فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

* قال * (كتاب الجنائز) * (المحتضر يستقبل به القبلة فيلقى علي قفاه (ح م) واخمصاه الي القبلة ويلقن كلمة الشهادة ويتلي عليه سورة يسن وليكن هو في نفسه حسن الظن بربه تعالى جده) * يستحب لكل أحد ذكر الموت قال صلي الله عليه وسلم (اكثر واذكرها ذم اللذات) يعنى الموت

(5/104)


وينبغي أن يكون مستعدا له بالتوبة ورد المظالم فربما ياتيه فجاة وكل ذلك للمريض آكد ويستحب له الصبر على المرض والتداوى وترك الانين ما أطاق ويستحب لغيره عيادته ان كان مسلمال وان كان ذميا جازت عيادته ولا يستحب الا لقرابة أو جوار ونحو هما ثم العائد ان رأى امارة البرء دعا للمريض وانصرف وان رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية إذا عرفت ذلك فغرض الفصل

(5/105)


الكلام في آداب المحتضر وقد ذكر منهما اربعة (أحدها) أن يستقبل به القبلة وفي كيفيته وجهان (أحدهما) انه يلقي علي قفاه واخمضاه إلى القبلة كالموضوع علي المغتسل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يضجع علي جنبه الايمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد لانه أبلغ في الاستقبال

(5/106)


والوجه الاول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني اظهر عند الكثيرين ولم يذكر اصحابنا العراقيون سواه وحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه واحتجوا له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال
(إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) واستثنوا ما إذا ضاق المكان فلم يمكن وضعه علي جنب أو كان به علة تمنع من ذلك فحينئذ يلقى علي قفاه ويجعل مستقبلا بوجهه ورجليه (والثاني) تلقين كلمة الشهادة

(5/107)


قال صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتا كم قول لا إله إلا الله) وقال من كان آخر كلامه لا اله

(5/108)


الا الله دخل الجنة) والاحب أن لايح الملقن عليه ولا يواجهه بان يقول قل لا اله الا الله ولكن يذكر الكلمة بين يديه ليتذكرها فيذكرها أو يقول ذكر الله تعالي مبارك فنذكر الله جميعا ويقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وإذا قال مرة لا تعاد عليه الا أن يكلم بعدها بكلام

(5/109)


والاحب أن يلقن غير الورثة فان لم يحضر غيرهم لقن اشفقهم عليه (والثالث) تتلي عليه سورة يسن لما روى انه صلي الله عليه وسلم: قال (اقرؤ اين علي موتاكم) واستحب بعض التابعين المتأخرين قراءة سورة الرعد عنه ايضا (والرابع) ينبغى ان يكون حسن الظن بالله عزوجل لما روى جابر

(5/110)


رضى الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن احدكم

(5/111)


الا وهو يحسن الظن بالله عزوجل) ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى جده قال (ثم إذا مات تغمض عيناه ويشد لحياه بعصابة وتلين مفاصله ويستر بثوب خفيف ويوضع علي بطنه سيف أو مرآة)

(5/112)


هذا الفصل في الآداب المشروعة بعد الموت وقبل الغسل (اولها) ان يغمض عيناه لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (اغمض أبا سلمة) لما مات ولانه لو لم يغمض لبقيت عيناه مفتوحتين
وقبح منظره (وثانيها) أن تشد لحياه بعصابة عريضة تأخذ جميع لحييه ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى فمه منفتحا فتدخله الهوام (وثالثها) ان تلين مفاصله بان يرد المتعهد ساعده إلى عضده ثم يمدها ويرد ساقيه الي فخذيه وفخذيه الي بطنه ثم يردها ويلين اصابعه ايضا ليكون الغسل اسهل فان في البدن بعد مفارقة الروح بقية حرارة ن الينت المفاصل في تلك الحالة لانت والا لم يمكن تليينها بعد ذلك (ورابعها) يستر جميع بدنه بثوب خفيف لما روى انه صلي الله عليه وسلم (لما تو في سجي ببرد حبرة) ولا يجمع

(5/113)


عليه اطباق الثياب حتى لا يتسارع إليه الفساد ويجعل اطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف (وخامسها) يوضع علي بطنه شئ ثقيل من سيف أو مرآة أو نحوهما فان لم يكن حديد فقطعة طين رطب لئلا ينتفخ ويصان المصحف عنه فهذه الخسمة هي المذكورة في الكتاب ويتولي هذه الامور ارفق محارمه به باسهل ما يقدر عليه (ومنها) ان يوضع علي شئ مرتفع من سرير ونحوه لئلا تصيبه نداوة الارض فيتغير (ومنها) ان يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) ان ينزع عنه ثيابه التى مات فيها فانه علي ما حكى يسرع إليه الفساد (ومنها) أن يبادر إلي قضاء دينه وتنفيذ وصيته ان تيسر ذلك في الحال (ومنها) أن يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) أن ينزع عنه ثيابه التي مات فيها فانها علي ما حكي تسرع إليه الفساد قال (ثم يشتغل بغسله واقله امرار الماء علي جميع اعضائه وفي وجوب النية علي الغاسل وجهان فان أوجبنا لم تصح من الكافر وأعيد غسل الغريق) يستحب المبادرة إلي الغسل والتجهيز عند تحقق الموت وذلك بان يكون به علة وتظهر امارات الموت مثل أن تسترخي قد ماه فلا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغلاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفه من ذراعه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلى الجلدة وعند الشك يتأني الي حصول اليقين وموضعه أن لا يكون به علة ويجوز ان يكون ما أصابه سكتة أو ظهرت امارة فزع واحتمل أنه عرض ما عرض لذلك فيتوقف الي حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره إذا عرفت ذلك فنقول غسل الميت من فروض الكفايات وكذلك التكفين والصلاة عليه والدفن بالاجماع والنظر في لا غسل في شيئين
(أحدهما) في كيفيته (والثاثى) فيمن يغسل النظر الاول في كيفيته والكلام في الاقل والاكمل (اما) الاقل فلا بد من استيعاب البدن بالغسل مرة بعد أن يزال ما عليه من النجاسة ان كانت عليه نجاسة وهل تشترط النية على الغاسل فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه غسل واجب فافتقر الي النية كغسل الجنابة (والثانى) لا لان المقصود من هذا الغسل النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو وانما تشترط في سائر الاغسال على المغتسل والميت ليس من اهل النية وهذا أصح فيما ذكره القاضى الرويانى وغيره ويترتب علي الخلاف صورتان (أحداهما) لو غسل الكافر مسلما هل يجزئ ان فرعنا علي الوجه الاول فلا والا فنعم (والثانية) لو غرق انسان ثم لفظه الماء وظفر نابه ان قلنا بالاول لم يكف ما سبق ووجب غسله وانقلنا بالثاني كفى ذلك

(5/114)


واعرف ههنا ثلاثة أمور (احدها) ان المحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه في الصورة الاخيرة انه يجب الغسل ولا يكفى اصابة الماء اياه ونص فيما إذا غسلت الذمية زوجها المسلم انه يكره ويجوز وهو احد امثلة الصورة الاولي وكأن الوجهين مستنبطان من هذين النصين والظاهر في الصورتين هو الذى نص عليه (اما) في صورة غسل الكافر فهو مستمر علي ما حكينا ان الاصح عدم اشتراط النية (واما) في صورة الغريق فسبب الامر بالغسل انا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الغرض عنا الا بفعلنا (والثانى) ان في قولنا الكافر ليس اهلا للنية اشكالا أشرنا إليه في باب صفة الوضوء (والثالث) ان قوله واعيد غسل الغريق ان كان بضم الغين يقتضى ان يكون اصابة الماء اياه بمجردها غسلا ليكون هذا اعادة له لكن الاليق بتوجه وجوب النية أن لا يوقع اسم الغسل الا علي غسل الاعضاء مع انية والله اعلم قال (واما الاكمل فان يحمل الي موضع خال ويوضع على سرير ولا ينزع قميصه (م ح) ويحتاط في غض البصر عن جميع بدنه الا لحاجة ويحضر ماء بارد (ح) طهور ويبعد الاناء عن المغتسل حذرا من الرشاش ثم يبتدئ بغسل سوأتيه بعد لف خرقة علي اليد وبعد ان يجلس فيمسح على بطنه ليخرج الفضلات ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه ثم يتعهد اسنانه ومنخريه بخرقه مبلولة ثم يوضأ ثلاثا مع امضمضة (ح) والاستنشاق)

(5/115)


الفصل لذكر امور محبوبة مقدمة على نفس الغسل (أحدها) أن يحمل الميت الي موضع خال؟ مستور لا يدخله أحد الا الغاسل ومن لابد من معونته لانه في حياته كان يستتر عند الاغتسال فكذلك يستر بعد موته ولانه قد يكون ببعض بدنه ما يكره ظهوره وذكر القاضى الرويانى وغيره ان للولي أن يدخل ذلك الموضع ان شاء وان لم يغسل ولا اعان ويروى (ان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاه علي والفضل بن عباس رضى الله عنه واسامة بن زيد يتناول الماء والعباس واقف) ثم يوضع علي لوح أو سرير هئ لذلك وليكن موضع رأسه أعلي لينحدر الماء عنه ولا يقف تحته ويغسل في قميص خلافا لابي حنيفة حيث قال الاولى ان يجرد ويروى مثله عن مالك وحكاه القاضي بن كج

(5/116)


وجها عن بعض الاصحاب لنا أنه استر له ولان النبي صلي الله عليه وسلم (غسل قميص) دل انه افضل وليكن القميص باليا أو سخيفا ثم ان كان القميص واسعا ادخل يديه في كميه وغسله من تحته وعلى يده خرقة وان كان ضيقا فتق رؤس الدخاريص وادخل اليد في موضع الفتق فلو لم يحسد قميصا أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السره والركبة وحرم النظر إليه لما روى عن على كرم الله وجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تبرز فخندك ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت) وعند أبى حنيفه يلقى خرقة علي فرجه وفخذه مكشوفة ويكره للغاسل ان ينظر الي شئ من بدنه الا لحاجة بان يريد معرفة المغسول من غيرر المغسول والمعين لا ينظر الا لضرورة (وقوله له) في الكتاب ولا ينزع قميصه غير

(5/117)


هذه العبارة اولي منها لانها توهم كونه في قميص قبل حالة الغسل والمحبوب نزع الثياب المخيطة عنه من حين مات إلي وقت الغسل والقميص الذى يغسل فيه يلبس عند غسله ذكره المسعودي وغيره (الثاني) يحضر ماء بارد في اناء كبير كالحب ونحوه ليغسل به وهو أولي من المسخن الا أن يحتاج الي المسخن لشدة البرد أو لوسخ وغيره وعند أبي حنيفة المسخن اولي بكل حال * لنا أن البارد يشد بدنه والمسخن يرخيه فكان البارد أولي وينبغى أن يبعد الاناء الذى فيه الماء عن المغتسل بحيث
لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل اما من صار إلي قول نجاسة الآدمى بالموت قال لئلا ينجس بالرشاش الذى يصيبه وربما احتج بهذه المسألة على النجاسة (وأما) من نصر القول الصحيح وهو طهارته قال انما يبعد عنه لتكون النفس أطيب في أن لا يتقاطر الماء إليه وأيضا فالماء المستعمل إذا كثر تقاطره فقد يثبت لما يتقاطر إليه حكم الاستعمال فيخرج عن كونه طهورا وأما وصفه الماء المحضر بكونه طهورا ففيه فائدة على طهوره وهى انا نستحب استعمال السدر في بعض الغسلات على ما سيأتي لكن الظاهر ان الفرض لا يسقط به فلا يجوز أن يكون المماء المحضر مغيرا باسدر (والثالث) يعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه اجلاسا رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلي ورائه ويضع يده اليميني على كيفيه وابهامه في نقرة قفاه حتي لا يتمايل راسه ويسند ظهره إلى ركبته اليميني ويمر يده اليسرى علي بطنه امرارا بليغا ليخرج ما فيه

(5/118)


من الفضلات وينبغى أن تكون المجمرة والحالة هذه متقد مة فائحة بالطيبت والمعين يصب عليه ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده علي هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهى ملفوقة باحدى الخرقتين دبره ومذاكريه وعانته كما يستنجي الحى ثم يلقى تلك الخرقة ويغسل يده بماء واشنان ان تلوث (وقوله) في الكتاب ثم يبتدى بغسل سواتية بعد لف خرقة اليد يشعر بانه يغسل السوأتين معا بخرقة واحدة وكذلك ذكر الجمهور وسيحكى ما يفعله بالخرقة الثانية من الخرقتين المعدتين وفي النهاية والوسيط انه يغسل كل سوأة بخرقة ولا شك انه ابلغ في التنظيف (وقوله) ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه فيه اشكال لانه ان كانت عليه نجاسة فازالتها قبل الغسل واجبة علي ما تقدم في غسل الاحياء فلا ينبغى ان يدرج في حد الاكمل ولم يذكر صاحب النهاية لفظ النجاسة في هذا الموضع لكن قال ان كان ببدنه قذر اعتنى به ولف خرقة على يده وغسله (الرابع) إذا فرغ من غسل سوأتيه لف الخرقة الاخرى علي اليد وادخل اصبعه في فيه وامرها على اسنانه بشئ من الماء ولا يقعر فاه وكذا يدخل طرف اصبعه في منخريه بشئ من الماء ليزيل ما فيها من الاذي ثم يوضئه كما يتوضأ الحي ثلاثا ثلاثا ويراعي المضمضة والاستنشاق خلافا لابي حنيفة * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم
(قال للواتي غسلن ابنته ابدأن بمواضع الوضوء منها) وموضع المضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء (ثم لفظ) الكتات وكلام الاكثرين يقتضي ان يكون ادخال الاصبع في الفم والمنخرين غير المضمضة والاستنشاق وانه في الفم بمنزلة السواك وغرضه التنظيف وفي الشامل وغيره ما يدل على ان المضمضة والاستنشاق ليسا وراء ذلك والظاهر الاول ثم يميل رأسه في المضمضة والاستنشاق حتي لا يصل الماء الي باطنه وهل يكتفى بوصول الماء الي مقاديم الشعر والمنخرين ام يوصل الماء الي الداخل حكي امام الحرمين فيه ترددا الخوف وصول الماء إلى جوفه وتأثيره في تسارع الفساد إليه وقطع بانه لو كانت اسنانه متراصة لم يكلف فتحها *

(5/119)


قال (ثم يتعهد شعره بمشط واسع الاسنان ثم يضجع علي جنبه الايسر ويصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع علي شقه الايمن ويصب الماء علي الشق الايسر وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا فان حصل الانقاء والا فخمس أو سبع ثم يبالغ في تنشيفه صيانة للكفن ويستعمل قدرا من الكافور لدفع الهوام ويستعمل السدر في بعض الغسلات ولا يسقط (ح) الفرض به) * (إذا فرغ من توضيئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما بمشط واسع الاسنان ان تلبد شعرهما ويرفق حتى لا ينتف شئ وان انتف رده إليه وليكن قوله بمشط معلما بالحاء والالف لان عندهما لا يتعهده بالمشط لكن يغسل ويزيل الوسخ * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم (قال افعلوا بميتكم ما تفعلون بعروسكم) ومعلوم أن العروس يسرح شعرها ثم يضجع علي جنبه الايسر فيصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع على جنبه الايمن فيصب الماء على شقه الايسر هكذا ذكره صاحب الكتاب والامام في آخرين والاكثرون زادوا في هذه الكيفية ونقصوا فقالوا يغسل شقه الايمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه ثم يغسل شقه الايسر كذلك ثم يحرفه إلى حنبه الايسر فيغسل شقه الايمن مما بلى القضا والظهر من الكتف إلى القدم ثم يحرفه الي جنبه الايمن فيغسل شقه الايسر كذلك وهذا ما ذكره

(5/120)


الشافعي رضي الله عنه في المختصر وحكى أصحابنا العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جنبه
الايمن من مقدمه ويحوله فيغسل جانب ظهره الايمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الايسر من مقدمه ثم يحوله ويغسل جانب ظهره الايسر قالوا وكل واحد من الطريقين سائغ والاول أولي وليس في هذين الطريقين اضجاع على الجانب الايسر في أول الامر بل هو مستلق فيهما الي أن يغسل بعضه ثم يجرى الاضجاع فلا فلا بأس لو أعلمت قوله ثم يضجع علي جنبه الايسر بالواو وانما أمرناه بالابتداء بالميامن لان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر غاسلات ابنته بان يبدأن بميامنها) ويجب الاحتراز عن كبه غلى الوجه وإذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع ما ذكرناه غسلة واحدة وهذه الغسلة تكون باماء والسدر والخطمي تنظيفا وانقاء له ثم يصب عليه الماء القراح من فرقه الي قدمه ويستحب أن يغسله ثلاثا فان لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتى يحصل فان حصل بشفع فالمستحب ان يزيد واحدة ويختم بالوتر روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لغاسلات ابنته رضى الله عنها أغسلنها ثلاثا خمسا سبعا) وهل يسقط الفرض بالغسلة التى فيها السدر والخطمى ذكر في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) نعم ونسبه في النهايه إلى أبى اسحق المروزى لان المقصود من غسل الميت التنظيف فالاستعانة بما يزيد في التنظيف مما لا يقدح (وأظهرهما) لا لان التغير به فاحش سالب للطهورية فاشبه

(5/121)


ما لو استعمله الحى في وضوءه وغسله وعلي هذا فتلك الغسلة غير من الغسلات الثلاث وهل تحسب الغسلة الواقعة بعدها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها غسلة بماء طهور لم يخالطه شئ وهذا اصح عند القاضى الروياني وأظهرهما عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انها لا تحسب لان الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به فعلي هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الاخيرة آكد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لام عطية وهى من غاسلات بنته رضى الله عنها (واجعلي في الاخيرة كافورا) والسبب فيه ان رائحته مطردة للهوام وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به ولا يسلب الطهورية وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وان كان فاحشا على الصحيح لانه مجاور وبعيد تليين مفاصله بعد الغسل لانها لانت بالماء فيتوخي بالتليين بقاء لينها كما ذكرنا في التليين عقيب الموت ونقل المزني
اعادة التليين في أول وضعه على المغتسل وانكره اكثر الاصحاب ثم ينشفه ويبالغ فيه كيلا تبتل اكفانه فيسرع إليه الفساد هذا تمام مسائل الفصل * ثم أعرف أمورا (منها) أن صاحب الكتاب في الوسيط والامام في النهاية أشارا إلى أن تعهد الشعر بالغسل والتسريح ليس من نفس الغسل بل هو من مقدماته كالوضوء وغيره ولذلك قالا يصب الماء على شقه الايمن مبتدئا من رأسه إلى قدمه والاكثرون لم يذكروا صب الماء على الرأس ولكن قالوا يصبه على صفحة العنق والصدر والفخذ والساق وهذا مصير منهم الي أن غسل الرأس وتعهد الشعر من جملة الغسل وكلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر يوافق قول الاكثرين (ومنها) أن قوله وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا يقتضى استحباب ثلاث غسلات بعد تلك الغسله وهو صحيح بناء علي أن تلك الغسله بالماء المتغير بالسدر والخطمي وأن المحسوب الغسل بالماء القراح فانه حينئذ يراعي ثلاث غسلات بعدها بالماء القراح (وقوله) بعدها أو يستعمل السدر في بعض الغسلات ذلك البعض هو الغسله الاولى نصوا عليه كاقدمناه

(5/122)


وانما أبهم ذكره المصنف وشيخه وربما أوهم ايراده عد الغسلة التى فيها السدر من الثلاث وتخصيص الخلاف بان الفرض هل يسقط بها فيجب الاحتراز عن الوهم ومعرفة انا إذا لم نسقط الفرض بها لا نحسبها من الثلاث أيضا يجوز ان يرقم لفظ الثلاث والخمس والسبع بالميم لانه روى عن مالك أنه لا اعتبار بالعدد وانما المعتبر الابقاء (وقوله) يستعمل قدرا من الكافور مرقوم بالحاء لان أبا حنيفه قل لا أعرف الكافور وذكر في السدر انه يغسل انه يغسل مرة بالماء القراح وأخرى بالسدر وثالثة بالماء القراح * (قال فان خرجت نجاسة بعد الغسل أزيلت النجاسة ولم يعد الغسل على الصحيح وفي اعادة الوضوء وجهان) * يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بارفق مما قبلها فلو خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات أو بعدها ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن أبى هريرة يجب اعادة غسله ليكون خاتمة أمره علي كمال الطهارة (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني رحمهم الله انه لا يجب
شئ سوى ازالة النجاسة لسقوط الفرض بما وجد وحصول غرض التنظيف وربما نبى الخلاف في وجوب الغسل وعدمه علي اختلاف قراءة لفظ الشافعي رضي الله عنه فانه قال في المسألة انقاءها بالخرقة وأعاد غسله فمنهم من قرأ بضم الغين وأوجب اعادة الغسل ومنهم من قرأ بفتحها وحمله علي ازالة النجاسة وربما سلموا ان لفظه الغسل وحملوه علي الاستحباب وإذا قلنا بالوجه الصحيح فلا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرها وان قلنا بوجوب الوضوء فذلك في النجاسة الخارجة من السبيلين دون غير

(5/123)


وان قلنا بوجوب الغسل ففى اعادة الغسل لسائر النجاسات احتمال عند امام الحرمين قدس الله روحه ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فان قلنا يجب اعادة الغسل أو الوضوء بخروج الخارج فكذلك ههنا هكذا اطلق صاحب التهذيب وذكر غيره أن هذا الجواب مبني على أن الملموس ينتقض طهره وان قلنا لا يجب الا غسل المحل فلا يجب ههنا شي ولو وطئت فعلى الوجه الاول والثانى في خروج النجاسة يجب ههنا اعادة الغسل وعلى الثالث لا يجب شئ * وأعلم أن نفى وجوب الغسل أظهر من نفى وجوب الوضوء ولذلك أرسل صاحب الكتاب ذكر الخلاف في الوضوء وبين الصحيح في الغسل والنجاسة واجبة الازالة بكل حال فلذلك جزم به وقوله ولم يعد الغسل معلم بالالف لان عند احمد يعاد غسله سبع مرات ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الادراج في الكفن أو بعده وأشار صاحب العدة الي تخصيص الخلاف في وجوب الوضوء والغسل بما إذا خرجت قبل الادراج والله اعلم * قال (وأما الغاسل فلا يغسل رجل امرأة الا بزوجية (ح) أو محرمية أو محرمية أو ملك يمين فيغسل السيد مستولدته وأمه (ح) وتغسل الزوجة زوجها ولا تغسل المستولدة والامة سيدهما على أحد الوجهين لان الموت ينقل ملك اليمين ويقرر ملك النكاح) * النظر الثاني فيمن يتولي الغسل والاصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى الرجل بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وسيأتي ترتيبهم فيها والنساء أولي بغسل المرأة بكل حال لان عورتها بالاضافة إليهم أخف وليس للرجل غسل المرأة الا باحد أسباب ثلاثة (أولها) الزوجية
فللزوج غسل زوجته خلافا لابي حنيفة وذكر صاحب الشامل أن عند احمد رواية مثل فول أبى حنيفة والاصح عنه مثل قولنا * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلى لغسلتك وكفنتك)

(5/124)


(وغسل علي فاطمة رضى الله عنهما) وله ذلك وإن تزوج باختها أو باربع سواها في أصح الوجهين ولو كانت الزوجه ذمية فله أن يغسلها إن شاء (والثانى) المحرمية وسياق الكلام في الكتاب يقتضى تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لان قوله لا يغسل رجل امرأة إلا بكذا وكذا مفروض في حال الاختيار والا فعند الضرورة قد يجوز للاجانب غسلها أيضا كما سيأتي لكن لم أر لعامة الاصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمون في الترتيب ويقولون أن المحارم بعد النساء اولي (والثالث) ملك اليمين فيجوز للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده خلافا لابي حنيفة فيما رواه في الشامل * واحتج لنا بانه يلزمه الاتفاق عليهما بحكم الملك فكان له أن يغسلها كالحية ويجوز له غسل المكاتبة أيضا لان الكتابة ترتفع بموتها وهذا كله إذا لم يكن مزوجات ولا معتدات فان كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن وكما يغسل الزوج زوجته تغسل الزوجة زوجها خلافا لاحمد في رواية والاصح عنه موافقة الجمهور بان طلقها طلقة رجعية ومات احدهما في مدة العدة فليس للآخر غسله لحرمة النظر والمس في الحياة والي متي تغسل المرأة زوجها فيه ثلاثة أوجه (احدها) ما لم تنقض عدتها فان انقضت بوضع الحمل عقيب الموت لم تغسله وبه قال أبو حنيفة (والثاني) تغسله ما لم تنكح (والثالث) وهو الاصح ابدا وهو الذى ذكره في الكتاب في باب العدة وإذا غسل إحدى الزوجين لف خرقة علي يده ولم يمسه فان خالف فقد قال القاضى يصح الغسل ولا يبنى

(5/125)


علي الخلاف في انتقاض طهر الملموس والله اعلم * وهل يجوز لام الولد والمدبرة والامة غسل السيد فيه وجهان (احدهما) وبه قال احمد نعم لانهن محللات له فاشبهن الزوجة (واظهرهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان الموت ينقل ملك اليمين أما في حق الامة فالي الورثة وأما في المدبرة وام الولد فلانهما يعتقان بموته فكان الملك في رقبتهما ينتقل اليهما بخلاف ملك النكاح لا تنقطع حقوقه بالموت ألا ترى انهما يتوارثان وليس للمكاتبة غسل السيد فانها محرمة عليه قبل الموت *
قال (فان ماتت المرأة ولم يحضر الا احنبى غسلها (م ح) وغض البصر وقيل تيمم وكذا الخنثى يغسله رجل أو امرأة استصحابا بحكمه في الصغر) * في الفصل مسألتان (احداهما) لو ماتت امرأة وليس هناك الارجل اجنبي ففيه وجهان (احدهما) انها لا تغسل ولكن تيمم وتدفن ويجعل فقد الغاسل كفقد الماء وبهذا قال مالك وأبو حنيفة (والثاني) أنه يغسلها في ثيابها ويلف خرقة علي يده ويغض الطرف ما امكنه فان اضطر إلى النظر عذر للضرورة وعن احمد روايتان كالوجهين فيجوز أن يعلم قوله غسلها بالحاء والميم ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الثاني وهكذا ذكره الامام وحكاه عن القفال لكن الاظهر عند اصحابنا العراقيين والقاضي الرويانى والاكثرين هو الاول والوجهان جاريان فيما لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة اجنبية (الثانية) الخنثى المشكل إذا مات وليس هناك محرم له من الرجال والنساء ينظر إن كان صغيرا بعد جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الاطفال يجوز للفريقين جميعا غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وان كان كبيرا فهل يغسل فيه وجهان كالوجهين في المسألة السابقة لانه بجوز أن يكون رجلا فيمتنع مسه على النساء أو امرأة فيمتنع مسها علي الرجال (أحدهما) انه ييمم ويدفن وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثانى) أنه يجوز غسله ومن الذى يغسله فيه وجوه (احدها) أنه

(5/126)


يشترى من تركته جارية لتغسله فان لم يكن له تركة فيشترى من بيت المال قال الائمة وهذا ضعيف لان اثبات الملك ابتداء للشخص بعد موته مستبعد وبتقدير ثبوته فقد ذكرنا ان الصحيح ان الامة لا تتغسل سيدها والوجه الثاني انه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالاسوأ في كل واحد من الطرفين (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاظهر انه يجوز للرجال والنساء غسله جميعا لانه مست الحاجة الي الغسل وكان يجوز في الصغر غسله للطائفتين فيستصحب ذلك الاصل (واعلم) انه ليس المراد من الكبير في هذا الفصل البلوغ ومن الصغر عدمه لكن المعنى بالصغير الذى لم يبلغ حدا يشتهي مثله وبالكبير الذى بلغه * قال (فان ازدحم جمع كثير يصلحون للغسل علي امرأة فالبداءة بنسساء المحارم ثم بالاجنبيات
ثم بالزوج ثم بالرجال المحارم ثم ترتيب المارم كترتيبهم في الصلاة وقيل يقدم الزوج علي النساء لانه ينظر ما لا ينظرن إليه وقيل يقدم رجال المحارم علي الزوج لان النكاح انتهى بالموت) *

(5/127)


الصالحون لغسلل الميت إذا ازدحموا لم يخل أما ان يكون الميت رجلا أو امراة فان كان رجلا فيغلسه قراباته على الترتيب الذى نذكره في الصلاة عليه وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان سيظهر توجيههما وان كان الميت امرأة فالنساء يقدمن في غسلها وأولاهن نساء القرابة منهن كل ذات رحم محرم فان استوت اثنتان في المحرمية فالتى هي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الا قرب فالاقرب وبعد نساء القرابة تقدم النساء الاجنبيات ثم رجال القرابة وترتيبهم كما سيأتي في الصلاة وهل يتقدم الزوج على نساء القرابة فيه وجهان (أظهرهما) تقديم نساء القرابة ويحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه فان الانثي بالاناث اليق (والثاني) أنهن لا يقدمن بل الزوج يقدم عليهن لانه ينظر إلى ما لا ينظرن إليه وفي تقديم الزوج علي الرجال الاقارب أيضا وجهان (أحدهما) أنهم يقدمون عليه لان النكاح ينتهى بالموت وسبب المحرميه يدوم ويبقى (وأظهرهما) وهو اختيار القفال ان الزوج يقدم لانهم جميعا ذكور وهو ينظر الي ما لا ينظرون إليه فيقدم وأحكام النكاح تبقي بعد الموت ولولاه لما جاز له غسل الزوجة وجميع ما ذكرناه من التقديم فهو بشرط ان يكون المحكوم بتقديمه مسلما فلو كان كافرا فهو كالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي علي القريب المشرك ويشترط أيضا ان لا يكون فاتلا نعم لو كان قاتلا بحق فيبنى علي الخلاف

(5/128)


في أنه هل يرث عنه ولو أن المقدم في أمر الغسل سلمه لمن بعده جاز له تعاطيه ولكن بشرط اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس ذكره الشيخ أبو محمد وغيره وقد حكاه المصنف في الوسيط بععد اطلاق الغسل المتأخر واشعر كلامه بوجهين في اعتبار الشرط المذكور * قال (فرع: المحرم لا يقرب طيبا ولا يستر رأسه بل يبقى (م ح) اثر الاحرام وهل تصان المعتدة عن الطيب فيه وجهان وغير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذى يستحب في الحياة حلقه
فيه قولان) ذكرنا انه يطرح قدر من الكافور في الماء الذى يغسل به الميت وذلك في غير المحرم فاما المحرم فلا يقرب منه طيبا ابقاء لحكم الاحرام وكذلك لا يستر راسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امراة ولا يلبس المخيط ولا يؤخذ شعره وظفره وبه قال احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر الموتى وروى مثله عن مالك * لنا ما روى (ان رجلا كان مع النبي صلي الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا راسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) ولا بأس بالتجمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار وإذا ماتت المعتدة التي تحد هل يجوز تطيبها فيه وجهان (احدهما) لا صيانة لها عما كان حراما عليها في حياتها كالمحرم وبهذا قال أبو اسحق

(5/129)


واظهرهما) نعم لان التحريم كان احترازا عن الرجال وتفجعا لفراق الزوج وقد زال المعنيان بالموت بخلاف المحرم فان التحريم في حقه لحق الله تعالي جده فلا يزول بالموت وهل تقلم اظفار غير المحرم من الموتي ويؤخذ شاربه وشعر إبطه وعانته فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وأبو حنيفة والمومنى رحمهم الله لان مصيره الي البلي وصار كلاقلف لا يختن بعد موته (والجديد) وبه قال احمد نعم كما يتنظف الحي بهذه الاشياء وقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا بموتاكم ما تفعلون بعروسكم) والقولان في الكراهية ولا خلاف في ان هذه الامور لا تستحب كذلك ذكره القاضي الرواياني ونقل تفريعا على الجديد انه يتخير الغاسل في شعر الابط بين النتف والازالة بالنورة ويأخذ شعر العانة بالجلم أو الموسي أو النورة وحكى عن بعض الاصحاب انه لا يزال الا بالنورة احتراز عن النظر إلى الفرج وقوله في الكتاب الذى يستحب في الحاية حلقه فية اشارة؟ الي انه لا يحلق شعر الرأس بحال فان ازالته غير مأمور بها الا في المناسك ومنهم من طرد الخلاف في شعر الرأس إذا كان من عادة الميت الحلق في حالة الحياة (واعلم) ان جميع ما ذكرناه في وظيفة الغسل مفروض في حق غير الشهيد فأما الشهيد فسيأتي حكمه في فصل الصلاة على الميت ولو احترق مسلم
ولو غسل لهرى لا يغسل بل ييمم محافظة علي جثته لتدفن بحالها ولو كان عليه قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائرون إلى البلى

(5/130)


قال (القول في التكفين والمستحب في لونه البياض وفي جنسه القطن والكتان دون الحرير فانه يحررم للرجال ويكره للناس وأما عدده فاقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن والثاني والثالث حق الميت في التركة تنفذ وصية باسقاطهما وليس للورثة المضايقة فيهما وهل للغرماء المنع منهما فيه وجهان ومن لا مال له يكفن من بيت المال ويقتصر علي ثوب واحد في أظهر الوجهين وفي وجوب الكفن علي الزوج وجهان) * يتضح الفصل برسم مسائل (أحداها) أن المستحب في لون الكفن البياض لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (خير ثيابكم البيض فاكسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) وجنسه في حق كل ميت ما يجوز لبسه في حال الحياة فيجوز تكفين المرأة بالحرير لكنه يكره لانه سرف غير لائق بالحال ويحرم تكفين الرجال به كلبسه في الحياة ولك ان تقول قوله ومن جنسه القطن والكتان اما ان يريد استحباب هذين النوعين علي الخصوص أو يشير بهما إلى جميع الانواع المباحة ويكون التقدير القطن والكتان وما في معناهما أما الاول فقضيته تقديم النوعين علي سائر الانواع المباحة كالصوف وغيره وهذا شئ لم نره في كلام الاصحاب وان أرد الثاني فظاهر اللفظ معمول به في حق النساء دون الرجال اما أنه معمول به في حق النساء فلان تكفيهن بغير هذه الانواع وهو الحرير جائز وان كره فينتظم أن نقول تكفيهن بهذه الانواع مستحب واما انه غير معمول به في حق الرجال فلان استحباب شئ من هذه الانواع انا يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الانواع وانه ممتنع (الثانية) أقل

(5/131)


الكفن ثوب واحد وأحبه للرجال ثلاثة أثواب روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) شرط صاحب الكتاب في الثوب الواحد الاقل أن يكون ساترا لجميع البدن وهكذا ذكر الامام وكثير من الاصحاب وحكى آخرون من العراقيين
وغيرهم أن الواجب قدر ما يستر العورة لان الميت لى آكد حالا من الحى والواجب في الحى ستر العورة لا غير وعلي هذا يختلف الحال باختلاف حال الميت في الذكورة والانوثة لاختلاف مقدار العورة بالحالتين وجمع القاضى الروايتى وآخرون بين النقلين وجعلوا المسالة علي وجهين (أحدهما) ان

(5/132)


الواجب القدر الساتر للعورة (والثانى) ان الواجب ثوب سابغ وقد حكى عن نصه في الام انه ان كان له ثوب واحد لا يغطي جميع البدن ستر به العورة لانه واجب وستر غيرها ليس بواجب وان كان يبدو رأسه أو رجلاه غطي به راسه لما روى ان مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يخلف الا نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه فقال صلي الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الاذخر) واعرف في قوله في الكتاب وأما عدده فأقله ثوب واحد إلي آخره شيئين (أحد هما) ان هذا اللفظ يقتضي كون الواحد عددا لكن الحساب لا يجعلون الواحد عددا ويقولون العدد ما يتركب عن الواحد (والثاني) انا وان أوجبنا ثوبا ساترا لجميع البدن فذلك في حق غير المحرم أما المحرم فلا يتر رأسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امرأة علي ما سبق (الثالثة) الثوب الواحد على ما وصفناه حق الله تعالي جده لا تنفذ وصية الميت باسقاطه والثانى والثالث حق الميت وهى بمثابة ثياب التجمل للحي فلو أوصي باسقاطها نفذ (كما اوصي أبو بكر رضي الله عنه عنه بأن يكفن في ثوبه الخلق فنفذت وصيته (ولو لم يوص وتنازع الورثة في اكفائه واراد بعضهم الاقتصار علي ثوب واحد فقد حكي في النهاية فيه طريقين (احد هما) ان فيه وجهين كما سنذكرهما في مضايقه الغرماء فيه (والثاني) القطع بالمنع تقديما لحاجة المالك وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه ليس لهم المضايقة سواء اثبتنا الخلاف ام لا ولو اتفق الورثة جميعا علي تكفينه في ثوب واحد

(5/133)


فقد قال في التهذيب يجوز وطرد صاحب التتمة الخلاف فيه ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء لا نكفنه الا في ثوب واحد فهل يجابون إليه فيه وجهان (احدهما) لا كالمفلس الحي تترك عليه ثياب تجمله (واظهرهما) نعم فان الستر قد حصل وهو الي ابراء ذمته احوج منه الي زيادة الستر بخلاف الحي
يحتاج الي التجمل ويتقلب بين الناس (الرابعة) محل الكفن رأس مال التركة ان ترك الميت ما لا يقدم علي الديون والوصايا والميراث نعم لا يباع المرهون في الكفن ولا العبد الجاني ولا المال الذى فيه الزكاة فانه كالمرهون بها وان لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فيجب علي القريب كفن القريب وعلي السيد كفن العبد وام الولد وكذلك يجب كفن المكاتب عليه لان الكتابة تنفسخ بالموت ولا فرق في الا ولاد بين الصغار والكبار لان نفقتهم واجبة إذا كانوا عاجزين زمنى والميت عاجز ذكره في التتمة وهل يجب علي الزوج تكفين الزوجة ومؤنتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا لان مؤنة الزوجة انما تجب علي الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع فإذا ماتت فقد زال هذا المعني وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (واصحهما) أنه يجبب ذلك علي الزوج لانها في نفقته في الحياة فيلزمه مؤنتها بعد الموت كالاب مع الابن والسيد مع العبد فعلي هذا لو لم يكن للزوج مال فحينئذ يجب في مالها (اما) إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من ينفق عليه فتكفينه ومؤنة دفنه من بيت المال كنفقته في الحاية وأهل يقتصر علي ثوب واحد أم يكمل الثلاث فيه وجهان (أظهرهما) يقتصر عليه ليتأدى الواجب به (والثاني) يكمل الثلاث ولا يقتصر عليه كما لا يقتصر في كسوة الحى علي ساتر العورة فعلي الاول لو ترك ثوبا واحدا فلا شئ من بيت المال وعلى الثاني هل يكتفى بما خلفه أم يكمل الثلاث من بيت المال ذكر الامام أن صاحب التقريب حكي فيه وجهين (أظهرهما) الثاني وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلي عامة المسلمين الكفن ومؤنة الدفن (قال والزيادة على الثلاث إلى الخمس مستحب للنساء جائز للرجال غير مستحب والزيادة علي الخمس سرف

(5/134)


علي الاطلاق ثم ان كفن في خمس فعمامة وقميص وثلاث لفائف سوابغ وإن كفن في ثلاث فثلاث لفائف من غير قميص ولا عمامة وإن كفنت المرأة في خمس فازار وخمار وثلاث لفائف سوابغ وفى قول تبدل لفافة بقميص وإن كفنت في ثلاث فثلاث لفائف) * قد ذكرنا أن العدد المستحب في كفن الرجال ثلاث اثواب فلو زيد عليه الي خمسة أثواب فهو جائز وإن لم يكن محبوبا وأما المرأة فيستحب أن تكفن في خمسة أثواب رعاية لزيادة الستر في حقها وحكم الخنثى
في ذلك حكم المرأة والزيادة علي الخمسة مكروهة علي الاطلاق لما فيها من السرف وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا تغالوا في الكفن فانه يسلب سلبا سريعا) فإذا كانت المغالاة مكروهة فزيادة العدد أولى أن تكون مكروهة ثم إن كفن الرجل أو المرأة في ثلاث فالمحبوب ثلاث لفائف من غير عمامة للرجل ولا قميص وعن أبى حنيفة ان الرجل يكفن في إزار ورداء وقميص لنا (ما روى أن النبي صلى

(5/135)


الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) وان كفن الرجل في خمسة أثواب فليكفن في عمامة وقميص وثلاث لفائف وتجعل العمامة والقميص تحتها ويستثني المحرم عن ذلك فلا يلبس المخيط على ما تقدم وإن كفنت المرأة في خمسة أثواب فقولان (أحدهما) ازار وخمار وثلاث لفائف والازار والخمار كالعمامة والرداء للرجل واللفائف كاللفائف (والثاني) ازار وخمار ولفافتان وقميص لما روى (ان أم عطية لما غسلت أم كلثوم رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النبي صلي الله عليه وسلم جالسا علي الباب فناولها ازار أو درعا وخمارا وثوبين) وينسب القول الاول الي الجديد (والثاني) الي القديم وذكر المزني أن الشافعي رضى الله عنه ذكر القميص مرة ثم خط عليه ونقل عنه القول الاول وايراد الكتاب يقتضى ترجيحه لكن

(5/136)


الاكثرين علي ترجيح القول الثاني ويجوز ان تعد المسألة من المسائل التى يجاب فيها على (القديم) ثم قال الشافعي رضي الله عنه يشد علي صدرها ثوب لئلا يضطرب ثديها عند الحمل فتنشر الا كفان واختلفوا في ذلك الثوب فقال أبو اسحق هو ثوب سادس ليس من جملة الاكفان ويحل عنها إذا وضعت في القبر وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخسمة ويترك (والاول) اظهر عند اللائمة وكيف ترتيب الاثواب الخمسة قال المحاملى وغيره علي قول ابي اسحق ان قلنا تقمص فيشد عليها المئزر أو لاثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد عليها الثالث وان قلنا لا تقمص يشد علهيا المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثلاثة أثواب ثم يشد عليها خرقة وعلى قول ابن سريج ان قلنا تقمص يشد عليها المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم تشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب وان قلنا لا تقمص يشد عليها المئرز ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد

(5/137)


عليها آخر ثم تلف في الخامس وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث فكيف تكون هي فيه وجهان (أحدهما) ان تكون متفاوتة فالاسفل يأخذ ما بين سرته وركبته والثاني ياخذ من عنقه إلى كعبه والثالث يستر جميع بدنه (واظهرها) انه ينبغي ان تكون مستوية في الطول والعرض ياخذ كل واحد منها جميع بدنه واعلم انه لا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وانما الفرق بينهما في الخمس فهى في حق الرجل وعمامة قميص وثلاث لفائف وفي المرأة القولان المذكوران وإذا كان كذلك فايراد الفرض في اقصر من لفظ الكتاب ههين والله اعلم * قال (ثم يذر على كل لفافة حنوط ويوضع الميت عليه ويأخذ قدرا من القطن الحليج ويدسه في الاليتين وتشد الاليتان وتستوثق وتلصق بجميع منافذ البدن من المنخرين والاذنين والعينين قطنة عليها كافور ثم يلف الفن عليه بعد أن يبخر بالعود ويشد عليه بشداد وينزع الشداد عند الدفن) * غرض الفصل الكلام في ادراج الميت في الكفن وتوابعه فنقول تبخير الكفن بالعود مستحب إذا لم يكن الميت محرما وذلك بان ينصب مشجب وتوضع الاكفان عليها ويجمر تحتها ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف واوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلى الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن الحليج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس في اليتيه حتي تتصل بالحلقة ليرد شيئا عساه عند التحريك ينفصل منه ولا يدخله في باطنه وفيه وجه انه لا بأس به ثم تشد اليتيه وتستوثق وذلك بان يأخذ خرقة ويشد رأسها ويجعل وسطها عند اليتيه وعانته ويشدها عليه فوق السرة بان يرد ما يلي ظهره الي سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه ولو شد شقا من كل رأس علي هذا الفخذ ومثل ذلك علي الفخذ الثاني جاز أيضا وقيل يشدها بالخيط ولا يشق طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعله علي منافذ البدن من المنخرين والاذنين والجراحات النافذة ان كانت عليه دفعا للهوام ويجعل الطيب علي مساجده

(5/138)


وهى الجبهة والانف وباطن الكفين والركبتان والقدمان اكراما لها وذلك بان يجعل الطيب علي قطع قطن وتوضع علي هذه المواضع وقيل يجعل عليها بلا قطن ثم يلف الكفن عليه بان يثني من الثوب الذى يليه صنعته التي تلي شقه الايسر علي شقه الايمن والتي تلي شقه الايمن علي شقه الايسر كما يشتمل الحى بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك وفيه قول آخر أنه يبدأ بالشقة التي تلي شقه الايمن فيثنيها على شقه الايسر ويجعل التي تلي الايسر علي الايمن ليكون ما علي الايمن غالبا ولعل هذا اسبق الي الفهم مما رواه المزني في المختصر لكن الاول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به وإذا لف الكفن عليه جمع المفاصل عند رأسه جمع العمامة ورد علي وجهه وصدره الي حيث يبلغ وما فضل عند رجله يجعل على القدمين والساقين وينبغى أن يوضع الميت على الاكفان اولا بحيث إذا القيت عليه كان الفاضل عند رأسه اكثر كما ان الحى يجمع فضل ثيابه علي رأسه وهو العمامة ثم تشتد الاكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر نزع وفي كون التحنيط واجبا أو مستحبا وجهان (أظهرهما) عند المصنف وامام الحرمين الثاني * قال (ثم يحمل الجنازة ثلاثة رجال رجل سابق بين العمودين ورجلان في مؤخر الجنازة فان عجز السابق أعانه رجلان خارج العمودين فتكون الجنازة محمولة بين خمسة أو بين ثلاثة والمشى قدام الجنازة أفضل (ح) والاسراع بها أولى)

(5/139)


ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بروا كرام الميت وقد نقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم اجميعن ولا يتولاه الا الرجال ذكرا كان الميت أو أنثي ولا يجوز الحمل علي الهيات المزرية ولا على الهيئة التي يخاف منها السقوط إذا عرفت ذلك ففى الفصل ثلاث مسائل (أحداها) في كيفية الحمل وقد نقل طريقان (أحد هما) الحمل بين العمودين يروى ان النبي صلي الله عليه وسلم (حمل جنازة سعد بن معاذ رضى الله عنه بين العمودين) ومعناه أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمود ان على
عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما علي كتفيه ويحمل مؤخر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الايمن

(5/140)


والثانى من الايسر ولا يمكن أن يتوسط الخشبتين واحد من مؤخرهما فانه لا يرى موضع قدميه والطريق بين يديه حينئذ فان لم يستتقل المتقدم بالحمل اعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد منهما واحدا منهما علي عاتقه فتكون الجنازة محمولة علي خمسة (والثانى) التربيع روى عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال (إذا تبع أحد كم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الاربعة ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه السنة) والتربيع أن يتقدم رجلان فيضع احدهما العمود الايمن على عاتقه الا يسر والاخر العمود الايسر علي عاتقه الايمن ولذلك يحمل العمودين من مؤخرها اثنان فتكون الجنازة على هذه الهيئة محمولة على اربعة وقد نقل عن نص الشافعي رضى الله عنه ان من أراد التبرك يحمل الجنازة من جوانبها الاربعة بدأ بالعمود الايسر من مؤخرها فحمله علي عاتقه الايمن ثم يسلم الي غيره ويأخذ

(5/141)


العمود الايسر من مؤخرها فيحمله علي العاتق الايمن أبضا ثم يتقدم فيعترض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها فيأخد العمود الايمن من مقدمها ويحمله على عاتقه الايسر ثم يأخذ العمود الايمن من مؤخرها ولا شك أن ذلك انما يتاتى والجنازة محموله علي هيئة التربيع فهذا شأن الطريقين وكل واحد منهما جائز وحكى القاضى الروايانى عن بعض الاصحاب ان الافضل الجمع بان يحمل تارة هكذا وتارة هكذا وإذا أراد الا قتصار على احدهما فايتهما أفضل (المشهور) في المذهب ان الحمل بين العمودين أفضل وعن احمد ان التربيع أفضل وبه قال بعض اصحابنا وعن مالك انهما سواء وأشار صاحب التقرى إلى وجه يوافقه وقال أبو حنيفة الحمل بين العمودين بدعة (الثانية) المشي امام الجنازة أفضل وبه قال مالك وروى مثله عن احمد ويروى عنه ان كان راكبا سار خلفها وان كان راجلا فقدامها وقال أبو حنيفة المشي خلفها افضل لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله عنهما يمشون امام الجنازة والافضل أن يكون قدامها قريبا منها بحيث لو التفت لرآها ولا يتقدمها الي المقبرة ولو تقدم لم يكره ثم هو
بالخيار ان شاء قام منتظرا لها وان شاء قعد لما روى عن علي رضي الله عنه قال (قام رصول الله

(5/142)


صلي الله علهى وسلم مع الجنازة حتي وضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمر هم بالقعود) وقال أبو حنيفة واحمد يكره الجلوس حتي توضع الجنازة (الثالثة) سنة المشى بالجنازة الا سراع الا ان يخاف من الاسراع تغيرا في الميت فيتأني بها والاسراع فوق المشى المعتاد دون الخبب؟ روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (سئل عن المشي بالجنازة فقال دون الخبب فان يك خيرا عجلتموه

(5/143)


إليه وان يك شرا فبعدا لاهل النار) وان خيف عليه تغير وانفجار زيد في الاسراع * قال (القول في الصلاة والنظر في أربعة أطراف (الاول) فيمن يصلي عليه وهو كل ميت مسلم ليس بشهيد احترزنا بالميت عن عضو آدمى فانه لا يصلي عليه إلا إذا علم موت صاحبه فيصلي على صاحبه وان كان غائبا ويغسل العضو ويوارى بخرقة ويدفن) * حصر حجة الاسلام رحمة الله عليه بقة الكلام في صلاة الميت في أربعة أطراف للحاجة إلى النظر فيمن يصلى عليه ومن يصلي وفي أركان هذه الصلاة وشرائطها (الاول) فيمن يصلي عليه ويعتبر فيه ثلاثة قيود أن يكون ميتا مسلما غير شهيد (فاما) قيد المسلم فيتعلق به مسألتان يشتمل الفصل علي أحداهما وهى ما إذا وجدنا بعض مسلم دون باقيه مثل ان اكله السبع فلا يخلو أما أن يكون قد علم موت صاحبه أولا يعلم فان لم يعلم فلا يصلى عليه وان علم موته صلي عليه قل الموجود أم كثر وبه قال احمد خلا فلابي حنيفة حيث قال لا يصلي عليه الا ان يكون اكثر من النصف ويروى عن مالك مثله

(5/144)


لنا أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على يد عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد رضى اللله عنه القاها طائر بمكة في وقعة الجمل وعرفوا أنها يده بخاتمه وهذا في غير الشعر والظفر ونحوها وفي هذه الاجزاء وجهان (اقربهما) إلى اطلاق الاكثرين أنها كغيرها نعم قال في العدة أن لم يوجد الاشعرة واحدة فلا يصلى عليها في ظاهر المذهب إذ لا حرمة لها ومتى شرعت الصلاة فلا بد من الغسل
والمواراة بخرقة (وأما) الدفن فلا يختص بموت صاحب العضو بل ما ينفصل من الحى من ظفر وشعر وغيرهما يستحب له دفنها وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة والمضغة تلقيهما المرأة وإذا وجد بعض ميت أو كله ولم يعلم أنه مسلم فان كان في دار الاسلام صلي عليه لان الغالب في دار الاسلام المسلمون (وقوله) الا إذا علم موت صاحبه يبين انه لا صلاة فيما إذا علم حياة صاحبه وفيما إذا

(5/145)


لم يعلم موته ولا حياته فان كل واحدة من الحالتين تبقي في المستثني منه (وقوله) فيصلي علي صاحبه معلم بالحاء والميم وفيه اشارة إلى أن الصلاة ليست علي نفس العضو وانما هي علي الميت ولا ينوى الا الصلاة علي جملته وقد صرح بهذا القاضي الرويانى وغيره وكلام من قال يصلي علي العضو محمول عليه (فان قلت) هذا حسن لكنه استثنى الحالة التي حكم فيها بانه يصلي على صاحبه من قوله فانه لا يصلي عليه وفي هذه الحالة لا يصلي علي العضو ايضا فكيف ينتظم الاستثناء (فالجواب) ان قوله لا يصلي عليه أي على صاحبه كما ان قول من قال يصلي علي العضو محمول عليه وحينئذ ينتظم الاستثناء (وقوله) وان كان غائبا يشير إلى أن غيبة باقى لاشخص لا تضر فانا نجوز الصلاة علي الغائب كله فعلي الغائب بعضه أولي ولذلك قال امام الحرمين حقيقة الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله في العضو يستند الي أن الصلاة علي الغائب صحيحة وهو لا يراها ويربط الصلاة بما شهد وحضر قال (وكذا السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط لا يغسل ولا يصلي عليه فان ظهر الخطيط ففى الغسل قولان فان غسل ففى الصلاة قولان منشأهما التردد في الحياة وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفن فان اختلج بعد الانفصال فالصلاة عليه أولي (ح م) فان صرخ واستهل فهو كالكبير) المسألة الثانية في السقط وله حالتان (احداهما) ان يستهل أو يبكي فهو والكبير سواء لانا تيقنا حياته وموته بعد الحياة وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا استهل السقط صلي عليه)

(5/146)


(والثانية) أن لا يتيقن حياته باستهلال وغيره فاما أن يعرى عن أمارات الحياة كالاختلاج ونحوه
أو يوجد شئ من ذلك فان عرى فينظر هل بلغ حدا يمكن نفخ الروح فيه وهو أربعة أشهر فصاعدا أم لا فان لم يبلغه فلا يصلي علهى وهل يغسل فيه طريقان (أصحهما) لا كما لا يصلى عليه فان حكم كل واحد منهما حكم من عرض له الموت وعروض الموت يستدى سبق الحياة (والثاني) فيه قولان وسنذكر الفرق بين الغسل والصلاة وان بلغ أربعة أشهر فصاعدا فهل يصلي عليه فيه قولان (أحدهما) وينسب الي القديم نعم إذ ورد في الخبر أن الولد إذا بقى في بطن أمه أربعة أشهر ينفح فيه الروح ويحكي عن الام والبويطي أنه لا يصلى عليه ويوجه بالخبر الذى سبق فان ظاهر يقتضى

(5/147)


اشتراط الاستهلال وأيضا بأنه لا يرث ولا يورث فلا تجب الصلاة عليه كما لو سقط لدون أربعة أشهر وفي الغسل طريقان (اظهرهما) القطع بانه يغسل (والثاني) فيه قولان والفرق أن الغسل أوسع بابا من الصلاة الا ترى ان الذمي لا يصلي عليه ويغسل واما إذا اختلج بعد الانفصال وتحرك ففى الصلاة عليه قولان (احدهما) لا يصلي عليه وبه قال مالك لعدم تيقن الحياة بخلاف الاستهلال (واظهرهما) أنه يصلي عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الامارة الدالة عليها ومنهم من قطع بانه يصلي عليه وفي الغسل هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط (وقوله) ظهر فيه التخطيط فاعلم أن المراد منه ظهور خلفة الآدمى وهذه العبارة حكاها امام الحرمين عن الشيخ أبي علي وعبارة الجمهور التى قدمناها وهى أن ينظر هل بلغ حد نفخ الروح ام لا قال الامام ويمكن ان يقال الاختلاف في محض العبارة ومهما بدأ التخليق فقد دخل أوان نفخ الروح وان لم يبد لم يدخل وقد يظن تخلل زمان بين أوائل التخليق وبين جريان الروح فان كان هكذا اختلف الطريقان والله أعلم (وقوله) وان ظهر التخطيط اي ولم يختلج ولا تحرك (اما) إذا اختلج فقد ذكره من بعد (وقوله) وان غسل ففى الصلاة قولان ترتيب للصلاة على الغسل ان قلنا لا يغسل فلا يصلي عليه وان قلنا يغسل ففى الصلاة قولان وإذا جمعنا بينهما قلنا فيه ثلاثة اقوال ثلثها الفرق بين الغسل والصلاة وقوله منشأهما التردد في الحياة
أي في منشأ القولين فيهما جميعا لا في الصلاة وحدها وإن كان مذكورا بعد ذكر قولي الصلاة (وقوله) وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفه.
الموارة قد تكون علي هيئة التكفين على ما سبق بيانها وقد

(5/148)


تكون علي غير تلك الهيئة فما لم يظهر فيه خلقة الآدمى يكفى فيه المواراة كيف كانت وبعد ظهور خلقة الآدمى حكم التكفين حكم الغسل (وقوله) عند الاختلاج فالصلاة عليه اولى أي من من الصلاة عند عدم الاختلاج وهو جواب علي طريقة طرد القولين والحالة هذه وقد حكينا فيها قطع قاطعين بانه يصلي عليه فيجوز ان يعلم قوله فالصلاة عليه اولي بالواو اشارة إليه (قوله) فان صرخ واستهل هو الحالة الاولى في ترتيب الشرح * قال (واحترزنا بالمسلم عن الكافر فانه لا يصلى عليه ذميا كان أو حربيا لكن تكفين الذمي ودفنه من فروض الكفايات وفاء بذمته وقيل لا ذمة بعد الموت فهو كالحربي ولو اختلط موتي المسلمين بالمشركين غسلنا جميعهم كفناهم تقصيا عن الواجب ثم عند الصلاة يميز المسلمون بالنية) * القيد الثاني كونه مسلما فلا تجوز الصلاة على الكافر حربيا كان أو ذميا قال الله تعالي (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) ولا يجب على المسلمين غسله أيضا ذميا كان أو حربيا لكن يجوز خلافا لمالك رحمه الله * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عليا رضى الله عنه بغسل أبيه أبي طالب) وأقاربه الكفار أولى بغسله من المسلمين (وأما) التكفين والدفن فينظر ان كان الكافر ذميا ففى وجوبهما علي المسلمين وجهان (أظهرهما) يجب وفاء بذمته كما يجب أن يطعم ويكسى في حياته (والثاني)

(5/149)


لا يجب فانا لم نلتزم الا الذب عنه في حياته والذمة قد انتهت بالموت وان كان حربيا ففى الكتاب إشعار بأنه لا يجب تكفينه ولا دفنه بلا خلاف لانه ألحق الذمي به في الوجه الثاني لكن صاحب التهذيب فرق بين الامرين فقال لا يجب تكفينه لان النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بالقاء قتلي بدر في القليب علي هيئاتهم) وفي وجوب مواراته وجهان أحدهما يجب لان النبي صلي الله عليه وسلم
(أمر بها في قتلى بدر) (والثاني) لا يجب بل يجوز اغراء الكلاب عليه فان فعل فذاك لئلا يتأذى الناس برائحته وكذلك حكم المرتد إذا عرفت ذلك فلو اختلط موتى المسلمين بموت المشركين ولم يتميزوا بأن انهدم عليهم سقف مثلا وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم وبه قال مالك وأحمد ثم ان صلى عليهم دفعة جاز ويقصد المسلمين منهم بنيته وان صلي عليهم واحدا واحدا جاز ايضا وينوى الصلاة عليه ان كان مسلما ويقول اللهم اغفر له ان كان مسلما وعند أبي حنيفة رحمه الله يصلي عليهم الا أن يكون المسلمون أكثر * لنا ان الصلاة علي المسلمين واجبة بالنصوص ولا سبيل الي إقامة الواجب ههنا الا بهذا الطريق *

(5/150)


قال (وأما الشهيد فلا يغسل (ح) ولا يصلي عليه والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال فان كان في قتال أهل البغي أو مات حتف انفه في قتال الكفار أو قبله حربى اغتيالا من غير قتال أو جرح في القتال ومات بعد انفصال القتال وكان بحيث يقطع بموته ففى الكل قولان منشأهما التردد في ان هذه الاوصاف؟ هل هي مؤثرة أم لا (أما) القتيل ظلما من مسلم أو ذمى أو باغ أو المبطون أو الغريب يغسلون ويصلي عليهم) * القيد الثالث لمن يصلي عليه أن لا يكون شهيدا فالشهيد لا يصلي عليه ولا يغسل ايضا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة في الصلاة وبه قال أحمد في رواية واختاره المزني * لنا ان جابرا وأنسا رضى الله عنهما رويا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم (يصل علي قتلى احد ولم يغسلهم) ولا فرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد والبالغ والصبى وعند ابي حنيفة كسائر الموتى يغسل ثم ما المعنى بقولنا لا يغسل ولا يصلي عليه يغنى به انهما لا يجبان أو يحرمان (واما) لصلاة ففي النهاية والتهذيب ذكر وجهين في جوازها (اظهرهما) انها غير جائزة ولو جازت لوجبت كالصلاة علي سائر الموتي (والثانى) انها جائزة وانما تترك رخصة لمكان الاشتغال بالحرب وهذا ما صححه الشيخ أبو محمد فيما علق عليه وأما الغسل فقدا طلق في التهذيب المنع منه وذكر الامام انه لا سبيل إليه وان جوزنا الصلاة إذا ادى غسله إلى

(5/151)


إزالة دم الشهادة فان لم يكن عليه دم ففى غسله تردد كما في الصلاة إذا تقرر ذلك فلابد من معرفة الشهيد (واعلم) ان اسم الشهيد قد يخص في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلي عليه وعلي هذا فقوله والشهيد من مات بسبب القتال الي آخره مجرى علي ظاهره وقد يسمي كل مقتول ظلما شهيدا وهو اظهر الا ترى أن الشافعي رضي الله عنه يقول في المختصر والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام إلى ان قال كغيرهم من الموتى اثبت اسم الشهادة مع الحكم بأنهم كسائر الموتى وعلي هذا فقوله في الكتاب والشهيد من مات أي والشهيد الذى ذكرنا انه لا يغسل ولا يصلي عليه وعلى هذا الاصطلاح نقول الشهداء نوعان (احدهما) الذين لا يغسلون ولا يصلي عليهم وضبط في الكتاب فقال والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال وقد اشتمل علي ثلاثة معان (الموت) بسبب القتال (وكونه) قتال الكفار (وكون) الموت في وقت قيام القتال ويدخل فيه ما إذا قتله مشرك وما إذا اصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سهمه أو تردى في حملته في وهدة أو سقط عن فرسه أو رفته دابة فمات وما إذا انكشف الحرب عن قتيل من المسلمين سواء كان عليه اثر ام لا لان الظاهر موته بسبب من اسباب القتال ويحتمل انه مات لسقطة وغيرها فلم يظهر عليه اثر وعند ابى حنيفة وأحمد ان لم يكن عليه اثر غسل وصلى عليه ومهما فقد احد المعاني التي يتركب عنها الضابط ففى ثبوت حكم الشهادة خلاف ويتبين ذلك بمسائل (احداها) المقتول من اهل العدل في معترك اهل العدل في معترك اهل البغى هل يغسل ويصلي عليه فيه قولان (احدهما) لا وبه قال أبو حنيفة في الغسل كالمقتول في معترك الكفار ويروى

(5/152)


ان عليا رضى الله عنه (لم يغسل من قتل معه وأوصي عما رضى الله عنه أن لا يغسل) (والثانى) وبه قال

(5/153)


مالك نعم لانه قتيل مسلم فاشبه ما لو قتله في غير القتال * واحتج لهذا القول بان أسماء (غسلت ابنها ابن الزبير رضي الله عنهم ولم ينكر عليها منكر) وعن احمد روايتان كالقولين ودكر قوم منهم صاحب العدة أن القول الاول اصح لكن الجمهور علي ترجيح الثاني والقولان منصوصان في المختصر في كتاب قتال أهل البغي ولا خلاف عند نافي أن الباغي إذا قتله العادل يغسل ويصلي عليه وقال أبو حنيفة لا يصلي
عليه عقوبة له ومن قتله القطاع من الرفقة فيه طريقان (أحدهما) أن حكمه على القولين في العادل إذا قتله أهل البغي (والثاني) أنه ليس بشهيد جزما والفرق ان قتالهم مع أهل العدل علي تأويل الدين بخلاف القطاع (الثانية) لو مات في معترك الكفار لا بسبب من أسباب القتال ولكن مفاجأة أو لمرض فقد حكى الامام عن شيخه فيه وجهين (أصحهما) أنه ليس بشهيد ولم يذكر في التهذيب سواه ووجهه أن الاصل وجوب الغسل والصلاة وخالفناه فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال تعظيما لا مره وحثا للناس عليه (الثالثة) لو دخل الحربي بلاد الاسلام فقتل مسلما اغتيالا من غير قتال فقد ذكر الامام أن الشيخ أبا علي حكي فيه وجهين والاصح المشهور انه لا يثبت له حكم الشهادة (الرابعة) لو جرح في القتال ومات بعد انقضائه ففى ثبوت حكم الشهادة قولان (أحدهما) يثبت لانه مات بجرح وجد فيه فاشبه ما لو مات قبل انقضائه (وأظهرهما) وبه قال احمد فيما رواه صاحب الشامل وغيره انه لا يثبت لانه عاش بعد

(5/154)


انقضاء الحرب كما لو مات بسبب آخر ولا فرق على القولين بين ان يطعم أو يتكلم أو يصلي وبين ان لا يفعل شيئا من ذلك ولا بين أن يمتد الزمان أو لا يمتد وقال مالك ان امتد الوقت أو اكل غسل وصلي عليه والا فلا وقال أبو حنيفة ان طعم أو تكلم أو صلي فهو كسائر الموتى وللقولين شرطان (أحدهما) قد تعرض له في الكتاب ان يقطع بموته من تلك الجراحة فاما إذا توقع بقاؤه فمات بعد انقضاء التقال فليس بشهيد بلا خلاف (والثانى) أن تبقى فيه حياة مستقرة ثم يموت بعد انقضاء القتال فأما إذا انقضى القتال وليس به الا حركة المذبوح فهو شهيد بلا خلاف وهذه المسائل الاربع باسرها مذكورة في الكتاب وقد تبين بما ذكرناه ان الاظهر فيها جميعا انتفاء الشهادة واعتبار المعاني الثلاثة في الضابط؟ وأعلم قوله في وقت قيام القتال بالحاء والميم لانهما لا يعتبران قيام القتال وانما مذهبهما ما قدمناه وقوله ففى الكل قولان فيه اثبات قولين في الصور الاربع وهما مشهوران في الاولي والرابعة فام الثانية والثالثة فلم نر للمعظم فيهما حكاية القولين وانما ذكر من الخلاف وجهين ويجوز ان يغلم قوله قولان بالواو لان في النهاية حكاية طريقة في الصورة الرابعة مفصلة وهى انه ان مات قريبا ففيه قولان وان بقى اياما ثم مات فليس بشهبد قطعا والذى في الكتاب اثبات قولين على
الاطلاق (وقوله) منشأهما التردد في أن في أن هذه الاوصاف مؤثرة أم لا يعنى الاوصاف الثلاثه المذكورة في الضابط هل هي مؤثرة في موضع الاثبات ام لا وليس في هذا القدر من التوجيه كثير فائدة فان الفقيه لا يشك في انا إذا نطنا حكما بامور واختلفنا في بقاء ذلك الحكم مع فوات بعض الامور فقد اختلفنا في تأثيره وإنما المهم النظر في أنه لم يعتبر أو يلغى (النوع الثاني) من الشهداء العارون عن الاوصاف للمذكورة جميعا فهم كسائر الموتى يغسلون ويصلى عليهم وان ورد لفظ الشهادة فيهم كالمبطون والغريب والغريق والميت عشقا والميتة طلقا وكذا الذى قتله ظلما مسلم أو آدمى أو باغ في غير القتال حكمه حكم سائر الموتي وبه قال مالك وهو رواية عن احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال كل من قتل ظلما قتلا يوجب القصاص فهو شهيد وان وجب به المال فلا فيخرج من ذلك ان المقتول بالمثقل ليس بشهيد

(5/155)


فيما نحن فيه ولم يعتبر في القتال ذلك بل اثبت حكم الشهادة سواء قتل بالمثقل أو بالمحدد وقال احمد في رواية كل مقتول ظلما فهو شهيد * لنا ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه غسل وصلي عليه وكذلك عثمان رضى الله عنه وقد قتلا ظلما بالمحدد) * قال (وكذا القتيل بالحق قصاصا اوحدا ليس بشهيد وتارك الصلاة يصلي عليه (و) وقاطع الطريق يفتل أولا ويصلى عليه ويغسل ويكفن ثم يصلب مكفنا علي قول وعلى قول يقتل مصلوبا ثم ينزل ويغسل ويصلى عليه ويدفن ومن رأى انه يقتل مصلوبا ويبقى فقد قال لا يصلى عليه) * إذا تبين ان المقتول ظلما ليس بشهيد إذا لم يكن بالصفات المقدمة فالقتيل حقا أولى ان لا يكون شهيدا وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (رجم الغامدية وصلى عليها) وذكر في الكتاب مما يتفرع علي هذا الاصل صورتين وذكرهما في غير هذا الموضع (أحداهما) ان تارك الصلاة يصلى عليه ويغسل لانه مسلم مقتول حقا وعن صاحب التلخيص انه لا يصلى عليه لانه ترك الصلاة في حياته فترك الصلاة عليه وقال ايضا لا يغسل ولا يكفن ويطمس قبره تغليظا عليه (الثانية) غسل قاطع الطريق والصلاة عليه تبنى علي كيفية اقامة الحد عليه وفي قتله وصلبه إذا اقتضى الحال الجمع بينهما خلاف على ما سيأتي شرحه وتفصيله في موضعه ان شاء الله تعالي (وأظهر) القولين أنه يقدم القتل علي الصلب
فيقتل ثم يغسل ويصلي عليه ثم يصلب مكفنا (والقول الثاني) أنه يقدم الصلب ثم يقتل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وعلي القولين إذا صلب فهو ينزل بعد ثلاثة أيام أو يبقى حتى يتهرى فيه وجهان (فان قلنا) بالوجه الاول تفريعا علي القول الثاني فيغسل بعد ما ينزل ويصلي عليه (وان قلنا) بالوجه الثاني تفريعا عليه فلا يغسل ويصلي عليه وهذا ما اشار إليه بقوله ومن رأى أنه يقتل ويبقى فقد قال لا يصلي عليه قال امام الحرمين وكان لا يمتنع ان يقتل مصلوبا وينزل فيغسل ويصلي عليه ثم يرد ولكن لم يذهب إليه أحد (وقوله) ويصلى عليه مرقوم بالحاء لانه يقول لا يصلي علي قاطع الطريق عقوبة له كما ذكر في الباغى وحكي في النهاية طريقة أخرى غير مبنية علي كيفية عقوبة قاطع الطريق فقال قال بعض

(5/156)


الاصحاب يغسل ولا يصلي عليه استهانة به تحقيرا لشانه فيجوز ان يعلم قوله في الكتاب في موضعين من الفصل ويغسل ويصلى عليه وبالواو اشارة إلى هذه الطريقة وليست هي بالوجه المذكور في قوله ومن رأى انه يقتل مصلوبا إلى آخره لانه مبنى علي كيفية عقوبته * قال (ثم الشهيد لا يغسل وان كان جنبا وهل يزال أثر النجاسة التى ليست من أثر الشهادة فيه خلاف وثيابه الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه الا ان ينزعها الوارث وينزع منه الدرع وثياب القتال) * الفصل يشتمل علي ثلاث صور (أحداها) استشهد جنب هل يغسل فيه وجهان (اصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك لان حنظلة بن الراهب رضى الله عنه (قتل يوم أحد وهو جنب فلم يغسله النبي صلي الله عليه وسلم وقال رأيت الملائكة تغسله) (والثانى) وبه قال احمد وابن سريج وابن ابى هريرة يغسل لان الشهادة انما تؤثر في غسل وجب بالموت وهذا الغسل كان واجبا قبله والوجهان متفقان على انه لا يصلى عليه وعند أبى حنيفة يغسل ويصلى عليه (الثانية) لو أصابته نجاسة لا بسبب الشهادة فهل تغسل تلك النجاسة عنه قال امام الحرمين حاصل القول فيه اوجه استخرجتها من كلام الاصحاب (أحدها) وهو الظاهر انها تزال لان الذى نبقيه أثر العبادة وليست هذه النجاسة من اثر العبادة (والثاني) لا لانا نهينا عن غسل الشهيد مطلقا (والثالث) انه ان ادى ازالتها الي ازالة اثر الشهادة فلا تزال والا فتزال (الثالثة) الاولى ان يكفن في ثيابه الملطخة بالدم فان لم يكن ما عليه سابغا اتم

(5/157)


وان اراد الورثة نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز ابدالها بغيرها من الثياب واما الدرع والجلود والفراء والخفاف فتزع منه خلافا لمالك حيث قال لا ينزع منه فرو ولا خف * لنا علي أبى حنيفة القياس علي سائر الموتى ويفارق الغسل والصلاة (اما) الغسل فلان في تركه ابقاء لاثر الشهادة علي بدنه وأما الصلاة فلان في تركها تعظيما له واشعارا باستغنائه عن دعاء القوم وعلي مالك لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بقتلى أحد ان ينزع عنهم الحديد والجلود وان يدفنوا بدمائهم وثيابهم) وقوله في الكتاب وثيابهم الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه ظاهره يقتضي كونها غير الكفن لكن الذى قاله الجمهور انه يكفن بها فان لم تكف أتمت والله اعلم * قال (الطرف الثاني: فيمن يصلى والاولي بها ولا يقدم علي القرابة الا الذكور ولا يقدم الوالى (و) عليه ثم يبدأ بالاب ثم الجد ثم الابن ثم بالعصبات علي ترتيبهم في الولاية ثم الاخ من الاب والام مقدم علي الاخ من الاب في أصح الطريقين ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام ويقدم عليهم المعتق) * غرض الفصل الكلام فيمن هو أولي بالصلاة علي الميت وقد اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن الولي أولي بها أم الوالي (قال) في القديم الوالي أولي ثم أمام المسجد ثم الولي وبه قال

(5/158)


مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كما في سائر الصلوات وقد روى (أن حسينا رضى الله عنه قدم سعيد بن العاص أمير المدينة فصلى علي الحسن رضى الله عنه) (وقال) في الجديد وهو المذكور في الكتاب الولى أولى أولى لانها من قضاء حق الميت فاشبهت الدفن والتكفين ولانها من الامور الخاصة بالقريب فالولى أولى بها من الوالي كولاية التزويج وتفارق سائر الصلوات لان معظم الغرض ههنا الدعاء للميت فمن يختص بزيادة الشفقة دعاؤه أقرب الي الاجابة ونعني بالولي القريب فلا يقدم غيره عليه الا ان يكون القريب انثي وثم أجنبي ذكر فهو أولي حتي يقدم الصبي المراهق علي علي المرأة القريبة وهكذا الحكم في سائر الصلوات الرجل أولي من المرأة لان اقتداء النساء بالرجال جائز وبالعكس لا يجوز
ثم في انفراد النسوة بهذه الصلاة كلام سيأتي من بعد ثم الاولى من الاقارب الاب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وان سفل وهما مؤخران عن الاب والجدوان كانا مقدمين عليها في عصوبة الميراث ومقدمان على سائر العصبات وان لم يثبت لهما ولاية التزويج اما تأخيرهما عن الاب والجد فلان المقصود الدعاء والاب اشفق فيكون دعاؤه اقرب الي الاجالة واما تقديمهما علي سائر العصبات فلمثل هذا المعنى أيضا بخلاف امر النكاح فان اعتناءهم بحفظ النسب أشد ثم بعد الابن يقدم الاخ وفي تقديم الاخ من الابوين علي الاخ من الاب طريقان (أحدهما) أن فيه قولين كما سيأتي ذكر هما في ولاية النكاح وبه قال القاضى أبو حامد وابو علي الطيرى (واصحهما) القطع بتقديمه لان لقرابة النساء تأثيرا في الباب علي ما سيأتي فيصلح للترجيح وليس لها تأثير في ولاية التزويج بحال وعلي هذا فالمقدم بعدهما ابن الاخ للاب والام ثم ابن الاخ للاب ثم العم للاب والام ثم العم للاب ثم ابن العم للاب الام ثم ابن العم للاب ثم عم الاب ثم عم الجد على ترتيب العصبات في الميراث والولاية وان لم يكن أحد من عصبات النسب اصلا قدم المعتق قال في النهاية ولعل الظاهر تقديمه علي ذوى الارحام ولهم استحقاق في هذا الباب للمعني الذى تقدم بخلاف ما في الميراث (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ولا يقدم الوالي عليه مرقوم بالميم والحاء والالف والواو لما قدمناه ولك أن تعلم قوله الاولي بها القريب بهذه العلامات ايضا وقد يبحث عن قوله ولا يقدم على القرابة إلا الذكورة

(5/159)


فتقول قضية هذا الكلام تقديم القريب علي الاجنبي الذى أوصى الانسان بأن يصلي عليه فهل هو كذلك ام يتبع وصيه (والجواب) ان الشيخ ابا محمد خرج المسألة علي وجهين كالوجهين فيما إذا اوصى في أمر أطفاله الي اجنبي وأبوه الذى يلى أمرهم شرعا حي (أصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه تقديم القريب لان الصلاة حقه فلا تنفذ وصية فيه (والثانى) انه تتبع وصيته وهو مذهب أحمد رحمه الله وبه أفتى الامام محمد بن يحيى قدس الله روجه في جواب مسائل سأله عنها والدى رحمة الله عليهما (وقوله) ثم يبدأ بالاب ثم الجد معلم بالميم لان مالكا يقدم الابن علي الاب وقوله ثم العصبات معلم بالميم أيضا لانه يوجب تأخير الاخ عن الجد وعنده يقدم الاخ عليه و (وقوله) ثم إن لم يكن وارث فذووا
الارحام يقتضى تقديم الاخ للام علي ذوى الارحام كلهم قال صاحب التهذيب ان لم يكن أحد من العصبات فان الام أولي ثم الاخ للام ثم الخال ثم العم للام فيقدم أبو الأم وهو من ذوى الارحام علي الاخ للام فالوجه ان يحمل قوله ان لم يكن وارث أي من العصبات وهم الذين سبق ذكرهم هذا الكلام (وقوله) ويقدم عليهم المعتق كأنه مذكور ايضاحا وإلا فقد تقدم في موضعين من من لفظ الكتاب ما يفيده (أحدهما) حيث قال ثم العصبات علي ترتيبهم في الولاية وذلك يقتضي ان أن يلى درجة المعتق درجة عصبات النسب كما في الولاية وذلك يقتضى ان لا يتخللها ذوو الارحام (والثانى) حيث قال ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام والمعتق من الوارثين ثم لا بأس باعلام قوله ويقدم عليهم المعتق بالواو لان في لفظ صاحب النهاية ما يقتضي إثبات خلاف فيه كما قدمناه وكذلك لفظ المصنف في الوسيط * قال (وإذا تعارض السن والفقه فالفقيه اولي علي اظهر المذهبين ولو كان فيهم عبد فقيه وحر غير فقيه أو اخ رقيق وعم حر ففى المسألتين تردد وعند تساوى الخصال لا مرجع إلا القرعة أو التراضي) * إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة كابنين واخوين ونحوهما وتنازعا فقد قال في المختصر يقدم الاسن وذكر في سائر الصلوات ان الافقه أولى واختلف الاصحاب علي طريقتين (اصحهما) وهي التى ذكرها الجمهور ان المسألتين علي ما نص عليهما والفرق بين سائر الصلوات وصلاة الجنازة ان الغرض من صلاة الجنازة الدعا والاستغفار للميت والاسن اشفق عليه ودعاؤه اقرب الي

(5/160)


الاجابة لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ان الله لا يرد دعوة ذى الشيبة المسلم) (والثانية) حكاها الامام عن رواية العراقيين التصرف في النصين بالنقل والتخريج وليس المعتبر في تقديم السن الشيبة وبلوغ سن المشايخ ولكن يقدم الاكبر وان كانا شابين وانما يقدم الاسن بشرط أن يكون محمود الحال فأما الفاسق والمبتدع فلا ويشترط مضي السن في الاسلام كما سبق في سائر الصلوات (وقوله) علي اظهر المذهبين جواب علي
طريقة اثبات الخلاف في المسألة إذ لا يمكن حمل المذهبين على الطريقتين فانه يقتضي اثبات طريق جازم بتقديم الفقيه وذلك مما لا صائر إليه في صلاة الجنازة وإذا عرفت ذلك فكلام المصنف يخالف ما ذكره المعظم من وجهين (احدهما) انهم رجحوا الطريقة القاطعة بتقديم السن وهو اجاب باثبات الخلاف (والثانى) انهم جعلوا الاظهر تقديم السن وان قدر اثبات الخلاف هذه احدى مسائل الفصل (والثانية) لو استوى اثنان في الدرجة وأحدهما رقيق فالحر أولي وان كان احدهما رقيقا فقيها والآخر حرا غير فقيه فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين للشيخ ابي محمد لتعارض المعنيين قال في الوسيط ولعل التسوية اولي (الثالثة) لو كان الاقرب رقيقا والا بعد حرا كالاخ الرقيق مع العم الحر فايهما اولى فيه وجهان (أحدهما) الاخ أولى لان هذه الصلاة مبناها علي الرقة والشفقة والاقرب اشفق ولهذا يقدم القريب المملوك على الاجنبي الحر (وأظهر هما) عند الاكثرين ان العم أولي لاختصاصه بأهلية الولاية كما في ولاية النكاح وكما لو استويا في الدرجة قال في النهاية وأوثر في مثل هذه المسألة مصير بعض الاصحاب الي التسوية لتقابل الامرين

(5/161)


(الرابعة) إذا اجتمع قوم في درجة واحدة واستوت خصالهم فان رضوا بتقديم واحد فذاك والا أقرع بينهم قطعا للنزاع * قال (ثم ليقف الامام وراء الجنازة عند صدر الميت ان كان ذكرا وعند (ح) عجيزة المرأة كأنه يسترها عن القوم فلو تقدم على الجنازة لم يجز علي الاصح لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة) غرض الفصل الكلام في موقف المصلي على الجنازة وفيه مسألتان (أحداهما) السنة للامام أن يقف عند عجيزة المرأة لما روى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم (صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) والمعنى فيه محاولة سترها عن أعين الناس وأما الرجل فاين يقف منه ذكر في الكتاب انه يقف عند صدره وكذلك قاله في النهاية والذى ذكره معظم الاصحاب منهم العراقيون والصيدلانى انه يقف عند رأسه ونسبوا الاول الي ابى علي الطبري
واحتجوا بما روى أن أنسا رضي الله عنه (صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه ثم أتى بجنازة امرأة فصلي عليها وقام عند عجيزتها فقيل له أهكذا كان يصلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة فقال نعم) ورأيت أبا علي قد حكى عن فعل أنس رضى الله عنه مثل قوله وهو الوقوف عند الصدر والله اعلم * ولك أن تعلم قوله عند صدر الميت بالواو لما ذكرناه وان تعلمه وقوله عند عجيزة المرأة كليهما بالميم لان عند مالك يقف عند وسط الرجل ومنكبي المرأة وأن تعلم الكلمة الثانية بالحاء ايضأ لان عند ابى حنيفة رحمه الله يقف عند صدر الميت رجلا كان أو امرأة وعند

(5/162)


احمد يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة كما هو المذكور في الكتاب (الثانيه) أن تقدم علي الجنازة الحاضرة وجعلها خلف ظهره قال في النهاية خرجه الاصحاب علي القولين في تقديم المأموم علي الامام ونزلوا الجنازة منزلة الامام قال ولا يبعد أن يقال تجويز التقدم علي الجنازة أولي فانها ليست إماما متبوعا حتى يتعين تقدمه وانما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر باب الملك ومعه شفعاء ولولا الاتباع لما كان يتجه قول تقديم الجنازة وجوبا وهذا الذى ذكره أشارة إلى ترتيب الخلاف والا فقد اتفقوا على أن الاصح المنع (وقوله) في الكتاب لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة جواب عن كلام يحتج به لجواز التقدم علي الجنازة وهو أن الغائب يصلي عليه كما سيأتي مع أنه قد يكون خلف ظهر المصلي فكذلك إذا كان حاضرا ففرق بينهما بذلك * قال (وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن يصلى علي كل جنازة وان يصلى علي جميعهم صلاة واحدة ثم يوضع (و) بين يدى الامام بعضهم وراء بعض والكل في جهة القبلة وليقرب من الامام الرجل ثم الصبى ثم الخنثى ثم المرأة ولا يقدم بالحرية وانما يقدم بخصال دينية ترغب في الصلاة عليه وعند التساوى لا يستحق القرب الا بالقرعة أو بالتراضى) * إذا حضرت جنائز جاز أن يصلى علي كل واحدة صلاة وهو الاولى وجائز أن يصلى علي الجميع صلاة واحدة لان معظم الفرض من هذه الصلاة الدعاء للميت ويمكن الجمع بين عدد من الموتي في الدعاء وقد يقتضي الحال الجمع ويتعذر افراد كل جنازة بصلاة ولا فرق في ذلك بين أن
يتمحض الموتى ذكورا أو أناثا أو يجتمع النوعان ان اتحد النوع ففى كيفية وضع الجنائز وجهان وصاحب التتمة حكاهما قولين (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انها توضع بين يدى الامام في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليكون الامام في محاذاة الكل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله يوضع الكل صفا واحدا رأس كل ميت عند رجل الآخر ويجعل الامام جميعها علي يمينة ويقف في محاذاة الاخيرة وان اختلف النوع فهيئة وضعها ما ذكرنا في الوجه الاول ولا يجئ الوجه الثاني فان الرجل والمرأة لا يقفان صفا واحدا في الجماعات فكذلك لا يوضعان صفا وواحدا ويجوز أن يعلم قوله بعضهم وراء بعض بالواو لان اللفظ يشمل حالتى اتحاد النوع واختلافه وقد ذكرنا في الحالة الاولى وجها آخر وهو كذلك معلم بالحاء ثم إذا كان هيئة وضعها ما بينا في الوجه الاول فمن

(5/163)


الذى بلي الامام من الموتي لا يخلو الحال أما أن تحضر الجنازة دفعة واحدة أو مرتبة فاما الحالة الاولى وهى التى تكلم فيها في الكتاب فينظر ان اختلف النوع فليلي الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة لما روى أن سعيد بن العاص (صلي على زيد بن عمر الخطاب وامه ام كلثوم بنت على رضي الله عنهم فوضع الغلام بين يديه والمرأة خلفه وفي القوم نحو من ثمانين نفسا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصوبوه وقالوا هذه السنة) وروى ان بن عمر رضى الله عنهما (صلى علي تسع جنائز فجعل الرجال يلونه والنساء يلين القبلة ولو حضر جنائز جماعة من الخناثى وضعت صفا واحدا لئلا تتقدم امرأة علي رجل فان اتحد النوع فيقرب من الامام افضلهم المعتبر فيه الورع والخصال التى ترغب في الصلاة عليه ويغلب علي الظن كونه اقرب من رحمة الله تعالي جدة ولا يتقدم بالحرية بخلاف استحقاق الامامة يقدم فيه الحر علي العبد قال في النهاية لان الامامة في الصلاة تصرف فيها والحر مقدم علي العبد في التصرفات وإذا ماتا استويا في انقطاع التصرف فاقرب معتبر فيه ما ذكرنا فان استووا في جميع الخصال وتنازع الاولياء في القرب دفع نزاعهم بالقرعة وان رضوا بتقريب واحد فذاك (الحالة الثانية) ان تحضر الجنائز مرتبة فلا سبق تأثير في الباب فلا تنحى الجنازة السابقة للحوق اخرى وان كان صاحبها افضل هذا عند اتحاد النوع ولو
وضعت جنازة امرأة ثم حضرت جنازة رجل أو صبي فتنحي جنازتها وتوضع جنازة الرجل أو الصبي بين يدى الامام ولو وضعت جنازة صبى ثم حضرت جنازة رجل لم تنح جنازة الصبى بل يقال لوليه أما ان تجعل جنازتك خلف الصبي أو تنقله إلى موضع آخر والفرق ان الصبى قد يقف مع الرجل في الصف والمرأة تتأخر بكل حال فكذلك بعد الموت وعن صاحب التقريب وجه انه تنحى جنازة الصبى كجنازة المرأة (فان قلت) ولي كل ميت اولي بالصلاة عليه فمن الذى يصلى على الجنازة الحاضرة إذا اقتصروا علي صلاة واحدة (قلنا) كل من لم يرض بصلاة غيره صلي علي ميته وان رضوا جميعا بصلاة واحدة فان حضرت الجنائز مرتبة فولى السابقة اولي رجلا كان ميتها أو امرأة وان حضرت معا أفرع بينهم والله أعلم *

(5/164)


قال (الطرف الثالث في كيفية الصلاة وأقلها تسعة أركان النية والتكبيرات الاربع والسلام والفاتحة (م ح) بعد الاولى والصلاة على رسول الله عليه وسلم بعد الثانية وفي الصلاة على الآل خلاف والدعاء للميت بعد الثالثة وقيل يكفى الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ولو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل الصلاة على الاظهر) * الكلام في كيفية هذه الصلاة في الاقل والاكمل (اما) الاقل فمن أركانها النية ووقتها ما سبق في سائر الصبوات وكذا في اشتراط التعرض للفرضيية الخلاف المقدم وهل يحتاج الي التعرض لكونها فرض كفاية أم تكفى نية مطلق الفرض حكى القاضى الرويانى فيه وجهين (أصحهما) الثاني ثم إن كان الميت واحدا نوى الصلاة عليه وإن حضر موتى نوى الصلاة عليهم ولا حاجة إلي تعيين الميت ومعرفته بل لو نوى الصلاة علي من يصلى عليه الامام جاز ولو عين الميت فأخطأ لم تصح صلاته ويجب علي المقتدى نية الاقتداء كما في سائر الصلوات (ومنها) التكبيرات الاربع روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كبر علي الميت اربعا وقرأ بام القرآن بعد التكبيرة الاولي)

(5/165)


فلو كبر خمسا لم يخل اما أن يكون ساهيا أو عامدا فان كان ساهيا لم تبطل صلاته ولا مدخل
للسجود في هذه الصلاة وإن كان عامدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو زاد ركعة أو ركنا عمدا في سائر الصلوات وهذا الوجه هو المذكور في التتمة والوسيط (واصحهما) على ما ذكره ههنا وبه قال الاكثرون أنها لا تبطل لثبوت الزيادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا

(5/166)


أن الاربع أولى لاستقرار الامر عليها) ؟ واتفاق الاصحاب وقد حكي عن ابن سريح رضى الله عنه إن الاختلافات المنقولة في تكبيرات صلاة الجنازة من جملة الاختلاف المباح وإن كل ذلك سائغ ولو كان مأموما فزاد إمامه على الاربع فان قلنا الزيادة تبطل الصلاة فارقه وإن قلنا لا تبطل لم يفارقه ولا يتابعه في الزيادة علي الاصح من القولين وهل يسلم في الحال أو ينتظر ليسلم معه فيه وجهان (أظهرهما) ثانيهما (واعلم) أن اركان هذه الصلاة قد عدها في الكتاب تسعة والنية والتكبيرات الاربع خمسة منها والسادس السلام وفي وجوب نية الخروج معه ما سبق في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم بالحاء لما ذكرنا ثم وهل يكفى أن يقول السلام عليك حكى الامام تردد الجواب فيه عن الشيخ أبى علي والظاهر المنع والسابع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الاولي وقال أبو حنيفة ومالك لا يقرأ فيها شيئا من القرآن * لنا ما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قرأ فيها

(5/167)


بأم القرآن وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلى) والسابق إلى الفهم من قوله في الكتاب والفاتحة يعد الاولي انه ينبغى أن يكون عقيبهما متقدمة علي الثانية لكن القاضى الرواياتي وغيره حكوا عن نصه انه لو أخر قراءتها الي التكبيرة الثانية جاز والثامن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية خلافا لابي حنفة ومالك فان عندهما لا يجب ذلك كما ذكر في سائر الصلوات * لنا ما

(5/168)


روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يصل علي) وهل نجب الصلاة علي الآل فيه قولان

(5/169)


أو وجهان ذكرنا هما في غير هذه الصلاة وهذه الصلاة أولى بأن لا يجب فيها لانها مبنية على الاختصار

(5/170)


والتاسع الدعاء بعد التكبيرة الثالثة الميت وعن أبى حنيفة أنه لا يحب لنا ما روى أن النبي

(5/171)


صلى الله عليه وسلم (قال إذا صليتم علي الميت فاخلصوا الدعاء له) وفيه وجه انه لا يجب

(5/172)


تخصيص الميت بالدعاء ويكفى إرساله المؤمنين والمؤمنات والميت يندرج فيهم وهذا الوجه معزى

(5/173)


في النهاية إلى الشيخ أبي محمد رحمه الله وقدر الواجب من الدعاء ما ينطلق عليه الاسم اما الا حب فسيأتي والله اعلم * (واعلم) أن القيام وواجب في هذه الصلاة عند القدرة علي الا صح كاسبق فيتوجه

(5/174)


الحاقه بالاركان كما أنه معدود من الاركان في الوظائف الخمس والله أعلم

(5/175)


قال (واما الا كمل فان يرفع (م ح) اليدين في التكبيرات وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ خلاف والاصح

(5/176)


أن الاستفتاح لا يستحب ثم لا يجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه في الادعية للذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام) * لصلاة الجنازة وظائف مندوبة هي توابع للاركان (فمنها) رفع اليدين في التكبيرات الاربع خلافا لابي حنيفة ومالك حيث فالا لا يرفع الا في التكبيرة الاولى * لنا ان عمرو أنسا رضى الله عنهما كانا يرفعان في جميع التكبيرات وعن عروة وابن المسسيب رضى الله عنهما مثله ويجمع يديه بينها ويضعهما تحت صدره كما في سائر الصلوات (ومنها) في قراءة دعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الاولى وجهان (احدهما) انه يقرأ كما في سائر الصلوات وهذا اختيار القاضى ابى الطيب والقفال فيما حكاه القاضي الرواياني (وأصحهما) أنه لا يقرأ لان هذه الصلاة مبنية علي التخفيف ولهذا لم يشرع فيها الركوع والسجود
وشبهما ذلك بقراءة السورة لكن صاحب التهذيب حكى في قراءة السورة بعد الفاتحة الوجهين أيضا وهل يتعوذ فيه وجهان أيضا لكن الا صح أنه يتعوذ بخلاف دعاء الاستفتاح لان التعوذ من سنن القراءة كالتأمين عند تمام الفاتحة ولانه لا يفضى إلي مثل تطويل دعاء الاستفتاح وإذا جمعت بينهما قلت هل يستفتح ويتعوذ فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أنه لا يستفتح ويتعوذ وقوله في الكتاب

(5/177)


والاصح أن الاستفتاح لا يستحب بعد ذكر الخلاف فيهما مشعر بأن الاصح في التعوذ الا ستحباب ولك أن تعلم قوله والتعوذ بالواو لانه اثبت الخلاف فيهما جميعا وفي كلام الشيخ أبى محمد طريقة أخرى قاطعة باستحباب التعوذ (ومنها) ان السنة فيها الاسرار بالقراءة نهارا وبالليل وجهان (أصحهما) وهو ظاهر المنصوص انه يسر أيضا لانها قومة شرعت فيها الفاتحة دون السورة فاشبهت الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والثانى وبه قال الداركي أنه يجهر بها لانها صلاة تفعل ليلا ونهارا فيجهر بها ليلا كصلاة الخسوف وهذا هو الذى حكاه الامام عن الصيد لاني والقاضي الرويانى عن أبي حامد وقوله في الكتاب ليلا معلم بالواو لهذا (ومنها) نقل المزني في المختصر أن عقيب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالي ويصلي على النبي صلي الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات فهذه ثلاثة أشياء أوسطها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهى من الاركان علي ما سبق ذكرها واولها الحمد ولا خلاف في أنه لا يجب وهل تستحب نقل المزني فيه وجهين (أحدهما) وهو قضية كلام الاكثرين وقالوا ليس في كتب الشافعي رضي اله عنه ما نقله المزني (والثاني) نعم وهو الذى أورده صاحب التهذيب ولا تتمة قال هؤلاء ولعل المزني سمعه لفظا (وثالثها) الدعاء للمؤمنين والمؤمنات

(5/178)


وعامة الاصحاب على استحبابه عقيب الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم ليكون أقرب الي الاجابة وفيه كلام آخرنذ كره من بعد (ومنها) إذا كبر الثالثة فيستحب أن يكون في دعاؤه للميت (اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها الي ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدأ عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم انه نزل
بك وأنت خير منزول به واصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحتمك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الارض عن جنبيه ولقه برحتمك الامن من عذابك حتى تبعثه الي جنتك يا أرحم الراحمين) هذا ما نقله المزني في المختصر وورد في الباب عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال (صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزوله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقله من الخطايا كما نقبت الثوب الابيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن اكون ذلك الميت) وعن ابن

(5/179)


القاص رضي الله عنه دعاء آخر قال في الشامل وعليه اكثر أهل خراسان وهو ما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا صلي علي الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا؟ وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا اللهم من أحييته منا فاحيه علي الاسلام ومن توفيته منا فتوفه علي الايمان فان كان الميت امراة قال اللهم هذه امتك وبنت عبدك ويؤنث الكنايات وان كان الميت طفلا اقتصر علي المروى عن ابى هريرة رضى الله عنه ويضيف إليه (اللهم اجعله فرطا لابويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره (وقوله) في الكتاب ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت اعلم بالواو لانه حكي في الوسيط ترددا في ذلك ثم قال والا صح الاستحباب ولعلك تقول قوله عند الدعاء للميت يقتضي استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد التكبيرة الثالثة مع الدعاء للميت والجمهور قالوا باستحبابه في الثانية كما سبق وذكروا انه يخلص في الثالثة الدعاء لميت فكيف سبيل الجمع والتردد الذى رواه في الوسيط ليس له ذكر في كلام الاصحاب فعلى ماذا ينزل (والجواب) ان امام الحرمين حكى في استحبابه ترددا للائمة في الكبيرة الثانية ووجه استحبابه بان صلاة *

(5/180)


علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الا خير يستعقب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فكذلك في هذه الصلاة فان أراد حجة الاسلام قدس الله روحه هذا التردد فالوجه ان يؤول كلمة عند ويقال أراد النظر في أنه هل يدعو للمؤمنين والمؤمنات في هذه الصلاة مع الدعاء للميت ويجوز أن يحمل ما ذكره علي الدعاء الذى ذكره ابن القاص فانه دعاء للمؤمنين والمؤمنات وما قبله يختص بالميت ولا يبعد أن يقدر فيه تردد فان قول من قال يخلص الدعاء للميت في الثالثة ينافى استحباب هذا الدعاء والله أعلم * (وقوله) ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه لذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام أراد في المختصر وعامة كتبه لا علي الاطلاق فان البويطى روى عنه أن يقول بينهما (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) هكذا نقل الجمهور ونقل الصيدلانى عن روايته أن يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا) وحكى قوم منهم صاحب التهذيب الذكر المشهور عن البويطى نفسه فان كان كذلك امكن اجراء قوله ولم يتعرض الشافعي رضي اله عنه على اطلاقه وكيف ما كان فالذكر بينهما لى بواجب والظاهر استحبابه وفي الكافي للرواياني وجه آخرانه لا استحباب وانما هو بالخيار بين أن يذكره أو يدعه ويسلم عقيب التكبيرة وهكذا كان يفعله الامام محمد بن يحيى قدس الله روحه فيما حكاه والدي رحمه الله وفي كيفية السلام من صلاة الجنازة قولان (أصحهما) أن الاولي أن يسلم تسليمتين (أحداهما) عن يمينه (والاخرى) عن

(5/181)


شماله علي ما ذكرنا في سائر الصلوات (والثانى) قاله في الاملاء يقتصر علي تسليمة واحدة.
لان مبني هذه الصلاة على التخفيف خوفا من التغيرات التي عساها تحدث في الميت وعلي هذا فالمنصوص أنه يبدأ بها ملتفتا الي يمينه ويختمها ملتفتا الي يساره فيدير وجهه وهو فيها ومنهم من قال يأتي بها تلقاء وجهه من غير التفات قال امام الحرمين ولا شك ان هذا التردد يجرى في جميع الصلوات إذا رأينا الاقتصار علي تسليمة واحدة واختلفوا في أن القولين في أن الاولى تسليمة أو تسليمتان هما القولان المذكوران من قبل في سائر الصلوات أم لا (فقال) قوم هما هما (وقال) آخرون لا بل هما مرتبان علي القولين في سائر الصلوات إن قلنا يقتصر فيها على تسليمة واحدة فههنا أولي وإن قلنا يسلم تسليمتين فههنا قولان وهذا أصح لان قول الاقتصار في سائر الصلوات لم ينقل إلا عن القديم وهو منقول ههنا
عن الاملاء وأنه محسوب من الجديد ولانهم وجهوه ببناء هذه الصلاة علي التخفيف وهذا لا يجئ في سائر الصلوات ويقتضي الترتيب.
وقد صرح لفظ المختصر بتكرير السلام في سائر الصلوات وقال ههنا ثم يسلم عن يمينه وعن شماله.
وهذا القدر يحتمل القولين جميعا وعلي قول الاقتصار علي تسليمة واحدة هل يزيد ورحمة الله أم يقتصر على قوله السلام عليكم ذكر في النهاية أن الشيخ أبا علي حكى ترددا فيه من طريق الاولى رعاية للاختصار * قال * (فرع) المسبوق يكبر (ح و) كما أدرك وإن كان الامام في أثناء القراءة ثم إن لم يتمكن من التكبيرة الثانية مع الامام صبر إلي التكبيرة الثالثة فيكبر التكبيرة الثانية عندها ثم إذا سلم الامام

(5/182)


تدارك ما بقى عليه ولو لم يكبر الثانية قصدا حتي كبر الامام الثالثة بطلت صلاته إذ لا قدوة الا في التكبيرات) * الفرع يشتمل علي مسئلتين (احداهما) لو لحق مسبوق في خلال صلاة الجنازة كبر شارعا ولم ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يصبر حتي يكبر معه فلو لحق بعد التكبيرة الرابعة تعذر الادراك عنده.
وعن مالك روايتان كالمذهبين كما في سائر الصلوات * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) ولانه أدرك الامام في بعض صلاته فلا ينتظر ما بعده كما في سائر الصلوات ثم في المسألة فروع (أحدها) إذا كبر المسبوق اشتغل بقراءة الفاتحة وإن كان بعد التكبيرة الثانية والامام يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم أو بعد الثالثة والامام يدعو بناء علي أن ما يدركه المسبوق أول صلاته فيراعى ترتيب صلاة نفسه كذا ذكره وهو غير صاف عن الاشكال (الثاني) إذا لحق قبل التكبيرة الثانية وكبر نظر إن كبر الامام كلما فرغ من تكبيره كبر معه الثانية وسقطت عنه القراءة كما إذا ركع الامام عقيب تكبيره في سائر الصلوات وإن قرأ الفاتحة ثم كبر الامام الثانية كبر معه وقد أدرك جميع الصلاة وإن كبر الامام قبل فراغه من القراءة فهل يقطع الفاتحة ويوافقه أو يتم قراءته فيه وجهان كما لو قرأ المسبوق بعض الفاتحة ثم ركع الامام (أصحهما) عند
الاكثرين منهم ابن الصباغ والقاضى الرويانى أنه يقطع القراءة ويتابعه وعلي هذا هل يقرأ بعد الثانية لانه محل القراءة بخلاف الركوع أم يقال لما أدرك قراءة الامام صار محل قراءته منحصرا فيما قبل الثانية وذكر في الشامل فيه احتمالين ولعل الثاني أظهر.
وصاحب الكتاب أجاب بالوجه الثاني وهو أنه يتم القراءة ولا يوافقه في التكبيرة الثانية حيث قال: ثم ان لم يتمكن من التكبيرة الثانية

(5/183)


مع الامام أي لعدم إتمام الفاتحة صبر إلى التكبيرة الثالثة يعني يتمها ويؤخر تكبيرته الثانية الي أن يكبر الامام الثالثة وإلى هذا الوجه صغو إمام الحرمين.
إذا عرفت ذلك فاعلم قوله صبر بالواو واعرف أن ذلك الوجه المشار إليه أظهر (الثالث) إذا فاته بعض التكبيرات تدارك بعد سلام الامام وهل يقتصر علي التكبيرات نسقا أم يأنى بالدعاء والذكر بينها فيه قولان (أحدهما) يقتصر علي التكبيرات فان الجنازة ترفع بعد سلام الامام فليس الوقت وقت التطويل (وأصحهما) أنه يدعي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (وما فاتكم فاقضوا) وكما فاته التكبيرات فاته الدعاء والمستحب ألا ترفع الجنازة حتي يتم المسبوقون ما عليهم وان رفعت لم تبطل صلاتهم وإن حولت عن قبالة القبلة بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة (المسالة الثانية) لو تخلف المقتدى فلم يكبر مع الامام الثانية أو الثالثة حتي كبر الامام التكبيرة المستقبلة من غير عذر بطلت صلاته لان القدوة في هذه الصلاة لا تظهر الا في التكبيرات وهذا التخلف متفاحش شبيه بالتخلف بركعة في سائر الصلوات حكى الامام المسألة وجوابها عن شيخه وقطع بما ذكره وتابعهما المصنف رحمه الله * قال (الطرف الرابع في شرائط الصلاة وهى كسائر الصلاة ولا يشترط الجماعة فيها ولكن قيل لا يسقط الفرض الا بأربعة يصلون جمعا أو آحادا وقيل يسقط بثلاث وقيل يسقط بواحد وفي الاكتفاء بجنس النساء خلاف) *

(5/184)


الشرائط المرعية في سائر الصلوات كالطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها مرعية في هذه
الصلاة أيضا واراد بقوله وهى كسائر الصلوات التسوية فيها دون الاركان والسنن ويجوز أن يعلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله هذه الصلاة تفارق غيرها في أمر الطهارة فيجوز التيمم لها

(5/185)


عند خوف الفوات مع وجود الماء ومعظم غرض هذا الطرف الكلام فيما وقع الخلاف في اشتراطه في هذه الصلاة إما بين اصحابنا أو ببننا وبين غيرنا وفيه مسائل (منها) أن السنة أن تقام جماعة كذلك (كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعل) وعليه استمر الناس ولا يشترط فيها الجماعة كسائر الصلوات

(5/186)


وقد صلي الصحابة علي الرسول صلي الله عليه وسلم افرادا وفيمن يسقط به فرض هذه الصلاة وجوه (احدها) أنه لابد من اربعة يصلون جماعة وافرادا كما لا بد من اربعة يجملونه كذا ذكره

(5/187)


الشيخ أبو علي وغيره قال الامام هذا التشبيه هفوة فان الحمل بين العمودين أفصل للحاملين وأنه يحصل بثلاثة كما تقدم (والثانى) أنه يكفى ثلاثة * واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم

(5/188)


(صلوا على من قال لا اله الا الله) خاطب به الجمع وأقله ثلاثة وهذا أصح الوجوه عند الشيخ ابى الفرج البزار (والثالث) أنه يسقط الفرض بواحد لانه لا يشترط فيه الجماعة فكذلك العدد كسائر الصلوات (والرابع) أورده في التهذيب أنه لا بد من اثنين ويكتفى بهما بناء علي أن أقل الجمع اثنان وهذا الوجه لم يبلغ الامام نقلا لكن قال هو محتمل جدا لان الاجتماع يحصل بذلك وهو كقولنا في مسالة الانفضاض علي رأى يكتفى ببقاء واحد مع الامام.
ونقل جماعة من أئمتنا الوجه الثاني والثالث قولين منصوصين منهم صاحب الشامل ومنهم القاضي الرويانى وقال هو وغيره الظاهر

(5/189)


الاكتفاء بواحد والله اعلم.
ويتفرع على هذه الوجوه ما لو تبين حدث الامام أو بعض المقتدين ان بقي العدد المكتفى به فالفرض ساقط به والا فلا.
وهل الصبيان المميزون بمثابة الباغين علي اختلاف
الوجوه فيه وجهان (أظهرهما) نعم.
وفي النساء وجهان (أحدهما) أنهن كالرجال لصحة صلاتهن وجماعتهن (واصحهما) ولم يذكر صاحب التهذيب وكثيرون سواه انه لا يكتفى بهن وان كثرن نظرا للميت فان دعاء الرجال اقرب الي الاجابة وأهليتهم الي العبادات ولان فيه استهانة بالميت وموضع الوجهين ما إذا كان هناك رجال فان لم يكن رجل صلين للضرورة منفردات وسقط الفرض قال في العدة: وظاهر المذهب أنه لا يستحب لهن أن يصلين جماعة في جنازة الرجل والمرأة (وقيل) يستتحب ذلك في جنازة المرأة * قال (ولا يشترط حضور الجنازة بل يصلي (م ح) على الغائب الا (و) إذا كان في البلد) *

(5/190)


تجوز الصلاة علي الغائب بالنية سواء كان في جهة القبلة أو في غير جهها والمصلى مستقبل بكل حال وبه قال احمد خلافا لمالك وأبى حنيفة رحمهم الله * لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج الي المصلي وصفهم وكبر أربع تكبيرات) وهذا إذا كانت الجنازة في بلدة أو قرية ولا فرق بين أن يكون بين الموضعين مسافة القصر أو لا يكون فان كانت في تلك البلدة فهل يجوز أن يصلي عليها وهي غير موضوعة بين يديه فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائبة عن البلد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لتيسر الحضور وشبه هذا الخلاف بالخلاف في نفوذ القضاء على من في البلد مع امكان الاحضار وإذا شرطنا حضور الجنازة فينبغي ان لا يكون بين الامام وبينها اكثر من مائتي ذراع أو ثلثمائة علي التقريب حكاه المعلق عن الشيخ ابي محمد ولا يشترط (م ح) ظهور الميت بل تجوز الصلاة علي المدفون ولكن تقديم الصلاة واجب فان لم تقدم فلا

(5/191)


تفوت بالدفن ثم قبل انه يصلي بعد الدفن إلى ثلاثة ايام وقيل إلى شهر وقيل الي انمحاق الاجزاء وقيل من كان مميزا عند موته يصلي عليه ومن لا فلا وقيل ويصلي عليه أبدا ومع هذا فلا يصلي على قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم) * إذا أقيمت جماعة صلاة الجنازة ثم حضر آخرون فلهم أن يصلوا عليها افرادا أو في جماعة
اخرى وتكون صلاتهم فرضا في حقهم كما أنها فرض في حق الاولين بخلاف من صلاها مرة لا تستحب له إعادتها فان المعادة تكون تطوعا وهذه الصلاة لا يتطوع بها فان كان قد صلي مرة وأراد إعادتها في جماعة لم يستحب ايضا في اظهر الوجهين.
ولا فرق بين ان يكون حضور الآخرين قبل الدفن أو بعده ولا يشترط ظهور الميت وخالف أبو حنيفة في الحالتين (اما) قبل الدفن فلان عنده لا يصلي علي الجنازة مرتين واما بعده فلان عنده لا يصلى علي القبر إلا إذ دفن ولم يصل عليه الولي فله ان يصلي على القبر وكذا له ان يصلي عليه قبل الدفن إذا كان غائبا وصلى عليه غيره وساعد ابا حنيفة مالك في الفصلين والخلاف جاء فيما إذا دفن ميت قبل ان يصلى عليه فعندنا يصلي على قبره ولا ينبش للصلاة ولكن يأثم الدافنون بما فعلوا فان تقديم الصلاة على الدفن واجب وعند هما لا يصلى على القبر * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلا فقال متي دفن هذا قالوا البارحة قال افلا آذنتموني قألوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك فقام وصفنا خلفه قال ابن عباس رضى الله عنهما وانا فيهم فصلي عليه) ولك ان

(5/192)


تعلم قوله في الكتاب فلا تفوت بالدفن بالوا ولان أبا عبد الله الحناطى حكى عن أبى إسحاق المروزى أن فرض الصلاة لا يسقط بالصلاة علي القبرو انما يصلي على القبر من لم يدرك الصلاة وإلى متى تجوز الصلاة علي القبر

(5/193)


* فيه خمسة أوجه (احدهما) إلى ثلاثة ايام ولا تزاد لانها اول جد الكثرة وآخر حد القلة ويروى هذا عن اصحاب ابي حنيفة رحمه الله حيث جوزوا للولي الصلاة على القبر (والثانى) وبه قال احمد

(5/194)


رحمه الله أنه يصلى عليه إلي شهر ولا يزاد وهذا ما ذكره ابن القاص في المفتاح قال القفال يحتمل أنه خرج ذلك من صلاة النبي صلي الله عليه وسلم علي النجاشي فانه كان بينهما مسيرة شهر ومعلوم أنه لولا الوحي لما

(5/195)


علموا بموته الا بعد شهر ومنهم من وجهه بما روى (صلى الله عليه وسلم انه صلي علي البراء بن معرور
بعد شهر) ولم تنقل الزيادة عليه (الثالث) انه يصلى عليه ما دام يبقى منه شئ في القبر فان انمحقت الاجزاء كلها فلا إذ لم يبق ما يصلى عليه وعلي هذا فلو تردد في انمحاق الاجزاء فلامام الحرمين رحمه الله فيه احتمالان (أحدهما) ان يقال الصلاة تستدعي تيقن البقاء في القبر (والثاني) أن يقال الاصل بقاءه فيجوز وهذا الثاني أوفق لرواية الصيدلاني، آخرين وأصل الوجه فانهم نقلوا انه يصلي عليه ما لم يعلم بلاه (والوجه الرابع) أنه يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة يوم الموت ولا يصلى عليه غيره هكذا روى الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما عن الشيخ ابى زيد وأشار إليه صاحب

(5/196)


الافصاح ووجهه بان من كان من أهل الفرض يومئذ كان الخطاب متوجها عليه فمتي أدى كان مؤديا لفرضه وغيره لو صلي كان متطوعا وهذا الصلاة لا يتطوع بها وروى المحاملي وطائفة هذا الوجه بعبارة أخرى فقالوا من كان من أهل الصلاة يصلي عليه يوم موته ومن لا فلا فعلي العبارتين معا من لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزا لم يكن له أن يصلي علي القبرو من كان مميزا حينئذ هل يصلى اما العبارة الاولي فلا لانه لم يكن من أهل فرضية الصلاة وأما علي الثانية فنعم لانه كان من أهل الصلاة والعبارة الاولي أشهر والثانية أصح عند القاضى الرويانى وهى التي يوافقها لفظ الكتاب فانه قال وقيل من كان مميزا عند موته يصلي فلا يعتبر إلا التمييز الذى يعطي أهلية الصلاة دون

(5/197)


أهلية الافتراض (والوجه الخامس) انه يصلى عليه ابدا لان القصد بهذه الصلاة الدعاء وهو جائز في الاوقات كلها وأظهر الوجوه هو الرابع ثم هذا كله في قبر غير النبي صلي الله عليه وسلم (فأما) الصلاة علي قبره فتبني علي الوجوه المذكورة في حق غيره فعلى الوجوه الاربعة الاولي لا يصلي عليه اليوم أما على غير الثالث فظاهر وأما الثالث فليس الامتناع لانه يبلى إذ الارض لا تأكل أجساد الانبياء ولكن لانه روى في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (أنا أكرم علي ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث) وعلي الوجه الخامس هل يصلى عليه فيه وجهان (أظهر هما) لا لما روى أنه صلي

(5/198)


الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (والثاني) نعم كما في حق غيره ولكن فرادى لا جماعة كما فعل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويحكى هذا عن أبي الوليد النسابورى.
إذا عرفت ذلك أعلمت قوله فلا يصلي علي قبر رسول لله صلي الله عليه وسلم بالواو ويجوز أن يعلم ما سوى الثاني من الوجوه بالالف لان مذهبه الثاني كما قدمناه (فائدة) قوله في أول هذا الطلاف: وهى كسائل الصلوات اراد به في الشرائط كما قدمناه ثم الغرض بيان ان شرائط سائر الصلوات مرعية فيها لان شرائط هذه الصلاة منحصر فيها لانه يشترط فيها تقدم غسل الميت حتي لو مات في بئر أو معدن انهدما عليه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه ذكره صاحب التتمة ويشترط فيها أيضا عدم التقدم علي الجنازة الحاضرة بين يديه وعلي القبر إن كان يصلي عليه علي الصحيح * قال (القول في الدفن * واقله حفرة تحرس الميت عن السباع وتكتم رائحته واكمله قبر على قامة

(5/199)


الرجل واللحد افضل من الشق وليكن اللحد في جانب القبلة ثم توضع الجنازة علي راس القبر بحيث يكون راس الميت عند مؤخر القبلة من جهة رأسه ولا يضع الميت في قبره إلا الرجل فان كانت امراة فيتولي ذلك زوجها ومحارمها فان لم يكن فعبيدها فان لم يكن فخصيان فان لم يكن فار حام فان لم يكن فالا جانب لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الا مر ثم إن لم يستقل واحد بوضعه فليكن عدد الواضعين وترا) دفن الميت من فروض الكقايات كغسله والصلاة عليه والدفن في المقبرة اولى لينال الميت دعاء المارين والزائرين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدفن اصحابه في المقابر) ويجوز الدفن في غير المقابر لانهم (دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها فلو تنازع الورثة فقال بعضهم ندفنه في ملكه وقال آخرون بل في المقبرة المسبلة دفن في المقبرة المسبلة لان ملكه قد انتقل إلي الورثة وبعض الشركاء غير راض بدفنه فيه فلو بادر بعضهم ودفنه فيه كان للباقين نقله إلى المقبرة والاولي ان لا يفعلوا لما فيه من الهتك ولو اراد بعضهم دفنه في خالص ملكه لم يلزم الباقين قبوله ولو بادر إليه قال ابن الصباغ لم يذكره الاصحاب وعندي انه لا ينقل فانه هتك

(5/200)


وليس في ابقائه ابطال حق الغير ولو توافقوا علي دفن الميت في ملكه ثم باعوه لم يكن للمبتاع نقله وله الخيار إن كان جاهلا به ثم لو اتفق نقله أو بلي كان الموضع للبائعين أو المشترى فيه وجهان سيأتي في البيع نظائرها.
إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) لا يجوز الاقتصار في الدفن علي ادنى احتفار بل اقل ما في البأب حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن السباع لعسر نبش مثها عليها غالبا وهذان المعنيان كتمان الرائحة والحراسة عن السباع قد ذكرهما إمام الحرمين في حد واجب الدفن وتابعه المصنف فان كانا متلازمين فمي وجدت احدى الصفتين في الحفرة توجد الاخرى والغرض من ذكرهما بيان الفائدة المطلوبة بالدفن وان لم يكونا متلازمين فبان أنه يجب رعايتهما ولا يكتفى بأحدهما مقصود أيضا (واما الاكمل) فيستحب توسيع القبر وتعميقه روى انه صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا ووسعوا وعمقو) والمنقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يعمق قدر بسطة قال المحاملي وغيره وانما أراد بسطة بعد القيام علي ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال (عمقوا إلى قدر قامة وبسطة) وقدره بثلارثة أذرع ونصف وهو قدر ما يقوم الرجل ويبسط

(5/201)


يده مرفوعة غالبا والاعتبار بالاربعة من الرجال وفيما علق عن الشيخ أبى محمد أن السنة من التعميق بقدر قامة وهو ثلاثة أذرع وذكر في النهاية ما يواقفه فنقل لفظ البسطة وفسرها بقامة رجل وسط فيشبه أن يكون وجها آخر وهو الذى يوافقه لفظ الكتاب والمشهور في المذهب هو الاول (وقوله) في الكتاب: وأقله واكمله.
الكناية فيهما يجوز أن ترجع إلى غير مذكور المعنى واقل المدفون فيه ويجوز أن ترجع إلى المذكور وهو الدفن وحينئذ يحتاج الكلام إلى إضمار معناه وأقل الدفن في حفرة والاول أولى لان واجب الدفن لا ينحصر في الدفن في حفرة صفتها ما ذكر بل يجب مع ذلك وضع الميت مستقبل القبلة علي ما سيأتي واعلم قوله قدر قامة الرجل بالميم لان المحكي عن مالك أنه لا حد في تعميق القبر (المسالة الثانية) اللحد والشق كل واحد منهما جائز واللحد أن يحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من الاسفل قبل ما يوضع الميت فيه وليجعل ذلك من جهة القبلة والشق أن يحفر حفرة كالنهر أو يبنى جانباه باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف وأيهما اولي ان كانت الارض صلبة فاللحد وان
كانت رخوة فالشق وعند أبى حنيفة الشق اولي بكل حال هكذا روى جماعة من اصحابنا وفي مختصر

(5/202)


الكرخي وغيره من كتب أصحابه انه يلحد ولا يشق كمذهبنا ووجه تقديم اللحد ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان النبي صلي الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا) وروى انه

(5/203)


كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر يشق فبعث الصحابة رضي الله عنهم في طلبهما وقالوا أيهما جاء أولا عمل عمله لرسول الله صلي الله عليه وسلم جاء الذى يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (الثالثة) توضع الجنازة علي شفير القبر بحيث يكون رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل

(5/204)


في القبر من قبل رأسه سلا رفيقا وبه قال احمد وقال أبو حنيفة توضع الجنازة بين القبر والقبلة ويدخل

(5/205)


لقبر عرضا * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا) وقوله في الكتاب ثم توضع الجنازة علي رأس القبر لم يعن برأس القبر ضد رجله ومؤخره وإنما أراد طرفه الا تراه يقول عقيبه بحيث يكون رأس الميت عند مؤخر القبر (الرابعة) لا يدخل الجنازة في القبر الا الرجال ما وجدوا سواء كان الميت رجلا أو امرأة لانه يحتاج الي بطش وقوة والنساء يضعفن عن مثل ذلك غالبا ويخشي من مباشرتهن لذلك انهتاك الميتة وانكشافهن ثم أولي الرجال بالدفن أولاهم بالصلاة نعم الزوج أحق بدفن الزوجة من غيره ثم بعده المحارم ويقدم منهم الاب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الاخ ثم ابن الاخ ثم العم فان لم يكن منهم أحد فعبيدها وهم أولي من بنى العم لانهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه علي الصحيح وفيه خلاف سيأتي في

(5/206)


موضعه فان ألحقناهم بالاجانب فلا يتوجه تقديمهم وأبدى امام الحرمين فيهم الاحتمال من جهة أخرى وهى ان ملكها ينقطع عنهم بالموت وشبهه بالتردد؟ في غسل الامة مولاها فان لم يكن لها عبيد
فالخصيان أولى لضعف شهوتهم قال الامام وفيه احتمال بين سنذكره في أحكام النظر فان لم يكونوا فذووا الارحام الذين لا محرمية لهم فان لم يكونوا فأهل الصلاح من الاجانب قال الامام وما أرى تقديم ذوى الارحام محتوما بخلاف تقديم المحارم لان الذين لا محرمية لهم من ذوى الارحام كالا جانب في وجوب الاجتناب عنهم في الحياة وقدم في العدة صاحبها نساء القرابة على الرجال الاجانب وهو خلاف النص والمذهب المشهور إذا عرفت ما ذكرنا فلا يخفى عليك ان قوله في الكتاب

(5/207)


زوجها ومحارمها ليس للجمع ولا للتخيير وإنما الامر فيه علي الترتيب وان قوله فعبيدها يجوز أن يعلم بالواو وكذا قوله فخصيان (وقوله) فأرحام أي ذووا أرحام (وقوله) لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الامر تعليل لاول الكلام وهو قوله: ولا يضع الميت في قبره الا الرجال ويجوز أن يعلم قوله فان لم يكن فالاجانب بالواو أيضا لما ذكرنا في العدة (الخامسة) ان استقل واحد بوضع الميت في القبر فان كان طفلا فذاك وإلا فالمستحب أن يكون عدد الدافنين وترا ثلاثة أو خمسة علي قدر الحاجة وكذلك عدد الغاسلين ويروى أن النبي صلي الله عليه وسلم دفنه علي والعباس وأسامة رضي الله عنهم) ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب رجلا كان الميت أو امرأة لكن

(5/208)


ستر المرأة آكد وعند أبي حنيفة رحمه الله يختص الاستحباب بالمرأة وروى مثله عن أحمد واختاره أبو الفضل بن عبد ان من أصحابنا * لنا ما روى (ان النبي صلي الله عليه وسلم لما دفن سعد بن معاذ رضي الله عنه ستر قبره بثوب) والمعنى فيه انه ربما ينكشف عند الاضجاع وحل الشداد ويستحب لمن يدخله القبر أن يقول بسم الله وعلي ملة رسول الله روى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم ثم يقول اللهم أسلمه اليك الاشخاص من ولده وأهله وقرابته واخوانه

(5/209)


وفارقه من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت

(5/210)


خير منزول به ان عاقبته فبذنبه وان عفوت فأهل العفو أنت.
أنت غني عن عذابه وهو فقير الي رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحتمك إلا من

(5/211)


من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم فاخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين هذا لدعاء منقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر

(5/212)


قال (ثم يضجع الميت على جنبه الا يمن في اللحد بحيث لا ينكب ولا يستلقي ويفضي بوجهه الي تراب أو لبنة ثم ينضد اللبن علي فتح اللحد وتسد الفرج بما يمنع التراب ثم يحثى عليه كل من دنا ثلاث

(5/213)


حثيات ثم يهال عليه التراب بالمساحي)

(5/214)


إذا دخل اليت القبر أضجع في اللحد علي جنبه الايمن مستقبل القبله كذلك فعل برسول الله صلي الله عليه وسلم وكذلك كان يفعله وليكن الاضجاع بحيث لا ينكب ولا يستلقى وذلك بأن يدنى من جدار اللحد فيسند إليه وجهه ورجلاه ويجعل في باقى بدنه بعض التجافي فتكون هيئته قريبة من هيئة الراكعين ويسند ظهره إلي لبنة ونحوها فهذا يمنعه من الاستلقاء وذلك من الانكباب

(5/215)


واعلم بأن وضعه مستقبل القبلة واجب علي ما حكاه الجمهور حتى لو دفن مستدبرا أو مستلقيا فانه ينبش ويوجه الي القبلة ما لم يتغير فان تغير فقد قال في التهذيب وغيره لا ينبش بعد ذلك وحكي عن القاضى أبى الطيب انه قال في المجرد والتوجيه إلى القبلة سنة فإذا ترك فيستحب أن ينبش ويوجه ولا يجب ولو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم ميت فيجعل ظهرها إلى القبلة توجيها للجنين المسلم

(5/216)


الي القبلة فان وجه الجنين فيما ذكر الي ظهر الام وأين تدفن هذه قيل بين مقابر المسلمين والكفار
وقيل في مقابر المسلمين وتنزل هي منزلة صندوق للولد ويروى أن عمر رضى الله عنه أمر بذلك

(5/217)


وحكي في العدة وجها آخر أنها تدفن في مقابر المشركين (وأما) الاضجاع علي اليمين فليس بواجب بل لو وضع على الجنب الايسر مستقبلا كره ولم ينبش كذلك ذكر في التتمة ويجعل تحت رأس

(5/218)


الميت لبنة أو حجرا ويفضى بخده الايمن إليه أو الي التراب فذلك أبلغ في الاستكانة ولا يوضع تحت رأسه مخدة ولا يفرش تحته فراش حكى العراقيون كراهة ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه لم ينقل عن احد من السلف وفيه تضييع المال وقال في التهذيب لا بأس به إذ روى عن ابن

(5/219)


عباس رضي الله عنهما (انه جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطفة حمراء) ويكره ان يجعل في تابوت

(5/220)


إلا إذا كانت الارض رخوة أو ندية ولا تنفذ الوصية به الا في مثل هذه الحالة ثم يكون التابوت من رأس المال ثم إذا وقع الفراغ من وضع الميت نصب اللبن علي فتح اللحد روى عن سعد بن ابي وقاص رضى الله عنه انه قال (اصنعوا بى كما صنعتم برسول الله صلي الله عليه وسلم انصبوا علي اللبن واهليوا على التراب) وتسد فرج اللبن بكسر اللبن مع الطين أو بالاذخر ونحوه ثم يحثى كل من

(5/221)


دنا ثلاث حثيات من التاب بيديه ثم يهال بالمساحي روي ان النبي صلي الله عليه وسلم (حتى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) قال في التتمة ويستحب ان يقول مع الاولي (منها خلقنا كم) ومع

(5/222)


الثانية (وفيها نعيدكم) ومع الثالثة (ومنها تخرجكم تارة أخرى) وقوله في الكتاب ثم ينضد اللبن من التنضيد وهكذا ذكر امام الحرمين ولفظ الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب رحمة الله عليهم ينصب وهما جميعا مؤديان الغرض *
قال (ولا يرفع نعش القبر الا بقدر شبر ولا يجصص ولا يطين ولا بأس بالحصى ووضع الحجر علي رأس القبر للعلامة ثم التسنيم افضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض) *

(5/223)


المستحب أن لا يزاد في القبر على ترابه الذى خرج منه حتى لا يعظم شخوصه عن الارض ولا يرفع نعشه إلا قدر شبر ما روى عن جابر رضي الله عنه (أنه لحد لرسول الله صلي الله عليه وسلم ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره عن الارض قدر شبر) وعن القاسم بن محمد قال (دخلت علي

(5/224)


عائشة رضى الله عنها فقلت يا أماه اكتشفي لي عن قبر النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرفة ولا لاطئة مبطوحة بطحاء العرصة الحمراء) وإنما يرفع نعش القبر

(5/225)


ليعرف فيزاد ويحترم واستثنى في التتمة ما إذا مات مسلم في بلاد الكفر قال لا يرفع قبره ويخفى كيلا يتعرض له الكفار إذا خرج المسلمون منها ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه نهي عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب وأن يوطأ) ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا (وأما قوله) فلا يطين

(5/226)


فليس له ذكر في أكثر كتب الاصحاب وإنما ذكره المصنف وامام الحرمين كأنهما ألحقا التطيين بالتجصيص لكن لا يبعد الفرق بيهما فان التجصيص زينة دون التطيين أو الزينة في التجصيص اكثر وذلك لا يناسب حال الميت وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه أنه لا باس بالتطيين وروى مثله عن أحمد فلك أن تعلم قوله ولا يطين بالواو والالف ويستحب أن يرش الماء علي القبر ويوضع عليه الحصي روى ذلك (عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم بقبر ابنه ابراهيم)

(5/227)


(ورش بلال رضى الله عنه علي قبر النبي صلي الله عليه وسلم) ويستحب أن يوضع عند رأسه صخرة
أو خشبة ونحوها (وضع النبي صلي الله عليه وسلم صخرة علي رأس قبر عثمان بن مظعون وقال أعلم بها قب رأخي وادفن إليه من مات من أهلي) (وقوله) في الكتاب ولا بأس بالحصي ووضع حجر لا يقتضي

(5/228)


الا نفى الحرمة والكراهة وهما مع ذلك مستحبان نص عليه الائمة كما بيناه فاعرف ذلك ثم الافضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل وقال مالك وابو حنيفة رحمهم الله

(5/229)


التسنيم أفضل * لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم (سطح قبرا بنه ابراهيم) وعن القاسم بن محمد قال رأيت قبر النبي

(5/230)


صلي الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما مسطحة) وقال ابن أبي هريرة إن الافضل الآن العدول من التسطيح

(5/231)


إلى التسنيم لان التسطيح صار شعارا للروافض فالاولي مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام

(5/232)


بالبدعة ومثله ما حكى عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعارا لهم فالمستحب الاسرار بها

(5/233)


مخالفة لهم واحتج له بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقوم إذا بدت جنازة فأخبر أن اليهود تفعل ذلك فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم) وهذا الوجه هو الذى أجاب به في الكتاب

(5/234)


ومال إليه الشيخ أبو محمد رحمه الله وتابعه القاضي الرواياني.
لكن الجمهور علي أن المذهب الاول قالوا ولو تركنا ما ثبت في السنة لاطباق بعض المبتدعة عليه لجر نا ذلك الي ترك سنن كثيرة وإذا

(5/235)


اطرد جرينا علي الشىء خرج عن أن يعد شعارا للمبتدعة * قال (ثم الافضل لمشيع الجنازة أن يمكت الي مواراة الميت)

(5/236)


عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (من صلي علي الجنازة ورجع فله قيراط ومن صلي عليها ولم يرجع حتي دفن فله قيراطان أصغرهما وروى احد هما مثل أحد) قال الاصحاب وللانصراف من الجنازة

(5/237)


أربع درجات (احداها) أن ينصرف عقيب الصلاة فله من الاجر قيراط (والثانية) ان يتبعها حتى توارى ويرجع قبل اهالة التراب (والثالثة) ان يقف الي الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء (والرابعة)

(5/238)


ان يقف علي القبر ويستغفر الله تعالي جده للميت وهذه اقصى الدرجات في الفضيلة روى ان النبي صلى

(5/239)


الله عليه وسلم (كان إذا فرغ من قبر الرجل وقف عليه وقال استغفر والله له واسألوا الله تعالي له التثبيت فانه الآن يسأل) وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب الدرجة الثالثة وهل تحصل لصاحب الثانية

(5/240)


حكي الامام فيه ترددا واختار الحصول وإذا وقفت على ما ذكرنا عرفت انه ليس الغرض من قوله في الكتاب ثم الافضل لمشيع الجنازة الخ انه الافضل علي الاطلاق بل فوقه ما هو افضل منه وانما المراد

(5/241)


أنه أفضل من الانصراف عقيب الصلاة ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين اخوانا ورد الخبر به عن النبي صلي الله عليه وسلم *

(5/242)


قال (فرعان (الاول) لا يدفن في قبر واحد ميتان الالحاجة ثم يقدم الافضل إلى جدار اللد؟

(5/243)


ولا يجمع بين الرجال والنساء الالشدة الحاجة ثم يجعل بينهما حاجز من التراب) *

(5/244)


المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر كذلك (فعل النبي صلي الله عليه وسلم وأمر به) فان كثر الموتي بقتل وغيره وعسر افراد كل ميت بقبر دفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد لما روى (أنه صلي الله عليه وسلم قال للانصار يوم أحد احفروا واوسعوا وعمقوا واجعلوا الا ثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا اكثرهم قرآنا) وليقدم الافضل الي جدار للحد مما يلي القبلة

(5/245)


ويقدم الاب علي الابن وان كان الابن افضل لحرمة الابوة وكذلك تقدم الام على البنت ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا عند شدة الحاجة وانتهائها الي الضرورة ويجعل بينهما حاجز من التراب ويقدم الرجل وان كان ابنا والمرأة امه فان اجتمع رجل وأمراة وخنثى وصبى قدم الرجل ثم الصبى ثم الخنثي ثم المرأة والسابق الي الفهم من لفظ الكتاب واشارة جمع من الاصحاب أنه لا حاجة الي الحاجز بين الرجلين وبين المرأتين وانما الحاجز عند اختلاف النوع وذكر العراقيون أنه يجعل بين الرجلين حاجز أيضا وكذا بين المرأتين والله أعلم * قال (الثاني) القبر يحترم فيصان عن الجلوس والمشى والاتكاء عليه بل يقرب الانسان منه كما يقرب في زيارته لو كان حيا ولا ينبش القبر الا إذا انمحق اثر الميت بطول الزمان أو دفن من غير غسل أو في ارض مغصوبة أو في كفن مغصوب ولو دفن قبل التكفين لم ينبش علي أظهر الوجهين والكتفى بالتراب ساترا) * أصل الفرع أن القبر محترم توقيرا للميت ويبنى عليه مسائل (احداها) انه يكره) الجلوس عليه والاتكاء وكذلك وطؤه الا لحاجة بان لا يصل إلى قبر ميته الا بوطئه وعن مالك أنه لا يكره شئ من ذلك * لنا ما روي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لان يجلس أحد كم علي جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الي جلده خير له من أن يجلس علي قبر) (الثانية) يستحب زيارة القبور للرجال لما روى

(5/246)


أنه صلي الله عليه وسلم قال (كنت انهيكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكر الآخرة)

(5/247)


واما النساء فهل يكره لهن الزيارة فيه وجهان (احدهما) ولم يذكر الاكثرون سواه نعم لقلة صبرهن وكثرة جز عهن وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (لعن زوارات القبور) (والثانى) لا قال الرويانى

(5/248)


في البحر وهذا اصح عندي إذا امن الافتتان والسنة ان يقول الزائر سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وينبغي أن يدنو الزائر من القبر المزور بقدر ما يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره وسئل القاضى أبو الطيب عن ختم القرآن في المقابر فقال الثواب للقارئ ويكون الميت كالحاضرين يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعني وأيضا فالدعاء عقيب القراءة أقرب الي الاجابة والدعاء ينفع الميت (الثالثة) لا يجوز نبش القبلا الا في مواضع (منها) ان يبلي الميت ويصير ترابا فيجوز نبشه ودفن غيره فيه

(5/249)


ويرجع في ذلك الي اهل الخبرة ويختلف بالختلاف اهوية البلاد وأرضها وإذا بلي الميت لم يجز عمارة القبر وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة لئلا يتصور بصور القبور الجديدة فيدفن فيه من شاء ميته (ومنها) أن يدفن الي غير القبلة وقد سبق (ومنها) أن يدفن من يجب غسله من غير غسل فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه يجب النبش تداركا لواجب الغسل وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا يجب ذلك بل يكره لما فيه من هتك الميت وعلي الاول متى يخرج للغسل فيه وجهان مذكوران في العدة (أظهرهما) وهو المذكور في النهاية والتهذيب ما لم يتغير الميت (والثانى) ما دام يبقى جزء منه من عظم وغيره وعند ابى حنيفة لو أهيل عليه التراب لم ينبش والا نبش ليغسل فلذلك اعلم قوله أو دفن من غير غسل بالحاء مع الواو (ومنها) لو دفن في ارض مغصوبة فالاولى لصحابها أن يتركه فان ابى وطلب اخراجه كان له ذلك قال في النهاية وأشار الائمة إلى انه يخرج وان تغير وكان في اخراجه هتك حرمته لان حرمة الحى الولي بالمراعاة ويجوز ان يظن ظان
تركه فانه سيبلي عن قريب وقد تنزل حرمة الميت منزلة الحي فيما هذا سبيله (ومنها) لو كفن في ثوب مغصوب أو مسروق ودفن فهل ينبش أورد فيه ثلاثة اوجه (اظهرها) وهو المذكور في الكتاب نعم كما ينبش لرد الارض المغصوبة (والثاني) وهو الذى ذكره صاحب الشامل لا يجوز نبشه لانه مشرف علي الهلاك بالتكفين بخلاف الارض فيعطى حق إلها لك وينقل حكم المالك الي القيمة ولان هتك الحرمة في نزع الكفن اكثر (والثالث) إن تغير الميت وكان في النبش ورد الثوب هتكه لم ينبش والا نبش ورد (ومنها) لو دفن في ثوب حرير هل ينبش فيه هذا الحلاف ولو دفن من غير كفن فهل ينبش ليكفن فيه وجهان (احدهما) نعم كما لو دفن من غير غسل فان كل واحد منهما واجب (وأظهرهما) لا فان المقصود من التكفين ستره واحترامه وقد ستره التراب فالاكتفاء به أولي من هتك حرمته بالنبش (ومنها) لو وقع في القبر خاتم أو متاع آخر ينبش ويرد ولو ابتلع في حياته مالا ثم مات وطلب صاحبه الرد شق جوفه ورد قال في العدة الا ان يضمن الورثة مثل أو قيمته فلا يخرج ولا يرد في أصح الوجهين وفيه وجه آخرو هو اختيار القاضى أبى الطيب انه لا يخرج أصلا ويجب الغرم من تركته علي الورثة ولو ابتلع شيئا من مال نفسه ومات فهل يخرج فيه وجهان لانه كالمستهلك لمال

(5/250)


نفسه بالابتلاع قال أبو العباس الجرجاني في الشافي: والاصح الاخراج ايضا إذا عرفت ذلك فحيث قلنا يشق جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشق ينبش لذلك ايضا وإذا تأملت ما ذكرناه عرفت ان قوله لا ينبش القبر الا إذا انمحق إلى آخره وان كان ظاهره يقتضى حصر الاستثناء في الصورة المذكورة لكنه ليس كذلك * (فرع) لو مات انسان في السفينة فان كان أهلها بقرب الساحل أو بقرب جزيرة انتظروا به ليدفنوه في البر والا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ والقوه في البحر ليلقيه البحر ليلقيه البحر بالساحل فلعله يقع الي قوم يدفنونه فان كان أهل الساحل كفارا ثقل بشئ ليرسب * * (القول في التعزية والبكاء علي الميت) * قال (التعزية سنة الي ثلاثة أيام وهو الحمل على الصبر بوعد الاجر والدعاء للميت والمصاب ويعزى
المسلم بقريبه الكافر والدعاء للحي ويعزى الكافر بقريبه المسلم والدعاء للميت ويستحب تهيئة طعام لاهل الميت والبكاء جائز من غير ندب ولا نياحة ومن غير جزع وضرب خد وشق ثوب وكل ذلك حرام ولا يعذب الميت بنياحة أهله الا إذا اوصي به فلا تزر وازرة وزر اخرى) * في الفصل ثلاث مسائل (احداها) التعزية سنة روى أنه صلي الله عليه وسلم قال ((من عزى مصابا فله مثل اجره) وينبغي ان يعزى جميع اهل الميت الكبير والصغير والرجل والمراة نعم

(5/251)


الشابة لا يعزيها الا محارمها ويكره الجلوس لها ولا فرق فيها بين ما قبل الصلاة وبعدها وما قبل الدفن وبعده فيما يرجع إلى اصل الشريعة لكن تأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن لاشتغال اهل الميت قبله بتجهيزه ولاشتداد حزنهم حينئذ بسبب المفارقة وعن ابي حنيفة ان التعزية قبل الدفن فاما بعده فلا والى متى تشرع التعزية فيه وجهان (اظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلي ثلاثة أيام فلا يعزيه بعد ذلك إلا ان يكون المعزى أو المعزي غائبا وهذا لان الغرض من التعزية تسكين قلب المصاب والغالب سكون قلبه في هذه المدة فلا يجدد عليه الحزن قال الشيخ أبو محمد فيما علق عنه: وهذا المدة على التقريب دون التحديد (والثاني) حكاه في النهاية مع الاول انه لا امد تقطع عندها التعزية فان الغرض الاعظم منها الدعاء ومعنى التعزية الامر بالصبر والحمل عليه بوعد الاجر والتحذير عن الوزر بالجزع والدعاء للميت بالغفرة وللمصاب بجبر المصيبة فيقول في تعزية المسلم بالمسلم اعظم الله اجرك واحسن عزاك وغفر لميتك وفي تعزية المسلم بالكافر: اعظم الله أجرك واخلف عليك أو جبر الله مصيبتك والهمك الصبر وما اشبه ذلك وفي تعزية الكافر بالمسلم: غفر الله لميتك واحسن عزاك.
ويجوز للمسلم ان يعزى الذمي بقريبه الذمي فيقول: اخلف الله عليك ولا نقص عددك وهذا لتكثر الجزية للمسلمين (الثانية) يستحب لجيران الميت والا بعدين من قرابته تهيئة طعام لاهل الميت يشبعهم في يومهم وليلتهم فانهم لا يفرغون له ولو اشتغلوا به لعيروا روى (انه لما جاء نعي جعفر رضى الله عنه قال النبي صلي الله عليه وسلم اجعلو الآل

(5/252)


جعفر طعاما فقد جاءهم امر يشغلهم) ويستحب الحاحهم على الاكل ولو اجتمع نساء ينحن لم يجز ان يتخذ

(5/253)


لهن طعام فانه إيمانة علي المعصية (الثالثة) البكاء علي الميت جائر قبل زهوق الروح وبعده وقبل

(5/254)


الزهوق أولي روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا وجب فلا تبكين باكية) وجعل رسول الله

(5/255)


صلي الله عليه وسلم ابنه ابراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5/256)


فقبل في ذلك فقال انها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ثم قال العين تدمع والقلب يحزن

(5/257)


ولا نقول الا ما يرض ربنا) والندب حرام وهو ان يعد شمائل الميت فيقال واكهفاه واجبلاه ونحو

(5/258)


ذلك وكذا النياحة والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر كل ذلك حرام لما روى ان

(5/259)


النبي صلي الله عليه وسلم قال (لعن الله النائحة والمستمعة) وروى انه قال (ليس منا من ضرب الخدود

(5/260)


وشق الجيوب) ولو فعل اهل الميت شيئا من ذلك لم يعذب الميت به قال الله تعالي (ولا تزر وازرة

(5/261)


وزر اخرى) وما روى من أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (إن الميت ليعذب وببكاء أهله عليه) وفي رواية

(5/262)


(إن الله تعالى يزيد الكافر عذابا على عذابه ببكاء أهله عليه) فقد أولوه من وجوه (منها) قال المزني

(5/263)


بلغني أنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة وذلك حمل منهم علي المعصية وهو ذنب فزيدوا عذابا بذلك إذا عمل أهلهم بوصيتهم ولك ان تقول ذنب الميت الحمل على الحرام والامر به فوجب ان لا

(5/264)


يختلف عذابه بالامتثال وعدمه فان كان لا متثالهم أثر فالاشكال بحاله (ومنها) قال بعضهم المراد منه

(5/265)


أن يقال للميت إذا ندبوه اكنت كما يقولونه ولك ان تقول لا شك ان هذا الكلام توبيخ له

(5/266)


وتخويف وهو ضرب من التعذيب فليس في هذا الكلام سوى بيان نوع التعذيب فلم يعذب

(5/267)


بما يفعلون (ومنها) قيل انهم كانوا ينوحون علي الميت ويعدون جرائمه وهم يظنونها خصال محمودة كالفتك والتصعلك وشن الغارات فاراد انه يعذب بما يبكونه عليه (ومنها) أن قوله ببكاء أهله

(5/268)


أي عند بكاء أهله وانما يعذب بذنبه قال القاضى الحسين يجوز أن يكون الله تعالي قدر العفو عنه

(5/269)


ان لم يبكو عليه وانقادوا لقضائه فإذا جزعوا عوقب بذنبه وقد روى عن عائشة رضي الله عنها

(5/270)


انها قلت (رحم الله عمرو الله ما كذب ولكنه أخطأ أو نسى انما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5/271)


علي يهودية وهم يبكون علهيا فقال انهم يبكون وانها لتعذب في قبرها) فهذه الرواية مجراة على

(5/272)


ظاهرها ومبينة أن المراد من قوله ببكاء أهله ما سبق وكأنه قال: هي معذبة فما ينفعها بكاؤهم عليها

(5/273)


والله اعلم.

(5/274)


(باب تارك الصلاة)

(5/277)


قال (من ترك صلاة واحدة عمدا وامتنع عن قضائها حتى خرج وقت الرفاهية والضرورة

(5/278)


قتل (ح) بالسيف ودفن كما يدفن سائر المسلمين ويصلى عليه ولا يطمس قبره وقيل لا يقتل الا إذا صار

(5/279)


الترك عادة له وقيل إذا ترك ثلاث صلوات والله أعلم) .

(5/280)


اخر حجة الاسلام رحمه الله هذا الباب إلى هذا الموضع وهو في ترتيب المزني وجمهور الاصحاب

(5/281)


مقدم علي كتاب الجنائز ولعله اليق ومقصوده الكلام في عقوبة تارك الصلاة فنقول تارك الصلاة

(5/282)


ضربان (أحدهما) أن يتركها جاحدا لوجوبها فهذا مرتد تجرى عليه أحكام المرتدين إلا ان يكون قريب

(5/283)


عهد بالاسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك وهذا لا يختص بالصلاة بل يجرى في جحود كل حكم مجمع عليه

(5/284)


(والثاني) ان يتركها غير جاحد وهو ضربان (احدهما) أن يترك بعذر من نوم؟ أو نسيان فعليه القضاء

(5/285)


لا غير.
ووقت القضاء موسع (والثانى) أن يترك من غير عذر بل كسلا أو تهاونا بفعلها

(5/286)


فلا يحكم بكفره خلافا لاحمد وبه قال شرذمة من اصحابنا حكاه الجناطى وصاحب المهذب وغيرهما

(5/287)


لنا ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (خمس صلوات كتبهن الله عليكم في اليوم والليلة فمن

(5/288)


جاء بهن لم يضيع منهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة) ويشرع القتل في هذا القسم حدا وبه قال مالك خلافا

(5/289)


لابي حنيفة حيث قال في رواية لا يتعرض لتارك الصلاة فهي أمانة بينه وبين الله تعالي وحده

(5/290)


والامر فيها موكول الي الله تعالى وقال في رواية إنه ليس ويؤدب حتي يصلي وبه قال المزني.
لنا

(5/291)


ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة) ولانها ركن من

(5/292)


الخمسة لا يدخلها النيابة بيدن ولا مال فيقتل تاركه كالشهادتين.
إذ عرف ذلك نفرع عليه مسائل

(5/293)


(احداها) في عدد الصلاة المستحق بتركه القتل وظاهر المذهب استحقاق القتل بترك صلاة واحدة

(5/294)


فإذا تضيق وقتها طالبناه بفعلها وقلنا له إن أخرتها عن وقتها قتلناك فإذا أخرها فقدا ستوجب القتل

(5/295)


ولا يعتبر بضيق وقت الثانية وبهذا قال مالك.
واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم (من ترك صلاة

(5/296)


متعمدا فقد كفر أي استوجب ما يستوجبه الكافر) وهذا قد ترك صلاة ويحكى عن أبى اسحق

(5/297)


أنه أنما يستوجب القتل إذا ضاق وقت الثانية وامتنع من أدائها وعن الاصطخرى أنه لا يقتل

(5/298)


حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة ويمنع من أدئها هذه هي الرواية المشهورة عنه

(5/299)


وفى النهاية روايتان أخريان عن الاصطخرى (احداهما) أنه إنما يستوجب القتل إذا ترك أربع

(5/300)


صلوات وامتنع عن القضاء (والثانية) أنه لا تخصيص بعدد ولكن إذا ترك من الصلوات قدر ما يظهر

(5/301)


لنا به اعتياده الترك وتهاونه بأمر الصلاة فحينئذ يقتل وقد نقل صاحب الافصاح هذا وجها لبعض

(5/302)


الاصحاب وإن لم ينص على قائله والمذهب الاول والاعتبار باخراج الصلاة عن وقت العذر

(5/303)


والضرورة فإذا ترك الظهر لم يقتل حتي تغرب الشمس وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر

(5/304)


حكاه الصيد لاني وتابعه الائمة عليه (الثانية) علي اختلاف الوجوه لابد من الاستتابة قبل القتل

(5/305)


فانه ليس بأشد حالا من المرتد والمرتد يستتاب وهل تكفى الاستتابة في الحال أم بمهل ثلاثا فيه

(5/306)


قولان كما سيأتي ذكر هما في استتابة المرتدو اختار المزني للشافعي رضى الله عنه أنه لا يمهل وذكر في

(5/307)


العدة أنه المذهب والقولان في الوجوب أو في الاستحباب حكي المعلق عن الشيخ أبى محمد فيه طريقين

(5/308)


(أصحهما) أنهما في الاستحباب (الثالثة) الظاهر أنه يقتل صبرا بالسيف كالمرتد وهو الذى ذكره

(5/309)


في الكتاب وعن صاحب التلخيص أنه ينخسن فيه حديدة ويقال قم فصل فان قام ترك وإلا زيد

(5/310)


في النخسن حتي يصلى أو يموت لان المقصود حمله علي الصلاة فان فعل فذاك وإلا عوقب كما يعاقب الممتنع من سائر الحقوق ويقاتل ويروى مثل هذا عن ابن سريج ويروى عنه أن يضرب بالخشب

(5/311)


حتى يصلي أو يموت (الرابعة) إذا قتل غسل وصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره

(5/312)


كسائر أصحاب الكبائر إذا حدوا وقد حكينا من قبل عن صاحب التلخيص أنه لا يصلي عليه ولا يغسل وإذا دفن في مقابر المسلمين طمس قبره حتي ينسى ولا يذكر وإن أراد الامام المعاقبة على ترك الصلاة فقال صليت في بيتى صدق وإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله في الكتاب قتل بالحاء والزاى (وقوله) بالسيف بالواو (وقوله) كما يدفن سائر المسلمين بالواو وكذا قوله ويصلى عليه ولا يطمس ولك أن تعلم (قوله) كما يدفن (وقوله) ويصلي عليه بالالف لما حكينا عن أحمد رحمه الله وأنه يكفر بترك الصلاة (فرعان) (أحدهما) قال حجة الاسلام في الفتاى لو امتنع عن صلاة الجمعة من غير عذر وقال أصليها ظهرا لم يقتل لان الصوم لم يلحق بالصلاة في هذا الحكم فالجمعة مع أن لها بدلا واعذارها أكثر أولى ألا تلحق (الثاني) حكي القاضي الرواياتي في تارك الوضوء وجهين (اصحهما) أنه يقتل لان الامتناع منه امتناع من الصلاة والله أعلم