مما ذكرناه ولو كان القميص بحيث يرى من سعة جيبه شئ من العورة عند الركوع والسجود لكن منع منها لحيته أو شعر رأسه ففيه وجهان أحدهما لا تجزيه صلاته لان الساتر لا بد وان يكون غير المستتر فلا يجوز أن يكون بعضه لباسا له وهذا ما ذكره القاضي ابن كج والروياني واصحهما أنه يجوز لحصول مقصود الستر كما لو ستره بمنديل وكما لو كان على ازاره ثقبة فجمع عليها الثوب
بيده ولو ستر باليد الثقبة ففيه الوجهان ولا يخفى أن الكلام فيما إذا لم تمس السوءة ولو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا مانع وكان لا يظهر شئ منها في القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا انحنى بطل أو لا تنعقد أصلا قال امام الحرمين فيه هذا الوجهان لان سبب عدم التكشف التصاق صدره في القيام بموضع ازراره وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع وفيما لو القى ثوبا على عاتقه قبله ويتبين بما ذكرناه أن قوله الا إذا كانت كثافة لحيته مانعة من الرؤية ليس لحصر الاستثناء في هذه الصورة بل لو صلى في قميص متسع الجيب وشد وسطه أو أتى بطريق آخر يمنع الرؤية كما سبق جاز وكذا لو ستر باليد بعض عورته في جريان الوجهين والاصح منهما (واعلم) أنه يشترط في الستر ان يكون الساتر شيئا يشتمل الستور عليه اما باللبس كالثوب والجلد أو بغير

(4/96)


اللبس كما في صورة التطيين فأما الفسطاط الضيق ونحوه فلا عبرة به لانه لا يعد مشتملا عليه وانما يقال هو داخل فيه ولو وقف في جب وصلي على جنازة فان كان واسع الرأس تظهر منه العورة لم يجز وان كان ضيق الرأس فقد قال في التتمة يجوز ذلك ومنهم من قال لا يجوز لانه لا يعد ذلك سترا * قال (ولو وجد خرقة لا تكفى الا لاحدى السوءتين لم يستر بها الفخذ ويخير بين السوءتين علي أعدل الوجوه إذ لا ترجيح ولو عتقت الامة في أثناء الصلاة تسترت واستمرت فان كان الحمار بعيدا فعلي قولي سبق الحدث) *

(4/97)


في الفصل مسالتان نذكرهما وما يليق بهما في قاعدتين (احداهما) إذا لم يجد المصلى ما يستر به العورة صلى عاريا والقول في أنه كيف يصلى وإذا صلى هل يقضى قد سبق في آخر كتاب التيمم ولو حضر جمع من العراة فلهم أن يصلوا جماعة وينبغى أن يقف امامهم وسطهم كالنسوة إذا عقدن الجماعة وهل يسن لهم اقامة الجماعة أم الاولى ينفردوا فيه قولان القديم أن الانفراد اولي ويحكى عن أبي حنيفة ولو كان فيهم لابس فليؤمهم وليقفوا صفا واحدا خلفه فان خالفوا فأم عار واقتدى به اللابس جاز خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء
اللابس بالعارى ولو اجتمع رجال ونساء فلا يصلون معا لا في صف ولا في صفين بل يصلي الرجال أولا والنساء جالسات خلفهم مستدبرات للقبلة ثم يصلي الرجال والنساء جالسون خلفهن كذلك ولو وجد المصلي ما يستر به بعض العورة فعليه أن يستر به القدر الممكن بلا خلاف لا كمن يجد من الماء

(4/98)


ما لا يكفيه لطهارته فان فيه خلافا قدمناه لان للماء بدلا ينتقل إليه والستر بخلافه ثم ان كان ما وجده يكفى للسوءتين بدأ بهما ولو كان لا يكفى الا أحدهما لم يعدل الي ستر غيرهما كالفخذ لان ما سوى السوءتين كالتابع والحريم لهما فسترهما أهم واولي وفيهما ثلاثة أوجه أصحها عند جمهور الاصحاب وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يستر القبل رجلا كان أو امرأة لانه لا حائل دون القبل ودون الدبر حائل وهو الاليتان والثانى انه يستر الدبر لانه افحش عند الركوع والسجود والثالث انه يتخير لتعارض هذين المعنيين حكى هذا الوجه القاضي ابن كج وغيره وهو ارجح عند المصنف وأعدل لتقابل الامرين وانتفاء الترجيح لكن من صار الي الوجه الاول ذكر شيئا آخر وهو انه يستقبل بالقبل القبلة فيكون ستره اهم تعظيما لها وهذا كله في واضح الذكورة والانوثة

(4/99)


أما الخنثى المشكل ان وجد ما يستر به قبله ودبره قدم سترهما فان لم يف الموجود بهما وفرعنا على انه يقدم القبل فيستر قبليه فان كان لا يكفى الا لاحدهما ستر ايهما شاء والاولي ان يستر آلة الرجال ان كان ثم امراة وآلة النساء ان كان ثم رجل ثم ما ذكرناه من تقديم السوءتين أو احداهما علي الفخذ وغيره ومن تقديم احدى السوءتين علي الاخرى على الخلاف الذى فيه كلام في الاستحقاق أو في الاولوية والاستحباب قال امام الحرمين لا يمتنع ان يقال الكلام في الاولوية وله ستر ما شاء لان الفخذ وما دون السرة من العورة ولا فرق عندنا بين السوءة وغيرها في وجوب الستر وابو حنيفة

(4/100)


رحمه الله هو الذى يفصل ويقسم العورة الي مغلظة ومخففة قال وفى كلام الاصحاب ما يدل علي أنه في التحتم نظر الي عرف الناس فان من ستر فخذه وترك السوءة بادية يعد منكشفا (واعلم) أن الاول
من هذين الاحتمالين هو الذى أورده طائفة منهم القاضى الرويانى وردوا الكلام الي الاولوية صريحا والثاني قضية كلام الاكثرين وهو الاولى وقوله في الكتاب لم يستر بها الفخذ: ان كان المراد منه احد الاحتمالين فليعلم بالواو لمكان الثاني وان كان المراد المشترك بينهما وهو الظاهر

(4/101)


فذاك (الثانية) لو كانت الامة تصلي مكشوفة الرأس فعتقت في خلال الصلاة نظر ان لم تقدر على الستر مضت في صلاتها كالعاجز ياتي بجميع الصلاة في العرى وان كانت قادرة على الستر لكنها لم تشعر بقدرتها عليه أو لم تشعر بالعتق حتي فرغت من الصلاة ففى وجوب القضاء عليها القولان المذكوران فيما إذا صلي جاهلا بنجاسة ثوبه ومنهم من قطع بالوجوب ههنا لانها كانت متمكنة من الستر قبل الشروع في الصلاة وان شعرت بهما فان كان الخمار قريبا منها فطرحته علي رأسها أو طرحه غيرها عليها مضت في صلاتها وكان ذلك بمثابة ما لو كشف الريح عورته فرد الثوب في الحال وان كان بعيدا أو احتاجت في التستر إلى أفعال كثيرة ومضي مدة في التكشف ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث فان فرعنا على القديم فلها ان تسعى في طلب الساتر كما يسعي في طلب الماء وان وقفت حتي أتيت به نظر ان وصل إليها في المدة التي كانت تصل إليه لو سعت فلا باس وان زادت المدة فوجهان

(4/102)


أحدهما يجوز ذلك لما فيه من ترك المشي والافعال وأظهرهما لا يجوز وتبطل صلاتها لزيادة المدة وكثره الافعال لا باس بها علي القول الذى يفرع عليه وينبغي أن يطرد هذا التفصيل والخلاف في طلب الماء عند سبق الحدث وان لم نذكره ثم هو لو شرع العارى في الصلاة ثم وجد السترة في اثنائها فحكمه علي ما ذكرنا في الامة تعتق وهي واجدة السترة: ونختم الكلام في هذا الشرط بفروع مهمة (منها) أنه ليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرا ولو وهبه منه لم يلزمه قبوله وحكى فيه وجهان آخران أحدهما أنه يلزمه القبول والصلاة فيه ثم له الرد والثاني عليه القبول وليس له الرد ولو اعاره منه فعليه القبول فلو لم يقبل وصلي عريانا لم تصح صلاته ولو باعه أو آجره منه فهو كما لو بيع الماء منه وقد ذكرناه في التيمم واقراض الثوب كاقراض الثمن ولو احتاج الي شراء الثوب

(4/103)


والماء ولم يقدر علي شرائهما يقدم شراء الثوب (ومنها) لو أوصى بثوبه لاولي الناس به في ذلك الموضع فالمرأة أولي من الرجل والخنثى أولى من الرجل (ومنها) لو لم يجد الا ثوبا نجسا ولم يجد ما يغسله به فقولان أحدهما يصلي فيه تسترا عن أعين الناس كما أنه يجب التستر به خارج الصلاة وعلي هذا تجب الاعادة واصحهما انه يصلي عاريا ولا يلبسه فان لم يجد الا ثوب حرير فاصح الوجهين أنه يصلي فيه لان لبس الحرير يباح للحاجة (ومنها) يستحب أن يصلي الرجل في أحسن ما يجده من ثيابه يتعمم ويتقمص ويرتدى فان اقتصر علي ثوبين فالافضل قميص ورداء أو قميص وسراويل فان اقتصر علي واحد فالقميص أولي ثم الازار ثم السراويل وانما كان الازار أولي لانه يتجافى ثم في الثوب الواحد ان كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه كما يفعل القصار في الماء وان كان ضيقا عقده

(4/104)


فوق سرته ويجعل علي عاتقه شيئا ويستحب ان تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابا كثيفا فوقا ثيابها ليتجافي عنها ولا يتبين حجم اعضائها قال (الشرط الرابع ترك الكلام والعمد منه مع العلم بتحريمه مبطل للصلاة قل أو كثر فتبطل الصلاة بالحرف الواحد ان كان مفهما وان لم يكن مفهما فلا تبطل الا بتوالي حرفين وفى حرف بعده مدة تردد والتنحنح بغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه وان تعذرت القراءة الا به لم يضر وان تعذر الجهر فوجهان) * عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال " ان صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الآدميين

(4/105)


انما هي للتسبيح والتكبير وتلاوة القرآن " وروى انه صلي الله عليه وسلم قال " ان الله يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث ان لا تتكلموا في الصلاة " للمتكلم في الصلاة حالتان (أحداهما) أن لا يكون معذورا فيه (والثانية) أن يكون معذورا وهذا الفصل مسوق لبيان الحالة الاولي فينظر ان نطق بحرف واحد لم تبطل صلاته الا إذا كان مفهما اما انه لا تبطل إذا لم يكن مفهما فلان أقل ما بنى عليه
الكلام حرفان والحرف الواحد ليس من جنس الكلام واما انه تبطل إذا كان مفهما فلاشتماله على مقصود الكلام والاعراض به عن الصلاة ومثال الحرف الواحد المفهم ق وش من وقى ووشي وما أشبه

(4/106)


ذلك فانه يفهم وان كان ينبغى أن يسكت عليها بالهاء وان نطق بحرفين بطلت صلاته سواء أفهما أم لا لان ذلك من جنس الكلام والكلام ينقسم الي مفيد وغير مفيد ولو اتي بحرف ومدة بعده فهل هما كالحرفين فيه وجهان أحدهما لا لانها قد تتفق لاشباع الحركة ولا يعد حرفا وأظهرهما نعم لان المدة الف أو ياء أو واو وهي حروف مخصوصة فضمها الي الحرف كضم حرف آخر إليه ومال امام الحرمين الي رفع هذا الخلاف بحمل الوجه الاول علي ما إذا أتبعه بصوت غفل لا يقع علي صورة المدات والجزم بالمنع إذا أتبعه بحقيقة المد وفى التنحنح ثلاثة اوجه أظهرها انه ان لم يبن منه حرفان فلا تبطل الصلاة والا فيبطلها كما لو اتي بحرفين على وجه آخر والثانى انه لا تبطل وان بان منه حرفان لانه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فاشبه الصوت الغفل وحكي هذا عن نص الشافعي رضي الله عنه والثالث ذكر القفال انه ان كان مطبقا فمه لم يضر وان كان فاتحا فمه ننظر حينئذ هل يبين منه حرفان ام لا والفرق انه ان كان مطبقا شفتيه كان التنحنح كقرقرة في التجاويف فإذا فرعنا على الاول وهو الذى قطع به الجمهور فذلك إذا أتى به قصدا من غير حاجة فاما إذا كان مغلوبا فلا باس ولو تعذرت القراءة الا به تنحنح وهو معذور وان أمكنه القراءة لكن تعذر عليه الجهر لو لم يتنحنح ففيه وجهان أحدهما أنه يعذر به اقامة لشعار الجهر ولان التنحنح في أثناء القراءة لا يعد منقطعا عن القراءة بل يعد من توابعها وأظهرهما أنه ليس بعذر لان الجهر أدب وسنة ولا ضرورة إلى احتمال التنحنح له ولو تنحنح الامام وظهر منه حرفان فهل للمأموم أن يدوم على متابعته فيه وجهان ذكرهما القاضي الحسين أحدهما لا بل يفارقه لان الاصل سلامته وصدور

(4/107)


أفعاله عن اختياره وأظهرهما أن له أن يدوم علي متابعته لان الاصل بقاء العبادة والظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة فيحمل علي كونه مغلوبا والضحك والبكاء والنفخ والانين
كالتنحنح ان بان منها حرفان بطلت صلاته والا فلا ولا فرق بين أن يكون بكاؤه لامر الدنيا أو الآخرة وعند أبي حنيفة ان كان الانين والبكاء لامر الجنة أو النار لم يضر وان كان لمرض ونحوه بطلت صلاته بكل حال إذا عرفت ذلك فعد إلى الفاظ الكتاب واعلم أن قوله والعمد منه مبطل للصلاة الغرض منه بيان حكم الكلام في غير المعذور لادارة الحكم على وصف العمدية فانه قد يتكلم عامدا ولا تبطل صلاته علي ما سيأتي في الاعذار لكن الوصف المقابل للعمدية وهو النسيان أشهر الاعذار فكني بالعامد عن غير المعذور وقوله فتبطل الصلاة بالحرف الواحد الي آخره اشارة إلى حد القليل معناه ما قل هو الحرف الواحد ان كان مفهما أو حرفان كيفما كانا وقوله والتنحنح لغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه مطلق والمراد منه ما إذا ظهر منه حرفان فان قلت لو لم يظهر الا حرف واحد لم يقع عليه اسم التنحنح وقد تعرض في الكتاب للتنحنح فلا حاجة إلى التقييد المذكور فالجواب أن انتقاء ظهور الحرفين قد يكون لانحصار ما ظهر في الحرف الواحد وقد يكون لاسترسال سعال لا يبين منه حرف أصلا فلا بد من التقييد (وقوله) لغير ضرورة كأن المراد بالضرورة الحاجة والا فيدخل في قوله والتنحنح لغير ضرورة مبطل ما إذا تعذرت القراءة الا به لانه يمكنه الصبر فلعلها تتيسر على قرب وحينئذ يكون ما ذكره حكما بالبطلان في تلك الصورة ومعلوم انه ليس كذلك *

(4/108)


قال (ولا تبطل الصلاة بسبق اللسان ولا بكلام الناسي (ح) ولا بكلام الجاهل (ح) بتحريمه ان كان قريب العهد بالاسلام وهل تبطل بكلام المكره فيه قولان ومصلحة الصلاة ليست عذرا (م) في الكلام) * غرض هذا الفصل القول في اعذار الكلام فمنها سبق اللسان إلى الكلام عن غير قصد منه لا يقدح في الصلاة بحال لانا سنبين ان الناسي معذور فهذا أولي لان الناسي يتكلم قاصدا إليه وانما غفل عن الصلاة وهذا غير قاصد الي الكلام وكذلك لو غلبه الضحك أو السعال لم يضر وان بان منه حرفان ومنها النسيان فلا تبطل الصلاة بكلام الناسي للصلاة خلافا لابي حنيفة حيث قال كلام الناسي ككلام العامد وسلم أبو حنيفة أن سلام الناسي لا يبطلها وعن احمد روايتان أحداهما
مثل مذهبه والاشهر مثل مذهبنا لنا ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وسلم في ركعتين فقال ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة ام نسيت فقال كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك فاقبل على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقيل نعم فاتم ما بقى من الصلاة وسجد للسهو " ووجه

(4/109)


الاستدلال انه تكلم معتقدا انه ليس في الصلاة ثم بني عليها وايضا القياس علي السلام ناسيا وعلي الاكل في الصوم ناسيا ومنها الجهل بتحريم الكلام علي المصلى لما روى عن معاوية بن الحكم قال " لما رجعت من الحبشة صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فحدقنى الناس بابصارهم فقلت ما شأنكم تنظرون الي فضربوا بايديهم علي أفخاذهم يسكتونني فسكت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معاوية ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " وهذا عذر في حق قريب العهد بالاسلام فان كان بعيد العهد به بطلت صلاته

(4/110)


لانه مقصر بترك التعلم ولو علم أن الكلام حرام في الصلاة ولكن لم يعلم أنه مبطل لها لم يكن ذلك عذرا كما لو علم أن شرب الخمر حرام ولم يعلم أنه يوجب الحد بخلاف ما لو لم يعلم التحريم والسبب فيه انه بعد ما عرف التحريم حقه الامتناع وقال في الوسيط عقيب هذه المسألة الجهل بكون التنحنح أو ما يجرى مجراه مبطلا فيه تردد يعنى وجهين والاصح انه عذر ويبعد أن يكون التصوير فيما إذا جهل كون التنحنح مبطلا بعد العلم بتحريمه فانا انما اكتفينا في المسألة السابقة بالعلم بالتحريم من حيث انه إذا علم التحريم فينبغي أن يمتنع عن الحرام ولا حاجة إلى العلم بكونه مبطلا وهذا موجود في التنحنح فلا يظهر بينهما فرق مع التسوية في الحرمة والقول بكونهما مبطلين ولكن الاقرب شيئان أحدهما ان يكون هذا التردد في الجاهل بكون التنحنح مبطلا بعد العلم بكون الكلام مبطلا أو حراما لا التنحنح وان بان منه حرفان لا يعد كلاما فلا يلزم من العلم بالمنع عن الكلام العلم بالمنع منه والتردد علي هذا التنزيل قريب من التردد فيما إذا علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم ان ما أتي به هل هو محرم ام لا والظاهر في الصورتين أنه معذور والثانى ان يكون التردد في حق بعيد العهد بالاسلام إذا جهل كون التنحنح مبطلا هل يعذر ام لا فعلي رأى لا كما إذا

(4/111)


جهل كون الكلام مبطلا وعلى رأى نعم لان ذلك مشهور لا يكاد يجهله مسلم وهذا مما يختص بمعرفته الفقيه والله اعلم ومنها الاكراه فلو اكره حتي تكلم هل تبطل صلاته فيه قولان كالقولين فيما لو اكره الصائم علي الاكل احدهما لا تبطل صلاته الحاقا للاكراه بالنسيان وفى الخبر " رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " واصحهما ولم يذكر في التهذيب سواه انها تبطل لانه أمر نادر بخلاف النسيان وصار كما لو اكره علي أن يصلى بلا وضوء أو قاعدا تجب عليه الاعادة ولا يكون عذرا ثم جميع هذه الاعذار في الكلام اليسير فاما إذا كثر ففى صورة النسيان وجهان مشهوران (احدهما) انه لا يبطل الصلاة لانه لو أبطلها لابطلها القليل كما في حالة التعمد وبهذا قال أبو اسحق واظهرهما عند الجمهور انها تبطل وعليه يدل كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذكروا له معنيين احدهما ان الاحتراز عن الكثير سهل غالبا لان النسيان فيه يبعد ويندر وما يقع نادرا لا يعتد به والثانى انه يقطع نظم الصلاة وهيئتها والقليل يحتمل لقلته ورتبوا علي هذه المسألة بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا ان قلنا لا تبطل الصلاة فالصوم أولي بان لا يبطل وان قلنا ببطلان الصلاة ففى الصوم وجهان مبنيان علي المعنبين ان قلنا بالمعني الاول يبطل وان قلنا بالثاني فلا إذ ليس في الصوم افعال منظومة حتى يفرض انقطاعها وانما هو انكفاف مجرد واجري صاحب المهذب وغيره هذا الخلاف في حالة الجهل ايضا وكذلك في سبق اللسان: وما الحد الفارق بين القليل والكثير حكى في البيان عن الشيخ ابي حامد ان الكلام اليسير حده الكلمة والكلمتان والثلاث ونحوها وعن ابن الصباغ ان اليسير هو القدر الذى تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذى اليدين وكل واحد منهما للتمثيل اصلح منه للتحديد والاظهر فيه وفى نظائره الرجوع الي العادة علي ما سيأنى إذا عرفت ذلك عرفت أن قوله ولا تبطل بسبق اللسان ولا بكلام الناسي الي آخره المراد منه الكلام اليسير وان كان اللفظ مطلقا الا أن يريد الجواب على الوجه المنسوب إلى ابى اسحق فحينئذ لا حاجة إلى التقييد ويحتاج إلى الاعلام بالواو والظاهر انه ما اراد الا اليسير وقوله ولا بكلام الناسي معلم بالحاء والالف لما قدمنا ولك ان تعلم قوله ولا بكلام الجاهل بالحاء ايضا لان

(4/112)


في كلام اصحابنا حكاية الخلاف عن أبي حنيفة في صورة الجهل ايضا (وقوله) بان كان قريب العهد بالاسلام في بعض النسخ ان كان قريب العهد وهو اولى لان الغرض تقييد الجاهل وانما يقال بان يكون كذا في موضع التفسير والبيان (وقوله) ومصلحة الصلاة ليست عذرا في الكلام الغرض منه بيان انه لا

(4/113)


فرق بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة مثل أن يقول لامامه الساهي بالقيام اقعد أو بالقعود قم أو تكلم لا لمصلحتها وكونه لمصلحتها ليس من جملة الاعذار خلافا لمالك رضي الله عنه وهو رواية عن أحمد في حق الامام خاصة * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وهذا مطلق * واحتج الاصحاب أيضا بان المأموم إذا أراد تنبيه الامام على سهوه فالسنة له أن يسبح إن كان رجلا وأن تصفق إن كانت امرأة فلو جاز أن ينبهه بالكلام لما أمر بالعدول إلى التسبيح وغيره واعرف ههنا شيئين (احدهما) ان التسبيح والتصفيق لا اختصاص لهما بحالة تنبيه الامام بل متى ناب الرجل شئ في صلاته كما إذا رأى اعمي يقع في بئر واحتاج الي تنبيهه أو استأذنه انسان في الدخول أو أراد اعلام غيره امرا فالسنة له ان يسبح والمرأة تصفق في جميع ذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا ناب احدكم شئ في صلاته فليسبح فانما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء " (والثاني) ان المراد من التصفيق ان تضرب بطن كفها الايمن على ظهر كفها الايسر وقيل ان تضرب اكثر اصابعها اليمني على ظهر اصابعها اليسرى وقيل هو ضرب اصبعين على ظهر الكف والمعاني متقاربة والاول اشهر ولا ينبغى ان تضرب بطن الكف علي بطن الكف فان ذلك لعب ولو فعلت ذلك على اللعب بطلت صلاتها وان كان

(4/114)


ذلك قليلا لان اللعب ينافى الصلاة فهذا شرح مسائل الكتاب وينخرط في سلك الاعذار سوى ما ذكره أمور (منها) ما يقع جوابا للرسول صلي الله عليه وسلم فإذا خاطب مصليا في عصره وجب عليه الجواب ولم تبطل بذلك صلاته (ومنها) لو أشرف انسان علي الهلاك فاراد انذاره وتنبيهه ولم يحصل ذلك الا بالكلام فلا بد له من ان يتكلم وهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) وبه قال
أبو إسحق واختاره جماعة من الاصحاب لا كاجابة النبي صلي الله عليه وسلم (واصحهما) عند الاكثرين نعم للنصوص المطلقة ويستثني جواب رسول الله صلي الله عليه وسلم لشرفه ولهذا أمر المصلي بان يقول سلام عليك ايها النبي ولا يجوز ان يقول ذلك لغيره (ومنها) ما حكى المحاملي وغيره انه لو قال آه من خوف النار لم تبطل صلاته والمشهور خلافه * قال (ولو قال ادخلوها بسلام على قصد القراءة لم يضر وان قصد التفهيم فان لم يقصد الا التفهيم بطلت وفي السكوت الطويل في اثناء الصلاة وجهان) الكلام الذى يقدح في الصلاة عند عدم الاعذار هو ما عدا القرآن والاذكار وما في معناها فاما القرآن فإذا أتي بشئ من نظمه قاصدا به القراءة لم يصر وان قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه الامام أو غيره والفتح علي من ارتج عليه وتفهيم أمر من الامور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب وما أشبه ذلك ولا فرق بين أن يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ وقال أبو حنيفة إذا قصد شيئا آخر سوى القراءة بطلت صلاته الا أن يريد تنبيه الامام أو المار بين يديه وكذا لو اتي بذكر وتسبيح في الصلاة وقصد به مع الذكر شيئا آخر ففيه هذا الخلاف وذلك مثل أن يحمد الله تعالي على عطاس

(4/115)


أو بشارة يبشر بها أو يخبر بما يسوءه فيقول انا لله وانا إليه راجعون لنا ما روى عن علي رضى الله عنه قال " كانت لي ساعة ادخل فيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كان في الصلاة سبح وذلك أذنه وان كان في غير الصلاة أذن " ولانه قصد الافهام والاعلام بشئ مشروع في الصلاة فلا يضر كما لو قصد تنبيه الامام والمار بين يديه ونقل صاحب البيان وغيره وجها عن بعض أصحابنا ايضا انه إذا قصد مع التلاوة شيئا آخر بطلت صلاته فليكن قوله وان قصد التفهيم معلما بالحاء والواو كذلك وان لم يقصد الا الافهام والاعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة كما لو افهم

(4/116)


بعبارة أخرى ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن علي نظمها وتوجد مفرداتها مثل ان يقول يا ابراهيم
سلام كن بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال واما الاذكار والتسبيحات والادعية بالعربية فلا تقدح أيضا سواء المسنون وغير المسنون منها نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلي الله عليه وسلم يجب الاحتراز منه فلا يجوز ان يقول للعاطس يرحمك الله وعن يونس بن عبد الاعلي عن الشافعي رضى الله عنه انه لا يضر ذلك وصحح القاضى الروياني هذا القول والمشهور الاول ويدل عليه ما قدمنا من حديث معاوية بن الحكم ولم ينقل خلاف في انه لا يجوز أن يسلم ولا ان يرد السلام لفظا ويرده بالاشارة بيده أو برأسه خلافا لابي حنيفة ولو قال يرحمه الله أو عليه السلام لم يضر هذا هو الكلام في احدى مسألتي الفصل وما يتعلق بها (والثانية) السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال وفي السكوت الطويل إذا تعمده وجهان احدهما انه يبطل الصلاة لانه كالاضراب عن وظائفها إذ اللائق بالمصلى الذكر والقراءة والدعاء ومن رآه في سكتة طويلة سبق الي اعتقادة انه ليس في الصلاة كما أذا رآه يتكلم واصحهما لا تبطل لان السكوت لا يخرم هيئة الصلاة وما يجب فيها من رعاية الخضوع والاستكانة وخص في التهذيب الوجهين بما إذا سكت لغير غرض فاما لو سكت طويلا لغرض بان نسي شيئا فتوقف لتذكره فلا تبطل صلاته لا محالة ولو سكت سكوتا طويلا ناسيا وقلنا ان عمده مبطل فطريقان أحدهما التخريج علي الخلاف المذكور في الكلام الكثير ناسيا والثانى انه لا يضر جزما تنزيلا له منزلة الكلام اليسير ولهذا عند التعمد جعل طويل السكوت كقليل الكلام وسومح بقليل السكوت قال في الوسيط وهذا أصح (واعلم) ان الاشارة المفهمة من الاخرس نازلة منزلة عبارة

(4/117)


الناطق في العقود هل تبطل الصلاة بها اجاب الامام الغزالي رحمه الله في الفتاوى بانها لا تبطل ورأيت بخط والدى رحمه الله حكاية وجه آخر أنها تبطل ككلام الناطق * قال (الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة والكثير ما يخيل للناظر الاعراض عن الصلاة كثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات ولا تبطل بما دونه ولا بمطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر) *

(4/118)


ما ليس من أفعال الصلاة ضربان (أحدهما) ما هو من جنسها فان فعله ناسيا عذر ولم تبطل صلاته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فلما تبين له الحال سجد للسهو ولم يعد الصلاة " وان كان عامدا بطلت سواء كثر أو قل كركوع وسجود ونحوهما لانه تلاعب في الصلاة واعراض عن نظام اركانها * وقال أبو حنيفة لا تبطل صلاته بزيادة الركوع والسجود عمدا وانما تبطل بزيادة ركعة: والضرب الثاني ما ليس من جنس أفعال الصلاة وهو المقصود في الكتاب فلا خلاف انه يفرق فيه بين القليل والكثير لما روى انه صلي الله عليه وسلم " صلي وهو حامل أمامة بنت أبي

(4/119)


العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " اقتلوا

(4/120)


الاسودين في الصلاة الحية والعقرب " وروى انه صلي الله عليه وسلم " أخذ باذن ابن عباس

(4/121)


رضي الله عنهما وهو في الصلاة فاداره من يساره الي يمينه " ودخل أبو بكرة المسجد والنبي صلي الله

(4/122)


عليه وسلم في الركوع فركع خيفة أن يفوته الركوع ثم خطا خطوة ودخل الصف فلما فرغ قال

(4/123)


له النبي صلي الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يامره بالاعادة وروى انه صلى الله عليه وسلم سلم عليه نفر من الانصار فرد عليهم بالاشارة دلت هذه الاخبار ونحوها علي احتمال

(4/124)


الفعل القليل في الصلاة والي هذا أشار المصنف حيث قال في ترجمة الشرط ترك الافعال الكثيرة وفى الكلام لما استوى قليله وكثيره في الابطال اطلق فقال ترك الكلام والمعنى فيه انه يعسر علي الانسان أو يتعذر السكون علي هيئة واحدة في زمان بل لا يخلو عن حركة واضطراب ولا بد للمصلى من رعاية التعظيم والخشوع فعفي عن القدر الذى لا يحمل على الاستهابة بهيئة الخشوع

(4/125)


وأما في الكلام فالاحتراز عن قليله وكثيره هين * ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير للاصحاب فيه عبارتان غريبتان وعبارتان مشهورتان فاحدى الغريبتين أن القليل مالا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة فان وسع فهو كثير حكاها صاحب العدة والثانية ان كل عمل لا يحتاج فيه الي كلتا اليدين فهو قليل وما يحتاج فيه اليهما فهو كثير فالاول كرفع العمامة وحل اشرطة السراويل والثاني

(4/126)


كتكوير العمامة وعقد الازار والسراويل واما المشهورتان فاحداهما ما حكي عن القفال وغيره ان القليل هو القدر الذى لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن ان فاعله ليس في الصلاة وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال والكثير ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة واعترضوا عليها بان هذا الظن والتخيل اما ان ينشا من انه غير محتمل في الصلاة شرعا أو من ان غالب

(4/127)


عادة المصلين الاحتراز عنه من غير ان ينظر إلى انه محتمل ام لا فان كان الاول فانما يحصل هذا الظن أو الخيال لمن عرف حد الكثير المبطل ونحن عنه نبحث فكأنا قلنا الكثير هو الذي يحكم ببطلان الصلاة به من عرف انه مبطل ومعلوم ان هذا لا يفيد شيئا وان كان الثاني فهو يشكل بما إذ رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا فانه محتمل مع ان الناظر إليه يتخيل انه ليس في الصلاة

(4/128)


لانه علي خلاف عادة المصلين غالبا والثانية ان الرجوع في الفرق بينهما الي العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالاشارة برد السلام وخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه وما أشبه ذلك وهذه العبارة هي التى اختارها الاكثرون ومنهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه ولم يذكر صاحب التهذيب سواها واوردها الصيدلانى مع الاولي واشعر ايراده بترجيح هذه الثانية ايضا وعند هذا لا يخفى عليك ان قوله والكثير ما يخيل إلى الناظر وينبغى ان يعلم بالواو اشارة الي العبارات الاخر ثم اطبق اصحاب العبارتين المشهورتين على ان الفعلة الواحدة معدودة من القليل كالخطوة الواحدة والضربة
الواحدة وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه وعلى ان الثلاث فصاعدا من الكثير وفي الفعلتين وجهان محكيان عن رواية القاضى ابى الطيب وغيره احدهما انهما من حد الكثير لمكان التكرار وكالثلاث واصحهما انهما من القليل لما روى انه صلي الله عليه وسلم " خلع نعليه في الصلاة " وهما فعلتان ورايت في كثير من نسخ الكتاب قوله ولا تبطل بما دونه معلما بالواو كأنهم اشاروا به إلى الوجه الاول لكن انما ينتظم ذلك لو رجعت الكناية في قوله بما دونه إلى الخطوات والضربات ورجوعها الي قوله والكثير أظهر من رجوعها الي الخطوات الا ترى انه ذكر الكناية ولم يؤنثها ثم اجمعوا على ان الكثير انما يبطل بشرط أن يوجد علي التوالي واليه أشار بقوله متوالية أما لو تفرق كما لو خطا خطوة ثم بعد زمان خطا خطوة أخرى وهكذا مرارا لم تبطل صلاته وكذلك لو خطا خطوتين ثم بعد زمان خطوتين أخريين إذا قلنا أن الفعلتين من حد القليل * واحتجوا عليه بحديث حمل أمامة فان النبي صلي الله عليه وسلم كان يحملها ويضعها ولم يضر ذلك لتفريق الافعال والتفريق بان يعد الثاني منقطعا عن الاول في العادة وقال في التهذيب فيما إذا ضرب ضربتين ثم بعد زمان ضربتين أخريين وحد التفريق عندي ان يكون بين الاوليين والاخريين قدر ركعة لحديث امامة ثم ما ذكره الائمة ان الفعلة الواحدة تعد من القليل ارادوا به نحو الطعنة والضربة والخطوة فاما إذا أفرطت كالوثبة

(4/129)


الفاحشة فانها تبطل الصلاة ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو قضية العبارتين المشهورتين وكذلك قولهم الثلاث المتوالية من الكثير المبطل أرادوا الخطوة وما يشبهها واما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في سبحة أو حكة أو عقد وحل ففيها وجهان أحدهما انها إذا كثرت وتوالت ابطلت لانها افعال متعددة فاشبهت الخطوات واظهرهما انها لا تؤثر لانها لا تخل بهيئة الخشوع فهي مع كثرة العدد بمثابة الفعل القليل وقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لو كان يعد الآى في صلاته عقدا باليد لم تبطل صلاته وان كان الاولى ان لا يفعله وبه قال أبو حنيفة وجميع ما ذكرناه فيما إذا تعمد الفعل الكثير فاما إذا اتى به ناسيا فقد حكى في النهاية فيه طريقين احدهما انه علي الوجهين في الكلام الكثير ناسيا والثانى ان اول حد الكثرة لا يؤثر كالكلام اليسير من الناسي
فان اول حد الكثرة هو الذى يبطل عند التعمد كالكلام اليسير عند التعمد وما جاوز اول حد الكثرة وانتهي الي السرف فهو علي الخلاف في الكلام الكثير ناسيا والذى حكاه الجمهور من هذا الخلاف انه لا فرق في الفعل الكثير بين العمد والسهو وهو الذى يوافق ظاهر قوله الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة وفرقوا بينه وبين الكلام بان الفعل أقوى من القول ولهذا ينفذ احبال الجنون دون اعتاقه قالوا ولا يعارض هذا بان القليل من الفعل محتمل والقليل من الكلام غير محتمل لان القليل من الفعل لا يتأتى الاحتراز عنه والكلام مما يتاتي الاحتراز عنه من النوعين والله اعلم.
واعلم انه يستثني عن ابطال العمل الكثير الصلاة حال شدة الخوف فيحتمل فيها الركض والعدو عند الحاجة وهل يحتمل عند عدم الحاجة فيه كلام مذكور في الكتاب في صلاة الخوف على ما سيأتي ان شاء الله تعالي: واما قوله ولا بمطالعة القرآن فاعلم انه لو قرأ القرآن من المصحف لم يضر بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة علي ما سبق ولو قلب الاوراق احيانا لم يضر لانه عمل يسير * وعن ابي حنيفة انه لو قرأ القرآن من المصحف بطلت صلاته لان النظر عمل دائم وعندنا لو كان ينظر في غير القرآن ويردد في نفسه ما فيه لا تبطل صلاته ايضا لان النظر لا يشعر بالاعراض عن الصلاة وحديث النفس

(4/130)


معفو عنه وحكى القاضى ابن كج وجها ان حديث النفس إذا كثر ابطل الصلاة وقوله بعد مطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر: الوجهان المخصوصان بالتحريك لا جريان لهما في مطالعة القرآن فلا يتوهم من العطف غير ذلك * قال (وإذا مر المار بين يديه فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان هذا لفظ الخبر وهو تأكيد لكراهية المرور واستحباب الدفع فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدار أو علامة لم يكن له الدفع علي أحد الوجهين لتقصيره ولا يكفيه أن يخط علي الارض بل لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر وان لم يجد المار سبيلا سواه فلا يدفع بحال) * السبب الداعي للى ايراد هذا الفصل ههنا الاستدلال بالامر بالدفع علي الفعل القليل لا باس به في الصلاة ثم يتعلق به مسائل مقصودة فجرت العادة بذكرها في هذا الموضع والخبر المشار إليه
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا مر المار بين يدى احدكم وهو في الصلاة فليدفعه فان أبى فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان) وروى البخاري في الصحيح عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال إذا صلي احدكم إلي شئ يستره من الناس فاراد أحد ان يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان) قيل معناه شيطان الانس وقيل معناه فان معه شيطانا فان الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدى المصلي وحده فإذا مر إنسي رافقه والمستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها بحيث لا يزيد ما بينه

(4/131)


وبينها علي ثلاثة أذرع وان كان في الصحراء فينبغي ان يغرز عصا ونحوها أو يجمع شيئا من رحله ومتاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل فان لم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلي لما روى عن أبى هريرة رضى الله عن أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد فلينصب عصا فان لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر بين يديه " ثم إذا صلى إلى سترة كره لغيره ان يمر بينه وبين السترة وهل هذه الكراهة للتحريم أو للتنزيه الذى ذكره في التهذيب انه لا يجوز المرور وصاحب الكتاب اراد بقوله وهو تأكيد لكراهية المرور التنزيه لانه صرح في الوسيط بان المرور ليس بمحذور وانما هو مكروه وكذلك ذكره امام الحرمين والاول اظهر لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال " لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف اربعين خير له من ان يمر بين يديه " والاثم

(4/132)


انما يلحق بالحرام وليكن قوله لكراهية المرور معلما بالواو لما ذكرناه وذكر القاضى الرويانى في الكافي أن للمصلي ان يدفعه وله ان يضربه علي ذلك وان أدى الي قتله وكل هذا لا يكون الا إذا حرم المرور ولو لم يجعل بين يديه سترة فهل له دفع المار فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما نعم لعموم الخبر المذكور في الكتاب وأصحهما وهو الذى أورده في التهذيب لا لتقصيره وتضييعه حظ نفسه ورواية الصحيح مقيدة بما إذا صلي الي السترة والمطلق محمول علي المقيد ولو وقف بعيدا
من السترة فهو كما لو صلي لا إلى سترة ولو وجد الداخل فرجة في الصف الاول فله أن يمر بين يدى الصف الثاني ويقف فيها لتقصير اصحاب الصف الثاني باهمالها ذكره الشيخ أبو محمد واما قوله فلا يكفيه ان يخط علي الارض فاعلم أن امام الحرمين نقل ان الشافعي رضي الله عنه مال إلى الاكتفاء بالخط في القديم وروى في الجديد ذلك أيضا وحض عليه قال وما استقر عليه الامر ان الخط لا يكفى إذا الغرض الاعلام وذلك لا يحصل بالخط وهذا هو الذى ذكره في الكتاب وقال لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر ليقف المار عليه فيعدل عن حريم صلاته وقد تعرض لما نقله عن الجديد متعرضون لكن لم يثبتوه قولا واتفقت كلمة الجمهور علي الاكتفاء بالخط كما إذا استقبل شيئا شاخصا فليكن قوله ولا يكفيه ان يخط معلما بالواو لذلك فان توهمت الجمع بين كلام الكتاب وما ذكره الاكثرون وقلت انهم وان ذكروا استحباب الخط لم يذكروا انه يمتنع به المرور ويثبت للمصلي ولاية الدفع فلعله وان كان مستحبا لا يفيد جواز الدفع وحينئذ لا يكون بين قوله ولا يكفيه ان يخط وبين ما ذكروه منافاة وبتقدير أن يكون هذان الحكمان متلازمين فانما ذكروا الاستحباب فيما إذا لم يجد شيئا شاخصا فليحمل ما ذكره امام الحرمين والمصنف علي ما إذا وجد فالجواب اما الاول فممتنع نقلا وحجاجا اما النقل فلان صاحب البيان حكي عن المسعودي امتناع المرور وولاية الدفع فيما إذا خط حسب ثبوتهما فيما إذا صلي الي سترة أو عصا واما الحجاج فمن وجهين (احدهما) انه صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر أبى هريره رضى الله عنه ثم لا يضره ما مر بين يديه أي من وراء العلامات المذكورة ومنها الخط والثاني ان المقصود من أمر المصلي بنصب السترة وغيرها ان يظهر حريم صلاته ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ولا يزحمه

(4/133)


غيره ويشغله عن صلاته وأما الثاني فلو انهما أرادا حالة وجدان الشاخص لسويا بينه وبين بسط المصلي كما ان الذين قالوا باستحباب الخط عند فقدان الشاخص سووا بينه وبين بسط المصلي ذكره صاحب التهذيب وغيره * ولم يفعلا ذلك بل الحقا بسط المصلي بنصب الخشبة ويدل عليه ظاهر لفظ الكتاب في موضعين من الفصل وبالجملة فليس في لفظه ههنا ولا في الوسيط ما يشعر بهذا التأويل بل فيه ما يدل علي انه لا عبرة بالخط بحال وقوله فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدارا أو علامة
عني بالعلامة بسط المصلى وقضيه ما سبق نقله حمل أو في قوله أو علامة علي الترتيب وكذا في قوله أو مصلى ظاهر دون التخيبر والتسوية واما قوله وإذا لم يجد الماء سبيلا سواه فلا يدفع بحال فقد ذكر امام الحرمين ايضا وقال النهى عن المرور والدفع إذا وجد سواه سبيلا اما إذا لم يجد وازدحم الناس فلا نهي عن المرور ولا يسوع الدفع وهذا فيه اشكال لان البخاري روى في الصحيح عن ابي صالح السمان قال " رأيت أبا سعيد الخدرى رضي الله عنه في يوم جمعة يصلي الي سترة فاراد شاب ان يمر بين يديه فدفع أبو سعيد رضي الله عنه في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا الا بين يديه فعاد ليجتاز ودفعه أبو سعيد أشد من الاولي فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذى قدمناه " وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلا والله اعلم * قال (الشرط السادس ترك الاكل وقليله مبطل لانه اعراض وهل تبطل بوصول شئ الي جوفه كامتصاص سكرة من غيره مضغ فيه وجهان) * الا كل نوع من الافعال فافراده بالذكر يبين انه اراد بترك الافعال في الشرط الخامس ما عدا الاكل من الافعال والفرق بينه وبين سائر الافعال ان قليلها لا يبطل كما سبق وقليل الاكل يبطل لانه ينافى هيئة الخشوع ويشعر بالاعراض عن الصلاة فلو

(4/134)


كان بين اسنانه شئ أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته هذا ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب فقال فقليله مبطل وليكن معلما بالواو لان صاحب التتمة حكى في القليل وجها انه لا يبطل كالقليل من سائر الافعال ثم الحكم بالبطلان فيما إذا اكل عمدا اما لو كان مغلوبا كما لو جرى الريق بباقي الطعام أو نزلت النخامة ولم يمكنه امساكها لم تبطل صلاته ولو اكل ناسيا أو جاهلا بالتحريم فان كان قليلا لم تبطل وان كان كثيرا فوجهان اصحهما البطلان هكذا ذكره الائمة وجعلوه كالكلام في الصلاة ناسيا والاكل في الصوم ناسيا ولم يجعلوه كسائر الافعال في الصلاة إذ الجمهور علي أن الفعل لا فرق فيه بين العمد والسهو علي ما تقدم واعلم انه لا يعنى بالقليل ههنا ما بقابل الكثير بالمعنى الذى ذكره في الافعال لان تفسير الكثير ثم ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة فالقليل المقابل له ما لا يخيل والاكل أي قدر كان يخيل الاعراض فيكون كثيرا بذلك التفسير
بكل حال وانما المراد من القليل والكثير ههنا ما يعده أهل العرف قليلا وكثيرا ولو وصل شئ الي جوفه من غير ان يفعل فعلا من ابتلاع ومضغ كما لو وضع في فمه سكرة كانت تذوب وتسوغ ففى بطلان صلاته وجهان احدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لا تبطل صلاته لانه لم يوجد منه مضغ وازدراد وهذا ذهاب إلى ان الاكل انما يبطل لما فيه من العمل وقضيته ان لا يبطل القليل منه كما حكاه صاحب التتمة واظهرهما انها تبطل ويعبر عنه بان الامساك شرط في الصلاة كما يشترط الانكفاف عن الافعال وعن مخاطبة الآدميين ليكون حاضر الذهن راجعا إلى الله تعالي وحده تاركا للعادات فعلي هذا تبطل الصلاة بكل ما يبطل به الصوم وقوله كامتصاص سكرة من غير مصغ ينبغي ان يعرف ان الامتصاص لا اثر له بل متى كانت في فمه وهى تذوب وتصل الي جوفه يحصل الخلاف وان لم يكن امتصاص وانما قال من غير مضغ لان المضغ فعل من الافعال يبطل الكثير منه وان لم يصل شى الي الجوف حتى لو كان يمضغ علكا في فمه بطلت صلاته وان لم يمضغه وكان جديدا فهو كالسكرة وان كان مستعملا لم تبطل صلاته كما لو أمسك في فمه اجاصة ونحوها

(4/135)


قال (خاتمة: للمحدث المكث في المسجد وللجنب العبور عند خوف التلويث وعند الامن وجهان والكافر يدخل المسجد باذن المسلم ولا يدخل بغير اذن على أحد الوجهين فان كان جنبا منع كالمسلم وقيل لا لانه لم يلتزم تفصيل شرعنا) * مسائل الخاتمة إلي قوله فوجهان مكررة اما ان المحدث له المكث فقد صار معلوما بقوله في باب الغسل ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريمه قراءة القرآن والمكث في المسجد وفيه تصريح بتحريم المكث وجواز العبود للجنب واما حكم الحائض فقد ذكره في كتاب الحيض وشرحنا المسائل في الموضعين ثم جميع ذلك في حق المسلم اما الكافر فلا يمكن من دخول حرم مكة بحال يستوى فيه مساجده وغيرها قال الله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) واما مساجد غير الحرم فله أن يدخلها باذن المسلم خلافا لمالك ووافقه احمد في أظهر الروايتين لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم " ربط ثمامة بن ثال في المسجد قبل اسلامه " وقدم عليه قوم من ثفيف فانزلهم في المسجد ولم يسلموا بعد "
وهل يدخلها بغير اذن أحد من المسلمين فيه وجهان أحدهما نعم لانه ببدل الجزية صار من أهل دار الاسلام والمسجد من المواضع العامة فيها فصار كالشوارع وهذا أظهر عند القاضى الرويانى وجماعة والثاني وهو الاصح عند الاكثرين ولم يذكر صاحب التهذيب والتتمة سواه أنه ليس له ذلك ولو فعله عزر ووجهه أنه لا يؤمن أن يدخل على غفلة من المسلمين فيلوثه ويستهين به ولانه ليس من أهل من بنى المسجد له وكان المسجد مختصا بالمسلمين اختصاص دار الرجل به وذكر في التهذيب انه لو جلس الحاكم في المسجد يحكم فللذمي الدخول للمحاكمه ويتنزل جلوسه فيه منزلة التصريح بالاذن وإذا استأذن في الدخول بعض المسلمين لنوم أو اكل فينبغي ان لا يأذن له وان استأذن لسماع القرآن أو علم اذن له رجاء ان يسلم هذا كله إذا لم يكن جنبا فان كان جنبا فهل يمكن من المكث في المسجد ام يجب

(4/136)


منعه فيه وجهان احدهما يمنع لان المسلم ممنوع عند الجنابة لحرمة المسجد فالكافر أولي بان يمنع واصحهما انه لا يمنع لان الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس ولا شك بأنهم كانوا يجنبون ويخالف المسلم فانه يعتقد حرمة المسجد فيؤخذ بموجب اعتقاده والكافر لا يعتقد حرمته ولا يلتزم تفاصيل التكليف فجاز أن لا يؤخذ به وهذا كما أن الكافر لا يحد علي شرب الخمر لانه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد واما الكافرة الحائض فتمنع حيث تمنع المسلمة لان المنع ثم لخوف التلويث ولهذا يمنع من به جرح يخاف من التلويث وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله وقوله والكافر يدخل المسجد يعنى به غير مساجد الحرم وان كان اللفظ مطلقا وقوله فان كان جنبا منع أي من المكث فانه الذى يمنع منه المسلم دون أصل الدخول: ثم ايراده يشعر بترجيح هذا الوجه لكن الوجه الثاني أرجح على قضية كلام اكثر الاصحاب واوفق لكلام الشافعي رضي الله عنه وصرح بترجيحه الشيخ أبو محمد والقاضي الرويانى والله أعلم *

(4/137)