فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال * (الباب السابع في صلاة التطوع وفيه فصلان) * (الاول في الرواتب وهي احدى عشرة ركعة ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء والوتر ركعة وزاد بعضهم أربع ركعات قبل العصر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر فصار سبع عشرة) .
(اختلف اصطلاح الاصحاب في تطوع الصلاة فمنهم من يفسره بما لم يرد فيه مخصوص نقل وينشئه الانسان باختياره وهؤلاء قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن) وهى التى واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومستحبات) وهي التى فعلها أحيانا ولم يواضعب عليها (وتطوعات)

(4/210)


وهى التي ذكرنا ومنهم من يرادف بين لفظتي النافلة والتطوع ويطلقهما على جميع ما سوى الفرائض وبهذا الاصطلاح ترجم صاحب الكتاب الباب واختلف اصطلاحهم في الرواتب أيضا فمنهم من قال هي النوافل المؤقتة بوقت مخصوص وعد منها التراويح وصلاة العيدين وصلاة الضحى ومنهم من قال هي السنن التابعة للفرائض وبهذا الاصطلاح يتكلم صاحب الكتاب إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان ما سوى الفرائض من الصلوات قسمان ما تسن فيه الجماعة كصلاة العيدين والكسوفين

(4/211)


والاستسقاء ولها أبواب مفردة مذكورة بعد هذا وما لا تسن فيه الجماعة وينقسم الي الرواتب وغيرها وغرض الفصل الاول من الباب الكلام في الرواتب وغرض الثاني الكلام في مراتب النوافل وبعض أحكامها: أما الاول فالرواتب ضربان الوتر وغير الوتر اما غير الوتر فقد اختلف الاصحاب في عدده قال الاكثرون عشر ركعات ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان

(4/212)


بعد المغرب وركعتان بعد العشاء لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع رسول الله صلي
الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتان بعد العشاء في بيته وحدثتني حفصة انه صلي الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين حين يطلع الفجر " قال في العدة وهذا ظاهر المذهب ومنهم من نقص ركعتي العشاء يحكى هذا عن نصه في

(4/213)


البويطي وبه قال الخضرى فيما حكاه صاحب النهاية وغيره ومنهم من زاد علي العشر ركعتين قبل الظهر مضمومتين إلى الركعتين اللتين سبق ذكرهما لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " ان النبي صلي الله عليه وسلم وسلم قال " من ثابر علي اثنتى عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتا في الجنة " أربع ركعات قبل الظهر والباقى كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومنهم من زاد على

(4/214)


هذا العدد أربع ركعات قبل العصر لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله أمر صلي

(4/215)


قبل العصر اربعا) وعن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلى قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم " ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين اخريين بعد الظهر

(4/216)


لما روي عن أم حبيبة رضى الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " من حافظ علي أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " فهذه خمسة اوجه للاصحاب وليس الخلاف في اصل الاستحباب وانما الخلاف في ان المؤكد الراتب ماذا وان شمل الاستحباب الكل ولهذا قال صاحب المهذب وجماعة ادنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الاول واتم الكمال ثمانى عشرة ركعة وهو الوجه الاخير * وعند ابى حنيفة السنة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعده واربع قبل العصر وفى رواية ركعتان: وركعتان بعد المغرب واربع قبل العشاء واربع بعده

(4/217)


وان شاء صلي ركعتين وكل أربع من ذلك فهي بتسليمة واحدة وفى استحباب ركعتين قبل المغرب
وجهان لاصحابنا منهم من قال باستحبابهما وان لم يكونا من الرواتب المؤكدة لما روى عن انس رضى الله عنه قال " صليت الركعتين قبل المغرب علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم قيل له رأكم رسول الله صلي الله عليه وسلم قال نعم فلم يأمرنا ولم ينهنا " وروى عبد الله

(4/218)


المزني رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة لمن شاء كراهية ان يتخذها الناس سنة " وبهذا الوجه قال

(4/219)


ابو اسحق الطوسي وكذلك أبو زكريا السكرى قيل إنه ذكره في شرح الغنية لابن سريج ومنهم من فال لا يستحبان لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه سئل عنهما فقال " ما رأيت أحدا علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما " وعن عمر رضي الله عنه " انه كان يضرب عليهما " وبهذ قال أبو حنيفة * واما لفظ الكتاب فقد ذكر من الاوجه الخمسة وجهين وهما الاول والرابع لكنه ضم إليها اقل الوتر وهو ركعة فصارت علي الوجه الاول احدى عشرة وعلى الوجه الثاني سبع عشرة وهى عدد الفرائض وهكذا عد ابن القاص الرواتب في المفتاح لكنه حسب الوتر ثلاث

(4/220)


ركعات ولم يحسب قبل الظهر الا ركعتين وقوله وركعتين بعد العشاء معلم بالواو للوجه الذى اختاره الخضرى وقوله والوتر ركعة بالحاء والميم لما سيأتي والله اعلم * قال (اما الوتر فسنة (ح) وعدده من الواحد الي احدى عشرة بالاوتار وفى جواز الزيادة عليه تردد لانه لم ينقل وإذا زاد على الواحدة فتشهد تشهدين في الاخيرتين على وجه وتشهدا واحدا في الاخيرة علي الوجه الثاني وهما منقولان والكلام في الاولى والاظهر ان ثلاثة مفصولة افضل من ثلاثة موصولة وان ثلاثة موصولة افضل من ركعة فرده) * قد سبق من نظم الكتاب ما يعرف كون الوتر سنة وهو اداراجه في الرواتب وعد الرواتب باسرها من صلاة التطوع والغرض من التنصيص علي كونه سنة ههنا التدرج الي بيان احكامه والتعرض لمذهب ابي حنيفة حيث قال وهو واجب قال الكرخي وروى عنه انه
فرض: لنا ما روى ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " الوتر حق مسنون فمن أحب ان يوتر بثلاث

(4/221)


فليفعل " وروى انه قال " حق وليس بواجب " ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) يجوز أن يوتر بواحدة

(4/222)


وثلاث وخمس وسبع وتسع واحدى عشرة اما الواحدة والثلاث والخمس فلما روى عن ابى أيوب رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من احب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر بثلاث فليفعل ومن احب ان يوتر بواحدة فليفعل " واما السبع فلما روى عن ابي امامة أن النبي صلى الله

(4/223)


عليه وسلم " كان يوتر بسبع ركعات " واما التسع والاحدي عشرة فلما روى عن ابى هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " اوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو احدى عشرة " واما الايتار بثلاث عشرة فقد حكي في النهاية ترددا في ثبوت النقل فيه والمذكور في الكتاب ان غاية ما نقل احدى عشرة وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج ومن تابعهما قالوا اكثر الوتر احدى عشرة وذكر صاحب التهذيب واخرون ان الغاية ثلاث عشرة ركعة ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " لم يكن يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم باكثر من ثلاث عشرة " وعن ام سلمة

(4/224)


رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف اوتر بسبع " وهل يجوز الزيادة علي الغاية المنقولة اما الاحدي عشرة أو الثلاث عشرة فيه وجهان (أحدهما) نعم لان اختلاف فعل النبي صلي الله عليه وسلم في هذه السنة يشعر بتفويض الامر إلى خيرة المصلي وأن له أن يزيد ما أمكنه وأظهرهما أنه لا تجوز الزيادة ولو فعل لم يصح وتره اقتصارا علي ما ورد النقل به كما لا تجوز الزيادة في ركعتي الفجر وسائر الرواتب * وقال أبو حنيفة الوتر ثلاث ركعات بلا زيادة ولا نقصان * وقال مالك أقل الوتر ثلاث ركعات لكن

(4/225)


ابا حنيفة يقول هي بتسليمة واحدة كالمغرب الا انه يجهر فيها جميعا: وقال مالك هي بتسليمتين لكن لا يتكلم بعد السلام ولا يحتاج الي تجديد النية للثالثة وسلم انه لو احدث في الثالثة لم تبطل الركعتان قال ولو كان مع امام أوتر بوتره ولا يخالفه وحكي في البيان عنه ان اقل الوتر ركعة واقل الشفع ركعتان وهذا في المعني كالاول ونقل عنه انه ليس للاكثر حد وذكر بعضهم ان الاكثر عنده ثلاث عشرة * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله من الواحدة بالحاء والميم وقوله الي احدى عشرة بهما وبالواو ثم في قوله وعدده من الواحدة الي احدى عشرة استدراك لفظي من جهة الحساب وهو انه جعل الواحد من العدد والحساب يمتنعون عن ذلك ويجعلون الواحد أم العدد ويقولون العدد نصف حاشيته اللتين بعدهما منه سواء وليس للواحد حاشيتان (المسألة الثانية) إذا زاد على ركعة واحدة وأوتر

(4/226)


بثلاث فصاعدا موصولة فظاهر المذهب أن له ان يتشهد في الركعة الاخيرة لا غير وله ان يتشهد في الركعتين الاخيرتين لان كلا منهما منقول روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في اخراهن " وروى عنها ايضا " أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة وبسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة وحكى في النهاية عن بعض التصانيف أن من أصحابنا من لم ير الاقتصار على التشهد الواحد مجزئا وحمل ما روى من التشهدين علي ما إذا

(4/227)


فصل بين الركعة الاخيرة وما قبلها بالسلام ونقل بعضهم عن طريقة القاضى الحسين ان الوتر بثلاث كصلات المغرب بتشهدين وتسليمة لا يجوز وربما يقول تبطل صلاته لما روى انه صلى الله عليه وسلم وسلم " كان يوتر بثلاث لا يجلس الا في اخراهن " وروى انه قال " لا توتروا بثلاث وتشبهوا بالمغرب والظاهر الاول وهو انهما سائغان وهو الذى ذكره في الكتاب ورد الخلاف الي الاولي ففى وجه الاقتصار علي تشهد واحد اولي فرقا بين صلاة المغرب والوتر إذا اوتر بثلاث وهذا ما اختاره القاضى الرويانى في الحليه وفى وجه الاتيان بتشهدين اولي كيلا يخرج عن وضع سائر الصلوات وقد اطلق كثيرون منهم صاحب التهذيب انه ان شاء فعل هكذا وان شاء هكذا ومطلق التخيير يقتضي
التسوية بينهما وقوله في الكتاب وإذا زاد علي واحدة أي ووصل وقوله والكلام في الاولى ينبغى ان يعلم بالواو لما حكينا من الوجهين ولو زاد علي تشهدين فجلس في كل ركعتين ولم يتحلل وجلس في الاخيرة ايضا لم يكن له ذلك فانه خلاف المنقول وذكر في التهذيب وجها آخر ان له ذلك كما

(4/228)


في النافلة الكثيرة الركعات (المسألة الثالثة) الايتار بثلاث مفصولة افضل ام بثلاث موصولة فيه وجوه (اظهرها) وهو الذى ذكره اصحابنا العراقيون والصيدلاني ان المفصولة افضل لما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسلم ويأمر بينهما بحوائجه (والثانى) وبه قال أبو زيد ويحكى عن نصه في القديم ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا علي جوازها واختلفوا في افراد الواحدة فالاحتراز عن الخلاف أولى (والثالث) ونسبه الموفق ابن طاهر الي الخضرى والشريف ناصر العمرى رضى الله

(4/229)


عنه ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا على جوازها واختلفوا في إفراد الواحدة فكان الوصل اولى (والثالث) ويحكى عن الشافعي ونصه في القديم انه ان كان منفردا فالفصل افضل وان كان يصلي بقوم فالوصل افضل لان الجماعة تنظم اصحاب المذاهب المختلفة فالايتار بالمجمع عليه أولي وعكس القاضى الرويانى هذا فقال انا أصل إذا كنت منفردا وإذا كنت في الجماعة افصل كيلا يتوهم خلل فيما صار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو صحيح ثابت بلا شك وهل الثلاث الموصولة افضل من ركعة فردة لا شئ قبلها أم هي افضل فيه وجوه ايضا (اصحها) وبه قال القفال ان الثلاث افضل

(4/230)


لزيادة العبادة (والثانى) ان الركعة الفردة افضل لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم علي الايتار بواحدة قال في النهاية وغلا هذا القائل فجعل الركعة الفردة افضل من احدى عشرة ركعة موصولة (والثالث) الفرق بين المنفرد والامام كما سبق *
قال (ومن شرط الوتر أن يوتر ما قبله ولا يصح (ح) قبل الفرض وفى صحته بعد الفرض وقبل النفل وجهان والمستحب ان يكون الوتر آخر تهجده بالليل ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد) * ما سبق من المسائل في كيفية الوتر وغرض هذا الفصل بيان وقنه وهو من حين يصلى العشاء إلى طلوع الفجر لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ان الله قد امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعله الله تعالي لكم فيها بين صلاة العشاء الي ان يطلع الفجر " فلو اوتر قبل صلاة

(4/231)


العشاء لم يعتد به سواء كان عامدا أو ساهيا بان ظن انه صلي العشاء أو صلي العشاء علي ظن انه متطهر ثم احدث وتوضأ واوتر ثم بان له انه كان محدثا في فرض العشاء * وعند ابى حنيفة لو اوتر قبل العشاء سهوا اعتد به: لنا القياس علي ما لو ظن دخول وقت الفريضة فصلي ثم تبين انه لم يدخل وحكى في النهاية عن بعض اصحابنا انه يعتد بالوتر قبل العشاء سواء كان عامدا أو ساهيا وعند هذا القائل يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء لا بفعل العشاء وظاهر المذهب ما تقدم ولو صلي العشاء واوتر يعدها بركعة فردة قبل ان يتنفل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (احدهما) لا يعتد به لان صفة الوتر ان يوتر ما تقدم عليه من السنن الواقعة بعد العشاء فإذا لم يوجد غيره لم يكن موترا (واظهرهما) انه يعتد به لما تقدم من الخبر وما ادعاه الاول فلا نسلم ان صفة الوتر ذلك بل يكفى كونه وترا في نفسه وعلى التسليم فانه يوتر ما قبله من فريضة العشاء فإذا قلنا لا يعتد به وترا فقد ذكر امام الحرمين انه تطوع وان لم يكن الوتر المشروع وهذا ينبغي ان يكون علي الخلاف فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل يكون تطوعا ام يبطل من اصله * واعلم ان المصنف قيد المسألتين في الوسيط اعني الايتار قبل فرض العشاء وبعده بما إذا اوتر بركعة وهذا القيد لا حاجة إليه في المسالة الاولي بل اطلق الائمة المنع وعليه يدل الخبر وأما في المسالة الثانية فهو محتاج إليه لان الناقلين للوجهين انما نقلوهما فيما إذا اوتر بركعة واحدة ليس بينها وبين فرض العشاء شئ وقوله في الكتاب وفى صحته بركعة بعد الفرض

(4/232)


وقبل وجهان يحتاج الي التقييد والاضمار معناه وفى صحة الايتار بركعة بعد الفرض
وقبل ان يتنفل بشئ سواء كان راتبة العشاء أو الشفع أو صلاة الليل والذى يسبق إلى الفهم من ظاهر اللفظ راتبه العشاء ويطلق الوتر دون الايتار بركعة وقوله من شروط الوتر ان يوتر ما قبله يبين أنه لا بد من تقدم صلاة عليه ثم هل يكفي تقدم الفرض فيه الخلاف وقوله فلا يصح قبل الفرض معلم بالحاء والواو لما روينا وأما قوله ويستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل ففى لفظ التهجد ما يغنى عن قوله بالليل لان صلاه النهار لا تسمي تهجدا بحال ثم فيه مباحثة وهى أن التهجد يقع على الصلاة بعد الهجود وهو النوم يقال تهجد إذا ترك الهجود اما الصلاة قبل النوم فلا تسمى تهجدا وإذا كان كذلك فاللفظ لا يتعرض الا لمن تهجد قمتي يوتر من لا تهجد له ثم لفظ الكتاب يقتضي تأخير المتهجد الوتر الي أن يقوم ويصلي فهل هو كذلك أم لا (ان قلتم) لا فكيف يفعل أيوتر مرة قبل النوم ومرة بعد

(4/233)


ما قام وتهجد وهذا خلاف ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا وتران في ليلة " أم يقتصر علي ما قبل النوم وحينئذ لا يكون الوتر اخر التهجد (وان قلتم) أنه يؤخر الوتر إلى أن يقوم ويصلى كما

(4/234)


يقتضيه لفظ الكتاب فهذا خلاف ما نقله في الوسيط لانه نقل الخبر المشهور ان ابا بكر رضى الله عنه " كان يوتر ثم ينام ثم يقوم ويتهجد وان عمر رضي الله عنه كان ينام قبل أن يوتر ثم يقوم ويصلي

(4/235)


ويوتر فقال النبي صلي الله عليه وسلم لابي بكر رضى الله عنه انه آخذ بالحزم وقال لعمر رضى الله عنه أنه

(4/236)


آخذ بالقوة " ثم ذكر ان الشافعي رضى الله عنه اختار فعل أبى بكر رضي الله عنه وكذلك نقل صاحب النهاية والجواب انه يستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " فان كان الرجل ممن لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها ويكون وتره آخر صلاته بالليل واما من له تهجد فقد ذكر اصحابنا

(4/237)


العراقيون ان الافضل له ان يؤخر الوتر كما نقل عن فعل عمر رضى الله عنه واحتجوا له بما روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " من خاف منكم ان لا يستيقظ آخر الليل فليوتر من أول الليل ومن طمع منكم أن يستيقظ فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة

(4/238)


وذلك افضل " وهذا هو الموافق للفظ الكتاب واما ما نقله في الوسيط فيجوز أن يجمع بينهما بحمله على من لا يعتاد قيام الليل فيقال أن الافضل له أن يقدم لانه من الانتباه علي خطر ظاهر ويجوز ان يقدر فيه اختلاف وجه أو قول وبالجملة فالامر فيه قريب وكل سائغ روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت " من كل الليل قد أوتر رسول الله صلي الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره وإذا أوتر قبل أن ينام تم قام وتهجد لم يعد الوتر " وكذلك روى عن فعل ابي بكر رضى الله عنه ومن

(4/239)


اصحابنا من قال يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعا ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويروى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما ويسمى ذلك نقض الوتر واما قوله ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد فهذا قريب من لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر والام قال الشارحون معناه أن الله تعالي امر نبيه صلي الله عليه واله وسلم بالتهجد واوجبه عليه فقال (ومن الليل فتهجد به) وقوله (نافلة لك) أي زيادة

(4/240)


وفضيلة لك ويشبه ان يكون المراد من هذا الامر الوتر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحي الليل بوتره وكان الوتر واجبا عليه روى انه صلى الله عليه وسلم قال " كتب على الوتر وهو لكم سنة وكتب علي ركعتا الضحى وهما لكم سنة " وهذا الذي ذكره يبين انه ليس (قوله) ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد لحصر التهجد في الوتر

(4/241)


حتى يكون كل تهجد وترا وانما الذى يلزم منه أن يكون كل وتر تهجدا مامورا به ويجوز ان يعلم ذلك بالواو لان القاضي الروياني حكي ان بعضهم قال الوتر غير التهجد وأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه

(4/242)


(واعلم) أن حمل التهجد في الاية على الوتر مع ما سبق ان التهجد انما يقع علي الصلاة بعد النوم مقدمتان يلزم منهما اشتراط كون الوتر بعد النوم ومعلوم انه ليس كذلك فليترك عند الدعوتين في الاية

(4/243)


قال (ويستحب القنوت في النصف الاخير من رمضان) يعنى في الوتر فان اوتر بركعة قنت فيها وان زاد قنت في الركعة الاخيرة وفى استحباب القنوت في الوتر فيما عدا

(4/244)


النصف الاخير من رمضان وجهان (أحدهما) ان الاستحباب يعم جميع السنة وبه قال أبو عبد الله الزبيري رضي الله عنه وابو الفضل بن عبدان وابو منصور ابن مهران وابو الوليد النيسابوري من اصحابنا رحمهم الله لما روى انه

(4/245)


صلي الله عليه واله وسلم كان إذا أوتر قنت في الركعة الاخيرة " وهذا مطلق وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وأظهرهما وبه قال جمهور الاصحاب ان الاستحباب يختص بالنصف الاخير من رمضان " لان عمر رضى

(4/246)


الله عنه جمع الناس علي ابي بن كعب في صلاة التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني " ولم يبد من احد انكار عليه فكان ذلك اجماعا " وعن عمر رضي الله عنه " انه قال السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يعلن الكفرة في الوتر بعدما يقول سمع الله لمن حمده " فعلي الوجه الاول لو ترك القنوت سجد للسهو كما في الصبح وعلي الوجه الثاني المشهور لو تركه في النصف الاخير سجد للسهو ولو قنت في غير النصف الاخير سهوا سجد للسهو وذكر القاضى الرويانى أن كلام الشافعي رضى الله عنه يدل علي كراهية القنوت في غير النصف الاخير فضلا عن نفى الاستحباب ثم حكي عن بعض الاصحاب وجها متوسطا وهو أنه يجوز

(4/247)


أن يقنت في جميع السنة من غير كراهية لكن لو ترك لا يسجد للسهو بخلاف ما لو تركه في النصف الاخير يسجد قال وهذا اختيار مشايخ طبرستان واستحسنه واثبت ما روى عن مالك موافقة ظاهر مذهبنا وروى عنه أنه يقنت في جميع شهر رمضان وروى في جميع السنة وقد أعلم قوله في النصف
الاخير بالحاء والميم والالف اشارة الي مذاهبها ثم لنا في موضع القنوت من الركعة وجهان (أصحهما) ويحكى

(4/248)


عن نصه في حرمله انه بعد الركوع لما روينا من حديث عمر رضى الله عنه وكما في الصبح فان ما قبل الركوع محل القراءة والقنوت دعاء فهو في موضع الدعاء حيث يقول سمع الله لمن حمده اليق (الثاني) وبه قال ابن سريج انه يقنت قبل الركوع لما روى عن ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت قبل الركوع " وأيضا فان الفرق بين الفرض والنفل مقصود كما أن خطبة الجمعة قبل الصلاة وخطبة العيدين بعدها وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وبالاول قال احمد وحكي في البيان عن بعض متأخرى الاصحاب انه يتخير بين التقديم والتأخير وانه إذا قدم كبر بعد القراءة ثم قنت وبه قال أبو حنيفة وقال في التتمة إذا قلنا يقنت قبل الركوع يبتدئ به بعد الفراغ من القراءة من غير تكبير وبه قال مالك والقنوت هو الدعاء الذى ذكرناه عن رواية الحسن ابن علي رضى الله عنهما في باب صفة الصلاة

(4/249)


واستحب الائمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قنت به وهو " اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعي ونحفد نرجوا رحمتك ونخشي عذابك ان عذابك الجد باالكفار " ملحق ثم يقول اللهم اهدنا الي آخره هكذا

(4/250)


ذكره القاضى الروياني وعليه العمل ونقل في البيان عن القاضي أبو الطيب أنه قال كان شيوخنا يدعون بقنوت عمر رضي الله عنه بعد الكلمات التى رواها الحسن رضى الله عنه فعكس الترتيب وزاد هو

(4/251)


وغيره في المنفول عن عمر رضي الله عنه اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات واصلح ذات بينهم والف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم علي ملة رسولك واوزعهم أن
يوفوا بعهدك الذى عاهدتهم عليه وانصرهم علي عدوك وعدوهم اله الحق واجعلنا منهم ونقل القاضى

(4/252)


الرويانى عن ابن القاص انه يزيد في آخر القنوت ربنا لا تؤاخذنا الي اخر السورة واستحسنه ثم حكمه في الجهر ورفع اليدين وغيرهما علي ما سبق في الصبح ويستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الاولي (سبح) وفى الثانية قل (يا أيها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله أحد) والمعوذتين روى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: وبه قال مالك وعن ابى حنيفة

(4/253)


واحمد انه يقتصر علي الاخلاص في الثالثة وقال الكرخي في مختصره ليس في الوتر قراءة سورة معلومة ولكن يقرأ في الاولى بقدر سبح وفى الثانية بقدر قل يا ايها الكافرون وفى الثالثة بقدر قل هو الله احد قال (الفصل الثاني في غير الراواتب وما شرعت الجماعة فيها كالعيدين والخسوفين والاستسقاء

(4/254)


فهي افضل من الرواتب ومن صلاة الضحي وركعتي التحية وركعتي الطواف ثم افضلها صلاة العيدين ثم الخسوفين وافضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر وفيهما قولان) النوافل علي ما قدمنا قسمان نوافل تسن فيها الجماعة ونوافل لا تسن فيها الجماعة والتى تسن فيها الجماعة افضل لان استحباب الجماعة فيها وتشبيهها فيها بالفرائض يدل علي تأكد أمرها وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء كلها من هذا القسم وأفضلها صلاة العيدين لان لها وقتا زمانيا كالفرائض وتليها صلاة الخسوفين لانه يخاف فوتهما

(4/255)


كما يخاف فوت المؤقتات بالزمان ولان النبي صلي الله عليه وسلم " ربما استسقى وربما ترك ولم يترك الصلاة عند الخسوف بحال " ثم كلام الائمة يشعر بحصر ما تسن فيه الجماعة في هذه الصلوات الخمس وربما صرحوا بذلك ولفظ الكتاب وهو قوله كالعيدين والكسوفين لا يوجب الحصر وانما يفيد التمثيل وهذا أولى لان التراويح خارجة عن الخمس والجماعة مستحبة فيها علي الاصح كما سيأتي ولك ان

(4/256)


تبحث ههنا فتقول لفظ الكتاب يقتضي ان تكون التراويح أفضل من الرواتب لان الجماعة مشروعة في التراويح وقد حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل فهل هو كذلك أم لا (والجواب) أن امام الحرمين قال من أئمتنا من سبب تفضيلها علي الرواتب إذا قلنا باستحباب الجماعة فيها لان الجماعة أقوى معتبر في التفضيل قال والاصح ان الرواتب افضل منها وان شرعنا فيها الجماعة وهذا هو الذى ذكره في العدة ووجهه بان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يداوم علي التراويح وداوم على السنن الراتبة " وعلى هذا فالقول بان ما شرع فيه الجماعة أفضل غير مجرى على اطلاقه بل صلاة التراويح مستثناة منه واما (القسم الثاني) وهو مالا تشرع فيه الجماعة فينقسم الي ما يتعلق بوقت أو فعل والى التطوع المطلق (والاول أنواع) منها الرواتب كما عددناها ومنها صلاة الضحى: عن ابى الدرداء قال " اوصاني خليلي صلي الله عليه وسلم بثلاث لا ادعهن بشئ اوصاني بصيام ثلاثة ايام من كل شهر ولا انام الا علي وتر وسبحة الضحى في الحضر والسفر " واقلها ركعتان والافضل ان يصلي ثمان ركعات

(4/257)


واكثرها اثنتا عشرة ذكره القاضي الرويانى وورد في الاخبار ويسلم من كل ركعتين روى عن أم هانئ رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي يوم الفتح سبحة الضحي ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين " ووقتها من حين ترتفع الشمس الي وقت الاستواء: ومنها تحية المسجد روى

(4/258)


انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتي يصلى ركعتين " ولو صلي الداخل فريضة أو وردا أو سنة ونوى التحية ايضا حصلا كما لو كبر وقصد اعلام الناس ولو لم ينو التحية حصلت ايضا كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره ويجوز أن يطرد فيه الخلاف المذكور فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يجزئه عن العيد والجمعة ولم ينوهما ولو صلي الداخل علي الجنازة أو

(4/259)


سجد لتلاوة أو شكر لم تحصل تحية المسجد قاله في التهذيب ويدل عليه الخبر الذى سبق فانه لم يركع
ركعتين وقضية الخبر ان لا تحصل التحية بركعة واحدة أيضا وفيها جميعا وجه آخر ومنها ركعتا الاحرام ومنها ركعتا الطواف إذا لم نوجبهما وسياتى ذكرهما في موضعهما إذا عرفت ذلك فاوكد مالا تسن له الجماعة السنن الرواتب لمداومة الرسول صلي الله عليه وسلم عليها وكثرة الترغيبات فيها وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر لان الاخبار فيهما أكثر وايهما أفضل فيه قولان (القديم)

(4/260)


ان ركعتي الفجر أفضل وبه قال أحمد لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم على شئ من النوافل أكثر تعاهدا منه علي ركعتي الفجر " وروى أنه قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وعلي هذا فيليهما في الفضيلة الوتر (والجديد) الاصح ان الوتر آكد وبه قال مالك لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من لم يوتر فليس منا " ولان الوتر مختلف في وجوبه ولا خلاف في ان ركعتي الفجر سنة وعلى هذا فما الذى يلي الوتر في الفضيلة قال جمهور الاصحاب يليه ركعتا الفجر وعن ابى اسحق أن صلاة الليل تتقدم عليهما ونقل في البيان عن بعض الاصحاب ان الوتر وركعتي الفجر يستويان في الفضيلة ثم بعد السنن الرواتب الافضل من الصلوات المذكورة

(4/261)


صلاة الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الاحرام وركعتي التحية (وقوله) في الكتاب وركعتي الطواف معلم بالقاف للقول الصائر إلى وجوبها فان شيئا من النوافل علي ذلك القول لا يكون افضل منها (وقوله) ثم أفضلها صلاة العيدين يجوز ان ترجع الكناية الي النوافل التي شرعت فبها الجماعة ويجوز ان ترجع إلى النوافل المذكورة كلها والقول في أن أفضل الرواتب ماذا وان

(4/262)


ركعتي الفجر أفضل أم الوتر كالدخيل في هذا الفصل لانه ترجمه بغير الرواتب ولو ذكره في الفصل الاول لكان أحسن (ولعلك تقول) نظم الكتاب يقتضي ان لا تكون الجماعة مشروعة في الوتر أيضا لانه حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل من الرواتب فيلزم ان لا تكون الجماعة مشروعة في الرواتب والوتر معدود من الرواتب فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) انا إذا استحببنا الجماعة في التراويح نستحبها
في الوتر أيضا وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا تستحب فيه الجماعة وبه قال أبو حنيفة وأطلق أبو الفضل بن عبدان حكاية وجهين في استحباب الجماعة في الوتر إذا عرفت ذلك فكلام الكتاب مبني على الاكثر

(4/263)


وهو ما سوى رمضان والله اعلم * قال (وتستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر رضى الله عنه وقيل الانفراد به أولي لبعده عن الرياء) * صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات وبه قال أبو حنيفة واحمد لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي بالناس عشرين ركعة ليليتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج إليهم ثم قال من الغد خشيت ان تفرض عليكم فلا تطيقونها " وعن مالك انها ست وثلاثون

(4/264)


ركعة لفعل أهل المدينة قال العلماء وسبب فعلهم ان الركعات العشرين خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط ويصلون ركعتي الطواف افرادا وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح ولا بين التراويح والوتر فاراد اهل المدينة ان يساووهم في الفضيلة فجعلوا مكان كل اسبوع من الطواف ترويحة فحصل اربع ترويحات وهى ست عشرة ركعة

(4/265)


تنضم الي العشرين والوتر ثلاث ركعات تكون الجملة تسعا وثلاثين فلذلك قال الشافعي رضي الله عنه ورأيتهم بالمدينة يقولون بتسع وثلاثين قال اصحابنا وليس لغير أهل المدينة ذلك لشرفهم بمهاجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وقبره ثم الافضل في التراويح الجماعة: والانفراد فيه وجهان ومنهم من يقول قولان (أحدهما) ان الانفراد بها أفضل ويروى هذا عن مالك رضي الله عنه لان النبي صلي الله عليه وسلم

(4/266)


" خرج ليالي من رمضان وصلي في المسجد ثم لم يخرج باقى الشهر وقال صلوا في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة " ولان الاستخلاء بالنوافل ابعد عن الرياء (واصحهما) ان الجماعة افضل لان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه جمع الناس علي ابى بن كعب رضي الله عنه ووافقه الصحابة عليه وانما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج خشية الافتراض وبهذا قال ابن سريج وابو اسحق والاكثرون ثم ذكر أصحابنا العراقيون

(4/267)


والصيدلاني وغيرهم أن الخلاف فيما إذا كان الرجل يحفظ القرآن ولا يخاف النوم والكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فاما إذا لم يحفظ أو خاف ذلك فالجماعة أولي محالة وأطلق آخرون ثلاثة أوجه في المسألة منهم القاضي بن كج وامام الحرمين (احدها) أن الانفراد أفضل علي الاطلاق (والثانى) أن الجماعة أفضل (والثالث) ان كان حافظا للقرآن آمنا من الكسل ولم تختل الجماعة بتخلفه فالافضل أن ينفرد والا فلا ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة وانما يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء

(4/268)


كما ذكرنا في الوتر * قال (ثم التطوعات لا حصر لها فان تحرم بركعة واحدة جاز له أن يتمها عشرا فصاعدا وان

(4/269)


تحرم يعشرأ جاز له الاقتصار علي واحدة وله أن يتشهد بين كل ركعتين أو في كل ركعة ان شاء والاحب مثنى مثني) *

(4/270)


التطوعات التى لا تتعلق بسبب ولا وقت لا حصر لاعدادها ولا لركعات الواحدة منها " والصلاة

(4/271)


خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر هذا لفظ الخبر المشهور عن رسول الله صلي الله عليه

(4/272)


وسلم ثم إذا شرع في تطوع فان لم ينو شيئا فله ان يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا روى أن عمر رضي الله عنه " مر بالمسجد فصلى ركعة فقيل له انما صليت واحدة فقال انما هي تطوع من شاء زاد ومن شاء نقص " وحكي الاصحاب عن نصه في الاملاء انه لو صلي من غير احصاء ثم سلم وهو لا يدرى كم صلي أجزأه قال بعض
السلف الذى صليت له يعلم كم صليت وان نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك هذا هو المشهور وحكي في البيان عن المسعودي ان له ان يصلي ثلاث عشرة ركعة بتسليمه واحدة وهل له أن يزيد فيه وجهان ثم إذا نوى عددا فله أن يزيد وله أن ينقص حتى لو تحرم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا أو بعشر فله أن يقتصر علي واحدة ولكن بشرط أن يغير النية قبل الزيادة والنقصان فلو زاد أو نقص قبل تغيير النية بطلت صلاته مثاله نوى أن يصلى ركعتين ثم قام الي الثالثة بعد ما نوى الزيادة جاز ولو قام قبلها عمدا بطلت صلاته ولو قام سهوا عاد وسجد للسهو وسلم فلو بدا له بعد القيام ان يزيد فهل يجب العود إلي القعود ثم القيام منه أم له المضي فيه وجهان (أصحهما) أولهما ثم يسجد للسهو في آخر صلاته فلو زاد ركعتين سهوا ثم نوى اكمال اربع صلى ركعتين أخريين وما سهى به لا يحسب ولو نوى أن يصلي أربعا غير نيته وسلم عن ركعتين جاز ولو سلم قبل تغيير النية بطلت صلاته ولو سلم ساهيا أتم أربعا وسجد للسهو فلو زاد اربعا وأراد بعد السلام ساهيا أن يقتصر سجد للسهو وسلم ثانيا فان سلامه الاول غير محسوب ثم ان تطوع بركعة فلا بد من التشهد فيها وان زاد فله أن يقتصر علي تشهد واحد في آخر الصلاة وهو تشهد الركن وله ان يتشهد في كل اثنتين كما في الفرائض الرباعية فلو كان العدد وترا فلا بد من التشهد في الاخيرة أيضا وهل له أن يتشهد في كل ركعة قال امام الحرمين فيه أحتمال لانا لا نجد في الفرائض صلاة علي هذه الصورة لكن الاظهر الجواز لان له أن يصلى ركعة فردة ويتحلل عنها وإذا جاز له ذلك جاز له القيام

(4/273)


منها إلى أخرى وهذا ما ذكره المصنف وسوغ له الامور الثلاثة في الوسيط واقتصر ههنا على الامر الثاني والثالث * وأعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم يرد له ذكر إلا في النهاية وفى كتب المصنف واما الاقتصار علي تشهد واحد في آخر الصلاة فلا يكون فيه خلاف لانه لو اقتصر في الفرائض عليه لجاز أيضا وأما التشهد في كل اثنتين فقد ذكره العراقيون من أصحابنا وغيرهم وقالوا انه الاولى وان جاز الاقتصار علي واحد وذكر في النهاية شيئا آخر وهو أنه لا تجوز الزيادة علي تشهدين بحال ثم ان كان العدد شفعا فلا يجوز ان يجعل بين التشهدين اكثر من ركعة وإن كان وترا فلا يجوز أن يجعل بينهما اكثر من ركعة تشبها في القسمين بالفرائض مثاله إذا صلي ستا يتشهد في الرابعة والسادسة وإذا صلي سبعا يتشهد في السادسة
والسابعة وإلي هذا مال المستمدون من كلام المراوزة ومنهم صاجب التهذيب وظاهر المذهب تجويز الزيادة علي تشهدين ثم قال في التهذيب ان صلي بتشهد واحد قرأ السورة بعد الفاتحة في الركعات كلها وان صلى بتشهدين هل يقرأ علي القولين المذكورين في الفرائض والاحب أن يسلم المتطوع من كل ركعتين على مثال الرواتب سواء كان بالليل أو بالنهار لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثني " وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب وبيان موضع العلامات (قوله) ثم التطوعات لا حصر لها أراد بالتطوع ههنا ما ينشئه الانسان باختياره ولا يتعلق بوقت ولا سبب لانه أراد بقوله لا حصر لها أنه لا حصر لركعاتها علي ما صرح به في الوسيط والظاهر أن هذا حكم منه علي كل واحد منها وفى أول الباب أراد بالتطوع مطلق النافلة كما سبق بيانه وينبغي أن يعلم قوله لا حصر لها بالحاء لان عند أبي حنيفة يكره في نوافل النهار أن تزاد علي اربع ركعات

(4/274)


بتسليمة واحدة وفى نوافل الليل ان تزاد علي ثمان ركعات وذكر صاحب البيان انه يحكم بالبطلان لو زاد علي العددين والاحب عنده في نوافل النهار أن تكون أربعا أربعا حتى في الرواتب سوى ركعتي الفجر وفى نوافل الليل يصلي بتسليمة واحدة ثمان ركعات أو ستا أو أربعا أو ركعتين ولافضل لبعضها علي بعض ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لما سبق حكايته عن المسعودي ويجوز أن يعلم قوله ان يتمها عشرا بالحاء أيضا إذ لا مزيد عنده علي ثمان ركعات وقوله جاز له الاقتصار على واحدة معلم بالميم لان عنده الشروع في التطوع ملزم إلا أن يكون هناك عذر وبالحاء لامرين (أحدهما) أن الشروع يلزم عليه

(4/275)


ركعتين (والثانى) أن الركعة الفردة ليست بصلاة عنده وعندنا هي صلاة لما سبق ولو نوى صلاة تطوع ولم ينو واحدة ولا عددا فهل يجوز الاقتصار علي واحدة حكى في التتمة فيه وجهين مبنيين على ما لو ندر صلاة مطلقة هل يخرج عن العهدة بركعة أم لا بد من ركعتين وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار على واحدة لانه وان نوى ركعتين فصاعدا يجوز له الاقتصار علي واحدة فعند الاطلاق أولي ان يجوز (وقوله) وله أن يتشهد بين كل ركعتين ينبغي أن يعلم بالواو لامرين (أحدهما) أن صاحب البيان حكى وجها انه لا يجلس الا في الاخيرة والثانى أنا حكينا عن
بعض الاصحاب انه لا يزيد علي تشهدين وان كثرت الركعات وذلك القائل لا يجوز التشهد بين كل ركعتين (وقوله) اأو في كل ركعة اعلم بالحاء لانه يقول بتشهد بين كل ركعتين وبالواو لان كثيرا من الاصحاب قالوا انه بالخيار بين أن يصلي بتشهد واحد وبين ان يتشهد بين كل ركعتين والتخيير بين الشيئين ينفى التمكن من شئ ثالث (وقوله) والاحب مثني مثنى معلم بالحاء لما سبق * قال (وأظهر الاقوال أن النوافل المؤقتة تقضي (ح م) كما تقضي الفرائض وركعتا الصبح بعد فرض الصبح أداء وليس بقضاء) * غرض الفصل يتضح برسم مسألتين (أحدهما) في وقت الرواتب وهى ضربان (أحدهما) الرواتب التى تسبق الفرائض ويبقى وقت جوازها ما بقى وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة مثاله ركعتا الفجر يدخل وقتهما بطلوع الفجر ويبقى إلى طلوع الشمس والاختيار تقديمها علي صلاة الفجر وحكى جماعة منهم صاحب البيان أن وقت ركعتي الفجر يبقي إلى الزوال ويكون اداء وان خرج وقت الفريضة (والضرب الثاني) الرواتب المتأخرة عن الفرائض فيدخل وقتها بفعل الفرائض لا بدخول وقتها كما ذكرنا في الوتر وآخر وقتها يخرج بخروج وقت الفرائض كما في الضرب الاول لانها تابعة للفرائض وحكي في التتمة في الوتر قولا آخر أن وقت الوتر يبقى إلى ان يصلى الصبح ولا يخرج بطلوع الفجر لظاهر ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صلوها ما بين العشاء إلي صلاة الصبح " وهذا

(4/276)


يشبه خلافا سيأتي ذكره في المسألة الاخرى (المسألة الثانية) النوافل تنقسم إلى مالا يتأقت وانما يفعل لسبب عارض وإلي ما يتأقت والاول لا مدخل للقضاء فيه وهو كصلاتي الخسوف والاستسقاء وتحية المسحد (والثانى) كصلاتي العيد وصلاة الضحي والرواتب التابعة للفرائض في قضائها إذا فاتت قولان مشهوران (أصحهما) وبه قال احمد انها تقضى لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولانها صلاة راتبة بوقت فتستدرك إذا فاتت كالفرائض (والثاني) وبه قال مالك انها لا تقضي كصلاة الخسوف ونحوها وهذا لان الاصل ان لا تقضى وظيفة مؤقتة أصلا لاقتضاء صيغة التأقيت اشتراط الوقت في الاعنداد بها لكن خالفنا في الفرائض لاوامر مجددة
وردت فيها لتأكدها: وعن أبي حنيفة ان فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت معها وان فاتت وحدها فلا تقضى ونقل بعض اصحابنا عن مذهبه انه لا يقضي منها الا ركعتا الفجر إذا فاتتها مع الفرض وحكي في النهاية قولا ثالثا وهو ان ما استقل منها ولم يتبع غيره كصلاة العيدين وصلاة الضحى يقضي لمشابهتهما الفرائض في الاستقلال وما كان تابعا لغيره كالرواتب لا يقضى فهذه هي الاقوال التى ذكرها في الكتاب وانما قيد بالمؤقتة ليخرج القسم الاول فانها لا تقضى بلا خلاف (التفريع) ان قلنا انها لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضى فهل تقضى أبدا فيه قولان (اصحهما) وهو اختيار المزني رحمه الله عليه نعم كالفرائض لما قضيت جاز قضاؤها ابدا (وقوله) في الكتاب كما تقضى الفرائض

(4/277)


يمكن حمله علي التشبيه في كيفية القضاء أي كما تقضى الفرائض ابدا كذلك هذه لكنه ما أراد ذلك وإنما أراد قياس أصل القضاء على الفرائض وذلك بين في عبارة الوسيط (والقول الثاني) أنها لا تقضي ابدا وعلي هذا إلى متي تقضي: اما صلاة العيد ففيها تفصيل وخلاف مذكور في الكتاب في باب صلاة العيدين واما الرواتب ففيها قولان (أحدهما) انه لا تقضى كالوتر بعد صلاة الصبح ولا ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر قال امام الحرمين وعلي هذا النسق سائر التوابع لانه إذا استفتح فريضة أخرى انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة وحكى علي هذا القول أوجها أخر أن الاعتبار

(4/278)


بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها فعلى هذا تقضي ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس فان زالت فلا (والقول الثاني) وقد نقله المسعودي عن القديم ان ما كان من صلاة النهار يقضي ما لم تغرب الشمس وما كان من صلاة الليل يقضي ما لم يطلع الفجر فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر مادام النهار باقيا (وقوله) في الكتاب وركعتا الصبح بعد فرض الصبح اداء وليس بقضاء قصد به بيان ان تأخير ركعتي الصبح الي ما بعد الفريضة لا يوجب فواتها فلا يجرى فيه الخلاف المذكور في القضاء وتقديمها مستحب لا مستحق وقد يؤمر بالتأخير بسبب يعرض كم دخل المسجد والامام يصلي الصبح فينبغي ان

(4/279)


يقتدى به ثم بعد الفراغ يشتغل بركعتي السنة وعن ابى حنيفة انه لو علم انه يدرك ركعة من الفريضة بعد الفراغ من السنة يقدم السنة لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ثم في معني ركعتي الصبح سائر التوابع المقدمة على الفرائض وذكرهما جرى على سبيل ضرب المثال وأراد بقوله بعد فرض الصبح ما لم تطلع الشمس وقد حكينا من قبل وجها أن وقتها يمتد إلي الزوال لكنه ما اراد ذلك فان المذهب الظاهر خلافه *

(4/280)


قال * (كتاب الصلاة بالجماعة) * (وفيه فصول ثلاثة (الاول في فضلها) وهى مستحبة وليسب بواجبة الا في الجمعة ولا فرض كفاية على الاظهر وتستحب للنساء (ح) والفعل في الجمع الكثير أفضل إلا إذا تعطل في جواره مسجد فاحياؤه افضل) * أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن تؤدى علي سبيل الانفراد أو بالجماعة لكن الاداء بالجماعة أفضل وهي تختص باعتبار أمور تنقسم الي معتبرة في نفس الامام وإلي غيرها فادرج لذلك مسائل هذا الكتاب في ثلاثة فصول (احدها) فيما يتعلق بفضلها (وثانيها) في الامور المعتبرة في نفس الامام اما اعتبار اشتراط أو استحباب (وثالثها) في سائر المعتبرات فاما الفصل الاول فاعلم أن الاصل في فضلها

(4/282)


الاجماع والاخبار نحو ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " والفرائض الخمس تنقسم إلي صلاة الجمعة وغيرها: فأما في صلاة الجمعة فالجماعة فرض عين كما سيأتي في بابها: واما في غيرها فليست بفرض عين خلافا لاحمد حيث قال بانها فرض عين وبه قال ابن المنذر ومحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا وفى بعض التعاليق ان أبا سليمان

(4/283)


الخطابي ذكر أنه قول للشافعي رضى الله عنه: لنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأيضا روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل مع الواحد افضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل من
صلاته مع الواحد وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل " والاستدلال أنه لا يحسن أن يقال الاتيان بالواجب

(4/284)


افضل من تركه وتفضيل أحد الفعلين علي الآخر يشعر بتجويزهما جميعا وهل هي فرض كفاية أم سنة فيه وجهان أظهرهما عند المصنف وصاحب التهذيب أنها سنة لان الجماعة خصلة مشروعة في الصلاة لا تبطل الصلاة بتركها فلا تكون مفروضة كسائر السنن المشروعة في الصلاة وفيما سبق من الاخبار ما يشعر بان سبيلها سبيل الفضائل وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثاني وبه قال ابن سريج وابو اسحق أنها فرض كفاية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجماعة الا استحوذ عليهم الشيطان " وذكر المحاملى وجماعة أن هذا ظاهر المذهب (فان قلنا) انها فرض علي الكفاية فلو

(4/285)


امتنع اهل بلدة أو قرية عن اقامتها قاتلهم الامام عليه ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار فيما بينهم ففى القرية الصغيرة يكفى اقامتها في موضع واحد وفى القرى الكبيرة والبلاد تقام في محلها ولو أطبقوا علي اقامة الجماعة في البيوت فعن ابي اسحق المروزى انه لا يسقط الفرض بذلك لان الشعار في البلد لا يظهر به ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الاسواق واما إذا قلنا انها سنة فهل يقاتلون على تركها فيه وجهان كما ذكرناهما في الاذان (أصحهما) لا وكل ما ذكرناه في حق الرجال: أما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة لا فرض عين ولا فرض كفاية وتستحب لهن ولكن فيه وجهان ذكرهما القاضى الروياني (أحدهما) أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم الاخبار (وأظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه لا يتأكد تأكده في حق الرجال فلا يكره لهن تركها ويكره للرجال ذلك * وقال أبو حنيفة ومالك يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال احمد في رواية والاصح عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها " ثم إذا صلين جماعة فالمستحب أن تقف التى تؤمهن وسطهن كذلك فعلت عائشة رضي عنها وأم سلمة رضى الله عنهما لما أمتا وجماعتهن في البيوت أفضل فان أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره

(4/286)


للعجائز روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى النساء عن الخروج الي المساجد في جماعة الرجال الا عجوزا في منقلها " والمنقل الخف وامامة الرجال لهن أولي من امامة النساء لكن لا يجوز أن يخلو بهن من غير محرم ثم لو صلي الرجل في بيته برقيقه أو زوجته وولده نال أصل فضيلة الجماعة لكنها في المساجد أفضل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة " وحيث كان الجمع اكثر من المساجد فالفضل اكثر لما سبق فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد مسجد كثير الجمع فالافضل أن يذهب الي المسجد البعيد ألا في حالتين (أحدهما) أن تتعطل الجماعة في المسجد القريب بعد وله عنه اما لكونه اماما أو لان الناس يحضرون بحضوره فاقامة الجماعة في المسجد القريب أفضل (الثانية) أن يكون امام المسجد البعيد متبدعا كالمعتزلي وغيره وامام المسجد القريب بريئا عن البدعة فالصلاة في المسجد القريب أولي قال المحاملى وغيره وكذا لو كان امام المسجد البعيد حنفيا لانه لا يعتقد وجوب بعض الاركان بل حكوا عن أبى اسحق المروزى أن الصلاة منفردا اولى من الصلاة خلف الحنفي وهذا مبني على جواز الصلاة خلفه وفيه خلاف يأتي من بعد وفى المسألة وجه آخر حكاه في النهاية أن رعاية حق الجوار أولى على الاطلاق لانا لو جوزنا العدول عن المسجد القريب لاوشك أن يعدل عنه واحد بعد واحد فيفضى إلى تعطيله: واما لفظ الكتاب فقوله وليست

(4/287)


بواجبة يعنى به الوجوب علي الاعيان وهو معلم بالالف والواو (وقوله) تستحب للنساء معلم بالحاء والميم وبالالف ايضا لاحدى الروايتين عن احمد والمراد أصل الاستحباب ثم في كيفية الاستحباب ما سبق من الخلاف (وقوله) الا إذا تعطل في جواره مسجد ليس فيه الا استثناء الحالة الاولي وقد استثنى كثير من الاصحاب الحالة الثانية أيضا كما ذكرنا ويجوز أن يعلم قوله في الجمع الكثير أفضل بالواو لانه يدخل فيه ما إذا كان في جواره مسجد ولم يتعطل إذ لم يستثن الا إذا تعطل وقد ذكرنا وجها ان الافضل رعاية حق الجوار وان لم يتعطل * قال (وفضيلة الجماعة لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام وفضيلة التكبيرة الاولى لا تحصل الا بشهود تحريمة الامام واتباعه على الاصح) *
في الفصل مسألتان (احداهما) فيما يحصل للمأموم به فضيلة الجماعة: الذى ذكره في الكتاب انها لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام ووجهه في الوسيط بان ادراك ما دون الركعة ليس محسوبا من صلاته فلا ينال بها الفضيلة والذى ذكره اصحابنا العراقيون وغيرهم وتابعهم صاحبا المهذب والتهذيب أن من ادرك الامام في التشهد الاخير حصل له فضيلة الجماعة وقد يوجه ذلك بان هذه البقية إذا لم تكن محسوبة من صلاته فلو لم ينل بها الفضيلة لمنع من الاقتداء والحالة هذه لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها وبالجملة فظاهر المذهب الذى ذكره الجمهور خلاف ما في الكتاب (المسألة الثانية) وردت اخبار في ادراك التكبيرة الاولي مع الامام نحو ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " من صلي اربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولي كتب له براءتان براءة من

(4/288)


من النار وبراءة من النفاق " ولما في ادراكها من الفضل صار أبو اسحق المروزى الي ان الساعي الي الجماعة يسرع إذا خاف فوتها لكن الصحيح عند الاكثرين ان لا يسرع بحال لقوله صلى

(4/289)


الله عليه واله وسلم " إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها وانتم تسعون واتوها وانتم تمشون وعليكم السكينة والوقار " ثم بماذا يكون مدركا للتكبيرة الاولي فيه وجوه (اظهرها) ان من شهد تكبيرة الامام واشتغل عقيبها بعقد الصلاة كان مدركا لفضيلة التكبيرة الاولي والا لم يكن مدركا لها لانه إذا جرى التكبير في غيبته لم يسم مدركا (والثانى) ان تلك الفضيلة تدرك بادراك الركوع الاول (والثالث) ان ادراك الركوع لا يكفى بل يشترط ادراك شئ من القيام ايضا (والرابع) ان شغله امر دنيوي لم يكن بادراك الركوع مدركا للفضيلة وان منعه عذر واشتغال باسباب الصلاة كالطهارة

(4/290)


وغيرها كفاه ادراك الركوع * قال (ومهما أحس الامام بداخل ففى استحباب الانتظار ليدرك الداخل الركوع قولان ولا ينبغي ان يطول ولا أن يميز بين داخل وداخل) *
مما يحتاج إلى معرفته في المسألة ان المستحب للامام تخفيف الصلاة من غير ترك الابعاض والهيئات لما روى عن انس رضي الله عنه قال " ما صليت وراء امام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلي الله عليه وسلم " فان رضى القوم بالتطويل وكانوا

(4/291)


منحصرين لا يدخل عليهم غيرهم فلا باس حينئذ بالتطويل ثم قال الائمة انتظار الامام في الصلاة وتطويله بها يفرض على وجوه: منها ان يصلي في مسجد سوق أو محلة فيطول الصلاة ليلحق قوم أخر وتكثر الجماعة فهذا مكروه لما فيه من سقوط الخشوع وشغل القلب ومخالفة قوله صلي الله عليه وسلم وسلم " إذا أم احدكم فليخفف " ومنها ان يؤم في مسجد بحضرة رجل شريف فيطول الصلاة علي الحاضرين ليلحق ذلك الرجل فهذا مكروه ايضا لانه ينفر الحاضرين ويشوش عليهم ومنها أن يحس في صلاته بمجئ رجل يريد الاقتداء به فله احوال (احدها) ان يكون في الركوع وهي مسألة الكتاب فهل ينتظر ليدرك الركوع فيه قولان (اصحهما) عند امام الحرمين واخرين انه لا ينتظره

(4/292)


لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (إذا أم احدكم بقوم فليخفف) ولان انتظاره يطول الصلاة علي الحاضرين والتطويل علي الحاضرين لمسبوق قد يكون مقصرا بتخلفه لا وجه له والثاني ينتظره لما روى انه صلى الله عليه وسلم " كان ينتظر في صلاته ما سمع وقع نعل " وهذا كما انه ينتظر في صلاة الخوف ذهاب قوم ومجئ قوم لينالوا فضيلة الجماعة ثم ذكر الائمة للقولين شرطين (احدهما) ان يكون الرجل الجائى حين ينتظر داخل المسجد اما لو كان بعد خارجة فلا ينتظر قولا واحد (والثانى) ان يقصد به الاحتساب والتقرب الي الله تعالى فاما لو قصد التودد إليه واستمالته فلا ينتظر قولا واحدا ثم اختلفوا في ان القولين فيماذا على طرق قال معظم الاصحاب ليس الخلاف في استحباب الانتظار ولا في انه لو انتظر هل تبطل صلاته ام لا وانما الخلاف في الكراهة فاحد القولين انه يكره وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني (والثاني) لا يكره وبه قال احمد وهو اصح القولين

(4/293)


عند القاضى الروياني وقال بعض الاصحاب القولان في انه هل يستحب الانتظار ويحكي هذا عن القاضي ابي الطيب وقال آخرون في المسألة قولان (احدهما) انه يكره والثانى انه يستحب وهذا ما اورده صاحب المهذب وقال الاصح الثاني وهذه الطريقة كالمركبة من الطريقتين الاخريين ثم إذا قلنا لا ينتظر فلو فعل هل تبطل صلاته منهم من قال فيه قولان كما لو زاد في صلاة الخوف علي انتظارين وقطع المعظم بانها لا تبطل وركب في الوسيط من القول بالبطلان ومما تقدم ثلاثة اقوال (احدها) انه يستحب الانتظار (والثاني) انه يكره (والثالث) انه لا يجوز وتبطل الصلاة إذا عرفت ذلك فانظر في لفظ الكتاب: واعلم ان في لفظ الداخل من قوله وإذا احس الامام بداخل ما ينبه على الشرط الاول وهو تقييد الخلاف بانتظار من دخل المسجد أو الموضع الذى تقام فيه الصلاة فاما من لم يدخل بعد فلا ينتظر واما الشرط الثاني وهو ان يكون قصده التقرب الي الله تعالي فليس في لفظ الكتاب تعرض له لكن الواقف علي مقاصد الكلام يفهمه من قوله ولا ان يميز بين داخل وداخل كما سيأتي (وقوله) ففى استحباب الانتظار لدرك الداخل الركوع قولان جواب على طريقة فرض الخلاف في الاستحباب ثم المقابل لقول الاستحباب انما هو عدم الاستحباب ويمكن ادراج الحاصل من باقي الاختلافات فيه بان يقال إذا قلنا لا يستحب فهل يكره فيه قولان ان قلنا يكره فهل يبطل الصلاة فيه قولان ويجوز انه يعلم قوله قولان بالواو لان القاضى ابن كج حكي طريقة عن بعض الاصحاب ان موضع القولين هو الانتظار في القيام اما في الركوع فلا ينتظر

(4/294)


قولا واحدا وعلل بان القيام موضع تطويل والركوع ليس موضع تطويل واما قوله ولا ينبغى ان يطول فهذا اشارة الي ان الخلاف مفروض فيما إذا لم يطول الانتظار فاما التطويل فيجتنبه وهذا قد ذكره الصيدلاني وغيره وهو شرط ثالث مضموم الي الشرطين السابقين قال امام الحرمين وليس المراد اصل التطويل فان الانتظار لا يوجد صورة الا إذا طول وزاد علي القدر المعتاد ولكن ضبطه أن يقال ان طول تطويلا لو وزع علي جميع الصلاة لظهر له اثر محسوس في الكل فهذا ممنوع منه لافراطه وان كان بحيث يظهر في الركوع ولكن لا يظهر في كل الصلاة لو وزع فهذا موضع الاختلاف ويجوز
أن يعلم قوله ولا ينبغى أن يطول بالواو لان ابا على قال في الافصاح ان كان الانتظار لا يضر بالمأمومين ولا يدخل عليهم مشقة جاز كانتظار النبي صلي الله عليه وسلم في حمل امامة ووضعها في الصلاة وان كان ذلك مما يطول ففيه الخلاف وقوله ولا أن يميز بين داخل وداخل المراد منه ان يعم انتظاره الداخلين فلا يخص به بعض القوم لصداقة أو سيادة وإذا عم فلا يقصد استمالة قلوب الناس والتودد إليهم بل التقرب إلى الله تعالي كما تقدم ويجوز الوسم بالواو ههنا أيضا لامرين (أحدهما) لان أبا سعيد المتولي حكي عن بعض الاصحاب انه ان عرف الداخل بعينه لم ينتظره إذ لا يخلو عن تقرب إليه

(4/295)


وان لم يعرفه بعينه انتظره (والثاني) أن صاحب البيان حكي عن بعضهم انه ان كان الداخل ممن يلازم الجماعة وعرفه انتظره وان كان غريبا لم ينتظره وكلا الوجهين يوجب التمييز بين الداخل والداخل (الحالة الثانية) أن يكون الامام حين أحس بالداخل في التشهد الاخير فهل يؤخر انتظارا له بما سبق من الشرائط ذكر معظم الاصحاب أن الخلاف يطرد فيه لان هذا الانتظار يفيده أيضا من حيث أنه ينال فضيلة الجماعة وان لم يدرك باللحوق فيه شيئا من الركعات وقياس قوله من يقول انه لا يدرك فضيلة الجماعة الا بادراك ركعة مع الامام أن يكون حكم الانتظار ههنا حكمه في القيام ونحوه (الحالة الثالثة) أن يكون في سائر الاركان من القيام والسجود وغيرهما قطع الاكثرون بانه لا ينتظره لانه لا فائدة للداخل في انتظاره فانه بسبيل من ادراك الركعة أو فضيلة الجماعة وان لم ينتظره وذلك لانه ان كان قبل الركوع فهو بادراك الركوع يدرك الركعة وان كان بعد الركوع فبادراكه في التشهد ينال فضيلة الجماعة وحكي امام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الاركان لافادة الداخل بركة الجماعة وروينا عن ابن كج أن بعضهم خصص الخلاف بحالة القيام وحيث قلنا لا ينتظر فلو انتظر ففى البطلان ما سبق من الطريقين * قال (ومن صلي منفردا فأدرك جماعة يستحب له اعادتها ثم يحتسب الله أيهما شاء) * من انفرد بصلاة من الصلوات الخمس ثم أدرك جماعة يصلونها فالمستحب له أن يعيدها معهم لينال فضيلة

(4/296)


الجماعة وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي الصبح فلما فرغ رأى رجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال علي بهما فجئ بهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا كنا صلينا في رحالنا قال فلا

(4/297)


تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم اتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فانها لكما نافلة " وعند أبى حنيفة يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد الصبح والعصر والمغرب وذكر في النهاية ان شيخه حكي مثل ذلك وجها لبعض اصحابنا ووجهه ان الصبح والعصر يستعقبان الوقت المكروه فلا يصلي بعدهما والمغرب وتر

(4/298)


النهار فلو اعيدت لصارت شفعا ونقل العراقيون وجها انه يعيد ما سوى الصبح والعصر وظاهر المذهب الاول والوجهان ضعيفان وعند مالك يعيد كلها الا المغرب وبه قال احمد في رواية يعيد المغرب ايضا لكن إذا سلم الامام قام الي ركعة اخرى فجعلها شفعا وإذا وقفت علي ما ذكرناه علمت انه لم اعلم قوله يستحب له اعادتها بالحاء والميم والالف والواو ولو صلي احدى الخمس في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم فيه وجوه (أصحها) عند عامة الاصحاب أنه يعيد كما

(4/299)


لو كان منفردا لاطلاق الخبر والثانى وهو الاصح عند الصيدلاني وبه قال المصنف في الوسيط أنه لا يستحب الاعادة لان فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للاعادة بخلاف المنفرد قال الصيدلاني وعلي هذا يكره اعادة الصبح والعصر دون غيرهما لانهما وقتا كراهة والصلاة المعادة تطوع محض علي هذا الوجه قال وعلى هذا فلو اعاد المغرب ينبغى أن يضم إليها ركعة اخرى لان ما أتى به تطوع محض فليكن شفعا واعلم ان المعادان كان تطوعا محضا فقياس المذهب أن تمتنع الاعادة بنية المغرب وسائر الوظائف الخمس ولو فعل يكون صحة التطوع علي الخلاف المذكور في المتطوع بنية الظهر قبل الزوال (والوجه الثالث) انه ان كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الامام أعلم أو أورع أو لكون الجمع أكثر أو لكون المكان افضل فيستحب الاعادة والا فلا (والرابع) أنه يستحب اعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا يستحب اعادة الصبح والعصر وقد سبق المنفرد مثله ثم إذا استحببنا الاعادة في هذه المسألة

(4/300)


وفيما إذا صلى منفردا فاعاد فالفرض منهما ماذا فيه قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة واحمد أن الفريضة هي الاولي لما سبق من الحديث والقديم أن الفريضة احدهما لا بعينها والله تعالى يحتسب بما شاء منهما وربما قيل يحتسب باكملهما ويروى هذا القول عن الاملاء وبه قال مالك ووجه بانه

(4/301)


لو كانت الثانية نفلا علي التعيين لما ندب إلى اقامتها بالجماعة والذى ذكره في الكتاب هذا القول القديم لكن الاكثرين قالوا بان المذهب الجديد وحكى في التتمة أن بعض الاصحاب صار إلي انهما جميعا يقعان عن الفرض وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلي منفردا أن الفريضة هي الثانية لكمالها بالجماعة فتبين بالاخرة أن الاولي نفل فحاصل ما في المسألة قولان ووجهان (التفريع) ان فرعنا على غير الجديد نوى الفرض في المرة الثانية ولو كانت الصلاة مغربا اعادها مثل المرة الاولى

(4/302)


وان فرعنا علي الجديد فهل ينوى الفرض فيه وجهان قال الصيدلانى (الصحيح) أنه ينوى الفرض وبه قال الاكثرون واستبعده امام الحرمين وقال كيف ينوى الفرض مع القطع بان الثانية ليست بفريضة بل الوجه ان ينوى الظهر والعصر ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي وهذا ما ذكر في هـ الوسيط وفيه مباحثه قدمتها في أول صفة الصلاة وإذا كانت الصلاة مغربا ففيه وجهان (اظهرهما) انه يعيدها كما فعل في المرة الاولى (والثاني) ان المستحب ان يقوم إلى ركعة اخرى إذا سلم الامام حتى لا يصير وتره شفعا) * قال (ولا رخصة له في ترك الجماعة الا بعذر عام كالمطر والريح العاصفة بالليل أو عذر خاص مثل أن يكون مريضا أو ممرضا أو خائفا من السلطان أو من الغريم وهو معسر أو كان عليه قصاص ويرجو العفو عنه أو ان حاقنا أو جائعا أو عاريا) *

(4/303)


لا رخصة للمتدين في ترك الجماعة سواء جعلناها سنة أو فرض كفاية الا إذا كان ثم عذر لما روى انه
صلي الله عليه وسلم قال " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر " ثم الاعذار

(4/304)


قسمان عامة وخاصة فمن الاعذار العامة المطر ليلا كان أو نهارا لما روى انه صلي الله عليه وسلم

(4/305)


وسلم قال " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " ومنها الريح العاصفة بالليل دون النهار

(4/306)


روي انه صلي الله عليه وسلم " كان يامر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح الا صلوا في رحالكم " والمعنى فيه ان المشقة التى تلحق بها في الليل اكثر وبعض الاصحاب يقول الريح العاصفة في الليلة المظلمة وليس ذلك علي سبيل اشتراط الظلمة والله اعلم: ويتبين بما ذكرنا ان قوله بالليل في نظم الكتاب يرجع الي الريح وحدها ولا يرجع الي المطر المعطوف عليه ومن الاعذار الخاصة المرض " قيل يا رسول الله ما العذر في الخبر الذى سبق فقال خوف أو مرض " ولا يشترط ان يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة لكن المعتبر ان تلحقه مشقة مثل ما يلقاه الماشي في المطر قاله في النهاية: ومنها ان يكون ممرضا وللتمريض تفصيل يذكر في كتاب الجمعة: ومنها ان يخاف على نفسه أو ماله أو علي من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غير سلطان يظلمه أو يخاف من غريم يلازمه أو يحبسه ان رآه وهو معسر لا يجد وفاء لدينه فله التخلف ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق ويدخل في صور الخوف علي المال ما إذا

(4/307)


كان خبزه في التنور وقدره علي النار وليس ثم من يتعهدها لو سعى الي الجماعة ومنها ان يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق لقتله وكان يرجو العفو مجانا أو علي مال لو غيب الوجه اياما وسكن الغليل فله التخلف بذلك وفى معناه حذ القذف دون حد الزنا ومالا يقبل العفو قال امام الحرمين وفى هذا العذر اشكال عندي لان موجب القصاص من الكبائر فكيف يستحق صاحبه التخفيف

(4/308)


وكيف يجوز تغييب الوجه عن المستحق: ومنها ان يدافع اخبثيه أو يدافع الريح بل الصلاة مكروهة في تلك الحالة والمستحب ان يفرغ نفسه ثم يصلي وان فاتت الجماعة فلا باس روى انه صلى الله عليه وسلم قال " لا يصلين احدكم وهو يدافع الاخبثين " وروى ايضا " إذا اقيمت الصلاة

(4/309)


فوجد احدكم الغائط فليبدأ بالغائط " وهذا إذا كانت في الوقت سنة فان كان يخرج الوقت لو قضى حاجته ففي التهذيب حكاية وجهين (اظهرهما) انه يبدأ بالصلاة (والثانى) انه يقضي حاجته وان فات الوقت ثم يقضى كما لو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالوضوء يلزمه الوضو ويشبه ان يكون هذا الوجه ذهابا من صاحبه الي انه لا تصح الصلاة إذا ضاق الامر عليه لانسلاب الخشوع وقد حكي امام الحرمين الذهاب الي البطلان عن القاضي الحسين وصاحب البيان عن أبى زيد المروزى لكن أبا سعيد المتولي جعل الخلاف في أن الاولى ان يفرغ نفسه أو ان يصلي لا في بطلان الصلاة علي المدافعة وقوله في الكتاب أو كان حاقنا يجوز أن يقرأ بالباء ويجوز أن يقرأ بالنون فالحاقب هو الذى احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز حتى حضر غائطه والحاقن في البول كالحاقب في الغائط قاله في العرينين ومنها أن يكون به جوع شديد أو عطش شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه فيبدأ بالاكل والشرب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا حضر العشاء واقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء "

(4/310)


قال الائمة وليس المراد منه أن يستوفى ما يشبع لكن ياكل لقما يكسر سورة جوعه ويؤخر الباقي الا ان يكون الطعام مما يؤتي عليه دفعه واحدة كالسويق واللبن استثناه المحاملى وغيره فان خاف فوت الوقت لو اشتغل بالاكل حكى في التتمة وجهين في أن الاول ماذا كما في مدافعة الاخبثين ومنها ان يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد قدر ما يستر به العورة أو لم يجد هذه هي الاعذار المذكورة في الكتاب ويلتحق بها اعذار أخر: فمن العامة الوحل وسيأتي في كتاب الجمعة: ومنها السموم وشدة الحر في وقت الظهر فان الابراد بها محبوب كما سبق فلو اقاموا الجماعة ولم يبردوا كان له ان يتخلف ومنها شدة البرد قال في التهذيب انها عذر ولم يفرق بين الليل والنهار وعلي هذا فشدة الحر في
معناها وربما يبقى العذر وان ابردوا: ومن الاعذار الخاصة ان يريد السفر وترتحل الرفقة فله ان ان يتخلف عن الجماعة ولا يتخلف عنهم ومنها ان يكون منشد ضالة يرجو الظفر بها لو ترك الجماعة أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه و: منها ان يكون قد اكل بصلا أو كراثا ونحوهما ولم يمكن

(4/311)


ازالة الرائحة بغسل ومعالجة فهو عذر في التخلف عن الجماعة فان كان مطبوخا فلا وذلك القدر محتمل ومنها غلبة النوم عدها صاحب العدة وغيره من الاعذار قال (الفصل الثاني في صفات الائمة وكل من لا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء فلا يصح الاقتداء به ومن صحت صلاته صح الا اقتدأ به الاقتداء القارئ بالامى على القول الجديد ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه ويجوز اقتداء الامي بمثله ولا يصح اقتداء الرجل بالمرأة ولا بالخنثي ولا اقتداء الخنثى ويصح اقتداء المرأة بالخنثى وبالرجل) صفات الائمة ضربان مشروطة ومحبوبة وقد ضمن الفصل ما اراد ايراده: فاما المشروطة فنأتي منها بما ذكره في الكتاب وما أهمله في تقسيم نرسمه ونقول الانسان لا يخلو اما ان لا تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا واما ان تكون صحيحة (القسم الاول) ان لا تكون صحيحة عندهما معا فينظران توافق اعتقاد الامام والمأموم على انه لا صحة ولا اعتبار كصلاة من به حدث أو جنابة وصلاة من بثوبه نجاسة ونحو ذلك فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به لانه ليس من أهل الصلاة وكذلك الكافر لا يجوز الاقتداء به وإذا صلي الكافر لم يجعل بذلك مسلما خلافا لابي حنيفة حيث جعله مسلما

(4/312)


بذلك في بعض الاحوال ولاحمد حيث جعله مسلما بكل حال وعن القاضي ابي الطيب انه إذا صلي الحربي في دار الحرب حكم باسلامه ويحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه والمذهب المشهور هو الاول ثم ذلك إذا لم تسمع منه كلمتا الشهادة فان سمعتا منه في التشهد ففي الحكم باسلامه ما قدمناه فيما إذا اذن وان كانت صحيحة في اعتقاد الامام دون المأموم أو بالعكس فهذا يفرض علي وجهين (احدهما) ان يكون ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية كما إذا مس الحنفي فرجه وصلي ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال
في الركوع والسجود أو قرأ غير الفاتحة في صلاته ففى صحة اقتداء الشافعي به وجهان (احدهما) وبه قال القفال تصح لان صلاته صحيحة عنده وخطؤه غير مقطوع به فلعل الحق ما ذهب إليه (والثانى) وبه قال الشيخ أبو حامد لا تصح لان صلاة الامام فاسدة في اعتقاد المأموم فاشبه ما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة يقتدى احدهما بالاخر وهذا أظهر عند الاكثرين ولم يذكر الرويانى في الحلية سواه وبه

(4/313)


أجاب صاحب الكتاب في الفتاوى لكن بشرائط ليس من غرضنا ذكرها ولو ان الحنفي صلي علي وجه لا يعتقده صحيحا واقتدى الشافعي به وهو يعتقده صحيحا انعكس الوجهان فعلي ما ذكره القفال لا يصح الاقتداء اعتبارا بحال الامام وعلي ما ذكره أبو حامد يصح اعتبارا باعتقاد المأموم وحكى ابو الحسن العبادي ان الاودني والحليمي قالا إذا أم الوالى أو نائبه بالناس ولم يقرأ التسمية والمأموم يراها واجبة فصلاته خلفه صحيحة عالما كان أو عاميا وليس له المفارقة لما فيها من الفتنة وهذا حسن وقضيته الفرق بين الامام وخلفائه وبين غيرهم اما إذا حافظ الحنفي على واجبات الطهارة والصلاة عند الشافعي فاقتداؤه به صحيح عند الجمهور وعن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى انه لا تصح لانه لا ياتي بها علي اعتقاد الوجوب وعلى الاول لو شك في انه هل أتي بها أم لا فقد ذكر صاحب الكتاب في الفتاوى انه يجوز الاقتداء به كما لو علم انه حافظ عليها لان الظاهر اتيانه بها اقامة لما يعتقده سنة وتوقيا عن شبهة الخلاف وحكى أبو الفرج البزار عن الشيخ أبى علي أنه لا يصح كما لو عرف انه لم يات بها وحكي عن الشيخ ابي حامد الصحة كما قاله صاحب الكتاب في الفتاوى وإذا عرفت ذلك وسئلت عن قتداء الشافعي بالحنفي مطلقا فقيل فيه ثلاثة اوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يحافظ علي الواجبات وبين أن يتركها ولك أن تضم إليها وجها فارقا على ما قدمناه ولو اقتدى الحنفي بالشافعي وصلي الشافعي علي وجه لا يراه الحنفي كما لو افتصد وصلي ففيه الخلاف وإذا جوزنا اقتداء احدهما بالآخر فلو صلي الشافعي الصبح خلف حنفي ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا وامكنه ان يقنت فيه فعل والا تابعه وهل يسجد

(4/314)


للسهو ان اعتبرنا اعتقاد المأموم نعم فان اعتبرنا اعتقاد الامام فلا ولو صلى الحنفي الصبح خلف
الشافعي وترك الامام القنوت ساهيا وسجد للسهو تابعه المأموم وان ترك الامام سجود السهو سجد المأموم ان اعتبرنا اعتقاد الامام والا فلا (والثانى) ان لا يكون ذلك لاختلافهما في الفروع فلا يجوز لمن اعتقد بطلان صلاة غيره ان يقتدى به وذلك كما إذا اجتهد اثنان فصاعدا في القبلة واختلف اجتهادهم لم يجز لبعضهم الاقتداء ببعض لان صلاة كل واحد منهم باطلة عند اصحابه وكذا لو اشتبه اناءان طاهر ونجسن واختلف فيهما اجتهاد رجلين ولو كثرت الاواني والمجتهدون واختلف اجتهادهم فحيث تعين عند المأموم بطلان صلاة الامام امتنع الاقتدا وحيث لا يتعين جاز الاقتداء وفيه وجه انه لا يجوز ايضا وهذا هو الكلام الجملي فيه ونوضحه بصورتين (احداهما) لو اشتبه ثلاثة اوان واجتهد فيها ثلاثة واستعمل كل واحدا منهم واحدا لاداء اجتهاده إلى طهارته فان كان الطاهر منها واحدا لم يجز اقتداء بعضهم ببعض وان كان النجس منها واحد وأراد احدهم ان يقتدى بآخر فان ظن طهارة اناء أحد صاحبيه كما ظن طهارة اناء نفسه فلا خلاف في جواز اقتدائه به وامتناع اقتدائه بالثالث وان لم يظن الا طهارة انائه ففى المسألة وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لواحد منهم الاقتداء بواحد من صاحبيه لانه يتردد في ان المحدث المستعمل للنجاسة هذا ام ذاك وليس احد الاحتمالين باولي من الاخر فيمتنع الاقتداء كما يمتنع الاقتداء بالخنثى لتعارض احتمالي الذكورة والانوثة وقال ابن الحداد وهو الاصح يجوز لكل واحد منهم ان يقتدى بواحد من صاحبيه ولا يجوز ان يقتدى بهما جميعا في صلاتيه اما الاول فلانه لا يدرى نجاسة اناء من

(4/315)


يقتدى به وبقاء حدثه وإذا لم يعلم المأموم من حال الامام ذلك سومح وجوز الاقتداء علي ما سيأتي واما الثاني فلانه إذا اقتدى باحدهما تعين اناء الثالث للنجاسة فامتنع الاقتداء به وبهذا قال أبو اسحق المروزى الا انه قال لو اقتدى بهما جميعا وجب اعادة الصلاتين لان احداهما باطلة لا بعينها فيلزمه قضاؤهما وعند أبن الحداد والاكثرين لا يجب الا قضاء الثانية فانه لو اقتصر على الاقتداء الاول لما كان عليه قضاء الثانية ولو كانت الاواني خمسة والنجس منها واحد وظن كل واحد بعد الاجتهاد طهارة احدهما ولم يظن شيئا من حال الاربعة الباقية وام كل واحد منهم اصحابه في واحدة
من الصلوات الخمس وبدؤا بالصبح فعند صاحب التلخيص على كل واحد منهم اعادة الصلوات الاربع التى كان مأموما فيها وعند ابن الحداد والاكثرين يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما فيها ويلزم من ذلك ان يعيد كلهم العشاء الا امام العشاء فانه يعيد المغرب وانما اعادوا العشاء لان بزعمهم تتعين النجاسة في حق امام العشاء وأنما اعاد امام العشاء المغرب لانه صحت له الصبح والظهر والعصر عند أئمتها وهو متطهر عنده فيتعين بزعمه النجاسة في حق امام المغرب وعند أبى اسحق يعيد كل واحد منهم جميع الاربع التى كان مأموما فيها لانه أقتدى في واحدة منها بمن توضأ بماء نجس وهي غير متعينة فصار كما لو نسى واحدة من اربع وحكي عن بعض الاصحاب طريقة اخرى وهي ان هذه الوجوه فيما إذا سمع من بين خمسة نفر صوت حدث ونفاه كل واحد عن نفسه واموا علي ما ذكرنا فاما في مسألة الاواني فكل واحد يعيد آخر صلاة كان مأموما فيها بلا خلاف والفرق أن الاجتهاد في الاواني جائز فكان كل واحد اجتهد في انائه وأناء امامه ألي أن تعينت النجاسة في الاخر ولا مجال للاجتهاد في مسألة الصوت ولو كانت المسألة بحالها لكن النجس من الاواني الخمس اثنان صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين وبطلت خلف أثنين ولو كان النجس ثلاثة صحت صلاة

(4/316)


كل واحد منهم خلف واحد ولو كان أربعة امتنع الاقتداء بينهم على الاطلاق (القسم الثاني) ان تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا فلا يخلو اما أن تصح صحة غير مغنية عن القضاء واما أن تصح صحة مغنية عن القضاء فان لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا فلا يجوز الاقتداء به للمتوضئ وللمتيمم الذى لا يقضي لان تلك الصلاة انما يؤتي بها لحق الوقت وليست هي معتدا بها فاشبهت الفاسدة ولو اقتدى به من هو في مثل حاله ففيه وجهان للشيخ ابي محمد (احدهما) يجوز لان الصلاتين متماثلتان فيجزئ الاقتداء فيهما ثم يقضيان والثانى لا لان ربط الاقتداء بمالا يعتد به كربط الاقتداء بالصلاة الفاسدة وهذا أوفق لاطلاق الاكثرين حيث منعوا الاقتداء به ولم يفصلوا وفى معنى صلاة من لم يجد ماء ولا ترابا صلاة المقيم المتيمم لعدم الماء وصلاة من امكنه أن يتعلم الفاتحة فلم يتعلم ثم صلي لحق الوقت وصلاة العارى وصلاة المربوط علي الخشبة إذا الزمنا الاعادة على هؤلاء وقد
سبق بيان الخلاف فيه اما إذا صحت الصلاة صحة مغنية عن القضاء فلا يخلو الحال اما أن يكون المصلي مأموما أو لا يكون فان كان مأموما لم يجز الاقتداء به لانه تابع لغيره ويلحقه سهو ذلك الغير ومنصب الامامة يقتضى الاستقلال وتحمل سهو الغير فلا يجتمعان ولو رأى رجلين واقفين احدهما بجنب الاخر يصليان جماعة وتردد في ان الامام هذا أم ذاك لم يجز الاقتداء بواحد منهما حتي يتبين له الامام ولو التبس علي الواقفين فاعتقد كل واحد منهما انه المأموم فصلاتهما باطلة لان كل واحد منهما مقتد بمن يقصد الائتمام وكذلك لو كان كل واحد منهما شاكا لا يدرى أنه أمام أو مأموم فصلاتهما باطلة وأن اعتقد كل واحد منهما أنه امام صحت صلاتهما وأن شك احدهما في حاله دون الاخر بطلت صلاة الشاك وغير الشاك أن ظن أنه امام صحت صلاته وان ظن انه مأموم فلا وأن لم يكن المصلي مأموما فلا يخلو اما ان يخل بالقراءة

(4/317)


أو لا يخل فان أخل بان كان أميا ففي صحة اقتداء القارئ به قولان (الجديد) انه لا يصح وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لان الامام يصدر لحمل القراءة عن المأموم بحق الامامة بدليل المسبوق فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل (والقديم) انه أن كانت الصلاة سرية صح الاقتداء والا فلا بناء علي القول القديم في أن المأموم لا يقرأ في الجهرية بل يتحمل عنه الامام فإذا لم يحسن القراءة لم يصلح للتحمل وفى السرية يقرأ المأموم لنفسه فيجزئه ذلك هذا نقل جمهور الاصحاب منهم الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج والصيدلانى والمسعودي وذكر معظمهم ان ابا اسحق خرج قولا ثالثا على الجديد أن الاقتداء صحيح سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية لان المأموم تلزمه القراءة في الحالتين فيجزئه ذلك كما قال باجزائه في السرية في القديم ومنهم ممن لم يثبت هذا القول الثالث ومأخذ الطريقتين علي ما ذكره الصيدلانى ان اصحابنا اختلفوا في نصين للشافعي رضي الله عنه خالف الآخر الاول هل يكون الآخر رجوعا عن الاول ام لا منهم من قال نعم فعلى هذا لا ياتي في الجديد الا قول واحد انه لا يصح اقتداء القارئ بالامى ومنهم من قال لا يكون رجوعا لانه قد ينص في موضع واحد علي قولين فيجوز ان يذكرهما متعاقبين فعلى هذا يخرج قول آخر في الجديد كما سبق وإذا اثبتا القول الثالث فابو اسحق مسبوق به لانه قد ذهب إليه المزني وخرجه علي أصول الشافعي رضي الله عنه وعكس صاحب الكتاب في الوسيط ما ذكره الجمهور في
القول الثاني والثالث فجعل الثاني قولا مخرجا والثالث منصوصه في القديم ثم الامي علي اصلنا هو الذي لا يحسن بعض الفاتحة أو كلها لخرس ونحوه ويدخل في هذا التفسير الارت وهو الذي يدغم حرفا في حرف في غير موضع الادغام وقال في التهذيب هو الذى يبدل الراء بالتاء والالثغ وهو الذى يبدل حرفا بحرف كالسين بالثاء فيقول المثتقيم أو الراء بالغين فيقول غيغ المغضوب ويدخل الذى في لسانه رخاوة

(4/318)


تمنع أصل التشديدات والخلاف الذى ذكرناه في اقتداء القارئ بالامي فيما إذا لم يطاوعه لسانه أو طاوعه لكن لم يمض عليه من الزمان ما يمكنه التعلم فيه فإذا مضى وقصر بترك التعلم فلا يقتدى به بلا خلاف لان صلاته حينئذ مقضية يؤتى بها لحق الوقت كصلاة من لم يقدر علي الماء والتراب ويجوز اقتداء الامي بامي مثله لاستوائهما في النقصان كاقتداء المرأة بالمرأة ولو حضر رجلان كل واحد منهما يحسن بعض الفاتحة ان كان ما يحسنه هذا يحسنه ذاك جاز اقتداء كل واحد منهما بالاخر وان احسن أحدهما غير ما يحسنه الآخر فاقتداء أحدهما بالآخر كاقتداء القارئ بالامي ففيه الخلاف الذى سبق وعليه يخرج اقتداء الارت بالالثغ وبالعكس لان كل واحد منهما قارئ لما ليس صاحبه فيه بقارئ وتكره امامة التمتام والفأفاء ويجوز الاقتداء بهما لانهما لا ينقصان شيئا ويزيدان زيادة هما معذوران فيها وتكره امامة من يلحن في القراءة ثم ننظر ان كان لحنا لا يغير المعنى ولا يبطله كرفع الهاء من الحمد لله فتجوز صلاته وصلاة من اقتدى به وان كان يغير المعنى كقوله أنعمت عليهم أو يبطله كقوله المستقين فان كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم فيلزمه ذلك فلو قصر وضاق الوقت صلي وقضي ولا يجوز الاقتداء به وان لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فان كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه كاقتداء القارئ بالامي وان كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه قال امام الحرمين ولو قيل ليس لهذا الذى يلحن في غير الفاتحة أن يقرأ ما يلحن فيه لانه يتكلم في صلاته بما ليس من القرآن ولا ضرورة إليه لما كان بعيدا والله أعلم * هذا تمام قسم الاخلال وان لم يخل بالقراءة فلا يخلو اما ان يكون رجلا أو امرأة أو خنثى مشكل فاما الرجل فيصح اقتداء الرجال والنساء به واما المرأة فيصح اقتداء النساء بها
ولا يصح اقتداء الرجل بها لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا اعرابي

(4/319)


مهاجرا " ولا يجوز اقتداء الخنثى بها أيضا لجواز ان يكون رجلا واما الخنثي فيجوز اقتداء المرأة به لانه اما رجل أو امرأة واقتداؤها بالصنفين جائز ولا يجوز اقتداء الرجل به لاحتمال انه امرأة ولا اقتداء مشكل آخر لجواز ان يكون الامام امرأة والمأموم رجلا وحيث حكمنا بصحة الاقتداء فلا باس بكون الامام متيمما أو ماسحا علي الخف وكون المأموم متوضئا أو غاسلا ويجوز ايضا اقتداء السليم بسلس البول والطاهرة بالمستحاضة التي ايست بمتحيرة في أصح الوجهين كما يجوز الاقتداء بمن استجمر وبمن على وبه أو بدنه نجاسة معفو عنها (والثاني) وبه قال أبو حنيفة لا يجوز لان صلاتهما صلاة ضرورة ولا باس بصلاة القائم خلف القاعد خلافا لمالك حيث قال لا يجوز ذلك ولاحمد حيث قال إذا قعد الامام قعد القوم خلفه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " صلى قاعدا وابو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قيام " ويجوز اقتداء القائم والقاعد بالمضطجع خلافا لابي حنيفة: لنا القياس علي الصورة السابقة فانه سلمها: هذا آخر التقسيم وقد تبين به الاوصاف المشروطة في الامام ونعود الان الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وكل مالا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء يدخل فيه من لا تصح صلاته أصلا ومن تصح صلاته صحة غير مغنية عن القضاء لان كل صلاة ليس لها الصحة ليس لها الصحة الخاصة وحكم

(4/320)


الضربين ما ذكره (وقوله) فلا يصح الاقتداء به مطلق وظاهره يقتضي ان لا يصح اقتداء من لم يجد ماء ولا ترابا بمثله كما لا يصح اقتداء غيره وهو الوجه الذى ذكرنا انه الموافق لاطلاق الاكثرين (وقوله) ومن صحت صلاته صح الاقتداء به يعني صحت صلاته الصحة المبينة في القسم الاول وهي المغنية عن القضاء (وقوله) الا اقتداء القارئ معلم بالزاى لان عند المزني هذه الصورة غير مستثناة كما سبق ثم نظم الكتاب لا يصرح الا باستثناء اقتداء القارئ بالامي عن هذا الضابط لكن اقتداء الرجل بالمرأة مستثني
عنه ايضا والمراد والا اقتداء الرجل بالمرأة وقد حصر امام الحرمين الاستثناء في هذين الموضعين وضم اليهما في الوسيط ثالثا وهو الاقتداء بالمقتدى ولك ان تقول قولنا من صحت صلاته صح الاقتداء به اما أن يريد به صحة اقتداء كل احد به أو يعنى صحة الاقتداء به في الجملة فان عندنا الاول فالاستثناء غير منحصر في الموضعين ولا في الثلاثة بل من صور الاستثناء الاقتداء بمن يتعين في

(4/321)


زعم المأموم كونه محدثا وغير هذه الصورة علي ما تقدم وان عنينا الثاني فلا حاجة الي استثناء الامي إذ يصح اقتداء مثله به ولا استثناء المرأة إذ يصح اقتداء المرأة بها (وقوله) ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه اي فيحصل فيه الخلاف المذكور في اقتداء القارى بالامي

(4/322)


قال (فان اقتدي الرجل بخنثي فبان بعد الفراغ كونه رجلا وجب القضاء على اظهر القولين لوجود التردد في نفس الصلاة ولو بان بعد الفراغ كونه اميا أو محدثا أو جنبا فلا قضاء (ح) ولو بان كونه امرأة أو كافر اوجب القضاء لان لهما علامة ولو بان كونه زنديقا فوجهان) *

(4/323)


جميع ما سبق فيما إذا عرف المأموم حال الامام في الصفات المشروطة وجودا وعدما وغرض هذا الفصل الكلام فيما إذا ظن شيئا وتبين خلافه فمن صوره ما لو اقتدى رجل بخنثي وبان بعد الصلاة كونه رجلا وقد قدمنا ان هذا الاقتداء غير صحيح وإذا لم يصح فلا يخفي وجوب القضاء فلو لم يقض حتى بان كونه الامام رجلا فهل يسقط القضاء فيه قولان (احدهما) نعم لانه قد تبين كون الامام رجلا (واظهرهما) لا يسقط لانه كان ممنوعا من الاقتداء به للتردد في حاله وهذا التردد يمنع من صحة الصلاة وإذا لم تصح فلا بد من القضاء وقوله في الكتاب وجب القضاء على اظهر القولين ليس المراد منه استفتاح الوجوب وانما المراد استمراره على ما بينا ويجرى القولان فيما لو اقتدى خنثي بامرأة ولم يقض الصلاة حتى بان كونه امرأة وفيما إذا اقتدى خنثي بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين أو أمرأتين أو بان كون الامام رجلا وكون المأموم أمرأة وذكر الائمة لهذه الصور نظائر: منها لو باع
مال ابيه علي ظن أنه حى فبان أنه كان ميتا ففى صحة البيع قولان: ومنها لو وكل وكيلا بشرى شئ وباع ذلك الشئ من انسان علي ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه في صحة البيع قولان ومن مسائل الفصل ما لو اقتدى برجل ظنه متطهرا ثم بان بعدما صلي أنه كان جنبا أو محدثا فلا قضاء عليه خلافا لابي حنيفة حيث قال يجب ولمالك واحمد حيث قالا إن كان الامام عالما بحدثه وام مع ذلك وجب علي المأموم القضاء وأن لم يكن عالما لم يجب وحكي صاحب التلخيص مثل ذلك قولا للشافعي رضى الله عنه منصوصا: لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم " دخل في صلاته واحرم

(4/324)


الناس خلفه ثم ذكر أنه جنب فاشار إليهم كما انتم ثم خرج واغتسل ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يامرهم بالاعادة " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلي الامام بقوم وهو على غير وضوء اجزأتهم ويعيد هو " وايضا فانه غير مامور بالبحث عن حدث الامام وطهارته لانه لا علامة للمحدث والمتطهر يعرفان بهما فليس منه تقصير في الاقتداء به وكل مصل لنفسه ففساد صلاة الامام لا توجب فساد صلاة المأموم والمسألة فيما إذا لم يعرف المأموم حدثه أصلا فان علم حدثه ولم يتفرقا ولم يتطهر ثم اقتدى به ناسيا وجبت الاعادة وهي مفروضة في غير الجمعة فاما إذا اتفق ذلك في الجمعة فسياتي الكلام في بابها: ومنها لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أنه أمي قال في التهذيب تجب الاعادة علي قولنا أن الصلاة خلف الامي لا تصح والذى ذكره في الكتاب أنه لا قضاء عليه كما لو بان جنبا ووجهه امام الحرمين بان البحث عن كون الامام قارئا لا يجب بل يجوز حمل الامر علي الغالب وهو أنه لا يؤم الا قارئ كما يجوز حمل الامر علي أنه متطهر فإذا بان خلاف الغالب فهو كما لو بانت الجنابة قال وإذا كانت الصلاة جهرية فيظهر فيها أنه قارئ أو أمي فان لم يجهر فيها فحينئذ اختلف الاصحاب في أنه هل يجب البحث وما حكاه صاحب التهذيب في المسالة أقرب إلى سياق الاكثرين ويجوز أن يفرق بينه وبين ما إذا بان جنبا بان الحدث ليس بنقص في الشخص وهذا نقص فصار كما لو بان الامام كافرا أو أمرأة وأيضا فان الوقوف علي كونه قارئا أسهل من الوقوف على كونه متطهرا لان عروض الحدث وأن عرف أنه تطهر قريب وصيرورتة اميا بعدما سمعه يقرأ

(4/325)


في غاية البعد واما إذا أقتدى بمن لا يعرف حاله في صلاة جهرية ثم لم يجهر فحكاية العراقيين فيه عن نصه في الام أنه يلزمه الاعادة لان الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب الاعادة وتستحب وإذا وقفت علي ما ذكرنا أعلمت قوله فلا قضاء بالحاء والميم والالف وكذلك بالواو لامرين (احدهما) القول الذى حكاه صاحب التلخيص والثاني الخلاف الذى نقلناه في مسالة الامي (فان قلت) ولم قيد هذه الصور بما إذا بان الحال بعد الفراغ من الصلاة وكذلك قيد ما إذا اقتدى بخنثى وبان كونه رجلا بما بعد الفراغ وما الحكم لو بان ذلك قبل الفراغ من الصلاة (فالجواب) اما في صورة الخنثى فالقولان جاريان في الحالتين وحكى القاضي بن كج القولين فيما إذا اقتدى خنثي بامرأة ثم لم يخرج من الصلاة حتى بان للمأموم انه انثي وقد سبق أن هذه الصورة وصورة الكتاب يستويان في طرد القولين فاذن قوله بعد الفراغ في مسألة الخنثى ليس للتقييد واما إذا بان في الصلاة كونه جنبا أو محدثا فلا قضاء ايضا إذا اتم ويجب أن ينوى المفارقة كما علم الحال وكذلك الحكم فيما إذا بان في الصلاة كومه اميا علي ما ذكره في الكتاب وإذا اقتدى بمن ظنه رجلا فبان كونه أمرأة وجب القضاء لان المرأة تمتاز عن الرجل بالصوت والهيئة وسائر العلامات فالمقتدى منتسب الي التقصير بترك البحث وكذلك الحكم لو بان حنثى عند اكثر الاصحاب لان أمر الخنثى ينتشر في الغالب ولا يخفي إذ النفوس مجبولة علي التحدث بالاعاجيب واشاعتها وعن صاحب التلخيص انه لا تجب الاعادة إذا بان خنثى ولو اقتدى بمن ظنه مسلما فبان كافرا ينظر ان كان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي والنصراني وجب القضاء لمعنيين (احدهما) ذكره الشافعي رضي الله عنه وهو أن الكافر لا يجوز ان يكون اماما بحال لنقص فيه بخلاف الجنب فانه لا يجوز ان يكون اماما لحالة عارضة لا لصفة نقصان وايضا فالجنب إذا تيمم يجوز ان يؤم مع ان حدثه باق (والثانى) ذكره الاصحاب وهو الذى اورده في الكتاب أن للكافر أمارات يعرف بها من الغيار وغيره فالمقتدى مقصر بترك البحث وأن كان كافرا يظهر الاسلام ويسر الكفر كالزنديق والدهرى والمرتد الذى يخفي ردته خوفا من القتل ففي وجوب القضاء وجهان بناهما العراقيون علي المعنيين أن قلنا بالاول وجب القضاء
لانه لا يجوز أن يكون اماما بحال لنقصان فيه وأن قلنا بالثاني لا يجب وهذا الثاني اصح عند صاحب التهذيب وجماعة ولو اقتدى برجل ثم بان أنه كان على بدنه أو ثوبه نجاسة فان كانت خفية فهو

(4/326)


كما لو بان الحدث وأن كانت ظاهرة فقد قال امام الحرمين فيه احتمال عندي لانه من جنس ما يخفي وقوله في الكتاب ولو بان كونه أمرأة أو كافرا يعنى كافرا لا يستشر بكفره ومسألة الزنديق بعده توضحه وليكن قوله وجب القضاء معلما بالزاء لان عند المزني لا يجب القضاء لا فيما إذا بان أمرأة ولا فيما إذا بان كافرا * قال (ويصح الاقتداء بالصبى والعبد والاعمي وهو اولي (ح) من البصير لانه اخشع) في الفصل صور (احداها) الاقتداء بالصبى المميز صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله حيث قالوا الا يصح الاقتداء به في الفرض واختلفت الرواية عنهم في النفل لنا ما روى أن عمرو ابن سلمة " كان يؤم قومه علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين " ولا خلاف في أن البالغ أولي منه (والثانية) الاقتداء بالعبد صحيح من غير كراهة لكن الحر اولي منه وعند ابي حنيفة أنه تكره امامته لنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى

(4/327)


ابا عمر وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اسمعوا واطيعوا ولو أمر عليكم عبد اجدع ما اقام فيكم الصلاة " واعلم أن الصورتين فيما إذا اما في غير الجمعة فاما في الجمعة فسيأتي (الثالثة) امامة الاعمى صحيحة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استخلف ابن أم مكتوم رضى الله عنه في بعض غزواته يؤم الناس " وهل هو أولى من البصير أم كيف الحال فيه ثلاثة اوجه الذى ذكره في الكتاب ويحكي عن أبي اسحق المروزى أن الاعمي اولي لانه لا ينظر إلى ما يلهيه ويشغله فيكون ابعد عن تفرق القلب واخشع والثاني وبه قال أبو حنيفة أن البصير أولى لانه احفظ لبدنه وثيابه

(4/328)


عن النجاسات ولانه مستقل بنفسه في الاستقبال وهذا اختيار الشيخ أبي اسحق الشيرازي (والثالث)
وهو المنقول عن نصه في الام وغيره انهما سواء لتعارض المعنيين وهذا هو المذهب عند عامة الاصحاب ولم يورد الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب سواه * قال (والافقه الصالح الذى يحسن الفاتحة أولي من الاقرأ والاورع والاسن والنسيب وفى الاسن والنسيب قولان لتقابل الفضيلة وإذا تساوت الصفات قدم بحسن الوجه ونظافة الثوب) ما ذكره في اول الفصل الثاني إلى هذا الموضع كلام فيمن يجوز الاقتداء به ومن لا يجوز ومن ههنا الي اخر الفصل كلام فيمن هو اولي بالامامة إذا اجتمع قوم يصلحون لها والاصل في التقديم بالفضائل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله تعالى فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة وان كانوا في السنة سواء فاقدمهم في الهجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاكبرهم سنا " وقد تعرض في الكتاب لخمس خصال من اصول خصال التقديم وهى الفقه والقراءة والورع والسن والنسب وابدل كثير من الاصحاب الورع بالهجرة وقالوا صفات التقديم خمس وجمع بينهما في التهذيب وضم اليهما الاربع البواقى فجعلها ستا اما الفقه والقراءة فالمراد منهما ظاهر واما الورع فليس المراد منه مجرد العدالة بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة وهو ايضا بين واما السن فقد قال الاصحاب المعتبر ان يمضي عليه في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم علي شاب نشأ في الاسلام ولا علي شاب أسلم أمس والظاهر أنه لا تعتبر الشيخوخة وانما النظر إلى تفاوت السن علي ما يشعر به قوله صلي الله عليه وسلم " فاكبرهم سنا " واشار بعضهم الي أن النظر الي الشيخوخة واما النسب فلا خلاف أن نسب قريش معتبر وهل يعتبر غيره قال في النهاية رأيت في كلام الائمة ترددا فيه والظاهر أنه لا يختص بالانتساب الي قريش بل نراعى كل نسب يعتبر في الكفاءة في باب النكاح كالانتساب الي العلماء والصلحاء وعلي هذا فالهاشمي والمطلبى يقدمان

(4/329)


علي سائر قريش وسائر قريش يقدمون على غيرهم ثم يقدم العرب علي العجم واما الهجرة فمن هاجر الي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم علي من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته يقدم علي من تأخرت هجرته وكذلك الهجرة بعد الرسول صلي الله عليه وسلم وسلم من دار الحرب
الي دار الاسلام معتبرة واولاد من هاجر أو تقدمت هجرته يقدمون علي اولاد غيرهم وهذا التقديم في الاولاد يندرج تحت شرف النسب هذا مقدمة الفصل ويتلوها مسائل (احداها) لو اجتمع عدل وفاسق فالعدل أولي بالامامة وأن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الفضائل لان الفاسق يخاف منه أن لا يحافظ علي الشرائط وفى لفظ الكتاب اشارة الي هذا حيث قال والافقه الصالح إلى اخره وشرط الصلاح في تقديم الافقه على غيره وبالغ مالك فمنع الاقتداء بالفاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني وعنه روايتان في الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح وعن احمد روايتان في جواز الاقتداء

(4/330)


بالفاسق مطلقا (أصحهما) المنع ونحن اقتصرنا علي الكراهة وجوزناه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " صلوا خلف كل بر وفاجر " ويمكنك أن تستدل بكراهة الاقتداء بالفاسق علي كراهة الاقتداء بالمبتدع بطريق الاولي لان فسق الفاسق يفارقه في الصلاة واعتقاد المبتدع لا يفارقه وهذا فيمن لا يكفر ببدعته اما من يكفر فلا يجوز الاقتداء به كما سبق وعد صاحب الافصاح من يقول بخلق القرآن أو بنفي شئ من صفات الله تعالي ممن يكفر وكذلك جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفر والخوارج ممن لا يكفر ويحكى تكفير القائل بخلق القرآن عن الشافعي رضى الله عنه واطلق كثير من الاصحاب منهم القفال القول بجواز الاقتداء باهل البدع وانهم لا يكفرون قال في العدة وهو ظاهر

(4/331)


مذهب الشافعي رضى الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا علي من قال لا اله الا الله وخلف من قال لا اله الا الله " (الثانية) قال صاحب التهذيب والتتمة الاورع اولي من الافقه والاقرأ لان الامامة سفارة بين الله تعالي وبين الخلق فأولاهم بها أكرمهم علي الله تعالى وروى مثله عن الشيخ ابى محمد وهذا خلاف ما ذكره في الكتاب فانه قدم الافقه على الاقرأ والاورع وهو أظهر وأوفق لاطلاق الاكثرين ووجهه ما سيأتي في تقديم الافقه على الاقرأ وينبغى ان يعلم لفظ الاورع بالواو لذلك (الثالثة) إذا اجتمع شخصان أحدهما لا يقرأ الا ما يكفى في الصلاة لكنه صاحب فقه كثير والآخر يحسن القرآن كله وهو قليل الفقه فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان الافقه أولي خلافا لابي حنيفة واحمد حيث
قالا الاقرأ اولى احتجاجا بالخبر الذى تقدم فانه قدم الاقرا علي الاعلم بالسنة وهو الافقه: لنا ان الواجب في الصلاة محصور والوقائع الحادثة في الصلاة غير محصورة فالحاجة إلى الفقه اهم واجاب الشافعي رضى الله عنه عن الاحتجاج بالخبر بان اهل العصر الاول كانوا يتفقهون قبل ان يقرؤا وما كان يوجد منهم قارئ الا وهو فقيه وإذا كان كذلك فالذي يقتضيه الخبر تقديم القارئ الفقيه على

(4/332)


الفقيه الذى ليس بقارئ وذلك مما لا نزاع فيه وكذلك تقديم الجامع لهما علي القارئ الذي ليس بفقيه وحكي القاضي الرويانى وغيره وجها آخر ان الاقرأ والافقه يستويان لتقابل الفضيلتين فليكن قوله اولي من الاقرأ معلما بالواو مع الحاء والالف وانما قال الذى يحسن الفاتحة اشارة إلى ان الافقه لو لم يحسن الواجب من القراءة لا يكون أولي من الاقرأ وانما الاولوية بشرط ان يقرأ ما يجب (الرابعة) تقدم كل واحدة من خصلتي الفقه والقراءة علي السن والنسب والهجرة ونص في صلاة الجنازة علي تقديم الاسن علي الافقه كما سيأتي في موضعه فحكي صاحب النهاية ان العراقيين حكوا عن بعض الاصحاب جعل المسألتين على قولين نقلا وتخريجا فيجوز ان يعلم بالواو لذلك لفظ الاسن أيضا وإذا استويا فيهما فبماذا يقع التقديم اما المتعرضون للهجرة فقد اختلفت طرقهم قال الشيخ أبو حامد وجماعة لا خلاف في تقدم السن والنسب جميعا علي الهجرة وفى السن وفى النسب إذا تعارضا فاجتمع شاب قرشي وشيخ غير قرشي قولان (الجديد) ان الشيخ أولى لما روى

(4/333)


انه صلي الله عليه وسلم قال " وليؤمكم أكبركم " ولان النسب فضيلة في الآباء والسن فضيلة في ذات الشخص واعتبار الفضيلة التى في ذاته أولي (والقديم) ان الشاب النسيب أولى لقوله صلي الله عليه وسلم " قدموا قريشا " ولان شرف النسب بفضيلة اكتسبها الاباء والسن مضي زمان لا اكتساب فيه واعتبار الفضيلة المكتسبة أولي وعكس صاحب التهذيب والتتمة الترتيب فقال الهجرة مقدمة علي السن والنسب وفيهما القولان وادرج آخرون منهم صاحب المهذب الهجرة في حكاية القولين فقالوا في الجديد يقدم بالسن ثم بالهجرة ثم في القديم يقدم بالنسب ثم بالهجرة
ثم بالسن: واما صاحب الكتاب ومن لم يتعرض للهجرة اقتصروا على ذكر القولين في السن والنسب وطريقتهم توافق ما ذكره الشيخ أبو حامد فانهم يرجحون بالهجرة بعد السن والنسب لا محالة وان لم يعدوها من اصول الخصال ورجح جماعة من الاصحاب القول

(4/334)


القديم في المسألة علي خلاف الغالب (الخامسة) إذا تساويا في جميع الصفات المذكورة قدم بنظافة الثوب والبدن عن الاوساخ وطيب الصنعة وحسن الصوت وما اشبهها من الفضائل لانها تفضى الي استمالة القلوب وكثرة الجمع وحكي الاصحاب عن بعض متقدمي العلماء انهم قالوا يقدم احسنهم واختلفوا في معناه منهم من قال احسنهم وجها وجعلوا له اعتبارا في التقديم ومنهم من قال المراد منه حسن الذكر بين الناس والاول هو المذكور في الكتاب ويجوز ان يعلم بالواو ثم ليس في لفظ الكتاب ما يوجب تقديم حسن الوجه علي نظافة الثوب ولا عكسه وفى التتمة انه تقدم

(4/335)


النظافة ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة * قال (واما باعتبار المكان فالوالي أولي من المالك والمالك أولي من غيره والمكترى أولي من المكري والمعير أولى من المستعير (ح م) والسيد أولى من العبد الساكن) ما ذكرنا من الاسباب المقدمة صفات في الشخص وقد يكون التقدم باعتبار اقتضاء المكان التقديم لا باعتبار صفة فيه فالوالى في محل ولايته أولي من غيره وان اختص ذلك الغير بالخصال التي سبقت روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه " وكان ابن عمر رضى الله عنهما يصلى خلف الحجاج ويتقدم علي الامام الراتب في المسجد وكذلك يتقدم علي مالك الدار ونحوها إذا اجتمعوا في

(4/336)


موضع مملوك ورضي المالك باقامة الجماعة فيه لان تقدم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة فان اذن فلا بأس ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام الاعظم أولى من غيره ثم الاعلي فالاعلي من الولاة والحكام وحكى القاضي ابن كج وآخرون قولا آخر ان في المواضع المملوكة المالك أولي
من الوالي فليكن قوله أولي من المالك معلما بالواو لذلك ولو اجتمع قوم في موضع مملوك وليس فيهم الوالي فساكن الموضع باستحقاق أولي بالتقديم والتقدم من الاجانب عن ذلك الموضع فان لم يكن اهلا للتقدم فهو أولي بالتقديم روى عن ابن مسعود رضى الله عنه انه قال " من السنة ان لا يؤمهم الا صاحب البيت " ولا فرق بين ان يكون الساكن عبدا أسكنه سيده فيه أو حرا مالكا كان أو مستعيرا أو مستأجرا ولو كانت الدار مشتركة بين شخصين وهما حاضران أو احدهما والمستعير من الآخر فلا يتقدم غيرهما الا باذنهما ولا احدهما الا باذن الآخر وان لم يحضر الا احدهما فهو الاحرى ولو اجتمع مالك الدار والمكتر فايهما أولي فيه وجهان نقلهما القاضي الرويانى وغيره (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن المكتر أولي لان استحقاق المنافع له وهذا استيفاء للمنافع والثانى أن المكرى أولى لانه المالك للرقبة ولو اجتمع المعير والمستعير فقد نقل عن القفال اختلاف الجواب فيه قال مرة المعير أولي لانه يملك الرقبة ويملك الرجوع في المنفعة وقال مرة المستعير اولي لانه صاحب السكني الي أن يمنع وهذا ما ذكره آخرا ورجع إليه ولم يورد صاحب التهذيب سواه لكن الاظهر عند الائمة الاول وهو الذى ذكره في الكتاب واما إذا اجتمع السيد والعبد الساكن فالسيد أولي ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعير والمستعير لان فائدة الكون ثم ترجع إلى المستعير فيجوز أن يدام له الحق ما لم يرجع المعير

(4/337)


وفائدة سكون العبد في الدار ترجع إلى السيد ايضا لانه ملكه فإذا حضر وهو المالك والمنتفع بالسكون كان أولى ولا فرق بين المأذون في التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب فالمكاتب أولي ولو حضر قوم في مسجد له امام راتب فهو أولى من غيره فان لم يحضر بعد يستحب أن يبعث إليه ليحضر فان خيف فوات اول الوقت استحب أن يتقدم غيره * قال (الفصل الثالث في شرائط القدوة) (ويرجع ذلك الي شروط ستة (الاول) أن لا يتقدم في الموقف علي الامام فان فعل لم تنعقد (م و) صلاته والاحب أن يتخلف ولو ساواه فلا باس ثم ان ام باثنين اصطفا خلفه وأن ام بواحد وقف عن يمينه والخنثى يقف خلف الرجل والمرأة خلف الخنثي ويكره أن يقف المقتدى منفردا بل تستحب أن
يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا فان لم يفعل صحت صلاته مع الكراهية وإن تقابل الامام والمأموم داخل الكعبة فلا باس وان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهة من الامام ففيه وجه أنه لا يصح) * غرض الفصل الكلام في شروط الاقتداء ويتضمنها امور مستحبة ويعقبها فروع: فأما الشروط فقد عدها ستة (أحدها) ان لا يتقدم المأموم علي الامام في جهة القبلة فان تقدم ففيه قولان (الجديد) ان صلاته لا تنعقد كما لو كان متقدما عند التحرم وتبطل لو تقدم في خلالها وبهذا قال أبو حنيفة واحمد لان المخالفة في الافعال مبطلة على ما سيأتي وهذه المخالفة أفحش من المخالفة في الافعال وهذا هو الذى أورده في الكتاب (والقديم) وبه قال مالك انه لا يخل بالصلاة لانه خطأ في الموقف فاشبه الخطأ بالوقوف علي اليسار إذا عرفت حكم التقدم عرفت أن هذا الشرط مختلف فيه وادراجه في الشروط جواب علي الجديد والادب للمأموم انه يتخلف عن موقف الامام قليلا إذا كان واحدا فان أم به اثنان فصاعدا فيصطفون خلفه ويكون بينهم وبين الامام قدر من التخلف صالح كما سيأتي ولو ساوى الامام المأموم فلم يتخلف ولا تقدم صحت صلاته قال صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما والاعتبار في المساواة والتقدم بالعقب فان المأموم قد يكون اطول فيتقدم رأسه عند السجود والقدم والاصابع قد تكون اطول ايضا فلذلك وقع الاعتبار بالعقب فان تحاذى عقب الامام وعقب

(4/338)


المأموم أو تقدم عقب الامام جاز وإن كانت اصابع المأموم متقدمة ولو تقدم عقب المأموم فهو موضع القولين وإن كانت اصابعه متأخرة أو محاذية وذكر في التتمة وجها آخر أنه تصح صلاته نظرا إلى الاصابع وفى الوسيط ذكر الكعب بدل العقب والوجه الاول هذا فيمن بعد عن البيت اما إذا صلوا جماعة في المسجد الحرام فالمستحب أن يقف الامام خلف المقام ويقف الناس مستديرين بالكعبة فان كان بعضهم اقرب إليها نظر أن كان متوجها الي الجهة التي توجه إليها الامام ففيه القولان القديم والجديد وإن كان متوجها الي غيرها فطريقان عن أبى اسحق المروزى أنه علي القولين وقال اكثر الاصحاب يجوز قولا واحدا لان رعاية القرب والبعد في غير جهة الامام مما يشق وبهذا قال أبو حنيفة ولو وقف الامام والمأموم داخل الكعبة فهذه المسألة هي التى أوردها في آخر الفصل وحكمها أنه يجوز الاقتداء
فيها مع اتحاد جهة الامام والمأموم ومع اختلاف الجهتين فان الكل قبلة ثم إن اتحدت الجهة وولى المأموم ظهره وجه الامام عاد القولان لانه اقرب إلى الجدار الذى توجها إليه وإن اختلفت الجهة وكان المأموم اقرب إلى الجدار الذى توجه إليه من الامام إلى ما توجه إليه وفرعنا على الجديد فوجهان (اظهرهما) أنه لا يجوز كما لو اتحدت الجهة وكان اقرب (واظهرهما) أنه يجوز لان اختلاف الجهة اعظم من تفاوت المسافة فإذا احتملنا ذلك فلا يبقى معه معنى النظر الي القرب والبعد (وقوله) فان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهته من الامام ففيه وجه انه يصح ما يشعر بترجيح الوجه الثاني لانه بين أنه لا باس بتقابل الامام والمأموم وهذا مطلق يتناول ما إذا كان المأموم أقرب الي الجدار وما إذا لم يكن ثم بين أن للاصحاب وجها آخر في الحالة الاولي ولك أن تقرأه علي وجه آخر فتقول وان كان المأموم أقرب وتعلقه بقوله فلا باس ثم تقول وفيه وجه أنه لا يصح ولو وقف الامام في الكعبة والمأموم خارجا يجوز وله التوجه الي أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز ايضا لكن لو توجه الي الجهة التي توجه إليها الامام عاد القولان لانه حينئذ يكون سابقا علي الامام ثم الفصل يشتمل علي مسألتين سوى ما ذكرنا (احداهما) لو لم يحضر مع الامام الا ذكر فان كان واحدا وقف علي يمين الامام

(4/339)


بالغا كان أو صبيا ولو وقف علي يساره أو خلفه لم تبطل صلاته " وقف ابن عباس رضي الله عنهما علي يسار رسول الله صلي الله عليه وسلم فاداره إلى يمينه " فان جاء ماموم آخر وقف على يساره وأحرم ثم إن امكن تقدم الامام وتاخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخرا وأيهما اولى فيه وجهان (احدهما) وبه قال القفال أن تقدمه أولى لانه يبصر ما بين يديه فيعرف كيف يتقدم (واصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه أن تأخرهما أولي لما روى عن جابر رضى الله عنه قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يمنه ثم جاء آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعا حتى اقامنا من خلفه " وإن لم يمكن الا التقدم أو التاخر لضيق المكان من أحد الجانبين حافظوا على الممكن وهذا في القيام أما إذا لحق الثاني في التشهد أو في السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا وإن حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبى قاما خلفه صفا واحدا وانه لم يحضر معه الا الاناث يصفهن
خلفه سواء الواحدة والاثنتان والثلاث فصاعدا وإن حضر مع الامام رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه وقامت المرأة خلف الرجل وان حضرت امرأة مع رجلين أو مع رجل وصبي قام الرجلان أو الرجل والصبى خلف الامام صفا وقامت المرأة خلفهما روى عن انس رضي الله عنه قال " صليت انا ويتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا " وان كان معه رجل وامرأة وخنثى وقف الرجل عن يمنه والخنثى خلفهما لاحتمال أنه امرأة والمرأة خلف الخنثى لاحتمال انه رجل وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الامام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم وعن بعض الاصحاب أنه يوقف بين كل رجلين صبيا ليتعلموا منهم افعال الصلاة ولو حضر معهم نساء اخر صف النساء عن صف الصبيان واما النساء الخلص إذا اقمن الجماعة فقد ذكرنا انهن كيف

(4/340)


يقفن وكل هذا استحباب ومخالفته لا تؤثر في بطلان الصلاة بحال وقال أبو حنيفة إذا وقفت المرأة بجنب رجل وهما في صلاة واحدة بطلت صلاته إذا اجتمعا في الركوع وقبله لا يؤثر بل لو وقفت بجنبه وتقدم بخطوة قبل أن يركع لم بضر والمعنى بقوله في صلاة واحدة ان يكونا مقتديين بامام واحد أو تكون مقتدية به ثم ان كانا مقتديين بامام واحد بطلت صلاة من وقفت بجنبه دون صلاتها وان اقتدت به بطلت صلاته وصلاتها وصلاة جميع القوم قال فلو وقفت امرأة في خلال الصفوف بطلت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل يحاذيها من خلفها ولو كان خلف صف النساء صف الرجال أو صفوف بطلت صلاتهم الا إذا كان صفهم اطول من صف النساء فيصح صلاة الخارجين عن محاذاة النساء وتصح صلاة الصفوف الاخر خلف ذلك الصف الطويل وساعدنا في صلاة الجنازة انه لا تبطل صلاة أحد ولا يخفى عليك بعد التفصيل الذى ذكرناه في آداب الموقف ان قوله في الكتاب ثم ان ام باثنيين اصطفا خلفه وان ام بواحد وقف علي يمينه يعني به من الذكور والا فقد يختلف الحكم واعلم ان التفصيل المذكور في أدب وقوف الرجال مفروض فيما إذا لم يكونوا عراة فاما العراة فيقفون صفا واحدا ويقف امامهم وسطهم وسببه ظاهر (المسالة الثانية) إذا دخل رجل والقوم في الصلاة فيكره ان يقف منفردا خلف الصف بل ان وجد
فرجة أو سعة في الصف دخل الصف وله ان يخرق الصف الآخر ان لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف قبله لانهم قصروا حيث لم يتموه ولو لم يجد فرجة أو سعة في الصف فما الذى يفعل حكى عن نصه في البويطى أنه يقف منفردا ولا يجذب الي نفسه احدا لانه لو جذب واحدا إلى نفسه لفوت

(4/341)


عليه فضيلة الصف الاول ولاوقع الخلل في الصف وبهذا قال القاضي أبو الطيب ونقله في البيان عن مالك رضى الله عنه وقال أكثر الاصحاب أنه يجر الي نفسه واحدا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلي خلف الصف " ايها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلى معك أعد صلاتك " قالوا وانما يجره بعد ان يتحرم بالصلاة ويستحب للمجرور ان يساعده وذلك مما يدل علي ان العمل القليل لا يبطل الصلاة والمذكور في الكتاب هذا الذى قاله الاكثرون فانه قال يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا وليكن قوله أو يجر معلما بالميم والواو لما ذكرناه وعلي كل حال فلو وقف منفردا وصلي صحت صلاته خلافا لاحمد رضي الله عنه لظاهر الخبر الذى نقلناه ونحن حملناه على الاستحباب " لان ابا بكرة دخل والنبي صلي الله عليه وسلم راكع فركع قبل ان يصل الي الصف ثم دخل الصف فذكر ذلك للنبى صلي الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره بالاعادة مع انه اتى ببعض الصلاة منفردا خلف الصف ولفظ الكتاب في المسألة يشمل الداخل في اثناء الصلاة والحاضر في الابتداء واجراؤه على ظاهره جائز صحيح لكن الظاهر أنه اراد الداخل على ما ذكره في الوسيط

(4/342)


قال (الشرط الثاني الاجتماع في الموقف بين الامام والمأموم اما بمكان جامع كالمسجد فلا يضر فيه التباعد واختلاف البناء أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة ملكا كان أو وقفا أو مواتا مبنيا أو غير مبنى واما باتصال محسوس عند اختلاف البناء كما إذا وقف في بيت آخر علي يمين الامام فلا بد من اتصال الصف بتواصل المناكب ولو وقف في علو والامام في سفل فالاتصال بموازاة رأس احدهما ركبة الآخر وان وقف في بيت آخر خلف
الامام فالاتصال بتلاحق الصفوف علي ثلاثة اذرع وذلك كاف على أصح الوجهين فان زاد علي ثلاثة أذرع لم تصح القدوة علي أظهر الوجهين) (فرع) لو كان الامام في المسجد والمأموم في موات فان لم يكن حائل صح علي غلوة سهم ولو كان بينهما حائل أو جدار لم يصح وان كان مشبك أو باب مردود غير مغلق فوجهان ولو كان بينهما شارع مطروق أو نهر لا يخوضه الا السابح فوجهان) * مما يجب معرفته في الفصل ان العلم بالافعال الظاهرة من صلاة الامام مما لا بد منه اتفق عليه الاصحاب وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه ووجهوه بانه لو لم يعلمها لكانت صلاته موقوفة على صلاة من لا يتمكن من متابعته ثم العلم قد يكون بمشاهدة الامام أو بمشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الامام أو صوت المترجم في حق الاعمي والبصير الذى لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد يكون بهداية غيره ان كان اعمى أو كان أصم وهو في ظلمة وهذا في الحقيقة شرط من شروط القدوة زائد علي ما ذكره في الكتاب وحيث نحكم بجواز الاقتداء في الفصل عند بعد المسافة أو قربها مع الحائل أو دونه فذلك بعد حصول هذا الشرط إذا عرفت ذلك فنقول الامام والمأموم اما ان يكونا جميعا في المسجد أو لا يكون واحد منهما في المسجد أو يكون احدهما في المسجد والآخر خارجه فهذه ثلاثة اقسام ومتن الكتاب يشتمل عليها جميعا: اما الاول فمتي كان الامام والمأموم في مسجد واحد صح الاقتداء قربت المسافة بينها أو بعدت لكبر المسجد اتحد البناء الذى وقفا فيه أو اختلف كصفة المسجد وصحته وانما كان كذلك لان المسجد كله مبنى للصلاة واقامة الجماعة فيه فالمجتمعون فيه مجتمعون لاقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلا يضرهم بعد المسافة واختلاف الابنية فلو كان احدهما على المنارة المبنية في المسجد والاخر في سرداب فيه صحت الصلاة وكذا لو كان الامام

(4/343)


في المسجد والمأموم على السطح يجوز إذا تأخر موقف المأموم عن موقف الامام أو حازاه فان تقدم ففيه القولان السابقان في تقدم المأموم علي الامام وقد روى " أن ابا هريرة رضى الله عنه صلي على ظهر المسجد بصلاة الامام في المسجد " ثم لا يخفى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان
السطح من المسجد اما لو كان السقف مملوكا فليست المسألة من هذا القسم وانما هي بمثابة ملك متصل بالمسجد وقف احدهما فيه والبنا آن من المسجد الواحد لابد وان يكون باب احدهما نافذ الي الثاني والا فلا يعدان مسجدا واحدا وإذا كان كذلك فلا فرق بين ان يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا مغلقا أو غير مغلق وحكي في النهاية وجها آخر انه لو كان الباب بينهما مغلقا لم يجز الاقتداء لان الامام والمأموم حينئذ لا يعدان مجتمعين ونقل القاضى ابن كج عن ابى الحسين بن القطان مثل ذلك فيما إذا كان أحدهما علي السطح وكان باب المرقى مغلقا وكل واحد منها زيف ما حكاه (وقوله) في الكتاب اما بمكان جامع الي ان قال واختلاف البناء هذا كلام القسم الاول وأراد بكونه جامعا انه لابد وان يكون الامام والمأموم مجتمعين في الموقف علي ما ترجم هذا الشرط به ومن اسباب الاجتماع ان يكون الموضع مبنيا للصلاة فيكون جامعا لهما وان اختلف البناء وبعدت المسافة ولعله لو قال وهو المسجد بدل قوله كالمسجد لكان أحسن لان الكاف للتشبيه والتمثيل ولا مكان سوى المسجد يكون جامعا ثم لك مباحثة في قوله كالمسجد وهى ان تقول اللفظ يشمل المسجد الواحد والمسجدين (فما قولكم فيما) إذا وقف هذا في مسجد وذاك في مسجد اخر متصل به أو غير متصل ايكون الحكم كالحكم فيما لو وقفا في مسجد واحد أو لا يكون كذلك وظاهر اللفظ متروك (والجواب) ان ابا سعيد المتولي رحمه الله ذكر فيما إذا كان بين مسجديين طريق فاصل أن ظاهر المذهب انه ليس حكمهما حكم المسجد الواحد وفى التهذيب انه لو كان بين الامام والمأموم الواقفين في المسجد نهر ان حفر بعد بناء المسجد فالنهر مسجد ايضا فلا يضر وان حفر قبله فهما مسجدان غير متصلين فلا بد من اتصال الصف من احدهما إلى الاخر فافاد ما ذكراه ان الطريق والنهر يوجبان تغاير حكم المسجد وتمايزهما وإذا كان كذلك فالجدار الحائل بين مسجدين لا ينفذ باب احدهما إلى الآخر اولى ان يكون موجبا لتغاير الحكم وفى كلام الشيخ ابي محمد انه لو كان في

(4/344)


جوار المسجد مسجد آخر ينفرد بامام ومؤذن وجماعة فيكون حكم كل واحد منهما بالاضافة إلى الثاني كالملك المتصل بالمسجد وهذا كالضابط الفارق بين المسجد الواحد والمسجدين وظاهره
يقتضي تغاير الحكم إذا انفرد بالامور المذكورة وان كان باب احدهما لافظا الي الثاني والله اعلم * واما رحبة المسجد فقد عدها الاكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين ان يكون بينها وبين المسجد طريق أو لا يكون ونزلها القاضى ابن كج إذا كانت منفصلة منزلة مسجد آخر وقوله واختلاف البناء يجوز أن يعلم بالواو لانه يشمل ما إذا كان بينهما باب مغلق وقد حكينا فيه خلافا (القسم الثاني) ان لا يكون واحد منها في المسجد فلهما حالتان (احداهما) ان يكونا في فضاء واحد ويشتمل عليها قوله أو بالتقارب الي قوله غير مبني وحكمها ان يجوز الاقتداء بشرط القرب وهو أن لا يزيد بين الامام والمأموم الذي يليه علي ثلثمائة ذراع ومم اخذ هذا التقدير: اختلفوا فيه فعن ابن خيران وابن الوكيل وبه قال الاكثرون أنه اخذ

(4/345)


عرف الناس وعادتهم لان المكان إذا اتسع ولا حائل يعده المتباعدان ضربا من البعد مجتمعين وعن ابن سريج وأبى " اسحق أنه اخذ من صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع فانه تنحي بطائفة إلى حيث لا تصيبهم سهام العدو وصلي بهم ركعة وانصرفت الطائفة إلى وجه العدو وهم في الصلاة علي حكم الاقتداء وسهام العرب لا تبلغ اكثر من القدر المذكور " واعلم أن هذه الكيفية في صلاة ذات الرقاع رواها ابن عمر رضي الله عنهما والذى ذكرها المصنف في صلاة الخوف غير هذه وسنذكرهما إن شاء الله تعالي: ثم القدر المذكور من أي شئ اخذ معتبر بالتقريب

(4/346)


على اصح الوجهين لا بالتحديد ولو وقف شخصان أو صفان خلف الامام فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الاخير وبين الصف الاول ويجوز أن تكثر الصفوف ويبلغ ما بين الامام والصف الاخير فرسخا وحكى وجه أنها تعتبر بين الامام والصف الاخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الامام متصلة على العادة ولا باس بان يكون بين الامام والمأموم أو بين الصفين نهر يمكن العبور من احد طرفيه الي الاخر من غير سباحة اما بالوثوب فوقه أو المشي فيه أو علي جسر ممدود علي متنه وان كان يحتاج فيه الي السباحة أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان (اصحهما) أن ذلك لا يضر ايضا كما لو كانا في سفينتين علي ما سيأتي ولا فرق في الحكم الذى ذكرناه بين أن يكون الفضاء مواتا كله أو وقفا
كله أو ملكا كله أو بعضه مواتا وبعضه وقفا أو ملكا قال في النهاية وذكر شيخي وغيره وجها

(4/347)


آخر أن في الساحة المملوكة يشترط اتصال الصفوف كما سيأتي بخلاف الموات لانه يشبه المسجد من حيث إنه مشترك بين الناس وليس الملك كذلك وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا فرق بين أن تكون الساحة ملكا لشخص واحد وبين أن تكون لشخصين ونقل الصيدلاني وغيره وجها آخر أنه لو وقف احدهما في ملك زيد والآخر في ملك عمرو يشترط اتصال الصف من احد الملكين بالثاني وقوله في الكتاب أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة فيه تقديم وتأخير: المعني أو بالتقارب في الساحات المنبسطة كقدر غلوة السهم ويجوز أنه يعلم قوله بالتقارب

(4/348)


بالميم لان الغرض من اعتبار القرب في الساحات وأنه لا يكتفى بوقوف المأموم علي حركات الامام وانتقالاته وقد قال امام الحرمين بلغت عن مالك رضي الله عنه أنه ذهب في الباب الي مذهب عطاء واشتهر عن عطاء رحمه الله أنه يكتفى بالعلم بحركات الامام في جميع الاماكن ونقل عن مالك أنه يستثنى الجمعة فلا يكتفي فيها بذلك وقوله كقدر غلوة سهم ليس للتمثيل المحض وانما المراد تقديم القرب كما سبق وقوله يسمع فيها صوت الامام ليس لاشتراط ذلك في الغلوة وانما هو اشارة إلى أن القدر المذكور يبلغ فيه صوت الامام إذا جهر لتبليغ المأموم الجهر المعتاد في مثله وإذا كان كذلك

(4/349)


كانا مجتمعين متواصلين فلذلك قدر القرب به (وقوله) ملكا معلم بالواو لما تقدم (وقوله) مبنيا أو غير مبنى أي محوطا أو غير محوط ويجوز أن يريد المسقف وغير المسقف فان الصفة الكبيرة والبيوت الواسعة داخلة في هذه (الحالة الثانية) أن لا يكون في فضاء واحد (وقوله) واما باتصال محسوس إلى رأس الفرع كلام في هذه الحالة فنقول: إذا وقف الامام في صحن الدار أو في صفتها والمأموم في بيت أو بالعكس فموقف المأموم قد يكون على يمين موقف الامام أو يساره وقد يكون خلفه وفيهما طريقان للاصحاب (احدهما) أن في الصورة الاولي يشترط في جواز الاقتداء أن يكون الصف متصلا من البناء الذى فيه الامام إلى
البناء الذى فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا لان اختلاف البناء يوجب كونهما مفترقين فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال فان بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان (اصحهما) أنه لا يضر لانه معدود صفا واحدا فلو كان بينهما عتبة عريضة يمكن أن يقف عليها رجل وجب أن يقف عليها

(4/350)


واحد واثنان من جانبيها وإن كانت بحيث لا يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة واما في الصورة الثانية ففي جواز الاقتداء وجهان (احدهما) المنع لما ذكرنا أن اختلاف البناء يوجب افتراقهما وانما جوزنا في اليمين واليسار لان الاتصال المحسوس بتواصل المناكب فيه ممكن (وأظهرهما) الجواز إذا اتصلت الصفوف وتلاحقت لان هذا هو القدر الممكن فيه وكما تمس الحاجة إلى الاقتداء في بناء آخر علي اليمين واليسار تمس إليه في بناء آخر خلفه فيكتفى فيه بالممكن ومعنى اتصال الصفوف أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذى فيه الامام ورجل أوصف في اول البناء الذى فيه المأموم بحيث لا يكون بينهما اكثر من ثلاثة اذرع وهذا القدر هو المشروع بين الصفين وإذا وجد هذا الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت علي اليمين أو اليسار اعتبر الاتصال بتواصل المناكب فهذه طريقة وبها قال القفال واصحابه وكلام القاضي ابن كج يوافقهما وقد حكي اصلها أبو علي صاحب الافصاح

(4/351)


عن بعض الاصحاب لكنه اختار (الثانية) التي نذكرها (والثالثة) أنه لا يشترط اتصال الصف الواحد ولا اتصال الصفوف في الصورة الثانية بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء وهذا إذا كان بين البنائين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار اصلا كا الصفة مع الصحن ولو كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبكات فقذ ذكروا فيه وجهين وإن كان يمنع الاستطراق والمشاهدة جميعا لم يجز الاقتداء باتفاق الطريقين نعم إذا صح اقتداء الواقف في البناء الاخر اما بشرط الاتصال أو دونه فتصح صلاة الصفوف خلفه وإن كان بينهم وبين البناء الذى فيه الامام جدار تبعا له وهم معه كالمأمومين مع الامام حتي لا يجوز صلاة من بين يديه وإن كان متأخرا عن سمت موقف الامام إذا لم نجوز التقدم علي الامام وهو الصحيح وعن القاضي
الحسين تفريعا علي هذا الاصل أنه لا يجوز أن يتقدم تكبيرهم علي تكبيره وهذه الطريقة الثانية حكاها الشيخ أبو محمد عن أصحاب ابي اسحق المروزى وهي التى يوافقها كلام معظم اصحابنا العراقيين لو وقف الامام في الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس منه فبماذا يحصل الاتصال ذكر الشيخ أبو محمد أنه إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو جاز الاقتداء وان زاد عليه امتنع وقال الاكثرون إن حاذى رأس من في السفل قدم من علي العلو حصل الغرض وجاز الاقتداء قال امام الحرمين وهذا هو المقطوع به ولست ارى لذكر الركبة وجها

(4/352)


أما اعتبار محاذاة شئ من بدن هذا شيئا من بدن ذاك فمعقول وإذا كان الانخفاض والارتفاع قدر مالا يمنع القدوة فلو كان بعض الذين يحصل بهم الاتصال عند اختلاف البنائين علي سرير أو متاع وبعضهم على الارض لم يضر ولو كانوا في البحر والمأموم في سفينة والامام في اخرى وهما مكشوفتان فظاهر المذهب أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بين الامام والمأموم على ثلثمائة ذراع كما في الصحراء والسفينتان كدكتين في الصحراء يقف الامام علي احداهما والمأموم علي الاخرى وقال الاصطخرى يشترط أن تكون سفينة المأموم مشدودة بسفينة الامام ليؤمن من تقدمها عليه وإن كانت السفينتان مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار التى فيها بيوت وحكم المدارس والخانات والرباطات حكم الدور والسرداقات في الصحراء كالسفن المكشوفة والخيام كالبيوت إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله فيما إذا وقف في بيت على يمين الامام فلا بد من تواصل المناكب (جواب) علي الطريقة الاولي وينبغي أن يعلم بالواو لمكان الثانية وبالميم لما سبق حكايته عن مالك وبالحاء لانه عن ابى حنيفة فيما حكى الشيخ أبو محمد وغيره لا يشترط اتصال الصفوف (وقوله) فيما إذا وقف احدهما في علو والآخر في سفل الاتصال بموازاة رأس المتسفل ركبة العالي (جواب) علي ما سبق نقله عن الشيخ ابى محمد وقد عزاه الشيخ الي نص الشافعي رضي الله عنه ويجب اعلامه أو بالواو لما تقدم وزيد في بعض النسخ لو قدر لكل واحد منهما قامة معتدلة وهذا اشارة إلى أنه لو كان

(4/353)


قصيرا أو قاعدا لكن لو قام فيه رجل معتدل القامة تحصل المحاذاة كفى ذلك واعتبار القامة المعتدلة لكل واحد منهما انما ينتظم علي الوجه الناظر الي الركبة فاما إذا نظرنا الي القدم فلا يعتبر ذلك في حق العالي (وقوله) فالاتصال بهذا ليس علي معني أن كل الاتصال المطلوب يحصل بهذا القدر وانما المراد أن هذا لا بد منه حتى لو وقف المأموم علي صفة مرتفعة والامام في الصحن فلا بد علي الطريقة المذكورة في الكتاب من وقوف رجل على طرف الصفة ووقوف آخر في الصحن متصلا به (وقوله) فالاتصال بتلاحق الصفوف يعنى أن القدر الممكن فيما إذا كان البيت خلف الامام هذا النوع من الاتصال وهل هو كاف ام لا ويمتنع الاقتداء رأسا فيه الوجهان والاذرع الثلاث معتبرة بالتقريب فلو زاد شئ لا يتبين في الحس ما لم يدرع فلا باس به (وقوله) وإن زاد علي ثلاثة اذرع لم تصح القدوة علي اظهر الوجهين (الوجه الثاني) هو الطريقة الثانية التي شرحناها وقد تعرض لها في هذه الصورة ولم يتعرض لها فيما إذا كان البيت على يمين الامام فاعرف ذلك (القسم الثالث) أن يكون

(4/354)


احدهما في المسجد والآخر خارجه والفرع الباقي من الفصل يشتمل على بعض صوره وهو ما لو وقف الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به فينظر إن لم يكن بين الامام والمأموم حائل فلا يشترط اتصال الصف لصحة الاقتداء ولكن يجب أن يقف في حد القرب وهو ما دون ثلثمائة ذراع علي ما سبق في الصحراء ومن اين تعتبر المسافة فيه وجهان (احدهما) وبه قال صاحب التلخيص انها تعتبر من آخر صف في المسجد فان لم يكن فيه الا الامام فمن موقف الامام لان الاتصال مرعي بينه وبين الامام لا بينه وبين المسجد (واظهرهما) انها معتبرة من آخر المسجد لان المسجد مبنى للصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل ولهذا لو بعد موقف المأموم فيه لم يضر وفيه وجه ثالث أنه لو كان للمسجد حريم والموات وراءه فالمسافة تعتبر من الحريم وحريم المسجد هو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح الثلج والقمامات فيه (وقوله) فان لم يكن الحائل يدخل فيه ما إذا لم يكن بين المسجد والموات جدار اصلا وما إذا كان بينهما جدار لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه

(4/355)


والحكم في الحالتين واحد ثم لو اتصل الصف بمن وقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو يكن في الجدار باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه ففيه وجهان عن الشيخ ابى اسحق المروزي أنه

(4/356)


لا يمتنع الاقتداء فانه من جملة اجزاء المسجد وقال الجمهور يمنع لافتراقهما بسبب الحائل والوجهان في جدار المسجد فاما غيره فيمنع الاقتداء بلا خلاف (وقوله) وان كان بينهما جدار لم يصح يجوز أن

(4/357)


يريد بين المسجد والموات ويجب تقييده بما إذا لم يكن بينهما باب نافذ ويجوز أن يريد بين الامام والمأموم وحينئذ يجب تقييده بما إذا لم يكن باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه احد والا فالاقتداء صحيح

(4/358)


وعلى التقديرين فقوله لم يصح معلم بالواو لما نقل عن ابي اسحق وبالميم لما سبق عن مالك ولو كان بينهما باب مردود مغلق فهو كالجدار لانه يمنع الاستطراق والمشاهدة ولو كان غير مغلق فهو مانع

(4/359)


من المشاهدة دون الاستطراق ولو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ففى الصورتين وجهان (احدهما) أنه لا يمنع الاقتداء لحصول الاتصال من وجه وهذا أصح عند امام الحرمين

(4/360)


واظهرهما عند صاحب التهذيب والرويانى والاكثرين أنه يمنع لحصول الحائل من وجه وجانب المنع أولى بالتغليب هذا كله في الموات المتصل بالمسجد ولو وقف في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات كذلك ذكره الشيخ أبو محمد وفيه وجه أنه يشترط اتصال الصف بين المسجد والطريق ولو وقف في حريم المسجد فقد ذكر في التهذيب أنه كالموات لانه ليس بمسجد وذكر أيضا أن الفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يجز الاقتداء به حتي يتصل الصف من المسجد بالفضاء وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة متصلة بجنب المسجد يشترط اتصال الصف بان يقف رجل في آخر المسجد متصلا بعتبة الدار واخر
في الدار متصلا بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل وهذا الذى ذكره في الفضاء غير صاف

(4/361)


عن الاشكال لان حكم الفضاء المملوك والموات واحد في ظاهر المذهب كما سبق فليكن الفضاء المملوك المتصل بالمسجد كالموات: واما في الدور فالذي ذكره مثل الطريقة المذكورة في الكتاب في البنائين المملوكين وحكى العراقيون عن أبي اسحق أنه إذا صلى الرجل في بيته وبينه وبين المسجد جدار المسجد صح كما سبق في الموات وقال أبو على الطبري في الافصاح لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل ويجوز الاقتداء إذا وقف في حد القرب واما قوله في الكتاب ولو كان بينهما شارع الي آخره فهذه المسألة لا تختص بما إذا وقف الامام المسجد والمأموم في الموات بل يجرى فيه وفيما إذا كان في الصحراء وغيرها ما لم يكونا في المسجد على ما تقدم والمحكى عن مالك انهما لا يمنعان الاقتداء وعن ابي حنيفة واحمد انهما يمنعان وصورة الوجهين فيما إذا كان الامام في المسجد والمأموم في الموات أن يكون النهر في الموات: أما إذا كان في المسجد فقد سبق بيانه والله اعلم * قال (الثالث نية الاقتداء فلو تابع من غير نية بطلت صلاته ولا يجب تعيين الامام لكن لو

(4/362)


عين واخطأ بطلت صلاته ولا يجب موافقة نية الامام والمأموم بل يقتدى (ح م و) في الفرض بالنفل وفى الاداء بالقضاء وعكسهما ولا تجب نية الامامة علي الامام وأن اقتدى (ح) به النساء فلو خطأ في تعيين المقتدى لم يضر لان اصل النية غير واجب عليه) في الفصل ثلاث مسائل (احداها) أن من شروط الاقتداء أن ينوى المأموم الجماعة أو الاقتداء والا فلا تكون صلاته صلاة جماعة إذ ليس للمرء من عمله الا ما نواه وينبغي أن تكون مقرونة بالتكبير كسائر ما ينويه من صفات الصلاة وإذا ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته منفردا ثم لو تابع الامام في افعاله فهل تبطل صلاته فيه وجهان نقلهما صاحب التتمة وغيره (احدهما) لا لانه اتي بواجبات الصلاة وليس فيه الا أنه قارن فعله فعل غيره (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم لانه وقف صلاته على صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع فيمنع منه وإذا

(4/363)


فرعنا علي هذا الوجه فلو شك في نية الاقتداء في اثناء الصلاة نظر أن تذكر قبل أن أحدث فعلا على متابعة الامام لم يضر وأن تذكر بعد ما احدث فعلا علي متابعته بطلت صلاته لانه في حالة الشك في حكم المنفرد وليس للمنفرد أن يتابع غيره في الافعال حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الاخير لا يجوز أن يقف سلامه علي سلام الامام هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وهو مقيس بما إذا شك في اصل النية وقياس ما ذكره في الكتاب في تلك المسألة أن يفرق بين أن يمضى مع هذا الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضى غيره ويمكنك ان تستفيد من لفظ الكتاب في المسألة فائدتين (احداهما) أن تبحث فتقول اللفظ مطلق يشمل صلاة الجمعة وغيرها فهل تجب فيها نية الجماعة ايضا جريا على اطلاق اللفظ ام لا والجواب انهم حكوا فيه وجهين (احدهما) لا لان صلاة الجمعة لا تصح الا بالجماعة فلا حاجة الي التعرض لها (واصحهما) نعم لتتعلق صلاته بصلاة الامام فعلى هذا الاصح اللفظ

(4/364)


مجرى علي اطلاقه (الثانية) في قوله فلو تابع من غير نية ما ينبه علي أن الحكم بالبطلان فيما إذا انتظره ليركع عند ركوعه ويسجد عند سجوده فاما إذا اتفق انقضاء افعاله مع انقضاء افعال الامام ولم ينتظر فهذا الا يسمي متابعة وهو غير مبطل للصلاة ذكره في العدة وشيئا آخر وهو أن الوجهين في البطلان فيما إذا طال الانتظار فاما الانتظار اليسير فلا يؤثر ثم لا يجب علي المأموم أن يعين في نيته الامام بل يكفى نية الاقتداء بالامام الحاضر فان مقصود الجماعة لا يختلف ولو عين وأخطأ بان نوى الاقتداء بزيد فبان انه عمر وبطلت صلاته كما لو عين الميت في صلاة الجنازة واخطأ لا تصح صلاته ولو نوى الاقتداء بالحاضر واعتقده زيدا فكان غيره رأى امام الحرمين تخريجه علي الوجهين فيما إذا قال بعتك هذا الفرس واشار إلى الحمار (الثانية) اختلاف نية الامام والمأموم فيما يأتيان به من الصلاة لا يمنع صحة الاقتداء بل يجوز للمؤدى أن يقتدى بالقاضي وبالعكس وللمفترض أن يقتدى بالمتنفل وبالعكس خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وبه قال احمد في اصح الروايتين وكذلك مالك ويروى عنه المنع مطلقا * واحتج الشافعي رضى الله عنه بما روى
عن جابر رضى الله عنه قال " كان معاذ رضى الله عنه يصلى مع النبي صلي الله عليه وسلم العشاء ثم ينطلق الي قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء " * واحتج المزني بأنه إذا جاز النفل

(4/365)


خلف من يصلي الفرض جاز الفرض خلف من يصلي النفل قال الاصحاب والجامع انهما صلاتان متفقتان في الافعال الظاهرة (الثالثة) لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوى الامام الامامة سواء اقتدى به الرجال أو النساء خلافا لاحمد حيث اشترط ذلك ولابي حنيفة حيث قال أن ام نساء لا تصح صلاتهن ما لم ينو امامتهن وانما قصد حجة الاسلام بقوله وأن اقتدت به النساء التعرض لمذهبه لنا على احمد ما روى عن انس رضي الله عنه قال " اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فوقفت خلفه ثم جاء آخر حتى صرنا رهطا كثيرا فلما احس النبي صلي الله عليه وسلم بنا اوجز في صلاته ثم قال انما فعلت هذا لكم " ويروى أن عمر كان يدخل فيرى

(4/366)


ابا بكر رضى الله عنه في الصلاة فيقتدى به وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك إذا رآى عمر رضى الله عنه يصلي وعلى " ابى حنيفة القياس علي ما إذا أم رجلا وإذا لم ينو الامام صحت صلاته بخلاف المأموم فان صلاته انما تبطل بتوقيفه اياها على افعال من ليس اماما له وههنا افعال الامام غير مربوطة بغيره وهل تكون صلاته جماعة حتى ينال بها فضيلة الجماعة فيه وجهان (احدهما) نعم لتأدى شعار الجماعة بما جرى وأن لم يكن عن قصد منه (واصحهما) لا إذ ليس للمرء من عمله الا ما نوى ويقال ان القفال سئل عمن كان يصلي منفردا فاقتدى به قوم وهو لا يدرى هل ينال فضيلة الجماعة فقال الذى يجاب به على فضل الله تعالي أنه ينالها لانهم بسببه نالوها وهذا كالتوسط بين الوجهين ومن فوائد الوجهين أنه إذا لم ينو الامامة في صلاة الجمعه هل تصح جمعته (والاصح) انهما لا تصح وبه قال القاضى الحسين

(4/367)


وعلى هذا فقوله في الكتاب ولا تجب نية الامامة علي الامام غير مجرى على اطلاقه بل الجمعة مستئناة عنه واعلم أن ابا الحسن العبادي حكى عن ابي حفص البابشامي وعن القفال أنه تجب نية
الامامة علي الامام واشعر كلامه بانهما يشترطانها في صحة الاقتداء فان كان كذلك فليكن قوله ولا تجب نية الامامة علي الامام معلما بالواو مع الالف ولو نوى الامام الامامة وعين في نيته المقتدى فبان خلافه

(4/368)


لم يضر لان غلطه في النية لا يزيد علي تركها اصلا ورأسا ولو تركها لم يقدح علي ما سبق بخلاف ما إذا اخطأ المأموم في تعيين الامام فان أصل النية واجب عليه * قال (الشرط الرابع توافق نظم الصلاتين فلا يقتدى في الظهر بصلاة الجنازة وصلاة الخسوف ويقتدى في الظهر بالصبح ثم يقوم عند سلام الامام كالمسبوق فان اقتدى في الصبح بالظهر

(4/369)


صح علي احد الوجهين ثم يتخير عند قيام الامام الي الثالثة بين ان يسلم أو ينتظر الامام إلى الآخر) لو اختلف صلاتا الامام والمأموم في الافعال الظاهرة كما لو اقتدى في فريضة بمن يصلي الجنازة أو الخسوف هل يجوز: فيه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجوز لتعذر المتابعة مع المخالفة في الافعال (والثاني) ويحكى عن القفال أنه يجوز لان المقصود من الاقتداء اكتساب الفضيلة وكل يراعى

(4/370)


واجبات صلاته فعلي هذا إذا اقتدى بمن يصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والاذكار بينها بل إذا كبر الامام الثانية يخير بين أن يخرج نفسه عن المتابعة وبين أن ينتظر سلام الامام وإذا اقتدى بمن يصلي صلاة الخسوف يتابعه في الركوع الاول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره قال امام الحرمين وانما ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الامام ثم يعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا

(4/371)


ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير وان اتفقت الصلاتان في الافعال نظر إن توافقت عدد الركعات كالاقتداء في الظهر بالعصر أو بالعشاء جاز وإن كان عدد ركعات الامام أقل كما لو اقتدى في الظهر بالصبح جاز ايضا لان متابعة الامام فيما يأتي به متيسرة ثم إذا تمت صلاة الامام قام المأموم واتم صلاته كما يفعله المسبوق ويتابع الامام في القنوت كما لو ادرك الامام في الصبح

(4/372)


في الركعة الثانية يتابعه في القنوت ولو ازاد أن يفارقه إذا اشتغل بالقنوت فله ذلك ولو اقتدى في الظهر بالمغرب فإذا انتهى الامام إلى الجلسة الاخيرة بخبر المأموم بين المتابعة والمفارقة كما في

(4/373)


القنوت وإن كان عدد ركعات الامام اكثر كالاقتداء في الصبح بالظهر ففى المسألة طريقان احدهما وهو المذكور في الكتاب أن فيها قولين احدهما أنه لا يصح الاقتداء لانه يحتاج الي الخروج عن صلاة الامام قبل فراغه بخلاف ما إذا كانت صلاته اطول فانه لا يفارق الامام ما دام في صلاته واصحهما أنه يصح كما في

(4/374)


الصورة السابقة والجامع انهما صلاتان متفقتان في النظم: والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني قال في التهذيب وهو الاصح وإذا فرعنا عليه فإذا قام الامام إلى الركعة (الثالثة) فهو بالخيار إن شاء فارقة وسلم وإن شاء انتظره حتى يسلم معه وإن امكنه أن يقنت في الركعة الثانية فان وقف الامام يسيرا فذاك والا تركه ولا شئ عليه وله أن يخرج عن متابعته ويقنت ولو اقتدى في المغرب بالظهر فإذا قام الامام الي الرابعة لم يتابعه المأموم بل يجلس للتشهد ويفارقه فإذا تشهد سلم وهل له أن ينتظره قال في النهاية ظاهر المذهب أنه ليس له ذلك لانه احدث تشهدا لم يفعله الامام بخلاف الصورة السابقة

(4/375)


فانه وافق الامام في تشهده ثم استدامه ومنهم من أطلق وجوب الانتظار في الصورتين ولو صلي العشاء خلف من يصلى التراويح جاز كما في اقتداء الظهر بالصبح وقد نقله الشافعي رضي الله عنه عن فعل عطاء ابن ابي رباح رضي الله عنه ثم إذا سلم الامام قام الي باقي صلاته والاولي أن يتم منفردا فلو قام الامام إلى ركعتين أخريين من التراويح فاقتدى به مرة أخرى هل يجوز فيه القولان اللذان نذكرهما فيمن احرم منفردا بالصلاة ثم اقتدى في اثنائها وقوله في الكتاب توافق نظم الصلاتين اراد في الافعال والاركان لا في عدد الركعات علي ما تبين وصلاة العيدين والاستسقاء كصلاة الخسوف والجنازة ام لا: اختلف الاصحاب فيه وقوله يقتدى في الظهر بالصبح معلم بالحاء والميم والالف وكذا قوله صح في المسألة
التى بعدها لانه لابد وأن يكون احدهما قضاء وهم يمنعون من الاقتداء في انقضاء بالاداء وبالعكس كما سبق وقوله علي احد القولين معلم بالواو للطريق الاخرى وفي نسخ الوسيط ذكر وجهين بدل القولين والاول اشهر ولا يخفي أن قوله ثم يتخير تفريع علي صحة الاقتداء *

(4/376)


قال (الخامس الموافقة وهو أن لا يشتغل بما تركه الامام من سجود التلاوة أو التشهد الاول ولا بأس بانفراده بجلسة الاستراحة والقنوت ان لحق الامام في السجود) * إذا ترك الامام شيئا من أفعال الصلاة نظر ان كان فرضا كما إذا قام في موضع القعود أو بالعكس ولم يرجع بعدما سبح به المأموم فليس للمأموم أن يتابعه لانه اما عامد فصلاته باطلة أو ساه فذلك الفعل غير معدود من الصلاة وان لم يكن مبطلا وانما يتابعه في أفعال الصلاة لا في غيرها وان ترك سنة نظر ان كان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الاول فلا يأتي بهما المأموم قال صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " ولو اشتغل بهما بطلت صلاته لعدوله من فرض المتابعة الي السنة ويخرج عن هذا سجود السهو يأتي به وان تركه الامام لانه يفعله بعد خروج الامام من الصلاة فلا مخالفة وكذا يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام وان لم يكن فيه إلا تخلف يسير كجلسة الاستراحة فلا بأس بانفراده بها كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها وكذلك لا بأس بانفراده

(4/377)


بالقنوت إذا لحقه علي القرب وقوله ان لحق الامام في السجود يعنى في السجدة الاولي فاما إذا كان اللحوق في الثانية فيكثر المتخلف وسيأتى بيان التخلف المبطل في الفصل التالي لهذا * قال (السادس المتابعة فلا يتقدمه ولا بأس بالمساوقة إلا في التكبير فانه لابد فيه من التأخير

(4/378)


والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق فان تخلف بركن لم تبطل وان تخلف بركنين من غير عذر بطل (ز) والاصح انه إذا ركع قبل أن يبتدئ الامام الهوى إلى السجود لم تبطل فان ابتدأ الهوى لم تبطل أيضا على وجه لان الاعتدال ليس ركنا مقصودا فان لابس الامام السجود قبل ركوعه
بطل والتقدم كلتخلف وقيل يبطل وان كان بركن واحد) * يجب علي المأموم ان يتابع الامام ولا يتقدم عليه في الافعال لما روي أنه صلي الله عليه وسلم قال " لا تبادروا الامام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اما يخشي الذى يرفع رأسه والامام ساجد أن يحول الله راسه رأس حمار " والمراد من المتابعة أن يجرى علي أثر الامام بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الامام ومتقدما على فراغه روى عن البراء بن عازب قال " كنا نصلى

(4/379)


مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلي الله عليه وسلم وسلم جبهته على الارض " فلو خالف وترك المتابعة علي التفسير المذكور لم يخل اما أن يساوق فعله فعل الامام واما أن يتخلف عنه أو يتقدم عليه (الحالة الاولى) أن يساوق فعله فعل الامام اما التكبير فالمساوقة فيه تمنع انعقاد صلاة المأموم خلافا لابي حنيفة: لنا ظاهر قوله فإذا كبر فكبروا ويخالف الركوع وسائر الاركان حيث تحتمل المساوقة فيها لان الامام حينئذ في الصلاة فينتظم الاقتداء به ولو شك في أن تكبيره هل وقع مساوقا لم تنعقد صلاته أيضا ولو ظن أنه لاحق فبان خلافه فلا صلاة له ويشترط تأخر جميع التكبير عن جميع تكبير الامام ويستحب للامام ان لا يكبر حتى تستوى الصفوف ويأمرهم بذلك ملتفتا يمينا وشمالا وإذا فرغ المؤذن من الاقامة قام الناس واشتغلوا بتسوية الصفوف وقال أبو حنيفة يشتغلون به عند قوله حي علي الصلاة واما ما عدا التكبير فغير السلام يجوز فيه المساوقة وفى السلام وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز فيه المساوقة اعتبارا للتحلل بالتحرم (والثانى) يجور

(4/380)


كسائر الاركان وذكر بعضهم أن الوجهين مبنيان على أن نية الخروج هل تشترط أن قلنا نعم فالسلام كالتكبير وأن قلنا لا فهو كسائر الاركان والاصح من الوجهين أن المساوقة لا تضر وهو المذكور في الكتاب (وقوله) ولا باس بالمساوقة الا في التكبير معلم بالواو للوجه الصائر إلى الحاق السلام بالتكبير وليس المراد من قوله لا باس التشريع المطلق فان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه يكره الاتيان
بالافعال مع الامام وتفوت به فضيلة الجماعة وانما المراد انها لا تفسد الصلاة وقوله فانه لا بد فيه من التأخير معلم بالحاء وقوله والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق المراد منه ما ذكرنا في تفسير

(4/381)


المتابعة (الحالة الثانية) أن يتخلف عن الامام وذلك اما أن يكون بغير عذر أو بعذر فان تخلف من غير عذر نظر أن تخلف بركن واحد فقد حكى صاحب النهاية فيه وجهين (احدهما) أنه مبطل للصلاة لما فيه من مخالفة الامام (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه غير مبطل * واحتج له بعضهم بما روى انه صلى الله عليه واله وسلم قال " لا تبادروني بالركوع والسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت ومهما أسبقكم به حين سجدت تدركوني حين رفعت " وأن تخلف بركنين بطلت صلاته لكثرة المخالفة ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الامام وهو في قراءة السورة بعد الفاتحة فيشتغل باتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود ومن المهمات في هذا المقام البحث عن

(4/382)


شيئين (احدهما) معنى التخلف بالركن والركنين (والثانى) أن الحكم هل يعم جميع الاركان ام يفرق بين ركن وركن (أعلم) أن في قوله والاصح إذا ركع إلى آخره تعرضا لهما جميعا فنشرحه ونقول: من أركان الصلاة ما هو قصير ومنها ما هو طويل اما القصير فالاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين علي الاظهر كما تقدم واما الطويل فما عداهما وما هو طويل فهو مقصود في نفسه والقصير هل هو مقصود في نفسه اشار في النهاية الي تردد فيه للاصحاب فمن قائل نعم كالطويل ومن قائل لا فان الغرض منه الفصل فهو إذا تابع لغيره وهذا ما ذكره في التهذيب ثم نقول بعد هذه المقدمة: إذا ركع الامام قبل المأموم ثم ركع المأموم وادركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن ولا تبطل به الصلاة وفاقا لانه لحق الامام قبل تمام الركن الذى سبقه به ولو اعتدل الامام والمأموم بعد قائم فهل تبطل صلاته فيه وجهان واختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال هل هو مقصود ام لا أن

(4/383)


قلنا نعم فقد فارق الامام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف وان قلنا أنه ليس
بمقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لان الذى فبه تبع له فلا تبطل صلاته وقيل ان مأخذهما الوجهان اللذان سبقا في أن التخلف بركن واحد هل يبطل ام لا إن قلنا نعم فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكن الركن الثاني تاما فلا تبطل صلاته وإذا هوى الي السجود ولم ينته إليه والمأموم بعد قائم فعلي المأخذ الاول لا تبطل صلاته لانه لم يشرع في ركن مقصود وعلي المأخذ الثاني تبطل لان ركن الاعتدال قد تم هكذا ذكره امام الحرمين والمصنف في الوسيط وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن

(4/384)


واحد وأن لم يعتدل حتي تبطل الصلاة عند من يجعل التقدم بركن واحد مبطلا اما إذا انتهي الامام الي السجود والمأموم في قيامه بطلت صلاته وفاقا واعرف بعد هذا أمرين (احدهما) انا ان اكتفينا بابتداء الهوى من الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم الامام ركنين والمأموم بعد فيما قبلهما وركن واحد هو أن يتم الامام الركن الذى سبق إليه والمأموم فيما قبله وإن لم

(4/385)


يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر فحصل خلاف في تفسير التخلف كما ترى (والثانى) أن قوله وأن تخلف بركن لم تبطل ينبغي أن يعلم بالواو لما سبق نقله من الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بترجيح وجه البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود ويصرح بترجيح عدم البطلان فيما إذا تخلف بركن غير مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل

(4/386)


الامام وسجد (وقوله) وأن تخلف بركنين من غير عذر بطل يبين أن التخلف بالعذر بخلافه وأن لم يذكر حكمه في الكتاب (وقوله) فيما إذا ركع المأموم قبل أن يبتدئ الامام بالهوى إلى السجود أن الاصح عدم البطلان ليس بناء علي المأخذ الاول وهو أن الاعتدال غير مقصود لان الاكثرين

(4/387)


سووا بينه وبين سائر الاركان والامام أستبعد التردد فيه ومال الي الجزم بكونه مقصودا والمصنف
يساعده في الاكثر ويوضحه أنه اطلق البطلان في التخلف بركنين ولم يفرق بين ركن وركن فإذا هو بناء على المأخذ الثاني ويصير الي أن التخلف بالركنين انما يحصل إذا شرع في ركن ثالث فاعرف

(4/388)


ذلك وقوله فان ابتدأ بالهوى لم تبطل ايضا علي وجه اشارة الي المأخذ الاول ولم يذكر ههنا أن الاصح عدم البطلان بل في سياق الكلام ما يشعر بانه لا يرتضيه هذا تمام الكلام فيما إذا تخلف بغير عذر واما العذر فانواع (منها) الخوف وسنذكره في صلاة الخوف (ومنها) أن يكون المأموم بطئ القراءة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة ففيه وجهان (احدهما) أنه يتابعه ويسقط عنه الباقي فعلي هذا لو اشتغل باتمامها كان متخلفا بغير عذر (واصحهما) وهو الذى ذكره صاحب التهذيب وابراهيم المرودى أنه لا يسقط وعليه أن يتمها ويسعي خلف الامام على نظم صلاته ما لم يسبقه باكثر من ثلاثة اركان

(4/389)


مقصودة فان زاد علي ثلاثة اركان فوجهان (احدهما) أنه يخرج عن متابعته لتعذر الموافقة (واظهرهما) أن له أن يدوم علي متابعته وعلي هذا فوجهان (احدهما) أنه يراعي نظم صلاته ويجرى على اثره وهو معذور

(4/390)


وبهذا أفتى القفال (واظهرهما) أنه يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الامام وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام (ومنها) اخذ التقدير بثلاثة اركان مقصودة فانه انما يحصل القولان في تلك المسألة إذا ركع الامام في الثانية وقبل ذلك لا يوافقه وانما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين علي مذهب من يقول أنه غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا واما من لا يفرق بين المقصود وغير المقصود أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا

(4/391)


لانه ركن طويل وهو المرضى عند صاحب الكتاب والقياس علي اصله التقدير باربعة اركان أخذا من مسألة الزحام ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح ولم يتم الفاتحة لذلك وركع الامام فيتم الفاتحة كما في بطئ القراءة وهو معذر في التخلف ذكره في التهذيب وكل هذا في المأموم الموافق
فاما المسبوق إذا ادرك الامام في القيام وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ دعاء الاستفتاح بل يبادر الي قراءة الفاتحة فان الاهتمام بشأن الفرض أولي ثم أن ركع الامام في اثناء الفاتحة ففيه ثلاثة اوجه (احدها) أنه يسقط عنه ما بقى من الفاتحة ويركع معه (والثانى) أنه يتم الفاتحة لانه أدرك القيام الذى هو محلها (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاصح عند القفال والمعتبرين أنه أن لم يقرأ شيئا من دعاء الاستفتاح يقطع القراءة ويركع معه ويكون مدركا للركعة لانه لم يدرك الا ما يقرأ فيه بعض الفاتحة فلا يلزمه فوق ذلك كما أنه إذا لم يدرك شيئا من القيام لا يلزمه شئ من الفاتحة وإن قرأ شيئا من دعاء الاستفتاح لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره بالعدول من الفريضة الي غيرها (فان قلنا) عليه اتمام الفاتحة (فتخلفه) ليقرأ تخلف بالعذر ولو لم يتم وركع مع الامام بطلت صلاته (وأن قلنا) أنه يركع فلو بقراءة اشتغل البقية كان هذا تخلفا بغير عذر فان سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال فلا يكون مدركا للركعة واصح الوجهين أنه لا تبطل صلاته إذا فرعنا علي ان التقدم بركن واحد لا يبطل كما في حق غير المسبوق (والثانى) تبطل لانه ترك متابعة الامام فيما فاتت به الركعة وكانت بمثابة السبق بركعة (ومنهاا) لزحام وسيأتي في الجمعة (ومنها) النسيان فلو ركع مع الامام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها فلا يجو أن يعود لانه فات محل

(4/392)


القراءة فإذا سلم الامام قام وتدارك ما فاته ولو تذكر أو شك بعدما ركع الامام وهو لم يركع بعد لم تسقط القراءة بالنسيان وماذا يفعل فيه وجهان منقولان في التهذيب (احدهما) أنه يركع معه فإذا سلم الامام قام وقضى ركعة (والثانى) أنه يتمها اولا وهذا اشبه وبه افتى القفال وعلى هذا فتخلفه ليقرأ تخلف معذور ام لا فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة (اظهرهما) أنه تخلف معذور (والثانى) لا لتقصيره بالنسيان (الحالة الثالثة) أن يتقدم علي الامام اما في الركوع والسجود وغيرهما من الافعال الظاهرة فينظر أن كان لم يسبق بركن كامل لم تبطل صلاته لانه مخالفة يسيرة مثاله ما إذا ركع قبل الامام ولم يرفع

(4/393)


حتي ركع الامام وعن بعض الاصحاب انها تبطل إذا تعمد وحكاه الامام عن الشيخ ابى محمد ووجهه
أن التقدم يناقض الاقتداء بخلاف التخلف وعلي الصحيح لو فعل ذلك عمدا لم يجز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لانه زاد ركنا هكذا ذكره صاحب النهاية والتهذيب وحكى العراقيون عن النص أنه ويستحب ان يعود إلى موافقته ويركع معه وقد مر ذكر هذه المسألة ولو فعله سهوا فوجهان (احدهما) انه يجب العود ولو لم يعد بطلت صلاته (واظهرهما) انه لا يجب وانما هو بالخيار أن شاء عاد والا فلا وان سبق الامام بركنين فصاعدا بطلت صلاته أن كان عامدا عالما بانه لا يجوز لتفاحش المخالفة وأن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيتداركها بعد سلام الامام والتقدم بركنين لا يخفى قياسه مما مر في التخلف ومثل ائمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما اراد

(4/394)


الامام أن يركع رفع فلما اراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف ذلك القياس فيجوز ان يقدر مثله في التخلف ويجوز ان يخصص ذلك بالتقدم لان المخالفة فيه افحش وإن سبقه بركن واحد كما إذا ركع قبل الامام ورفع رأسه والامام في القيام ثم وقف حتي رفع الامام واجمتمعا في الاعتدال فالذي ذكره الصيدلانى وقوم أنه تبطل صلاته لتعمد المخالفة ويعد هذه المخالفة عما يناسب حال المقتدى قالوا وهذ في التقدم بالركن المقصود فاما إذا سبق بالاعتدال بان اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين كما إذا رفع راسه عن السجدة الاولي وجلس وسجد الثانية والامام بعد في الاولي فوجهان كما ذكرناهما في حالة التخلف وقال اصحابنا العراقيون وآخرون ان التقدم بركن واحد لا يبطل الصلاة لانه مخالفة يسيرة فهى بمثابة التخلف وهذا أظهر واشهر

(4/395)


ويحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه هذا في الافعال الظاهرة واما التكبير فالسبق به غير محتمل علي ما قدمناه واما قراءة الفاتحة وفى معناها التشهد فالسبق بها علي الامام غير مبطل وأن قلنا ان السبق بتمام الركوع مبطل لانه لا يظهر به المخالفة وفى التتمة حكاية وجه ضعيف انه يبطل كالركوع وعلي المذهب هل تقع محسوبة أو يجب أعادتها مع قراءة الامام أو بعدها فيه وجهان (اظهرهما) انها تقع محسوبة إذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في قوله والتقدم كالتخلف سبق إلى فهمك أنه جواب على
ما ذكره العراقيون وحكوه عن النص وهو أن التقدم بركن واحد لم يبطل وهذا هو الذى اورده في التخلف

(4/396)


وحمل قوله وقيل أنه يبطل وان كان بركن واحد على ما رواه الصيدلاني وغيره وهذا تنزيل صحيح لكنه نقل الوجه الثاني في الوسيط عن الشيخ ابى محمد وليس في النهاية تعرض لذلك والمشهور عنه ما قدمناه أن المبادرة الي الركن مبطلة وأن كان القول به قولا بالبطلان عند السبق بتمام الركن فان كان المراد ما اشتهر لم عن الشيخ فالتقدم في لفظ الكتاب وفى الوسيط محمول علي المبادرة الي الركن من غير أن يسبق بتمامه والله أعلم *

(4/397)


قال (فروع المسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوى فان اقتصر على واحد جاز الا إذا قصد به الهوى فان اطلق ففيه تردد لتعارض القرينة) المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع يكبر للافتتاح وليس له أن يشتغل بقراءة الفاتحة بل يهوى للركوع ويكبر له تكبيرة اخرى وكذلك الحكم لو ادركه قائما فكبر وركع الامام كما كبر ولو اقتصر

(4/398)


على تكبيرة واحدة فلا يخلو من احدى احوال اربع أن ينوى بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته لان تكبيرة الركوع سنة ويشترط وقوعها في حال القيام كما تقدم وأن ينوى بها تكبيرة الركوع فلا تصح وأن ينوى بهما جميعا فظاهر المذهب انها لا تصح ايضا لانه شرك بين الفرض وغيره الذى

(4/399)


لو اقتصر علي قصد الفرض لم يحصل ذلك الغير فاشبه ما لو تحرم بفريضة ونافلة ويخالف ما إذا اغتسل للجنابة والجمعة ونظائره وفيه وجه أن صلاته تنعقد نفلا نقله القاضى ابن كج عن حكاية ابى حامد القاضي والرابعة أن لا ينوى هذا ولا ذاك بل يطلق التكبيرة قال بعض الاصحاب تنعقد صلاته لان قرينة الافتتاح تصرفها إليه والظاهر أنه لا يقصد الهوى ما لم يتحرم وحكى اصحابنا

(4/400)


العراقيون عن نصه في الام انها لا تنعقد لان قرينة الهوى تصرفها إليه وإذا تعارضت القرينتان فلا بد من قصد صارف والا فهي بمثابة ما لو قصد التشريك بينهما وميل امام الحرمين الي الوجه الاول وظاهر المذهب عند الجمهور الثاني وقوله في الكتاب جاز الا إذا اقصد به الهوى ليس لحصر الاستثناء فيه بل قوله فان اطلق في معني المستثنى كانه قال والا إذا اطلق نعم هذا مختلف فيه وذاك متفق عليه ثم لابد من استثناء الحالة الثالثة ايضا وان لم يتعرض لها والمراد من التردد الذى اطلقه القول المنصوص والوجه المقابل له وقوله لتعارض القرينة يجوز أن يكون اشارة الي توجيه الخلاف ويجوز أن يكون علة لعدم الانعقاد أي إذا تعارضتا فلا بد من قصد مخصص * قال (ولو نوي قطع القدوة في اثناء الصلاة ففى بطلان صلاته ثلاث اقوال يفرق الثالث بين المعذور وغير المعذور وعلي كل قول إذا احدث الامام لم تبطل (ح) صلاة المأموم)

(4/401)


إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام ففي بطلان صلاته قولان (احدهما) انها تبطل لقوله صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليوتم به فلا تختلفوا عليه " وايضا فانه التزم الاقتداء وانعقدت

(4/402)


صلاته علي حكم المتابعة فليف بها والثاني لا تبطل لما روى " أن معاذا رضي الله عنه ام قومه ليلة في في صلاة العشاء بعدما صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة فتنحي من خلفه رجل وصلي وحده فقيل له نافقت ثم ذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم فقال الرجل يا رسول الله انك اخرت العشاء وان معاذا صلى معك ثم أمنا وافتح سورة البقرة وانما نحن اصحاب نواضح نعمل بايدينا فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت فقال النبي صلي الله عليه وسلم افتان انت يا معاذ اقرأ سورة كذا وكذا ولم يامر الرجل بالاعادة " وايضا فان الجماعة سنة والتطوعات لا تلزم بالشروع وهذا اصح القولين وعن الاصطخرى أنه قطع به ولم يثبت في المسألة قولين والاشهر

(4/403)


اثباتهما ثم اختلفوا في محلها على طرق (اصحها) أن القولين فيمن خرج عن متابعة الامام بغير عذر
فاما المعذور فيجوز له الخروج بلا خلاف " ولهذا فارقت الفرقة الاولى رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم في صلاة ذات الرقاع بعدما صلي بهم ركعة " قال امام الحرمين والاعذار كثيرة واقرب معتبر فيها أن يقال كل ما يجوز ترك الجماعة به ابتداء يجوز ترك الجماعة به بعد الشروع فيها والحقوا بها ما إذا ترك الامام سنة مقصودة كالتشهد الاول والقنوت وما إذا لم يصبر علي طول القراءة لضعف أو شغل وعن الشيخ أبي حامد ما ينازع في هذا الاخير لان حكى في البيان عنه أنه جعل انفراد الرجل عن معاذ انفرادا بغير عذر (والطريق الثاني) أن القولين فيما إذا خرج بغير عذر فاما غير المعذور لو خرج بطلت صلاته

(4/404)


قولا واحدا (والثالث) أن القولين في الكل ويحكى أنه اختيار الحليمى ونظم الكتاب يوافق هذه الطريقة لانه جمع بين الحالتين واطلق ثلاثة اقوال وانما ينتظم ذلك عند من يثبت الخلاف في الحالتين وإذا كان كذلك فيجوز أن يعلم قوله ثلاثة اقوال بالواو للطريقة الاولي والثانية فان كل واحدة منهما لا يثبت الخلاف الا في حالة ولما نقل عن الاصطخرى فانه نفى الخلاف فيهما وعند ابي حنيفة تبطل صلاته بالمخالفة سواء كان بعذر أو بغير عذر وعند احمد يجوز بالعذر ولا يجوز بغير عذر في اصح الروايتين (وقوله) وعلي كل قول الي آخره الغرض منه بيان أن الخلاف فيما إذا قطع المأموم القدوة والامام في صلاته فاما إذا انقطعت القدوة لحدث الامام فليس هذا موضع الخلاف ولا تبطل صلاة المأموم بحال لانه لم يحدث شيئا (وقوله) لم تبطل صلاة المأموم معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لو تعمد الحدث بطلت صلاة المأمومين وكذا لو سبقه الحدث ولم يستخلف قال (والمنفرد إذا اقتدى في اثناء صلاته لم يجز في الجديد)

(4/405)


لو اقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر أن كان في فريضة الوقت فقد قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر احببت أن يكمل ركعتين ويسلم يكونان له نافلة ويبتدئ الصلاة مع الامام ومعناه أنه يقطع نية الفريضة ويقلبها نفلا وفيه وفى نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في باب صفة الصلاة ثم ما ذكره فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يكمل بعد ركعتين فاما إذا كانت
ذات ركعتين أو اكثر وقد قام الي الثالثة فيتمها ثم يدخل في الجماعة وأن كان في فائتة فقد قال القاضي الحسين رحمه الله لا يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الصلاة بالجماعة لان الفائتة لا تشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في الفائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوات الحاضرة يسلم عن ركعتين ويشتغل بالحاضرة لان مراعاة الوقت اولي من مراعاة الجماعة وأن كان

(4/406)


في نافلة واقيمت الجماعة فان لم يخش فوتها اتمها وأن خشي قطعها ودخل في الجماعة ولو لم يسلم عن الصلاة التى احرم بها منفردا واقتدى في خلالها ففيه طريقان (اصحهما) أن فيه قولين (احدهما) لا يجوز وتبطل صلاته وبه قال مالك وابو حنيفة وكذلك احمد في اصح الروايتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال " لا تختلفوا علي امامكم " وهذا يفضى الي الاختلاف وايضا قال " فإذا كبر فكبروا " أمر المأموم

(4/407)


بان يكبر إذا كبر الامام وهذا كبر قبله (واصحهما) أنه يجوز وبه قال المزني لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى اصحابه ثم تذكر في صلاته أنه جنب فاشار إليهم كما انتم وخرج واغتسل وعاد ورأسه يقطر وتحرم بهم " ومعلوم انهم انشأوا اقتداء جديدا إذ تبين أن الاول لم يكن صحيحا وايضا فانه يجوز أن يصلى بعض الصلاة منفردا ثم يقتدى به جماعة فيصير اماما فكذلك يجوز أن يصير مأموما

(4/408)


بعدما كان منفردا (والطريق الثاني) القطع بالمنع حكى الطريقين الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما والمشهور اثبات القولين ثم اختلفوا في محلهما علي طرق (احدها) وبه قال القاضي أبو حامد أن القولين فيما إذا لم يركع المنفرد بعد في صلاته فاما بعده فلا يجوز الاقتداء قولا واحدا لانه يخالف الامام في الترتيب وموضع القيام والقعود فلا تتأتى المتابعة (وثانيها) أن القولين فيما إذا اقتدى بعد الركوع فاما قبله فيجوز قولا واحدا وبه قال أبو إسحق واختاره القاضى أبو الطيب واصحهما ان

(4/409)


القولين يطردان في الحالين وحكي في التهذيب طريقة الفرق بعبارة اخرى فقال منهم من قال القولان
فيما إذا اتفقا في الركعة فان اختلفا وكان الامام في ركعة والمأموم في اخرى متقدما أو متأخرا لا يجوز وهذا هو الوفاء بالنظر إلى اختلاف الترتيب وإذا جوزنا الاقتداء علي الاطلاق واختلفا في الركعة قعد المأموم في موضع قعود الامام وقام في موضع قيامه وإذا تم صلاة المأموم اولا لم يوافق الامام في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء ليتم صلاته فيسلم معه وان تم صلاة الامام أولا قام المأموم واتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الامام بل إذا سلم الامام سجد هو لسهوه وان سها بعد الاقتداء تحمل عنه الامام وإن سها الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد مع الامام ويعيد في آخر صلاته علي الاصح علي ما ذكرناه في المسبوق وقوله في الكتاب لم يجز على الجديد جواب على الطريقة المشهورة وهى اثبات

(4/410)


الخلاف في المسألة وظاهره يوافق الطريقة المشهورة بعد اثبات الخلاف وهى طرده في الاحوال كلها واما تعبيره عن قول المنع بالجديد فهكذا ذكره الشيخ أبو محمد والمسعودي وغيرهما وقالوا قوله في المختصر كرهت أن يفتتحها صلاة انفراد ثم يجعلها صلاة جماعة اراد به أنى لا أجوزه وجعلوا الجواز قوله القديم وقال صاحب المهذب وشيخه أبو القاسم الكرخي وآخرون يجوز ذلك في القديم والجديد معا وحكوا قول المنع عن الاملاء وارادوا بالجديد الام ونقلوا الجواز عنه واعلم أن الاملاء محسوب من الكتب الجديدة فيحصل عما نقلوه عنه عن الام قولان في الجديد ويمكن تنزيل التعبيرين عليهما وبتقدير انحصار المنع في الجديد على ما يشعر به لفظ الكتاب فالمسألة مما يفتى فيها علي القديم لان الاصح عند جمهور الاصحاب جواز الاقتداء ويجوز أن يعلم قوله ما لم يجز بالزاى لما ذكرناه من مذهب المزني

(4/411)


وقوله علي الجديد بالواو لامرين احدهما (الطريق الثاني) للخلاف في بعض الاحوال (والثانى) الطريق الثاني للخلاف في المسألة اصلا ورأسا * قال (وإذا شك المسبوق أن الامام هل رفع رأسه قبل ركوعه ففي ادراكه قولان لان لاصل انه لم يدرك ويعارضه أن الاصل أنه لم يرفع رأسه) *

(4/412)


الاصل الذى تتفرع عليه المسألة أن من ادرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الركوع من الركعة الاخيرة يوم الجمعة فليضف إليها اخرى ومن لم يدرك

(4/413)


الركوع من الركعة الاخيرة فليصل الظهر أربعا " وروى أن ابا بكرة دخل المسجد والنبي صلي

(4/414)


الله عليه وسلم راكع فركع ثم دخل الصف واخبر النبي صلي الله عليه وسلم بذلك ووقعت ركعته معتدا بها وذكر في التتمة أن ابا عاصم العبادي حكى عن أحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا أنه

(4/417)


قال لا تدرك الركعة بادراك الركوع ويجب تداركها * واحتج بما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الامام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة " وروى

(4/418)


الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور مثله عن ابى بكر الضبعى والمذهب المشهور الاول وعليه جرى الناس في الاعصار ويعتبر فيه ان يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فان لم يكن ففيه كلام قد تعرض له في كتاب الجمعة وسنشرحه ثم ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فاعلم ان معنى ادراكه في الركوع ان يكتفى هو وامامه في حد اقل الركوع حتي لو كان هو في الهوى والامام في الارتفاع وقد بلغ هو حد الاقل قبل أن يرتفع الامام عنه كان مدركا وان لم يلتقيا فيه فلا هذه عبارة الاصحاب على طبقاتهم وهل يشترط ان يطمئن قبل ارتفاع الامام عن الحد المعتبر الاكثرون

(4/419)


لم يتعرضوا له ورأيت في البيان اشتراط ذلك صريحا وبه يشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه والله اعلم ولو كبر وانحني وشك في انه هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الامام عنه ام لا فهذه مسألة الكتاب وقد نقل فيها قولين وحكاهما في النهاية وجهين (احدهما) انه غير مدرك للركعة لان
الاصل عدم ادراك الركوع (والثانى) انه مدرك لها لان الاصل بقاء الامام في الركوع في زمان الشك والاول اظهر لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع علي خلاف الحقيقة لا يصار

(4/420)


إليه لا عند تيقن الركوع وان ادركه فيما بعد الركوع من الاركان لا يكون مدركا للركعة وعليه ان ايتابعه في الركن الذى ادركه فيه وان لم يكن محسوبا لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا اتي احدكم

(4/421)


الصلاة والامام على حال فليصنع كما يصنع الامام " * (قال والمسبوق عن سلام الامام يقوم من غير تكبير علي النص) *

(4/422)


المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع فقد ذكرنا انه يكبر للهوى بعد تكبيرة الافتتاح ولو ادركه

(4/423)


في السجدة الاولى أو الثانية أو في التشهد فهل يكبر للانتقال إليه فيه وجهان (احدهما) نعم كالركوع (واظهرهما) لا لان الركوع محسوب له فيكبر للانتقال إليه وههنا بخلافه ويخالف ايضا ما لو ادركه في

(4/424)


الاعتدال فما بعده فانه ينتقل مع الامام من ركن الي ركن مكبرا وان لم تكن محسوبة له لان ذلك لموافقة الامام ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفى التسبيحات علي اصح الوجهين فهذا حكم تكبيره إذا لحق الامام اما إذا سلم الامام فقام المسبوق ليتدارك فقد قال في الكتاب انه يقوم من غير تكبير واسنده إلى نصه وهكذا فعل في الوسيط وذكر أن الشيخ ابا محمد قال أنه يكبر للانتقال ولم يرسل جمهور الائمة الخلاف في المسألة هكذا وحيث أثبتوا الخلاف لم يسندوا نفى التكبير إلى النص ولكن قالوا ينظر أن كان الجلوس الذى سلم من الامام موضع جلوس المسبوق كما لو ادركه

(4/425)


في الثالثة من الصلوات الرباعية أو في الثانية من المغرب فيقوم مكبرا فانه لو كان وحده لكان هكذا
يفعل وأن لم يكن موضع جلوسه كما إذا ادركه في الثانية أو الرابعة من الرباعيات أو في الثالثة من المغرب ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القفال أنه لا يكبر عند قيامه لانه ليس موضع تكبيره وليس فيه موافقة الامام (والثاني) ويحكي عن أبى حامد أنه يكبر كيلا يخلو الانتقال عن ذكر ومتي لم يكن الموضع موضع جلوسه لم يجز له المكث بعد سلام الامام ولو مكث بطلت صلاته.
وأن كان موضع جلوسه لم يضر المكث وقوله والمسبوق عند سلام الامام لك أن تبحث فتقول الاعتبار بالتسليمة الاولى

(4/426)


أو الثانية (فاعلم) أن السنة أن يقوم عقيب تسليمتى الامام فان (الثانية) من الصلاة وان لم تكن مفروضة ويجوز أن يقوم عقيب الاولي ولو قام قبل تمامها بطلت صلاته أن تعمد القيام وهذا يبين أنه ليست كلمة عند للحصر اعني في قوله عند سلام الامام ومن الاصول في المسبوق أن ما يدركه مع الامام اول صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام آخر صلاته حتي لو ادرك ركعة من المغرب فإذا قام لاتمام الباقي يجهر في الثانية ويسر في الثالثة ولو ادرك ركعة من الصبح وقنت مع الامام يعيد القنوت في الركعة التى يتداركها بعد سلام الامام ونص أنه لو ادرك ركعتين من صلاة رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة بعد الفاتحة في الركعتين وهذا يخالف قياس الاصل الذى ذكرناه فمن الاصحاب من قاله أنه جواب على قوله يستحب قراءة السورة في الركعات ومنهم من قال انما امره بقراءة السورة لان امامه لم يقرأ السورة في الركعتين اللتين ادركهما المسبوق وفاتته فضيلتها فيتداركها في الركعتين الباقيتين فصار كما إذا ترك سورة الجمعة في الركعة الاولي من صلاة الجمعة يقرؤها مع سورة المنافقين في الثانية وقال أبو حنيفة رحمه الله ما ادركه المسبوق مع الامام آخر صلاته الامام وما يتداركه بعد سلام الامام اول اصلاته ووافقنا علي أنه لو ادرك ركعة من المغرب وقام بعد سلام الامام للتدارك يقعد في الثانية ولو كان ما يتداركه أول صلاته لما قعد *

(4/427)


قال * (كتاب صلاة المسافرين) * (وفيه بابان الاول في القصر وهو رخصة عند وجود السبب والمحل والشرط)
لما يترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافرين لا علي معنى أن للمسافرين يختصون بها ولكن

(4/428)


علي معنى أن لهم كيفية في اقامة الفرائض لا تعم كل مصل وانما شرعت تخفيفا عليهم لما يلحقهم من تعب السفر وهى نوعان (احدهما) تخفيف في نفس الصلاة وهو القصر (والثاني) تخفيف في رعاية وقتها وهو الجمع فرسما لهم بابين والتخفيف الثاني لا يختص بالسفر بل المطر يثبته ايضا لكن السفر أقوى سببيه علي ما تبين في التفاصيل فجعل الآخر تبعا له واورد في صلاة المسافرين: أما القصر فهو جائز بالاجماع وقد قال تعالي (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم ان يفتنكم الذين كفروا) روى أن يعلي بن امية قال " قلت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه انما قال الله أن خفتم وقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وهل هو رخصة أو عزيمة عندنا هو رخصة ولو اراد الاتمام جاز وبه قال احمد

(4/429)


لما روى عن عائشة رضى الله عنه انها قالت " سافرت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رجعت قال ما صنعت في سفرك فقالت اتممت الذى قصرت وصمت الذي افطرت فقال احسنت " وقال أبو حنيفة القصر عزيمة ولا تجوز الزيادة على الركعتين في الصلاة الرباعية ولو صلي اربعا فان قعد في الثانية مقدار التشهد اجزأت الركعتان عن فرضه والاخريان له نافلة وان لم يقعد مقدار التشهد بطلت صلاته

(4/430)


وهذا في المنفرد اما إذا اقتدى بمقيم سلم أنه يتم وعن مالك روايتان (احداهما) كمذهبنا والاخرى كمذهبه وأعلموا في نسخ الكتاب قوله وهو رخصة بالحاء والميم اشارة إلى مذهبهما وظني أن هذا الاعلام فاسد لان وصف الشئ بانه رخصة قد يكون بالمعني المقابل للعزيمة وقد يكون بمعني أنه جائز - يقال ارخص لفلان في كذا أي جوز له ذلك - والاشبه أن المراد ههنا المعنى الثاني لانه قال عند وجود السبب والمحل والشرط ومعلوم أن الجواز يفتقر الي هذه الامور سواء كان رخصة أو عزيمة ولا يختص الافتقار إليها بالرخصة المقابلة للعزيمة وإذا كان المراد أنه جائز فلا
خلاف فيه حتى يعلم * قال (الاول السبب وهو كان سفر طويل مباح (ح) والمراد بالسفر ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم

(4/431)


لا يترخص وانما يترخص المسافر عن مجاوزة السور أو عمران البلدان لم يكن له سور وأن لم يجاوز المزارع والبساتين ويشترط مجاوزتها علي سكان القرايا اعني المزارع المحوطة وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي أو يهبط أن كان علي ربوة أو يصعد ان كان في وهدة أو يجاوز الخيام أن كان في حلة) * السبب المجوز للقصر السفر الطويل المباح فهذه ثلاثة قيود (اولها) السفر وقد تكلم في معناة في ابتدائه وانتهائه.
اما معناه فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة للهائم الذى لا يدرى الي أين يتوجه وأن طال سيره لان كون السفر طويلا لا بد منه وهذا لا يدري أن سفره طويل ام لا والهائم هو الذى سماه راكب التعاسيف في باب الاستقبال ويجوز أن يعلم قوله فالهائم لا

(4/432)


يترخص بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعضهم فيه وجهين بناء علي القولين فيما إذا سلك الطريق الطويل وترك القصير لا لغرض ولعل هذا بعد أن يسير مسافة القصر والله اعلم ولو استقبلته برية واضطر الي قطعها أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه اياما فهو منشئ للسفر من حينئذ وتنبه من لفظ الكتاب لامور (احدها) انما قال والمراد بالسفر ولم يذكر ان السفر عبارة عن المعنى الذى يخرج عنه الهائم لانه ينتظم أن يقال هو هائم في سفره (والثانى) أن في الكلام اضمارا معناه ربط قصد السير بمقصد معلوم لان مجرد النية لا يجعله مسافرا ولا تفيد الرخصة قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الارض) الآية ربط القصر بالضرب في الارض لا بقصد الضرب وهذا بخلاف ما لو نوى المسافر الاقامة في موضع صالح لها حيث يصير مقيما لان الاصل الاقامة والسفر

(4/433)


عارض فيجوز أن يعود الي الاصل بمجرد النية (والثالث) أن قوله ربط القصد بمقصد معلوم يخرج
عنه ما لو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لان المراد من المقصد المكان الذى يتوجه بسيره إليه وهو لا يقصد ثم مكانا معينا وهذه المسألة تذكر في الكتاب في قيد الطويل وسنذكرها ونظائرها من بعد: واما ابتداء السفر فيتبين بتفصيل كان الموضع الذى منه الارتحال فان ارتحل عن بلده نظر أن كان لها سور فلا بد من مجاوزته وأن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لان جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلدة محسوب من موضع الاقامة وإذا جاوز السور فلفظ الكتاب كالصريح في أنه ابتداء السفر ولا يتوقف الترخص على شئ آخر لانه قال وانما يترخص المسافر عند مجاوزة السور ونقل كثير من الائمة يوافقه لكن في بعض تعاليق المروروذيين أنه أن كان خارج الصور دور

(4/434)


متلاصقة أو مقابر فلا بد من مفارقتها ويقرب من هذا ايراد الكلام في التهذيب فلك أن تقدر في المسألة وجهين وتوجه الاول بان تلك الابنية لا تعد من البلد ألا يرى أنه يقال مدرسة كذا خارج البلد ويوجه الثاني بانها من مواضع الاقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها فلها حكمها ولك ان لا تثبت خلافا في المسألة وتؤول احد النقلين علي الآخر (والثاني) اوفق لكلام الشافعي فانه رضي الله عنه قال في المختصر وأن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل أن كان حضريا فلم يعتبر السور وانما اعتبر مفارقة المنازل والله اعلم وأن لم يكن للبلدة سور اما في صوب سفره أو مطلقا فابتداء السفر بمفارقة العمران حتي لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب الذى يتخلل العمارات معدود من البلد كالنهر الحائل بين جانبى البلد مثل ما في بغداد فلا يترخص بالعبور من احد الجانبين الي الاخر وفى هذا شئ سنذكره في كتاب الجمعة أن شاء الله تعالى وان كانت اطراف البلدة خربة ولا عمارة وراءها فلفظ الكتاب يقتضي الاستغناء عن مجاوزتها فانه قال أو عمران البلد أن لم يكن

(4/435)


سور ووجهه أن الخراب ليس موضع اقامة وهذا هو الموافق للنص الذي قدمناه وهو الذى اورده صاحب التهذيب وقال اصحابنا العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من مجاوزتها لانها معدودة من البلدة ومجاوزة البلدة لا بد منها فليعلم قوله أو عمران البلد بالواو كذلك وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان
قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع ولا هجروه بالتحويط علي العامر فان كان الامر بخلافه فلا خلاف في أنه لا حاجة الي مجاوزتها ولا يشترط مجاورة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وأن كانت محوطة لانها لا تتخذ للسكنى والاقامة الا إذا كانت فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها في جميع السنة أو في بعض فصلوها فلا بد من مجاوزتها حينئذ وليعلم قوله وأن لم يجاوز المزارع والبساتين بالواو لان صاحب التتمة حكى عن بعض الاصحاب اشتراط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة الي البلدة مطلقا هذا كله فيما إذا ارتحل عن بلدة: اما القرية فحكمها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه الا أنه شرط في الكتاب مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة في القرى (وقوله) في الكتاب اعني المزارع المحوطة ليس لتخصيص الحكم بالمزارع بل البساتين في معناها بطريق الاولى وقد صرح به في الوسيط ويمكن أن يقال الغالب في البساتين التحويط أو هو شرط في وقوع اسم البساتين فلم يحتج إلى اعادة ذكرها مقيدة بالتحويط وهذا الذى ذكره حجة الاسلام قدس الله روحه من اعتبار مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة جميعا بخلاف ما نقله غيره اما امام الحرمين فانه اعتبر مجاوزة البساتين وقال هي معدودة من القرى ولم يعتبر مجاوزة المزارع لانها ليست موضع سكون ثم قال لو كانت بساتينها غير محوطة على هيئة المزارع أو مزارعها محوطة فلا

(4/436)


يشترط عندي مجاوزتها فصرح ان مجاوزة المزارع وأن كات محوطة لا تشترط واما العراقيون من اصحابنا فانهم لم يشترطوا مجاوزة البساتين ولا مجاوزة المزارع لانهم ذكروا عدم الاشتراط في البلد ثم قالوا والحكم في القرى إذا اراد أن يسافر من القرية كالحكم في البلدى سواء هذا لفظ المحاملى وغيره فإذا يجب اعلام قوله ويشترط مجاوزتها جميعا علي سكان القرى بالواو ومعرفة ما فيه ولو فرضت قريتان ليس بينهما انفصال فارق فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما قال الامام وفيه احتمال ولو كان بينهما انفصال فإذا فارق قريته كفي وان كانتا في غاية التقارب وعن ابن سريج انهما إذا تقاربتا وجب مفارقتهما

(4/437)


ولو جمع سور قرى متفاصلة فلا يشترط للسفر منها مجاوزة ذلك السور وكذلك لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين ويتبين بهذا أن قوله في الكتاب عند مجاوزة السور المراد منه السور المختص بالموضع
الذي يرتحل منه واما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التى اقام بها قدر ما يكون فيه رحله وامتعته وينتسب إليه فان سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص عليه الشافعي رضى الله عنه قال الاصحاب وهذا علي الغالب في اتساع الوادي فان افرطت السعة لم يجب الا مجاوزة القدر الذى يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التى هو منها كما لو سافر في طول الوادي وعن القاضى ابي الطيب أن كلام الشافعي رضي الله عنه مجرى علي اطلاقه وجانبا الوادي بمثابة سور البلد والنازل فيهما يتحصن بهما فلا بد من مجاوزتهما وإذا كان النازل على ربوة فلا بد من أن

(4/438)


يهبط وأن كان في وهدة فلا بد من أن يصعد وهذا ايضا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي وإذا كان في قوم أهل خيام كالاعراب والاكراد فانما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة أو متفرقة ما دامت تعد حله واحدة وهى بمثابة ابنية البلدة والقرية ولا يعتبر مفارقته لحلة اخرى بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين وضبط الصيدلاني التفرق الذى لا يؤثر بان يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض فإذا كانوا بهذه الحالة فهم حى واحد ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل فانها معدوة من جملة مواضع اقامتهم (وقوله) وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي وفى بعض النسخ أن يخرج عرض الوادي وفى بعضها أن يجاوز والمعنى لا يختلف يقال جزع الوادي أي قطعه وجزعة منعطفة وفي

(4/439)


الكلام اضمار معناه يشترط عليه الخروج عن عرض الوادي إن كان سفره في صوب العرض (وقوله) أو يهبط إن كان على ربوة لا يختص بالنازل في الوادي بل الربوة والوهدة في غير الوادي اغلب وقد يفرضان فيه ايضا والحكم لا يختلف وليست كلمة أو فيهما وفى مجاوزة الخيام للتخيير لكن المقصد التعرض لاحوال النازل في الصحراء وهو تارة يكون في واد وتارة علي ربوة وتارة في وهدة وتارة في مستو من الارض فلا يفرض في حقه خروج من العرض ولا هبوط ولا صعود ولكنه يجاوز الخيام إن كان في حلة ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المقيم والمنفرد في خيمة
وبين أن يكون في جماعة اهل خيام علي التفصيل الذى بيناه ولك أن تعلم قوله أو يجاوز الخيام بالواو لان القاضي ابن كج حكى وجها أنه لا يعتبر مفارقة الخيام بل يكفي مفارقة خيمته خاصة *

(4/440)


قال (فان رجع المسافر لاخذ شئ نسيه لم يقصر في رجوعه الي وطنه الا إذا رجع إلى بلد كان بها غريبا فاظهر الوجهين أنه يترخص وان كان قد أقام بها) إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة كاخذ شئ نسيه وغسل الدم من رعاف اصابه وتجديد طهارة وما اشبه ذلك فلتلك البلدة أحوال ثلاث (أحداها) أن لا يكون له بها اقامة اصلا فلا يصير مقيما بالرجوع إليها والحصول فيها (والثانية) ان تكون وطنه فليس له القصر إذا عاد إليها لحصوله في مسكنه وموضع اقامته وانما يترخص إذا فارقها ثانيا (والثالثة) أن لا تكون وطنه لكنه قد اقام بها مدة فهل يترخص إذا عاد إليها فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت وطنا له وهذا هو الذى ذكره في التهذيب (والثانى) نعم لانه أبطل عزم الاقامة وليست وطنا له فكانت بالاضافة إليه كسائر

(4/441)


المنازل وهذا هو المذكور في التتمة والاصح عند امام الحرمين وصاحب الكتاب وحيث حكمنا بانه لا يترخص إذا اعاد إليه فلو نوى ان يعود ولم يعد بعد لا يترخص أيضا ويصير بالنية مقيما ولا فرق بين حالة الرجوع وحالة الحصول في البلدة المرجوع إليها أن ترخص ترخص فيهما والا فلا وقد صرح بالتسوية بينهما في الوسيط وبينه بقوله ههنا لم يقصر في رجوعه إلى وطنه علي انه لا يقصر في الوطن بطريق الاولي ولا يخفي ان الكلام مفروض فيما إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن قدر مسافة القصر والا فهو سفر منشأ ويجوز أن يعلم قوله لم يقصر في رجوعه بالواو لان القاضي ابا المكارم ذكر في

(4/442)


العدة انه يجوز له القصر في طريق البلد ذاهبا وجائيا ما لم يدخل البلد فإذا دخل لا يقصر وقوله الا إذا رجع استثناء منفصل فان البلدة التى تكون وطنا له لا يكون الانسان غريبا بها *
قال (ثم نهاية سفره بالعود الي عمران الوطن أو بالعزم على الاقامة مطلقا أو مدة تزيد علي ثلاثة ايام ليس فيها يوم الدخول والخروج فان كان له في البلد غرض يعلم أنه لا ينتجز في ثلاثة ايام فهو مقيم الا إذا كان الغرض قتالا فيترخص علي ظهر القولين لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثمانية عشر يوما وهل يزيد علي تلك المدة فقولان وان كان يتوقع انتجاز غرضه كل ساعة وهو علي عزم الارتحال ترخص ان كان الغرض قتالا وان كان غيره فقولان) * غرض الفصل فيما ينتهى به السفر وقد عده في الوسيط ثلاثة امور (أحدها) لعود الي الي الوطن والضبط فيه ان يرجع الي الموضع الذى شرطنا مفارقته في انشاء السفر منه وفى معنى الوصول

(4/443)


الي الوطن الوصول الي المقصد الذى عزم علي الاقامة فيه الحد المعتبر كما سيأتي ولو لم يعزم علي الاقامة به ذلك الحد لم ينته سفره بالوصول إليه علي أصح القولين بل له القصر بعد الوصول إليه وفى انصرافه ذكره في التهذيب وغيره ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهى سفره بدخوله فيه قولان (أحدهما) نعم كدخول وطنه (واصحهما) لا " لان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين لما حجوا قصروا بمكة وكان لهم أهل وعشيرة " وطرد الصيدلاني هذين القولين فيما إذا مر في طريق سفره بوطنه لانه قال لو خرج مكى الي جدة أو إلى موضع آخر يقصر إليه الصلاة ونوى انه إذا رجع الي مكة خرج منها إلى بعض الآفاق من غير اقامة فهل يصير مقيما إذا دخلها راجعا فيه قولان وذلك ان الرجل إذا مر ببلدة له بها أهل ومال هل يصير بدخولها مقيما فيه قولان فعلى هذا العود الي الوطن لا يوجب انتهاء السفر الا إذا كان عازما علي الاقامة لكن المشهور انه يصير مقيما بنفس الدخول بلا خلاف ولذلك قطعوا فيما إذا رجع إلى وطنه لاخذ شئ نسيه بانه

(4/444)


لا يقصر وقد نقل في البيان مثل ما ذكر الصيدلانى عن بعض الاصحاب واستبعده وقطع بانه لا يقصر إذا عاد إلى مكة ويصير مقيما (الثاني) نية الاقامة إذا نوى الاقامة في طريقه مطلقا انقطع سفره وصار مقيما لا يقصر فلو أنشأ السير بعده فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه الي مرحلتين هذا إذا
نوى الاقامة في موضع يصلح لها من بلدة أو قرية أو واد يمكن للبدوي النزول فيه للاقامة فاما المفازة ونحوها فهل ينقطع سفره بنية الاقامة فيها فيه قولان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان المكان غير صالح للاقامة (واظهرهما) عند جمهور الاصحاب نعم لقصده قطع السفر وهذا أوفق لمطلق لفظ الكتاب والاول ارجح عنده في الوسيط ولو نوى الاقامة مدة نظر إن نواها ثلاثة ايام فما دونها لم يصر مقيما بذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " وكان يحرم على المهاجرين الاقامة بمكة ومساكنة

(4/445)


الكفار فلما رخص لهم في المكث هذا القدر اشعر ذلك بانه لا يقطع حكم السفر ولا يوجب الاقامة " ومنع عمر رضى الله عنه أهل الذمة من الاقامة في أرض الحجاز وجوز للمجتازين بها المكث ثلاثة أيام " وان نوى الاقامة اكثر من ثلاثة أيام فعبارة الشافعي رضى الله عنه وجمهور الاصحاب انه إذا قصد اقامة أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي ان لا يكون قصد اقامة ما دون الاربعة منهيا للسفر وان زاد علي ثلاثة أيام

(4/446)


وقد صرح به كثيرون واختلفوا في ان الايام الاربعة كيف تحتسب على وجهين مذكورين في التهذيب وغيره (أحدهما) أنه يحتسب يوم الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف في مدة المسح (واصحهما) لا لان المسافر لا يستوعب النهار بالسير انما يسير في بعضه وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ولانه في يوم الدخول في شغل الحط وتنضيد الامتعة ويوم الخروج في شغل الارتحال وهما من اشغال السفر فعلي الاول لو دخل يوم السبت وقت الزوال علي عزم الخروج يوم الاربعاء وقت الزوال فقد صار مقيما لبلوغ المكث في البلد أربعة أيام وعلي الثاني لا يصير مقيما وان دخل ضحوة يوم السبت علي عزم الخروج عشية يوم الاربعاء وقال صاحب الكتاب وشيخه متى نوى اقامة زيادة علي ثلاثة أيام فقد صار مقيما وهذا الذي ذكرناه يوهم انه على خلاف قول الجمهور لانهم احتملوا ما دون الاربعة وان زاد على الثلاثة وهما لم يحتملا زيادة وهو كذلك من حيث الصورة لكن لا خلاف في الحقيقة لانهم احتملوا زيادة لا تبلغ الاربعة غير يومي الدخول والخروج وهما لم يحتملا زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج وقرض الزيادة علي الثلاثة بحيث لا تبلغ الاربعة ويكون غير يومى الدخول والخروج مما لا يمكن وقد روى " ان النبي صلي الله عليه
وسلم دخل مكة عام حجة الوداع يوم الاحد وخرج يوم الخميس إلي منى كل ذلك يقصر " ثم الايام المحتملة معدودة مع الليالي لا محالة وإذا نوى اقامة القدر الذى لا يحتمل فيصير مقيما في الحال ولا يتوقف علي انقضاء المدة المحتملة ولو دخل ليلا لم يحتسب بقيه الليل ويحتسب الغد وجميع ما ذكرنا في غير المحارب فاما المحارب إذا نوى الاقامة قدرا لو نواه غيره لصار مقيما ففيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد وكثير من الائمة (احدهما) لا يصير مقيما وله القصر أبدا لانه قد يضطر الي الارتحال فلا يكون له قصد جازم (وأصحهما) انه يصير مقيما كغيره وهذا هو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب

(4/447)


والخلاف كالخلاف فيما لو قصد الاقامة في موضع لا يصلح لها وقوله أو مدة تزيد على ثلاثة ايام معلم بالحاء والزاي لان عن أبى حنيفة لا يصير مقيما الا إذا نوى اقامة خمسة عشر يوما فصاعدا وهو اختيار المزني وحكى عن مالك واحمد مثل مذهبنا ويروى عن احمد انه أن نوى اثنين وعشرين صلاة اتم وأن نوى اقامة احدى وعشرين فما دونها قصر ويجوز أن يعلم بالالف ايضا (وقوله) ليس فيها يوم الدخول والخروج معلم بالواو لان على الاول من الوجهين المذكورين في كيفية الاحتساب لا يحتمل اليومان مع الثلاثة على الاطلاق الثالث صورة الاقامة إذا زادت علي ثلاثة ايام علي الوجه الذى بيناه فمهما عرض له شغل في بلدة أو قرية واحتاج الي الاقامة لذلك فلا يخلو إما أن يكون ذلك الشغل بحيث

(4/448)


يتوقع تنجزه لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال متى تنجز أو يكون بحيث يعلم أنه لا يتنجز في الايام الثلاثة كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فاما في الحالة الاولي فله القصر الي أربعة أيام علي ما تقدم وصفها ثم لا يخلو إما أن يكون على القتال أو خائفا منه أو لا يكون كذلك فان كان علي القتال أو خائفا منه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن فيها قولين (احدهما) أنه ليس له القصر لان نفس الاقامة ابلغ من نية الاقامة فإذا امتنع القصر بنية اقامة اربع فصاعدا فلان يمتنع باقامتها كان أولي (واصحهما) أن له القصر لانه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقام عام الفتح علي قتال هوازن اكثر من اربعة ايام يقصروا " على هذا كم يقصر فيه قولان (اصحهما) أنه يقصر
المدة التى قصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وفيما عدا ذلك فالاصل وجوب الاتمام وقد اختلفت الرواية في مدة اقامته بمكة للحرب المذكور فروى أنه اقام سبعة عشر وروى أنه اقام تسعة عشر وروى أنه اقام عشرين وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه اقام ثمانية عشر " قال

(4/449)


في التهذيب واعتمد الشافعي رضى الله عنه رواية عمران بن حصين رضي الله عنه لسلامتها عن الاختلاف (والقول) الثاني له القصر ابدا مادام علي هذه النية لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وآله " اقام بتبوك عشرين يوما يقصر " وايضا فان الظاهر أنه لو زادت الحاجة لدام رسول الله صلى الله عليه

(4/450)


وسلم علي القصر " وروى أن عمر رضي الله عنهما اقام باذربيجان ستة أشهر يقصر " (والطريق الثاني) انه لا خلاف في جواز القصر ثمانية عشر يوما وبعده قولان واما إذا لم يكن علي القتال ولا خائفا منه لكن اقام للتجارة ونحوها يتوقع تنجز الغرض لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال فطريقان (احدهما) القطع بالمنع والفرق بين المحارب وغيره أن للحرب اثرا في تغيير صورة الصلاة الا يرى أنه يحتمل بسببه ترك الركوع والسجود والقبلة (واظهرهما) أن فيه قولين ثم إن جوزنا ففى كيفيته قولان كما ذكرنا في المحارب وقد نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام سبعة عشر يوما يقصر فيه الصلاة " اشعر هذا الاطلاق بان حكم الحرب وغيره سواء وإذا اختصرت قلت في جواز القصر في هذه الحالة الاولي طريقان (اظهرهما) أن فيه ثلاثة اقوال سواء المحارب وغيره (احدها) منع القصر علي الاطلاق (والثاني) جوازه على الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزني رحمهم الله تعالى (والثالث) وهو الاصح جوازه إلى ثمانية عشر يوما والمنع بعده (والطريق الثاني) أن هذه الاقوال في المحارب وفى غيره يقطع بالمنع (الحالة الثانية) أن يكون الشغل بحيث يعلم أنه لا يتنجز في ثلاثة ايام ونتكلم ايضا في المحارب ثم في غيره فاما المحارب فقد اطلق في الوسيط ذكر قولين فيه (احدهما) أن له القصر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات (والثاني) المنع لانه مقيم ومجرد القتال لا يرخص وفعل النبي
صلي الله عليه وسلم محمول علي عزم الارتحال كل يوم والاحسن ما اشار إليه امام الحرمين وهو ترتيب هذه الحالة على الاولى إن قلنا المحارب ثم لا يقصر فههنا أولي وأن قلنا يقصر فههنا قولان والفرق أنه متردد ثم وههنا مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين وإذا قلنا يترخص فهل يزيد علي ثمانية عشر يوما فيه قولان كما في الحالة الاولى واما غير المحارب كالمتفقه والتاجر تجارة كثيرة فظاهر المذهب أنه لا يترخص وهو مقيم لان ارتحاله موقوف في عزمه على تنجز شغله وذلك غير متنجز في المدة التى يحتمل اقامتها وقياس التسوية بين المحارب وغيره عود الخلاف ههنا وقد اشار إليه صاحب النهاية واستنكره وقال هو نتيجة التفريع على الاقوال الضعيفة إذا عرفت حكم الحالتين فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم أن ثانيتهما في الشرح اولاهما في نظم الكتاب وأن قوله فهو مقيم

(4/451)


الا إذا كان الغرض قتالا يجوز أن يعلم لفظ المقيم بالواو للوجه الذى ذكرناه الآن في غير المحارب وقوله الا إذا كان الغرض قتالا كلام في المحارب ولا فرق بين أن يكون مشغولا بالحرب أو مستعدا له أو خائفا منه وأن لم يتمحض ذلك غرضا له والحكم سواء في جميع هذه المسائل واعرف في قوله فيترخص علي اظهر القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام قوله علي اظهر القولين بالواو اشارة إلى طريقة تحصل بما حكينا من ترتيب الحالة الثانية على الاولي ويحرم بالمنع (والثاني) أن الحكم بكون الترخص اظهر القولين ليس في هذه الحالة علي خلاف المشهور وانما جعلوا قول الترخص اظهر واصح فيما إذا كان يتوقع تنجز الغرض كل ساعة واما هذه الصورة فقد جعلوها بمثابة ما لو عزم علي الاقامة مدة طويلة وقد ذكرنا أنه أن كان محاربا ففي ترخصه قولان والاصح منهما أنه لا يترخص وهو مقيم (والثالث) أنه اراد بقوله فيترخص علي اظهر القولين أنه يترخص ثمانية عشر يوما علي ما يثبته سياق الكلام والمقابل له أنه لا يترخص هذه المدة وحينئذ ما لحكم أنقول لا يترخص اصلا أم يترخص دون هذه المدة (أن قلنا) الحكم في هذه الحالة كالحكم فيما إذا كان يتوقع نجاز غرضه كل ساعة (فيترخص) ثلاثة ايام كما سبق (وأن قلنا) أنه مطمئن ليس على هيئة المسافرين فلا يترخص اصلا كما إذا نوى الاقامة فوق الاربعة يصير مقيما في الحال
(وقوله) وأن كان يتوقع انجاز غرض الي آخره هو الحالة الاولى وقوله فيترخص يجوز أن يكون

(4/452)


جوابا علي الطريقة القاطعة بالترخص الي ثمانية عشر يوما ويجوز أن يكون جوابا علي الاصح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره في الوسيط علي التقديرين فهو معلم بالواو ثم لم يبين أنه كم يترخص وربما يفهم ظاهر اللفظ الترخيص علي الاطلاق لكن الاصح أنه لا يترخص بعد الثمانية عشر وقد بينا جميع ذلك * قال (اما الطويل فحده مسيرة يومين (ح) وهو ستة عشر فرسخا لا يحتسب فيه مدة الاياب ويشترط عزمه في اول السفر فلو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لم يترخص وإن تمادى سفره الا إذا علم أنه لا يلقاه قبل مرحلتين ولو ترك الطريق القصير وعدل الي الطويل لغير عرض لم يترخص (ح وز) ومهما بدا له الرجوع في اثناء سفره انقطع سفره فليتم إلى أن ينفصل عن مكانه متوجها الي مرحلتين) * القيد الثاني كون السفر طويلا واختلفت عبارات الشافعي رضي الله عنه في حده فقال في المختصر وغيره ستة واربعون ميلا بالهاشمي وقال في موضع ثمانية وأربعون ميلا وقال في موضع أربعون ميلا وقال في موضع أربعة برد وقال في موضع مسيرة يومين واتفق الاصحاب على أنه ليس له في ذلك اختلاف قول وحيث قال ستة وأربعون اراد ما سوى الميل الاول والآخر وحيث قال ثمانية وأربعون ادخلهما في الحساب وحيث قال أربعون اراد باميال بني امية وهي ثمانية وأربعون ميلا وهي اميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد قدر اميال البادية فيكون ستة عشر فرسخا لان كل ثلاثة اميال فرسخ وهى أربعة برد لان كل بريد أربعة فراسخ ومسيرة يومين لان مسيرة كل يوم على الاعتدال ثمانية فراسخ وكل ميل أربعة آلاف خطوة واثنا عشر الف قدم لان كل خطوة ثلاثة اقدام وقال أبو حنيفة السفر الطويل مسيرة ثلاثة ايام ولم يقدر بالفراسخ والاميال وذكر القاضي الرويانى وغيره من اصحابنا أنه أربعة وعشرون فرسخا عنده وهو علي قياس مسيرة اليومين كما ذكرنا لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى

(4/453)


الله عليه وسلم قال " يا اهل مكة لا تقصروا في اقل من أربعة برد من مكة الي عسفان والي الطائف " وهو يقتضي الترخيص في هذا القدر وروى مثل مذهبنا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين وبه قال مالك وأحمد واستحب الشافعي رضى الله عنه أن لا يقصر في اقل من مسيرة ثلاثة ايام للخروج من الخلاف وما ذكرناه من تفسير الطول معتبر بالتقريب أو بالتحديد حكي القاضى الروياني فيه وجهين وقال الصحيح أنه تحديد ونقل الحناطى وصاحب البيان قولا أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف لعموم قوله تعالي (وإذا ضربتم في الارض) الآية فان ثبت ذلك اقتضي اعلام لفظ الطويل عند قوله قبل هذا وهو كل سفر طويل مباح بالواو

(4/454)


ثم في الفصل مسائل (احداها) مسافة الاياب لا تحتسب في الحد المذكور حتى لو قصد موضعا على مرحلة علي عزم أن يرجع ولا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا جائيا وأن نالته مشقة السير مرحلتين علي التوالي لانه لا يسمي سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع وما رويناه من خبر ابن عباس رضي الله عنهما ظاهر في أن المعتبر المسافة التى يقطعها من منشأ سفره الي مقصده وحكي الحناطى وجها أنه إذا كان الذهاب والرجوع حد السفر الذى يقصر إليه الصلاة قصر فيجوز أن يعلم قوله لا يحتسب بالواو لذلك (الثانية) يشترط عزمه على قطع هذه المسافة في الابتداء فلو خرج لطلب غريم أو عبد آبق لينصرف مهما لقيه وهو لا يدرى موضعه لم يترخص وأن طال سيره كما ذكرناه في الهائم فإذا وجده وعزم علي الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يترخص إذا ارتحل عن ذلك الموضع ولو كان يعرف موضعه في ابتداء السير أو يعرف أنه لا يلقاه قبل مرحلتين فله الترخص ولو قصد مسافة القصر ثم نوى أنه أن وجد عبده أو غريمه ينصرف نظر أن نوى ذلك قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص لانه غير النية قبل انعقاد حكم السفر وان نواه بعد مفارقة العمران ففيه وجهان مذكوران في النهاية والتهذيب (اصحهما) أنه يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما لان سبب الرخصة قد انعقد فيستمر حكمه الي أن يوجد ما غير النية إليه وكذلك لو نوى الخروج الي مسافة
القصر ثم نوى الاقامة في بلد وسط الطريق أن كان من مخرجه الي المقصد الثاني مسافة القصر يترخص وأن كان اقل فوجهان (أصحهما) أنه يترخص ما لم يدخله كما في مسألة الغريم وإذا سافر العبد بسير المولي والمرأة بسير الزوج والجندى بسفر الامير وهم لا يعرفون مقصدهم فليس لهم القصر وأن نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي فانه ليس تحت يد الامير وقهره وأن عرفوا مقصدهم ونووا فلهم القصر وقال أبو حنيفة العبد والمرأة يترخصان تبعا للسيد والزوج وأن لم يعرفا المقصد (الثالثة) لو كان له إلى مقصده طريقان يبلغ احدهما مسافة القصر والثانى لا يبلغها فسلك الطريق الطويل نظر ان كان لغرض كخوف أو حزونة في القصير أو قصد زيارة أو عبادة في الطويل فله القصر ولو قصد التنزه فكذلك وعن الشيخ ابى محمد رحمه الله تعالى تردد في اعتباره وان قصد الترخص ولم يكن له غرض سواه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن في الترخص قولين (احدهما) انه يترخص وبه قال أبو حنيفة والمزنى وهو نصه في الاملاء لانه سفر مباح فأشبه سائر الاسفار (واصحهما) انه لا يترخص لانه طول الطريق علي نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك الطريق القصير وكان يذهب يمينا وشمالا وطول على نفسه حتي بلغت المرحلة مرحلتين فانه لا يترخص (والطريق

(4/455)


الثاني) القطع بهذا القول الثاني وحمل نصه في الاملاء علي ما إذا سلكه لغرض ولو كان يبلغ كل واحد من الطريقين مسافة القصر واحدهما أطول فسلك الاطول فله القصر بلا خلاف إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم يترخص يجوز ان يكون جوابا على الطريقة الجازمه بالمنع ويجوز ان يكون جوابا علي الاصح مع اثبات الخلاف وعلي التقديرين فهو معلم بالواو مع الحاء والزاى (الرابعة) إذا خرج الي بلدة والمسافة طويلة ثم بدا له في اثناء السفر أن يرجع فقد انقطع سفره بهذا القصد ولم يكن له ان يقصر ما دام في ذلك الموضع فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه من ذلك المكان الي مرحلتين سواء رجع أو بطل عزمه وسار إلى مقصده الاول وتوجه إلى غيرهما ولو توجه الي بلد لا تقصر إليه الصلاة ثم نوى مجاوزته إلى بلد تقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية وانما يترخص إذا كان من ذلك الموضع الي مقصده الثاني مرحلتان ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الاقامة
في كل مرحلة اربعة ايام لم يترخص لانقطاع كل سفرة عن الاخرى * قال (واما المباح فالعاصي بسفره (ح ز) لا يترخص كالآبق والعاق فان طرأت المعصية في اثناء السفر ترخص علي النص وكذا علي العكس وفي تناول الميتة ومسح يوم وليلة وجهان (اصحهما) الجواز لانها ليسا من خصائص السفر) * القيد الثالث كون السفر مباحا وليس المراد من المباح في هذا الموضع ما خير بين طرفيه واعتدلا فان الرخصة كما تثبت في سفر التجارة تثبت في سفر الطاعة كالحج والجهاد ونحوهما وانما المراد منه ما ليس بمعصية واما سفر المعصية فلا يفيد الرخصة خلافا لابي حنيفة والمزنى وذلك كهرب العبد من مولاه والمرأة من زوجها والغريم مع القدرة علي الاداء وكما إذا سافر ليقطع الطريق أو ليزني بامرأة أو ليقتل بريئا: لنا أن الرخصة اثبتت نخفيفا وإعانة على السفر ولا سبيل إلى اعانة العاصي فيما هو عاص به بخلاف ما لو كان السفر مباحا وهو يرتكب المعاصي في طريقه فانه لا يمنع ثم من السفر انما يمنع من المعصية ولو انشأ سفرا مباحا ثم نقله إلى معصية ففيه وجهان (احدهما) أنه يترخص لان هذا السفر انعقد مباحا مرخصا والشرط يراعي في الابتداء (والثاني) لا يترخص كما لو انشأ السفر بهذه النية هكذا أرسل الجمهور ذكر الوجهين في المسألة وكلامهم يميل إلى ترجيح الوجه الثاني وقد صرح به في العدة ونسب في النهاية القول بالترخص الي ظاهر النص والثانى إلى تخريج ابن سريج وتابعه في الكتاب فقال ترخص علي النص والاقتصار عليه يفهم ظهور القول بالترخص لكنه ذكر في الوسيط ان عدم الترخص اوضح كما حكيناه عن غيره ولو انشأ السفر علي قصد معصية

(4/456)


ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر فالذي قاله الاكثرون في هذه الصورة أن ابتداء سفره من ذلك الموضع أن كان منه إلى مقصده مسافة القصر ترخص والا فلا وحكى في النهاية عن شيخه أن عروض قصد الطاعة على سفر المعصية كعروض قصد المعصية علي سفر الطاعة فقياس ظاهر النص أنه لا يترخص لفقد الشرط في الابتداء وعند ابن سريج يترخص نظرا الي الحال (وقوله) في الكتاب وكذا علي العكس يوهم انه يترخص في العكس لانه معطوف علي قوله ترخص على النص وما اراد
به ذلك وانما اراد العطف على معنى النص وهو النظر الي الابتداء فكأنه قال ترخص علي النص اعتبارا بالابتداء وكذا علي العكس ينظر إلى الابتداء فلا يترخص وعلي التخريج وهو الاظهر ينظر الي الحال في الصورتين إذا عرفت ذلك فنقول العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ولا يتنفل على الراحلة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يمسح ثلاثة أيام وهل يمسح يوما وليلة فيه وجهان (احدهما) لا لما فيه من التخفيف عليه وتسرعه بسبب ذلك إلى المعصية (واظهرهما) عند الجمهور نعم لان المسح يوما وليلة ليس من رخص المسافرين بل هو جائز للحاضر ايضا وغاية ما في باب الحاق هذا السفر بالعدم لكن حكى عن الشيخ ابى محمد ان المقيم إذا كان يدأب في معصية ولو مسح علي خفيه لكان ذلك عونا له عليها فيحتمل انه يمنعه من المسح واستحسن الامام ذلك فعلي هذا يتوجه ان يقال أنه ليس من خصائص السفر ولا الحضر لكنه من مرافق اللبس بشرط عدم المعصية وهل للعاصي بسفره ان يتناول الميتة عند الاضطرار فيه وجهان نقلهما صاحب النهاية وغيرهما

(4/457)


احدهما به قال الاودني لا لما فيه من التخفيف علي العاصي وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بان يتوب ثم يأكل (والثاني) نعم احياء للنفس المشرفة علي الهلاك ولان المقيم متمكن من تناول الميتة عند الاضطرار فليس ذلك من رخص السفر فاشبه تناول الاطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر لم يمنع منه العاصى بسفره وبالوجه الاول قطع عامة الاصحاب من العراقيين وغيرهم ونفوا الخلاف في المسألة وقد قيل في المقيم العاصى ليس له تناول الميتة ايضا ما لم يتب والله اعلم * وهذا الشرح ينبهك من لفظ الكتاب في المسألتين علي امرين (احدهما) أنه يجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لانه اثبت في المسألتين وجهين وقد ذكرنا أن بعضهم يقطع بالمنع في تناول الميتة (والثانى) أنه جعل اصح الوجهين في المسألتين الجواز وهذا مسلم في المسح يوما وليلة ممنوع في تناول الميتة على رأي الجمهور ويجوز أن يعلم لفظ الجواز بالالف لان عند احمد لا يجوز له تناول الميتة كما هو احد وجهينا ومما الحق بسفر المعصية أن يتعب الانسان نفسه ويعذب دابته بالركض من غير غرض ذكر الصيدلانى أنه لا يحل له ذلك ولو كان الرجل ينتقل من بلدة الي بلدة من غير غرض صحيح فقد قال في النهاية أنه لا يترخص وأن خرج عن مضاهاة من
يهيم وظهر له مقصد ونقل عن الشيخ ابى محمد أن السفر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها ليس من الاغراض الصحيحة * قال (: النظر الثاني: في محل القصر وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر فلا قصر في الصبح والمغرب ولا في فوائت الحضر وفى فوائت السفر ثلاثة اقوال يفرق في الثالث بين أن يقضى في الحضر أو السفر) * محل القصر كل صلاة رباعية مؤداة في السفر وذكر في الوسيط قيدا آخر وهو أن يدرك وقتها في السفر للمسألة التى تأتى بعد هذا الفصل فيخرج عن الرباعية المغرب والصبح فلا قصر فيهما بالاجماع ويخرج عن المؤادة في السفر المقضية وينظر فيها أن كانت فائتة الحضر فلا يجوز للمسافر قصرها خلافا للمزني حيث قال يجوز اعتبارا بحال القضاء كما لو ترك صلاة في الصحة له قضاؤها في المرض قاعدا * لنا أنه لزمته الاربع فلا يجوز النقصان كما لو لم يسافر ويفارق صلاة المريض لان المرض حالة ضرورة فيحتمل له مالا يحتمل للسفر الا يرى أنه لو شرع في الصلاة قائما ثم طرأ المرض له ان يقعد ولو شرع فيها في الحضر وسارت به السفينة لم يكن له ان يقصر وان تردد انها فائتة السفر أو الحضر فكذلك لا يجوز له قصرها واما فائتة السفر فاما ان يقضيها في السفر أو في الحضر فان قضي في السفر فاما ان يقضى في تلك السفرة أو في سفرة اخرى فان قضى في تلك السفرة ففيه قولان (احدهما) انه لا يجوز له القصر لان شرط الرد الي ركعتين الوقت بدليل الجمعة (والثانى) يجوز لان اللازم

(4/458)


عليه ركعتان فيجزئه في القضاء ركعتان وجعل صاحب التهذيب والتتمة المنع اصح القولين لكن ما عليه الاكثرون من العراقيين وغيرهم أن الاصح الجواز لبقاء العذر المرخص واما إذا قضى في سفرة اخرى ففيه طريقان (اظهرهما) طرد القولين (والثاني) القطع بالمنع والفرق أن الامر بالقضاء متوجه عليه في كل حالة فإذا لم يقض وقد تخللت حالة اقامة فكأنه تركها في تلك الحالة كما لو غصب شيئا وتلف عنده لزمه اقصى القيم لانه مخاطب في كل حالة بالرد فإذا لم يرد التزم قيمة اكمل الاحوال وأن قضاها في الحضر اطرد الطريقان والمنع ههنا أوضح وأصح ورتب في النهاية بعض
الصور الثلاث علي بعض فحكي قولين فيما إذا قضي في ذلك السفر وفيما إذا قضي في الحضر قولين مرتبين عليهما وأولى بالمنع وجعل الصورة الثالثة متوسطة بينهما ان رتبت علي الاولي فهي أولي بالمنع وان رتبت على الثانية فهى اولى بالجواز وإذا اختصرت وتركت التفصيل قلت في المسألة أقوالا كما ذكر في الكتاب (أحدها) وهو القديم الجواز علي الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك (وثانيها) وهو الجديد المنع علي الاطلاق وبه قال احمد (واظهرها) ويحكي عن الاملاء الفرق بين ان يقضى في الحضر وفى السفر وهذا إذا طردنا القولين في القضاء في تلك السفرة وفى سفرة أخرى وان فرقنا صارت الاقوال أربعة واعلم قوله يفرق في الثالث بالحاء والميم لما ذكرنا من مذهبهما ونقل في الوسيط ان مذهب المزني الجواز على الاطلاق ايضا لكن روى الصيدلاني وغيره عنه المنع فيما إذا قضي في الحضر وهذا هو الصحيح وقياس مذهبه المشهور في عكسه وهو ما إذا فاتته في الحضر فيقضي في السفر كما تقدم وإذا قلنا فائتة السفر لا تقصر وان قضيت في تلك السفرة فلو شرع في الصلاة بنية القصر فخرج الوقت في اثنائها فهو مبنى علي أن الصلاة التى يقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه قضاء ام اداء وقد قدمنا ذلك في باب المواقيت وتعرضنا لهذه الصور فيه وظاهر المذهب أنه ان وقع في الوقت ركعة فهى اداء فيقصر على هذا القول ايضا وإن وقع دون ركعة فلا يقصر علي هذا القول أنها قضاء وعن صاحب التلخيص أنه يجب الاتمام وإن وقع في الوقت ركعة كالجمعة إذا وقع بعضها خارج الوقت يتمها أربعا * قال (والمسافر في آخر الوقت يقصر والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت تلزمها الصلاة لان هذا القدر كل وقت الامكان في حقها بخلاف المسافر هذا هو النص وقيل فيهما قولان بالنقل والتخريج) * إذا سافر في اثناء الوقت وقد مضى منه قدرا يتمكن من فعل الصلاة فيه فالنص أنه يجوز له القصر ونص فيما لو ادركت من أول الوقت قدر الامكان ثم حاضت يلزمها القضاء وكذلك سائر أصحاب

(4/459)


العذر واختلفوا في المسألتين علي طريقين (أحدهما) أن فيهما قولين (أحدهما) ان أدرك أول الوقت ملزم
فالحائض تقضي تلك الصلاة والمسافر يتم لان الصلاة تجب باول الوقت وقد أدركا وقت الوجوب (والثانى) أنه لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر لان الاستقرار انما يكون بآخر الوقت ولهذا نقول لو أخر الصلاة عن أول الوقت ومات لا يلقى الله تعالى عاصيا علي الاصح (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الحيض مانع من الصلاة فإذا طرأ انحصر وقت الامكان في حقها في ذلك القدر وكأنها أدركت جميع الوقت بخلاف المسافر فان السفر غير مانع وأيضا فان الحيض لو أثر انما أثر في اسقاط الصلاة بالكلية والقول بالسقوط مع ادراك وقت الوجوب بعيد والسفر انما يؤثر في كيفية الاداء لا في أصل الفعل فاشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلى فيه الظهر ثم عتق يلزمه الجمعة دون الظهر وظاهر المذهب الفرق بين المسألتين علي موجب النصين سواء أثبتنا طريقة القولين أم لا ونقل الاصحاب عن المزني وابن سريج في مسألة المسافر أنه لا يقصر وأعلم قوله في الكتاب يقصر بالزاى لذلك لكنه تخريج من المزني للشافعي رضي الله عنه خرجه من مسألة الحائض وليس مذهبا له لانا قدمنا عنه أنه لو ذهب جميع الوقت في الحضر وفاتته الصلاة كان له القصر إذا قضاها في السفر فههنا أولي فإذا لا يصح الاعلام بالزاى وأما ابن سريج فانه خرج من كل واحدة من المسألتين في الاخرى واختار عدم القصر وقد ذكرنا تخريجه في الحائض من هذه المسألة في باب المواقيت في الفصل الثاني ووافق أبو الطيب بن سلمة ابن سريج علي أنه لا يقصر لكن لا علي الاطلاق بل فيما إذا سافر ولم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعات لانه إذا ضاق الوقت تعين عليه صلاة الحضر فهذا مذهب ثالث وراء القولين وان سافر وقد بقى من الوقت أقل من قدر الصلاة فجواز القصر يبنى علي ان من أوقع بعض صلاته في الوقت وبعضها خارجه تكون جميع صلاته اداء أم لا ان قلنا نعم قصر وإلا فلا (وقوله) والمسافر في آخر الوقت ليس المراد منه الجزء الآخر بل المراد ما إذا سافر وقد مضي من أوله ما يسع الصلاة وكذا قوله والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت يعني أدركت منه ما يسع للصلاة ولو قال ولو ادركت المرأة أول الوقت ثم حاضت بدل الحائض لكان أحسن ولو سافر والماضي من الوقت دون ما يسع للصلاة فقد قال في النهاية ينبغي أن يمتنع القصر ان قلنا أنه يمتنع لو كان الماضي قدر ما يسع للصلاة بخلاف ما لو حاضت بعد مضى القدر الناقص حيث لا يلزمها الصلاة على الصحيح لان عروض السفر لا ينافى اتمام الصلاة وعروض الحيض ينافيه *
قال (النظر الثالث: في الشرط وهو اثنان (الاول) أن لا يقتدى بمقيم فلو اقتدى ولو في لحظة (م) لزمه الاتمام ولو شك في ان امامه مقيم ام لا لزمه الاتمام ولو شك في انه نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام لان نية الاتمام لا شعار لها بخلاف المسافر) *

(4/460)


جعل شرط القصر شيئين (احدهما) ان لا يقتدى في صلاته بمقيم أو بمسافر متم فلو فعل ذلك ولو في لحظة لزمه الاتمام خلافا لمالك حيث قال ان ادرك معه ركعة لزمه الاتمام وان ادرك دون ركعة فله القصر لنا ما روى " انه سئل ابن عباس رضى الله عنهما ما بال المسافر يصلى ركعتين إذا انفرد واربعا إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة " والمفهوم منه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم واعلم قوله ولو في لحظة بالميم لما حكيناه عن مالك والاقتداء في لحظة يفرض من وجوه كثيرة (منها) ان يدرك الاما في آخر صلاته (ومنها) ان يحدث الامام عقيب اقتدائه وينصرف وقوله ان لا يقتدى بمقيم في بعض النسخ بمتم وهو اعم فان كل مقيم متم وقد يكون المسافر متما ايضا والحكم لا يختلف وعند ابى حنيفة انه إذا صلى مسافر بمسافرين ونووا الاتمام جاز لهم القصر وسلم انه إذا اقتدى بمقيم لم يجز القصر فإذا كانت النسخة أن لا يقتدى بمقيم جاز اعلام الحكم بالحاء ولو اقتدى في الظهر بمن يقضى الصبح مسافرا كان أو مقيما فهل له القصر فيه وجهان (أحدهما) نعم لتوافق الصلاتين في العدد (وأصحهما) لا لان الصلاة تامة في نفسها ولو دخل في مروره بلدة وأهلها يقيمون الجمعة فاقتدى في الظهر بالجمعة قيل ان قلنا ان الجمعة ظهر مقصورة فله القصر وإلا فهي كالصبح وظاهر المذهب عند الاكثرين المنع بكل حال لانها صلاة إقامة وهو الموافق لظاهر لفظ الكتاب إذا عرف ذلك فنقول المسافر اما أن يعلم حال الذى يقتدى به في السفر والاقامة أو لا يعلم فان علم نظر ان عرفه مقيما فقد ذكرنا ان عليه الاتمام وكذا لو ظنه مقيما فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر بخلاف المقيم ينوى القصر لا ينعقد ظهره لانه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلا يضره نية القصر كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما فانه يتم وإن عرفه أو ظنه مسافرا وعرف انه نوى القصر أو ظنه فله أن ينوى القصر وان لم يدر انه نوى القصر أم لا فكذلك

(4/461)


ولا يلزمه الاتمام بهذا التردد لان الظاهر من حال المسافر القصر وليس للنية شعار يعرف به فهو غير مقصر في الاقتداء علي التردد ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة فكذلك لا يلزمه الاتمام ومتى لم يعرف نيته فهل يجوز أن يعلق نيته فيقول ان قصر قصرت وإن أتم أتممت أو لابد من الجزم بالقصر فيه وجهان (أصحهما) جواز التعليق فان الحكم متعلق به وان جزم إن أتم الامام أتم وان قصر قصر ولو أفسد الامام صلاته أو فسدت ثم قال كنت نويت القصر فللمأموم القصر وإن قال كنت نويت الاتمام لزمه الاتمام وان انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان حكاهما أصحابنا العراقيون (أظهرهما) وبه قال أبو اسحق يلزمه الاتمام لانه شاك في عدد ما يلزمه من الركعات فيأخذ باليقين (والثانى) وبه قال ابن سريج له القصر لانه افتتح الصلاة بنية القصر خلف من الظاهر من حاله القصر ويتبين بما ذكرنا ان قوله في الكتاب ولو شك في ان إمامه هل نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام ليس علي اطلاقه بل لو ظهر ان الامام نوى الاتمام يلزمه الاتمام وهل يشترط لعدم لزوم الاتمام ظهور نية القصر للامام أم لا ويكفى استمرار التردد فيه الوجهان المذكوران والموافق لاطلاق اللفظ هو المنسوب الي ابن سريج ولو قال حجة الاسلام ولو شك امامه هل نوى القصر بدلا عن قوله هل نوى الاتمام لكان احسن لانه لو لم ينو الاتمام ولا القصر كان بمثابة ما لو نوى الاتمام كما سيأتي في الشرط الثاني فانما ثبت الوجه إذا نوى القصر لا إذا لم ينو الاتمام وأما إذا لم يعرف انه مسافر أو مقيم ولا ظن بل كان شاكا فيه لزمه الاتمام وان بان مسافرا قاصرا لانه شرع على تردد فيما يسهل معرفته لظهور شعار المسافرين والمقيمين وسهولة البحث والاصل الاتمام فإذا قصر لزمه الاتمام ويخالف التردد في نية القصر مع العلم بأنه مسافر إذ لا تقصير ثم كما سبق وحكى في النهاية وجا آخر انه إذا بان مسافرا قاصرا كان له القصر كما لو تردد في النية والمشهور الاول وهو الذى ذكره في الكتاب * قال (ولو اقتدى بمتم ثم فسدت صلاته لزمه (ح) الاتمام وكذا لو ظن الامام مسافرا فكان مقيما لانه مقصر إذ شعار الاقامة ظاهر ولو بان ان الامام مقيم محدث لم يلزمه الاتمام علي الاصح لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا) *

(4/462)


في الفصل مسألتان (أحداهما) لو اقتدى بمقيم أو بمسافر متم ثم فسدت صلاة الامام أو بان محدثا لزمه الاتمام بالاقتداء به وكذلك لو فسدت صلاة المأموم لزمه الاتمام إذا استأنف خلافا لابي حنيفة لنا انها صلاة تعين عليه اتمامها فلم يجزه بعد قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر وقوله ثم فسدت صلاته أراد صلاة المأموم وان أمكن صرف الكناية الي الامام أيضا وذلك بين من لفظ الوسيط (الثانية) لو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما يلزمه الاتمام لتقصيره إذ شعار الاقامة ظاهر وهو كما ذكرنا فيما إذا لم يدر انه مقيم أو مسافر وإن بان انه مقيم محدث نظر ان بان كونه مقيما أو لا لزمه الاتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما ثم بان انه محدث وان بان كونه محدثا أولا أو بانا معا فوجهان (أحدهما) وبه قال صاحب التلخيص لا يلزمه الاتمام لان اقتداءه لم يصح في الحقيقة وفى الظاهر ظنه مسافرا بخلاف ما لو اقتدى بمسافر في ظنه مسافرا ثم فسدت صلاته بحدث ثم بان انه كان مقيما عليه الاتمام لان اقتداءه كان صحيحا (والثاني) يلزمه الاتمام لان حدث الامام لا يمنع صحة اقتداء الجاهل به فإذا بان انه مقيم فقد بان انه اقتدي بمقيم وقد أطلق في الكتاب ذكر الخلاف فيما إذا أبان انه مقيم محدث لكن موضع الوجهين ما ذكرنا دون ما إذا بان كونه مقيما أو لا كذلك قاله صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما ثم أطبق الائمة علي ترجيح الوجه الاول علي ما ذكره في الكتاب ومنهم من لا يورد سواه وقد تنازعه كلامهم في المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع ثم بان كونه محدثا فانهم رجحوا الادراك ومأخذ المسألتين واحد وقوله لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا أي لا قدوة بمقيم ظاهرا وباطنا أما ظاهرا فلانه ظنه مسافرا وأما باطنا فلانه محدث وصاحب الوجه الثاني يمنع هذا والله اعلم * ولا أثر لعدم الاتمام من غير خوض علي الصحة كما لو شرع في الصلاة مقيما ثم بان له انه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر بخلاف ما لو شرع فيها مقيما ثم عرض سبب مفسد لا يجوز له القصر ولزمه الاتمام بالشروع وكذا لو اقتدى بمقيم ثم تذكر المأموم حدت نفسه له القصر وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما لانه لم يصح شروعه *

(4/463)


قال (ولو رعف الامام المسافر وخلفه مسافرون فاستخلف مقيما أتم المقتدون وكذا الراعف
إذا عاد واقتدى به) * المسألة مبنية علي أنه إذا أحدث الامام أو عرض سبب آخر يوجب فساد صلاته يجوز له ان يستخلف مأموما ليتم بالقوم الصلاة هذا هو الصحيح وسنذكره والخلاف فيه في باب الجمعة ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فصورة المسألة أن يؤم مسافر بمسافرين ومقيمين فيرعف الامام في صلاته أو يسبقه أو الحدث فيستخلف مقيما يجب علي المسافرين المقتدين الاتمام خلافا لابي حنيفة لنا أنهم مقتدون بمقيم فيلزمهم الاتمام كما لو اقتدوا بمقيم فاحدث واستخلف مسافرا والدليل علي أنهم مقتدون به ان سهوه يلحقهم * وأعلم أن أمتنا لم يذكروا خلافا في أن القوم يتمون لكن يأتي فيه وجه لانا سنحكى في مسائل الاستخلاف وجها انه يجب على القوم نية الاقتداء بالخليفة فعلى هذا انما يلزم المأمومين في هذه المسألة إذا نووا الاقتداء بالخليفة اما إذا لم يفعلوا فلا لانهم ما نووا الاتمام ولا اقتدوا بمقيم وكأن ما أطلقوه جواب علي الاصح وهو انه لا حاجة الي نية الاقتداء بالخليفة وما ذكرناه يجوز اعلام قوله أتم المقتدون بالواو مع الحاء وقوله في صورة المسالة وخلفه مسافرون أي ومقيم أو مقيمون ولو تمحض المأمومون مسافرين لكان استخلاف المقيم استخلاف غير المأمومين وفيه كلام سنذكره من بعد وأما الامام الذى سبقه الرعاف أو الحدث ماذا يفعل ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه يقتضى وجوب الاتمام عليه فانه قال بعد تصوير المسألة كان على جميعهم والراعف أن يصلوا أربعا واعترض المزني فقال انما اتم الخليفة لانه مقيم والقوم خلفه لانهم مؤتمون بمقيم فأما الراعف فليس بمقيم ولا مؤتم فما باله يتم واختلف الاصحاب في الجواب علي طريقتين منهم من قرر ظاهر النص وقال يجب عليه الاتمام أيضا لان الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الاصل انقص من صلاة الفرع حكاه ابن سريج عن بعض أصحابنا وضعفه وسلم الجمهور للمزني ما ذكره واختلفوا في تأويل النص على وجوه (أحدها) أن ما ذكره الشافعي رضى الله عنه جواب علي القول القديم وهو أن سبق الحدث

(4/464)


الرعاف لا تبطل الصلاة لكنه يرفع المانع ويبنى فعلي هذا الراعف وان انصرف فهو في صلاة وهو كالمؤتم بخليفة وبتقدير أن لا يكون مؤتما فقد حصل في جماعة امامها مقيم في بعض الاحوال فيلزمه
الاتمام لذلك وهذا التأويل يحكي عن ابن سريج وضعفه الشيخ أبو حامد وغيره من ائمتنا ومنعوا كونه مؤتما بالخليفة وانه إذا حصل في جماعة أمامها مقيم في بعض الاحوال يجب عليه الاتمام إذا لم ياتم هو به وايضا فان البناء علي الصلاة انما يجوز علي القديم دون الجديد والاستخلاف الذى عليه بناء المسألة انما يجوز على الجديد دون القديم فلا ينتظم التفريع (الثاني) قال أبو غانم ملقى ابن سريج صورة النص أن يحس الامام بالرعاف قبل ان يخرج الدم فيستخلف ثم يخرج الدم فيلزمه الاتمام لانه صار مؤتما بمقيم في جزء من صلاته قال المحاملي وغيره وهذا لا يصح لانه استخلاف قبل وجود العذر وأنه لا يجوز ذلك فسئل الشيخ أبو محمد عنه فجعل الاحساس به عذرا وقال متى حضر امام هو أفضل أو حاله اكمل يجوز استخلافه (الثالث) قال أبو اسحق صورة النص ان يعود بعد غسل الدم ويقتدى بالخليفة اما بناء علي القول القديم واما استئنافا علي الجديد فيلزمه الاتمام لانه اقتدى بمقيم في جزء من صلاته فاما إذا لم يقتد فلا يلزمه الاتمام وهذا اصح الاجوبة عند الاكثرين قالوا وقد اشار إليه الشافعي رضى الله عنه في التعليل حيث قال لانه لم يكمل واحد منهم الصلاة حتي كان فيها في صلاة مقيم (وقوله) في الكتاب وكذا الراعف إذا عاد واقتدى جرى علي هذا الجواب الصحيح فانه قيد لزوم الاتمام باقتدائه بالخليفة وقد نرى في بعض النسخ اعلام هذه الكلمة بالزاى وليس بصحيح فانه لا نزاع للمزني في لزوم الاتمام إذا اقتدى نعم يجوز أن يعلم قوله واقتدى بالواو اشارة الي الطريقة المقررة لظاهر النص فان الاقتداء ليس بشرط علي تلك الطريقة * قال (الشرط الثاني أن يستمر علي نية القصر جزما في جميع الصلاة فلو لم ينو القصر ولا الاتمام أو شك في نية القصر ولو لحظة لزمه (زح) الاتمام) *

(4/465)


من شرط القصر نية القصر فلو نوى الاتمام لزمه ما لتزمه ولو لم ينو القصر ولا الاتمام لزمه الاتمام ايضا لان الاصل هو الاتمام فينعقد مطلق التحرم عليه ويجب أن تكون نيه القصر في ابتداء الصلاة كاصل النية ثم لا يجب تذكرها في دوام الصلاة ولكن يشترط الانفكاك عن الشك والتردد والجزم بالاتمام
فلو نوى القصر اولا ثم نوى الاتمام أو تردد بين القصر والاتمام لزمه الاتمام ولو شك في أنه هل نوى القصر ام لا لزمه الاتمام وأن تذكر في الحال أنه نوى القصر نص عليه في الام بخلاف ما لو شك في اصل النية وتذكر على القرب حيث تصح صلاته ولا يكون ذلك قادحا والفرق أن الشك في النية بمثابة عدم النية فإذا كان الشك في اصل النية فالموجود في زمان الشك غير محسوب عن الصلاة لكنه جعل عفوا لقلته وحسب عن الركن ما قبله أو بعده وههنا الموجود حالة الشك محسوب عن الصلاة لوجود اصل النية فيتأدى ذلك الجزء علي التمام وإذا انعقد جزء من الصلاة على التمام لزم الاتمام وعند ابى حنيفة لا حاجة الي نية القصر بناء علي أنه عزيمة وقال المزني لا بد منها لكن لا تجب في الابتداء ويجوز ان ينوى القصر في الاثناء ولو نوى الاتمام ثم اراد القصر جاز وقوله أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة يتضمن اعتبار نية القصر ثم ليس المراد أنه يشترط استحضارها في جميع الصلاة وانما المراد ما ذكرنا أنه يشترط الخلو عن الشك والتردد (وقوله) في جميع الصلاة يجوز أن يعلم بالزاى لان عنده لو كان جازما في البعض بالاتمام ثم نوى القصر جاز وقوله لزمه الاتمام معلم بالحاء والزاى لما حكيناه * قال (ولو قام الامام إلى الثالثة ساهيا فتوهم المقتدى أنه نوى الاتمام شاكا لزمه الاتمام ولو قام المسافر الي الثالثة والرابعة سهوا سجد لسهوه ولا يكون متما بل لو قصد أن يجعله إتماما فليصل ركعتين اخريين) *

(4/466)


في الفصل مسألتان (احداهما) لو اقتدى بمسافر عرف أنه ينوى القصر أو ظنه وصلي ركعتين فقام الامام الي ركعة ثالثة نظر أن علم أنه نوى الاتمام لزمه الاتمام وأن علم أنه ساه بان كان حنفيا لا يرى الاتمام فلا يلزمه الاتمام ويتخير بين ان يخرج عن متابعته ويسجد للسهو ويسلم وبين أن ينتظر حتى يعود ولو اتفق له أنه يتم أتم لكن ليس له أن يقتدى بالامام في سهوه فانه غير محسوب له ولا يجوز الاقتداء بمن يعرف أن ما فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا ادرك من آخر الصلاة ركعة فقام الامام سهوا الي ركعة زائدة لم يكن للمسبوق أن يقتدى به في تدارك ما عليه ذكره في النهاية ولو شك في انه قام ساهيا
أو متما فهذه مسألة الكتاب وحكمها أن عليه الاتمام وإن بان كونه ساهيا لان احد المحتملين لزوم الاتمام فيلزم كما لو شك في نية نفسه وبخلاف ما لو شك في نية الامام المسافر ابتداء حيث لم يلزمه الاتمام بذلك كما قدمناه لان النية لا يطلع عليها ولم تظهر امارة مشعرة بالاتمام وههنا القيام فعل مشعر بالاتمام مخيل له وقوله شاكا في لفظ اكتاب لا ضرورة إليه والغرض حاصل بقوله فيتوهم (وقوله) لزمه الاتمام يجوز أن يعلم بالحاء لانا حكينا عن مذهب ابي حنيفة أن نية الامام المسافر لا تلزم المأمومين القصر فما ظنك بتوهمها (الثانية) لو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة نظر أن حدث امر موجب للاتمام كنية الاتمام أو نية الاقامة في ذلك الموضع أو حصوله في دار الاقامة بانتهاء السفينة إليها وقام لذلك فقد اتي بما ينبغي وأن لم يحدث شئ من ذلك فان قام عمدا بطلت صلاته كما لو قام

(4/467)


المتم الي ركعة خامسة وكما لو قام المتنفل الي ركعة زائدة قبل تغير النية وأن قام سهوا ثم تذكر فعليه أن يعود ويسجد للسهو فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد الي القعود ثم نهض متما وفى وجه له أن يمضي في قيامه ولو صلي ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد ثم تذكر سجد للسهو وهو قاصر وركعتا السهو غير محسوبتين فلو اراد أن يتم لم ينعكسا محسوبتين بل يلزمه أن يقوم ويصلي ركعتين اخريين ثم يسجد للسهو في آخر صلانه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فليقم وليصل ركعتين اخريين بالميم لان صاحب البيان حكى عن مالك أن المسافر إذا نوى القصر لم يكن له أن ينوى الاتمام ويزيد علي نيته الاولى (واعلم) أن لفظ الكتاب في أول النظر الثالث يوهم حصر شرط القصر في الاثنين المذكورين لكن له شروط أخر (منها) أن يكون مسافرا من اول الصلاة الي آخرها فلو نوى الاقامة في أثناء الصلاة أو كان يصلي في السفينة فانتهت الي دار اقامته لزمه الاتمام لان سبب الرخصة قد زال فتزول الرخصة كما لو كان يصلي قاعدا لمرض فزال المرض يجب عليه أن يقوم ولو شرع في الصلاة مقيما ثم سارت به السفينة فكذلك يلزمه الاتمام تغليبا للحضر في العبادة التى اشترك فيها الحضر والسفر ولو شك هل نوى الاقامة ام لا أو دخل بلدا بالليل وشك في انه مقصده ام لا يلزمه الاتمام لانه شك في سبب الرخصة والاصل الاتمام فصار كما لو شك في بقاء مدة المسح لا يمسح (ومنها) العلم
بجواز القصر فلو جهل جوازه وقصر لم يجزه لانه عابث في اعتقاده غير مصلي يحكى ذلك عن نصه في الام *

(4/468)