فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

* * (كتاب الزكاة) * (وفيه سنة أنواع)
قال ((النوع الاول) زكاة النعم والنظر في وجوبها وأدائها أما الوجوب فله ثلاثة أركان (الاول) قدر الواجب وسيأتى بيانه (الثاني) ما يجب فيه وهو المال وله ستة شرائط أن يكون نعما.
نصابا.
مملوكا.
متهيئا لكمال التصرف.
سائمة.
باقية حول (الشرط الاول) أن يكون نعما فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ولا تجب في غيرها ولا في الخيل (ح) ولا في المتولد بين الظباء والغنم وإن كانت الامهات (ح) من الغنم) .
قال الله تعالي: (وآتوا الزكاة) وقال تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقال صلى الله عليه وسلم (مانع الزكاة في النار)

(5/313)


* الزكاة أحد أركان الاسلام فمن منعها جاحدا كفر الا أن يكون حديث عهد بالاسلام لا يعرف وجوبها فيعرف ومن منعها وهو معتقد لوجوبها أخذت منه قهرا فان لم يكن في قبضة الامام وامتنع القوم قاتلهم الامام على منعها كما فعل الصديق رضى الله عنه قال الاصحاب: الزكاة نوعان (زكاة الابدان) وهى الفطرة ولا تعلق لها بمال إنما يراعى فيها إمكان الا داء (وزكاة الاموال) وهى ضربان (زكاة تتعلق بالقيمة والمالية) وهى زكاة التجارة (وزكاة تتعلق بالعين) والاعيان التى تتعلق بها الزكاة ثلاث.
حيوان.
وجوهر.
ونبات.
وتختص من الحيوان بالنعم ومن الجواهر بالنقدين ومن النبات بما يقتات علي ما سفنصل جميعه وصاحب الكتاب ترك الترتيب والتقسيم واقتصر علي المقاصد فقال: الزكاة ستة انواع وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين والتجارة والمعادن وزكاة الفطر ثم تكلم في زكاة النعم في طرفين الوجوب والاداء ولك أن تقول كان الاحسن في الترتيب أن يقول أولا النظر في طرفين الوجوب والاداء ونتكلم في الانواع النسة في طرف الوجوب ثم نعود إلى طرف الاداء لان الكلام في الاداء لا اختصاص له بزكاة النعم بل يعم سائر الانواع ثم جعل للوجوب ثلاثة أركان (قدر الواجب) و (ما تجب فيه) و (من تجب عليه) ولك أن تقول من تجب عليه زكاة النعم هو الذى تجب عليه زكاة المعشرات وغيرها فلا تفصيل فيه بين الانواع وانما التفصيل في الركنين الباقيين فكان الاولى أن يقول:
النظر في الزكاة في الوجوب والاداء وللوجوب أركان (أحدها) من تجب عليه ونفرغ منه ثم نذكر

(5/314)


الركينين الآخرين وندرج فيهما تفصيل الانواع وما يختلف فيه ثم قدر الواجب من الاركان الثلاثة يتبين في خلال بيان النصب فلذلك أحاله على ما بعده وأما ما تجب فيه وهو المال فقد قال له ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثانى) كونه نصابا (والثالث) الحول (والرابع) دوام الملك فيه مدة الحول (والخامس) السوم (والسادس) كمال الملك وههنا كلامان (أحدهما) أن من هذه الشروط ما لا يختص بزكاة النعم كالحول وكمال الملك وما يعتبر في هذا النوع وغيره لا يحسن تخصيص هذا النوع بذكره بل الاحسن ايراد يستوى نسبتها إليه (والثانى) أن قوله ما تجب فيه وهو المال لا شك أن المراد منه ما تجب فيه زكاة النعم فان الكلام فيها ولا معنى لزكاة النعم سوى الزكاة الواجبة في النعم فكأنه قال شرط الزكاة الواجبة في النعم أن يكون الواجب فيه نعما وهذا ركيك من الكلام وان لم يكن ركيكا فهو أوضح من أن يحتاج الي ذكره وفقه الفصل أنه لا تجب الزكاة في غير الابل والبقر والغنم من الحيوانات كالخيل والرقيق إلا أن يكون للتجارة وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كانت الخيل ذكورا وإناثا أو إناثا فصاحبها بالخيار إن شاء أعطي من كل فرس دينارا وان شاء قومها وأعطي من كل مائتي درهم خمسة دراهم وان كانت ذكورا منفردة فلا شئ فيها * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس علي المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) ولا تجب الزكاة فيما يتولد من الظباء والغنم سواء كانت الغنم فحولا أو أمهات خلافا لاحمد رحمه الله حيث قال: تجب في الحالتين.
ولا بى حنيفة ومالك حيث قالا تجب ان كانت الامهات من الغنم * لنا أنه لم يتولد من اصلين تجب الزكاة في جنسهما فلا تجب فيه الزكاة كما إذا كانت الفحول والامهات ظباء وأيد الشافعي رضي الله عنه المسألة بأن البغل لم يسهم له سهم الفرس وإن كان أحد أصليه فرسا وموضع العلامة في الصورتين من لفظ الكتاب واضح وإنما ذكرهما ليشير إلي الخلاف فيهما وإلا ففى قوله فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ما يفيد نفى الوجوب في الصورتين بل في قولنا يشترط كونه نعما ما يفيد نفى الوجوب في غير

(5/315)


الابل والبقر والغنم لان اسم النعم لهذه الحيوانات الثلاثة عند العرب ولذلك قال الله تعالي (والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) ثم قال (والخيل والبغال والحمير) ففصل الخيل عن الانعام وإنما صرح بقوله فلا زكاة الا في الابل والبقر والغنم إيضاحا وفيه إشارة إلى اختصاص اسم النعم بالانواع الثلاثة وأما قوله بعد ذلك ولا تجب في غيرها فلا فائدة فيه: * قال (الشرط الثاني أن تكون النعم نصابا أما الا بل ففى أربع وعشرين من الابل فماد ونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين الي خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثي فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين الي خمس واربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وأربعين إلي ستين ففيها حقة فإذا بلغت احدى وستين الي خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسعين الي تسعين ففيها بنتا لبون فإذ بلغت إحدى وتسعين إلي عشر ومائة ففيها حقتان فإذا صارت إحدى وعشرين مائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (ح) كل ذلك لفظ أبى بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وبنت المخاض لها سنة وبنت اللبون لها سنتان وللحقى؟ ثلاث وللجذعة أربع) * الاصل المرجوع إليه في نصااب الابل ما روى الشافعي رضى الله عنه باسناده عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال هذه الصدقة بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المسلمين التي أمر الله بها فمن سئلها على وجهه فليعطها ومن سئلها فوق حقه فلا يعطه في أربع وعشرين من الابل فما دونها الغنم وذكر مثل ما أورده في الكتاب لفظا

(5/316)


بلفظ إلى قوله ففى كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة إلا أنه قال في ست وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل وفي إحدى وتسعين حقتان طروقتا الجمل (قوله) هذه الصدقة ترجمع الكتاب وعنوانه كما يقال هذا مختصر كذا وكتاب كذا ثم افتتح الكتاب وقوله هذه فريضة الصدقة أي بيان الصدقة التي أمر الله بها وأجمل ذكرها بقوله (خذ من أموالهم صدقة تظهر هم) وقوله التى فرضها رسول الله صلي الله عليه ولم قال الصيدلاني يعني قدرها وقال المسعودي يعنى أوجبها وصاحب الشامل أوردهما معا علي سبيل الاحتمال وقوله من سئلها فوق حقه فلا يعطه فيه وجهان لاصحابنا
(منهم) من قال لا يعطه شيئا (ومهم) من قال لا يعطه الزيادة وهو الاصح باتفاق الشارحين: إذا تقرر ذلك فنقول لا زكاة في الابل حتى تبلغ خسما فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ولا يزيد بزيادتها شئ حتي تبلغ عشرا فحينئذ فيها شاتان ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ خمس عشرة فحينئذ فيها ثلاث شياه

(5/317)


ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ عشرين فحينئذ فيها أربع شياه ثم لا يزيد شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين فحينئذ فيها بنت مخاض ثم لا شئ حتي تبلغ ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة ثم لا شئ حتي تبلغ احدى وستين ففيها جذعة ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم لا شئ حتى تبلغ احدى وتسعين فيها حقتان ثم لا يزيد شئ بزيادتها حتي تجاوز مائة وعشرين فان زادت واحدة وجبت ثلاث بنات لبون وإن زاد شقص من واحدة فهل هو كزيادة الواحدة حتي تجب ثلاث بنات لبون أم لا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الا صطخري نعم لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (فان زادت علي عشرين ومائة) وزيادتها علي هذا المبلغ كما تحصل بواحدة تحصل بما دونها (وأصحهما) لا والا يجب إلا حقتان لان الزيادة مفسرة بالواحدة وفي رواية ابن عمر رضى الله عنهما ولان الزكاة مبنية علي تغيير واجبها بالاشخاص دون الاشقاص وإذا زادت واحدة وأوجبنا ثلاث بنات لبون فهل للواحدة قسط من الواجب أم لا فيه وجهان قال الاصطخرى لا لانه صلي الله عليه وسلم قال (ففى كل أربعين بنت لبون) ولو قدرنا أن لها قسط من الواجب لكانت كل بنت لبون في أربعين وثلث وقال الا كثرون (نعم) لان تغير الواجب بالواحدة فيتعلق الواجب بها كالعاشرة والخامسة والعشرين وغيرهما وما ذكر من الظاهر يعارضه ما روي في بعض الرويات أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا زادت واحدة علي المائة والعشرين فيها ثلاث بنات لبون) فعلي

(5/318)


هذا لو بلغت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة واحدى وعشرين جزءا وعلي قول الاصطخرى لا يسقط شئ ثم الامر يستقر بعد بلوغ الابل مائة واحدى وعشرين فيجب في كل اربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وإنما يتغير الواجب بزيادة عشر عشر وإذا وجب
عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر فصيرت ثلاثين أربعين أبدلت بنت لبون بحقة فان زادت عشرة أخرى أبدلت بأخرى وهكذا حتى يصير الكل حقاقا فإذا زادت عشر بعد ذلك أبدلت الحقاق كلها ببنات اللبون وزيدت واحدة (مثاله) في مائة واحدى وعشرين ثلاث بنات لبون كما عرفت فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها بنتا لبون وحقة فإذا صارت مائة وأربعين ففيها بنت لبون وحقتان فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فإذا صارت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون ثم في مائة وسبعين ثلاث بنات لبن وحقة وفي مائة وثمانين بنتا لبون وحقتان وعلي هذا القياس هذا مذهبنا والحجة عليه الخبر الذى تقدم وساعدنا أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله علي ما ذكرنا إلى مائة وعشرين ففيها حقتان بالاتفاق ثم عند أبى حنيفة يستانف الحساب ففى كل خمس تزيد شاة مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسا واربعين ففيها بنت فيها بنت مخاض مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ثم يستأنف الحساب فيجب في كل خمس تزيد شاة مع الحقاق الثلاث الي أن تبلغ مائة وخمسا وسبعين

(5/319)


فحينئذ فيها بنت مخاض وثلاث حقاق وفي مائة وست وثمانين بنت لبون وثلاث حقاق وفي مائة وست وتسسعين أربع حقاق وربما قيل وفي مائتين أربع حقاق لان الاربع عفو لا يختلف الواجب بوجودها وعدمها ثم بعد المائتين يستأنف الحساب وعلى رأس كل خمسين يجعل أربع عفوا علي ما ذكرنا وعند مالك إذا زاد علي عشرين ومائة أقل من عشر لم يتغير الواجب فإذا بلغت مائة وثلاثين فحينئذ فيها بنتا لبون وحقة وقد استقر الحساب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا ورواية ثالثة أنه إذا زادت واحدة علي المائة والعشرين تغير الفرض ويتخير الساعي بين الحقتين وبين ثلاث بنات لبون وعن احمد روايتان كالروايتين الاولتين عن مالك والاصح عنه مثل مذهبنا.
إذا عرفت هذه المذاهب رقمت قوله في الكتاب فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون (بالحاء والميم والالف) وقد أعلم بالواو أيضا لان امام الحرمين قال حكي العراقيون أن ابن خيران من شيوخنا كان يخير وراء المائة والعشرين بين مذهب الشافعي رضي الله عنه ومذهب أبى حنيفة رحمه الله فجعل ذلك وجها لكن لم أجد في الكتب المشهورة للعراقيين وتعليقا تهم
نسبة هذا المذهب الي ابن خيران وانما حكوه عن ابن جرير الطبري وربما وقع تغيير في بعض النسخ لتقارب الاسمين وتفرد ابن جرير لا يعد وجها في المذهب وان كان معدود امن طبقة أصحاب الشافعي رضى الله عنه ثم في الفصل أمور لا بد من معرفتها (أحدها) أن قوله في الكتاب فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر إنما ذكره جريا علي لفظ الخبر ونظامه وأما فقهه وتعريفه فهو مذكور من بعد ولماذا قيد ابن اللبون بالذكر وبنت المخاض قبل ذلك بالانثي ذكروا فيه قولين (أصحهما) أنه وقع تأكيدا في الكلام كما يقال رأيت بعينى وسمعت باذني وكما قال صلي الله عليه وسلم (ما أبقت الفرائض فلا ولي رجل ذكر) (والثانى) أن الغرض منه ان لا يؤخذ الخنثى فان في خلقته تشويها

(5/320)


وعيبا والصحيح اجزاء الخنثى علي ما سيأتي ثم في لفظ الابن والبنت ما يغنى عنه (الثاني) ربما نجد في بعض النسخ عند قوله فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل اربعين بنت لبون وفي كل

(5/321)


خمسين حقة زيادة وهى فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل اربعين بنت لبون وهذه الزيادة صحيحة لكن الكلام مستقيم دونها والظاهر انها ملحقة غير

(5/322)


مذكورة من جهة المصنف لامرين (احدهما) انه لم يذكر ها في الوسيط (والثاني) انه قال آخرا كل ذلك لفظ ابي بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وليس فيما نقل من لفظ ابى بكر رضى الله عنه هذه الزيادة

(5/323)


وانما نسبه الي ابى بكر لانه رضى الله عنه هو الذى كتب لانس ومالك رضى الله عنه كتاب الصدقة لما وجهه الي البحرين (الثالث) بيان الاسنان التى جرى ذكرها في الفصل اعلم ان الناقة اول ما ولدت يسمي

(5/324)


ولدها الذكر ربعا والانثى ربعة ثم يقال لله تبيع وتبيعة ثم فصيل الي تمام سنة فإذا تمت له السنة وطعن

(5/325)


في الثانية سمى ابن مخاض ان كان ذكرا وبنت مخاض ان كانت انثي وذلك لان الناقة بعد تمام سنة

(5/326)


من ولادتها تحبل مرة اخرى فتصير من المخاض وهى الحوامل فيكون الولد ولد ناقة هي المخاض وتسمي بذلك وان لم تحبل بعد نظرا الي الوقت ثم إذا تمت للولد سنتان وطعن في الثالثة سمى الذكر

(5/327)


ابن لبون والانثي بنت لبون لان الام قد ولدت وصرت لبو نا ثم إذا استوفى الولد ثلاث سنين

(5/328)


وطعن في الرابعة سمى الذكر حقا والانثي حقة ولم سمى بذلك اختلفوا فيه منهم من قال لا ستحقاقه الحمل عليه وركوبه ومهم من قال لان الذكر استحق أن ينزو والانثى استحققت ان ينزى عليها

(5/329)


وبحسب هذين القولين اختلفوا في قوله طروقة الجمل علي ما سبق في الخبر فمن قال بالاول قرأ

(5/330)


طروقه الحمل بالحاء أي استحقت الحمل عليه ومن قال بالثاني قرأ طروقه الجمل بالجيم لانها استحقت أن يطرقها الجمل ذكر ذلك كله المسعودي والمشهور الصحيح هو الجمل ويدل عليه ما روى في بعض الروايات طروقه الفحل ثم إذا استوفى الولد اربع سنين وطعن في الخامسة سمى الذكر جذعا والانثى

(5/331)


جذعة لانه يجدع مقدم اسنانه أي يسقطه وهذه غاية اسنان الزكاة *

(5/332)


قال (وأما البقر ففى ثلاثين منه تبيع هو الذى له سنة وفي أربعين مسنة وهى التى لها سنتان

(5/333)


ثم في الستين تبيعان ثم استقر الحساب ففى كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة) *

(5/334)


عن النبي صلي الله عليه وسلم انه أمر معاذا حين بعثه إلي اليمن أن ياخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ومن أربعين مسنة * لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم لا شئ

(5/335)


في زيادتها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان وقد استقر الحساب في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ويتغير الواجب بزيادة عشر عشر ففى سبعين تبيع ومسنة وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث اتبعة وفي مائة مسنة وتبيعان وعلى هذا القياس وبقولنا قال احمد ومالك وعن أبى حنيفة ثلاث روايات (احداها) مثل قولنا (وأظهرها) ان فيما زاد علي الاربعين يجب بحساب ذلك في كل بقرة ربع عشر مسنة الي أن يبلغ ستين (والثالثة) انه لا شئ في الزيادة على الاربعين حتي تبلغ خمسين فيجب فيها مسنة وربع مسنة وإذا بلغت ستين وجب تبيعان عى الروايات كلها واستقر الحسا كما ذكرنا والتبيع هو الذى له سنة وطعن في الثانية سمي بذلك لانه يتبع الام وقيل لان قرنه يتبع اذنه ويكاد يساويها والانثى تبيعة والمسنة هي التى تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة والذكر مسن هذا هو المشهور في تفسيرهما ويجوز أن يعلم قوله وهو الذى له سنة وقوله وهى التى لها

(5/336)


سنتان بالواو لان صاح العدة وغيره حكوا وجها ان المسنة ما تم لها سنة والتبيع ماله ستة اشهر وقد أشار في النهاية الي هذا الوجه قال ورد في بعض اخبار الجذع مكان التبيع والجذع من البقر كالجذع من الضأن وفي سن الجذعة من الضأن تردد سيأتي وهو يجري في التبيع قال والمسنة في البقر بمثابة الثنية في الغنم * قال (وأما الغنم ففى أربعين شاة شاة وفي مائة واحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحد ثلاث شياه وفي أربعمائة أربع شياه وما بينهما أوقاص لا يعتد بها ثم استقر الحساب ففى كل مائة شاة والشاة الواجبة في الغنم إما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنه أو الثنية من المعز وهي التى لها سنتان) *

(5/337)


عن أنس ان أبا بكر رضى الله عنه كتب له (فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى ورسوله صلي
الله عليه وسلم وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين الي عشرين ومائة شاة فإذا زادت علي عشرين ومائة واحدة الي مائتين ففيها شاتان فإذا زادت علي مائتين واحدة الي ثلثمائة ففيها شاة ثم لا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ففيها شاتان ثم لا يزاد شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه ثم لا يزاد شئ حتي تبلغ أربعمائة ففيها اربع شياه اربع شياه وقد استقر الحساب في كل مائة شاة وبهذا قال مالك وابو حنيفة واحمد والشاة الواجبة فيها الجذعة من الضأن أو الثنية من المعزوبه قال احمد خلافا لمالك حيث قنع فيهما بالجذعة ولابي حنيفة حيث اوجب فيهما الثنية وروى عنه مثل مذهبنا أيضا لنا ما روى سويد بن غفلة قال سمعت مصدق النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالجذعة من الضأن والثنية من المعز) ولانهما ساعدانا

(5/338)


في الاضحية على * واحتج الاصحاب على مالك في الجذعة من المعز بان هذا سن لا يجوز اضحية فلا يجوز في صدقة الغنم قياسا على ما دونها وعلى أبي حنيفة في الجذعة من الضأن بانها سن يجوز أضحية

(5/339)


فيجوز في صدقة الغنم كالثنية واختلفوا في تفسير هما علي أوجه (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أن الجذعة ما استوفت سنة ودخلت في الثانية والثنية ما استوفت سنتين سميت الجذعة جذعة لانها تجدع السن كما ذكر في الابل (والثانى) ان الجذعة ما لها ستة أشهر والثنية ما لها سنة وهو الذى ذكره في الثنية (والثالث) أن الجذعة هي التي لها ثمانية أشهر والثنية هي التي لها سنة وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية

(5/340)


ويقال إذا بلغ الضأن سبعة أشهر وكان من بين شاتين فهو جذع لان له نزوا وضرابا وان كان من بين هرمين فلا تسمى جذعة حتى تستكمل ثمانية أشهر (وقوله) في أثناء الكلام وما بينها أو قاص هي جمع وقص وهو ما بين الفريضتين ثم منهم من يقول القاف من الوقص محركة وهو الذى ذكره في الصحاح قالوا ولو كانت ساكنة لجاء الجمع علي افعل كفلس وأفلس وكلب وأكلب ومنهم من يسكن القاف ويقول

(5/341)


هو مثل هول وأهوال وحول وأحوال والشنق بمعنى الوقص ومنهم من قال الوقص في البقرو الغنم خاصة والشنق في الابل خاصة (وقوله) لا يعتد بها يجوز انه يريد به أنا لا تؤثر في زيادة الواجب ويجوز أن يريد به أن الواجب لا ينبسط عليها بل هي عفو وهو الصحيح وفيه خلاف مذكور في الكتاب من بعد (وقوله) أما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنة ليس المفسر الجذعة من الضأن بخصوصها

(5/342)


بل الجذعة من الغنم هي التي لها سنة علي اوجه الاظهر سواء كانت من الضأن أو المعز وكذلك الثنية من الغنم هي التى لها سنتان سواء كانت من الضأن أو من المعز ثم الواجبة من هذه الجذعة ومن تلك الثنية والله أعلم * قال (ثم يتصدى النظر في زكاة الابل في خسمة مواضع (الاول) في اخراج شاة عن الابل وهي

(5/343)


جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والعبرة في تعبين الضان أو المعز بغالب غنم البلد وقيل أنه يخرج ما شاء ويؤخذ منه لان الاسم ينطلق عليه ولو أخرج ذكرا فعلى هذين الوجهين ولو أخرج بعيرا عن خمس أو عن عشرا اخذ وان نقصت قيمته عن قيمة شاة) * لك ان تقول النظر الثالث والخامس لا اختصاص لهما بزكاة الابل علي ما سنبينه من بعدوانما كان يحسن قوله في زكاة الابل في خمسة مواضع إذا كانت المواضع كلها مختصة بالابل إذا تقرر ذلك فالنظر الاول في كيفية اخراج الشاة من الابل وقد ذكرنا أن الواجب في الابل قبل بلوغها خسما

(5/344)


وعشرين الشياه وانما تجب الجذعة من الضأن والثنية من المعز كما ذكرنا في الشاة الواجبة في الغنم لما روى أن مصدق النبي صلي الله عليه وسلم قال (انما حقنا في الجذعة من الضأن والثنية من المعز) وروى أنه قال (أمرنا باخذهما) وخلاف ابي حنيفة في أن الواجب منها الثنية ومالك: في ان الجذعة منهما تجزئ عائد ههنا أيضا ثم في الفصل مسائل (إحداها) هل يتعين أحد النوعين

(5/345)


من الضأن والمعز حكي في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يتعين غالب غانم البلد إن كان الغالب الضأن وجب الضأن وإن كان الغالب المعز وجب المعز لانه مال وجب في الذمة بالشرع فاعتبر فيه عرف البد كالكفارة هذا ما ذكره صاحب المهذب وقال إن استويا يخير بينهما (والثانى) أنه يخرج ما شاء من النوعين ولا يتعين الغالب في البلد لانه صلي الله عليه وسلم قال (في خمسن من الابل شاة) واسم الشاة يقع عليهما جميعا فصار كما في الاضحية لا يتعين فيها غنم البلد وفي النهاية والوسيط حكاية وجه آخر وهو أنه يتعين نوع غنمه إن كان يملك غنما كما إذا كان يزكى عن الغنم وكما في ابل العاقلة على رأى ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فغالب غنم البلد وكذا قوله يخرج ما شاء بالواو لمكان هذا الوجه الثالث والثاني معلم بالميم ايضا لان الحاكية عن مالك أنه يجب من غالب غنم البلد وقوله يخرج ما شاء ويؤخذ منه لا ضرورة الي الجمع بين هذين اللفظين والمقصود حاصل بأحدهما ثم أعلم أن إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وحكاه إمام الحرمين عن العراقيين وذكر أن صاحب التقريب نقله عن نص الشافعي رضي الله عنه ونقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها وساعده الامام عليه واليه صار الا كثرون وربما لم يذكروا سواه فإذا الوجه الثاني أصح في المذهب والشبهة داخلة في حكاية الامام عن العراقيين من وجهين (أحدهما) أن الشيخ ابا حامد وشيعته نصوا على أنه لا يعتبر غالب غنم البلد وإنا يعتبر غنم البلد فحسب (والثانى) أنه يشبه أنهم أرادوا بما ذكروا تعيين ضأن البلد ومعزه وذلك لا ينا في التخيير بين الضان والمعز يدل عليه أن صاحب الشامل خير بين الضأن والمعز ومع ذلك قال يخرج من غنم البلد وكذلك خير في التتمة بين النوعين ثم حكى وجهين في أن الضأن المخرج أيضا مثلا هل يجب أن تكون من نوع ضان البلد أم لا ومن قال يتعيين غنم البلد قال لو أخرج غيرها وهى خير من غنم البلد باقيمة اجزأته وكذلك لو كانت مثلها إنما الممتنع أن يخرجها وهى دونها (الثانية) لو أخرج جذعا من الضأن أو ثنيا من المعز هل يجزئه فيه وجهان (أحدهما) لا كالشاة المخرجة من الاربعين من الغنم وكاسنان الابل المؤداة فيها (واظهرهما) وبه قال أبو اسحاق نعم: لشمول الاسم كما في الاضحية.
ثم ذكر في التتمة طريقين

(5/346)


(اشهرهما) ان الوجهين مطردان فيما إذا كانت الابل ذكورا كلها وفيما إذا كانت اناثا أو مختلطة وهذا هو الموافق لا طلاق الكتاب والمذكور في التهذيب (والثاني) انها إذا كانت اناثا أو كان بعضها اناثا لم يجز اخراج الذكر والوجهان مخصوصان بما إذا كانت ذكورا كلها والوجهان مبنيان علي اصل سنذكره وهو ان الشاة المخرجة عن الابل اصل بنفسها ام بدل عن الابل ان قلنا بدل جاز اخراج الذكر كما لو اخرج عنها بعيرا ذكرا يجزله وان قلنا اصل لم يجز جريا علي الاصل المعتبر في الزكوات وهو كون المخرج انثى وقوله في الكتاب فعلى هذين الوجهين اشار به إلى تقارب مأخذ الخلاف في هذه المسألة والتي قبلها (الثالثة) لو ملك خمسا من الابل ولزمته شاة فاخرج بعيرا فظاهر المذهب أنه يجزئه وان كانت قيمته أقل من قيمة شاة خلافا لمالك وأحمد حيث قالا لا يجزئ الا الشاة * لنا ان البعير يجزئ عن خمس وعشرين والخمس داخلة فيها فأولى أن يجزى عنها منفردة وفي المسألة وجهان آخران (أحدهما) أن البعير انما يجزئ إذا بلغت قيمته قيمة شاة اما إذا انقصت فلا لما فيه من الاجحاف بالفقراء حكى هذا عن القفال والشيخ أبى محمد (والثاني) أنه ان كانت الابل مراضا أو قليلة القيمة لعيب بها فأخرج بعيرا منها جاز وان كانت قيمته أقل من قيمة الشاة اما إذا كانت صحاحا سليمة لم يجز أن يخرج عنها بعيرا قليل القيمة والفرق أنه في المرض لا يعتقد باداء البعير تطوعا وفى الصحاح يعتقد التطوع واقل ما في التطوع ان لا ينقص عن الواجب وهذا الوجه هو الذى اورده الصيدلاني وحكي المنع فيما إذا كانت الابل صحاحا هو وغيره عن نص الشافعي رضي الله عنه وفي كلام الشيخ ابى محمد حمل ذلك النص علي الاستحباب وإذا قلنا بظاهر المذهب فاخرج بعيرا عن خمس من الابل فهل يكون كله فرضا أو يكون خمسه فرضا والباقى تطوعا فيه وجهان شبههما الائمة بالوجهين في المتمتع إذا ذبح بدنة بدل الشاة هل تكون كلها فرضا أو الفرض سبعها وفيمن مسح جميع الرأس هل يقع الكل فرضا ام لا وجعلوا المصير إلى أن الكل ليس بفض وفي مسألتي الاستشهاد أو جه لان الاقتصار علي سبع بدنة في الهدايا وعلي بعض الرأس في المسح جائز ولا يجزئ ههنا اخراج خمس بعير بالاتفاق ولذلك قال الامام من يقول الفرض مقدار الخمس يعنى به علي شرط التبرع بالباقي ليتزول عيب التشقيص وذكر قوم منهم صاحب
التهذيب ان الوجهين مبنيان علي صل وهو ان الشياه الواجبة في الابل اصل بنفسها ام هي بدل عن الابل فيه وجهان (احدهما) انها اصل جريا علي ظاهر النص (والثاني) بدل لان

(5/347)


الاصل وجوب جنس المال الا ان ايجاب بغير قبل كثرة الابل بجحف برب المال وايجاب شقص بعير مما يشق لم فيه من نقصان القيمة وعسر الانتفاع فعدل الشارع إلى الشاة ترفيها وارفاقا فان قلنا الاصل هو الشاة فإذا أخرج البعير كان كله فرضا كالشاة وان قلنا الاصل هو الابل فإذا أخرج بعير كان الواجب خمسه لانه يجزى عن خمس وعشرين وحصة كل خمس حينئذ خمسه ولو أخرج بعيرا عن عشر من الابل أو عن خمس عشرة أو عشرين هل يجزئه فيه وجهان بنوهما علي الخلاف الذى تقدم ان قلنا إذا أخرجه عن الخمس وقع الكل فرضا وقام مقام شاة فلا يكفى في العشر بعير واحد بل لابد من بعيرين أو بعير وشاة وفي الخمس عشرة من ثلاثة ابعرة أو بعيرين وشاة أو شاتين وبعير أو ثلاث شياه وفي العشرين من اربعة وان قلنا الفرض قدر خمسه فيجزئ ويكون متبرعا في العشر بثلاثة أخماسه وفي الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه انه يقال لم يلزم من كون كله فرضا إذا اخرجه عن خمس الا يكتفى به عن العشر بل يجوز أن يكون كاله فرضا إذا اخرج عن هذا وفرضا إذا اخرج عن ذاك الا ترى انه يقع فرضا فيكتفى به عن الخمس والشعرين مع الحكم بان كله فرض إذا اخرج عن الخمس وكذ البدنة ضحية واحدة إذا ضحى بها وهي بعينها ضحية سبع إذا اشتركوا فيها وسواء كان البناء المذكور مريضا ام لا فظاهر المذهب اجزاؤها عما دون الخمس والعشرين كاجزائها عن الخمس والعشرين وهو المكور في الكتاب والوجهان المذكوران ههنا مبنيان علي الصحيح؟ في إجزاء البعير عن الخمس مطلقا والوجهان الآخران ثم يعودان ههنا أيضا ونعتبر تفريعا عليهما أن لا تنقص قيمته في العشر عن قيمة شاتين وفى الخمس عشرة عن قيمة ثلاث شياه وفي العشرين عن قيمة أربع وإذا عرفت جميع ما ذكرنا رقمت قوله في الكتاب أخذ بالميم والالف والواو وقوله وإن نقصت قيمته (بالواو) ايضا للوجه المنسوب إلي القفال وابي محمد رحمهما الله
(واعلم) أن الشاة الواجبة في الابل يجب أن تكون صحيحة وإن كانت الابل مراضا لانها في الذمة ثم فيها وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده كثيرون أنه يؤخذ من المراض صحيحة تليق بها (مثاله) خمس من الابل مراض قيمتها خمسون ولو كنت صحاحا لكانت قيمتها مائة وقيمة الشاة المجزئة عنها ستة دراهم يؤمر باخراج شاة صحيحة تساوى ثلاثة دراهم فان لم توجد بهذه القيمة شاة صحيحة قال في الشامل فرق الدراهم (والثانى) أنه يجب فيها ما يجب في الابل الصحاح بلا فرق قال في المهذب وهذا ظاهر المذهب ونسب الاول الي أبي علي إبن خيران *

(5/348)


قال (النظر الاني في العدول الي ابن اللبون فمن وجب عليه بنت مخاض ولم تكن في ماله أخذ ابن اللبون وإن لم يكونا في ماله جاز له شراء ابن اللبون ولو كان في ماله بنت مخاض معيبة فهى كالمعدومة ولو كانت كريمة لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لانها موجودة في ماله وإنما تترك نظرا له وتؤخذ الخنثي من بنات اللبون بدلا عن بنت مخاض عند فقدها ويؤخذ الحق بدلا عن بنت لبون عند فقدها كما يؤخذ ابن لبون بدلا عن بنت مخاض) * إذا ملك خمسا وعشرين من الابل وجبت عليه بنت مخاض فان وجدها لم يعدل إلى إبن اللبون وإن لم يجدها وكان عنده ابن لبون جاز أخذه منه سواء قدر علي تحصيل بنت المخاض أم لا وسواء كانت قيمته أقل من قيمة بنت المخاض أو لم يكن لما رويناه في الخبر ولا جبران بل فضل السن يجير فضل الانوثة ثم فيه مسائل (إحداها) لو لم يكن في ماله بنت المخاض ولا ابن اللبون ففيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترى ما شاء منهما ويخرجه أما بنت المخاض فلا نها الاصل وأما ابن اللبون فلان شرط اجزأئة شرط اجزائه موجود وهو فقد بنت المخاض عنده ولانه لا منع من شراء ابن اللبون وإذا اشتراه كان في ماله ابن لبون وهو فاقد لبنت المخاض (والثانى) وبه قال مالك واحمد وصاحب التقريب يتعين عليه شراء بنت المخاض لانهما لو استويا في الوجود لم يخرج ابن اللبون فكذلك إذا استويا في الفقد وقدر علي تحصيلهما (الثانية) لو كانت عنده بنت مخاض معيبة فهي كالمعدومة لانها غير مجزئة ولو كانت كريمة وابله مهازيل فلا يكلف اخراجها لما روى أنه
صلي الله عليه وسلم قال (اياك وكرائم أموالهم) فان تطوع بها فقد أحسن وان أراد اخراج ابن لبون ففيه وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وشيخه أنه لا يجوز لان شرط العدول الي ابن

(5/349)


اللبون أن لا يكون في ماله بنت مخاض وهى موجودة هنا بصفة الاجزاء الا أنها تركت نظرا له ورعاية لجانبه وهذا ما أجاب به الشيخ أبو حامد واكثر شيعته ورجحه الاكثرون (والثانى) يجوز لانها لما لم تكن موجودة في ماله كانت كالمعدومة ويحكى هذا عن نصه والي ترجيحه يميل كلام صاحبي المهذب والتهذيب قوله في الكتاب لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لا يخفى أنه ليس الغرض منه عين الشراء بل المقضود تحصيله بأى طريق كان واخراجه عن الزكاة وكذا حيث قلنا في هذه المسائل يجوز الشراء أولا يجوز وقوله في أول الفصل أخذ منه ابن لبون ليس علي معنى أنه يلزم بذلك إذ لو حصل بنت مخاض واخرجها جاز ولكن المعنى أنه يقنع به (الثالثة) لو لم يكن في ماله بنت مخاض فاخرج خنثى من أولاد اللبون هل يجزئه فيه وجهان (احدهما) لا لنشوه الخلقة بنقصان الخنوثة فأشبه سائر العيوب (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم فانه اما ذكر وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض أو أنثى وهى أولي بالجواز لزيادة السن مع بقاء الانوثة ثم لا جبران للمالك لجواز ان يكون المخرج ذكرا بخلاف ما إذا لم يكن في ماله بنت مخاض وكانت عنده بنت لبون فاخرجها له الجبران ولو وجد ابن اللبون وبنت اللبون فاراد اخراج بنت اللبون وأخذ الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين قاله في العدة ولو لزمته بنت مخاض وهى موجودة في ماله فاراد أن يخرج خنثى من أولاد اللبون بدلا لم يجز لجواز أن يكون ذكرا وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض مع وجودها بخلاف ما لو اخرج بنت لبون وقوله في الكتاب وتؤخذ الخنثى من بنات اللبون لو قال من اولاد اللبون لكان أحسن فان الخنوثة تمنع من معرفة كونه ابنا أو بنتا وكذلك هو في بعض النسخ (الرابعة) لو اخرج حقا بدلا عن بنت مخاض عند فقدها فلا شك في جوازه لان اخراج ابن اللبون جائز فالحق اجوز واولي ولو اخرجه بدلا عن بنت لبون لزمته فوجهان (احد هما) يجوز لاختيار فضيلة الانوثة بزيادة السن كما يجوز اخراج ابن اللبون بدلا عن بنت المخاض
(والثانى) لا يجوز لان النص ورد ثم وهذا ليس في معناه لان تفاوت السن في بنت المخاض وابن اللبون تفاوت يوجب اختصاصه بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع والتفاوت بين بنت اللبون والحق لا يوجب اختاص الحق بهذه القوة بل هي موجودة فيهما جميعا فلا يلزم من كون تلك الزيادة حائزة لفضيلة الا نوثه كون هذه الزيادة جابرة لها والمذكور في الكتاب من هذين الوجهين هو الاول لكن المذهب الثاني بل الجمهور لم يذكروا سواء ولم يتعرض للخلاف

(5/350)


الا الاقلون منهم الحناطى * قال (النظر الثالث إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله احد السنين اخذ منه الموجود وان لم يكونا في ماله اشترى (و) ما شاء من الحقاق أو ببنات اللبون وان وجدا جميعا وجب اخراج الاغبط للمساكين وقيل الخيرة إليه وقيل يتعين الحقاق فلو اخذ الساعي غير الاغبط قصدا علي قولنا يجب الاغبط لم يقع الموقع وان اخذ باجتهأده فقيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع وليس عليه جبر التفاوت وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم وقيل يجب جبره بأن يشترى بقدر التفاوت شقصا ان وجده اما من جنس الاغبط على رأى أو من جنس المخرج على رأى) * مقصود هذا النظر الكلام فيما إذا بلغت ماشيته حدا يخرج فرضه بحاسبين كما إذا ملك مائتين من الابل فهي اربع خمسينات وخمس اربعينات وقد روينا في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (في كل اربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة) فما الواجب فيها نص في الجديد على ان الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون وفي القديم علي انه يجب اربع حقاق واختلفوا على طريقين (أحدهما) ان المسألة علي قولين (اصحهما) ان الواجب أحد الصنفين لما ذكرنا ان المائتين اربع خمسينات وخمس اربعينات فيتعلق بها احد الفرضين (والثاني) ان الواجب الحقاق لان الاعتبار في زكاة الا بل بزيادة السن ما وجد إليها سبيل الا ترى ان الشرع رقى في نصيبها إلى منتهي الكمال في الاسنان ثم عدل بعد ذلك إلي زيادة العدد فاشعر ذلك بزيادة الرغبة في السن (والطريق الثاني) القطع بما ذكره في الجديد وحمل القديم على ما إذا لم يوجد الا الحقاق فان اثبتنا القديم وفرعنا عليه نظر إن وجدت
الحقاق بصفة الاجزاء لم يجز غيرها والا نزل منها الي بنات اللبون أو صعد الي الجذاع مع الجيران وان

(5/351)


فرعنا علي الجديد الصحيح فللمسألة أحوال ذكرنا ثلاثا منها في الكتاب فنشرحها ثم نذكر غيرها علي الاختصار (احدى الاحوال الثلاث) أن يوجد في المال القدر الواجب من احد الصنفين بكماله دون الآخر فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الثاني وان كان أنفع للمساكين ولا يجوز النزول والصعود عنه مع الجبران ولا فرق بين ان لا يوجد الصنف الآخر اصلا وبين ان يوجد بعضه والناقص كالمعدوم ولا يجوز ان يؤخذ الموجود من الناقص ويعدل بالباقي الي الصعود والنزول مع الجبران إذ لا ضرورة إليه ولو وجد الصنفان لكن أحدهما معيب فهو كالمعدوم (والحالة الثانية) ان لا يوجد في ماله شئ من الصنفين وفي معناه ان يوجد اوهما معيبان فان اراد تحصيل أحدهما بشراء وغيره فوجهان (احدهما) يجب تحصيل الاغبط كما يجب علي الظاهر اخراج الاغبط إذا وجد على ما سيأتي (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب يحصل ما شاء من الحقاق أو بنات اللبون فانه إذا اشترى أحد الصنفين صار واجدا له دون الآخر فيجزئه والوجهان كالوجهين فيما إذا ملك خمسا وعشرين وليس فيها بنت مخاض ولا ابن لبون هل يجب تحصيل بنت المخاض ام لا ويجوز في هذه المسألة ان لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ولكن ينزل أو يصعد مع الجبران وحينئذ ان شاء جعل بنات اللبون اصلا ونزل منها الي خمس بنات مخاض فاخرجها مع خمس جبرانات وان شاء جعل الحقاق اصلا وصعد منها الي اربع جذاع فاخرجها وأخذ اربع جبرانات ولا يجوز ان يجعل الحقاق اصلا وينزل منها إلى اربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات ولا ان يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد منها إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات لامكان تقليل الجبران يجعل الجذاع بدل الحقاق وبنات المخاض بدل بنات اللبون وحكى الشيخ أبو محمد في الفرق وجها اخر وهو انه يجوز النزول والصعود فيهما كما لو لزمته حقة فلم يجدها ولا بنت لبون في ماله فنزل الي بنت المخاض فاخرجها مع جبرانين أو لزمته بنت لبون فلم يجدها ولاحقة في ماله فيصعد الي الجذعة فيخرجها ويأخذ جبرانين يجوز والظاهر الاول والفرق ان في صورتي الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيها

(5/352)


نحن فيه يتخطى في الصعود والنزول أحد واجبى ماله (والحالة الثالثة) أن يوجد الصنفان معا بصفة الاجزاء فقد قال الشافعي رضى الله عنه نصا يأخذ الساعي ما هو الاغبط منهما لاهل السهمين لان كل واحد من الصنفين فرض نصابه لو انفرد فإذا اجتمعا روعي الاصلح للمحتاجين * واحتج له بظاهر قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وعن ابن سريج أن المالك بالخيار يعطي ما شاء منهما كما أنه بالخيار في الصعود والنزول عند فقد الفرض وأجاب الاصحاب ان المالك ثم بسبيل من ترك الصعود والنزول معا بأن يحصل الفرض وانما شرع ذلك تخفيفا للامر عليه ففوض إليه وههنا خلافه (التفريع) إن خيرنا المعطى علي رأى ابن سريج فيستحب له مع ذلك أن يعطي الاغبط إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه وان فرعنا علي النص وهو ظاهر المذهب فلو أخذ الساعي غير الاغبط نظر إن وجد تقصير منه بأن أخذه مع العلم بحاله أو أخذه من غير اجتهاد ونظر في أن الاغبط ماذا أو وجد تقصير من المالك بأن دلس وأخفى الاغبط لم يقع المأخوذ عن جهة الزكاة وإن لم يوجد تقصير من واحد منهما وقع عن جهة الزكاة هذا ما اعتمده الاكثرون منهم صاحب المهذب وهو الظاهر وزاد في التهذيب شيئا آخر وهو أن لا يكون باقيا بعينه في يد الساعي فان كان باقيا لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما وهذا قد حكاه الشيخ أبو الفضل ابن عبدان عن ابن جيران ووراء ما نقلنا من الظاهر وجوه أخر (أحدها) أنه يقع عن الزكاة بكل حال وان أخذ من غير اجتهاد حكاه ابن كج وغيره لانه يجزئ عند الانفراد فكذا عند الاجتماع وهذا رجوع إلى رأى ابن

(5/353)


سريج (والثانى) لا يقع عن الزكاة بحال لانه ظهر أن المأخوذ غير المأمور به (والثالث) إن فرقه علي المستحقين ثم ظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال والا لم يحسب والفرق عسر الاسترجاع (والرابع) عن أبي الحسن ابن القطان عن بعض الاصحاب أنه إن دفع المالك مع العلم بانه الادنى لم يجزه وإن كان الساعي هو الذى أخذ جاز ويقرب من هذا عد صاحب التهذيب مجرد علم المالك بحاله تقصيرا مانعا من الاجزاء وإن لم يوجد اخفاء وتدليس وفي كلام الصيد لانى وغيره ما ينازع
فيه إذا أخذه الساعي بالاجتهاد فهذا بيان الاختلافات في هذا الموضع (التفريع) حيث قلنا لا يقع المأخوذ عن الزكاة فعليه اخراج الزكاة وعلي الساعي رد ما أخذه ان كان باقيا وقيمته ان كان تالفا وحيث قلنا يقع فهل يجب اخراج قدر التفاوت فيه وجهان (أحدهما) أنه يستحب ولا يجب لان المخرج محسوب عن الزكاة فيغى عن غيره كما إذا ادى اجتهاد الامام الي أخذ القيمة وأخذها لا يجب شئ آخر (وأصحهما) أنه يجب لنقصان حق أهل السهمين قال الائمة وانما يعرف قدر التفاوت بالنظر الي القيمة فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسون وقد أخذ الحقاق فقدر التفاوت خمسون (التفريع) ان كان قدر التفاوت يسيرا لا يؤخذ به شقص من ناقة دفع الدراهم للضرورة وحكي امام الحرمين رحمه الله عن صاحب التقريب اشارة الي أنه يتوقف الي أن يجد شقصا واسبعدها وان كان قدرا يؤخذ به شقص فهل يجب شراؤه أم يجوز دفع الدراهم فيه وجهان (أحدهما) يجب لان الواجب الابل والعدول إلى غير جنس الواجب في الزكاة ممتنع علي أصلنا (واصحهما) أنه يجوز دفع الدراهم لما في اخراج الشقص من ضرر المشاركة وقد يعدل إلى غير جنس الواجب لضرورة تعرض ألا ترى أنه لو وجب شاة عليه في خمس من الابل ولم يوجد جنس الشاة يخرج قيمتها ولو لزمته بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن يعدل إلى القيمة علي أن الغرض ههنا جبران الواجب فاشبه دراهم الجبران (التفريع) ان قلنا يجوز دفع الدراهم فلو اخرج بها شقصا فالظاهر جوازه قال في النهاية وفيه أدني نظر لما فيه من العسر علي المساكين وإن قلنا يجب اخراج شقص فينبغي أن يكون ذلك الشقص من الاغبط أو من المخرج فيه وجهان (احدهما) من المخرج كيلا تتفرق الصدقة (واظهرهما) عند الصيدلانى وغيره من الاغبط فانه الواجب في الاصل ففى المال الذى سبق ذكره يخرج على الوجه الاول نصف حقة لان قيمة كل حقة مائة وقدر التفاوت

(5/354)


خمسون وعلي الوجه الثاني يخرج خمسة اتساع بنت لبون لان قيمة كل بنت لبون تسعون فإذا أخرج الشقص لزم صرفه الي الساعي علي قولنا يجب الصرف الي الامام في الاموال الظاهرة وإذا أخرج الدراهم فوجهان (احدهما) لا يجب الصرف إليه لانها من الاموال الباطنة (والثاني) يجب لانها جبران
المال الظاهر هذا تمام الكلام في الاحوال المذكورة في الكتاب.
ومن أحوال المسألة أن يوجد بعض كل واحد من الصنفين كما إذا وجد ثلاث حقاق واربع بنات لبون فهو بالخيار بين أن يجعل الحقاق أصلا فيعطيها مع بنت لبون وجبران وبين ان يجعل بنات اللبون اصلا فيعطيها مع حقة ويأخذ جبرانا وهل يجوز ان يعطى حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات فيه وجهان لبقاء بعض الفرض عنده وكثرة الجبران مع الاستغناء عنه ويجرى الوجهان فيما إذا لم يجد الا اربع بنات لبون وحقة فاعطي الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جيرانات ونظائره قال صاحب التهذيب ويجوز في الصورة الاولى أن يعطي الحقاق مع الجذعة ويأخذ جيرانا وأن يعطي بنات اللبون وبنت مخاض مع جبران (ومن أحوال المسألة) أن يوجد بعض أحد المصنفين ولا يوجد من الآخر شئ كما إذا لم يجد إلا حقتين فله أن يجعلها أصلا ويخرجها مع جذعتين ويأخذ جيرانين وله أن يجعل بنات اللبون أصلا فيخرج بدلها خمس بنات مخاض مع خمس جيرانات ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون فله أن يخرجها مع بنتي مخاض وجيرانين وله أن يجعل الحقاق أصلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين وله أن يجعل الحقاق صلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين في التهذيب ولم يحك خلافا صلا وقياس الوجهين المذكورين في الحالة السابقة علي هذه يقتضي طرد الخلاف في جعل بنات اللبون أصلا في الصورة الاولي وجعل الحقاق أصلا في الصورة الثانية لقاء بعض الفروض عنده وكثرة الجبران فان كان هذا جوابا على الظاهر فالظاهر ثم أيضا الجواز (واعلم) أنه إذا بلغت البقر مائة وعشرين كان حكمها حكم بلوغ الابل مائتين فانها ثلاث أربعينات وأربع ثلاثينات والواجب فيها ثلاث مسنات أو أربع اتبعة ويعود فيها الخلاف والتفاريع التى ذكرناها ولهذا قلنا إن الكلام في النظر الثالث لا يختص بزكاة الابل وأعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله أحد السنين ففيه شئ مدرج تقديره إذا ملك مائين من الابل فعليه اربع حقاق أو خمس بنات لبون فان كان في ماله هذا أو ما أشبهه (وقوله) وجب إخراج الاغبط للمساكين لفظ المساكين في هذا الموضع وامثاله لا يعنى به الذين هم أحد الاصناف الثمانية خاصة بل اهل السهمان كلهم لكن المساكين والفقراء اشهر

(5/355)


الاصناف فيسبق اللسان إلي ذكرهم (وقوله) وقيل الخيرة إليه هو الوجه المنسوب الي ابن سريج (وقوله) وقيل تتعين الحقاق هو القول المنقول عن القديم لكن ايراده في الموضع المذكور في الكتاب يقتضى اختصاصه بما إذا وجد الصنفان جميعا في ماله وهكذا زعم القاضى بن كج لكن الشيخ أبو حامد وعامة من نقل ذلك القول اثبته عند بلوغ الابل مائتين علي الاطلاق وتفريعه ما قدمناه (وقوله) فيما إذا اخذ غير الاغبط قصدا لم يقع الموقع معلم بالواو لانه لم يحك الخلاف إلا فيما أخذه بالاجتهاد وقد حكينا وجها أنه يقع الموقع وإن أخذه من غير الاجتهاد (وقوله) قيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع ليس المراد منه الكلام في كونه مجزئا اذلو كان كذلك لما انتظم التفريع علي وجه وقوع الموقع بانه هل يلزم جبر التفاوت ام لا وإنما المراد من وقوعه الموقع كونه محسوبا عن الزكاة (وقوله) وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم يشبه أن لا تكون الدراهم في كلام الاصحاب معينة في هذا الفصل بعينها بل المعتبر نقد البلد وهذه العبارة هي التى اوردها الشيخ ابراهيم المروذى فيما علق عنه (وقوله) أما من جنس الاغبط علي رأى أو من جنس المخرج على راى يجوز أن يعلم بالواو لان إمام الحرمين حكي عن إشارة بعض المصنفين وجها ثالثا ومال إليه وهو أنه يتخير بين الصنفين بعد حصول الجيران ولا يتعين هذا ولا ذاك * قال (فرع) لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز للتشقيص ولو ملك اربعمائة فاخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون جاز على الاصح) * مالك المائتين من الابل لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز لان التشقيص نقصان وعيب ولو ملك اربعمائة من الابل فعليه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون لانها ثمان خمسينات وعشر اربعينات ويعود فيها جميع ما في المأتين من الخلاف والتفريع ولو أخرج عنها اربع حقاق وخمس بنات لبون ففى جوازه وجهان قال الاصطخرى لا يجوز لانه تفريق الفريضة كما في المائتين وتمسك بنصه في المختصر

(5/356)


ولا يفرق الفريضة (والاصح) وبه قال الجمهور يجوز فان كل مائتين أصل علي الانفراد فيجوز إخراج
فرض من إحداهما وفرض من الاخرى كما يجوز في إحدى الكفارتين إلا طعام وفي الاخرى الكسوة وكما يجوز في أحد الجبرانين الشياه وفي الآخر الدراهم بخلاف ما إذا لم يملك الامائتين فان التفريقق فيها كالتفريق في الجبران الواحد والكفارة الواحدة علي أنه ليس المانع من المائتين مجرد التفريق الا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون يجز قاله صاحب التهذيب وكذا لو أخرج اربع بنات لبون وحقة بدل بنت لبون يجوز وإنما المانع من المائتين التشقيص ولا تشقيص ههنا (وقوله) ولا يفرق الفريضة منهم من لم يثبته لما بينا من جواز التفريق وقال الثابت رواية الربيع وهى ولا تفارق الفريضة

(5/357)


إذا وجد الساعي في المال أحد الصنفين دون الآخر لم يجز ان يفارق الموجود ويكلفه تحصيل المفقود ومن اثبته حمل علي تفريق التشقيص في صورة المائتين أو التفريق مع الجبران من غير ضرورة مثل أن يأخذ اربع بنات لبون وحقة ويعطى الجبران وهى واجد لخمس بنات لبون وتجرى الوجهان متى بلغ المال اربعينات وخمسينات بحيث يخرج منها بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص ولعلك تقول ذكر تمأن الساعي يأخذ الاغبط ويلزم من ذلك ان يكون أغبط الصنفين هو المخرج فكيف يخرج البعض من هذ والبعض من ذاك فاعلم ان ابن الصباغ اجاب عن هذا فقال اما ابن سريج فلا يلزمه هذا إذ الخيار هذا عنده لرب المال أما على قول الشافعي رضى الله عنه فيجوز أن يكون لهم حظ

(5/358)


ومصلحة في اجتماع النوعين وهذا يفيد معرفة شئ آخر وهو أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر اخراج الفضل وقدر التفاوت * قال: (النظر الرابع في الجبران وجبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب بشاتين أو بعشرين در هما فان رقى الي الاكبر أخذ الجبران وان نزل اعطى والخيرة في تعيين الدراهم والشاة (و) إلى المعطى والخيرة في الانخفاض والارتفاع الي المالك الا إذا كانابله مراضا فارتقى وطلب الجبران لم يجز لانه ربما يكون خيرا مما أخرجه) * في حديث أنس رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ومن بلغت صدقته

(5/359)


جذعة وليست عنده وعنده حقة فانها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما) وروى مثل ذلك في بنت المخاض وبنت اللبون من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده جاز ان يخرج بنت لبون ويأخذ من الساعي شاتين أو عشرين درهما وان وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز أن يخرج حقة ويأخذ ما ذكرنا وان وجبت عليه حقة وليست عنده جاز أن يخرج جذعة ويأخذ ما ذكرنا وهذه صور الارتقاء عن الواجب ولو وجبت عليه جذعة وليست عنده جاز ان يخرج حقة مع شاتين أو عشرين درهما ولو وجبت عليه حقة وليست عنده جاز ان

(5/360)


يخرج بنت لبون مع ما ذكرنا ولو وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز ان يخرج بنت مخاض مع ما ذكرنا وهذه صور النزول وجملة ذلك تفصيل قوله في الكتاب وجبران كل مرتبة في السن إلى قوله اعطى وصفة شاه الجبران ما ذكرنا في الشاة المخرجة عما دون خمس من الابل في اشتراط الانوثة إذا كان المعطى هو المالك الوجهان المذكوران في تلك الشاة والدراهم التى يخرجها هي البقرة قال في النهاية وكذلك دراهم الشرعية حيث وردت فإذا احتاج الامام والي اعطاء الجبران ولم يكن في بيت المال دراهم باع شيئا من مال المساكين وصرفه إلى الجبران والي من تكون الخيرة في تعيين الشاة أو الدراهم نص في المختصر علي ان الخيرة إلى المعطى سواء كان هو الساعي أو المالك وعن الاملاء قول آخر ان الخيرة للساعي يأخذ الاغبط منها للمساكين وللاصحاب فيه طريقان مذكوران في النهاية (أحداهما) ان المسألة علي قولين (أصحهما) ان الخيرة للمعطى لقوله صلي الله عليه سلم (وأخرج معها شاتين أو عشرين درهما) وهذا تخيير للمخرج فان كان الساعي هو المعطي راعى

(5/361)


مصلحة المساكين (والثاني) أن الخيار الي الساعي كالخيار في المأتين بين الحقاق وبنات اللبون علي الظاهر (والطريقة الثانية) وبها قال الاكثرون إن الخيرة الي المعطي بلا خلاف وما ذكرناه في الكتاب يجوز ان يكون جوابا علي هذه الطريقة ويجوز ان يكون جوابا علي الصحيح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره
في الوسيط وإذا فقد السن الواجبة وأمكن الصعود والنزول فالي من الخيار فيهما فيه وجهان (احدهما) إلى الساعي كما في تخيبره بين الحقاق وبين بنات اللبون في المائتين من الابل (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الي المالك لان الصعود والنزول شرعا تخفيفا عليه فيفوض الا مر إلى خيرته وموضع لا وجهين ما إذا طلب المالك خلاف الاغبط للمساكين فان كان الاغبط ما يطلبه فلا خلاف وعلي الساعي مساعدته وهذا عند الصحة والسلامة فاما إذا كان الواجب مريضا أو معيبا لكون ابله مراضا أو معيبة فاراد الصعود وطلب الجبران مثل ان يجب بنت مخاض معيبة فارتقى الي بنت لبون معيبة

(5/362)


وطلب الجبران فيبنى ذلك علي الوجهين ان قلنا الخيار الي الساعي فلو رأى الساعي الغبطة فيه جاز وان فرعنا علي الصحيح وهو تفويض الخيار إلى المالك فينبغي في هذه الحالة ان لا يفوض الخيار إليه علله جماعة منهم صاحب الكتاب بان الجبران المأخوذ قد يزيد علي المعيب المدفوع ومقصود الزكاة افادة المساكين لا الاستفادة منهم واحسن منه ما أشار إليه العراقيون فقالوا لو صرف إليه الجبران اما ان يصرف إليه الجبران المشروع بين الصحيحين أو غيره (والاول) ممتنع لان قدر التفاوت بين الصحيحين فوق قدر التفاوت بين المريضين فما يدفع إليه لا علي التفاوتين كيف يدفع لادناهما

(5/363)


(والثاني) ممتنع لانه لا نظر الي القيمة في الزكوات عندنا ولم يرد نص فنتبعه ولو اراد أن ينزل من السن المريضة أو المعيبة الي سن ناقصة دونها ويبذل الجبران فهذا لا منع منه لانه تبرع بزيادة لان ما يعطيه من الجبران هو الجبران المشروع بين الصحيحين * قال: (ولو اخرج بدل الجذعة ثنية لم يكن له جبران علي أظهر الوجهين لانه جاوز اسنان الزكاة ولو كان عليه بنت لبون فلم بحدوا في ماله حقة وجذعة فرقى الي الجذعة لم يجز علي اظهر الوجهين

(5/364)


لانه كثر الجبران مع الاستغناء عنه ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجزو لو أخرج عن جبرانين شاتين وعشرين در هما جاز) *
في الفصل مسائل (احداها) لو وجب عليه جذعة فاخرج مكانها ثنية ولم يطلب جبرانا جاز وقد زاد خيرا ولو طلب الجبران فوجهان (أحدهما) يجوز لزيادتها في السن كما في سائر المراتب والي هذا

(5/365)


يميل كلام العراقيين وهو ظاهر النص (وأظهرهما) عند المنف وصاحب التهذيب المنع لان المؤدى ليس من أسنان الزكاة فاشبه ما لو أخرج فصيلا لم يبلغ أسنان الزكاة مع الجبران لا يجوز (الثانية) كما يجوز الصعود والنزول بدرجة واحدة يجوز بدرجتين مثل أن يعطى مكان بنت اللبون جذعة عند

(5/366)


فقدها وفقد الحقة ويأخذ جبرانين أو يعطى بدل الحقة بنت مخاض عند فقدها مع جبرانين وكذلك بثلاث جبرانات أو يعطى مكان الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض مع ثث جبرانات أو يعطى مكان بنت المخاض عند فقدها وفقد بنت اللبون والحقة جذعة ويأخذ ثلاث جبرانات وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع القدرة على الدرجة القربي كما إذا لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد حقة وجذعة فرقى الي الجذعة فيه وجهان (أحدهما) يجوز كما لو لم يجد الحقة فانها ليست واجب ماله فوجودها وعدمها بمثابة واحدة وهذا ما ذكره القاضي ابن كج ونسبه الامام الي القفال رحمه الله (وأصحهما) عند الاكثرين المنع للاستغناء عن أخذ الجبرانين ببذل الحقة وموضع الوجهين ما إذا رقى إلى الجذعة وطلب جبرانين اما لو رضى جبران واحد فلا

(5/367)


خلاف في الجواز ويجرى الخلاف في النزول من الحقة الي بنت المخاض مع وجود بنت اللبون ولو لزمته بنت اللبون فلم يجدها في ماله ولا حقة ووجد جذعة وبنت مخاض فهل يجوز أن يترك النزول الي بنت المخاض ويرقى الي الجذعة فيه وجهان مرتبان وأولي بالجواز وبه أجاب الصيدلانى لان بنت المخاض وان كانت أقرب إلا أنها ليست في الجهة المعدول إليها (الثالثة) لو أخرج المالك

(5/368)


عن جبرانين شاتين وعشرين درهما جاز كما يجوز اطعام عشرة مساكين في كفارة يمين وكسوة عشرة
في أخرى ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجز لان الجبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهما فلا تثبت خيرة ثالثة كما أن في الكفارة الواحدة لا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق جاز فانه حقه وله اسقاطه اصلا ورأسا * (فرع) لو لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد ابن لبون وحقة فاراد أن يعطي ابن اللبون مع الجبران هل يجوز فيه وجهان نقلهما القاضي ابن كج وغيره وجه الجواز أن الشرع نزله منزلة بنت المخاض حيث أقامه مقامها في خمس وعشرين قال في العدة: والاصح المنع (وأعلم) أن الجبران لا مدخل له في زكاة البقر والغنم لان السنة لم ترد به الا في الابل وليس هو بموضع القياس والله أعلم * قال (النظر الخامس في صفة المخرج في الكمال والنقصان والنقصان خمسة (الاول) المرض فان كان كل المال مراضا أخذ (م) منه مريضة وان كان فيها صحيح لم يؤخذ إلا صحيحة نقرب قيمتها من ربع عشر ماله إذا كان ماله أربعين شاة) * هذا النظر لا يختص بزكاة الابل ومقصوده الكلام في صفة المخرج في الكمال والنقصان ومن الصفات ما يعد في هذا الباب نقصانا وهو كمال في غيره كالذكور لان الاناث في مظنة الدر والنسل فهي أرفق بالفقراء ثم جعل أسباب النقصان خمسة (أحدها) المرض فان كانت ماشيته كلها مراضا لم يكلفه الساعي إخراج صحيحة وعن مالك انه يكلفه ذلك * لنا ان ماله ردئ فلا يلزمه

(5/369)


إخراج الجيد كما في الحبوب ثم المأخوذ من المراض الوسط جمعا بين الحقين ولو انقسمت الماشية الي صحاح ومراض فاما أن يكون الصحيح منها قدر الواجب فصاعدا أو كان دونه فان كان قدر الواجب فصاعدا لم يجز اخراج المريضة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال: (لا تؤخذ في الزكاة هرمة ولا ذات عوار) فان كانت المريضة ذات عوار فالنص مانع منها والا فهى مبنية عليها وقضية ذلك ان لا تؤخذ المريضة أصلا.
خالفنا فيما إذا كانت ماشيته كلها مراضا فيبقى الباقي علي قضية الدليل هذا إذا وجب حيوان واحد فان وجب اثنان ونصف ماشيته مراض كبنتي لبون في ست وسبعين
وشاتين في مائتين من الشياه فهل يجوز أن يخرج صحيحة ومريضة فيه وجهان حكاهما في التهذيب

(5/370)


(أظهرهما) عنده نعم (وأقربهما) إلي كلام الاكثرين لا وان كان الصحيح منها دون قدر الواجب كما إذا وجب شاتان في مائتي شاة وليس فيها إلا صحيحة فوجهان (أحدهما) ويحكي عن الشيخ أبى محمد أنه يجب عليه صحيحتان ولا يجزئه صحيحة ومريضة لان المخرجتين كما يزكيان ماله يزكي كل واحد منهما الاخرى فيلزم ان تزكي المريضة الصحيحة وهو ممتنع (وأصحهما) ولم يذكر العراقيون والصيدلانى غيره أنه يجزئه صحيحة ومريضة لان امتناع اخراج المراض مقدر بقدر وجود الصحاح الا ترى ان ماشيته لو كانت مراضا باسرها جاز له اخراج محض المراد فالمطلوب أن لا يخرج مريضة ويستبقي صحيحة كيلا يكون متيمما بخبيث ماله لينفق منه وإذا أخرج صحيحة من المال المنقسم الي الصحاح والمراض فلا يجب أن تكون من صحاح ماله ولا مما يساويها في القيمة ولكن يؤخذ صحيحة لائقة بماله (مثاله) اربعون شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران وقيمة كل مريضة دينار يخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وذلك دينار ونصف ولو كان الصحاح منها ثلاثين والقيمة ما ذكرناه أخرج صحيحة بقيمة ثلاثة أرباع صحيحة وربع مريضة وهو دينار ونصف وربع ولو لم يكن فهيا الاصحيحة اخرج صحيحة بقيمة تسعة وثلاثين جزءا من أربعين من مريضة وجزء من أربعين من صحيحة وذلك دينار وربع عشر دينار وجميع ذلك ربع عشر المال على ما قال في الكتاب تقرب قيمتها من ربع عشر مالله إذا كان ماله أربعين شاة واعرف في هذا اللفظ شيئين (أحدهما) ان قوله تقرب قيمتها يشعر بان الامر في ذلك علي التقريب وهذا لم أره في كلام غيره ولا ينبغى أن يسامح بالنقصان والبخس (والثانى) الذى ذكرناه من طريق التقسيط هوما أورده

(5/371)


أكثر الاصحاب وهو يتضمن النظر الي آحاد الماشية ولا يستمر الا فيما إذا استوت قيم الصحاح وقيم المراض وقد تكون مختلفة القيمة ولفظ الكتاب يعنى عن النظر إلى الآحاد ورأيت القاضى ابن كج رواه عن أبي اسحق فمتى قوم جملة النصاب وكانت الصحيحة المخرجة ربع عشر القيمة كفي
ثم لا يخفى أن هذا في الشاة مع الاربعين فان ملك مائة واحدى وعشرين شاة فينبغي أن تكون قيمة الشاتين قدر جزء من مائة وإحدى وعشرين من قيمة الجملة وان ملك خمسا وعشرين من الابل فينبغي أن تكون الناقة المأخوذة بالقيمة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة الكل وقس على هذا سائر النصب وواجباتها (ومن الامثلة) في الباب لو ملك ثلاثين من الابل نصفها صحاح ونصفها مراض وقيمة كل صحيحة اربعة دنانير وقيمة كل مريضة ديناران يجب عليه صحيحة بقيمة نص صحيحة ونصف مريضة وهو ثلاثة دنانير أورده صاحب التهذيب وغيره ولك أن تقول هلا كان هذا ملتفتا علي أن الزكاة هل تنبسط على الوقص ام لا فان انبسطت فذاك والا قسط المأخوذ على الخمس والعشرين * قال (الثاني العيب فان كان كل المال معيبا أخذ منه معيبة وان كان فيها سليمة طلبنا سليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله وان كان الكل معيبا وبعضه اردا أخذ الوسط مما عنده) * الكلام في العيب كالكلام في المرض سواء تمحضت الماشية معيبة أو انقسمت إلى سليمة ومعيبة (وأعلم) قوله أخرج الوسط مما عنده بالواو وليس هذا الاعلام للخلاف الذى يو همه نظم الوسيط ولكنه يصح لغيره (اما) أنه ليس لما يوهمه نظم الوسيط (فلانه) لا خلاف في ذلك الوجه ولا عبرة بايهامه بيانه أنه قال في الوسيط قال الشافعي رضى الله عنه يخرج أجود ما عنده وقال الاصحاب يأخذ الوسط بين الدرجتين وهو الاصح فاوهم أن في المسالة خلافا وأراد بما نقله عن الشافعي رضى الله عنه ما رواه المزني في المختصر حيث قال ويأخذ خير المعيب لكن الاصحاب متفقون على أنه مأول منهم من قال أراد بالخير الوسط ومنهم من قال غير ذلك ولم يثبتوا خلافا بحال (وأما) أنه يصح لغير ذلك (فلان) امام الحرمين حكي وجها فيما إذا ملك خمسا وعشرين من الابل معيبة وفيها بنتا مخاض احدا هما من أجود المال مع العيب والاخرى دونها (احدهما) أنه يأخذ التى

(5/372)


هي أجود (وأصحهما) أنه يأخذ الوسط وذكر ان من قال بالاول شبه المسألة باخذ الاغبط من الحقاق وبنات اللبون إذا اجتمع الصنفان في المالين ثم العيب المرعي في الباب ماذا فيه وجهان (أصحهما)
ما ثبت الرد به في البيع (والثاني) هذا مع ما يمنع الاجزاء في الضحايا * قال (الثلث الذكورة فان كان في ماله انثى أو كان الكل أناثا لم يؤخذ الا الانثى لو رود النص بالاناث وان كان الكل ذكورا لم يؤخذ الذكر أيضا على أظهر الوجهين لظاهر النص) *

(5/373)


غرض الفصل يتصح بتفصيل أجناس النعم اما الابل فان تمحضت اناثا أو انقسمت الي انااث وذكور فلا يجوز فيها اخراج الذكر الا في خمس وعشرين فانه يجزئ فيها ابن لبون عند عدم بنت المخاض وان كانت كلها اناثا وذلك في المستثني والمستثنى منه مأخوذ من النص علي ما تقدم وإن تمحضت ذكورا فهل يحوز أخذ الذكر فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة وأبو إسحق لا

(5/374)


ويروى هذا عن مالك لان النص ورد بالاناث من بنت المخاض وبنت اللبون وغيرهما فلا عدول عنها وعلى هذا فلا يؤخذ منها أنثى كانت تؤخذ لو تمحضت ابله اناثا بل تقوم ماشيته لو كانت اناثا وتقوم الانثى المأخوذة مننها ويعرف نسبتها من الجملة ثم تقوم ماشيته الذكور ويؤخذ منها أنثى قيمتها ما تقتضيه النسبة وكذلك الانثي المأخوذة من الاناث والذكور تكون دون الانثى المأخوذة من محض

(5/375)


الاناث وطريق التقسيط ما ذكرناه في المراض (وأظهر هما) وبه قال اببن خيران ويروى عن نصه في الام أنه يجوز أخذ الذكور منها كما يجوز أخذ المريضة من المراض والمعنى فيه أن في تكليفه الشراء حرجا وتشديدا وأمر الزكاة مبنى علي الرفق ولهذا شرع الجبران ومنهم من فصل فقال إن أدى أخذ الذكور الي التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلا فيؤخذ (بيانه) يؤخذ ابن مخاض من خمس وعشرين وحق من ست وأربعين وجذع من إحدى وستين وكذا يؤخذ الذكر إذا زادت الابل واختلف الفرض بزيادة العدد ولا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين لان ابن اللبون مأخذ من خمس وعشرين عند فقد بنت المخاض فيلزم التسوية بينهما ومن قال بالوجه الثاني قال لا تسوية لا في كيفية الاخذ ولا في المأخوذ (أما) في كيفية الاخذ (فلان) أخذ ابن اللبون من ست وثلاثين مشروط بعدم بنت اللبون لا بعدم
بنت المخاض وأخذه من خمس وعشرين مشروط بعدم بنت المخاض لا بعدم بنت اللبون (وأما) في المأخوذ (فلان) عندي يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون فوق ابن اللبون المأخوذ من خمس وعشرين ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة (وأما) البقر فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه وجب واحد منه أو عدد

(5/376)


للنص الذى رويناه ولا فرق بين أن تتمحض اناثا أو ذكورا أو تنقسم إلى النوعين وحيث تجب المسنة فهل يؤخذ السن منها ان تمحضت اناثا أو انقسمت الي ذكور واناث فلا وان تمحضت ذكورا فوجهان كما في الابل وأما الغنم فان تمحضت اناثا أو كانت ذكورا واناثا لم يجز فيها الذكر خلافا لا بي حنيفة حيث قال يؤخذ الذكر منها مكان الانثى وسلم في الابل أنه لا يؤخذ الا على طريق

(5/377)


اعتبار القيمة علي اصله في دفع القيم لنا قياس الغنم علي الابل وايضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) وان تمحضت ذكورا فطريقان (أحدهما) القطع بانه يؤخذ الذكر منها (والثاني) طرد الوجهين المذكورين في الابل والاول هو ما اورده الاكثرون وفرقوا بان أخذ الذكر منها لا يؤدى إلى التسوية بين نصابين فان الفرض فيها يتغير بالعدد وفي الابل يؤدى الي التسوية بين القليل والكثير لان الفرض فيها يتغير بالسن أولا كما سبق وعد بعد هذا إلي لفظ الكتاب واعلم قوله لم يؤخذ الا الانثى بالحاء فان عند ابي حنيفة رحمه الله يؤخذ الذكر علي ما بيناه ولفظ الكتاب وان كان مطلقا ولكن لابد من استثناء أخذ التبيع في مواضع وجوبه عنه وكذلك أخذ ابن اللبون بدلا عن بنت مخاض وذكروا وجهين فيما إذا اخرج عن اربعين من البقر أو خمسين (اظهرهما) عند الاكثرين الجواز لان اخراجهما عن ستين جائز فعما دونها اجوز فعلى هذا تستثنى هذه الصورة ايضا (وقوله) لم يأخذ الذكر أيضا يجوز أن يعلم بالالف لان ظاهر كلام احمد فيما رواه اصحابه انه يجوز أخذه وقوله على احد الوجهين بالواو لان اللفظ يشمل الغنم وغيرها وفي الغنم طريقة اخرى قاطعة بالجواز * قال (الرابع الصغر فان كان في المال كبيرة لم يأخذ الصغيرة فان كان الكل صغارا كالسخال
والفصلان اخذنا الصغيرة وقيل لا تؤخذ في الابل لانه في الابل يؤدى الي التسوية بين القليل ولا كثير وقيل يؤخذ في غير الابل وفى الابل فبما جاوز احدى وستين ولا يؤخذ فيما دونه كيلا يؤدى إلى التسوية) * الماشية اما ان تكون كلها أو بعضها في سن الفرض أولا يكون شئ منها في تلك السن وحينئذ اما أن تكون في سن فوقها أودنها فهذه ثلاث أحوال (الحالة الاولي) أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض فيؤخذ لواجبها ما في سن الفرض ولا يؤخذ ما دونه ولا يكف بما فوقه (اما) الاول فللنصوص المقتضية لوجوب الاسنان المقدرة (واما) الثاني (فلما) فيه من الاجحاف والاضرار بالمالك وقد روى

(5/378)


أن عمر رضى الله عنه قال لساعيه سفيان بن عبد الله الثقفى رحمه الله (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يده ولا تأخذها ولا تأخذ الاكول والربئ والماخض ولا فحل الغنم وخذ الجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره) الاكولة هي المسمنة للاكل في قول ابى عبيدة وقال شم اكولة غنم الرجل الخصى والهرمة والعاقر والربئ هي الشاة الحديثة العهد بالنتاج ويقال هي في ربائها كما يقال المرأة في نفاسها والجمع رباب بالضم والماخض الحامل وفحل الغنم الذكر المعد للضراب والغذاء السخال الصغار جمع غذى وهذه التى فسرناها لو تبرع بها المالك اخذت الا فحل الغنم ففيه ما ذكرنا في أخذ الزكاة (الحالة الثانية) أن تكون كلها في سن فوق سن الفرض فلا يكلف باخراج شئ منها بل يحصل السن الواجبة ويخرجها وله الصعود والنزول في الابل كما سبق (والحالة الثالثة) أن يكون الكل في سن دونها وقد يستبعد تصوير هذه الحالة ببادى الرأى فيقال لا شك ان المراد من الصغر هو الانحطاط عن السن المجزئة ومعلوم ان احد شروط الزكاة الحول واذ حال الحول فقد بلغت الماشية حد الاجزاء والاصحاب صورها فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحول فصلان أو عجول أو سخال ثم ماتت

(5/379)


الامهات كلها وتم حولها وهى صغار بعد وهذا مبني علي ظاهر المذهب في ان الحول لا ينقطع بموت الامهات بل تجب الزكاة في النتاج إذا كان نصابا عند تمام حول الاصل وبه قال مالك وذهب أبو
القاسم الانماطى من أصحابنا إلي أن الامهات مهما نقصت عن النصاب انقطع حول النتاج فضلا من ان لا يبقى منها شئ فعلي قوله لا تتصور هذه الحالة الثالثة من هذا الطريق وكذلك لا يتصور عند أبى حنيفة رحمه الله لانه شرط بقاء شئ من الامهات ولو واحدة وان لم يشترط بقاء النصاص وعن احمد رحمه الله روايتان (أصحهما) كمذهبنا (والاخرى) كمذهب ابى حنيفة رحمه الله وسيأتي هذا الاصل بشرحه في شرط الحول ان شاء الله تعالي ويمكن ان تصور هذه الحالة في صورة أخرى وهى ان يملك نصابا من صغار المعزو يمضى عليها حول فتجب فيها الزكاة وان لم تبلغ سن الاجزاء فان الثنية من المعز على أظهر الاوجه التى سبقت هي التى لها سنتان وهذه الصورة لا تستمر على مذهب أبى حنيفة رحمه الله أيضا لان عنده لا ينعقد الحول علي الصغار من المواشي وانما يبتدئ الحول من وقت زوال الصغر إذا عرف التصوير ففيما يؤخذ وجهان وقال صاحب التهذيب وغيره قولان (القديم) أنه لا يؤخذ الا كبيرة لان الاخبار الواردة في الباب تقتضي ايجاب الاسنان المقدرة من غير فرق بين ان تكون الماشية صغارا أو كبارا وعلي هذا تؤخذ كبيرة هي دون الكبيرة المأخوذة من الكبار في القيمة وكذا إذا انقسم ماله إلى صغار وكبار يأخذ الكبيرة بالقسط علي ما سبق في نظائره فان لم توجد كبيرة بما يقتضيه التقسيط يؤخذ منه القيمة للضرورة ذكره المسعودي في الافصاح (والجديد) أنه لا يشترط كونها كبيرة بل يجوز أخذ الصغيرة من الصغار كما يجوز أخذ المريضة من المراض وعلي هذا فتؤخذ مطلقا أم كيف الحال قطع الجمهور بأخذ الصغيرة من الصغار في الغنم وذكروا في البقر والابل ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال أبو العباس وأبو إسحق انه لا يؤخذ منها الصغار لانا لو أحذنا لسوينا بين ثلاثين من البقر واربعين في أخذ عجل وبين خمس وعشرين من الابل واحدى وستين وما بينهما من النصابين في اخذ فصيل ولا سبيل الي التسوية بين القليل والكثير بخلاف ما في الغنم فان الاعتبار فيها بالعدد فلا يؤدى أخذ الصغار إلى التسوية وعلي هذا

(5/380)


فتؤخذ كبيرة بالقسط على ما سبق في نظائره ولا يكلف كبيرة تؤخذ من الكبار (والوجه الثاني) انه لا يؤخذ الفصيل من احدى وستين فما دونها لان الواجب فيها واحد واختلافه بالسن فلو أخذنا
فصيلا لسوينا بين القليل والكثير اما إذا جاوز ذلك فالاعتبار بالعدد فاشبه الغنم وكذلك البقر (والثالث) انه يؤخذ الصغار منهما مطلقا اعتبارا بجنس المال كما يؤخذ من الغنم لكن يجتهد الساعي ويحترز عن التسوية فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ من خمس وعشرين ومن

(5/381)


ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس والله أعلم * ولنبين ما في الكتاب من هذه الاختلافات والاظهر منها (قوله) أخذنا الصغيرة هو الوجه الاخير المجوز لاخذ الصغار

(5/382)


من الغنم وغير الغنم وايراد يشعر بترجيحه ذكر صاحب التهذيب وآخرون أنه الاصح وليكن قوله أخذنا معلم بالميم والحاء (اما) بالميم (فلان) عنده لا تؤخذ الا الكبيرة (واما) بالحاء (فلان) عنده لا تؤخذ الصغيرة ولا الكبيرة ولا زكاة في الصغار كمل سبق بيانه (وقوله) وقيل لا يؤخذ هو المحكي عن القديم الصائر الي المنع مطلقا وأراد بقوله لانه في الابل يؤدى الي التسوية أنا لو أخذنا الصغيرة لاخذناها من الابل ايضا كالمريضة والمعيبة حيث؟ تؤخذ تؤخد في غير الابل من جميع النعم ولو أخذنا من الابل لزم التسوية بين القليل والكثير فامتنع الاخذا أصلا ورأسا وقوله وقيل يؤخذ في غير الابل إلى آخره هو الوجه الثاني من الوجوه التى بيناها علي الجديد وزيفه الائمة من وجهين (أحدهما) أن التسوية التى تلزم في إحدى وستين فما دونها تلزم في ست وسبعين واحدى وتسعين أيضا فان الواجب في ست وسبعين بنتا لبون وفي احدى وتسعين حقتان فإذا أخذنا فصيلين من هذا ومن ذاك فقد سوينا بينهما لا فرق إلا ان المأخوذ قبل مجاوزة إحدى وستين وحدا وبعد مجاوزتها اثنان فان وجب الاحتراز عن تلك التسوية فكذلك عن هذه (والثانى) أن هذه التسوية تلزم في البقر بين

(5/383)


الثلاثين والاربعين وعبر قوم من الاصحاب عن هذا الوجه بعبارة أخرى تدفع هذين الالتزامين وهى ان الصغيرة تؤخذ حيث لا يؤدى أخذها الي التسوية بين القيل والكثير ولا تؤخذ حيث يؤدى أخذها إلى التسوية وهكذا ذكر المصنف في الوسيط والامام في النهاية (وقوله) ولا يؤخذ فيما
دونه يجوز ان يعلم بالواو لان صاحب التهذيب خص وجه المنع بالست والثلاثين والست والاربعين فما فوقهما وجوز اخراج فصيل من خمس وعشرين إذ ليس في تجويزه وحده تسوية وفي كلام الصيدلانى مثل ذلك * قال (الخامس راداءة النوع فان كان الكل معزا أخذ المعز وإن اختلف فقولان (أحدهما) أنه ينظر إلى الاغلب وعند التساوي يراعى الاغبط للمساكين (والثاني) أنه يأخذ من كل جنس بقسطه) * نوع الجنس الذى يملكه من الماشية ان اتحد أخذ الفرض منها كما إذا كانت إبله ارحبية كلها أخذ الفرض منها وان كانت مهرية أخذ الفرض منها وان كانت غنمه ضأنا أخذ الضأن وان كانت معزا أخذ المعز وذكر في التهذيب في ذلك وجهين في أنه هل يجوز أن يؤخذ ثنية من المعز باعتبار القيمة عن اربعين ضأنا أو جذعة من الضأن عن اربعين معزا (احدهما) لا كما لا يجوز البقر عن الغنم (واصحهما) نعم لاتفاق الجنس كالمهرية مع الارحبية * وحكي عن القاضى حسن أنه يحتمل ان لا يؤخذ المعز من الضأن ويؤخذ الضأن من المعز لان المعز دون الضان كما تؤخذ المهرية عن المجيدية ولا تؤخط المجيدية عن المهرية وكلام امام الحرمين رحمه الله يقرب من هذا التفصيل فانه قال الضأن اشرف من المعز فلو ملك اربعين من الضأن الوسط فاخرج ثنية من المعز الشريفة وهى تساوى جذعة من الضأن الذى يملكه فهذا محتمل

(5/384)


والظاهر اجزاؤها وان اختلف نوع الجنس الذى يمكله من الماشية كالمهرية والارحبية من الابل والعراب والجواميس من البقر والضأن والمعز من الغنم فيضم البعض إلي البعض لاتحاد الجنس وفي كيفية أخذ الزكاة منها قولان مشهوران (احدهما) انها تؤخذ من الاغلب لان النظر إلى كل نوع مما يشق فيتبع الاقل الاكثر ولو استوى النوعان أو الانواع في المقدار فقد قال في النهاية تفريعا علي هذا القول انه عند الائمة بمثابة ما لو اجتمع في المائتين من الابل الحقاق وبنات اللبون فظاهر المذهب ان الساعي يأخذ الاغبط للمساكين وهو المشهور والمذكور في الكتاب ومن قال ثم الخيرة إلى المالك فكذلك يقول ههنا فيجوز ان يرقم لهذا قوله وعند التساوي يراعي الاغبط بالواو والقول (الثاني) وهو الاظهر انه يؤخذ من كل نوع بالقسط رعاية للجانبين وليس معناه ان يؤخذ شقص من هذا وشقص من ذاك فانه لا يجزئ
بالاتفاق ولكن المراد النظر الي الاصناف باعتبار القيمة علي ما سنبينه في الامثلة وإذا اعتبرت

(5/385)


القيمة والتقسيط فمن أي نوع كان المأخوذ جاز هكذا قال الجمهور وقال ابن الصباغ ينبغى ان يكون المأخوذ من أعلي الانواع كما لو انقسمت ماشيته الي صحاح ومراض يأخذ بالحصة من الصحاح ولك أن تقول ورد النهى عن المريضة والمعيبة فلذلك لا نأخذها ما قدرنا على صحيحة وما نحن فيه بخلافه وفي المسألة قول ثالث محكى عن الام وهو أنه إذا اختلفت الانواع يؤخذ الفرض من الوسط كما في الثمار ولا يجئ هذا القول فيما إذا لم يكن الا نوعين ولا فيما إذا كانت أنواعا متساوية في الجودة والردءة وحكى القاضي ابن كج وجها وهو أنه يؤخذ من الاجود أخذا من نصه في اجتماع الحقاق وبنات اللبون ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فقولان بالوا ولان القاضى أبا القاسم بن كج حكى عن أبى اسحق ان موضع القولين ما إذا لم يحتمل الابل أخذ واجب كل نوع لو كان وحده منه فان احتمل أخذ كذلك بلا خلاف مثل ان يملك مائتين من إلا بل مائة مهرية ومائة أرحبية فيؤخذ حقتان من هذه وحقتان من هذه المشهور طرد الخلاف علي ما يقتضيه لفظ الكتاب ونوضح القولين بمثالين (احدهما) له خمس وعشرون من الابل عشرة مهرية وعشرة ارحبية وخمسة مجيدية فعلى

(5/386)


القول الاول تؤخذ بنت مخاض أرحبية أو مهرية بقيمة نصف أرحبيه ومهرية لان هذين النوعين اغلب ولا نظر الي المجيدية وعلي الثاني يؤخذ بنت مخاض من أي الانواع أعطى بقيمة خمس مهرية وخمس ارحبية وخمس مجيدية فإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة وقيمة بنت مخاض مجيدية ديناران ونصف فيأخذ بنت مخاض من أحد أنواعها قيمتها ستة ونصف وهى خمسا عشرة وخمسا خمسة وخمس دينارين ونصف وصور بعضهم قيمة المجيدية أكثر وذلك فرض في ابل الشخص على الخصوص والا فالمجيدية ارادأ الانواع الثلاثة وغرض التمثيل لا يختلف (والثانى) له ثلاثون ماعزة وعشر من الضأن فعلي القول الاول يؤخذ ثنية من المعز قال في النهاية ويكتفى بماعزة كما يأخذها لو كانت غنمه كلها معزا وعلي عكسه لو كانت ثلاثون منها ضأنا أحذنا جذعة من الضأن كنا نأخذها
لو تمحضت غنمه ضأنا وعلي القول الثاني يخرج ضأنه أو ما عزه بقيمة ثلاثة ارباع ما عزه وربع ضانه في الصورة الاولى وبقيمة ثلاثة أرباع ضأنه وربع ما عزه في الصورة الثانية ولا يجئ قول اعتبار الوسط ههنا وعلي الوجه الذى رواه ابن كج يؤخذ من الاشرف فلا يخفى قياسها في المثال الاول * قال (هذا بيان النصاب ولا زكاة فيما دونه الا إذا تم بخلطة نصابا) *

(5/387)


(باب صدقة الخلطاء) * وفيه خمسة فصول (الاول) في حكم الخلطة وشرطها وحكم الخلطة تنزيل المالين منزلة مال واحد فلو خلط اربعين باربعين لغيره ففى الكل شاة واحدة (ح) ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ففى كل واحد نصف (م ح) شاة) * النظر في المواضع الخمسة كان معترضا في شرط النصاب فلما فرغ منها عاد الي القول في النصاب ولما كانت الزكاة قد تجب علي من لا يملك نصابا بسبب الخلطة وجب استثناؤها علي اشتراط النصاب فاستثنى ووصل به باب صدقة الخلطاء وهو من اصول أبواب الزكاة ودرج مقصوده في خمسة فصول (اولها) في حكم الخلطة وشرطها.
أعلم أن الخطة نوعان حلطة اشتراك وخلطة جوار وقد يعبر

(5/388)


عن الاولي بخلطة الاعيان والثانى بخلطة الاوصاف والمراد من النوع الاول ان لا يتميز نصيب احد الرجلين أو الرجل عن نصيب غيره كماشية ورثها اثنان أو قوم أو ابتاعوها معا فهى شائعة بينهم ومن النوع الثاني ان يكون مال كل واحد معينا متميزا عن مال غيره ولكن تجاورا تجاور المال الواحد علي ما سنصفه ولكلتى الخطتين اثر في الزكاة ويجعلان مال الشخصين أو الاشخاص

(5/389)


منزلة مال الشخص الواحد في الزكاة ثم تكثر الزكاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب فيها شاة ولو انفرد كل بنصيبه لما وجب شئ وقد تقل كما لو كان بينهما ثمانون مختلطة يجب
فيها شاة ولو انفرد كل واحد باربعين لوجب على هذا شاة وعلى هذا شاة وحكى الحناطي وجها

(5/390)


غريبا ان خلطة الجوار لا اثر لها وانما تؤثر خلطة لشيوع وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حكم للخلطة أصلا وكل واحد يزكي زكاة الانفراد إذا بلغ نصبه نصابا وعند مالك لا حكم للخلطة الا إذا كان نصيب كل واحد منهما نصابا فلذلك اعلم قوله في الكتاب الا إذا تم بلخلطة نصابا بالحاء والميم وكذلك قوله في كل واحد نصف شاة وقوله في الكل شاة واحدة بالحاء وحده ومذهب احمد رحمه الله كمذهبنا والدليل عليه ما روى في حديث انس وابن عمر رضي الله عنهم ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) قال العلماء هذا نهى للساعي والملاك عن الجمع والتفريق اللذين يقصد بهما الساعي تكثير الصدقة والملاك تقليلها فجمع الساعي ان يكون لزيد عشرون من الغنم ولعمرو عشرون وهى متفرقة متميزة فاراد الساعي الجمع بينهما ليأخذ مها شاة وتفريقه أن يكون بينهما ثمانون مختلطة فاراد أن يفرق ليأخذ شاتين (وأما) جمع الملاك مثل أن يكون لزيد اربعون من الغنم ولعمرو اربعون متفرقة فأراد الجمع لئلا يأخذ الساعي منها الا واحدة وتفريقهم مثل ان يكون لهما اربعون مختلطة فاراد التفريق لئلا يأخذ منهما شيئا ولولا ان الخلطة مؤثرة لما كان لهذا الجمع والتفريق معني

(5/391)


قال (وشرط الخلطة اتحاد المسرح والمرعى والمراح والمشرع وكون الخليط اهلا للزكاة لا كالذمي والمكاتب وفي اشتراك الراعى والفحل والمحلب ووجود الاختلاط في اول السنة وجريان الاختلاط بالقصد واتفاق اوائل الاحوال خلاف) * نوعا الخلطة يشتركان في اعتبار شروط وتختص خلطة المجاورة بشروط زائدة فمن الشروط المشتركة أن يكون المجموع نصابا وفى لفظ الكتاب ما يدل علي اعتباره حيث قال الا إذا تم بخلطه نصابا فلو مالك زيد عشرين شاة وعمرو مثلها فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة وتركا شاتين منفردتين فلا أثر لخلطتهما ولا زكاة أصلا (ومنها) أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة
فلو كان أحد هما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل ان كان نصيب الحر المسلم نصابا زكى زكاة الانفراد

(5/392)


ولا فلا شئ عليه لان من ليس أهلا لوجوب الزكاة عليه لا يجوز ان يصير ماله سببا لتغيير زكاة المسلم (ومنها) دوام الخلطة في جميع السنة علي ما سيأتي شرحه (وأما) الشروط التي تختص خلطة الجوار باعتبارها (فمنها) اتحاد المرعي والمسرح والمراح والمشرع هذا لفظ الكتاب والمراد من اتحاد المشرع ان تسقى غنمهما من ماء واحد من نهر أو عين أو بئر أو حوض أو مياه متعددة ولا تخص غنم أحد هما بالسقى من موضع وغنم الآخر بالسقى من غيره والمراد بالمراح مأواها ليلا فلو كان يختص غنم أحد هما بمراح وغنم الآخر بمراح آخر لم تثبت الخلطة وإن كانا يخلطانها نهارا (واما) المرعى والمسرح (فلفظ) الكتاب يقتضي تغايرهما وكلام كثير من الائمة يوافقه ومنهم من يقتصر علي ذكر المسرح ويفسره بالمرعي ولفظ المختصر قريب منه وليس في الجقيقة اختلاف لكن الماشية إذا سرحت عن اماكنها تجئ قطعة قطعة وتقف في موضع فإذا اجتمعت امتدت الي المرعى وكان بعضهم اطلق اسم المسرح على ذلك الموضع وعلي المرتع نفسه لان الابل مسرحة الهيا ومنهم من خص اسم المسرح بذلك الموضع

(5/393)


وانما شرط اتحاد المالين في هذه الامور ليجتمع اجتماع ملك المالك الواحد على الاعتياد وقد روى عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه انه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجمتع خشية الصدقة والخليطان ما إذا اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) فنص علي اعتبار الاجتماع في الحوض والرعي من الامور الاربعة وقيس عليها الباقي ومنها اشتراك المالين في الراعى حكي المصنف وشيخه وجهين (أظهرهما) أنه يشترط كالاشتراك في المراح والمسرح وأيضا فقد روى في بعض الروايات عن سعد بدل الرعي الراعي (والثاني) أنه ليس بشرط لان الافتراق فيه لا يرجع الي نفس المال فلا يضر بعد الاجتماع في المراح وسائر ما ذكرنا ولا شك في أنه لا بأس بتعدد الرعاة والخلاف في أنه هل يشترط أن لا تختص غنم أحدهما براع أم لا ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب في اشتراك الراعى بالواو لان كثيرا من الاصحاب نفوا الخلاف في اشتراطه (ومنها)
الاشتراك في الفحل فيه وجهان كما في الراعي (أحدهما) أنه لا يعتبر ولا يقدح في الخلطة اختصاص كل واحد منهما بانزاء فحل علي ماشيته وهذا اصح عند المسعودي لكن يشترط كون الانزاء علي

(5/394)


موضع واحد على ما سنذكره في الخلاف (وأظهرهما) ولم يذكر الجمهور سواه انه يعتبر لما ذكرنا في خبر سعد وعلي هذا فالمراد أن تكون الفحولة مرسلة بين ماشيتهما ولا يخص واحد منهما ماشيته بفحل سواء كانت الفحولة مشتركة بينهما أو مملوكة لا حدهما أو مستعارة وحكي الشيخ أبو محمد وغيره

(5/395)


وجها آخر انه يجب ان تكون مشتركة بينهما وضعفوه ولك أن تعلم لفظ الفحل بالواو لمثل ما ذكرنا في الراعى (ومنها) حكى في الكتاب في الاشتراك في المحلب خلافا وشرحه أن المزني روى في المختصر في شرائط الخلطة أنه يعتبر أن يحلبا معا وحكي مثله عن حرملة ورواية الزعفراني وليسن له ذكر في الام فاختلفوا منهم من أثبت قولين (احدهما) اعتباره كما في السقى والرعي (والثانى) المنع فانه ارتفاق وانتفاع فلا يعتبر الاجتماع فيه كما في الركوب ومنهم من قطع بنفى الاعتبار حكى الطريقتين القاضي ابن كج والظاهر الذي أورده الاكثرون وفرعوا عليه إنما هو الاعتبار ثم ههنا أشياء موضع يحلب فيه واناء يتقاطر فيه اللبن وهو المحلب وشخص يحلب ففيما ذا يعتبر الاشتراك أما الموضع فلابد

(5/396)


من الاشتراك فيه كالمراح والمرعي فلو حلب هذا ماشيته في أهله وذك ماشيته في أهله لم يثبت حكم الخلطة وأما الحالب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يعتبر الاشتراك فيه أيضا علي معني أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية لآخر وهذا ما ذكره الصيدلانى (وأظهرهما) وبه قال أبو اسحق لا يعتبر ذلك كما في الجاز وفي الاشتراك في المحلب وجهان أيضا (أظهرهما) لا يعتبر الاشتراك فيه

(5/397)


كما لا يعتبر الاشتراك في آلات الجز فان كل واحد منهما نوع انتفاع (والثانى) يعتبرو به قال أبو اسحق ههنا ومعناه أنه لا يجوز أن ينفرد أحد هما بمحلب أو محالب ممنوعة عن الثاني وعلي هذا فهل يشترط
خلط اللبن أو يجوز أن يحلب احدهما في الاناء ويفرغه ثم يحلب الآخر فيه وجهان (أظهرهما) أنه

(5/398)


لا يشترط ذلك فان لبن أحدهما قد يكون أكثر فإذا اختلطت امتنعت القسمة (والثانى) يشترط ثم يتسامحون في القسمة كما يخلط المسافرون ازوادهم ثم يأكلون وفيهم الزهيد والرغيب ومنهانية الخلطة وفي اشتراطها وجهان (أحدهما) انها تشترط لانها تغير امر الزكاة إما بالتكثير وإما بالتقليل ولا ينبغى أن يكثر من غير قصده ورضاه ولا أن يقل إذا لم يقصد محافظة علي حق الفقراء (وأظهرهما) أنها

(5/399)


لا تشترط فان الخلطة إنما تؤثر من جهة خفة المؤنة باتحاد المرافق وذلك لا يختلف بلقصد وعدمه وهذان الوجهان كوجهين يأتيان في قصد الاسامة والعلف ويجريان غالبا فيما لو افترقت الماشية في شئ مما يعتبر الاجتماع فيه بنفسها أو فرقها الراعى ولم يشعر المالكان إلا بعد طول الزمان هل تنقطع

(5/400)


الخلطة ام لا ولو فرقاها أو أحدهما قصدا في شئ من ذلك انقطع حكم الخلطة وإن كان يسيرا والتفرق اليسير من غير قصد لا يؤثر لكن لو اطلعا عليه فاقراها علي تفرقهما ارتفعت الخلطة ومهما

(5/401)


ارتفعت الخلطة فعلى من كان نصيبه نصابا زكاة الانفراد إذا تم الحول من يوم الملك لا من يوم ارتفاعها وأما قوله ووجود الاختلاط في أول السنة وقوله واتفقاق أوائل الاحوال فهما المسألتان اللتان يشتمل

(5/402)


عليهما الفصل الثالث ونشرحهما إذا انتهينا إليه والخلاف الذى ابهم ذكره في جميع الصور وجهان إلا في وجود الاختلاط في اول السنة فهو في هذه المسألة قولان ستعرفهما ولك ان تعلم قوله وشرط

(5/403)


الخلطة اتحاد المرعى والمسرح إلي آخره بالميم لان ابن الصباغ حكي عن أصحاب مالك اختلافا في الامور التي شرطناها في الخلطة فمنهم من شرط اجتماع المالين في امرين منها ومنهم من اعتبر الرعى
والراعي ومنهم من اعتبر الرعي وامرا آخر ايما كان * قال (وفي تأثير الخلطة في الثمار الزرع ثلاثه أقوال فعلي الثلث تؤثر خلطة الشيوع دون الجوار ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان) * لا خلاف عندنا في تأثير الخطة في المواشي وهل تؤثر في غير المواشى من الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة أما خلطة المشاركة ففيها قولان (القديم) وبه قال مالك وكذلك احمد في أصح الروايتين أنها لا تثبت بخلاف المواشى فان فيها أو قاصا فالخلطة تنفع المالك تارة والمسكين أخرى ولا وقص في المعشرات فلو أثبتنا الخلطة فيها لتمحضت ضررا في حق المالكين لانها تضر فيما إذا كان ملك كل واحد منهما دون النصاب ولا يثبت نفع بأزائه (واحتج له أيضا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي) فانه يقتضى حصر الخليطين في المجتمعين في هذه الامور وذلك لا يفرض الا في المواشي (والجديد) أنها تثبت لانهما كما يرتفقان بالخلطة في المواشى لخفة المؤنة باتحاد المرافق كذلك يرتفقان في غيرهما باتحاد الجرين والناطور والدكان والحارس والمتعهد وكراء البيت وغيرها * واحتج له باطلاق قوله صلي الله عليه وسلم ((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق ببن مجتمع خشية الصدقة ((واما) خلطة المجاورة فان لم تثبت خلطة المشاركة فهذه اولي وإن أثبتنا تلك ففى هذه قولان ومنهم من يقول وجهان وذلك بأن يكون لكل واحد صف نخيل أو زرع في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحدأ وامتعة تجارة في خزانة واحدة (أصحهما) عند العراقيين وصاحب التهذيب والاكثرين أنها تثبت أيضا كما في المواشى وهذا الحصول حصول الارتفاق

(5/404)


باتحاد الناطور والعامل والنهر الذى منه تسقى وباتحاد الحارث ومكان الحفظ وغيرها (والثانى) أنها لا تثبت لان كل نخلة متميزة بمكانها الذى تشرب منه فاشبه افتراق الماشية في الشرب ونسب القاضي ابن كج هذا إلى اختيار ابى اسحق والاول الي اختيار ابن ابى هريرة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الثمار أو الزروع وبين النقدين واموال التجارة على المشهور وعن القفال طريقة أخرى وهي ان الخلاف في الثمار والزروع في الخلطتين جميعا وفي النقدين وأموال التجارة في خلطة المشاركة وحدها وفي خلطة الجوار
نقطع بانها لا تثبت فيها وهذه الطريقة هي التي أوردها الشيخان الصيدلانى وأبو محمد وذكرها صاحب الكتاب فقال ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان فاعلم قوله ولا تؤثر بالواو وقوله تؤثر خلطة الشيوع بالميم والالف لما قدمناه واعرف أنا حيث اثبتنا الخلاف وتركنا الترتيب حصلت ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أحدها) تأثير الخلطتين (والثاني) المنع (والثالث) تأثير خلطة الشيوع دون الاخرى وفرعوا علي الصحيح وهو تأثير الخلطتين فروعا (منها) نخيل موقوفة على جماعة معينين في حائط واحد أثمرت خمسة أو سق لزمهم الزكاة وساعدنا مالك في هذه الصورة ويمثله لو وقف أربعين شاة علي جماعة معينين هل تحب عليهم الزكاة يبنى ذلك علي أن الملك في

(5/405)


الوقف هل ينتقل إليهم (إن قلنا) لا فلا زكاة عليهم (وإن قلنا) نعم فوجهان (أصحهما) لا زكاة لنقصان ملكهم كما في ملك المكاتب (ومنها) لو استأجر اجيرا ليتعهد نخيله علي ثمرة نخلة بعينها بعد خروج ثمارها وقبل بدو الصلاح وشرط القطع لكن لم يتفق القطع حتي بدا الصلاح وكان مبلغ ما في الحائط نصابا وجب علي الاجير نصف عشر ثمرة تلك النخلة وإن قلت * قال ((الفصل الثاني في التراجع) وللساعي ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ثم يرجع المأخوذ منه يقيمة حصة خليطه فلو خلط اربعين من البقر بثلاثين لغيره لم يجب علي الساعي اخذ المسنة من الاربعين والتبيع من الثلاثين بل يأخذ كيف اتفق فان اخذ كذلك فيرجع باذل المسنة بثلاثة اسباعها علي خليطه وباذل التبيع باربعة اسباعه على خليطه لان كل واحد من السنين واجب في الجميع علي الشيوع كأن

(5/406)


المال ملك واحد) * روينا عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (وما كانا من حليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) اخذ الزكاة من مال الخليطين يقتضى رجوع احدهما على صاحبه دون رجوع الآخر عليه وقد يقتضى التراجع بينهما وهو الذى تعرض له الخبر وقوله بالسوية حمله الائمة علي الحصة فإذا ملكا ما دون خمس وعشرين من الابل بينهما نصفين وأخذ الساعي واجبا من احدهما رجع
بنصف قيمة المأخوذ علي صاحبه ولو كانت بينهما اثلاثا أو ارباعا فالرجوع بالسحاب ثم الرجوع والتزاجع يكثران في خلطة الجوار وإنما رسم الفصل في الكتاب للتراجع في هذه الخلطة وقد يتفقان قليلا في خلطة المشاركة أيضا على ما سنذكره آخرا وحكي المحاملي فيما يحمل عليه الخبر من الخلطتين قولين (الجديد) ان مطلق الخلطة ينصرف الي خلطة المشاركة (والقديم) أنه ينصرف إلى خلطة المجاورة

(5/407)


وعليها حمل المعظم الخبر إذا عرفت هذه المقدمة فنتكلم في مقصود الفصل أولا ونقول: إذا اختلط المالان خلطة جوار بشرائطها ووجبت الزكاة نظر هل يمكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد من ماله ام لا فن لم يمن فللساعي أن يأخذ الفرض من أيهما شاء فان لم يجد سن الفرض بصفة الاجزاء إلا في مال أحدهما أخذه منه (مثاله) بينهما أربعون من الغنم بالسوية لا يمكن التشقيص فيأخذ شاة من ايهما اتفق ولو وجبت بنت لبون في إبلهما ولم يجدها إلا في مال أحدهما أخذها نه ولو كانت ماشية أحدهما مراضا أو معيبة أخذ الفرض من الآخر وان امكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد منه فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو اسحق ياخذ كل واحد ما يخص ماله ولا يجوز غير ذلك اغناء لهما عن التراجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة والمعظم وهو المذكور في الكتاب ان له ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ولا حجر عليه بل وإن أخذ كما ذكر صاحب الوجه الاول يبقي التراجع بينهما وذلك لان المالين عند الخلطة يتزلان منزلة المال لواحد ألا ترى ان الواجب يقل تارة ويكثر أخرى كما لو كان الكل لواحد وإذا كان كذلك فكل المأخوذ شائع في جميع المال وليس شئ منه بعينه عن شئ من المال بعينه والباقى عن الباقي (مثال) هذه الحالة التى فيها

(5/408)


الوجهان ان تجب شاتان في الغنم المخلوطة وأمكن أخذ أحداهما من هذا والثانية من ذاك وكذلك

(5/409)


لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون للآخر وأمكن أخذ المسنة من الاربعين

(5/410)


والتبيع من الثلاثين وكذلك لو كان بينهما مائة وثمانون من الابل مائة لاحدهما وثمانون للآخر

(5/411)


وأمكن أخذ حقتين من الماثة وبني لبون من الثمانين ولا يخفى نظائره إذا تقرر ذلك فلنبين كيفية

(5/412)


الرجوع والتراجع عند أخذ لزكاة علي الوجه المحوج لي أحدهما علي حسب الخلاف الذى حكيناه

(5/413)


فنقول: إذا أخذ شة من أحد الخليطين عن أربعين من الغنم عشرون منها لهذا وعشرون للآخر

(5/414)


رجع المأخوذ منه بنصف قيمة الشاة المأخوذة على الآخر ولا يرجع بنصف شاة لان الشاة ليست بمثلية

(5/415)


ولو كانت ثلاثون لاحدهما وعشرة للآخر فان أخذ الشاة من صاحب الثلاثين رجع بربعها على الآخر

(5/416)


ولا يرجع بنصف شاة وإن أخذها من الآخر ورجع بثلاثة ارباعها علي صاحب الثلاثين ولو كان

(5/417)


بينهما مائة وخمسون شاة لا حدهما مائة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين فيها من

(5/418)


صاحب المأنة رجع علي الآخر بقيمة ثلث كل شاة ولا نقول بقيمة ثلثى شاة لان قيمة الشاتين تختلف

(5/419)


وإن اخذها من صاحب الخمسين رجع علي الآخر بقيمة ثلثى شاة ولو اخذ من كل واحد شاة رجع صاحب المائة علي صاحب الخمسين بقيمة ثلث شاته وصاحب الخمسين علي صاحب المائة

(5/420)


بقيمة ثلثى شاته ولو كان نصف الشياه لهذا ونصفها للآخر فكل واحد منهما يرجع علي الآخر
بقيمة نصف شاته فان تساوت القيمتان خرج علي أقوال التقاص عند تساوى الدينين قدر أو جنسا

(5/421)


ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون الآخر فالتبيع والمسنة واجبان عليهما علي صاحب

(5/422)


الاربعين أربعة اسباعهما وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما فلو أخذهما الساعي من صاحب الاربعين رجع

(5/423)


بقيمة ثلاثة اسباعهما على الآخر ولو أخذهما من الآخر رجع بقيمة أربعة اسباعهما علي صاحب الاربعين ولو أخذ

(5/424)


التبيع من صاحب الاربعين والمسنة من صاحب الثلاثين رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على

(5/425)


الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع المسنة ولو أخذ المسنة من صاحب الاربعين والتبيع من الآخر

(5/426)


رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنة على الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة اسباع التبيع وهذه الحالة الرابعة المذكورة في الكتاب ولك أن تعلم قوله من عرض المال ما يتفق بالواو

(5/427)


وكذا قوله لم يجب علي الساعي اخذ المسنة وقوله بل يأخذ كيف اتفق وقوله فيرجع باذل المسنة

(5/428)


للوجه المنسوب إلي ابى اسحق فان كان ذلك مشروط على ذلك الوجه بان لا يمكن اخذ ما يخص

(5/429)


كل واحد منهما لو انفرد منه علي ما سبق وقوله بثلاثة اسباعهما أي بقيمتها وكذا قوله بأربعة اسباعه

(5/430)


ولو ظلم الساعي فأخذ من احد الخليطين والواجب شاة حبلي ربى أو ما خضا رجع المأخوذ

(5/431)


منه على الآخر بنصف قيمة الواجب لا قيمة المأخوذ في الساعي ظلمه بالزيادة والمظلوم يرجع علي

(5/432)


الظالم دون غيره فان كان المأخوذ باقيا في يد الساعي استرده وإلا استرد الفضل والفرض ساقط ولو أخذ القيمة في الزكاة أو اخذ من السخال كبيرة فهل يرجع علي خليطه فيه وجهان (أحدهما) وبه

(5/433)


قال أبو اسحق في أخذ القيمة أنه لا يرجع (واصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة يرجع لانهما من مسائل

(5/434)


الاجتهاد فالقيمة مأخوذة عند أبى حنيفة ومالك والواجب في السخال كبيرة عند مالك ومنهم من خص الوجهين بمسألة القيمة وقطع في اخذ الكبيرة بالرجوع هذا تمام ما نذكره من خلطة الجوار (اما) خلطة الشيوع فان كان الواجب من جنس المال واخذه الساعي منه فلا يراجع فان المأخوذ مشاع بينهما

(5/435)


وإن كان الواجب من غير جنس المال كالشاة فيما دون خمس وعشرين من الابل فإذا أخذ الساعي شاة من احد الخليطين عن خمس من الابل بينهما رجع المأخوذ منه علي الآخر بنصف قيمتها ولو كان

(5/436)


بينهما عشر فاخذ من كل واحد منهما شاة ثبت التراجع فان تساوت القيمتان خرج على اقوال

(5/437)


التقاص ومتي ثبت الرجوع وتنازعا في قيمة المأخوذ قول المأخوذ منه لانه غارم * قال ((الفضل الثالث في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد فإذا ملك رجلان كل واحد اربعين غرة المحرم وخلطا غرة صفر فعلي الجديد يجب علي كل واحد في آخر الحول الاول شاة وفيما بعده من

(5/438)


الاحوال نصف شاة تغليبا للانفراد وعلي القديم يجب ابدا نصف شاة فان ملك غرة صفر
وخلطا غرة ربيع الاول فالقولان جاريان وخرج ابن سريج قولا أن الخلطة لا تثبت أبدا لتقاطع

(5/439)


أواخر الاحوال) * اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد إما أن يكون بطرو الخلطة على الانفراد أو بطرو

(5/440)


الانفراد علي الخلطة وهذا الفصل الثالث مرسوم للقسم الاول فنبينة وتقول لا خلاف في أنه لو لم تكن لهما حالة انفراد بان ورثا ماشية أو ابتاعاها دفعة واحدة شائعة أو غير شائعة لكن مخلوطة وأداما الخلطة أنهما يزكيان زكاة الخلطة وكذا لو كان ملك كل واحد منهما دون النصاب وبلغ بالخلطة

(5/441)


نصابا زكاة زكاة الخلطة لان الحول لم ينعقد علي ما ملكاه عند الانفراد فاما إذا انعقد الحول علي الانفراد ثم طرأت الخلطة فلا يخلو إما يتفق ذلك في حق الخليطين جميعا أو في حق أحدهما (الحالة

(5/442)


الاولى) أن ينعقد الحلول علي الانفراد في حقهما جميعا ثم تطرأ الخلطة فاما أن يفق حولاهما أو يختلف فان انفق كما لو ملك كل واحد أربعين شاة غرة المحرم ثم خلطا غرة صفر ففيه قولان (الجديد) وبه

(5/443)


قال احمد ان حكم الخلطة لا يثبت في السنة الاولى لان الاصل الانفراد والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد علي الانفراد فعلى هذا إذا جاء المحرم وجب علي كل واحد منهما شاة (والقديم)

(5/444)


وبه قال مالك أنه يثبت حكم الخلطة نظرا إلي آخر الحول والعبرة في قدر الزكاة بآخر الحول ألا ترى أنه لو ملك مائة وإحدى وعشرين شاة فتلف منها شاة أو شاتان في آخر الحول لا يجب عليه

(5/445)


إلا شاة فعلي هذا إذا جاء المحرم فعلي كل واد منهما نصف شاة وعلي القولين جميعا في الحول
الثاني وما بعده يزكيان زكاة الخلطة لوجودها في جميع السنة (فإذا قلنا) بالجديد فوجود الحلطة في جميع

(5/446)


السنة شرط في ثبوت حكم الخلطة فلذلك أدرج حجة الاسلام قدس الله روحه هذه المسألة في جملة الشرائط التى حكى الخلاف فيها علي ما سبق وإن اختلف حولاهما كما لو ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة

(5/447)


صفر وخلطا غرة شهر ربيع الاول فينبني علي القولين عند اتفاق الحول (فعلي الجديد) إذا جاء المحرم فعلى الاول شاة وإذا جاء صفر فعلي الثاني شاة (وعلي القديم) إذا جاء المحرم فعلى الاول نصف شاة وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة ثم في سائر الاحوال بتفق القولان علي ثبوت حكم الخلطة فيكون على الاول عند غرة كل محرم

(5/448)


نصف شاة وعلي الثاني عند غرة كل صفر نصف شاة وذهب بعض الاصحاب إلي أن حكم الخلطة لا يثبت في سائر الاحوال أيضا ويزكيان أبدا زكاة الانفراد واتفق حملة المذهب علي ضعف هذا الوجه وقالوا بان الخلطة

(5/449)


* في سائر الاحوال حاصلة في جميع الحول فيثبت حكمها كما لو اتفق الحول ولا شك في بعد هذا الوجه لو سلم صاحبه ثبوت القول القديم في الحول الاول وامتنع من طرده في سائر الاحوال لكنه لو طرد

(5/450)


القولين في سئر الاحوال وكان ما ذكر من عدم ثبوت الخلطة تفريعا علي الجديد لم يكن بعيدا ويجوز أن يوجه بن حول الثاني غير تام عند تمام حول الاول وحكم الانفراد مستمر عليه فيلزم انعقاد الحول الثاني للاول علي حكم الانفراد وإذا انعقد الحول علي الانفراد يستمر حكمه كما في الحول الاول ثم إذا تم حول الثاني فلصاحبه حكم الانفراد فينعقد حوله الثاني على الانفراد أيضا وهكذا ابدا وسواء قوى هذا أو ضعف فمن صار إليه جعل اتفاق اوائل الاحوال من شرائط ثبوت الخلطة ولذلك

(5/451)


ادرج حجة الاسلام هذه المسألة في الشرائط المختلف فيها ونسب المعظم هذا الوجه إلي تخريج ابن
سريج وعلي ذلك جرى في الكتاب فقال وخرج ابن سريج أن الخلطة لا تثبت أبدا ولم يصحح ذلك علي ابن سريح المحاملي وذكر ان أبا اسحق حكى في الشرح عن ابن سريج مثل هذا المذهب وأضاف الوجه المذكور إلي غيره من الاصحاب فان كان المراد أنه غير ثابت عنه فيجوز أن

(5/452)


يعلم قوله وخرج ابن سريج بالواو ويجوز أن يقال خرجه ولم يذهب إليه جمعا بين الروايتين ويجوز اعلام قوله لا تثبت بدا بالميم والالف لان عند هما تثبت الخلطة في سائر الاحوال وإنما يختلفان في الحول الاول إختلاف القديم والجديد ولا يخفى موضع رقمهما في الصورة الاولي (والحالة الثانية) أن ينعقد الحول علي الانفراد في حق أحد هما دون الآخر كما لو ملك احدهما أربعين غرة المحرم وملك الثاني أربعين غرة صفر وكما ملك خلطا أو خلط الاول اربعينه غرة صفر باربعين لغيره ثم باع الثاني اربعينه من ثالث فان الاول يثبت له حكم الانفراد شهرا والثانى لم يثبت له حكم الانفراد أصلا فيبنى الحكم ههنا علي الحكم في الحالة الاولي فإذا جاء المحرم فعلي الاول شاة في القديم ونصف شاة في الجديد

(5/453)


شاة في القديم (وأما) الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة في القديم وفي الجديد وجهان (احدهما) شاة لان الاول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الاول ايضا (واظهرهما) نصف شاة لانه كان خليطا في جميع الحول واما في سائر الاحوال فيثبت حكم الخلطة على الظاهر وعلي الوجه المنسوب إلي ابن سريج لا يثبت وفرعوا على هذه الاختلافات صورا (منها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم اربعين غرة صفر فإذا جاء المحرم فعلى الجديد يلزمه للاربعين الاولي شاة وإذا جاء صفر يلزمه للاربعين الثانية نصف شاة أو شاة فيه وجهان (أصحهما) أولها (وعلي القديم) إذا جاء المحرم لزمه للاربعين الاولي نصف شاة لانه كان خليطا لملكه في آخر الحول فإذا جاء صفر لزمه للاربعين الثانية نصف شاة في سائر الاحوال يتفق القولان وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في الاربعين

(5/454)


الاولي شاة عند تمام حولها وفي الثانية شاة عند تمام حولها وهكذا ابدا ما لم ينقص النصاب وكما يمتنع
حكم الخلطة في ملك الشخصين عند اختلاف التاريخ كذلك يمتنع في ملكي الواحد (ومنها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم أربعين غرة صفر ثم اربعين غرة شهر ربيع الاول (فعلى القديم) يجبب في كل اربعين عند تمام حولها ثلث شاة (وعلي الجديد) يجب في الاولي عند تمام حولها شاة وفيما يجب في الثانية عند

(5/455)


تمام حولها وجهان (احدهما) شاة لان الاربعين الاولي لم يلحقها تخفيف بالثانية فلا يلحق الثانية تخفيف بها (واصحهما) نصف شاة لانها كانت خليطة اربعين في جميع حولها وفي الاربعين الثالثة

(5/456)


عند تمام حولها وجهان ايضا (اصحهما) ثلث شاة لكونها خليطة ثمانين (والثاني) شاة وفي سائر الاحوال يتفق القولان وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في كل اربعين عند راس حولها شاة ابدا (ومنها) لو ملك رجل اربعين غرة المحرم وملك آخر عشرين غرة صفر وكما ملك خلطا فإذا

(5/457)


جاء المحرم وجب علي الاول شاة في الجديد وثلثا شاة في القديم تغليبا للخلطة وإذا جاء صفر وجب علي الثاني ثلث شاة على القولين جميعا لانه كان مخالطا في جميع حوله وعلى الوجه المنسوب إلي بن سريج يجب على صاحب الاربعين شاة أبدا ولا شئ علي صاحب العشرين ولا تثبت الخلطة لاختلاف التاريخ (واعلم) أن الاختلاط مع من لا زكاة عليه كالانفراد حتى لو كان بين مسلم وذمى ثمانون شاة ملكاها

(5/458)


أول المحرم ثم أسلم الذمي غرة صفر كان المسلم بمثابة ما إذا انفرد بماله شهرا ثم طرأت الخلطة وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا طرأت خلطة الجوار أما إذا طرأت خلطة الشيوع كما إذا ملك أربعين شاة وأقامت في يده ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعا فهل ينقطع حول البائع في الباقي جعله ابن خيران علي قولين مبنيين على القولين فيما إذا انعقد حولهما علي الانفراد ثم خلطا إن قلنا يزكيان زكاة

(5/459)


الخلطة ينقطع الحول ههنا وإن قلنا يزكيان ثم زكاة الانفراد ولا يبني حول الخلطة على حول الانفراد إذا نقطع
الحول لنقصان النصاب والذى قطع به الجمهور ورواه المزني والربيع عن نصه أن الحول لا ينقطع لاستمرار النصاب اما بصفة الانفراد أو بصفة الاشتراك فعلى هذا إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء

(5/460)


فعلي البائع نصف شاة لتمام حوله وأما المشترى فينظر إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة من المال المشترك فلا شئ عليه لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله وإن أخرج من غيره فيبنى علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (إن قلنا) تعلق بالذمة فعليه أيضا نصف شاة تمام حوله

(5/461)


(وإن قلنا) تتعلق بالعين ففى انقطاع حول المشترى قولان (أصحهما) عند العراقيين الانقطاع ومأخذ القولين أن اخراج الواجب من موضع آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة أو يفيد عوده بعد الزوال ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعا في أثناء الحول لم ينطقع حول البائع عن النصف الباقي قطعا وفيما يجب

(5/462)


عليه عند تمام حوله وجهان (أحدهما) شاة لانه كان منفردا بنصاب في بعض الحول فغلب حكم الانفراد (وأصحهما) عند صاحب التهذيب نصف شاة لان الحول انعقد علي ثمانين والنصف الذى بقى آخرا كان مختلطا بأربعين في جميع الحول ولو ملك أربعين وباع نصفها معينا نظر ان ميزها قبل البيع أو بعده وأقبضها

(5/463)


فقد زالت الخلطة ان كثر زمان التفريق فإذا خلطا يستأنف الحول وان كان زمان التفريق يسيرا ففى انقطاع الحول وجهان (أوفقهما) لكلام الاكثرين الانقطاع ولو لم يميز لكن أقبض البائع المشترى جميع الاربعين لتصير العشرون مقبوضة فالحكم كما لو باع النصف مشاعا فلا ينقطع حول الباقي علي الصحيح وفيه وجه أنه ينقطع الانفراد بالبيع والطارئ في صورة بيع النصف على التعيين خلطة الجواز وان اوردناه

(5/464)


في هذا الموضع ولو أن رجلين لهذا أربعون ولهذا أربعون فباع أحدهما جميعها بجميع ما لصاحبه في خلال الحول انقطع حولاهما واستأنفا من يوم المبايعة ولو باع أحدهما النصف الشائع من أغنامه
بالنصف الشائع من أغنام صاحبه والاربعينان متميزان فحكم الحول فيما بقى لكل واحد منهما من أربعينة كالحكم فيما إذا كان للرجل أربعون فباع نصفها شائعا والصحيح أنه لا ينقطع فإذا تم حول ما بقى لكل واحد منهما فهذا مال ثبت له الانفراد أولا والخلطة في آخر الحول ففيه القولان السابقان (القديم) أنه يجب علي كل واحد ربع شاة لانه خليط ثمانيه حال الوجوب وحصة العشرين ربع (والجديد) أنه يجب علي كل واحد منهما نصف شاة لانه كان منفردا باربعينه وحصة العشرين

(5/465)


منها النصف وإذا مضي حول من وقت التبايع فعلي كل واحد منهما للقدر الذي ابتاعه ربع شاة علي القديم وفى الجديد وجهان (أصحهما) ربع شاة أيضا لانه كان مختلطا من حين ملك الي آخر الحول (والثانى) نصف شاة لانه لما لم يرتفق الباقي لكل واحد منهما بالحادث لم يرتفق الحادث بالباقي أيضا (القسم الثاني) أن يطرأ الانفراد علي الخلطة فيزيكى من بلغ ماله نصابا زكاة الانفراد من وقت الملك كما سبق ولو كان بينهما أربعون مختلطة فخالطهما رجل بعشرين في أثناء حولهما ثم ميز أحد الاولين ماله قبل تمام الحول فلا شئ عليه عند تمامه ويجب علي الآخر نصف شاة وكذا علي الثالث عند تمام حوله نصف والوجه المنسوب الي ابن سريج ينازع فيه ولو كان بينهما ثمانون مشتركة فاقتسما

(5/466)


بعد ستة أشهر فان قلنا القسمة إفراز فعلي كل واحد عند تمام الحول شاة كما لو ميزا في خلطة الجوار وان قلنا بيع فيجب على واحد عند تمام باقي نصف شاة ثم إذا مضي حول من وقت القسمة فعلى كل واحد منهما نصف شاة لما تجدد ملكه عليه وهكذا في كل ستة أشهر كما لو كان بينهما أربعون شاة فاشترى أحدهما نصف الآخر بعد مضي ستة أشهر يجب عليه عند مضي كل ستة أشهر نصف شاة والله تعالي أعلم * قال (الفصل الرابع في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلده أخرى فقولان (أحدهما) ان الخلطة خلطة ملك فكأنه خلط الستين بالعشرين (والثانى)

(5/467)


أنه خلطة عين فلا يتعدى حكمها الي غير المخلوط فان قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وان قلنا بخلطة الملك فعليه ربع شاة وكأنه خلط الستين وأما صاحب الستين فقد قيل يلزمه شاة تغليبا للانفراد وقيل ثلاثة أرباع شاة تغليبا للخطة وقيل خمسة أسداس ونصف سدس جمعا بين الاعتبارين فيقدر في الاربعين كانه منفرد بجميع الستين فيخص الاربعين ثلثا شاة ويقدر في العشرين كانه مخالط بالجميع فيخص العشرين ربع شاة والمجموع ما ذكرناه ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد أربعون ينفرد بها فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد) *

(5/468)


هذا الفصل والذى بعده ذو اغور لالتفاف ما فيهما من الاختلافات فتشمر للفهم * واعلم أنه إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة وماشية منفردة من جنسها كما لو خلط عشرين شاة بعشرين لغيره خلطة جوار أو خلطة شركة وله أربعون منفرد بها فكيف يؤديان الزكاة فيه قولان أصلهما أن الخلطة خلطة ملك أو خلطة عين وفيه قولان (أصحهما) وعليه فرع المختصر وهو اختيار ابن سريج وأبي اسحق والاكثرين أن الخلطة خلطة ملك أي كل ما في ملكه يثبت فيه حكم الخلطة ووجهه ان الخلطة

(5/469)


تجعل مال الاثنين كمال الواحد ومال الواحد يضم بعضه إلى بعض وإن كان في مواضع متفرقة فعلى هذا في الصورة المذكور يجعل كأن صاحب الستين خلط جميع ستينه بعشرين لصاحبه فيلزمهما شاة ثلاثة أرباعها علي صاحب الستين وربعها علي صاحب العشرين (والثاني) أن الخلطة خلطة عين أي يقتصر حكمها علي قدر المخلوط ووجهه ان علة ثبوت الخلطة خفة المؤنة في المرافق لا جتماع الماشية في المكان الواحد وهذا المعني لا يوجد إلا في القدر المختلط واستفيد هذا القول من نصه في رواية الربيع أن الرجل إذا كان له ثمانون من الغنم ببلدين أربعون بكل واحد منهما فباع نصف أحد هما شائعا من رجل فإذا تم حول البائع فعليه شاة وإذا تم حول المشترى فعليه نصف شاة قال أبو بكر

(5/470)


الفارسي: ولولا أنه لم يحكم بالخلطة إلا في القدر المختلط لكان علي صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلي صاحب العشرين ربعها عند تمام حولها وهكذا يكون الجواب إذا فرعنا على أن الخلطة خلطة ملك وإذا قلنا بالقول الثاني ففى الصورة المذكورة اولا يجب على صاحب العشرين نصف شاة بلا خلاف لان جميع ماله خليط عشرين وفي أربعين شاة فحصة العشرين نصفها * وما الذى يجب علي صاحب الستين فيه خمسة أوجه ذكر الثلاثة الاولى منها في الكتاب (أصحها) وهو اختيار الاودنى والقفال أنه يلزمه شاة لانه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فيغلب حكم الانفراد كما لو انفرد بالمال في بعض الحول ثم خلط وإذا غلبنا حكم الانفراد صار كأنه منفرد بجميع الستين وفيها شاة وهذا الوجه هو

(5/471)


الذى نص عليه في المسألة التي حكيناها عن رواية الربيع (والثانى) ذكره ابن أبى هريرة وأبو علي الطبري فيما حكاه صاحب الشامل أنه يلزمه ثلاثة أرباع شاة لان جميع ماله ستون وبعضه مختلط حقيقة فلا بد من اثبت حكم الخلطة فيه وإذا اثبتنا حكم الخلطة فيه وجب اثباته في الباقي لان ملك الواحد لا يتبعض حكمه فيجعل كأنه خلط جميع الستين بالعشرين وواجبها شاة حصة الستين منها ثلاثة ارباع وهذا معنى قوله في الكتاب تغليبا للخلطة وهذا الوجه يشبه القول القديم في تغليب الخلطة إذا انفرد في بعض الحول ثم خلط وهو والاول متفقان علي انه لا يمكن ان يحكم لمالى صاحب الستين بحكمين مختلفين الخلطة والانفراد ثم صاحب الوجه الاول يقول تغليب الانفراد اولي

(5/472)


وصاحب الثاني يقول الخلطة أولي وأما أصحاب الوجوه الآتية فيجوزون الحكم في مالى المالك الواحد بحكمين مختلفين ويحتجون عليه بما لو مالك زرعين سقي أحدهما بالنضح وسقي الثاني بماء السماء فانه يجب في هذا العشر وفي ذاك نصف الشعر ويضم البعض الي البعض في استكمال النصاب (والوجه الثالت) وهو اختيار أبي زيد والخضرى أن عليه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا ببن اعتبار الخلطة والانفرد وذلك لان جميع ماله ستون بعضه مختلط وبعضه منفرد ولابد من ضم أحدهما إلي الآخر وإن حكمنا لهما بحكمين مختلفين فنوجب في الاربعين المنفردة حصتها
من الواجب لو انفرد بالكل وذلك شاة حصة الاربعين منها ثلثا شاة ونوجب في العشرين المختلطة حصتها من الواجب لو خلط الكل وهي ربع شاة لان الكل ثمانون وواجب ثمانين شاة فحصة عشرين منها ربع والثلثان والربع خمسة أسداس ونصف سدس (والوجه الرابع) ويحكى عن ابن سريج واختيار صاحب التقريب ان عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة كما انها واجب خليطه في عشرينه المختلطة فلا يتعدى حكم الخلطة عن الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة فانه حصة الاربعين لو انفرد بجميع ماله (والوجه الخامس) أن عليه شاة ونصف شاة في الاربعين المنفردة ونصف شاة في العشرين المختلطة كما لو كان المالان لمالكين وهذا أضعف الوجوه لان فيه افراد ملك الواحد بعضه عن بعض مع اتحاد الجنس وإيجاب شاة ونصف شاة في الستين ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد منهما أربعون منفرد ببها فقد اجتمع في ملك كل واحد منهما المختلط والمنفرد ففيما يجب عليهما القولان إن قلنا الخلطه خلطة ملك فعليهما شاة على كل واحد نصفها لان جميع المال مائة وعشرون وفيها شاة وإن قلنا الخلطة خلطة عين ففيما علي كل واحد منهما الاوجه الخمسة لكن قد يختلف المقدار في بعض الوجوه (أصحها) أن علي كل واحد منهما شاة تغليبا

(5/473)


للانفراد (وثانيها) أن علي كل واحد ثلاثة أرباع شاة لان كل واحد منهما يملك ستين منها ما هو خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكل فيكون لكل ثمانون حصة ستين منها ثلاثة أرباع هكذا ذكر في التهذيب ولفظ الكتاب يوافقه حيث قال فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد لكن الشيخ ابا علي وإمام الحرمين قالا إذا غلبنا حكم الخلطة يجب على كل واحد منهما في هذه الصورة نصف شاة بخلاف الصورة الاولي وجب فيها على صاحب الستين ثلاثة أرباع لان ثم إذا قدرنا الاختلاط في جميع المالين يكون المبلغ ثمانين والستون ثلاثة أرباعها وههنا إذا غلبنا الخلطة وأثبتناها في الكل يكون المبلغ مائة وعشرين فواجبها شاة حصة كل واحد نصفها ولمن قال بالاول أن يقول انما ثبت حكم المختلط في المنفرد برابطة اتحاد المالك وذلك يقتضى أن يدخل في الحساب علي كل واحد منهما ما ينفد به كل واحد واحد ثم علي ما ذكره الشيخ يكون الواجب عليهما
جميعا شاة واحدة وجملة المال مائة وعشرون والواجب عليهما في الصورة الاولى شاة وربع مع ان جملة المال ثمانون فكيف يزداد المال وينقص الواجب مع وجود الخلطة في الحالتين (وثالثها) أن علي كل واحد منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة والانفراد فيقدر كل واحد منهما منفردا بالستين ولو كان كذلك لكان فيها شاة فحصة الاربعين فيها ثلثا شاة ثم يقدر أنه خلط جميع الستين بالعشرين وذلك ثمانون وفيها شاة فحصة العشرين منها ربع شاة فالجموع خمسة أسداس ونصف سدس هكذا ذكر الشيخ أبو علي والامام وهو الموافق للفظ الكتاب وأورد في التهذيب أن على كل واحد منهما علي هذا الوجه خمسة أسداس شاة بلا زيادة توجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا وذلك مائة وعشرون وواجبها شاة فحصة العشرين سدس شاة ويجب في الاربعين ثلثا شاة كما سبق فالمبلغ خمسة أسداس (وأعلم) ان هذا التوجيه مثل

(5/474)


ما ذكره الشيخ والامام في الوجه الثاني وما ذكرناه في هذا الوجه مثل ما ذكره في التهذيب في الوجه الثاني ولم يستمر واحد من الكلامين علي طريقة متحدة والله أعلم (ورابعها) أن على كل واحد منهما شاة وسدس شاة نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة علي الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة علي ما سبق (وخامسها) أن علي كل واحد منهما شاة ونصف شاة شاة للاربعين المنفردة ونصف شاة للعشرين المختلطة هذا شرح المسألتين المذكورين في الكتاب ثم نعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما قوله) فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلدة أخرى فقد يخطر ببالك في هذا الموضع يحثان (أحدهما) أنه لم قال ببلدة أخرى وما الحكم لو كان بتلك البلدة فاعلم أن ابا نصر صاحب الشامل رحمه الله صرح بنفى الفرق بين أن يكون الاربعون المنفردة في بلد المال المختلطة أو في بلد أخرى ولا شبهة في أن الامر علي ما ذكره وكأن تعرض الاصحاب لكون الاربعين في بلدة اخرى اتباع للفظة الشافعي رضى الله عنه فانه هكذا صور المسألة في المختصر لكن من يورد القولين لا يحسن منه ذكره في صورة المسألة حسنه في المختصر لانه أجاب فيه علي ان الخلطة خلطة ملك فالفرض فيما إذا كان ماله المنفرد في بلدة اخرى يفيد غرض المبالغة لانه إذا
اتحد الحكم وبعض المال في بلدة أخرى فلان يتحد والكل في بلدة واحدة كان اولى (والثانى) ان التصوير فيما إذا اتفق حول صاحب الستين وصاحب العشرين ام فيما إذا اختلف حولاهما أم لا فرق (والجواب) انه لا فرق في اثبات القولين ثم ان اختلف الحولان زاد النظر في التفصيل المذكورة في الفصل قبل هذا وذكر القاضى ابن كج ان الخلاف فيما إذا اختلف حولاهما فاما إذا اتفقا فلا خلاف في ان عليهما شاة ربعها علي صاحب العشرين والباقى علي صاحب الستين وهذا يرخص في اعلام قوله في الكتاب فقولان بالواو والمشهور الاول (وقوله) فان قلنا بخلطة العين الي آخره في نظم الكتاب خلط في تفريع أحد القولين بالآخر ولم ينص علي ما يجب علي صاحب الستين علي قولنا

(5/475)


الخلطة خلطة ملك (وقوله) عقيب التفريع على أهذا القول وأما صاحب الستين يرجع الي اول الكلام وهو التفريع علي خلطة العين فاعرف ذلك وكان الاحسن به ان يقول فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب العشرين ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعليه نصف شاة وأما صاحب الستين إلى آخره حتي لا يدخل الكلام من قول في قول ويجوز ان يعلم قوله يلزمه شاة بالواو وكذا الحكم المذكور في الوجهين بعده اشعارا بأن في المسالة وراء هذه الوجوه خلافا آخر (وقوله) في الصورة الثانية فالاوجه الثلاثة جارية أي علي قول خلطة العين وأما علي قول خلطة الملك فالحكم ما قدمناه ولك أن تعلم قوله جارية بالواو لما حكينا من الاضطراب في الوجه الثاني والثالث والله أعلم * قال (الفصل الخامس في تعدد الخليط فإذا ملك أربعين فخلط عشرين بعشرين لرجل وعشرين بعشرين لآخر فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة فان الكل ثمانون وصاحب العشرين يضم ماله إلى خليطه وهل يضم إلي خليط خليطه وجهان فان ضم فواجبه ربع شاة وإلا فواجبه ثلث شاة لان المجموع ستون وإن قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وفي صاحب الاربعين الاوجه الثلات وهو شاة بتغليب الانفراد أو نصفها بتغليب الاختلاط أو ثلثا شاة للجمع بين الاعتبارين) * كلام هذا الفصل مبنى على قولي خلطة الملك والعين أيضا وخاصيته ان الواحد خالط ببعض
ماله واحد وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطه الآخر وما ترجم الفصل به لا يفصح عن هذه الخاصية لكنها هي المقصودة إذا عرفت ذلك فلقول إذا كان للرجل أربعون من الغنم مخلط عشرين منها بعشرين لرجل لا يملك سواها والعشرين الباقية بعشرين لآخر لا يملك سواها فان قلنا الخلطة خلطة

(5/476)


الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة لانه خليط لهما ومبلغ الاموال ثمانون وواجبها شاة فحصة الاربعين نصفها وأما كل واحد من صاحبي العشرين فما له مضموم إلي جميع مال صاحب الاربعين وهل يضم الي مال الآخر أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم لينضم الكل في حقهما كما انضم في حق صاحب الاربعين (والثاني) لالان كل واحد منهما لم يخالط بماله الآخر أصلا بخلاف صاحب الاربعين فانه خالط كل واحد منهما ببعض ماله فلذلك ضم الكل في حقه وهذا أصح عند الشيخ أبى علي والاول اختيار صاحب التقريب وبه أجاب أصحابنا العراقيون * وان قلنا بالوجه لثاني فعلي كل واحد منهما ثلث شاة لان مبلغ ماله ومال خليطه ستون وواجبها شاة حصة العشرين منها ثلث وإن قلنا بالاول فعلي كل واحد منهما ربع شاة لان المجموع ثمانون حصة العشرين منها ربع وان قلنا الخلطة خلطة عين فعلى كل واحد من صاحبي العشرين نصف شاة لان مبلغ ماله وما خالط ماله اربعون وله نصفها وأما صاحب الاربعين فيجئ فيه الوجوه المذكورة في الفصل الاول في حق صاحب الستين (أحدها) ان عليه شاة تغليبا للانفراد هذا لفظ صاحب الكتاب والائمة ولم يريدوا به حقيقة الانفراد فانه غير منفرد بشئ من ماله لكن قالوا ما لم يخالط به زيدا فهو منفرد عنه ولا فرق بالاضافة إليه بين أن يكون مخلوطا بمال غيره وبين ان لا يكون مخلوطا أصلا وإذا كان كذلك فيعطي لله حكم الانفراد ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالبافي أيضا وكذا بالاضافة الي الخليط الثاني وكأنه لم يخالط أحدا وعلي الوجه الثاني يلزمه نصف شاة تغليبا للخلطة فانه لابد من اثبات حكمها فيما وجدت ولابد من ضم ملكية احد هما الي الآخر للاجتماع في الملك وكل المال ثمانون وكأنه خلط أربعين بأربعين قال في النهاية وهذا الوجه أصح ههنا وعلي الوجه الثالث يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة

(5/477)


والانفراد وذلك بأن نقول لو كان جميع ماله مضموما الي ملك زيد لكان المبلغ ستين وواجبها شاة حصة العشرين منها الثلث وهكذا نفرض في حق الثاني فيجتمع عليه ثلثان وعلي الوجه الرابع وهو أن ثمة يجب شاة وسدس ههنا يجب شاة مثل ما ذكرنا في الوجه الاول لانا نوجب في العشرين المختلطة بمال زيد نصف شاة وكذا في العشرين المختلطة بمال عمرو فيجتمع عليه شاة وهكذا يكون قياس الوجه الخامس ههنا فالحاصل في المسألة ثلاثة أوجه على ماذ كر في الكتاب لا غير * ونختم الباب بذكر صور أخرى مما يتفرع علي القولين (احداها) ملك ستين من الغنم وخالط بكل عشرين منها عشرين لرجل فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الستين نصف شاة وفي أصحاب العشرينات وجهان ان ضممنا مال بعضهم الي بعض كما نضم مال صاحب الستين إلى مال كل واحد منهم فعلي كل واحد منهم سدس شاة والا فعليه ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من أصحاب العشرينات نصف شاة وفي صاحب الستين الوجوه: علي الاول يلزمه شاة وعلى (الثاني) نصف شاة وعلى (الثالث) ثلاثة أرباع شاة لان كل ماله لو كان مع زيد كان المبلغ ثمانين حصة العشرين المخلطة منها ربع وهكذا يقدر بالاضافة الي عمرو وبكر فيجتمع ثلاثة أرباع وعلي (الرابع) شاة ونصف في كل عشرين نصف شاة كما يجب ذلك علي كل خليط (الثانية) ملك خمسا وعشرين من الابل فخالط بكل خمس منها خمسا لرجل إن قنلا بخلطة الملك فعلي صاحب الخمس والعشرين نصف حقة لان الكل خمسون وفيما علي كل واحد من خلطائه وجهان (أحدهما) عشر حقة (والثانى) سدس بنت مخاض كأنه خلط خمسا بخمس وعشرين لا غير: وإن قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطائه شاة وفي صاحب الخمس والعشرين الوجوه المتقدم: على الاول عليه بنت مخاض وعلى الثاني

(5/478)


نصف حقة وعلي الثالث خمسة أسداس بنت مخاض لان جميع ماله لو كان مختلطا بالخمس التى هي لزيد مثلا كان المبلغ ثلاثين وفيها بنت مخاض حصة الخمس سدسها وهكذا نقدر في حق سائر الخلطاء فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع خمس شياه في كل خمس شاة كما في حق خلطائه (الثالثة) له عشر من الابل خلط خمسا منها بخمس عشرة لرجل وخمسا بخمس عشرة لآخر إن قلنا بخلطة
الملك فعلى صاحب العشر ربع بنتت لبون لان الكل أربعون وفيما علي صاحبيه وجهان إن ضممنا مال (أحدهما) مع مال صاحب العشر إلي الآخر فعلي كل واحد ثلاثة اثمان بنت لبون لان خمسة عشر ثلاثة أثمان أربعين وان لم نضمه الا الي مال صاحب العشرة فعلي كل واحد ثلاثة اخماس بنت مخاض لان الكل خمس وعشرون وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من الخليطين ثلاث شياه لانه خالط خمس عشرة بخمس وحكم الخلطة لا يتعدى المخلوط علي هذا القول: وفيما يلزم صاحب الشعر الوجوه: علي الاول يلزمه شاتان كأنه منفرد بالعشر وعلي الثاني ربع بنت لبون كأنه خلط عشرا بثرثين وعلى الثلث خمسا بنت مخاض إذ لو خلط كل العشر بمال زيد لكان فيها بنت مخاض وخصة الخمس خمس بنت مخاض وهكذا نقدر في حق الآخر فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع

(5/479)


يلزمه شاتان كما ذكرنا في الوجه الاول كما لو كانت الخمستان لشخصين فتعود الاوجه الي ثلاثة في هذه الصورة وهذه الصورة من مولدات ابن الحداد وجوابه فيها أن علي صاحب العشر ربع بنت لبون وعلى كل واحد من خليطيه ثلث شياه وغلطه أبو زيد والخضرى وغير هما فقالوا ايجاب ربع بنت اللبون علي صاحب الشعر جواب علي قول خلطة الملك وايجاب الشياه عليهما جواب علي قول خلطة العين ولا يصح أن يفرع الجواب في حق البعض علي قول وفي حق البعض علي قول آخر وصوبه القفال وقال كلاهما صحيح تفريعا على قول خلطة العين أما ايجاب الشاة علهيا فظاهر وأما ايجاب ربع بنت اللبون فهو جرى منه علي الوجه الثاني من الوجوه المذكورة على هذا القول وعليه بنى مسائل في المولدات ولعل تغليط الشيخين أبي زيد والخضرى مبنى على أنهما يذهبان إلى الوجه الثالث كما سبق وتابع الشيخ أبو علي القفال في التصويب (الرابعة) ان أردت أن تفرع صورة على هذه الاختلافات من عند نفسك فقدر أن لك عشرين من الابل خلطت كل خمس منها بخمس وأربعين لرجل واعرف أنا ان قلنا بخلطة الملك فعليك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمسى حقة على الصحيح وذلك لانها قد قدمنا أن الابل إذا بلغت مائتين فالصحيح أن واجبها الاغبط من خمس بنات لبون أو أربع حقاق وجملة أموال خلطائك مع مالك

(5/480)


مائتبن فان كان الاغبط خمس بنات لبون فحصة عشرين منها نصف بنت لبون وان كان الاغبط أربع حقاق فحصة العشرين مها خمسا حقة وفيما يجب على خلطائك وجهان ان ضممنا مالك الي مال كل واحد منهم مع ضم مال بعضهم الي بعض فعلي كل واحد منهم تسعة اثمان بنت لبون وهى بنت لبون وثمن أو تسعة اعشار حقة وان لم يضم مال كل واحد منهم الا مالك فعلى كل واحد منهم تسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة لان جملة المال خمس وستون وواجبها جذعة فحصة خمس وأربعين منها ما ذكرنا: وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطاءك تسعة أعشار حقة لان المبلغ خمسون وفيما يلزمك الوجوه: على الاول يلزمك أربع شياه كأنك منفرد بالعشرين وعلي الثاني يلزمك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمس حقة كأنك خلطت العشرين بمائة وثمانين وعلى الثالث يلزمك أربعة اجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة إذ لو خلطت جميع مالك إلى مال زيد من خلطائك لبلغ المجموع خمسا وستين وفيها جذعة حصة خمس منها جزء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة وهكذا نقدر في حق الثلاثة الباقين فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع يلزمك أربع شياه كما في الوجه الاول كما لو كانت كل خمس لرجل وهذه المسائل كلها مفروضة فيما إذا اتفقت اوائل الاحوال فان اختلفت انضم الي هذه الاختلافات ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول (مثاله) في الصورة الاخيرة لو اختلف حول خلطائك وحولك فتزكى وهم في السنة الاولي زكاة الانفراد وهى الشياه كل عند تمام حوله وفي سائر السنين كل يؤدى زكاة الخلطة هذا هو الصحيح وفي القديم الواجب في السنة الاولى أيضا زكاة الخلطة وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج لا تثبت الخلطة أصلا *

(5/481)


(فرع) لو خلط خمس عشرة من الغنم بخمس عشرة لغيره ولاحدهما خمسون ينفرد بها فان قلنا الخلطة خلطة عين فلا شئ علي صاحب الخمس عشرة لان المبلغ ناقص عن النصاب وعلي الآخر زكاة خمس وستين وهى شاة وهو كمن خالط ذميا أو مكاتبا حكمه حكم المنفرد وإن قلنا الخلطة خلطة ملك ففيه وجهان (أحدهما) أنه لاحكم لهذه الخلطة أيضا لان المختلط يجب أن يكون نصابا ليثبت حكم الخلطة فيه ثم يستتبع غيره (والثاني) وهو الاصح يثبت حكم الخلطة ويجعل كأن الخمسين
مضمومة الي الثلاثين المختلطة والمجموع ثمانون وواجبها شاة فيجب على صاحب الخمس والستين ستة أثمان شاة ونصف ثمن وعلي الآخر ثمن ونصف ولا يخفى نظائره علي الموفق * قال (الشرط الثالث في الحول فلا زكاة في النعم حتي يحول عليها الحول الا السخال الحاصلة في وسط الحول من نفس النصاب الذى انعقد الحول عليه فان الزكاة تجب فيها بحول الامهات مهما أسيمت في بقية السنة فلو ماتت الامهات وهي نصاب لم تقطع التبعية (ح و) ولو ملك مائة وعشرين فنتجت في آخر الحول سخلة وجبت شاتان لحدوثها في وسط الحول) * ذكر في أول كتاب الزكاة للمال لواجب فيه ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثاني) كونه نصابا وقد تم الكلام فيهما (والثالث الحول) فيشترط في وجوب الزكاة في النعم حولان الحول عملا باطلاق ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ويستثنى عنه النتاج

(5/482)


فيضم الي الامهات في الحول لما روينا من قبل عن عمر رضى الله عنه ان قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة وعن علي رضى الله عنه أنه قال اعتد عليهم بالكبار والصغار وإنما يضم بثلاثة شروط (أحدها) أن يحدث قبل تمام الحول سواء كثر الباقي من الحول أو قل فاما إذا حدث بعد تمام الحول فينظر ان حدث بعد امكان الاداء فلا تضم إلى الامهات في الحول الاول لاستقرار واجبه ولكن يضم إليها في الحول الثاني إن كان قبل إمكان الاداء فطريقان (أحدهما) وبه قال القاضي أبو حامد أنه يبني علي القولين وسنذكرهما في أن الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان ان قلنا شرط الوجوب فتضم الي الامهات كالنتاج قبل الحول وإن قلنا شرط الضمان فلا (واحتج) للاول بان عمر رضى الله عنه قال: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يديه ومعلوم أنه لا يروح بها إلا وقد ولدت في ذلك اليوم ولا تعد المواشي إلا بعد الحول وذكر في البيان أن من الاصحاب من يجعل المسألة على قولين غير مبنيين علي شرط (وأظهرهما) وهو المذكور في الوسيط أنه لا يضم أصلا لان الحول الثاني ناجز فالضم إليه أولى من الضم إلى المنقضى (والشرط الثاني) أن يحدث من نفس ماله اما المستفاد بالشراء أو الارث أو الهبة فلا يضم إلى ما عنده في الحول وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ولمالك أيضا فيما رواه القاضي ابن كج وغيره
لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس في مال المستفيد زكاة حتي يحول عليه الحول) وأيضا

(5/483)


فانه مستفاد هو أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فينفرد بالحول كالمستفاد من غير الجنس وأيضا فان أبا حنيفة رحمه الله سلم أنه لو كان له دراهم فاخرج زكاتها ثم اشتري بها ماشية لا تضم إلي ما عنده في الحول فنقيس غيره عليه ثم عندنا المستفادات وإن لم تضم ألي ما عنده في الحول تضم إليه في النصاب علي ظاهر المذهب وبيانه بصور (احداها) ملك ثلاثين من البقر ستة أشهر ثم اشترى عشرة أخرى فعليه عند تمام حول الاصل تبيع ثم إذا تم حول العشرة فعليه ربع مسنة فإذا حال حول ثان علي الاصل فعليه ثلاثة أرباع مسنة فإذا حال حول ثان علي العشرة فعليه ربع مسنة وهكذا أبدا وهذا كما ذكرنا في طرو الخلطة على الانفراد يجب في السنة الاولى زكاة الانفراد وبعدها زكاة الخلطة: وعن ابن سريج أن المستفاد لا يضم إلى الاصل في النصاب كما لا يضم إليه في الحول فعلى هذا لا ينعقد الحول علي العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف الحول على الكل (الثانية) ملك عشرين من الابل ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام حول العشرين أربع شياه وعند تمام حول العشرة ثلث بنت مخاض لانها خالطت العشرين في جميع حولها وواجب الثلاثين بنت مخاض حصة العشرة ثلثها فإذا حال حول ثان علي العشرين فعليه ثلثا بنت مخاض وإذا حال حول ثان علي

(5/484)


العشرة فعليه ثلث بنت مخاض وهكذا يزكي أبدا: وعلي ما حكى عن ابن سريج عليه أربع شياه عند تمام الحول علي العشرين وشاتان عند تمام الحول على العشرة ولا نقول ههنا بعدم انعقاد الحول على العشرة حتى يستفتح حول العشرين لان العشرة من الابل نصاب بخلاف العشرة من البقر في الصورة الاولي ولو كانت المسألة بحالها واشترى خمسا فإذا تم حول العشرين فعليه أربع شياه وإذا تم حول الخمس فعليه خمس بنت مخاض وإذا تم الحول الثاني علي الاصل فعليه أربعة أخماس بنت مخاض وعلى هذا القياس وعلي ما حكي عن ابن سريج في العشرين أربع شياه أبدا عند تمام حولها وفي الخمس شاة أبدا ورأيت في بعض الشروح حكاية وجه آخر أن الخمسة لا تجرى في الحول
حتى يتم حول الاصل ثم ينعقد الحول علي جميع المال وهذا يطرد في العشرة في الصورة السابقة بلا شك (الثالثة) ملك أربعين من الغنم غرة المحرم ثم اشترى أربعين غرة صفر ثم أربعين غرة شهر ربيع الاول فقد ذكرناها وما يناظرها في الفصل الثالث من الخلطة قال الصيدلانى وغيره وجميع ذلك إذا قلنا الزكاة في الذمة وأداها من غير المال فان قلنا انها تتعلق بالعين أو قلنا هي في الذمة أداها من المال فينقص الواجب من المستفاد بالقسط وكذلك في الاصل عند تمام الحول الثاني (والشرط الثالث)

(5/485)


أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الامهات نصابا فلو ملك عددا من الماشية ثم توالدت فبلغ النتاج مع الاصل نصابا فالحول يبتدئ من وقت كمال النصاب خلافا لمالك حيث اعتبر الحول من حين ملك الاصول وبه قال احمد في إحدى الروايتين والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا مطلق الخبر (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ولانها زيادة بها تم النصاب فيبتدئ الحول من وقت التمام كالمستفاد بالشراء وإذا اجتمعت الشرائط الثلاث ثم ماتت الامهات جميعها أو بعضها والفروع نصاب لم ينقطع حول الامهات بل تجب الزكاة فيها عند تمام حول الامهات لان الولد إذا اتبع الام في الحكم لم ينقطع الحكم بموت الام كالاضحية وغيرها هذا ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران (أحدهما) ويشهر بالانماطى أنه يشترط بقاء نصاب من الامهات فلو نقصت عن النصاب انقطعت

(5/486)


التبعية وكان حول الفروع من يوم حصلت لانها خرجت عن أن تجب فيها الزكاة ولو انفردث فلا تستتبع غيرها (والثانى) نقله القاضي ابن كج عن رواية أبى حامد أنه لا يشترط بقاء نصاب منها ولكن لابد من بقاء شئ منها ولو واحدة وبه قال أبو حنيفة وقد سبق ذلك في فصل صفات النقصان وقد ذكرنا مذهب مالك واحمد ايضا ثم * وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب (فقوله) إلا في السخالي ليس الحكم مقصورا علي السخالى بل العجول والفصلان في معناها (وقوله) في وسط الحول إشارة إلى شرط الاول ويجوز أن يعلم بالميم لان القاضى ابن كج حكي عن مالك أنها تضم الي الامهات وان توالدت بعد الحول ولو حصلت بعد الحول وقبل المكان وجعلناها مضمومة إلى الامهات كما سبق فلا يكون الحصول في وسط
الحول شرطا فيجوز اعلامه بالواو أيضا لذلك (وقوله) من نفس النصاب فيه اشارة الي الشرطين الآخرين (وقوله) الذى انعقد عليه الحول جار مجرى التأكيد والايضاح (وقوله) مهما أسيمت في بقية السنة كالمستغنى عنه في هذا المقام لانه ليس فيه الا تعرض لشرط السوم ونحن إذا تكلمنا في شرط لا نحتاج الي التعرض لسائر الشروط في أثنائه (وقوله) لم تنقطع التبعية معلم بالحاء والالف والواو لما قدمناه (وقوله) في آخر الفصل لحدوثها في وسط الحول كذا هو في بعض النسخ باللام وفي بعضها كحدوثها بالكاف (والاول) أقرب الي سياق كلامه في الوسيط فانه ذكر هذه المسألة بعد ذكر

(5/487)


ما لو ملك تسعا وثلاثين فحدثت سخلة يستفتح الحول من حينئذ وبين تغايرهما بان هناك لم يكن الاصل نصابا ولم ينعقد الحول عليه وههنا ما سبق جار في الحول هذا لفظه: وهو معنى قوله ههنا لحدوثها في وسط الحول أي في أثناء الحول المنعقد علي الاصل وان قرب من الانقضاء ومن قرأ كحدوثها في وسط الحول لا يمكنه حمل وسط الحول علي ما هو المراد منه عند قوله الا في السخال الحاصلة في وسطه فان المراد ثم ما قبل التمام ولا شك أن المراد من آخر الحول ههنا حالة القرب من التمام وهى قبل التمام فلا يغاير حتى يشبه أحدهما بالآخر فلعله يحمل الوسط على حقيقة المشهورة وليس ذلك بالجيد واعلم أن فائدة الضم انما تظهر إذا بلغت الماشية بالنتاج نصابا ثانيا كما لو ملك مائة شاة فحدثت احدى وعشرون سخلة فاما إذا لم يحدث الا عشرون فلا تظهر فائدته والاعتبار بالانفصال فلو خرج

(5/488)


بعض السخلة وتم الحول قبل انفصالها فلا حكم لها ولفظ الحصول في قوله الحاصلة في وسط الحول قد يوهم خلافه فلا يغلط وإذا اختلف الساعي والمالك فقال المالك حصل هذا النتاج بعد الحول وقال الساعي بل قبله أو قال المالك حصل بسبب مستقل وقال الساعي بل من نفس النصاب فالقول قول المالك فان اتهمه الساعي حلفه * قال (الشرط الرابع أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكاة العينية فان زال بالابدال بمثله ولو في آخر السنة انقطع الحول فلو عاد بفسخ أو برد بعيب استؤنف الحول ولم يبن وكذلك إذا انقطع
ملكه بالردة ثم أسلم وكذا لا يبني إذا مات حول وارثه علي حوله ومن قصد ببيع ماله في آخر الحول دفع الزكاة صح بيعه (م) واثم) * قد سبق أن الزكاة ضربان زكاة تتعلق بالقيمة وهي زكاة التجارة فلا يقدح فيها ابدال عين بعين وزكاة تتعلق بالعين والاعيان التى تجب فيها الزكاة ويشترط في وجوبها الحول لو زال الملك عنها في خلاله انقطع الحول سواء بادل بجنسه كالابل بالابل أو بغير جنسه كالابل بالبقر وإذا تباد لا بكل واحد منهما يستأنف الحول وكذا الحول الحكم في النقدين إذا بادل الذهب بالذهب أو بالورق ولم يكن صيرفيا يقصد به التجارة وان كان صيرفيا اتخذ التصرف في النقدين منجرا ففيه وجهان في رواية ابن كج والحناطي وصاحب المهذب وغيرهم وقولان في رواية الشيخ أبى محمد وصاحب التهذيب وآخرين (أحدهما) لا ينقطع الحول كما في العروض لو بادل بعضها ببعض علي قصد التجارة (وأصحهما) وهو الجديد علي رواية القولين أنه ينقطع لان التجارة فيها ضعيفة نادرة والزكاة الواجبة فيها زكاة عين والي هذا ذهب ابن سريج ويحكي عنه أنه قال: بشروا الصيارفة بأن لا زكاة عليهم وبنى الصيدلانى وطائفة المسألة علي أصل وهو أن زكاة التجارة وزكاة العين إذا اجتمعتا في مال أيتهما تقدم وفيه خلاف مذكور في الكتاب في موضعه أو غلبنا زكاة التجارة لم ينقطع الحول وان غلبنا زكاة العين فحينئذ فيه وجهان وجه عدم الانقطاع ان دوام الملك حولا شرط في زكاة العين وقد فقد فيصار الي زكاة التجارة كما لو لم يبلغ ماله نصاب زكاة العين وبلغت قيمته نصاب زكاة التجارة تجب زكاة التجارة وازالة الملك عن بعض المال وو الباقي دون النصاب كازالته عن جميع النصاب هذا

(5/489)


تفصيل مذهبنا وساعدنا أبو حنيفة في المواشى وقال في مبادلة النقد بالنقد ان الحول لا ينقطع سواء بادل الجنس بالجنس أو بغير الجنس وقال في مبادلة بعض النصاب بالجنس لا ينقطع الحول سواء فيه المواشي وغيرها بناء علي أصلين احدهما أن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع الحول عنده والثاني أن المستفاد بالشراء ونحوه يضم الي الاصل في الحول فقال مالك إذا بادل نصابا بجنسه بنى علي الحول سواء فيه المواشي وغيرها وفي مبادلة الحيوان بالنقد وعكسه ينقطع وفي مبادلة جنس من الحيوان بجنس آخر عنه روايتان وقال احمد في مبادلة النقد بالنقد بقول أبى حنيفة رحمه الله وفي مبادلة الجنس
بالجنس من المواشي بقول مالك وفي مبادلة الجنس بغير الجنس من المواشي قال ينقطع * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ولانه أصل تجب الزكاة في عينه فلا ينبني حوله على حول غيره كالجنسين وكل ما ذكرنا في المبادلة الصحيحة اما الفاسدة فلا تقطع الحول لانها لا تزيل الملك خلافا لابي حنيفة فيما إذا اتصل القبض بها * ثم لو كانت سائمة وعلفها المشترى فقد قال في التهذيب هو كعلف الغاصب لقطع الحول وفيه وجهان وقال القاضى ابن كج عندي تسقط الزكاة وينقطع الحول لانه مأذون من جهة المالك في التصرف فاشبه علفه علف الوكيل بخلاف الغاصب.
ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشترى فهو كما لو أسامها الغاصب وسيأتى ذلك * إذا عرفت هذا الاصل فيتعلق به مسائل (احداها) لو باع المال الزكوى أو بادله قبل تمام الحول ثم وجد المشترى به عيبا قديما نظر ان لم يمض عليه حول من يوم الشراء فله الرد بالعيب والمردود عليه يستأنف الحول سواء رده بعد القبض أو قبله وقال أبو حنيفة رحمه الله: ان رده قبل القبض أو بعده لكن بقضاء القاضى يبني علي الحول الاول وان رده بعد القبض بالرضا يستأنف.
وان مضي عليه حول من يوم الشراء ووجب عليه الزكاة فينظر ان لم يخرج الزكاة بعد فليس له الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة لان للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشترى فلا يتقاعد وجوب الزكاة فيه عن عيب حادث ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلي أن يؤدى الزكاة لانه غير متمكن من الرد قبله وإنما يبطل الحق بالتأخير مع التمكن ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة وبين الماشية التى تجب زكاتها من جنسها وبين الابل التي تجب فيها الغنم وبين سائر الاموال.
وفي كلام ابن الحداد

(5/490)


تجويز الرد قبل إخراج الزكاة ولم يثبتوه وجها وان أخرج الزكاة نظر إن أخرجها من مال آخر فينبني جواز الرد علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو تجب في الذمة وفيه خلاف يأتي من بعد إن قلنا تجب في الذمة والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشترى ثم انفك ووجد به عيبا وان قلنا يتعلق بالعين تعلق الارش بالعبد الجاني فكذلك الجواب وان قلنا المسكين شريك فهل له الرد حكي الشيخ أبو على فيه طريقين (أحدهما) ان فيه وجهين كما لو اشترى شيئا وباعه وهو غير عالم بعيبه
ثم اشتراه أو ورثه هل يرد فيه خلاف وهذا ما ذكره العراقيون والصيدلاني وغيرهم (والثانى) القطع بأن له الرد إذ ليس للمسكين شركة محققة في هذا المال ألا ترى أن له أن يودى الزكاة من مال آخر بخلاف ما لو باعه فانه زال الملك لا محالة ولانه بالبيع قد استدرك الظلامة التي لحقته بالشراء من حيث انه روج كما روج عليه وباخراج الزكاة لم يستدرك الظلامة قال الشيخ هذا الطريق علي الصحيح وبه أجاب كثير من أئمتنا ولم يذكروا سواه ورأيت للقاضي ابن كج رواية وجه غريب انه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا لان ما أداه عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب وامام الحرمين أشار إلى هذا الوجه لكن خصه بقدر الزكاة وقال فيما وراءه قولا تفريق الصفقة وان أخرج الزكاة من عين المال فان كان الواجب من جنس المال أو كان من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة فهل له رد الباقي فيه قولان (أحدهما) وهو المنصوص عليه في الزكاة انه ليس له ذلك وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلي هذا هل يرجع بالارش منهم من قال لا يرجع ان كان المخرج باقيا في يد المساكين فانه ربما يعود إلي ملكه فيتمكن من أداء الجميع فان كان تالفا رجع ومنهم من قال يرجع مطلقا وهو ظاهر نصه لان نقصانه عنده كعيب حادث ولو حدث عيب وامتنع الرد يرجع بالارش ولا ينتظر زوال العيب الحادث (والقول الثاني) انه يرد الباقي بحصته من الثمن وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة وسيأتي القولان في موضعهما إن شاء الله تعالي وفيه قول ثالث أنه يرد الباقي وقيمة المخرج في الزكاة ويسترد جميع الثمن ليحصل غرض الرد ولا تتبعض الصفقة ولو اختلفا في قيمة المخرج علي هذا القول فقال البائع ديناران وقال المشترى بل دينار فالقول قول من: فيه قولان

(5/491)


(أحدهما) قول البائع لان الاصل استمرار ملكه في الثمن فلا يسترد منه الا بما يقر به (والثاني) قول المشترى لانه غارم لما أخرجه (المسألة الثانية) حكم الاقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرنا ولو باع المال الزكوى في خلال الحول بشرط الخيار وفسخ البيع فان قلنا الملك في زمان الخيار للبائع أو هو موقوف بنى علي حوله ولم يستأنف وان قلنا انه للمشترى فالبائع يستأنف بعد الفسخ (الثالثة) لو ارتد في خلال الحول هل ينقطع الحول يبني علي الخلاف في ملك المرتد ان قلنا يزول بالردة ينقطع فان
عاد الي الاسلام استأنف وإن قلنا لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه وان قلنا انه موقوف فان هلك علي الردة تبين الانقطاع من وقت الردة وان عاد الي الاسلام تبين استمرار الملك ووجوب الزكاة علي المرتد في الاحوال الماضية في الرد ينبنى على هذا الخلاف أيضا وسنذكره في الركن الثالث ان شاء الله تعالي (الرابعة) لو مات في أثناء الحول وانتقل مال الزكاة الي الوارث هل يبنى علي حول المورث فيه قولان (القديم) نعم لانه خليفته في حقوق الملك ألا ترى انه يقوم مقامه في حق الخيار والرد بالعيب (والجديد) وهو المذكور في الكتاب انه لا يبني بل يبتدئ الحول من يوم ملكه كما لو ملك بالشراء وغيره وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن أبا اسحق قطع به وامتنع من اثبات قول آخر فحصل في المسألة طريقان وحيث قلنا لا يبنى فلو كان مال تجارة لا ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة ولو كانت سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتي تم الحول فهل تجب الزكاة أم يبتدئ الحول من يوم علم: فيه خلاف مبنى علي أن قصد السوم هل يعتبر وسيأتى ذلك (الخامسة) لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في خلاله بين أن يكون محتاجا إليه وبين أن لا يكون بل قصد الفرار من الزكاة الا انه يكره الفرار وعن مالك وأحمد إذا قصد الفرار من الزكاة أخذت منه الزكاة وهل ذلك لامتناع صحة البيع أم كيف الحال قال في الوسيط عند

(5/492)


مالك لا يصح البيع وأشار المسعودي الي انه إذا عاد الي ملكه يبنى ولا يستأنف ونقل الماضي ابن كج انه إذا باع وقد قرب الحول فرارا من الزكاة أخذت منه الزكاة وهذا يوهم الاكتفاء بما مضى من الحول والله أعلم * ونرجع الآن إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكوات العينية فلا شك ان المراد منه عدم الزوال مدة هذا الحول لا على الاطلاق واحترز بالزكاة العينية عن زكاة التجارة فان التبادل فيها لا يقدح علي ما قدمنا ولمستدرك أن يقول الكلام الآن في زكاة النعم والشروط المذكورة تنصرف من حيث النظم والترتيب إليها فلا حاجة إلي الاحتراز عن زكاة التجارة وهو غير متناول بالكلام.
واعلم أن السابق إلي الفهم من حولان الحول هو مضي المدة المعلومة في ملكه بصفة التوالي لكن لا يمكن أن يكون مراد صاحب الكتاب من
شرط الحول هذا لانه لو أراده لارتفع الفرق بين الشرط الثالث والرابع وعاد إلى شئ واحد بل المراد من شرط الحول في إيراده مجرد مضي المدة في ملكه من غير اعتبار صفة التوالى (وقوله) فان زال بالابدال بمثله لا فرق عندنا بين أن يبدله بالمثل أو بغير المثل وإنما خص الكلام بالابدال بالمثل لانه محل النظر والخلاف على ما تقدم واعلم لذلك قوله انقطع الحول بالحاء والميم والالف (وقوله) ولو عاد بفسخ أورد بعيب الرد بالعيب هو: ضرب من الفسخ أيضا لكن كأنه أراد بالفسخ ما ثبت لا بسبب العيب كالفسخ بشرط الخيار وخيار الروية إن اثبتناه والمقابلة إذا جعلناها فسخا وهو الصحيح (وقوله) وكذا إذا انقطع ملكه بالردة أي إذا قلنا إن الردة نزيل الملك فإذا أسلم استأنف الحول علي ما بينا وقد وسم قوله وكذا إذا انقطع بالواو لا للخلاف في أن الردة هل تزيل الملك أم لا فان في نفس اللفظ أشعارا به لكن لانه ذكر في الوسيط أن القول القديم في أن الوارث يبني علي حول المورث طرد في أن المرتد بعد الاسلام يبني وان حكمنا بانقطاع ملكه بالردة وحكى الحناطي أيضا وجها علي هذا القول أنه لا يستأنف (وقوله) من قصد بيع ماله فيه إضمار أي قصد فرارا من الزكاة واعلم قوله صح بيعه بالميم لما ذكرنا عن مالك في بعض الروايات (وقوله) وأثم حكم بالتحريم وقد حكاه امام الحرمين عن بعض المصنفين وتردد فيه من جهة أنه تصرف مسوغ

(5/493)


ولو أثمناه لكان ذلك بمجرد القصد والموجود في لفظ الشافعي رضي الله عنه وجمهور الاصحاب انما هو الكراهية والله أعلم * قال (الشرط الخامس السوم فلا زكاة فيما علف في معظم السنة وفيما دونه أربعة أوجه (أفقهها) أن المسقط قدر يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة وقيل لا يسقط الا العلف في معظم السنة وقيل القدر الذى كانت الشاة تموت لولاه يسقط حتي لو أسامها نهارا وعلفها ليلا لم يسقط وقيل ما يتمول من العلف يسقط) * لا تجب الزكاة في النعم الا بشرط السوم خلافا لمالك واحتج الشافعي رضى الله عنه بمفهوم ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في سائمة الغنم زكاة) وعن أنس (أن أبا بكر رضي الله عنهما
كتب له فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى رسوله بها وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة إذا عرف ذلك فالسائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة والمعلوفة في جميع الحول أو اكثره لا زكاة فيها وان اسيمت في بعض الحول وعلفت في بعضه وهو دون المعظم فقد حكي في الكتاب فيه أربعة أوجه (أفقهها) عنده أنه أن علفت قدرا يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة فلا زكاة وان استحقر بالاضافة إليه وجبت الزكاة كما لو اسيمت في جميع الحول وفسر رفق السائمة بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها ويجوز أن يقال: المراد منه رفق اسامتها فان في الرعى تخفيفا عظيما فان كان قدر العلف حقيرا بالاضافة لايه فلا عبرة به والي هذا الوجه يميل كلام القاضي ابن كج وفيما علق عن الشيخ ابي محمد أن أبا اسحاق رجع إليه بعد ما كان يعتبر الاغلب (والثانى) أن

(5/494)


ذلك لا أثر له وانما ينقطع الحول وتسقط الزكاة بالعلف في اكثر السنة وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لانه إذا كانت الاسامة اكثر تخف المؤنة ويحكي هذا عن ابن ابي هريرة تخريجا من احد القولين في السقى بماء السماء والنضح أنه يعتبر الاغلب منهما وعلي هذا الوجه لو استويا قال في النهاية فيه تردد والاظهر السقوط (والوجه الثالث) أنه ان علف قدرا كانت الماشية تعيش لولاه لم يؤثر وان علف قدرا كانت تموت لو لم نزع ولا علفت في تلك المدة انقطع الحول وسقطت الزكاة لظهور المؤنة وهذا هو الذى ذكره الصيدلاني وصاحب المهذب وكثير من الائمة وقد قيل ان الماشية تصبر عن العلف اليوم واليومين ولا تصبر ثلاثة فصاعدا قال في النهاية ولا يبعد أن يلحق الضرر البين بالهلاك على هذه الطريقة (والوجه الرابع) أن ما يتمول من العلف وان قل يبطل حكم السوم فلو أسيمت بعد ذلك استؤنف الحول لان رفق السوم لم يتكامل * فان قلت هذه الوجوه مخصوصة بما إذا لم يقصد بالعلف قطع السوم وان قصده ينقطع الحول لا محالة أو هي مخصوصة بما إذا قصده وإن لم يقصد لم يؤثر لا محالة أو هي شاملة للحالتين: فاعلم أن في كلام الناقلين لبسا في ذلك ولعل الاقرب تخصيص الخلاف بما إذا لم يقصد شيئا أما إذا علف علي قصد قطع السوم ينقطع الحول لا محالة كذا أورد صاحب العدة وغيره ولا أثر لمجرد نية العلف ولو علفها قدرا يسيرا لا يتمول فلا أثر له أيضا
واليه أشار بقوله في الكتاب في الوجه الرابع وقيل كل ما يتمول من العلف يسقط ويجوز أن يعلم من لفظ الكتاب ما سوى الوجه الثاني بالالف والحاء لما ذكرنا أن مذهبهما الثاني ولا يخفى أن المراد من قوله ولا زكاة فيما علف في معظم السنة ما إذا تمحض العلف إذ لو كانت تسام نهارا وتعلف ليلا في جميع السنة كان موضع الخلاف علي ما سبق * (فرع) لو كانت ماشيته سائمة لكنها تعمل كالنواضح ونحوها فهل تجب الزكاة فيها فيه وجهان حكاهما أبو القاسم الكرخي وآخرون (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو ما أورده معظم العراقيين لانها لا تقتنى للنماء وإنما تقتنى للاستعمال فلا تجب الزكاة فيها كثياب البدن ومتاع الدار

(5/495)


وروى أنه صلي لله عليه وسلم قال (ليس في البقر العوامل صدقة) (والثاني) نعم لحصول الرفق بالاسامة وزيادة فائدة الاستعمال وفي لفظ المختصر ما يمكن الاحتجاج به لهذا الوجه وهو الذى ذكره الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر وغيره * قال (ولو اعتلفت الشاة بنفسها أو علفها المالك لامتناع السوم بالبلح علي أن يردها الي الاسامة أو علفها الغاصب ففى سقوط الزكاة وجهان يعبر عنهما بأن القصد هل يعتبر وكذا الخلاف في قصد السوم فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي المغصوب منه الوجهان) * الاصل في هذه المسائل انه اختلف الوجه في أن القصد في العلف والسوم هل يعتبر فمن الاصحاب من قال لا يعتبر اما في العلف فلانه يفوت شرط السوم سواء كان عن قصد أو لم يكن (واما) في السوم (فلانه) يحصل به الرفق وتخف المؤنة وان لم يكن عن قصد ومنهم من قال يعتبر (اما) في العلف (فلانه) إذا لم يقصده يدام حكم السوم رعاية لجانب المحتاجين (واما) في السوم) فلانه) إذا لم يلتزم وجوب الزكاة في هذا المال وجب ان لا يلزم ويتفرع علي هذا الاصل صور منها لو اعتلفت سائمة بنفسها القدر المؤثر من العلف هل ينقطع الحول فيه وجهان

(5/496)


والموافق لاختيار الاكثرين في نظائرها انه ينقطع لفوات شرط السوم فصار كفوات سائر شروط الزكاة لا فرق فيه بين ان يكون عن قصد أو اتفاقا ولو رتعت الماشية بنفسها ففي وجوب الزكاة وجهان ايضا وفي كلام اصحابنا العراقيين طريقة أخرى قاطعة بعدم الوجوب ههنا (ومنها) لو علف المالك ماشيته لامتناع السوم بالبلح وهو علي عزم ردها إلى الاسامة عند الامكان ففيه الوجهان (أظهرهما) انقطاع الحول لفوات الشرط (والثاني) لا كما لو لبس ثوب تجارة لا بنية القنية لا تسقط الزكاة.
وأعلم أن العلف في هذه الصور جرى بقصد المالك واختياره لكن لما كانت الضرورة داعية إليه وكان ملجأ إليه الحقت الصورة بما إذا جرى العلف من غير قصده وطرد الخلاف فيها (ومنها) لو غصب سائمة وعلفها فيخرج اولا على انه لو لم يعلفها هل كان تجب الزكاة فيها أم لا تجب لكونها مغصوبة وفيه خلاف يأتي في الفصل التالي لهذا الفصل فان قلنا لا زكاة في المغصوب فلا شئ فيها وان قنلا تجب الزكاة في المغصوب فههنا وجهان (أحدهما) تجب لان فعل الغاصب عديم الاثر في تغيير حكم الزكاة الا يرى أنه لو غصب ذهبا وصاغه حليا لا تسقط الزكاة (والثانى) لا تجب لفوات شرط السوم كما لو ذبح الغاصب بعض الماشية وانتقص النصاب وهذا أصح عند الاكثرين وفصل الشيخ أبو محمد فقال ان علفها بعلف من عنده فالاظهر أن حكم السوم لا ينقطع لانه لا يلحق مؤنه بالمالك ولو كان الامر بالعكس فغصب معلوفة وأسامها ان قلنا لا زكاة في المغصوب فذاك وان قلنا تجب فوجهان (احدهما) تجب لخصول الرفق وخفة المؤنة وصار كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر فيما ينبت منها (وأظهرهما) لا تجب لان المالك لم يقصد الاسامة وشبهوا ذلك بما إذا رتعت الماشية بنفسها لكن الخلاف يجرى فيه على أحد الطريقين كما سبق وإذا أوجبنا الزكباة فقد حكي في التهذيب وجهين في انها تجب علي الغاصب لانها مؤنة لزمت بفعله أو علي المالك لان نفع خفة المؤنة عائد إليه ثم حكي علي هذا وجهين آخرين في انه إذا أخرج المالك بزكاة هل يرجع بها علي الغاصب وقوله في الكتاب فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي الغاصب على الغاصب وجهان أراد به ان اوجبناها علي المالك وجه عدم الرجوع أن سبب الزكاة ملك

(5/497)


المال ووجه الرجوع وهو الاظهر أنه لولا فعل الغاصب لما وجبت الزكاة وقطع صاحب التتمة بالرجوع ورد الخلاف الي أنه هل يؤمر الغاصب بالاخراج أم يخرج المالك ثم يغرم له الغاصب وذكر في النهاية وجهين في أنا إذا أثبتنا الرجوع للمالك هل يرجع قبل إخراج الزكاة أم يخرج ثم يرجع.
واعلم أن الجارى على قياس المذهب لمن أوجب الزكاة ههنا أن يوجبها علي المالك ثم يغرم له الغاصب (أما) ايجاب الزكاة علي غير المالك فبعيد وان كنا نوجب عليه ابتداء فيجب أن نوجب أيضا وإن قلنا لا تجب الزكاة في المغصوب * قال (الشرط السادس كمال الملك وأسباب الضعف ثلاثة (الاول) امتناع التصرف فإذا تم الحول على مبيع قبل القبض أو مرهون أو مغصوب أو ضال أو مجحود ولا بينة عليه أو دين علي معسر ففى جميع ذلك خلاف لحصول الملك وامتناع التصرف وفي المغصوب قول ثالث أنه إن عاد بجميع فوائده زكاه لاحواله الماضية وإن لم تعد الفوائد فلا والتعجيل قبل عود المال غير واجب قطعا والدين المؤجل قيل انه يلحق بالمغصوب وقيل كالغائب الذى يسهل احضاره فان اوجبنا لم يجب التعجيل في أصح الوجهين لان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئه فيودى إلى الاجحاف به) * انما جعل أسباب الضعف ثلاثة لان المالك اما أن لا يكون مستقرا هو السبب الثالث أو يكون مستقرا فاما ان يتسلط الغير علي إزالته وهو السبب الثاني اولا يتسلط فاما تمتنع فيه التصرفات بكمالها وهو السبب الاول أو لا تمتنع فلا ضعف ومما يجب معرفته أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه فان في مسائله كلها اختلاف قول أو وجه على ما سيأتي * إذا تقرر ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) ما لو ضل ماله أو غصب أو سرق وتعذر انتزاعه أو اودعه عند انسان فجحده أو وقع في بحر فهل تجب فيه الزكاة قال في باب صدقة الغنم: ولو ضلت عنمه أو غصبها أحوالا ثم وجدها زكاها لاحوالها وقال في باب الدين مع الصدة: ولو جحد ماله أو غصبه أو غرق فاقام زمانا ثم قدر عليه فلا يجوز فيه الا واحد من قولين أن لا يكون عليه زكاة حتى يحول الحول عليه من يوم قبضه لانه مغلوب عليه أو يكون عليه الزكاة لان ملكه لم يزل عنه واختلف الاصحاب على ثلاث طرق (أصحهما)

(5/498)


أن المسألة علي قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا زكاة في هذه الاموال لتعطل نماءها وفائدتها عليه بسبب خروجها من يده وامتناع التصرف فيها فاشبهت مال المكاتب لا تجب الزكاة فيها على السيد (وأصحهما) الوجوب لملك النصاب وحولان الحول وعبر أصحابنا العراقيون وغيرهم عن هذا القول بالجديد وعن الاول بالقديم وعن احمد روايتان كالقولين (أصحهما) الوجوب * وقال مالك: تجب فيها زكاة الحول الاول دون سائر الاحوال (والطريق الثاني) أنه تجب الزكاة فيها قولا واحدا ومن قال بهذا يحمل ما ذكره من الترديد علي الرد على مالك فقال: أراد الشافعي رضي الله عنه أن لا يتوجه الا وجوب زكاة جميع الاحوال كما قلت لاستمرار الملك أو نفيها علي الاطلاق كما قال أبو حنيفة (أما) الفصل بين السنة الاولي وغيرها فلا سبيل إليه والثالث حكي القاضى ابن كج عن ابن خيران أن المسألة علي حالين حيث قال: يزكيها لاحوالها أراد إذا عادت إليه بنماءها وحيث قال لا تجب أراد إذا عادت إليه من غير نماءها فان قلنا بالطريقة الاولى فهل القولان مطلقان أم لا فيه طريقان احدهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق لا بل موضع القولين ما إذا عادت إليه من غير نماءها فان عادت إليه بنماءها وجبت الزكاة قطعا لان الموثر علي قول إنما هو فوات النماء عليه وذكر امام الحرمين شيئين على هذه الطريقة ينبغي أن يحاط بهما (أحدهما) أنه إن عاد المال إليه مع بعض الفوائد دون بعض كان كما لو لم يعد شئ من الفوائد إليه (والثانى) أن المعنى بفوات الفوائد أن يهلكها الغاصب أو تضيع لزوال نظر المالك ويتعذر تغريم الغاصب (فأما) إذا فات شئ في يد الغاصب كان يفوت في يد المالك أيضا (فلا) مبالاة ولو غرم الغاصب كان كما لو عادت الفوائد بأعيانها ويتخرج علي هذه الطريقة قول من قال: ان كان المال المغصوب الدراهم والدنانير ففى وجوب الزكاة قولان وان كان المواشي فتجب الزكاة بلا خلاف لان الدراهم لا تعود بربحها فان ما حصل من الربح يكون للغاصب والمواشى تعود بفوائدها اما بعينها أو بقيمتها حتى لو غصبها أهل الحرب وأتلفوا الدر والنسل جرى فبها القولان هذا أحد الطريقين (وأصحهما) وبه قال أبو على بن ابي هريرة والطبري طرد القولين في الحالتين لان المؤثر علي أحد القولين فوات

(5/499)


اليد والتصرف دون فوات النماء ألا ترى ان الذكور التى لا تنمو تجب فيها الزكاة وجميع ما ذكرناه فيما إذا عاد المال إليه إليه ولا شك في أنه لا يجب اخراج الزكاة قبل عود المال الي يده.
ولو تلف بعد مضي أحوال في الحيلولة سقطت الزكاة علي قول الوجوب لانه لم يتمكن من المال وتلف المال بعد الوجوب وقبل التمكن يسقط الزكاة ثم اعرف في المسألة أمرين آخرين (احد هما) ان موضع الخلاف في الماشية المغصوبة ما إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب جميعا فان كانت معلوفة في يد احدهما عاد النظر في أن علف الغاصب واسامته هل يؤثر ان (والثاني) ان زكاة الاحوال الماضية انما تجب علي أحد القولين إذا لم تنقص الماشية عن النصاب باخراج زكاة بعض الاحوال أما إذا كانت نصابا بلا مزيد ومضي عليه أحوال فالحكم علي هذا القول كما لو كانت في يده ومضى أحوال ولم يخرج الزكاة وسنذكره ان شاء الله تعالي جده ولو كانت له اربعون من الغنم فضلت منها واحدة ثم وجدها ان قلنا لا زكاة في الضالة استأنف الحول سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده وان قلنا تجب الزكاة فيها فان وجدها قبل تمام الحول بنى وان وجدها بعده اخرج الزكاة عن الا ربعين ولو دفن ماله في موضع ونسيه ثم تذكره فهذا ضرب من الضلال وفيه ما ذكرنا من الخلاف ولا فرق بين ان يكون الدفن في داره أو في غيرها وقطع بعض المثبتين للقولين في سائر صور الضلال بالوجوب ههنا لانه غير معذور بالنسيان وعند ابي حنيفة رحمه الله ان دفنه في حرزه ففيه الزكاة والا فلا ولو أسر المالك وحيل بينه وبين ماله ففيه طريقان منهم من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالوجوب وهو الاصح لان تصرفه نافذ فيه بالبيع وغيره بخلاف ما لو غصب ماله أو ضل.
واعلم ان الائمة ذكروا ان مذهب مالك في الفصل بين الحول الاول وما بعده علي ما سبق مبني علي اصل له وهو ان الامكان من شرائط وجوب الزكاة ولا يبتدئ الحول الثاني الا من يوم الامكان ويوم الامكان ههنا هو يوم الوجدان فمنه يفتتح الحول الثاني ولا يخرج لما مضي الا زكاة حول وهذا الذى ذكروا يقتضى أن يكون للشافعي رضي الله عنه قول مثل مذهبه لان له قولا كمذهبه في أن لامكان من شرائط الوجوب والله أعلم (المسألة الثانية) لو اشترى من الاموال الزكوية نصابا ولم يقبضه حتي مضى حول

(5/500)


في يد البائع هل تجب الزكاة على المشترى فيه طرق (أحدها) حكي في النهاية عن بعض المصنفين عن القفال أنها لا تجب قولا واحدا بخلاف المغصوب لان ملك المشترى ضعيف فيه الا ترى أنه لا ينفذ تصرفه وإن رضي البائع ولو تلف تلف علي ملك البائع (وثانيها) أنه على القولين في المغصوب (وأصحهما) وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة فيها قولا واحدا بخلاف المغصوب فانه يتعذر الوصول إليه وانتزاعه وههنا يمكنه تسليم الثمن وتسلم المبيع (الثالثة) لو رهن ما شيته أو غيرها من اموال الزكاة فقد حكى الامام والمصنف في الوسيط في وجوب الزكاة فيها عند تمام الحول وجهين لامتناع التصرف وعلي ذلك جرى ههنا فا ثبت الخلاف في المرهون كما في المغصوب والمجحود ونحوهما وقطع الجمهور بوجوب الزكاة فيه وقالوا لا اعتبار بامتناع التصرف فيه كما في الصبى والمجنون ولهم أن يفرقوا بين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المرهون وبين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المغصوب بأن ما حصل في ما حصل في المرهون حصل برهنه واقباضه وهو بما فعل منتفع بملكه ضربا من الانتفاع بخلاف المغصوب والمجحود نعم يجئ في وجوب الزكاة في المرهون الخلاف بجهة أخرى وهى أن الرهن لابد وان يكون بدين فيأتى فيه الخلاف الذى سنذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة ام لا والذى قاله الجمهور جواب علي القول المشهور وهو انه لا يمنع ثم إذا حكمنا بوجوب الزكاة فيبقى الكلام في انها تؤخذ من عين المرهون أو غيره وقد ذكر في الكتاب قبيل النوع الثاني من الزكاة فنشرحه إذا انتهينا إليه (الرابعة) الدين الثابت علي الغير إما ان لا يكون لا زما كمال الكتابة فلا زكاة فيه لان الملك غير تام فيه وللعبد اسقاطه متى شاء وان كان لازما فينظر ان كان ماشية فلا زكاة فيها ايضا وذكروا له معنيين (احد هما) ان السوم شرط لزكاة المواشى وما في الذمة لا يتصف بالسوم وذلك ان تقول لم لا يجوز ان تكون الماشية الثابتة في الذمة موصوفة بوصف كونها سائمة الا ترى انا نقول ذا اسلم في اللحم يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة فإذا جاز ان يثبت في الذمة لحم راعية جاز ان يثبت في الذمة راعية (واصحهما) ان الزكاة انما تجب في المال النامى والماشية في الذمة لا تنموا بخلاف الدراهم إذا ثبتت في الذمة فان سبب الزكاة فيها رواجها وكونها معدة للتصرف ولا فرق

(5/501)


فيه بين ان يكون نقدا أو على مليئ وان كان الدين عروض تجارة أو دراهم أو دنانير ففيه قولان قال في القديم فيما رواه الزعفراني لا زكاة في الدين بحال لانه لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب (والجديد) الصحيح انها تجب في الدين في الجملة وتفصيله انه ان كان يتعذر الاستيفاء لكون من عليه معسرا أو لكونه جاحدا ولا بينة عليه أو ماطله فهو كالمغصوب ففى وجوب الزكاة فيه القولان ولا يجب الاخراج قبل حصوله قطعا وفرق في العدة بين الجحود والاعسار فجعل وجوب الزكاة في الصورتين علي القولين وبين المطل فقطع بوجوب الزكاة فيه وكذا فيما إذا كان دينه علي مليئ غائب وإن لم يتعذر استيفاؤه بأن كان علي مليئ مقر باذل فينظر ان كان حالا وجبت الزكاة فيه ويلزم إخراجها في الحال خلافا لا بى حنيفة وأحمد رحمهما الله حيث قالا لا يؤمر باخراجها الا بعد القبض لنا انه مال مقدور عليه فأشبه ما لو كان مودعا عند انسان وان كان مؤجلا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انها تجب فيه الزكاة قولا واحدا كالمال الغائب الذى يسهل احضاره (والثانى) انه لا زكاة فيه قولا واحدا ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة لان من له دين مؤجل لا يملك شيئا قبل حلول الاجل (والثالث) وبه قال أبو إسحق أنه علي القولين في المغصوب والمجحود لانه لا يتوصل إلى التصرف فيه قبل الحلول وهذا أظهر عند الائمة وإذا قلنا تجب فيه الزكاة فهل يلزم اخراجها في الحال فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائب الذى يسهل احضاره (وأصحهما) لا حتى يقبضه لانه لو أخرج خمسة نقدا مثلا وماله مؤجل كان بمثابة اخراج ستة وهو اجحاف به فان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئة ولا سبيل الي القناعة بما دون الخمسة (الخامسة) المال الغائب إذا لم يكن مقدورا عليه لا نقطاع الطريق أو انقطاع خبره فهو كالغصوب والمجحود وذكر في التهذيب وجها آخر انه يجب الزكاة فيه لا محالة نعم لا يخرج في الحال حتى يصل إليه وان كان مقدورا عليه معلوم السلامة وجب اخراج زكاته في الحال وينبغي أن يخرج في بلد المال فان أخرج في غير ذلك البلد ففيه خلاف نقل الصدقة وهذا إذا كان المال مستقرا في بلد فان كان سائرا فقد قال في العدة لا يخرج زكاته حتي يصل إليه فإذا وصل زكاه لما مضي بلا خلاف ثم أعود بعد هذا الي ما يتعلق بألفاظ الكتاب

(5/502)


(قوله) أو مجحود لا بينه عليه يتناول العين بجحدها من أودع عنده والدين جميعا وانما قل لا بينة عليه لانه لو كان له بينة عاد له فالحكم كما لو لم يكن جاحدا لانه يقدر على الاثبات والاستيفاء ولو كان القاضي عالما بالحال وقلنا انه يقضى بعلمه فهو كما لو كانت له بينة (وقوله) ففى جميع ذلك خلاف أراد بالخلاف الذى أبهمه وجهين في الرهون على ما صرح به في الوسيط وقولين في سائر المسائل جوابا علي طريقة اثبات القولين فيهما ألا تراه يقول بعد ذلك وفي المغصوب قول ثالث ولك ان تعلم قوله ففى جميع ذلك خلاف بالواو اشاره الي الطرق القاطعة بالنفى أو الاثبات (وقوله) وفي المغصوب قول ثالث اشارة الي طريق من خص القولين بما إذا عاد المال إليه بفوائده وإذا ضم ذلك الي قول من طرد القولين خرجت ثلاثة اقوال كما ذكره وربما اوهم قوله وفي المغصوب قول ثلث تخصيص هذا القول بالمغصوب من بين سائر الصور وليس كذلك بل هو جار في الضال والمجحود ايضا (وقوله) ايضا قبل ذلك لحصول؟ الملك وامتناع التصرف اشارة الي توجيه القولين فحصول الملك وجه الوجوب وامتناع التصرف وجه المنع (وقوله) وان لم تعد الفوائد فلا غير مجرى على ظاهره بل المعنى لا بأعيانها ولا بابدالها على ما سبق بيانه (وقوله) والتعجيل قبل عود المال وقوله بعده لم يجب التعجيل ليس المراد من التعجيل ههنا معناه المشهور في الزكاة وهو التقديم على الحول وانما المراد التقديم علي اخذ المال وقد جرى ذلك في لفظ الشافعي رضى الله عنه (وقوله) والدين المؤجل أي علي الموسر المقر (وقوله) قيل انه كالمغصوب ليس للتسوية على الاطلاق فان القول الثلث في المغصوب لا يأتي ههنا وانما الغرض منه التسوية في القولين الا ولين وكذا (قوله) وقيل كالغائب الذي يسهل احضاره ليس مجريا علي اطلاقه لان الغائب الذى يسهل احضاره يجب اخراج زكاته في الحال وفي الدين لا يجب في اظهر الوجهين بل المراد التسوية في وجوب الزكاة قولا واحدا ثم يجوز أعلام كلاميهما بالواو وللوجه المعزى الي ابن أبى هريرة * قال (السبب الثاني تسلط الغير على ملكه كالملك في زمن الخيار والمالك في اللقطة في السنة الثانية إذا لم يتملكها الملتقط هل تجب الزكاة فيها فيه خلاف) *

(5/503)


في الفصل مسألتان (أحدهما) إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار فتم الحول في مدة الخيار أو اصطحبابه مدة فتم الحول في خيار المجلس فوجوب الزكاة ينبنى علي الخلاف في أن الملك في زمان الخيار لمن يكون: إن قلنا أنه للبائع فعليه الزكاة وبهذا القول أجاب الشافعي رضى الله عنه في هذه المسألة التى نحن فيها وإن قلنا انه للمشترى فلا زكاة علي البائع لانقطاع حوله بزوال ملكه والمشترى يبتدئ الحول من يوم الشراء فإذا تم الحول من يومئذ وجبت الزكاة عليه وان قلنا انه موقوف فان تم العقد تبين الملك للمشترى وان فسخ تبينا انه كان للبائع وحكم الحالتين ما ذكرنا هذا ما ذكره الجمهور من أئمتنا رضي الله عنهم ولم يتعرضوا لخلاف بعد البناء على الاصل المذكور قال امام الحرمين: الا صاحب التقريب فانه قال وجوب الزكاة علي المشترى مخرج علي القولين في المغصوب وبل أولى لعدم استقرار الملك مع ضعف التصرف وعلي هذا جري المصنف فاثبت الخلاف في الملك في زمان الخيار قال امام الحرمين وانما خرجه صاحب التقريب علي القولين إذا كان الخيار للبائع أو لهما فأما إذا كان الخيار للمشترى وحده والتفريع علي أن الملك له مملكه ملك الزكاة بلا خلاف لان الملك ثابت والتصرف نافذ وتمكنه من رد الملك لا يوجب توهينا وعلي قياس هذه الطريقة يجرى الخلاف في جانب البائع أيضا إذا فرعنا علي أن الملك له وكان الخيار للمشترى فانه لو أجاز لزال ملك البائع فهو ملك بتسلط الغير علي ازالته (الثانية) اللقطة في السنة الاولى باقية على ملك المالك فلا زكاة فيها على الملتقط وفي وجوبها علي المالك الخلاف المذكور في المغصوب والضال ثم ان لم يعرفها حولا فهكذا الحكم في سائر السنين وان عرفها فيبنى حكم الزكاة على أن الملك في اللقطة يحصل بنفس مضى سنة التعريف أو باختيار التملك أو بالتصرف وفيه اختلاف يأتي في موضعه ان شاء الله تعالى جده فان قلنا يملك بانقضائها فلا زكاة على المالك وفي وجوبها على الملتقط وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وبناهما على ان المالك لو علم بالحال والعين باقية هل يتمكن من الاسترداد ولا ان قلنا نعم فهو ملك يتسلط الغير علي ازالته وان قلنا يملك باختيار التملك وعليه بنى المسالة في الكتاب حيث قال: إذا لم يتملكها

(5/504)


الملتقط وهو المذهب فينظر ان لم يتملكها فهى باقية على ملك المالك وفي وجوب الزكاة عليه طريقان (احدهما) ان فيه قولين كما في السنة الاولى قال في الشامل وغيره وهو الاصح (والثاني) القطع بنفى الزكاة فيها وينقل ذلك عن حكاية ابى اسحاق والفرق ان ملك المالك في المغصوب ونظائره مستقر غير معرض للزوال وملكه في اللقطة بعد سنة التعريف تعرض للازالة وان تملكها الملتقط فليس علي صاحبها زكاتها وهو يستحق القيمة على التملك لكنها في حقه ملك ضال في وجوب زكاتها الخلاف من وجهين (احدهما) انه دين (والثاني) انه غير مقدور عليه فهو كالاعيان التى لا يقدر عليها ثم الملتقط مديون بالقيمة فان لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي نذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة وان ملك ما بقى بالقيمة ففي الوجوب وجهان مبنيان على ما سبق (اظهرهما) واشهرهما الوجوب وان قلنا ان الملك فيها يحصل بالتصرف ولم يتصرف فالحكم كما إذا لم يتملك وقلنا لا بد منه (واعلم) ان الملتقط لورد اللقطة بعد ظهور المالك تعين عليه القبول وفي تمكن المالك من استردادها قهرا وجهان وهذا يوجب ان تكون القيمة الواجبة بعرض السقوط و (حينئذ) لا يبعد التردد في امتناع الزكاة فان قلنا الدين لا يمنع الزكاة كالتردد في وجوب الزكاة على الملتقط مع الحكم بثبوت الملك له لكونه يعرض للزوال وذا عرفت المسالتين لم يخف عليك أن المراد من الخلاف الذى أبهم ذكره طريقان (أظهرهما) في كلام الاصحاب في المسالة الاولي القطع بالوجوب (والثانى) اثبات القولين (واظهرهما) في الثانية اثبات القولين (والثاني) القطع بالمنع (وقوله) إذا لم يتملكها الملتقط أي بعد التعريف سنة فان التسلط حينئذ يثبت قال (وإذا استقرض المفلس مائتي درهم ففى زكاته قولان وجه المنع ضعف الملك لتسلط مستحق الدين عليه وقد يعلل بادئه الي تثنية الزكاة إذ يجب على المستحق باعتبار يساره بهذا المال وعلي هذا إن كان المستحق بحيث لا تلزمه الزكاة لكونه مكاتبا أو ذميا أو لكون الدين حيوانا أو ناقصا عن النصاب وجبت الزكاة علي المستقرض فان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره لم يمتنع (ز ح م) وجوب الزكاة بالدين وقيل أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إلا في الاحوال الباطنة (ح)) * الدين هل يمنع الزكاة اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه قال في أكثر الكتب الجديدة
لا يمنع وهو المذهب لاطلاق النصوص الواردة في باب الزكاة وأيضا فانه مالك النصاب وتصرفه نافذ فيه وايضا فان الزكاة إما أن تتعلق بالذمة أو بعين المال ان كان الاول فالذمة لا تضيق عن

(5/505)


ثبوت الحقوق وإن كان الثاني فالدين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق المتعلق بالعين الا ترى أن عبد المديون لو جني تعلق ارش الجناية برقبته وقال في القديم وفي اختلاف العراقيين من الجديد أنه يمنع لان الزكاة حق يجب في الذمة بوجود مال فمنع الدين وجوبه كالحج وأيضا فلما سيأتي في التفريع ومن الاصحاب من حكى قولا ثالثا وهو أن الدين يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وهى الذهب والفضة وعروض التجارة ولا يمنعها في الاموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن والفرق أن الاموال الظاهرة تنمو بنفسها أو هي نماء في نفسها والاموال الباطنة ليست كذلك وانما الحقت بالناميات للاستغناء عنها واستعدادها للاسترباح بالتصرف والاخراج والدين يمنع من ذلك ويحوج ألي صرفها إلى قضائه وبهذا القول الثالث قال مالك رضي الله عنه وبالقول الثاني قال أبو حنيفة رضي الله عنه إلا أنه لا يمنع العسر عنده وعندنا لا فرق وعند احمد رحمه الله يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وفي الظاهرة روايتان * (التفريع) إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلو أحاطت بالرجل ديون وحجر عليه القاضي فله ثلاث أحوال (إحداها) أن يحجر ويفرق ماله بين الغرماء فههنا قد زال ملكه ولا زكاة عليه (والثانية) أن يعين لكل واحدد منهم شيئا من ماله علي ما يقتضيه التقسيط ومكنهم من أخذه فحال الحول ولم يأخذوه وقال معظم الاصحاب لا زكاة عليه أيضا لانه ضعف ملكه وصاروا هم أحق به ولم يحكوا فيه خلافا وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الاصحاب أن وجوب الزكاة يرج على الخلاف في المجحود والمغصوب لانه حيل بينه وبين ماله وعن القفال انه يخرج علي الخلاف في اللقطة في السنة الثانية لانهم تسلطوا علي إزالة ملكه تسلط الملتقط بخلاف المجحود والمغصوب ولك أن تقول ميل الاكثرين في صورة اللقطة إلى وجوب الزكاة وههنا نفوا الوجوب والصورتان يشتر كان في المعنى فهل من فارق (والجواب) انه يجوز أن يقال تسلط الغرماء أقوى من تسلط الملتقط لانهم اصحاب حق على المالك ولان تسلطهم يستند إلي تسليط الحاكم بخلاف
تسلط الملتقط وأيضا فالملك الذى يتسلطون علي ازالة ملك المالك باثباته أقوى الا ترى أن للمالك استرداد اللقطة بعد تملك المتلتقط على أحد الوجهين وههنا بخلافه (واعلم) أن الشافعي رضى الله عنه قال في المختصر ولو قضى عليه بالدين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة لانه صار لهم دونه قبل الحول فمن الاصحاب من حمله على الحالة الاولي ومنهم من حمله على الثانية (والثالثة) أن لا يفرق ماله ولا يعنى لكل واحد من الغرماء شيئا ويحول

(5/506)


الحول في دوام الحجر ففى وجوب الزكاة ثلاثة طرق (أصحها) تخريجه علي الخلاف في المغصوب والمجحود لان الحجر مانع من التصرف (والثانى) القطع بالوجوب وبه قال صاحب الافصاح لان الملك حاصل والحجر لا يؤثر كحجر السفيه (والثالث) ويحكى عن أبى اسحق القطع بالوجوب في الموضي لان الحجر لا يؤثر في نمائها وتخريج الذهب والفضة علي الخلاف في المغصوب لامتناع التصرف وتوقف النماء فيها علي التصرف وان قلنا الدين يمنع الزكاة فقد ذكر الائمة في توجيهه أولا شيئين واختلفوا في ان العلة منها ماذا (أحدهما) أن ملك المديون ضعيف لان مستحق الدين بسبيل من أخذه إذا لم يوفر دينه (والثاني) أن مستحق الدين يلزمه الزكاة علي ما سبق فلو ألزمنا المديون الزكاة ايضا لصار المال الواحد سببا الزكاتين علي شخصين وهو ممتنع ويتفرع علي هذا الاختلاف صور (أحداها) لو كان مستحق الدين لا تلزمه الزكاة لكونه ذميا أو مكاتبا فان قلنا بالمعنى الثاني وجب علي المديون لانه لا يلزمه التثنية ههنا وان قنلا بالمعنى الاول لم يجب لان ضعف الملك لا يختلف (الثانية) لو كان الدين حيوانا كماذا ملك أربعين من سائمة الغنم وعليه اربعون من الغنم دينا عن سلم فان قلنا بالمعنى الاول لم تجب الزكاة وان قلنا بالثاني تجب إذ لا تثنية فانه لا زكاة في الحيوان في الذمة كما مر في الفصل قبل هذا وعلى هذا يخرج ايضا ما لو أنبتت أرضه نصبا من الحنطة وعليه مثله عن سلم (والثالثة) لو ملك نصابا والدين الذى عليه ناقص عن النصاب كما لو ملك مائتي درهم وعليه مائة دينار ان قلنا بالمعني الاول فلا زكاة لتطرق النقصان إلى بعض المال ونقصان النصاب بسببه وان قلنا بالمعنى الثاني تجب لانه لا زكاة علي المستحق باعتبار هذا المال كذا أطلقوه والمراد
ما إذا لم يملك سواه من دين أو عين والا فلو ملك ما يتم به النصاب فعليه زكاة باعتبار هذا المال ولو ملك بقدر الدين ما لا زكاة فيه من العقار وغيره وجبت الزكاة في النصاب الزكوى علي هذا القول ايضا خلافا لا بي حنيفة رحمه الله وحكى الشيخ أبو حامد وجها مثل مذهبه مبنيا علي لزوم التثنية ووجه الوجوب مراعاة الحظ والنفع للمساكين ولو زاد ماله الزكوى علي الدين نظر ان كان الفاضل نصابا وجبت الزكاة فيه وفي قدر الدين القولان وان كان دون النصاب لم يجب علي هذا القول لا في القدر المقابل للدين ولا في الفاضل * (فرع) منقول عن الام.
ملك أربعين من الغنم فاستأجر راعيا يرعاها بشاة وحال الحول علهيا نظر إن استأجر بشاة معينة من الاربعين فكانت مختلطة بباقى الشياه فعليها شاة علي الراعي

(5/507)


جزء من أربعين منها والباقى علي المستأجر وإن كانت منفردة فلا زكاة علي واحد منهما وان استاجره بشاة موصوفة في الذمة فان كان للمستأجر مال آخر يفى بها وجبت الزكاة في الاربعين وإلا فعلي القولين في أن الدين هل يمنع الزكاة (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (فقوله) وإذا استقرض المفلس مائتي درهم أشار بلفظ المفلس إلي أنه لا يملك شيئا سوى ما استقرضه ففى هذه الصورة يظهر القولان وفى معناها ما إذا كان الدين ينقص النصاب وإن لم يستغرقه فاما إذا ملك ما يفى به مما لا زكاة فيهمع النصاب أو ملك فوق قدر الدين فقد ذكرناه ثم ان أجدت النظر في لفظ الكتاب بحثت عن شيئين (أحد هما) أنه صور في الاستقراض ولا مدخل للاجل فيه فهل له اثر أم لا فرق بين الدين الحال والمؤجل (والثاني) أنه صور فيما إذا كان من جنس ما على فهل يختص القولان به أم لا وان لم يخص فما الحكم عند اختلاف الجنس (والجواب) أما الاول فلا فرق بين الدين الحال والمؤجل هكذا اورد صاحب التهذيب وغيره (واما الثاني) فان قنلا الدين لا يمنع الزكاة عند اتحاد الجنس فعند الاختلاف اولي وان قلنا يمنع فقد اشار امام الحرمين إلى تردد عند اختلاف الجنس وقال الاصح المنع في هذه الصورة والاشبه بسياق كلامه انه اراد منع التأثير لكن الاصح في التهذيب انه يمنع الزكاة تفريعا علي هذا القول كا لو اتحد الجنس ويجوز ان يخرج هذا التردد علي ما سبق
من التعليلين ان عللنا بالضعف فهو موجود وان عللنا بالتثنية فههنا لا تلزم التثنية في مال واحد (وقوله) وجه المنع ضعف الملك الي ان قال وقد يعلل اداءه الي تثنية الزكاة.
فيه اشارة الي ترجيح العلة الاولي حيث وجه المنع بها ثم حكي العلة الثانية حكاية والامر علي ما شار إليه نقلا ومعنى اما النقل فلان الاكثرين اجابوا في الصور المفرعة على التعليلين بما يقتضيه الاول وأما المعنى فمن وجهين (احدهما) انا لا نسلم لزوم التثنية في المال الواحد وهذا لان المستحق للمقترض هذا المال والمستحق للمقترض مطلق المال لا هذا المال فليس وجوب الزكاة عليه باعتبار هذا المال حتي تلزم التثنية (والثاني) هب انه تلزم التثنية في المال الواحد لكن التثنية كما تندفع بأن لا تجب الزكاة علي المديون تندفع بأن لا تجب على الدائن فلم يتعين الاول فان رجح جانب المديون بضعف ملكه عاد الكلام الي العلة الاولي وان رجح بأن ماله مستغرق بحاجة مهمة وهى قضاء الدين فهذا كاف في التوجيه ولا حاجة إلى توسط واسطة التثينة (وقلوه) أو يكون الدين حيوانا فيه استدراك لفظي من جهة أنه لم يذكر في أصل المسألة عبارة تشمل الحيوان وغيره حتى يخرج على التعليلين ما إذا كان الدين حيوانا وإنما تكلم في استقراض مائتي

(5/508)


درهم والمديون بالدراهم لا يكون دينه حيوانا إلا ان اعتمد فهم المعنى والمقصود (وقوله) وان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره ولم يمتنع معلم بالحاء والواو لما قدمنا وأشار بلفظ العقار إلي أنه ملك ما لا غير زكوى ولك ان تبحث عن قوله وغيره فتقول المراد مطلق غير العقار أم غير العقار الذى ليس بزكوى فان كان الثاني فما الحكم لو كان عليه دين وله مالان زكويان (والجواب) أن المراد الغير الذى ليس بزكوى (أما) إذا ملك ما لين زكويين كنصاب من الغنم ونصاب من النقد وعليه دين نظر ان لم يكن الدين من جنس ما يملكه فقد قال في التهذيب يقض عليهما فان خص كل واحد منهما ما ينقص به النصاب فلا زكاة على القول الذى عليه تفرع وذكر أبو القاسم الكرخي وصاحب الشامل أنه يراعى الاحظ للمساكين كما أنه لو ملك مالا آخر غير زكوى صرفنا لا ادين إليه رعاية لحقهم.
ويحكي عن ابن سريح ما يوافق هذ وإن كان الدين من جنس أحد المالين فان قلنا الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحد هما وإن قلنا لا يؤثر من غير الجنس اختص بالجنس (وقوله) وقيل الدين لا يمنع الزكاة اشارة
إلي القول الثالث في أصل المسالة على ما صرح به في الوسيط ويأتى فيه مثل استدراكه الذى على القولين الاولين والله أعلم * قال (ولو قال لله علي أن أتصدق بهذا النصاب فهذا أولي بأن يمنع الزكاة لتعلقه بعين المال ولو قال جعلت هذه الاغنام ضحايا فلا يبقى لايجاب الزكاة وجه متجه وإن تم الحول عليه.
ولو قال لله علي التصدق بأريعين من الغنم فهذا دين لله فهو مرتب على دين الآدميين وأولي بأن لا يدفع الزكاة ودين الحج كدين النذر) * إذا قلنا الدين يمنع الزكاة فلا فرق عندنا بين دين الآدميين ودين الله تعالي وعند أبى حنيفة رحمه الله دين الآدميين يمنع وكذا الزكاة تمنع الزكاة والكفارات لا تمنع.
إذا عرفت ذلك ففى الفصل صور (إحداها) لو ملك نصابا من المواشي أو غيرها فقال لله علي أن أتصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى الحول قبل التصدق هل تجب زكاته إن قلنا الدين يمنع وجوب الزكاة فههنا أولي بن لا تجب الزكاة لتعلق النذر بعين المال وصيرورته واجب التصرف الي ما نذر قبل وقت وجوب الزكاة وإن قلنا الدين لا يمنع وجوب الزكاة فههنا وجهان (أحدهما) أنه كالدين لانه في ملكه الي أن يتصدق (والثاني) يمنع لتعلقه بعين المال وامتناع التصرف فيه ويخرج مما حكيناه طريقان في هذه الصورة (أحدهما) القطع بالمنع (والثانى) التخريج علي الخلاف السابق والي هذا الترتيب أشار في الكتاب

(5/509)


بقوله فهذا أولى بأن يمنع الزكاة (الثانية) لو قال جعلت هذا المال صدقة أو هذه الاغنام ضحايا فقد طرد في النهاية أصل التردد فيها وقال الظاهر أنه لا زكاة لان ما جعل صدقة لا يبقي فيه حقيقة ملك بخلاف الصورة الاولى فانه لم يتصدق وانما التزم أن يتصدق ولفظ الكتاب يشعر أيضا ببقاء الخلاف ههنا فانه لم يجزم بامتناع الوجوب ولا نفى الخلاف وانما نفى أن يكون للوجوب وجه بصفة الاتجاه ولو قال لله على أن أضحي بهذه الشاة فهو كقوله جعلتها ضحية ان قلنا ان قوله لله علي التضحية بهذه يفيد التعيين وفيه خلاف مذكور في موضعه وإن تم الحول عليه لو لم يذكره لم يضر كما لم يتعرض له في اخوات هذه الصورة وذلك لانه لا يخفى ان الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ يفرض (الثالثة)
لو أرسل النذر فقال لله علي أن أتصدق بأربعين من الغنم أو بمائة درهم ولم يضف إلى ماشيته وورقه فهذا دين نذر لله تعالي فيرتب علي دين الآدميين فان قلنا أنه لا يمنع فهذا اولي وان قلنا انه يمنع ففى هذا وجهان (أحدهما) يمنع لانه أيضا دين لازم في الذمة (واصحهما) عند الامام أنه لا يمنع وفرق بين الدينين من وجهين (أحدهما) ان هذا الدين لا يطالب به في الحال فكان اضعف حالا (والثانى) ان النذر يشبه التبرعات إذا الناذر بالخيار في نذره فالوجوب بالنذر اضعف وهذه الصورة والاولى حكاهما أبو القاسم الكرخي وغيره عن تفريع ابن سريج علي كلام لحمد رضي الله عنهما وينبغى أن يفهم هنا أن المال يتعين بتعيين الناذر اياه للصدقة ولو لم يتعين لما انتظم قوله في الصورة الاولي لتعلقه بعين المال ولما كان فرق بين أن ينذر التصدق بهذه الاربعين وبين أن ينذر التصدق باربعين وهذا المفهوم هو ظاهر المذهب وفيه شئ نذكره ان شاء الله تعالى في شرح قوله في كتاب لا ضحايا ولو عين الدراهم للصدقة لم تتعين وبالجملة فمن أجاب بعدم التعيين لا يستقيم منه الفرق في هذه الصورة وقوله في هذه الصورة وفي الاولي لو قال لله علي لو ابدله بأن يقول لو نذر التصدق بكذا لكان أولي لان الصيغة التي لا خلاف فيها في النذر ان يقول ان شفى الله مريضي فلله علي كذا اما إذا اقتصر علي قو لله علي كذا ففيه قولان مذكوران في كتاب النذر فان قلنا أنها غير ملتزمة احتجنا الي اضمار في لفظ الكتاب ههنا (الرابعة) لو وجب عليه الحج وتم الحول علي نصاب في ملكه هل يكون وجوب الحج دينا مانعا من الزكاة إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلا أثر له وان قلنا يمنع فقد ذكر الامام وتابعه المصنف ان فيه وجهين كالوجهين في دين النذر في الصورة التي قبل هذه لان دين الحج وان وجب من غير اختيار لكن المال غير مقصود فيه ودين النذر وان كانت المالية مقصودة لكن الناذر التزمه متبرعا

(5/510)


فيعتدلان وايضا فدين الجح لا يطالب به في الحال كدين النذر * قال (وأذا اجتمع الزكاة ونذر في تركة ففى التقديم ثلاثة اقوال وفي الثالث يسوى بينهما ووجه تقديم الزكاة تعلقها بالعين) * إذا قلنا الدين لا يمنع الزكاة فمات قبل الاداء واجتمع الدين والزكاة في تركته ففيه ثلاثة
أقوال (أظهرها) أن الزكاة تقدم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق بالقضاء) ولان الزكاة متعلقة بالعين والدين مسترسل في الذمة ولهذا تقدم الزكاة في حال الحياة ثم يصرف الباقي إلى الغرماء (والثانى) يقدم دين الآدمى لافتقار دين الآدمى واحتياجه ولهذا إذا اجتمع القصاص وحد السرقة يقدم القصاص (والثالث) أنهما يستويان فيوزع المال عليهما لان الحق المالى المضاف الي الله تعالي تعود فائدته الي الآدميين أيضا وهم المنتفعون بها وعلي هذه الاقوال تجرى مسائل نذ كرها في موضعها ان شاء الله تعالي جده ولك أن تعلم قوله ثلاثة أقوال بالواو لان عن بعض الاصحاب طريقة أخرى قاطعة بتقديم الزكاة المتعلقة بالعين والاموال في اجتماع الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين وقد تعرض الزكاة من هذا القبيل بأن يتلف ماله بعد الوجوب والامكان ثم يموت وله مال فان الزكاة ههنا متعلقة بالذمة لا تعلق لها بعين ماله والله اعلم * قال (السبب الثالث عدم قرار الملك ففى الزكاة في الغنيمة قبل السمة ثلاثة أوجه وجه الاسقاط ضعف الملك فانه يسقط بالاسقاط وفي الثالث إن كان الكل زكويا وجب وإلا فلا لاحتمال أن الزكاة تقع في سهم الخمس ولو أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا وجب عليه في السنة الاولى زكاة ربع المائة وفي الثانية زكاة نصفها لسنتين الا ما أدى وفي الثالثة زكاة ثلاثة أرباعها لثلاث سنين لا ما أدى وفي الرابعة زكاة الجميع لاربع سنين ويحط عنه ما أدى لان الاجرة هكذا تستقر بخلاف الصداق فان تشطره بالطلاق ليس مقتضي العقد وسقوط الاجرة بالانهدام مقتضى الاجارة

(5/511)


وفى المسألة قول ثان انه يجب في كل سنة اخراج زكاة جميع المائة) * مقصود الفصل مسألتان (إحداهما) إذا أحرز الغازون الغنيمة فينبغي للامام أن يعجل قسمتها ويكره له التأخير من غير عذر فإذا قسم فكل من اصابه مال زكوى وهو نصاب أو بلغ نصابا مع الذى كان يملكه ابتدأ الحول من حينئذ وإن تأخرت القمسة بعذر أو بغير عذر حتي مضي حول فهل تجب الزكاة ينظر إن لم يختاروا التملك فلا زكاة لانها غير مملوكة للغانمين أو هي مملوكة لهم
ملكا في غاية الضعف والوهن ألا ترى أنه يسقط بمجرد الاعراض وللامام ان يقسمها بينهم قسمة تحكم فيخص بعضهم ببعض الانواع وبعض الاعيان إن اتحد النوع ولا يجوز هذا الضرب من القسمة في سائر الا ملاك المشتركة الا بالتراضى وان اختاروا التملك ومضي حول من وقت الاختيار نظر ان كانت الغنيمة أصنافا فلا زكاة سواء كانت مما تجب الزكاة في جميعها أو كان بعضها مما لا يجب فيه زكاة لان كل واحد منهم لا يدرى ماذا يصيبه وكم يصيبه وان لم تكن الا صنفا واحدا زكويا وبلغ نصيب كل واحد من الغانمين نصابا فعليهم الزكاة وان بلغ مجموع انصبائهم نصابا وكانت الغنيمة ماشية فكذلك وهم خلطاء فيها وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه ولو كان يتم انصباء هم بالخمس نصابا فلا زكاة عليهم إذ الخلطة مع اهل الخمس لا تثبت لانه لا زكاة في الخمس بحال من حيث انه لغير معينين كمال بيت المال من الفيئ وغيره ومال المساجد والرباطات ففهذا حكم زكاة الغنيمة علي ما ذكره جمهور ائمتنا رحمهم الله من العراقيين والمراوزة وهو ظاهر المذهب وزاد في التهذيب شيئين (احد هما) ان لا زكاة قبل افراز الخمس بحال فن افرز فحينئذ نفصل الامرين أن يختار والتملك أو لا يختاروه وهذا لم يتعرض له الاكثرون ولم يفصلوا بين ان يفرز الخمس أو لا يفرز وصرح في العدة بأنه لا فرق بين الحالين (والثانى) حكي في حالة عدم الاختيار وجها آخر انه تجب الزكاة وهذا يتعرض له ما في الكتاب فانه جعل وجوب الزكاة قبل القسمة علي ثلاثة اوجه وهكذا حكى امام الحمين قدس الله روحه على اصل مذكور في السير وهو ان الغنيمة هل تملك قبل القسمة ام لا ان قلنا لا فلا زكاة فيها بحال وان قلنا نعم ففى وجوب الزكاة هذه الاوجه (احدها) لا لضعف الملك (والثانى) نعم اكتفاء بأصل الملك (والثالث) ان كان في الغنيمة ما ليس بزكوى فلا تجب لجواز أن يجعل الامام الزكوى سهم الخمس وان كان الكل زكويل تجب وكان الاحسن لصاحب هذا الوجه أن يقول ان كان الزكوى بقدر خمس المال لا تجب الزكاة فان زاد تجب زكاة القدر الزائد ويخرج مما تقدم وجه رابع وهو الظاهر

(5/512)


انهم ان اختاروا التملك وكانت الغنيمة صنفا واحدا زكويا وجبت الزكاة وإلا فلا وتمام توجيهه ينكشف عند معرفة الاصل المحال علي كتاب السير (المسألة الثانية) في زكاة الاجرة وقد أدرج في خلالها مسألة
أخرى يقتضى الشرح أن نقدمها فتقول إذا أصدق امرأته أربعين شاة سائمة بأعيانها فعليها الزكاة إذا تم حول من يوم الاصداق سواء دخل بها أو لم يدخل قبضتها أو لم تقبض لانها ملكت الصداق بالعقد وبه قال أحمد رحمه الله وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم تقبضها فليس عليها ولا على الزوج زكاتها ويأتى لنا وجه مثله تفريعا علي أن الصداق مضمون ضمان العقد فانه يكون على الخلاف الذى سبق في المبيع قبل القبض وظاهر المذهب هو القطع بالوجوب وعلي هذا فلو طلقها قبل الدخول نظر ان طلق قبل الحول عاد نصفها إلي الزوج فان لم يميزا فهما خليطان فعليها عند تمام الحول من يوم الاصداق نصف شاة وعليه عند تمام الحول من يوم الطلاق نصف شاة وإن طلقها بعد الحول فلا يخلو اما ان حكانت قد أخرجت الزكاة من عينها أو من موضع آخر أو لم تخرج اصلا فهذه ثلاث أحوال (إحداها) إذا كانت قد أخرجت الزكاة من عينها فالي ماذا ترجع فيه ثلاثة أقوال (إحدها) أنه يأخذ نصف الصداق من الموجود ويجعل المخرج من نصيبها فان تساوت قيم الشياه أخذ عشرين منها وإن تفاوتت أخذ النصف بالقيمة قال المسعودي وهذا رواية الربيع (والثانى) يأخذ نصف الاغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة (والثالث) انه بالخيار بين ما ذكرنا في القول الثاني وبين أن يترك الكل ويأخذ نصف القيمة وهذا مخرج مما لو أصدقها إناءين فانكسر أحدهما وطلقها قبل الدخول نص فيه علي القول الثاني والثالث قال الائمة ولفظ المختصر في المسألة التي نحن فيها صالح للقول الاول والثانى وهو الي الاول أقرب (الحالة الثانية) إذا كانت قد أخرجت من موضع آخر فان قلنا تتعلق الزكاة بالذمة أو قلنا تتعلق بالعين لا علي سبيل الشركة عاد نصف الاربعين الي الزوج وإن قلنا تتعلق بالعين على سبيل الشركة فقد قال الصيد لاني وجماعة من الائمة يبني هذا على الوجهين فيما إذا زال ملكها عن الصداق وعاد إليها ثم طالقها قبل الدخول (أحدهما) يرجع بنصف القيمة كما لو طلقها ولم يعد (والثاني) بنصف العين كما لو طلقها ولم يزل لكن الشاة التى زال ملكها عنها وعاد باداء الزكاة من موضع آخر غير متعينة فعلي الوجه الاول لا ياخذ شيئا من الاربعين بل يدع الي نصف القيمة وعلي الثاني يأخذ نصف الاربعين وهذا ما ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم من غير تفصيل (والثالثة) إذا لم تخرج الزكاة أصلا حتى طلقها ففيه اختلاف وتفريع طويل مبنى على كيفية تعلق الزكاة والجواب الخارج علي ظاهر المذهب
ما ذكره في التهذيب إن شاء الله تعالي وهو ان نصف الاربعين يعود الي الزوج شائعا فان جاء الساعي

(5/513)


وأخذ من عينها شاة رجع الزوج عليها بنصف قيمتها * جئنا إلى مسألة الاجرة إذا أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها كيف يخرج زكاتها فيه قولان (أحد هما) ذكره في الام ونقله المزني في المختصر أنه لا يلزمه أن يخرج عند تمام كل سنة الا زكاة القدر الذى استقر ملكه عليه لانها قبل الاستقرار يعرض السقوط بانهدام الدار فأورث ضعف الملك (والثاني) قاله في البويطي واختاره المزني أنه يلزمه عند تمام السنة الاولى زكاة جميع المائة لانه ملكها ملكا تاما ألا ترى أنه لو كانت الاجرة جارية يحل وطؤها وطؤها ولو كان الملك ضعيفا لم حل غايته أنه يتوهم سقوط بعض الاجرة بالانهدام لكنه لا يقدح في وجوب الزكاة كما أن المرأة يلزمها زكاة الصداق قبل الدخول وإن كان يتوهم عود جميعه بارتداد أحدهما أو عود نصفه بالطلاق وهذا القول أصح عند صاحب المهذب ومال إليه في الشامل لكن الجمهور علي ترجيح القول الاول وهو الذى يقتضيه ايراد الكتاب والقول بثبوت الملك التام في الاجرة ممنوع علي رأى بعض الاصحاب فان صاحب النهاية حكى طريقة أن الملك يحصل في الاجرة شيئا فشيئا فمن قال بذلك لا يسلم بثبوت الملك في الاجرة فضلا عن ثبوت الملك التام وعلي التسليم فوجه الضعف والنقصان ما ذكرنا واما حل الوطئ فلا نسلم أنه يتوقف علي ارتفاع الضعف من كل جهة وأما الصداق فقد روي الحناطى عن ابن سريج تخريج قول من الاجرة في الاصداق فعلى هذا لا افرق وعلي التسليم فالفرق أن الاجرة تستحق في مقابلة المنافع فإذا لم تسلم المنافع للمستأجر ينفسخ العقد من أصله والصداق ليس في مقابلة المنافع ألا ترى أنها لو ماتت يستقر الصداق وان لم تسلم المنافع للزوج والتشطر ثبت بتصرف من جهة الزوج يفيد ملك النصف عليها ولا ينقص ملكها من الاصل (التفريع) إن قلنا بالقول الاول أخرج عن تمام السنة الاولى زكاة ربع المائة وهو خمسة وعشرون دينارا وزكاتها خمسة أثمان دينار لان ملكه استقر على هذا القدر فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين دينارا وكانت في ملكه سنتين زكاها زكاة خمسين لسسنتين وهى ديناران ونصف لكنه قد أدى زكاة خمسة وعشرين لسنة فيحط ذلك ويخرج الباقي وهو
دينار وسبعة أثمان دينار فإذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه على خمسة وسبعين دينار أو كانت في ملكه ثلاث سنين وزكاتها لثلاث سنين خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار أخرج منها للسنتين الماضيتين دينارين ونصفا يبقي ثلاثة دنانير وثمن يخرجها الآن فإذا مضت السنة الرابعة فقد استقر ملكه علي جميع المائة وكانت في ملكه أربع سنين وزكاة المائة لاربع سنين عشرة دنانير أخرج من ذلك خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار فيخرج الباقي وهو أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار وقد

(5/514)


يعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى فيقال يخرج عند تمام السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين لسنة وعند تمام الثانية زكاة خمسة وعشرين لسنتين وزكاة الخمسة والعشرين الاولى لسنة وعند تمام الثالثة زكاة الخمسين لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين عند تمام الرابعة زكاة الخمسة والسبعين لسنة وزكاة خمسة وعشرين لاربع سنين هذا إذا كان يخرج واجب كل سنة من غير المائة وأما إذا أخرج من عينها واجب السنة الاولي فعند تمام الثانية أخرج زكاة الخمسة والعشرين الاولى سوى ما أخرج في السنة الاولي لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين وعند تمام الثالثة يخرج زكاة الخمسين سوى ما أخرج في السنتين الاوليين وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين وعلي هذا قياس السنة الرابعة.
وإن قلنا بالقول الثاني وهو أنه يخرج زكاة جميع المائة عند تمام السنة الاولي فعليه مثل ذلك عند تمام كل سنة إن كان يخرج الواجب من موضع آخر وإن كان يخرج منها فعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة سبعة وتسعين دينارا ونصفا وقس على هذا السنتين الاخرين.
وزاد أصحابنا العراقيون في التفريع علي القول الاول كلاما آخر وهو مبنى علي أن القولين في المسألة في كيفية الاخراج وزكاة جميع الملة واجبة عند تمام الحول الاول بلا خلاف أو هما في نفس الوجوب فعن القاضي أبي الطيب أنهما في نفس الوجوب وبه يشعر كلام طائفة وقال الشيخ أبو حامد وشيعته: القولان في كيفية الاخراج والوجوب ثابت قطعا واحتجوا له له بأنه لو امتنع الوجوب على أحد القولين لعدم استقرار الملك لكان يستأنف الحول ولا يزكيه لما مضى كمال الكتابة فلما نص في هذا القول علي انه يزكي لما مضي دانه ل؟ لم يجعل هذا الاختلال مانعا من الوجوب وهذا قضية كلام الاكثرين صريحا أو إشارة ثم هؤلاء
القاطعون بالوجوب غاصوا فقالوا في التفريع على القول الاول يخرج في السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين كما سبق ثم يبني الحكم بعدها علي الخلاف في أن الزكاة استحقاق جزء من العين أم لا وإن قلنا ليست استحقاق جزء من العين فهل الدين يمنع الزكاة أم لا فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين أما الخمسة والعشرون الاولي فقد زكاها للسنة الاولى فان كان قد أخرج زكاتها من غيرها زكاها للسنة الثانية أيضا وإن كان قد أخرج من عينها زكى ما بقى منها (وأما) الخمسة والعشرون الثانية فقد وجب الزكاة في السنة الاولي في جميعها وعليه إخراجها الآن وأما زكاة السنة الثانية فان قلنا ليست استحقاق جزء وقلنا الدين لا يمنع الزكاة فكذلك يخرج الزكاة عن جميعها وإن قلنا أنها استحقاق جزء وقلنا ليست كذلك لكن الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فلا يزكي للسنة الثانية عن جميعها بل عما سوى القدر الواجب في السنة الاولي لان ذلك القدر قد

(5/515)


استحقه المساكين أو هو دين يمنع وجوب الزكاة في قدره ثم إذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه علي خمسة وعشرين أخرى أما الاولي والثانية فقد اخرج زكاتهما لما مضى على التفصيل المذكور فان اخرج من موضع آخر زكي جميعها للسنة الثالثة أيضا وإن أخرج منها زكي الباقي وأما هذه الثالثة فقد مضي عليها ثلاث سنين فان قلنا الزكاة ليست استحقاق جزء والدين لا يمنع الزكاة أخرج زكاة جميعها لثلاث سنين وإن قلنا انها استحقاق جزء وقلنا الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فيخرج زكاة جميعها للسنة الاولى وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنة الاولي للثانية وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنتين الاوليين للثالثة وقس الرابعة علي هذا * ثم ههنا كلامان (أحدهما) للمسألة شريطة ذكرها إمام الحرمين وهى ان تكون أجرة السنتين متساوية ولابد منها لانها لو تفاوتت لزاد القدر المستقر في بعض السنين علي ربع المائة ونقص في بعضها لان الاجارة إذا انفسخت توزع الاجرة المسماة علي أجرة المثل في المدتين الماضية والمستقبلة (والثانى) لعلك تبحث فتقول: كلام المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدا أم فيما إذا كانت الاجارة بمائة معينة أم لا فرق (أما) كلام النقلة (فانه) يشمل الحالتين جميعا (وأما) التفصيل والنص عليهما فلم أر له
تعرضا الا في فتاوى القاضى حسين قال في الحالة الاولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة إذا حال الحول لان ملكه مستقر على ما أخذ حتي لو انهدمت الدار لا يلزمه رد المقبوض بل له رد مثله وفي الحالة الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض لانه بفرض ان يعود الي المستأجر بانفساخ الاجارة وبالجملة فالصورة الثانية احق بالخلاف من الاولي وما ذكره القاضى اختيار للوجوب في الحالتين جميعا فاعلم ذلك.
وعد بعده الي لفظ الكتاب (اما قوله) نقدا (فهو) اشارة الي كونها حالة مقبوضة والاجرة عندنا تملك بنفس العقد معجلة ان اطلقا أو شرطا التعجيل ومؤجلة ان شرطا التأجيل فإذا كانت دينا حالا أو مؤجلا زاد ما سبق من الكلام في زكاة الدين (وقوله) وجبت عليه في السنة الاولي (فيه) المباحث التي تقدمت في ان الكلام في نفس الوجوب أو في وجوب الاخراج واللفظ الي الاحتمال الاول اقرب (وقوله) زكاة ربع المائة وكذا زكاة نصفها وزكاة نصفها وزكاة ثلاثة ارباعها (يجوز) ان يعلم بالميم لان الشيخ ابا محمد حكى فيما علق عنه عن مالك انه يجب في كل سنة زكاة جميع المائة كالقول الثاني (وقوله) في القول الثاني تجب في كل سنة (معلم) بالحاء لان مذهب أبي حنيفه رحمه الله كالقول الاول وعبارة الكتاب في القولين جميعا محمولة علي ما إذا أخرج الواجب من غير المائة وهى الحالة التى ينزل عليها كلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر فان كان

(5/516)


يخرج من عينها فقد ذكرنا حكمه * ثم نختم الفصل بفرعين (أحدهما) باع شيئا بنصاب من النقد مثلا وقبضه ولم يقبض المشترى المبيع حتي حال الحول هل يجب على البائع اخراج الزكاة يخرج علي القولين لان الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر وخرجوا على القولين أيضا ما إذا أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها وحال الحول قبل قبض المسلم فيه وقلنا إن تعذر المسلم فيه يوجب انفساخ العقد وان قلنا انه يوجب الخيار فعليه اخراج الزكاة (الثاني) أو ضي لانسان بنصاب ومات الموصى ومضى حول من يوم موته قبل القبول.
ان قلنا الملك في الوصية يحصل بالموت فعلى الموصى له الزكاة وان كان يرتد برده وان قلنا يحصل بالقبول فلا زكاة عليه ثم ان ابقيناه على ملك الميت فلا زكاة على أحد وان قلنا انه للوارث فهل عليه الزكاة فيه وجهان (أصحهما) لا وان قلنا أنه
موقوف فإذا قبل بان أنه ملك بالموت فهل عليه الزكاة روى في التهذيب فيه وجهين (أصحهما) لا لان ملكه لم يكن مستقرا عليه * قال (الركن الثالث فيمن تجب عليه وهو كل مسلم حر فتجب في مال الصبى (ح) والمجنون (ح) وفي مال الجنين تردد وتجب علي المرتد (م ح) ان قلنا ببقاء ملكه مؤاخذة له بالاسلام ولا زكاة على مكاتب ورقيق ولا على سيديهما في مالهما ومن ملك بنصفه الحر شيئا لزمته (م ح) لزكاة) * فقه الفصل صور (احداها) تجب الزكاة في مال الصبى والمجنون وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله وسلم وجوب العشر وصدقة الفطر لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال

(5/517)


(ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) إذا تقرر ذلك فيجب علي الولي اخراجها من مالها فان لم يفعل أخرج الصبي بعد البلوغ والمجنون بعد الافاقة زكاة ما مضى وهل تجب في المال المنسوب إلي الجنين حكي إمام الحرمين فيه ترددا لوالده رحمهما الله قال والذى ذهب إليه الائمة أن الزكاة لا تجب فيه لان حياة الحمل غير موثوق بها وكذلك وجوده ونحن وإن قضينا بأن الحمل يعرف فالحكم يتعلق به عند انفصاله (والثانى) أنه تجب الزكاة إذا انفصل كما في مال الصبي والمجنون (الثانية) الكافر الاصلي غير ملزم باخراج الزكاة لا في الحال ولا بعد الاسلام وأما المرتد فلا يسقط عنه ما وجب في الاسلام فإذا حال الحول علي ماله في الردة فهل تجب فيه الزكاة يبني علي الخلاف في ملكه إن قلنا يزول ملكه بالردة (فلا) (وان قلنا) لا يزول (فنعم) مؤاخذة له بحكم الاسلام (وان قلنا) انه موقوف إلى أن يعود إلي الاسلام أو يهلك علي الردة فالزكاة أيضا على الوقف فان قلنا لا يزول ملكه وأوجبنا الزكاة فقد ذكر في التهذيب انه لو أخرج في حال الردة جاز كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه لانه عمل البدن فلا يصح إلا ممن يكتب له وروى في النهاية

(5/518)


عن صاحب التقريب أنه لا يبعد أن يقال لا يخرجها ما دام مرتدا وكذا الزكاة الواجبة قبل الردة
لان الزكاة قربة مفتقرة إلى النية فعلي هذا ان عاد الي الاسلام أخرج الزكاة الواجبة في الردة وقبلها وان هلك علي الردة حصل اليأس عن الاداء وبقيت العقوبة في الآخرة قال الامام هذا خلاف ما قطع به الاصحاب لكن يحتمل أن يقال إذا أخرج في الردة ثم أسلم هل يعيد الزكاة فيه وجهان كالوجهين في الممتنع إذا ظفر الامام بماله وأخذ الزكاة منه هل يجزئه أم لا ولك ان تعلم قوله في الكتاب ان قلنا يبقي ملكه بالواو لان الحناطي ذكر انه يحكي عن ابن سريج أنه تجب الزكاة على الاقاويل كلها كالنفقات والغرامات (الثالثة) لا تجب الزكاة علي المكاتب لا العشر ولا غيره وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال المكاتب) وأيضا فان ملكه ضعيف ألا ترى انه لا يرث ولا يورث عنه ولا يعتق عليه قريبه ثم إذا عتق وبقي المال في يده ابتدأ الحول من يوم العتق وان عجز وصار ما في يده للسيد ابتدأ الحول حينئذ (الرابعة) العبد القن لا يملك بغير تمليك السيد لا محالة وهل يملك بتمليك السيد فيه قولان مذكوران في الكتاب في موضعهما فان قلنا لا وهو المذهب فزكاة ما ملكه من الاموال الزكوية على السيد ولا حكم لذلك التمليك وان قلنا نعم فلا زكاة علي العبد كما لا زكاة علي المكاتب وبل اولي لان للسيد ان يسترده وينتزعه متى شاء وهل يجب علي السيد فيه وجهان (أصحهما) لا لان ملكه زائل (والثاني) نعم لان ثمرة الملك باقية فان للسيد أن يتصرف فيه كييف شاء وإذا اعتق العبد ارتد الملك إليه بخلاف ملك المكاتب إذا عتق حكي هذا الوجه أبو عبد الله الحناطي ونقله الامام عن شرح التلخيص وقد عرفت بما ذكرنا ان قوله ولا على سيديهما في مالهما تفريع علي أن العبد يملك بتمليك السيد إياه والا فليس للعبد مال وهو معلم بالواو لما روينا من الوجه الثاني والمدبر وأم الولد كالعبد القن (الخامسة) من بعضه حر وبعضه رقيق لو ملك بنصفه الحر نصابا فهل عليه زكاته فيه وجهان (أحدهما) لا لنقصانه بالرق كالعبد والمكاتب وهذا هو الذى ذكره في الشامل (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه تجب لان ملكه تام علي ما ملكه بالجزء الحر منه

(5/519)


ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه أنه يكفر كفارة الحر الموسر وقال انه يلزمه زكاة الفطر بقدر
ما هو حر هذا تمام الصور وقد تبين بها أن المعتبر فيمن تجب عليه الحرية والاسلام علي ما ذكر أول الفصل لكن قوله وهو كل حر مسلم يقتضي أن لا تجب الزكاة علي من ملك بنصفه الحر لانه يقع علي من جميعه حر فأما من بعضه حر وبعضه رقيق يصدق عليه القول بأنه ليس بحر فلما وجبت الزكاة عليه علي ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب وجب تأويل اللفظ * قال (النظر الثاني للزكاة طرف الاداء وله ثلاثة أحوال (الاولي) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور (ح) عندنا ويتخير بين الصرف الي الامام أو إلي المساكين في الاموال الباطنة وأيهما اولى فيه وجهان والصرف الي الامام اولى في الاموال الظاهرة وهى يجب فيه قولان) * ذكر في اول الزكاة أن النظر في الوجوب والاداء وقد فرغ الآن من النظر الاول (وأما) الاداء (فله) ثلاث حالات لانه إما يتفق في الوقت أو قبله أو بعده (الحالة الاولى) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور بعد التمكن وقوله عندنا قصد به التعرض لمذهب أبى حنيفة رحمه الله فيما رواه امام الحرمين وغيره انها واجبة علي التراخي ونقل صاحب الشامل وغيره اختلافا لاصحابه فيه فعن الكرخي انها علي الفور وعن أبي بكر الرازي انها علي التراخي * لنا أن الامر بايتاء الزكاة وارد وحاجة المستحقين ناجزة فيتحقق الوجوب في الحال * ثم أداء الزكاة يفتقر الي وظيفتين فعل الاداء يفرض على ثلاثة اوجه (احدهما) أن يباشره بنفسه وهو جائز في الاموال الباطنة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) والاموال الباطنة هي الذهب والفضة وعرض التجارة والركاز وزكاة الفطر ملحقة بهذا النوع وأما الاموال الظاهرة وهي المواشى والمعشرات والمعادن فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد نعم كزكاة الاموال الباطنة (والثاني) وهو القديم ومذهب أبي حنيفة رحمه الله ويروى عن مالك أيضا انه لا يجوز بل يجب صرفها الي الامام لقوله تعالي (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولانه مال للامام المطالبة به فيجب دفعه إليه كالخراج هذا إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) يجوز ولا يجب خوفا من أن لا يوصله

(5/520)


إلي المستحقين (وأصحهما) انه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور وعلي هذا القول لو فرق بنفسه لم يحسب وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجئ الساعي فإذا أيس فرق بنفسه (والثانى) أن يصرف إلى الامام وهو جائز فان نائب المستحقين (وكان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة) (والثالث) أن يوكل بالصرل إلى الامام أو بالتفرقة علي المستحقين حيث يجوز له التفرقة بنفسه وهو جائز أيضا لانه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين (وأما) الافضل من هذه الطرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها لانه على يقين من من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل وبتقدير أن يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على الوكيل غرم ما أتلف وفي الافضل من الطريقين الاولين في الاموال الباطنة وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان الصرف الي الامام أولى لانه أعرف بأهل السهمان واقدر علي التفرقة بينهم ولانه إذا فرق الامام كان علي يقين من سقوط الفرض بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز ان أن يسلم الي من ليس بصفة الاستحقاق وهو يظنه بصفة الاستحقاق (والثانى) أن الاولي أن يفرقها
__________
في بعض النسخ وبعث الوليدين عقبة إلى بني المصطلق ساعيا

(5/521)


بنفسه لانه بفعل نفسه اوثق ولينال اجر التفريق وليخص به اقاربه وجيرانه وهذا الوجه هو المذكور في التهذيب والعدة ومن قال به تعلق بقوله في المختصر وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه ليكون علي يقين من أداءها عنه والاول هو الاظهر عند أكثر الائمة من العراقيين وغيرهم ولم يذكر الصيدلانى غيره وحملوا قول الشافعي رضى الله عنه على انه أولى من التوكيل ومنهم من قال أراد به في الاموال الغير الظاهرة وأما في الاموال الظاهرة فالاولى الصرف الي الامام ليخرج عن شبهة الخلاف ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الاموال الباطنة والظاهرة وهكذا فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات وعبر عن هذا الخلاف بالقولين علي خلاف المشهور ورأيت المحاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف فليكن قوله والصرف الي الامام في الاموال
الظاهرة أولي معلما بالواو وحيث قلنا الصرف إلي الامام أولى فذلك إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) انه كالعادل ويحكى ذلك عن صاحب الافصاح لما روى ان سعد ابن ابي وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد رضى الله عنهم سئلوا عن الصرف الي الولاة الجائرين فأمروا به واصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب في قسم الصدقات ان التفريق بنفسه اولي من الصرف إليه لظهور جوره وخيانته بل حكى الحناطي وجها انه لا يجوز الصرف إلي الجائر فضلا عن الافضلية * قال (وتجب نية الزكاة بالقلب (ح) فينوي الزكاة المفروضة فان لم يتعرض للفرض فوجهان ولا يلزم تعيين المال فان قال عن مالي الغائب وكان تالفا لم ينصرف الي الحاضر ولو قال عن الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة جاز لانه مقتضي الاطلاق) * الوظيفة الثانية النية ولابد منها في الجملة لقوله صلي الله عليه وسلم (إنما الاعمال بالنيات) وهل المعتبر قصد القلب أم يكفى القول باللسان قال الشافعي رضى عنه في المختصر وإذا ولى الرجل زكاة ماله لم يجزه إلا بنية أنه فرض والنية هي القصد فقضية هذا اعتبار قصد القلب ونقل عن الام أنه سواء نوى أو تكلم بلسانه انه فرض يجزئه قال الاصحاب في المسألة وجهان وقال القفال وغيره قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لابد من قصد القلب وهذا ما خرجه ابن القاص واليه

(5/522)


ذهب صاحب التقريب (والثاني) انه يكفى القول باللسان وهو اختيار القفال فيما حكى الصيدلانى واحتج بأن اخراج الزكاة في حال الردة جائز ومعلوم أن المرتد ليس من أهل نية هي قربة فدل أن لفظه كاف وأيضا فان الزكاة تجرى فيها النيابة وان لم يكن النائب من أهلها فإذا جاز ان ينوب فيها شخص عن شخص جاز ان ينوب اللسان عن القلب ولا يلزم الحج فان النائب فيه لابد وأن يكون من أهل الحج ومن قال بالاول حمل كلامه في الام على انه لا فرق بين أن يقتصر علي قصد القلب وبين ان يجمع بين قصد القلب والتلفظ (وأما) فصل المرتد ففى أداءه الزكاة في حال الردة كلام تقدم وعلي التسليم فلا نسلم ان القصد غير معتبر في حق المرتد نعم لا يتصور منه قصد هو قربة لكن كما لا يتصور منه ذلك لا يتصور ايضا لفظ هو قربة وقد قيل للقفال لا يسقط الفرض
حتى يقول المرتد هذا عطاء فرض فقال كذا ينبغى ان يكون فإذا جاز اعتبار اللفظ وإن لم يكن قربة لم لا يجوز اعتبار القصد وان لم يكن قربة (وأما الوجه الثاني) فهو باطل بالوضوء فانه يجوز فيه إنابة الاهل وغير الاهل ومع ذلك يعتبر فيه قصد القلب وروى الشيخ ابو على طريقة أخرى عن بعضهم قاطعة باعتبار قصد القلب * وكيفية النية ان ينوى هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالى أو زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة ولا يكفي التعرض لفرض المال فان ذلك قد يكون كفارة ونذرا ولا يكفى التعرض للصدقة في اصح الوجهين فانها قد تكون نافلة ولو تعرض للزكاة دون صفة الفرضية فهل يجزئه فيه وجهان الذى ذكره الاكثرون انه يجئه لان الزكاة لا تكون الا مفروضة قال في النهاية وهما كالوجهين فيما إذا نوى صلاة الظهر ولم يتعرض للفرضية لكن صلاة الظهر قد تكون نافلة من الصبي وممن صلي منفردا ثم اعاد في جماعة ولا انقسام في الزكاة ولا يجب تعيين المال المزكي عنه فان غرض تنقيص المال ودفع حاجة المستحقين لا يختلف بل يزكي عن مواشيه ونقوده حتى يخرج تمام الواجب فلو ملك اربعمائة درهم مثلا مائتان حاضرتان ومائتان غائبتان فأخرج خمسين من غير تعيين جاز وكذا لو ملك اربعين من الغنم وخمسا من الابل فأخرج شاتين ولو أخرج خمسة مطلقا ثم بان له تلف احد المالين أو تلف أحدهما بعد الاخراج فله ان يحسب المخرج عن الزكاة الاخرى ولو عين مالا لم ينصرف إلي غير حتى لو اخرج الخمسة عن المال الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلي الحاضر ولو قال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا هل له الصرف إلى الحاضر حكى في العدة فيه وجهين قال والاصح انه لا يجوز ولو قال هذه عن مالى الغائب فان كان تالفا

(5/523)


فهي صدقة أو قال ان كان مالى الغائب سالما فهذه زكاته والا فهى صدقة جاز لان اخراج الزكاة عن الغائب هكذا يكون وان اقتصر علي قوله عن مالى الغائب حتى لو بان تالفا لا يجوز له الاسترداد الا إذا صرح فقال هذا عن مالي الغائب فان بان تالفا استرددته وليست هذه الصورة كما إذا اخرج خمسة وقال ان كان مورثي قد مات وورثت ماله فهذه زكاته فبان موته لا يحسب المخرج عن الزكاة لان الاصل بقاء المورث وعدم الارث وههنا الاصل سلامة المال فالتردد معتضد بهذا الاصل ونظير
هذه المسألة أن يقول في آخر شهر رمضان أصوم غدا عن رمضان ان كان من الشهر يصح ونظير مسألة الميراث أن يقول في أوله أنا صائم غدا عن رمضان ان كان من الشهر لا يصح ولو قال هذه عن مالي الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر فالذي قاله معظم الائمة أن الغائب ان كان سالما يقع عنه والا فلا يقع بل يقع عن الحاضر لانه قد جزم بكونها زكاة ماله والتردد في انها عن أي المالين بحسب بقاء الغائب وتلفه لا يضر كالتردد بين الفرض والنفل في الصورة السابقة علي اختلاف التقديرين وهذا لان تعيين المال ليس بشرط فلا يقدح التردد فيه حتي لو قال هذه عن مالى الغائب أو الحاضر أجزأته وعليه خمسة أخرى ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت ان دخل الوقت والا فعن الفائتة لا يجزئه لان التعيين شرط في العبادات البدنية وحكى في النهاية ترددا عن صاحب التقريب في وقوع المخرج عن الحاضر لان النية مترددة بالاضافة إليه ترددا غير معتضد بالاصل فانه إنما جعلها عن الحاضر بشرط تلف الغائب والاصل في الغائب البقاء والاستمرار وكان الوقوع عن الغائب علي خلاف الاصل ويخالف ما لو قال والا فهى نافلة لانه يحتاط في الفرض بمالا يحتاط به للنفل (وقوله) في الكتاب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة ليس المراد منه ان الناوى ردد هكذا لكنهما صورتان عطف احداهما علي الاخرى والمعني أو قال هو صدقة ولو ردد فقال عن الحاضر أو هو صدقة وكان الغائب تالفا لم يقع عن الحاضر كما قال الشافعي رضي الله عنه لو قال ان كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نافلة وكان ماله سالما لم يجزه لانه لم يقصد بالنية قصد فرض خالص ونظيره أن يقول أصلي فرض الظهر أو نافلة وأصوم غدا عن رمضان أو نافلة فلا ينعقد (وقوله) جاز معلم بالواو لانه حكم بالجواز في الصورتين معا وفيما إذا قال فان كان تالفا فمن الحاضر الوجه المنقول عن صاحب التقريب (وقوله) لانه مقتضى الاطلاق يرجع الي الصورة الاخيرة وهى أن يقول فان كان تالفا فهو صدقة لان المفهوم من الاطلاق ههنا أن يقتصر علي قوله

(5/524)


هذا المال عن الغائب ولو اقتصر عليه وكان الغائب تالفا يكون المخرج صدقة علي ما سبق ولا يقع عن الحاضر فظهر أن الاجزاء عن الحاضر ليس مقتضى الاطلاق (فان قلت) في جواز نقل الصدقة
خلاف يأتي في موضعه فتجويز الاخراج عن المال الغائب في مسائل الفصل جواب علي قول الجواز أم كيف الحال (فالجواب) أن أبا القاسم الكرخي جعلها جوابا علي قول الجواز ويجوز أن تفرض الغيبة عن منزله وعدم وقوفه على بقاء المال وهلاكه فيصح تصوير هذه المسائل من غير النظر الي ذلك الخلاف وقد أشار إلي هذا في الشامل * قال (وينوى ولى الصبي والمجنون وهل ينوى السلطان إذا أخذ الزكاة من الممتنع إن قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع فلا وإن قلنا تبرأ فوجهان) * كما أن صاحب المال قد يفرق الزكاة بنفسه فغيره قد ينوب عنه فيه فان فرق بنفسه فلابد من النية كما بيناه وإن ناب عنه غيره فذلك يفرض علي وجوه (منها) نيابة الولي عن الصبى والمجنون ويجب عليه أن ينوى لان المؤدى عنه ليس أهلا للنية كما ليس أهلا للقسم والتفريق فينوب عنه في النية كما ينوب عنه في القسم قال القاضي ابن كج: فلو دفع من غير نية لم يقع الموقع وعليه الضمان (ومنها) أن يتولى السلطان قسم زكاته وذلك إما أن يكون بدفعه الي السلطان طوعا أو يأخذ السلطان منه كرها فان دفع طوعا ونوى عند الدفع كفى وإن لم ينو السلطان لانه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع إليهم وإن لم ينو صاحب المال ونوى السلطان أو لم ينوهوا ايضا ففيه وجهان (احدهما) وهو ظاهر كلامه في المختصر ولم يذكر كثير من العراقيين سواه انه يجزئ ووجهوه بانه لا يدفع إلى السلطان الا الفرض وهو لا يفرق علي اهل السهمان الا الفرض فأغنت هذه القرينة عن النية (والثانى) لا يجزى لان الامام نائب الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز فكذلك إذا دفع إلى نائبهم قال صاحب المهذب والتهذيب وجمهور المتأخرين: هذا اصح وهو اختيار القاضى ابى الطيب وحملوا كلام الشافعي رضي الله عنه علي الممتنع يجزئه المأخوذ وان لم ينو لكن نقل عن نصه في الام انه قال يجزئه وان لم ينو طائعا كان أو كارها واما إذا امتنع عن اداء الزكاة فللسلطان اخذها منه كرها خلافا لابي حنيفة * لنا قوله تعالي جده (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولا يأخذ الا قد الزكاة على الجديد

(5/525)


لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) وقال في القديم يأخذ مع الزكاة شطر
ماله لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (في كل اربعين من الابل السائمة بنت لبون من اعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عز مات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ) إذا عرفت ذلك فان نوى الممتنع حالة الاخذ برئت ذمته ظاهرا وباطنا ولا حاجة الي نية الامام وان لم ينو فهل تبرأ ذمته نظر ان نوى الامام سقط عنه الفرض ظاهرا ولا يطالب به ثانيا وهل يسقط باطنا فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب بالزكاة وأظهرهما) أنه يسقط إقامة لنية الامام

(5/526)


مقام نيته كما ان قسمه قام مقام قسمه وكما أن نية الولى تقوم مقام نية الصبى وان لم ينو الامام أيضا لم يسقط الفرض في الباطن وكذا في الظاهر على أظهر الوجهين هذا الترتيب والتفصيل ذكره في التهذيب وإذا اقتصر خرج منه الوجهان المشهوران في أن الممتنع إذا أخذت منه الزكاة ولم ينو هل يسقط الفرض عنه باطنا: وبنى امام الحرمين وصاحبا الكتاب وجوب النية علي الامام علي هذين الوجهين ان قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع باطنا فلا يجب وان قلنا تبرأ فوجهان (أحدهما) لا كيلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به (والثانى) نعم لان الامام فيما يليه من أمر الزكاة كولي الطفل والممتنع مقهور كالطفل وظاهر المذهب أنه يجب عليه أن ينوي ولو لم ينو عصي وأن نيته تقام مقام نية المالك وهذا لفظ القفال في شرح التلخيص (ومنها) أن يوكل وكيلا بتفريق الزكاة وان نوى الموكل عند الدفع الي الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع الي المساكين فهو أولي وان لم ينو واحد منهما أو لم ينو الموكل لم يجز كما لو دفع الي المساكين بنفسه ولم ينو ان نوى الموكل عند الدفع ولم ينو الوكيل فيه طريقان (أحدهما) القطع بالجواز كما لو دفع الي الامام ونوى (وأظهرهما) أنه يبني علي أنه لو فرق بنفسه هل يجزئه تقديم النية علي التفرقة فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الصلاة (وأظهرهما) وبه قال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله نعم كما في الصوم للعسر ولان المقصود الاظهر من الزكاة اخراجها وسد خلات المستحقين بها ولذلك جازت النيابة فيه مع القدرة علي المباشرة وعلي هذا تكفي نية الموكل عند الدفع الي الوكيل وعلى الاول لابد من نية الوكيل عند الدفع الي المساكين أيضا ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه أيضا جاز كذا ذكره في النهاية والوسيط *
(فرع) لو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة لم تسقط عنه الزكاة وعن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أنها تسقط *

(5/527)


قال (ويستحب للساعي ان يعلم في السنة شهر الاخذ الزكاة وأن يرد المواشي الي مضيق قريب من المرعي ليسهل عليه الاخذ والعد) * كان النبي صلي الله عيه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة والمعني فيه ان كثيرا من الناس لا يعرفون الواجب والواجب فيه ومن يصرف إليه فبعثوا ليأخذوا من حيث تجب ويضعوا حيث يجب والاموال نوعان (أحدهما) ما لا يعتبر فيه الحول كالثمار والزروع فتبعث السعاة لوقت وجوبها وهو ادراك الثمار واشتداد الحبوب وذلك لا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد
كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية * (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية *

(5/528)


قال (ويستحب أن يقول للمؤدى آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت
ولا يقول صلي الله عليك وإن قاله عليه السلام لآل أبي أو في لانه مخصوص به فله أن ينعم به على غيره وكما لا يقال محمد عزوجل وإن ان عزيزا جليلا فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان يدخل تحت آله تبعا) * قال الله تعالى (وصل عليهم) أي ادع لهم فيستحب للساعي أن يدعو لرب المال ترغيبا له في الخير وتطييا لقلبه ولا يتعين شئ من الادعية واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت وهو لائق بالحال.
وحكي الحناطي وجها أنه يجب عليه الدعاء وله تمسك من لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه محق على الوالى أن يدعو له وكما يستحب للساعي يستحب للمساكين أيضا إذا فرق رب المال عليهم وقد روى عن عبد الله بن أبي أو في رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صلى علي آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صلى علي آل أبى أوفى) قال الائمة: هذا وإن ذكره النبي صلي الله عليه وسلم لا يقوله غيره لان الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان السلف بالا نبياء عليهم

(5/529)


الصلاة والسلام كما أن قولنا عزوجل صار مخصوصا بالله تعلى جده وكما لا يقال محد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر وعلي صلوات الله عليهما وإن صح المعنى وهل يكره ذلك أم هو مجرد ترك أدبب أطلق القاضي حسين لفظ الكراهة وكذا فعل المصنف في الوسيط ووجهه إمام الحرمين بان قال المكروه يتميز عن ترك الاولى بن يفرض فيه نهي مقصود فقد ثبت نهى مقصود عن التشبه باهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة علي غير الانبياء مما اشتهر بالفئة الملقبة بالرفض وظاهركم الصيدلاني أنه في حكم ترك الادب والاولي وبه يشعر قوله في الكتاب فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلوات الله عليه وصرح بنفي الكراهة في العدة وقال أيضا الصلاة بمعنى الدعاء تجوز ععلى كل أحد أما بمعني التعظيم والتكريم يختص به الانبياء عليهم السلام والمشهور ما سبق ويجوز أن يجعل غير الانبياء تبعا لهم في الصلاة فيقال اللهم صلي علي محمد وعلي آله واصحابه وأزواجه وأتباعه لان ذلك لم يمتنع منه السلف وقد أمرنا به في التشهد وغيره ققال الشيخ أبو محمد
والسلام في معني الصلاة وقد قرن الله تعالي بينهما فقال (صلوا عليه وسلموا تسليما) فلا يفرد به غائب غير الانبياء ولا بأس به في معرض المخاطبة فيقال للاحياء والاموات من المؤمنين السلام عليكم.
إذا تقرر ذلك فالصلاة لما كانت حقا للنبى صلى الله عليه وسلم كان له أن ينعم بها علي غيره وغيره لا يتصرف فيما هو حقه كما أن صاحب المنزل يجلس غيره علي تكرمته وغيره لا يفعل ذلك (وقوله) وان كان يدخل تحت آله تبعا انما يستمر علي قولنا ان كل مسلم من آل النبي صلي الله عليه وسلم لكن الظاهر المنقول عن نص الشافعي رضى الله عنه أن آله بنو هاشم وبنو المطلب فعلي هذا لا يدخل ابو بكر رضى الله عنه تحت الآل وانما يدخل تحت الاصحاب وقد ذكرنا هذا الخلاف في موضعه * قال (القسم الثاني في التعجيل والنظر في أمور ثلاثة الاول في وقته ويجوز تعجيل الزكاة (ح م) قبل تمام الحول ولا يجوز قبل تمام النصاب ولا قبل السوم وفي تعجيل صدقة عامين وجهان ولو ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثث سخلة ففى أجزاء الثانية وجهان (أحدهما) وهو الاصح اجزاءه) * التعجيل جائز في الجملة وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عن علي رضي الله عنه أن العباس رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له.
إذا عرفت ذلك فالحجة تمس الي معرفة

(5/530)


أن التعجيل بأية مدة يجوز وانه إذا عجل في الوقت يجزئه علي الاطلاق أوله شرائط وانه إذا لم يقع مجزئا هل للمعجل أن يرجع فيما دفع فلذلك قال: والنظر في ثلاثة أمور (أحدها) في التعجيل والاموال الزكوية ضربان (أحدهما) مال تجب فيه الزكاة بالحول والنصاب فيجوز تعجيل زكاته قبل الحول خلافا لمالك حيث قال لا يجوز قال المسعودي: الا أن يقرب وقت الوجوب بأن لم يبق من الحول الا يوم أو يومان * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان الزكاة حق مالي أجل رفقا فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل وككفارة اليمين قبل الحنث فان مالكا سلم جواز التعجيل في الكفارة ولا يجوز التعجيل قبل تمام النصاب كماذا ملك مائة درهم فعجل منها خمسة دراهم أو ملك تسعا وثلاثين شاة فعجل شاة ليكون المعجل عن زكاته إذ اتم النصاب وحال الحول عليه وذلك لان الحق المالي إذا تعلق بشيئين ووجد أحداهما يجوز تقديمه علي الآخر لكن لا يجوز تقديمه عليهما جميعا ألا ترى أنه يجوز
تقديم الكفارة علي الحنث إذا كان قد حلف ولا يجوز تقديمها علي الحنث واليمين جميعا وهذا في الزكاة العينية أما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوى مائة درهم فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوى مائتين جاز المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب وان لم يكن يوم التعجيل نصابا لان الحول منعقد والاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول ولو ملك أربعين من الغنم المعلوفة وعجل شاة علي عزم أن يسيمها حولا لم يقع عن الزكاة إذا أسامها لان المعلوفة ليست مال الزكاة كالناقص عن النصاب وانما تعجل الزكاة بعد انعقاد الحول ولو عجل صدقة عامين فصاعدا فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الاولى فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى أنه صلي لله عليه وسلم قال (تسلفت من العباس صدقة عامين) وبهذا قال

(5/531)


أبو إسحق (والثانى) لا لان زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز كالتعجيل قبل كمال النصاب.
والوجه الاول أصح عند صاحب الكتاب ذكره في الوسيط وكذا قاله الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل: والا كثرون على ترجيح الوجه الثاني ومنهم معظم العراقيين وصاحب التهذيب وحملوا الحديث على أنه تسلفها بدفعتين فان جوزنا فذلك ان بقى عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك ثنتين وأربعين شاة فعجل منها شاتين فاما إذا لم يبق عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك أربعين أو احدي وأربعين فعجل شاتين فوجهان (أحدهما) الجواز كما لو عجل عن أربعين صدقة عام فانه يجوز (وأصحهما) المنع لان التعجيل على النصاب لا يجوز وفي تعجيل شاتين ما يوجب نقصان النصاب في جميع السنة الثانية وذكر أبو الفضل بن عبد ان تفريعا علي جواز تعجيل صدقة عامين أنه هل يجوز أن ينوى تقديم زكاة السنة الثانية علي الاولي فيه وجهان كالوجهين في تقديم الصلاة الثانية علي الاولي في الجمع ولو ملك نصابا فعجل زكاة نصابين نظر ان كان ذلك في زكاة التجارة كما لو اشترى عرضا بنية التجارة بمائتي درهم وأخرج زكاة اربعمائة فحال الحول والعرض يساوى اربعمائة اجزأه ما اخرج لان الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول وإن كان في زكاة العين فان اخرج علي توقع حصول نصاب آخر بسبب مستقبل كما لو ملك مائتي درهم فأخرج زكاة اربعمائة علي توقع الكتساب مائتين واكتسب مائتين لم يجزئه ما اخرجه عن المائتين الحادثتين
وبه قال احمد خلافا لا بي حنيفة بناء علي ان المستفاد في اثناء الحول مضموم إلي ما عنده في الحول فكأنه موجود وقت الاخراج وإن اخرج علي رجاء حصول نصاب آخر أو كمال نصاب آخر من عين ما عنده فصدق رجاؤه كما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثت سخلة أو ملك خمسا من الابل فعجل شاتين تم بلغت بالتوالد عشرا فهل يجزئه ما اخرج عن النصاب الذى كمل الآن فيه وجهان (أصحهما) عند حجة الاسلام وصاحب التتمة الاجزاء لان النتاج الحاصل في اثناء الحول بمثابة الموجود في اوله وهذا قياس المحكى عن ابى حنيفة رحمه الله في الصورة السابقة (والثاني) وهو الاصح عند العراقيين وصاحب التهذيب المنع لانه تقديم زكاة العين علي النصاب فأشبه ما لو اخرج زكاة اربعمائة درهم وهو لا يملك إلا مائتين ورتب امام الحرمين هذين الوجهين علي الوجهين في جواز تقديم صدقة عامين إن جوزنا ذاك فالتقديم للنصاب الثاني اولي وان منعنا ذاك فههنا وجهان والفرق

(5/532)


ان النتاج الحاصل في وسط الحول لا يحتاج الي حول جديد وكان حول المال الذى واجبه شاة منعقد علي ما واجبه شاتان ولا كذلك زكاة السنة الثانية فان حولها لم يدخل بحال وطرد ابن عبدان الوجهين المذكورين في هذه الصورة في الصورة الاولى أيضا وهي ما إذا اشترى عرضا بمائتين واخرج زكاة اربعمائة فحال الحول وقيمته اربعمائة ولو عجل شاة عن اربعين فولدت اربعين وهلكت الامهات هل يجزئه ما اخرج عن السخال نقل في التهذيب فيه وجهين ولك ان تعلم قوله في الكتاب ويجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول بالواو مع الميم المشيرة الي مذهب مالك لان الموفق بن طاهر حكى عن ابي عبيد بن خرنومه من اصحابنا منع التعجيل كما يحكي عن مالك * قال (واما زكاة الفطر فتعجل في اول رمضان وزكاة الرطب والعنب لا تعجل قبل الجفاف وقيل تعجل بعد بدو الصلاح وقيل تعجل بعد بدو الطلع واما الزرع فوجوب زكاته بالفرك والتنقية ويجوز عند الادراك وبعد الادراك وان لم يفرك وقيل يجوز بعد ظهور الحب وان لم يشتد) * الضرب الثاني ما لا يتعلق وجوب الزكاة فيه بالحول كالثمار والزروع ولنتكلم في زكاة الفطر أولا
(اما) انها تجب فسيأتي في موضعه واما تعجيلها فيجوز بعد دخول شهر رمضان لان ابن عمر رضى الله عنهما كان يبعث صدقة الفطر الي الذى يجمع عنده قبل الفطر بيومين واحتج له أيضا بان وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه وقد وجد أحدهما وهو حصول رمضان هذا ما قاله جمهور الاصحاب وذكر ابو سعيد المتولي ان زمان جواز تعجيلها من أول اليوم الاول من رمضان لا من أول رمضان لان زكاة الفطر وجبت بالفطر عن رمضان والصوم هو سبب الفطر فلا تعجل زكاة الفطر قبل سبب الفطر (وقوله) في الكتاب فتعجل من أول رمضان يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن التتمة ولانه لابتداء الغاية وفي جواز تعجيلها علي دخول رمضان وجهان كالوجهين في تعجيل صدقة عامين والاصح المنع كما هو قضية لفظه ويجوز ان يعلم بالحاء أيضا لان عن أبي حنيفة أنه يجوز تقديمها علي رمضان من غير ضبط وبالالف لان عن احمد أنه لا تعجل من أول رمضان انما تعجل قبل الفطر بيوم أو يومين (واما) الثمار والزروع (فاعلم) أن زكاة الثمار تجب ببدو الصلاح وزكاة الزروع تجب باشتداد الحب على ما سيأتي وليس المراد منه وجوب الاداء بل المراد ان حق المساكين يثبت في هاتين الحالتين ثم الاخراج يلزم بعد الجفاف وتنقية الحبوب.
إذا عرفت ذلك فالاخراج بعد ما صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ليس بتعجيل بل هو لازم حينئذ ولا خلاف انه لا يجوز التقديم علي بد والصلاح وخروج

(5/533)


الثمرة كما لا يجوز التعجيل في الضرب الاول على كمال النصاب ووراء ذلك للثمار حالتان (احداهما) ما بعد الطلع وخروج الثمرة وقبل بدو الصلاح فيه وجهان (اظهرهما) عند اكثر العراقيين وتابعهم في التهذيب انه لا يجوز الاخراج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أنه لا يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقا ولا خرصا وتخمينا فصار كما لو قدم الزكاة علي الصناب (والثاني) ان هذه الزكاة تجب بسبب واحد وهو ادراك الثمار فيمتنع التقديم عليه (والوجه الثاني) أنه يحوز كزكاة المواشى قبل الحول وحكي الحناطى هذا الوجه عن ابن سريج ويشهر بابن أبي هريرة والاول بابى اسحق وذكر القاضي ابن كج ان أبا اسحق أجاب بالوجهين في دفعتين ولمن قال بالثاني ان يقول: أما التوجيه الاول فالكلام فيما إذا عرف حصول قدر النصاب وان لم يعرف جملة الحاصل فبعد ذلك ان
خرج زائدا على ما ظنه فيزكى الزيادة وإن خرج ناقصا فبعض المخرج تطوع فلم يمتنع الاخراج (وأما) الثاني (فلا) نسلم ان لهذه الزكاة سببا واحدا بل لها سببان ايضا ظهور الثمرة وادراكها والادراك بمثابة حولان الحول (الحالة الثانية) ما بعد بدو الصلاح وقبل الجفاف وقد حكي امام الحرمين في هذه ايضا وجهين (أحدهما) المنع لعدم العلم بالقدر (واصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه الجواز كما يجوز إخراج الزكاة في الضرب الاول بعد النصاب وقبل الحول بل اولي إذ لا وجوب ثم بعد وههنا يبدو الصلاح قد ثبت الوجوب وان لم يلزم الاخراج وإذا تركت هذا التفصيل واختصرت؟ فالحاصل ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (أحدها) أن زكاة الثمار لا تعجل قبل الجفاف (والثانى) أنها تعجل بعد بدو الصلاح (والثالث) أنها تعجل بعد بدو الطلع وبه قال أحمد وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وقد صرح به في الوسيط لكن الظاهر عند المعظم هو الثاني بل نفى أبو الحسين بن القطان أن يكون فيه خلاف وكذا نقل صاحب العدة فهذا هو الكلام في زكاة الثمار ويقاس بها زكاة الزروع فالاخراج بعد الفرك والتنقية لازم وليس بتعجيل ولا يجوز الاخراج قبل نبات الزرع ورأيت في بعض كتب اصحاب أحمد أن أبا حنيفة يجوزه بعد طرح البذر في الارض ثم وراء ذلك حالتان (إحداهما) ما بعد التسنبل وانعقاد الحبوب وقبل اشتدادها ففيه وجهان علي ما سبق والمنع ههنا أولي لان الحبوب غير موجودة والزرع بقل والثمار موجودة وإن لم يبد فيها الصلاح (والثانية) ما بعد الاشتداد والادراك وقبل الفرك والتنقية فالصحيح جواز الا خراج وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز الاخراج ما لم ينق لان قدر المال إنما يعرف بالتنقية (وقوله) في الكتاب لا يعجل ينبغى أن يعلم بالالف لما ذكرنا (وقوله) وأما الزرع فوجوب زكاته بالفرك (أي) وجوب الاخراج والا فالحق

(5/534)


يثبت عند الاشتداد (وقوله) ويجوز عند الادراك وكذا قوله يجوز بعد ظهور الحب لا بأس باعلامهما بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يجوز الاخراج قبل التنقية.
ثم عد الائمة في هذا الباب ما يقدم علي وقت الوجوب من الحقوق المالية وما لا يقدم (فمنها) كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وسيأتي ذكرها في موضها إن شاء الله تعالي (ومنها) لا يجوز للشيخ الهرم والحامل والمرضع تقديم الفدية علي
رمضان (ومنها) لا يجوز تقديم الاضحية علي يوم النحر (ومنها) كفارة الوقاع في رمضان حكى الحناطي في جواز تقديمها علي الوقاع وجهين (والاصح) المنع (ومنها) إذا قال إذا شفى الله مريضي فلله على أن أعتق رقبة فأعتق قبل الشفاء قال ابن عبدان لا يجزئ في أصح الوجهين ومما ذكره وهو من شرط الباب زكاة المعدن والركاز قال لا يجوز تقديمهما علي الحصول * قال (الثاني ففى الطورئ المانعة من الاجزاء وهو فوات شرط الوجوب وذلك في القابض أن يرتد أو يموت أو يستغنى بحال آخر فان عرضت بعض هذه الحالات وزالت قبل الحول فوجهان أو في المالك بان يرتد أو يموت أو يتلف ماله فيتبين بجميع ذلك ان المعجل لم يقع عن الزكاة أما المال لو تلف في يد المسكين أو في يد الامام وقد قبض بسؤال المسكين فلا بأس وان قبض بسؤال المالك فهو من ضمان المالك وان اجتمع سؤال المالك والمسكين فأى الجانبين يرجح فيه وجهان وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم وحاجة البالغين هل تنزل منزلة سؤالهم فيه وجهان.
) * يشترط في كون المعجل مجزئا أن يبقى القابض بصفة الاستحقاق إلى آخر الحول فلو ارتد قبل الحول أو مات لم يحسب المعجل عن الزكاة وان استغني نظر ان استغنى بالمدفوع إليه أو به وبمال آخر لم يضر فان الزكاة انما تصرف إليه ليستغني فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الاجزاء وان استغني بمال خر لم يحسب المعجل عن الزكاة لخروجه عن أهلية أخذ الزكاة عند الوجوب وان عرض شئ من الحالات المانعة ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ففيه وجهان (أحدهما) انه يجزئ المعجل كما لو لم يكن عد الاخذ من أهل ثم صار عند تمام الحول من أهله (وأصحهما) انه يجزئ اكتفاء بالاهلية في طرفي الاداء والوجوب.
هذا ما يشترط في القابض ويشترط في المالك بقاءه بصفة وجوب الزكاة عليه إلي آخر الحول فلو ارتد وقلنا الردة تمنع وجوب الزكاة أو مات أو تلف جميع ماله أو باعه ونقص عن انصاب لم يكن المعجل زكاة وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث.
نقل عن نصه في الام ان المعجل يقع عن الوارث وقد سبق ذكر قولين في ان

(5/535)


الوارث هل يبني علي حول المورث ام لا فقال الاصحاب هذا الذى ذكره في الام يستمر جوابا علي القول القديم وهو انه يبنى لان الوارث علي هذا القول يبني علي حكم ذلك النصاب والحول فيجزئه ما عجله المورث كما كان يجزئ المورث لو بقى.
وعلى هذا لو تعدد الورثة ثبت حكم الخلطة بينهم ان كان المال ماشية أو غير ماشية وقلنا بثبوت الخلطة في غير الماشية وان قلنا لا تثبت ونقص نصيب كل واحد عن النصاب أو اقتسموا المال ماشية كانت أو غيرها ونقص نصيب كل واحد عن النصاب فينقطع الحول ولا تجب الزكاة علي المشهور وعن صاحب التقريب وجه آخر انهم يجعلون كالشخص الواحد وكأنهم عين المتوفى فيستدام حكمه في حقهم (فأما) إذا فرعنا علي الجديد الصحيح وهو ان الوارث لا يبنى علي حول المورث (فلا) يجزئ المعجل عن الوارث لانه مالك جديد وذلك المعجل مقدم علي النصاب والحول في حقه هذا هو الاظهر ومنهم من قال يجزئه المعجل كما ذكر في الام وهو جواب علي احد الوجهين في تعجيل صدقة عامين فتعجل السنة المستأنفة في حق الوارث كالسنة الثانية في حق المعجل إذا عرفت ذلك فنقول: الامام إذا اخذ من المالك قبل ان يتم حوله مالا للسماكين فلا يخلو إما ان يأخذه بحكم القرض أو ليحسبه عن زكاته عند تمام الحول (الحالة الاولي) ان يأخذ بحكم القرض فينظر ان استقرض بسؤال المساكين فضمانه عليهم سواء تلف في يده أو سلمه إليهم كما لو استقرض الرجل مالا لغيره باذنه وهل يكون الامام طريقا في الضمان حتي يؤخذ منه ويرجع علي المساكين ام لا ان علم المأخوذ منه انه يستقرض للمساكين باذنهم فلا يكون طريقا علي اظهر الوجهين بل يرجع عليهم (والثاني) انه يكون طريقا كالوكيل بالشراء يكون مطالبا علي ظاهر المذهب وإن ظن المأخوذ منه ان يستقرض لنفسه أو للمساكين من غير سؤالهم فله ان يرجع علي الامام والامام يقضيه من مال الصدقة أو يجعله محسوبا عن زكاة المقرض.
ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم فتلف في يد الامام فلا ضمان علي احد (اما) علي المساكين فظاهر (واما) على الامام فلانه وكيل المالك كما لو دفع الرجل مالا إلى غيره ليقرضه من ثالث فهلك عنده لا ضمان عليه.
(ولو استقرض الامام بسؤال المقرض والمساكين جميعا فهلك عنده فهو من ضمان المالك أو المساكين فيه وجهان علي ما سنذكر في الحالة الثانية ولو استقرض
لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين فينظر ان استقرض ولا حاجة بهم الي القرض فالقرض يقع للامام وعليه ضمانه من خالص ماله سواء اتلف في يده أو دفعه الي المساكين ثم إن دفع إليهم متبرعا فلا رجوع وان اقرضهم فقد اقرضهم من مال نفسه وان استقرض لهم وبهم حاجة

(5/536)


فان هلك في يده فوجهان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله انه من ضمان المساكين يقضيه الامام من مال الصدقة كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده يكون الضمان في مال الصبى (واصحهما) ان عليه الضمان من خالص ماله لان المساكين غير معينين وفيهم أو اكثرهم اهل رشد لا ولاية عليهم لاحد الا ترى انه لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ولا التصرف في مالهم بالتجارة وانما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة بخلاف اليتيم وان دفع المستقرض إليهم فالضمان عليهم والامام طريق فيه فإذا أخذ الزكاة والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق فله أن يقضيه من الزكاة وله أن يحسبه عن صدقة المقرض وان لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزكاة المأخوذة لم يجز قضاءه منها بل يقضي من مال نفسه ثم يرجع علي المدفوع إليه الا إن وجد له مالا.
(الحالة الثانية) أن يأخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ مه عند تمام حوله وفيها أربع مسائل كما في القرض (الاولي) أن يستلف بسؤال المساكين فان دفع إليهم قبل الحول وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق والمالك بصفة الوجوب وقع الموقع وان خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان وعلي رب المال اخراج الزكاة ثانيا.
وان تلف في يده قبل تمام الحول من غير تفريط فينظر ان خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة فله الضمان على المساكين وهل يكون الامام طريقا فيه وجهان علي ما ذكرناه في الاستقراض وان لم يخرج عن أن تجب عليه الزكاة فهل يقع المخرج عن زكاته فيه وجهان (أظهرهما) نعم وهو المذكور في الشامل والتتمة لان الامام نائب المساكين فصار كما لو أخذوه وتلف في يدهم (والثاني) لا لا لانه لم يصل إلى المستحقين وعلي هذا له أخذ الضمان من المساكين وفي أخذه من الامام الوجهان فان لم يكن للمساكين مال صرف الامام إذا اجتمعت الزكاة عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذى تسلف منه (الثانية)
أن يتسلف بسؤال المالك فان دفع الي المساكين فتم الحول وهو بصفة الاستحقاق وقع الموقع والا رجع المالك علي المساكين دون الامام وان تلف في يد الامام لم يجزئ المالك سواء كان التلف بتفريط من الامام أو بغير تفريط كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده ثم ان تلف بتفريط منه فعليه الضمان للمالك وان تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا علي المساكين (الثالثة) أن يتسلف بسؤال المالك والمساكين جميعا فمن ضمان من يكون: فيه وجهان (أحدهما) أنه من ضمان المالك كما لو تسلف بمحض سؤاله لان جانبه أقوى إذ الخيار في الدفع والمنع إليه (والثاني) انه من ضمان المساكين لان المنفعة تعود إليهم فيكون المال من ضمانهم الا ترى أن ضمان العارية علي المستعبر

(5/537)


لعود المنفعة عليه وهذا الوجه أصح عند صاحب الشامل واليه يميل كلام الاكثرين وفي التتمة والعدة أن الاول أصح (الرابعة) أن يتسلف لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين لما رأى بهم من الخلة والحاجة فهل تنزل حاجتهم منزلة سؤالهم فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وغيره (أحدهما) نعم لان الزكاة مصروفة إلى جهة الحاجة لا إلى قوم معينين والامام ناظر لها فإذا رأى المصلحة في الاخذ كان له ذلك وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولى الطفل (واظهرهما) انها لا تنزل منزلة سوألهم لانهم اهل رشد ونظر ولو عرفوا صلاحهم في التسلف لا التمسوه من الامام فعلي هذا ان دفعه إليهم وخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول استرده منهم ودفعه إلى غير هم وان خرج الدافع عن اهلية الوجوب استرده ورده إليه فان لم يجد للمدفوع إليه مالا ضمنه من مال نفسه فرط أو لم يفرط وعلي المالك اخراج الزكاة ثانيا وفيه وجه آخر أنه لا ضمان علي الامام ويحكى مثله عن أبى حنيفة واحمد ثم الوجهان في ان الحاجة هل تنزل منزلة السؤال في حق البالغين (فأما) إذا كانوا اطفالا فهذا يبني أولا علي ان الصغير هل يدفع إليه من سهم الفقراء والمساكين ام لا (اما) إذا كان مكتفيا بنفقة ابيه أو غيره من الاقارب ففيه وجهان مذكوران في قسم الصدقات في الكتاب وسنشرحها ثم ان شاء الله تعالي جده (واما) إذ لم يكن من ينفق عليه من اب وجد وغيرهما فقد حكي القاضي ابن كج عن ابي اسحق انه لا يجوز صرف الزكاة إليه لاستغنائه عن الزكاة بالسهم المصروف إلي
اليتامى من الغنيمة.
وعن ابن ابي هريرة انه يجوز صرف الزكاة إلى قيمه قال: وهذا هو المذهب إذا عرفت ذلك فان قلنا بجواز الصرف فحاجة اطفال المساكين كسؤال البالغين إذ ليس لهم اهلية النظر والتماس التسلف فتسلف الامام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم له.
هذا إذا كان الذى يلي امرهم الامام فاما إذا كان يلى امرهم من هو مقدم علي الامام فحاجتهم كحاجة البالغين لان لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه اما إذا قلنا لا يجوز الصرف إلى الصغير فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين ويجوز ان تجئ في سهم الغارمين ونحوه لان الخلاف في المكفى بنفقة أبيه لا يتجه في سهم الغارمين إذ ليس علي القريب قضاء دين القريب وفي المسائل كلها لو تلف المعجل في يد الساعي أو الامام بعد تمام الحول سقطت الزكاة عن المالك لان الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول الي المساكين كما لو اخذ بعد الحول ثم ان فرط في الدفع إليهم ضمن من مال نفسه لهم والا فلا ضمان علي احد وليس من التفريط ان ينتظر انضمام غيره إليه لقلته فانه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده.
وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم ان قوله

(5/538)


وهي فوات شرط الوجوب يفتقر إلى التأويل إذ ليس الطوارئ المانعة من الاجزاء منحصرة في فوات شرط الوجوب بل فوات شرط الاستحقاق في القابض مانع من الاجزاء أيضا.
وأيضا فانه قال وذلك في القابض بان يرتد إلي آخره وصفات القابض ليست من شروط الوجوب في شئ وجواز الصرف إليه (وقوله) بان يرتد أو يموت أو يستغنى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة تغير حال القابض لا يؤثر إذا كان عند الاخذ بصفة الاستحقاق (وقوله) أو في المالك بان يرتد يجوز ان يرقم قوله يرتد بالواو لانا ان ابقينا ملك المرتد وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة أجزأ المعجل (وقوله) أما المال لو تلف إلي آخر الفصل يمكن حمله على الاستقراض وعلى التسلف للزكاة ومراده الثاني على ما صرح به في الوسيط (وقوله) لو تلف في يد المساكين مطلقا سواء قبض الامام بسؤال المالك أو بسؤال المساكين وسلمه إليهم والتفصيل فيما إذا كان التلف في يد الامام (وقوله) فلا ضمان أي إذا اجتمع شرائط الوجوب والاستحقاق جميعا أجزأ المعجل عن الزكاة ولا ضمان على أحد وقد
نجد في بعض النسخ فلا بأس بدل قوله فلا ضمان ولا بأس به معناه لا يضر ذلك وتقع الزكاة موقعها وأيهما كان فهو عند اجتماع الشرائط كما سبق (وقوله) وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم أي كسؤال البالغين لا كسؤال الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أن يقال وحاجة الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أنن يقال وحاجة الاطفال المساكين ولا يخفى أن لفظ المساكين في هذه المسائل كناية عن أهل السهمان جميعا وأنه ليس المراد جميع آحاد الصنف بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم * قال (الثالث في الرجوع عند طريان هذه الاحوال فان قال هذه زكاتي المعجلة فله الرجوع وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط فالمالك هو المصدق في احدى الوجهين لانه المؤدى (أما) إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين ففى الرجوع وجهان.
فان قلنا يرجع فيصدق مع يمينه إذا قال قصدت التعجيل) * إذا دفع الزكاة المعجلة إلي الفقراء وقال انها معجلة فان عرض مانع استردت فله الاسترداد ان عرض مانع وعن أبي حنيفة انه لا استرداد إلا إذا كان المال في يد الامام بعد أو الساعي * لنا أنه مال دفعه لما يستحقه القابض في المستقبل فإذا عرض ما يمنع الاستحقاق استرده كما إذا عجل الاجرة ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة.
وان اقتصر علي قوله هذه زكاة معجلة وعلم القابض ذلك ولم يذكر الرجوع فهل له الاسترداد عند عروض مانع فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) لا لان العادة جارية بأن المدفوع الي الفقير لا يسترد فكأنه ملكه بالجهة المعينة ان وجد

(5/539)


شرطها والا فهو صدقة وصار كما لو صرح وقال هذه زكاتي المعجلة فان وقعت الموقع فذاك والا فهي نافلة (وأصحهما) ولم يذكر المعظم غيره ان له الرجوع لانه عين الجهة فان بطلت رجع كما قلنا في تعجيل الاجرة قال صاحب الوجه الاول: هذا يشكل بما إذا قال هذه الدراهم عن مالي الغائب وكان تالفا فانه يقع صدقة ولا يتمكن من الرجوع الا إذا شرط الرجوع بتقدير تلف الغائب.
أجاب الصيد لاني بانه قد تعرض لكونها معجلة وإذا تعرض لذلك فقد شرط الرجوع ان عرض مانع
وهذا غير واضح كما ينبغي وقرب امام الحرمين في المسالة من القولين فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وهذان الوجهان فيما إذا دفع المالك بنفسه وفيه تكلم صاحب الكتاب ألا تراه يقول فلو قال هذه زكاتي المعجلة والامام لا يقول ذلك (اما) إذا دفع الامام فلا يمكن حعله نافلة فلا حاجة الي شرط الرجوع لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غيره فيجوز أن يقال علي الوجه الاول لا يسترد وعلي الامام الضمان للمالك لتقصيره بترك شرط الرجوع ولو جرى الدفع من غير تعرض للتعجيل ولا علم القابض به فهل يثبت الاسترداد ظاهر نصه في المختصر انه ان كان المعطي الامام يثبت وان اعطى المالك بنفسه فلا يثبت وللاصحاب فيه طريقان (أحد هما) تقرير النصين والفرق ان المالك يعطي من ماله الفرض التطوع فإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعا والامام يقسم مال الغير فلا يعطى الا الفرض فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض وهذا هو الذي ذكره القاضى ابن كج وعامة أصحابنا العراقيين (والثاني) أنه لا فرق بين الامام والمالك لان الامام قد يتصدق بمال نفسه كما يفرق مال الغير وبتقدير أن لا يقسم الا الفرض لكنه قد يكون معجلا وقد يكون في وقته واختلف هؤلاء علي طريقين (أحدهما) تنزيل النصين علي حالين حيث قال يثبت الرجوع فذلك عند وقوع التعرض للتعجيل وحيث قال لا يثبت فذلك عند اهماله والامام والمالك يستويان في الحالتين وذكر في الشامل ان الشيخ أبا حامد حكى هذا الطريق ايضا وهو الذى أورده الجامعون لطريقة القفال واختياراته (والثانى) ان فيهما قولين نقلا وتخريجا (احدهما) أنه يثبت الرجوع كما لو دفع مالا الي غيره على ظن ان له عليه دينا فلم يكن له الا سترداد (والثاني) لا يثبت لان الصدقة تنقسم إلى فرض وتطوع وإذا لم تقع فرضا تقع تطوعا كما لو أخرج زكاة ماله الغائب وهو يظن سلامته فبان تالفا يقع تطوعا وهاذ الطريق أو فق لما ذكره في الكتاب إلا أنه حكي بدل القولين وجهين وكذا فعل امام الحرمين وهو قريب في موضع النقل والتخريج ولم يحك الخلاف في الامام والمالك جميعا فان المسألة مسوقة علي ما سبق في أول الفصل وهو كلام في المالك على ما بينته والاظهر أنه لا يثبت

(5/540)


الرجوع سواء أثبتنا الخلاف أم لا وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولي وأظهر في ظاهر النصين
المنقولين عن المختصر وكشف المراد منهما كلام كثير لا يحتمله هذا الموضع.
فان قلنا يثبت الاسترداد وان لم يتعرض للتعجيل ولا علمه القابض فمهما قال المالك قصدت التعجيل ونازعه القابض فالقول قوله المالك مع اليمين فانه أعرف بنيته ولا سبيل الي معرفتها الا من جهته ولو ادعى المالك علم القابض بأنها كانت معجلة فالقول قول القابض لان الاصل عدم العلم والغالب هو الاداء في الوقت.
وان قلنا لا يثبت الاسترداد عند عدم التعرض للتعجيل وعلم القابض فلو تنازعا في أنه هل شرط التعجيل على الوجه الاصح أو في أنه هل شرط مع ذلك الرجوع علي الوجه الثاني فالقول قول من: فيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المالك مع يمينه لانه المؤدى وهو أعرف بقصده ولهذا لو دفع ثوبا الي غيره واختلفا فقال الدافع هو عارية وقال الآخر هبة كان القول قول الدافع (وأظهرهما) ولم يذكر في العدة غيره أن القول قول المسكين مع يمينه لان الاصل عدم الاشتراط والغالب كون الاداء في الوقت ولانهما اتفقا علي انتقال اليد والملك والاصل استمرارها (وقوله) في الكتاب وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط قد يتوهم تخصيص المسألة والوجهين فيها بالوجه المذكور قبله وهو قوله وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وليس كذلك بل سواء اكتفينا بشرط التعجيل أو شرطنا التصريح بالرجوع وفرض النزاع جرى الوجهان ولو أنه أخر المسالة إلى أن يفرغ من الكلام فيما إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين لكان أولى لان هذا النزاع انا يجرى إذا قلنا لا يثبت الاسترداد ثم إذا اثبتناه فلا فائدة للنزاع في جريان الاشتراط فان المالك وان سلمه وادعي أنه قصد التعجيل والرجوع نصدقه كما سبق والوجهان في تنازع المالك والقابض يجريان في تنازع الامام والقابض إذا قلنا انه يحتاج الي الاشتراط ولفظ التهذيب يشمل الصورتين جميعا (وقوله) ففى الرجوع وجهان يجوز أن يعلم بالواو لما قدمنا من الطريقة القاطعة بامتناع الرجوع ولك أن تبحث في قوله أما إذا لم يتعرض لتعجيل ولا علمه المسكين فتقول هذا يشمل ما إذا سكت فلم يذكر شيئا أصلا وما إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة ولم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فهل يجوز لمخرج الزكاة أن لا يتلفظ بشئ أصلا وبتقدير أن يجوز فهل الحكم واحد في الحالتين أم بينهما فرق.
والجواب أما الاول فقد ذكر صاحب النهاية وغيره أن مخرج الزكاة لا يحتاج إلى لفظ لانه في حكم
توفية حق علي مستحق قال وفي صدقة التطوع تردد والظاهر الذى به عمل الكافة أنه لا حاجة إلى لفظ أصلا (واما الثاني) ففيه طريقان (احدهما) انه إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة كان بمثابة ما لو ذكر التعجيل ولم يصرح بالرجوع (واظهرهما) انه كما لو لم يذكر شيئا اصلا فان ذكر

(5/541)


التعجيل يعرف انها في الحال غير واجبة وقوله هذه زكاتي لا يفيد ذلك والغالب انما هو الاداء في الوقت.
والذى اجاب به العراقيون انه لا يسترد المالك بخلاف الامام فن الامام قد يستعجل الزكاة في العادة والملاك لا يؤدون قبل دخول وقت الوجوب غالبا وهذا جرى منهم على طريقتهم التي سبقت وحكوا في التفريع عليها وجهين في انه لو كان الطارئ موت المسكين هل للمالك ان يستحلف ورثته علي نفى العلم بأنها معجلة.
عن ابي يحيي البلخي انهم يحلفون لا مكان صدقه وعن غيره انهم لا يحلفون لان الظاهر من قوله هذه زكاتي انها واجبة في الحال فليس له دعوى خلافه وشبهوا هذا بالوجهين فيما إذا رهن واقر بأنه اقبض ثم ادعى بأنه لم يقبض واراد التحليف عليه وقوله في اول الفصل الثالث في الرجوع عند طريان هذه الا حوال اشارة الي انه لابد للرجوع من عروض شئ من هذا الخلاف وليس له ان يسترد المعجل من غير سبب لانه تبرع بالتعجيل فأشبه ما لو عجل دينا مؤجلا لا استرداد له * قال (ولو تلف النصاب بنفسه لم يمتنع الرجوع علي اصح الوجهين) * من الطوارئ المانعة من وقوع المعجل زكاة تلف النصاب فحيث يثبت الاسترداد بهدا السبب هل يثبت لو اتلفه المالك بنفسه فيه وجهان (احدهما) لا لتقصيره بالاتلاف (واصحهما) نعم لحصول التلف وخروج المعجل عن ان يكون زكاة وقضية التعليل الاول ان لا يجرى الخلاف فيما إذا اتلفه بالانفاق وغيره من وجوه الحاجات ولو اتلف بعض ماله حتى انتقض النصاب كان كاتلاف جميع المال مثل ان يعجل خمسة دراهم عن مائتي درهم ثم يتلف منها درهما وتنقل هذه الصورة والوجهان فيها عن الاصطخرى * قال (وان كان المال تالفا في يد المسكين فعليه ضمانه وان كان ناقصا ففى الارش
وجهان وان كان باقيا يرد بزوائده المنفصلة والمتصلة وينقض تصرفه وكأنه بان انه لم يملك وقيل انا نقدره مقرضا ان لم يقع عن جهة الزكاة فتلتفت هذه الاحكام على ان القرض يملك بالقبض أو التصرف) * متى اثبتنا حق الاسترداد فلا يخلو المعجل اما ان يكون تالفا أو باقيا في يد القابض فان كان تالفا فعليه ضمانه بالمثل ان كان مثليا والقيمة ان كان متقوما وفي القيمة المعتبرة وجهان (احدهما) انه يعتبر قيمة يوم التلف لان الحق انتقل إلى القيمة يوم التلف فاعتبرت قيمة ذلك اليوم كما في العارية (والثانى) ويحكي عن احمد انه يعتبر قيمة يوم القبض لان ما زاد عليها زاد في ملك القابض فلم يضمنه كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم ارتدت قبل الدخول أو طلقها فان الزوج

(5/542)


يرجع بقيمة يوم القبض قال المحاملى وهذا اشبه.
وينقدح عند امام الحرمين وجه ثالث وهو ايجاب اقصي القيم بناء على ان الملك غير حاصل للقابض واليديد ضمان وقد ذكر مثل هذا في المستعير والمستام فان كان القابض قد مات فالضمان في تركته.
وان كان المعجل باقيا نظر ان لم يحصل فيه زيادة ولا نقصان استرده ودفعه ومثله إلي المستحق ان بقى بصفة الوجوب وان كان الدافع الامام أخذه وهل يصرفه الي المستحقين بدون اذن جديد من المالك: حكي في التتمة فيه وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب له ذلك وإذا أخذ القيمة فهل يجوز صرفها الي المستحقين فيه وجهان لان دفع القيم لا يجزئ فان جوزناه وهو الاظهر فهل يحتاج الي اذن جديد فيه وجهان.
وان حصلت فيه زيادة فن كانت متصلة كالسمن والكبر أخذه مع الزيادة كما ولو زاد الموهوب في يد الابن زيادة متصلة ورجع الاب فيه وكما إذا أفلس المشترى بالثمن وقد زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت منفصلة كالولد واللبن فهل يأخذها مع الاصل فيه وجهان احدهما نعم لانا بينا بما طرأ اخيرا انه لم يملك المقبوض واصحهما ولم يذكر الجمهور غيره لا كما ان الاب لا يرجع في الزيادة المنفصلة من الموهوب وكما أنها للمشترى إذا رد الاصل بالعيب أو رد عليه العوض ويحكي هذا الثاني عن نص الشافعي رضى الله عنه وان حدث
فيه نقصان فهل يجب فيه أرشه فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يجب الضمان عند التلف فيعتبر الجزء بالجملة (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم لا وحكوه عن ظاهر نصه في الام ووجه بأنه نقصان حدث في ملكه فلا يضمنه كالاب إذا رجع في الموهوب وقد نقص فلا يأخذ معه الارش كالبائع إذا استرد المبيع وقد نقص عند افلاس المشترى ليس له الارش وهذا الوجه هو اختيار القفال فيما حكي الصيدلانى قال واستشهد عليه بما إذا رد المبيع بعيب والثمن باق لكنه حدث فيه عيب ليس له الا المعيب وان كان يأخذ مثله أو قيمته لو كان تالفا قال امام الحرمين وهذا مشكل والزامه الرضا بالثمن المعيب بعيد وانما الذى قاله الاصحاب أنه لو وجد بالمبيع عيبا وتمكن من الرد فرضى لا أرش له والكلام فيه يتضح في موضعه ان شاء الله تعالي جده.
ثم أشار حجة الاسلام رحمه الله في هذه المسائل إلى أصل ذكره الامام وهو أن المعجل هل يصير ملكا للقابض أم لا وان صار ملكا له فيأتى فيه وجه يكون ماكا له قال حيث لا يثبت الرجوع فالمعجل مردد بين أن يكون فرضا أو تطوعا والملك حاصل للقابض على التقديرين وحيث يثبت فله تقديران لم يصرح بهما الاصحاب وجزم عليهما صاحب التقريب (أحد هما) أن الملك موقوف إلى أن يكشف الامر في المال فان حدث مانع تبين استمرار ملك المالك والا تبين أنه صار ملكا للقابض من يومئذ (والثانى) أن

(5/543)


الملك ثابت للقابص لكن ان استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة والا تبين وقوعه فرضا ثم الفرض يملك بالقبض أو بالتصرف وان ملك بالتصرف فبأى تصرف يملك: فيه خلاف مذكور في بابه وعلي هذا الاصل يجرى الوجهان في الزوائد المنفصلة وان قلنا بالتوقف وجب ردها لتبين حدوثها علي ملك المالك وان قلنا بتقدير الفرض فان قلنا إنه يملك بالقبض سلمت الزوائد للقابض وان قلنا يملك بالتصرف وحدثت الزوائد قبل التصرف وهذا كما لو استقرض أغناما ونتجت في يده ثم باعها واستبقى النتاج قال الامام ينقدح فيه أمران (أحدهما) أن يقدر انتقال الملك في الاغنام الي المستقرض قبيل البيع ويجعل النتاج للمستقرض (والثاني) ان يستند الملك إلى حالة القبض ويجعل النتاج للمستقرص ومما يخرج على هذا الاصل تصرفه في المال المعجل
بأن باع ما قبضه ثم طرأ بعض الاحوال المانعة فان توقفنا في الملك تبين انتقاض بيعه وان قلنا بالفرض فلا ومما يخرج عليه أنه هل يجوز للقابض عند بقاء العين الابدال أم يلزمه رد عين المأخوذ فان قلنا بالتوقف لزم رد عينه وان قلنا بالفرض فان قلنا يملك بالقبض فله الابدال وان قلنا يملك بالتصرف ولم يوجد فللمالك استرداده بعينه: واعلم أن ايراد الكتاب يقتضى ترجيح التقدير الاول لكن كلام المعظم يقتضي ترجيح الجزم بثبوت الملك ولذلك قالوا لا يجب رد الزوائد المنفصلة ولا أرش النقصان علي ما قدمناه * قال (ولو لم يملك الا أربعين فعجل واحدة فاستغني القابض أو مات فان جعلنا المخرج للزكاة قرضا لم يلزمه تجديد الزكاة لان الحول انقضى علي تسع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة لان الحول انقضى علي ستع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة كالباقي وان قلنا تبين أن الملك لم يزل التفت علي المجحود والمغصوب لوقوع الحيلولة) * الذى يحتاج الي معرفته أولا وقد أشار إليه في اثناء الفصل ان المعجل للزكاة مضموم الي ما عنده ونازل منزلة ما لو كان في يده (بيانه) لو اخرج شاة من اربعين ثم حال الحول الحول ولم يطرأ مانع أجزأه ما عجل وكانت تلك الشاة بمثابة الباقيات عنده ولو عجل شاة عن مائة وعشرين ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجة مائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى وان انفق القابض تلك المعجلة ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت سخلة قبل الحول فقد بلغت غنمه مع المعجلتين مائتين وواحدة فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شئ زائد لان المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب وإن جاز إخراجهما عن الزكاة.
وخالف أبو حنيفة هذا الاصل فلم يحوز التعجيل الا بشرط

(5/544)


ان يكون الباقي عنده نصابا ولم يجعل المعجل مضموما الي ما عنده فيخرج من ذلك امتناع التعجيل في الصورة الاولي وأن لا تجب شاة ثانية في الثانية ولا ثالثة في الثالثة وساعدنا احمد علي ما ذكرنا واحتج الاصحاب علي جواز التعجيل عن الاربعين فحسب بأن قالوا هذا نصاب يجب الزكاة فيه بحولان
الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان اكثر من أربعين واحتج الشافعي رضي الله عنه علي تكميل النصاب الثاني والثالث بالمعجل بأن التعجيل انما جوز ارفاقا بالفقراء فلا يجوز أن يصير سببا لاسقاط حقوقهم ومعلوم أنه لولا التعجيل لو جبت زيادة علي ما أخرجه.
إذا عرفت ذلك فلا يخلوا لحال بعد تعجيل الزكاة اما أن يتم الحول علي السلامة أو يعرض مانع فان تم الحول علي السلامة أجزأه ما اخرج ثم كيف التقدير إذا كان الباقي عنده ناقصا عن النصاب كما لو لم يملك الا اربعين فعجل منها واحدة: أيزول الملك عن المعجل ومع ذلك يحتسب عن الزكاة أم لا يزول: عن صاحب التقريب أنه يقدر كأن الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب واستبعد امام الحرمين ذلك وقال تصرف القابض فيه نافذ بالبيع والهبة وغير هما فكيف فقول ببقاء ملك المعطى وهذا الاستبعاد حق ان أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة إلي آخر الحول وإن أراد أنه نازل منزلة الباقي حتي يكون مجزئا عن زكاته ويكمل بالنصاب الآخر فلا استبعاد والاصحاب مطبقون عليه وكأنه اكتفى عن التعجيل بمضي ما سبق من الحول علي كمال النصاب رفقا بالفقراء فهذا إذا تم الحول على السلامة وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة نظر ان كان المخرج أهلا للوجوب وبقى في يده نصاب لزمه الاخراج ثانيا وان كان الباقي دون النصاب فحيث لا يثبت الاسترداد فلا زكاة عليه وكأنه تطوع بشاة قبل تمام الحول وحيث يثبت الاسترداد فاسترد فقد ذكر شيوخنا العراقيون فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يستأنف الحول ولا زكاة لما مضى لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام الحول (والثانى) أنه تجب الزكاة للحول الماضي لان المخرج للزكاة كالباقي واحتجوا عليه بما إذا وقع عن الزكاة (والثالث) أنه يفرق بين النقد فيزكيه لما مضى وبين الماشية فلا يزكيها لما مضى لان السوم شرط في زكاة المشاية وذلك ممتنع في الحيوان في الذمة.
قالوا وأظهر الوجوه هو الثاني وهو الذى ذكره في التهذيب بل لفظه يقتضي وجوب الاخراج ثانيا وإن لم يسترد بعد إذا كان المخرج بعينه باقيا في يد القابض وعن صاحب التقريب بناء المسألة على الاصل السابق وهو أنه إذا ثبت الاسترداد فتبين ان الملك لم يزل عن المعجل أو يقال بالزوال ويجعل قرضا إن قلنا بالزوال فإذا استرجع استفتح الحول من يومئذ ولا زكاة لما مضى.
وان قلنا يتبين أن الملك لم يزل لزمه الزكاة لما مضى لتبين
أطراد الحول علي نصاب كامل وزاد الامام شيئا آخر على هذا القدير الثاني فقال: الشافة التى تسلط

(5/545)


القابض على التصرف فيها قد حصلت الحيولة بينها وبين المالك فيجئ فيها خلاف المغصوب والمجحود وهذا الطريق هو الذى أورده في الكتاب وكلام العراقيين يعر بتخريج الوجوء كلها بعد تسليم زوال الملك عن المعجل وكيف ما كان فالظاهر عند المعظم أنه يجب تجديد الزكاة.
ولو كان المخرج تالفا في يد القابض فقد صار الضمان دينا عليه فان أو جبنا تجديد الزكاة إذا كان باقيا فيجئ ههنا قولا وجوب الزكاة في الدين هذا في الدين وفي المواشي لا تجب الزكاة بحال لان الواجب علي القابض القيمة فلا يكمل بها نصاب المشاية.
وروى القاضي ابن كج عن ابن اسحق اقامة القيمة مقام العين ههنا مراعاة لجانب المساكين وقوله في اول الفصل ولو لم يملك الا اربعين فعجل واحدة فاستغنى القابض أي بغير الزكاة وذكر الاستغناء مثالا والحكم لا يختص به بل الموت وسائر الطوارئ في معناه (وقوله) بخلاف ما إذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج كالباقي للزكاة أي المخرج للزكوة إذا وقع عن الزكاة كالباقي.
فاما إذا طرأ مانع فلا يجعل كالباقي وهكذا ذكر صاحب التهذيب في فرع سنذكره على الاثر لكن ما حكينا عن العراقيين في توجيه الوجه الثاني ينازع فيه ويصرح بكونه كالباقي وان لم يقع عن الزكاة * (فرع) لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الابل فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول فلا يجزئه بنت المخاض المعجلة وان صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى.
قال صاحب التهذيب من عنده: فان كان المخرج هالكا والنتاج لم يزد علي أحد عشر ولم تكن ابله ستا وثلاثين الا مع المخرج وجب ان لا تجب بنت لبون لانا انما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبا عن الزكاة أما إذا لم يقع محسوبا فلا بل هو كهلاك بعض المال قبل الحول * قال (القسم الثالث في تأخير الزكاة وهو سبب الضمان (ح) والعصيان (ح) عند التمكن وان تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة) *
إذا تم الحول على المال الذى يشترط في زكاته الحول وتمكن من الاداء فأخر عصى لما تقدم أن الزكاة علي الفور ويدخل في ضمانه حتي لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء أو قبل ذلك وعند ابي حنيفة رحمه الله تسقط الزكاة ولا ضمان * إن كان التلف قبل المطالبة.
وان كان بعدها فلا صحابه فيه اختلاف * لنا انه قصر بحبس الحق عن المستحق فلزمه ضمانه ولو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن فلا شئ كما لو دخل وقت الصلاة فعرض له جنون أو نحوه قبل التمكن من فعلها أو ملك الزاد والراحلة ولم يتمكن

(5/546)


من فعل الحج.
وان اتلفه بنفسه بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط عنه الزكاة لتقصيره باتلافه وعن مالك انه ان لم يقصد بالاتلاف الفرار عن الزكاة تسقط وان اتلفه غيره فينبنى علي اصل سيأتي وهو ان الامكان من شرائط الوجوب أو من شرائط الضمان ان قلنا بالاول فلا زكاة كما لو اتلف قبل الحول وان قلنا بالثاني وقلنا مع ذلك الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة ايضا لانه تلف قبل حصول شرط الاستقرار وان قلنا تتعلق بالعين انتقل حق المستحقين الي القيمة كما إذا قتل العبد الجاني أو المرهون ينتقل الحق الي القيمة (وقوله) في الكتاب هو سبب الضمان والعصيان معلم بالحاء لما ذكرنا ويجوز ان يعلم قوله فلا زكاة بالالف لان صاحب الشامل حكى عن احمد انه لا تسقط الزكاة كما لو اتلفه * قال (وإن ملك خمسا من الابل فتلف قبل التمكن واحد فأحد القولين أنه يسقط كل الزكاة كما لو تلف قبل الحول لان الامكان شرط للوجوب (والاصح) أنه لا يسقط إلا خمس شاة لان الامكان شرط الضمان وعلي هذا لو ملك تسعا فتلف أربع قبل التمكن فالجديد أن الزكاة لا تسقط عن الوقص فلا يسقط بسببه شئ من الزكاة.
وعلي القديم يسقط أربعة أتساع شاة) * مسألتا الفصل مبنيتان علي أصلين (أحدهما) أن امكان الاداء من شرائط الضمان وهل هو مع ذلك من شرائط الوجوب فيه قولان (احدهما) ويحكى عن القديم وبه قال مالك أنه من شرائط
الوجوب كما في الصوم والصلاة والحج لانه لو تلف قبل الامكان سقطت الزكاة ولو وجبت لما سقطت وبهذا أجاب في المختصر في مواضع (وأصحهما) عند ابن سريج وجمهور الاصحاب وهو قوله في الاملاء ومذهب أبى حنيفة رحمه الله أنه ليس الا من شرائط الضمان لانه لو تلف المال بعد الحول لا تسقط عنه الزكاة ولولا الوجوب لسقطت كما لو تلف قبل الحول.
واحتج كثيرون لهذا القول بأنه لو تأخر الامكان مدة فابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الحول الاول لامن حصول الامكان وبأنه لو حدث نتاج بعد الحول وقبل الامكان يضم الي الاصل في الحول الثاني دون الاول وهذا جرى منهم في المسألة الثانية علي أظهر الطريقين وقد قدمنا في فصل النتاج أن من الاصحاب من بنى المسألة علي القولين في الامكان.
وعند مالك ابتداء الحول الثاني من وقت حصول الامكان والنتاج الحادث من وقت حصول الامكان مضموم إلى الاصل في الحول الاول وعبر صاحب التتمة عن تحقيق هذا الخلاف بأنا إذا قلنا الامكان من شرائط الوجوب فهو علي

(5/547)


سبيل التبيين معناه أنا نتبين بالامكان حصول الوجوب عند تمام الحول ونسميه شرط الوجوب توسعا.
ومالك يجعله شرط الوجوب حقيقة ولا يقول بالتبيين.
وبعض أصحابنا يعبر عن القول الاول بالقديم وعن الثاني بالجديد وهو اقتصار من الجديد علي ما يقابل القديم والا فقضية ما ذكرنا حصول قولين في الجديد (أحدهما) كالقديم (والثانى) خلافه (الاصل الثاني) أن الاوقاص وهى ما بين النصابين كما بين الخمس والعشر من الابل يتعلق الواجب بها مع النصب أم هي عفو والزكاة تتعلق بالنصب فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والمزنى أنها عفو لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (في خمس من الابل شاة ولا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا) ولا نالو بسطنا الواجب علي الوقص والنصاب لسقط قسط من الواجب بتلف الوقص بعد الحول كما سيأتي ومالا تزيد الزكاة بزيادته لا ينبغي أن تنقص بنقصانه (والثاني) وهو اختيار ابن سريج أن الواجب ينبسط علي الكل لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث أنس (في أربع وعشرين فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض) علق الفرض
بالنصاب والوقص ولانه حق لله تعالى يتعلق بنصاب من المال فيتعلق به وبما زاد كما لو سرق اكثر من نصاب يتعلق القطع بالكل فإذا ملك تسعا من الابل فعلي القول الاول عليه في خمس منها لا بعينها شاة والباقى عفو (وعلى الثاني) الشاة واجبة في الكل وقال امام الحرمين: الوجه عندي أن تكون الشاة متعلقة بجميع التسع لا محالة والمراد من القولين أن الوقص هل يجعل وقاية للنصاب كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال عند الخشران ففى قول يجعل وقاية له وهو الصحيح لان الزكاة لا تزيد به ولا تنقص بتلفه وفي قول تجعل وقاية حتي لو تلف البعض سقطت حصته وهذا أحسن والمشهور الاول إذا عرفت ذلك فاحدى مسألتي الفصل أن تملك خمسا ويحول عليها الحول ثم تتلف منها واحدة قبل التمكن فلا زكاة عليه للتالف وهل يجب للباقى.
يبنى علي الاصل الاول: ان قلنا الامكان شرط للوجوب فلا شئ عليه كما لو تلف قبل

(5/548)


تمام الحول وان قلنا انه شرط الضمان دون الوجوب فعليه أربعة أخماس شاة لان هذا القدر هو المستقر بالامكان ولو تلف أربع فعلى الاول لا شئ عليه وعلي الثاني عليه خمس شاة ولو ملك ثلاثين من البقر وتلف خمس منها قبل الامكان وبعد الحول فان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه خمسة أسداس تبيع (والمسألة الثانية) ملك تسعا من الابل وحال عليها الحول تم تلف قبل التمكن اربع فحكمها يقتبس من الاصلين.
ان قلنا الامكان شرط الوجوب فعليه شاة كما لو تلف قبل الحول وان قلنا انه شرط للضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه شاة أيضا لبقاء متعلق الواجب وان قلنا الواجب ينبسط علي الجميع ففيه وجهان (أصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه أن عليه خمسة أتساع شاة لانها متعلقة بجميع التسع فحصة كل بعير منها تسع يسقط بتلف الاربع اربعة اتساع ويبقي الباقي والثانى عن القاضي ابى الطيب أن أبا اسحق قال عليه شاة ايضا ووجهه ابن الصباغ بان الزيادة ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها وان تعلق بها الواجب كما لو شهد خمسة على محصن بالزنا فرجمناه ثم رجع واحد منهم وزعم انه غلط فلا ضمان على واحد منهم وان رجع اثنان حينئذ يجب الضمان ولو كانت المسألة بحالها وتلف خمس فان قلنا الامكان من شرائط الوجوب فلا شئ عليه لانتقاص
النصاب قبل الوجوب كما لو تلف قبل الحول وان قلنا من شرائط الضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه اربعة اخماس شاة لان الواجب لم يتعلق إلا بخمس منها ولم يتلف من الخمس الا واحدة وان بسطنا الواجب علي الكل فعليه اربعة اتساع شاة لان الشاة تعلقت بالتسع وقد بقى منها اربع فلا يجئ ههنا وجه ابي اسحق ولو ملك ثمانين من الغنم فتلف منها اربعون بعد الحول وقبل التمكن فان قلنا الامكان شرط الوجوب أو قلنا انه شرط الضمان والوقص عفو فعليه شاة وان قلنا انه شرط الضمان وبسطنا الواجب علي الكل فعليه نصف شاة وعلي الوجه المروى عن أبى اسحق تجب شاة أيضا وعلي هذه الصورة يقاس نظائرها (واما) لفظ الكتاب (فقوله) فتلف قبل التمكن واحد أي وبعد الحول (وقوله) لان الامكان شرط الوجوب (معلم) بالحاء (وقوله) شرط الضمان بالميم لما قدمناه وقد استدرك من جهة اللفظ على قوله يسقط كل الزكاة لان السقوط يفتقر الي سبق الثبوت ونحن علي هذا القول نقول بعدم الوجوب أصلا الا أن لفظ السقوط قد يستعمل حيث يكون الشئ بعرضية الثبوت فتبطل عرضيته (وقوله) في أول الصورة الثانية وعلي هذا أي علي قولنا الامكان شرط الضمان فانا حينئذ نبني المسألة على الخلاف في الوقص (وقوله) يسقط أربعة أتساع شاة (أي) لان الزكاة تنبسط علي الوقص ويجوز أن يعلم بالحاء والزاى والواو أيضا لوجه أبي اسحق (وقوله)

(5/549)


فالجديد أن الزكاة لا تنبسط علي الوقص وتسمية ما يقابله قديما اتباع لما ذكره الصيدلانى والامام وليس ذلك علي سبيل جزم الجديد بعدم الانبساط لان الشيخ أبا حامد وغيره من الشيوخ نقلوا عدم الانبساط عن القديم وأكثر الكتب الجديدة والانبساط عن البويطي والاملاء فاقتضي ذلك قولين في الجديد وكلامهم يشعر بجزم القديم بعدم الانبساط فان كان كذلك لم يجز نسبة الانبساط إلى القديم وإلا فهو غير جازم بالانبساط كما أن الجديد غير جازم بعدم الانبساط * قال (وإمكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق وهو المسكين أو السلطان فان حضر مستحق فأخر لانتظار القريب أو الجار لم يعص علي أحد الوجهين ولكن جواز التأخير بشرط الضمان علي أصح الوجهين) *
مقصود الفصل بيان المراد من إمكان الاداء فاعلم أنه ليس المراد من الامكان مجرد كونه بسبيل من إخراج الزكاة ولكن يعتبر معه شئ آخر وهو وجوب الاخراج وذلك بأن تجتمع شرائطه (فمنها) أن يكون المال حاضرا عنده فأما إذا كان غائبا فلا يوجب إخراج زكاته من موضع آخر وإن جوزنا نقل الصدقات (ومنها) أن يجد المصروف إليه والاموال علي ما قدمنا ظاهرة وباطنة والباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه ويجوز أن يفرقها بنفسه فيكون واجد المصروف إليه سواء وجد أهل السهمان أو الامام أو نائبه وأما في الاموال الظاهرة فكذلك ان جوزنا له ان يفرق زكاتها بنفسه وإلا فلا امكان حتي يجد الامام أو نائبه ثم إذا وجد من يجوز الصرف إليه لكن أخر لطلب الافضل ففى جوازه وجهان وذلك كما إذا وجد الامام أو نائبه وأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا انه أولي أو وجد أهل السهمان فأخر ليدفع الي الامام أو نائبه حيث قلنا انه أولي أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو احوج إليه (احد الوجهين) انه لا يجوز التأخير لذلك لان المستحق حاضر والزكاة واجبة علي الفور فلا يؤخر (وأظهرهما) الجواز لانه تأخير لغرض ظاهر وهو اقتناص الفضيلة به فيسامح فعلي هذا لو أخر وتلف هل يضمن فيه وجهان (أحدهما) لا كالتأخير لسائر الاسباب الجائزة (وأصحهما) نعم لان الامكان حاصل وإنما يؤخر لغرض نفسه فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة وذكر إمام الحرمين للوجهين شرطين (أحدهما) أن يظهر اتصاف الحاضرين بصفة الاستحقاق فان تردد في بقائهم وأخر ليتروى وينظر فلا خلاف (والثانى) أن لا تشتد حاجة الحاضرين وفاقتهم أما لو كانوا يتضررون جاعا فأخر لانتظار قريب أو جار لم يجز بلا خلاف ولك ان تقول اشباع الجائعين وإن وجب لكنه غير متعين علي هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق مال الزكاة وإذا كان كذلك فلم يلزم من وجوب الاشباع أن لا يجوز تأخير الزكاة لاقتناص فضيلة في الاداء

(5/550)


وقوله في الكتاب أو بغيبة المستحق أراد به مستحق الزكاة لا مستحق المال المأخوذ وقوله وهو المسكين أو السلطان اشارة إلى الخلاف في وجوب صرف زكاة الاموال الظاهرة معناها وهو المسكين في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر علي أحد القولين وهذا لفظه في الوسيط لكن قوله وهو
المسكين غير مجرى علي ظاهره فان المسكين غير متعين الاستحقاق في المال الباطن بل يجوز الصرف إلى السلطان ايضا ثم قضية قوله وامكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق انحصار فوات الامكان في الامرين وبتقدير ان يكون كذلك يكون الامكان لازم الحصول عند اجتماع الامرين لكن صاحب التهذيب وغيره يشترط في امكان الاداء ان لا يكون مشتغلا بشئ يهمه من امر دينه ودنياه فإذا اللفظ محتاج الي ضرب من التأويل * قال (فان قيل فما وجه تعلق الزكاة بالعين قلنا فيه اربعة اقوال * قيل لا تتعلق به وقيل المسكين شريكه فيه وقيل هو كاستيثاق المرتهن وقيل ان له تعلقا كتعلق أرش الجناية وهو الاصح) * سقوط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن يشعر بان الزكاة متعلقة بالنصاب غير مسترسلة في الذمة فلما جرى ذكر هذه المسألة حسن البحث عن وجه ذلك التعلق والوجه أن نشرح ما أورده في الكتاب ثم نذكر ما ينبغى أن يعرف (فأما) ترتيب ما في الكتاب (فهو) أن للشافعي رضي الله عنه قولين في كيفية تعلق الزكاة (أحدهما) أنها في الذمة ولا تعلق لها بالعين لانها عبادة وجبت ابتداء من جهة الشرع فتتعلق بالذمة كالحج وصدقة الفطر وكذلك الكفارات (والثاني) أتها تتعلق بالعين لقوله صلي الله عليه وسلم (في أربعين شاة شاة) وعلي هذا ففى كيفية التعلق قولان (أحدهما) أن أهل السهمان يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة لان الواجب يتبع المال في الصفة حتى يؤخذ من المراض مريضة ومن الصحاح صحيحة ولانه لو امتنع من اخراج الزكاة أخذها الامام من عين النصاب قهرا كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة (والثاني) انه يتعلق بالمال تعلق استيثاق لانه لو صار مشتركا لما جاز لرب المال الاخراج من موضع آخر كما لا يجوز للشريك اداء حق الشريك من غير مال الشركة وعلى هذا ففى كيفية الاستيثاق قولان (أحدهما) أنه يتعلق به تعلق الدين بالرهن بدليل أنه لو امتنع من اداء الزكاة أو لم يوجد السن الواجبة في ماله كان للامام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة كما يباع المرهون لقضاء الدين (والثانى) أنه يتعلق به تعلق الارش برقبة العبد الجاني لانه يسقط الواجب بهلاك النصاب ولو كان تعلقها كتعلق الدين بالموهون لما سقطت ويخرج من ذلك عند الاختصار أربعة أقوال كما ذكر في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله
في أربعة أقوال بالواو لان امام الحرمين ثم صاحب البيان حكيا عن ابن سريج أنه لا خلاف في

(5/551)


تعلقها بالعين وإنما الخلاف في كيفية التعلق فتعود الاقوال علي هذه الطريقة إلي ثلاثة.
وعند مالك رحمه الله تتعلق الزكاة بالعين تعلق استحقاق وشركة فلك أن تعلم ما عدا هذا القول بالميم.
وعند أبي حنيفة رحمه الله فيما رواه الصيدلانى وصاحب الشامل تتعلق تعلق الارش برقبة الجاني وهو احدي الروايتين عن احمد رحمه الله تعالي فيجوز أن يعلم ما عدا هذا القول بالحاء والالف.
واعرف بعد هذا أمورا (أحدها) أن عامة مشايخنا رحمهم الله لم يردوا الا قول الذمة وقول الشركة وقالوا الاول قديم والثانى هو الجديد الصحيح واعتذروا عن جواز الابدال استقلالا بأن أمر الزكاة مبين علي المساهلة والارفاق فيحتمل فيه مالا يحتمل في سائر الاموال المشتركة وصاحب الكتاب رجح القول الرابع وهو أن تعلق الزكاة كتعلق الارش فيجوز أن يقال الكلامان مختلفان فيما هو الاصح في المسألة ويجوز أن يقال انهم حكموا بأن الشركة أصح من قول الذمة ولا يلزم منه أن يكون أصح علي وجه الاطلاق والاول أظهر (والثانى) أن ايراد الكتاب يقتضى كون الوجوب في الذمة قولا برأسه وتعلق الرهن قولا برأسه وكذا نقل الامام لكن العراقيين والصيدلانى والقاضي الروياني والجمهور جعلوا الامرين قولان واحدا فقالوا انها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها.
وجمع صاحب التتمة بين الطريقين فحكى وجهين في انا إذا قلنا بتعلقها بالذمة هل تجعل المال خلوا أو نقول هو رهن بها (والثالث) أنا إذا قلنا بثبوت استيثاق المرتهن اما قولا برأسه أو جزءا من قول الذمة فهل يجعل جميع المال مرهونا به أو يخص قدر الزكاة بالرهن بها.
فيه وجهان سنفرع عليهما وكذا الخلاف إذا قلنا بثبوت تعلق كتعلق الارش في أنه يتعلق بجميع النصاب أم بقدر الزكاة.
جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الواجب من جنس المال وأما إذا كان من غير جنسه كالشاة الواجبة في الابل ففيه طريقان مذكوران في التتمة وغيرها (أحدهما) القطع بتعلقها بالذمة لتغاير الجنس (وأظهرهما) أنه على لخلاف السابق اما الاستيثاق فلا يختلف وأما الشركة فسبيلها تقدير الاستحقاق بمقدار قيمة الشاة وهذا الطريق هو الموافق لاطلاق الكتاب *
قال (وعليه نفرع فنقول أيصح بيعه قبل أداء الزكاة ولكن الساعي يتبع المال ان لم يؤد المالك فان أخذ الساعي من المشترى انتقض البيع فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وللمشترى الخيار قبل أخذ الساعي إذا عرف ذلك علي أحد الوجهين لتزلزل ملكه وإن أدى المالك سقط خياره على الاصح ولا يلتفت إلي رجوع الساعي بخروج ما أخذه مستحقا) * القول في بيع مال الزكاة يتفرع علي أصلين (أحدهما) ما ذكرنا أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (والثانى) تفريق الصفقة وسيأتى في بابه ان شاء الله تعالى جده وتفصيله أنه إذا باع مال الزكاة

(5/552)


بعد الحول وقبل إخراج الزكاة لم يخل اما أن يبيع جميع النصاب أو بعضه فان باع جميعه فهل يصح في قدر الزكاة يتفرع علي الافوال.
إن قلنا أن الزكاة في الذمة والمال خلو عنها فيصح وإن قلنا المال مرهون بها فقولان (أحدهما) وهو الذى ذكره امام الحرمين أنه لا يصح لان بيع المرهون بدون إذن المرتهن باطل (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم أنه صحيح لان هذه علقة تثبت من غير اختيار المالك وليس ثبوتها لشخص معين فيتسامح فيها بما لا يتسامح في سائر الرهون وهذا كما إذا قلنا على قول الشركة بنينا الامر على المسامحة وإن قلنا بالشركة فقد حكي القاضى ابن كج طريقين (عن ابن القطان) القطع بالبطلان (وعن أبى اسحق وغيره) أن المسألة على قولين وهذا ما أورده أكثر العراقيين (أحدهما) الصحة لان ملك المساكين غير مستقر فيه فان له اسقاطه بالاخراج من موضع آخر فإذا باعه فقد اختار الاخراج من موضع آخر (والثاني) البطلان لانه باع ما لا يملكه وهذا ما أجاب به صاحب التهذيب وعامة المتأخرين فيمكن أن يكون ذلك اختيارا منهم للقول الثاني علي هذه الطريقة ويمكن ان يكون ذهابا منهم إلي الطريقة الاولى.
وان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش ففي صحة البيع قولان كما في بيع العبد الجاني فان صححنا فيكون بالبيع ملتزما للفداء كما سيأتي ببانه في موضعه ثم إذا حكمنا بالصحة في قدر الزكاة ففيما عداه أولى وإذا حكمنا بالبطلان فهل يبطل فيما عداه: أما علي قول الشركة ففيما عداه قولا تفريق الصفقة: وأما علي قول الاستيثاق فان قلنا حق الاستيثاق متعلق
بجميع المال فالبيع باطل في الباقي أيضا ولا فرق وان قصرنا الاستيثاق علي قدر الزكاة ففى الباقي قولا التفريق: قال في النهاية والقصر هو الحق الذى قاله الجمهور وما عداه هفوة وهل تفترق الفتوى فيما عدا قدر الزكاة بين أن يكون لقدر الزكاة جزئية معلومة كالعشر في المعشرات وربع العشر في النقدين وبين أن لا يكون كذلك كالشاة من الاربعين هذا قد ذكره صاحب الكتاب في باب تفريق الصفقة وسنشرحه إن شاء الله تعالي جده وحيث منعنا البيع في الثمار فذلك قبل الخرص فأما بعده فلا منع إذا قلنا أن الخرص تضمين علي ما سنبينه (التفريع) اعلم أن مجموع ما يحصل من الاختلافات التي ذكرنا ثلاثة أقوال بطلان البيع في الكل وصحته في الكل وبطلانه في قدر الزكاة وصحته في الباقي (أما الاول) فلا يخفى حكمه (وأما الثاني) فقد تعرض في الكتاب لتفريعه وإن قصر الكلام علي القول الرابع (وأما الثالث) فلم يتعرض له ونحن نذكرها جميعا أما إذا صححنا البيع في الجميع فان أدي البائع الزكاة من موضع آخر فذاك والا فللساعي أن يبيع المال الحاصل في يد المشترى فيأخذ الزكاة من عينه وفاقا وهذا يضعف قول التعلق بمحض الذمة إذ لو كان كذلك

(5/553)


لما كان له أن يتتبعه كمن باع مالا وفي ذمته دين مرسل ليس لصاحب الدين أن يبيعه فان أخذ الساعي الواجب من عين المال انفسخ البيع في قدر الزكاة وهل ينفسخ في الباقي فيه الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام ان قلنا ينفسخ استرد الثمن والا فله الخيار ان كان جاهلا لتبعض ما اشتراه ان فسخ فذاك وان أجاز في الباقي فيجيز بقسطه من الثمن أم بالجميع فيه قولان (أصحهما) أو لهما ولو لم يأخذ الساعي الواجب منه ولم يؤد البائع الزكاة من غيره فهل للمشترى الخيار ان اطلع علي حقيقة الحال فيه وجهان (أصحهما) نعم لتزلزل ملكه وتعرضه لاخذ الساعي (والثاني) لا لان ملكه في الحال حاصل والظاهر استمراه وأداء البائع الواجب من موضع آخر فان قلنا بالاول فإذا أخرج البائع الواجب من موضع آخر هل يسقط خياره فيه وجهان (اصحهما) نعم وهو المذكور في التهذيب لحصول استقرار الملك كما إذا اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب لا يبقي له الرد (والثاني لا يسقط لانه لا يحتمل ان يخرج ما دفعه الي الساعي مستحقا فيرجع الساعي الي عين المال والوجهان
جاريان فيما إذا باع العبد الجاني ثم فداه السيد هل يبقي للمشترى الخيار.
اما إذا افسدنا البيع في قدر الزكاة وصححناه في الباقي فللمشترى الخيار بين فسخ البيع في الباقي وأجازته ولا يسقط الخيار بأداء البائع الزكاة من موضع آخر لانه ان فعل ذلك فالقصد لا ينقلب صحيحا في قدر الزكاة وإذا اجاز فيجيز بقسط الباقي من الثمن أو بالجميع فيه قولان كما ذكرنا وفي النهاية ان بعض الاصحاب قطع بأنه يخير بجميع الثمن في المواشى لان الشاة ليست معينة ولا جزءأ معلوما فاستحقاقها كعيب شائع في الجميع والمشترى إذا اطلع على عيب قديم واراد الاجازة فانما

(5/554)


يجيز بجميع الثمن والصحيح الاول.
هذا كله فيما إذا باع جميع النصاب (أما) إذا باع بعضه (نظر) إن لم يستبق قدر الزكاة فالحكم كما لو باع الكل.
وان استبقى قدر الزكاة اما علي قصد صرفه إلى الزكاة أولا علي هذا القصد فان فرعنا علي قول الشركة ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) أنه يصح لان ما باعه حقه (وأقيسهما) عند ابن الصباغ المنع لان حق أهل السمهان شائع في الكل فأى قدر باعه كان حقه وحقهم وهذا الخلاف مبنى على كيفية ثبوت الشركة وفيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره (أحدهما) ان الزكاة شائعة في الكل متعلقة بكل واحدة من الشياة بالقسط (والثاني) ان محل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالاخراج.
(وأما) علي قول الرهن (فيبنى) على ما قدمنا ان جميع المال مرهون أو المرهون قدر الزكاة فعلي الاول لا يصح البيع وعلي الثاني يصح (وأما) على قولنا إن تعلق الزكاة كتعلق الارش (فان) صححنا بيع العبد الجاني صح البيع والا فالتفريع كالتفريع علي قول الرهن والله أعلم.
* (أما) لفظ الكتاب (فيجوز) إعلام قوله يصح بيعه قبل اداء الزكاة بالواو لانه وان تكلم علي القول الرابع ففى صحة البيع علي ذلك القول قولان كما في بيع العبد الجاني (وقوله) ولكن للساعي أن يتبع المال لا يختص بهذا القول بل الحكم كذلك متى صححنا البيع على جميع الاقوال (وقوله) إذا عرف ذلك علي الوجهين تنبيه على أنه لو عرف الحال من الابتداء لم يكن له الخيار وقوله.
ولا يلتفت إلي رجوع الساعي الي آخره.
إشارة إلي توجيه الوجه المقابل وبيان انه لا مبالاة به على الاصح وهو كما لو أدى الزكاة ثم باع النصاب.
واعلم ان كلام الفصل أصلا وشرحا
في بيع الغصب التى يجب فيها زكاة الاعيان فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فيه فستأتي في بابها * قال (وإذا ملك أربعين من الغنم فتكرر الحول قبل اخراج الزكاة فزكاة الحول الثاني واجبة إن قنلا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة) * هذه المسأله تنبنى علي أصلين سبقا (أحدهما) أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة (والآخر) ان الدين هل يمنع الزكاة أم لا.
وصورتها أن رجلا ملك أربعين من الغنم فحال الحول عليها ولم يخرج

(5/555)


زكاتها حتى حال عليها حول آخر ولا يخلوا إما أن يحدث منها في كل حول يخلة فصاعدا أولا يحدث منها شئ.
فان حدثت سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف لانه مضي علي نصاب كامل وإن لم يحدث شئ وهذه الحالة هي المقصودة في الكتاب فلا خلاف في لزوم الشاة للحول الاول وهل تجب شاة للحول الثاني.
فان قلنا الزكاة تجب في الذمة وكان يملك غير النصاب ما يفى بشاة فنعم.
وإن لم يملك سوى النصاب شيئا فينبنى ذلك علي أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا إن قلنا يمنع لم يجب للحول الثاني شئ لان واجب الحول الاول دين في ذمته وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين علي سبيل الشركة لم يجب للحول الثاني شئ لان أهل السهمان ملكوا واحدة منها للحول الاول فانتقص النصاب.
قال القاضى ابن كج وإمام الحرمين: وانما لم تجب زكاة الخلطة لان الزكاة غير واجبة علي أهل السهمان فيما استحقوه فالاختلاط معهم كهو مع المكاتب والذمى.
وان فرعنا علي أن تعلق الزكاة كتعلق الرهن أو كتعلق الارش فقد قال الامام كالتفريع على قول الذمة وكلام الكتاب ينزل علي التفريع علي القول الآخر فانه وعد في الفصل السابق بأنه عليه يفرع التفريع ورأيت كلام الصيدلاني في التفريع على القول الآخر بخلاف ما ذكراه فانه قال: إذا قلنا إنها متعلقة بالعين فيجب في العام الاول شاة وبعد ذلك لا يجب لان النصاب ناقص سواء جعلنا تعلقه بالعين للاستيفاء كالجناية أو على معنى الشركة وقياس المذهب ما ذكراه نعم يجوز أن يفرض خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه وان قلنا الدين لا يمنع الزكاة علي ما قدمنا نظائره وبتقدير
أن يكون كذلك فلا يختص بالقول الاخير بل يجرى على قول الرهن والذمة أيضا ولو ملك خمسا وعشرين من الابل ومضي عليها حولان ولا نتاج فان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة وقلنا الدين لا يمنع الزكاة أو كان له ما بفى بالواجب فعليه بنتا مخاض وان قلنا بالشركة فعليه للحول الاول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع القولين الآخرين على قياس ما سبق ولو ملك خمسا من الابل ومضى عليه حولان بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين نعم قد ذكرنا أن من الاصحاب من لا يثبت قول الشركة فيما إذا كان الواجب من غير جنس الاصل فعلي هذا يكون الحكم في هذه الصورة مطلقا كما في الاوليين تفريعا على قول الذمة (والظاهر) وهو اختيار المزني أنه لا فرق بين

(5/556)


أن يكون الواجب من جنس المال أولا من جنسه ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءأ من الابل في الشاة فدل ذلك علي تعلق الحق بعينها وإذا تعلق بعينها فكما يجوز أن يملك أهل السهمان قدر الزكاة إذا كان من جنس المال يجوز أن يملكوه إذا كان من غير الجنس * قال (ولو رهن مال الزكاة صح فان كان قبل الحول وقلنا ان الدين مع الرهن لا يمنع الزكاة أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح تقديما لحق الزكاة على الرهن كما يقدم حق المجني عليه.
ثم لو أيسر المالك فهل يلزمه أن يجبر للمرتهن قدر الزكاة ببذل قيمته لكون رهنا عنده فيه وجهان) * رهن مال الزكاة إما أن يكون بعد تمام الحول أو قبله وقد ذكر الحالتين في الكتاب (فالاولي) في قوله ولو رهن مال الزكاة صح.
وأعلم أن القول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه فيعود فيه جميع ما قدمناه ويحتاج إلى اعلام قوله صح بالواو لمثل ما ذكرنا في البيع ثم إذا صححناه في قدر الزكاة ففيما عداه أولي وإن أبطلناه في قدر الزكاة فالحكم فيما عداه يترتب علي البيع إن صححنا البيع فالرهن أولي وإن أبطلناه ففى الرهن قولان مبنيان علي العلتين المشهورتين لقول فساد التفريق.
إن منعنا التفريق لاتحاد الصيغة وفسادها في بعض مواردها بطل الرهن أيضا وإن عللنا باتحاد العوض لم يبطل ويخرج مما ذكرناه طريقة جازمة بصحة الرهن فيما عدا قدر الزكاة
وبها قال ابن خيران.
ثم ان صححنا الرهن في الجميع ولم يؤد الزكاة من موضع آخر كان للساعي أخذها منه فإذا أخذ انفسخ الرهن فيه وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع وان ابطلناه في الجميع أو في قدر الزكاة خاصة وكان الرهن مشروطا في بيع ففى فساد البيع قولان.
وإن لم يفسد فللمشترى الخيار ولا يسقط خياره باداء الزكاة من موضع آخر (الحالة الثانية) أن يرهن قبل تمام الحول ثم يتم الحول فقد ذكر في وجوب الزكاة فيه خلافا في الكتاب قبل هذها وشرحناه والرهن لابد أن يكون بدين وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المشهور.
(فان قلنا) الرهن لا يمنع الزكاة قلنا الدين أيضا لا يمنع أو قلنا انه يمنع لكن كان له مال آخر يفى بالدين وجبت الزكاة وإلا لم تجب.
إذا عرف ذلك فلا يخلو إما أن لا يملك هذا الراهن مالا آخر أو يملك فان لم يملك فهل تؤخذ الزكاة من عين المرهون ينبى ذلك علي كيفية تعلق الزكاة.
ان قلنا تتعلق بالذمة فعن أبى علي الطبري وغيره

(5/557)


أنه قد اجتمع ههنا حق الله تعالي وحق الآدمى فيخرج على الاقوال الثلاثة في اجتماعهما فان سوينا بينهما وزعنا وعن أكثر الاصحاب أنه يقدم الرهن لانه أسبق ثبوتا والمرهون لا يرهن وهذا الوجه الثاني حكاه الامام رضي الله عنه عن شيخه تفريعا علي قول الرهن ثم أنه خالفه واختار تقديم الزكاة وأعلم ان الذين حكوا الوجهين تفريعا علي قول الذمة هم العراقيون القائلون بان المال مرتهن بالزكاة على قول الذمة (فأما) من محض تعلقها بالذمة فينبغي أن ينقطع بامتناع الاخذ من المرهون كسائر الديون المرسلة وان قلنا بالشركة فتوخذ الزكاة من عين المرهون وكذا ان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش كما تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ويحصل عند الاختصار مما حكينا وجهان كما ذكر في الكتاب (أصحهما) الاخذ من عين المرهون وعلى هذا لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة في الابل يباع جزء من المال في الزكاة وهذا هو الطريق المشهور وهو المحكى عن أبي اسحاق وعن ابن أبى هريرة وأبى حامد القاضى أنه إذا لم يكن له مال آخر تؤخذ الزكاة من عين المرهون بلا خلاف إن كان الواجب من جنس المال وإنما يكون الخلاف فيما إذا كان من غير جنسه والفرق أنه إذا كان الواجب من غير جنس الاصل لم يكن متعلقا بعينه حكى
ذلك عنهما القاضى ابن كج في أثناء طريقتين بينهما بعض الاختلاف ثم إذا أخذت الزكاة من غير المرهون وأيسر المالك الراهن بعد ذلك فهل يغرم قدر الزكاة ليكون رهنا عند المرتهن ان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة فنعم وإن قلنا تتعلق بالعين فوجهان (أحدهما) نعم لانصرافه الي مصلحة براءة ذمته (وأظهرهما) لا لتعلقه بالمال بغير اختياره وهذان الوجهان بناهما الشيخان أبو محمد والصيدلاني علي أن الزكاة المخرجة من مال القراض علي قولنا العامل لا يملك الربح الا بالقسمة معدودة من المؤن أو هي كطائفة من المال يستردها المال إن قلنا بالاول لم يجب علي الراهن الجبر وان وان قلنا بالثاني فيجب وليس هذا البناء على التقدير الاول بواضح فان مؤنات المرهون علي الراهن لا من نفس المرهون بخلاف مؤنة مال القراض فانها من الربح هذا كله فيما إذا لم يملك مالا آخر فاما إذا مالك مالا آخر فالذي قاله الجمهور ان الزكاة تؤخذ من سائر أمواله ولا تؤخذ من عين المرهون لانها من مؤنة المال فاشبهت النفقة وعن أبي علي الطبري وآخرين انا إذا أوجبنا الزكاة في عين المال أخذناها من المرهون وان

(5/558)


ملك مالا آخر وهذا هو القياس كما لا يجب علي السيد فداء العبد المرهون إذا جنى وأبدى الامام من عند نفسه ترددا في المسألة مبنيا على وجوب الجبران في صورة الاعسار ان قلنا ان المعسر إذا أيسر لزمه الجبر وجب علي الموسر ابتداء أداء الزكاة من مال آخر وان قلنا لا يلزمه الجبر لم يجب وقوله في الكتاب أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح أراد به ما إذا لم يملك الراهن مالا آخر دون ما إذا ملك وان كان اللفظ مطلقا والخلاف في الحالتين ثابت بدليل قوله من بعد ثم لو أيسر المالك ويجوز أن يعلم قوله علي الاصح بالواو لان فيه اثبات الخلاف علي الاطلاق وعلى ما قدمنا رواية عن ابن أبى هريرة وأبي حامد تخرج الزكاة من عين المرهون بلا خلاف في بعض الاحوال وأعلم ان هذه المسألة ليست تفريعا من حجة الاسلام علي القول الرابع فحسب بخلاف المسائل التي قبل هذه لانه ذكر الخلاف فيها ولا يجئ الخلاف إذا أفرد القول الرابع بالنظر وهو ان تعلق الزكاة كتعلق الارش وانما يجئ إذا نظرنا الي غير هذا القول أيضا علي ما سبق وقوله يبذل قيمته أراد في المواشي فانها غير مثلية فاما إذا كان النصاب من جنس المثليات كان الجبر بذل المثل علي
ما هو قاعدة الغرامات وقد صرح بذلك صاحب التهذيب وغيره * قال (النوع الثاني زكاة المعشرات والنظر في الموجب والواجب ووقت الوجوب (الطرف الاول) الموجب وهو مقدار خمسة أو سق من كل مقتات (ح م) في حالة الاختيار (م) انبتته ارض مملوكة أو مستأجرة (ح) خراجية (ح) أو غير خراجية إذا كان المالك معينا (ح) حرا (ح) مسلما (ح) ولا زكاة علي الجديد في الزيتون والورس والعسل (ح) والزعفران والعصفر كما لا زكاة في الفواكه (ح) والخضروات ولكن يجب في الارز والماش والباقلا وغيرها من الاقوات والنصاب معتبر وهو ثمانمائة من فان الوسق ستون صاعا وكل صاع أربعة امداد وكل مد رطل وثلث بالبغدادي وكل رطل مائة وثلاثون درهما والمن مائتان وستون درهما والرطل نصف من وهو اثنتا عشرة أو قية والاوقية عشرة دراهم وأربعة دوانيق والدرهم أربعة عشر قيراطا كل ذلك بالوزن البغدادي فان جعلنا ذلك تقريبا لا تحديدا فلا تسقط الزكاة الا بمقدار ما لو وزع علي الاوسق الخمسة لظهر النقصان) *

(5/559)


حصر كلام هذا النوع في ثلاثة أطراف في أنه بم يجب وكم يجب ومتى يجب فأما أنه علي من يجب فعلى ما سبق في النوع الاول وقد أدرجه في ضبط الموجب ههنا أيضا أما الطرف الاول فيحتاج فيه إلى معرفة جنس الموجب وقدره وامور أخر نذكر جميعها في مسائل (المسألة الاولى) تجب الزكاة في الاقوات وهى من الثمار ثمر النخل والكرم ومن الحبوب الحنطة والشعير والارز والعدس والحمص والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا وتسمى الدخن أيضا والماش والهرطمان قال أبو القاسم الكرخي وهو الجلبان والجلبان والخلر واحد فيما ذكر صاحب الشافي وروى الازهرى عن ابن الاعرابي أن الخلر هو الماش فان ثبتت المقدمتان فالهرطمان والماش والخلر والجلبان عبارات عن معبر واحد

(5/560)


ووجه وجوب الزكاة في هذه الاجناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها وألحق الباقي به لشمول معني الاقتيات لجميعها وصلاحها للاقتناء والادخار وعظم المنافع فيها وأما ما سوى الاقوات فلم يختلف قول الشافعي رضي الله عنه في معظمها أنه لا زكاة فيه سواء كان من الثمار
أو الحبوب أو الخضروات وذلك كالتين والسفرجل والخوخ والتفاح والرمان وغيرهما وكالقطن والكتان والسمسم والاسبيوش وهو المعروف ببزر قطونا والثفاء وهو حب الرشاد والكمون والكزبرة والبطيخ والقثاء والسلق والجرز والقنبيط وحبوبها وبذورها واختلف قوله قديما وجديدا في أشياء منها الزيتون فالجديد الصحيح أنه لا زكاة فيه كالجوز واللوز وسائر الثمار وأيضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (الصدقة في أربعة في التمر والزبيب والشعير والحنطة وليس فيما سواها صدقة) هذا الخبر ينفى الزكاة في غير الاربعة لكن ثبت أخذ الصدقة من الذرة وغيرها بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم في الاوقوات وتمسكنا به فيما عداها قال في القديم تجب الزكاة في

(5/561)


الزيتون لما روى عن عمر رضي الله عنه وغيره أن (في الزيتون العشر) وبه قال مالك رحمه الله فعلي هذا وقت الوجوب بدو الصلاح فيه وهو نضجه واسوداده ويعتبر النصاب كما في الرطب والعنب هكذا قاله الجمهور وحكى القاضي ابن كج أن ابن القطان خرج اعتبار النصاب فيه وفي جميع ما يختص القديم بايجاب الزكاة فيه علي قولين ثم إن كان الزيتون مما لا يجئ منه الزيت كالبغدادي أخرج عشره زيتونا وإن كان مما يجئ منه الزيت كالشامي فعن ابن المرزبان حكاية وجهين في جواز اخراج الزيتون (وجه المنع) ان نهاية أمره الزيت فيتعين الاخراج كالثمرة مع الرطب (والصحيح) عند المعظم وهو نصه في القديم جواز اخراج الزيتون لامكان إدخاره ولو أخرج الزيت فهو أولى وروى إمام الحرمين وجها آخر أنه يتعين اخراج الزيتون وعلل بأن النصاب يعتبر فيه دون الزيت بالاتفاق ومنها الورس والزعفران والورس شجر يخرج شيئا كالزعفران فلا زكاة فيهما على الجديد لما سبق ونقل عن القديم أنه يجب في الزكاة إن صح حديث أبي بكر رضى الله عنه وهو ما روى أنه كتب إلي بنى خفاش (أن أدوا زكاة الذرة والورس) ثم قال في القديم من قال في الورس العشر يحتمل أن يقول يمثله في الزعفران لاشتراكهما في المنفعة والفائدة ويحتمل أن لا يوجب فيه شيئا لان الورس ثمرة شجرة لها ساق والزعفران نبات كالخضروات فقال الصيدلانى وغيره له في الورس قولان في القديم لانه مثل وعلق بثبوت حديث أبى بكر رضي الله عنه والزعفران باتفاق الاصحاب
مرتب على الورس إن لم تجب فيه ففي الزعفران أولي وإن وجب ففى الزعفران قلان وإن أوجبنا فيهما الزكاة ففى اعتبار النصاب ما سبق من الخلاف والاكثرون علي عدم الاعتبار ههنا لان الاثر الوارد مطلق والغالب أنه لا يحصل الواحد منهما قدر النصاب فدل أنه كان يؤخذ من القليل

(5/562)


والكثير ومنها العسل فالجديد انه كما سبق وبه قال مالك لما روى أن معاذا لم يأخذ زكاة العسل وقال (لم يأمرني النبي صلي الله عليه وسلم فيه بشئ) وعن علي وابن عمر رضي الله عنهم (أنه لا زكاة فيه) وعن أبى اسحق أن الشافعي رضى الله عنه علق القول فيه في القديم لما روي أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ الزكاة منه) وروى فيه الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم أيضا فان قلنا بالوجوب فاعتبار النصاب كما سبق ومذهب أحمد وجوب الزكاة فيه وبه قال أبو حنيفة رحمه الله إذا أخذه من غير أرض الخراج وذهب الشيخ أبو حامد وغيره إلي أنه قطع القول بنفى الزكاة فيه قديما وجديدا فيحصل فيه طريقان (ومنها) حب العصفر وهو القرطم فالجديد كما سبق والقديم وجوب الزكاة فيه لما روى أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ منه) فعلي هذا الظاهر اعتبار النصاب فيه كما في سائر الحبوب والعصفر نفسه هل يجرى فيه الخلاف قال أبو القاسم الكرخي لا والخلاف في الحب واجري القاضي ابن كج الخلاف فيه وفى الحب ويمكن تشبيهه بالورس والزعفران ومنها الترمس وهو فيما ذكره الصيدلاني وصاحب التهذيب شبيه بالباقلا لكنه أصغر منه وقيل هو شبيه باللوبيا ولا زكاة فيه علي الجديد لانه لا يقتات انما يؤكل تداويا ويقال انه يهيج الباءة وحكى العراقيون عن القديم أنه يجب فيه الزكاة لشبهه بالباقلا واللوبيا (ومنها)

(5/563)


حب الفول حكى القاضي إبن كج وجوب الزكاة فيه على القديم ولم أر هذا النقل لغيره وليس في الفرق بينه وبين حبوب سائر البقول معني معقول (المسألة الثانية) لا يكفى في وجوب الزكاة كون الشئ مقتاتا علي الاطلاق بل المعتبر ان يقتات في حالة الاختيار وقد يقتات الشئ للضرورة فلا زكاة فيه ومثله الشافعي رضي الله عنه بالغث وحب الحنظل وسائر البذور البرية وشبهها بالظباء وبقر الوحش
لا زكاة فيهما لان الآدميين لا يستبيحونها ولا يتعهدونها كذلك هذه الحبوب واختلف في تفسير الغث فعن المزني وطائفة انه حب الغاسول وهو الاشنان ولانه إذا ادرك وتناهي نضجه حصلت فيه مرارة

(5/564)


وحموضة وربما اقتاتها المضطرون وقال آخرون انه حب اسود يابس يدفن حتى تلين قشرته ثم يزال قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ: واعلم أن الائمة ضبطوا ما يجب العشر فيه بوصفين (أحدهما) أن يكون قوتا (والثانى) أن يستنبته الآدميون أي يكون من ذلك الجنس وقالوا ان فقد الاول كما في الاسبيوش أو الثاني كما في الغث أو كلاهما كما في الثفاء فلا زكاة وانما يحتاج الي الوصف الثاني من لم يتعرض لكونه مقتاتا في حال الاختيار بل اطلق الاقتيات: فاما من تعرض لذلك فهو غنى عن ذكر الوصف الثاني إذ ليس فيما لا يستنبت شئ يقتات اختيارا واعتبر العراقيون مع هذين الوصفين وصفين آخرين (أحدهما) أن يدخر (والثانى) أن ييبس ولا حاجة اليهما فانهما لا زمان لكل مقتات مستنبت (المسألة الثالثة) : النصاب معتبر في المعشرات وهو قدر خمسة أو سق وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة رحمهما الله يجب العشر في القليل والكثير لكن له أن يفرق بنفسه فيما دون خمسة أو سق فإذا بلغها دفع الي الامام لنا ما روى ابو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دونه خمسه أو سق من التمر صدقة) وفي رواية جابر وغيره الوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث رطل وهى منوان وثلثا من ويكون الوسق الواحد مائة ستين منا وجملة الاوسق الخمسة ثلثمائة صاع وهى ثمانمائة من وهذا بالمن الصغير وبالكبير اعني الذى وزنه ستمائة درهم يكون ثلثمائة من وستة وأربعين منا وثلثي من هل يعتبر القدر المذكور تقريبا أم تحديدا فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى ذكره الصيدلانى تقريبا لان الوسق عبارة عن حمل بعير وذلك قد يزيد وينقص وانما قدر بستين صاعا تقريبا وأخدا بالوسط (وأصحهما) عند المحاملي والاكثرين انه

(5/565)


تحديد لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت (جرت السنة انه ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة) ولان نصاب المواشى وغيرها معتبر علي التحديد فكذلك هههنا فان قلنا بالاول احتمل
نقصان القدر القليل كالرطل والرطلين وحاول امام الحرمين ضبطه فقال الاوساق هي الا وقار والوقر المقتصد مائة وستون منا فكل نقصان لو وزع على الاوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال فلا يضر وان عدت منحطة عن حد الاعتدال لم يحتمل وان اشكل الامر فيجوز أن يقال لا زكاة الي أن تتحقق الكثرة ويجوز أن يقال يجب لبقاء الاوسق وتعليق الزكاة بها في الخبر الذى رويناه قال وهذا اظهر ثم جرى في أثناء كلامه أن الاعتبار فيما علقه الشارع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد لا بما يحوى البر ونحوه وذكر القاضي الروياني وغيره ان الاعتبار بالكيل لا بالوزن قال ابو العباس الجرجاني الا العسل إذا اوجبنا الزكاة فيه فالاعتبار فيه بالارطال قال فانه لا يكال وهذا هو الصحيح وسيأتي شواهده ومنه قوله في المختصر مكيلة زكاة الفطر هذه الترجمة تشعر بأن المعتبر الكيل وعلى هذا توسط في العدة بين وجهى التقريب والتحديد فقال هو على التحديد في الكيل وعلي التقريب في الوزن وانما قدره العلماء بالوزن استطهارا (المسألة الرابعة) لا فرق بين ما تنبته الارض المملوكة وما تملكه الارض المكتراة في وجوب العشر ويجتمع علي المكترى العشر والاجرة كما لو اكترى حانوتا للتجارة يجب عليه الاجرة وزكاة التجارة جميعا وعند أبي حنيفة رحمه الله العشر علي المكرى لان العشر عنده حق الارض وعلي هذا الاصل يبنى الخلاف في اجتماع العشر والخراج فعندنا هما يجتمعان وعنده لا عشر فيما تنبته الارض الخراجية لنا انهما حقان وجبا بسببين مختلفين فلا يمنع أحدهما الاخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك ثم قال الاصحاب وانما تكون الارض خراجية في صورتين (احداهما) أن يفتح الامام بلدة قهر أو يقسمها بين الغانمين ثم يبدلهم عنهما ويقفها علي المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق علي الصحيح وفيه لابن سريج خلاف مذكور في موضعه (والاخرى) أن يفتح بلدة صلحا علي أن تكون الاراضي للمسلمين ويسكنها الكفار بخراج معلوم فالاراضي فئ المسلمين والخراج عليها أجرة لا يسقط بالسلامهم وكذا لو انجلي الكفار عن بلدة وقلنا ان الاراضي تصير وقفا علي مصابح المسلمين فيضرب عليها خراج يؤديه

(5/566)


من يسكنها مسلما كان أو ذميا فاما إذا فتحت بلدة صلحا ولم يشترط كون الاراضي للمسلمين ولكن
مكثوا فيها بخراج فهذا يسقط بالاسلام فانه جزية وعند أبى حنيفة لا يسقط البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين واستبقيت في أيديهم وكذا التى اسلم أهلها عليها والاراضي التي أحياها المسلمون عشرية محضة وأخذ الخراج منها ظلم (فرع) النواحى التى يؤخذ الخراج منها ولا يعرف كيف كان حالها في الاصل حكى الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي رضي الله عنه انه يستدام الاخذ منها فانه يجوز ان يكون الذى افتتحها صنع بها ما صنع عمر رضى الله عنه بسواد العراق والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى رحق فان قيل فهل يثبت فيها حكم أراضي السواد من امتناع البيع والرهن قيل يجوز أن يقال الظاهر في الاخذ كونه حقا وفي الايدى الملك فلا نترك واحدا من الظاهرين الا بيقين ولهذا نظائر (فرع) الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر فان أخذ السلطان علي أن يكون بدلا عن العشر فهذا كاخذ القيمة في الزكاة بالاجتهاد وقد حكوا في سقوط الفرض به وجهين الذى ذكره في التتمة انه يسقط فان لم يبلغ ذلك قد العشر اخرج الباقي وفي النهاية ان بعض المصنفين حكى قريبا من هذا عن أبى زيد المروزى والستبعده: ونعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله وهو مقدار خمسة أو سق معلم بالحاء لان عنده لا حاجة إلي التقييد بهذا المقدار وقوله من كل مقتات بالحاء والميم والالف لان عندهم لا يتقيد الوجوب بالاقوات بل عند أبى حنيفة يجب في جميع الثمار والخضروات والحبوب التى تنبتها الادميون الا الحشيش والقصب والحطب وعند مالك يجب في كل ما تعظم منفعته ويدخر كالسمسم وبدر الكتان والقطن وعند احمد يجب في جميع الثمار والحبوب التى تكال وتدخر سواء النابت بنفسه والمستنبت وقوله في حال الاختيار يحصل به الاحتراز عن الغث وغيره مما يقتات عند الضرورة وذكر في الوسيط أنه احترز به عن الثفاء والترمس فان العرب تقتاته في حالة الاضطرار وأورده الامام نحوا من ذلك والذى قاله الجمهور في الثفاء والترمس ما قدمنا ولم يجعلوهما مما يقتات وعد الازهرى كليهما مما لا يقتات والله أعلم.
وقوله أو مستأجرة وكذا قوله خراجية مرقومان بالحاء لان عنده لا يجب العشر على مالك الاوسق الخمسة المرفوعة منهما وقوله إذا كان مالكه معينا احترز به عن ثمار البستان وغلد الضيعة الموقوفين علي المساجد والرباطات
والقناطر والفقراء والمساكين فلا زكاة فيها إذ ليس لها مالك معين ويجوز ان يعلم بالواو ولان صاحب البيان حكي ان ابن المنذر روى عن الشافعي رضي الله عنه وجوب الزكاة فيها واليه ذهب ابو حنيفة بناء على ما سبق ان العشر حق الارض وأوجبه على المكاتب والذمى ايضا فليكن قوله معينا

(5/567)


حرا مسلما معلما جميعها بالحاء فاما إذا كان الوقف علي جماعة معينين فقد كتبناه في باب الخلطة وقوله فلا زكاة على الجديد في الزيتون إلى قوله والعصفر لتكن جميعها معلما بالحاء وكذا قوله كما زكاة في الفواكه لما قدمنا والزيتون بالميم أيضا والعسل بالالف ايضا لما مضي ولك تعلم قوله على الجديد بالواو لانه يقتضي اثبات القولين في الاشياء المذكور من الزيتون الي العصفر وقد ذكرنا في العسل طريقة نافية للخلاف بل حكى القاضي ابن كج فيما سوى الزيتون طريقة نافية للخلاف قاطعة بالوجوب وفي جريان الخلاف في العصفر أيضا كلام قد تقدم (وقوله) النصاب معتبر وتعاد العلامة عليه بالحاء وقد وقع التعرض له في أول الكلام حيث قال وهو مقدر خمسة أو سق لكن القصد بذكر هذا الموضع وانما اعترض ذكره ثم لانه حاول استيعاب الامور التى عندها يثبت الوجوب (وقوله) فان جعلنا هذا تقريبا لا تحديدا يتضمن بيان الخلاف كما يصرح بتفريع التقريب * قال (ثم هذه الاوسق تعتبر زبيبا أو تمرا وفي الحبوب منقى عن القشر الا فيما يطحن مع قشره كالذرة ومالا يتتمر بوسق رطبا) * غرض الفصل بيان الحالة التى يعتبر فيها بلوغ المعشر خمسة أوسق فاما في ثمر النخيل والكرم فيعتبر بلوغه هذا المقدار تمرا وزبيبا لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) اعتبر الاوسق من التمر وعن احمد رواية انه يعتبر الاوسق رطبا ويؤخذا عشره يابسا والاصح عنه مثل مذهبنا فان كان له رطب لا يتخذ منه تمر ففى كيفية اعتبار النصاب فيه وجهان (أظهرهما) أنه يوسق رطبا لانه ليس له حالة جفاف ورطوبته اكمل احواله فلا ينظر الا إليها (والثاني) انه يعتبر حالة الجفاف كما في سائر الانواع وعلي هذا فالاعتبار
بنفسه أم بغيره فيه وجهان (أحدهما) بنفسه فيعتبر بلوغ يابسه نصابا وان كان حشفا قليل الخير (والثاني) انه يعتبر بأقرب الارطاب إليه فيقال لو كان بدله ذلك النوع الذى تجفف هل كان يبلغ ثمره نصابا لانه لما لم يمكن اعتباره بنفسه اعتبر بغيره كالجناية على الحر إذا لم يكن لها أرش مقدر وهذا إذا كان يجئ منه تمر وان كان حشفا رديئا فاما إذا كان يفسد بالكلية لم يجئ فيه الوجه الثاني ولفظ الكتاب الي هذا أقرب فانه قال ومالا يتتمر ولم يقل ومالا يتمر وكيف ما كان فقوله بوسق رطبا معلم بالواو والعنب الذى لا يزبب كالرطب الذى لا يتمر ولا خلاف في ضم مالا يجفف منهما إلى ما يجفف في اكمال النصاب قاله في التهذيب ثم في أخذ الواجب من الذى لا يجفف اشكال ستعرفه ووجه الخلاص فيه في مسألة اصابة النخيل العطش ان شاء الله تعالي جده وأما الحبوب فيعتبر بلوغها

(5/568)


نصابا بعد التصفية من التبن والاخراج من السنابل ثم قشورها على ثلاثة اضرب (أحدها) قشر لا يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فهو كالتبن المحض ولا يدخل في النصاب (والثاني) قشر يدخر الحب فيه ويؤكل معه كالذرة تطحن وتؤكل مع قشرها غالبا فيؤخذ ذلك القشر في الحساب فانه طعام وان كان قد يزال تنعما كما تقشر الحنطة فتجعل حوارى وهل يدخل في الحساب القشرة السفلى من الباقلاء حكوا فيه وجهين قال في العدة المذهب انه لا تدخل لانها غليظة غير مقصودة (والثالث) قشر يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فلا يدخل في حساب النصاب ولكن يؤخذ الواجب فيه وهذا كما في العلس والارز أما العلس فقد قال الشافعي رضى الله عنه في الام أنه بعد الدياسة يبقى علي كل حبتين منه كمام لا يزول الا بالرحى الخفيفة أو بالمهراس ادخاره علي ما ذكره أهله في ذلك الكمام أصلح له وإذا أزيل كان الصافى نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه ازالة دلك الكمام عنه ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة اوسق ليكون الصافى منه خمسة أوسق وأما الارز فيدخر أيضا ممع قشره فانه ابقى له فيعتبر بلوغه مع القشر عشرة اوسق وعن الشيخ ابي حامد انه قد يخرج منه الثلث فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا قال (ولا يكمل نصاب جنس بجنس آخر (م) ويكمل العلس بالحنطة فانه حنطة حبتان منه في كمام واحد والسلت قيل انه يضم إلى الشعير لصورته * وقيل يضم
إلى الحنطة * لانه علي طبعها * وقيل هو اصل بنفسه) * لا يضم التمر إلى الزبيب في تكميل النصاب ويضم أنواع التمر بعضها إلي بعض وكذلك أنواع الزبيب ولا تضم أيضا الحنطة إلى الشعير ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلي بعض خلافا لمالك حيث قال تضم الحنطة الي الشعير وتضم القطنية بعضها إلى بعض ولا يضمان إلى القطنية ولاحمد حيث قال يضم أحدهما إلى الآخر ويضمان إلى القطنية أيضا والقطنية هي العدس والحمص ونحوها سميت بذلك لقطونها البيوت: لنا أن كل واحد من أصناف الحبوب منفرد باسم خاص وطبع خاص ولا يضم بعضها إلى بعض كما لا يضم الزبيب الي التمر ويضم العلس الي الحنطة فانه نوع من الحنطة وإذا نحيت الاكمة التى يحوى الواحد منها حبتين خرجت الحنطة الصافية وقبل التنحية لو كان له وسقا علس وأربعة أو سق من الحنطة فقد تم النصاب ولو كان له ثلاثة أو سق من الحنطة فانما يتم النصاب باربعة اوسق من العلس وعلي هذا القياس: وأما السلت فقد اختلفوا في وصفه اولا فذكر العراقيون انه حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع وتابعهم في التهذيب علي ما ذكروا وعكس الصيدلانى وآخرون فقالوا انه في صورة الشعير وطبعه حاركا لحنطة وهذا ما ذكره في الكتاب وكيف

(5/569)


ما كان فله شبه من الحنطة وشبه من الشعير وفيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يضم الي الشعير لما له من شبهه ويحكي هذا عن صاحب الافصاح وصاحب التقريب وبه أجاب أقضى القضاة الماوردى في الاحكام السلطانية (وثانيها) أنه يضم إلى الحنطة لما له من شبهها (وأظهرها) وهو اختيار القفال فيما حكي الصيدلاني أنه أصل بنفسه لا يضم الي واحد منهما لانه اكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به وصار أصلا برأسه وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطى ولك أن تعلم قوله وقيل الي الحنطة لانه علي طبعها بالواو لان أبا سعيد المتولي قال لا خلاف في أنه لا يضم الي الحنطة والخلاف في أنه اصل بنفسه أو يضم إلى الشعير وقد وصف واصفون السلت بان فيه حموضة يسيرة لكنه ليس بالذى يسمي بالفارسية ترش جو فانه شعير علي التحقيق ذكره الامام قال وما عندي ان السلت المذكور في الكتب موجود في هذه الديار *
قال (ولا يكمل ملك رجل بمالك غيره الا الشريك والجار إذا جعلنا للخلطة فيه أثرا) * ذكرنا في باب الخلطة الخلاف في أن الخلطة هل تثبت في الثمار والزروع ام لا وان ثبتت فهل تثبت الخلطتان أو لا تثبت الا خلطة الشيوع والظاهر ثبوتهما جميعا فان قلنا لا تثبتان فلا يكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قلنا تثبتان فيكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قنلا تثبتان فيكمل ملك الرجل بملك الشريك والجار: ومما يتفرع على هذا الاختلاف ما لو مات أنسان وخلف ورثة ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالتين في ملك الورثة ان قلنا لا تثبت الخلطة في الثمار فحكم كل واحد منهم منقطع من غيره فمن بلغ نصيبه نصابا فعليه الزكاة ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه ولا فرق بين أن يقتسموا أولا يقتسموا وان قلنا تثبت الخلطة فقد قال الشافعي رضي الله عنه ان اقتسموا قبل بدوا الصلاح سقط حكم الخلطة وزكوا زكاة الانفراد فمن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار أو أثبتناها وكانت متباعدة فاما إذا كانت متجاورة وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة وان اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة لانهم كانوا شركاء حالة الوجوب وهى بدو الصلاح وبدو الصلاح في الثمار كمضي الحول كله في المواشي وههنا كلامان (احدهما) اعترض المزني فقال القسم بيع وبيع الربويات بعضها ببعض جزافا لا يجوز وبيع الرطب بالرطب على رؤس النخل بيع جزاف وايضا فبيع الرطب بالرطب لا يجوز عند الشافعي رضي الله عنه بحال ولا يندفع هذا الاشكال بان يقال الرطب لم يتمحض عوضا في واحد من الجانبين بل الجذع بل الجذع يدخل في القسمة لان عند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز بيع الربوي وشئ آخر بذلك الربوي وشئ آخر وأجاب الاصحاب بوجهين (احدهما) قالوا الامر علي ما ذكرت ان فرعنا على ان القسمة

(5/570)


بيع لكن له قول آخر وهو ان القسمة افراز حق وعلي ذلك القول اجاب ههنا (والثاني) انا وان قلنا ان القسمة بيع فيتصور فرض القسمة ههنا من وجوه (منها) ان تكون بعض النخيل مثمرة وبعضها غير مثمرة فيجعل هذا سهما وذلك سهما ويقسم قسمة تعديل فيكون بيع النخل والرطب بمحض النخل
وأنه جائز (ومنها) ان تكون التركة نخلتين والوارث شخصان فيشترى احدهما نصيب صاحبه من احدى النخلتين جذعا ورطبا بعشرة ويبيع نصيب نفسه من صاحبه من النخلة الاخرى جذعا ورطبا بعشرة ويتقاضان الدراهم قال الائمة ولا تحتاج إلى شرط القطع وان كانت الصفقتان قبل بدو الصلاح لان المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا فصار كما لو باع كلها صفقة واحدة وانما تحتاج الي شرط القطع حينئذ عند افراد الثمرة بالبيع ومنا أن يبيع كل واحد منهما نصيبه من ثمرة أحدى النخلتين نصيب صاحبه من جذعها فيجوز بعد بدو الصلاح ولا يلزم الربوا وقبل بدو الصلاح لا يجوز إلا بشرط القطع لانه بيع ثمرة تكون للمشترى على جذع البائع ذكره صاحب الشامل وغيره وقد حكي القاضى بن كج عن بعض الاصحاب أن قسمة الثمار بالخرص جائزة علي أحد القولين والذى ذكره ها هنا جواب علي ذلك القول ولك أن تقول هذا لو دفع انما يدفع اشكال البيع جزافا فلا يدفع اشكال منع بيع الرطب (الكلام الثاني) قال أصحابنا العراقيون تجوز القسمة قبل اخراج الزكاة بناء على أن الزكاة في الذمة أما إذا قلنا إنها تتعلق بالعين فلا تصح القسمة واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع علي قول العين بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التصرف بعد ذلك وأيضا فانا حكينا في البيع قولين تفريعا علي التعلق فكذلك القسمة إذا جعلناها بيعا وان جعلناها افرازا فلا منع وجميع ما ذكرنا من المسألة فيما إذا لم يكن علي الميت دين فأما إذا مات وعليه دين وخلف علي ورثته نخيلا مثمرة فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل ان تباع في الدين ففى وجوب الزكاة علي الورثة قولان حكاهما الشيخ أبو على (أحدهما) لا يجب لان ملكهم فيها غير مستقر في الحال إنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره فأشبه ملك المكاتب لما لم يستقر إلا بتقدير أداء النجوم لم تجب الزكوة فيه قبل ذلك (وأصحهما) وهو الذى أورده الجمهور يجب لانها ملكهم ما لم تبع في الدين ألا ترى أن لهم أن يمسكوها ويقضوا الدين من موضع آخر فإذا ملكوا وهم من أهل الزكوة لزمهم الزكوة فعلي هذا القول في أنهم يزكون زكاة الخلطة والانفراد علي ما سبق فيها إذ لم يكن علي الميت دين قال الشيخ ويمكن بناء القولين على الخلاف في أن الدين هل يمنع الميراث فيه قولان وغيره يحكيه وجهين (أحدهما) ويروى عن الاصطخرى نعم لان الله تعالي أثبت الارث بعد الدين حيث
قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (وأصحهما) لا لان الدين لا يستحق الا التعلق به وطلب الحق منه

(5/571)


فتكون الرقبة لهم كالمال المرهون والعبد الجاني رقبتهما للمالك فإذا فرعنا علي الاصح وهو وجوب الزكوة عليهم فان كانوا موسرين أخذت الزكوة منهم وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء وإن كانوا معسرين فهل تؤخذ الزكوة منهم فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف في أن الزكوة تتعلق بالذمة أو بالعين ان قلنا بالذمة والمال مرهون بها فيخرج عل الاقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدميين فان سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء وإن قلنا تتعلق بالعين أخذت الزكوة سواء قلنا بتعلق الشركة أو بمثل تعلق الارش (والطريق الثاني) وهو الاصح ان الزكاة تؤخذ بكل حال لان حق الزكوة أقوى تعلقا بالمال من حق الرهن ألا ترى أن الزكاة تسقط بتلف المال بعد الوجوب وقبل امكان الاداء والدين لا يسقط بهلاك الرهن ثم حق المرتهن مقدم علي حق غيره فحق الزكاة أولي أن يكون مقدما ثم إذا أخذت الزكاة من العين ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا لان وجوب الزكاة عليهم وبسببه تلف ذلك القدر على الغرماء قال صاحب التهذيب هذا إذا قلنا الزكوة تتعلق بالذمة فان علقناها بالعين لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن ولو أن اطلاع النخيل كان بعد موته فالثمار محض حق الورثة ولا تصرف الي دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث فحكمها حكم ما لو حدثت قبل موته * قال (ولا يضم حمل نخلة الي حملها الثاني ولا حمل نخلة الي حمل أخرى إذا تأخر اطلاع الاخير عن جذاذ الاولى وان تأخر عن زهوها فوجهان ووقت الجذاذ كالجذاذ على رأى) * لا خلاف في أن ثمرة العام الثاني لا تضم الي ثمرة العام الاول في تكميل النصاب وان فرض اطلاع ثمرة العام الثاني قبل جذاذ ثمرة العام الاول ولو كانت له نخيل تثمر في العام الواحد مرتين فلا يضم الحمل الثاني الي الاول لان كل حمل كثمرة عام وفي هذه المسألة كلامان (أحدهما) قال الاصحاب هذا لا يكاد يقع لان النخل والكرم اللذين يختصان بايجاب الزكاة في ثمارهما لا يحملان
حملين وانما نفرض ذلك في التين وما لا زكاة فيه وانما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة بيانا للحكم بتقدير التصور (والثاني) أن القاضى ابن كج فصل فقال ان اطلعت النخل للحمل الثاني بعد جذاذ الاول فلا ضم وان اطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح فيه خلاف كما سنذكره في حمل نخلتين وهذا لا يخالف اطلاق الجمهور عدم الضم فان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو الحادث بعد جذاذ الاول والله أعلم *

(5/572)


ولو كانت له نخيل أو كروم يختلف ادراك ثمارها في العام الواحد إما بحسب اختلاف النوع أو بحسب اختلاف البلاد حرارة وبرودة فهل يضم بعض ثمارها الي بعض نظر ان اطلع ما تبطؤ ثمارها قبل زهو الاول وبدو الصلاح فيه وجب الضم لوجود حمل الثاني يوم وجوب الزكاة في الاول والاشجار تطلع وتدرك ثمارها علي تدريج وتفاوت وان اطلع الثاني بعد جذاذ الاول ففيه وجهان (احدهما) وهو الذى أورده القاضى بن كج واصحاب القفال أنه لا يضم لان الثاني حدث بعد انصرام الاول فاشبه ثمرة عامين وهذا هو المذكور في الكتاب (والثاني) وهو الذى قاله أصحاب الشيخ ابى حامد انه يضم لانهما ثمرة عام واحد ولهؤلاء أن يحتجوا على ما ذكروه بقول الشافعي رضي الله عنه وثمرة النخيل تختلف فثمر النخل يجذ بتهامة وهو بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك الي بعض لانها ثمرة عام وان كان بينهما الشهر والشهران فان قلنا بالوجه الثاني فلو كان اطلاع الثاني قبل الجذاذ وبعد بدو الصلاح فهو أولي بالضم وان قلنا بالاول فههنا وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي اسحق انه لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة في الاول فصار كثمرة عامين وذكر في التهذيب ان هذا اصح (والثانى) يضم لاجتماعهما على رأس النخيل كما لو اطلع قبل زهو الاول ثم اختلف الصائرون الي الوجه المذكور في الكتاب وهو اعتبار الجذاذ في ان وقت الجذاذ هل يقام مقام الجذاذ علي وجهين (أحدهما) لا يقام لاجتماع الثمرتين قبل الجذاذ على رأس النخيل (وافقههما) وهو الذى ذكره الصيدلاني انها تقام مقام الجذاذ فان الثمار بعد دخول الوقت كالمجذوذة الاثري انه لو اطلعت النخلة للعام الثاني وقد تركت بعض ثمرة العام الاول عليها لا يثبت الضم
فعلي هذا قال امام الحرمين للجذاذ أول وقت ونهاية ترك الثمار إليها اولي وتلك النهاية أحق بالاعتبار قال (ولو ضممنا نخلة إلى أخرى فجدت التى أطلعت أولا ثم اطلعت ثانيا قبل جذاذ الثانية لم نضمها الي الثانية لان فيها ضما الي الاولي وقد أطلعت بعد جذاذها وذلك يتسلسل فلا تضم الي الثانية) * اذكر المسألة في قالب المثال الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه وتابعه الاصحاب فيه ثم اعود الي عبارة الكتاب فان فيها لبسا اعلم ان من المواضع التى يختلف ادراك الثمار فيها بحسب اختلاف الاهوية تهامة ونجد فتهامة بلاد حارة ونجد بلاد باردة وثمر النخيل بتهامة اسرع ادراكا منها بنجد فإذا كانت للرجل نخيل تهامية واخرى نجدية فاطلعت التهامية ثم أطلعت النجدية لذلك العام واقتضي الحال ضم ثمرة النجدية إلى ثمرة التهامية علي ما فصلناه في الفصل السابق فضممناها إليها ثم اطلعت التهامية مرة أخرى فلا تضم ثمرة هذه المرة إلى ثمرة النجدية وان طلعت قبل بدو الصلاح فيها

(5/573)


لان في ضمها الي النجدية ضما الي ثمرتها المرة الاولي ولا سبيل إليه لان ثمرتها المرة الثانية اما حمل ثان علي تصوير ان تكون تلك التهاميات مما تحمل في كل سنة مرتين وإما حمل سنة ثانية وعلي التقديرين فلا ضم علي ما سبق وهذا ما ذكره الاصحاب ثم قال الصيدلانى وامام الحرمين ولو لم تكن ثمرة النجدية مضمومة إلى حمل التهامية أولا بان اطلعت بعد جذاذ ذلك الحمل لكنا نضم حملها الثاني المطلع قبل جذاذ النجدية إليها إذ لا يلزم ههنا المحذور الذى ذكرناه وهذا قد لا يسلمه سائر الاصحاب لانهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبان ثمرة عام لا تضم إلى ثمرة عام آخر ومعلوم ان ادراك ثمار التهامية في كل عام اسرع من ادراك ثمار النجدية فيكون اطلاع التهامية ثانيا للعام القابل وما على النجدية من العام الاول.
وأما كلام الكتاب فأما ان اراد به الصورة التي نقلناها عن جمهور الاصحاب وأما ان أراد به ما يشعر به ظاهره فان أراد تلك الصورة وهى التي أوردها في الوسيط فاللفظ هههنا يحال عن وجهه تصويرا وتعليلا اما التصوير فلان للجمهور صورا في اطلاع النخلة الاولى مرة أخرى: وهو صور في ثلاث نخلات متغايرة اطلعت الثالثة بعد
جذاذ الاولي وقبل جذاذ الثانية وأما التعليل فلان قوله لان فيها ضما الي قوله وذلك يتسلسل يشعر بان امتناع الضم الي حمل الثانية لتضمنه الضم الي حمل الاولي وقد أطلع هذا بعد جذاذه ولا سبيل الي ضم ما اطلع بعد المجذوذ إليه ولو جوزنا ذلك للزم ضم نخلة إلى نخلة بلا نهاية وهذا التعليل غير التعليل اللذى سبق وان أراد ما يشعر به ظاهر الكلام فعدم الضم مما تنازع فيه كلام الاصحاب اللذين قالوا بانضمام ثمار العام الواحد بعضها الي بعض ولم يبالوا باطلاع الآخر بعد جذاذ الاول علي ما أسلفناه وفي ضبطهم بالعام الواحد ما يقطع التسلسل الذى ادعاه ولا يخفى ان قوله ولو ضممنا نخلة إلى آخرى معناه حمل نخلة الي حمل نخلة اخرى بحذف المضاف قل (وأما الذرة لو زرعت بعد حصاد الاولي فعلي قول هما كحملي شجرة فلا يضم وعلي قول يضم مهما وقع الزرعان والحصادان في سنة وعلي قول يكتفى في الضم بوقوع الزرعين في سنة لانه الداخل تحت الاختيار وعلي قول ينظر الي اجتماع الحصادين فانه المقصود وعلي قول إن وقع الزرعان أو الحصادان معا أو زرع الثاني وحصاد الاول اكتفى به: والزرع بعد اشتداد الحب كهو بعد الحصاد على أحد الرأيين والزرع بتناثر الحبات للاول أو بنقر العصافير كهو بالاختيار وقيل انه يضم لانه تابع ولو أدرك أحد الزرعين والاخر بقل فالظاهر الضم وقيل يخرج علي الاقوال) * الاصل الذى لابد من معرفته أولا أن زرع عام لا يضم الي زرع عام آخر في تكميل النصاب واختلاف أوقات الزراعة لضرورة التدريج فيها كالذى يبتدئ الزراعة ولا يزال يزرع الي شهر أو شهرين لا يقدح بل هي

(5/574)


معدودة زرعا واحدا يضم بعضها الي بعض عند اتحاد الجنس إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسألتان (أحدهما) ان الشئ قد يزرع في سنة واحدة مرارا كالذرة تزرع في فصول مختلفة في الخريف والربيع والصيف ففى ضم البعض إلى البعض أقوال (احدها) ان المزروع بعد حصد الاولي لا يضم إليه كما لا يضم أحد حملي الشجر إلى الآخر (والثانى) يضم ان وقع الزرعان والحصادان في سنة لانهما حينئذ يعدان زرع سنة واحدة وهو اجتماعهما في سنة واحدة بان يكون بين الزرع الاول وحصد الثاني اقل من اثنى عشر شهرا عربية كذا قال صاحب النهاية والتهذيب فان كان بينهما سنة فصاعدا فلا يضم
(والثالث) ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة ولا نظر الي الحصاد لان الزرع هو المتعلق بالاختيار والحصاد لا اختيار في وقته ويختلف باختلاف حال الارض والهواء وأيضا فان الزرع هو الاصل والحصاد فرعه وثمرته فيعتبر ما هو الاصل فعلي هذا يضم وان كان حصاد الثاني خارجا عن السنة (والرابع) ان المعتبر اجتماع الحصادين في سنة فإذا حصل وجب الضم وان كان زرع الاول خارجا عن السنة لان الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب فاعتباره أولى وهذه الاقوال الاربعة مدونة في المختصر (والخامس) ويحكى عن رواية الربيع انه ان وقع الزرعان والحصادان أو زرع الثاني وحصد الاول في سنة ضم احداهما إلى الثاني وهذا بعيد عند الاصحاب لانه يوجب ضم زرع السنة الي زرع السنة الاخرى فان العادة ابتداء الزرع الثاني بعد مضى شهر من حصد الاول هذا بيان الاقوال علي الوجه المذكور في الكتاب واختلفوا في الاظهر منها وكلام الاكثرين مائل الي ترجيح القول الرابع ونقل المسعود في الافصاح القول الخامس علي وجه أخص مما ذكرنا فقال الاعتبار بجميع السنة بأحد الطرفين: إما الزرعين أو الحصادين ولم يلجق بهما زرع الثاني وحصد الاول والشيخ أبو حامد في طائقة جعلوا الفصل بدلا عن السنة في حكاية القول الثاني والثالث والرابع واعتبروا علي القول الثاني ان يكون الزرعان في فصل واحد والحصادان في فصل واحد وما المعنى بالفصل: ذكر القاضي الروياني ان المعني بالفصل هههنا أربعة أشهر والطريقة التى تقدمت أوفق للفظ المختصر وهى التى

(5/575)


اعتمدها القاضى بن كج ونقلها أصحاب القفال وغيرهم وعن أبي اسحق انه خرج قولان أن ما يعد زرع سنة يضم بعضه إلى بعض ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد قال وأعنى ههنا بالسنة اثني عشر شهرا فان الزرع لا يبقى هذه المدة وانما أعنى بها ستة اشهر إلى ثمانية وإذا جمع جامع بين ما نقلناه من الروايات انتظمت في المسألة عشرة أقوال فتأملها وهذا كله فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصول الاول ووراء ذلك حالتان (احداهما) أن يكون زرع الثاني بعد اشتداد حب الاول فالخلاف فيه مرتب علي الخلاف فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصد الاول وههنا أولي بالضم لاجتماعها في النبات في الارض والحصول فيها وقوله في الكتاب علي أحد الروايتين المراد منه طريقان يتولدان من
هذا الترتيب (أحدهما) القطع بالضم (والثاني) باثبات الخلاف وهو أظهر والثانية أن يكون الزرعان معا أو علي التواصل المعتبر ثم يدرك أحدهما والثانى بعد بقل لم يشتد حبه أصلا ففيه طريقان (أصحهما) القطع بالضم لان ذلك يعد زرعا واحدا والثانى وحكاه الامام عن أبي اسحق انه على الاقوال لاختلافهما في وقت الوجوب بخلاف ما لو تأخر بدو الصلاح في بعض الثمار فانه يضم إلى ما بدأ فيه الصلاح لا محالة لان الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر فيها صفة الثمرة وههنا متعلق الواجب الحب ولم يخلق بعد والموجود حشيش محض (المسألة الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم يستخلف في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع واحد وان تأخرت حصدته الاخرى اختلف المفسرون لكلامه في المراد بهذه الصورة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن المراد بها ما إذا تسنبلت الذرة واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها أو بنقل العصافير أو بهبوب الرياح فسقى الارض فنبتت تلك الحبات المنثورة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت ومنهم من قال المراد بها ما إذا نبتت فالتفت وعلا بعض طاقاتها فغطي البعض وبقي ذلك المغطي مخضرا تحث ما علا فإذا حصد العالي أثرت الشمس في المخضر فأدرك (ومنهم) من قال المراد بها الذرة الهندية تحصد سنابلها ويبقى ساقها فيخرج سنابل أخرى ويحكى هذا الوجه الثاني عن ابن سريج ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد من النص واتفاق الجمهور علي أن ما ذكره قطع بالضم وليس جوابا علي بعض الاقوال التي سبقت فذكروا في الصورة الاولي طريقين (احدهما) أنها علي الاقوال في الزرعين المختلفى الوقت فانه زرع مفتتح بعد زرع (والثانى) القطع بالضم لانه تابع للاول غير حاصل بالقصد والاختيار وايراد الكتاب يشعر بترجيح

(5/576)


الاول وهو قضية ما في التهذيب وذكروا في الصورة الثانية طريقين أيضا (أظهرهما) القطع بالضم لانها حصلت دفعة واحدة وانما تفاوت الادراك (والثاني) ويحكي عن ابى اسحق انها مخرجة علي الاقوال وذكروا في الثالثة ثلاثة طرق (احدها) انها علي الخلاف فيما لو حصد زرع ثم زرع آخر (والثانى) لا يضم قولا واحدا كالنخلة تحمل في السنة
حملين (والثالث) يضم قولا واحدا بخلاف الزرع بعد الزرع فان أحدهما مفصول عن الآخر وههنا الزرع واحد وانما تفرق ريعه وبخلاف حملي النخلة فانها شجرة لها ثمر بعد ثمر فحملاها في سنة كحملها في سنتين والذرة زرع لا يبقى فالخارج من ساقها ملحق بالاول كزرع تعجل ادراك بعضه وتأخر ادراك بعضه وهذا أصح عند صاحب التهذيب * قال (الطرف الثاني في الواجب وهو العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقى بنضح أو دالية والقنوات كالسماء والناعور الذى يدبر الماء بنفسه كالدواليب) * الاصل في قدر الواجب في هذا النوع ما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر) ويروى (وما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر) قال في الصحاح العثرى بالتحريك الزرع الذى لا يسقيه

(5/577)


الاماء المطر وقال الازهرى وسقيه بالنضح أن يستقى له من ماء النهر أو البئر بساتينه وغيرها وتسمي السوانى نواضح الواحدة سانية والغرب الدلو الكبير: إذا عرف ذلك فيجب فيما سقى بماء السماء من الثمار والزروع العشر وكذا البعل وهو الذى يشرب بعروقه لقربه من الماء وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة كل ذلك فيه العشر وما سقى بالنضح أو بالدلاء أو بالدواليب ففيه نصف العشر وكذا ما سقى بالدالية قال في الصحاح وهى المنجنون تديرها البقرة وما سقي بالناعور وهو الذى يديره الماء بنفسه لانه تسبب الي النزح كالاستقاء بالدلاء والنواضح والمعني الكلي الذى يقتضيه التفاوت ان أمر الزكاة مبني علي الرفق بالمالك والمساكين فإذا كثرت المؤنة خف الواجب أو سقط كما في المعلوفة وإذا خفت المؤنة كثر الواجب كما في الركاز وأما القنوات وفي معناها السواقى المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فالذي ذكره في الكتاب ان السقى منها كالسقى بماء السماء وهذا هو الذى أورده طوائف الاصحاب من العراقيين وغيرهم وعللوا بان مؤنة القنوات انما تتحمل لاصلاح الضيعة والانهار تشق لاحياء الارض فإذا تهيأت وصل الماء الي الزرع بطبعه مرة بعد أخرى بخلاف السقى بالنواضح ونحوها فان المونة ثم تتحمل
لنفس الزرع: وادعي امام الحرمين اتفاق الائمة على هذا لكن ابا عاصم العبادي ذكر في الطبقات ان ابا سهل الصعلوكى افتى بأن المسقي من ماء القناة فيه نصف العشر لكثرة المونة وفصل صاحب التهذيب فقالى ان كانت القناة أو العين كثيرة المونة بان كانت لا تزال تنهار وتحتاج الي استحداث حفر فالمسقى بها كالمسقي بالسواقي وان لم يكن لها مؤنة اكثر من مؤنة الحفر الاول وكسحها في بعض الاوقات ففى السقى بها العشر والمشهور الاول * (فرع) اشار القاضى ابن كج الي أنه لو احتاح الي شراء الماء كان الواجب نصف العشر ونقله عنه صريحا صاحب الرقم ولو سقاه بماء مغصوب فكذلك لان عليه الضمان وهذا حسن جار على كل مأخذ فانه لا يتعلق به صلاح الضيعة بخلاف القناة ثم حكي القاضى عن أبى الحسين وجهين فيما لو وهب منه الماء ورجح الحاقه بما لو غصب لما في قبول الهبة من المنة العظيمة فصاركا لو علف ماشيته بعلف موهوب والله أعلم * قال (ولو اجتمع السقيان على التساوى وجب ثلاثة أرباع العشر في كل نصف بحسابه وان كان أحدهما أغلب اعتبر الاغلب في قول ووزع في الثاني عليهما: والاغلب يعرف بالعدد في وجه وبزيادة النمو والنفع في وجه: وإذا أشكل الاغلب فهو كالاستواء) *

(5/578)


إذا اجتمع السقيان في زرع وكان يسقى بماء السماء مدة وبالنضح مدة فلا يخلو اما أن يكون الزرع منشأ على هذا القصد أو بنى أمره علي أحد الشقين ثم اعترض الآخر واجتمعا (الحالة الاولي) وهى المقصودة في الكتاب أن ينشأ الزرع على قصد السقى بهما جميعا ففيه قولان كالقولين فيما إذا تنوعت ابله أو غنمه (أظهرهما) أنه يقسط الواجب عليهما لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا تنوعت (فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بنضح نصف العشر) فعلي هذا لو كان ثلثا السقى بماء السماء والثلث بالنضح وجب خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث ولو سقى علي التساوى وجب نصف العشر ونصف نصف العشر وذلك ثلاثة أرباع العشر (والقول الثاني) وحكاه في الشامل عن أبى حنيفة واحمد ان الاعتبار بالاغلب فان كان السقى بماء السماء أغلب ففيه العشر وان كان السقى بالنضح
أغلب ففيه نصف العشر لان النظر الي اعداد السقى وازمنته مما يشق ويعسر فيدار الحكم علي الغالب تخفيفا وعلي هذا لو استويا ففيه وجهان حكاهما الامام (أحدهما) انه يجب العشر نظرا للمساكين وهذا هو الذى حكاه المسعودي تفريعا على القول الثاني (وأصحهما) وهو الذى أورده في الكتاب انا نقسط الواجب عليهما كما ذكرنا علي القول الاول لانتفاء الغلبة من الجانبين وعلى هذا فالحكم حالة الاستواء واحد علي القولين فينتظم ان يقال ان استويا وجب ثلاثة أرباع العشر فان كان أحدهما أغلب فقولان وهكذا أورد صاحب الكتاب والاكثرون ثم سواء قلنا بالتقسط أو اعتبرنا الاغلب فالنظر إلى ماذا في معرفة المقادير: فيه وجهان (احدهما) أن النظر إلى عدد السقيات لان المؤونة بحسبها تقل وتكثر ولا شك أن الاعتبار بالسقيات المفيدة دون ما لا تفيد أو تضر (وأوفقهما) لظاهر نصه أن الاعتبار بعيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أم لا وكذا عيش التمر فانه المقصود وقال في النهاية وعبر بعضهم عن هذا بعبارة أخرى فقال النظر الي النفع وقد تكون السقية الواحدة أنفع من سقيات كثيرة قال وهما متقاربان الا أن صاحب العبارة الثانية لا ينظر الي المدة وانما ينظر الي النفع الذى يحكم به أهل الخبرة وصاحب العبارة الاولى يعتبر المدة: واعلم أن اعتبار المدة هو الذى ذكره الاكثرون على الوجه الثاني وذكروا في المثال انه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الادراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زماني الشتاء والربيع الي سقيتين فسقى بماء السماء وفي شهرين وهو زمان الصيف الي ثلاث سقيات فسقي بالنضح فان اعتبرنا عدد السقيات فعلي قول التوزيع يجب خمسا العشر وثلاثة اخماس نصف العشر وذلك ثلاثة اخماس العشر ونصف خمسه وعلي قول اعتبار الاغلب يجب نصف العشر لان عدد السقيات بالنضح أكثر وان اعتبرنا المدة فعلى قول التوزيع يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر وعلي قول اعتبار الاغلب يجب العشر لان مدة السقى بماء السماء

(5/579)


أطول ولو سقى الزرع بماء السماء والنضح جميعا لكن اشكل مقدار كل واحد منهما فعن ابن سريج وتابعه الجمهور أنه يجب ثلاثة أرباع العشر أخذا بالاستواء وذكر القاضي ابن كج وجها آخر ان الواجب نصف العشر لانه اليقين والاصل براءة ذمته عن الزيادة وإذا عرفت ما ذكرنا يتبين
لك ان الوجهين في قوله (والاغلب يعرف بزيادة العدد الي آخره) لا يختصان بالاغلب بل يجريان فيما يعتبر به الاستواء أيضا (وقوله) إذا اشكل الاغلب فهو كالاستواء انما صور الاشكال في الاغلب لانه قصد التفريع علي قول اعتبار الاغلب والا فلو لم يعرف هل أحدهما أغلب من الآخر كما لو عرف أن أحدهما اغلب وشك في انه هذا ام ذاك والحالة (الثانية) ان يبنى الامر على أحد السقيين ثم يعرض الاخر فهل يستصحب حكم قصده أولا ويعتبر الحكم فيه وجهان (اصحهما) الثاني ثم في كيفية اعتبارهما الخلاف الذى ذكرنا * (فرع) لو اختلف الساعي والمالك في انه بماذا سقى فالقول قول المالك لان الاصل عدم وجوب الزيادة (آخر) لو كان له زرع مسقى بماء السماء وآخر مسقى بالنضح ولم يبلغ واحد منهما نصا باضم احدهما الي الثاني في حق النصاب وان اختلف مقدار الواجب * قال (ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ونوعه فان اختلف النوع فمن كل بقسطه فان عسر فالوسط) * (قوله) ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ولا يجوز ان يعلم بالحاء لان ابا حنيفة رحمه الله يجوز اخراج القيم في الزكاة فلا يجب عنده اخراج الجنس * لنا قوله صلي الله عليه وسلم (خذ من الابل الابل) الخبر (وقوله) ونوعه ليس مجرى علي اطلاقه فانه لو اخرج الاجود عن الارد أجاز انما الواجب ألا يخرج أردأ مما عنده وغرض الفصل انه لو كان الجنس الذى يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا فيؤخذ منه الزكاة وان اختلف انواعه كما إذا ملك من التمر البردى والكبيس وهما نوعان جيدان والجعرور ومصران الفارة وعذق الجبيق وهي انواع رديئة ومنهم من يجعل الجعرور وسطا فان لم يعسر

(5/580)


أخذ الواجب من كل نوع بالحصة أخذ بالحصة بخلاف نظيره في المواشي حيث ذكرنا فيه خلافا من قبل والفرق ان التشقيص في الحيوان محذور بخلاف ما في الثمار الا ترى ان في المواشي وان قلنا بالتقسيط فاننا نعتبر قيم الانواع ونأخذ ما يقتضيه التوزيع ونأمره بدفع نوع منها على ما يقتضيه التوزيع ولا يأخذ البعض من هذا والبعض من ذاك وههنا بخلافه وطرد القاضى ابن كج القولين
ههنا والمشهور الفرق وان عسر اخذ الواجب من كل نوع بأن كثرت الانواع وقل مقدار كل نوع فما الذي يؤخذ.
حكى عن صاحب الافصاح فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو المذكور في الكتاب انه لا يكلف بالاخراج من كل نوع لما فيه من العسر ولا يكلف بالاخراج من الاجود ولا نرضي بالردئ بل يؤخذ من الوسط رعاية للجانبين (والثانى) انه يؤخذ من كل نوع بالقسط كما إذا قلت الانواع (والثالث) انه يؤخذ من الغالب ويجعل غيره تبعا له وروى القاضى ابن كج في المسأله طريقين (احدهما) القطع بأخذ الوسط والثانى ان فيها قولين (احدهما) اخذ الوسط (والثاني) اخذ الغالب * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله فان عسر فالوسط بالواو واعلم انه ليس المراد وجوب اخراج الوسط حتى لا يجوز اخذ غيره بل لو تحمل العسر واخرج من كل نوع بالقسط جاز ووجب على الساعي قبوله فإذا أراد الساعي أخذ العشر كيل لرب المال تسعة وأخذ الساعي العاشر وانما يبدأ بجانب المالك لان حقه أكثر ولان حق المساكين انما يتبين به ولو بدأ بجانبهم فربما لا يفى الباقي بحقه فيحتاج الي رد ما كيل لهم وان كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر وأخذ الساعي العشرين وان كان الواجب ثلاثة أرباع العشر كيل لرب المال سبعة وثلاثون وللمساكين ثلاثة ولا يهز المكيال ولا يزلزل ولا توضع البد فوقه ولا يمسح لان ذلك مما يختلف فيه بل يصب فيه ما يحتمله ثم يفرغ * قال (الطرف الثالث في وقت الوجوب وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب فينعقد سبب وجوب اخراج التمر والحب عند الجفاف والتنقية فلو أخرج الرطب في الحال كان بدلا) * وقت وجوب الصدقة في النخل والكرم الزهو وهو بدو الصلاح لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان حينئذ ببعث الخارص) للخرص ولو تقدم الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ولو تأخر عنه لما بعثه

(5/581)


إلي ذلك الوقت ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها لانها حينئذ تصير طعاما كما أن حمل النخل والكرم عند بدو الصلاح يصير ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم هذا هو المشهور وفي النهاية أن صاحب التقريب حكي قولا غريبا أن وقت الوجوب هو الجفاف والاشتداد ولا يتقدم الوجوب علي الامر بالاداء: وفي الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى عن القديم أنه أومأ الي أن الزكاة تجب
عند فعل الحصاد فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب (وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب لهذين والكلام في معني بدو الصلاح وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الكل على ما هو مذكور في كتاب البيع ولا يشترط تمام اشتداد الحب كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار ويتفرع على المذهب المشهور أنه لو اشترى نخيلا مثمرة أو ورثها قبل بدو الصلاح ثم بدا الصلاح بعد ذلك فعليه الزكاة ولو اشترى بشرط الخيار فبدا الصلاح في زمان الخيار فان قلنا الملك للبائع فالزكاة عليه وان امضي البيع وان قلنا للمشترى الزكاة عليه وان فسخ البيع وان قلنا بالوقف فأمر الزكاة موقوف أيضا: وفرع ابن الحداد علي هذا الاصل أنه لو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح من ذمي فبدا الصلاح في ملكه فلا زكاة علي واحد منهما: أما الذمي فظاهر: وأما المسلم فلان الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ولو عاد إلى ملكه بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو بهبة أو تقابل أورد بعيب فلا زكاة عليه أيضا لانه لم تكن في ملكه حين الوجوب والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي فيما ذكرنا ولو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح في ملك المشترى ثم وجد بها عيبا فليس له الرد الا برضا البائع لانها تعلق بها حق الزكاة فكان كعيب حدث في يده فان أخرج المشترى الواجب: اما من تلك الثمرة أو من غيرها فالحكم علي ما ذكرنا في زكاة النعم في الشرط الرابع: اما إذا باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فهذا البيع لا يصح الا بشرط القطع فان شرطه ولم يتفق القطع حتى بدا فيها الصلاح فقد وجب العشر وينظر فان رضيا بابقائها الي اوان الجذاذ جاز والعشر على المشترى وعن الشيخ

(5/582)


ابى حامد ان ابا اسحاق حكي قولا اخر انه ينفسخ البيع لانه لو اتفقا عليه عند البيع لبطل البيع فإذا وجد هذا الشرط المبطل بعده ينفسخ والصحيح الاول وان لم يرضيا بالابقاء لم تنقطع الثمرة لان فيه اضرارا بالمساكين ثم فيه قولان (احدهما) ينفسخ البيع لتعذر امضائه فان البائع يبتغى القطع لشرطه وهو ممتنع لما ذكرنا (واصحهما) انه لا ينفسخ فانه عيب حدث بعد البيع لكن ان لم يرض البائع بالابقاء ينفسخ البيع وان رضى البائع بالابقاء وابي المشترى الا القطع فوجهان (احدهما) يفسخ أيضا (وأصحهما) أنه لا يفسخ لان البائع قد زاده خيرا والقطع انما كان لحقه حتى لا تمتص الثمرة
ماء الشجرة فإذا رضي تركت الثمرة بحالها ولو رضى البائع ثم رجع كان له ذلك لان رضاه اعارة وحيث قلنا يفسخ البيع ففسخ فعلي من تجب الصدقة: فيه قولان (أحدهما) علي البائع لان الفسخ كان لشرط القطع فأسند الي أصل العقد (واصحها) انها علي المشترى لان بدو الصلاح كان في ملكه فاشبه ما لو فسخ بعيب فعلي هذا لو أخذ الساعي من غير الثمار رجع البائع علي المشترى (وقوله) فينعقد سبب وجوب اخراج الثمرة والحب عند الجفاف معناه انا وان قلنا ان بدو الصلاح واشتداد الحب وقت الوجب فلا نكلفه بالاخراج في الحال لكن ينعقد حينئذ سبب وجوب اخراج الثمرة والزبيب والحب المصفى ويصير ذلك مستحقا للمساكين يدفع إليهم بالاجرة ولو اخرج الرطب في الحال لم يجز لما روى عن غياث بن أسيد ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في زكاة الكرم انها تخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة الرطب تمرا) لان المقاسمة بيع علي الصحيح

(5/583)


وبيع الرطب بالرطب لا يجوز فلو أخذ الساعي الرطب لم يقع الموقع ووجب الرد ان كان باقيا وان كان تالفا فوجهان (الذى) نص عليه وقاله الاكثرون انه ترد القيمة (والثانى) انه يرد المثل والخلاف يبنى علي ان الرطب والعنب مثليان أم لا: (وقد ذكر الخلاف فيه في الكتاب) في باب الغصب وجعل الاظهر انهما مثليان فمن قال به حمل النص على ما إذ لم يوجد المثل ولو جف عند الساعي نظر ان كان قدر الزكاة اجزأ والارد التفاوت أو أخذ هكذا قال العراقيون والاولى وجه آخر ذكره القاضي ابن كج وهو انه لا يجزى بحال لفساد القبض من أصله وقوله في الكتاب فلو أخذ الرطب في الحال كان بدلا أراد به انه لا يقع الموقع لان البدل لا يجزئ في الزكاة إذا فرضت ضرورة واعلم ان ما ذكرناه أصلا وشرحا في أخذ الرطب مما يجئ منه التمر والزبيب فان لم يكن كذلك فسيأتي * (قال ويستحب (ح) ان يخرص عليه فيعرف قدر ما يرجع إليه تمرا ويدخل في الخرص جميع النخيل ولا يترك بعضه ولمالك النخيل وهل يكفى خارص واحد كالحاكم أو لابد من اثنين كالشاهد فيه قولان) *
الاصل في الخرص ما روينا من حديث غياث بن اسيد وروى ايضا أن النبي صلي الله عليه وسلم (خرص حديقة امرأة بنفسه) وإنما يكون ذلك في الثمار دون الزروع لانه لا يمكن الوقوف عليها لاستتارها وايضا فان الزروع لا تؤكل في حال الرطوبة والثمار توكل فيحتاج المالك إلى ان يخرص عليه ويمكن من التصرف فيها ووقته بدو الصلاح لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة) وكيفيته أن

(5/584)


يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول خرصها كذا رطبا ويجئ منها التمر كذا ثم يأتي نخلة أخرى فيفعل بها مثل ذلك الي أن يأتي علي جميع ما في الحديقة ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي عليه لانها تتفاوت وانما يخرص كل نخلة رطبا ثم تمرا لان الارطاب تتفاوت (فمنها) ما يكون اكثر نماء وأقل تمرا (ومنها) ما يكون بخلاف ذل فان اتحد النوع جاز ان يخرص الجميع رطبا ثم تمرا وفي الفصل بعد هذا مسألتان (احداهما) هل تدخل النخيل كلها في الخرص: الصحيح المشهور ادخال الكل لاطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر: وعن صاحب التقريب ان للشافعي رضي الله عنه قولا في القديم انه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها أهله ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم (فال؟) وذلك في مقابلة قيامه بتربية الثمار إلى الجذاذ وتعبه في

(5/585)


التجفيف (وقد يحتج له) بما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال إذا (خرصتم فاتركوا لهم الثلث فان لم تتركوا الثلث فاتركوا لهم الربع) ومن قال بالصحيح قال اما مؤونة الجذاذ والتجفيف فهى من خالص مال المالك وكذا مؤونة التنقية في الحبوب لما سبق أن المستحق لهم هو اليابس وأما الخبر فهو محمول علي ترك البعض لرب المال عند اخذ الزكاة ليفرقه بنفسه علي اقاربه وجيرانه أي لا يؤاخذ بدفع جميع ما خرص عليه اولا (الثانية) هل يكفى خارص واحد ام لابد من اثنين فيه طريقان (اظهرهما) ان المسألة علي قولين (احدهما) انه لابد من اثنين لان الخرص تقدير للمال فاشبه التقويم (واصحهما) وبه قال احمد أنه يكفى واحد لانه يجتهد ويعمل على حسب اجتهاده فهو كالحاكم وقد

(5/586)


روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (بعث عبد الله بن رواحة خارصا) وروى (انه بعث معه غيره) فيجوز ان يكون ذلك في دفعتين ويجوز ان يكون المبعوث معه معينا أو كاتبا وحكى القاضي ابن كج وغيره قولا ثالثا هو انه ان كان الخرص علي صبي أو مجنون أو غائب فلابد من اثين والا كفى واحدا (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج والاصطخري القطع بانه يكفى خارص واحد وسواء اكتفينا بواحد واعتبرنا اثنين فلابد من أن يكون الخارص مسلما عدلا عالما بالخرص: وهل تعتبر الذكورة والحرية (قال) في العدة ان اكتفينا بواحد فيعتبر ان وان قلنا لابد من اثنين جاز أن يكون أحدهما عبدا أو امرأة وعن الشاشي حكاية وجهين في اعتبار الذكورة مطلقا ولك أن تقول ان اكتفينا بواحد فسبيله سبيل الحكم فينبغي ان تعتبر الحرية والذكورة وإن اعتبرنا اثنين فسبيله سبيل الشهادان فينبغي أن تعتبر الحرية أيضا وأن تعتبر الذكورة في أحدهما وتقام امرأتان مقام الثاني وأما لفظ الكتاب (فقوله) ويستحب أن يخرص عليه يجوز أن يعلم بالحاء لان أبى حنيفة رحمه الله في الخرص روايتين (احداهما) أنه لا يجوز اصلا (والثانية) أنه لا يتعلق به التضمين كما هو أحد قولينا ويجوز اعلامه بالواو أيضا لان صاحب البيان حكي وجها أن الخرص واجب (وقوله) فيعرف ما يرجع إليه تمرا تمثيل لا تخصيص فان الكرم أيضا يخرص فيعرف ما يرجع إليه زبيبا (وقوله) ولا يترك بعضه لمالك النخيل معلم بالواو لما رواه صاحب التقريب وبالالف لان عند أحمد لا يحسب عليه ما يأكله بالمعروف ولا يطعم جاره وصديقه و (وقوله) قبله ويدخل في الخرص جميع النخل لو اقتصر عليه ولم يذكر ولا يترك بعضه لمالك النخل لكان بسبيل منه (وقوله) أو لا بد من اثنين يجوز اعلامه بالالف لما سبق (وقوله) قولان بالواو للطريقة القاطعة بالاكتفاء بواحد

(5/587)


قال (ومهما تلف بآفة سماوية فلا ضمان علي المالك لفوات الامكان ولو كان باتلافه غرم قيمة عشر الرطب علي قولنا ان الخرص عبرة أو قيمة عشر التمر علي قولنا أنه تضمين ثم إذا ضمناه التمر نفذ تصرفه في الجميع وان لم نضمنه نفذ في الاعشار التسعة ولم ينفذ في الشعر إلا إذا قلنا
الزكاة لا تتعلق بالعين) * حكى الائمة قولين فيأن الخرص عبرة أو تضمين (أحدهما) انه عبرة أي هو لاعتبار المقدار ولا يصير حق المساكين بجريانه في ذمة رب المنال بل يبقى علي ما كان لانه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل الحق إلي الذمة (وأصحهما) أنه تضمين أي حق المساكين ينقطع به عن عين الثمرة وينتقل إلى ذمة رب المال لان الخرص يسلطه على التصرف في الجميع على ما سيأتي وذلك يدل علي انقطاع حقهم عنها ولم أر نقل الخلاف في هذا الاصل هكذا إلا لاصحاب القفال ومن تابعهم وان تعرضوا لآثاره وجعله القاضى ابن كج علي وجهين لابن سريج وذكر أن أبا الحسين قال بالثاني وإن قلنا الخرص عبرة فلو ضمن الخارص المالك حق المساكين صريحا وقبله المالك كان لغوا ويبقي حقهم علي ما كان وقد فسر الامام قولنا انه عبرة بانه يفيد الاطلاع علي المقدار ظناو حسبانا ولا يغير حكما وذكر صاحب الكتاب مثله في الوسيط وليس الامر فيه علي هذا الاطلاق لانه يفيد جواز التصرف علي ما سيأتي ولو أتلف رب المال الثمار أخذت الزكاة منه بحساب ما خرص عليه ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك وان قلنا انه تضمين فهل يقول نفس الخرص تضمين أو لابد من تصريح الخارص بذلك نقل الامام فيه وجهين (وقال) والذى اراه انه يكفى تضمين الخارص ان اعتبرناه ولا حاجة الي قبول المخروص عليه وما عليه الاعتماد واورده المعظم أنه لا بد من التصريح بالتضمين وقبول المخروص عليه فان لم يضمنه الخارص أو لم يقبله المخروص عليه بقى حق المساكين علي ما كان: وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ذكروا فيه وجهين أيضا وجه (قولنا) نعم أن العشر لا يجب الا تمرا والخرص يظهر المقدار لا أنه يلزم بنفسه شيئا وينبغى أن يرتب هذا علي المسألة الاولي ان قلنا لا بد من التصريح بالتضمين لم يقم على وقت الخرص مقامه بحال وأن أغنينا عنه فحينئذ فيه الخلاف (وقوله) في الكتاب علي قولنا أنه تضمين يجوز أن يعلم بالحاء

(5/588)


لما ذكرنا من الرواية الثانية عن أبى حنيفة رحمه الله في الفصل قبل هذا: إذا تقرر هذا الاصل ففيه ثلاث مسائل (أحداها) لو اصابت الثمار آفة سماوية أو سرقة إما من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف
نظر إن أصابت الكل فلا شئ عليه لفوات الامكان وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب ولا يخفى ان الفرض فما إذا لم يكن منه تقصير (فأما إذا أمكن الدفع فاخرأ وضعها في غير الحرز ضمن (قال) الامام وكان يجوز أن يقال تفريعا علي ان الخرص تضمين ان الضمان يلزم بكل حال ويلزم بالخرص ذمته التمر الزام قرار لكن قطع الاصحاب بخلافه وان تلف بعض الثمار دون بعض فان كان الباقي نصابا زكاه وان كان أقل من نصاب فيبني علي ان الامكان شرط الوجوب أو الضمان ان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه حصة الباقي.
(الثانية) لو اتلف المالك الثمرة أو اكلها نظر ان كان قبل بدو الصلاح فلا زكاة عليه لكنه مكروهان قصد الفرار من الزكاة وان قصد الاكل أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة وان كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين ثم له حالتان (احداهما) وهى المقصودة في الكتاب ان يكون ذلك بعد الخرص فان قلنا الخرص عبرة فيضمن لهم قيمة عشر الرطب أو عشر الطرب فيه (وجهان) مبنيان علي ان الطرب مثلى أو متقوم والذى اجاب به الاكثرون ايجاب القيمة وهو المذكور في الكتاب لكن الثاني هو المطابق لقوله في الغصب والاظهر ان الرطب والعنب مثلي وبه اجاب في الوسيط وان قلنا الخرص تضمين غرم للمساكين عشر الثمر فان ذلك قد ثبت في ذمة بالخرص على التفصيل الذى سبق إذا عرفت ذلك فسم قوله غرم قيمة عشر الرطب بالواو واعلم ان الصواب في عبارة الكتاب علي القول الثاني أو عشر التمر علي قولنا انه تضمين وفي اكثر النسخ أو قيمة عشر التمر وهو غلط (والحالة الثانية) وان يكون الاكل والاتلاف قبل الخرص فيتقرر عليه الواجب عليه ضمان الرطب ان قلنا لو جرى الخرص كان عبرة وان قلنا لو جرى لكان تضمينا فوجهان حكاهما الصيدلاني (اصحهما) ان الواجب عليه ضمان الرطب ايضا لان قبل الخرص لا يصير التمر في ذمته (والثانى) عليه عشر التمر لان الزكاة قد وجبت ببدو الصلاح وإذا أتلف فهو الذى منع الخرص فصار كما لو أتلفه بعد الخرص (وحكى) القاضى بن كج وجها آخر عن أبى اسحاق وابن أبي هريرة في هذه الحالة أنه تضمن اكثر الامرين من عشر التمر أو قيمة عشر الرطب: واعلم ان الحالتين جميعا مفروضتان في الرطب الذى يجئ منه التمر والعنب الذى يجئ

(5/589)


منه الزبيب فأن لم يكن كذلك فالواجب في الحالتين ضمان الرطب بلا خلاف: ولك ان تقول ينبغي أن يكون الواجب في الرطب الذى يجئ منه التمر ضمان التمر مطلقا وان فرعنا على قول العبرة لان الواجب عليه ببدو الصلاح التمر الا تراه قال في الكتاب (عند بدو الصلاح ينعقد سبب وجوب اخراج التمر) فإذا وجب لهم التمر فلم يصرف إليهم الرطب أو قيمته غايته أن الواجب متعلق به لكن الاتف متعلق الحق لا يقتضي انقطاع الحق وانتقاله إلى غرامة المتعلق الا ترى انه لو ملك خمسا من الابل واتلفها بعد الحول يلزمه للمساكين شاة دون قيمة الابل نعم لو قيل يضمن الرطب ليكون مرهونا بالتمر الواجب الي أن يخرجه كان ذلك مناسبا لقولنا ان الزكاة تتعلق بالمال تعلق الدين بالرهن (المسألة الثالثة) في تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما وهو مبنى علي قولي التضمين والعبرة فان قلنا بالتضمين فله التصرف في الكل بيعا وأكلا وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر عتاب (ثم يخلي بينه وبين أهله) وكان من مقاصد الخرص وفوائده التمكين من التصرف شرع ذلك لما في الحجر علي اصحاب الثمار إلى وقت الجفاف من الحرج العظيم وان قلنا بالعبرة فقد ذكر الائمة ان تصرفه في قدر الزكاة مبنى علي الخلاف في تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة كما سبق واما فيما عدا قدر الزكاة فينفذ: حكى الامام قطع الاصحاب به ووجهه بان ارباب الثمار يتحملون مؤنة تربيتها إلى الجفاف فجعل تمكينهم من التصرف في الاعشار التسعة في مقابلة ذلك بخلاف المواشى حيث ذكرنا في التصرف فيما وراء قدر الزكاة منها خلافا وان بقى قدر الزكاة وحجة الاسلام تابعه علي دعوى القطع في الوسيط لكنك إذا راجعت كتب اصحابنا العراقيين الفيتهم يقولون لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شئ من الثمار في ذمته بالخرص فان ارادوا بذلك نفي الاباحة ولم يحكموا بالفساد فذلك والا فدعوى القطع غير مسلمة والله اعلم: وكيف ما كان فظاهر المذهب نفوذ التصرف في الاعشار التسع سواء أفردت بالتصرف أو وردت بالتصرف علي الكل لانا وان حكمنا بالفساد في قدر العشر فلا نعديه الي الباقي علي ما سيأتي في باب تفريق الصفقة فهذا حكم التصرف بعد الخرص وأما قبله فقد قال في التهذيب لا يجوز ان يأكل شيئا ولا ان يتصرف في شئ فان لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه: واعلم ان من اجاد
النظر في قولى العبرة وتأمل ما قيل فيهما تفسيرا وتوجيها ظهر له انهما مبنيان على تعلق الزكاة بالعين

(5/590)


فأما إذا علقناها بالذمة فكيف نقول بالخرص ينقطع حقهم عن العين ويتعلق بالذمة وكان قبله كذلك (وقوله) في الكتاب ولم ينفذ في العشر يجوز اعلامه بالواو لانا وان علقنا الزكاة بالعين فقد ينفذ التصرف على بعضن الاقوال علي ما بيناه من قبل قال (ومهما ادعى المالك جائحة ممكنة صدق بيمينه ولو ادعي غلط الخارص صدق أيضا الا إذا ادعي قدرا لا يمكن الغلط فيه أو ادعي كذبه قصدا) * إذا ادعى المالك هلاك الثمار المخروصة عليه أو هلاك بعضها نظر إن أسنده إلي سبب يكذبه الحسن فيه كما لو قال هلك بحريق وقع في الجرين ونحن نعلم انه لم يقع في الجرين حريق أصلا قال فلا يبالى بكلامه وان لم يكن كذلك نظر ان اسنده الي سبب خفى كالسرقة فلا يكلف بالبين عليه ويقبل قوله مع اليمين: وهل هي واجبة أو مستحبة فيه وجهان قال في العدة وغيره (اصحهما الثاني) وان اسند الي سبب ظاهر كالنهب والبرد والجراد ونزول العسكر فان عرف وقوع هذا السبب وعموم أثره صدق ولا حاجة الي اليمين فان اتهم في هلاك ثماره بذلك السبب حلف وان لم يعرف وقوعه فوجهان (أظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه يطالب بالبينة عليه لامكانها ثم القول في حصول الهلاك بذلك السبب قوله مع اليمين (والثاني) عن الشيخ أبي محمد ان القول قوله مع اليمين ولا يكلف البينة لانه مؤتمن شرعا فيصدق في الممكن الذى يدعيه كالمودع إذا ادعي الرد ورأيت في كلام الشيخ ان هذا إذا لم يكن ثقة فإذا كان ثقة فيغنى عن اليمين أيضا وما في الكتاب جواب علي الوجه الثاني فانه جعل القول قوله مع اليمين ولم يشرط الا الامكان فيجب اعلامه بالواو.
وحيث قلنا يحلف ففى كون اليمين واجبة أو مستحبة ما سبق من الوجهين هذا كله إذا اسند الهلاك الي سبب بان اقتصر علي دعوى الهلاك فالمفهوم من كلام الاصحاب قبوله مع اليمين حملا علي وجه يغنى عن البينة: وان ادعي المالك اجحافا في الخرص فان زعم ان الخارص تعمد ذلك لم يلتفت إلى قوله كما لو ادعى الميل على الحكم والكذب علي الشاهد لا يقبل الا ببينة وان ادعي انه غلط فان لم يبين المقدار لم يسمع أيضا ذكره في التهذيب وان بين فان كان قدرا يحتمل
في مثله الغلط كخمسة أوسق في مائة قبل: فان اتهم حلف وحط وهذا إذا كان المدعين فوق ما يقع أما لو ادعي بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص قدر ما يقع بين الكيلين فهل يحظ: فيه وجهان (احدهما) لا لاحتمال أن النقصان وقع في الكيل ولعله يفى إذا كيل

(5/591)


ثانيا وصار كما لو اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فانتقض بقدر ما يقع بين الكيلين لا يرجع على الاول لانه كما يجوز أن يكون ذلك لنقصان في الكيل الاول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني (وأصحهما) نعم لان الكيل يقين والخرص تخمين وظن فالا حالة عليه اولي وان ادعى نقصانا فاحشا لا يجوز أهل النظر الغلط بمثله فلا يقبل قوله في حط ذلك القدر وهل يحط القدر المحتمل فيه وجهان (احدهما) لا لانه ادعى محالا في للعادة فالظاهر كذبه (واصحهما) نعم وبه قال القفال استنباطا مما إذا ادعت ذات الاقراء انقضاء عدتها قبل زمان الامكان وكذبناها فأصرت علي دعواها حتي جاء زمان الامكان فانا نحكم بانقضاء عدتها عند أول زمان الامكان (وقوله) في الكتاب أو ادعى كذبه قصدا معطوف علي قوله الا إذا ادعى قدرا لا يمكن الغلط فيه وهو مستثنى من دعوى الغلط لكن استثناء الكذب قصدا من الغلط لا يكاد ينتظم فليؤول والله أعلم قال (ومهما اصاب النخيل عطش يضر بابقاء الثمار جاز للمالك قطعه لان في ابقاء النخيل منفعة للمساكين ثم يسلم الي المساكين عشر الرطب إذا قلنا ان القسمة افراز حق أو ثمنه إذا منعناه القسمة وقيل يتخير إذ لا يبعد جواز القسمة بالحاجة كما لا يبعد اخذ البدل للحاجة فليس احدهما اولي من الآخر) * إذا أصاب النخيل عطش ولو تركت الثمار عليها إلى وقت الجذاذ لا ضرت بها لامتصاصها ماءها جاز قطع ما يندفع به الضرر من كلها أو بعضها لان ابقاء النخيل انفع للمالك والمساكين من ابقاء ثمرة العام الواحد وهل يستقل المالك بقطعها أو يحتاج إلى استئذان الامان والساعى ذكر الصيد لانى وصاحب التهذيب وطائفة أنه يستحب الاستئذان وقضيته جواز الاستقلال وذكر آخرون أنه ليس له الاستقلال ولو قطع من غير استئذان عزر ان كان عالما ويجوز أن يكون هذا الخلاف مبنيا علي الخلاف
في وجه تعلق الزكاة: إذا عرف ذلك فلو اعلم الساعي به قبل القطع وأراد المقاسمة بان يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات باعيانها فقد حكوا في جوازه قولين منصوصين وقالوا هما مبنيان علي أن القسمة إفراز حق أو بيع فان قلنا افراز فيجوز ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين من المالك أو غيره وأن يفرق بينهم يفعل ما فيه الحظ لهم وان قلنا انها بيع فلا يجوز وعلي هذا الخلاف يخرج القسمة بعد قطعها فان جعلناها افرازا فيجوز وان جعلناها بيعا فقد ذكر الامام أن

(5/592)


قسمتها تخرج علي بيع الطرب الذي لا يتتمر بمثله وفيه خلاف يذكر في البيع فان جاز جازت القسمة بالكيل وان لم يجز ففيه وجهان (أحدهما) ان مقاسمته للساعي جائزة أيضا لانها ليست بمعاوضة وانما هي استيفاء حق فلا يراعى فيه تعبدات الربا وايضا فانها وان كانت بيعا فان الحاجة ماسة الي تجويزها فتستثني عن البياعات الصريحة ويحكى هذا الوجه عن أبي اسحاق وابن أبى هريرة (وأصحهما) عند القاضي أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض
أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض وأخذ الثمن (وقوله) في الكتاب أو ثمنه إذا منعنا القسمة أي إذا جعلناها بيعا فانها حينئذ تمتنع في الرطب وهو جواب علي جواز أخذ القيمة فيجوز أن يعلم بالواو للوجه الذاهب إلي امتناعه وايراد التهذيب يقتضي ترجيح ذلك الوجه وكان يجوز تأويل قوله أو ثمنه على تقدير البيع كما ذكروا في نص الشافعي رضى الله عنه إلا أنه صرح بما ذكرنا في الوسيط: وأعلم أن ما ذكرنا من الخلاف والتفصيل في إخراج الواجب يجرى بعينه في إخراج الواجب عن الرطب الذى لا يتتمر والعنب الذى لا يتزبب

(5/593)


وفى المسألتين مستدرك حسن لامام الحرمين رحمه الله قال إنما يثور الاشكال علي قولنا إن المسكين شريك في النصاب بقدر الزكاة وحينئذ ينتظم التخريج علي القولين في القسم فاما إذا لم نجعله شريكا فليس تسليم جزء الي الساعي قسمة حتى يأتي فيه قول القسمة بل هو توفية حق علي مستحق *

(5/594)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 6
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 6

(6/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء السادس دار الفكر

(6/1)


بسم الله الرحمن الرحيم قال (النوع الثالث زكاة النقدين والنظر في قدره وجنسه: اما القدر فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وما زاد فبحسابه ولا وقص (ح) فيه) * الكلام في هذا النوع في قدر الواجب والواجب فيه ثم في جنسه أما الاول فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وهو خمسة دراهم ونصف دينار ولا شئ

(6/2)


فيما دون ذلك روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) والاوقية أربعون درهما لما روى انه صلي الله عليه وسلم (قال إذا بلغ مال أحدكم خمس اواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) ويجب فيما زاد علي المأتين والعشرين بالحساب قل أو كثر ولا وقص فيه خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجب فيما زاد علي المأتين شئ حتى يبلغ اربعين درهما ولا فيما زاد علي عشرين دينارا حتى يبلغ اربعة دنانير ففيها ربع العشر ثم كذلك في كل اربعين درهما اربعة دنانير * لنا ماروى عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلي الله

(6/3)


عليه وسلم قال (هاتوا ربع العشر من الورق ولا شئ فيه حتي يبلغ مائة درهم وما زاد فبحسابه) وروى

(6/4)


مثله في الذهب وفى النقدين جميعا لافرق بين التبر والمضروب والاعتبار بالوزن الذى كان بمكة
لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (الميزان ميزان اهل مكة والمكيال مكيال اهل المدينة) وذلك ظاهر في الدنانير وقد ذكر الشيخ ابو حامد وغيره ان المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام واما الدراهم فانها كانت مختلفة الاوزان والذى استقر الامر عليه في الاسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وذكروا في سبب تقديرها بهذا الوزن أمورا (أشهرها) ان غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم والصدر الاول

(6/5)


بعده نوعان (البغلية والطبرية) والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ومن الطبرية أربعة دوانيق فاخذوا واحدا من هذه وواحدا من هذه وقسموهما نصفين وجعلوا كل واحد درهما يقال فعل ذلك في زمان بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر علي تقدير الدراهم الاسلامية بها ونسب أقضى القضاة الماوردى ذلك الي فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ومتي زدت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان وحكي المسعودي أنه انما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب لان الذهب اوزن من الفضة وكانهم جربوا قدرا من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما وكان وزن الذهب زائدا علي وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها وروى الشيخ ابو محمد قريبا من هذا عن كلام القفال رحمه الله وأما المواضع المستحقة للعلامات من الفصل فقوله (وما زاد فبحسابه) وقوله (ولا وقص فيه) معلمان بالحاء لما حكيناه ويجوز أن يعلم قوله (عشرون مثقالا) وقوله (مائتا درهم) بالميم والالف لانهما يحتملان النقصان اليسير *

(6/6)


قال (وان نقص من النصاب حبة فلا زكاة فيه وان كان يروج (ح) رواج التام ويعتبر (ح) النصاب في جميع الحول ولا يكمل (ح) نصاب أحد النقدين بالآخر ولكن يكمل جيد النقرة برديئها ثم يخرج من كل بقدره ولا زكاة في الدراهم المغشوشة ما لم يكن قدر نقرتها نصابا وتصح المعاملة مع الجهل بقدر النقرة على أحد الوجهين كالغالية والمعجونات) * في الفصل صور (احداهما) لو نقص عن النصاب
شئ فلا زكاة وان قل كالحبة والحبتين ولا فرق بين أن يروج رواج التام أو يفضل عليه وبين ألا يكون كذلك وفضله علي التام انما يكون لجودة النوع ورواجه رواج التام قد يكون للجودة وقد يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة * وعن مالك انه إذا كان الناقص قدر ما يسامح به ويؤخذ بالتام وجبت الزكاة ويروى عنه أنه إذا نقص حبة أو حبات في جميع الموازين فلا زكاة وإن نقص في ميزان دون ميزان وجبت * وعن أحمد انه لو نقص دانق أو دانقان تجب الزكاة * لنا قوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) وسائر الاخبار وحكي في العدة وجهين فيما

(6/7)


لو نقص في بعض الموازين وتم في بعض (أصحهما) أنه لا يجب وهذا هو الذي أورده المحاملي وقطع به إمام الحرمين بعد ما حكي عن الصيدلانى الوجوب (الثانية) يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع الحول خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يشترط في أول الحول وآخره ولا يضر نقصانه في خلال الحول وطرد ذلك في المواشي وغيرها ولم يشترط الابقاء شئ من النصاب (لنا) الخبر المشهور (لا زكاة

(6/8)


في مال حتي يحول عليه الحول والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول (الثالثة) لا يكمل نصاب أحد النقدين بالاخر لانهما جنسان مختلفان كما لا يكمل التمر بالزبيب وقال مالك وأبو حنيفة يكمل نصاب احدهما بالاخر وبه قال احمد في أصح الروايتين ثم عنده وعند مالك الضم بالاجزاء فيحسب كم الذهب من نصابه وكم الفضة من نصابها فإذا بلغا نصابا وجبت الزكاة وعند ابي حنيفة الضم بالقيمة

(6/9)


وبأيهما كمل وجبت الزكاة ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد كانواع الماشية وأما الذى يخرج قال في الكتاب يخرج من كل واحد بقدره وهذا إذا لم تكثر الانواع وهو الغالب في الذهب والفضة فان كثرت والردئ الخالص والمغشوش وانما الكلام في محض النقرة وجودته ترجع الي النعومة والصبر علي الضرب

(6/10)


ونحوهما والرداءة إلى الخشونة والتفتت عند الضرب ولو أخرج الجيد عن الردئ فهو افضل وان أخرج
الردئ عن الجيد فالمشهور المنع وروى الامام عن الصيدلانى الاجزاء وخطأه فيه ويجوز اخراج الصحيح عن المكسر ولايجوز عكسه بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح أو يسلمه الي واحد باذن الباقين هذا هو المذهب المشهور في المذهب وحكى ابو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات عن بعض الاصحاب انه يجوز أن يصرف الي كل واحد منهم ما يخصه مكسرا وعن بعضهم انه يجوز ذلك ولكن مع الصرف بين المكسر والصحيح وعن بعضهم انه ان لم يكن في المعاملة فرق بين الصحيح والمكسر جاز اداء المكسر عن الصحيح (الرابعة) إذا كانت له دراهم أو دنانير مغشوشة

(6/11)


فلا زكاة فيهما ما لم يبلغ قدر قيمتهما نصابا خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ان كان الغش أقل وجبت فيها الزكاة (لنا) قوله صلي الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) فإذا بلغت نقرتها نصابا أخرج قدر الواجب نقرة خالصة أو أخرج من المغشوش ما يعلم انه مشتمل علي قدر الواجب ولو أخرج عن ألف درهم مغشوشة خمسة وعشرين خالصة فقد تطوع بالفضل ولو أخرج عن مائة درهم خالصة خمسة مغشوشة لم يجز خلافا لابي حنيفة (لنا) .
القياس على مالو اخرج مريضة عن الصحاح وبل أولي لان الغش ليس بورق والمريضة ابل وإذا لم يجزه فهل له الاسترجاع حكوا عن ابن سريج فيما فرع علي الجامع الكبير لمحمد فيه قولين (أحدهما) لا كما لو اعتق رقبة معيبة يكون متطوعا بها (وأصحهما) نعم كما لو عجل بالزكاة.

(6/12)


فتلف ماله قال بن الصباغ وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع كراهة الدرهم المغشوش فقال الاصحاب في شروحهم يكره للامام ضرب الدراهم المغشوشة لئلا يغش بها بعض الناس بعضا ويكره للرعية ضرب الدراهم وان كانت خالصة فانه من شأن الامام ثم الدراهم المغشوشة إن كانت مضبوطة العيار صحت المعاملة بها إشارة إلي عينها الحاضرة والتزاما لمقدار منها في الذمة وإن كان مقدار النقرة منها مجهولا ففى جواز المعاملة باعيانها وجهان (أصحهما) الجواز لان المقصود رواجها وهى رائجة بمكان السكة ولان بيع

(6/13)


الغالية والمعجونات جائز وان كانت مختلفة المقدار فكذلك ههنا (والثاني) المنع وبه أجاب القفال لانها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة وهى مجهولة القدر والاشارة إليها لا تفيد الاحاطة بقدر النقرة فاشبه بيع تراب المعدن وتراب الصاغة فان قلنا بالاول فلو باع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش صح العقد ووجب من ذلك النقد وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد ومواضع العلامات من الفصل بينة قال (ولو كان له ذهب مخلوط بالفضة قدر أحدهما ستمائة درهم وقدر الآخر أربعمائة واشكل عليه وعسر التمييز فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة ليخرج عما عليه بيقين) *

(6/14)


لو كان له ذهب مخلوط بفضة فان عرف قدر كل واحد منهما أخرج زكاته وإن لم يعرف كما لو كان وزن المجموع الفا واحداهما ستمائة والآخر أربعمائة وأشكل عليه أن الاكثر الذهب أو الفضة فان أخذ بالاحتياط فاخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من الفضة فقد خرج عن العهدة بيقين ولا يكفيه في الاحتياط أن يقدر الاكثر ذهبا فان الذهب لا يجزئ عن الفضة وان كان خيرا منها وان لم يطب نفسا بالاحتياط فليميز بينهما بالنار (قال الائمة) ويقوم مقامه الامتحان بالماء بان يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ويعلم علي الموضع الذى يرتفع إليه الماء ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة

(6/15)


الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا وتكون هذه العلامة فوق الاولى لان اجزاء الذهب أشد اكتنازا ثم يوضع فيه المخلوط وينظر الي ارتفاع الماء به اهو الي علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة ولو غلب علي ظنه أن الاكثر الذهب أو الفضه فهل له العمل بمقتضاه (قال) الشيخ أبو حامد ومن تابعه ان كان يخرج الزكاة بنفسه فله ذلك وان كان يسلم إلى الساعي فالساعي لا يعمل بظنه بل يأخذ بالاحتياط أو يأمر بالتمييز (وقال) الامام الذى قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد الظن فيه ويحتمل أن يجوز له الاخذ بما شاء من التقديرين واخراج الواجب على ذلك التقدير لان اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم: وصاحب الكتاب حكى هذا الاحتمال وجها في الوسيط: إذا عرفت ذلك اعلمت
قوله في الكتاب (فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة بالواو) لهذا الوجه ولان علي ما ذكره العراقيون قد يجوز الاخذ بالظن فلا يلزم اخراج ستمائة من هذا أو ستمائة من ذلك ثم قوله (وعسر التمييز فعليه كذا) ليس هذا على الاطلاق إذا قد يعسر التمييز ويمكن الامتحان بالماء ومعرفة المقدارين فلا يجب ستمائة من هذا وستمائة من ذاك وعسر التمييز بان يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمان صالح فان الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحقين ذكر ذلك في النهاية ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الامكان *

(6/16)


قال (ولو ملك مائة نقدا ومائة مؤجلا علي ملئ ولم نوجب عليه تعجيل زكاة المؤجل وجب اخراج حصة المال النقد علي أصح الوجهين لان الميسور لا يتأخر بالمعسور) * لو ملك مائة درهم نقدا في يده ومائة مؤجلة علي ملئ فكيف يزكي: يبنى ذلك علي أن الدين المؤجل هل تجب فيه الزكاة أم لا والصحيح الوجوب وعلي هذا فهل يجب الاخراج في الحال أولا يجب الا بعد الاستيفاء فيه وجهان (والصحيح الثاني) وقد شرحنا الخلافين من قبل فان قلنا لا زكاة في الدين المؤجل فلا شئ عليه في المسألة وان أوجبنا إخراج زكاته في الحال فهو كما لو كان في يده جميع المأتين وان أوجبنا فيه الزكاة ولم نوجب اخراجها في الحال وهو المراد من قوله في الكتاب ولم نوجب تعجيل الزكاة عن المؤجل فهل يلزمه الاخراج عما في يده بالقسط فيه وجهان (احدهما) لا لان ما في يده ناقص عن النصاب فإذا لم يجب اخراج زكاة جميع النصاب لا يجب اخراج شئ (واصحهما) نعم لان الميسور لا يتأخر بالمعسور وبنوا الوجهين علي ان الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان: ان قلنا بالاول فلا يلزمه اخراج شئ في الحال لانه ربما لا يصل إليه الباقي وبهذا القول اجاب في المختصر في هذا الفرع وان قلنا بالثاني اخرج عن الحاضر بالقسط لان هلاك الباقي لا يسقط زكاة الحاصل في يده ومتى كان في يده بعض النصاب وما يتم به النصاب مغصوب أو دين علي غيره ولم نوجب فيهما الزكة فانما يبتدئ الحول من يوم قبض ما يتم به النصاب * قال (النظر الثاني في جنسه ولا زكاة في شئ من نفائس الاموال الا في النقدين وهو منوط
بجوهرهما علي احد القولين وفى الثاني منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما حتى لو اتخذ منه حلي علي قصد استعمال مباح سقطت الزكاة وان كان علي قصد استعمال محظور كما لو قصد الرجل بالسوار أو الخلخال أن يلبسه أو قصدت المرأة ذلك في المنطقة والسيف لم تسقط الزكاة لان المحظور شرعا كالمعدوم حسا بل لا يسقط إذا قصد ان يكنزهما حليا لان الاستعمال المحتاج إليه لم يقصده)

(6/17)


لا زكاة فيما سوى النقدين من الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والياقوت ونحوهما ولا في المسك والعنبر: روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال (لا شئ في العنبر) وعن عائشة رضى الله عنهم انه (لا زكاة في اللؤلؤ) وبما تناط زكاة النقدين: أتناط بجوهرهما أم بالاستغناء عن الانتفاع بهما فيه قولان في قول يناط بجوهرهما كاربا وفى قول بالاستغناء عن الانتفاع بهما إذ لا يتعلق بذاتهما غرض وبقاؤهما في يده يدل على أنه غنى عن التوسل بهما ويبنى علي العبارتين وجوب الزكاة في

(6/18)


الحلى المباح: فعلى الاولي تجب وبه قال (عمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم) وهو مذهب أبي

(6/19)


حنيفة رحمه الله لما روى (أن امرأتين اتتا رسول الله صل الله عليه وسلم وفى أيديهما سواران من ذهب فقال اتؤديان زكاته قالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم اتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار قلتا لا قال فأديا زكاته) وعلي العبارة الثانية لا تجب الزكاة فيه وبه قال ابن عمر وجابر وعائشة

(6/20)


رضي الله عنهم وهو مذهب مالك واحمد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في الحلي) ولانه

(6/21)


معد لاستعمال مباح كالعوامل من البقر والابل وهذا اظهر القولين: ولك أن تعلم لما ذكرنا قوله

(6/22)


منوط بجوهرهما بالالف والميم وقوله منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما بالحاء والقولان في الحلي
المباح أما المحظور فتجب فيه الزكاة بالاجماع وهو علي نوعين محظور لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر الذهبية والفضية ومحظور باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذى اتخذه أو ورثه أو اشتراه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة ان تلبسه أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء وكذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها فكل ذلك محظور وعلل في الكتاب وجوب الزكاة في الحلى المحظور بأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا ولم يرد به الحاق المحظور بالمعدوم علي الاطلاق لكن المراد ان الحكم المخصوص بضرب من التخفيف واطلاق التصرف إذا شرطت فيه منفعة فيشترط كونها مباحة والا فهي كالمعدومة وهذا كما انه يشترط في البيع كون المبيع منتفعا به فلو كانت فيه منفعة محظورة كما في آلات الملاهي كان كما لو لم يكن فيه منفعة ثم التعليل المذكور في المحظور لعينه أظهر منه في المحظور باعتبار القصد لان الصنعة في المحظور لعينه لا حرمة لها إذا منعنا اتخاذه فاما المحظور باعتبار القصد فالتحريم فيه يرجع الي الفعل والاستعمال لا الي نفس الحلي والصنعة محترمة غير مكسرة وان فسد القصد فهلا كان ذلك بمثابة مالو قصد بالعروض التى عنده استعمالها في وجوه محترمة لا تجب الزكاة (قال الامام) قدس الله روحه في دفع هذا الاشكال الزكاة تجب في

(6/23)


عين النقد: وعينه لا تنقلب باتخاذ الحلى منه فلا يلتحق بالعروض الا بقصد ينضم إليه وهذا كما أن العروض لما لم تكن مال الزكاة في أعيانها لا تصير مال الزكاة الا بقصد ينضم إلى الشرى وهو قصد التجارة وإذا لم تسقط الزكاة بمحض الصنعة واحتيج إلى قصد الاستعمال فمتي قصد محرما لغى ولم يؤثر في الاسقاط وان اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالا مباحا ولا محذورا ولكن قصد جعله كنزا فالذي

(6/24)


ذكره في الكتاب وأورده الجمهور انه لا تسقط الزكاة قولا واحدا لانه لم يصر محتاجا إليه بالاستعمال بل المكنوز مستغني عنه كالدراهم المضروبة وحكى الامام فيه خلافا لقصد الامساك وابطال هيئة الاخراج وهل يجوز اتخاذ حلي الذهب للذكور من الاطفال فيه وجهان ويجئ فيه الوجه الثالث
الذى ذكرناه في الباسهم الحرير * قال (ولو لم يخطر بباله قصد أصلا ففى السقوط وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة وفى الثاني إلى عدم قصد الاستعمال فان قصد أجارتهما ففيه وجهان والقصد الطارئ بعد الصياغة في هذه الامور كالمقارن) * في الفصل ثلاث صور تتفرع على أن الزكاة لا تجب في الحلي (احداها) لو اتخذ حليا مباحا في عينه ولم يقصد أن يكنزه ولا قصد به استعمالا مباحا ولا محظور افهل تسقط عنه الزكاة فيه وجهان (أحدهما) لا لان وجوب الزكاة منوط باسم الذهب والفضة ولا ينصرف الا بقصد الاستعمال ولم يوجد: والثاني نعم لان الزكاة تجب في مال نام والنقد غير نام في نفسه انما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا للاخراج وبالصياغة بطل التهيؤ (قال) في العدة وهذا الثاني ظاهر المذهب (وقوله) في الكتاب ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا قصد أن يكنزه وإن لم يذكره لانه جعل علة السقوط حصول الصياغة وهي موجودة في تلك الصورة ويجوز أن يكون افتراق الصورتين في الاظهر باعتبار أن نية الكنز صارفة لهيأة الصياغة عن استعماله ولم يوجد ههنا نية صارفة والظاهر كون الصياغة للاستعمال وافضاؤها إليه (الثانية) لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط عنه الزكاة لانه معد للنماء فاشبه مالو اشترى حليا ليتجر فيه (وأصحهما) أنه تسقط كما لو اتخذه ليعيره ولا اعتبار بالاجرة كاجرة العوامل من الماشية وذكر في الشامل ان الوجه الاول قول احمد والثانى قول مالك (الثالثة) حكم القصد الطارئ في جميع ما ذكرنا بعد الصياغة حكم المقارن بيانه لو اتخذه علي قصد استعمال محظور ثم غير قصده الي مباح بطل الحول فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة ولو اتخذه على قصد الاستعمال ثم قصد أن يكنزه

(6/25)


جرى في الحول وعلي هذا قس نظائره * قال (ولو انكسر الحلي واحتاج إلى الاصلاح لم يجر في الحول لانه حلى بعد وقيل يجرى لتعذر الاستعمال وقيل ينظر إلى قصد المالك للاصلاح أو عدمه) *
مما يتفرع علي نفى الزكاة في الحلى القول في انكساره وله ثلاث أحوال (احداها) أن ينكسر بحيث لا يمنع الاستعمال وهذا لا تأثير له (والثانية) أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال ويحوج الي سبك وصوغ جديد فتجب فيه الزكاة لخروجه عن صلاحية الاستعمال ويبتدئ الحول من يوم الانكسار (والثالثة) وهى المذكورة في الكتاب أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحوج الي صوغ جديد بل يقبل الاصلاح باللحام فان قصد جعله تبرا أو دراهم أو قصد ان يكنزه انعقد الحول عليه من يوم لانكسار وان قصد اصلاحه فوجهان (اظهرهما) انه لا زكاة وان تمادت عليه احوال لدوام صورة الحلي وقصد الاصلاح (والثانى) يجب لتعذر الاستعمال وان لم يقصد لا هذا ولا ذاك ففيه خلاف منهم من يجعله وجهين ويقول بترتيبهما علي الوجهين فيما إذا قصد الاصلاح وهذه الصورة اولى بأن تجرى في الحول ومنهم من يجعله قولين احدهما انه تجب الزكاة لانه غير مستعمل في الحال ولا معدله (واظهرهما) المنع لان الظاهر استمراره على ما سبق من قصد الاستعمال وذكر في البيان ان هذا هو الجديد والاول القديم فإذا جمعت بين الصورتين قلت في المسألة ثلاثة اوجه كما ذكر في الكتاب (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين ان يقصد الاصلاح وبين ألا يقصد شيئا وموضع الخلاف عند الجمهور ما إذا لم يقصد جعله تبرا أو دراهم وان كان لفظ الكتاب مطلقا *

(6/26)


قال (فان قيل ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة قلنا أما الذهب فاصله على التحريم في حق الرجال وعلى التحليل في حق النساء ولا يحل للرجال الاتموية لا يحصل منه الذهب أو اتخاذ أنف لمن جدع أنفه) * جرت عادة الاصحاب بالبحث عن ما يحل ويحرم من التحلى بالتبرين ليعلم موضع القطع بوجوب الزكاة وموضع القولين فاما الذهب فأصله علي التحريم في حق الرجال وعلي التحليل في حق النساء لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (هذان حرام على ذكور امتى حل لاناثها) واستثنى في الكتاب عن التحريم نوعين (أحدهما) التمويه الذى لا يحصل منه شئ وفى جوازه
في الخاتم والسيف وغيرهما (وجهان) سبق في الاواني ذكرهما وبالتحريم أجاب العراقيون ههنا وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله الا تمويه ينبغي أن يعلم بالواو (والثاني) يجوز لمن جدع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن أمكن اتخاذه من الفضة لان الذهب لا يصدأ وقد روى أن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فانتن عليه فأمره النبي صلي الله عليه وسلم (أن يتخذ أنفا من ذهب) وفى معنى الانف السن والانملة فيجوز اتخاذهما من الذهب وكل ما جاز من الذهب ولا يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب أو فضة لانها لاتعمل بخلاف الانملة يمكن تحريكها وهل يجوز أن يتخذ لخاتمه سنا أو اسنانا من الذهب قال الاكثرون لا وهو الذى أورده في التهذيب ونظم الكتاب يوافقه فانه لم يستثن من التحريم الا التمويه واتخاذ الانف وقال الامام لا يبعد تشبيه القليل

(6/27)


منه بالضبة الصغيرة في الاواني وبتطريف الثوب بالحرير: وللاكثرين أن يقولوا الخاتم الزم للشخص من الاناء واستعماله أدوم فجاز الفرق بين أسنانه وبين الضبة وأما التطريف بالحرير فأمر الحرير أهون لان الخيلاء فيه أدني: واعلم أن كل حلي يحرم لبسه علي الرجال يحرم لبسه على الخنثى لجواز كونه رجلا وهل عليه زكاته الاظهر أنها تجب لكونه حراما وبه أجاب أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات وقيل هو علي القولين في الحلي المباح وأشار في التتمة الي أن له لبس حلى الرجال والنساء جميعا لانه كان له لبسهما في الصغر فيستصحب إلي زوال الاشكال * قال (وأما الفضة فحلال للنساء ولا يحل للرجل إلا التختم بها وتحلية آلات الحرب كالسيف والمنطقة وفى السروج واللجم وجهان وتحرم علي المرأة آلات الحرب لما فيه من التشبه بالرجال) * يجوز للرجل التختم بالفضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (اتخذ خاتما من فضة) وهل له لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالسوار والدملج والطوق لفظ الكتاب يقتضي المنع حيث قال ولا يحل للرجال إلا التختم به وبه قال الجمهور وقال ابو سعيد المتولي إذا جاز التختم بالفضة فلا فرق بين الاصابع وسائر الاعضاء كحلي الذهب في حق النساء فيجوز له لبس الدملج في العضد والطوق في العنق والسوار في اليد وغيرها وبهذا أجاب المصنف في الفتاوى وقال لم يثبت في الفضة إلا تحريم
الاواني وتحريم التحلي علي وجه يتضمن التشبه بالنساء فاعلم لهذا قوله ولا يحل للرجل إلا التختم

(6/28)


به ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والرأنين والخف وغيرها لانه يغيظ الكفار وقد ثبت ان قبيعة سيف رسول الله عليه وسلم (كانت من فضة) وفى تحلية السرج واللجام والثغر وجهان (احدهما) وبه قال ابن سلمة يجوز كالسيف والمنطقة (وأصحهما) المنع كالاواني بخلاف آلات الحرب الملبوسة ويروى هذا عن نصه في رواية البويطي والربيع وموسى بن أبى الجارود وأجرى هذا الخلاف في الركاب وفي برة الناقة من الفضة ورأيت كثيرا من الائمة قطعوا في تصانيفهم بتحريم القلادة للدابة ولا يجوز تحلية شئ مما ذكرنا بالذهب لعموم المنع فيه ويحرم علي النساء تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة جميعا لان في استعمالهن لها تشبها بالرجال وليس لهن التشبه بالرجال هكذا ذكره الجمهور واعترض عليه صاحب المعتمد بأن آلات الحرب من غير ان تكون محلاة إما ان يجوز للنساء لبسها واستعمالها أو لا يجوز (والثانى) باطل لان كونه من ملابس الرجال لا يقتضى التحريم إنما يقتضي الكراهة: ألا ترى انه قال في الام ولا اكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للادب وانه من زى النساء لا للتحريم فلم يحرم زى النساء علي الرجال وإنما كرهه فكذلك حكم العكس وقد ذكرت نحوا من هذا في صلاة العيد وايضا الحراب جائز للنساء في الجملة كان في تجويز الحراب تجويز استعمال آلات الحروب وإذا فان ثبت جواز استعمالها وهي غير محلاة فيجوز استعمالها وهى محلاة لان التحلي لهن اجوز منه للرجال وهذا هو الحق إن شاء الله تعالي وبتقدير الا يجوز لهن استعمالها وهي غير محلاة فلا يكون التحريم ناشئا من التحلية فلا يحسن تعليقه بها ويجوز للنساء لبس انواع الحلي من الذهب والفضه كالقرط والطوق والخاتم والخلخال والسوار والتعاويذ وفى اتخاذ النعال من الذهب والفضة وجهان احدهما ويحكى عن الماوردى

(6/29)


انه لا يجوز لما فيه من الاسراف وأصحهما ويحكي عن القاضي الحسين أنه يجوز كسائر الملبوسات وأما التاج فقد ذكروا أنه إن جرت عادة النساء بلبسه كان مباحا والا فهو مما يلبسه عظماء الفرس فيحرم وكأن
هذا إشارة الي اختلاف الحكم بحسب اختلاف النواحي: فحيث جرت عادة النساء بلبسه جاز لبسه وحيث لم تجر لا يجوز تحرزا عن التشبه بالرجال وفى الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة وجهان حكاهما القاضي الروياني (أظهرهما) المنع لانها لم تخرج بالصوغ عن النقدية وفى لبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة

(6/30)


وجهان (أصحهما) الجواز وذكر ابن عبدان انه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ولعل هذا جواب علي الوجه الثاني وكل حلي أبيح للنساء فذلك إذا لم يكن فيه سرف فان كان كخلخال وزنه مائتا دينار ففيه وجهان الذى ذكره معظم العراقيين المنع وأوجبوا فيه الزكاة قولا واحدا وفى معناه اسراف الرجل في تحلية آلات الحراب ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة أو المرأة خلاخل كثيرة لتلبس الواحد منها بعد الواحد فلا يمتنع وليس كالواحد الثقيل وطرد ابن عبدان فيه الوجهين وهذا كله فيما يتحلي به لبسا *

(6/31)


قال (فأما في غير التحلي فقد حرم الشرع اتخاذ الاواني من الذهب والفضة على الرجال والنساء وفى المكحلة لصغيرة تردد وفى تحلية لسكين للمهنة بالفضة الحاقا لها بالآت الحرب فيه خلاف) * في الفصل مسألتان (أحداهما) استعمال أواني الذهب والفضة حرام علي الرجال والنساء كما بينا في كتاب الطهارة وفى اتخاذها خلاف وجواب الكتاب ههنا وفى الطهارة التحريم ويجوز اعلام قوله

(6/32)


(اتخاذ الاواني) بالواو للخلاف الذى شرحناه في الطهارة ومثله المكحلة قد ذكرها مرة هناك ونقل الامام التردد فيها عن صاحب التقريب وقيد بما إذا كانت من فضة وفيه كلام ذكرناه في شرحها ثم (الثانية) في تحلية سكاكين المهنة وسكاكين المقلمة بالفضة وجهان احدها الجواز ألحاقا لها بالات الحرب (وأصحها) المنع لانها لا تراد للحرب قال الامام وهذا الخلاف في استعمالها للرجال ويثور منه اختلاف في حق النساء ان الحقناها بالات الحرب فليس للنسوة استعمالها والا ففيه احتمال *
قال (وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان للحمل على الاكرام وفى تحليته بالذهب ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الرجال والنساء وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز اصلا كتحلية الدواة والسهم والسرير والمقلمة وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة ويلزم علي قياسه المقلمة والكتب وتحلية الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضه قيل انه ممنوع ولا يبعد تجويزه اكراما كما في

(6/33)


المصحف) * هل يجوز تحلية المصحف بالفضة فيه وجهان (احدهما) لا كالأواني (وأظهرهما) نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله اكراما للمصحف وجعل أبو القاسم الكرخي في هذا الخلاف قولين وقال في سير الواقدي ما يدل علي حظرها وفى القديم والجديد وحرملة ما يدل علي الجواز وفى تحليته بالذهب ثلاثه أوجه (احدها) وبه أجاب الشيخ ابو محمد في مختصر المختصر الجواز اكراما وبه قال ابو حنيفة رحمه الله (والثاني) المنع إذ ورد في الخبر ذمها) (والثالث) الفرق بين ان يكون للمرأة فيجوز وبين ان

(6/34)


يكون للرجال فلا يجوز طردا للمنع من الذهب في حق الرجال وكلام الصيدلاني والاكثرين الي هذا أميل وذكر بعضهم انه يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه والاظهر التسوية واما سائر الكتب فقال في الكتاب ان تحليتها لم تجز اصلا وذلك ان الائمة لم يحكوا فيها خلافا بل قاسوا وجه المنع في المصحف علي سائر الكتب اشعارا بالاتفاق فيها وذكروا وجهين في تحلية الدواة والمرآة والمقلمة والمقراض بالفضة (اصحهما) المنع كالأواني والثانى الجواز كالسيف والسكين وبه اجاب في مختصر

(6/35)


المختصر واراد صاحب الكتاب بقوله (وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة) حكاية وجه وقاس عليه المقلمة وسائر الكتب وفي تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها فيها وجهان مرويان في الحاوى وغيره (احدهما) الجواز تعظيما كما في المصحف وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج (واظهرهما) المنع ويحكى ذلك عن ابي اسحق إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف وحكم الزكاة مبنى علي الوجهين نعم لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال وقد تعرض في الكتاب للوجهين معا حيث قال (قيل انه ممنوع) ولا يبعد تجويزه اكراما لكن حكى المنع نقلا والتجويز احتمالا تأسيا بالامام رحمه الله فانه هكذا فعل (خاتمة) إذا اوجبنا
الزكاة في الحلى المباح فلو اختلف وزن الحلي وقيمته كما لو كانت لها خلاخل وزنها مائتا درهم وقيمتها ثلثمائة أو فرض مثله في المناطق المحلاة للرجال فالاعتبار في الزكاة بوزنها أو قيمتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الماوردى ان الاعتبار بالوزن لا القيمة لانها زكاة عين فلا ينظر فيها الي القيمة كما في المواشى ولهذا لو كان وزن الحلي مائة درهم وقيمتة بسبب الصنعة مائتان لا تجب فيها الزكاة (وأصحهما) عند ابن سريج وعامة العراقيين انه تعتبر الصنعة لانها صفة في العين فيلزمه إخراج زكاة العين علي تلك الصفة كما يلزم اخراج المضروب عن المضروب فعلي هذا يتخير بين ان يخرج ربع عشر الحلي مشاعا ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن علي المساكين وبين ان يخرج خمسة دراهم مصنوعة

(6/36)


قيمتها سبعة ونصف ولا يجوز ان يكسره ويخرج خمسة مكسورة لان فيه ضررا عليه وعلى المساكين ولو أخرج من الذهب ما قيمته سبعة دراهم ونصف فهو جائز عند ابن سريج للحاجة ممتنع عند الاكثرين لامكان تسليم ربع العشر مشاعا وبيعه بالذهب بعد ذلك ولو كانت له آنية وزنها مائتان ويرغب فيها بثلثمائة فيبنى حكم زكاتها علي الخلاف في جواز الاتخاذ ان جوزناه فالحكم علي ما ذكرناه في الحلي وان لم نجوز فلا قيمة للصنعة شرعا فله اخراج خمسة من غيره وله كسره واخراج خمسة منه وله اخراج ربع عشره مشاعا ولا سبيل الي اخراج الذهب بدلا وكل حلي لا يحل لاحد من الناس فحكم صنعته حكم صنعة الاناء ففى ضمانها علي كاسره وجهان وما يحل لبعض الناس فعلي كاسره ضمانها وما يكره من التحلي ولا يحرم كالضبة الصغيرة على الاناء للزينة الحقوه بالمحظور في وجوب الزكاة وقال صاحب التهذيب من عند نفسه الاولي ان يكون كالمباح *

(6/37)


قال (النوع الرابع زكاة التجارة ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعارضة المحضة ولا يكفي مجرد النية دون الشرى ولا عند الاتهاب أو الرجوع بالعيب وهل يكفى عند الخلع أو النكاح فيه وجهان ولو اشترى عبدا علي نية التجارة بثوب قنية فرد عليه بالعيب انقطع حوله وكذا لو باع ثوب تجارة بعبد للقنية ثم رد) *
زكاة التجارة واجبة عند جمهور العلماء وفيهم الشافعي رضي الله عنه قطع به قوله في الجديد وحكى عنه في القديم ترديد قول: فمنهم من قال له في القديم قولان ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد

(6/38)


شيئا وذكر في النهاية أن نفى وجوبها يعزى الي مالك ولا يكاد يثبت ذلك عنه إنما المشهور عنه أنها لا تجب بعد النضوض حتى لو نض بعد ما اتجر سنين كثيرة لا تجب إلا زكاة سنة واحدة والاصل في الباب ماروى عن أبى ذر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في الابل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى الغنم صدقتها وفى البز صدقته) ومعلوم أنه ليس في البز زكاة العين فيكون الواجب زكاة التجارة

(6/39)


وعن سمرة بن جندب قال (كان النبي صلي الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع) واعتمد

(6/40)


الشافعي رضي الله عنه فيما روى عن أبى عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال (مررت علي عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلي عنقي أدم أحملها فقال ألا تؤدى زكاتك يا حماس فقلت مالى غير هذه وأهب في القرظ قال ذلك مال فضع قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدت قد وجب فيها الزكاة فاخذ منها الزكاة) إذا تقرر ذلك فاول ما بدا به في الكتاب بيان أن مال التجارة ماذا فقال ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعاوضة المحضة وفي هذا الضابط أمور قد فصلها بصور (فمنها) أن مجرد نية التجارة لا تجعل المال مال التجارة حتى لو كان له عرض للقنية ملكه بشراء وغيره ثم جعله للتجارة لم يصر للتجارة ولم ينعقد الحول عليه خلافا للكرابيسي من أصحابنا

(6/41)


حديث قال يصير مال تجارة بمجرد النية وبه قال أحمد في إحدى الروايتين لما روينا من خبر سمرة وكما لو كان عنده عرض التجارة فنوى أنه للقنية يصير للقنية وينقطع حول للتجارة: لنا أن ما لا يثبت له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ويخالف عرض التجارة تصير للقنية بمجرد النية من وجهين (أحدهما) انه ليس للاقتناء معني إلا الحبس والامساك للانتفاع
فإذا أمسك ونوى الاقتناء فقد قرن النية بصورة الاقتناء لانه جردها (والثانى) أن الاصل في العروض الاقتناء والتجارة عارضة فبمجرد النية يعود حكم الاصل وإذا ثبت حكم الاصل فبمجرد النية يزول وهذا كما أن المسافر يصير مقيما بمجرد النية والمقيم لا يصير مسافرا بمجرد النية ومنها لو اقترنت نية التجارة بالشراء كان الشراء مال تجارة ودخل في الحول لانضمام قصد التجارة إلى فعلها كما لو نوي المشترى وسار يصير مسافرا ولا فرق بين أن يكون الشراء بعرض أو نقد أو دين ولا بين أن يكون حالا أو مؤجلا وإذا ثبت حكم التجارة لا يحتاج لكل معاملة الي نية جديدة وفى معني الشرى ما لو صالح

(6/42)


عن دين له في ذمة إنسان علي عرض بنية التجارة فيصير للتجارة سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة وأما الهبة المحضة والاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والارث فليست معدودة من أسباب التجارة فلا أثر لاقتران النية بها وكذا الرد بالعيب والاسترداد حتى لو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد الاول علي قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده وقصد المردود عليه بأخذه التجاره لم يصر مال تجارة ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة تم رد عليه الثوب بعيب انقطع حول التجارة ولم يكن الثوب المردود مال تجارة لان الثوب لم يكن عنده علي حكم التجارة حتي يقال ينقطع البيع ويعود الي ما كان قبله بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فانه يبقى حكم التجارة فيه بعد البيع وكذا لو تبايع التاجران ثم تقابلا يستمر حكم التجارة في المالين ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد علي حكم التجارة لان قصد القنية قطع حول التجارة والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شئ فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذى عنده ثم نوى جعله للتجارة ثانيا لا يؤثر حتى يقرن النية بتجارة جديدة ولو خالع الرجل امرأته وقصد التجارة في عوض الخلع أو زوج السيد أمته أو نكحت الحرة أو نويا التجارة في الصداق ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يكون مال تجارة لان الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ولانه ليس المملوك بهما مملوكا بعين مال (واظهرهما) ولم يذكر اكثر العراقيين سواه أنه يكون
مال تجارة لانه مال ملكه بمعارضة ولهذا ثبتت الشفعة فيما ملك بهما وأجرى الوجهان في المال المصالح عليه عن الدم والذى آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة وفيما إذا كان تصرفه في المنافع بأن كان يستأجر المستعملات ويؤاجرها علي قصد التجارة *

(6/43)


قال (والنصاب معتبر في أول الحول وآخره دون الوسط علي قول وفى جميع الحول على قول وفى آخر الحول فقط على قول لان انخفاض السعر لا ينضبط ولو كان النقصان محسوسا بالتنضيض ففى انقطاع الحول علي هذاا لقول وجهان) * لا خلاف في اعتبار الحول في زكاة التجارة ويدل عليه مطلق قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) والنصاب معتبر أيضا لكن في وقت اعتباره ثلاثة أقوال على ما ذكر صاحب الكتاب والامام (أحدها) أنه يعتبر في أول الحول وآخره اما في الاول فليجر في الحول وأما في الآخر فلانه وقت الوجوب ولا يعتبر فيما بينهما لعسر مراعاة النصاب بالقيمة فان الاسعار

(6/44)


تضطرب انخفاضا وارتفاعا (وثانيها) أنها تعتبر في جميع الحول كما في المواشي فعلي هذا لو نقصت القيمة عن النصاب في لحظة انقطع القول فان كمل بعد ذلك استأنف الحول (وأصحها) أنه لا يعتبر إلا في آخر الحول اما انه لا يعتبر في أثنائه فلما سبق وأما أنه لا يعتبر في أوله فكالزيادة علي النصاب لما لم يشترط وجودها في أثناء الحول لوجوب زكاتها لم يشترط وجودها في أول الحول فعلي هذا لو اشترى

(6/45)


عرضا للتجارة بشئ يسير انعقد الحول عليه ووجبت الزكاة فيه إذا بلغت قيمته نصابا في آخر الحول واحتج لهذا القول بحديث حماس فانه لم ينظر إلي القيمة إلا في الحال ولم يبحث عما تقدم وليس هذا الاحتجاج كما ينبغي وعبر الاكثرون عن الخلاف في المسألة بالوجوب دون الاقوال وسبب اختلاف العبارة أنها جميعا ليست منصوصة وإنما المنصوص منها الثالث والاولان خرجهما شيوخ الاصحاب هكذا حكي الشيخ أبو علي والمذاهب المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة وبالاقوال أخرى وبالقول

(6/46)


الثاني قال ابن سريج ونسب ابن حمدان إليه الاول والله أعلم.
ويجوز أن يعلم الاول بالميم والالف (والثانى) بالميم والحاء (والثالث) بالحاء والالف لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الاول

(6/47)


ومذهب أحمد مثل (الثاني) ومذهب مالك مثل (الثالث) ثم إذا احتملنا نقصان النصاب في غير الآخر فذلك في حق من تربص لسلعته حتى تم الحول وهي نصاب بالقيمة فاما لو باعها بسلعة أخرى في أثناء الحول فقد حكي الامام وجهين فيه (أحدهما) أن الحول ينقطع ويبتدئ حول السلعة الاخرى

(6/48)


من يوم ملكها (وأصحهما) أن الحكم كما لو تربص بسلعته ولا أثر للمبادلة في أحوال التجارة ولو باعها في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ثم اشترى به سلعة فتم الحول وهى تبلغ نصابا بالقيمة ففيه وجهان لتحقق النقصان حسا قال الامام رحمه الله والخلاف في هذه الصورة امثل منه في الاولى ورأيت المتأخرين يميلون إلى انقطاع الحول والله أعلم وهذه الصورة الاخيرة هي المذكورة في الكتاب

(6/49)


وأعرف من اللفظ شيئين (أحدهما) أن قوله فلو صار النقصان محسوسا بالتنضضن ليس المراد منه مطلق التنضيض فانه لو باع بالدراهم والحال تقتضي التقويم بالدنانير علي ما سيأتي فهو كبيع السلعة بالسلعة (والثاني) أن قوله على هذا القول يوهم تخصيص الوجهين بالقول الثالث وهما جاريان علي القول الاول

(6/50)


أيضا ولا فرق * (فرع) لو تم الحول وقيمة سلعته دون النصاب فهل يبتدئ حول ثان فيه وجهان قال أبو إسحق نعم ويسقط حكم الحول الاول وقال ابن أبى هريرة لابل متى بلغت القيمة نصابا تجب الزكاة ثم يبدأ حول ثان والاول أصح عند صاحب التهذيب وغيره *

(6/51)


قال (وابتداء حول التجاره من وقت الشراء بنية التجارة ان كان المشترى به عرضا ماشية كانت أو لم تكن: وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت النقد نصابا كان أو لو يكن إن قلنا إن النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول وفى الجملة زكاة التجارة والنقدين يبني حول كل واحد منهما علي حول صاحبه لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب) *

(6/52)


غرض الفصل الكلام في بيان ابتداء الحول وجملته أن مال التجارة لا يخلو اما أن يملكه بأحد النقدين أو بغيرهما فان ملكه بأحد النقدين نظر ان كان نصابا كما لو اشترى بعشرين دينارا أو بمائتي درهم فابتداء الحول من يوم ملك ذلك النقد ويبنى حول التجارة علي حوله ووجهوا

(6/53)


ذلك بشيئين (احدهما) ان قدر الواجب فيهما واحد وكذلك متعلقه فان الزكاة واجبه في عين النقد وفى قيمة السلعة وهى من جنس النقد الذى كان رأس المال بل هي نفس تلك الدراهم الا أنها صارت مبهمة بعد ما كانت معينة فصار كما لو ملك مائتي درهم ستة اشهر ثم اقرضها مليئا تلزمه الزكاة بعد ستة اشهر من يوم القرض (والثانى) ان النقد اصل وغرض التجارة تبع له وفرع عليه الا ترى ان التقويم به يقع فبنى حوله عليه وخرجوا علي التوجيهين ما إذا بادل الدراهم بالدراهم حيث ينقطع الحول ولا يبنى اما علي الاول فلان زكاة النقد في العين ولكل واحد من عين الدراهم الاولى وعين الثانية حكم نفسها واما علي الثاني فلان الثانية لا تقوم بالاولى وليست احداهما اصلا والاخرى فرعا لها وهذا فيما إذا كان الشراء بعين النصاب اما إذا اشترى بنصاب من احد النقدين في الذمة وله مائتا درهم وعشرون دينارا فنقدها في ثمنه ينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من يوم الشري هذا لفظ صاحب التهذيب وعلل بأن هذه الدراهم والدنانير لم تتعين للتصرف فيه والله اعلم: وان كان النقد الذى هو رأس المال دون النصاب فليس له حول حتى يبنى عليه فيكون ابتداء الحول من يوم ملك عرض التجارة: هذا إذا ملك بأحد النقدين ولو ملك بغيرهما فله حالتان (احداهما) ان يكون ذلك الغير مما لا تجب الزكاة فيه كالثياب والعبيد فابتداء الحول من يوم الملك
لان ما ملكه قبله لم يكن مال زكاة (والثانية) ان يكون مما تجب فيه الزكاة كما لو ملكه بنصاب من السائمة فظاهر المذهب ان حول السائمة ينقطع ويبتدئ حول التجارة من يوم الملك ولا يبنى لاختلاف الزكاة قدرا ومتعلقا (قال) الاصطخرى يبني حوله علي حول السائمة كما لو ملك بنصاب من النقد واحتج بقوله في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو بدنانير أو بشئ تجب فيه.
الصدقة من الماشية

(6/54)


وكان افاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم افاد الثمن وحمل المزني هذا النص علي ما رأه الاصطخرى ثم اعترض عليه وصار إلى عدم البناء وعامة الاصحاب نفوا ذهاب الشافعي رضي الله عنه إلى البناء فتكلموا علي هذا النص من وجوه (أحدها) قال ابن سريج وأبو إسحق وغيرهما إن مسألة المختصر مفروضة فيما إذا استفاد ثمن العرض يوم الشراء وحينئذ لا فرق بين أن يقال يعتبر الحول من يوم الشراء وبين أن يقال يعتبر من ذلك الثمن (والثانى) أن الشافعي رضى الله عنه جمع بين ثلاث صور الشراء بالدراهم والشراء بالدنانير والشراء بالماشية ثم أجاب في الصورتين الاوليين دون الآخرة وقد يقع مثل ذلك في كلامه واحتجوا لهذا بأنه قال من يوم افاد الثمن ولفظ الثمن يقع علي النقدين دون الماشية (واعلم) أن في حقيقة الثمن خلافا سنذكره في كتاب البيع إن شاء الله تعالي جده وهذا الوجه

(6/55)


يتفرع علي أن الثمن هو الذهب والفضة لا غير ومن قال بالتأويل الاول أطلق لفظ الثمن علي الماشية أيضا (والثالث) تغليط المزني في النقل وإلى هذا مال امام الحرمين ورأى التأويل تكلفا: ولنتكلم في ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) من وقت الشراء بنية التجارة ليس لتخصيص الحكم بالشراء بل هو مذكور تمثيلا وسائر الاكتسابات الملحقة في معناه ويجوز إعلامه بالواو لان اللفظ مطلق لا يفرق بين أن يكون قيمة ما اشتراه للتجارة نصابا أو لا يكون وهو مجرى على اطلاقه إذا فرعنا علي أن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول وهو الصحيح فإذا اعتبرناه في جميع الحول أو في طرفيه ولم يبلغ قيمة المشترى نصابا فليس ابتداء الحول من يوم الشراء بل هو وقت بلوغ قيمته نصابا (وقوله) ماشية كانت معلم بالواو لما حكينا عن الاصطخرى (وقوله) وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت القد أي من

(6/56)


وقت ملك النقد ثم قوله نصابا كان أو لم يكن ان قلنا النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول هو موضع نظر وتأمل لانه إما أن يريد به نصابا كان المال المشترى أو لم يكن أو يريد به نصابا كان النقد أو لم يكن وهو الاسبق الي الفهم فان أراد الثاني فقد صرح باحتساب الحول من وقت ملك النقد مع نقصانه عن النصاب وان أراد به الاول فقد حكم بالاحتساب من وقت ملك النقد مطلقا وليس كذلك بل يشترط فيه كون ذلك النقد نصابا نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقطع به الاصحاب من غير فرق بين أن يعتبر النصاب في جميع الحول أولا يعتبر لان النقد الناقص ليس مال زكاة حتى يفرض جريانه في الحول (وقوله) زكاة التجارة والنقدين ينبني حول كل واحد منهما علي صاحبه ويبين أنه لو باع مال تجارة بنقد بنية القنية يبني حول النقد علي حول مال التجارة كما يبنى حول مال التجارة علي حول النقد (وقوله) لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب اشارة إلى التوجيه الاول وقد بيناه * قال (وكل زيادة حصلت بارتفاع القيمة وجبت الزكاة فيها بحول رأس المال كالنتاج فان رد إلى اصل النضوض فقدر الربح من الناض لا يضم الي حول الاصل علي أحد القولين لانه مستفاد من كيس المشترى لا من عين المال) * ربح مال التجارة ينقسم إلى حاصل من غير نضوض المال والي حاصل مع نضوضه وأما القسم الاول فهو مضموم الي الاصل في الحول كالنتاج لان المحافظة علي حول كل زيادة مع اضطراب الاسواق وتدرجها انخفاضا وارتفاعا في غاية العسر قال في النهاية وقد حكى الائمة القطع بذلك لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول كما في زكاة الاعيان قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول وقضية قياسه أن نقول ظهور الربح في أثناء الحول بمثأبة نضوضة وسيأتى الخلاف فيه في القسم

(6/57)


الثاني قال وهذا لا بد منه والائمة قد يذكرون القول الضعيف مع الصحيح ثم إذا توسطوا التفريع تركوا الضعيف جانبا وهذا الكلام يقتضى أعلام قوله في الكتاب بحول رأس المال بالواو فعلى المشهور الصحيح لو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم فصارت قيمته في خلال الحول ثلاثمائة زكي الثلثمائة عند تمام الحول وان كان ارتفاع القيمة قبيل الحول بلحظة ولو ارتفعت بعد الحول
فالربح مضموم الي الاصل في الحول الثاني كما في النتاج وأما القسم الثاني وهو الحاصل مع النضوض فينظر فيه ان صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو بدل عرضا بعرض لان التقويم لا يقع به وحكي الشيخ ابو على عن بعض الاصحاب انه علي الخلاف الذى نذكره فيما إذا صار ناضا من جنس رأس المال وان صار ناضا من جنسه فأما أن يفرض في خلال الحول أو بعده وعلي التقدير الاول فأما أن يمسك الناض إلي أن يتم الحول أو يشترى به سلعة (الحالة الاولي) أن يمسك الناض الي تمام الحول كما إذا اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في خلال الحول بثلاثمائة ويتم الحول وهو في يده فقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب زكاة التجارة أنه يزكى المائتين ويفرد مائة الربح بحول وقال

(6/58)


في باب زكاة مال القراض إذا دفع الف درهم الي رجل قراضا علي النصف فاشترى بها سلعة وحال الحول عليها وهى تساوى الفين ففيها قولان (احدهما) أنه يزكي الكل (والثانى) أن رب المال يزكى الفا وخمسمائة فأوجب زكاة جميع الربح أو نصفه عند تمام الحول ولم يفرده بحول واختلف الاصحاب علي طريقين (أظهرهما) وبه قال أبو إسحق والاكثرون أن المسألة علي قولين (احدهما) وهو اختيار المزني أنه يزكى الربح بحول الاصل لانه فائدته ونماؤه فأشبه ما إذا لم يرد الي النضوض ونتاج الماشية (واصحهما) أنه يفرد الربح بحول لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ويخالف ما إذا لم ينض لان الربح ثمة كامن وغير متميز عن الاصل ومتعلق الزكاة واحد وهو القيمة ويخالف النتاج فانه يتولد من أصل المال والربح هاهنا غير متولد من غير المال بل هو مستفاد بالتصرف من كيس المشترى ولهذا لو غصب ماشية فتوالدت وجب رد النتاج مع الاصل ولو غصب دراهم فتصرف فيها وربح كان الربح له في اظهر

(6/59)


القولين (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج القطع بافراد الربح بحول وحمل كلامه في القراض علي ما إذا اشترى السلعة بالف وهى تساوى الفين فليس فيها زيادة بعد الشراء فلذلك أوجب الزكاة في الربح مع الاصل قال هؤلاء وهكذا صور المسألة في الام لكن المزني لم ينقلها علي وجهها ومنهم
من قال قصده بما ذكر في مال القراض بيان أن زكاة جميع الربح قبل المقاسمة على رب المال ام يتقسط عليه وعلي العامل فاما ان حول الربح هل هو حول الاصل أم لا فهذا مما لم يقع مقصدا ثم ولا يوجه الكلام نحوه فلا احتجاج فيه علي أنه ليس في اللفظ تصوير للرد إلي النضوض فيجوز حمله علي ارتفاع القيمة من غير نضوض وإذا فرعنا علي أن الربح يفرد بحول فابتداؤه من يوم الظهور ام من يوم نض وباع فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه من يوم الظهور لان الربح لم يحصل بالبيع

(6/60)


وانما حصل بارتفاع قيمة السلعة (والثاني) أنه من يوم البيع والنضوض لان الزيادة به تستقر وقبله قد يتوهم زيادة فيتبين خلافه لاضطراب السوق قال القاضى الرويانى وغيره وهذا ظاهر المذهب (الحالة الثانية) أن يشترى بها سلعة قبل تمام الحول فطريقان (أحدهما) القطع بانه يزكى عن الجميع لان ما في يده في آخر الحول عرض (وأصحهما) ان الحكم كما لو أمسك الناض الي تمام الحول لان الربح بالنضوض بمثابة فائدة استفادها فلا يختلف حكمها بين ان يشترى بها سلعة أو لا يشترى وهذا كله فيما إذا باع ونص في خلال الحول فاما إذا باع ونض بعد تمامه فقد قال الشيخ أبو على ينظر إن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول فلا خلاف في انه يزكى الكل بحول الاصل

(6/61)


وإن ظهرت بعد تمامه فوجهان (أحدهما) هكذا (وأظهرهما) أنه يستأنف للربح حولا وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من أحد النقدين أو اشتراه بغيرهما وهو يساوى نصابا: أما لو اشترى بمائة درهم مثلا وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم وبقيت عنده إلي آخر الحول من يوم الشراء فان قلنا بظاهر المذهب وهو أن النصاب لا يشترط إلا في آخر الحول تفرعت المسالة علي قولين في أن الربح من الناض هل يضم إلي الاصل في الحول: إن قلنا نعم فعليه زكاة المائتين وإن قلنا لا: لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى وإن قلنا إن النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه فابتداء حوله من يوم باع ونض فإذا تم زكى عن المائتين: واعلم أن مسألة الكتاب فيما إذا رد إلي النضوض في خلال الحول ثم اللفظ من جهة اطلاقه يشمل ما إذا أمسك الناض حتى تم الحول

(6/62)


وما إذا اشترى به سلعة أخرى ويشمل ايضا ما إذا كان نصابا في اول الحول أو ناقصا عنه واجراؤه على اطلاقه فيهما صحيح مستمر (وقوله) لا يضم معلم بالزاى لما قدمناه (وقوله) علي أحد القولين بالواو للطريقة القاطعة بعدم الضم ثم نوضح الفصل بفرعين (أحدهما) من مولدات ابن الحداد وهو مالو ملك الرجل عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول باربعين دينار أو اشترى بها سلعة اخرى ثم باعها بعد تمام الحول بمائة كيف يزكي أما إذا قلنا إن الربح من الناض لا يفرد بحول فعليه زكاة جميع المائة وأما إذا قلنا يفرد فعليه زكاة خمسين دينارا لانه اشترى السلعة الثانية باربعين عشرون منها رأس ماله الذى مضى عليه ستة أشهر وعشرون ربح استفاده يوم باع الاول واشترى الثاني فإذا مضى ستة أشهر فقد تم الحول علي نصف السلعة فيزكيه بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لانه ربح علي العشرينين ستين وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية فان حولها حينئذ يتم ولا يضم إليها ربحها لانه صار ناضا قبل تمام حولها فإذا مضت ستة اشهر أخرى فعليه زكاة ربحها وهو الثلاثون الباقية فان كانت الخمسون التى أخرج زكاتها في الحول الاول باقية عنده فعليه اخراج زكاتها ثانيا مع الثلاثين هذا جواب ابن الحداد تفريعا على أن الربح الناض لا يفرد

(6/63)


بحول وحكى الشيخ أبو علي فيه وجهين آخرين ضعيفين (احدهما) انه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين فإذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة عشرين اخرى وهى التي كانت ربحا في الحول الاول فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة الستين الباقية لانها إنما استقرت عند البيع الثاني فمنه يبتدئ حولها (والثانى) أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ثم إذا مضت ستة أشهر زكى عن الثمانين الباقية لان الستين التي هي الربح حصلت في حول العشرين التى هي الربح الاول فيضم إليها في الحول ولو كان الفرع بحاله لكنه لم يبع السلعة الباقية فيزكى وعند تمام الحول الاول خمسين كما ذكرنا عند تمام الحول الثاني الخمسين الثانية لان الربح الآخر ما صار ناضا الفرع الثاني اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة
فباعه بعد ستة اشهر بثلثمائة واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة فان لم يفرد الربح بحول اخرج زكاة الستمائة وان أفردناه أخرج زكاة اربعمائة فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة مائة فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة المائة الباقية هذا على جواب ابن الحداد واما علي الوجهين الاخرين فيخرج عند البيع الثاني زكاة مائتين ثم على الوجه الاول إذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة مائة وإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة ثلثمائة وعلى الوجه الثاني إذا مضت ستة اشهر من يوم البيع الثاني اخرج زكاة الاربعمائة الباقية ولو لم يبع العرض الثاني اخرج زكاة اربعمائة عند تمام الحول وزكاة الباقي بعد ستة اشهر هذا هو الحكم فان اردت التوجية فخرجه علي ما سبق *

(6/64)


قال (فان نتج مال التجارة كان النتاج مال تجارة أيضا علي أحد الوجهين ويجبر به نقصان الولادة في نصاب مال التجارة وجها واحدا ثم حوله حول الاصل على الاصح) * مال التجارة إذا كان حيوانا فلا يخلو اما أن تجب فيه زكاة العين كنصاب السائمة من الغنم فالكلام فيه وفى نتاجه سيأتي من بعد أو لا تجب كالخيل والجواري والمعلوفة من النعم فهل يكون نتاجها مال تجارة فيه وجهان (أحدهما) لا لان النماء الذى تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة فلا يجعل مال تجارة ويروى عن ابن سريج (وأصحهما) نعم لان الولد جزء من الام فله حكمها وزوائد مال التجارة من فوائد التجارة عند أهلها والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الام بالولادة فان نقصت كما إذا كانت قيمة الجارية الفا فعادت بالولادة إلى ثمانمائة وقيمة الولد مائتان فيجبر نقصان الام بقيمته وعليه زكاة الالف ولو عادت قيمتها إلي تسع مائة جبرنا نقصان المائة من الولد لان سبب النقصان انفصال الولد وهو عتيد حاضر فيجعل كأنه لا نقصان كذا حكى عن ابن سريج

(6/65)


وغيره قال الامام وفيه احتمال ظاهر وقضية قولنا انه ليس مال تجارة أن لا يجبر به نقصان الجارية كالمستفاد لسبب آخر (وقوله) في الكتاب في نصاب مال التجارة لفظ النصاب حشو في هذا الموضع (وقوله) وجها واحدا أي من جهة النقد وما ذكره الامام انما أبداه علي سبيل الاحتمال وثمار
اشجار التجارة بمثابة أولاد حيوان التجارة ففى كونها مال تجارة ما ذكرنا من الوجهين ثم ان لم نجعل الاولاد والثمار مال تجارة فكيف القول في زكاتها في السنة الثانية وما بعدها انخرجها من حساب التجارة كما لو ورث عبدا ام كيف الوجه قال امام الحرمين الظاهر انا لا نوجب الزكاة فانه فيما نختاره الآن منفصلا عن تبعية الام وليس أصلا في التجارة وان فرعنا على انها مال تجارة وضممناها إلى الاصل ففى حولها وجهان (أحدهما) انها على القولين في ربح الناض لانها زيادة مستقرة من مال التجارة فعلى أحد القولين ابتداء الحول من انفصال الولد وظهور الثمار (وأصحهما) ان حولها حول الاصل كالزيادات المنفصلة كالنتاج في الزكاة العينية *

(6/66)


قال (وأما المخرج فهو ربع عشر القيمة من النقد الذى كان رأس المال نصابا كان أو لم يكن فان كان اشتراه بعرض قنية قوم بالنقد الغالب فان غلب نقدان فلم يبلغ نصابا الا بأحدهما قوم به وان بلغ بهما نصابا يخير المالك على وجه وروعي غبطة المساكين علي وجه وتتعين الدراهم على وجه لانه أرفق ويعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه علي وجه) * لا خلاف في ان قدر زكاة التجارة ربع العشر كما في النقدين ومم تخرج قطع (في الجديد) بانها تخرج من القيمة ولا يجوز أن تخرج من عين ما في يده وبه قال مالك لان متعلق الزكاة هو القيمة وحكى عن القديم قولان (أحدهما) مثل هذا (والثاني) أنه يخرج ربع عشر ما في يده لانه الذي

(6/67)


يملكه والقيمة تقدير واختلفوا في هذا القول منهم من قال انه ترخيص وتجويز لاخراج العين باعتبار القيمة ولو أخرج ربع عشر القيمة جاز ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) القيمة (والتخيير) بين العين والقيمة وبه قال ابو اسحق ومنهم من قال ما ذكره (في القديم) أراد تعيين العين للاخراج ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) العين (وتعيين) القيمة وحكى ابن عبدان هذا عن ابن ابى هريرة ومن الاصحاب من استوعب وجعل المسألة على ثلاثة أقوال (أصحها) تعيين العين (والثاني) تعيين القيمة (والثالث) التخيير بينهما وتحكي هذه الطريقة عن ابن سريج وعليها جرى
صاحب التقريب ثم الفتوى والتفريع علي الجديد وهو الذى ذكره في الكتاب لكنا نورد صورة لايضاح هذا الخلاف فنقول إذا ملك مائة درهم فاشترى بها مائتي قفيز من الحنطة فحال الحول وهى تساوى مائتين فتجب عليه الزكاة تفريعا على أن النصاب لا يعتبر الا في آخر الحول فعلي الاصح

(6/68)


يخرج خمسة دراهم وعلي الثاني خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما ولو أخر إخراج الزكاة حتى تراجع السوق ونقصت القيمة نظر ان كان ذلك قبل إمكان الاداء (فان قلنا) الامكان شرط الوجوب سقطت الزكاة (وان قلنا) شرط الضمان وعادت القيمة الي مائة فعلي الاصح يخرج درهمين ونصفا وعلي الثاني يخرج خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما وان كان بعد الامكان فعلي الاصح يخرج خمسة دراهم لان النقصان من ضمانه وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة ولا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين كالغاصب وعلي الثالث يتخير بينهما وان أخر فزادت القيمة وبلغت أربعمائة فان كان ذلك قبل الامكان وقلنا أنه شرط الوجوب فعلي الاصح يخرج عشرة دراهم وعلى الثاني خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم لان هذه الزيادة في ماله ومال المساكين وعن ابن ابي هريرة أنه يكفى علي هذا القول خمسة اقفزة قيمتها خمسة دراهم لان هذه الزيادة

(6/69)


وهى محتسبة في الحول الثاني وعلى الثالث يتخير بين الامرين ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة قيمتها ومائتا درهم ثم ارتفعت قيمتها فصارت اربعمائه فعلى الاصح يخرج خمسة دراهم فانها القيمة يوم الاتلاف وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم وعلي الثالث يتخير بينهما إذا عرفت ذلك: فالكلام بعده في ما يقوم به العرض ولا يخلو الحال أول ما ملك مال التجارة: إما أن يملكه بالنقد أو بغير النقد أو بهما (القسم الاول) أن يملكه بالنقد (فأما) أن يملكه بأحد النقدين أو بهما فان ملكه بأحد النقدين (فأما) أن يكون نصاب أو لا يكون فان كان نصابا كما لو اشتراه بمائتي درهم أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بذلك النقدين لان الحول مبني على حوله والزكاة واجبة فيه فان بلغ نصابا بذاك النقد أخرج زكاته والا فلا: وان كان الباقي غالب نقد البلد ولو قوم به لبلغ
نصابا بل لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمرا فتم الحول والدنانير في يده ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم فلا زكاة فيها هذا ظاهر المذهب وعن صاحب التقريب حكاية قول أن التقويم أبدا يقع بغالب نقد البلد ومنه يخرج الواجب سواء كان رأس المال نقدا أو غيره لانه أرفق بالمستحقين لسهولة التعامل به وحكى القاضي الروياني هذا عن ابن الحداد وقال أبو حنيفة واحمد يعتبر الاحظ للمساكين فنقوم به ولا غيره بما ملك به وان كان دون النصاب ففيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو إسحق أنه يقوم بغالب نقد البلد كما لو اشترى بعرض لانه لا زكاة فيه كما لا زكاة في العرض (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن أبى هريرة أنه يقوم بذلك النقد ايضا لانه

(6/70)


أصل ما في يده واقرب إليه من نقد البلد وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذى ملك به ما يتم به النصاب فان ملك كما لو اشترى بمائة درهم عرضا للتجارة وهو يملك مائة اخرى فلا خلاف في ان التقويم بجنس ماملك به لانه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول وابتداء الحول من يوم ملك دراهم وان ملك بالنقدين جميعا فله ثلاثة احوال لانه اما ان يكون كل واحد منهما نصابا اولا يكون واحد منهما نضا يكون احدهما أو نصابا دون الآخر * واما في الحالة الاولي فيقوم بهما علي نسبة التقسيط يوم الملك وطريقه تقويم احد النقدين بالآخر يومئذ بانه اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا

(6/71)


عروضا للتجارة فينظران كانت قيمة مائتي درهم عشرين دينارا فقد علمنا ان نصف العروض مشترى بالدراهم ونصفها بالدنانير وان كانت قيمتها عشرة دنانير فثلثها مشترى بالدراهم وثلثاها بالدنانير فهكذا تقوم في آخر الحول ولا يضم احدهما الي الآخر حتي لا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما نصابا وان كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا وحول كل واحد من المبلغين من يوم ملك ذلك النقد * واما في الحالة الثانية (فان قلنا) ما دون النصاب كالعروض قوم الجميع بنقد البلد (وان قلنا) انه كالنصاب قوم ما ملكه بالدراهم وما ملكه بالدنانير * واما في الحالة الثالثة فيقوم

(6/72)


ما ملكه بالنقد الذى هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالنقد الثاني فعلى الوجهين وكل واحد من المبلغين يقوم به في آخر حوله وحول المملوك بقدر النصاب من يوم ملك ذلك النقد وحول المملوك بالآخر من يوم ملك العروض وإذا اختلف جنس المقوم به فلا ضم كما سبق (القسم الثاني) ان يملكه بغير النقد كما لو ملك بعرض للقنية فيقوم في آخر الحول بآخر نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ان بلغ به نصابا اخرج زكاته والا فلا شئ عليه وان كان يبلغ بغيره نصابا فان كان

(6/73)


يجرى في البلد النقدان واحدهما اغلب فالتقويم به وان استويا نظر ان بلغ باحدهما نصابا دون الآخر قوم به وان بلغ بهما ففيه وجوه اربعة (احدها) ان المالك يتميز فيقوم بأيهما شاء ويخرج الزكاة ويحكي هذا عن ابى اسحق (والثانى) انه يراعي الاغبط للمساكين (والثالث) انه يتعين التقويم بالدراهم لانها ارفق واصلح لشراء المحقرات قال الرويانى وهذا اختيار ابن ابي هريرة (والرابع) انه يعتبر بالنقد الغالب في اقرب البلاد إليه لاستوائهما في ذلك البلد فصار كما لو لم يكن

(6/74)


فيه نقد فهذا هو الترتيب المذكور في الكتاب وكذا أورده العراقيون والقاضي الرويانى وحكموا بأن الوجه الاول اصح وايراد الامام وصاحب التهذيب يقتضى ترجيح الثاني لانهما قالا إذا استويا ولم يغلب احدهما يقوم بالانفع للمساكين فان استويا فيه فحينئذ فيه الوجوه الثلاثة الباقية وما ذكراه يعتضد بان الاظهر في اجتماع الحقاق وبنات البون رعاية الاغبط وما ذكره غيرهما يعتضد لان الاظهر في الجبران ان الخيار في تعيين الشاتين والدراهم الي المعطى ويدخل في هذا

(6/75)


القسم المملوك بالخلع والنكاح علي قصد التجارة إذا قلنا انه مال تجارة (القسم الثالث) انه يملك بالنقد وغيره معا كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية فما يقابل الدراهم يقوم بالدراهم وما يقابل العرض بنقد البلد فان كان النقد دون النصاب عاد الوجهان وكما يجزئ التقسيط عند اختلاف الجنس يجزئ عند اختلاف الصفة كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر
وبينهما تفاوت يقوم ما يخص الصحاح بالصحاح وما يخص المكسرة بالمكسرة ولا يخفى عليك

(6/76)


بعد هذا الشرح ان لفظ القيمة من قوله في الكتاب فهو ربع عشر القيمة فينبغي ان يكون معلما بالواو وقوله من النقد الذى كان رأس المال بالحاء والالف وقوله أو لم يكن بالواو وقوله فان غلب نقدان أي علي التساوى * قال (ولا يمتنع علي التاجر التجارة لعدم اخراج الزكاة وأما الاعتاق والهبة فهو كبيع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها) *

(6/77)


هل ينفذ بيع التاجر مال التجارة بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيها ذكر بعض الاصحاب أنه علي الخلاف في بيع سائر الاموال بعد وجوب الزكاة فيها وروى في النهاية عن بعضهم انا ان قلنا ان زكاة التجارة تؤدى من عين العروض فهو على ذلك الخلاف (وان قلنا) تؤدى من القيمة فالحكم فيه كالحكم في مالو وجبت شاة في خمس من الابل فباعها لان القيمة ليست من جنس

(6/78)


العرض كالشاة ليست من جنس الابل والذى قطع به الجمهور وأورده في الكتاب أنه يجوز البيع ولا يخرج على ذلك الخلاف لان متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة وهى لا تفوت بالبيع ولا فرق بين أن يبيع على قصد التجارة وهو الذي يتناوله لفظ الكتاب أو علي قصد اقتناء العرض فان متعلق الزكاة الواجبة لا يبطل وان صار مال قنية فهو كما لو نوى الاقتناء من غير بيع ولو أعتق عبد التجارة أو وهب مال التجارة فحكمه حكم مالو باع المواشى بعد وجوب الزكاة فيها لان الاعتاق والهبة يبطلان متعلق زكاة التجارة كما أن البيع يبطل متعلق زكاة العين ولو باع مال التجارة

(6/79)


بمحاباة فقدر المحاباة كالموهوب فان لم نصحح الهبة وجب أن تبطل في ذلك القدر ويخرج في الباقي علي تفريق الصفقة والله أعلم *
قال (قاعدة يجب اخراح الفطرة (ح) عن عبد التجارة مع زكاة التجارة وان كان مال التجارة نصابا من السائمة غلب زكاة العين في قول لانه مقطوع به وغلب زكاة التجارة في قول لانه أرفق بالمساكين لعمومه فان غلبنا الزكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في اظهر

(6/80)


في أظهر الوجهين ولو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها وقلنا المغلب زكاة العين فالاظهر أنه يجب في السنة الاولي زكاة التجارة كيلا يحبط بعض حول التجارة) * غرض القاعدة الكلام فيما لو كان مال التجارة مما يجب في عينه الزكاة وافنتحها باجتماع الفطرة وزكاة التجارة فعندنا تجب فطرة عبيد التجارة مع اخراج الزكاة عن قيمتهم وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب الفطرة به * لنا انهما حقان يجبان لسببين مختلفين فلا يتداخلان كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة فلا تجب فيه زكاة العين والتجارة جميعا وفيما تقدم منهما قولان (الجديد) وبه قال مالك انه تقدم زكاة العين لانها أقوى من جهة انها متفق عليها وفى زكاة التجارة نزاع لبعض أهل الظاهر وقد حكينا فيها عن القديم شيئا ضعيفا أيضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله أنه تقدم زكاة التجارة لانها أنفع للمساكين من حيث أنها تعم وتشمل أصناف الاموال وتزيد بزيادة القيمة وذكر القفال في شرح التلخيص أن له في القديم قولين (أحدهما) كالجديد (والثاني) تغليب زكاة التجارة ورأيت لابن الصباغ من العراقيين رواية مثل ذلك (فان قلنا) بالاصح وهو تقديم زكاة العين أخرج السن الواجبة من السائمة والسخال تضم إلى الامهات وان قدمنا زكاة التجارة فقد قال في التهذيب تقوم مع درها ونسلها وصوفها وما اتخد من لبنها وهذا جواب في النتاج علي انه مال تجارة وقد أسلفنا فيه خلافا ولا عبرة بنقصان النصاب في أثناء الحول تفريعا على الصحيح في وقت اعتبار نصاب التجارة ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا فعلي القول الثاني لا ينقطع الحول وعلي الاول ينقطع ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض ثم القولان فيما إذا كمل نصاب الزكاتين واتفق الحولان أما إذا لم يكمل نصاب أحداهما كما إذا كان مال تجارته أربعين من
الغنم السائمة ولم تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول أو تسعا وثلاثين فما دونها وبلغت قيمتها نصابا فعليه زكاة التى كمل نصابها دون الاخرى قولا واحدا هكذا ذكر العراقيون والقفال والجمهور وما في الكتاب يقتضى اثبات الخلاف فيه فانه قال فان غلبنا زكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في أظهر الوجهين وكلام الامام يوافق ما ذكره فانه روى وجهين في وجوب زكاة

(6/81)


العين إذا رأينا تقديم زكاة التجارة وكان مال تجارته أربعين من الغنم ولم يبلغ قيمتها نصابا في آخر الحول وعلي عكسه كما لو رأينا تقديم زكاة العين وقد اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب من النقد روى وجهين في وجوب زكاة التجارة وساعدهما صاحب التهذيب في حكاية الخلاف في الصورة الاولي دون الثانية سواء ثبت الخلاف أم لا فالجواب في المسألة العدول الي الزكاة الاخرى لانقطاع زحمة الاولي وإذا غلبنا زكاة العين في نصاب السائمة وانتقصت في خلال السنة عن النصاب ونقلتاه الي زكاة التجارة فهل يبنى حول زكاة التجارة علي حول زكاة العين أم يستأنف لها حولا فيه وجهان حكاهما القفال في الشرح قال وهما كالوجهين فيما لو ملك نصابا من السائمة لا للتجارة واشترى به سلعة للتجارة هل يبني حول السلعة علي حول الماشية وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فقد حكي صاحب التهذيب عن بعض الاصحاب أنه لا زكاة عليه لان الحول انعقد علي زكاة التجارة فلا يتبدل وعن بعضهم انه ينتقل الي زكاة العين فعلي هذا يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج أو من وقت نقصان القيمة عن النصاب فيه وجهان وأما إذا كمل نصاب الزكاتين ولم يتفق الحولان وهذا في السوائم انما يكون بسبق حول زكاة التجارة بأن يشترى بمتاع تجارته بعد ستة أشهر نصابا من السائمة أو يشترى معلوفة للتجارة ثم يسيمها بعد ستة أشهر ولا يتصور سبق حول زكاة العين فيها لان حولها ينقطع بالمبادلة فإذا تصور ذلك ففيه طريقان (اظهرهما) وبه قال القاضى أبو حامد أنه علي القولين في أنه يقدم هذه الزكاة أم هذه الزكاة (والثانى) وبه قال أبو إسحق واختاره القاضي أبو الطيب ان القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان وذلك بأن يشترى بعروض القنية نصابا من السائمة للتجارة فاما إذا لم يتفقا فلا جريان للقولين وعلي هذا فما الحكم
نقل الامام رضي الله عنه في طريقين (احدهما) ان المتأخر يرفع المتقدم ويتجرد قولا واحدا (والثانى) ان المتقدم يرفع المتأخر وعليه زكاة التجارة في الصورة المفروضة قولا واحدا لان التي تم حولها خالية عن زحمة الغير فتجب وهذا هو الاشهر الذى نقله فقول المعظم تفريعا على طريقة ابي اسحق وإذا طردنا القولين فيما إذا تقدم حول التجارة فان غلبنا زكاة التجارة فلا كلام وان غلبنا زكاة العين فوجهان (أحدهما) انها تجب عند تمام حولها وما سبق من حول التجارة علي حول زكاة العين يتعطل (واظهرهما) أنه يجب عليه زكاة التجارة عند تمام حولها كيلا يحبط بعض حولها ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض

(6/82)


حولها وتجب هي في سائر الاحوال وقوله وقلنا المغلب زكاة العين جواب علي طريقة طرد القولين مع اختلاف الحولين ولك ان تعلمة بالواو وتشير به الي الطريقة الثانية للخلاف هذا تمام القول فيما إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة * قال (ولو اشترى حديقة للتجارة فاثمرت وقلنا الثمرة مال التجارة أو اشترى الثمار قبل الصلاح فبدا الصلاح في يده وغلبنا زكاة العين فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة على الثمار بعد القطاف وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والاراضي فيه ثلاثة أوجه منشؤها التردد في التبعية (وفى الثالث) يتبع الشجرة دون الارض ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية فحق الزرع العشر ولا تسقط زكاة التجارة عن الارض لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتى يستتبع غيره) * الفصل ينظم صورتين (أحداها) لو اشترى حديقة أو نخيلا للتجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا فالقولان في أن الواجب زكاة العين أو زكاة التجارة مطردان فان لم يكمل أحد النصابين أو كملا ولم يتفق الحولان استمر التفصيل الذى سبق وههنا كما يتصور سبق حول التجارة يتصور سبق زكاة العين بان يبدو الصلاح في الثمار قبل تمام حول التجارة ثم هذا الذى ذكرناه فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشراء وبدو الصلاح في يده اما إذا طلعت بعد الشراء فيزداد هذا النظر الي شئ آخر وهو ان الثمرة الحادثة من أشجار
التجارة هل تكون مال التجارة وفيه وجهان اسلفنا ذكرهما (فان قلنا) نعم فهي كما لو كانت حاصلة عند الشرى وتنزل منزلة زيادة متصلة أو ارباح متجددة في قيمة العروض ولا ينزل منزلة ربح ينض حتي يكون حولها على الخلاف الذى سبق فيه (وان قلنا) انها ليست مال تجارة فقضيته وجوب زكاة العين فيها بلا خلاف وتخصيص زكاة التجارة بالارض والاشجار (التفريع) ان غلبنا زكاة العين اخرج العشر أو نصف العشر من الثمار أو الزروع وهل تسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخيل وتبن الزرع فيه وجهان (احدهما) نعم الان المقصود الثمار والزروع وقد اخذنا زكاتها (واظهرهما) لا لانه ليس فيها زكاة العين فلا تسقط عنها زكاة التجارة ويحكى الوجه الثاني عن ابن سريج وابي اسحق وفى ارض الحديقة وارض الزرع طريقان (احدهما) ان في زكاة التجارة في قيمتها وجهين كما في الجذع والتبن (والثانى القطع بالوجوب والفرق بعد الاراضي عن التبعية فان الثمار والحبوب

(6/83)


خارجة عن عين الشجرة والتبن وهما خارجتان مما اودع في الارض لا من نفس الارض قال الامام وينبغي ان يعتبر ذلك بما يدخل من الاراضي المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل فما لا يدخل تجب فيه زكاة التجارة قطعا وما يدخل فهو علي الخلاف والله اعلم فان اوجبنا زكاة التجارة في هذه الاشياء فلم تبلغ قيمتها نصابا فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لتكميل النصاب نقلوا فيه وجهين وعلي هذا القول لا يسقط اعتبار التجارة في المستقبل بالكلية بل تجب زكاة التجارة في الاحول الاتية ويكون افتتاح حول التجارة من وقت اخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح وان كان ذلك وقت الوجوب لان عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين فلا يجوز ان يكون زمان التربية محسوبا عليه ذكره في النهاية وان غلبنا زكاة التجارة قومت الثمرة والجذع وفى الزرع الحب والتبن وتقوم الارض ايضا في صورة الحديقة وفيما إذا اشترى الارض مزروعة للتجارة ولا فرق بين ان يشتريها مزروعة للتجارة وبين ان يشترى ارضا للتجارة وبذارا للتجارة ويزرعها به في جميع ما ذكرنا ولو اشترى الثمار وحدها وبدا الصلاح في يده جرى القولان في انه يخرج العشر ام زكاة التجارة (والثانية) لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر للقنية فعليه العشر في الزرع وزكاة التجارة في الارض بلا خلاف ولا تسقط زكاة التجارة عن
الارض باداء العشر قولا واحدا لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتي يستتبع غيره (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) في صورة شرى الحديقة وقلنا الثمرة مال تجارة أشار به الي الوجهين في أن ثمار أشجار التجارة هل تكون مال تجارة وانما يقطع النظر اليهما إذا حدثت الثمار بعد الشرى علي ما بيناه (وقوله) أو اشترى الثمار هو صورة شرى الثمار وحدها وانما يعتبر بدو الصلاح في يده لانه وقت وجوب العشر وبتقدير تقدمه على الشرى فالواجب زكاة التجارة قولا واحدا (وقوله) فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة علي الثمار بعد القطاف معناه ما ذكرناه انه لا يسقط علي قول تقديم زكاة العين اعتبار التجارة في الاحوال المستقبلة وقوله وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والارض يرجع الي صورة الحديقة دون الصورة وهو شرى مجرد الثمار (وقوله) فيه ثلاثة أوجه يجوز أن يعلم بالواو لان اثبات الوجوه الثلاثة انما ينتظم علي قول من اثبت الخلاف في الاراضي وقد نقلنا طريقة قاطعة بأنها لا تتبع * قال (فصل إذا قلنا ان العامل لا يملك الربح بالظهور وجب زكاة الجميع (و) علي المالك وان قلنا يملك وجب علي العامل في حصته بحول الاصل علي وجه لانه ربح وبحول مستفتح من وقت

(6/84)


الظهور علي وجه لانه في حقه أصل وفيه وجه انه لا زكاة عليه لانه لا يستقل بالتصرف فاشبه المغصوب ثم ان قلنا يجب فهل تستبد باخراجه فيه خلاف يلتفت علي أن الزكاة كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال وعليه ينبني أن ما يخرجه المالك من الزكاة يحتسب من الربح أو من رأس المال) * بناء الفصل علي أن عامل القراض هل يملك القدر المشروط له من الربح بمجرد الظهور أولا يملك الا بالقسمة وفيه قولان (أصحهما) الثاني وسيأتي شرحهما في كتاب القراض إذا عرفت ذلك فالرجل إذا دفع الي غيره نقدا قراضا وحال الحول وفيه ربح فلا يخلوا ما أن لا يكون واحد منهما من أهل وجوب الزكاة كالذمي والمكاتب أو يكونا جميعا من أهله أو يكون أحدهما من أهله دون الثاني (اما) الحالة الاولي فلا يخفى حكمها (وأما) الثانية فكلام الكتاب مقصور عليها (فان قلنا) العامل
لا يملك الربح بالظهور فزكاة رأس المال والربح كله على المالك لان الكل ملكه هكذا قاله الجمهور ورأى الامام تخريج الوجوب في نصيب العامل علي الخلاف في المغصوب والمجحود والاملاك الضعيفة لتأكد حق العامل في حصته وتعذر ابطاله علي المالك وحول الربح مبنى علي حول الاصل الا إذا رد الي النصوص ففيه الخلاف الذى تقدم ثم أن أخرج الزكاة من مال آخر فذاك وان اخرج من هذا المال ففى حكم المخرج وجهان (أحدهما) أنه محسوب من الربح كالمؤن التي تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وكما ان فطرة عبيد التجارة تحسب من الربح وكذا ارش جنايتهم وهذا أظهر عند الكثيرين ويحكى عن نصه في الام (والثانى) أنه كطائفة من المال يستردها المالك لانه مصروف الي حق لزمه فعلى هذا يكون المخرج من رأس المال والربح جميعا علي قضية التقسط (مثاله) رأس المال مائة والربح خمسون يكون ثلثا المخرج من رأس المال وثلثه من الربح قال في التهذيب والوجهان مبنيان على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ان قلنا بالاول فهو كالمؤن والا فكاسترداد طائفة من المال وروى الامام هذا البناء عن بعضهم لكن مع ترتيب ان قلنا بتعلقها بالعين فهو كالمؤن بلا خلاف والا ففيه الخلاف ثم انه لم يرتض هذا البناء ولم يستبعد طرد الوجهين تعلقت الزكاة بالعين أو بالذمة وفى المسألة وجه ثالث أن المخرج من رأس المال خاصة لان الواجب لزمه خاصه وهذا اظهر عند القاضي الروياني وقوم رحمهم الله وان قلنا العامل يملك الربح بالظهور فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح وهل علي العامل زكاة نصيبه فيه طرق (احدها) ويحكى

(6/85)


عن صاحب التقريب انه على القولين في المغصوب ونظائره لانه لا يتمكن من التصرف على حسب مشيئته (والثاني) القطع بالوجوب لانه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالاستقسام فاشبه الدين الحال علي الملئ (والثالث) ويحكى عن القفال القطع بالمنع لان ملكه غير مستقر من حيث انه وقاية لرأس المال عن الخسران فصار كملك المكاتب فان اوجبنا وهو الظاهر سواء اثبتنا الخلاف ام لا فالكلام في امور (أحدها) حول حصته من الربح هل هو حول رأس المال فيه وجهان (احدهما) نعم كحصة المالك منه لانهما جميعا مستفيدان للربح من رأس مال (واصحهما) لا لانه في حقه اصل واقع
في مقابلة عمله ولا عهد بضم ملك الغير الي الغير في الحول وعلى هذا فمن متي يبتدأ الحول فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو نصه في المختصر انه من يوم الظهور لثبوت ملكه من يومثذ (والثانى) من يوم يقوم المال علي المالك لاخذ الزكاة (والثالث) من يوم القسمة لان ملكه حينئذ يستقر (الثاني) إذا تم حوله ونصيبه لا يبلغ نصابا ومجموع المال نصاب فان اثبتنا الخلطة في النقدين فعليه الزكاة والا فلا الا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من يوم المقاسمة فان حسبناه من المقاسمة سقط النظر الي قولي الخلطة (الثالث) لا يلزمه اخراج الزكاة قبل القسمة لانه لا يعلم سلامة نصيبه له الا إذا تقاسمها وحينئذ يزكيه لما مضي كالدين إذا استوفاه هذا هو الاظهر ونفى ابن عبدان الخلاف فيه وفيه وجه آخر انه يجب الاخراج في الحال لتمكنه من الاستقسام فاشبه الوديعة عند الغير ويحكى هذا عن صاحب التقريب (والرابع) ان اخرج الزكاة من موضع آخر فذاك وان أراد اخراجها من مال القراض فهل يستبد به أم للمالك منعه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يستبد وذكر الرويانى أنه المنصوص (والثانى) ولم يرد الصيد لانى غيره انه لا يستبد وللمالك منعه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فله أن يمنعه من التصرف فيه حتى يسلم إليه رأس المال قال الامام ويمكن تخريجها على ما ذكرنا من أن الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة (ان قلنا) بالاول فله اخراجها منه استبداد (وان قلنا) بالثاني فلا ولك تقول انما أن يحسن أخذ الوجهين من هذا المأخذ إذا اثبتنا الخلاف في كون الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة جميع المال إذا أخرجها المالك تفريعا علي القول الاول فاما ما يخرجه من المال لزكاة رأس المال من نصيبه من الربح فهو كاسترداد طائفة ولا يتجه فيه الوجهان لان العامل قد اختص بالتزام ما يخصه فكيف يحسب من الربح ما يخص المالك وقد صرح الامام بهذا الذى أومأ إليه الشيخ الصيدلانى فكان من

(6/86)


حقه أن يقول باخذ الوجهين من المأخذ المذكور أولا يقول بتخصيص الوجهين بالقول الاول والله أعلم (الحالة الثالثة) أن يكون أحدهما من أهل وجوب الزكاة دون الاخر فان كان الذى هو من
أهل الوجوب منهما المالك وفرعنا على أن الكل له ما لم يقسم فعليه زكاة الكل وان فرعنا علي القول الآخر فعليه زكاة رأس المال ونصيبه من الربح ولا شئ علي العامل ولا يكمل بمال المالك ان لم يبلغ نصابا بنصيب العامل وان كان العامل من أهل الوجوب دون المالك (فان قلنا) كل المال للمالك قبل القسمة فلا زكاة وان قلنا للعامل حصته من الربح ففى الزكاة عليه الخلاف الذى سبق في الحالة الاولى فان أوجبنا الزكاة فذلك أذا بلغت حصته نصابا أو كان له ما يتم به النصاب وتثبت الخلطة ههنا بلا خلاف ولا تجئ في اعتبار ابتداء الحول ههنا الا الوجه الاول والثالث ويسقط الثاني لانه لا تقويم على من لا زكاة عليه وليس له اخراج الزكاة من عين المال ههنا بلا خلاف لان المالك لم يدخل في العقد علي أن يخرج من المال الزكاة هكذا ذكروه ولمانع أن يمنع ذلك لانه عامل من عليه الزكاة وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم قوله لا يملك الربح بالظهور بالحاء لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الثاني وقوله وجب زكاة الجميع على المالك بالواو لما حكيناه عن الامام قدس الله روحه وقوله بعد ذلك يملك بالزاى لان مذهب المزني رحمه الله مثل القول الاول ولا يخفى عليك ان قوله لا يملك الربح بالظهور أراد به حصته من الربح ففيه الخلاف ولك أن تعلم قوله من وقت الظهور بالواو اشارة الي وجهين ذكرناهما في ابتداء الحول فانهما لا يعتبران وقت الظهور وان ساعد هذا الوجه علي اعتبار حول مستفتح وقوله وفيه وجه أنه لا زكاة عليه هو مقابل لقوله أولا وجب علي العامل في حصته ثم الحكم المذكور في هذا الوجه ليس له تعرض للخلاف لكن التعليل والتشبيه بالمغصوب يبين انه قصد به حكاية طريقة القولين فكأنه قال وفيه وجه أنه لا زكاة عليه علي أحد القولين وقد تسمي طرق الاصحاب وجوها (وقوله) يلتفت إلى أن الزكاة كالمؤن إلى آخره اتباع منه للمأخذ الذى ذكره الامام وقوله وعليه ينبنى انما يخرجه المالك من الزكاة الي آخره يقتضى اطلاقه اثبات الخلاف فيما يخرجه المالك علي القولين لكن ما نقلنا عن الصيدلاني والامام ينازع فيه وتخصيص الخلاف بالقول الاول وقوله أو من رأس المال لم يعن به الاحتساب من رأس المال فحسب وان نقلها من قبل وجها أنه كذلك يحتسب وانما أراد من رأس المال والربح جميعا لانه بني هذا الخلاف في أنها كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال واسترداد طائفة من المال يتوزع
علي رأس المال والربح ولا يختص برأس المال *

(6/87)


قال (النوع الخامس زكاة المعادن والركاز وفيه فصلان (الاول) في المعادن فكل حر مسلم نال نصابا من النقدين (ح و) من المعادن فعليه ربع العشر في قول والخمس في قول تشبيها بالركاز وفى قول ثالث يلزمه الخمس ان كان ما ناله كثيرا بالاضافة الي عمله وان لم يكثر فربع العشر وفيه قول ان النصاب لا يعتبر (م) والصحيح ان الحول لا يعتبر) * من أنواع الزكاة ما يخرج من الاموال الكامنة في الارض إذا نالها الانسان وعده في أنواع الزكاة يتفرع علي المذهب في أن مصرفه مصرف سائر الزكوات وفيه وجه يأتي في موضعه ان مصرفه مصرف الفئ فعلي ذلك الوجه لا يتضح عده من الزكوات ثم الاموال الكامنة في الارض اما مخلوقة فيها وهى المعدن والفصل الاول معقود له واما مدفونة فيها وهي الركاز والفصل الثاني معقود له والاصل في زكاة المعدن بعد الاجماع قوله تعالى (وانفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) ومما أخرج لنا من الارض المعادن وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع بلال ابن الحرث المزني المعادن القبلية وأخذ منها الزكاة) وفقه الفصل الذى أخذنا في شرحه مسائل (أحداها) لا زكاة في المستخرج من المعادن الا في الذهب والفضة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث أوجب في كل جوهر ينطبع ويصبر علي المطرقة كالحديد والنحاس دون ما لا ينطبع كالكحل والفيروزج والياقوت ولاحمد حيث قال يجب في كل مستفاد من المعدن منطبعا كان أو غير منطبع وحكي الشيخ ابو علي في شرح التلخيص وجها مثله عن بعض الاصحاب * لنا مع أبى حنيفة القياس علي غير المنطبعات ومع احمد على الطين

(6/88)


الاحمر وأيضا فقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في حجر) (الثانية) في واجب النقدين المستخرجين من المعدن ثلاثة أقوال (أصحها) ان الواجب فيها ربع العشر وبه قال احمد لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس وفي المعدن الصدقة) (والثاني) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن المزني أيضا أن الواجب الخمس لما روى
انه صلي الله عليه وسلم قال (وفى الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز قال هو الذهب والفضة المخلوقان في الارض يوم خلق الله السموات والارض) (والثالث) أن ما ناله من غير تعب ومؤنة فيه الخمس وما ناله بالتعب والمؤنة ففيه ربع العشر جمعا بين الاخبار وأيضا فان الواجب يزداد بقلة المؤنة وينقص بكثرتها ألا ترى أن الامر كذلك في المسقى بماء السماء والمسقى بالنضح وعن مالك روايتان (أحداهما) كالقول الاول (وأشهرهما) كالثالث ثم الذي اعتمده الاكثرون في ضبط
__________
كذا بالاصل فحرر

(6/89)


الفرق علي هذا القول النظر إلى الحاجة إلي الطحن والمعالجة بالنار والاستغناء عنهما فما يحتاج إلي الطحن والمعالجة ففيه ربع العشر وما يستغني عنهما ويؤخذ مجموعا خالصا ففيه الخمس ولم ينظروا إلي قلة الموجود وكثرته وحكى الامام مع هذا طريقه أخرى وهى عد الاحتفار من جملة العمل المعتبر والنظر إلي نسبة النيل إلى العمل أي عمل كان من الحفر والطحن وغيرهما فان عد كثيرا بالاضافة الي العمل أو مقتصدا ففيه ربع العشر وان عد كثيرا ففيه الخمس وأوضحهما بالتصوير فقال: لو استفاد الي قريب من آخر النهار دينارا وبعمل قليل في بقية النهار دينارا ففى الاول ربع العشر وفى الثاني الخمس ولو عمل طول اليوم ولم يجد شيئا ثم وجد في آخر النهار دينارين وكان المعتاد المقتصد في اليوم دينارا فينبغي ان يحط دينارا فنوجب فيه ربع العشر وفى الزيادة الخمس ويحتمل أن يقال فيهما الخمس والزمان الاول قد حبط والاحتمال الاول هو الذى أورده المصنف في الوسيط واستحسن القفال الا يطلق في المسألة ثلاثة أقوال بل يرتب فيقال ما استخرج بتعب ومؤنة فواجبه الخمس أو ربع العشر فيه قولان (ان قلنا) بالثاني ففيما وجد من غير تعب أولي (وان قلنا) بالاول ففيه قولان والفرق ما قد تبين (الثالثة) يتفرع علي الخلاف في قدر الواجب اعتبار

(6/90)


النصاب والحول فان أوجبنا ربع العشر فلابد من النصاب كالنقدين من غير المعادن وفى الحول قولان (أصحهما) أنه لا يشترط بل تجب الزكاة في الحال كالثمار والزروع وبهذا قال مالك وأبو حنيفة
وأحمد رحمهم الله وهو المنصوص عليه في أكثر كتب الشافعي رضي الله عنه قديمها وحديثها (والثانى) أنه يشترط ولا يجب شئ حتي يتم عليه الحول كما في النقدين من غير المعادن وهذا القول ينقل عن مختصر البويطي ايماء ورواه المزني في المختصر عمن يثق به عن الشافعي رضى الله عنه واختاره وذكر بعض

(6/91)


الشارحين أن أخته روت له ذلك عن الشافعي رضي الله عنه فلم يحب تسميتها وان أوجبنا الخمس فلا يعتبر الحول وفى النصاب قولان (أحدهما) لا يعتبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه نصاب كالفئ والغنيمة (والثاني) يعتبر لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس عليكم في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا) وكيفما كان فالظاهر من المذهب اعتبار النصاب وعدم اعتبار الحول والمعنى فيه ان النصاب انما اعتبر ليبلغ المال مبلغا يحتمل المواساة والحول انما اعتبر ليتمكن من تنمية المال وتثميره والمستخرج من المعدن نماء في نفسه ولهذا اعتبرنا النصاب في الثمار والزروع ولم نعتبر الحول والله اعلم (وقوله) في الكتاب كل حر مسلم التعرض للحرية والاسلام كالمفروغ عنه ههنا لانا عرفنا اعتبار الصفتين في المالك في جميع الزكوات والاكتفاء بهما للوجوب

(6/92)


بما ذكره في أركان الوجوب وان كان في ترتيب الكتاب اضطراب على ما بينه في أول كتاب الزكاة ويجئ مثل هذا الكلام في قوله في أول زكاة المعشرات إذا كان مالكه حرا مسلما ومن قوله النقدين قصد به الاحتراز عن المستخرج من المعادن مما سوى النقدين فليكن معلما بالحاء والالف والواو لما سبق (وقوله) ربع العشر معلم بالحاء والزاى (وقوله) الخمس بالالف والميم لما سبق (وقوله) وفيه قول أن النصاب لا يعتبر ينبغى أن يعلم كلمة لا يعتبر بالميم والالف لانهما يعتبران النصاب كما هو الاصح عندنا (وقوله) والصحيح أن الحول لا يعتبر يجوز أن يعلم بالواو لانه إثبات للخلاف فيه كما نقلناه لكن ابن عبدان حكى طريقة قاطعة بعدم الاعتبار ولم يثبت ما رواه المزني لارساله ولو اعلمت قوله لا يعتبر بالزاى لما ذكرنا من اختيار المزني جاز * قال (ثم علي اعتبار النصاب ما يجد شيئا فشيئا يضم بعضه الي بعض كما يتلاحق من الثمار
ولكن الجامع ههنا اتصال العمل فان أعرض لاصلاح آلة لم ينقطع وان كان للانتقال إلي حرفة أخرى انقطع وإن كان لمرض أو سفر فوجهان وكذلك يكمل النيل (و) بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن وبما يملكه من أموال التجارة حتي تجب الزكاة في قدر النيل بحسابه وان لم تجب فيما كمل به لعدم الحول فيه فان زكاة المعدن والنقدين والتجارة متشابهة في اتحاد المتعلق فيكمل بعضها بالبعض) * مضمون الفصل مسألتان مفرعتان علي اشتراط النصاب (إحداهما) ليس من الشرط أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا بل ما ناله بدفعات يضم بعضها إلي بعض في الجملة لان المستخرج من المعدن هكذا ينال غالبا فأشبه تلاحق الثمار لكن الضابط في ضم الثمار بعضها إلى بعض كونها ثمار سنة واحدة وههنا ينظر الي العمل

(6/93)


والنيل وان تتابع العمل وتواصل النيل ثبت الضم قال في التهذيب ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه وان تتابع العمل ولكن لم يتواصل النيل بل حفد المعدن زمانا ثم عاد النيل فان كان زمان الانقطاع يسيرا لم يقدح في الضم وان طال فقد قال في النهاية في الضم وجهان وقال الجمهور فيه قولان (الجديد) الضم لان المعدن كثيرا ما يعرض له ذلك فلو لم يضم بطل زكاة المعدن في كثير من الاحوال (والقديم) وبه قال مالك انه لا يضم كما لو قطع العمل وكحملي سنتين وأن قطع العمل مع تواصل النيل ثم عاد إليه

(6/94)


نظر إن كان القطع بغير عذر عارض فلا ضم طال الزمن أو قصر لانه أعرض عن هذا النوع من الاكتساب واشتغل بحرفة أخرى فما يناله بعد العود شئ جديد وان قطع لعذر فالضم ثابت ان قصر الزمان وان طال فكذلك عند الاكثرين لانه عاكف علي العمل متي ارتفع العذر وحكي الصيدلاني وغيره وجها أنه لا ضم عند طول الزمان وفى حد الطول وجهان نقلهما القاضى الروياني (احدهما) انه ثلاثة أيام (والثاني) يوم كامل لان العادة العمل كل يوم وترك نوبة كاملة فصل طويل والاصح فيه وفى نظائره تحكيم العرف ثم اصلاح الآلات وهرب العبيد والاجراء من الاعذار بلا خلاف وفى المرض والسفر وجهان مرويان في النهاية (أحدهما) انهما يمنعان الضم بحصول صورة الانقطاع مع أنهما قديمتدان
(واصحهما) انهما لا يمنعان كسائر الاعذار وهذا ما نص عليه في المرض ولم يذكر الاكثرون غيره وينبغي أن يكون السفر مرتبا علي المرض ومتى حكمنا بعدم الضم فذلك علي معنى أن الاول لا يضم إلى الثاني في وجوب حق المعدن فاما الثاني فيكمل بالاول كما يكمل بما يملكه لا من جهة المعادن علي ما سيأتي بيانه (وقوله) في الكتاب ولكن الجامع ههنا اتصال العمل قصر للنظر علي العمل

(6/95)


واعراض عن تواصل النيل وانما يستمر ذلك جوابا علي الجديد وهو ان انقطاع النيل لا أثر له مع اتصال العمل فيجوز أن يعلم بالميم والواو اشارة إلى القديم ومذهب مالك (المسألة الثانية) إذا نال من المعدن ما دون النصاب وهو يملك من جنسه نصابا أو زائدا عليه فاما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو بعد تمام حوله أو قبله فاما في الحالتين الاوليين فيصير النيل مضموما الي ما عنده وعليه في ذلك النقد حقه وفيما ناله حقه علي اختلاف الاحوال فيه لانهما من جنس واحد والوجوب ثابت فيهما جميعا وأما إذا ناله قبل تمام الحول فلا شئ فيما عنده حتي يتم حوله وفى وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان (أصحهما) وبه أجاب ابن الحداد واختاره القاضي ابو الطيب وهو ظاهر نصه في الام انه يجب لان زكاة النقدين لا من جهة المعادن مع زكاتهما من جهة المعادن متشابهتان في اتحاد المتعلق على ما سبق ذكر نظيره في زكاة التجارة (والثاني) وبه قال الشيخ ابو حامد أنه لا يجب لانه لا زكاة فيما عنده حتى يصلح لاستتباع غيره فعلي هذا فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العشر عند تمام حوله وان كان يملك من جنسه دون النصاب كما لو كان يملك مائة درهم فنال من المعدن مائة نظر إن نال بعد تمام حول علي ما عنده ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان لانه لا زكاة فيما عنده

(6/96)


لنقصانه عن النصاب فعلى الاول يجب فيما عنده ربع العشر إذا مضي حول من يوم كمل النصاب بالنيل وعلي الثاني لا يجب شئ حتي يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر وعن صاحب الافصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال لانه كمل بالنيل والحول قد مضى عليه والنيل بمثابة ما حال عليه الحول من الاموال وان ناله قبل ان يمضى حول علي

(6/97)


المائة فلا مساغ لوجه صاحب الافصاح ويجرى الوجهان الاولان وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق العراقيين وقد نقل معظمه الشيخ ابو على ورأيت الامام نسبه إلى السهو فيه وقال إذا كان ما ملكه دون النصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط آخر أو يحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ولا شك في بعد القول بوجوب الزكاة فيه يوم النيل

(6/98)


لان الشيخ لم يتفرد بهذا النقل ولا صار إليه حتي يعترض عليه وانما نقله متعجبا منه منكرا ولو كان ما عنده مال تجارة انتظمت فيه الاحوال الثلاث وان كان دون النصاب فلا اشكال لان الحول ينعقد عليه ولا يعتبر النصاب الا في آخر الحول على الصحيح فان نال من المعدن في آخر حول التجارة ففيه حق المعدن وفى مال التجارة زكاة التجارة ان كان قدر النصاب وكذلك ان كان دونه واكتفينا بالنصاب في آخر الحول وان نال قبل تمام الحول ففى وجوب حق المعدن الوجهان السابقان وإن نال بعد تمام الحول نظر ان كان مال التجارة نصابا في آخر الحول ففى النيل حق المعدن لا نضمامه الي ما وجب فيه الزكاة وان لم يكن نصابا ونال بعد ما مضى شهر من الحول الثاني مثلا يبنى ذلك على الخلاف في ان سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول ولم تبلغ نصابا ثم ارتفعت القيمة بعد شهر هل يجب فيها الزكاة أم ترتقب آخر الحول الثاني (ان قلنا) بالاول فتجب زكاة التجارة في مال التجارة وحينئذ يجب حق المعدن في النيل بلا خلاف (وإن قلنا) بالثاني ففى وجوب حق

(6/99)


المعدن الوجهان (واعلم) أن جميع ما ذكرناه مفرع علي الصحيح في أن الحول ليس بشرط في زكاة المعدن فان شرطناه انعقد الحول عليه من يوم وجده وقوله في الكتاب حتى تجب الزكاة في قدر النيل معلم بالواو للوجه المنسوب إلى الشيخ أبى حامد وشهره الامام برواية الشيخ أبي على (وقوله) لعدم الحول فيه تمثيل وفى معناه ما إذا كان الذى عنده دون النصاب فانه لا تجب فيه الزكاة الا علي ما حكى عن صاحب الافصاح (وقوله) قبل ذلك بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن ثم الحكم
غير مخصوص بما إذا كان يملكه لا من جهة المعادن بل لو نال من المعدن ما دون النصاب وحدث ما يمنع الضم ثم نال قدرا آخر يبلغ مع الاول نصابا كان حكمه حكم مالو كان الاول لا من جهة المعادن فيجب في الآخر حق المعدن علي الاصح ولا يجب في الاول لكن ينعقد الحول عليه من يوم تم النصاب للمستقبل إلا أن ينقص المبلغ عن النصاب باخراج حق المعدن والله أعلم * قال (وللمسلم أن يزعج الذمي من معادن دار الاسلام ولكن ما ناله قبل الازعاج يملكه ولا زكاة عليه الا إذا قلنا على وجه بعيدان مصرفه الفئ علي قولنا واجبه الخمس فإذ ذاك يؤخذ من الذمي) *

(6/100)


الذمي لا يمكن من احتفار معادن دار الاسلام والاخذ منها كما لا يمكن من الاحياء في دار الاسلام لان الدار للمسلمين وهو دخيل فيها لكن ما أخذه قبل الازعاج يملكه كما لو استولى علي الحطب والحشيش وهل عليه حق المعدن ينبي علي ان مصرف حق المعدن ماذا ولاشك أن مصرفه مصرف الزكاة ان اوجبنا فيه ربع العشر وان اوجبنا فيه الخمس فطريقان حكاهما الشيخ ابو علي وغيره (احدهما) ان في مصرفه قولين (احدهما) مصرفه مصرف خمس الفئ والغنيمة لانه مال مخمس مثلهما وبهذا قال ابو حنيفة (واصحهما) ان مصرفه مصرف الزكوات لانه حق وجب في مستفاد من الارض فاشبه حق الثمار والزروع (والثانى) وبه قال الاكثرون ان مصرفه مصرف الزكوات قولا واحدا بخلاف الركاز لانه مال جاهلي والظاهر انه كان للكفار وكان شبيها بالفئ والمعادن بخلافه وصاحب التلخيص قد ذكر الطريق الاول في باب زكاة المعدن في التلخيص والطريق الثاني في باب بعده (فان قلنا) مصرفه مصرف الزكوات لم يؤخذ من الذمي شئ وان قلنا مصرف الفئ أخذ الخمس وعلي هذا لا يشترط فيه النية وعلي الاول يشترط ولو كان المستخرج من المعدن المكاتب

(6/101)


فلا زكاة عليه فيما استخرجه كالذمي لكنه غير ممنوع عن الاخذ بخلاف الذمي ولو نال العبد من المعدن شيئا فهو لسيده وعليه واجبه فان امره السيد بذلك ليكون النيل له فقد بناه صاحب الشامل
علي القولين في ان العبد هل يملك ما ملكه السيد أم لا وحظ الزكاة من القولين وقد قدمناه ولو استخرج اثنان من المعدن نصابا فوجوب الزكاة يبي على القولين في أن الخلطة هل تثبت في غير المواشى (وقوله) في الكتاب وللمسلم ازعاج الذمي لك أن تبحث عنه وتقول اثبت الازعاج لكل مسلم أم هو من اعمال الحاكم (والجواب) ان كلام الائمة بالثاني أظهر اشعارا والاول منقدح ايضا فان كل واحد منهم صاحب حق فيه فكان له ان يمنعه (وقوله) ولا زكاة عليه الا إذا قلنا الخ فيه استئناء الخمس علي قولنا ان مصرفه الفئ عن ففى الزكاة وذلك يستدعي كون الخمس زكاة لكن من اوجب الخمس فلا يكاد يسميه زكاة ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذهب بعض اهل ناحيتنا يعنى مالكا الي ان في المعادن الزكاة وذهب غيرهم يعنى ابا حنيفة إلى ان فيها الخمس فلم يعد الخمس زكاة (وقوله) على وجه بعيد عبر عن ذلك المذهب بالوجه والاكثرون سموه قولا وكأنه مستخرج من مثله في الركاز فيجوز كل واحد من الاطلاقين (واعلم) أنا إذا فرعنا علي ظاهر المذهب وهو أن الحول لا يعتبر فوقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده ووقت الاخراج التخليص

(6/102)


والتنقية كما أن وجوب الزكاة في الزروع اشتداد الحب ووقت الاخراج التنقية فلو أخرج قبل التمييز والتنقية عن التراب والحجر لم يجزه ويكون مضمونا علي الساعي يلزمه رده فلو اختلفا في قدره بعد التلف أو قبله فالقول قول الساعي مع يمينه ومؤنة التخليص والتنقية علي المالك كمؤنة الحصاد والدياس فلو تلف بعضه قبل التمييز فهو كتلف بعض المال قبل الامكان والله أعلم * قال (الفصل الثاني في الركاز وفيه الخمس مصر وفاإلي مصارف الصدقات (ح ز و) ولا يشترط الحول ويشترط النصاب (م ح) وكونه من جوهر النقدين علي الجديد) * في الفصل مسائل (إحداها) قدر الواجب في الركاز الخمس لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس) (الثانية) في مصرفه قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن مصرفه مصرف الزكوات لانه حق واجب في المستفاد من الارض فاشبه الواجب في الزروع والثمار (والثاني) وبه قال المزني والوكيل البابشامى وأبو جعفر الترمذي رحمهم الله أنه
يصرف إلى اهل الخمس المذكورين في آية الفئ لانه مال جاهلي حصل الظفر به من غير ايجاف خيل ولا ركاب فكان كالفئ ومنهم من لا يطلق قولين بل يقطع للشافعي رضي الله عنه بالاول وينقل الثاني وجها ضعيفا (الثالثة) لا يشترط الحول فيه لان الحول للاستنماء وهو نماء كله ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعدن لانه يلحق مشقة في تحصيل التبر بل ثم يحتاج إلي الطبخ والمعالجة والركاز بخلافه (الرابعة) هل يشترط فيه النصاب وهل يختص الوجوب بالذهب والفضة نص الشافعي رضى الله عنه في مواضع على الاشتراط والاختصاص وقال في موضع: لو كنت انا الواجد لخمست القليل والكثير والذهب والفضه وغيرهما واختلف الاصحاب رضي الله عنهم علي طريقين (أظهرهما) أن المسألتين علي قولين (أظهرهما) وينسب إلي الجديد أنه يشترط النصاب ويختص بالنقدين (أما) الاول فلظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا) (وأما) الثاني فكما لو اكتسب لا من جهة الركاز (والثانى) وينسب الي القديم أنه لا يشترط ولا اختصاص

(6/103)


لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الركاز الخمس) ولانه مال مخمس فاشبه الغنيمة (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل النص الثاني علي الاحتياط للخروج من الخلاف كقوله في باب صلاة المسافر أما أنا فلا أقصر في أقل من ثلاثة أيام وليس ذلك قولا آخر له في مسافة القصر (وقوله) في الكتاب مصروفا إلى مصارف الصدقات معلم مع الواو بالزاى وبالحاء لان عنده أيضا يصرف إلى مصارف الفئ وبالالف لان احدى الروايتين عن احمد مثله (وقوله) ويشترط النصاب معلم بالحاء والالف والميم لان عند أبي حنيفة واحمد لا يشترط النصاب وهو أصح الروايتين عن مالك وكذلك قوله وكونه من جوهر النقدين معلم بهذه العلامات لان قولهم فيه كقولهم في النصاب ويجوز أن يعلم قوله علي الجديد بالواو اشارة الي الطريقة النافية للخلاف (وقوله) ويشترط النصاب منقطع عما قبله لا مجال للخلاف المذكور في الحول وإنما قال من جوهر النقدين ليشمل الحلى والاوانى * (قال ويشترط كونه من ضرب الجاهلية فان كان على ضرب الاسلام فلقطة وقيل مال ضائع يحفظه الامام وان لم يكن عليه أثر كالاواني والحلي فهو ركاز علي وجه ولقطة علي وجه) *

(6/104)


فقه الفصل مسألتان (الاولي) لو كان الركاز الموجود علي ضرب الاسلام بان كان عليه شئ من القرآن أو اسم ملك من ملوك الاسلام لم يملكه الواجد بالواجدان لان مال المسلم بالاستيلاء عليه بل يجب رده إلى مالكه ان علم مالكه وان لم يعلم ففيه وجهان (قال) الجمهور هو لقطة كما لو وجده علي وجه الارض وقضيه ما ذكروه صريحا ودلالة أنه يعرف سنة ثم للواجد أن يملكه ان لم يظهر مالكه علي ما هو سبيل كل لقطة (وقال) الشيخ أبو علي هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك ابدا أو يحفظه الامام له في بيت المال ولا يملك بحال كما لو القت الربح ثوبا في حجره أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها وانما يملك بالتعريف ما ضاع عن المارة دون ما حصنه المالك بالدفن واتفق العثور عليه بالاحتفار ونقل صاحب التهذيب قريبا من هذا الكلام عن القفال والمذهب الاول قال الامام رحمه الله ولو انكشفت الارض عن كنز بسيل جارف ونحوه فلا ادرى ما قول الشيخ فيه والمال البارز ضائع قال واللائق بقياسه الا يثبت حق التملك اعتبارا باصل الوضع (الثانية) لو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام بان كان مما يضرب مثله في الجاهلية والاسلام أو كان مما لا أثر عليه كالتبر والحلى والاوانى فالمنقول عن نصه أنه ليس بركاز لانه يحتمل أن يكون مال مسلم فيغلب حكم الاسلام وفيه وجه أنه ركاز لان الموضع المدفون فيه يشهد له (فان قلنا) بالاول فقضية كلام الجمهور في الصورة السابقة لا يخفي وأما الشيخ أبو علي فرأيت له في شرح التلخيص مساعدة الجمهور في هذه الصورة فانه قال يعرف سنة فان لم يظهر مالكها فعل بها ما يفعل بسائر اللقطات وذكر الامام أن الشيخ حكى في التملك في هذه الصورة وجهين لضعف أثر الاسلام (وأعلم) أنا إذا قلنا أن الموجود في صورة التردد ركاز فلا يشترط كون الموجود علي ضرب الجاهلية بل الشرط الا يعلم كونه على ضرب الاسلام فاذن قوله في الكتاب ويشترط كونه على ضرب الجاهلية انما يكون مجرى على ظاهره إذا قلنا الموجود في صورة التردد ليس بركاز (وقوله في المسألة الاولى وقيل مال ضائع يحفظه الامام يشعر بانه لا يبقى في يد الواجد بل يأخذه الامام ويحفظه وكلام الشيخ أبى على ما حكيته من قبل ينازع فيه ويقتضي تمكن الواجد من

(6/105)


الامساك له واطلاقه الوجهين في المسألة الثانية اتباع لما حكاه الامام فيها والاكثرون لم يطلقوا الوجهين وانما حكوا النص ووجها لبعض الاصحاب كما قدمناه وحكي صاحب الشامل عن نصه أنه يخمس وهذا حكم بانه ركاز فعلى هذا في المسألة قولان (وأعلم) انه يلزم من كون الركاز على ضرب الاسلام كونه مدفونا في الاسلام ولا يلزم من كونه علي ضرب الجاهلية كونه مدفونا في الجاهلية لجواز أن يظفر بعض المسلمين بكنز جاهلي ويكنزه ثانيا على هيأته فيظفر به اليوم أحد فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهلية لا علي كونه من ضرب الجاهلية * قال (ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات أو شارع وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ وما يجده في ملك نفسه الذى أحياه يملكه وعليه الخمس وهل يدخل في ملكه بمجرد الاحياء فيه وجهان ولو اشتراه ثم وجد فيه ركازا يجب طلب المحيي فانه اولى به) * روى ان رجلا وجد كنزا فقال له النبي صلي الله عليه وسلم (ان وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس) الكنز بالصفة التي تقدم ذكرها اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الحرب فان وجد

(6/106)


في دار الاسلام نظر ان وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز سواء كان مواتا أو كان من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية لقوله في الحديث أو خربة جاهلية وان وجد في طريق شارع فقد ذكر صاحب الكتاب أنه ركاز ولم يجزم الامام به هكذا ولكن أشار الي خلاف فيه والذى ذكره القفال والعراقيون أن ما يوجد فيه ليس بركاز وانما هو لقطة والحديث الذى رويناة صريح فيه وما يوجد في المسجد ذكر في التهذيب أنه لقطة كالموجود في الطريق وقياس المذكور في الكتاب ان يكون ركازا وما عدا هذه المواضع ينقسم الي مملوك وموقوف.
والمملوك اما أن يكون له أو لغيره فان كان لغيره ووجد فيه كنز لم يملكه الواجد بل ان ادعاه مالكه فهو له بلا يمين كالامتعة في الدار والا فهو لمن تلقى صاحب الارض منه وهكذا الي ان ينتهي الي الذى أحيا الارض فيكون له وان لم يدعه لانه بالاحياء
ملك ما في الارض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فانه مدفون منقول فان كان المحيى أو من تلقى الملك عنه هالكا فورثته قائمون مقامه فان قال بعض ورثة من تلقى الملك عنه هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي ما إليه وسلك بالباقي ما ذكرنا هذا كله كلام الائمة رحمهم الله صريحا واشارة ومن المصرحين بملك الركاز القفال ذكره في شرح التلخيص ورأى الامام تخريج ملك الكنز باحياء الارض علي ما لو دخلت ظبية دارا بالاحياء فاغلق صاحبها الباب وفاقا لا علي قصد ضبطها قال وفيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يملكها لعدم القصد ولكن يصير أولي بها كذلك المحيى يصير اولى بالكنز ثم قال انه يملك الكنز بالاحياء وزالت رقبة الارض عن ملكه فلا بد من طلبه ورده إليه (وان قلنا) انه لا يملكه ولكن يصير اولي به فلا يبعد ان يقال إذا زال ملكه عن رقبة الارض بطل اختصاصه كما أن في مسألة الظبية إذا قلنا أنه لا يملكها فلو فتح الباب وأفلتت يملكها من اصطادها إذا عرفت ذلك وأردت التفريع فلك ان تقول (ان قلنا) لمحيى لا يملكه بالاحياء فإذا دخل في ملكه أخرج الخمس (وان قلنا) يملكه بالاحياء فإذا احتوت يده علي الكنز نفسه وقد مضى سنون فلا بد من اخراج الخمس الذى لزمه

(6/107)


يوم ملكه وفيما مضي من السنين يبى وجوب ربع العشر في الاخماس الاربعة على الخلاف في الضال والمغصوب وفى الخمس كذلك ان قلنا لا تتعلق الزكاة بالعين (وان قلنا) تتعلق فعلي ما ذكرنا فيما إذا لم يملك الا نصابا وتكرر الحول عليه والله أعلم * وأن كان الموضع للواجد نظران كان قد أحياه فالذي وجده ركاز وعليه خمسه وفي وقت دخوله في ملكه ما سبق وقد حكي في الكتاب في هذه الحالة فيه وجهين جريا علي ما ذكره الامام وان انتقل إليه من غيره لم يحل له اخذه بل عليه عرضه علي من يملكه وهكذا حتي ينتهي الملك الي المحي كما سبق وان كان الموضع موقوفا فالكنز لمن في يده الارض قاله في التهذيب هذا إذا وجد في دار الاسلام وان وجد في دار الحرب فاما أن يوجد في موات أو غيره فان وجد في موات نظر ان كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الاسلام والموجود فيه ركاز وان كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران ففيه وجهان قال الشيخ أبو علي هو كما لو وجد في عمرانهم وقال الاكثرون حكمه حكم مواتهم الذى لا يذبون عنه وعن أبى حنيفة أن ما يوجد في موات دار الحرب
فهو غنيمة لا ركاز حكاه في الشامل وان وجد في موضع مملوك لهم فينظران أخذ بقهر وقتال فهو غنيمة كأخذ متاعهم من بيتهم ونقودهم من خزائنهم فيكون خمسه لاهل الخمس وأربعة أخماسه لمن وجده وان أخذ من غير قهر وقتال فهو فئ ومستحقه اهل الفئ هكذا قاله في النهاية وهو محمول علي ما إذا دخل دار الحرب من غير امان لانه ان دخل بامان لم يكن له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغير قتال كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم وعليه الرد ان أخذه وقد نص علي هذا الشيخ أبو علي ثم في كونه فيئا اشكال لان لك أن تقول من دخل بغير امان وأخذ مالهم من غير قتال فاما أن يأخذه في خفية فيكون سارقا أو جهارا فيكون مختلسا وقد ذكر في الكتاب في السير أن ما يختلس ويسرق منهم فهو خالص ملك المختلس والسارق ويشبه أن يكون الفئ هو أموالهم التي تحصل في قبضة الامام من غير قتال كالجزية ونحوها دون ما يأخذه الآحاد وربما ايدت هذا الاشكال بان كثيرا من الائمة اطلقوا القول بكونه غنيمة منهم ابن الصباغ والصيدلاني وأعود بعد هذا الي نظم الكتاب فالقول (قوله) ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات وشارع فيه كلامان (أحدهما) انه قد يعنى بكون الموات مشتركا كونه بسبيل يتمكن كل واحد من احيائه وتملكه وبكون الشارع مشتركا

(6/108)


انه لكل أحد فيه حق الطروق ولا يحسن حمل الاشتراك في لفظ الكتاب عليهما لان كل واحد من المعنيين يختص باحد الموضعين وقد وصفهما جميعا بالاشتراك بلفظ واحد فالاحسن تفسيره بمعني شامل كالانفكاك عن الملك ونحوه (والثاني) ان لمنازع ان ينازع في اشتراط الوجود في موضع مشترك لانه إذا احيا ارضا وتملكها ثم وجد فيها كنزا كان ذلك ركازا وان لم يوجد في موضع مشترك الا ان يقال المراد بالوجدان الدخول تحت اليد والتسلط عليه ثم قوله كموات يجوز ان يكون معلما بالواو لانه مطلق وقد حكينا وجها في موات دار الحرب الذى يذبون عنه وبالحاء ايضا لما سبق (وقوله) وشارع بالواو لما ذكرنا من مصير الاكثرين الي انه لقطة (وقوله) وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ أي علي اختلاف الحال في القهر وعدمه ثم هو محتاج الي التأويل من وجهين (أحدهما) ان الموجود في موات دار الحرب ليس كذلك فهو محمول علي عمران دار الحرب (والثانى) انه لو دخل بامان
فليس حكم المأخوذ ما ذكره فإذا هو محمول علي ما إذا دخل بغير امان (وقوله) ملكه وعليه الخمس الاحسن ان يقرأ ملكه وعليه الخمس لا ملكه لان قولنا ملك يشعر بابتداء ثبوت الملك فيقتضى ان يكون ابتداؤه عند الوجدان لكنه غير مجزوم به بل فيه الوجهان المذكور ان عقيب هذا الكلام (اما) الحكم بانه ملكه فهو مستمر علي الوجهين جميعا (وقوله) يجب طلب المحيى معلم بالواو لما سبق (وقوله) فانه اولى به يجوز ان يكون جوابا علي قولنا أنه لا يملكه بالاحياء المجرد ويجوز ان يحمل علي غير ذلك والله اعلم * قال (ولا خمس علي الذمي لانه ليس من أهل الزكاة) * حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن فلا يمكن من اخذه في دار الاسلام وان وجده ملكه قال الامام رحمه الله وفيه احتمال عندي في الركاز لانه كالحاصل في قبضة المسلمين وهو في حكم مال ضل عنهم وإذا حكمنا بالمشهور وهو انه يملكه ففى أخذ حق الركاز منه الخلاف السابق في المعدن وقد تعرض له صاحب الكتاب هناك وقد اقتصر ههنا على ظاهر المذهب فاعلم قوله ولا خمس بالواو (واعلم) انه لو قدم هذه المسألة علي الفصل السابق علي هذا أو أخرها عن الفصل التالى له لكان اليق لتنتظم المسائل المتعلقة بمكان الركاز في سلك واحد ولا يدخل فيها ما ليس منها * قال (وان تنازع البائع والمشترى والمعير والمستعير وقال كل واحد منهما أنا دفنت الركاز فالقول قول صاحب اليد فلو قال المكرى بعد رجوع الدار إليه كنت دفنته قبل الاجارة فالقول قول المستأجر علي أحد الوجهين لانهما توافقا على انه كان في يده) *

(6/109)


إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في الركاز الذى وجد فيها فقال المشترى هو لي وأنا دفنته وقال البائع مثل ذلك أو قال ملكته بالاحياء أو تنازع المعير والمستعير أو المكترى والمكري هكذا فالقول قول المشترى والمستعير والمكترى مع ايمانهم لان اليد لهم فصار كما لو وقع النزاع في متاع الدار وهذا إذا احتمل ان يكون صاحب اليد صادقا فيما يقوله ولو علي بعد فاما إذا انتفى الاحتمال لان مثله لا يمكن دفنه في مدة يده فلا يصدق صاحب اليد ولو فرض النزاع بين المكرى والمكترى أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك
فان قال المكرى أو المعير أنا دفنته بعد ما رجعت الدار إلى يدي فالقول قوله بشرط الامكان ولو قال دفنته قبل خروج الدار عن يدى ففيه وجهان للشيخ أبي محمد (احدهما) ان القول قوله أيضا لانه صاحب الدار الآن (وأظهرهما) عند الامام أن القول قول المكترى والمستعير لان المالك قد سلم له اليد وحصول الكنز في يده ويده تنسخ اليد السابقة ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع كان القول قوله (وقوله) في الكتاب فالقول قول صاحب اليد معلم بالزاى لان الشيخ أبا علي وآخرين نقلوا عن المزني أن القول قول المالك اتباعا لما في الارض (وقوله) فالقول قول المستأجر معلم به أيضا * قال ((فرع) إذا وجد مائة درهم وفى ملكه نصاب من النقد تم عليه الحول وجب خمس الركاز إذا كمل بغيره وإن كان ما في ملكه دون النصاب أو قبل تمام الحول ففى التكميل خلاف) * هذا مفرع على اعتبار النصاب في الركاز والفرض انا وان اعتبرناه فلا نشترط أن يكون الموجود نصابا بل يكمل ذلك بما يملكه من جنس النقد الموجود وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن فلا حاجة الي الاعادة وقد نص حجة الاسلام رحمه الله على حكاية الخلاف ههنا وجمع بين ما إذا لم تجب الزكاة فيما عنده لعدم تمام الحول وما إذا لم تجب لعدم بلوغه نصابا وهناك اقتصر علي ظاهر المذهب والصورة الاولي *

(6/110)


قال (النوع السادس زكاة الفطر وتجب بغروب الشمس ليلة العيد في قول وبطلوع الفجر يوم العيد في قول وبمجموع الوقتين في قول ثالث وعلي الثالث لو زال الملك في وسط الليل وعاد في الليل ففى الفطرة وجهان وعلي الاول إذا ملك عبدا أو ولد له ولد بعد الغروب بلحظة أو مات قبل الغروب بلحظة فلا زكاة) * عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كل حر وعبد ذكر وانثي من المسلمين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (فرض زكاه الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث
وطعمة للمساكين) (واعلم) أن زكاة الفطر واجبه وقال بعض الناس انها غير واجبة وبه قال أبو الحسين بن

(6/111)


اللبان الفرضي من أصحابنا فيما رواه صاحب الشامل ولا فرق عندنا بين الواجب والفريضة * وقال أبو حنيفة رحمه الله هي واجبة وليست بفريضة وفى وقت وجوبها ثلاثة أقوال (أصحها) وهو الجديد وبه قال احمد أن وقته غروب الشمس ليلة العيده واحتجوا له بأنها مضافة إلى الفطر وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما زكاة الفطر من رمضان وحينئذ يكون الفطر من رمضان (والثانى) وهو القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أن وقته طلوع الفجر يوم العيد لانها قربة متعلقة بالعيد فلا يتقدم وقتها علي العيد كالاضحية وعن مالك روايتان كالقولين (والثالث) أنها تجب بمجموع الوقتين لتعلقها بالفطر والعيد جميعا قال الصيدلاني وهذا القول خرجه صاحب التلخيص واستنكره الاصحاب (التفريع) لو نكح امرأة أو ملك عبدا أو اسلم عبده الكافر أو ولد له ولد في ليلة العيد لم تجب فطرتهم علي الجديد ولا على القول الثالث وتجب علي القديم ولو مات عبده أو ولده أو زوجته ليلة العيد أو بت طلاقها أو ارتد عبده لم تجب فطرتهم علي القديم ولا علي القول الثالث وتجب علي الجديد وكذا الحكم لو أسلم كافر قبل الغروب ومات بعده ولو طرأت الاحوال المذكورة بعد الغروب وزالت قبل طلوع الفجر فلا فطرة علي الاقوال كلها ولو زال

(6/112)


الملك عن العبد بعد الغروب وعاد قبل طلوع الفجر وجبت الفطرة علي الجديد والقديم (وأما) على القول الثالث ففيه وجهان حكاهما في النهاية وقال هما ملتفتان علي أن الواهب هل يرجع فيما إذا زال ملك المتهب عنه ثم عاد وله نظائر نذكرها في مواضعها ونشرح فيها الوجهان ولو باع بعد الغروب عبده واستمر ملك المشترى فيه فالفطرة علي الجديد علي البائع وعلي القديم علي المشترى وعلي الثالث

(6/113)


لا تجب علي واحد منهما ولو مات مالك العبد ليلة العيد فالفطرة واجبة في تركتة علي الجديد وهي علي الوارث في القديم وعلي الثالث لا تجب أصلا وذكر في النهاية ان الشيخ أبا علي حكي وجها في وجوبها علي الوارث تفريعا علي القول الثالث بناء علي القديم في ان حول الوارث يبي علي حول
المورث (وقوله) في الكتاب وعلي الاول إذا ملك إلى آخره ينبغى أن يعلم فيه أن نفى الزكاة في

(6/114)


صورة الموت ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو لازم علي الاقوال كلها ومواضع العلامات عند ذكر الاقوال لا تخفى * قال (والنظر في ثلاثة اطراف الطرف الاول في المؤدى عنه وكل من وجبت نفقتة تجب علي المنفق فطرته من الزوجة (ح) والمملوك والقريب) *

(6/115)


الكلام في زكاة الفطر في أنها متى تؤدى وعمن تؤدى ومن الذى يؤدى وما المؤدي وإلي من تؤدى (أما) الاخير من هذه الامور فموضعه كتاب قسم الصدقات (وأما الاول) فيحتاج فيه الي معرفة وقت الوجوب وقد فرغنا منه الآن ويجوز التقديم عليه علي الضبط المذكور في مسائل التعجيل وأما

(6/116)


إذا لم يعجل فالمستحب الا يؤخر أداها عن صلاة العيد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (فرض زكاة الفطر وأمر بها ان تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) فلو اخر عصى وقضى بقى ههنا النظر

(6/117)


في الاطراف الثلاثة الباقية (الاول) في المؤدى عنه (اعلم) أن الفطرة قد يؤديها الانسان عن نفسه وقد يؤديها عنه غيره والاصل فيه قوله صلي الله عليه وسلم (ادوا صدقه الفطر عمن تمونون) والجهات التى

(6/118)


يصير بها الشخص في نفقة الغير ومؤنته ثلاث النكاح والملك والقرابة وكلها تقتضي لزوم الفطرة أيضا في الجملة ثم القول في شرائط الوجوب ومواضع الاستثناء عن هذا الاصل سيظهر من بعد وليكن قوله يجب علي المنفق فطرته وكذا قوله من الزوجة معلمين بالحاء (اما) الثاني (فلان) عنده لا تجب فطرة الزوجة علي الزوج وانما هي عليها وحكي ذلك عن اختيار ابن المنذر من اصحابنا (واما) (الاول) فلامور
(منها) مسألة الزوجة (ومنها) ان عنده لا يجب على الولد فطرة الاب وان وجبت نفقته (ومنها) ان عنده لا تجب

(6/119)


على الجد فطرة ولد الولد * لنا ماروى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر (بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) *

(6/120)


قال (ولا تفارق الفطرة النفقة الا في سبع مسائل (احداها) الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه وفى فطرتها وجهان (اصحهما) الوجوب (ح) * يستثني عن قولنا من وجبت نفقته علي المنفق فطرته مسائل (منها) ماهى مستثناة بلا خلاف (ومنها) ما في استثنائها اختلاف قول أو وجه (فمنها) ان الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه تفريعا على

(6/121)


الصحيح في وجوب الاعفاف وسيأتي شرح ذلك الخلاف وموصع الاعفاف في بابه إن شاء الله تعالي وهل يلزمه فطرتها فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف في طائفة أنها تلزم لانها ممن يمونه الابن وصار كالاب لما لزمته تفقته لزمه فطرته وعلي هذا فهذه الصورة غير مستثناة عن الاصل الممهد (والثانى) وهو الاصح عند صاحبي التهذيب والعدة وغيرهما أنها لا تلزم لان الاصل في القيام بامرها هو

(6/122)


الاب والابن متحمل عنه والفطرة غير لازمة على الاب بسبب الاعسار فلا يتحملها الابن بخلاف النفقة فانها لازمة مع الاعسار فيتحملها وأيضا فلان فقد النفقة يمكنها من الفسخ وإذا فسخت احتاج الابن الي تزويجه وفقد الفطرة بخلافه ويجرى الوجهان في فطرة مستولدته ولك أن تعلم قوله يلزمه نفقة زوجه أبيه بالواو إذا قد عرفت أنه مبنى على وجوب الاعفاف وفيه خلاف

(6/123)


وبالحاء والزاى لان عندهما لا يجب الاعفاف ويجوز اعلام لفظ الوجوب من قوله الاصح الوجوب بالحاء لان عنده لا تجب علي الابن فطرة الوالد فما ظنك بفطرة زوجته *
قال (الثانية الابن الكبير الذى هو في نفقة أبيه إذا وجد قدر قوته ليلة العيد فلا فطرة علي أبيه لسقوط النفقة عنه ولا عليه لعجزه ولو كان صغيرا والمسألة بحالها ففيه خلاف (و) لان حق الصغير آكد) *

(6/124)


غير الاصول والفروع من الاقارب كالاخوة والاعمام لا تجب فطرتهم كما لا تجب نفقتهم (وأما) الاصول والفروع فان كانوا موسرين فلا تجب نفقتهم وإن كانوا معسرين فكل من جمع منهم إلي الاعسار الصغر أو الجنون أو الزمانة وجبت نفقته ومن تجرد في حقه الاعسار ففى نفقته قولان ومنهم من قطع بالوجوب في حق الاصول وحكم الفطرة حكم النفقة وفاقا وخلافا إذا عرفت ذلك فلو أن الولد الكبير كان في نفقة أبيه أما بمجرد الاعسار إن اكتفينا به أو مع الزمانة ان لم نكتف

(6/125)


به فوجد قدر قوته ليلة العيد ويومه فقد سقطت فطرته عن الاب لسقوط نفقته وكونها تابعة له ولا تجب عليه لعجزه واعساره وإن كان الولد صغيرا والمسألة بحالها ففى سقوط الفطرة وجهان (قال) الصيدلاني لا تسقط والفرق أن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال وإنما هي لكفاية الوقت ونفقة الصغير قد ثبتت الا ترى أن للام أن تستقرض علي الاب الغائب لنفقة الصغير فكانت نفقته آكد فأشبهت نفقة الاب نفسه وفطرته فطرته (وقال) الشيخ أبو محمد تسقط كما تسقط النفقة وتردد فيما

(6/126)


ذكره من جواز الاستقراض وقال الاظهر منعه إلا إذا أذن السلطان ومثله يفرض في حق الكبير أيضا وما ذكره الشيخ أظهر عند الامام وغيره (واعلم) أن مسألة الكبير جارية على الاصل الممهد وكذلك مسألة الصغير علي قول الشيخ أبى محمد وإنما الاستثناء على قول الصيدلاني * قال (الثالثة الزوج ان كان معسرا لا تستقر فطرتها في ذمته وان استقرت النفقة ولا تجب عليها فطرة نفسها وان كانت موسرة نص عليه ونص في الامة المزوجة من المعسر ان الفطرة تجب على سيدها فقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل الفرق أن سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة

(6/127)


ولو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج دون إذنه لم يصح علي أحد الوجهين لان الزوج أصل لا متحمل) * من أصول الباب الذى يحتاج إلي معرفته في هذه المسألة وغيرها أن الفطرة الواجبة علي الغير تلاقى المؤدى عنه ثم تتحمل عنه أم تجب على المؤدى ابتداء وفيه خلاف يعبر عنه تارة بقولين مخرجين من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه وتارة بوجهين (أحدهما) أن الوجوب يلاقى المؤدى

(6/128)


عنه ثم يتحمل عنه المؤدى لقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذى سبق (علي كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين) (والثانى) أنها تجب علي المؤدى ابتداء لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر عنه) قال القاضى الروياني وغيره ظاهر المذهب هو الاول ثم الاكثرون منهم الشيخ أبو علي طردوا الخلاف في كل من يؤدى صدقة الفطر عن غيره من الزوج والسيد والقريب قال الامام وذكر طوائف من المحققين أن هذا الخلاف في فطرة الزوج فأما فطرة

(6/129)


المملوك والقريب فتجب علي المؤدى ابتداء بلا خلاف لان المملوك لا يقدر علي شئ والقريب المعسر لو لم يجد من يقوم بالانفاق عليه لا يلزمه شئ فكيف يقال بان الوجوب يلاقيه ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل فهو كالضمان أو كالحوالة حكي أبو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات فيه قولين إذا تقرر ذلك ففى المسألة صورتان (إحداهما) الزوج المعسر لا تستقر الفطرة في ذمته وان استقرت النفقة لان النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار ثم ان كانت موسرة فهل عليها فطرة نفسها قال في المختصر لا أرخص له في تركها ولا يتبين لي أن أوجب عليها ونص فيه أيضا علي أنه

(6/130)


لو زوج أمته من معسر تجب الفطرة علي سيدها واختلف الاصحاب علي طريقين (أصحهما) عند الشيخ أبي علي وغيره أن المسألتين علي قولين مبنيين علي الاصل المذكور (ان قلنا) الوجوب يلاقى المؤدى

(6/131)


عنه أولا وجبت الفطرة علي المرأة الحرة في الصورة الاولي وعلى سيد الامة في الثانية (وان قلنا) الوجوب علي المؤدى ابتداء فلا يجب (والثاني) تقرير النصين وبه قال أبو إسحق والفرق أن الحرة

(6/132)


بعقد النكاح تصير مسلمة الي الزوج حتي لا يجوز لها المسافرة والامتناع من الزوج بعد أخذ المهر والنفقة بحال والامة بالتزويج غير مسلمة بالكلية بل هي في قبضة السيد الا ترى أن له أن يستخدمها

(6/133)


وأن يسافر بها وهذا معنى قوله في الكتاب سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة أي علي نفسها ثم التقريب من وجهين (أحدهما) أن الحرة لما كانت مسلمة بالكلية كانت كالامة المسلمة الي المشترى

(6/134)


بعقد الشراء فتنتقل الفطرة إليه والامة لما كانت في قبضة السيد لم تكن الفطرة متحولة عنه وإنما الزوج كالضامن لها فإذا لم يقدر علي الاداء بقى الوجوب علي السيد كما كان (والثانى) أن الامة إذا

(6/135)


لم تكن واجبة التسليم كان السيد متبرعا بتسليمها فلا يسقط عنه بتبرعه ما كان يلزمه لولا التبرع ولو نشزت المرأة وسقطت فطرتها عن الزوج لسقوط النفقة فقد قال الامام الوجه عندي القطع بايجاب الفطرة

(6/136)


عليها وان حكمنا بان الوجوب لا يلاقيها لانها بالنشوز أخرجت نفسها عن امكان التحمل (فرعان) (أحدهما) زوج الامة ان كان موسرا فحكم فطرتها حكم نفقتها وسيظهر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالي (والثانى) ان خادمة الزوجة ان كانت مستأجرة لم يجب علي الزوج فطرتها وان كانت من امائه وجبت لانها مملوكته وان كانت من اماء الزوجة والزوج ينفق عليها ففطرتها واجبة عليه نظرا

(6/137)


الي انه يمونها نص عليه في المختصر وقال الامام الاصح عندي انها لا تجب لان نفقة الخادمة غير
مستقلة إذ يمكنه تحصيل الغرض بمتبرعة أو مستأجرة (الصورة الثانية) لو اخرجت الزوجة زكاة نفسها مع يسار الزوج دون اذنه ففى اجزائه وجهان (ان قلنا) الزوج متحمل اجزأ والا فلا ويجرى الوجهان فيما لو تكلف من فطرته علي قريبه باستقراض وغيره وأخرج من غير اذنه والوجه الاول هو

(6/138)


المنصوص عليه في المختصر ولو أخرجت الزوجة أو القريب باذن من عليه جاز بلا خلاف بل لو قال الرجل لغيره اد عنى فطرتي ففعل جاز كما لو قال أقض ديني ذكره في التهذيب (وقوله) في الكتاب لان الزوج اصل لا متحمل ليس تعليلا لوجه المنع بشئ يساعد عليه بل الغرض منه التنبيه على مبني الوجهين (واعلم) أن الصورة الثانية ليس لها كثير تعلق بالاصل المستثنى منه وانما المتعلق

(6/139)


به الاولى فان الفطرة فارقت النفقة حيث لم تلزم الزوج المعسر والنفقة لازمة مستقرة * قال (الرابعة البائنة الحامل تستحق الفطرة وقيل إذا قلنا ان النفقة للحمل فلا تستحق) * تجب فطرة الرجعية كنفقتها (وأما) البائنة فان كانت حائلا فلا نفقة ولا فطرة وان كانت حاملا ففى فطرتها طريقان (أحدهما) أنها تجب اتباعا للفطرة النفقة (الثاني) ان وجوبها مبنى على الخلاف

(6/140)


في أن النفقة للحمل أو للحامل (ان قلنا) بالثاني فيجب (وان قلنا) بالاول فلا لان فطرة الجنين لا تجب وهذا الطريق الثاني هو الذى اورده الاكثرون وكلام صاحب الكتاب يشعر بترجيح الاول وبه قال الامام والشيخ ابو علي قال الشيخ لانها المستحقة سواء قلنا النفقة للحمل أو للحامل ولها ان تأخذها وتنفقها على نفسها بلا خلاف وقولنا أنها للحمل علي قول نعنى به انه سبب الوجوب وذلك لا ينافى كونها المستحقة هذا إذا كانت الزوجة حرة فان كانت أمة ففطرتها بالاتفاق ناظرة إلى ذلك الخلاف (فان قلنا) النفقة للحمل فلا نفقة ولا فطرة لان الحمل لو كان ظاهرا لم يكن عليه ان

(6/141)


يمون ملك الغير (وان قلنا) للحامل وجبتا وسواء رجحنا الطريقة الاولي أو الثانية فالاصح استحقاق
الفطرة لان الاصح ان النفقة للحامل وعلي هذا فالمسألة غير مستثناة عن الاصل السابق (اما) إذا قلنا النفقة واجبة للحمل فلا فطرة فالحمل شخص تجب نفقته ولا تجب فطرته فينتظم استثناؤه والله اعلم قال (الخامسة لا فطرة علي المسلم في عبده الكافر وتجب عليه في نصف العبد المشترك أو في العبد الذى نصفه حر ولو جرت مهايأة فوقع الهلال في نوبة احدهما ففي اختصاصه بالفطرة وجهان لانه خرج نادرا) *

(6/142)


في المسألة صورتان (احداهما) لا يجب على المسلم فطرة عبده الكافر وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة * لنا لتقييد في حديث ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال (من المسلمين) وايضا فان الفطرة شرعت تطهير أو الكافر ليس أهلا للتطهير وحكم الزوجة الذمية والقريب الكافر حكم العبد الكافر فلا تجب فطرتهم وان وجبت نفقتهم (الثانية) تجب فطرة لعبد المشترك علي الشريكين وفطرة لعبد الذى بعضه حر عليه وعلي السيد خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب ولمالك حيث قال في الصورة

(6/143)


الثانية في احدى الروايتين تجب علي السيد حصته ولا شئ علي العبد والرواية الثانية مثل مذهبنا * لنا ما سبق ان الفطرة تتبع النفقة وهى مشتركة فكذلك الفطرة ثم الوجوب عليهما إذا لم تكن مهايأة فان جرت مهايأة بين الشريكين أو بين المالك والعبد فهل تختص الفطرة بمن وقع زمان الوجوب في نوبته أم هي على الشركة يبنى ذلك علي أن الفطرة من المؤن النادرة أو من المؤن الدائرة وبتقدير أن تكون من النادرة فهل تدخل في المهايأة أم لا (أما) المقام الاول فقد حكى الامام

(6/144)


فيه وجهين (أحدهما) أنها من المؤن الدائرة لانها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة (واصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انها من المؤن النادرة لان يوم العيد لا يتعين في السنة لاختلاف الاهلة وبتقدير التعين فالشئ الذى لا يتفق في السنة الا مرة نادر وأما الثاني ففيه وجهان مشهوران (أظهرهما) أنها تدخل في المهايأة لان مقصود المهايأة التفاضل والتمايز فليختص كل واحد منهما بما

(6/145)


يتفق في نوبته من الغنم والغرم (والثانى) لا تدخل لان النوادر مجهولة ربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ فلا ضرورة الي ادخالها فيه والوجهان جاريان في الاكساب النادرة كصيد يصطاده العبد الذى ليس بصياد وكقبول هبة ووصية ونحوها (فان قلنا) بالاول فجميع الفطرة على من وقع الهلال في نوبته (وان قلنا) بالثاني فهي مشتركة بحسب الملك أبدا ثم المعتبر في يساره أن يفضل الواجب سواء كان

(6/146)


تمام الصاع أو بعضه عن قوت يومه وليلته ان لم يكن بينهما مهايأة وان كان بينهما مهايأة فعن القدر الذى يلزمه من قوت نفسه لا من الكل * وليكن قوله في الكتاب وتجب عليه في نصف العبد المشترك معلما بالحاء والميم لما ذكرناه ولو قال وتجب فطرة العبد المشترك بدل ما ذكرة لكان أحسن ولا يستغنى عن التعرض للنصف (وقوله) فوقع الهلال جواب على أصح الاقوال وهو أن وقت الوجوب

(6/147)


الاستهلال (وقوله) لانه خرج نادرا جواب على الاصح في عدها من النوادر وليكن معلما بالواو للوجه السابق ولا يخفى حاجة الصورة الاولي الي الاستثناء وأما الثانية فانما يصح استثناؤها علي قولنا ان الفطرة لا تدخل في المهايأة لانهما حينئذ يشتركان في الفطرة دون النفقة فتفارق الفطرة النفقة *

(6/148)


قال (السادسة العبد المرهون تجب فطرته علي في المغضوب والضال والآبق طريقان (قيل) تجب (وقيل) قولان كسائر الزكوات ولو انقطع خبر العبد الغائب نص على وجوب فطرته وعلي أن عتقه لا يجزئ عن الكفارة وقيل قولان وقيل قولان في المسألتين لتقابل الاصلين وقيل بتقرير النصين ميلا الي الاحتياط فيهما) *

(6/149)


المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن في وجوب الفطرة وتجب فطرة العبد المرهون والجانى والمستأجر لوجود الملك ووجوب النفقة قال الامام والمصنف في الوسيط هكذا أطلقوا القول في المرهون
ويحتمل أن يجرى فيه الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون (واعلم) ان الخلاف في زكاة المال المرهون لم نلفه الا في حكاية هذين الامامين والجمهور أطلقوا الوجوب ثم أيضا وأما المغصوب والضال ففى

(6/150)


فطرته طريقان (أحدهما) أنه على القولين في زكاة المال المغصوب وطرد ابن عبد ان علي هذه الطريقة الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته عند الاستهلال (وأصحهما) القطع بالوجوب اتباعا للفطرة النفقة ويخالف زكاة المال فان المالية معتبرة فيها وهي غير معتبرة ههنا ألا ترى انه تجب فطرة الزوجة والقريب مع انتفاء المالية فلا تجب عند ضعفها كان أولى ولهذا وجبت في المستولدة (وأما)

(6/151)


العبد الغائب فان علم حياته وكان في طاعته وجبت فطرته وان كان آبقا ففيه الطريقان في المغصوب وللخلاف مأخذ آخر حكاه الامام وهو ان اباق العبد هل يسقط نفقته كنشوز الزوجة أم لا وفيه خلاف فان اسقطها اسقط الفطرة أيضا وان لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرفاق ففى فطرته طريقان (أحدهما) أنها تجب بلا خلاف وبه قال ابو اسحق (والثانى) أنه علي القولين وفى كيفيتهما طريقان (أحدهما) أنهما قولان منصوصان وذلك ان المزني روى في المختصر أنه قال ويزكي عن عبيده

(6/152)


الحضور والغيب وان لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم قال وقال في موضع آخر وان لم يعلم حياتهم فشرط العلم بالحياة في قول واطلق الوجوب في قول علم أو لم يعلم (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان سبب خروج القولين انه نص ههنا على لزوم الفطرة وفى الكفارة علي أن اعتاق مثل هذا العبد لا يجزئ فنقل الجواب من كل مسألة الي الاخرى وجعلتا علي قولين بالنقل والتخريج وجه وجوب الفطرة والاجزاء عن الكفارة ان الاصل بقاؤه ووجه عدم وجوبها وعدم الاجزاء ان الاصل براءة ذمته عن واجب

(6/153)


الفطرة واستمرار شغلها بواجب الكفارة الي يقين الاعتاق قال القاطعون بالوجوب (أما) منقول المزني فلا اختلاف فيه الا انه اجاب في النص الاول في إحدى المسألتين دون الاخرى والاحتجاج
بالمفهوم ضعيف (وأما) فصل الكفارة فالنصان مقرران والفرق الاخذ بالاحتياط في الطرفين بتقديره حيا بالاضافة الي الفطرة وميتا بالاضافة الي الكفارة ليأتي بيقين الاعتاق وكيفما قدر فالاظهر

(6/154)


وجوب الفطرة وعدم الاجزاء في الكفارة وإذا أوجبنا لفطرة في هذه الصورة فهل نوجب اخراجها في الحال أم يجوز التأخير الي عود العبد كما في زكاة المال في نظائرها المذهب الاول لان المهلة شرعت ثم لمعني النماء وهو غير معتبر ههنا وروى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد ان الشافعي رضي الله عنه نص في الاملاء على قولين في ذلك قال وهذا بعيد لان امكان الاداء شرط الضمان في زكاة المال والمال الغائب يتعذر الاداء منه وليس كذلك الفطرة هكذا ذكره لكن قال صاحب التهذيب لو دخل الوقت ومات

(6/155)


المودى عنه قبل امكان الاداء ففى سقوط الفطرة وجهان فألحقهما في أحد الوجهين بزكاة المال في اعتبار الامكان وحكي الامام هذا الخلاف أيضا * قال (السابعه نفقة زوجة العبد في كسبه وليس عليه فطرتها لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فلا يتحمل عن غيره) *

(6/156)


العبد ينفق علي زوجته من كسبه ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فكيف يتحمل عن غيره (أما) النفقة فلابد منها وأقرب موضع يؤدى منه كسبه ثم إذا كانت الزوجة حرة موسرة فهل عليها فطرة نفسها (منهم) من قال هو علي القولين المذكورين فيما إذا كانت تحت زوج معسر و (منهم) من قال عليها فطرتها بلا خلاف لان العبد ليس أهل للخطاب بالفطرة وإن

(6/157)


كانت أمة فهل علي سيدها فطرتها فيه هذان الطريقان (والثاني) أظهر في الصورتين ولو ملك السيد عبده شيئا وقلنا انه بملكه لم يكن له إخراج فطرة زوجته عنه استقلالا لانه ملك ضعيف ولو صرح بالاذن في الصرف إلي هذه الجهة ففيه وجهان للشيخ ابى محمد (ان قلنا) له ذلك فليس للسيد الرجوع
عن الاذن بعد استهلال الهلال لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له (خاتمة) قوله في أول المسائل السبع ولا تفارق الفطرة النفقة الا في كذا لا شك أنه لم يعن به مطلق المفارقة لان مفارقتهما لا تنحصر

(6/158)


فيما استثناه بل هما مفترقان في القدر والوقت وأمور أخر لا تحصى كثرة وإنما عنى المفارقة في ثبوت النفقة وانتفاء الفطرة لكن هذه المفارقة غير منحصرة أيضا فيما استثناه لمسائل (منها) إذا كان للكافر عبد مسلم ففى فطرته وجهان سنذكرهما والنفقة واجبة (ومنها) إذا أوصى برقبة عبد لرجل وبمنفعته لآخر قال ابن عبد ان فطرته على الموصى له بالرقبة بلا خلاف ونفقته عليه أو على الموصى له بالمنفعة أو في بيت المال فيه ثلاثة أوجه فعلي غير الوجه الاول المسألة من مسائل المفارقة (ومنها) عبد

(6/159)


بيت المال والعبد الموفق غلي المسجد في فطرتهما وجهان حكيها عن البحر (الاظهر) وبه أجاب في التهذيب أنها لا تجب والعبد الموقوف علي رجل معين ذكر في العدة ان فطرته تبنى علي الملك فيه (ان قلنا) ان الملك للموقوف عليه فعليه فطرته (وان قلنا) لله تعالي فوجهان ونفى صاحب التهذيب في باب الوقف وجوب فطرته علي الاقوال كلها لانه ليس فيه ملك محقق والاول أشهر ونفقة هؤلاء واجبة لا محالة *

(6/160)


قال (الطرف الثاني في صفات المؤدى وهى الاسلام والحرية واليسار فلا زكاة على كافر الا في عبده (ح) المسلم علي قولنا ان المؤدى عنه اصل والمؤدى متحمل عنه ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب (و) في نفسه وزوجته ولا يجب علي السيد زكاة المكاتب لسقوط نفقته وقيل تجب عليه وقيل تجب في مال المكاتب ومن نصفه حر وجب عليه نصف صاع) *

(6/161)


اعتبر في مؤدى الفطرة ثلاثة أمور (الاول) الاسلام فلا فطرة على كافر عن نفسه لانه ليس له أهلية التطهير ولا أهلية اقامة العبادات ولا عن غيره إلا إذا ملك الكافر عبدا مسلما أو كان له قريب مسلم ففيه وجهان مبنيان علي أن من يؤدى عنه الفطرة أصيل يتحمل عنه أو الوجوب علي
المؤدى ابتداء (أحدهما) وبه قال ابو حنيفة رحمه الله أنها لا تجب (والثانى) وبه قال احمد تجب ويتصور

(6/162)


ملك الكافر العبد المسلم بان يسلم العبد في يده أو يرثه أو يشتريه على قول صحة الشرى ويهل هلال شوال قبل أن نزيل الملك عنه ومستولدته التي أسلمت فيها الوجهان (فان قلنا) بالوجوب فقد قال الامام لاصائر الي أن المتحمل عنه ينوى والكافر لا تصح منه النية وذلك يدل علي استقلال الزكاة بمعنى المواساة ولو أسلمت ذمية تحت ذمى واستهل الهلال في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة ففى وجوب

(6/163)


نفقتها مدة التخلف خلاف يأتي في موضعه فان لم نوجبها لم نوجب الفطرة وان أوجبناها فالفطرة علي الخلاف المذكور في وجوب فطرة عبده المسلم (وقوله) في الكتاب الا في عبده المسلم ليكن معلما بالحاء لما نقلناه عن مذهب ابى حنيفة ثم ظاهره يقتضي الجزم بنفي الوجوب في القريب المسلم وفى مسألة اسلام الذمية لانه حصر الاستثناء في العبد وكل ذلك علي الخلاف نص عليه الشيخ أبو علي وغيره

(6/164)


(الثاني) الحرية وفيه صور (منها) لا يجب علي الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة زوجته لانه لا يملك شيئا فان ملكه السيد مالا فقد ذكرناه وان ملكه عبدا وقلنا أنه يملك سقطت فطرته عن السيد لزوال ملكه عنه ولم تجب علي المملك لضعف ملكه (ومنها) هل تجب علي المكاتب فطرة نفسه (المشهور) أنها لا تجب كمالا تجب عليه زكاة ماله لضعف ملكه (وقيل) إنها تجب عليه في كسبه كنفقته وبه قال احمد وهذا الاختلاف علي ما ذكره الامام قولان (الاول) منهما منصوص (والثانى) مخرج ذكره ابن سريج

(6/165)


وعلي ما رواه في التهذيب وجهان واطلقهما الصيدلانى قولين من غير التعرض للنص والتخريج والامر فيه سهل وإذا قلنا بالمشهور وهو أنه لا فطرة عليه فهل هي علي سيده (الظاهر) أنها ليست عليه لسقوط نفقته عنه ونزوله مع السيد منزلة الأجنبي الا ترى انه يبيع منه ويشترى (وروى) ابو ثور عن القديم انها تجب على السيد لانه عبد ما بقى عليه درهم وانكر الشيخ ابو على ان يكون هذا
قولا للشافعي رضي الله عنه وقال انه مذهب ابى ثور نفسه والخلاف في أن المكاتب هل عليه

(6/166)


فطرة نفسه يجرى في انه هل عليه فطرة زوجته وعبيده بلا فرق (واعلم) ان قوله في الكتاب ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب في نفسه وزوجته الكلام في الرقيق قد صار مذكورا مرة في المسألة السابقة وانما كرره لانه احتاج إلى ادراجه في صور الاستثناء اولا والي التعرض له في صفات المؤدى ثانيا (وقوله) وقيل تجب عليه أي على السيد وهو القول الذى حكاه ابو ثور (ومنها) حكم

(6/167)


المستولدة والمدبر حكم القن علي ما سبق والكلام فيمن نصفه حر ذكره مرة وانما اعاده ههنا ليتبين ان الحرية التى اعتبرها ليست حرية الكل وانما هي الحرية بحسب القدر المؤدى من الفطرة *

(6/168)


قال (والمعسر لا زكاة عليه وهو الذى لا يفضل عن مسكنه وعبده الذى يحتاج الي خدمته ودست ثوب يلبسه صاع من الطعام فلو أيسر بعد الهلال لم يتجدد الوجوب بخلاف الكفارات) * الامر الثالث اليسار فالمعسر لا زكاة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة

(6/169)


العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال فهو موسر ولم يصرح الشافعي رضي الله عنه واكثر الاصحاب في ضبط اليسار والاعسار الا بهذا القدر وزاد الامام فاعتبر في اليسار أن يكون قدر الصاع فاضلا عن مسكنه وعبده الذى يحتاج إليه في خدمته وقال لا يحسب عليه في هذا الباب مالا

(6/170)


يحسب في الكفارة وتابعه المصنف فيما ذكره وانت إذا فحصت عن كتب الاصحاب وجدت اكثرهم ساكتين عن ذلك وقد يغلب على ظنك انه لا خلاف في المسألة والذى ذكره كالبيان والاستدراك
لما اهمله الاولون وربما استشهد عليه بانهم لم يتعرضوا ايضا لدست ثوب يلبسه ولا شك في أنه مبقى

(6/171)


عليه فان الفطرة ليست باشد من الدين وأنه مبقى عليه في الديون لكن الخلاف ثابت فان الشيخ ابا على حكى وجها أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة كما لا يباع في الكفارة ثم انكر عليه وقال لا يشترط في صدقة الفطر أن يكون فاضلا عن كفايته بل المعتبر قوت يومه ويفارق الكفارة لان لها بدلا

(6/172)


ينتقل إليه فخفف الامر فيها ولا بدل للفطرة فمتي قدر عليه بوجه ما لزمه القضاء كقضاء الدين وذكر في التهذيب ايضا ما يوجب اثبات وجهين في المسألة والاصح عنده الاول كما في الكتاب وقد احتج له بقول الشافعي رضى الله عنه ان الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج الي خدمته فعلى الاب ان

(6/173)


يخرج فطرته كما يخرج فطرة الابن ولولا ان العبد غير محسوب لسقط بسببه نفقة الابن ايضا ثم ذكر الامام رحمه الله شيئين (أحدهما) ان كون المخرح فاضلا عن العبد والمسكن وان شرطناه في ابتداء الثبوت فلا نشترطه في الدوام بل إذا ثبتت الفطرة في ذمة انسان بعنا عبده ومسكنه فيها لانها بعد الثبوت التحقت بالديون (والثاني) ان ديون الآدميين تمنع وجوب الفطرة وفاقا كما ان الحاجة الي صرفه

(6/174)


الي نفقة الاقارب تمنعه قال ولو ظن ظان ان دين الآدمى لا يمنعه علي قول كما لا يمنع وجوب الزكاة كان مبعدا هذا لفظه وفيه شئ آخر نذكره في اواخر صدقة الفطر ان شاء الله تعالي جده فعلي هذا يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين ولم يتعرض

(6/175)


له في الكتاب بل لم يتعرض لما اتفقت الكلمة على اعتباره وهو كونه فاضلا عن قوته وقوت من يمونه إلا ان يقال انه تعرض له على سبيل الاشارة فانه إذا اعتبر كونه فاضلا عن العبد والمسكن فاولى ان يكون فاضلا عنه (وقوله) صاع من الطعام لا يخفى انه غير معين وانما المراد قدر صاع من أي جنس كان من المال * وقال ابو حنيفة

(6/176)


رحمه الله اليسار المعتبر في الباب ان يكون مالكا لنصاب زكوى ومالك واحمد وافقانا علي عدم اعتباره لان الحق المالي الذى لا يزيد بزيادة المال لا يعتبر فيه وجود النصاب كالكفارات ثم اليسار انما يعتبر وقت الوجوب فلو كان معسرا عنده ثم ايسر فلا شئ عليه لان وجود الشرط

(6/177)


بعد فوات الوقت لا يغنى ولو وجد بعض أسباب الكفارات من الشخص وهو عاجز عن جميع خصالها ثم قدر فعليه أن يكفر لان الوجوب قد ثبت ثم والاداء موقوف على القدرة وفيه خلاف يذكر في موضعه (وقوله) فلو أيسر بعد الهلال هذا التصوير مفرع علي قولنا ان وقت الوجوب الاستهلال وقد سبق له نظير (وقوله) لم يتجدد الوجوب فيه ضرب من التوسع إذ لم يكن في الابتداء

(6/178)


وجوب حتي يفرض تجدده أو عدم تجدده والمراد منه لم يثبت الوجوب وليكن معلما بالميم لان القاضى الرويانى وصاحب البيان رويا عن مالك انه إن أيسر يوم الفطر وجب عليه الفطرة (وقوله) بخلاف الكفارات أي علي ظاهر المذهب وهو ان الوجوب ثابت إذا قدر بعد العجز عن جميع الخصال وإلا فهما متفقان في الحكم *

(6/179)


قال (ولو كان الفاضل نصف صاع وجب اخراجه على أحد الوجهين ولو كان الفاضل صاعا ومعه زوجته وأقاربه أخرج عن نفسه علي الاصح وقيل عن زوجته لان فطرتها دين والدين يمنع وجوب الزكاة وقيل يتخير ان شاء أخرج عن واحد وان شاء وزع وقيل لا يجوز التوزيع ولكن

(6/180)


يخرج عمن شاء ولو كان الفاضل صاعا وله عبد اخرج عن نفسه وهل يلزمه بيع جزء من العبد في زكاة نفس العبد فيه خلاف ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته وله اقارب قدم من تقدم نفقته فان استووا فيتخير أو يقسط فيه وجهان) *

(6/181)


في الفصل فروع (احدها) لو فضل عمالا يحتسب عليه بعض صاع من نصف وثلث وغيرهما فهل يلزمه اخراجه فيه وجهان مرويان عن أبي اسحق (أحدهما) لا كما إذا لم يجد الا نصف رقبة لا يجب اعتاقه في الكفارة وكذا لو لم يقدر الا علي إطعام خمسة مساكين أو كسوتهم (وأصحهما) نعم محافظة على

(6/182)


الواجب بقدر الامكان ويخالف الكفارة من وجهين (أحدهما) ان الكفارة لا تتبعض والفطرة تتبعض في الجملة ألا ترى انه لو ملك نصف عبد يلزمه نصف صاع (والثاني) ان الكفارة لها بدل والفطرة لا بدل لها فصار كما لو جد ما يستر به بعض العورة يلزمه لتستر به حتى لو انتهي في الكفارة إلي المرتبة الاخيرة

(6/183)


وهى الاطعام ولم يجد الاطعام ثلاثين قال الامام يتعين عندي اطعامهم قطعا (الثاني) لو فضل صاع وهو يحتاج إلي إخراج فطرة نفسه وله زوجة وأقارب ففيه وجوه (أصحها) انه يلزمه تقديم نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " (والثاني) انه يلزمه تقديم زوجته لتأكد حقها وثبوته بالعوض ولهذا تستقر نفقتها في الذمة بخلاف نفقة غيرها * واحتج في الكتاب لهذا الوجه بأن فطرتها دين والدين

(6/184)


يمنع وجوب هذا الزكاة (أما) كون الدين مانع لهذه الزكاة (فوجهه) ما سبق في الفصل الذى قبل هذا (وأما) المقدمة الاولى فلصاحب الوجه الاول أن يقول ان ادعيت ان فطرتها دين والحالة هذه فهو ممنوع بل عندي لا يلزم فطرتها إلا إذا فضل عن فطرة نفسه شئ وإن لم يتعرض لهذه الحالة فكما ان فطرتها دين في الجملة ففطرة نفسه وأقاربه دين في الجملة فلم يمنع فطرتها وجوب فطرة غيرها

(6/185)


ولا ينعكس (والثالث) انه يتخير ان شاء اخرج عن نفسه وان شاء أخرج عن غيره لاستواء الكل في الوجوب ويحتج لهذا الوجه بقوله في المختصر فان لم يكن عنده بعد القوت لليوم إلا ما يؤدى عن بعضهم أدى عن بعضهم أطلق الاداء عن البعض اطلاقا وهذا الوجه أرجح عند القاضى الرويانى إذا قلنا به فلو أراد أن
يوزع الصاع هل له ذلك نقل في النهاية فيه وجهين (وجه) الجواز صيانة البعض عن الحرمان ووجه

(6/186)


المنع وهو الاصح نقصان المخرج عن قدر الواجب في حق الكل مع انه لا ضرورة إليه والوجهان على قولنا ان من لا يجد إلا بعض صاع يلزمه إخراجه فان لم يلزمه لم يجز التوزيع جزما وأورد المسعودي وجه التوزيع إيرادا يشعر بأنه يتعين ذلك محافظة علي الجوانب والله أعلم (الثالث) لو فضل صاع وله عبد صرفه الي نفسه وينظر في العبد ان كان محتاجا إلي خدمته فهل عليه أن يبيع جزءا منه في فطرته

(6/187)


فيه وجهان موجهان بطريقين (أحدهما) توجيه الزام البيع بأنه مبيع في الدين فكذلك ههنا بخلاف الكفارة فان لها بدلا وتوجيه الآخر بأن تكليفه إزالة الملك عته مع انه محتاج إليه إضرار به وهذا ما أورده في التهذيب (والثاني) توجيه الالزام بالقياس علي سائر الاموال المبيعة في الفطرة وتوجيه الآخر بأن الفاضل ينبغي أن يكون غير ما عنه يخرج وهذا ما أشار إليه الامام ويحسن أن يرتب فيقال

(6/188)


(ان قلنا) الفطرة يجب أن تفضل عن عبد الخدمة فلا يباع شئ منه (وإن قلنا) لا يجب ذلك فوجهان للمأخذ الثاني وإن كان العبد مستغنى عنه جرى الخلاف بالنظر إلى المأخذ الثاني وإذا وقع السؤال عن مطلق العبد حصل في الجواب ثلاثة أوجه وهكذا أورد الامام رحمه الله (ثالثها) الفرق بين عبد الخدمة والعبد المستغي عنه وهو الاظهر وصور صاحب الكتاب المسألة في الوسيط فيما إذا

(6/189)


كان العبد مستغني عنه وربما أوهم ذلك تقييد الخلاف به ولا شك في انه لا يتقيد انما الكلام في انه هل يجزئ فيه الرابع لو فضل صاعان عن قدر الحاجة وفى نفقته جماعة فهل يقدم نفسه بواحد أم يتخير فيه وجهان لا يخفى خروجهما مما سبق الاصح انه يقدم نفسه ثم في الصاع الثاني ينظر ان كان من نفقته أقارب فيقدم منهم من يقدم في النفقة والقول في مراتبهم خلافا ووفاقا موضعه

(6/190)


كتاب النفقات فان استووا فيتخير أم يقسط فيه وجهان وتوجيههما ما سبق ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة فانها توزع في مثل هذه الحالة ولم يتعرضوا للاقراع ههنا وله مجال في نظائره (وقوله) في الكتاب ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته أي ونفقة من في نفقته وأراد به ما إذا فضل صاعان علي ما أوضحناه لكن فرع في التصوير علي الاصح وهو انه يقدم نفسه بصاع فان اجتمعت الزوجة مع الاقارب

(6/191)


ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تقديم القريب لان علقته لا تنقطع وعلقة الزوجية؟ بعرض لها الانقطاع ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة رحمه الله (وأصحهما) تقديم الزوجة لان نفقتها آكد ألا ترى انها لا تسقط بمضي الزمان (وثالثها) التخير وعلى الاصح فلو فضل صاع ثالث فاخراجه عن أقاربه على ما سبق

(6/192)


فيما إذا تمحضوا وظاهر المذهب من الخلاف الذى ذكرناه ومما أخرناه إلى النفقات انه يقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الاب ثم الام ثم ولده الكبير والله أعلم * قال (الطرف الثالث في الواجب وهو صاع مما يقتات والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث بالبغدادي) *

(6/193)


الواجب في الفطرة من كل جنس يخرجه صاع وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله إذ قال يكفى من الحنطة نصف صاع وعنه في الزبيب روايتان * لنا ما روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت " 1 والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث فيكون الصاع بالارطال خمسة وثلثا * وقال

(6/194)


أبو حنيفة رحمه الله الصاع ثمانية أرطال أربعة أمناء * لنا نقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبى يوسف رحمهما الله فيه قصة مشهورة 1 وجملة الصاع بالوزن ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث
درهم قال ابن الصباغ وغيره والاصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا وقوله في الكتاب

(6/195)


مما يقتات غير مجرى علي ظاهره لا في شمول الحكم لكل مقتات ولا في قصره عليه أما الاول فلان الاقوات النادرة كالفث وحب الحنظل وغيرهما لا يجرى نص عليه وقد بين في الكتاب ذلك بقوله من بعد والقوت ما يجب فيه العشر أي يعنى بالقوت ههنا ذلك وأما الثاني فلما سيأتي في الاقط ويجوز اعلام قوله مما يقتات بالواو لما سيأتي *

(6/196)


قال (والقوت كل ما يجب فيه العشر وفى الاقط قولان للتردد في صحة حديث ورد فيه فان صح فاللبن والجبن في معناه المخيض والسمن ثم لا يجزئ المسوس والمعيب ولا الدقيق فانه بدل وقيل انه أصل) *

(6/197)


غرض الفصل الكلام في جنس المخرج والذي سبق كان في قدره وكل ما يجب فيه العشر فهو صالح لاخراج الفطرة منه فمن أنواعه ما هو منصوص عليه في الخبر ومنها ما هو مقيس عليه وذكر الموفق ابن طاهر ان صاحب الافصاح حكى عن القديم قولا انه لا يجزئ إخراج العدس والحمص في الفطرة

(6/198)


لانهما ادامان والمذهب الاول وفى الاقط طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه علي قولين (أحدهما) انه لا يجوز اخراجه لانه اما غير مقتات أو مقتات لا عشر فيه فأشبه الفث وما إذا اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها وبهذا قال أبو حنيفة إلا أن يخرجه بدلا بالقيمة (والثاني) وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله يجوز لحديث أبي سعيد وكلام الامام يقتضى ترجيح القول الاول وصغو

(6/199)


الاكثرين إلى ترجيح الثاني ويحكى ذلك عن القاضى أبى حامد وبه أجاب منصور التميمي في المستعمل (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بالجواز وانما علق القول فيه حين لم يصح الخبر
عنده فلما صح جزم به فان جوزنا فقد ذكر في الكتاب ان الجبن واللبن في معناه وهذا أظهر الوجهين وفيه وجه ان الاخراج مهما لا يجزئ لان الخبر لم يرد بهما ويشبه أن يكون هذا الخلاف جاريا

(6/200)


في إخراج من قوته الاقط واللبن والجبن لما بينهما من التقارب كأنهما جنس واحد وفى اخراج من قوته اللبن اللبن (أما) الاول فلان أصحابنا العراقيين حكوا عن القاضي أبى الطيب جواز اخراج اللبن مع وجود الاقط لانه يصلح للاقط وغيره وعن الشيخ أبى حامد انه لا يجزئ اللبن مع وجود الاقط

(6/201)


لانه يصلح للادخار واللبن لا يصلح له ففرض الخلاف في حالة وجود الاقط يدل علي ما ذكرناه: وأما الثاني فلان صاحب التهذيب حكي في الذين قوتهم اللبن ان في اخراجهم اللبن وجهين علي قولنا يجوز اخراج الاقط واتفقوا علي أن اخراج المخيض والمصل والسمن لا يجزئ لان الاقتيات انما يحصل عند اجتماع جزئي اللبن وهذه الاشياء لا تصلح للاقتيات حتى لو كان الجبن منزوع الزبد لم يكن

(6/202)


مجزئا أيضا ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يجزئ المسوس والمعيب من هذه الاجناس كما لا يجزئ المعيب في سائر الزكوات وإذا جوزنا الاقط لم يجز إخراج المملح الذى أفسد كثرة الملح جوهره لانه معيب وإن لم يفسد جوهره لكن كان الملح ظاهرا عليه فالملح غير محسوب والشرط أن يخرج قدر ما يكون محض الاقط منه صاعا ويجزئ الحب القديم وان قلت قيمته بسبب القدم إذا لم يتغير

(6/203)


طعمه ولونه (الثانية) لا يجزئ الدقيق ولا السويق ولا الخبز لان النص ورد بالحب وانه يصلح لما لا تصلح له هذه الاشياء فوجب اتباع مورد النص ولهذا منعنا إخراج القيمة وقال الانماطى يجزئ الدقيق قال ابن عبدان ويقتضي قوله إجزاء السويق وقياسه تجويز الخبز أيضا قال وهذا هو الصحيح لان المقصود اشباع المساكين في هذا اليوم ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) والقوت كل

(6/204)


ما يجب فيه العشر ليس المراد منه ان القوت هذا علي الاطلاق فان لفظ القوت يقع علي غيره ألا ترى أن الشافعي رضى الله عنه سمي الفث قوتا وإن لم يجب فيه العشر وانما المراد منه ان لفظ القوت إذا استعملناه في هذا الباب عنينا به ما يجب فيه العشر ثم نظم الكتاب يقتضى حصر الاجزاء فيما يجب فيه العشر لانه قال الواجب صاع مما يقتات ثم قال والقوت ما يجب فيه العشر

(6/205)


وإنما يثبت الحصر إذا لم يحكم باجزاء الاقط وهو الاظهر عند الامام فلعل حجة الاسلام رحمه الله نحى نحوه لكن صغو الاكثرين الي أجزائه كما بيناه (وقوله) وفى الاقط قولان معلم بالواو للطريقة المعزية إلي أبي اسحق (وقوله) للتردد في صحة حديث ورد فيه أراد به ما ذكره الامام انه روى

(6/206)


في بعض الروايات " أو صاعا من اقط " وليست هذه الرواية على الحد المرتضى عند الشافعي رضى الله عنه وليست علي حد التزييف عنده فتردد لذلك قوله (وقوله) فان صح فاللبن والجبن في معناه أي في ثبوت حكم الاجزاء وإلا فمطلق كونه في معناه غير مشروطه بالصحة بل ان صح فيشتركان في الاجزاء وان

(6/207)


لم يصح ففي عدم الاجزاء ثم هو معلم بالواو لما سبق (وقوله) ولا الدقيق بالحاء والالف وكذا قوله بانه بدل فان عندهما هو مجزئ وهو أصل وأشار بقوله فانه بدل الي ان الابدال غير مجزئة في الزكاة علي أصلنا وهذا من جملتها لانه غير المنصوص عليه (وقوله) وقيل انه أصل هو الذى حكيناه عن الانماطي ونقل الامام الخلاف في الدقيق قولين عن رواية العراقيين وذكر انه مأخوذ من الاقط المضاف إلى اللبن *

(6/208)


قال (ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب يوم الفطر في قول وجنس قوته علي الخصوص في قول وقيل يتخير في الاقوات وإذا تعين فلو أبدل بالاشرف جاز كابدال الشعير بالبر ولو كان اللائق بحاله الشعير فأكل البر أو بالعكس جاز أخذ ما يليق بحاله ولو اختلف قوت مالكي عبد

(6/209)


واحد لم يكن باختلاف النوعين باس وقيل يجب علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف حذرا من التنويع) * هل يتخير مخرج الفطرة بين الاجناس المجزئة قال العراقيون والشيخ أبو علي فيه وجهان وقال

(6/210)


المسعودي وطائفة قولان (أحدهما) انه يتخير لظاهر قوله في الخبر " صاعا من تمر أو صاعا من شعير " وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الاصح عند القاضي الطبري فيما حكى القاضي الروياني (وأصحهما) عند الجمهور انه لا يتخير وكلمة أو محمولة علي بيان الانواع كما في قوله تعالي (ان يقتلوا أو يصلبوا

(6/211)


أو تقطع) فانه ليس للتخير وإنما هو لبيان انواع العقوبة المختلفة بحسب اختلاف الجريمة وعلي هذا فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان المعتبر غالب قوت البلد فان كان بالحجاز أخرج التمر وان كان ببلاد العراق أو خراسان فالحنطة وإن كان بطبرستان أو جيلان فالارز

(6/212)


ووجهه قوله صلي الله عليه وسلم " اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم " ولو صرف إليه غير القوت الغالب لما كان مغنى عن الطلب فان الظاهر انه يطلب القوت الغالب في البلد وبهذا قال مالك (والوجه الثاني) وبه قال أبو عبيد بن حربويه ان المعتبر قوته علي الخصوص كما ان في الزكاة يعتبر نوع ماله لا الغالب

(6/213)


قال ابن عبدان وهذا هو الصحيح عندي ويتعلق بهذا الاختلاف فروع (أحدها) إذا تعين جنس أما لكونه غالب قوت البلد أو لكونه غالب قوته فليس المراد منه انه لا يجوز العدول عنه بحال بل المراد انه لا يجوز العدول إلى ما هو أدني منه اما لو عدل إلى الاعلي فهو جائز بالاتفاق فان قيل إذا عينا جنسا فهلا امتنع

(6/214)


العدول إلى غيره وان كان أعلا كما أن الفضة لما تعينت في الفضة امتنع العدول الي الذهب وكذلك يمتنع العدول من الغنم إلي الابل فيجوز أن يقال في الجواب الزكوات المالية متعلقة بالمال فأمر بأن يواسى الفقير مما
واساه الله تعالي والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها إلي ما هو غذاء البدن وبه قوامه والاقوات متشاركة

(6/215)


في هذا الغرض وتعيين شئ منها رفق وترفيه فإذا عدل الي الاعلى كان في غرض هذه الزكاة كما لو أخرج كرائم ماشيته وفيما يعتبر به الادنى والاعلي وجهان (أحدهما) ان النظر إلي القيمة لانه ما كان

(6/216)


أكثر قيمة كان أرفق بالمساكين وأشق علي المالك وبهذا قال احمد فيما حكاه القاضى الروياني (وأظهرهما) ان النظر الي زيادة صلاحية الاقتيات فعلي الاول يختلف الحال باختلف البلاد والاوقات إلا أن يعتبر زيادة القيمة في الاكثر وعلي الثاني البر خير من التمر والارز ورجح في التهذيب الشعير أيضا علي التمر وعن الشيخ أبي محمد رحمه الله أن التمر خير منه وله في الزبيب والشعير وفى التمر والزبيب

(6/217)


تردد قال الامام والاشبه تقديم التمر علي الزبيب (الثاني) إذا قلنا المعتبر قوت كل شخص بنفسه وكان يليق بحاله البر وهو يقتات الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق بحاله الشعير لكنه كان يتنعم باقيات البر فهل يجزئه الشعير فيه وجهان (أحدها) لا نظرا إلي اعادته (واصحهما) نعم نظرا الي اللائق بامثاله ويشبه أن يرجع هذا الخلاف الي اختلاف عبارتين للاصحاب في حكاية وجه ابن حربوبه فحكي

(6/218)


بعضهم أن المعتبر قوت الشخص في نفسه وحكى آخرون أن المعتبر القوت اللائق بامثاله فعلي الثانية يجزئ الشعير وعلي الاول لا يجزئ (والثانية) هي التى أوردها الصيدلاني وجمع صاحب التهذيب بينهما ورجح الثانية (الثالث) قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين فيجزئه كما إذا اخرج عن احد عبديه أو قريبيه من غالب قوت البلد إن اعتبرناه أو من

(6/219)


غالب قوته ان اعتبرناه وعن الآخر من جنس أعلا منه وكذا لو ملك نصفين من عبدين فأخرج نصف صاع عن احد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس اعلا منه وإذا خيرنا بين
الاجناس فله اخراجها من جنس بكل حال ولا يجوز أن يخرج الواحد عن الواحد الفطرة من جنسين

(6/220)


وان كان احدهما اعلا من الواجب كما إذا وجب الشعير فأخرج نصف صاع منه ونصفا من الحنطة ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه وبه قال ابو حنيفة * لنا ظاهر الحديث " فرض النبي صلي الله عليه

(6/221)


وسلم صاعا من شعير أو صاعا من تمر " وإذا بعض لم يخرج صاعا من تمر ولا صاعا من شعير وايضا فانها واجب واحد فلا يجوز تبعيضه كمالا يجوز في كفارة اليمين ان يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو ملك رجلان عبدا فان

(6/222)


خيرنا بين الاجناس أخرجا ما شاء بشرط اتحاد الجنس وان أوجبنا غالب قوت البلد وكانا في بلد واحد أخرجا بحسب الملك صاعا منه هكذا أطلقوه وهو محمول علي ما إذا كان العبد عندهما أيضا لانه إذا كان غائبا وجب النظر في ان الفطرة تجب علي السيد ابتداء أم هو متحمل لما سنرويه عن الشيخ أبى على ولان صاحب التهذيب حكي انه لو كان له عبد غائب وقوت بلده يخالف قوت بلد العبد

(6/223)


فالواجب قوت بلده أو قوت بلد العبد يخرج علي الاصل المذكور وان كان السيدان في بلدين مختلفى القوت واعتبرنا قوت الشخص بنفسه وختلف قوتهما ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق وابن الحداد انه يجوز أن يخرج كل واحد منهما قدر ما يلزمه من قوته أو قوت بلده لانهما إذا أخرجا هكذا أخرج كل واحد منهما جميع ما لزمه من جنس واحد وشبه ذلك بما إذا قتل ثلاثة من المحرمين

(6/224)


ظبية فذبح أحدهم ثلاث شياه واطعم الثاني بقيمة ثلاث شياه وصام الثالث عدل ذلك يجزئهم (والثاني) وبه قال ابن سريج لا يجوز ذلك لان المخرج عنه واحد فلا يتبعض واجبه وعلي هذا فوجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الامام والمصنف ان علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف احترازا من التفريق ومحافظة على جانب المساكين (والثاني) ان صاحب الاشرف ينزل ويوافق صاحب الاردإ دفعا للضرر عنه وهذا

(6/225)


حكاه القاضي الروياني وغيره عن ابن سريج قال الشيخ ابو على الوجهان عندي في الاصل مخرجان علي أن فطرة العبد تجب على السيد ابتداء أو هو متحمل (ان قلنا) بالاول جاز التبعيض (وان قلنا) بالثاني فلا لان العبد واحد لا يلزمه الفطرة من جنسين والشئ لا يتحمل ضمانا الا كما وجب * ذكر الشيخ هذا فيما إذا اعتبرنا قوت الشخص في نفسه واختلف قوتهما ولقائس أن يخرج الوجهين إذا اعتبرنا قوت البلد وكانا مختلفى القوت علي هذا الاصل أيضا ثم ان كان العبد في بلد أحدهما

(6/226)


فعلي التقدير الثاني يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد وان كانا في بلد ثالث يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد الثالث وهذا وجه قد رواه صاحب الشامل وآخرون مرسلا قالوا يخرجان صاعا من قوت بلد العبد ولو كان الاب في نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة نه كالقول في السيدين وكذا من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أوجبنا عليه نصف الفطرة على التفصيل الذى سبق فيه فعند ابن الحداد

(6/227)


يجوز أن يخرجا من جنسين وعند ابن سريج لا يجوز (الرابع) ان أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أصنافا مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فله أن يخرج ما شاء والافضل أن يخرج من الاشرف * ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفط الكتاب (أما) قوله ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب معلم بالحاء (وقوله) وجنس قوته بالحاء والميم (وقوله) يتخير بالميم لما رويناه ويجوز اعلامها جميعا بالالف

(6/228)


وكذا اعلام قوله قبل هذا الفصل مما يقتات لان ابن الصباغ روى عن احمد انه لا يجوز أن يخرج الا من الاجناس الخمسة المنصوص عليها أي في حديث أبى سعيد (وقوله) القوت الغالب يوم الفطر التقييد بيوم الفطر لم أظفر به في كلام غيره وبين لفظه ههنا ولفظه في الوسيط بعض المباينة لانه قال فيه المعتبر غالب قوت البلد في وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة (وقوله) وجنس قوته علي

(6/229)


الخصوص ظاهره يشعر بالعبارة الاولي من العبارتين الحاكيتين لوجود ابن حربويه وتسمية الاول والثانى قولين لا تكاد يوجد لغيره وانما حكاهما الجمهور وجهين (وأما) قوله وقيل يتخير فمنهم من حكاه قولا علي ما سبق (وقوله) ولو كان اللائق بحالة الشعير يتفرع علي اعتبار قوت الشخص دون اعتبار القوت الغالب وإن كان معطوفا علي ما يتفرع عليهما جميعا (وقوله) أخذ مما يليق يحاله يجوز إعلامه بالواو لاحد الوجهين

(6/230)


في الصورة الاولي انه يتعين إخراج البر (وقوله) ولو اختلف قوت مالكى عبد تفريع للمسألة علي اعتبار قوت الشخص وهو صحيح لكنها لا تختص بل تتفرع على أن المعتبر غالب قوت البلد أيضا على الوجه الذى تقدم واطلاق النوع في المسألة توسع والمراد الجنس * {خاتمة} في باب الفطرة مسائل ذات وقع منصوص عليها في المختصر أهملها المصنف ونحن

(6/231)


لم نؤثر الاعراض عنها (احداها) إذا باع عبدا بشرط الخيار فوقع وقت الوجوب في زمان الخيار (إن قلنا) الملك في زمان الخيار للبائع فعليه فطرته وان أمضى البيع (وان قلنا) للمشترى فعليه فطرته وان فسخ البيع وان توقفنا فان تم البيع فعلي المشترى والا فعلي البائع وان تبايعا ووقع وقت الوجوب في مجلس الخيار كان كما لو وقع في زمان الخيار المشروط

(6/232)


(الثانية) لو مات عن رقيق ثم أهل شوال فان لم يكن عليه دين أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل بقدر حصته وان كان عليه دين يستغرق التركة فالذي نقله المزني ان عليهم الفطرة من غير فرق بين أن يباع في الدين أو لا يباع وعن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان عليهم اخراج الفطرة ان بقى الرقيق لهم فجعلوا المسألة علي قولين إذا بيع في الدين * وجه الوجوب انه ملكهم الا انه غير مستقر وذلك لا يمنع وجوب الفطرة فانها تجب مع انتفاء الملك أصلا ورأسا فأولى أن تجب مع ضعف

(6/233)


الملك ووجه المنع ان ايجاب الفطرة مع نقصان الملك وكونه بعرض الزوال اجحاف بهم وبنى
الاكثرون المسألة أولا علي اصل وهو أن الدين هل يمنع انتفاء الملك في التركة الي الورثة فظاهر المذهب.
وهو نصه ههنا انه لا يمنع لانه ليس فيه أكثر من تعلق الدين به وذلك لا يمنع الملك كما

(6/234)


في المرهون والعبد الجاني وقال الاصطخرى يمنع وربما جعل هذا قولا ضعيفا للشافعي رضى الله عنه ووجهه ان لله تعالى جده قدم الدين علي الميراث حيث قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فان قلنا بالاول فعليهم فطرته بيع في الدين أو لم يبع وفهمت من كلام الامام أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المرهون والمغصوب

(6/235)


(وان قلنا) بالثاني فان بيع في الدين فلا شئ عليهم وإلا فعليهم الفطرة وفى الشامل حكاية وجه مطلق انه لا شئ عليهم ويشبه أن يكون مأخذهما ما حكاه الامام ان أكثر المفرعين علي المذهب المنسوب الي الاصطخرى

(6/236)


يقولون بالتوقف أن صرف العبد إلى الدين بان انهم لم يملكوها وان أبرأ أصحاب الديون أو قضاها الورثة من غير التركة بان انهم ملكوها وان بعضهم قال بثبوت الملك للورثة عند زوال الديون ابتداء من غير اسناد وتبين وعن القاضى أبى الطيب ان فطرته تجب في تركة السيد علي أحد القولين كالعبد

(6/237)


الموصي بخدمته هذا إذا مات السيد قبل استهلال الهلال وإن مات بعده ففطرة العبد واجبة عليه كفطرة نفسه وتقدم علي الوصايا والميراث وفى تقديمها علي الديون طريقان (أظهرهما) انه علي ثلاثة أقوال علي ما قدمناها في زكاة المال (والثانى) القطع بتقديم الفطرة لانها متعلقة بالعبد واجبة بسببه فصار كارش جنايته (وأما) فطرة نفسه فهى علي الاقوال وحكى القاضى الروياني طريقة أخرى قاطعة بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها

(6/238)


في الغالب وسواء أثبتنا الخلاف أم لا فالمنصوص عليه في المختصر تقديم الفطرة على الدين وذلك انه قال ولو مات بعد ما أهل شوال وله رقيق فزكاة الفطر عنه وعنهم في ماله مبداة علي الديون ولك أن تحتج بهذا النص علي خلاف ماقاله الامام وتابعه المصنف لان سياقه يفهم أن المراد مااذا طرأت الفطرة علي الدين الواجب
وإذا كان كذلك لم يكن الدين مانعا منها وبتقدير الا يكون هو المراد لكن اللفظ مطلق يشمل ما إذا طرأت الفطرة علي الدين وبالعكس فاقتضى ذلك ألا يكون الدين مانعا (الثالثة) أوصى لانسان

(6/239)


بعبد ومات الموصي بعد مضى وقت الوجوب فالفطرة في تركته وان مات قبله وقبل الموصى له الوصية قبل الهلال فالفطرة عليه وان لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب فعلي من الفطرة يبني علي أن الموصى له متى يملك الوصية (ان قلنا) يملكها بموت الوصي فان قبل فعليه الفطرة بلا شك وان رد ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو علي (أصحهما) الوجوب لانه كان مالكا للعبد إلى أن رد (والثاني) لا لعدم استقرار ملكه (وان قلنا) انها تملك بالقبول فيبنى علي أن الملك قبل القبول لمن يكون

(6/240)


وفيه وجهان (أصحهما) انه للورثة فعلى هذا ففي الفطرة وجهان (أصحهما) انها عليهم (والثاني) لا لانا تبينا بالقبول ان ملكهم لم يستقر عليه (والوجه الثاني) انه باق على ملك الميت

(6/241)


فعلى هذا لا تجب فطرته علي أحد لان إيجابها على الميت ابتداء بعيد وغيره غير مالك وفى التهذيب حكاية وجه آخر انها تجب في تركته (وان قلنا) بالتوقف فان قبل فعليه الفطرة والا فعلى الورثة هذا

(6/242)


كله إذا قبل الموصى له ولو مات قبل القبول وبعد وقت الوجوب فقبول وارثه يقوم مقام قبوله والملك يقع له فحيث أوجبنا عليه الفطرة لو قبلها بنفسه فهي في تركته إذا قبل وارثه فان لم يكن له

(6/243)


سوى العبد تركة ففى بيع جزء منه للفطرة ما سبق ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه فالصدقة علي الورثة إذا قبلوا لان وقت الوجوب كان في ملك الورثة والله اعلم (واعلم) أن حجة الاسلام رحمه

(6/244)


الله وان أهمل هذه المسألة الثالثة في هذا الموضع الا انه أشار إليها اشارة خفيفة في آخر الباب الاول

(6/245)


من كتاب الوصايا وفقهها على الاختصار ما أتيت به *

(6/246)