فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال * (الباب الثاني في الجمع) (والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقتيهما جائز بالسفر (زح) أو المطر وهل يختص بالسفر الطويل قولان) * يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر وتأخيرا في وقت العصر بعذر السفر وكذلك الجمع بين المغرب والعشاء لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا جدبه سير جمع بين المغرب والعشاء " وعن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر " وهذا في السفر الطويل وفي جواز الجمع في القصير قولان (احدهما وهو القديم انه يجوز وبه قال مالك رضي الله عنه لاطلاق حديث انس رضي الله عنه واعتبارا بالتنفل على الراحلة واصحهما وبه قال احمد رحمه الله لا يجوز لانه اخراج عبادة عن وقتها فاختص بالسفر الطويل كالفطر والافضل للسائر في وقت الصلاة الاولي تأخيرها إلى الثانية وللنازل في وقت

(4/469)


الاولي تقديم الثانية إليها ثبت ذلك من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والمعنى فيه بين وشرط جواز الجمع في السفر ان لا يكون سفر معصية كما ذكرنا في القصر ويجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر أيضا لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " ان النبي صلي

(4/470)


الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر " وعن ابن عباس رضى الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر " قال مالك ارى ذلك في لمطر وقوله لعذر السفر معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يجوز الجمع بعذر السفر ولا جمع الا للنسك بعرفة والمزدلفة كما سيأتي

(4/471)


وقوله والمطر معلم بالحاء ايضا والزاى لان عندهما لا جمع بالمطر وبالميم لان عند مالك يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر به وبالالف لان احمد صار في احدي الروايتين الي مثل مالك رحمه الله وبالواو لان الامام ذكر أن صاحب التقريب حكي قولا ضعيفا مثل مذهب مالك رحمة الله عليه وقوله في وقتيهما جائز يقتضي جواز التقديم والتأخير جميعا بالعذرين السفر والمطر لكن في جواز التأخير بعذر المطر خلاف ذكره في آخر الباب على ما سيأتي والاظهر المنع " ولا يجوز الجمع بين صلاة الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " * قال (والحجاج يجمعون بعلة السفر أو بعلة النسك فيه خلاف) * الحجاج الآفاقيون يجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء " ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعليه جرى الناس في الاعصار واختلف أصحابنا في سبب هذا الجمع منهم من قال إنما يجمعون بسبب السفر كسائر المسافرين ومنهم من قال إنما يجمعون بسبب النسك وذلك أن الحاج يحتاج إلي الدعاء بعد الظهر فلو لم تقدم العصر لشغلته عن الدعاء وإذا غربت الشمس فهو وقت الاشتغال بالدفع من عرفة فجوز له الجمعان تكميلا لشغل النسك فان قلنا بالمعنى الاول فهل يجمع المكى فيه قولان لان سفره قصى ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفى بالمزدلفة فانه في وطنه وهل يجمع كل منهما بالبقعة الاخرى فيه

(4/472)


القولان وان قلنا بالمعنى الثاني جاز لجميعهم الجمع فحصل للجمع سبب ثالث وهو النسك ذكره كله صاحب النهاية وغيره ومنهم من يقول في جواز الجمع للمكي قولان (الجديد) المنع (والقديم) الجواز ثم لم يجوز قيل للسفر وقيل للنسك فان فرعنا علي القديم فهل للعرفي والمزدلفي الجمع فيه وجهان بناء علي المعنيين وأصل الفرض في الايرادين واحد وان اختلفا في بعض الامور وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله والحجيج يجمعون يعنى به الحجيج الآفاقيين فأما غيرهم فالخلاف في حقهم في أصل الجمع لا في العلة وظاهر المذهب عند الائمة أن العلة السفر وان المكي والعرفي لا يجمعان وعند أبي حنيفة
العلة النسك وقال لا يجوز الجمع بعرفة إلا في الجماعة فأما المنفرد في رحله فلا يجمع وجوز له الجمع بين العشائين بالمزدلفة ولم يجوز ترك الجمع بالمزدلفة وفعل المغرب في وقتها ولا الجمع بينهما في وقت المغرب ولا الجمع بينهما في وقت العشاء في الطريق وأوجب أن يكون ذلك بالمزدلفة ولم يجوز أن يجمع بعرفة بين الظهر والعصر في وقت العصر لكن جوز ترك الجمع وفعل العصر في وقتها حكي الصيدلانى هذه المسائل مجموعة عن مذهبه وعندنا حكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الاسفار وهو فيه بالخيار وعند مالك العلة النسك ولهم جميعا الجمع بل للمكي والعرفي القصر أيضا بعلة النسك * قال (والرخص المختصة بالسفر الطويل أربعة القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع على أصح القولين ثم الصوم أفضل من الفطر وفي القصر والاتمام قولان والذى لا يختص بالسفر الطويل أربعة التيمم وترك الجمعة وأكل الميتة والتنفل علي الراحلة على أصح القولين) * غرض الفصل شيئان (أحدهما) عد الرخص التى تختص بالسفر الطويل والتى لا تختص (والثاني) بيان أن القصر والفطر أم الاتمام والصوم ولا اختصاص لواحد منهما بباب الجمع (والثانى) بيان القصر اليق ثم انه أدخل الثاني بين قسمي المقصد الاول ولو أنه فرغ منهما ثم ذكره لكان أحسن وكذلك فعل في الوسيط أما المقصد الاول فالرخص المختصة بالسفر الطويل أربع (أحداها) القصر كما تقدم (والثانية) الافطار كما سيأتي (والثالثة) المسح ثلاثة أيام وقد ذكرنا في باب المسح اختصاصه بالسفر الطويل وان لم يصرح به في الكتاب ثم (والرابعة) الجمع بين الصلاتين وفيه قولان مذكوران في هذا الباب وكان قد أرسل ذكر القولين في المسألة فنص ههنا علي الاصح وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه والتى لا تختص بالسفر الطويل جعلها أربعا أيضا (أحداها) التيمم وهذا يجوز ان يراد به الترخص من فعل الصلاة به ويجوز ان يراد به اسقاط فرض الصلاة به وعلى هذا التقدير فهو جواب على الاصح من وجهين ذكرناهما في باب التيمم في أن التيمم في السفر القصير هل يغنى

(4/473)


عن القضاء أم لا ثم علي التقديرين ينبغي أن يعلم أن التيمم كما لا يختص بالسفر الطويل لا يختص بنفس السفر لما بيناه في ذلك الباب (والثانية) أكل الميتة وهو أيضا مما لا يختص بالسفر نفسه (والثالثة) ترك الجمعة
(والرابعة) التنفل علي الراحلة وفي جوازه في السفر القصير قولان أرسلهما في باب الاستقبال ونص على الاصح ههنا وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه (وأما المقصد الثاني) فاعلم أن الصوم في السفر أفضل من الفطر علي المذهب المشهور لما فيه من تبرئة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت وهذا إذا أطلق الصوم وفيه وجه آخر رواه القاضى الرويانى وغيره أن الفطر أفضل وبه قال احمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ليس من البر الصيام في السفر " وفي الافضل من القصر والاتمام قولان (احدهما) وبه قال المزني ان الاتمام افضل لانه الاصل والقصر بدل معدول إليه فاشبه غسل الرجل مع المسح علي الخف (وأصحهما) وبه قال مالك واحمد ان القصر افضل لما روى انه صلى الله عليه وسلم " قال

(4/474)


خيار عباد الله الذين إذا سافروا قصروا " ولانه متفق عليه والاتمام بخلافه وبخلاف الصوم مع الفطر حيث قلنا الصوم افضل وان صار اهل الظاهر الي انه لا يصح قال امام الحرمين لان المحققين من علماء الشريعة لا يقيمون لمذهبهم وزنا وذكر الصيدلانى أن القصر أفضل من الاتمام وفى الافطار والصوم وجهان وهذا يوهم القطع بافضلية القصر وكذلك حكاه الامام عن الصيدلاني واستبعده وأحاله علي خطأ النساخ فان ثبت ذلك فقوله قولان معلم بالواو والفرق بين الرخصتين حيث كان الصوم أفضل والقصر أفضل علي الظاهر فيهما أن الذمة تبقى مشغولة بالصوم إذا أفطر وقد يعرض عائق من القضاء وفى القصر بخلافه وأيضا فان فضيلة الوقت تفوت بالافطار ولا تفوت بالقصر ونقل أبو عبد الله الحناطى وغيره في القصر والاتمام وجها آخر انهما سواء ثم القولان في المسألة وان كانا مطلقين فلا بد من استثناء صور (أحداها) إذا كان سفره دون ثلاث مراحل فليس ذلك موضع القولين بل الاتمام فيه افضل للخروج عن الخلاف وقد حكيناه من قبل عن نصه (والثانية) إذا كان يجد من نفسه كراهة القصر وثقله فهذا يكاد يكون رغبة عن السنة فالافضل له القصر قولا واحدا بل يكره له الاتمام إلى أن تزول عنه تلك الكراهة وكذلك القول في جميع الرخص في هذه الحالة (الثالثة) الملاح الذى يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده في سفينته الافضل الاتمام لانه في وطنه يحكى ذلك عن نصه في الام وفيه خروج عن الخلاف ايضا فان عند احمد لا يجوز له وللمكارى الذى معه أهله وماله القصر (وأعلم) ان مسافة القصر في البحر مثل المسافة في البر وان
كانت تقطع فيه في لحظة ويجتهد فيها عند الشك * قال (ثم شرائط الجمع ثلاثة (الترتيب) وهو تقديم الظهر علي العصر (ونية الجمع) في أول الصلاة الاولي أو في وسطها ولا يجوز في أول الثانية (والموالاة) وهو ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وفى هذه الشرائط عند الجمع بالتأخير خلاف) * المسافر إذا جمع فأما ان يقدم الاخيرة من الصلاتين الي وقت الاولي أو يؤخر الاولي الي وقت الاخيرة فان قدم فيعتبر فيه ثلاثة ش؟ ائط (احداها) الترتيب وهو تقديم الظهر علي العصر والمغرب علي العشاء لان الوقت للاولى والثانية تبع له فيجب تقديم الاصل فلو قدم العصر علي الظهر لم يصح عصره ويعيدها بعد الظهر ولو قدم الظهر وبان فسادها بسبب فالعصر فاسدة ايضا (والثانية) نية الجمع تمييزا للتقديم المشروع على التقديم سهوا وعبثا ومتى ينوى الجمع نص في الجمع بالسفر أنه ينوى عند التحرم بالاولي أو في اثنائها ونص في الجمع بالمطر انه ينوى عند التحرم بالاولي واختلف الاصحاب على طريقتين احداهما تقرير النصين والفرق ان نية الجمع ينبغى أن

(4/475)


تقارن سبب الجمع ودوام السفر في الصلاة الاولى شرط فجميعها وقت النية واما المطر فلا يشترط دوامه في الاولي كما سيأتي ويشترط في اولها فتعين وقتا للنية وأصحهما وبه قال المزني ان فيهما قولين نقلا وتخريجا أحدهما انها شرط في الفصلين عند التحرم كنية القصر وأصحهما انها لو وقعت في اثنائها جاز ايضا لان الجمع هو ضم الثانية إلى الاولي فإذا تقدمت النية علي حالة الضم حصل الغرض وتفارق نية القصر لانها لو تأخرت لتأدى بعض الصلاة علي التمام وحينئذ يمتنع القصر وعلي هذا فلو نوى مع التحلل قال الامام رأيت للائمة ترددا فيه كان شيخي يمنعه وذكر الصيدلاني وغيره انه يجوز لوجود النية في الطرفين الطرف الاخير من الظهر والطرف الاول من العصر وعلي هذا يدل نص الشافعي رضى الله عنه ثم قال المسعودي والصيدلانى وغيرهما وخرج المزني قولا ثالثا وهو انه لو نوى بعد السلام علي قرب وصلي الصلاة الاخيرة جاز كما لو سلم من اثنتين وقرب الوقت يبنى وان طال فلا وهذا تخريج منه للشافعي رضي الله عنه وحكوا عن مذهبه ان نية الجمع ليست مشروطة اصلا فان الجمع معني ينتظم الصلاتين ولا عهد بنية تجمع صلاتين وجعل الصيدلانى مذهبه وجها لاصحابنا فليكن قوله في
الكتاب ونية الجمع معلما بالزاى والواو ويجوز ان يعلم قوله ولا يجوز في اول الثانية بهما ايضا وقوله أو في وسطها معلم بالقاف للقول الصائر إلى اشتراط النية في اولها واعتبار الوسط يقتضي المنع فيما إذا نوى مع التحلل إذ لا تكون النية حينئذ في الوسط وهذا ما سبق عن الشيخ ابى محمد والظاهر عند الاكثرين خلافه (الثالثة) الموالاة فهى شرط خلافا للاصطخري فيما حكى صاحب التتمة عنه حيث قال يجوز الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الاولى منهما ويروى مثله عن ابي علي الثقفى وقال الموفق بن طاهر سمعت الشيخ ابا عاصم العباي يحكي عن الامام انه لو صلي المغرب في بيته ونوى الجمع وجاء الي المسجد وصلي العشاء فيه جاز ووجه ظاهر المذهب ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما " ولولا اشترط الموالاة لما تركها والمراد من الموالاة ان لا يطول الفصل بينهما ولا بأس بالفصل اليسير لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الاقامة بينهما وبماذا يفرق بين الطويل واليسير قال الصيدلاني حده اصحابنا بقدر اتيان المؤذن بالاقامة وهذا يوافق ما في الكتاب فانه قال وهى ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وقال

(4/476)


اصحابنا العراقيون الرجوع في الفصل بينهما إلى العادة وقد تقتضي العادة احتمال الزائد علي قدر الاقامة وتدل عليه مسألة وهي ان المتيمم هل له الجمع عن ابى اسحق أنه ليس له الجمع لانه محتاج إلى طلب الماء وتجديد التيمم وذلك يطول الفصل بينهما فصار كما لو طول بشئ آخر وقال عامة الاصحاب له الجمع كالمتوضئ ويطلب للتيمم الثاني طلبا خفيفا ولا ينقطع به الجمع لانه من مصلحة الصلاة فاشبه الاقامة وذكر في التهذيب أنه المذهب ومعلوم أن الطلب والتيمم يزيدان علي قدر الاقامة المشروعة على الادراج فيجوز ان يعلم قوله باكثر من قدر اقامة بالواو لما ذكره ومتى طال الفصل بقدر ضم الثانية إليها فيؤخرها إلى وقتها ولا فرق بين أن يطول من غير عذر أو بعذر كالسهو والاغماء ولو جمع بينهما ثم تذكر بعد الفراغ منهما انه ترك سجدة أو ركنا آخر من الصلاة الاولي بطلت الصلاتان جميعا اما الاولي فلترك بعض اركانها وتعذر التدارك بطول الفصل واما الثانية فلان شرط صحتها تقدم الاولى وإذا بطلتا فله أن يعيدهما علي سبيل الجمع ولو تذكر تركها من الثانية فان كان الفصل قريبا تدارك ومضت الصلاتان
علي الصحة وان طال الفصل فالثانية باطلة وليس له الجمع لوقوع الفصل الطويل بالصلاة الثانية فيعيدها في وقتها ولو لم يدر انه ترك من الاولي أو الثانية لزمه اعادة الصلاتين جميعا لاحتمال انه تركها من الاولى ولا يجوز له الجمع لاحتمال انه تركها من الثانية فيعيد كل واحدة في وقتها اخذا بالاسوأ من الطرفين وحكى في البيان عن الاصحاب أنه يجئ فيه قول آخر ان له الجمع كما لو اقيمت الجمعتان في بلدة ولم يعرف السابقة منهما يجوز اعادة الجمعة في قول هذا كله فيما إذا جمع بتقديم الثانية اما إذا جمع بتأخير الاولي فهل يجب الترتيب أم يجوز فعل الاخيرة قبل الاولي فيه وجهان (أحدهما) يجب كما لو جمع بالتقديم (وأصحهما) ولم يذكر كثيرون سواه انه لا يجب ويجوز تقديم الثانية لان الوقت لها والاولي تبع ولانه لو أخر الظهر من غير عذر حتى دخل وقت العصر كان له تقديم العصر فإذا أخر بعذر كان أولي وكذا في اشتراط الموالاة بينهما وجهان (أصحهما) انها لا تشترط لشبه الاولي بخروج وقتها بالفائتة وان لم تكن فائتة ولهذا قلنا لا يؤذن لها كالفائتة وان لم تكن فائتة (فان قلنا) باشتراط الترتيب فلو قدم الصلاة الثانية صحت لانها في وقتها لكن تصير الاولى قضاء وكذلك لو ترك الموالاة وشرطناها تصير الاولى قضاء حتي لا يجوز قصرها ان لم يجوز قصر القضاء واما نية الجمع عند التأخير فقد قال في النهاية ان شرطنا الموالاة فنوجب نية الجمع كما في الجمع بالتقديم وإلا فلا نوجب نية الجمع ويحكي هذا البناء عن القاضى الحسين رحمه الله وهذا الخلاف في انه هل ينوى الجمع عند الشروع في الصلاة واما في وقت الاولى فقد قال الائمة يجب ان يكون التأخير بنية الجمع ولو اخر

(4/477)


من غير نية الجمع حتى خرج الوقت عصى وصارت قضاء وامتنع قصرها ان لم تجوز قصر القضاء وكذا لو أخر حتى ضاق الوقت فلم يبق إلا قدر لو شرع في الصلاة فيه لما كان اداء وقد سبق بيان ذلك * قال (ومهما نوى الاقامة في اثناء الصلاة الاولى عند التقديم بطل الجمع وإن كان في اثناء الثانية فوجهان وان كان بعد الثانية فوجهان مرتبان واولي بان لا يبطل هذا في السفر) * لو اراد الجمع بين الصلاتين بالتقديم فصار مقيما في اثناء الاولي اما بنية الاقامة أو بانتهاء السفينة إلي دار الاقامة فيبطل الجمع وكذا لو فرض ذلك بعد الفراغ منها وقبل الشروع في الثانية لزوال العذر
قبل حصول صورة الجمع ومعني بطلان الجمع ههنا انه يتعين تأخير الثانية إلى وقتها أما الاولي فلا تتأثر بذلك ولو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان (احدهما) انه يبطل الجمع ايضا كما لو صار مقيما في اثناء صلاة القصر تبطل رخصة القصر ويلزمه الاتمام وعلي هذا فالثانية تبطل أصلا ورأسا أو تبقى نفلا يخرج علي القولين السابقين في نظائرها (والثاني) وهو الاظهر انه لا يبطل ويكفى اقتران العذر باول الثانية صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد علي وجه الرخصة بخلاف مسألة القصر فان وجب الاتمام لا يؤدى الي بطلان ما مضى من صلاته ولو صار مقيما بعد الفراغ من الثانية فقد اطلق في الكتاب فيه وجهين مرتبين علي الوجهين فيما إذا صار مقيما في خلالها ان قلنا لا تؤثر الاقامة ثم فههنا اولي وان قلنا تؤثر ثم فهنا وجهان (احدهما) انها تؤثر لان الصلاة الثانية مقدمة علي وقتها كالزكاة تعجل قبل الحول فإذا ازال العذر وادرك وقتها فليعد كما لو حال الحول وقد خرج الاخذ عن الشرط المعتبر لا يعتد بما عجل (واظهرهما) انها لا تؤثر لان رخصة الجمع قد تمت فاشبه ما لو قصر ثم طرأت الاقامة لا يلزمه الاتمام وخص صاحب التهذيب وآخرون الخلاف بما إذا طرأت الاقامة بعد الفراغ من الصلاتين اما في وقت الاولى أو في وقت الثانية ولكن قبل مضى امكان فعلها فاما لو طرأت بعد مضى امكان فعلها قالوا لا تجب اعادتها وجها واحدا لبقاء العذر في وقت الوجوب وتنزيل اطلاق الكتاب علي ما ذكروه بين لكن صاحب النهاية صرح باجزاء الوجهين ما دام يبقي من وقت الثانية شى والله أعلم * وأما إذا جمع بينهما بالتأخير ثم صار مقيما بعد الفراغ منهما لم يصر ولو كان قبل الفراغ صارت الاولي قضاء ذكره في التتمة وغيره وكأن المعنى فيه ان الصلاة الاولي تبع للثانية عند التأخير فاعتبر وجود سبب الجمع في جميعها *

(4/478)


قال (واما المطر فيرخص (ح ز) في الجمع بالتقديم في حق من يصلى بالجماعة واما في المنفرد أو من يمشى إلى المسجد في كن ففيه وجهان وفى التأخير ايضا وجهان لانه لا يثق بدوام المطر ولا بد من وجود المطر في أول الصلاتين فان انقطع قبل الصلاة الثانية أو في أثنائها فهو كنية الاقامة) * المطر سبب للجمع لما سبق وللجمع طريقان التقديم والتأخير فاما التقديم فجائز بالشرائط
المذكورة في التقديم بسبب السفر ولا فرق بين قوى المطر وضعيفه إذا كان بحيث يبل الثوب والشفان مطر وزيادة والثلج والبرد ان كانا يذوبان فهما كالمطر والا فلا يرخصان في الجمع وفيه وجه انه لا يرخصان فيه بحال اتباعا للفظ المطر ثم هذه الرخصة تثبت في حق من يصلى في الجماعة ويأتى مسجدا بعيدا يتأذى بالمطر في اتيانه فاما إذا كان يصلي في بيته منفردا أو في جماعة أو كان يمشي الي المسجد في كن أو كان المسجد علي باب داره أو النساء يصلين في بيوتهن هل نثبت هذه الرخصة فيه وجهان (احدهما) نعم لان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بسبب المطر وبيوت ازواجه بجنب المسجد (واصحهما) لا لانه لا يتاذى بالمطر وبيوت ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة منها ما هو بجنب المسجد ومنها ما هو بخلافه فلعله حين جمع لم يكن في البيت الملاصق ومن اصحابنا من ينقل بدل الوجهين قولين في هذه المسائل وينسب الجواز الي الاملاء والمنع الي الام واما التأخير فهل يجوز بسبب المطر روى في الكتاب فيه وجهين وقال جمهور الاصحاب فيه قولان (القديم) انه يجوز كما في السفر يجوز التقديم والتأخير جميعا (والجديد) انه لا يجوز لان استدامة السفر إليه متصورة واستدامة المطر متعذرة فربما تمسك السماء قبل ان يجمع فان جوزنا التأخير قال اصحابنا العراقيون صلاها مع الثانية سواء كان المطر متصلا أو لم يكن وذكر في

(4/479)


التهذيب انه لو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع وصلى الاولى في آخر وقتها كالمسافر إذا اخر بنية الجمع ثم اقام قبل دخول وقت الثانية وقضية هذا ان يقال لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع ايضا وصارت الاولي قضاء كما لو صار مقيما وإذا قدم فلا بد من وجود المطر في اول الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر وهل يجب مع ذلك وجوده في حال التحلل عن الصلاة الاولي نقل في النهاية عن المعظم انه لا يجب وعن ابي زيد انه لا بد منه ايضا ليتحقق اتصال آخر الاولي باول الثانية مقرونا بالعذر وهذا هو الذى ذكره اصحابنا العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم ولا يضر بعد وجوده في الاحوال الثلاث إنقطاعه في أثناء الصلاة الاولي أو في الثانية أو بعد الثانية حكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وقطع به الاكثرون
قال امام الحرمين وحكي بعض المصنفين في انقطاعه في اثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف الذى ذكرناه في طرءان الاقامة إذا كان سبب الجمع السفر واستبعد ذلك وضعفه وقال إذا لم يشترط دوام المطر في الصلاة الاولي فاولي ان لا يشترط في الثانية وما بعدها ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) فيرخص في التقديم يجوز ان يعلم بالحاء والميم والزاء لما سبق في اول الباب وذكر في الابانة ان المطر يرخص في التأخير وفى التقديم وجهان علي عكس ما نقله الجمهور فان ثبت ذلك احوج الي الاعلام بالواو ايضا وقوله في التقديم اراد به تقديم العصر الي الظهر والعشاء الي المغرب معا وفى النهاية قول ضعيف عن حكاية صاحب التقريب ان الجمع بعذر المطر يختص بالمغرب والعشاء في وقت المغرب (وقوله) في حق من يصلي بالجماعة يشمل ظاهره الجماعة في المسجد وفى البيت لكن لو صلوا جماعة في بيت اجتمعوا فيه ففى جواز الجمع لهم وجهان كما سبق (وقوله) فاما في المنفرد يشمل المنفرد في بيته وفى المسجد وهو مجرى علي اطلاقه فقد حكى الصيدلانى الوجهين في الذين حضروا المسجد وصلوا فرادى وجه المنع ان رخصة الجمع نقلت مرتبطة بالجماعة في المسجد وقوله ولا بد من وجود المطر في اول الصلاتين مشعر بالاكتفاء بذلك علي ما حكاه الامام عن المعظم لكن ظاهر المذهب انه لا بد منه عند التحلل ايضا كما سبق ثم ينبغي ان يعلم قوله في اول الصلاتين بالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض الاصحاب انه لو افتتح الصلاة ولا مطر ثم مطرت السماء في اثناء صلاته الاولى فجواز الجمع علي القولين في انه إذا نوى الجمع

(4/480)


في اثناء الاولي هل يجوز الجمع ام لا واختار ابن الصباغ هذه الطريقة (وقوله) فان انقطع قبل الصلاة أو في اثنائها عنى به ما إذا لم يعد اما إذا عاد في آخرها فالجمع ماض علي الصحة وقد صرح بهذا القيد في الوسيط ثم القول بانه كنية الاقامة جواب علي ما نقله في النهاية عن بعض المصنفين ويجب وسمه بالواو للطريقة الجازمة بان ذلك لا يقدح وهي التي قالها الاكثرون * (فروع) (احدها) قال ابن كج يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بعذر المطر ثم إذا قدم فلا بد من وجود المطر في الحالات الثلاث كما بينا قال في البيان ولا يشترط وجوده في الخطبتين وقد
تتازع فيه ذهابا إلى تنزيلهما منزلة الركعتين وأن اراد تأخير الجمعة قال في البيان يجوز ذلك على قولنا المطر يرخص في التأخير فيخطب في وقت العصر ويصلي لان وقت الثانية من صلاتي الجمع وقت الاولى (والثاني) المشهور أنه لا جمع بالمرض والخوف والوحل إذا لم ينقل ان رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بهذه الاسباب مع حدوثها في عصره وعن مالك واحمد أنه يجوز الجمع بالمرض والوحل وبه قال بعض اصحابنا منهم ابو سليمان الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني في الحلية لما روى " أنه صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر فعلي هذا يراعى الرفق بنفسه فإذا كان يحم مثلا في وقت الثانية من الصلاتين قدمها الي الاولي بالشرائط التي سبقت وأن كان يحم في وقت الاولى اخرها إلى الثانية (الثالث) في جمع الظهر والعصر يصلي سنة الظهر ثم سنة العصر ثم يأتي بالفرضين وفى جمع العشائين يصلى بعد الفرضين سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر *

(4/481)