فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال (الباب الرابع في كيفية الصلاة)

(3/252)


(وأركانها أحد عشر التكبير والقرائة والقيام والركوع والاعتدال عنه والسجود والقعدة بين السجدتين مع الطمأنية في الجميع والتشهد الاخير والقعود فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام (ح) والنية بالشرط اشبه) * الصلاة في الشريعة عبارة عن الافعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ولابد من رعاية أمور أخر ليقع الاعتداد بتلك الافعال وتسمى هذه الامور شروطا وتلك الافعال أركان فجعل هذا الباب في الاركان والذى يليه في الشروط ولابد من معرفة الفرق بينهما (اعلم) أن الركن والشرط

(3/253)


يشتركان في انه لابد منهما وكيف يفبرقان منهم من قال يفترقان العام والخاص ولا معنى للشرط الا ما لابد منه فعلي هذا كل ركن شرط ولا ينعكس وقال الاكثرون ويفترقان افتراق الخاصين ثم فسر قوم الشرط بما يتقدم على الصلاة كالطهارة وستر العورة والاركان بما تشتمل عليه الصلاة ويرد علي هذا ترك الكلام والفعل الكثير وسائر المفسدات فاتها لا تقديم علي الصلاة وهى معدودة من الشروط دون الاركان ولك أن تفرق بينهما بعبارتين (أحدهما) أن تقول يعنى بالاركان المفروضات المتلاحقة التى أوله الكبير وآخرها التسليم ولا يلزم التروك فانها دائمة ولا تلحق ونعنى بالشروط ما عداها من المفروضات (والثانية) ان نقول يعنى بالشرط ما يعتبر في الصلاة بحيث يقارن كل معتبر سواه وبالركن ما يعتبر لا على هذا الوجه: مثاله الطهارة تعتبر مقارنتها للركوع والسجود وكل أمر معتبر ركنا كان أو شرطا والركوع معتبر لا على هذا الوجه إذا تبين ذلك فحقيقة الصلاة تتركب من هذه الافعال المسماة اركان وما لم يشرع فيها لا يسمي شارعا في الصلاة وان تطهر وستر العورة واستقبل وهذا واضح في عرف الشرع واطلاقاته ثم ان المصنف عد الاركان احد عشر يعني اجناسها ثم منها ما لا يتكرر كالسلام ومنها ما يتكرر اما في الركعة الواحدة كالسجود أو بحسب عدد الركعات كالركوع ولم يعد الطمأنينة في الركوع وغيره اركانا

(3/254)


بل جعلنا في كل ركن كالجزء منه والهثية التابعة له وبه يشعر قوله صلي الله عليه وسلم للاعرابي ((ثم اركع حتى تطمئن راكعا) وضم صاحب التخليص إلى الاركان المذكورة استقبال القبلة واستحسنه القفال وصوبه ومن فرض نية الخروج والموالاة والصلاة على آل النبي صلي الله عليه وسلم الحقها بالاركان ومنهم من ضم الي الاحد عشر التي ذكرها الترتيب في الافعال وهكذا أورد صاحب التهذيب ويظهر عده من الاركان على العبارة الثانية في تفسير الركن وأما النية فقد حكي الشسخ أبو حامد وغيره وجهين في انها من قبيل الشرائط أو من الاركان أحدهما وهو الاشبه عند صاحب الكتاب أنها من الشرائط لان النية تتعيق بالصلاة فتكون خارجة عن الصلاة والا لكانت متعلقة بنفسها ولا اقترن إلى نية أخرى وأظهرهما عند الاكثرين انها من الاركان لاقترانها بالتكبير وانتظامها مع سائر الاركان ولا يبعد أن تكون من الصلاة وتتعلق بسائر الاركان ويكون قول الناوى أصلي عبارة بلفظ الصلاة عن سائر الاركان تبعيرا باسم الشئ عن معطمه وبهذا الطريق سماها المصنف في الصوم ركنا والا فما الفرق ولك أن تعلم قوله واركانها احد عشر بالواو لما حكينا من الاختلاف على أن أكثره يرجع الي التعبيرات وكيفية العد وحظ المعني لا يختلف وابو حنيفة وسائر العلماء رحمة الله عليهم يخالفون في بعض الاركان المذكورة وسنذكر مذهبهم عند تفصيل القول فيها فان الغرض الان تزاحم جملة وإذا ذكرنا مذهبهم تبينت المواضع المحتاجة الي العلامات من هذا الفصل *

(3/255)


قال (والابعاض اربعة القنوت والتشهد الاول والقعود فيه والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاول وعلى الاول في التشهد الاخير علي احد القولين وهذه الاربعة تجبر بالسجود وما عداها فسنن لا تجبر بالسجود) .
للصلاة مفروضات ومندوبات أما المفروضات فهي الاركان والشروط وأما المندوبات فقسمان مندوبات يشرع في تركها سجود السهو ومندوبات لا يشرع فيها ذلك والتى تقع في القسم الاول تسمى أبعاضا ومنهم من يخصها باسم المسنونات وتسمى التى تقع في القسم الثاني هيآت قال امام الحرمين وليس
في تسميتها ابعاضا توقيف ولعل معناها أن الفقهاء قالوا يتعلق السجود ببعض السنن دون بعض والتى يتعلق بها السجود اقل مما لا يتعلق ولفظ البعض في أقل قسمي الشئ أغلب اطلاقا فلذلك سميت هذه الابعاض وذكر بعضهم أن السنن المجبورة بالسجود قد تأكد أمرها وجاوز حد سائر السنن وبذلك القدر من التأكيد شاركت الاركان فسميت ابعاضا تشبيها بالاركان التى هي ابعاض واجزاء حقيقة وسيأتي وجه شرعية سجود السهو فيها في باب السجدات وقد ذكرها المصنف في ذلك الباب ولو لم يتعرض ها في هذا الموضع لما ضر لكنه لما ترجم الباب بكيفية الصلاة وعدت هذه السنن من ابعاضها اسنحسن دكرها في هذا الموضع ايضا ثم انه عدها اربعة أحدها القنوت وثانيها التشهد الاول وثالثا القعود فيه ورابعا الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم وصحبه وسلم فيه وفى استحبابها قولان يذكر ان من بعد فان قلنا

(3/256)


بالاستحباب فهو من الابعاض والحق بهذه الاربعة شيئان احدهما الصلاة على الا ال في التشهد الثاني ان قلنا انها مستحبة لا واجبة وكذلك في التشهد الاول ان استحببناها تفريعا علي استحباب الصلاة علي الرسول صلي الله عليه وسلم وهذا الخامس قد ذكره في الكتاب في باب السجدات ونشرح الخلاف فيه من بعد ان شاء الله تعالي والثانى القيام للقنوت عد بعضنا برأسه وقراءة القنوت بعضا آخر حتى لو وقف ولم يقرأ يسجد للسهو وهذا هو الوجه إذا عددنها التشهد بعضا والقعود له بعضا آخر وقد اشار الي هذا التفصيل في القنوت امام الحرمين قدس الله روحه وصرح به في التهذيب ثم كون القندت بعضا لا يختص بصلاة الصبح بل هو بعض في الوتر أيضا في النصف الاخير من رمضان وقوله وما عداها فسنن لا تجبر بالسجود ينبغي ان يعلم بالحاء والميم والالف لما سيأتي في باب سجود السهو * قال (الركن الاول التكبير ولتكن النية مقرونة به بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة ويقرن القصد الي هذا المعلوم بأول التكبير ويبقى مستديما للقصد والعلم إلى آخر التكببر فلو عزبت بعد التكبير لم يضر ولو غربت قبل تمام التكبير فوجهان) * لما لم يعد النية ركنا خلط مسائلها بمسائل التكبير لان وقت النية هو التكبير ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لو تقدمت النية علي التكبير بلزمان يسير ولم يعرض شاغل عن الصلاة جاز الدخول في الصلاة بتلك النية لنا ان التكبير أول أفعال العبادة فيجب مقارنة النية له كالحج وغيره ولهذا لو تقدمت بزمان طويل لم يجز بخلاف الصوم لما في اعتبار المقارنة ثم من
عسر مراقبة طلوع الفجر ولهذا يحتمل فيه التقدم بالزمان الطويل ثم في كيفية المقارنة وجهان احدهما أنه يجب ان يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ويفرغ منها مع الفراغ من التكبير واصحهما أنه لا يجب ذلك بل لا يجوز لان التكبير من الصلاة فلا يجوز الاتيان بشئ منه قبل تمام النية وعلي تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليا عن تمام النية المعتبرة وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ويقرن القصد إلى هذا المعلوم باول التكبير ثم اختلفوا علي هذا الوجه فقال قوم منهم ابو منصور بن مهران شيخ الاودني يجب أن تتقدم النية علي التكبير ولو بشئ يسير ليأمن من تأخر اولها عن أول التكبير واستشهد عليه بالصوم وقال الاكثرون لا يجب ذلك ولو قدم فالاعتبار للنية المقارنة بخلاف الصوم فان التقديم كان لورود الشرع بالتبييت ثم سواء قدم أو لم يقدم فهل يجب استصحاب النية إلى أن يفرغ من التكبير فيه وجهان أحدهما لا لان ما بعد أول التكبير

(3/257)


في حكم الاستدامة واستصحاب النية في دوام الصلاة لا يجب واصحهما نعم لان النية مشروطة في الانعقاد والانعقاد لا يحصل الا بتمام التكبير الا ترى أنه لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير يبطل تيممه واما بعد التكبير فلا يشترط استصحاب النية ولا يضر غروبها لما في تكليف استصحابها من العسر واما قوله بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة إلى آخره فهو بيان لحقيقة النية وما تفتقر إليه وذلك أن النية قصد والقصد يتعلق بمقصود ولابد وان يكون المقصود معلوما فالناوي يحضر في ذهنه أو لا ذات الصلاة وما يجب التعرض لها من صفاتها كالظهرية والعصرية وغيرهما كما سيأتي ثم يقصا الي هذا المعلوم ويجعل قصده مقارنا لاول التكبير ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير وقوله ويبقى مستديما للقصد والعلم الي آخر التكبير ينبغى أن يتنبه فيه لشيئين أحدهما أنه لو لم يتعرض في مثل هذا الموضع للعلم لكان الفرض حاصلا لان المستدام هو القصد الي الصلاة بصفاتها المعتبرة ولا يمكن استدامة هذا القصد الا باستدامة حضور المقصود في الذهن وهو العلم والثانى أن هذا الكلام بيان لما ينبغى أن يفعله المصلي ثم هو واجب أو مسنون قد بينه آخرا بقوله وان عزبت قبل تمام التكبير فوجهان ان قلنا يجوز فالاستدامة مسنونة والا فواجبة *
قال (ولو طرأ في دوام الصلاة ما يناقض جزم النية بطل كما لو نوى الخروج في الحال أو في الراكعة الثانية أو تردد في الخروج ولو علق نية الخروج بدخول شخص فيه وجهان أحدهما يبطل في الحال وهو الاقيس والثانى لا يبطل لانه قد لا يدخل فيستمر علي مقتضي النية فعلي هذا ان دخل ففى البطلان وجهان) * استدامة النية وان لم يكن شرطا في دوام الصلاة الا أن الامتناع عما يناقض جزم النية شرط فان هذا هين وان كان الاول عسيرا وهذا كالايمان لا يشترط فيه استحضار العقد الصحيح علي الدوام ولكن يستدام حكمه ويشتزط الامتناع عما يناقضه إذا تبين ذلك فنقول لو نوى الخروج من الصلاة في أثنائها بطلت صلاته فان هذه النية تناقض قصده الاول ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر فكذلك تبطل صلاته لما بين التردد والجزم من التنافى قال امام الحرمين والمراد من هذا التردد أن يطرأ له الشك المناقض للجزم واليقين ولا عبرة بما يجرى في الفكر أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال فان ذلك مما يبتلي به الموسوس وقد يقع له ذلك في الايمان بالله تعالي أيضا فلا مبالاة به ولو نوى الخروج من صلاته في الركعة الثانية أو علق الخروج بشئ آخر يقع في صلاته لا محالة بطلت صلاته

(3/258)


في الحال لانه قطع موجب النية فان موجبها الاستمرار علي الصلاة الي انتهائها وهذا يناقضه وحكي في النهاية عن كلام الشيخ أبى علي أنه لا تبطل صلاته في الحال ولو رفض هذا التردد قبل الانتهاء الي الغاية المضروبة صحت صلاته فال بأس باعلام قوله أو في الراكعة الثانية بالواو لهذا الكلام وان كان غريبا ولو علق نية الخروج بدخول الشخص ونحوه مما يجوز عروضه في الصلاة وعدمه فهل تبطل صلاته في الحال فيه وجهان أصحها نعم كما لو قال ان دخل فان تركت الاسلام فانه يكفر في الحال وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية لا تنعقد صلاته بلا خلاف والثانى لا تبطل في الحال فان ذلك المعلق عليه ربما لا يوجد فتبقى النية علي استمرارها فعلي هذا لو دخل الشخص ووجدت الصفة المعلق عليها فهل تبطل الصالة حينئذ فيه وجهان عند الشيخ ابى محمد أنها لا تبطل إذا لو بطلت لبطلت في الحال القيام التردد فإذا لم تبطل لم يكن لهذا التردد وكان وجوده وعدمه بمثابة واحدة وقطع الاكثرون
بانها تبطل عند وجود الصفة فانه مقتضى تعليقه قال امام الحرمين ويظهر علي هذا أن يقال يتبين عند وجود الصفة أن الصلاة بطلت من وقت التعليق لان بوجود الصفة يعلم أن التعليق خالف مقتضى النية المعتبرة في الصلاة وموضع الوجهين المفرعين علي الوجه الثاني ما إذا وجدت الصفة وهو ذا هل عن التعليق المقدم اما إذا لم يكن ذاهلا فال خلاف في بطلان صلاته وليكن قوله ولو طرأ في دوام الصلاة ما يناقض جزم النية بطل معلما بالحاء لان عنده لا أثر لنية الخروج لا في الحال ولا في المال وللتردد في الخروج وليس قوله ما يناقض جزم النية مجرى علي اطلاقه لان الغفلة عن جزم النية يناقضه وهى غير قادحة على ما سبق والمراد ما عدا الغفلة (واعلم) أنه لو لم ينو الخروج مطلقا ولكن نوى الخروج من الصلاة التى شرع فيها وصرفها الي غيرها كان كقصد الخروج المطلق في أن الصلاة المشروع فيها تبطل ثم ينظران صرف فرضنا الي فرض كما لو شرع في الظهر ثم صرفها الي العصر لا يصير عصرا وان صرف فرضا الي سنة راتبة أو بالعكس فكذلك وفى بقاء صلاته نفلا في هذه الصورة قولان تذكرهما من بعد * قال (ولو شك في أصل النية ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة كركوع بطل وان لم يمض وقصر الزمان لم يبطل ولو طال فوجهان والصوم يبطل بالتردد في الخروج علي أحد الوجهين لانه ليس له عقد وتحريم يؤثر القصد فيه) * الفصل يشتمل علي مسألتين وثانيتهما في النظم الكتاب أولاهما بالتقديم لمضاهاتها المسائل المتقدمة

(3/259)


علي هذا الفصل فنقدمها ونقول لو تردد الصائم في انه هل يخرج من صومه أو لا أو علق نية الخروج بدخول شخص فقد ذكر المعظم أن صومه لا يبطل واشعر كلامهم بنفى الخلاف فيه وذكر ابن الصبالغ في كتاب الصوم أن ابا حامد حكى فيه وجهين كما سنذكره في الصورة الآتية ولو جزم نية الخروج ففيه وجهان أحدهما تبطل كما في الصلاة وأظهرهما وبه قال ابو حنيفة لا كما في الحج والفرق بين الصوم والصلاة أن الصلاة يتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره والصوم بخلافه فان الناوى ليلا يصير شارعا في الصوم بطلوع الفجر وخارجا منه بغروب الشمس وان لم يكن له شعور بهما وإذا كان كذلك كان
تأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم ولهذا يجوز تقديم النية علي أول الصوم وتأخيرها في الجملة عن أوله ولا يجوز ذلك في الصلاة والمعنى فيه أن الصلاة أفعال وأقوال والصوم ترك وامساك والافعال إلى النية أحوج من الترك إذا تقرر ذلك فقوله في الكتاب وكذا يحرم الخروج مقطوع عما قبله علي ما أشعر به كلام المعظم ولا جريان للوجهين في صورة التردد وعلي ما رواه ابن الصباغ يجوز صرف الوجهين إلى الصورتين والاول هو قضية ايراده في الوسيط (المسألة الاخرى) لو شك في صلاته أنه هل أتى بالنية المعتبرة في ابتدايها سواء شك في أصلها أو بعض شروطها فينظر ان أحديث علي الشك ركنا فعليا كالركوع والسجود بطلت صلاته وان أحدث ركنا قوليا كالقراءة وتشهد فهل هو كالفعلى حتى تبطل الصلاة بمضيه على الشك أيضا اختلف الناقلون فيه فمنهم من قال لا فرق بان المأتى به علي التردد غير محسوب فلابد من اعادته والاركان الفعلية إذا زيدت عمد ابطلت الصلاة ولئن عد معذورا في الاعادة فهو غير معذور في الانشاء علي الشك بل كان من حقه التوقف واما الاركان القولية فزيادتها عمدا لا تبطل الصلاة فلا يضر أحداثها علي التردد وهذه الطريقة هي المذكورة في الكتاب فانه قال ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وقصد به الاحتراز عن القراءة والتشهد ومد الطمأنينة وهذا مبني علي ظاهر المذهب في انه لا تبطل الصلاة بتكرير الفاتحة والتشهد عمدا بخلاف تكرير الركوع والسجود وفيه وجه منقول عن أبى الوليد النيسابوري وغيره ان تكرير الفاتحة كتكرار الركوع فلا فرق علي ذلك الوجه ومنهم من سوى بين الاركان القولية والفعلية وعللوا بان البطلان بان المأتى به علي الشك إذا لم يكن محسوبا فالاشتغال به تلاعب بالصلاة فليمتنع مما ليس من الصلاة ولا فائدة فيه وليتوقف إلى التذكر وهذه الطريقة أظهر وبه قال العراقيون ورووها عن نص الشافعي رضي الله عنه وليكن قوله لا يزداد مثله في الصلاة مسلما بالواو لانه مذكور للتقييد ولا تقييد على هذه الطريقة الاخيرة وان لم يحدث شيئا من

(3/260)


فروض الصلاة علي التردد حتى يذكر النية نظر أن قصر الزمان لم يضر أيضا لانه قد أتى بما يليق بالحال حيث لم يحدث على الشك قولا ولا تقصير منه في عروضه وأطهرهما البطلان لانقطاع نظم الصلاة وندرة مثل هذا الشك وشبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا كثر الكلام ناسيا والفرق بين طول الزمان وقصره سيأتي في نظائر المسألة *
قال (ثم كيفية النية أن ينوى الاداء أو الظهر وهل يجب التعرض للفرضية والاضافة إلى الله عزوجل فوجهان والنية بالقلب لا باللسان وأما النوافل فلابد من تعيين الرواتب بالاضافة وغير الرواتب يكفى فيها نية الصلاة مطلقة) * الصلاة قسمان فرائض ونوافل أما الفرائض فيعتين فيها قصد أمرين بلا خلاف (أحدهما) فعل الصلاة لتمتاز عن سائر الافعال فلا يكفى اخطار نفس الصلاة بالبال مع الغفلة عن الفعل (الثاني) تعيين الصلاة المأتى بها من ظهر وعصر وجمعة لتمتاز عن سائر الصلوات ولا يجزئه نية فريضة الوقت عن نية الظهر والعصر في أصح الوجهين لانه لو تذكر فائتة غير الظهر في وقت الظهر كان الاتيان بها فيه اتيانا في الوقت قال صلي الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) وقتها ليست هي بظهر ولا يصح الظهر بنية الجمعة وفيه وجه ضعيف وتصح الجمعة بنية الظهر المقصورة ان قلنا انها ظهر مقصورة وان قلنا هي صلاة على حيالها لم تصح ولا تصح بنية مطلق الظهر علي التقديرين واختلفوا في اعتبار أمور سوى هذين الامرين منها التعريض للفرضية في اشتراطه وجهان اداء كانت الفريضة أو قضاء احدهما وبه قال ابن ابى هريرة لا يشترط لان الشافعي قال في الصبي يصلي ثم يبلغ في آخر الوقت يجزئه ولو كانت نية الفرض مشروطة لما اجزأه ذلك لانه لم ينو الفريضة واظهرهما عند الاكثرين وبه قال ابو اسحاق تشترط لان الظهر قد يوجد من الصبى وممن صلى منفردا ثم اعادها في الجماعة ولا يكون فرضا فوجب التمييز ولك ان تقول قولنا المصلى ينوى الفرضية اما ان يعنى بالفريضة في هذا المقام كونها لازمة علي المصلي بعينه أو كونها من الصلوات اللازمة على اهل الكمال أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلنلخصه اولا ثم لنبحث عن لزومه وان عنينا الاول وجب ان لا ينوى الصبى

(3/261)


الفريضة بالاخلاف ولم يفرق الائمة بين الصبى والبالغ بل اطلقوا لوجهين وايضا فانهم قالوا فيمن صلى منفردا ثم ادرك جماعة الصحيح أنه ينوى الفرض بالثاني وهو غير لازم عليه وان عنينا الثاني فمن تعرض للظهر والعصر فقد تعرض لاحدى الصلوات اللازمة على أهل الكمال وكونها ظهرا أخص من كونها صلاة لازمة عليهم والتعرض للاخص يغني عن التعرض للاعم ولهذا كان التعرض للصلاة مغنيا عن التعرض للعبادة ونحوها من الاوصاف وبهذا البحث يضعف ما ذكر في توحيه الوجهين ومنها
الاضافة الي الله تعالى بأن يقول لله أو فريضة الله فيها وجهان احدهما وبه قال بن القاص يشترط ليتحقق معني الاخلاص وأصحهما عند الاكثرين لا يشترط لان العبادة لا تكون الا لله تعالي ومنها التعرض لكون المأتي به قضاء أو أداء في اشتراطه وجهان احدهما يشترط أنه ليمتاز كل واحد منها عن الآخر كما يشترط التعرض للظهر والعصر والثاني وهو الاصح عند الاكثرين أنه لا يشترط بل يصح الاداء بنية القضاء وبالعكس لان القضاء والاداء كل واحد منهما يستعمل بمعنى الآخر قال الله تعالي فإذا قضيتم مناسككم أي أديتم ويقال قضيت الدين واديته بمعنى واستشهدوا لهذا الوجه بنص الشافعي رضى الله عنه علي انه لو صلى يوم الغيم بالاجتهاد ثم بان انه صلي بعد الوقت يحكم بوقوعه عن القضاء مع انه نوى الاداء ولك أن تقول القول بأن النية الاداء هل تشترط في الاداء ونية القضاء هل تشترط في القضاء وفرض الخلاف فيه منقدح لكن قولنا هل يصح الاداء بنية القضاء وبالعكس أما أن يعنى به أن يتعرض في الاداء لحقيقته ولكن يجرى في قلبه أو علي لسانه لفظ القضاء وكذلك في عكسه أو يعنى به انه يتعرض في الاداء حقيقة القضاء وفى القضاء لحقيقة الاداء أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلابد من معرفته أولا وان عنينا الاول فلا ينبغى ان يقع النزاع في جوازه لان الاعتبار في النية بما في الضمائر ولا عبرة بالعبارات وان عنينا الثاني فلا ينبغي أن يقع نزاع في المنع لان قصد الاداء مع العلم بخروج الوقت والقضاء مع العلم ببقاء الوقت هزء وعبث فوجب ان لا ينعقد به الصلاة كما لو نوى الظهر ثلاث ركعت أو خمسا ومنها التعرض لاستقبال القبلة شرطه بعض اصحابنا واستبعده الجمهور لانه اما شرط أو ركن وليس علي الناوى التعرض لتفاصيل الاركان والشرائط ومنها التعرض لعدد الركعات شرطه بعضهم والصحيح خلافه الان الظهر إذا لم يكن قصر الا يكون الا أربعا (القسم الثاني) النوافلل وهى ضربان احدهما النوافل المتعلقة بوقت أو سبب فيشترط فيها ايضا نية فعل الصلاة والتعيين فينوي سنة الاستسقاء والخسوف وسنة عيد

(3/262)


الفطر والتراويح والضحي وغيرها وفى الرواتب يعين بالاضافة فيقول اصلي ركعتي الفجر أو راتبة الظهر أو سنة العشاء وفى الرواتب وجه ان ركعتي الفجر لابد فيهما من التعيين بالاضافة وفيما عداهما يكفى نية أصل الصلاة الحافا لركعتي الفجر بالفرائض لتأكدها والحاقا لسائر الرواتب بالنوافل المطلقة وفى الوتر ينوى سنة الوتر ولا يضيفها الي العشاء فانها مستقلة بنفسها وإذا زاد علي واحدة
ينوى بالجميع الوتر كما ينوى في جميع ركعات التراويح وحكى القاضى الروياني وجوها اخر احدها انه ينوى بما قبل الواحدة صلاة الليل والثانى ينوى سنة الوتر والثالث مقدمة الوتر ويشبه ان تكون هذه الوجوه في الاولوية دون الاشتراط وهل يشترط التعرض للنفلية في هذا الضرب اختلف كلام النافلين فيه وهو قريب من الخلاف في اشتراط التعريض لل فريضة في الفرائض والخلاف في التعرض للقضاء والاداء والاضافة الي الله تعالى يعود ههنا ايضا الضرب الثاني النوافل المطلقة فيكفى فيما نية فعل الصلاة لانها ادنى درجات الصلاة فإذا قصد الصلاة وجب ان يحصل له ولم يذكروا ههنا خلافا في التعرض للنفلية ويمكن أن يقال قضية اشتراط قصد الفريضة لتمتاز الفرائض عن غيرها اشتراط التعرض للنفلية ههنا بل التعريض لخاصيتها وهى الاطلاق والانفكاك عن الاسباب والاوقات كالتعرض لخاصية الضرب الاول من النوافل ثم النية في جميع العبارات معتبرة بالقلب فلا يكفى النطق مع غفلة القلب ولا يضر عدم النطق ولا النطق بخلاف ما في القلب كما إذا قصد الظهر وسبق لسانه الي العصر وحكي صاحب الافصاح وغيره عن بعض أصحابنا أنه لابد من التلفظ باللسان لان الشافعي رضى الله عنه قال في الحج ولا يلزمه الا ذا أحرم ونيوى بقلبه أن يذكره بلسانه وليس كالصلاة التي لا تصح الا بالنطق قال الجمهور لم يرد الشافعي رضي الله عنه اعتبار التلفظ بالنية وانما أراد التكبير فان الصلاة به تنعقد وفى الحج يصير محرما من غير لفظ ولو عقب النية بقوله ان شاء الله بقلب أو باللسان فان قصد التبرك أو وقوع الفعل بمشيئة الله تعالي لم يضره وان قصد الشك لم تصح صلاته وأعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب فاقول قوله أن ينوى الاداء والظهر قصد بلفظ الاداء التعرض لشيئين أحدهما أصل الفعل وهذا لابد منه وثاني الوصف المقابل للقضاء وهو الوقوع في الوقت وهذا فيه خلاف بين الاصحاب كما سبق وما ذكره جواب على وجه اشتراط نية الاداء في الاداء فليكن كلمة الاداء معلمة بالواو وقوله والنية بالقلب لا باللسان معلم بالواو للوجه الذى حكيناه فيه وهذه المسألة لا تختص بنية الفرائض ولا بنية النوافل بل تعمهما فلو ذكرها في أول المسألة النية أو آخرها

(3/263)


لكان أحسن من ذكرها بين قسم الفرائض والنوافل وقوله ولابد من تعيين الرواتب بالاضافة معلم بالواو أو ايضا للوجه المنقول فيهما سوى ركعتي الفجر ثم اهم الرواتب في المشهور للنوافل التابعة للفرائض وهى التى ارادها بلفظ الرواتب في باب صلاة التطوع لكن لا يمكن حمل اللفظ في هذا الموضع عليها وحدها لانه قال وغير الرواتب يكفى فيه نية غير كافية في صلاة العيد واخواتها مع انها غير النوافل التابعة للفرائض *
قال (ولو نوى الفرض قاعدا وهو قادر علي القيام لم ينعقد فرضه وهل ينعقد نفلا فيه قولان وكذا الخلاف في التحريم بالظهر قبل الزوال وكل حالة تنافى الفرضية دون النفلية هذا حكم النية) * الاصل الجامع لهذه المسائل أن من أتي بما ينافى الفرضية دون النفلية اما في أول صلاته أو في أثائها وبطل فرضه فهل تبقى صلاته نافلة أم تبطل مطلقا فيه قولان ذكر الائمة أنهما مأخوذان بالنقل والتخريج من نصوص مختلفة للشافعي رضى الله عنه في صور هذا الاصل فمنها لو دخل في الظهر قبل الزوال لا يصح ظهر أو نص أنه ينعقد نفلا كذلك رواه الصيدلاني وتابعه صاحب التهذيب ولو تحرم بالفرض منفردا فجاء الامام وتقدم ليصلى بالناس قال احببت أن يسلم عن ركعتين تكونان نافلة له ويصلي الفرض في الجامعة فقد صحح النفل مع ابطال الفرض مع ابطال الفرض ونص فيما إذا وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم انه تبطل الصلاة رأسا ولو قلب فرضه نفلا بلا سبب يدعو إليه فقد حكي ابن كج عن نصه أن صلاته تبطل فجعل الائمة في هذه الصور وأخواتها كلها قولين أحدهما أن صلاته لا تبطل بالكلية وتكون نفلا لان الاختلال انما وقع في شرط الفرض لا في شرط الصلاة طلقها وقد نوى صلاة بصفة الفريضة فان بطلت الصفة يبقى قسد الصالة مطلقا وهذا القصد مصروف الي النافلة والثانى انها تبطل لان المنوي هو الفرض والنفل غير منوى فإذا لم يحصل المنوي فلان لا يحصل غير المنوي كان أولي وهذان القولان كالقولين فيما إذا أحرم بالحج قبل اشهر الحج هل ينعقد عمرة ام لا ولتوجيههما شبه بتوجيه القولين فيم إذا قال لفلان علي الف من ممن الخمر هل يلغو جميع كلامه ام تلغو الاضابة ويلزمه ومن صور هذا الاصل ما إذا نوى الفرض قاعدا وهو قادر على القيام والمسبوق إذا وجد الامام في الركوع فبادر إلى الركوع واتى ببعض تكبيرة الاحرام بعد مجاوزة حد القيام فلا يصح الفرض فيهما وهل يكون نفلا فيه القولان واما الاصح من القولين فقد ذكر الاصحاب انه مختلف باختلاف الصور ففي إذا تحرم بالظهر فان قبل الزوال ان كان عالما بحقيقة

(3/264)


الحال فالاصح البطلان لانه متلاعب بصلاته وان كان يظن دخول الوقت لاجتهاد فتبين خلافه فالصح انها تكون نفلا لانه نوى التقرب إلى الله تعالى وبنى قصد الفرض على اجتهاد فإذا ظهر الخطأ حسن ان لا يضيع سعيه وفيما إذا تحرم بالفرض منفردا ثم أقيمت الجماعة فانفرد بركعتين وسلم الاصح أن صلاته تبقى نفلا لانه قصد النفل بعد الاعراض عن الفرض وانما فعل ذلك لامر محبوب وهو استئناف الصلاة بالجماعة وفيما إذا وجد القاعد خفة فلم يقم أو قلب فرضه إلى النفل لا لسبب وعذر الاظهر البطلان لان الخروج عن الفرض بغير عذر وابطاله مما لا يجوز وفيما إذا نوى الفرض قاعدا
وهو قادر علي القيام الاظهر البطلان أيضا لتلاعبه بالصلاة واما مسألة المسبوق فان كان عالما بانه لا يجوز ايقاع التكبيرة فيما بعد مجاوزة حد القيام فالاظهر البطلان وان كان جاهلا فالاظهر أنها تنعقد نفلا كما ذكرنا في التحرم بالظهر قبل الزوال * قال (اما حكم التكبير فتتعين كلمته على القادر فلا تجزئ (ح) ترجمته ولو قال الله الاكبر فلا بأس لانه لم يغير النظم والمعنى ولو قال الله جليل اكبر فوجهان لتغير النظم ولو قال الاكبر الله نص علي أنه لا يجوز ونص في قوله عليكم السلام أنه يجوز لانه يسمى تسليما وذلك لا يسمي تكبيرا وقيل قولان بالنقل والتخريج) * عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) والكلام في التكبير في القادر والعاجز أما القادر فيتعين عليه كلمته فلا يجوز له العدول إلى ذكر آخر وان قرب منها كقوله الرحمن أجل والرب أعظم بل لا يجزئه قوله الرحمن أو الرحيم

(3/265)


اكبر ايضا ولا يجزئه ترجمة التكبير بلسان آخر وخالفنا ابو حنيفة في الفصلين جميعا فحكم باجزاء الترجمة وباجزاء التسبيح والتهليل وسائر الاذكار والادعية الا أن يذكر اسما على سبيل النداء

(3/266)


كقوله يا الله أو يقول اللهم اغفر لي ونحوه من الادعية لنا أنه صلى الله عليه وسلم (كان يبتدئ الصلاة بقوله الله اكبر) هكذا روته عائشة رضي الله عنها وقد قال صلي الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة فيقول الله اكبر) وحكى القاضي ابن كج وجها لاصحابنا أنه تنقعد الصلاة بقوله الرحمن اكبر والرحيم اكبر كله اعتبر لفظ الكبرياء علي ذلك ولم يعتبر اسما من اسماء الله تعالى بخصوصه ولو قال الله الاكبر اجزأه لان زيادة الالف واللام لا تبطل لفظة التكبير ولا المعني بل قول القائل الله الاكبر يشتمل على ما يشتمل عليه قوله الله اكبر مع زيادة مبالغة في التعظيم للاشعار بالاختصاص والزيادة التى لا تغير النظم لا المعنى لا تقدح كزيادة المد حيث يحتمله وكقوله الله اكبر من كل شئ أو اكبر أو أجل وأعظم ووثال مالك واحمد لا يجزئه قوله الله اكبر لظاهر الخبر السابق وحكي قول عن القديم مثل مذهبهما وممن حكاه القاضى ابو الطيب الطبري ذكران ابا محمد الكرابيسي نقل عن الاستاذ أبي الوليد روايته فليكن قوله فلا بأس مرقوما بالميم
والالف والقاف ولو قال الله الجليل اكبر ففى انعقاد الصلاة به وجهان اظهرهما الانقعاد لان هذه الزيادة لا تبطل اسم التكبير ومعناه فاشبه الزيادة في قوله الله الاكبر والثاني المنع لتغير النظم منها بخلاف قوله الله الاكبر فان الزائد ثم غير مستقثل ولا مفيد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أدخل بين كلمتي التكبير شيئا آخر من نعوت الله تعالي بشرط أن يكون قليلا كقوله الله عزوجل اكبر وما اشبهه فاما إذا كثر الداخل بينهما كقوله الله الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس اكبر

(3/267)


فلا يجزئه لان هذه الزيادة تخرج المأتي به عن أن يسمى تكبيرا في اللغة ولهذا السبب لا يجوز أن يقف بين كلمتيه وقفة متفاحشة ولو عكس فقال الاكبر الله فظاهر كلامه في الام والمختصر انه لا يجوز ونص في الام على أنه لو قال في آخر الصلاة عليكم السلام يجزئه وان كان مكروها فاختلف الاصحاب علي طريقين أظهرهما تقرير النصين والفرق أنه مأمور بالتكبير وقول القائل الاكبر الله يسمى تكبيرا وعند السلام هو مأمور بالتسليم وقوله عليكم السلام يسمى تسليما ولاصحاب الطريق الثاني ان ينازعوا في تحقيق هذا الفرق فيقولوا ذاك يسمى تكبيرا ان كان هذا يسمى تسليما والثانى أن المسألتين علي القولين نقلا وتخريجا أحدهما الجواز لان المعنى واحد قدم أو أخر فصار كما لو ترك الترتيب في التشهد واظهرهما المنع لما سبق من الظواهر ويتأيد بترك الترتيب في الفاتحة وأصحابنا العراقيون حكوا في عكس التكبير وجهين بدل القولين بالنقل والتخريج وهما متقاربان والخلاف في قوله الاكبر الله يجرى في قوله اكبر الله أيضا وقيل لا يجزئ اكبر الله بلا خلاف ويجب علي المصلي أن يحترز في لفظ التكبير عن زيادة تغير المعنى بان يقول الله اكبر فينقلب الكلام استفهاما أو يقول الله اكبار فالاكبار جمع كبر وهو الطبل ولو زاد واوا بين الكلمتين أماسا كنة أو متحركة فقد عطل المعنى فلا يجزئه أيضا ويجب أن يكبر بحيث يسمع نفسه ويجب أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام * قال (أما العاجز فيلزمه ترجمته ولا يجزئه ذكر آخر لا يؤدى معناه والبدوي يلزمه قصد البلدة
لتعلم كلمة التكبير علي أحد الوجهين ولا يجزئه الترجمة بدلا بخلاف المتيمم) * العاجز عن جميع كلمة التكبير أو بعضها له حالتان (إحداهما) أنه لا يمكنه كسب القدرة عليها فان كان لخرس ونحوه حرك لسانه أو شفتيه ولهاته بالتكبير بحسب ما يمكنه وان كان ناطقا لكن لم يطاوعه لسانه علي هذه الكلمة فيأتى بترجمتها لانه ركن عجز عنه فلابد له من بدل وترجمته أولي ما يجعل بدلا عنه لادائها معناها ولا يعدل الي سائر الاذكار بخلاف ما لو عجز عن الفاتحة لا يعدل الي الترجمة لان القرآن معجز وسائر السور تشتمل أيضا علي النظم المعجز بخلاف الترجمة وينبغي أن يعلم قوله ولا يجزئه ذكر أخر بالحاء لان أبا حنيفة يجوز سائر الاذكار في حال القدرة ففى حال العجز اولى وانما قال لا يؤدى معناه لانه لو أدى كان كالترجمة بلغة أخرى وترجمة التكبير بالفارسية (خداى بزركتر) ذكر الشيخ أبو حامد والقاضى الروياتي فلو قال خداى بزرك وترك صيغة التفضيل لم يجز لقوله الله الكبير وجميع اللغات في الترجمة سواء فتخير بينهما وقيل السريانية

(3/268)


والعبرانية قد انزل الله بهما كتابا فان احسنهما لم يعدل عنهما والفارسية بعدهما أولى من التركية والهندية (والحالة الثانية) أن يمكنه كسب القدرة عليها اما بالتعلم من انسان أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيفة عليه فليزمه ذلك فلو كان بدويا لا يجد في موضعه من يعلمه الكلمة فهل يلزمه المسير إلى بلدة أو قرية لتعلمها فيه وجهان احدهما لا بل له الاقتصار علي الترجمة بدلا كما لا يلزمه الانتقال ليتطهر بالماء ويجزئه التيمم بدلا واصحهما نعم لانه قادر على السير والتعلم وإذا تعلم عاد الي موضعه وانتفع بالكلمة طول عمره بخلاف التيمم فان استصحاب الماء للمستقبل لا يمكن ومفارقة الموضع بالكلية قد يشق عليه ويدل علي الفرق بين المفصلين ان العادم في اول الوقت يجوز له ان يتيمم ولا يلزمه التأخير ليصلي بالوضوء كما سبق والجاهل بالكلمة لا يجوز له الاقتصار على الترجمة في اول الوقت إذا امكنه التعلم والاتيان بها في آخر الوقت فان قلت وهل علي العاجز قضاء الصلوات التى اتي بها بلا تكبير فالجواب أما في الحالة الاولي فلا لان العبادة المختلة إذا قضيت فانما تقضي بعد ارتفاع الخلل وثم لا يتوقع ارتفاعه واما في الحالة الثانية فان ضاق الوقت أو كان بليدا لا يمكنه التعلم الا في يوم فصاعدا لم يلزمه قضاء الصلوات المؤداة بالترجمة في الحال لانه معذور ولا تقصير منه
ولو أخر التعلم مع القدرة فإذا ضاق وقت الصلاة فلابد من ان يصلي بالترجمة لحرمة الوقت وههنا يلزمه القضاء لتفريطه بالتأخير وفيه وجه آخر ضعيف * قال (وسنن التكبير ثلاث ان يرفع يديه مع التكبير الي حذو المنكبين في قول والي أن تحاذى رؤوس الاصابع أذنيه في قول والى أن تحاذى اطراف أصابعه الذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه في قول ثم قيل يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير عند ارسال اليد وقيل يبتدئ الرفع مع التكبير وقيل يكبر ويداه قارتان بعد الرفع وقبل الارسال ثم إذا أرسل يديه وضع اليمني على كوع (ح) اليسرى تحت صدره) * لما فرغ من ذكر ما يجب رعايته في التكبير عدل الي بيان السنن وذكر منها ثلاثا (أحدها) رفع اليدين عند التكبير وقد حكي في بعض نسخ الكتاب في قدر الرفع ثلاثة أقوال أحدها ان يرفع يديه الي حذ والمنكبين والثانى انه يرفعها الي أن تحاذى رؤوس اصابعه اذنيه والثالث الي أن تحاذى اطراف اصابعه اذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه وليس في بعض النسخ الا ذكر القول الاول والثاني ويمكن ان يحتج للقول الاول بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه انه صلى الله

(3/269)


عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة) وللقول الثاني بما روى عن وائل بن حجر انه صلى الله عليه وسلم لما كبر رفع يديه حذو أذنيه) وللثالث لاستعمال هذين الخبرين وبما روى انه صلى الله عليه وسلم (رفع الي شحمة أذنيه) واعرف في ما نقله شيئين احدهما أن المراد من القول الاول وهو الرفع الي حذ والمنكبين ان لا يجاوز بأصابعه منكبيه هذا قد صرح به إمام الحرمين وقوله في حكاية القول الثاني والي ان تخاذ رؤوس اصابعه أذنيه كأنه يريد شحتمه الاذنين واسافلهما والا فلو حاذت رءوس اصابعه أعلى الاذنين حصلت الهيئة المذكورة في القول الثالث وارتفع الفرق والثانى انه كالمنفرد بنقل الافوال الثالثة في المسألة أو بنقل القولين لان معظم الاصحاب لم ينقلوا فيه اختلاف قول بلا اقتصر بعضهم علي ما ذكره في المختصر انه يرفع يديه إذا كبر حذو منكبه واقتصر آخرون علي الكيفية المذكورة في القول الثالث وبعضهم جعلها تفسيرا لكلامه في المختصر وللشافعي رضى الله عنه فيها حكاية مشهورة مع أبى ثور والكرابيسي حين قدم بغداد ولم أر حكاية الخلاف في المسألة الا للقاضى ابن كج وامام الحرمين لكنهما لم يذكرا الا القول
الاول والثالث فظهر تفرده بما نقل من القولين أو الثلاثة وكلامه في الوسيط لا يصرح بها جميعا وكيف ما كان فظاهر المذهب الكيفية المذكورة في القول الثالث واما ابو حنيفة فالذي رواه الطحاوي والكرخي انه يرفع يديه حذو اذنيه وقال القدورى يرفع بحيث يحاذي ابهامه شحمة

(3/270)


أذنيه وهذا يخالف القول الاول وذك بعض اصحابنا منهم صاحب التهذيب أن مذهبه رفع اليدين بحيث تحاذى الكفان الاذنين وهذا بخلاف القول الثالث فلك أن تعلمهما معا بالحاء للروايتين ولو كان المصلي مقطوع اليدين أو احداهما من المعصم رفع الساعد وان كان القطع من المرفق رفع عظم العضد في أصح الوجهين تشبيها بالرافعين ولو لم يقدر علي رفعهما أو رفع أحداهما القدر المنون بل كان إذا رفع زاد أو نقص اتي بالممكن فان قدر عليهما جميعا فالزيادة أولي (الثانية) في وقت الرفع وجوه أحدهما أنه يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير مع ابتداء الارسال وينهيه مع انتهائه روى ذلك عن ابي حميد الساعدي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وثانيها ان يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ويروى ذلك عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم وثالثها أن يرفع ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما فيكون التكبير بين الرفع والارسال ويروى ذلك عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم وذكر في التهذيب أن هذا أصح لكن الاكثيرين علي ترجيح الوجه الثاني المنسوب إلى رواية وائل وهو انه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير واختلفوا علي هذا في انتهائه فمنهم من قال يجعل انتهاء الرفع والتكبير معا كما جعل ابتداؤهما معا ومنهم من قال يجعل انتهاء التكبير والارسال معا وقال الاكثرون الاستحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس

(3/271)


أتم الباقي وان فرغ مهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو ترك رفع اليدين حتى أتى ببعض التكبير

(3/272)


رفعهما في الباقي وان اتمه لم يرفع بعد ذلك (الثالثة) يسن بعد التكبير وحط اليدين من رفعهما أن يضع

(3/273)


اليمنى اليسرى خلافا لمالك في احدى الروايتين عنه حيث قال يرسلهما لنا ما روي انه صلى الله

(3/274)


عليه وأله وسلم قال (ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على الشمال في الصلاة)

(3/275)


ثم المستحب أن يأخذ بيمينه علي شماله بأن يقبض بكفه اليمني كوع اليسرى وبعض

(3/276)


الرسغ والساعد خلافا لابي حنيفة حيث قال يضع كفه اليمني علي ظهر كفه اليسرى من

(3/277)


غير أخذ كذلك رواه أصحابنا * لنا ما روي عن وائل انه صلى الله عليه وسلم

(3/278)


(كبر ثم أخذ شماله بيمينه)

(3/279)


ويروى عنه (ثم وضع يده اليمنى علي ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد) ويتخير بين بسط اصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ذكره القفال لان القبض

(3/280)


باليمني على اليسرى حاصل في الحالتين ثم يضع يديه كما ذكرنا تحت صدره وفوق سرته خلافا لابي حنيفة حيث قال يجعلهما تحت سرته وبه قال أحمد في احدى الروايتين ويحكى عن أبى اسحق المروزى من اصحابنا لنا ما روى عن علي رضى الله عنه انه فسر قوله تعالي (فصل لربك وانحر) بوضع اليمين على الشمال تحت النحر ويروى ان جبريل عليه السلام كذلك فسره للنبي صلى الله عليه وسلم إذا عرفت ذلك فاعلم قوله وضع اليمنى بالميم وقوله على كوع اليسرى بالحاء لانه يقول يضع علي ظهر كفه اليسرى دون الكوع وقوله تحت صدره بالحاء والالف والواو ولك أن تبحث عن لفظ الارسال الذى أطلقه في هذه السنة والتي قبلها وتقول كيف يفعل المصلى بعد رفع اليدين عند التكبير أيدلي يديه كما يفعله الشيعة في دوام القيام ثم يضمهما إلى الصدر أم يحطهما ويضمهما إلى الصدر من غير
أن يدليهما والجواب ان المصنف ذكر في الاحياء انه لا ينفض يديه يمينا وشمالا إذا فرغ من التكبير

(3/281)


لكن يرسلهما ارسالا خفيفا رفيقا ثم يستأنف وضع اليمين علي الشمال قال وفى بعض الاخبار انه كان يرسل يديه إذا كبر فإذا أراد ان يقرأ وضع اليمنى علي اليسرى فهذا ظاهر في انه يدلى ثم يضمهما الي الصدر قال صاحب التهذيب وغيره المصلي بعد الفرغ من التكبير يجمع بين يديه وهذا يشعر بالاحتمال الثاني ونختم الفصل بكلامين أحدهما ان لمضايق ان ينازع في عد هذا المندوب الثالث من سنن التكبير ويقول انه واقع بعد التكبير مقارن لحال القيام فكان عده من سنن القيام أولي وكذلك فعل أبو سعد المتولي والثاني ان ظاهر قوله وسنن التكبير ثلاث حصر سننه فيها وله مندوبات أخر منها أن يكشف يديه عند الرفع للتكبير وأن يفرق بين اصابعه تفريقا وسطا وان لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يمططه وهو أن يبالغ في مده بل يأتي به مبينا والاولى في فيه الحذف

(3/282)


لما روى انه صلي الله عليه واله وسلم قال (التكبير جزم والتسليم جزم) أي لا يمد وفيه وجه انه يستحب فيه المد والاول هو ظاهر المذهب بخلاف تكبيرات الانتقالات فانه لو حذفها على باقى انتقاله عن الذكر إلى أن يصل الي الركن الثاني وههنا الاذكار مشروعة علي الاتصال بالتكبير * قال (الركن الثاني القيام وحده الانتصاب مع الاقلال فان عجز عن الاقلال انتصب متكئا فان عجز عن الانتصاب قام منحنيا فان لم يقدر الا على حد الراكعين قعد فان عجز عن الركوع والسجود دون القيام قال (ح) وأوما بهما) * القيام بعينه ليس ركنا في مطلق الصلاة بخلاف التكبير والقراءة لان القعود في النفل جائز مع القدر علي القيام فإذا الركن هو القيام أو ما يقوم مقامه فيحسن أن لا يعد القيام بعينه ركنا بل يقال الركن هو القيام أو ما في معناه وإذا عرف ذلك فنقول اعتبر في حد القيا أمرين الانتصال والاقلال أما الاقلال فالمراد منه أن يكون مستقلا غير مستند ولا متك علي جدار وغيره وهذا الوصف قد اعتبره امام الحرمين وأبطل صلاة من اتكاة في قيامه من غير حاجة وضرورة وأن كان

(3/283)


منتصبا وتابعه المصنف عليه وحكي صاحب التهذيب وغيره انه لو استند في قيامه الي جدار أو انسان صحت صلاته مع الكراهة قالوا ولا فرق بين أن يكون استناده بحيث لو رفع السناد لسقط وبين أن لا يكون كذلك مهما كان منتصبا وفى بعض التعاليق انه ان كان بحيث لو رفع السناد لسقط لم تجزه صلاته فيحصل من مجموع ذلك ثلاثة أوجه أحدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز الاتكاء عند القدرة بحال والثانى الجواز ولعله أظهر لان المأمور به القيام ومن انتصب متكئا فهو قائم والثالث الفرق بين الحالتين وهذا الكلام في الاتكاء الذى لا يسلب اسم القيام أما لو اتكأ بحيث لو رفع قدميه عن الارض لامكنه فهذا معلق نفسه بشئ وليس بقائم ولو لم يقدر على الاقلال انتصب متكئا فان الانتصاب ميسور له ان كان الاقلال معسورا والميسور لا يسقط بالمعسور وحكي في التهذيب وجها آخر انه لا يلزمه القيام والحالة هذه بل له أن يصلي قاعدا فليكن قوله انتصب متكئا مرقوما بالواو لهذا الوجه أما الانتصاب فلا يخل به أطراق الراس وانما يعتبر نصب الفقار فليس للقادر عليه أن يقف مائلا إلى اليمين أو اليسار زائلا عن سنن القيام ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين لانه مأمور بالقيام ويصدق أن يقال هذا راكع لا قائم وان لم يبلغ انحناؤه حد الركوع لكن كان أقرب إليه منه الي الانتصاب فوجهان اظهرهما انه لا يجوز أيضا هذا عند القدرة علي الانتصاب فاما إذا لم يقدر عليه بل تقوس ظهره لكبر أو زمانة وصار في حد الراكعين فقد قال في الكتاب انه يقعد لان حد الركوع يفارق حد القيام فلا يتأدى هذا بذاك وذكر امام الحرمين مثل ما ذكره استباطا عن كلام الائمة فقال الذى دل عليه كلامهم انه يقعد ولا يجزئه غيره لكن الذى ذكره العراقيون من اصحابنا وتابعهم صاحب التهذيب والتتمة انه لا يجوز له القعود بل يجب عليه أن يقوم فإذا اراد ان يركع زاد في الانحناء ان قدر عليه ليفارق الركوع القيام في الصورة وهذا هو المذهب فان الواقف راكعا أقرب الي القيام من العقود فلا ينزل عن الدرجة القرب الي البعدى وقد حكي القاضى ابن كج ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه فيجب اعلام قوله قعد بالواو ومعرفة ما فيه ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلة بظهره تمنعه من الانحناء لزمه القيام خلافا لابي حنيفة لنا انه مستطيع للقيام فيلزمه لما

(3/284)


روي انه صلي الله عليه وأله وسلم قال لعمران بن الحصين (صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلي جنب) ولانه عجز عن ركن فلا يسقط عنه غيره كما لو عجز عن القيام لا تسقط عنه القراءة ثم إذا انتهى الي الركوع والسجود يأتي بهما على حسب الطاقة فيحنى صلبه بقدر الامكان فان لم يطلق حنى رقبته ورأسه فان احتاج فيه الي الاعتماد علي شئ أو إلى أن يميل علي جنبه لزمه ذلك فان لم يطق الانحناء أصلا أو مأبهما قال (ولو عجز عن القيام قعد كيف شاء لكن الاقعاء مكروه وهو أن يجلس علي وركيه وينصب ركبتيه والافتراض افضل في قول والتربع في قول وقيل ينصب ركبته اليمنى كالقارئ يجلس بين يدى القرئ ليفارق جلسة التشهد) * إذا عجز عن القيام في صلاة الفرض عدل إلى القعود لما سبق في خبر عمران ولا ينقص ثوابه لمكان العذر ولا يعني بالعجز عدم التأتى فحسب بل خوف الهلاك وزيادة المرض ولحوق المشقة الشديدة في معناه ومن ذلك خوف الغرق ودوران الرأس في حق راكب السفينة ولو حبس الغازون في مكمن فادركتهم الصلاة ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير فلهم ان يصلوا قعودا لكن يلزمهم القضاء فان هذا سبب نادر وإذا قعد المعذور فلا يتعين للقعود هيثة بل يجزئه جميع هيئات القعود لاطلاق الخبر الذى تقدم لكن يكره الاقعاء هذا في القعود وفى جميع قعدات الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم

(3/285)


(نهي ان يقعي الرجل في صلاته) ويروى انه قال (لا تقعوا اقعاء الكلاب) واختلفوا في تفسيره علي ثلاثة أوجه أحدها أن الاقعاء أن يفترش رجليه ويضع اليتيه علي عقبيه والثاني أن يجعل يديه على الارض ويقعد على اطراف أصابعه والثالث وهو الذى ذكره في الكتاب ان الاقعاء هو الجلوس على الوركين ونصف الفخذين والركبتين وهذا أظهر لان الكلب هكذا يقعد وبهذا فسره ابو عبيدة لكن زاد فيه شيئا آخر وهو وضع اليد ين على الارض وما الاولي من هيئات القعود فيه

(3/286)


قولان ووجهان أحد القولين أن يقعد متربعا لما روي أنه صلي الله عليه واله وسلم (لما صلى جالسا تربع) ويروى هذا عن مالك واحمد وابي حنيفة ثم يركع متربعا أم يفترش إذا أراد الركوع عن أبى حنيفة واصحابه فيه اختلاف رواية واصحهما أنه يقعد مفترشا لانه قعود لا يعقبه سلام فاشبه التشهد الاول وسيأتى معنى الافتراش في موضعه وتأويل الخبر انه ربما لم يمكنه الجلوس علي هيئة الافتراش أو اراد تعليم الجواز والا فالتربع ضرب من التنعم لا يليق بحال العبادة ويجرى القولان فيما إذا قعد في النافلة واما الوجهان فاحدهما وقد ذكره في الكتاب أنه ينصب ركبته اليمنى ويجلس على رجله اليسرى كالقارئ يجلس بين يدى المقرئ ولا يتربع لما ذكرنا ولا يفترش لتفارق هيئة الجلوس هنا هيئة الجلوس في التشهد وهذا يحكي عن القاضى الحسين والوجه الثاني حكى في النهاية أن بعض المصنفين ذكر انه يتورك في هذا القعود ويمكن أن يوجه هذا بان مدة القيام طويلة وهذا القعود بدل عنه فاللائق به التورك كما في آخر الصلاة واما الافتراش فانما يؤمر به عند الاستيفاز وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان تفسير الاقعاء من لفظ الكتاب ينبغي أن يعلم بالواو وقوله الافتراش أفضل بالميم والالف والحاء وكذلك ينصب ركبتيه اليمني وقوله ليفارق جلسة التشهد بعض التوجيه معناه لا يفترش لهذا المعنى ولا يتربع لانه هيئة تنعم واما هذه فهي لائقة بالتعظيم * قال (ثم ان قدر القاعد على الارتفاع إلى حد الركوع يلزمه ذلك في الركوع فان لم يقدر فيركع قاعدا إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام فان عجز عن وضع الجبهة انحنى للسجود وليكن السجود اخفض منه للركوع) * حكم المصنف بان القاعد لو قدر على الارتفاع عند الركوع الي حد الراكعين عن قيام لزمه ذلك ذكره امام الحرمين ووجهه بان الركوع مقدور عليه فلا يسقط بالمعجوز عنه وهذا الكلام مفرع منهما علي أن من بلغ انحناؤه حد الركوع يقعد فاما إذا فرعنا على انه يقف كذلك وهو الاظهر علي ما تقدم فلا تجئ هذه المسألة الا أن يفرض لحوق ضرر في الوقوف قدر القيام دون الوقوف قدر الركوع فيحنئذ يقعد لخوف الضرر لا بسبب الانحناء ويرتفع عند الركوع واما من لا يقدر علي

(3/287)


الارتفاع فنتكلم في ركوعه قاعدا ثم في سجوده فاما ركوعه فقد ذكر الائمة فيه عبارتين أحداهما انه ينحنى حتى يصير بالاضافة الي القاعد المنصب كالراكع قائما بالاضافة إلى القائم المنتصب فيعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائما ويقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته فينحى بمثل تلك النسبة والثانية وهى المذكورة في الكتاب أنه ينحي الي حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام ومعناه ان اكمل الركوع عند القيام أن ينحنى بحيث يستوى ظهره ورقبته ويمدهما وحينئذ تحاذى جبهته موضع سجوده واقله أن ينحنى بحيث تنال راحتاه ركبتيه وحينئذ يقابل وجهه أو بعض وجهه ما وراء ركبته من الارض ويبقى بين الموضع المقابل وبين موضع السجود مسافة فيراعي هذه النسبة في حال القعود فاقل ركوع القاعد ان ينحنى قدر ما يحاذي وجهه وراء ركبة من الارض والاكمل أن ينحنى بحيث تحاذى جبهته موضع سجوده ولا يخفى انه لا منافاة بين العباربين وكل واحدة منهما مؤدية للغرض واما السجود فلا فرق فيه بينه وبين القادر علي القيام هذا قدر القاعد علي الركوع والسجود فان عجز لعلة بظهره أو غيرها أتى بالقدر الممكن من الانحناء ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة علي الارض للسجود فقد قال في الكتاب أنه ينحنى للسجود أخفض منه للركوع ويجب ههنا معرفة شيئين أحدهما أن هذا الكلام غير مجرى على اطلاقه ولكن للمسألة ثلاث طرق أوردها صاحب النهاية (أحداها) أن يقدر علي الانحناء الي أقل الركوع أعني ركوع القاعدين ولا يقدر علي الزيادة عليه فلا يجوز بقسيم المقدور عليه الانحاء الي الركوع والسجود بان يصرف الي الركوع وتمامه الي السجود حتى يكون الانحناء للسجود أخفض وذلك لانه يتضمن ترك الركوع مع القدرة عليه بل يأتي بالمقدور عليه مرة للركوع ومرة للسجود وان استويا (الثانية) أن يقدر علي أكمل ركوع القاعدين من غير زيادة فله أن ياتي به مرتين ولا يلزمه الاقصار للركوع علي حد الاقل حتي يظهر التفات بينه وبين السجود فان المنع من اتمام الركوع حالة الركوع بعيد (الثالثة) أن يقدر علي اكمل الركوع وزيادة فيحب ههنا أن يقتصر علي حد الكمال للركوع وياتي بلزياة للسجود لان لان الفرق بين الركوع والسجود واجب عند الامكان وهو ممكن ههنا قال امام الحرمين وليس هذا عريا عن احتمال فليتأمل إذا

(3/288)


عرفت ذلك تبين أنه لا يجب أن يكون الانحناء للسجود أخفص منه للركوع في الصورة الاولي الثانية بل لو وجب ايماء في الصورة الثالثة الثاني أن ظاهر كلامه يقضى الاكتفاء بجعله الانحناء للسجود اخفض منه للركوع لقوله في الراكب المتنفل يومئ للركوع والسجود ويجعل السجود أخفض منه للركوع فانه يكفيه ارتفاع التفات بينهما علي ما تقديم وليس الامر علي الظاهر ههنا بل يلزمه مع جعل الانحناء للسجود اخفض ان يقرب جبهه من الارض اقصي ما يقدر عليه حتي قال الاصحاب لو امكنه ان يسجد علي صدغه أو عظم رأس الذى فوق الجبهة وعلم انه إذا فعل ذلك كانت جبهته اقرب إلي الارض يلزمه ان يسجد عليه فإذا كان الاحسن ان يقول يجعل السجود اخفض من الركوع ويقرب جبهته من الارض بقدر الامكان فجميع بينهما وكذلك فعله في الوسيط

(3/289)


قال (فان عجز عن القعود صلي (ح) على جنبه الايمن (و) مستقبلا بمقاديم (ح) بدنه الي القبلة كالموضوع (و) في اللحد فان عجز فيومئ (ح) بالطراف أو يجرى الافعال علي قلبه لقوله صلي الله عليه وسلم سلم إذا أمرتكم بشئ فأتوا ما استطعتم) * ذكرنا أن العجز عن القيام يتحقق بتعدده وفى معناه ما إذا لحقه خوف ومشقة شديدة وأما العجز عن القعود فهو معتبر به ولم يفرق الجمهور بينهما وقال في النهاية لا أكتفى في ترك القعود بما اكتفى به في ترك القيام بل يشترط فيه تصور العقود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحاقا له بالمرض الذى يعدل بسببه الي التيمم إذا عرف فنقول العاجز عن القعود كيف يصلي فيه وجهان من قال قولان أصحهما أنه يضطجع على جنبه الايمن مستقيلا بوجهه مقدم بدنه القبلة كما يضجع الميت في اللحد وبهذا قال احمد وهو المذكور في الكتاب ووجهه قوله صلي الله عليه وسلم في حديث عمران (فان لم تستطع فعلي جنب) وعلى هذا لو اضطجع علي جنبه الايسر مستقبلا جاز الا انه ترك سية التيامن والثانى أنه يستلقى علي ظهره ويجعل رجعل رجليه إلى القبلة فانه إذا

(3/290)


رفع وسادته قليلا كان وجه الي القبلة وإذا أوما بالكوع والسجود كان ايماؤه في صوب القبلة والضطجع علي
الجنب إذا أومأ لا يكون ايماؤه في صوب القبلة وبهذا قال أبو حنيفة وهذا الخلاف فيمن قدر علي الاضطجاع وألاستلقاء أما إذا لم يقدر الا علي احدى الهيئتين اتى بها وذكر امام الحرمين أن هذا الخلاف ليس راجعا إلى الاول بخلاف ما سبق من الكلام هيئة القاعد وانما هو خلاف فيما يجب لان امر الاستقبال يختلف به وفى المسألة وجه ثالث ضعف انه يضطجع علي جنبه الايمن واخمصاه إلى القبلة وإذا صلى على الهيئة المذكورة فان قدر علي بهما والا أومأ بهما منحنيا وقرب جبهته من الارض بحسب الامكان وجعل السجود أخفض من الركوع فان عجز عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه فان لم يقدر على تحريك الاحفان أجرى أفعال الصلاة علي قبله وان اعتقل لسانه أجرى القرآن والاذكار علي قلبه وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة خلافا لابي حنيفة هيث إذا عجز عن الايماء بالرأس لا يصلي ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ثم يقضى بعد البرء ولمالك حيث قال لا يصلي ولا تقضى لنا ما

(3/291)


روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يصلي المريض قائما فان لم يستطع صلي جالسا فان لم يستطع السجود أومأ وجعل السجود أخفض من الركوع فان لم يستطع صلى على جنبه

(3/292)


الايمن مستقبل القبلة فان لم يستطع صلي علي قتاه مستلقيا وجعل رجليه مستقبل القبله) وجه الاستدلال انه قال

(3/293)


اومأ بطرفه وفيه دليلل علي أن العاجز عن القعود يصلي علي جنبه الايمن فان عجز حينئذ يستلقى واحتج في الكتاب

(3/294)


* للترتيب المذكور بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (إذا امرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) ولا يتضح الاحتجاج به في هذا الخبر أمر بالاتيان بما يشتمل عليه المأمور عند العجز عن ذلك المأمور فانه قال فاتوا منه ما استطعتم والقعود المعدول إليه عند العجز لا يشتمل عليه القيام المأمور بن حتى يكون مستطاعا من المأمور به وكذلك الاضطجاع لا يشتمل عليه القعود وأجراء الافعالى علي القلب لا تشتمل عليه الافعال المأمور بها الا ترى أنه إذا اتي بالافعال ولم يحضرها
في ذهنه حين ما يأتي بها أجزأته صلاته فلا تكون هذه المسائل متناولة بالخبر ولتعد الي أمور تتعلق بلفظ الكتاب قوله فان عجز عن القعود صلي علي جنبه الايمن كلمة صلى قد اعلم في النسخ بالخاء لان المصنف روى في الوسيط أن ابا حنيفة رحمة الله عليه قال إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة لكن هذا النقل لا يكاد يلفى في كتبهم ولا في كتب أصحابنا وانما الثابت عن ابي حنيفة اسقاط الصلاة إذا عجز عن الايماء بالرأس فإذا موضوع العلامة بالحاء قوله فيومئ بالطرف وليعلم بالميم أيضا لما قدمنا حكايته وبالواو ايضا لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا وجها مثل مذهب ابي حنيفة وقوله علي جنبه الايمن ينبغى أن يرقم بالحاء لان عنده يستلقى علي ظهره وكذلك بالواو اشارة الي الوجه الصائر إلى مثل مذهبه وكذلك قوله مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة بالواو اشارة الي الوجه الثالث وقوله أو يجرى الافعال علي قلبه ليست كلمة أو للتخيير بل للترتيب واعلم أن جميع ما ذكره من اول الركن إلى هذه الغاية من ترتيب المنازل والهيئات مفروض في الفرائض فاما النوافل فسنذكر حكمها في الفرع الثالث *

(3/295)


قال (فروع ثلاثة (الاول) من به رمد لا يبرأ الا بالاضطجاع فلا قيس أن يصلي مضطجعا وان قدر على القيام ولم ترخص عائشة وابو هريرة لابن عباس رضي الله عنه فيه) * القادر على القيام إذا أصابه رمد وقال له طبيب يوثق بقوله ان صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مدلوانك والاخفت عليك العمي فهل له أن يستلقى أو يضطجع بهذا العذر فيه وجهان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لما لما روى أن ابن عباس رضى الله عنهما لما وقع الماء في عينه قال له الاطباء ان مكثت سبعا لا تصلى الا مستلقيا عالجناك فسأل عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم فلم يرخصوا له في ذلك فترك المعالجة وكف بصره ويروي هذا الوجه عن مالك واظهرهما وبه قال أبو حنيفة واحمد له ذلك كما يجوز له الافطار في رمضان بهذا العذر وكما يجوز ترك الوضوء والعدول الي التيمم به ولانه يجوز ترك القيام لما فيه من المشقة الشديدة والمرض المضجر فلان يجوز تركه لذهاب البصر كان اولي ولو كانت المسألة بحاها وامره الطبيب بالعقود
فقد قال امام الحرمين الذى أراه أنه يجوز القعود بلا خلاف وبنى هذا علي ما حكيناه عنه في أنه يجوز ترك القيام بما لا يجوز به ترك القعود قال ولهذا فرض سيوخ الاصول الخلاف في المسألة في صورة الاضطجاء وسكنوا عن صورة الفعود والمفهوم من كلام غيره أنه لا فرق والله أعلم * قال (الثاني مهما وجد القاعد خفة في اثناء الفاتحة فليبادر إلى القيام وليترك القراءة في النهوض إلى ان يعتدل ولو مرض في قيامه فليقرأ في هويه وان خف بعد الفاتحة لزمه القيام دون الطمأنينة ليهوى الي الركوع فان خف في الركوع فبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكعين) * إذا عجز المصلي في اثناء صلاته عن القيام قعد وبنى وكذا لو كان يصلي قاعدا فعجز عن القعود في اثناء صلاته يضطجع ويبني ولو كان يصلي قاعدا فقدر علي القيام في صلاته يقوم ويبنى وكذا لو كان يصلى مضطجعا فقدر علي القيام أو القعود يأتي بالمقدور عليه ويبنى خلافا لابي حنيفة في هذه الصورة الاخيرة حيث قال يستأنف لنا انه قدر علي الركن المعجوز عنه في صلاته فيعدل

(3/296)


إليه ويبنى كما لو صلي قاعدا فقدر علي القيام إذا عرف ذلك فنقول تبدل الحال أما أن يكون من النقصان الي الكمال أو بالعكس (القيم الاول) كما إذا وجد القاعد قدرة القيام لخفة المرض ينظر فيه ان اتفق ذلك قبل القرءة قا وقرأ قائما فان كان في أثناء القراءة فكذلك يقوم ويقرأ بقية الفاتحة في القيام ويجب أن يترك القراءة في النهوض الي أن ينتصب ويعتدل فلو قرأ بعض الفاتحة في نهوضه لم يحسب وعليه ان يعيده لان حالة النهوض دون حالة القيام وقد قدر على أن يقرأ في اكمل الحالتين وان قدر بعد القراءة وقيل الركوع فيلزمه القيام ايضا ليهوى منه إلى الركوع * ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام فانه غير مقصود لنفيه وانما الغرض منه الهوى إلى الركوع * لا غير ويستحب في هذه الاحوال إذا قام ان يعيد الفاتحة لتقع في حالة الكمال ولو وجد المريض الخفة في ركوعه قاعدا نظر ان وجدها قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ولا يجوز له أن ينتصب قائما ثم يركع لانه لو فعل ذلك لكان قد زاد ركوعا وان وجدها بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين وفى لفظ الكتاب ما ينبه علي افتراق هاتين الحالتين في
وجوب الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام وان لم يصرح بذكرهما لانه قيد الخفة في الركوع بما قبل الطمأنينة فيشعر بأنه لو خف بعد الطمأنينة كان الامر بخلافة وقوله كفاه ان يرتفع يفهم أن هذا الكافي لابد منه وانه يجب عليه الارتفاع منحنيا الي حد الراكعين عن قيام وهذا التفصيل ذكره امام الحرمين هكذا بعد ما حكى عن الاصحاب انهم قالوا يجوز ان يرتفع راكعا ولم ينصوا علي انه يجب ذلك (واعلم) انهم لم يفرقوا في جواز الارتفاع الي حد الراكعين بين ان يخف قبل الطمأنينة وبعدها لانه لابد له من القيام للاعتدال أما مستويا أو منحنيا فإذا ارتفع منحنيا فقد اتي بصورة
__________
ما بين النجمتين زائد في بعض النسخ

(3/297)


ركوع القائمين في ارتفاعه الذى لابد فلم يمنع منوه بخلاف ما لو انتصب قائما ثم ركع فانه زاد ما هو مستغن عنه فقلنا ببطلان صلاته ولو خف المريض في الاعتدال عن الركوع قاعدا فان كان قبل ان يطمئن لزمه ان يقول للاعتدال ويطمئن فيه بخلاف ما إذا خف بعد القراءة فقام ليهوى منه إلى الركوع حيث لا تجب الطمأنينة فيه لما سبق ولان كان بعد الطمأنينة فهل يلزمه ان يقوم ليسجد عن قيام حكى في التهذيب فيه وجهين احدهما نعم كما يلزمه إذا خف بعد القراءة ليركع عن قيام واظهرهما لا لان الاعتدال ركن قصير فلا يمد زمانه نعم لون اتفق ذلك في الركعة الثانية من صلاة الصبح قبل القنوت فليس له ان يقنت قاعدا ولو فعل بطلت صلاته بل يقوم ويقنت (واما القسم الثاني) وهو ان يتبدل حاله من الكمال إلى النقصان كما إذا مرض في صلاته فعجز عن القيام فيعدل فيه إلى المقدور عليه بحسب الامكان فان اتفق في اثناء الفاتحة فيجب عليه ادامة القراءة في هويه لان حالة الهوى اعلي من حالة القعود * قال (الثالث القادر علي القعود لا يتنفل مضطجعا علي أحد الوجهين إذ ليس الاضطجاع كالقعود فانه يمحه صورة الصلاة) * النوافل يجوز فعلها قاعدا مع القدرة على القيام لكن الثواب يكون علي النصف من ثواب

(3/298)


القاثم لما روى عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال (سألت رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم) عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلي قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلي نائما فله نصف اجر القاعد) ويروى (وصلاة النائم علي النصف من صلاة القاعد) ولو تنفل مضطجعا مع القدرة علي القيام والقعود فهل يجوز فيه وجهان احدهما لا لان قوام الصلاة بالافعال فإذا اضطجع فقد ترك معظمها وانمحت صورتها بخلاف القعود فان صورة الصلاة تبقي منظومة

(3/299)


معه اصحهما الجواز لما روينا من الخبر ثم المضطجع في صلاة الفرض ان قدر على الركوع والسجود يأتي بهما كما تقدم وههنا الخلاف في جواز الاضطجاع جار في جواز الاقتصار علي الايماء لكن الاظهر منع الاقتصار علي الايماء ثم قال الامام ما عندي أن من يجوز الاضطجاع يجوز الاقتصار في الاركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما علي ذكر القلب وبهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وان ارتكبه من صار إليه كان طاردا للقياس لكنه يكون خارجا عن الضبط مقتحما ولمن جوز الاضطجاع أن يقول ما روينا من الخبر صريحا في جواز الاضطجاع فليجز ثم المضطجع وان جوزنا له الاقتصار على الايماء في الركوع والسجود فلا يلزم من جواز الاقتصار على الايماء في الافعال جواز الاقتصار على ذكر القلب في الاذكار فان الافعال أشق من الاذكار فهي أولي بالمسامحة ولا فرق في النوافل بين الرواتب وصلاة العيدين وغيرهما وقال القاضى ابن كج في شرحه صلاة العيدين والاستسقاء والخسوف لا يجوز فعلها عن قعود كصلاة الجنازة * قال (الركن الثالث القراءة ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب (م ح) ثم التعوذ (م) بعده من غير جهر (و) وفى استحباب التعود في كل ركعة وجهان) * لركن القراءة سنتان سابقتان واخريان لاحتقال اما الساقتان فأولاهما دعاء الاستفتاح فيستحب للمصلي إذا كبر ان يستفتح بقوله (وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من

(3/300)


المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا من المسلمين) خلافا لمالك حيث قال لا يستفتح بعد التكبير إلا بالفاتحة والدعاء والتعوذ يقدمهما على التكبير ولابي حنيفة واحمد حيث قالا يستفتح بقوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
وتعالي جدك ولا إله غيرك لنا ما روى عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم

(3/301)


أنه (كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهى الي أخره وقال في أخره وانا أول المسلمين) لانه صلي الله عليه وسلم أول مسلمى هذه الامة وروى أنه كان يقول بعده (اللهم أنت الملك لا اله الا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا أنت واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها الا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف على سيئها الا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والمهدى من هديت انا بك واليك لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك) وروى بعد قولة والخير كله في يديك (والشر ليس اليك) قال المزني أي لا يضاف اليك علي انفراده وقيل أي لا يتقرب به اليك زيادة علي ما ذكرنا أولا نستحبها للمنفرد والامام إذا علم رضاء المأمومين بالتطويل إذا عرفت ذلك فاعلم قوله ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب بالميم واللفط لا يقتضي الاعلام بالحاء والالف لانهما يساعدان علي انه يستفتح قبل القراءة بشئ وانما يخالفان في انه بم يستفتح وكل واحد من الذكرين اعني وجهت وسبحانك اللهم يسمي دعاء الاستفتاح وثناءه وليس في لفظ الكتاب تعرض للاول بعينه الا انه هو الذى اراده فلذلك اعلم بهما ايضا ومن ترك دعاء الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى تعوذ أو شرع في الفاتحة لم يعد إليه ولم يتداركه في سائر الركعات وفرع عليه ما لو ادرك الامام المسبوق في التشهد الاخير فكبر وقعد فسلم الامام كما قعد يقوم ولا يقرأ دعاء الاستفتاح * لفوات وقته بالقعود ولو سلم الامام قبل قعوده يقعد

(3/302)


ويقرأ دعاء الاستفتاح ولا فرق في دعاء الاستفتاح بين الفريضة غيرها وحكى بعض الاصحاب ان السنة في دعاء الاستفتاح ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك الي آخره ثم يقول وجهت وجهى الي آخره جمعا بين الاخبار ويحكى هذا عن ابي اسحق المروزى وابى حامد وغيرهما الثانية يستحب بعد

(3/303)


دعاء الاستفتاح ان يتعوذ خلافا لمالك الا في قيام رمضان لنا ما روى عن جبير بن مطمم وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة وصيغة التعوذ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذكره الشافعي رضي الله

(3/304)


عنه وورد في لفظ الخبر وحكى القاضي الرويانى عن بعض اصحابنا الاحسن ان يقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ولا شك ان كلا منهما جائز مؤد لغرض وكذا كل ما يشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان وهل يجهر به فيه قولان أحدهما انه يستحب الجهرية في الصلاة الجهرية كالتمسية والتأمين واصحهما وهو المذكور في الكتاب ان المستحب فيه الاسرار بكل حال لانه ذكر مشروع بين التكبير والقراءة فيسن فيه الاسرار كدعاء الاستفتاح وذكر الصيدلانى وطائفة من الاصحاب ان الاول قوله القديم والثانى الجديد وحكي في البيان القولين علي وجه آخر فقال أحد القولين انه يتخير بين الجهر والاسرار ولا يرجح والثاني انه يستحب فيه الجهر ثم نقل عن أبي علي الطبري انه يستحب الاسرار به فيحصل في المسألة عوخ ثلاثة مذاهب * ثم استحباب التعوذ يخت ص باركعة الاولى أم لا منهم من قال لا بل يسن في كل ركعة الا انه في الركعة الاولى أكد وحكوا ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه اما انه يستحب في كل ركعة فلظاهر قوله تعالي (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من شيطان الرجيم)

(3/305)


وقد وقع الفصل بين القراءة خارج الصلاة بشل ثم عاد إليها يستحب له التعوذ وأما ان الاستحباب في الركعة الاولي أكد فلان افتتاح قراءته في صلاته انما يكون في الركعة الاولي وقد اشتهر ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ولم يشتهر في سائر الركعات ومنهم من قال فيه قولان أحدهما الاستحباب لما ذكرنا والثانى لا يستحب في سائر الركعات ويروى ذلك عن أبى حنيفة كما لو سجد للتلاوة في قراءته ثم عاد الي القراءة لا يعيد

(3/306)


التعوذ وكأن رابطة الصلاة تجعل الكل قراءة واحدة وعلى هذا فلو كتركه في الركعة الاولى عمدا أو سهوا تدارك في الثانية بخلاف دعاء الاستفتاح وسواء أثبتنا الخلاف في المسألة أم لا فالاظهر انه يستحب في كل ركعة وبه فكل قال القاضى أبو الطيب الطبري وامام الحرمين والرويانى وغيرهم وبعضهم يروى في المسألة وجهين بدل القولين ومنهم امام الحرمين والمصنف *

(3/307)


قال (ثم الفاتحة بعده متعينة (ح) ترجمتها مقامها ويستوي فيه الامام والمأموم (ح) في السرية والجهرية (ح) الا في ركعة المسبوق ونقل المزني سقوطها عن المأموم في الجهرية) * للمصلي طحالتان احداهما أن يقدر على قراءة الفاتحة والثانية أن لا يقدر عليها فاما في الحالة
الاولى فيتعين عليه قراءتها في القيام أو ما يقع بدلا عنه ولا يقوم مقامها شئ آخر من القرآن ولا ترجمتها وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة حيث قال الفرض من القراءة آية من القرآن

(3/308)


سواء كانت طويلة أو قصيرة وباى لسان قرأ جاز وان كان ترك الفاتحة مكروها والعدول الي لسان آخر اساءة * لنا ما روى عن عبادة بن الصامت انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) ولا فرق في تعيين الفاتحة بين الامام والمأموم في الصلاة السرية: وفى الجهرية قولان ت أحدهما انها لا تجب على المأموم وبه قال مالك واحمد لما روى أنه صلي

(3/309)


الله عليه وسلم (انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معى أحد منكم فقال رجل نعم يارسول الله فقال مالى أنازع بالقرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه بالقرادة) واصحهما أنها

(3/310)


تجب عليه أيضا لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عن هقال (كنا خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحبه وسلم في صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرؤن خلفي قلنا نعم قال لا تفعلوا ذلك الا بفاتحة الكتاب) وهذا القول يعرف بالجديد ولم يسمعه المزني م نلا شافعي رضى الله عنه فنقله عن بعض اصحابنا عنه يقال انه اراد الربيع واما القول الاول فقد نقله سماعا عن الشافعي رضي الله عنه * وقال ابو حنيفة لا يقرأ المأموم لا في السرية ولا في الجهرية وحكى القاضي ابن كح ان بعض اصحابنا قال به وغلط فيه (التفريع) ان قلنا لا يقرأ المأموم في الجهرية فلو كان اصم أو كان بعيدا لا يسمع قراءة الامام فهل يقرأ فيه وجهان أصحهما نعم ولو جهر الامام في صلاة السر أو بالعكس فالاعتبار بالكيفية المشروعة في الصلاة أم بفعل الامام فيه وجهان قال صاحب التهذيب أصحهما ان الاعتبار بصفة الصلاة وهذا ظاهر لفظ المصنف حيث قال سقوطها عن المأموم في الجهرية والصلاة جهرية وان اسر الامام بهاو الذى ذكره المحاملي حكاية عن نص الشافعي رضى الله عنه يقتضي الاعتبار بفعل الامام وهو الموافق الموجه الاصح في المسألة المتقدمة وهل يسن للمأموم علي هذا القول أن يتعوذ روى في البيان
فيه وجهين أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة لانه لا يقرأ والثاني نعم لانه ذكر سرى فيشارك الامام فيه كما لو اسر بالفاتحة واذ قلنا المأموم يقرأ فلا يجهر بحيث يغلب جاره ولكن يأتيب بها سرا بحيث يسمع نفسه لو كان سميعا فان ذلك اذنى القراءة ويستحب للامام علي هذا القول أن يسكت بعد قراءة

(3/311)


الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة ذكره في التهذيب وإذا عدت إلى الفاظ الكتاب عرفت أن قوله متعينة وقوله ولا تقوم ترجمتها مقامها لم أعلم كل واحد منهما بالحاء وقوله يستوى فيه الامام والمأموم ينبغي ن يعلم بالحاء ثم ان كان المراد استواءهما في معنى الفاتحة فالحاء عليه كهو علي قوله متعينة فان ابا حنيفة لا يقول بتعينها على الامام ولا علي المأموم فقوله يخالف قول القائل باستوائهما في تعينها عليهما لانه يقول باستوائهما في عد تعينها عليهما وان كان المراد استواءهما في اصل ركن القراءة فتكون الحاء اشار الي ان القراءة غير واجبة علي المأموم اصلا بخلاف الامام وليعلم هذا الموضع بالواو أيضا للوجه الذى نقله القاضي ابن كج وقوله والجهرية بالميم والالف لما روينا من مذهبهما وقوله الا في ركعة المسبوق انما استشاها لان من ادرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة علي ما سيأتي وان لم يقرأ الفاتحة في تلك الركعة ثم كيف يقول أيتحمل الامام عنه الفاتحة أم لا يجب عليه اصلا فيه مأخذان للاصحاب وفى هذا الاستثناء اشارة الي أن اشتمال الصلاة علي القراءة في الجملة غير كاف بل هي

(3/312)


واجبة في كل ركعة من ركعات الصلاة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تجب القراءة في الفرائض الا في ركعتين فان كانت الصلاة ذات ركعتين فذاك وان كانت أكثر من ركعتين فالواجب الفراءة في ركعتين وفيما سواهما يتخير بين أن يقرأ أو يسبح أو يسكت ولمالك حيث قال تجب القراءة في معظم الركعات ففى الثلاثية يقرأ في ركعتين وفى الرباعية في ثلاث ركعات ويروى هذا عن أحمد والمشهور عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن أبي سعيد الخدرى انه قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة) وقوله ونقل المزني أي سماعا عن الشافعي

(3/313)


رضي الله عنه والا فقد نقل القول الاول أيضا عن غيره عن الشافعي كما ذكرنا وهما جميعا مذكوران في المختصر *

(3/314)


قال (ثم بسم الله الرحمن الرحيم آية (ح م) منها وهى آية من كل سورة أما مع الآية الاولى أو مستقلة بنفسها على أحد القولين) *

(3/315)


التسمية آية من الفاتحة لما روى انه صلى الله عليه وسلم (قرأ فاتحة الكتاب فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية منها) وروى انه قال (إذا قرأ تم فاتحة الكتاب فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فانها أم القرآن والسبع المثاني وان بسم الله الرحمن الرحيم أية منها) وأما حكم التسمية في سائر السور سوى سورة براءة لاصحابنا فيه طريقان أحدهما ان في كونها من القرآن في اول سائر السور

(3/316)


قولين أصحهما انها من القرآن لانها مثبتة في أولها بخط المصحف فتكون من القرآن كما الفاتحة ولم تكن كذلك لما أثبتوها بخط القرأن والثانى انها ليست من القرأن وانما كتبت للفصل بين السورتين لما روي عن ابن عباس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم) والطريقة والثانية وهى الاصح انها من القرآن في أول سائر

(3/318)


السور أيضا بلا خلاف وانما الخلاف في انها آية مستقلة منها أم هي مع صدر السورة آية ولا يستبعد التردد في كونها آية أو بعض آيه في أول السور مع القطع بأنها آية من أول الفاتحة الا يرى انهم اتفقوا علي آية من سورة النمل وان الحمد الله رب العالمين آية تامة من الفاتحة وهو بعص آيه في قوله تعالي (وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين) فاحد القولين انها بعض الاية

(3/319)


من سائر السور لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (سورة تشفع لقادئها وهى ثلاثون آية ألا وهي الملك) وتلك السورة ثلاثون آية سوى التسمية وأصحهما انها آية تامة كما في أول الفاتحة (واعلم) ان
جمهور اصحابنا لم ينقلوا الطريقتين جميعا باقتصار علي نقل الثانية والاكثرون علي نقل الاولي لكن جمع بينهما الصيدلانى وتابعه امام الحرمين وغيره هذا مذهبا * وقال مالك ليست التيسمة

(3/320)


من القرآن الا من سورة النمل وهو أشهر الروايتين عن ابي حنيفة وقال بعض أصحابه مذهبه انها آية في كل موضع أثبتت فيه لكنها ليست من السورة وإذا عرفت ذلك فعندنا بجهر المصلى بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفى السورة بعدها خلافا لمالك حيث قال لا يقرأها أصلا لا في الجهرية ولا في السرية ولابي حنيفة حيث قال يسر بها وقال أحمد الا انه يوجب ذلك في كل ركعة لان التسمية عنده من الفاتحة وأبو حنيفة يأمر بها الا استحبابا ويقال انه لا يأمر

(3/321)


بها الا في الركعة الاولي كالتعوذ لنا ما روى عن ابن عمر انه قال (صليت خلف النبي صلي الله عليه سلم وأبى بكر وعمر وكانوا يجهرون بالتسمية) وعن علي وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجهر بها في الصلاة بين السورتين واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله آية منها معلم بالميم الحاء وكذا قوله من كل سورة ولا يخفى ان المراد ما سوى براءة ويروى عن احمد ان التسمية حيث أثبتت آية وليست من السورة ورأيت في رؤس المائل لتعض اصحابه انها ليست من الفاتحة ولا من سائر السور والمشهور عنه في كتب اصحابنا انه يوافقنا في كونها من القرآن وانما

(3/322)


يخالف في الجهر فعلى غير المشهور لكن الكلمتان معلمين بلالف ايضا وقوله وهى آيه من كل سورة الي آخر سورة الي آخره كلامان احدهما ان ظاهر قوله وهى آيه من كل سورة انها آية مستقلة لانها إذا كانت مع صدر السورة آية وانما تكون بعض آية وإذا كان كذلك فلا يحسن ان يرتب عليه التردد فيه انها مستقلة ام لا فان الشئ إذا اثبتناه لا ينظم مثار التردد فيه معني الكلام انها من جملة السور معدودة من القرآن وهل هي آية مستقلة فيه الخلاف والثانى ان لفظ الكتاب يمكن التنزيله علي الطريقة الثاني بأن يجعل جازما بانها من السورة وترد الخلاف إلى انها مستقلة ام لا

(3/323)


ويكون تقدير الكلام اما مع الاية الاولي على احد القولين أو مستقلة بنفسها علي احد القولين وهذا الذي اراده ويمكن تنزيله علي ذكر الخلاف الذى اشمل عليه الطريقان جميعا بأن يصرف قوه علي احد القولين الي اول الكلام وهو قوله وهى آية من كل سورة والقول المقابل له انها ليست من السور ويجعل الترديد في قوله اما مع الاية الاولى أو مستقلة بنفسها اشارة إلى الخلاف المذكور في الطريقة الثانية تفريعا علي انا من القرآن وإذا انتظم التردد في انها آية علي استقلالها لم لا بعد القطع بأنها من القرآن ينتظم التردد فيه بعد اثبات الخلاف تفريعا على انها من القرآن *

(3/324)


قال (ثم كل حرف وتشديد ركن وفى ابدال الضاد بالظاء تردد) * لا شك ان فاتحة الكتاب عبارة عن هذه الكلمات المنظومة والكلمات المنظومة مركبة

(3/325)


من الحروف المعلومة وإذا قال الشارع صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) فقد وقف الصلاة جملتها والموقوف على أشياء مفقودة عند فقد بعضها كما هو مفقود عند فقد كلها فلو اخل بحرف منها لم تصح صلاته ولو خفف حرفا مشددا فقد اخل بحرف لان المشدد حرفان مثلان أولهما ساكن فإذا خفف فقد أسقط احدهما ولو ابدل حرفا بحرف فقد ترك الواجب وهل يستثني ابدال الضاد في قوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) بالظاء ذكروا فيه وجهين احدهما نعم فيحتمل ذلك لقرب المخروج وعسر التمييز بينهما وأصهما لا يستثني ولو ابدل كان كابدال غيرهما من الحروف وكما لا يتحمل الاخلال بالحروف لا يتحمل اللحن المخل المعنى كقوله انعمت عليهم

(3/326)


واياك نعبد بل تبطل صلاته ان تعمد ويعيد علي الاستقامة ان لم يتعمد ويسوغ القراءات السبع وكذا القراءة الشاذة ان لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه وقوله ثم كل حرف
وتشديد ركن يجوز ان يريد به انه ركن من الفاتحة لان ركن الشئ احد الامور التي يلتئم منها ذلك الشئ ويجوز ان يريد به انه ركن من الصلاة لان الفاتحة من اركان الصلاة وجزء الجزء جزء والاول أصوب لئلا تخرج اركان الصلاة عن الضبط * قال (ثم الترتيب فيها شرط فلو قرأ النصف الاخير اولا لم يجزه ولو قدم آخر التشهد فهو كقوله عليكم السلام والموالاة ايضا شرط بين كلماتها فلو قطعها بسكوت طويل وجب الاستئناف (و) وكذا بتسبيح يسير الا ماله سبب في الصلاة كالتأمين لقراءة الامام والسؤال والاستعاذة أو سجود التلاوة عند قراءة الامام آية سجدة أو رحمة أو عذاب فان الولاء لا ينقطع علي احد الوجهين ولو ترك الموالاة ناسيا ففيه تردد ولو طول ركعا قصير لم نوسيا لم يضر) *

(3/327)


الفصل يشتمل علي جملتين مشروطتين في الفاتحة (أحداهما) الترتيب فيجب رعايتها لان الاتيان بالنظم المعجز مقصود والنظم والترتيب ومناط البلاغة والاعجاز فلو قدم مؤخرا علي مقدم نظران كان عامدا بطلت قراءته وعليه الاستئناف وان كان ساهيا عاد الي الموضع الذى اخل منه بالترتيب فقرأ منه قال الصيدلانى الا أن يطول فيستأنف وعلى كل حال لا يعتد بالمؤخر الذى قدمه وينبغي ان يحمل قوله فلو قدم النصف الاخير قبل الاول لم يجزه على هذا أي لا يجزئه النصف الاخير فاما النصف الاول فهل يجزئه ويبنى عليه ام يلزمه الاستئناف فيه التفصيل الذى ذكرناه ولو اخل بترتيب التشهد نظر أن غير تغييرا مبطلا للمعني فليس ما جاء به محسوبا وان تعمده بطلت صلاته لانه أتى بكلام غير منظوم قصدا وان لم يبطل المعنى وكان كل واحد من المقدم والمؤخر مفيدا مفهوما ففيه الطريقان المذكوران فيما إذا عكس لفظ السلام فقال عليكم السلام والاظهر الجواز لانه لا يتعلق بنظمه اعجاز وقوله ولو قدم آخر التشهد يعني به هذه (الحالة الثانية) وهى أن لا يغير المعنى وان كان اللفظ مطلقا واعلم أن تغيير الترتيب علي وجه يبطل المعنى كما يفرض في التشهد يفرض في الفاتحة فوجب أن يقال ثم أيضا إذا غير تغييرا مبطلا للمعنى عمدا تبطل صلاته والثانية الموالاة بين كلماتها والاخلال بها على ضربين (أحدهما) أن يكون الشخص عامدا فيه فان سكت في اثنائها
نظر ان طالت مدة السكوت وذلك بان يشعر مثل ذلك السكوت بقطعه القراءة واعراضه عنها اما اختيار أو لعائق فتبطل قراءته ويلزمه الاستئناف لانه صلي الله عليه وسلم (كان يوالى في قراءته) وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وروى امام الحرمين والمصنف في الوسيط وجها آخر عن العراقبين

(3/328)


أن ترك الموالاة بالسكوت الطويل عمدا لا يبطل القراءة وأعلم لهذا الوجه قوله وجب الاستئناف بالواو وان قصرت مدة السكوت فلا يؤثر لان السكوت اليسير قد يكون لتنفس وسعال ونحوهما فلا يشعر بقطع القراءة ونظيره التفريق اليسير في الوضوء لا يؤثر وان أوجبنا الموالاة فيه وهذا إذا لم ينو مع السكوت قطع القراءة فان نواه والسكوت يسير ففيه وجهان حكيا عن الحاوى أحدهما انه لا تبطل القراءة أيضا لان السكوت اليسير لا اثر له بمجرده ولا للنية بمجردها فلا يضر انضمام أحدهما إلي الآخر واصحهما وهو الذى ذكره المعظم انها تبطل ويجب الاستئناف لا قران الفعل بنية القطع وقد تؤثر النية مع الفعل فيما لا يؤثر فيه أحدهما الا ترى ان نية التعدي من المودع لا توجب كون الوديعة مضمونة عليه وكذلك مجرد النقل من موضع إلى موضع وإذا اقترنا صارت مضمونة عليه وانما لم توثر مجرد النية ههنا بخلاف نية قطع الصلاة فانها تؤثر فيها لان النية ركن في الصلاة تجب ادامتها حكما إن لم تجب ادامتها حقيقة ولا يمكن ادامتها حكما مع نية القطع فتبقى الافعال بالنية وقراءة الفاتحة لا تفتقر إلى نية خاصة فلا يؤثر فيها نية القطع فلواتي بتسبيح أو تهليل في اثنائها أو قرأ آية اخرى فيها بطلت الموالاة قل ذلك ام كثر لان الاشتغال بغيرها يغير النظم ويوهم الاعراض عنها وهذا فيما لا يؤمر به في الصلاة اما ما يؤمر به وتتعلق به مصلحة الصلاة كما إذا أمن الامام والمأموم في خلال الفاتحة فأمن معه أو قرأ الامام آية رحمة فسألها المأموم أو آية عذاب فاستعاذ منه أو آية سجدة

(3/329)


فسجد المأموم معه أو فتح على الامام قراءته ففى بطلان الموالاة في جميع ذلك وجهان أحدهما وبه قال الشيخ ابو حامد تبطل كما لو فتح علي غير امامه أو اجاب المؤذن أو عطس فحمد الله تعالى واصحهما وبه قال صاحب الافصاح والقاضي أبو الطيب والقفال لا تبطل لانه ندب الي هذه الامور في الصلاة
لمصلحتها فالاشتعال بها عند عروض أسبابها لا يجعل قادحا وهذا مفرع علي استحباب هذه الامور للمأموم وهو المشهور وفيه وجه آخر ثم لم يجروا هذا الخلاف في كل مندوب إليه فان الحمد عند العطاس مندوب إليه وإن كان في الصلاة وهو قاطع للموالاة ولكن في المندوبات التى تختص بالصلاة وتعد من صلاحها وقوله الاماله سبب في الصلاة محمول على هذا ولما كان السكوب مبطلا للموالاة بشرط ان يكون طويلا وكان التسبيح مبطلا من غير هذا الشرط قيد في لفظ الكتاب السكوت بالطويل وجعل التسبيح بوصف كونه يسيرا مبطلا للموالاة تنبيها علي الفرق بينهما ثم لا يخفى أن ما يبطل يسيره فكثيره أولى ان يبطل (الضرب الثاني) أن يخل بالموالاة ناسيا ونذكر

(3/330)


أولا مسألة وهى أنه لو ترك الفاتحة ناسيا هل تجزئه صلاته الجديد وهو المذهب أن لا يعتد بتلك الركعة بل إن تذكر بعد ما ركع عاد إلى القيام وقرأ وإن تذكر بعد القيام الي الركعة الثانية صارت هذه الركعة أولاه ويلغو ما سبق ووجهه الاخبار الدالة على اعتبار الفاتحة والالحاق بسائر الاركان وقال في القديم تجزئه صلاته تقليد العمر رضي الله عنه (فانه نسي القراءة في صلاة المغرب فقيل له في ذلك فقال كيف كان الركوع والسجود قالوا كان حسنا قال فلا بأس) وقد ذكرت ما قيل في الفرق بين الفاتحة وسائر الاركان في فصل الترتيب في الوضوء إذا عرف ذلك فنقول إذا ترك المولالة ناسيا فالذي ذكره الجمهور ونقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا تنقطع الموالاة وله أن يبني وليس هذا تفريعا علي القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا بل نقلوا ذلك مع القول بانه إذا ترك الفاتحة ناسيا لم يعتد بالركعة ومال إمام الحرمين إلى انه ينقطع الولاء بالنسيان إذا قلنا النسيان

(3/331)


ليس بعذر في ترك الفاتحة حتى لا يجزئه ما اتي به كما لو ترك الترتيب نايبا وتابعه الامام الغزالي رحمه الله فجعل المسألة علي التردد واعترض امام الحرمين قدس الله روحه علي كلام الجمهور فقال ترك الولاء إذا كان مما تختل به القراءة فجريانه النسيان وجب ان يكون بمثابة ترك القراءته ناسيا حتى لا يعذر به وللجمهور ان يقولوا سلمت في هذا الاعتراض مقدمة مطلقة وهى ان ترك الولاء
مما تختل به القراءة وعندنا لا تختل به القراءة الا عند التعمد فان قال إذا اختلت به عند التعمد وجب ان تختل عند النسيان كما ان ترك القراءة من أصلها لا يفترق حكمه في الحالتين فلهم أن

(3/332)


يقولوا في الفرق الموالاة هيئة في الكلمات تابعة لها فإذا ترك القراءة فقد ترك التابع والمتبوع وإذا ترك الموالاة فقد ترك التابع دون المتبوع فلا يبعد أن يجعل النسيان عذرا ههنا ولا يجعل عذرا ثم ونظيره غسل الاعضاء في الوضوء لا يحتمل تركها عمدا ولا سهوا وترك المولاة سهوا يحتمل على الاظهر وان اوجبنا فيه الموالاة واما ما ذكره من ترك الترتيب ناسيا فقد فرق الشيخ ابو محمد بينه وبين الموالاة بأن امر الموالاة أهون ألا ترى انه لو أخل المصلى بترتيب الاركان ناسيا فقدم

(3/333)


السجود على الركوع لم يعتد بالسجود المقدم ولو أخل بالموالاة بان طول ركنا في الصلاة ناسيا لم يضر واعتد بما أتي به وكذلك لو ترك سجدة من الركعة الاولي أقيمت السجدة المأتي بها في الركعة الثانية مقامها وان اختلت الموالاة ولهذا يحتمل غير افعال الصلاة في خلالها إذا كانت يسيرة كالخطوة وقبل الحية ونظائرهما مع أنها تخل بصورة الموالاة فلا يلزم من جعل النسيان عذرا في اضعف المعتبرين جعله عذرا في أقواهما وقد حكي الامام بعض هذا الفرق عن الشيخ ولم يعترض عليه بازيد مما سبق وربما وجه النص المنقول في ان ترك الموالاة ناسيا لا يضر بمسائل ترك الموالة ناسيا

(3/334)


في الصلاة كتطويل الركن القصير ونحوه والله اعلم وينكشف لك من هذا الشرح ما السبب الداعي الي ايراد المصنف مسألة تطويل الركن القصير في خلال مسائل القراءة ومن لم يعرف هذا السبب ولم تكن فيه غباوة فانه يتعجب من ذلك وليس في لفظ الكتاب ما ينبه عليه وأما تسمية كل واحد من الترتيب والموالاة شرطا والحروف والتشديدات اركانا فقد تقدم في باب الاذان ما يناظر ذلك والقول فيهما قريب * قال (أما العاجز فلا تجزئه ترجمته (ح) بخلاف التكببر بل يأتي بسبع آيات من القرآن متوالية لا تتقص حروفها عن حروف الفاتحة فان لم يحسن فمتفرقة فان لم يحسن فيأتى بتسبيح وتهليل لا تنقص
حروفه عن حروف الفاتحة) * ذكرنا أن للمصلى حالتين أحداهما أن يقدر علي قراءة الفاتحة وما ذكرناه الي الآن كلام فيها والثانية أنه لا يقدر فيلزمه كسب القدرة عليها اما بالتعلم أو التوسل الي مصحف يقرأها منه

(3/335)


سواء قدر عليه بالشرى أو الاستئجار أو الاستعارة فان كان بالليل أو كان في ظلمة فعليه تحصيل السراج أيضا عند الامكان فلو امتنع عن ذلك مع الامكان فعليه اعادة كل صلاة صلاها الي أن قد ر علي قراءتها وإذا تعذر التعلم عليه أو تأخر لضيق الوقت أو بلادته وتعذرت القراءة من المصحف أيضا فكيف يصلى هذا غرض الفصل وجملته أن لا تجزئه الترجمة وخلاف أبي حنيفة يعود ههنا بطريق الاولى ويخالف التكبير حيث يعد العاجز إلى ترجمته لما قدمناه أن نظم القرآن معجز وهو المقصود فيراعى ما هو أقرب منه واما لفظ التكبير فليس بمعجز ومعظم الفرض معناه فالترجمة اقرب إليه وإذا عرفت ذلك فينظر ان احسن غير الفاتحة من القران فيجب عليه ان يقرأ سبع آيات من غيرها ولا يجوز له العدول إلى الذكر لان القران بالقرآن أشبه ولا يجوز أن ينقص

(3/336)


عدد الآيات الماتى بها عن السبع وان كانت طويلة لان عدد الآدى مرعى فيها قال الله تعالى سبعا من المثاني (وعدها رسول الله صلي الله عليه وسلم سبع آيات) فيراعي هذا العدد في بدلها وهل يشترط مع ذلك أن لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة فيه وجهان احدهما لا ويكفى اعتبار اعتبار الآيات كما لو فاته صوم يوم طويل يجوزه قضاؤه في يوم قصير ولا ينظر إلي الساعات واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يشترط لانها معتبرة في الفاتحة وقد أمكن اعتبارها في البدل فاشبهت الآيات وهذان الوجهان في جملة الفاتحة مع جملة البدل فلا يمتنع أن يجعل ايتين بدلا عن آية

(3/337)


وفى وجه يجب ان تعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة علي الترتيب وينبغى ان تكون مثلها أو اطول منها ويحكى هذا عن الشيخ ابى محمد ثم ان احسن سبع آيات متوالية بالشرط المذكور لم يجز العدول
إلي المتفرقة فان المتوالية اشبه بالفاتحة وان لم يحسنها اتي بها متفرقة واستدرك امام الحرمين فقال لو كانت الآيات المفرودة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله (ثم نظر) فيظهر ان لا نأمره بقراءة

(3/338)


هذه الآيات المتفرقة ونجعله كمن لا يحسن شيئا من القرآن اصلا ولو كان ما يحسنه من القران دون السبع كآية أو آيتين ففيه وجهان احدهما انه يجب عليه ان يكرر حتي يبلغ قدر الفاتحة واصحهما انه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر للباقى هذا كله إذا احسن شيئا من القرآن اما إذا لم يحسن فيجب عليه ان ياتي بالذكر كلا تسبيح والتهليل خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يلزمه الذكر ويقف ساكنا

(3/339)


بقدر القراءة ولمالك حيث قال لا يلزمه الذكر ولا الوقوف بقدر القراءة لنا ما روى انه صلي الله عليه واله وسلم قال (إذا قام احدكم إلي الصلاة فليتوضأ كما امره الله فان كان لا يحسن شيئا من القرآن فليحمد الله

(3/340)


وليكبره) وروى ان رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه واله وسلم فقال (اني لا استطيع أن آخذ شيئا من القران فعلمني ما يجزينى في صلاتي فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله) ثم هل يتعين شئ من الاذكار ام يتخير فيها فيه وجهان احدهما ان الكلمات المذكورة في الخبر الثاني متعينة لظاهر الامر وعلي هذا اختلفونا منهم من قال تكفيه هذه

(3/341)


الكلمات الخمس لانه قال علمني ما يجزينى في صلاتي والنبي صلي الله عليه وسلم علمه هذه الكلمات وبهذا قال ابو علي الطبري والقاضى ابو الطيب ومنهم من قال يضم إليها كلمتين اخريبن حتى تصير سبعة أنواع فيكون كل نوع بدلا عن آية والمراد بالكلمات ههنا انواع الذكر لا الالفاظ المفردة واصحهما انه لا يتعين شئ من الاذكار وبه قال ابو اسحق المروزى وهذا هو الذى ذكره في الكتاب لانه أطلق فقال فيأتى بتسبيح وتهليل وعلي هذا فتعرض الخبر للكلمات الخمس جرى على سبيل التمثيل وهل يشترط ان لا تنقص حروف ما يأتي به عن حروف الفاتحة وجهان كما ذكرنا
فيما إذا احسن غير الفاتحة من القرآن والاصح وهو المذكور في الكتاب انه شرط ثم قال امام الحرمين لا يرعي ههنا الا الحروف بخلاف ما إذا احسن غير الفاتحة من القرآن فانه يراعي عدد الايات وفى الحروف الخلاف وقال في التهذيب يجب أن ياتي بسبعة انواع من الذكر ويقام كل نوع

(3/342)


مقام آية وهذا أقرب تشبيها لمقاطع الانواع بغايات الايات وهل الادعية المحضة كالاثنية فيه تردد للشيخ ابى محمد قال امام الحرمين والاشبه ان ما يتعلق بامور الاخرة كالاثنية دون ما يتعلق بالدنيا ويشترط ان لا يقصد بالذكر الماني به شيئا آخر سوى البدلية كما إذا استفتح أو تعوذ علي قصد اقامة سنتهما ولكن لا يشترط قصد البدليه فيهما ولا في غيرهما من الاذكار في أظهر الوجيهن وان لم يحسن شيئا من القران والاذكار فعليه ان يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يحسن الفاتحة أصلا *

(3/343)


قال (فان لم يحسن النصف الاول منها اتي بالذكر بدلا عنه ثم يأتي بالنصف الاخير * اصل المسألة ان من يحسن بعض الفاتحة دون بعض يكرره ام يأتي به ويبدل الباقي فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) انه يكرر ما يحسنه قدر الفاتحة ولا يعدل إلى غيره لان بعضها اقرب الي الباقي من غيرها فصار كما إذا احسن غيرها من القرآن لا يعدل إلى الذكر (واصحهما) انه يأتي به وببدل الباقي لان الشئ الواحد لا يكون اصلا وبدلا ويدل عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم (امر ذلك السائل بالكلمات الخمس) ومنها الحمد لله وهذه الكلمة من جملة الفاتحة ولم يأمره بتكريرها

(3/344)


وهذا الخلاف فيما إذا كان يحسن للباقى بدلا اما إذا لم يحسن الا ذلك البعض فيكرره بلا خلاف إذا تقرر ذلك فلو أحسن النصف الثاني دون الاول فقد قال في الكتاب يأتي بالذكر بدلا عن النصف الاول ثم يأتي بالنصف الثاني وهذا جواب على الوجه الاصح ويجب أن يقدم البدل للنصف الاول علي قراءة النصف الثاني رعاية للترتيب كما يجب الترتيب في اركان الصلاة وفى كلمات الفاتحة
وحكي في التهذيب وجها انه لا يشسترط التريب بين البدل والاصل وكيف ما قرأ جاز وأما إذا فرعنا علي الوجه الاول وهو انه يكرر القدر الذى يحسنه فلا يأتي في هذه الصورة لنصف الاول ببدل بل يكرر النصف الاخير وليعلم لهذا الوجه قوله اتي بالذكر بدلا عنه بالواو وكذا قوله ثم يأتي بالنصف الاخير لان كلمة ثم للترتيب وقد ذكرنا وجها أنه لا يجب الترتيب ولو كان الامر بالعكس فكان يحسن النصف الاول دون الثاني فعلي الوجه الاول يكرره وعلي الاصح يأتي بالنصف الاول ثم بالذكر بدلا عن الثاني * قال (قان تعلم قبل قراءة البدل لزمه قراءتها وان كان بعد الركوع فلا وان كان قبل الركوع وبعد الفراغ فوجهان)

(3/345)


جميع ما سبق فيما إذا استمر العجز عن القراءة في الصلاة فاما إذا تعلم الفاتحة في اثنائها أو لقنه انسان أو احضر مصحف وتمكن من القراءة منه فينظر ان اتفق ذلك قبل الشروع في قراءة البدل فعليه أن يقرأ الفاتحة وان كان في خلال قراءة البدل مثل ان اتى بنصف الاذكار ثم قدر علي قراءة الفاتحة فعليه قراءة النصف الاخير وفى الاول وجهان احدهما لا يجب كما إذا شرع في صوم الشهرين ثم قدر علي الاعتاق لا يلزمه العدول الي الاعتاق وأظهرهما يجب كما إذا وجد الماء قبل تمام التيمم يبطل تيممه وان كان ذلك بعد قراءة البدل وبعد الركوع فلا يجوز الرجوع وقد مضت تلك الركعة على الصحة وان كان بعد القراءة وقبل الركوع فوجهان احدهما عليه قراءة الفاتحة لان محل القراءة باق وقد قدر عليها واظهرهما لا يجب لان البدل قد تم وتأدى الفرض وبه واشبه ما لو اتي المكفر بالبدل ثم قدر علي الاصل أو صلى بالتيمم ثم قدر علي الوضوء ويجوز أن يعلم قوله لزمه قراءتها بالواو لان قوله قبل قراءة البدل يتناول ما إذا لم يشرع في البدل أصلا وما إذا شرع لكن لم

(3/346)


يتمه حتى تعلم الفاتحة وقد ذكرنا في الصورة الثانية وجهين ويجوز أن يعلم قوله فوجهان في الصورة الاخيرة أيضا لان صاحب البيان ذكر طريقا آخر أنه لا يجب قراءة الفاتحة وجها واحدا *
قال (ثم بعدن الفاحة سنتان أحداهما التمين مع تخفيف الميم ممدودة أو مقصورة وفى جهر الامام به خلاف والا ظهر الجهر وليؤمن المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده) * بينا أن لركن القراءة سنتين لاحقتين فاشتغل بذكرهما حين فرغ من احكام الفاتحة احداها التأمين فيستحب لكل من قرأ الفاتحة خارج الصلاة أو في الصلاة أن يقول عقيب الفراغ آمين ثبت ذلك من رسول الله صلي الله عليه وسلم معنى الكلمة ليكن كذلك وفيها لغتان القصر والمد

(3/347)


والميم مخففة في الحالتين وينبغي أن يفصل بينها وبين قوله ولا الضالين بسكتة لطيفة تمييزا بين القرآن وغيره ويستوى في استحبابها الامام والمأموم والمنفرد ويجهر بها الامام والمنفرد في صلاة الجهر تبعا للقراءة وقد روى عن وائل بن حجر (صليت خلف النبي صلى اله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين ت آمين ومدبها صوته) أما المموم فقد نقل عن القديم انه يؤمن جهرا ايضا وعن الجديد أنه لا يجهر واختلف الاصحاب فقال الاكثرون في المسألة قولان احدهما

(3/348)


أنه لا يجهر كما لا يجهر بالتكبيرات ان كان الامام يجهر بها واصحهما وبه قال احمد انه يجهر لما روى عن عطاء قال (كنت اسمع الائمة وذكر ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ويقول من خلفهم آمين

(3/349)


حتي أن للمسجد للجة) ويروى عن ابي هريرة قال كان إذا امن رسول الله صلي الله عليه وسلم امن من خلفه حتي كان للمسجد ضجة) ولان المقتدى متابع للامام في التأمين فانه انما يؤمن لقراءته فيبعه في الجهر كما يتبعه في التأمين ومنهم من اثبت قولين في المسألة ولكن لا علي الاطلاق

(3/350)


بل فيما إذا جهر الامام اما إذا لم يجهر الامام فيجهر المأمون ليتبه الامام وغيره ومنهم من حمل النصين على حالين فحيث قال لا يجهر المأمومون اراد ما إذا قل المقتدون أو صغر المسجد وبلغ صوت الامام القول فيكفى اسماعه اياهم التأمين كاصل القراءة وان كثر القوم يجهرون حتى يبلغ الصوت
الكل والاحب ان يكون تأمين المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده لما روى عن ابي هريرة

(3/351)


رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمن الامام امنت الملائكة فامنوا فان من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) فان لم يتفق ذلك أمن عقيب تأمينه * واما لفظ الكتاب فلك ان تعلم قوله التأمين بالميم لانه روى مالك أنه لا يسن التأمين للمصلى أصلا وعنه رواية اخرى أن الامام لا يؤمن في الجهرية ورواية أخرى ان الامام والمأموم يؤمنان لكن يسران وهو

(3/352)


مذهب أبي حنيفة ولذلك اعلم قوله والاظهر الجهر بعلامتهما وقوله ممدودة أو مقصورة التأنيث علي تقدير الكلمة وقوله وفى جهر المأموم به خلاف أي الصلاة الجهرية واما في السرية فالمحبوب الاسرار لمأموم وغيره بلا خلاف ثم قوله خلاف يجوز أن يريد به قولين جوابا علي الطريقة المشهورة ويجوز ان يريد به طريقين وهما الاول والثالث فقد ذكرهما في الوسيط فان كان الاول فقوله والاظهر الجهر أي من القولين وان كان الثاني فالمعنى والاظهر مما قيل في المسألة انه يجهر * قال (الثانية السورة وهى مستحبة للامام والمنفرد في ركعتي الصبح والاوليين من غيرهما وفى الثالثة والرابعة قولان منصوصان الجديد انها تستحب (ح) وان كان العمل على القديم والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية بل يستمع وان لم يبلغه الصوت ففى قراءته وجهان) *

(3/353)


يسن للامام والمنفرد قراءة سورة بعد الفاتحة في ركعة الصبح والاوليين من سائر الصلوات لما سيأتي وأصل الاستحباب يتادى بقراءة شئ من القرآن لكن السورة أحب حتي ان السورة القصير أولي من بعض سورة طويلة وروى القاضي الرواياني عن احمد انه يجب عنده قراءة شئ من القرآن وهل يسن قراءة السورة في الثالثة من المغرب وفي الثالثة والرابعة من الرباعيات فيه قولان

(3/354)


الجديد أنها تسن لكن تجعل السورة فيهما أقصر لما روى عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنهم
ان النبي صلي الله عليه وسلم كان (نقرأ في الصلاة الظهر في الركعتين الاوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آيه وفى الاخريين قدر خمس عشرة آية وفى العصر في الركعتين الاوليين في كل

(3/355)


ركعة قدر خمس عشرة اية وفى الاخريين وقدر نصف ذلك) والقديم وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد أنها لا يتسن لما روى عن أبي قتادة أن النبي صلي الله واله وسلم (كان يقرأ في الظهر في الاوليين بام الكتاب وسورتين وفى الركعتين الاخيريين بام الكتاب ويسمعنا الاية ويطول

(3/356)


في الركعة الاولى يطول في الثانية) هل يفضل الركعة الاولى على الثانية فيه وجهان أظهرهما لا ويدل عليه حديث أبي سعيد والثانى وبه قال الامام السرخسى نعم ويدل عليه حديث أبي قتادة ويجرى الوجهان في الركعتين لاخرتين ان قلنا تستحب فيهما السورة وقال ابو حنيفة يستحب تفصيل الاولى علي الثانية في الفجر خاصة ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات نعم

(3/357)


في الركعة الاولى من صبح يوم الجمعة يستحب قراءة الم السجدة وفى الثانية هل أتى ويقرأ في الظهر بما يقرب من القراءة في الصبح وفى العصر والعشاء بأوساط المفصل وفى المغرب بقاصره وأما المأموم فلا يقرأ السورة في الصلاة التى يجهر بها الامام وهو يسمع صوته بل ينبغى ان ينصت

(3/358)


ويستمع قال الله تعالي (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ولهذا يستحب الامام أن يسكت بعد الفاتحة قدر يقرأ فيه المأموم الفاتحة كيلا يفوته استماع الفاتحة ولا استماع السورة وان كانت

(3/359)


الصلاة سرية أو جهرية والمأموم لا يسمع لبعد أو صمم فوجهان أحدهما انه لا يقرأ لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا كنتم خلفي فلا تقرؤا الا بفاتحة الكتاب) وأصحهما يقرأ كالمنفرد وانما لا يؤمر بالقراءة حيث يستمع ليستمع وأما الحديث فله سبب وهو ان اعرابيا راسل رسول
الله صلي الله عليه وسلم في قراءة الشمس وضحاها فتعسرت القراءة علي رسول الله صلى اله عليه وسلم فلما تحلل عن صلاته قال ذلك ويستحب للقارئ في الصلاة وخارج الصلاة أن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة وأن يتعوذ إذا مر بآية عذاب وأن يستح إذا مر باية تسبيح وأن يتفكر إذا مر بآية مثلل ذلك وان يقول بلي وانا علي ذلك من الشاهدين إذا قرأ أليس الله بأحكم الحاكمين

(3/360)


ويقول آمنا بالله إذا قرأ فبأى حديث بعده يؤمنون والمأموم يفعل ذلك لقراءة الامام وقوله في الكتاب فقولان منصوصان التصريح بكونها منصوصين يعرف انهما ليسأ ولا واحد منهما مخرمج ولا يتوهم من ذلك انه إذا أرسل ذكر القولين كان ثم تخريح كما ان التعرض للقديم والجديد يعرف تاريخ القولين ولا يلزم من ارسال القولين أن يكون أحدهما قديما ولآخر جديدا

(3/361)


وقوله وان كان العمل علي القديم اشارة إلى ترجيح القول القديم وبه أفتي الاكثرون وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتي فيها علي القديم ونازع الشيخ أبو حامد وطائفة فيه ورجحوا الجديد (واعلم) أن مسألة جهر المأموم بالتأمين من جملة تلك المسائل إذا أثبتنا الخلاف فيها كما تبين في الفصل السابق وقوله والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية إلى آخره التعرض لحكم قراءته في الجهرية واهما له

(3/362)


في السرية فيه اشار بأنه يقرأ في السرية وهو الاظهر كما بيناه وان لم يكن متفقا عليه * قال (الركن الرابع الركوع وأقله أن ينحى بحيث تنال راجتاه وكبتيه ويطمنن (ح) بحيث ينفصل هويه عن ارتفاعه ولا يجب الذكر) *

(3/363)


تكلم في أقل الركوع ثم في اكمله ما اقله فقد ذكر فيه شيئين لا بد منهما (احدهما) ان ينحى بحيث

(3/364)


تنال راحتاه ركبتيه يقال أنه ورد في لفظ الخبر ومعناه أن يصير بحيث لو أراد أن يضع
راحتيه علي ركبتيه لمكن وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين وفي لفظ الانحناء إشارة إلى أنه لو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب لم يكن ذلك ركوعا وان صار بحيث

(3/365)


لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه لن نيلهما ركبتيه لم يكن بالانحناء قال امام الحرمين ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع الراحتين علي الركبتين بهما جميعا لم يعتد بما جاء به ركوعا

(3/366)


أيضا ثم أن لم يقدر علي أن ينحنى الي الحد المذكور الا بمعين أو الاعتماد علي شئ أو بان ينحني على شق لزمه ذلك وان لم يقدر انحنى القدر المقدور عليه وان عجز اومأ بطرفه عن قيام (واعلم)

(3/367)


ان الذى ذكره في هذا الموضع هو حد ركوع القائمين فاما إذا كان يصلي قاعدا فقد صار حد أقل ركوعه واكمله مذكورا في فصل القيام (والثاني) ان يطمئن خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تجب

(3/368)


الطمأنينة لنا ما روى عن ابى هريرة رالله عنه (ان رجلا دخل المسجد ورسول الله صلي الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلي ثم جاء فسلم عليه فقال صلي الله عليه وسلم وعليك السلام ارجع فصل فانك لم تصل فرجع فصلي ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال علمني يا رسول الله فقال إذا قمت الي الصلاة

(3/369)


فاسبغ الوضوء استقبل القبلة فكبر اقرا أبما يتيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا) ومعنى الطمأنينة في الركوع أن يصبر تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هويه عن ارتفاعه

(3/370)


منه فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهوى ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة وزيادة الهوى لا تقوم مقام الطمأنينة فهذا بيان الامرين اللذين لابد منهما وأما قوله ولا يجب الذكر فالغرض

(3/371)


من ذكره ههنا بيان خروجه عن حد الاقل خلافا لا حمد فانه يحكي عنه ايجاب التسبيح في الركوع والسجود مرة واحدة وكذلك ايجاب التكبير للركوع والسجود لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم (لم يأمر المسئ صلاته بالذكر فيهما) ويجوز أن (يع) ؟ الاقل شئ آخر وهو أن (لا) ؟ به غير الركوع لان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه لو قرأ في صلاته آية سجدة فهوى ليسجد للتلاوة ثم بدا له

(3/372)


بعد ما بلغ حد الراكعين ان يركع لم يعتد بذلك عن الركوع لانه لم يقطع القيام لقصد الركوع بل يجب عليه أن يعود إلي القيام ثم يركع وسيأتي لهذا نظائر ولك أن تعلم قوله بحيث تنال راحتاه ركتبيه (؟ ؟ ؟) القاضي ابن كج حكى عن ابن حنيفة أنه لا يعتبر ذلك ويكتفى باصل الانحناء *

(3/373)


قال (وأكمله أن ينحني بحيث يستوى ظهره وعنقه وينصب ركبتيه عليهما ويضع كفيه عليهما يجافى الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز في الانحناء حد الاستواء ويقول الله أكبر رافعا يديه عند الهوى ممدودا علي قول ومحذوفا علي قول كيلا يغير المعنى بالمدو يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا ولا يزيد الامام علي الثلاث) *

(3/374)


الكلام في اكمل الركوع يقع في جملتين (أحداهأما) في هيئته وهى أن ينحنى بحيث يستوى ظهره وعنقه ويمدهما كالصفحة الواحدة فلا تكون رأسه ورقبته أخفض من ظهره ولا أعلي يروى أن رسول

(3/375)


الله صلى الله عليه وسلم (كان يستوى في الركوع بحيث لو صب الماء علي ظهره لا ستمسك وروى

(3/376)


انه صلي الله عليه وسلم (عن التذبيح في الصلاة) وفى رواية (نهى ان يذبح الرجل في الركوع كما يذبح الحمار) والتذبيح ان يبسط ظهره ويطأطئ رأسه فتكون رأسه اشد انحطاطا من اليتيه وهذا اللفظ

(3/377)


يذكر بالدال والاول اشهر وينبغي للراكع ان ينصب ساقيه إلي الحقو ولا يثني ركبتيه وهذا هو الذى اراده بقوله وينصب ركبتيه ويستحب له وضع اليدين علي الركبتين واخذهما بهما ويفرق بين اصابعه

(3/378)


حينئذ ويوجههما نحو القبلة روى انه صلي الله على وسلم (كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما) ويفرج بين اصابعه فان كان اقطع أو كانت إحدى يديه عليلة فعل بالاخرى ما ذكرنا

(3/379)


فان لم يمكنه وضعهما على الركبتين ارسلهما: ويجافى الرجل مرفقيه عن جنبيه فقد روي ان النبي صلى الله عليه

(3/380)


وسلم (كان يفعل ذلك) والمرأة لا تجافى فانه استر لها والخنثى كالمرأة: اما قوله ولا يجاوز في الانحناء

(3/381)


الاستواء فالمراد استواء الظهر والرقية وفى قوه اولا واكمله ان ينحنى بحيث يستوى ظهره وعنقه

(3/382)


ما يفيد هذا الغرض فانا إذا عرفنا استحاب استواء الظهر والعنق نعرف انه لا ينبغى ان نتجاور الاستواء

(3/383)


فاعادته ثانيا اما ان تكون تأكيدا أو يكون الغرض الاشارة إلي ان المجاوزة مكروهة قصية للنهي

(3/384)


عن التذبيح وعلي هذا فالاعادة لا تكون لمحض التأكيد إذ لا يلزم من استحباب الشئ ان يكون تركه منهيا عنه مكروها وعلي كل حال فلو ذكر قوله ولا يجاوز متصلا بالكلام الاول لكان احسن

(3/385)


(الجملة الثانية) في الذكر المستحب فيه ويستحب ان يكبر للركوع لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه

(3/386)


ان النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعمود) ويبتدئ به في ابتداء

(3/387)


الهوى وهل يمده فيه قولان القديم وبه قال ابو حنيفة لا يمده بل يحذف لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (التكبير جزم) أي لا يمد ولانه لو حاول المد لم يأمن ان يجعل المد على غير موضعه فيغير

(3/388)


المعني مثل ان يجعله علي الهمزة فيصير استفها ما والجديد انه يمده إلي تمام الهوى حتى لا يخلو جزء من صلاته عن الذكر والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يندها من الركن المنتقل

(3/389)


عنه إلى أن يصحل في المنتقل إليه ويرفع يديه إذا ابتدأ التكبير خلافا لابي حنيفة لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع) ويستحب أن يقول في ركعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وذلك أدني درجات

(3/390)


الكمال لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال ركع أحدكم فقال سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد

(3/391)


تم ركوعه وذلك أدناه فإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربى الاعلي ثلاثا فقدم سجوده وذلك

(3/392)


ادناه) واستحب بعضهم ان يضيف إليه وبحمده وقال انه ورد في بعض الاخبار والافضل أن يضعيف إليه (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصرى ومخفي وعظمي وعصبي وشعرى وبشرى وما استقلت به قدمى لله رب العالمين) فقد روى ذلك الخبر

(3/394)


وهو أتم الكمال وحكى عن الحاوى ان اتم الكمال من سبع تسبيحات الي احدى عشرة واوسطه

(3/395)


ثم الزائد علي أدنى الكمال من سبع تسبيحات الي احدي عشرة واوسطه خمس

(3/396)


ادنى الكمال انما يستحب للمنفرد اما الامام فلا يزيد علي التسبيحات الثلاث كيلا يطول على القوم وقال القاضى الروايانى في الحلية لا يريد علي خمس تسبيحات وذكره غيره ايضا فليكن قوله ولا يزيد الامام

(3/397)


علي الثلاث معلما بالواو واستحباب التخفيف للامام فيها إذا لم يرض القوم بالتطويل اما إذا كان

(3/398)


الحاضرون لا يريدون ورضوا بالتطويل فيسوى في أتم الكمال ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود * قال (ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن (ح) ويستحب رفع اليدين إلى المكبين ثم يخفض يديه بعد الاعتدال ويقول وعند رفعه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويستوى (ح) فيها الامام والمأموم والمنفرد) * الاعتدال ركن في الصلاة لكنه غير مقصود في نفسه ولذلك عند ركنا قصيرا فمن حيث

(3/399)


أنه ركن عده في ترجمة الاركان في أول الباب ومن حيث أنه ليس مقصودا في نفسه جعله ههنا

(3/400)


تابعا للركوع وأوردهما في فصل وهكذا بالجلسة بين السجدتين وقال أبو حنيفة لا يجب الاعتدال وله أن ينحط من الركوع ساجدا وعن مالك روايتان (أحدهما) كمذهبنا

(3/401)


الاخرى كمذهب الي حنيفة لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) ولو كان يصلي قاعدا لمرض فيعود إلى الفعود بعد الركوع وبالجملة فالاعتدال الواجب أن يعود بعد الركوع الي الهيئة التى كان عليها قبل الركوع فلو ركع عن قيام وسقط في ركوعه نظر ان لم يطمئن في ركوعه فعليه أن يعود إلي الركوع ويعتدل منه وان اطمأن فيعتدل قائما ويسجد منه ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك في أنه هل تم اعتداله وجب عليه أن يعتدل قائما

(3/402)


ويعيد السجود وتجب المطأنينة في الاعتدال كما تجب في الركوع وقال في النهاية في قلبي من الطمأنية في الاعتدال شئ فان النبي صلي الله عليه وسلم في المسئ صلاته ذكر الطمأنينة في الركوع والسجود ولم يذكرها في الاعتدال وللقعدة بين السجدتين فقال (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطئمن ساجدا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسا قال وفي كلام الاصحاب ما يقتضي التردد فيها والمنقول هو الاول ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين إلي

(3/403)


حذ والمنكبين فإذا اعتدل قائما حطهما وقال أبو حنيفة لا يرفع لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) ويستحب أن يقول عند الارتفاع سمع الله لمن حمده ويكون بتداؤة برفع الرأس من الركوع ورفع اليدين

(3/404)


والتسميع دفعة واحدة فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد وروينا في خبر ابن عمر (ولك الحمد) والروايتان معا صحيحتان ويستوى في الذكرين الامام والمأموم والمنفرد خلافا لمالك وأبى حنيفة حيث قالا لا يزيد الامام علي سمع الله لمن حمده ولا المأموم علي ربنا ولك الحمد وأما المنفرد فقد روى صاحب التهذيب عنهما أنه يجتمع بين الذكرين ثم روى مثل مذهبهما عن احمد والاشهر عن

(3/405)


احمد انه يجمع الامام والمنفرد بينهما ولا يزيد المأموم علي ربنا لك الحمد ويستحب أن يزاد فيه ما روى عن عبد الله بن ابى اوفي قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد)

(3/406)


وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقول مع ذلك اهل اثناء والمجد حق ما قال

(3/407)


العبد كلنا لك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد والامام

(3/408)


لا يأتي بهذه الزيادة الاخيرة ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب قوله ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن إشارة منه إلى واجب الاعتدال لذلك قال عقييه ويستحب رفع اليدين ليمتاز واجبه عن مسنونه

(3/409)


واعلم أن واجب الاعتدال لا ينحصر في الامرين المذكورين بل له واجب ثالث وهو أن لا يقصد بالارتفاع شيئا إخر حتى لو رأى حية في ركوعه فاعتدل فزعا منها لم يعتد به وواجب رابع وهو أن لا يطوله فلو طول عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته علي الاصح ة نه ركن قصير وسيأتي الكلام فيه من بعد في باب سجود السهو إن شاء الله تعالي وقوله ويستحب رفع اليدين

(3/410)


إلي المنكبين يجوز أن يعلم لفظ إلى المنكبين بالوا أو ولان رفع اليدين في الاعتدال وفي الركوع مثل رفعهما في حالة التحريم وقد سبق ثم ذكر الخلاف في أنه يرفع إلى المنكبين أو يزيد فيعود ذلك الخلاف ههنا وقوله ويقول عند رفعه سمع الله لمن حمده يجوز أن يكون المعني عند رفعه رأسه من الركوع ويجوز أن يكون المعنى عند رفعه اليدين لان المستحب في الرفعين المقارنة فما يقارن هذا يقارن

(3/411)


ذلك أيضا وظاهر الكلام يوهم ان يكون قوله سمع الله لمن حمده وقوله ربنا لك الحمد عند الرفع لكن المستحب أن يكون الاول في حال الرافع والثاني بعد أن يعتدل قائما كما بيناه ولك أن تعلم قوله عند الرفع بالوا وولان القاضى ابن كج ذكر أنه يبتدئ بقوله سمع الله لمن حمده وهو راكع ثم إذا ابتدأ به اخذ في الرأس واليدين وقوله يستوى فيه الامام والمنفرد معلم بالحاء والميم وعلي رواية صاحب التهذيب بالالف أيضا * قال (ويستحب (ح) القنوت في الصبح وان نزلت بالمسلمين نازلة ورأى الامام القنوت في سائر

(3/412)


الصلوات فقولان ثم الجهر بالقنوت مشروع علي الظاهر والمأموم يؤمن فإذا لم يسمع صوته قنت علي أحد القولين)

(3/413)


لما كان القنوت مشروعا في حال الاعتدال ذكره متصلا بالكلام في الاعتدال وإذا كاره (واعلم) أن القنوت يشرع في صلاتين أحدهما من النوافل وهي الوتر في النصف الاخرين من رمضان

(3/414)


وسيأتى في باب النوافل والثانية من الفرائض وهى الصبح فيستحب القنوت فيها في الركعة الثانية خلافا

(3/415)


لابي حنيفة حيث قال لا يستحب وعن احمد أن القنوت الائمة يدعون للجيوش فان ذهب إليه ذاهب فلا بأس لنا

(3/416)


ما روى النبي صلي الله عليه وسلم (قنت شهرايد عو علي فاتلى أصحابه ببئر معونة ثم تركه) فاما في الصبح

(3/417)


فلم يقنت حتى فارق الدنيا وروى ذلك عن خلفائه الاربعة رضوان الله عليهم أجمعين ومحله بعد الرفع

(3/419)


من الركوع خلافا لمالك حيث قال يقنت قبل الركوع لنا ما روى عن ابن عباس وأبى هريرة وأنس رضي الله

(3/420)


عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم (قنت بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الاخيرة) () والقنوت أن يقول

(3/421)


(اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن تولني فيمن توليت وبارك لى فيما اعطيت وقنى شر ما قضيت

(3/425)


انك تقضى ولا يقضى عليك لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعايت) هذا القدر

(3/426)


يروى عن الحسن بن على رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله والامام لا يخص نفسه بل يذكر

(3/430)


بلفظ الجمع وزاد العلماء ولا يعز من عاديت (قبل تباركت ربنا وتعاليت وبعده) فلك لحمد علي ما قضيت استغفرك

(3/432)


واتوب اليك ولم يستحسن القاضي ابو الطيب كلمة ولا يعز من عاديت وقال لا تضاف العداوة إلى الله تعالى

(3/433)


قال سائر الاصحاب ليس ذلك ببعيد قال الله تعالى (فان الله عدو للكافرين) وهل يسن فيه الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم فيه وجهان (احدهما) لا لان أخبار القنوت لم ترد بها واظهر هما وبه قال الشيخ ابو محمد نعم لانه

(3/434)


روى في حديث السحن انه قال صلى الله عليه وسلم تباركت ربنا وتعاليت عليه النبي وسلم وأيضا فقد قال الله تعالي (ورفعنا لك ذكرك) قال المفسرون أي لا أذكر الا وتذكر معي إذا عرفت ذلك فقوله

(3/435)


ويستحب القنوت في الصبح ينبغى ان يعلم بالحاء والالف لما ذكرناه ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لان ابا الفضل ابن عبدان حكي عن ابى علي بن ابى هريرة انه قال المستحب ترك القنوت في صلاة الصبح إذا صار شعار قوم من المبتدعة إذ الاشتغال به تعريض النفس للتهمة وهذا غريب وضعيف وهل تتعين كلمات القنوت فيه وجهان (احدهما) وهو الذى ذكره المصنف في الوسيط نعم كالتشهد وأظهرهما عند الاكثرين لا بخلاف

(3/436)


التشهد لانه فرض اومن جنس الفرض وعلى هذا قالوا الوقت بما روى عن عمر رضي الله عنه كان حسنا وسنذكره في باب النوافل ان شاء الله تعالي واما ما عدا الصبح من الفرائض فقال معظم الاصحاب

(3/437)


ان نزلت بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط فيقنت فيها ايضا في الاعتدال عن ركوع الركعة الاخيرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بئر معونة على ما سبق وان لم نتزل نازلة ففيه قولان اصحهما الا يقنت لان النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت فيها والثانى انه يتخير ان شاء قنت والا فلا وعن الشيخ ابي محمد
انه قلب هذا التريب فقال ان لم تكن نازلة فلا قنوت الا في الصبح وان كانت نازلة فعلي قولين: وجه

(3/438)


المنع القياس علي سائر اركان الصلاة وركعاتها لا يراد فيها الدعاء بنزول النوازل وهذه الطريقة الثانية هي التى اوردها في الكتاب فانه خص القولين بما إذا انزلت نازلة اشعار ابانها إذا لم تنزل فلا قنوت في غير الصبح بحال وينبغي ان يعلم قوله فقولان بالواو لان اصحاب الطريقة الاولي قالوا يقنت عند نزول النازلة ونفوا الخلاف فيه واما قوله ورأى الامام القنوت في سائر الصلوات فليس علي معني ان جواز القنوت

(3/439)


فيها للناس موقوف على رأى الامام واذنه بل من أراد القنوت جاز له ذلك وكانه اراد القوم إذا صلوا جماعة فقال ان رأى قنت والقوم يتبعونه كما في الصبح وان اراد ترك ولا بد للمتقدين من الترك ايضا وفيه اشارة إلى انه لا يستحب القنوت في غير الصبح بحال وانما الكلام في الجواز فحيث يجوز فالامر فيه الي اختيار المصلى وهذا قضيه كلام اكثر الائمة ومنهم من يشعر ايراده

(3/440)


بالاستحباب والله اعلم ثم الامام في صلاة الصبح هل يجهر بالقنوت فيه وجهان (احدهما) لا كالتشهد وسائر الدعوات المشروعة في الصلاة (واظهرهما) انه يجهر لانه روى الجهر به عن

(3/441)


رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله على الظاهر أي من هذين الوجهين وقوله مشروع أي بصفة الاستحباب وليس المراد مجرد الجواز ولفظ الكتاب وإن كان مطلقا

(3/442)


فالوجهان في الامام أنما المنفرد فيسر به كسائر الاذكار والدعوات ذكره التهذيب وأما المأموم فالقول فيه مبنى علي الوجهين في الامام إن قلنا لا يجهر الامام به فيقنت المأموم كما يقنت الامام قياسا

(3/443)


علي سائر الاذكار وإن قلنا يجهر الامام به فان كان المأموم يسمع صوته فوجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يؤمن ولا يقنت لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقنت ونحن نؤمن خلفه) والثانى ذكره ابن الصباغ أنه يتخير بين أن يؤمن وبين أن قنت معه فعلي الاول فيماذا يؤمن فيه وجهان حكاما القاضي الرويانى وغيره أوفقهما لظاهر لفظ الكتاب أنه يؤمن في الكل وأظهرهما أنه يؤمن في القدر الذى هو دعاء أما في الثناء فيشاركه أو يسكت وإن كان لا يسمع صوت الامام لبعد وغيره وقلنا أنه لو سمع لا من فههنا وجهان أحدهما يقنت والثاني يؤمن كالوجهين في قراءة السورة إذا كان لا يسمع صوت الامام وإنما لم يجر الخلاف علي قولنا الامام يسر بالقنوت مع جريانه في قراءة السورة في الصلاة السرية على الجملة مجهور بها والقنوت إذا لم

(3/444)


ير الجهر به ينزل منزلة سائر الاذكار فيشارك المأموم الامام فيه لا محالة فهذا حكم الجهر بالقنوت في الصبح وأما في سائر الصلوات إذا قنت فيها فايراده في الوسيط يشعر بانه يسر في السريات وفي الجهريات الخلاف المذكور في الصبح وإطلاق غيره يقتضى طرد الخلاف في الكل وحديث بئر معونة يدل علي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات وهل يسن رفع اليدين في القنوت فيه وجهان أحدهما نعم لما روى

(3/445)


عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دعوت فادع بيطون كفيك فإذا فرغت فاسمح راحتيك علي وجهك) وقد روى الرفع في القنوت عن ابن مسعود بل عن عمر وعثمان

(3/446)


رضي الله عنهم وهو اختيار أبى زيد والشيخ أبى محمد وابن الصباغ وهو الذى ذكره

(3/447)


في الوسيط وأظهرهما عند صاحبي المهذب والتهذيب أنه لا يرفع لما روى عن أنس رضى الله عنه أن

(3/448)


النبي صلي الله عليه وسلم (لم يكن يفع اليد الا في ثلاثة مواطن الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة) وهذا اختيار القفال واليه ميل امام الحرمين فان قلنا لا يرفع فذاك وان قلنا يوضع فوجهان في أنه هل يمسح بهما وجهه قال في التهذيب اصحهما أنه لا يمسح *

(3/449)


قال (الركن الخامس السجود وأقله وضع الجبهة علي الارض مكشوفة بقدر ما ينطلق عليه الاسم وفي وضع اليدين والركبتين والقديمن قولان فان أوجبنا وضع اليدين ففى كشفهما قولان وكشف الجبهة واجب وان سجد علي طرته (ح) أو كور عمامته (ح) أو طرف كمه المتحرك بحركته لم يجز (ح) والتنكس واجب في السجود وهو استعلاء الاسافل ولو تعذر التنكس بمرض وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها في أظهر الوجهين) *

(3/450)


الكلام في السجود في الاقل والاكمل (أما الاقل) فهذا الفصل يتكلف ببيانه وفيه مسائل (أحدها) فيما يجب وضعه علي مكان السجود ولابد من وضع الجبهة خلافا لابي حنيفة حيث قال الجبهة والانف يجزئ وضع كل واحد منهما عن الاخر ولا تتعين الجبهه * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (إذا سجدت فمكن جبهتك من الارض ولا تنقر نقرا) ولا يجب وضع جميع الجبهة علي الارض بل يكفى وضع ما يقع عليه الاسم منها وذكر القاضي ابن كج ان أبا الحسين بن القطان حكى وجها انه لا يكفى وضع البعض لظاهر خبر ابن عمر والمذهب الاول لما روى عن جابر رضي الله

(3/451)


عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدبا علي جبهته علي قصاص الشعر) ولا يجزى وضع الجبين عن وضع الجبهة وهما جانبا الجبهة وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين على مكان السجود فيه قولان (احدهما) وبه قال احمد يجب وهو اختيار الشيخ ابي على لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما

(3/452)


قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أمرت أن اسجد على سبعة اعظم على الجبهة واليدين

(3/453)


والركبتين وأطراف القدمين) ويروى علي سبعة آراب * وأظهرهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة ويروى عن مالك أيضا لانه لو وجب وضعها لوجب الايماء بها عند العجز ونقريبها من الارض كالجبهة فان

(3/454)


قلنا يجب فيكفى وضع جزء من كل واحد منها والاعتبار في اليدين بباطن الكف وفي الرجلين ببطون الاصابع وإن قلنا لا يجب فيعتمد علي ما شاء منها ويرفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع هذا هو الغالب أو المقطوع به ولا يجب وضع الانف على الارض في السجود خلافا لاحمد في إحدى الروايتين حيث قال يجب وضعه مع الجبهة لنا ما سبق من حديث جابر رضى الله عنه ومعلوم

(3/455)


أن من سجد باعلي الجبهة لا يكون أنفه علي الارض (الثانية) يجب كشف الجبهة في السجود لما روى عن خباب قال (شكونا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا -) ولا يجب كشف الجميع بل يكفى ما يقع عليه الاسم كما في الوضع ويجب أن يكون المكشوف من الموضوع على الارض فلو كشف شيئا ووضع غيره لم يجزو انما يحصل الكشف إذا لم يكن بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه فلو سجد علي طرته أو كور عمامته لم يجز لانه لم يباشر

(3/456)


بجبهته موضع السجود وقال ابو حنيفة يجوز السجود على كور العمامة علي الناصية والكم وعلي اليد ايضا

(3/457)


إذا لم تكن مرفوعة عن الارض بحيث لا يبقى اسم السجود وعن احمد روايتان كالمذهبين واختلف

(3/458)


نقل اصحابنا عن مالك * لنا حديث خباب وايضا فقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الزق جبهتك بالارض) ولو سجد علي طرف كمه أو ذيله نظران كان يتحرك بحركته قياما وقعودا لم يجز

(3/462)


ككور العمامة وان طال وكان لا يتحرك بحركته فلا بأس لانه في حكم المنفصل عنه فاشبه ما لو سجد على ذيل غيره وإذا اوجبنا وضع الركبتين والقدمين فلا نوجب كشفهما اما الركبتان فلانهما من العورة أو

(3/463)


متصلان بالعورة فلا يليق بتعظيم الصلاة كشفهما واما القدمان فلانه قد يكون ماسحا علي الخف وفى كشفهما ابطال طهارة المسح وتفويت تلك الرخصة واما اليدان إذا أوجبنا وضعهما ففى كشفهما قولان احدهما يجب

(3/464)


لحديث خباب واصحهما لا يجب لان المقصود من السجود اظهار هيئة الخضوع وغاية التواضع وقد حصل ذلك بكشف الجبهة وأيضا فلانه قد يشق ذلك عند شدة الحر والبرد بخلاف الجبهة فانها بارزة بكل حال فان أوجبنا الكشف كفى كشف البعض من كل واحدة منهما كما ذكرنا في الجبهة (الثالثة) إذا هو من الاعتدال ووضع الجبهة وسائر أعظائه علي الارض فلوضع أعالي

(3/465)


اعضائه مع الاسافل ثلاث هيئات (إحداها) أن تكون الاعالي أعلى كما لو وضع راسه علي شئ مرتفع وكان راسه أعلي من حقوه فلا يجزئه ذلك لان اسم السجود لا يقع علي هذه الهيئة فصار كما لو أكب ومدر جليه (والثانية) أن تكون الاسافل أعلي فهذه هيئة التنكس وهى المطلوبة ومهما كان المكان مستويا فيكون الحقو أعلي لا محالة وان كان موضع الراس مرتفعا قليلا فقد ترتفع أسافله وتحصل هذه الهيئة ايضا (والثالثة) ان يتساوي الاعالي والاسافل لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه

(3/466)


الاسافل ففيها تردد للشيخ ابى محمد وغيره والاظهر أنه اغير مجزية أيضا وهذا هو المذكور في الكتاب وكذلك أورد صاحب التهذيب حيث قال وحد السجود ان تكون أسافل بدنه أعلى من اعاليه فلو تعذرت

(3/467)


هذه الهيئة لمرض أو غيره فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة عليها ام يكفى انهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شئ فيه وجهان حكاهما في النهاية (اظهرهما) عند صاحب
الكتاب انه يجب وضع شئ ليضع الجبهة عليه لان الساجد يلزمه هيئة التنكس ووضع الجبهة فإذا تعذر احد الامرين يأتي بالثاني محافظة على الواجب بقدر الامكان (والثانى) انه لا يجب ذلك لان هيئة السجود فاتتة وان وضع الجبهة علي شئ فيكفيه الانحناء بالقدر الممكن وهذا اشبه بكلام الاكثرين ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الارض وقدر على وضعها علي سادة مع رعاية هيئة التنكس يلزمه ذلك ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف كما تقدم نظيره هذا شرح مسائل الكتاب: واما ما يتعلق بالفاظه (فقوله) واقله وضع الجبهة يجوز أن يعلم بالحاء لان عنده الجبهة غير متعينة كما سبق (وقوله) مكشوفة كذلك لان عنده يجوز أن يسجد على كور العمامة وقوله بقدر ما ينطلق عليه الاسم يجوز ان يرجع إلي القدر الموضوع منها ويجوز أن يرجع إلى المكشوف

(3/468)


وعلى التقديرين فليعلم بالواو اشارة إلى الوجه الذى حكاه ابن القطان (وقوله) فان اوجبنا وضع اليدين ففى كشفهما قولان بعد ذلك القولين فيهما وفي الركبتين والقدمين جميعا ففيه تنبيه علي ان كشف الركبتين والقدمين لا يجب لا خلاف (وقوله) وكشف الجبهة واجب لا حاجة إليه بعد قوله اولا مكشوفة واعلم انه يعتبر في اقل السجود وراء ما ذكره امور (احدها) الطمأنينة كما في الركوع خلافا لابي حنيفة وكانه ترك ذكرها ههنا اكتفاء بما سبق (والثانى) لا يكفى في وضع الجبهة الامساس بل يحب ان يتحامل علي موضع سجوده بثقل راسه وعنقه حتى تستقر جبهته وتثبت قال صلى الله عليه وسلم (مكن جبهتك من الارض) فلو كان يسجد علي قطن أو حشيش أو علي شئ محشو بهما فعن الشيخ ابى محمد انه ينبغي ان يتحامل قدر ما يظهر اثره علي يده لو فرضت تحته وقال في التهذيب

(3/469)


ينبغى ان يتحامل عليه حتى ينكنس وتثبت جبهته عليه فان لم يفعل لم يجزه والكلامان متقاربان وقال امام الحرمين بل يكفى عندي ان يرخي رأسه ولا يقله ولا حاجة إلى التحامل كيفما فرض موضع السجود لان الغرض ابداء هيئة التواضع وذلك لا يحصل بمجرد الامساس فانه مادام يقل رأسه كان كالضنين بوضعه فإذا ارخي حصل الغرض بل هو اقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل واليه الاشارة بقول عائشة رضى الله عنها (رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في سجوده كالخرقة البالية) وهذا

(3/470)


ما أورده المصنف في الوسيط (الثالث) ينبغي ان لا يقصد بهويه غير السجود فلو سقط علي الارض من الاعتدال قبل قصد الهوى للسجود لم يحسب بل يعود الي الاعتدال ويسجد منه ولو هوى ليسجد فسقط على الارض بجبهته نظران وضع جبهته علي الارض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود وان لم تحدث هذه النية يحسب ولو هوى ليسجد فسقط علي جنبه فانقلب واتى بصورة السجود على قصد الاستقامة والاشتداد لم يعتد به وان قصد السجود اعتد به والله اعلم * قال (اما اكمل السجود فليكن اول ما يقع منه على الارض ركبتاه (ح م) وليكبر عند الهوى ولا يرفع اليد ويقول سبحان ربى الاعلي ثلاث مرات ويضع الانف مع الجبهة مكشوفا ويفرق بين ركبتيه ويجافى مرفقيه وجنبيه ويقل بطنه عن فحذيه وهو التخويه والمراة لا تخوى ويضع يديه بازاء منكبيه منشورة الاصابع ومضمومتها) *

(3/471)


السنة أن تكون أول ما يقع من الساجد علي الارض ركبتاه ثم يداه ثم أنفه وجبهته خلافا لمالك حيث قال يضع يديه قبل ركبتيه وربما خير فيه * لنا ما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) ويبتدئ التكبير مع ابتداء الهوى وهل يمد أو يحذف فيه ما سبق من القولين ولا يرفع اليد مع التكبير ههنا لما روى عن ابن عمر

(3/472)


رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان لا يرفع يديه في السجود) ويقول في سجوده سبحان ربي الاعلي ثلاثا لما روينا من الخبر في فصل الركوع وذلك أدناه والافضل أن يضيف إليه ما روى عن علي رضى الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه كان يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذا أتم الكمال وما ذكرناه في فصل الركوع ان المستحب لذمام ماذا وللمنفرد ماذا يعود كله ههنا ويستحب للمنفرد أن يجتهد في الدعاء في سجوده ويضع الساجد الانف مع الجبهة مكشوفا لما روى عن أبى حميد قال (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم
إذا سجد مكن أنفه وجبهته من الارض ونجى يديه عن جنبيه ووضع كيفيه حذو منكبيه ويجوز أن يعلم قوله ويضع الانف بالالف لانه معدود من السنن وقد بينا ان احدى الروايتين عن احمد ان الجمع بين وضع الانف والجبهة واجب ويستحب له أن يفرق بين ركبتيه وبين مرفقيه وجنبيه وبين بطنه وفخذيه: أما التفريق بين الركبتين فمنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الاخبار وأما بين المرفقين والجنبين

(3/473)


فقد رواه أبو حميد كما سبق وأما بين البطن والفخذين فقد روى عن البراء رضى الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذه الجملة يعبر عنها بالتخوية وهو ترك الخرواء بين الاعضاء روى انه صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد خوي في سجود) والمرأة لا تفعل ذلك بل تضم بعضها إلى بعض فانه أتسر لها ويضع

(3/474)


يديه بازاء منكبيه لما سبق من حديث ابى حميد ولتكن الاصابع منشورة ومضمومة مستطيلة في جهة القبلة لما روى عن وائل بن حجر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد ضم اصابعه) وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة) قال الائمة وسنة أصابع اليدين إذا كانت منشورة في جميع الصلاة التفريج المقتصد الا في حالة السجود وينبغى

(3/475)


ان لا يفرش ذراعيه بل يرفعهما وأما أصابع القدمين فيوجهها الي قدميه وتوجيهها الي القبلة انما يحصل بالتحامل عليها والاعتماد علي بطونها وقال في النهاية الذى صححه الائمة انه يضع أطراف الاصابع علي الارض من غير تحامل والاول أظهر والله أعلم * قال (ثم يجلس مفترشا (ح) بين السجدتين حتي يمئن ويضع يديه قريبا من ركبتيه منشورة الاصابع ويقول اللهم اغفر لى واجبرني وعافني وازرقني واهدنى) *

(3/476)


يجب أن يعتدل جالسا بين السجدتين خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا لا يجب بل يكفى ان يصير الي الجلوس اقرب وربما قال اصحاب ابي حنيفة يكفى أن يرفع رأسه قدر ما يمر السيف

(3/477)


* عرضا بين جبهته وبين الارض * لنا قوله صلي الله عليه وسلم في خبر المسئ صلاته (ثم اسجد حتي تطمئن ساجدا ثم ارفع راسك حتي تعتدل جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) ويجب فيه الطمأنينة لانه

(3/478)


قد روى في بعض الروايات (ثم ارفع حتي تطمئن جالسا) وينبغى ان لا يقصد بالارتفاع شيئا

(3/479)


آخر وان لا يطول الجلوس كما ذكرنا في الاعتدال عن الركوع والسنة أن يرفع رأسه مكبرا لما تقدم من الخبر وكيف يجلس المشهور وهو الذي ذكره في الكتاب انه يجلس مفترشا لما روى عن ابى حميد الساعدي رضى الله عنه في وصفه صلاة النبي صلي الله عليه وسلم (فلما رفع رأسه من السجدة الاولى

(3/480)


ثنى رجله اليسرى وقعد عليها وحكى قول آخر أنه يضجع قدميه ويجلس يروى ذلك عن ابن عباس رضى الله عنهما فليعلم قوله مفترشا بالقاف لذلك وبالميم أيضا لان أصحابنا

(3/481)


حكوا عن مالك أنه أمر بالتورك في جميع جلسات الصلاة ويضع يديه علي فخذيه قريبا من ركبتيه منشورة الاصابع قال في النهاية ولو انعطف أطرافها على الركبة فلا بأس ولو تركها علي الارض من

(3/482)


جانبي فخذ به كان كارسالها في القيام ويقول في جلوسه اللهم اغفر لى واجبرني وعافنى وارقني واهدنى وقال ابو حنيفة لا يسن فيه ذكر: لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول ذلك ويروي وارحمني بدل واجبرني * قال (ثم يسجد سجدة أخرى مثلها ثم يجلس جلسة خفيفة للاستراحة ثم يقوم مكبرا واضعا يديه علي الارض كما يضع العاجن) *

(3/483)


مضمون الفصل مسألتان (أحداهما) أنه يسجد السجدة الثانية مثل السجدة الاولى في واجباتها ومندوباتها بلا فرق (الثانية) إذا رفع رأسه من السجدة الثانيه في ركعة لا يعقبها تشهد

(3/484)


فما الذى يفعل نص في المختصر أنه يستوى قاعدا ثم ينهض وفي الام أنه يقوم من

(3/485)


السجدة وللاصحاب فيه طريقان (أحدهما) أن فيها قولين (أحدهما) انه يقوم من السجدة الثانية ولا يجلس وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد لما روى عن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا رفع راسه من السجدتين استوى قائما) (وأصحهما) وهو المذكور

(3/486)


في الكتاب انه يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم وتسمي هذه الجلسة جلسة الاستراحة ووجهه ما روى عن مالك بن الحويرث انه رأى النبي صلي الله عليه وسلم (يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض

(3/487)


حتى يستوى) قاعدا ووصف أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين صلاة النبي صلي الله عليه وسلم (فذكر هذه الجلسة) (والطريق الثاني) قال ابو اسحق المسألة علي حالتين

(3/488)


إن كان بالمصلي ضعف لكبر وغيره جلس للاستراحة والا فلا (فان قلنا) لا يجلس المصلي للاستراحة فيبتدئ التكبير مع ابتداء الرفع وينهيه مع استوائه قائما ويعود قول الحذف كما تقدم (وان قلنا) يجلس فمتى يبتدئ التكبير فيه وجهان (أحدهما) أنه يرفع راسه غير مكبر ويبتدئ التكبير جالسا ويمده الي ان يقوم لان الجلسة للفصل بين الركنين فإذا قام منها وجب أن يقوم بتكبير كما إذا قام إلي الركعة الثالثة ويحكى هذ عن اختيار القفال (واصحهما) أنه يرفع رأسه مكبرا لما روى انه صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في كل خفض ورفع) فعلى هذا فمتى يقطع فيه وجهان (أحدهما) أنه يمده الي أن يقوم ويخفف الجلسة حتى لا يخلو شئ من صلاته عن الذكر وهذان الوجهان الاخيران كأنهما المفرعان علي أن التكبير يمد ولا يحذف وإذا

(3/489)


لم يميز الابتداء عن الانتهاء حصل في وقت التكبير ثلاثة أوجه وصاحب الكتاب أورد منها في الوسيط (الاول) الذى اختاره القفال والثانى الذى قال به ابو اسحق ولم يورد الثالث الذى هو الاظهر عند جمهور الاصحاب وكذلك

(3/490)


فعل إمام الحرمين والصيدلاني وقوله ههنا ثم يقوم مكبرا بعد قوله ثم يجلس لاختيار القفال وهو أبعد الوجوه عند الاكثرين ويجب أن يعلم قوله مكبرا بالواو اشارة الي الوجه الثاني وهو أنه يقوم عن الجلسة غير مكبر والي الوجه الثالث ايضا فانه عند القائلين به لا يقوم مكبرا إنما يقوم متمما للتكبير ولا خلاف في أنه لا يكبر تكبيرتين والسنة في هيئة جلسة الاستراحة الافتراش كذلك رواه أبو حميد ثم سواء قام من جلسة الاستراحة أو من السجدة فانه يقوم معتمدا علي الارض بيديه فلافا لابي حنيفة حيث قال يقوم معتمدا على صدور قدميه ولا يعتمد بيديه علي الارض: لنا ما روى عن مالك بن الحويرث رضى الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما رفع راسه من السجدة الاخيرة في الركعة الاولى واستوى قاعدا قام واعتمد علي الارض بيديه) وعن اين عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا قام في صلاته وضع يديه علي الارض كما يضع العاجن قال صاحب المجمل العاجن هو الذى إذا نهض اعتمد على يديه كبرا كأنه يعجن أي الخمير ويجور أن يكون معنى الخبر كما يضع عاجن الخمير وهما متقاربان

(3/491)


قال (الركن السادس التشهد) الاول سنة والقعود فيه علي هيئة الافتراش (م) لانه مستوفز للحركة والمسبوق يفترش في التشهد الاخير لاستيفازه ومن عليه سجود السهو هل يفترش فيه خلاف والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى ويجلس عليها وينصب القدم اليمنى ويضع اطراف الاصابع علي الارض والتورك سنة في التشهد الاخير (ح) وهو أن يضع رجليه كذلك ثم يخرجهما من جهة يمينه ويمكن وركه من الارض) *

(3/492)


أدرج في هذا الركن اركانا ثلاثة (القعود) (والتشهد) (والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم) ولو فصل
العقود والتشهد والصلاد علي النبي صلي الله عليه وسلم عنهما لجاز كما فصل القيام عن القراءة فان القيام للقراءة كالقعود لهما وهكذا فعل في ترجمة الاركان وعدها ثلاثة: وففه الفصل أن التشهد والقعود ينقسمان إلى واقعين في آخر الصلاة كتشهد الصبح وتشهد الركعة الرابعة من الظهر والي واقعين لا في آخر

(3/493)


الصلاة كالتشهد بعد الثانية من الظهر (فالاول) من القسمين مفروض مسنون ثم لا يتعين للعقود هيئة متعينة فيما يرجع إلى الاجزاء بل يجزئه القعود علي أي وجه كان لكن السنة في العقود في آخر الصلاة التورك وفي العقود الذى لا يقع في إخرها الافتراش وقال احمد إن كانت الصلاة ذات تشهدين تورك في الاخر وان كانت ذات تشهد واحد افترش فيه والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى بحيث يلي ظهرها الارض ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع أطراف اصابعها علي الارض موجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج رجليه وهما علي هيئتهما في الافتراش من جهة يمينه ويمكن الورك من الارض وقال ابو حنيفة السنة في العقودين

(3/494)


الافتراش وقال مالك السنة فيهما التورك: لنا ما روي عن أبى حميد الساعدي انه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (فإذا جلس في الركعتين جلس علي رجله اليسرى ونصب اليمني فإذا جلس في الركعة الاخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى وقعد علي مقعدته) والفرق من جهة المعنى ان المصلي في التشهد الاول مستوفز للحركة يبادر إلى القيام عند تمامه وذلك عن هيئة الافتراش أهون وأما الجلسة الاخيرة فليس بعدها عمل فيناسبها التورك الذى هو هيئة السكون والاستقرار ويترتب على هذه القاعدة مسألتان (احداهما) المسبوق إذا جلس مع الامام في تشهده الاخير يفترش ولا يتورك نص عليه لانه مستوفز يحتاج الي القيام عند سلام الامام ولانه ليس آخر صلاته والتورك انما ورد في آخر الصلاة وحكى الشيخ ابو محمد وجها عن بعض الاصحاب انه يتورك متابعة لامامه وذكر ابو الفرج البزار ان ابا طاهر الزيادي حكي في المسألة - هذين الوجهين ووجها ثالثا (انه) ان كان محل تشهد المسبوق كأن ادرك ركعتين من صلاة الامام جلس منتصبا والا جلس متوركا لان أصل الجلوس لمحض المتابعة فيتابعه في هيئته أيضا والاكثرون علي الوجه الاول (الثانية) إذ قعد في التشهد الاخير وعليه سجود سهو فهل يفترش ام
يتورك فيه وجهان (احدهما) يتورك لانه قعود آخر الصلاة وقال الرويانى في التلخيص وهو ظاهر المذهب

(3/495)


(والثاني) انه يفترش ذكره القفال وساعده الاكثرون لانه يحتاج بعد هذا القعود إلي عمل وهو السجود فاشبه التشهد الاول بل السجود عن هيئة التورك أعسر من القيام عنها فكان اولي بان لا يتورك وايضا فلانه جلوس يعقبه سجود فاشبه الجلوس بين السجدتين وينبغي ان يعلم قوله والتشهد الاول مسنون بالالف لان احمد يقول بوجوبه: لنا أنه صلي الله عليه وسلم (قام من اثنين من الظهر أو العصر ولم يجلس فسبح الناس به فلم يعد فلما كان آخر صلاته سجد سجدتين ثم سلم) ولو كان واجبا لعاد إليه ولما جبره السجود ولا تخفي سائر المواضع المستحقة للعلامات (وقوله) ويضع اطراف الاصابع علي الارض كذلك أي منتصبة (وقوله) في التورك ان يضجع رجليه كذلك أي عمل هيئتهما في الافتراش فاليمني منصوبة مرفوعة العقب واليسرى مضجعة * قال (ثم اليد اليسرى علي طرف الركعة منشورة مع التفريج المقتصد واليد اليمنى يضعها كذلك لكن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة وفي الابهام أوجه (قيل) يرسلها (وقيل) يحلق الابهام والوسطى (وقيل) يضمها إلي الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثا وعشرين ثم يرفع مسبحته في الشهادة عند قوله الا الله وفي تحريكها عند الرفع خلاف) *

(3/496)


السنة في التشهدين جميعا ان يضع يده اليسرى علي فخذه اليسرى لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) وينبغي ان ينشر أصابعه ويجعلها قريبة من طرف الركبة بحيث تسامت رؤسها الركبة وهل يفرج بين أصابع اليسرى أو يضمها الذى ذكره في الكتاب أنه يفرج تفريجا مقتصدا وهذا هو الاشهر الا تراهم قالوا لا يؤمر بضم الاصابح مع نشرها إلا في السجود علي ما قدمناه وحكى الكرخي وغيره من أصحاب الشيخ ابى حامد أنه يضم بعضها إلى بعض حتي الابهام ليتوجه جميعها إلي القبلة وهكذا ذكر القاضي الرويانى فليكن قوله مع التفريج معلما بالواو وأما كونه مقتصدا فليس من خاصية هذا الموضع بل لا يؤمر بالتفريج المتفاحش في موضع ما اما اليد اليمنى فيضعها على طرف الركبة
اليمنى كما ذكرنا في اليسرى وهو المراد من قوله فيضعها كذلك ولكن لا ينشر جميع أصابعه بل يقبض الخنصر والبنصر ويرسل المسبحة وفيما يفعل بالابهام والوسطي ثلاثة اقاويل أحدها انه يقبض الوسطى مع البنصر ويرسل

(3/497)


الابهام مع المسبحة لما روى انه ابا حميد الساعدي وصف رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر انه كان يفعل هكذا) والثانى أنه يحلق بين الابهام والوسطي لما روى عن وائل بن حجر ان النبي صلي الله عليه وسلم فعل هكذا) وفي كيفية التحليق وجهان (احدهما) أنه يضع أنملة الوسطي بين عقدتي الابهام (وأصحهما)

(3/498)


انه يحلق بينهما برأسيهما والقول (الثالث) وهو الاصح انه يقضبها لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى علي فخذه اليمني وقبض أصابعه كلها وأشار بالاصبع التي تلى الابهام) وفي كيفية وضع الابهام على هذا القول وجهان (أحدهما) أنه يضعها علي أصبعه الوسطى كانه عاقد ثلاثة وعشرين لما روي عن ابن الزبير رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يضع ابهامه عند الوسطي) وأظهرهما انه يضعها بجنب المسبحة كانه عاقد ثلاثة وخمسين لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليمني علي ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين واشار بالسبابة) ثم قال ابن الصباغ وغيره كيفما فعل من هذه الهيئات فقد أتى بالسنة لان الاخبار قد وردت بها جميعا وكأنه صلي الله عليه وسلم كان يضع مرة

(3/499)


هكذا ومرة هكذا وعلى الاقوال كلها فيستحب له أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة الا الله خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يرفعها * لنا ما سبق انه كان يشير بالسبابة وهل يحركها عند الرفع فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى عن وائل رضي الله عنه قال (ثم رفع رسول الله صلي الله عليه وسلم أصبعه فرأيته يحركها) (وأصحهما) لا لما روى عن ابن الزبير رضي الله عنه (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان ى يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره اشارته) (وقوله) في الكتاب ويقبض الخنصر والبنصر والوسطى ان أراد بالقبض ههنا القدر الذى يشارك فيه الوسطى الخنصر والبنصر وهو ترك البسط
والارسال فهذا لا خلاف فيه وان أراد أنه يصنع بالوسطي ما يصنع بالخنصر والبنصر فهذا تنازع فيه قول التحليق فاعرفه واما التعبير عن الخلاف المذكور بالاوجه فانما اقتدى فيه بامام الحرمين

(3/500)


وعامة الاصحاب حكوه أقوالا منصوصة للشافعي رضى الله عنه معزية إلى كتبه (وقوله) يرسلها هو القول الاول والتحليق (الثاني) والذى ذكره آخر أحد الوجهين على القول الثالث (وقوله) ثم يرفع

(3/501)


معلم بالحاء (وقوله) عند قوله الا الله يجوز ان يعلم بالواو لان الكرخي حكى وجهين في كيفية الاشارة بالمسبحة (اصحهما) انه يشير بها وقت التشهد وهو الذى ذكره الجمهور (والثاني) أنه يشير بها في جميع التشهد *

(3/502)


قال (أما التشهد الاخير فواجب (ح م) والصلاة علي الرسول عليه السلام واجبة معه (ح م) وعلي الال قولان وهل تسن الصلاة على الرسول في الاول قولان) * القعود للتشهد الاخير والتشهد فيه واجبان خلافا لابي حنيفة حيث قال القعود بقدر التشهد واجب ولا يجب قراءة التشهد فيه ولمالك حيث قال لا يجب لا هذا ولا ذاك.
لنا أن ابن مسعود رضى الله عنه قال (كانا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام علي جبريل) الي آخره دل علي انه قد فرض ثم التشهد الاخير انما يكون لصلاة لها تشهد أول وقد تكون الصلاة بحيث لا يشرع فيها الا تشهد واحد كالصبح والجمعة فحكمه حكم التشهد الاخير في ذات التشهدين والعبارة الجامعة أن يقال: التشهد الذى يعقبه التحلل عن الصلاة واجب وتجب الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الواجب خلافا لابي حنيفة ومالك * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة الا بطهور والصلاة على) وهل تجب الصلاة علي الال فيه قولان

(3/503)


وبعضهم يقول وجهان (أحدهما) تجب لظاهر ما روى انه قيل يا رسول كيف نصلي عليك فقال (قولوا

(3/504)


(اللهم صلي علي محمد وعلي آل محمد (واصحهما) لا وانما هي سنة تابعة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهل يسن الصلاة علي الرسول في التشهد الاول فيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد لا لانها

(3/505)


مبنية علي التخفيف روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان في التشهد الاول كمن يجلس علي الرضف) وهي الحجارة المحماة وذلك يشعر بانه ما كان يطول بالصلاة الدعاء (وأصحهما) ويروي عن مالك أنها تسن لانها ذكر يجب في الجلسة الاخيرة فيسن في الاولي كالتشهد وأما الصلاة فيه علي الآل فتبنى علي ايجابها في التشهد الاخير ان أوجبناها ففى استحبابها في الاول الخلاف المذكور في الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم وان لم نوجبهها وهو الاصح فلا نستحبها في الاول وإذا قلنا لا تسن

(3/506)


الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في الاول فصلي عليه كان ناقلا للركن الي غير موضعه وفي بطلان الصلاة به كلام يأتي في باب سجود السهو وكذا إذا قلنا لا يصلي علي النبي صلي عليه وسلم في

(3/507)


القنوت وهكذا الحكم إذا أوجبنا الصلاة على الآل في الاخير ولم نستحبها في الاول فاتي بها وآل النبي صلي الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب نص عليه الشافعي رضى الله عنه وفيه وجه أن كل مسلم آله * قال (ثم أكمل التشهد مشهور وأقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهو القدر المتكرر في جميع الروايات واوجز ابن سريج بالمعنى وقال التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام علينا وعلي عباد

(3/508)


الله الصالحين أشهد ان لا إله الا الله وان محمدا رسوله) * الكلام في أكل التشهد ثم في اقلة: أما أكمله فاختار الشافعي رصي الله عنه ما رواه ابن عباس
رصي الله عنهما وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله

(3/509)


وبركاته سلام علينا وعلي عباد الله الصالحين اشهد ان لا إله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله هكذا روى الشافعي رضى الله عنه وروى غيره السلام عليك السلام علينا باثبات الالف واللام وهما صحيحان ولا فرق وحكى في النهاية عن بعضهم أن الاصل اثبات الالف واللام وقال ابو حنيفة واحمد الافضل ما رواه ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم وهو (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله) وقال مالك الافضل ان يتشهد بما علمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس علي المنبر وهو (التحيات لله الزاكيات لله الطيبات

(3/510)


لله الصلوات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) كما رواه ابن مسعود رضى الله عنه ووجه اختيار الشافعي رضي الله عنه يستوى في الخلاف عن أن الامر فيه قريب فان الفضيلة تتأدى بجميع ذلك ثم جمهور الاصحاب علي أنه لا يقدم التسمية لما روي انه صلي الله عليه وسلم كان اول ما يتكلم به عند القعدة التحيات لله وعن أبى علي الطبري وغيره من اصحابنا أن الافضل أن يقول

(3/511)


بسم الله وبالله التحيات ويروى بسم الله خير الاسماء نقل عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابنا أن الافضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات والطيبات لله ليكون آتيا بما اشتملت عليه الروايات كلها: واما الاقل فالمنقول عن نص الشافعي رضي الله عنه أن أقل التشهد التحيات لله سلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلي عباد الله الصالحين اشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله هكذا روى اصحابنا العراقيون وتابعهم القاضى الروياني وكذا صاحب التهذيب الا انه نقل واشهد ان محمدا رسوله واسقط الصيدلاني في نقل نصه كلمة وبركاته وجعل صيغة الشهادة الثانية واشهد ان محمدا رسول الله وهذا هو الذى أورده في الكتاب وحكاية القاضى بن كج فإذا حصل الخلاف في المنقول عن الشافعي
رضى الله عنه في ثلاثة مواضع (أحدها) في كلمة وبركاته (والثاني) في كلمة وأشهد في الكرة الثانية (والثالث) في لفظ الله في الشهادة الثانية فمنهم من اكتفى بقوله رسوله ثم نقلوا عن ابن سريج في الاقل طريقة أخرى وهى التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام علي عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسوله هذا ما ذكره في الكتاب ورواه طائفة وأسقط بعضهم لفظ السلام الثاني واكتفى بان يقول أيها النبي وعلي عباد الله الصالحين وأسقط بعضهم لفظ الصالحين ويحكى هذا عن الحليمي ووجه ذلك بان لفظ العباد مع الاضافة ينصرف غالبا إلي الصالحين كقوله تعالي (عينا يشرب بها عباد الله) ونظائره فاستغنى بالاضافة عنه ثم قال الائمة كأن الشافعي رضى الله عنه اعتبر

(3/512)


في حد الاقل ما رآه مكررا في جميع الروايات ولم يكن تابعا لغيره به الروايات أو كان تابعا لغيره جوز حذفه وابن سريح نظره إلي المعنى وجوز حذف ما يتغير به المعنى واكتفى بذكر السلام عن الرحمة والبركة وقال وابن بدخولها فيه: وقوله في الكتاب وهو القدر المتكرر في جميع الروايات وأوجر ابن سريج بالمعني الشارة إلي هذا الكلام لكن لم بتعرض إلا للتكرر في جميع الروايات ولابد من التعرض للوصف الاخير وهو أن لا يكون تابعا للغير وإلا فالصلوات والطيبات متكررة جميع الروايات وقد جوز حذفها * واعلم أن ما ذكره الاصحاب من اعتبار التكرر وعدم التبعية أن جعلوه ضابطا لحد الاقل فذلك وان عللوا حد الاقل به ففيه إشكال لان التكرر في الروايات يشعر بانه لابد من القدر المتكرر فاما انه مجزى فلا ومن الجائر أن يكون المجرى هذا القدر مع ما تفردت به كل رواية: ولك أن قوله في طريقة الشافعي رضى الله عنه وأشهد في الكرة الثانية بالواو وكذا كلمة السلام الثاني والصالحين في طريقة ابن سريج اشارة إلى ما سبق من الخلاف *

(3/513)


قال (ويقول بعد اللهم صلى علي محمد علي آل محمد ثم ما بعده مسنون إلي قوله حميد مجيد ثم الدعاء بعده مسنون وليخير كل من الدعاء أعجبه إليه)

(3/514)


أقل الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم أن يقول اللهم صل على محمد ولو قال صلي الله
علي محمد أو صلي الله علي رسوله جاز وفي وجه يجوز أن يقتصر علي قوله صلي الله عليه وسلم والكناية ترجع الي ذكر محمد صلي الله عليه وسلم في كلمة الشهادة وهذا نظر الي المعنى: وأقل الصلاة على الال أن يقول وآله ولفظ الكتاب يشعر بأنه يجب أن يقول وعلي آل محمد لانه ذكر ذلك ثم حكم بان ما بعده مسنون والاول هو الذى ذكره صاحب التهذيب وغيره والاولى أن يقول اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي ابراهيم وعلي آل ابراهيم وبارك علي محمد

(3/515)


وعلي آل محمد كما باركت علي ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد.
روى كعب بن عجرة أن النبي صلي الله عليه وسلم سئل عن كيفية الصلاة عليه فامرهم بذلك قال الصيدلانى ومن الناس من يزيد وارحم محمدا: وآل محمد كما رحمت علي ابراهيم وربما يقول كما ترحمت على ابراهيم قال وهذا لم يرد في الخبر وهو غير فصيح فانه لا يقال ترحمت عليه وانما يقال رحمته وأما الترحم ففيه معنى التكلف والتضنع فلا يحسن اطلاقه في حق الله تعالي * ثم يستحب الدعاء في التشهد الاخير بعد الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم وعلي آله وأن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والاخرة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يدعو الا بما يشبه الفاظ القرآن والادعية المأثورة عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا يدعو بما يشبه كلام الناس ومن اصحابه من قال يجزى الدعاء بما لا يطلب الا من الله تعالي فاما إذا دعا بما يمكن أن يطلب من الآدميين بطلت صلاته: وقال احمد إذا قال اللهم ارزقني جارية حسناء ونحو ذلك فسدت صلاته * لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه في آخر حديث التشهد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ثم ليتخير من الدعاء اعجبه إليه فيدعو) وروى أنه قال (وليدع بعد ذلك بما شاء) والافضل أن يكون دعاؤه لامور الاخرة وما ورد في الخبر أحب من غيره ومن ذلك (اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما اعلنت وما اسررت وما اسرفت وما انت اعلم به منى انت المقدم وانت المؤخر لا إله

(3/516)


إلا أنت) وايضا (اللهم اني اعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسسيح الدجال) وايضا (اللهم انى اعوذ بك من المأثم والمغرم) (اللهم انى ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك انك انت الغفور الرحيم) وقوله ثم الدعاء بعده مسنون
أي في التشهد الاخير فاما في الاول فيكره بل لا يصلي على الال ايضا علي الصحيح كما سبق ويجوز ان يعلم قوله مسنون بالواو لانه يقتضى الاستحباب مطلقا وقد ذكر الصيدلاني في طريقته أن المستحب للامام أن يقتصر علي التشهد والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ليخفف علي من خلفه فان دعا جعل دعاءه دون قدر التشهد ولا يطول وأما المنفرد فلا بأس له بالتطويل هذا

(3/517)


ما ذكره والظاهر الذى نقله الجمهور أنه يستحب للامام الدعاء كما يستحب لغيره ثم الاحب أن يكون الدعاء أقل من النشهد والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم لانه تبع لهما فان زاد لم يضر الا ان يكون اماما فيكره له التطويل وقوله وليتخير معلم بالحاء والالف لما روينا ويجوز أن يعلم بالواو ايضا لان امام الحرمين حكى في النهاية عن شيخه انه كان يتردد في مثل قوله اللهم ارزقني جارية صفتها كذا ويميل إلى المنع منه وانه يبطل الصلاة * قال (فرع العاجز عن التشهد يأتي بترجمته كتكبيرة التحرم والعاجز عن الدعاء بالعربية لا يدعو بالعجمية بحال وفى سائر الاذكار هل يأتي بتجمتها بالعجمية فيه خلاف) * لا يجوز لمن احسن التشهد بالعربية ان يعدل الي ترجمته كالتكبير وقراءة الفاتحة فان عجز أتى بترجمته كتكبيرة الاحرام بخلاف القرآن لا يأتي بترجمته لان نظمه معجز كما سبق والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم وعلي الال ان اوجبناها كالتشهد واما ما عدا الواجبات من لالفاظ المشروعة في الصلاة إذا عجز عنها بالعربية فقد قسمها المصنف قسمين (احدهما) الدعاء فمنعه من ان يدعو بالعجمية مطلقا (والثاني) سائر الاذكار كثناء الاستفتاح والقنوت وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود فقد روى منها في الوسيط ثلاثة أوجه (أحدها) ليس له أن يأتي بترجمتها لانها مسنونة لا ضرورة الي الاتيان بها (والثانى) أنه يأتي بمعانيها ويقيمها مقام العربية كالتكبير والتشهد (والثالث) ما يجبر تركه بالسجود يأتي بترجمته ومالا فلا وقضية هذه الطريقة المنع من أن يأتي بالترجمة عند القدرة على العربية بطريق الاول ولم يجعل امام الحرمين الدعاء قسما على اطلاقه لكن قال ليس للمصلي أن يخترع دعوة بالعجمية يدعو بها في صلاته وان كان له أن يدعو بغير
الدعوات المأثورة بالعربية ثم حكي الوجوه الثلاثة في الاذكار المسنونة وايراده يشعر بالمنع من الذكر المخترع كالدعاء المخترع وتطرد الوجوه في الدعاء المسنون كما في سائر الاذكار المسنوية ولا فرق وصرح سائر الاصحاب بهذا الذى أشعر به كلامه فقالوا إذا عجز عن الاذكار العربية والادعية المسنونة هل يأتي بترجمتها فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لا ضرورة إليها بخلاف الواجبات (واصحهما)

(3/518)


نعم ليجوز فضلها ولو أحسن العربية فهل يجوز له أن يأتي بالترجمة فيه وجهان (أصحهما) لا يجوز كما في التكبير والتشهد ولو فعل تبطل الصلاد ذكر في التهذيب هذين الوجهين فيما إذا دعا بالعجمية مع القدرة علي العربية واطلقهما في بعض التعاليق في جميع الاذكار إذا عرفت ذلك فقوله والعاجز عن الدعاء لا يدعو بالعجمية بحال ان اراد به الدعاء المخترع الذى لم يؤثر كما ذكره امام الحرمين فلا يلزم منه المنع من ان ياتي العاجز بترجمة الدعاء المسنون بعد التشهد جزما بل يجرى فيه الخلاف المذكور في سائر الاذكار وان اراد به مطلق الدعاء فما الفرق بين الدعاء المسنون وبين التسبيح المسنون ولم يمنع من ترجمة احدهما جزما ويجعل ترجمة الآخر علي الخلاف ويلزم على ذلك أن لا يأتي بترجمة اللهم اغفر لي وارحمني في الجلوس بين السجدتين وظاهر لفظه الاحتمال الثاني ولذلك اعلم بالواو اشارة إلى الوجه المجوز للترجمة مع القدرة علي العربية فانه اولي بتجويزها عند العجز ويجوز أن يعلم بالحاء ايضا لان ابا حنيفة بجوز ترجمة القرآن وان كان قادرا على نظمه فترجمة الدعاء عند العجز أولي بأن يجوزها واعلم انه إذا حمل كلامه على المحمل الثاني أشبه أن يكون هو منفردا بنقل الفرق بين الدعاء وغيره والله اعلم) * قال (الركن السابع السلام وهو واجب ولا يقوم (ح) مقامه اضداد الصلاة واقله أن يقول السلام عليكم ولو قال سلام عليكم فوجهان وفي اشتراط نية الخروج وجهان وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين (ح م) في الجديد مع الالتفات من الجانبين بحيث ترى خداه ومع نية السلام علي من علي جانبيه من الجن والانس والملائكة والمقتدى ينوى الرد علي امامه بسلامه) *

(3/519)


(لما وصف السلام بكونه ركنا فلو لم يقل وهو واجب لما ضره لان ركن الصلاة لابد وان يكون واجبا وإذا ذكرهما فينبغي أن يعلما بالحاء وكذلك قوله ولا يقوم مقامه اضداد الصلاة لان عند ابي حنيفة لو أتي بما ينافي الصلاة اختيارا من حديث أو كلام خرج به عن الصلاة وقام مقام السلام قال ولو كان ناسيا فلا يخرج به من الصلاة ولا تبطل صلاته لكن يتوضأ ويبنى ولو وقع ذلك من غير اختياره كانقضاء مدة المسح ورؤية المتيمم الماء في الصلاة تبطل صلاته: لنا قوله صلي الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) جعل التحليل بالتسليم فوجب أن لا يحصل بغيره ثم القول في أقل السلام وأكمله: أما الاقل فهو أن يقول السلام عليكم ولابد من هذا النظم لان النبي صلي الله عليه وسلم كذلك كان يسلم وهو كاف لانه تسليم وقد قال صلي الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) ولو قال سلام عليكم فوجهان (أحدهما) أنه لا يجزئه لانه نقص الالف واللام فاشبه ما لو قال سلام عليكم من غير تنوين وأظهرهما أنه يجزئه ويقوم التنوين مقام الالف واللام كما في التشهد يجزئه السلام وسلام ولو قال السلام عليكم فقد سبق حكمه في فصل التكبير ولا يجزئه قوله السلام عليك ولا سلامى عليك ولا سلام الله عليكم ولا السلام عليهم وما لا يجزئ فيبطل الصلاة إذا قاله عمدا سوى قوله السلام عليهم فانه دعاء لا علي وجه الخطاب وهل يجب أن ينوى الخروج من الصلاة بسلامه فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال ابن سريج وابن القاص ويحكي عن ظاهر نصه في البويطى لانه ذكر واجب في احدى طرفي الصلاة فتجب فيه النية كالتكبير ولان نظم السلام يناقض الصلاة في وصفه من حيث هو خطاب الآدميين ولهذا لو سلم قصدا في الصلاة بطلت صلاته فإذا لم يقترن به نية صارفة الي قصد التحلل كان مناقضا (والثاني) لا يجب وبه قال أبو حفص بن الوكيل وابو الحسين بن القطان ووجهه القياس علي سائر العبادات لا يجب فيها نية الخروج لان النية تليق بالاقدام دون الترك وهذا هو الاصح عند القفال واختيار معظم المتأخرين وحملوا نصه علي الاستحباب (فان قلنا) تجب نية الخروج فلا تحتاج الي تعيين الصلاة عند الخروج بخلاف حالة الشروع فان الخروج لا يكون الا عن المشروع فيه ولو عين غير ما هو فيه عمدا بطلت صلاته علي هذا الوجه ولو سهي سجد للسهو وسلم ثانيا مع النية بخلاف ما إذا قلنا لا تجب نية الخروج فانه لا يضر الخطأ في التعيين وعلي وجه الوجوب
ينبغي أن ينوى الخروج مقترنا بالتسليمة الاولي فلو سلم ولم ينو بطلت صلاته ولو نوى الخروج

(3/520)


قبل السلام بطلت صلاته ايضا ولو نوى قبله الخروج عنده فقد قال في النهاية لا تبطل صلاته بهذا ولكنه لا يكفيه بل يأتي بالنية مع السلام ويجب على المصلى أن يوقع السلام في حال القعود إذا قدر عليه: واما الاكمل فهو أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وهل يزيد علي مرة واحدة الجديد انه يستحب ان يقوله المصلي مرتين لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله) ويحكى عن القديم قولان (أحدهما) أن المستحب تسليمة واحدة لما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يسلم تسليمه واحدة تلقاء وجهه) (والثانى) أن غير الامام يسلم تسليمة واحدة ويفرق في حق الامام بين أن يكون في القوم كثرة أو كان حول المسجد لغط فيستحب أن يسلم تسليمتين ليحصل الابلاغ وان قلوا ولا لغط ثم فيقتصر على تسليمة واحدة فان قلنا يقتصر علي تسليمة فتجعل تلقاء وجهه كما روى عن عائشة رضى الله عنهما وان قلنا بالصحيح وهو انه يسلم تسليمتين فالمستحب أن يلتفت في الاولى عن يمينه وفي الاخرى عن شماله وينبغي أن يبتدئ بها مستقبل القبلة ثم يلتفت بحيث يكون انقضاؤها مع تمام الالتفات وكيف يلتفت قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر حتى يري خداه وحكى الشارحون أن الاصحاب اختلفوا في معناه (منهم) من قال معناه حتي يرى خداه من كل جانب ومنهم من قال حتى يرى من كل جانب خده وهو الصحيح لما روى أن

(3/521)


النبي صلي الله عليه وسلم (كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الايمن وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الايسر) ثم المصلى ان كان اماما فيستحب له أن ينوى بالتسليمة الاولى السلام علي من علي يمينه من الملائكة وعلي الجن والانس وبالثانية السلام علي من على يساره منهم والمأموم ينوى مثل ذلك ويختص بشئ آخر وهو انه ان كان على يمين الامام ينوى بالتسليمة الثانية الرد على الامام وان كان علي يساره ينويه بالتسليمة الاولي وان كان
في محاذاته ينويه بايهما شاء وهو في التسليمة الاولى أحب ويحسن أن ينوى بعض المأمومين الرد على

(3/522)


البعض روى عن سمرة قال (امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم علي أنفسنا وان ينوى بعضنا علي بعض) وقال علي رضي الله عنه (كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى قبل الظهر أربعا

(3/523)


وبعدها اربعا وقبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم علي الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المؤمنين) وأما المنفرد فينوي بهما السلام علي من علي جانبيه من الملائكة وكل منهم ينوى بالتسليمة الاولى الخروج من الصلاة أيضا ان لم نوجبها فقوله في الكتاب مرتين ينبغى أن يعلم بالميم لان المنقول عن مالك أن الاختيار للامام والمنفرد الاقتصار علي تسليمة واحدة وأما المأموم فيسلم تسليمتين ويروى عنه استحباب الاقتصار علي التسليمة الواحدة مطلقا وقال احمد في اصح الروايتين التسليمتان جميعا واجبتان مطلقا فيجوز ان يعلم قوله مرتين بالالف لان عنده ليس ذلك من حد الكمال ويجوز ان يعلم به قوله واقله السلام عليكم ايضا وقوله بحيث يرى خداه اراد به المعني الثاني الصحيح علي ما صرح به في الوسيط فليكن مرقوما بالواو للوجه الاول * قال (خاتمة لا ترتيب في قضاء الفوائت لكن الاحب تقديم الفائتة على المؤداة الا إذا ضاق وقت الاداء فان تذكر فائتة وهو في المؤداة اتم التي هو فيها ثم اشتغل بالقضاء) إذا فتت الفريضة وجب قضاؤها (قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من نام صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) امر المعذور بالقضاء ويلزم مثله في حق غير المعذور بطريق الاولي وينبغي ان يقضى على الفور محافظة على الصلاة وتنزيه الذمة وهل يجب ذلك فيه كلام أخرناه الي كتاب الحج لان صاحب الكتاب أورد المسالة ثم وإذا قضى فائتة الليل بالليل جهر فيها وإذا قضى فائتة النهار بالنهار لم يجهر فيها وان قضى فائتة الليل بالنهار وبالعكس فالاعتبار بوقت القضاء في اصح الوجهين وبوقت الاداء

(3/524)


في الثاني وإذا فاتته صلاة فالمستحب في قضائها الترتيب لان النبي صلي الله عليه وسلم فاتته اربع صلوات يوم الخندق فقضاها على الترتيب ولا يستحق في قضائها الترتيب وكذا لا يستحق الترتيب بين الفائتة وصلاة الوقت خلافا لمالك وأبي حنيفة واحمد: لنا أنها عبادات مستقلة والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته فلا يبقى معتبرا في القضاء كصيام ايام رمضان ولنفصل المذاهب فيه اما عندنا فيجوز تقديم الفائتة المؤخرة على المقدمة وتأخير المقدمة ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة نظر ان كان وقت الحاضرة واسعا فالمستحب له أن يبدأ بالفائتة ولو عكس صحتا وان كان الوقت ضيقا بحيث لو بدأ بالفائتة لفاتتة الحاضرة فيجب أن يبدأ بالحاضرة كيلا تفوت ولو عكس صحتا ايضا وان أساء ولو انه تذكر الفائتة بعد شروعه في صلاة الوقت اتمها سواء كان الوقت واسعا أو ضيقا ثم يقضي الفائتة ويستحب ان يعيد صلاة الوقت بعدها ولا تبطل بتذكر الفائتة الصلاة التى هو فيها روى ان النبي صلي الله عليه وسلم وسلم قال (إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلي التى نسي) وقال ابو حنيفة يجب

(3/525)


* الترتيب في قضاء الفوائت ما لم يدخل في حد التكرار بان لا تزيد علي صلوات يوم وليلة فان زادت جار التنكيس وكذا لو كان عليه فائتة ودخل وقت الحاضرد ان دخلتا مع ما بينهما في حد التكرار لم يجب اعادة الترتيب والا وجب الترتيب ولم يجز تقديم الحاضرة مع تذكر الفائتة الا ان يخشى فوت الحاضرة فله تقديمها وان تذكرها في خلال صلاة الوقت بطلت ان وسع الوقت فيقضي الفائتة ثم يعيد صلاة الوقت وان كان الوقت ضيقا فلا تبطل وان تذكرها بعد ما فرغ من صلاة الوقت فقد مضت علي الصحة ويشتغل بقضاء الفائتة ومذهب مالك يقرب من هذا لكن نقل عنه انه يستحب إذا تذكر الفائتة في خلال الحاضرة ان يتمها ثم يقضى الفائتة ثم يعيد الحاضرة ونقل ايضا أنه إذا تذكرها بعد الفراغ من الحاضرة فعلية قضاء الفائتة واعادة الحاضرة ولا يجعل النسيان

(3/526)


عذرا في سقوط الترتيب وقال احمد يجب الترتيب في قضاء الفوائت وان كثرت حتى لو تذكر فائتة ولم يعدها حتى طالت المدة وهو ياتي بصلوات الوقت فعليه فضاء تلك الفائتة واعادة جميع ما صلي بعدها قال ولو تذكر فائتة وهو في الحاضرة يجب عليه اتمامها وقضاء الفائتة واعادة الحاضرة إذا عرفت ذلك لم يخف عليك اعلام قوله لا ترتيب في قضاء الفوائت بعلامتهم جميعا وكذا اعلام قوله أتم التى هو فيها بالحاء لانها تبطل عنده وبالميم لانا نعني بقولنا أتم انه يجب عليه الاتمام ومالك لا يوجبه ولا حاجة إلى اعلامه بالالف وقوله لكن الاحب تقديم الفائتة على الموداة الا إذا ضاق

(3/527)


وقت الاداء أي فيجب تقديم المؤداة ولا يجوز تقديم الفائتة وليس سلب الا حبيبة واعلم ان هذه المسائل لا اختصاص لها بباب صفة الصلاة لكن طرفا منها مذكور في المختصر في أواخر هذا الباب فتبرك المصنف بترتيب المزني رحمه الله أو الشافعي رضي الله عنه وجعلها خاتمة الباب *

(3/528)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 4
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 4

(4/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ الجزء الرابع دار الفكر

(4/1)