فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب البيع)
(والنظر في خمسة أطراف) (الاول في صحته وفساده وفيه أربعة أبواب) (الباب الاول في أركانه) قال (وهى ثلاثة (الاول) الصيغة وهي الايجاب والقبول اعتبرا للدلالة على الرضا الباطن ولا تكفي المعاطاة (م ح و) أصلا ولا الاستيجاب (م) والايجاب وهو قوله بعنى بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين بخلاف النكاح فانه لا يجرى مفافصة وينعقد البيع بالكناية مع النية علي الاصح كالكتابة والخلع بخلاف النكاح فانه مقيد بقيد الشهادة) * الاصل في الباب الاجماع وآيات الكتاب نحو قوله تعالي (وأحل الله البيع) وقوله عز وجل (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والاخبار نحو ما روى عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن أطيب الكسب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)
__________
(قوله) مفافصة المفافصة الاخذ على غرة اه

(8/97)


ولفقه هذا الكتاب أبواب منتشرة ومسائل كثيرة جمعها المصنف في خمسة أطراف وسبيل ضبطها أن البيع أما صحيح أو فاسد وبتقدير الصحة فهو اما جائز أو لازم وعلى التقديرين فاما أن يقترن به القبض أو لا يقترن وعلي التقديرين فالالفاظ المستعملة فيه اما التي تتأثر بقرائن عرفية
تقتضي زيادة علي موجب اللغة أو نقصانا وإما غيرها وعلى التقديرين فالمتبايعان قد يكونا حرين وقد يكون أحدهما رقيقا وباعتبار آخر قد يعرض لهما الخلاف في كيفية البيع وقد لا يعرض والاحكام تختلف بحسب هذه الاحوال * فالطرف الاول في الصحة والفساد (والثاني) في الجواز واللزوم (والثالث) في حكم البيع قبل القبض وبعده (والرابع) في الالفاظ المتأثرة بالقرائن (والخامس) في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين * والطرف الاول في صحة البيع وفساده وفيه أبواب (أحدها) في أركانه وهى ثلاثة ترجمها في الوسيط فقال هي العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فلابد منها لوجود صورة العقد هذا لفظه * ولك أن تبحث فتقول ان كان المراد أنه لابد من وجودها لتدخل صورة البيع في الوجود فالزمان والمكان وكثير من الامور بهذه المثابة فوجب أن تعد أركانا * وإن كان المراد أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع فلا نسلم أن العاقد والمعقود عليه بهذه المثابة وهذا لان البيع فعل من الافعال والفاعل لا يدخل في حقيقة الفعل ألا ترى انا إذا عددنا أركان الصلاة والحج لم نعد المصلى والحاج في جملتها وكذلك مورد الفعل بل الاشبه أن الصيغة أيضا ليست جزاء من حقيقة فعل البيع الا ترى أنه ينتظم أن يقال هل المعاطاة بيع أم لا ويجيب عنه مسؤل بلا وآخر بنعم (والوجه) أن يقال البيع مقابلة مال بمال وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور (منها) الصيغة (ومنها) كون العاقد بصفة كيت وكيت (ومنها) كون المعقود عليه كذا وكذا * ثم أحد الاركان على ما ذكره الصيغة وهي الايجاب من جهة البائع بان يقول بعت أو اشتريت أو

(8/98)


ملكتك وفى ملكت وجه منقول عن الحاوى والقبول من جهة المشتري بان يقول قبلت ويقوم مقامه ابتعت واشتريت وتملكت ويجرى في تملكت مثل ذلك الوجه * وإنما جعلنا قوله ابتعت وما بعده قائما مقام القبول ولم نجعله قبولا لما ذكره إمام الحرمين من ان القبول على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء به (فاما) إذا أتى بما يتأتى الابتداء به فقد أتي باحد شقى العقد * ولافرق بين أن يتقدم قول البائع بعت علي قول المشتري اشتريت وبين أن يتقدم قول المشترى اشتريت * ويصح في البيع الحالتان ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع اشتريت فقال المشترى تملكت أو ابتعت أو قال
البائع ملكت فقال المشترى اشتريت صح لان المعنى واحد (وقوله) اعتبرا للدلالة على الرضا يريد به أن المقصود الاصلي هو التراضي لئلا يكون واحد منهما آكلا مال الآخر بالباطل بل يكونا تاجرين عن تراض على ما قال تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينك بالباطل) الآية الا أن الرضي أمر باطن يعسر الوقوف عليه فنيط الحكم باللفظ الظاهر * ثم في بعض النسخ على الرضى الباطن وفى بعضها علي الرضي في الباطن وهما صحيحان ويتعلق بهذه القاعدة مسائل ثلاث (إحداها) المعاطاة ليست بيعا علي المذهب المشهور لان الافعال لا دلالة لها بالوضع وقصود الناس فيها تختلف * وعن ابن سريج فيها تخريج قول الشافعي أنه يكتفى بها في المحقرات لان المقصود الرضي وبالقرائن يعرف حصوله وبهذا أفتى القاضى الرويانى وغيره وذكروا لمستند التخريج صورا (منها) لو عطب الهدى في الطريق فغمس النعل الذى قلده بها في الدم وضرب بها صفحة سنامه هل يجوز للمارين الاكل

(8/99)


منه ذكرنا فيه قولين وخلافا سيأتي إن شاء الله تعالي (ومنها) لو قال لزوجته ان اعطيتني الفا فانت طالق فوضعت بين يديه ولم تتلفظ بشئ يملكه ويقع الطلاق وفى الاستشهاد بهذه الصور نظر (ومنها) لو قال لغيره اغسل هذا الثوب فغسله وهو ممن يعتاد الغسل بالاجرة هل يتسحق الاجر فيه خلاف سيأتي ذكره في موضعه * ثم مثلوا المحقرات بالتافه من البقل والرطل من الخبز وهل من ظابط؟ سمعت والدى رحمه الله تعالى وغيره يحكى ضابطها بما دون نصاب السرقة والاشبه الرجوع فيه الي العادة فما يعتاد فيه الاختصار على المعاطاة بيعا ففيه التخريج ولهذا قال صاحب التتمة معبرا عن التخريج ما جرت العادة فيه بالمعاطاة فهي بيع فيه ومالا كالدواب والجوارى والعقار فلا * وإذا قلنا بظاهر المذهب فما حكم الذى جرت العادة من الاخذ والعطاء فيه وجهان (احدهما) انه اباحة وبه أجاب القاضى أبو الطيب حين سأله ابن الصباغ عنه قال فقلت له لو أخذ بقطعة ذهب شيئا فاكله ثم عاد يطالبه بالقطعة هل له ذلك قال لا قلت فلو كان إباحة لكان له ذلك قال إنما اباح كل واحد منهما بسبب اباحة الاخر له (قلت) فهو إذا معاوضة فاصحهما ان حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة فلكل واحد منهما مطالبة الاخربما سلمه إليه مادام باقيا وبضمانه ان كان تالفا *
فلو كان الثمن الذى قبضه البائع مثل القيمة فقد قال المصنف في الاحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه لا محالة * وعن الشيخ ابي حامد انه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر وتبرأ ذمتهما بالتراضى وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فانه لابراءة وان وجد الرضى (وقوله) فلا تكفى

(8/100)


المعاطاة اصلا معلم بالواو والحاء والميم لان ابا حنيفة يجعلها بيعا في المحقرات التى جرت العادة فيها بالاكتفاء بالاخذ والعطاء * وقال مالك ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا واستحسنه ابن الصباغ * (المسألة الثانية) لو قال بعني فقال البائع بعتك نظران قال بعد ذلك اشتريت أو قبلت انعقد البيع لا محالة والا فوجهان في رواية بعضهم وكذلك اورده المنصف ههنا وقولان في رواية اخرين وكذلك اورده في النكاح (احدهما) انه لا ينعقد وبه قال ابو حنيفة والمزنى لانه يحتمل ان يكون غرضة استبانة رغبة البائع في البيع (والثانى) ينعقد وبه قال مالك لان المقصود وجود لفظ دال علي الرضي بموجب العقد والاستدعاء الجازم دليل عليه والكلام فيما إذا وجد ذلك * وعن احمد روايتان كالقولين وفي نظير المسألة من النكاح طريقان مذكوران في موضعهما والاصح فيه الانعقاد باتفاق الائمة (واما) ههنا فادعي صاحب الكتاب ان الاصح المنع * وفرق بينهما بان النكاح لا يجرئ مغافصة في الغالب فتكون الرغبة معلومة من قبل ويعتبر قوله زوجنى استدعاء جزما والبيع كثير ما يقع مغافصة لكن الذى عليه الجمهور ترجيح الانعقاد ههنا ايضا ولم تتعرض طائفة لحكاية الخلاف فيه * ولو قال البائع اشتر منى كذا فقال المشتري اشتريت فقد سوى بينهما في التهذيب بين هذه الصورة والصورة السابقة واورد بعضهم انه لا ينعقد البيع * والفرق بينهما بان قول المشترى بعنى موضوع للطلب ويعتبر من

(8/101)


جهته الطلب مبتدئا أو القبول مجيبا وقول البائع اشتر بكذا لم يوضع للبدء ولا للايجاب ولابد من جهته من بدء أو ايجاب وبني على هذا أنهما لو تبايعا عبدا بعبد وعقد البيع بلفظ الامر فايهما جعل نفسه بائعا أو مشتريا لزمه حكمه حتى لو قال الآمر بعنى عبدك هذا صح لننزيله نفسه منزلة المشترى ولو قال اشتر منى عبدى لم يصح لتنزيله نفسه منزلة البائع * ولو قال المشتري اتبعنى
عبدك بكذا أو قال بعتني بكذا فقال بعت لم ينعقد البيع حتى يقول بعده اشتريت * وكذا لو قال البائع اشتر دارى بكذا أو اشتريت مني دارى فقال اشتريت لا ينعقد حتى يقول بعده بعت (المسألة الثالثة) قال الائمة كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتق والابراء فينعقد بالكنايات مع النية انعقاده بالصريح ومالا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الايجاب والقبول فهو على ضربين (أحدهما) ما يفتقر إلى الاشهاد كالنكاح وكبيع الوكيل إذا شرط الموكل عليه الاشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية لان الشهود لا يطلعون على المقصود والنيات والاشهاد على العقد لابد منه وقد يتوقف في هذا التوجيه لان القرائن بما تتوفر فيبعد الاطلاع على ما في باطن الغير (والثانى) مالا يفتقر إليه فهو أيضا على ضربين (أحدهما) ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية * قال الشافعي رضي الله عنه لو قال لامرأته

(8/102)


أنت بائن بالف فقالت قبلت ونويا صح الخلع (والثاني) ما لا يقبل كالبيع والاجارة وغيرهما وفى انقعاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان (أحدهما) لا ينعقد لان المخاطب لا يدري بم خوطب (وأظهرهما) أنه ينعقد كما في الكتابة والخلع * ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه منى أو تسلمه منى بالف أو أدخله في ملكك أو جعلته لك بكذا ملكا وما أشبه ذلك * ولو قال سلطتك عليه بالف فهل هو من الكنايات أو لا كما لو قال أبحته لك بالف اختلفوا فيه * ولو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ترتب ذلك على أن الطلاق هل يقع بالكتابة ان قلنا لا يقع فهذه العقود أولى بان لا تنعقد (وان قلنا) نعم فوجهان في انعقادها بالكنايات (فان قلنا) تنعقد فالشرط أن يقبل المكتوب إليه كما اطلع علي الكتاب على الاصح ليقترن القبول بالايجاب بحسب الامكان * ولو تبايع حاضران بالكتابة ترتب ذلك على حال الغيبة إن منعنا فههنا أولى وإلا فوجهان * وحكم الكتابة على القرطاس والرق واللوح والارض والنقش على الحجر والخشب واحد ولاعبرة برسم الاحرف على الماء * والفوا في مسودات بعض أئمة طبرستان تفريعا على انقعاد البيع بالكتابة أنه لو قال بعت من فلان وهو غائب فلما بلغه الخبر قال قبلت ينعقد البيع لان النطق أقوى من الكتابة * وقال أبو حنيفة لا ينعقد

(8/103)


نعم لو قال بعت من فلان وأرسل إليه رسولا بذلك فاخبره فقبل انعقد كما لو كاتبه قال الامام والخلاف في البيع ونحوه هل ينعقد بالكناية مع النية مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الاحوال (فاما) إذا توفرت وأفادت التفاهم فيجب القطع بالصحة * نعم النكاح لا يصح بالكناية وان توفرت القرائن لامرين (أحدهما) أن الاثبات عند الجحود من مقاصد الاشهاد وقرائن الحال لا تنفع فيه (والثاني) أن النكاح مخصوص بضرب من التعبد والاحتياط لحرمة الابضاع وفى البيع المقيد الاشهاد وذكر في الوسيط أن الظاهر انعقاده عند توفر القرائن وهذا نظر منه في النكاح إلى معنى التعبد دون وقع الجحود (وقوله) في الكتاب الصيغة وهي الايجاب والقبول يقتضي اعتبار الصيغتين فيما إذا باع الرجل مال ولده من نفسه أو بالعكس نضر إلى اطلاق اللفظ وفيه وجهان توجيههما في غير هذا الموضع فان اكتفينا بصيغة واحدة فالمراد ما عدا هذه الصورة * ويتعلق بالصيغة مسائل آخر سكت عنها في الكتاب (احداها) يشترط أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد فان طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا عن المجلس أم لا * ولو مات المشترى بعد الايجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فقيل فوجهان عن الداركي أنه يصح

(8/104)


والاصح المنع (الثانية) يشترط ان يكون القبول على وفق الايجاب حتي لو قال بعت بالف صحيحة فقال قبلت بالف قراضة أو بالعكس أو قال بعت جميع كذا بالف فقال قبلت نصفه بخمسمائة لم يصح * ولو قال بعتك هذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال في التتمة يصح لان هذا تصريح بمقتضى الاطلاق ولا مخالفة ولك أن تقول اشكالا سيأتي القول في ان تفصيل الثمن من موجبات تعدد الصفقة وإذا كان كذلك فالبائع ههنا أوجب بيعة واحدة والقابل قبل بيعتين لم يوجبهما البائع ولا يخفى ما فيه من المخالفة * وفى فتاوى القفال أنه لو قال بعتك بالف درهم فقال اشتريت بالف وخمسمائة يصح البيع وهو غريب (الثالثة) لو قال المتوسط للبائع بعت بكذا فقال نعم أو بعت وقال للمشترى اشتريت بكذا فقال نعم أو اشتريت هل ينعقد
البيع فيه وجهان (احدهما) لا لان واحدا منهما لم يخاطب الآخر (واظهرهما) ما دل عليه ايراد صاحب التهذيب والرويانى الانعقاد لوجود الصيغة والتراضي (الرابعة) لو قال بعت منك هذا بالف فقال قبلت صح البيع بخلاف النكاح يشترط فيه علي رأى ان يقول قبلت نكاحها احتياطا للابضاع.
(الخامسة) لو قال بعت هذا بالف ان شئت فقال اشتريت فوجهان (احدهما) انه لا ينعقد لما فيه من التعليق كما لو قال ان دخلت الدار (وأظهرهما) انه ينعقد لان هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد فانه لو لم يشأ لم يتيسر (السادسة) يصح بيع الاخرس وشراؤه بالاشارة والكتابة وهذا يبين ان الصيغة بخصوصها ليست داخلة في البيع نفسه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما ليس بضمني من المبياعات فأما البيع الضمني فيما إذا قال اعتق عبدك عنى على بألف فلا يعتبر فيه الصيغ التي قدمناها ويكفى فيه الالتماس والجواب لا محالة وبالله التوفيق * قال (الركن الثاني العاقد وشرطه التكليف فلا عبارة لصبى (ح م) ولا مجنون باذن الولى دوون اذنه وكذلك لا يفيد قبضهما الملك في الهبة ولا تعين الحق في استيفاء الدين * ويعتمد اخباره عن الاذن عند فتح الباب والملك عد ايصال الهدية على الاصح) *

(8/105)


لفظ العاقد ينظم البائع والمشترى ويعتبر فيهما لصحة البيع التكليف فلا ينعقد البيع بعبارة الصبى والمجنون لا لنفسهما ولا لغيرهما سواء كان مميزا أو غير مميز سواء باشر باذن الولى ودون اذنه ولا فرق بين بيع الاختبار وغيره على ظاهر المذهب وبيع الاختبار هو الذى يمتحنه الولي ليستبين رشده عند مناهزة الحلم ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقد فإذا انتهى الامر إلى اللفظ أتى به الولي * وعن بعض أصحابنا تصحيح بيع الاختبار * وقال أبو حنيفة إن كان مميزا وباع أو اشترى بغير إذن الولى انعقد موقوفا علي إجازته وان باع باذنه نفذ ويكون دالا على أن الولى أذن له في التصرف في ماله ومتصرفا لنفسه إن أذن له في التصرف في مال نفسه حتى إذا أذن له في بيع ماله بالغبن فباع نفذ وان كان لا ينفذ من الولي ووافقه أحمد على انه ينفذ إذا كان باذن الولى * لنا انه غير مكلف فلا ينعقد بيعه وشراؤه كالمجنون وغير المميز * إذا عرفت ذلك فلو اشترى الصبي شيئا
وقبض المبيع فتلف في يده أو أتلفه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ وكذا لو استقرض مالا لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه وما داما باقيين فللمالك الاسترداد * ولو سلم ثمن ما اشتراه فعلى الولى استرداده والبائع يرده على الولى فان رده على الصبى لم يبرأ عن الضمان وهذا كما لو عرض الصبى دينارا علي صراف لينقده أو متاعا على مقوم ليقومه فإذا أخذه لم يجز له رده علي الصبي بل يرده علي وليه إن كان للصبي وعلي مالكه إن كان له مالك فلو أمره ولى الصبى بدفعه إليه فدفعه سقط عنه الضمان إن كان الملك للولى وإن كان الصبي فلا كما لو أمره بالقاء مال الصبي البحر ففعل يلزمه الضمان * ولو تبايع صبيان وتقابضا فأتلف كل واحد منهما مما قبضه نظر ان جرى ذلك باذن الولين فالضمان عليهما وإلا فلا ضمان عليهما وعلى الصبيين الضمان لان تسليمها لا يعد تسليطا وتضبيعا * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) كما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه لا ينفذ نكاحه وسائر تصرافاته نعم في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في الوصايا * وإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول

(8/106)


أو أوصل هدية إلي إنسان وأخبر عن إهداء مهد فهل يجوز الاعتماد عليه نظر ان انضمت إليه قرائن أورثت العلم بحقيقة الحال جاز الدخول والقبول وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله وإن لم تنضم نظر ان كان عارما غير مأمون القول فلا يعتمد وإلا فطريقان (أحدهما) تخريجه على وجهين ذكرا في قبول روايته (وأصحهما) القطع بالاعتماد تمسكا بعادة السلف فانهم كانوا يعتمدون أمثال ذلك ولا يضيقون فيها (وقوله) في الكتاب علي الاصح في هاتين الصورتين يجوز أن يريد به من الوجهين جوابا على الطريق الاول ويجوز أن يريد من الطريقين ذهابا إلى الثاني (الثانية) كما لا تصح تصرفاته اللفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات فان للقبض من التأثير ما ليس للعقد فلا يفيد قبضه الموهوب الملك له وان اتهب له الولى ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له * ولو قال مستحق الدين لمن عليه الدين سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم قدر حقه لم يبرأ عن الدين وكان ما سلمه باقيا على ملكه حتي لو ضاع منه فلا ضمان على الصبى لان المالك ضيعه حيث سلمه إليه وإنما بقى الدين بحاله لان الدين مرسل في لذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة كما
إذا قال لمن عليه الدين الق حقى في البحر فألقى قدر حقه لا يبرأ * ويخالف ما إذا قال مالك الوديعة للمودع سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم خرج عن العهدة لانه امتثل أمره في حقه المتعين كما لو قال ألقها في البحر فامتثل * ولو كانت الوديعة لصبى فسلمها إليه ضمن سواء كان باذن الولي أو دون اذنه إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولى به * قال (أما اسلام العاقد فلا يشترط الا اسلام المشترى في شراء العبد المسلم والمصحف (ح) على أصح القولين دفعا للذل * ويصح شراء الكافر أباه المسلم على أصح الوجهين * وكذلك كل شراء يستعقب العتاقة * ويصح استئجاره وارتهانه للعبد المسلم على أقيس الوجهين لانه لا ملك فيه كالاعارة والايداع عنده ولا يمنع من الرد بالعيب * وان كان يتضمن انقلاب العبد المسلم الي الكافر على أظهر المذهبين لان الملك فيه قهرى كما في الارث) *

(8/107)


اسلام البائع والمشترى ليس بشرط في صحة المطلق البيع والشراء لكن لو اشترى الكافر عبدا مسلما ففي صحته قولان (أصحهما) وبه قال أحمد وهو نصه في الاملاء أنه لا يصح لان الرق ذل فلا يصح اثباته للكافر على المسلم كما لا ينكح الكافر المسلمة (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لانه طريق من طرق الملك فيملك به الكافر على المسلم كالارث * والقولان جاريان فيما لو وهب منه عبد مسلم فقيل أو وصي له بعبد مسلم قال في التتمة هذا إذا قلنا الملك في الوصية يحصل بالقبول (فان قلنا) يحصل بالموت ثبت بلا خلاف كالارث * ولو اشترى مصحفا أو شيئا من اخبار الرسول صلي الله عليه وسلم ففيه طريقان (احدهما) وبه اجاب في الكتاب طرد القولين (واظهرهما) القطع بالبطلان والفرق ان العبد يمكنه الاستغاثة ودفع الذل عن نفسه * قال العراقيون والكتب التى فيها آثار السلف رضي الله عنهم كالمصحف في طرد الخلاف * ولا منع من بيع كتب أبى حنيفة من الكافر لحلوها من الاثار والاخبار (وأما) كتب أصحابه رضى الله عنهم فمشحونة بها فحكمها حكم سائر الكتب المشتملة عليها * وامتنع الماوردى في الحاوى من الحاق كتب الحديث والفقه بالمصحف وقال ان بيعها منه صحيح لا محالة * وهل يؤمر بازالة الملك عنها فيه وجهان * (التفريع) ان قلنا لا يصح شراء الكافر العبد المسلم
فلو اشترى قريبه الذى يعتق عليه كابيه وابنه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح أيضا لما فيه من ثبوت الملك للكافر على المسلم (وأصحهما) الصحة لان الملك المستعقب للعتق شاء المالك أو أبي ليس باذلال ألا ترى أن للمسلم شراء قريبه المسلم ولو كان ذلك إذلالا لما جاز له اذلال ابنه * والخلاف جار في كل شئ يستعقب العتق كما إذا قال الكافر لمسلم اعتق عبدك المسلم عنى بعوض أو بغير عوض فأجابه إليه وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه * ورتب الامام الخلاف في هاتين الصورتين على الخلاف في شراء القريب وقال الاولى منهما أولي بالصحة لان الملك فيها ضمنى والثانية أولى بالمنع لان العتق وان حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف صورة القريب فان العتق لا يحصل عقب الشراء وانما يزول الملك بازالته ومنهم من جعله على وجهي شراء القريب * ويجوز أن يستأجر الكافر المسلم على عمل في الذمة لانه كدين في ذمته وهو بسبيل من تحصيله بغيره * وان كانت الاجارة على العين

(8/108)


ففيه وجهان حرا كان الاجير أو عبدا (أحدهما) لا تصح لانها لو صحت لاستحق استعماله وفيه اذلال له فصار كالمشترى على القول الذى عليه التفريع (وأظهرهما) الصحة لان الاجارة لا تفيد ملك الرقبة ولا تسلطا تاما وهو في يد نفسه ان كان حرا وفى يد مولاه ان كان عبدا وانما استوفى منفعته بعوض * وعلى هذا فهل يؤمر بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤاجره من مسلم فيه وجهان (جواب) الشيخ أبي حامد منهما انه يؤمر وذكر في صحة ارتهان الكافر العبد المسلم وجهين وأعادهما مع زيادة في كتاب الرهن ونوجههما ثم إن شاء الله تعالي * ولا خلاف في جواز إعارته منه وإيداعه لانه ليس فيهما ملك رقبة ولا منفعة ولاحق لازم * وإذا باع الكافر عبدا مسلما كان قد أسلم في يده أو ورثه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا فهل له أن يرده ويسترد العبد؟ حكى الامام فيهما وجهين وتابعه المصنف في الوسيط والحق ان له رد الثوب لا محالة والوجهان في استرداد العبد وهكذا نقله صاحب التهذيب وغيره (أحدهما) أنه ليس له استرداد، والا كان متملكا للمسلم بسبب اختياري فعلى هذا يسترد القيمة ويجعل العبد كالهالك (وأظهرهما) على ما ذكره صاحب الكتاب ان له ذلك لان الاختيار في الرد (أما) * عود العوض إليه فهو قهرى كما في الارث * هكذا وجهه وفيه اشكال لانا لانفهم من الملك القهري سوى الذى يتعلق سببه
بالاختيار ومن الاختياري سوى الذى يتعلق سببه بالاختيار والا فنفس الملك بعد تمام السبب قهرى أبدا ومعلوم أن عود الملك بهذا التفسير اختياري لا قهرى والا صوب في توجيهه ما قيل ان الفسخ بالعيب يقطع العقد ويجعل الامر كما كان وليس كانشاء العقود ولهذا لا تثبت به المنفعة فإذا كان الامر كذلك كان نازلا منزلة استدامة الملك * ولو وجد المشترى بالعبد عيبا والتصوير كما ذكرنا فأراد رده واسترداد الثوب فقد حكى الامام عن شيخه طرد الخلاف لانه كما لا يجوز للكافر تملك المسلم لا يجوز للمسلم تمليك المسلم اياه * وعن غيره القطع بالجواز إذ لا اختبار للكافر ههنا في التملك بحال (وقوله) في الكتاب ولا يمنع من الرد بالعيب إلى آخره ينظم الصورتين اللتين ذكرناهما

(8/109)


لكن التوجيه المذكور في الثانية أظهر * ولو باع الكافر العبد المسلم ثم تقابلا ففيه الوجهان ان قلنا الاقالة فسخ وان قلنا انها بيع لم ينفذ * ولو وكل كافر مسلما ليشترى له عبدا مسلما لم يصح لان العقد يقع للموكل أولا وينتقل إليه آخرا * ولو وكل مسلم كافرا ليشترى له عبدا مسلما فان سمي الموكل في الشراء صح والا فان قلنا يقع الملك للوكيل أولا لم يصح وإن قلنا يقع للموكل صح * وهل يجوز أن يشترى الكافر العبد المرتد فيه وجهان لبقاء علقة الاسلام * وهذا كالخلاف في أن المرتد هل يقتل بالذمي وإذا اشترى الكافر عبدا كافرا فأسلم قبل القبض هل يبطل البيع كما لو اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض أولا يبطل كما إذا اشترى عبدا فابق قبل القبض فيه وجهان وان قلنا لا يبطل فيقبضه المشترى أو بنصب الحاكم من يقبض عنه ثم يؤمر بازالة الملك فيه وجهان (جواب) القفال منهما في فتاويه انه لا يبطل ويقبضه الحاكم وهو الاظهر * هذا كله تفريع على قول المنع (أما) إذا صححنا شراء الكافر العبد المسلم نظر ان علم الحاكم به قبل القبض فيمكنه من القبض أو ينصب مسلما يقبض عنه فيه وجهان ثم إذا حصل القبض أو علم به بعد القبض أمره بازالة الملك على الوجه الذى بينه في الفصل التالى لهذا الفصل * قال (ولو أسلم عبد كافر لكافر طولب ببيعه فان أعتق أو أزال الملك عنه بجهته كفي وتكفى الكتابة على أسد الوجهين ولا تكفى الحيلولة والاجارة وفاقا الا في المستولدة لان الاعتقاق تخير والبيع ممتنع (و) ثم يستكسب بعد الحيلولة لاجلة * ولو مات الكافر قبل البيع بيع على وارثه) *
إذا كان في ملك الكافر عبد كافر وأسلم لم يقر دفعا للذل عن المسلم وقطعا لسلطنة الكافر عنه قال الله عزوجل (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولا يحكم بزوال ملكه بخلاف

(8/110)


ما إذا أسلمت المراة تحت الكافر لان ملك النكاح لا يقبل النقل من شخص إلى شخص فتعين البطلان وملك الثمن يقبل النقل وبه يحصل دفع الذل فيصار إليه ويؤمر بازالة ملكه عنه ببيع أو عتق أو هبة أو غيرها فأى جهة ازال الملك حصل الغرض * ولا يكفى الرهن والتزويج والاجارة والحيلولة وهل تكفى الكتابة فيه وجهان (أحدهما) لا لاستمرار الملك على رقبة المكاتب (وأظهرهما) نعم لان الكتابة تفيد الاستقلال ويقطع حكم السيد عنه (فان قلنا) بهذا فالكتابة صحيحة وان قلنا بالاول فوجهان (أحدهما) انها فاسدة ويباع العبد (والثانى) انها صحيحة ان جوزنا بيع المكاتب بيع مكاتبا وإلا فسخت الكتابة وبيع فان امتنع الكافر من إزالة الملك عنه باعه الحاكم عليه بثمن المثل كما يبيع مال الممتنع من أداء الحق فان لم يتفق الظفر لمن يبتاعه بثمن المثل فلا به من الصبر ويحال بينه وبين الكافر إلى الظفر ويتكسب له وتوخذ نفقته منه * هذا كله في المملوك القن (أما) إذا أسلمت مستولدة الكافر فلا سبيل إلى نقلها الي الغير بالبيع والهبة ونحوهما علي المذهب الصحيح وهل يجبر على اعتاقها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها مستحقة العتاقة فلا يبعد أن يؤثر عروض الاسلام في تقديمها (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لما فيه من التخيير فعلي هذا يحال بينهما وينفق عليها وتتكسب له في يد غيره * ولو مات الكافر الذي أسلم العبد في يده صار العبد الي وارثه ويؤمر بما كان يؤمر به المورث فان امتثل فذاك والا بيع عليه كما ذكرنا في المورث وليس قوله في الكتاب بيع على وارثه تخصيصا للبيع القهري بالوارث فاعرف ذلك (وقوله) والحيلولة وفاقا لفظ الوفاق لا يتعلق به كثير غرض *

(8/111)


قال (الركن الثالث المعقود عليه وشرائطه خمسة أن يكون طاهرا منتفعا به مملوكا للعاقد مقدورا على تسليمه معلوما (الاول) الطهارة فلا يجوز بيع السرجين (م ح) والكلب (م ح)
والخنزير والاعيان النجسة كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كان فيها منفعة * والدهن إذا نجس بملاقاة النجاسة صح بيعه (م) وجاز أستصباحه على اظهر القولين) يعتبر في المبيع ليصح بيعه شروط (أحدها) الطهارة فالشئ النجس ينقسم إلى ما هو نجس العين والي ما هو نجس بعارض (فاما) القسم الاول فلا يصح بيعه فمنه الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من احدهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن ثمن الكلب) وعن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عزوجل حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) ولا فرق

(8/112)


بين ان يكون الكلب معلما أو غير معلم وبهذا قال احمد * وعن ابي حنيفة رضي الله عنه يجوز بيع الكلب الا أن يكون عقورا ففيه روايتان * وعن اصحاب مالك اختلاف فيه منهم من لم يجوزه ومنهم من جوز بيع الكلب المأذون في امساكه (ومنه) السرجين والبول لا يجوز بيعهما كما لا يجوز بيع الميتة والعذرة والجامع نجاسة العين * وساعدنا احمد فيما نذهب إلى نجاسته منهما وقال ابو حنيفة يجوز بيع السرجين (وقوله) في الكتاب كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كانت فيها منفعة اشار به إلى الجواب عن عذر يبديه اصحاب ابي حنيفة إذا احتجينا عليهم في المنع من بيع الكلب والسرجين بالقياس على بيع الخمر والعذرة والجيفة فانها لما كانت نجسة العين امتنع بيعها بالاتفاق قال ليس لزاعم منهم ان يزعم ان المنع من البيع في صورة الوفاق انما كان لخلوهما عن المنفعة لان كل واحد منهما لا يخلوا عن ضرب منفعة (اما) الخمر فبعرض ان تصير خلا فلا تكون عارية عن المنفعة في الحال الا ترى ان الصغير اليوم منتفع به لما يتوقع حال كبره (واما) العذرة فلما يسمد بها الارض وأما

(8/113)


الجيفة فتطعم منها جوارح الصيد ثم المنع من بيع الجيفة ليس متفقا عليه في جميع اجزائها لان الحكاية عن أبي حنيفة تجويز بيع جلدها قبل الدباغ وإنما المتفق عليه اللحم * ويجوز بيع التفاح وفى باطنه الدود الميتة لان ابقائها فيه من مصالحه كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه وفى بيع بزر القر وفارة المسك خلاف مبنى على الخلاف السابق في طهارتها (واما) القسم الثاني هو ما نجس بعارض فهو على
ضربين (احدهما) النجس الذى يمكن تطهيره كالثوب النجس والخشبة النجسة والآجر النجس بملاقاة النجاسة فيجوز بيعها لان جوهرها طاهر وأزالة النجاسة عنه هينة نعم ما استتر بالنجاسة التى وردت عليه يخرج بيعه على بيع الغائب (والثاني) ما لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والدبس إذا تنجست لا يجوز بيعها كما لا يجوز بيع الخمر والبول والدهن النجس ان كان تجس العين فلا سبيل إلى بيعه بحال وذلك كدهن الميتة * وان نجس يعارض ففى بيعه خلاف مبني على انه هل يمكن تطهيره فعن ابن سريج وأبى اسحق يمكن تطهيره وعن صاحب الايضاح وغيره انه لا يمكن وهو الاظهر فعلى هذا لا يجوز بيعه وعلى الاول فيه وجهان (احدهما) انه يجوز كالثوب النس ويحكى عن ابن أبي هريرة

(8/114)


(وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يجوز لما روي انه صلي الله عليه وسلم (سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال ان كان جامدا فألقوها وما حولها وان كان ذائبا فأريقوه) ولو كان جائز لما امرنا باراقته وهذا أجود ما يحتج به علي امتناع التطهير * وخرجوا على هذين الوجهين بيع الماء النجس لان تطهيره بالمكاثرة ممكن واشار بعضهم إلى الجزم بالمنع وقال انه ليس بتطهير ولكنه يستحيل ببلوغه قلتين من صفة

(8/115)


النجاسة إلى الطهارة كالخمر يتخلل (واعلم) ان هذا الخلاف صادر ممن يجوز بيع الماء في الجملة (أما) من منع بيعه مطلقا على ما ستعرفه فلا فرق عنده بين الطاهر والنجس منه * وذكر الامام بناء مسألة الدهن علي وجه آخر فقال ان قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه والا ففى بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح (واعلم) ان مسألة كون الاستصباح مكروه قد مرت بشرحها مرة في آخر صلاة الخوف (وقوله) إذا نجس بملاقاة النجاسة

(8/116)


التقييد بكون نجاسته بالملاقاة محتاج إليه ليجئ القولان في البيع وغيره محتاج إليه ليجي.
القولان في الاستصباح لما سبق (وقوله) على أظهر القولين غير مساعد عليه في البيع بل الظاهر عند الاصحاب منعه وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كما تجوز الوصية بالكلب وأما هبته والصدقة به فعن القاضى أبى الطيب منعهما ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة
الكلب من الخلاف *

(8/117)


قال (الثاني المنعفة ويسع مالا منفعة فيه لقلته كالحبة من الحنطة أو لخسته كالخنافس والحشرات والسباع (و) التي لا تصيد باطل وكذا ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي (و) * ويصح بيع الفيل والفهد والهرة وكذا الماء (و) والتراب والحجارة وان كثر وجودها لتحقق المنفعة * ويجوز بيع (م ح) لبن الآدميات لانه طاهر منتفع به) * (الشرط الثاني كون المبيع منتفعا به وإلا لم يكن مالا وكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل ولخلو الشي عن المنعفة سببان (احدهما) القلة كالحبة من الحنطة والحبتين والزبيبة وغيرهما فان ذلك القدر لا يعد مالا ولا يبدل من مقابلته المال ولا ينظر الي ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدرالي أمثاله ولا الي ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في الفخ ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير إذ لو جوزناه لانجر ذلك إلى أخذ الكثير * ولو أخذ الحبة ونحوها فعليه الرد فان تلفت فلا ضمان إذ لا مالية لها * وعن القفال أنه يضمن مثلها (والثاني) الخسة كالحشرات (واعلم) أن الحيوانات الطاهرة علي ضربين (أحدهما) ما ينتفع به فيجوز بيعه كالغنم والبغال والحمير ومن الصيود كالظباء والغزلان ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهود ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب * ومنه ما ينتفع بلونه أو صوته كالطاوس والزرزور وكذا الفيل والهرة وكذا القرد فانه يعلم الاشياء فيعلم * ويجوز أيضا بيع دود القز لما فيه من المنفعة وبيع النحل في الكوارة صحيح إن كان قد شاهد جميعها والا فهو من صورة بيع الغائب وان باعها وهي طائرة من الكوارة فمنهم من صحح البيع كبيع النعم المسيبة في الصحراء

(8/118)


وهذا ما أورده في التتمة ومنهم من منعه إذ لا قدرة على التسليم في الحال والعود غير موثوق به وهذا ما أورده في التهذيب (والضرب الثاني) ما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه كالخنافس والعقارب والحيات وكالفأرة والنمل ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص فان تلك المنافع لا تلحقها بما
يعد في العادة مالا وفى معناها السباع التى لا تصلح للاصطياد والقتال عليها والاسد والذئب والنمر ولا نظر الي اقتناء الملوك للهيبة والسياسة فليست هي من المنافع المعتبرة * ونقل أبو الحسن وجها أنه يجوز بيع النمل بعسلر مكرم لانه يعالج به السكر وبنصيين لانه يعالج به العقارب الطيارة * وعن القاضي حسين حكاية وجه في صحة بيعها لانها طاهرة والانتفاع بجلودها متوقع في المال * ولا يجوز بيع الحدأة والرخمة والغراب فان كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه الذي حكاة القاضي هكذا قاله الامام لكن بينهما فرق لان الجلود تدبغ فتطهر ولا سبيل إلى تطهيرا لاجنحة وفى بيع العلق وجهان (أظهرهما) الجواز لمنفعة امتصاص الدم والسم ان كان يقتل بالكثر وينتفع بقليله كالسقمونيا والافيون جاز بيعه وإن قتل كثيره وقليله فجواب الجمهور فيه المنع ومال الامام وشيخه إلى الجواز ليدس في طعام الكافر * وفى بيع الحمار الزمن الذى لا منفعة فيه وجهان (أظهرهما) المنع بخلاف العبد الزمن فانه يتقرب باعتاقه (والثاني) الجواز لغرض الجلد في المال (وقوله) في الكتاب باطل يجوز أن يعلم بالواو للوجه الذى ذكرنا في الاسد ونحوه وايضا فان صاحب التتمة نقل في بيع لا ما منفعة فيه لقلته وجهين ثم في الفصل صور (احداها) آلات الملاهي كالمزامير والطنابير وغيرها فان كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا فلا يجوز بيعهما والمنعفة التي فيهما لما كانت

(8/119)


محظورة شرعا كانت ملحقة بالمنافع المعدومة حسا * وان كان الرضاض يعد ما لا ففى جواز بيعها قبل الرض وجهان (أحدهما) الجواز لما فيه من المنفعة المتوقعة (وأظهرهما) المنع لانهما على هيئة آلة الفسق ولا يقصد بها غيره ما دام ذلك التركيب باقيا ويجرى الوجهان في الاصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها * وتوسط الامام بين الوجهين فذكر وجها ثالثا وهو أنها إن اتخذت من جواهر نفيسة صحح بيعها لانها مقصودة في نفسها وان اتخذت من خشب ونحوه فلا وهذا أظهر عنده وتابعه المنصف في الوسيط لكن جواب عامة الاصحاب المنع المطلق وهو ظاهر لفظه ههنا ويدل عليه خبر جابر المروى في أول الركن * (فرع) الجارية المغنية إذا اشتراها بالفين ولولا الغناء لكانت لا تطلب الا بالف حكى
الشيخ أبو على المحمودى أفتي ببطلان البيع لانه بذل مال في معصية وعن الشيخ أبي على أنه ان قصد الغناء بطل والا فلا * وعن الاودني أن كل ذلك استحسان والقياس الصحة (الثانية) بيع المياه المملوكة صحيح لانه طاهر منتفع به وفيه وجه أنه لا سبيل إلى بيعه ولا نبسط القول في المسألة لنذكرها في احياء الموات ان شاء الله تعالي فان أقسام المياه من المملوك وغيره مذكورة ثم وصحة البيع من تفاريع الملك (الثالثة) إذا جوزنا بيع الماء ففى بيعه علي شط النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة فيما بين الشعاب الكثيرة الاحجار وجهان نقلهما في التتمة (أحدهما) لا يجوز لانه بذل المال لتحصيله مع وجدان مثله بلا مؤنة وتعب سفة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب

(8/120)


انه يجوز لان المنفعة فيها يسيرة ظاهرة وامكان تحصيلها من مثله لا يقدح في محلته (الرابعة) بيع لبن الآدميات صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك ولاحمد أيضا في إحدى الروايتين * لنا انه مال طاهر منتفع به فأشبه لبن الشاة * قال (الثالث أن يكون مملوكا لمن وقع العقد له فبيع الفضولي مال الغير لا يقف (ح) على إجازته على المذهب الجديد وكذلك بيع الغاصب وان كثرت تصرفاته في اثمان المغصوبات على أقيس الوجهين فيحكم ببطلان الكل * ولو باع مال أبيه على ظن انه حي فإذا هو ميت والمبيع ملك البائع حكم بصحة البيع على أسد القولين) * الشرط الثالث في المبيع كونه ملكا لمن يقع القعد له ان كان يباشره لنفسه فينبغي أن يكون له فان كان يباشره لغيره بولاية أو وكالة فينبغي أن يكون لذلك الغير (وقوله) ههنا لمن وقع العقد له يبين أن المراد من قوله مملوكا للعاقد في أول الركن ما أوضحه ههنا (وأعلم) أن اعتبار هذا الشرط ليس متفقا عليه ولكنه مفرع علي الاصح كما ستعرفه * ثم مسائل الفصل ثلاثة (إحداها) إذا باع مال الغير بغير اذن وولاية ففيه قولان (الجديد) انه لاغ لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم ابن حزام (لا تبع ما ليس عندك) وأيضا فان بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا له لعدم القدرة علي التسليم فبيع ما لا يملك ولا قدرة على تسليمه

(8/121)


أولى (والقديم) انه ينعقد موقوفا علي اجازة المالك ان أجاز نفذ والا لغا لما روى انه صلى الله عليه وسلم (دفع دينارا إلى عروة البارقى ليشترى به شاة فاشترى به شاتين وباع احداهما بدينار وجاء بشاة ودينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم بارك الله في صفقة يمينك) والاستدلال انه باع الشاة الثانية من غير اذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انه أجازه * ولانه عقد له تنجيز في الحال فينعقد موقوفا كالوصية * والقولان جاريان فيما لو زوج أمه الغير أو ابنته أو طلق من منكوحته أو عتق عبده أو أجر داره أو رهنها بغير اذنه * ولو اشتري الفضولي لغيره شيئا نظر ان اشترى بغير ماله ففيه قولان وان اشترى في الذمة نظر ان أطلق ونوى كونه للغير فعلي الجديد يقع عن المباشر وعلى القديم يتوقف على الاجازة فان رد نفذ في حقه * ولو قال اشتريت لفلان بألف في ذمتي فالحكم كما لو اشترى بعين ماله ولو اقتصر على قوله اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن الي ذمته فعلى الجديد يلغو العقد وتلغو التسمية ويقع العقد عن المباشر فيه وجهان * وعلى القديم يتوقف على اجازة ذلك الغير فان رد ففيه وجهان * ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه نظر ان لم يسمه وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا وان سماه نظر ان لم يأذن

(8/122)


له لغت التسمية وهل يقع عنه أم يبطل من أصله فيه وجهان * وان أذن له فهل تلغو التسمية فيه وجهان ان قلنا نعم فيبطل من أصله أو يقع عن العاقد فيه وجهان وان قلنا لا وقع عن الآذن والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة فيه وجهان * ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب لا يقف علي اجازته بالميم والالف والحاء (أما) الميم فلان مذهب مالك كالقول القديم وأما الالف فلان عن أحمد روايتين كالقولين (وأما) الحاء فلان مذهب أبي حنيفة كالقول القديم في البيع والنكاح (وأما) في الشراء فقد قال في صورة شراء المطلق بقع عن جهة العاقد ولا ينعقد موقوفا * وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمي الغير * وشرط الوقف عند أبى حنيفة ان يكون للعقد تنجيز في الحال مالكا كان أو غير مالك حتى لو أعتق عبد الطفل أو طلق امرأته لا يتوقف على اجازته بعد البلوغ * والمعتبر اجازة من يملك التصرف عند العقد حتي لو باع مال الطفل فبلغ واجاز لم ينفذ وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز قال الشيخ أبو محمد ولا نخالف في ذلك ابا حنيفة إذا فرعنا على القديم * وذكر
إمام الحرمين ان العراقيين لم يعرفوا القول القديم في المسألة وقطعوا بالبطلان وهذا ان استمر اقتضي اعلام قوله على المذهب الجديد بالواو وانما اتوقف فيه لان الذى ألفته في كتب العراقيين الاقتصار على ذكر البطلان لا نفى الخلاف المذكور والمفهوم من اطلاق لفظ القطع في مثل هذا المقام وفرق بين أن لا يذكر الخلاف وبين أن لا يبقى (المسألة الثانية) لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ففيه قولان (اصحهما) البطلان (والثانى) للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها وصورة المسألة وما فيها من القولين قريبة من الاولى ويزاد

(8/123)


فيها عسر تتبع العقود الكثيرة بالنقض والابطال ورعاية مصلحة المالك * وعلى هذا الخلاف يبني الخلاف في أن الغاصب إذا ربح في المال المغصوب يكون الربح له أو للمالك على ما سيأتي في باب القراض وغيره إن شاء الله تعالى (الثالثة) لو باع مال ابنه علي ظن انه حي وهو فضولي فبان انه كان ميتا يومئذ وان المبيع ملك للعاقد ففيه قولان (أصحهما) أن البيع صحيح لصدوره من المالك ويخالف ما لو أخرج دراهم وقال ان مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته وكان قد ورثه لا يجزئه لان النية لابد منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل وفى البيع لا حاجة الي النية (الثاني) انه باطل لان هذا العقد وان كان منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق والتقدير ان مات مورثي فقد بعتك وأيضا فانه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره * ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف بالخلاف في أن بيع الهازل هل ينعقد وفيه وجهان والخلاف في بيع التلجئة وصورته ان يخاف غصب ماله أو الاكراه على بيعه فيبيعه من انسان بيعا مطلقا ولكن توافقا قبله على انه لدفع الشر لا علي حقيقة البيع وظاهر المذهب انعقاده وفيه وجه * ويجرى الخلاف فيما إذا باع العبد علي ظن انه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ الكتابة * ويجرى أيضا فيما إذا زوج أمة أبيه على ظن انه حى ثم بان موته هل يصح النكاح فان صح فقد نقلوا وجهين فيما إذا قال ان مات أبى فقد زوجتك هذه الجارية وبهذا يضعف توجيه قول البطلان بأنه وان كان منجزا في الصورة فهو معلق في المعني لانا لا نجعل هذا التعليق مفسدا وان صرح به على رأى فما ظنك بتقديره * (واعلم) ان القولين في المسائل الثلاث يعبر عنهما بقولي وقف العقود وحيث
قال المصنف في الكتاب ففيه قولا وقف العقود أراد به هذين القولين وان لم يذكر هذا اللقب ههنا وانما سميا بالوقف لان الخلاف آيل إلى أن العقد هل ينعقد على الوقف أم لا فعلي قول ينعقد في المسألتين الاولتين موقوفا على الاجازة أو الرد وفى الثانية موقوفا علي تبين الموت أو الحياة وعلي قول لا ينعقد موقوفا بل يبطل * ثم ذكر الامام أن الصحة ناجزة على قول الوقف لكن الملك لا يحصل الا عند الاجازة وان الوقف يطرد في كل عقد يقبل الاستنابة كالمبايعات والاجارات والهبات والعتق والطلاق والنكاح وغيرها *

(8/124)


قال (الرابع أن يكون مقدروا على تسليمة فلا يصح بيع الآبق والضال والمغصوب وان قدر المشترى علي انتزاعه من يد الغاصب دون البائع صح على أسد الوجهين ثم له الخيار ان عجز * وبيع حمام البرج نهارا اعتماد علي العود ليلا لا يصح على أصح الوجهين) * الشرط الرابع القدرة على التسليم ولابد منها ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ويوثق بحصول العوض * ثم فوات القدرة على التسليم يكون من حيث الحس وقد يكون من حيث الشرع وصور هذا الفصل من الضرب الاول وهى ثلاث (إحداها) بيع الضال والآبق باطل عرف موضعه أو لم يعرف لانه غير مقدور على تسليمه في الحال هذا هو المشهور قال الائمة ولا يشترط في الحكم بالبطلان الياس من التسليم بل يكفى ظهور التعذر * واحسن بعض الاصحاب فقال إذا عرفت مكانه وعرف انه يصل إليه إذا رام الوصول فليس له حكم الآبق * (الثانية) إذا باع المالك ماله المغصوب نظر ان كان يقدر على استرداده وتسليمه صح البيع كما يصح بيع الوديعة والعارية وان لم يقدر نظر (ان) باعه ممن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب لم يصح لما سبق (وان) باعه ممن يقدر على انتزاعه منه ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) لا يصح لان البائع يجب عليه التسليم وهو عاجز (وأصحهما) الصحة

(8/125)


لان المقصود وصول المشترى إلى المبيع * وعلى هذا ان علم المشترى حقيقة الحال فلا خيار له ولكن لو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار وفيه وجه آخر أشار إليه
الامام * وإن كان جاهلا عند العقد فله الخيار لان البيع لا يلزمه كلفة الانتزاع (وقوله) في الكتاب ثم له الخيار ان عجز المراد منه حالة العلم لان عند الجهل لا يشترط العجز في ثبوت الخيار ويجوز أن يعلم بالواو للوجه المشار إليه * ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده ففيه الوجهان المذكوران في المغصوب * ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة واعتاقهما * وذكر في البيان انه لا يجوز كتابة المغصوب لان الكتابة تقتضي مكنة التصرف وهو ممنوع منه (الثالثة) لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء وان كان مملوكا له لما فيه من الغرر * ولو باع السمك في بركة لا يمكنها الخروج منها نظر ان كانت صغيرة يمكن أخذها من غير تعب ومشقة صح بيعها لحصول القدرة وان كانت كبيرة لا يمكن أخذها الا باحتمال تعب شديد ففيه وجهان أوردهما ابن سريج فيما رأيت له من جوابات جامعة الصغير وغيره (أظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة كبيع الآبق ويدل عليه ما روى عن ابن مسعود أنه قال (لا يشترى السمكة في الماء فانه غرر وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) وهذا كله فيما

(8/126)


إذا لم يمنع الماء رؤية السمك فان منع لكدورته فهو على قولى بيع الغائب الا أن لا يعلم قلة السمك وكثرتها وشيئا من صفاتها فيبطل لا محالة * وبيع الحمام في البرج على التفصيل المذكور في البركة * ولو باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها بالليل ففيه وجهان كما ذكرنا في النحل (أصحهما) عند الامام الصحة كبيع العبد المبعوث في شغل (وأصحهما) على ما ذكره في الكتاب المنع وبه قال الاكثرون إذ لا قدرة في الحال وعودها غير موثوق به إذ ليس لها عقل باعث * قال (ولا يصح بيع نصف من سيف أو نصل قبل التفصيل لان التفصيل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع * ويصح بيع ذراع من كرباس لا ينقص بالفصل على الاصح * ولا يصح بيع ما عجز عن تسليمه شرعا وهو المرهون * وإذا جني العبد جناية تقتضي تعلق الارش برقبته صح بيعه على أقوى القولين وكان التزاما للفداء لانه لم يحجر على نفسه فيقدر على ما لا يفوت حق المجني عليه * ثم للمجني عليه خيار الفسخ ان عجز عن أخذ الفداء) .
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) لو باع نصفا أو ربعا أو جزءا آخر شائعا من سيف أو اناء أو نحوهما
فهر صحيح وذلك الشئ مشترك بينهما * ولو عين نصفا أو ربعا وباعه لم يصح لان التسليم لا يمكن
__________
الكرباس بالكسر ثوب من القطن الابيض معرب فارسيته بالفتح كما في القاموس اه

(8/127)


الا بالقطع والكسر وفيه نقص وتضييع للمال * ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب نظر إن لم يعين الذراع فسنذكره من بعد ان شاء الله تعالى وان عين نظر ان كان الثوب نفيسا ينقص ثمنه بالقطع فهل يصح البيع فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ وغيرهما (أحدهما) نعم وبه قال صاحب التقريب كما لو باع ذراعا معينا من ارض أو دار (واظهرهما) وهو الذى أورده الشيخ أبو حامد وحكاه صاحب التلخيص عن نصه لا لانه لا يمكن التسليم الا باحتمال النقصان والضرر وفرقوا بينه وبين الارض بأن التمييز في الارض يحصل يحصل بالعلامة بين النصيبين من غير ضرر ولمن نصر الاول أن يقول قد تتضيق مرافق البقعة بالعلامة وتنقص القيمة فوجب أن يكون الحكم في الارض علي التفصيل أيضا * واعترض ابن الصباغ علي معنى الضرر بأنهما إذا رضيا به واحتملاه وجب أن يصح البيع كما يصح بيع أحد زوجي الخف وان نقص تفريقهما من قيمتهما * والقياس طرد الوجهين في صورة السيف والاناء لان المعني لا يختلف * وان كان الثوب مما لا ينقص بالفصل والقطع كالكرباس الصفيق فقد حكى صاحب الكتاب وشيخه فيه وجهين (أصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه يصح لزوال المعني المذكور (والثاني) المنع لان الفصل لا يخلو عن تغيير لغير المبيع وهذا فيما أورده الامام واختيار صاحب التلخيص وكان سببه اطلاق لفظه في التلخيص بعد ذكر ما لو باع ذراعا من الارض قال ولو قال ذلك في الثوب لم يجز قاله نصا وأيضا قال في المفتاح ولو باعه من ثوب ذراعا على أن يقطعه لم يجز بحال إلا أن الاكثرين حملوا كلامه علي الثوب الذى تنقص فيمته بالفصل * ولو باع جزءا معينا من جدار أو اسطوانة نظر ان كان فوقه شئ لم يجز لانه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه وإن لم يكن نظر ان كان قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما لم يجز وان كان من لبن أو آجر جاز هكذا أطلق

(8/128)


في التلخص وهو محمول عند الائمة على مالو جعل النهاية شق نصف من الاجر أو اللبن دون أن يجعل
المقطوع نصف سمكها * وفى تجويز البيع إذا كان من لبن أو آجر اشكال وان جعل النهاية ما ذكروه من وجهين (أحدهما) ان موضع الشق قطعة واحدة من طين أو غيره فالفصل الوارد عليه وارد علي ما هو قطعة واحدة (والثانى) هب انه ليس كذلك لكن رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي وإن لم يكن قطعة واحدة فليفسد البيع ولهذا قالوا لو باع جذعا في بناء لم يصح لان الهدم يوجب النقصان فأى فرق بين الجذع والآجر وكذا لو باع فصا في خاتم * وذكر بعض الشارحين للمفتاح في تفاريع هذه المسألة انه لو باع دارا الا بيتا في صدرها لا يلى شارعا ولا ملكا له على انه لا ممر له في المبيع لا يصح البيع وهذا باب في فتحه بعد ويتأكد بمثله الميل الي الوجه الذى نصره ابن الصباغ (المسألة الثانية) لا يصح بيع المرهون بعد الاقباض وقبل الانفكاك لانه عاجز عن تسليمه شرعا لما فيه من تفويت حق المرتهن (الثالثة) الجناية الصادرة من العبد قد تقتضي المال اما متعلقا برقبته أو بذمته وقد تقتضي القصاص وموضع تفصيله غير هذا فان أوجبت المال متعلقا بذمته لم يقدح ذلك في البيع بحال وان أوجبته متعلقا برقبته فهل يصح بيعه نظر ان باعه بعد اختيار الفداء فنعم هكذا اطلقه في التهذيب وان باعه قبله وهو معسر فلا لما فيه من ابطال حق المجني عليه * ومنهم من طرد الخلاف الذي نذكره في الموسر وحكم بثبوت الخيار للمجني عليه ان صح وان كان موسرا فطريقان (اصحهما) ان المسألة على قولين (اصحهما) انه لا يصح البيع لان حق المجني عليه متعلق به فمنع صحة بيعه كحق المرتهن في المرهون وبل أولى لان حق المجني عليه اقوى الا ترى انه إذا جنى العبد المرهون تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن (والثانى) وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزني انه يصح لان هذا الحق تعلق به من غير اختيار المالك فلا يمنع صحة

(8/129)


البيع كحق الزكاة ويخالف المرهون لانه بالرهن منع نفسه من التصرف وههنا لم يعقد عقدا ولم يحجز نفسه عن التصرف * وفى التتمة ان بعض أصحابنا خرج قولا ثالثا وهو ان البيع موقوف فان فداه نفذو الا فلا (والطريق الثاني) القطع بالمنع كما في المرهون (التفريع) ان لم نصحح البيع فالسيد على خيرته ان شاء فداه والا سلمه ليباع في الجناية وان صححناه فالسيد مختار للفداء ببيعه مع العلم بجنايته فيجبر على تسليمه لانه بالبيع فوت محل حقه فاشبه ما لو اعتقه أو قتله وبهذا قال أبو
حنيفة * وفيه وجه انه ليس مختار للفداء بل هو علي خيرته ان أفدى امضى البيع والا فسخ * وعلى الاول وهو المذهب لو تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية لان حق المجني عليه اقدم من حق المشترى * هذا إذا اوجبت الجناية المال بان كانت خطأ أو شبه عمد أو كانت واردة علي الاموال وكذا الحكم لو اوجبت القصاص لكن المستحق عفا علي مال ثم فرض البيع (فأما) إذا أوجبت القصاص ولا عفو فطريقان (أحدهما) طرد القولين وبه قال ابن خيران ومن القائلين بهذه الطريقة من بنى القولين على أن موجب العمد ماذا إن قلنا موجبه

(8/130)


القصود المحض صح بيعه كبيع المرتد وان قلنا موجبه أحد الامرين فهو كبيع المرهون (وأصحهما) القطع بالصحة لبقاء المالية بحالها وتوقف الهلاك كتوقع موت المريض المشرف على الموت * وإذا وقع السؤال عن بيع العبد الجاني مطلقا فالجواب فيه ثلاث طرق (أحدها) انه ان كانت الجناية موجبة للقصاص فهو صحيح وان كانت موجبة للمال فقولان (والثاني) ان كانت موجبة للمال فهو غير صحيح وان كانت موجبة للقصاص فقولان (والثالث) طرد القولين في الحالتين * ولو أعتق السيد العبد الجاني نظر ان كان معسرا فأصح القولين انه لا ينفذ وان كان موسرا ففي نفوذه ثلاثة أقوال (أصحها) النفوذ (وثانيها) انه موقوف ان فداه نفذ وإلا فلا (ومنهم) من قطع بالنفوذ إذا كان موسرا وبعدم النفوذ إذا كان معسرا بخلاف المرهون * والفرق (اما) عند اليسار فلانه بسبيل من نقل حق المجني عليه الي ذمته باختيار الفداء فإذا أعتق انتقل الحق إلى ذمته وفى الرهن بخلافه (وأما) عند الاعسار فلان حق المجني عليه متعلق بالرقبة ولا تعلق له بذمة السيد وفى حق المرتهن متعلق بهما جميعا فنفوذ الاعتاق

(8/131)


ههنا يبطل الحق بالكلية وفى الرهن غايته قطع أحد التعلقين * واستيلاد الجناية كاعتقاها * ومتي فدا السيد العبد الجاني يفديه بأقل الامرين من الارش وقيمة العبد أو بالارش بالغا ما بلغ فيه خلاف يأتي في موضعه والاصح الاول (وأما) لفظ الكتاب فقد عرفت بما ألقيت عليك من الشرح ان قوله ولا يصح بيع نصف من سيف معناه بيع نصف معين وكذا قوله بيع ذراع من كرباس ولفظ النصل لا يختص
بالسهم ألا تري أن صاحب الصحاح يقول في تعريفه والنصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح (وقوله) لان الفصل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع أراد به أن التسليم لا يحصل الا بالتفصيل والقطع والتسليم لا بد منه فلو صححنا البيع وألزمناه القطع كان هذا الزام تنقيص فيما ليس مبيعا وهذه عبارة صاحب النهاية * ثم نظم الكتاب قد يوهم خروج هذه المسألة عن صور العجز الشرعي بل حصر العجز الشرعي في المرهون لانه ذكر المسألة ثم قال ولا يصح بيع ما عجز عن تسلميه شرعا وهو المرهون لكنه عدها في الوسيط من صوره وقال البيع لا يلزم تنقيص عن المبيع والشرع قد يمنعه منه إذا كان فيه اسراف (وقوله) جناية تعلق الارش برقبته يجوزأن يقرأ تعلق بفتح التاء واللام ويجوز أن يقرأ تعلق على

(8/132)


إيقاع فعل التعليق على الجناية (وقوله) صح بيعه على أقوى القولين ترجيح لقول الصحة لكن الشافعي رضى الله عنه نص على القولين في المختصر وصرح باختيار المنع وبه قال طبقات الاصحاب * ثم يجوز أن يعلم ذكر الخلاف بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وكذا قوله وكان التزاما للفداء للوجه الذى سبق ذكره (وقوله) لانه لم يحجر على نفسه إلى آخره اشارة الي الفرق بينه وبين المرهون * قال (الخامس العلم وليكن المبيع معلوم العين والقدر والصفة (أما) العين فالجهل به مبطل ونعنى به انه لو قال بعت منك عبدا من العبيد (ح) أو شاة من القطيع بطل (ح) ولو قال بعت صاعا من هذه الصبرة وكانت معلومة الصيعان صح ونزل علي الاشاعة وان كانت مجهولة الصيعان لم يصح على اختيار القفال لتعذر الاشاعة ووجود الابهام.
وابهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع: وبيع بيت من دار دون حق الممر جائز على الاصح) .

(8/133)


الشرط الخامس كون المبيع معلوما ليعرف ما الذى ملك بازاء ما بذل فينفي الغرر ولا شك انه لا يشترط العلم به من كل وجه فبين ما يعتبر العلم به وهو ثلاثة أشياء عين المبيع وقدره وصفته (أما) العين فالقصد به انه لو قال بعت عبدا من العبيد أو إحد عبدي أو عبيدى هؤلاء أو شاة من هذا القطيع فهو باطل
وكذا لو قال بعتهم الا واحدا ولم يعين المستثني لان المبيع غير معلوم ولا فرق بين أن تتقارب قيم العبيد والشياه أو تتباعد ولا بين عدد من العبيد وعدد ولا بين أن يقول علي أن يختار رأيهم شئت أولا يقول ولا إذا قال ذلك بين أن يقدر زمان الاختيار أو لا يقدر * وعن أبي حنيفة انه إذا قال بعتك احدى عبدى أو عبيدى الثلاثة على أن تختار من شئت في ثلاث فما دونها صح العقد * وأغرب المتولي فحكي عن القديم قولا مثله ووجهه بأن الشرع أثبت الخيار في هذه المدة بين العوضين ليختار هذه الفسخ أو هذا الامضاء فجازا أن يثبت له الخيار بين عبدين وكما تتقدر نهاية الاختيار بثلاث تتقدر نهاية ما يتخير به من الاعيان بثلاثة * ولا يخفى ضعف هذا التوجيه ووجه المذهب القياس علي ما إذا زاد العبيد علي ثلاثة ولم يجعل له الاختيار ولو زاده على الثلاث أو فرض ذلك في الثياب والدواب

(8/134)


وغير العبيد من الاعيان وعلى النكاح فانه لو قال أنكحتك احدي ابنتى لا يصح النكاح * ولو لم يكن له الا عبد واحد فحضر في جماعة من العبيد وقال السيد بعتك عبدى من هؤلاء والمشتري يراهم ولا يعرف عين عبده فحكمه حكم بيع الغائب قاله في التتمة وقال صاحب التهذيب عندي هذا البيع باطل لان المبيع غير متعين وهو الصحيح * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) في بيع صاع من الصبرة والرأى أن يقدم عليهما فصلين (أحدهما) أن بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار وعبد وصبرة وثمرة وغيرها صحيح نعم لو باع جزءا مشاعا من شئ بمثله من ذلك الشئ كما إذا كان بينهما نصفين فباع هذا نصفه بنصف ذاك فوجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لانه لا فائدة فيه (وأصحهما) الصحة لاجتماع الشرائط المرعية في العقد وله فوائد (منها) لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة من أبيه انقطع ولابيه الرجوع (ومنها) لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف علي عيب لم يملك الرد على بائعه و (منها) لو ملكته صداقا وطلقها الزوج قبل الدخول لم يمكن له الرجوع فيه * ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا فهو صحيح أيضا (مثاله) أن يقول بعتك ثمرة هذا الحائط الا ربعها أو قدر الزكاة منها ولو قال بعتك ثمرة هذا الحائط بثلاثة آلاف درهم الا ما يخص ألفا فان أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان

(8/135)


استثناء للثلث وان أراد ما يساوى ألفا عند التقويم فلا لانه مجهول (الفصل الثاني) لو باع ذراعا من أرض أو دار أو ثوب ينظر ان كانا يعلمان جملة ذرعانها كما إذا باع ذراعا والجملة عشرة فالبيع صحيح وكأنه قال بعت العشر قال الامام الا ان قال بعنى معينا فيفسد كقوله شاة من القطيع * ولو اختلفا فقال المشترى أردت الاشاعة فالعقد صحيح وقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق احتمالان وذكر أيضا خروج وجه في فساد العقد وان لم نعن بالذراع معينا وستعرف كيفيته ان شاء الله تعالى * وان كانا لا يعلمان أو أحدهما ذرعان الدار والثوب لم يصح البيع لان أجزاء الارض والثوب تتفاوت غالبا في المنفعة والقيمة والاشاعة متعذرة * وعن أبي حنيفة انه لا يصح البيع سواء كانت الذرعان معلومة أو مجهولة ذهابا إلى أن الذراع اسم لبقعة مخصوصه فيكون البيع مبهما * ولو وقف على طرف الارض وقال بعتك كذا اذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول صح البيع في أحد الوجهين * إذا عرفت الفصلين فنقول إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة بكذا فله حالتان (إحداهما) أن يعلما مبلغ صيعان الصبرة فالعقد صحيح ونقل امام الحرمين في تنزيله خلافا للاصحاب منهم من قال المبيع صاع من جملة مشاع أي صاع كان لان المقصود لا يختلف فعلى هذا يبقى المبيع ما بقى صاع وإذا تلف

(8/136)


بعض الصبرة لم يتقسط على المبيع وغيره (ومنهم) من نزل الامر علي الاشاعة وقال إذا كانت الصبرة مائة صاع فالمبيع عشر العشر وعلى هذا لو تلف بعض الصبرة تلف بقدره من المبيع * هذا ما أورده الجمهور في هذه الحالة ومنهم صاحب الكتاب (والثانية) ان لا يعلما أو أحدهما مبلغ صيعانها ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) وهو اختيار القفال انه لا يصح لان المبيع غير معين ولا موصوف فاشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب وجملة الذرعان مجهولة أو باع صاعا من ثمرة النخل (والثانى) وهو الحكاية عن نصه انه صحيح والمبيع صاع منها أي صاع كان حتي لو تلف جميعها سوى اصاع واحد تعين العقد فيه والبائع بالخيار بين أن يسلم من أعلا الصبرة أو من أسفلها وإن لم يكن الاسفل مرئيا لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها ويفارق صورة الاستشهاد لان أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف
غالبا بخلاف تلك الصورة قال المعتبرون والوجه الثاني أظهر في المذهب ولكن القياس الاول لانه لو فرق صيعان الصبرة وقال بعتك واحدا منها لم يصح فما الفرق بين أن تكون متفرقة أو مجتمعة وأيضا لانه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لا يصح العقد إلا أن تكون الصيعان معلومة ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا * وفيما جمع من فتاوى القفال انه كان إذا سئل عن هذه المسألة يفتي بالوجه الثاني مع ذهابه إلى الاول ويقول المستفتى يستفتي عن مذهب الشافعي رضي الله عنه لا عن ما عندي ثم ذكر الائمة للخلاف في المسألة مأخذين (أحدهما) حكوا خلافا في أن علة بطلان البيع فيما إذا قال بعت عبدا

(8/137)


من العبيد ماذا فمن قائل علته الغرر الذى فيه مع سهولة الاجتناب عنه ومن قائل علته انه لا بد للعقد من مورد يتأثر به كما في النكاح قالوا والخلاف الذى نحن فيه مبني عليه فعلى الثاني لا يصح وعلى الاول يصح إذ لا غرر لتساوي أجزاء الصبرة (والثانى) قال الامام هو مبنى على الخلاف في تنزيل العقد عند العلم بالصيعان ان قلنا المبيع ثم مشاع في الجملة فالبيع باطل لتعذر الاشاعة (وان قلنا) المبيع صاع غير مشاع فهو صحيح ههنا ايضا وهذا البناء لا يسلم عن النزاع لما ذكرنا ان الجمهور نزلوه في صورة العلم علي الاشاعة إن أمكن وإلا قالوا المبيع صاع أي صاع كان لاستواء الغرض * ثم ادعي الامام أن من لا يدعى الجزئية والاشاعة يحكم ببطلان البيع فيما إذا باع ذراعا من أرض معلومة الذرعان وهذا هو الوجه الذى سبقت الاشارة إليه ولم أر له ذكرا إلا في كتابه (المسألة الثانية) قوله وإبهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع صورتها أن يبيع أرضا محفوفة بملكه جميع الجهات وشرط أن للمشترى حق الممر إليها من جانب ولم يعين فالبيع باطل لان الاغراض تتفاوت باختلاف الجوانب ولا يؤمن إفضاء الامر الي المنازعة فجعلت الجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه (أما) إذا عين الممر من جانب فيصح البيع وكذا لو قال بعتكها بحقوقها وثبت للمشترى حق الممر من جميع الجوانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع وإن أطلق البيع ولم يتعرض للمر ففى المسألة وجهان (أظهرهما) أن مطلق البيع يقتضي حق الممر لتوقف حق الانتفاع عليه فعلى هذا البيع صحيح كما لو قال بعتكها بحقوقها
(والثاني) انه لا يقتضيه لانه لم يتعرض له فعلى هذا هو كما لو نفى الممر وفيه وجهان (أحدهما) أن

(8/138)


البيع صحيح لامكان التدرج إلي الانتفاع بتحصيله ممرا (وأصحهما) عند الامام وغيره البطلان لتعذر الانتفاع بها في الحال * ولو أن الارض المبيعة كانت ملاصقة للشارع فليس للمشترى طروق ملك البائع فان العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الامر عليها ولو كانت ملاصقة لملك المشترى فلا يتمكن من المرور فيما أبقاه البائع لنفسه بل يدخل فيه من ملكه القديم وابدى الامام احتمالا قال وهذا إذا أطلق البيع أما إذا قال بحقوقها فله المرور في ملك البائع وصاحب الكتاب رجح من وجهي مسألة نفي الممر وجه الصحة لكن الاكثرين على ترجيح مقابلة وتوسط في التهذيب فقال ان أمكن اتخاذ ممر من جانب صح البيع وإلا فلا * ولو باع دارا واستثني لنفسه بيتا فله الممر وان نفى الممر نظر ان أمكن اتخاذ ممر آخر صح وان لا فوجهان ووجه المنع ما قدمناه عن شارح المفتاح * قال (اما القدر فالجهل به فيما في الذمة ثمنا أو مثمنا مبطل كقوله بعت بزنة هذه الصنجة * ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم صح (ح) وان كانت مجهولة الصيعان لان تفصيل الثمن معلوم وان لم يعلم جملته والغرر ينتقى به فان كان معينا فالوزن غير مشروط بل يكفى عيان صبرة الحنطة والدراهم * فان كان تحتها دكة تمنع تخمين القدر فيخرج علي قولي بيع الغائب لاستواء الغرر وقطع بعض المحققين بالبطلان لعسر إثبات الخيار مع جريان الرؤية) * المبيع قد يكون في الذمة وقد يكون معينا والاول هو السلم والثاني وهو المشهور باسم البيع

(8/139)


والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وان كان يشترط في السلم التسليم في مجلس العقد وقد يكون معينا فيما كان في الذمة من العوضين فلابد وان يكون معلوم القدر حتى لو قال بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا لم يصح البيع وكذا لو قال بعت هذا بما باع به فلان فرسه أو ثوبه وهما لا يعلمانه أو أحدهما لانه غرر يسهل الاجتناب عنه وحكى وجه انه يصح لامكان
الاستكشاف وازالة الجهالة فصار كما إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع منها بدرهم يصح البيع وان كانت الجملة مجهولة في الحال نقله في التتمة * وذكر بعضهم انه إذا حصل العلم قبل التفرق صح البيع ولو قال بعتك بمائة دينار الا عشرة دراهم لم يصح إلا ان يعلما قيمة الدينار بالدراهم * ولو قال بعتك بالف من الدراهم والدنانير لم يصح لان قدر كل واحد منهما مجهول وعن أبي حنيفة انه يصح * وإذا باع بدراهم أو دغانير فلابد من العلم بنوعهما فان كان في البلد نقد واحدا ونقود ولكن الغالب التعامل بواحد منها انصرف العقد إلي المعهود وان كان فلوسا الا أن تعين غيره وان كان نقد البلد مغشوشا فقد ذكرنا وجهين في صحة التعامل به في كتاب الزكاة إلا انا خصصنا الوجهين بما ادا كان مقدار النقرة مجهولا وربما نقل العراقيون الوجهين على الاطلاق ووجهوا المنع بان المقصود غبر مميز عما ليس بمقصود فاشبه مالوا شيب اللبن بالماء وبيع فانه لا يصح وكيف ما كان فالاصح الصحة وإذا فرعنا عليه انصرف العقد عند الاطلاق إليه * وحكى صاحب التتمة وجها ثالثا في التعامل بالدراهم المغشوشة وهو أنه ان كان الغش غالبا لم يجز وان

(8/140)


كان مغلوبا فيجوز وادعي ان هذا مذهب ابي حنيفة واختيار القاضى الحسين * ولو باع شيئا بدراهم مغشوشة ثم بان ان نقرتها يسيرة جدا فله الرد وعن أبى الفياض تخريج وجهين فيه وان كان في البلد نقدان أو نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فالبيع باطل حتي يعين وتقويم المتلفات يكون بغالب نقد البلد فان كان في البلد نقدان فصاعدا ولا غالب عين القاضى واحدا للتقويم * ولو غلب من جنس العرض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق فيه وجهان المحكى عن أبي اسحق انه ينصرف كما ذكرنا في العقد قال في التتمة وهو المذهب ومن صوره أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ثم أحضر قبل التفرق * وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب ينصرف في الصفات إليه أيضا حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح انصرف العقد إليه وإن كان المعهود المكسرة فكذلك قال في البيان الا أن تتفاوت قيم المكسرة فلا يصح وعلى هذا القياس لو كان المعهود ان يوجد نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك أو ان يوجد على نسبة أخرى فالبيع
صحيح محمول عليه * وان كان يعهد التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت صح البيع ويسلم ما شاء منهما وان كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان عامان واطلق * ولو قال بعت بالف صحاح ومكسرة فوجهان (أظهرهما) انه يبطل لانه لم يبين قدر كل واحد منهما (والثانى) يصح ويحمل على التنصيف ويشبه ان يكون هذا الوجه جاريا فيما إذا قال بالف ذهبا وفضه * ولو قال بعت بدينار صحيح فجاء بصحيحين وزنهما مثقال فعليه

(8/141)


القبول لان الغرض لا يختلف بذلك ولو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف قال في التتمة عليه قبوله والزيادة امانة في يده والحق أنه لا يلزمه القبول لما في الشركة من الضرر وقد ذكر صاحب البيان نحوا من هذا ولكن ان تراضيا عليه جاز وحينئذ لو أراد أحدهما كسره وامتنع الاخر لم يجبر عليه لما في هذه القسمة من الضرر * ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط ان يكون مدورا جاز ان كان يعم وجوده وان لم يشرط فعليه شق وزنه نصف مثقال فان سلم إليه صحيحا اكثر من نصف مثقال وتراضيا على الشركة فيه جاز * ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح فان سلم صحيحا عنهما فقد زاده خيرا وان سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار جاز وان شرط في عقد الثاني تسليم صحيح عنهما فالعقد الثاني فاسد والاول ماض على الصحة ان جرى الثاني بعد لزومه والا فهو الحاق شرط فاسد بالعقد في زمان الخيار وسيأتى حكمه * ولو باع بنقد قد انقطع عن أيدى الناس فهو باطل لعدم القدرة على التسليم وان كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها فان كان حالا أو مؤجلا الي مدة لا يمكن نقله فهو باطل ايضا وان كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله صح ثم ان حل الاجل وقد أحضره فذاك وإلا فيبني علي ان الاستبدال عن لثمن هل يجوز (إن قلنا) لا فهو كما لو انقطع المسلم فبه (وإن قلنا) نعم فيستبدل والا يفسخ العقد وفيه وجه انه يفسخ وان كان يوجد في البلد الا أنه عزيز (فان قلنا) يجوز الاستبدال عن الثمن صح العقد فان وجد فذاك وإلا تبادلا (وان قلنا) لا لم يصح * ولو كان القدر الذى جرى به التعامل

(8/142)


موجودا ثم انقطع ان جوزنا الاستبدال تبادلا والا فهو كانقطاع المسلم فيه * ولو باع شيئا بنقد معين أو مطلقا وحملناه علي نقد البلد فابطل السلطان ذلك النقد لم يكن للبائع الا ذلك النقد كما لو اسلم في حنطتة فرخصت ليس له غيرها لو فيه وجه آخر انه مخير ان شاء اجاز العقد بذلك النقد وان شاء فسخه كما لو تعيب المبيع قبل القبض وعن أحمد انه يجب تسليم النقد الجديد بالقيمة * وإذا وقفت على هذه المسائل فاعم ان صاحب الكتاب لما ذكر ان العلم بقدر العوض لا بد منه إذا كان في الذمة احتاج الي بيان مسألة هي كالمستثناة عن هذه القاعدة وهى أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح العقد وان كانت الصبرة مجهولة الصيعان وقدر الثمن مجهولا وبه قال مالك وأحمد وكذا الحكم لو قال بعتك هذا الارض أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الاغنام كل واحدة بدينار وقال أبو حنيفة إذا كانت الجملة مجهولة صح البيع في مسألة الصبرة وفى قفيز واحد دون الباقي وفي مسألة الارض والثوب لا يصح في شئ وهذا ما حكاه القاضي ابن كج عن أبى الحسين في الصور كلها وجه الصحة أن الصبرة مشاهدة والمشاهدة كافية للصحة على ما سنذكره ولا يضر الجهل بمبلغ الثمن لان تفصيله معلوم والغرر يرتفع به فانه يعلم أقصي ما تنتهي إليه الصبرة وقد رغب فيها على شرط مقابلة كل صاع بدرهم كما كانت * ولو قال بعتك عشرة من هؤلاء الاغنام بكذا لم يصح وان علم عدد الجملة بخلاف مثله في الصبرة والارض والثوب لان قيمة الشاة تختلف فلا يدرى كم العشرة من الجملة كذا ذكره في التهذيب وقياس ما قدمناه من عدم الصحة فيما إذا باع ذراعا من ثوب أو من أرض مجهوله الذرعان تعليلا بأن أجزاء الارض والثوب تختلف أن يكون قوله بعتك كذا ذراعا من الارض وهى معلومة الذرعان كقوله بعتك كذا عددا من هذه الاغنام وهي معلومة العدد فليسو بينهما في الصحة أو عدمها * ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح لانه لم

(8/143)


يبع جميع الصبرة ولا بين المبيع منها وعن ابن سريج انه يصح في صاع واحد كما لو قال بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم أو قال مثله في الثوب والارض نظر ان خرج كما ذكر صح البيع وان
خرج زائدا أو ناقصا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) انه لا يصح البيع لانه باع جملة الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الامرين عند الزيادة والنقصان محال (والثانى) انه يصح لاشارته الي الصبرة ويلغي الوصف وعلى هذا ان خرج ناقصا فللمشترى الخيار فان أجاز فيجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم فيه وجهان وان خرج زائدا فلمن تكون الزيادة فيه وجهان (أظهرهما) انها للمشترى لان جملة الصبرة مبيعة منه فعلى هذا لا خيار له وفى البائع وجهان (أصهما) انه لا خيار له ايضا لانه رضى ببيع جميعها (والثاني) ان الزيادة للبائع وعلي هذا لاخيار له وفى المشترى وجهان (اصحهما) ثبوت الخيار إذا لم يسلم له جميع الصبرة * هذه ما نذكره الآن في أحد القسمين وهو أن يكون العوض في الذمة فأما إذا كان معينا فلا يشترط معرفة قدره بالوزن والكيل حتي لو قال بعتك هذه الدراهم أو هذه الصبرة صح ويكفى عيان الدراهم والصبرة ربطا للعقد بالمشاهدة نعم حكوا قولين في انه هل يكره بيع الصبرة جزافا وعن مالك ان علم البائع قدر كيلها لم يصح البيع حتى يبينه وحكي إمام الحرمين عنه انه لابد من معرفة المقدار فلا يصح بيع الصبرة جزافا ولا بالدراهم جزافا ولو كانت الصبرة علي موضع من الارض فيه ارتفاع وانخفاض أو باع السمن ونحوه في طرف مختلف الاجزاء دقة وغلظا فقد حكي المصنف في لوسيط ثلاث طرق وقضية إيراد الامام الاقتصار على الاول والثالث (أظهرها) وبه قال الشيخ أبو محمد أن في صحة البيع قولى بيع الغائب لان انخفاض الارض وارتفاعها وغلظ الظرف ودقته يمنع تخمين القدر وإذا

(8/144)


لم يفد العيان احاطة كان كعدم العيان في احتمال الغرر (والثانى) القطع بالبطلان لانا إذا صححنا بيع الغائب أثبتنا فيه الخيار عند الرؤية والرؤية حاصلة ههنا فيبعد إثبات الخيار معها ولا سبيل الي نفيه لمكان الجهالة وهذان الطريقان هما المذكوران في الكتاب والطريقة الثانية ضعيفة وان نسبت إلى المحققين لان الصفة والمقدار مجهولان في بيع الغائب ومع ذلك خرجناه على قولين فكيف نقطع بالبطلان ههنا مع معرفة بعض الصفات بالرؤية فان قلنا بالصحة فوقت اثبات الخيار ههنا معرفة مقدار الصبة أو التمكن من تخمينة برؤية ما تحتها * (والطريق الثالث) نقله الامام عن رواية الشيخ
أبى على في مهذبه الكبير القطع بالصحة ذهابا الي أن جهالة المقدار غير جائزة بعد المشاهدة فان فرعنا علي البطلان فلو باع الصبرة والمشترى يظن انها على استواء الارض ثم بان تحتها دكة هل يتبين بطلان العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال الشيخ أبو محمد لانا تبينا بالاخرة أن العيان لم يفد علما (وأظهرهما) لا ولكن للمشترى الخيار تنزيلا لما ظهر منزلة الغيب والتدليس هذا ما أورده صاحب الشامل وغيره * ولو قال بعتك هذه الصبرة الا صاعا فان كانت معلومة الصيعان صح والا فلا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يصح وإن كانت مجهولة الصيعان واحتجوا للمذهب بما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الثنيا في البيع * ثم اختلفوا في وجه الاحتجاج فذكر الماوردى في الحاوى ان المراد من الخبر الصورة التى نحن فيها وقال قائلون الخبر ينفى احتمال الاستثناء مطلقا فان ترك العمل به في موضع وجب أن لا يترك ههنا والله أعلم * قال (أما الصفة ففي اشتراط معرفتها بالعيان قولان اختار المزني الاشتراط وأبطل بيع (ح م) ما لم يره وشراءه ولعله اصح القولين وفى الهبة قولان مرتبان وأولى بالصحة وعلي القولين يخرج شراء الاعمى لانه يقدر على التوكيل بالرؤية والفسخ على اصح الوجهين ويصح سلم الاعمي اعتمادا علي الوصف وكذلك الاكمه الا على رأى المزني فانه أول كلام الشافعي رضي الله عنه علي غير الاكمه) *

(8/145)


في الفصل مسائل (إحداها) في بيع الاعيان الغائبة والحاضرة التى لم تر قولان قال في القديم وفى الاملاء والصرف من الجديد انه صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه ومعلوم أن الخيار انما يثبت في العقود الصحيحة ولانه عقد معاوضة فلم يكن من شرطه رؤية المعقود عليه كالنكاح وقال في الام والبويطى لا يصح وهو اختيار المزني ووجه انه بيع غرر وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولانه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصح بيعه كما لو أسلم في شئ ولم يصفه واشتهر القول الاول بالقديم والثانى بالجديد واختلفوا في محلهما على طريقين (أصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما
ان القولين مطردان في المبيع الذى لم يره المتبايعان كلاهما وفيما لم يره أحدهما (والثانى) ان القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشترى أما إذا لم يشاهده البائع فالبيع باطل قولا واحدا لان الاجتناب عن هذا الغرر سهل على البائع فانه المالك والمتصرف في المبيع ومنهم من جعل البيع أولي بالصحة لان البائع معرض عن الملك والمشترى محصل له فهو أجدر بالاحتياط وهذا يوجب خروج طريقة ثالثة وهي القطع بالصحة إذا رآه المشترى وتخصيص الخلاف فيما إذا لم يره وفى البيان اشارة إلى هذه الطريقة

(8/146)


الثالثة والقولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته وفيما إذا آجر بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السلم ثم سلم في مجلس العقد * ولو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص على عين غائبة صح النكاح وحصلت البينونة وسقط القصاص وفى صحة المسمي القولان فان لم يصح وجب مهر المثل علي الرجل في النكاح وعلي المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفو عنه ويجريان أيضا في هبة الغائب ورهنه وهما أولى بالصحة لانهما ليسا من عقود المغابنات بل الراهن والواهب مغبونان لا محالة والمرتهن والمتهب مرتفقان لا محاله ولهذا قيل إنا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه (الثانية) إذا لم نجوز شراء الغائب وبيعه لم يجز بيع الاعمى وشراؤه وان جوزناه فوجهان (أظهرهما) أنه لا يجوز أيضا والفرق انا إذا جوزنا شراء الغائب ثبت فيه خيار الرؤية وهاهنا لا سبيل إلى اثبات خيار الروية إذا لا رؤية فيكون كبيع الغائب علي شرط أن لا خيار (والثاني) أنه يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته كما تقام الاشارة مقام النطق في حق الاخرس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وقد يعبر عما ذكرنا بأن يقال في بيعه وشراه طريقان (أحدهما) أنه على قولي شراء الغائب (والثاني) القطع بالمنع وبني بانون هذين الطريقين على

(8/147)


انه هل يجوز للبصير إذا صححنا منه شراء الغائب أن يوكل غيره بالرؤية وبالفسخ أو الاجازة على ما يستصوبه وفيه وجهان (أظهرهما) أنه يجوز كالتوكيل في خيار العيب وخيار الحلف (والثانى) لا يجوز لان هذا الخيار مربوط بارادة من له الخيار ولا تعلق له بعرض ولا وصف ظاهر فاشبه
ما لو اسلم الكافر على عشر نسوة ليس له أن يوكل بالاختيار فان صححنا التوكيل خرج بيعه وشراؤه على قولى شراء الغائب وإلا قطعنا بالفساد لانه لو صح لتمكن منه جهالة لا تزول ولما أفضى الامر إلى قرار وإذا قلنا لا يصح بيع الاعمى وشراؤه لا يصح منه الاجارة والرهن والهبة ايضا وهل له أن يكاتب عبده قال في التهذيب لا وقال في التمتمة المذهب أن له ذلك تغليبا للعتق ويجوزان يؤجر نفسه وللعبد الاعمي أن يشترى نفسه وان يقبل الكتابة على نفسه ويجوز له أن ينكح وان يزوج موليه تفريعا على أن العمي غير قادح في الولاية والصداق عين مال لم يثبت المسمى وكذلك إو خالع الاعمي على مال وأما إذا أسلم في شئ أو باع سلما فينظر ان عمى بعد ما بلغ سن التمييز فهو صحيح لان السلم يعتمد الاوصاف وهو والحالة هذه مميز بين الالوان ويعرف الاوصاف ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط وهل يصح قبضه بنفسه فيه وجهان (أصحهما) لا لانه لا يميز بين المستحق وغيره وان كان اكمه أو عمى قبل ما بلغ سن التمييز فوجهان (احدهما) انه لا يصح سلمه لانه لايعرف الالوان ولا يميز بينها وبهذا قال المزني ويحكي عن ابن سريج وابن خيران وابن أبي هريرة أيضا واختاره صاحب التهذيب (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم ويحكى عن ابى اسحق المروزى وبه اجاب في الكتاب انه يصح لانه يعرف الصفات والالوان بالسماع ويتخيل فرقا بينهما فعلى هذا انما يصح إذا كان رأس المال موصوفا غير معين في المجلس اما إذا كان معينا فهو كبيع العين الغائبة * وكل مالا نصححه من الاعمى من التصرفات فسبيله ان يوكل عنه ويحتمل ذلك للضرورة والله أعلم * وانرجع الي ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (قوله) الصفة إلى قوله فابطل بيع ما لم يره وشراءه جواب على طريقة طرد القولين في البيع والشراء هو الاشهر (قوله) ولعله اصح القولين انما فرض القول فيه لان طائفة من أصحابنا مالوا الي قول التصحيح وافتوا به وقد

(8/148)


تابعهم صاحب التهذيب والروياني عليه * وعن الخضرى انه كان لا يجرم بالفساد إذا سئل عن بيع الغائب بل يقول ان لم يصح الخبر فالقياس فساده وقوله على القولين يخرج شراء الاعمى مصيرا إلي طرد القولين في شراء الاعمى وليكن معلما بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وإليها ذهب الاكثرون
وقوله انه يقدر على التوكيل اشارة إلى ما سبق من مضى الطريقين وجعله الصحة اصح الوجهين غير منازع فيه لكن ذهاب الاكثرين إلى القطع بالمنع يشوش ذلك البناء لان قائس ترجيح وجه الصحة يرحح طريقة القولين وقوله فانه اول كلام الشافعي رضى الله عنه علي غير الاكمه اراد به ان الشافعي رضي الله عنه اطلق القول في جواز سلم الاعمي فقال المزني في مختصر سننه ان يكون اراد الشافعي رضي الله عنه لمعرفتي بلفظ الاعمى الذى عرف الالوان قبل ان يعمي واما من خلق اعمي فانه لا معرفة له بالالوان وحكم بفساد سلمه * قال (التفريع * ان شرطنا الروية فالروية السابقة كالمقارنة (و) فيما لا يتغير غالبا وليس استقصاء الوصف كالروية على الاظهر * ورؤية بعض المبيع كافية إن دل على الباقي لكونه من جنسه أو كان صوأنا له خلقة كقشر الرمان والبيض) * لما فرغ من ذكر القولين في شراء الغائب والصور الملحقة به اراد أن يفرع عليها فعد في هذا الفصل فروعا علي قولنا باشتراط الرؤية وفى الفصل الذى يليه فروعا علي القول المقابل له فاما فروع هذا الفصل الذى ذكرها فهي ثلاثة (أحدها) لو اشترى غائبا رآه قبل العقد نظر ان كان مما لا يتغير غالبا كالاراضى والاواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم الذى هو المقصود وقال الانماطي لا يصح لان ما كان شرطا في العقد ينبغى أن يوجد عنده كالقدرة علي التسليم في البيع والشهادة في النكاح والمذهب الاول * واحتج الاصطخرى على الذاب عن الانماطى في المسألة فقال ارأيت لو كان في يده خاتم فاراه غيره حتى نظر إلى جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل

(8/149)


دارا ونظر الى جميع بيوتها وعلا إليها ثم خرج منها واشتراها هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل أرضا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها هل يصح فتوقف فيه ولو ارتكبه لكان مانعا بيع الاراضي والضياع التي لا تشاهد دفعة واحدة فانه خلاف الاجماع * ثم إذا صححنا الشراء فان وجده كما رآه اولا فلا خيار له وإن وجده متغيرا فقد حكى المصنف فيه وجهين في الوسيط
(أحدهما) انه يتبين بطلان العقد لتبين انتفاء المعرفة (واصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه لا يتبين ذلك لبناء العقد في الاصل على ظن غالب ولكن له الخيار قال الامام وليس المعني بتغيره تعيبه فان خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية وكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط * وإن كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا كما إذا راى ما يتسارع إليه الفساد من الاطعمة ثم اشتراه بعد مدة صالحة فالبيع باطل وان مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ويحتمل أن لا يتغير أو كان المبيع حيوانا ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لما فيه من الغرر ويحكى هذا عن المزني وابن أبى هريرة (واصحهما) الصحة لان الظاهر بقاؤه بحاله فان وجده متغيرا فله الخيار وإذا اختلفا فقال البائع هو بحاله وقال المشترى بل تغير فوجهان (احدهما) أن القول قول البائع لان الاصل عدم التغير واستمرار العقد (واظهرهما) وهو المحكى عن نصه في الصرف أن القول قول المشترى مع يمينه لان البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضى به وهو ينكره فاشبه ما إذا ادعي عليه الاطلاع على العيب وانكر المشترى * (الثاني) استقصاء الاوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بطريق التواتر فيه وجهان (احدهما) نعم لان ثمرة لرؤية المعرفة وهما يفيدانها فعلى هذا يصح البيع على القولين ولا خيار (واصحهما) لا لان الرؤية تطلع على أمور تضيق

(8/150)


عنها العبارة * ثم الصائرون إلى هذا الوجه ومنهم أصحابنا العراقيون اختلفوا في أن استقصاء الوصف هل يشترط على قولنا بصحة بيع الغائب على ما ستعرفه ان شاء الله تعالى (الثالث) إذا راى بعض الشئ دون بعض نظر ان كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع كما إذا رأى ظاهر الصبرة منه الحنطة والشعير لان الغالب أن أجزاءها لا تختلف وتعرف جملتها برؤية ظاهرها ثم لا خيار له إذا رأى باطنه الا إذا خالف باطنه ظاهره * وفى التتمة أن ابا سهل الصعلوكى حكى قولا عن الشافعي رضى الله عنه انه لا تكفى رؤية ظاهر الصبرة بل لابد من تقليبها ليعرف حال باطنها أيضا وهكذا حكاه أبو الحسن العبادي عن الصعلوكي نفسه وقال انما الجأه إليه ضرورة نظر المبيع والمذهب
المشهور هو الاول * وفى معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق لان الظاهر استواء ظاهرها وباطنها * ولو كان شئ منها في وعاء فرأى اعلاه أو رأى اعلا السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفا ولو كانت الحنطة في بيت وهو مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى ان عرف سعة البيت وعمقه والا فلا وكذا حكم الجمد في المجمدة ولا يكفى رؤية صبرة البطيخ والرمان والسفرجل لانها تباع في العادة عددا وتختلف اختلافا بينا فلابد من رؤية واحد واحد وكذا لا يكفى في شراء السلة من العنب والخوخ ونحوهما رؤية الاعلا لكثرة الاختلاف فيها بخلاف صبرة الحبوب والتمر ان لم تلتزق حبانه فصبرته كصبرة الجوز واللوز وان التزقت كالقوصرة فيكفى روية اعلاها على الصحيح وعن الصيمري حكاية خلاف في القطن في العدل انه هل يكفى رؤية اعلاه أم لابد من روية جميعه قال والاشبه عندي انه كقوصرة التمر * ولو رأى انموذجا وبني البيع عليه نظر ان قال بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل لانه لم يعين مالا ولا راعى شرط السلم ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح لان الوصف باللفظ يمكن الرجوع إليه عند

(8/151)


الاشكال * ولو قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا لانموذج منها نظر ان لم يدخل الانموذج في البيع ففيه وجهان (احدهما) صحة البيع تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف (وأصحهما) المنع لان المبيع غير مرئى ولا يشبه استقصاء الوصف لما ذكرنا في السلم وان أدخله في البيع فعن القفال وغيره القطع بالصحة كالو رأى بعض الصبرة وعن بعض الائمة القطع بالمنع قال امام الحرمين والقياس ما قاله القفال ولا يخفى أن مسألة الانموذج انما تفرض في المتماثلات * وان كان ذلك الشئ مما لا يستدل برؤية بعضه علي الباقي نظر ان كان المرئي صوانا للباقى كقشر الرمان والبيض كفى رؤيته وان كان معظم المقصود مستورا لان صلاحه في إبقائه فبه وكذا لو اشترى الجوز واللوز في القشرة السفلي ولا يصح بيع اللب وحده فيها لا علي القول الذى يفرع عليه ولا على القول الاخر لان تسلميه لا يمكن الا بكسر القشرة وفيه تغيير عين المبيع * ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها لم يكف لان المعرفة التامة لا تحصل به ولا يتعلق صلاح بكونه فيها بخلاف السمك يراه في
الماء الصافى يجوز بيعه وكذا الارض يعلوها ماء صاف لان الماء من صلاحها ولا يمنع معرفتها وان لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول (وأما) على القول الآخر ففيه كلام موضعه الفصل الذى يلى هذا الفصل * واعلم أن الرؤية في كل شئ على حسب ما يليق به ففى شراء الدار لابد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا ومن رؤية المستحم والبالوعة وفى البستان من روية الاشجار والجدران ومسائل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الاشجار ونحوها وفى الجرجانيات لابي العباس الروياني ذكر وجهين في اشتراط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذى تدور به الرحا * وفى شراء العبد لابد من رؤية الوجه والاطراف ولا يجوز روية العورة وفى باقي البدن وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب أنه لابد من رويته وفى الجارية وجوه (أحدها) يعتبر روية ما يرى من العبد (والثانى) روية ما يبدو عند المهنة (والثالث)

(8/152)


يكفى روية الوجه والكعبين وفى روية الشعر وجهان قال في التهذيب (أصحهما) اشتراطها ولا يشترط روية الاسنان واللسان في أصح الوجهين * وفى الدواب لابد من روية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ويجب رفع السرج والاكاف والجل وعن بعض الاصحاب أنه لابد من أن يجرى الفرس بين يديه ليعرف سيره * والثوب المطوى لابد من نشره قال الامام ويحتمل عندي ان نصحح بيع الثياب التي لا تنشر بالكلية الا عند القطع لما في نشرها من التنقيص وتلحق بالجوز واللوز لا يعتبر كسرها لروية للبوب مع انها معظم المقصود ثم إذا نشرت فما كان صفيقا كالديباج المقش فلابد من روية كلا وجهيه وفى معناه البسط والزلالي وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس يكفى روية أحد وجهيه في أصح الوجهين * ولا يصبح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول قال الامام وعموم عرف الزمان محمول على المحافظة على المالية والاعراض عن رعاية حدود الشرع * وفى شراء المصحف والكتب لابد من تقليب الاوراق وروية جميعها وفى البياض لابد من رؤية جميع الطاقات وذكر أبو الحسن العبادي أن القفاع يفتح رأسه وينظر فيه بقدر الامكان حتى يصح بيعه وصاحب الكتاب أطلق المسامحة في الاحياء فيما اظن والله أعلم *
قال (وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل (م) لتوقع اختلاطه بغير المبيع وعسر التسليم * ولو اشترى ثوبا نصفه في صندوق فالنص أنه باطل لان الروية سبب اللزوم وعدمها سبب الجواز فيتناقضان علي محل واحد لا يتبعض * ولو قال بعت ما في كمي لم يصح (و) ما لم يذكر الجنس * ومهما رأى البيع فله الخيار وله الفسخ قبل الروية دون الاجازة لان الرضا قبل حقيقة المعرفة لا يتصور وفيه وجه آخر) *

(8/153)


أمهات مسائل الفصل أربع (إحداها) بيع اللبن في الضرع باطل وعن مالك رضي الله عنه انه إذا عرف قدر حلابها في كل دفعة صح وان باعه أياما * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) ولانه مجهول القدر لتفاوت ثخن الضروع ولانه يزداد شيئا فشيئا لاسيما إذا أخذ في الحلب وما يحدث ليس من المبيع فلا يتأنى التمييز والتسليم * ولو قال بعتك من اللبن الذى في ضرع هذه البقرة كذا لم يجز أيضا على الصحيح لان وجود القدر المذكور في الضرع لا يستيقن وفيه وجه انه يجوز كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف فيجى فيه قولا بيع الغائب * ولو حلب شيئا من اللبن فاراه ثم باعه مدا مما في الضرع فقد نقلوا فيه وجهين كما في مسألة الانموذج قال الامام وهذا لا ينقدح إذا كان المبيع قدرا لا يتأنى حلبه إلا ويتزايد اللبن فان المانع قائم والحالة هذه فلا ينفع إبداء الانموذج نعم لو كان المبيع يسيرا وابتدر إلى الحلب فلا يفرض والحالة هذه

(8/154)


ازدياد شئ به مبالاة فيحتمل التجويز لكن إذا صورنا الامر هكذا فلا حاجة إلى ابداء الانموذج في التخريج علي الخلاف بل صار صائرون الي الحاقه ببيع الغائب وآخرون ختموا الباب والحقوا القليل بالكثير وصاحب الكتاب في الوسيط حكي الخلاف في صورة أخرى تناسب هذه وهي أن يقبض على قدر من الضرع ويحكم شده ويبيع ما فيه * (وقوله) في الكتاب وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل لا يخفى ان هذا ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو علي قول إشتراط الروية أولى بان يبطل وانما ذكره عند التفريع على هذا القول ليعرف أنه وإن صح شراء
ما لم ير لم يصح بيع اللبن في الضرع لمعنى الاختلاط * ونختم المسألة بصور تشبهها (إحداها) لا يجوز بيع الصوف علي ظهر الغنم لما مر من الخبر ولان مطلق اللفظ يتناول جميع ما علي ظاهر الجلد ولا يمكن استيعابه الا بايلام الحيوان وإن شرط الجز فالعادة في المقدار المجزوز تختلف وبيع المجهول لا يجوز وعن مالك رضى الله عنه أنه يجوز بشرط الجز * وحكاه القاضي بن كج وجها لبعض الاصحاب ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة إذ ليس في استيفاء جميعه ايلام * وتجوز الوصية باللبن في الضرع وبالصوف على ظهر الغنم بخلاف البيع (الثانية) بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا لان المقصود اللحم وهو مجهول * ولا يجوز بيع الاكارع والروس قبل الابانة وفى الاكارع وجه مذكور في التتمة ويجوز بيعها بعد الابانة نية ومشوية ولا اعتبار بما عليها من الجلد فانها ماكولة كذا المسموط يجوز بيعه نيا ومشويا وفى الني احتمال عند الامام (الثالثة) بيع المسك في الفأرة باطل سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد ولافرق بين أن يكون راس الفأرة مفتوحا أولا يكون للجهل بالمقصود وفصل في التتمة إذا كانت مفتوحة فقال إن لم تتفاوت ثخانتها وشاهد المسك فيه صح البيع والا فلا وعن ابن سريج أنه يجوز بيعه مع الفارة

(8/155)


تشبيها لها بالجوز واللوز * ولو أرى المسك خارج الفارة ثم اشتراه بعد الرد إليها صح فان كان رأسها مفتوحا فرأى أعلاه يجوز والا فعلى قولى بيع الغائب (المسألة الثانية) لو رأى بعض الثوب المبيع وبعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره فقد حكى المزني عن نصه أن لبيع باطل ورأى كونه مقطوعا به واحتج به لاختيار بطلان بيع الغائب وقال إذا بطل بيع ما لم ير بعضه فلان يبطل بيع ما لم ير كله كان أولى * وللاصحاب في المسألة طريقان فقال قائلون منهم أبو إسحق المسألة على قولين كما لو لم ير شيئا منه وحيث أجاب الشافعي رضي الله عنه بالبطلان أجاب على أحد القولين في بيع الغائب والاقتضاء علي أحد القولين في بعض الصور لا يستبدع ألا ترى أنه اقتصر على قول التصحيح في كثير من المواضع * وسلم اخرون منهم صاحب الافصاح أبو علي ما قرره المزني من الجزم بالبطلان وفرقوا بوجهين (أحدهما) أن ما نظر الي بعضه يسهل النظر الي باقيه بخلاف الغائب
فقد يعسر احضاره وتدعوا لحاجة الي بيعه (والثاني) ان الرؤية فيما يراه سبب اللزوم وعدمها فيما لم ير سبب الجواز والعقد واحد لا يتصور اثبات الجواز واللزوم فيه معا ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين * قال جمهور الائمة والصحيح الطريقة الاولى والفرقان فاسدان أما الاول فلانا على قول تجويز بيع الغائب نجوز بيع مافى الكم مع سهولة إخراجه وأما الثاني فلان وجود سبب الرد في البعض يكفى في رد الكل كما إذا وجد ببعض المبيع عيبا وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن ما اقتصر على ذكره في الكتاب تفريعا على هذا القول غير ما هو الصحيح عند الجمهور * هذا كله فيما إذا كان المبيع شيئا واحدا أما إذا كان المبيع شيئين ورأى أحدهما دون الآخر فان أبطلنا شراء الغائب لم يصح المبيع فيما لم يره وفيما رآه قولا تفريق الصفقه فان صححنا شراء الغائب ففى صحة العقد فيهما قولان لانه جمع في صفقة واحدة بين مختلفى الحكم لان ماراه لاخيار فيه وما لم يره يثبت فيه الخيار فان صححنا فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه (المسألة الثالثة) إذا لم نشترط الروية فلابد من ذكر جنس المبيع بان يقول بعتك عبدى أو فرسى ولا يكفى قوله بعتك ما في كمى أو كفى أو خزانتى أو ما ورثته من أبى إذا لم يعرفه المشتري هذا ظاهر المذهب * وحكي الامام وجها أنه يصح وان لم يذكر الجنس لان المرعي على القول الذى يفرع عليه أن يكون المبيع معينا والجهالة لاتزول بذكر الجنس فلا معنى لاشتراطه فعلى هذا لا يشترط ذكر النوع بطريق الاولى وعلى قولنا أنه يشترط ذكر الجنس

(8/156)


فالظاهر أنه لابد من ذكر النوع أيضا بان يقول عبدى التركي أو فرسي العربي: وأوهم الامام خلافا فيه فقال لم يشترط اصحاب القفال ذلك واشترطه العراقيون * وربما أشعر قوله في الكتاب ما لم يذكر الجنس بالاكتفاء بذكر الجنس والاستغناء عن ذكر النوع أيضا وإذا جرينا علي الظاهر فلو كان له عبدان من النوع المذكور فلابد من أن يريد ما يقع به التمييز من التعرض للسن أو غيرها وإن لم يكن الا واحد فوجهان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن نصه في الاملاء والقديم أنه يكفى ذكر الجنس والنوع ولا يجب التعرض للصفات لان الخيار ثابت والاستدراك حاصل به فلا حاجة
إلى الوصف (والثاني) وبه قال مالك انه لابد من التعرض إلى الصفات وعلى هذا فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري أنه يشترط ذكر صفات السلم لانه مبيع غير مشاهد فاعتبر فيه التعرض للصفات كالمسلم فيه وهذا مذهب أحمد (وأقربهما) وبه قال القاضي ابو حامد أنه يكفى التعرض لمعظم الصفات وضبط ذلك بما يوصف المدعي به عند القاضى (المسألة الرابعة) إذا قلنا لابد من الوصف فوصف نظران وجده على ما وصفه ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) لا يثبت وبه قال احمد بسلامة المعقود عليه بصفاته ويحكى هذا عن القاضي الحسين (واصحهما) وبه قطع قاطعون انه يثبت لما سبق من الخبر * وان وجده دون ما وصفه فله الخيار لا محالة * وإن قلنا لا حاجة إلى الوصف فللمشتري الخيار عند الرؤية سواء شرط أو لم يشرطه وفى كتاب القاضى ابن كج ان ابا الحسين حكي عن بعض أصحابنا انه لابد من اشتراط خيار الروية حتي يثبت وهل له الخيار قبل الرؤية أما الاجازة فظاهر المذهب انها

(8/157)


لا تنفذ لان الاجازة رضي بالعقد والزام له وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وانه جاهل بحاله ولو كفى قوله اجزت العقد مع الجهل لاغني قوله في الابتداء اشتريت * وحكي في التتمة وجها انه ينفذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشتري بشرط ان لا خيار (واما) الفسخ فان نفذنا الاجازة فالفسخ أولى وان لم ننفذ الاجازة ففى الفسخ وجهان (احدهما) انه لا ينفذ أيضا لان الخيار في الخبر منوط بالروية (واصحهما) انه ينفذ لان حق الفسخ ثابت له عند الروية مغبوطا كان أو مغبونا فلا معني لاشتراط الروية في نفوذه * وإذا كان البائع قد رأي المبيع فهل يثبت له الخيار كما يثبت للمشترى فيه وجهان (احدهما) نعم كخيار المجلس يشتركان فيه (واصحهما) لا وهو نصه في الصرف ولانه احد المتبايعين فلا يثبت له الخيار مع تقدم الروية كالمشترى * ولو باع ما لم يره وصححنا العقد فهل يثبت الخيار له فيه وجهان (احصهما) عند المراوزة وبه قال ابو حنيفة لا لان جانب البائع بعيد عن الخيار بخلاف جانب المشترى ولهذا لو باع شيئا على انه معيب فبان صحيحا لاخيار له ولو اشتراه على انه صحيح فبان معيبا له الخيار (والثانى) يثبت لانه جاهل بالمعقود عليه فاشبه المشترى وهذا هو الذى أورده الشيخ ابو حامد ومن تابعه قالوا والخيار كما يثبت للمشترى عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة الا ترى
انه لو باع ثوبا على انه عشرة اذرع فبان احد عشر ذراعا يثبت للبائع الخيار * ثم خيار الروية على الفور أو يمتد امتداد مجلس الروية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه على الفور لانه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع فاشبه الرد بالعيب (والثانى) وبه قال ابو اسحق انه يمتد امتداد مجلس الروية لانه خيار ثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس قال صاحب التهذيب وهذا اصح والوجهان عند الشيخ أبي محمد مبنيان على مسألة اخرى وهي انه هل يثبت خيار المجلس مع خيار الروية وفيه وجهان (احدهما) انه يثبت كما يثبت في شراء الاعيان الحاضرة (والثاني) لا يثبت الاستغناء بخيار الروية عنه فعلي الاول خيار الروية على الفور والا لاثبتنا خيار مجلسين وعلى الثاني

(8/158)


يمتد امتداد مجلس الروية * وزاد الامام ترتيبا فقال إن أثبتنا خيار المجلس فهذا الخيار على الفور والا فوجهان (وقوله) في الكتاب وفيه وجه آخر اراد الوجه الصائر إلى نفوذ الاجازة على ما أوضحه في الوسيط لا الوجه الصائر إلى نفوذ الفسخ وان كان اللفظ يحتملها * فرعان * (أحدهما) لو تلف المبيع في يد المشترى قبل الروية ففى انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط ولو باعه قبل الروية لم يصح بخلاف ما لو باع في زمن خيار الشرط يجوز علي الاصح لانه يصير مجيزا للعقود وههنا لا اجازة قبل الروية لما سبق (الثاني) نقل القاضي الرويانى وصاحب التتمة وجها انه يعتبر على قول اشتراط الروية الذوق في الخل ونحوه والشم في المسك ونحوه واللمس في الثياب ونحوها فان كيفياتها المقصودة بهذه الطرق تعرف والمشهور انها لا تعتبر وانما هي ضرب انتفاع واستعمال.
(فرع ثالث) ذكر بعضهم انه لابد من ذكر موضع المبيع فلو كان في غير بلد التبايع وجب تسليمه في ذلك البلد ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع بخلاف السلم فانه مضمون في الذمة والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا * (فرع رابع) قال حجة الاسلام في الوسيط وقع في الفتاوى ان رأى رجل ثوبين ثم سرق احدهما فاشترى الرجل الثوب الباقي وهو لا يدري المسروق ايهما فقلت ان تساوت صفة الثوبين وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح العقد فانه اشترى معينا مرئيا معلوما وإن اختلفا في شئ من ذلك خرج علي قولى بيع الغائب لانه ليس يدرى أن المشترى
منهما الطويل أو القصير مثلا فلم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد فلا تغني وهذا الذى ذكره يتايد باحد الرأبين فيما إذا لم يملك إلا عبدا واحدا فحضر في نفر من العبيد فقال سيده بعتك عبدى من هؤلاء والمشترى يراهم وهو لا يعرف عين ذلك العبد (فرع خامس) إذا لم نشترط الروية واختلفا فقال البائع للمشترى قد رأيت المبيع وقال المشترى ما رأيته ففيه وجهان (أحدهما) ان القول قول البائع لانه اختلاف في سبب الخيار فاشبه ما لو اختلفا في قدم العيب (وأظهرهما) عند أبى الحسن

(8/159)


العبادي ان القول قول المشتري كما لو اختلفا في اطلاعه علي العيب * هذا إذا لم نشترط الروية فان شرطناها وفرض هذا الاختلاف فقد ذكر المصنف في فتاويه أن القول قول البائع لان للمشترى أهلية الشراء وقد أقدم عليه فكان ذلك اعترافا منه بصحة العقد ولا ينفك هذا عن الخلاف والله أعلم * قال (الباب الثاني في الفساد بجهة الربا) (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والتمر بالمتر والشعير بالشعير والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه فليرع المماثلة بمعيار الشرع والحلول أعنى ضد النسيئة والتقابض (ح) في المجلس فان باع بغير جنسه لم يسقط الا رعاية المماثلة في القدر وفي معني المطعومة كل ما يظهر فيه قصد الطعم وإن لم يكن مقدراحتي السفرجل (و) والزعفران (م) والطين الارمثى (م) لان علة ربا الفضل فيه الطعم (م ح) ولكن في المتجانسين وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم (م ح) فقط * وإذا بيع مطعوم بمطعوم فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض * وعلة الربا في النقدين كونهما جوهرى الاثمان (ح) فتجرى في الحلى والاوانى المتخذة منهما * ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو في الطعم) * لما كان الطرف الاول من الكتاب معقودا في صحه البيع وفساده وقد تكلم في الباب الاول في الاركان وشروطها وجب النظر في أسباب الفساد وفساده تارة يكون لاختلال في الاركان أو في
بعض شروطها وإذا عرفت اعتبارها عرفت أن فقدها مفسد وتارة يكون لغيره من الاسباب فجعل بقية أبواب الطرف في بيانها فمنها الربا قال الله تعالي * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وقال عزوجل

(8/160)


(وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) * وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم * (انه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده) والحديث الذى صدر به الباب بعض ما رواه الشافي رضى الله عنه في المختصر قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير البر والتمر بالملح والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد) قال ونقص أحدهما التمر أو الملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى ذكر بعض الشارحين أن الرجل الآخر الذى ابهم ذكره هو عبد الله بن عبيد الله المعروف بابن هرمز (وقوله) ونقص احدهما التمر أو الملح يعنى احد الرجلين ولم يبين الذى نقص منهما كانه شك فيه وشك أيضا في ان ما نقصه التمر أو الملح (وقوله) وزاد الآخر يعنى الذى لم ينقص * واختلفوا في قوله فمن زاد أو استزاد

(8/161)


فمنهم من قال هذا شك آخر من الشافعي ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد يلفظ بهما جميعا واراد بقوله زادا عطى الزيادة وبقوله أو استزاد أخذ الزيادة أو طلبها وشبه ذلك بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الراشى والمرتشي في النار) واعلم أن الربا ثلاثة انواع ربا الفضل وهو زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر * وربا النساء وهو أن يبيع مالا بمال نسيئة سمى به لاختصاص احد العوضين بزيادة الحلول * وربا اليد وهو أن يقبض احد العوضين دون الا آخر وفي الخبر ذكر ستة أشياء وهى النقد ان والمطعومات الاربعة والحكم غير مقصور عليها باتفاق جمهور العلماء لكن الربا ثبت فيها لمعنى فيلحق بها ما يشاركها فيه (فاما) الاشياء الاربعة فللشافعي رضي الله عنه قولان في علة الربا فيها (الجديد) ان

(8/162)


العلة الطعم لما روى معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الطعام بالطعام مثل بمثل) علق الحكم باسم الطعام والحكم المعلق بالاسم المشتق معلل بما منه الاشتقاق كالقطع المعلق باسم السارق والجلد المعلق باسم الزاني (والقديم) ان العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن واجتجوا له بما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل) فعلى هذا يثبت الربا في كل مطعوم مكيل أو موزون دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسفرجل والرمان والبيض والجوز والاترج والنارنج * وعن الاودنى من أصحابنا انه تابع ابن سيرين في ان العلة الجنسية حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا * وقال مالك العلة الاقتيات فكل ما هو قوت أو يستصلح به القوت يجرى فيه الربا وقصد بالقيد الثاني أدراج الملح * وقال أبو حنيفة العلة الكيل حتى يثبت الربا في الجص والنورة وسائر المكيلات * وعن احمد روايتان (احداهما) كقول أبى حنيفة (والآخري) كقول الشافعي رضى الله عنه الجديد * وإذا عللنا بالطعم اما مع انضمام التقدير إليه أو دونه تعدى الحكم إلى كل ما يقصد ويعد للطعم غالبا إما تقوتا أو تادما أو تفكها أو غيرها فتدخل فيه الحبوب والفواكه والبقول والتوابل وغيرها ولا فرق بين ما تؤكل نادرا كالبلوط والطرثوث أو غالبا ولا بين أن يوكل وحده أو مع غيره وفي الزعفران وجهان (أصحهما) انه يجرى فيه الربا لان المقصود الاظهر من الاكل تنعما أو تداويا الا أنه يخلط بغيره (الثاني) لا يجرى لانه يقصد به الصبغ واللون غالبا وبهذا قال القاضي أبو حامد فيما حكاه ابن كج وابو حيان التوحيدي في بعض رسائله ولافرق بين ما يؤكل للتداوي كالهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وبين ما يؤكل لسائر الاغراض على المذهب * وفي التتمة حكاية وجه ان ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الادوية كالسقمونيا لا يجرى فيه الربا (واما) الطين فالخراساني منه ليس بربوى لانه لا يعد ماكولا ويسفه آكله وعن الشيخ أبى محمد الميل إلى انه ربوي * والارمني دواء فهو كالهليلج وفيه وجه آخر انه لا ربا فيه كسائر أنواع الطين والي هذا ذهب القاضي ابن كج * وفي دهن البنفسج والورد والبان وجهان (اصحهما) ان فيها الربا فانها متخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره وانما لا توكل في العادة ضنة بها وفي دهن الكتان

(8/163)


وجهان (أظهرهما) انه ليس مال الربا لانه لا يعد للاكل ودهن السمك كذلك لانه يعد للاستصباح
وتدهين السفن لا للاكل قال الامام وهذا يظهر جعله مال الربا فانه جزء من السمك * ونقل صاحب البيان وجهين في حب الكتان والزنجبيل ووجهين عن الصميرى في ماء الورد وذكر انه لا ربا في العود والمصطكي والاشبه ان ما سوى العود كله ربوي وفى كون الماء ربويا إذا فرعنا على صحة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان (أصحهما) انه ربوي قال الشيخ أبو حامد ومن لا يجعله ربويا يقول العلة في الربوبات انها مأكولة ومن يجعله ربويا يقول العلة انها مطعومة والثانى اعم لان المأكولية لا تطلق في الماء والمطعومية تطلق قال الله تعالى (ومن لم يطعمه فانه مني) ولا ربا في الحيوان لانه لا يؤكل على هيئته نعم ما يباح أكله علي هيئته كالسمك الصغير على وجه يجرى فيه الربا هكذا قاله في التتمة * وحكي الامام عن شيخه وعن صاحب التقريب ترددا فيه وقطع بالمنع لانه لا يعد للاكل * (واما) النقدان فعن بعض الاصحاب ان الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور ان العلة فيها صلاح التنمية الغالبة وان شئت قلت جوهرية الاثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلى والاوانى المتخذة منهما وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معني التنمية والاصح خلافه لانتفاء التنمية الغالبة * وقال ابو حنيفة واحمد العلة فيهما الوزن فيتعدى الحك الي كل موزون كالحديد والرصاص والقطن * لنا انه لو كانت العلة الوزن لتعدى الحكم إلى المعمول من الحديد والنحاس كما تعدى إلى المعمول من الذهب والفضة وقد سلموا انه لا يتعدى * ولو باع التبر أو المضروب بالحلى من جنسه وجب رعاية التماثل * وعن مالك رضي الله عنه انه يجوز ان يزيد ما يقابل الحلى بقدر قيمة الصنعة * إذا تقررت هذه الاصول فنقول إذا بيع مال بمال لم يخل اما ان لا يكونا ربويين أو يكونا ربويين (فاما) في الحالة الاولي وهى تتضمن ما إذا لم يكن واحد منهما ربويا وما إذا كان احدهما ربويا فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلو ولا التقابض ولافرق في ذلك بين ان يتفق الجنس أو يختلف حتي لو اسلم ثوبا أو ثوبين أو باع حيوانا بحيوانين من جنسه جاز لما روي عن عبد الله بن عمرانه قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل) وعند ابى حنيفة

(8/164)


لا يجوز اسلام الشئ في جنسه * وعن مالك يجوز عند التساوى ولايجوز عند التفاضل (واما) في الحالة
الثانية فينظرا هذا ربوي بعلة وذاك ربوي بعلة اوهما ربويان بعلة واحدة فان اختلفت العلة لم تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ومن صور هذا القسم ان يسلم احد النقدين في البر أو يبيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة * وان اتفقت العلة فينظران اتحد الجنس كما لو باع الذهب بالذهب والبر بالبر ثبب فيه أنواع الربا الثلاثة فيجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس وان اختلف الجنس لم يثبت النوع الاول ويثبت النوعان الباقيان (مثاله) إذا باع ذهبا بفضة أو برا بشعير لم تجب رعاية المماثلة ولكن تجب رعاية الحلول والتقابض قال صلى الله عليه وسلم في آخر خبر عبادة (فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) اباح التفاضل بقوله كيف شئتم واعتبر التقابض بقوله يدا بيدا وإذا كان التقابض معتبرا كان الحلول معتبرا فانه لو جاز التأجيل لجاز تأخير التسليم إلى مضي المدة * وعند أبى حنيفة لا يشترط التقابض الا في الصرف وهو بيع النقد بالنقد وبه قال احمد في رواية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين وغيرهما في حديث عبادة في قرن واحد ثم قال (الا يدا بيد) فسوى في اعتبار التقابض بين الذهب بالذهب والبر بالبر والله اعلم * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه إلى آخره شروع منه في بيان الحكم في احد صنفي الاموال المذكورة في الخبر وهو المطعومات ثم ما يجب رعايته في هذه المطعومات يجب رعايته في سائر المطعومات كما بينه بقوله وفى معنى هذه المطعومات وكذلك في النقدين (وقوله) بمعيار الشرع يعنى الكيل والوزن علي ما سيأتي ذكره في موضعه (قوله) والتقابض في المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يتعبرانه في المطعومات ويجوز ان يعلم بهما أيضا (قوله) المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يعتبرانه في المطعومات ويجوزان يعلم بهما أيضا (قوله) لم يسقط الارعاية المماثلة في القدر وقوله وإن لم يكن مقدرا قصد به التعرض للقول القديم وليكن معلما بالواو لذلك القول وكذا السفر جل وكذا الزعفران والطين الارمني لما حكينا فيهما (وقوله) لان علة ربا الفضل فيها أي في المطعومات المذكورة في الخبر وغيرها (وقوله) الطعم معلم بالميم والحاء والالف لما سمعنا من مذاهبهم (وقوله) ولكن في المتجانسين معناه أن الطعم لا يوجب تحريم ربا الفضل على الاطلاق ولكن بشرط تجانس العوضين واختلفوا في ان الجنسية هل هي وصف من العلة أم لا فذهب الشيخ
أبو حامد وطبقته الي انها وصف من العلة وقالوا العلة على القديم مركبة من ثلاثة أوصاف وعلى

(8/165)


الجديد من وصفين واحترز المراوزة من هذا الاطلاق وقالوا الجنسية شرط ومنهم من قال هي محل عمل العلة كالاحصان بالاضافة إلى الزنا وبهذا يشعر قوله في الكتاب ولكن في المتجانسين واحتج هؤلاء بانها لو كانت وصفا لافادت تحريم النسأ بمجردها كما أفاد الوصف الآخر وهو الطعم تحريم النساء بمجرده وليس كذلك فان الجنس بانفراده لا يحرم النسأ * وللاولين أن يمنعوا افادة ما هو وصف لعله ربا الفضل تحريم النسأ ويقولوا قد يفيده وقد لا يفيده وليس تحت هذا الاختلاف كثير طائل (وقوله) وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم فقط أي من غير اشتراط التجانس ويجوز اعلامه بالحاء والالف لما سبق (واعلم) ان تحريم النسأ ووجوب التقابض يتلازمان وينحي بكل واحد منهما نحو الاخر وقد نرى الائمة لما بينهما من التقارب يستغنون بذكر أحدهما عن الاخر (وقوله) فإذا بيع مطعوم بمطعون فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض أي سواء تجانسا أم لا وهو مذكور للتأكيد والايضاح والا ففى قوله وعلة تحريم النسأ الي آخره ما يفيده (وقوله) وعلة الربا في النقدين كونهما جوهري الاثمان معلم بالحاء والالف والواو أيضا للوجه الصائر إلى أن الحكم فيهما غير معلل ثم لابد من افادتها حرمة التفاضل من الجنسية اما شرطا أو وصفا كما سبق ومجرد النقدية في افادة تحريم النسا ووجوب التقابض كمجرد الطعم فلذلك قال ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو الطعمية فان في السلم يفقد التقابض وكذا الحلول غالبا (وقوله) أو الطعم مكرر ذكره مرة في قوله وعلة تحريم النسا إلى آخره واخرى في قوله فإذا بيع مطعوم بمطعوم إلى آخره وهذه مرة ثالثة وقد تورث المبالغة في الايضاح اشكالا * (فرع) حيث اعتبر التقابض فلو تفرقا قبل التقابض بطل العقد ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا بطل في غير المقبوض وفى المقبوض قولا تفريق الصفقة * والخاير في المجلس قبل التقابض بمثابة التفرق يبطل العقد خلافا لابن سريج * ولو وكل احدهما وكيلا بالقبض وقبض قبل مفارقة الموكل مجلس العقد جاز وان قبض بعده فلا (آخر) بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز الا بتوسط عقد آخر (مثاله) إذا اراد بيع دراهم أو دنانير صحاحا بمكسرة أكثر من وزنها يبيع
الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ثم إذا تقابضا وتفرقا أو تخايرا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل خيبر ان يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جنيبا) والجنيب اجود

(8/166)


التمر والجمع كل لون من التمر لايعرف له اسم ولافرق بين أن يتخذ ذلك عادة أولا يتخذه عادة خلافا لمالك حيث قال يجوز مرة واحدة ولايجوز ان يتخذه عادة * ولو اشترى المكسرة بعرض ماله قبل أن يقبضه لم يجز وإن اشتراها به بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير قال ابن سريج وغيره يجوز وهو الاصح بخلاف مالو باعه من غير بائعه قبل التفرق والتخاير حيث لا يجوز لما فيه من اسقاط خيار العاقد الآخر وههنا يحصل بما يجرى بينهما اجازة العقد الاول * وعن صاحب التقريب انه مبنى على الخلاف في الملك في زمن الخيار فان قلنا انه يمنع انتقال الملك لم يجز لانه باع ما لم يملكه * فهذا وجه من الحيلة ووجه ثان وهو ان يقرض الصحاح من الاخر ويستقرض منه المكسرة ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه * ووجه ثالث وهو ان يهب كل واحد منهما ماله من الاخر * ووجه رابع وهو ان يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسرة ويهب صاحب المكسرة الزيادة منه فيجوز جميع ذلك إذا لم نشرط في اقراضه وهبته وبيعه ما يفعل الاخر * ولو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة جاز ويسلم إليه الكل ليحصل تسليم النصف ويكون النصف الاخر امانة في يده بخلاف ما لو كان له عشرة علي غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت احدى عشر دينارا كان الدينار الفاضل للمقبوض منه على الاشاعة ويكون مضمونا عليه لانه قبض لنفسه * ثم إذا سلم الدراهم الخمسه فله ان يستقرضها ويشترى بها النصف الاخر فيكون جميع الدينار له وعليه خمسة دراهم * ولو باع الكل بعشرة وليس مع المشترى الا خمسة فدفعها إليه واستقرض منه خمسة اخرى وردها إليه عن الثمن جاز * ولو استقرض الخمسة المدفوعة فوجهان اصحهما الجواز * قال (ثم النظر في اطراف (أولها) طرف المماثلة فما كان مكيلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فيه الكيل وما كان موزونا فبالوزن وما لم يثبت فيه نقل فالوزن فيه أخصر (ح) وقيل الكيل جائز لانه اعم وقيل ينظر إلى عادة الوقت (و) ومالا يقدر كالبطيخ (و) فلا
خلاص فيه عن الربا الا ماله حالة جفاف وهي حالة كماله فيوزن * والجهل حال العقد بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فلا يصح بيع صبرة جزافا وإن خرجتا متماثلتين) * قد مر في الفصل السابق ان المماثلة بمعيار الشرع مرعية وان الحكم يختلف بين أن يكون الربويان متجانسين وبين لا يكونا متجانسين وذلك يحوج إلى بيان معيار الشرع والى بيان أنها في أي حالة تعتبر والى معرفة التجانس في مظان الاشكال فعقد فيها ثلاثة أطراف من الكلام (أحدها) في طرق الماثلة اعلم أن معيار الشرع الذى تراعى به المماثلة هو الكيل والوزن فالمكيل لا يجوز

(8/167)


بيع بعضه ببعض وزنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن * والموزن لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والحنطة بالحنطة كيلا بكيل) والنقدان من الاشياء الستة المذكورة في خبر عبادة موزونا والاربعة المطعومة مكيلة نعم لو كان الملح قطعا كبارا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسحق ويباع كيلا فانه الاصل فيه (وأظهرهما) أنه يباع وزنا نظرا الي ماله من الهيئة في الحال وكذا كل شئ يتجافى في الكيل يباع بعضه ببعض وزنا * وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعتبر فيه الكيل وكل ما كان موزونا فالمعتبر فيه الوزن ولو احدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به * وعن أبى حنيفة أنه يعتبر فيه غالب عادات البلدان رواه صاحب التهذيب * وما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان ولكن لا يعلم انه كان يكال أو يوزن أو علم انه يكال مرة وبوزن أخرى ولم يكن أحدهما أغلب فقد ذكر المتولي انه ان كان أكبر جرما من التمر فالاعتبار فيه بالوزن لانه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو اكبر من التمر وان كان مثله أو أصغر منه ففيه وجوه (أحدها) أن المعتبر فيه الوزن لانه أحصر وأقل تفاوتا (والثانى) الكيل لانه أعم فان اكثر الاشياء السته المذكورة في الحديث مكيل وأيضا فان أغلب المطعومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكيلا (والثالث) وهو الاشبه أنه ينظر إلي عادة الوقت لان الشئ إذا لم يكن محدودا في الشرع كان الرجوع فيه إلى عادة الناس كما في القبض والحرز وعلى هذا فالمعتبر أية بلدة عن الشيخ أبى حامد وغيره
ان المعتبر عادة اكثر البلاد فان اختلفت عاداتها ولا غالب اعتبر ذلك الشئ باشبه الاشياء به * وذكر صاحب المهذب والتهذيب ان النظر إلى عادة بلد البيع هو الاحسن (والوجه الرابع) انه يعتبر بأقرب الاشياء شبهابه كما إذا شككنا في الحيوان انه مستطاب أو مستخبث نلحقه باقرب الاشياء شبها به (والخامس) حكاه الامام عن شيخه انه تثبت الخيرة بين الكيل والوزن * ثم منهم من خصص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشئ أصل معلوم المعيار أما إذا استخرج من اصل هذا حاله فهو معتبر باصله (منهم) من اطلق ومما أفاده الامام في هذا الموضع أنه لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المكاييل المحدثة بعده كما انا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتى الميزان نكتفي به وان لم نعرف قدر ما في كل كفة * وفى الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به حكاية تردد

(8/168)


عن القفال والظاهر الجواز والوزن بالطيار والقرسطون وزن * وقد يتأتي الوزن بالماء بأن يوضع الشئ في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصه لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا والظاهر أنه لا يجوز التعويل في الربويات عليه والله أعلم * هذا كله في الشئ المقدر يباع بجنسه (فاما) ما لا يقدر بكيل ووزن كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل (فان قلنا) مثل هذا لاربا فيه جاز بيع بعضه ببعض كيف شاء حتي قال القفال لو جفف شئ منها وكان يوزن في جفافه لم يجز فيه الربا أيضا لان اكمل احواله حال الرطوبة وهو ليس مال ربا في تلك الحالة * قال الامام والظاهر خلاف هذا فانه في حال الجفاف مطعوم مقدر (وان قلنا) فيه الربا وهو القول الجديد وكلام الكتاب مفرع عليه فيجوز بيعه بغير جنسه كيف شاء (وأما) بجنسه فينظر ان كان مما لا يجفف كالبطيخ الذى تفلق وحب الرمان الحامض فلا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة كبيع الرطب بالرطب ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوى وهذا حكم كل ما يجفف من الثمار وان كان مقدرا كالمشمش والخوخ والكمثرى الذى تفلق * وحكى الامام وجها أنه لا يجوز بيعها في حالة الجفاف ايضا بجنسها إذ ليس يتقرر لها حالة كمال * وان كان مما لا تجفف كالقثاء ونحوه فهل يجوز بيع بعضها ببعض في حال الرطوبة فيه قولان وكذا في المقدرات التى لا تجفف كالرطب الذى لا يتمر والعنب الذى لا يتزبب
(أصحهما) المنع كبيع الرطب بالرطب (والثانى) الجواز لان معظم منافع هذه الاشياء في رطوبتها فبيع بعضها ببعض كبيع اللبن باللبن فعلى هذا ان لم يمكن كيله كالبطيخ والقثاء بيع وزنا وان أمكن كالتفاح والتين فيباع وزنا أو كيلا وجهان أصحهما اولهما لان الوزن أخصر ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد * إذا عرفت طريق المماثلة في الباب فمن فروعه ان يريد شريكان في شئ من مال الربا قسمته بينهما فهو مبني على أن القسمة بيع أو افراز (فان قلنا) بالاول وهو الاصح فلا يجوز قسمة المكيل بالوزن ولا قسمة الموزون بالكيل * وما لا يباع بعضه ببعض كالعنب والرطب فلا يقسم أيضا (وان قلنا) بالثاني جاز قسمة المكيل بالوزن وبالعكس ويجوز قسمة الرطب ونحوه بالوزن * ولا يجوز قسمة الثمار بالخرص على رؤس الاشجار ان قلنا انها بيع (وان قلنا) افراز فقد حكى الشيخ ابو حامد عن نصه الجواز في الرطب والعنب لان للخرص مدخلا فيهما دون سائر الثمار ومنهم من أطلق المنع * ومن فروعه انه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه جزافا ولا بالتخمين

(8/169)


والتحرى خلافا لمالك حيث اكتفى في المكيلات بالتحري إذا كانا في بادية * فلو باع صبرة من الحنطة بصبرة أو دراهم بدراهم جزافا أو بالتخمين لم يجز سواء خرجتا متماثلتين أم لا أما إذا ظهر التفاضل فظاهر وأما إذا لم يظهر فاحتجوا له بان التساوى شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد * ألا ترى انه لو نكح امرأة لا يدرى أهى معتدة أم لا أو هي اخته من الرضاع ام لا لا يصح النكاح * ولا فرق بين أن يجهل كلتا الصبرتين أو احديهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) ولو قال بعتك هذه الصبرة بتلك الصبرة مكايلة أو كيلا بكيل أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن فان كالا أو وزنا وخرجتا متساويتين صح العقد والا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) البطلان لانه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان (والثانى) انه يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلته صاعا بصاع ولمشتريها الخيار إذا لم يسلم له جميعها وحيث قلنا بالصحة فلو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل والوزن فهل يبطل العقد فيه وجهان (أصحهما) لا لوجود التقابض في المجلس (والثانى) نعم لبقاء العلقة بينهما * ولو قال بعتك هذه الصبرة
بكيلها من صبرتك وصبرته صغيرة وصبرة المخاطب كبيرة صح لحصول المماثلة بين العوضين ثم ان

(8/170)


كالا في المجلس وتقابضا تم العقد وما زاد من الكبيرة لصاحبها وان تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل فعلى ما سبق من الوجهين * ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا جاز ولو باعها بها صاعا بصاع أو بصاعين فالحكم كما لو كانتا من جنس واحد (وقوله) في الكتاب وما لم يثبت فيه نقل فالوزن أخصر أي فيتعين ذلك وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذا الوجه (قوله) وقيل الكيل جائز ظاهره يقتضى تجويز الكيل مع تجويز الوزن وحينئذ يكون هذا الوجه وجه التخيير لكنه لم يرد

(8/171)


ذلك وانما أراد وجة تعيين الكيل وذلك بين من التوجيه (وقوله) وما لا يقدر كالبطيخ فلا خلاص فيه عن الربا الي آخره جواب على القول المانع من بيع بعضه ببعض في حالة الرطوبة وليكن معلما بالواو للقول الآخر (وقوله) فيوزن يجوز اعلامه بالواو لان المعنى فيباع وزنا * وقد حكينا وجها انه لا يباع في حالة الجفاف ايضا * قال (ولا يصح بيع الهروي (ح) بالهروي ولا باحد التبرين علي الخلوص ولا بيع مد ودرهم (ح) بمد ودرهم لان حقيقة المماثلة غير معلومة * ولو راطل مائتي دينار وسط بمائة دينار عتق ومائة دينار ردئ لم يجز لان ما في أحد الجانبين إذا وزع على ما في الجانب الثاني باعتبار القيمة أفضي الي المفاضلة إذ لا تعلم المفاضلة إلا بتقدير القيمة والتقويم تخمين وجهل لا يفيد معرفة في الربا فمهما اشتملت الصفقة على مال الربا من الجانبين واختلف الجنس في احد الجانبين أو في واختلف النوع فالبيع باطل) * (مقصود الفصل بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ثم يتصل بها ما يناسبها والقدر الذى تشترك فيه مسائل الفصل أن تشمتل الصفقة على مال الربا من الجانبين ويختلف مع ذلك أحد العوضين أو كلاهما جنسا أو نوعا اوصفة ثم لا يحلو إما أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد

(8/172)


أو من جنسين (القسم الاول) أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد وفيه تقع القاعدة المقصودة فمن صوره أن يختلف الجنس من الطرفين أو من احدهما كما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدى عجوة أو بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير أو بصاعي حنطة أو صاعي شعير ومن صوره ان يختلف النوع والصفة من الطرفين أو احدهما كما إذا باع مد عجوة ومد صبحانى بمدى عجوة أو بمدى صبحانى أو بمد عجوة ومد صحابي أو باع مائة دينار جيد ومائة دينار ردئ بماتي دينار جيد أو ردئ أو وسط أو مائة جيدة ومائة رديئة فلا يصح البيع في شئ من هذه الصور ونظائرها لما روى عن فضالة بن عبيد قال (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب تباع فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذى في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن) ويروى انه قال (لا يباع

(8/173)


مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين وزع مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه علي مالين مختلفين وزع مال الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة وذلك يوجب المفاضلة أو الجهل بالمماثلة أما ان قضيته ما ذكرنا فلانه لو باع شقصا من عقار وسيفا بالف وزع عليهما الالف باعتبار القيمة حتى إذا كانت قيمة الشقص مائة وقيمة السيف خمسين يأخذ الشفيع الشقص بثلثي الالف وايضا فلو اشترى شيئين بالف فوجد باحدهما عيبا وأراد رده وحده بالعيب يرده بما يخصه من الالف إذا وزع عليهما باعتبار قيمتهما وكذلك لو خرج أحدهما مستحقا وأجاز البيع في الآخر يجيزه بما يخصه من الالف باعتبار القيمة (وأما) انه يلزم منه أحد الامرين فلانه إذا باع مدا ودرهما بمدين فاما ان تكون قيمة المد الذى هو مع الدرهم اكثر من درهم أو اقل أو درهما فان كان اكثر مثل ان يكون قيمته درهمين فيكون المد ثلثى ما في هذا الطرف فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث وان كان أقل مثل أن يكون قيمته نصف درهم فيكون المد ثلث ما في هذا الطرف فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بثلثي مد * وان كان قيمته درهما فلا تظهر المفاضلة
والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند إلى التقويم والتقويم تخمين قد يكون صوابا وقد يكون خطأ

(8/174)


والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية وهذه الطريقة مطردة فيما إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم لان المدين من الجانبين ان اختلفت قيمتهما مثل ان كان مد زيد يساوى درهمين ومد عمر ويساوى درهما فمد زيد ثلثا ما في هذا الطرف يقابله من الطرف الآخر ثلثا مد وثلثا درهم ويبقى ثلث مد وثلث درهم في مقابلة درهم فإذا وزعنا صار ثلث مد في مقابلة نصف درهم لان قيمة مد عمرو درهم وثلث درهم في مقابلة نصف درهم فتظهر المفاضلة * وان لم تختلف قيمتهما لم تظهر المفاضلة لكن المماثلة تخمين على ما مر * واعترض الامام على هذه الطريقة بان العقد لا يقتضي في وضعه توزيعا مفصلا بل مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة أو مقابلة الجزء الشائع مما في أحد الشقين بمثله مما في الشق الآخر بان يقابل ثلث المد وثلث الدرهم بما يقابل ثلث المدين يعنى إذا باع مدا ودرهمان بمدين ولا ضرورة إلى تكلف توزيع يؤدى إلى التفاضل وانما يصار إلى التوزيع المفضل في مسألة الشفعة لضرورة الشفعة قال والمعتمد عندي في التعليل انا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا * إذا باع مدا ودرهما بمدين لم تتحقق المماثلة فيفسد العقد * ولناصريها ان يقولوا أليس قد ثبت التوزيع المفصل في مسألة الشفعة ولولا كونه قضية للعقد لكان ضم السيف الي الشقص من الاسباب الدافعة للشعفة فانها قد تندفع باسباب وعوارض وأما قوله انا تعبدنا بتحقيق المماثلة فللخصم ان يقول تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمحضت مقابلة شئ منها بجنسه أو على الاطلاق ان قلت بالثاني فممنوع وإن قلت بالاول فمسلم لكنه ليس صورة المسألة فهذا نقل المذهب المشهور وتوجيهه * ومن الاصحاب من صحح العقد فيما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم والدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة وفيما إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما وصاعا الحنطة من صبرة واحدة وصاعا الشعير كذلك للعلم باتحاد القيمة * ويحكى هذا عن القاضي ابى الطيب الطبري والقاضى الحسين وذكر الروياني في البحر انه المذهب وغلط من قال غيره * ومن صور هذا الاصل

(8/175)


أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر أو بصحيحين أو بمكسرين إذا
كانت قيمة المكسر دون قيمة الصحيح * وعن صاحب التقريب حكاية وجه ان صفة الصحة في محل المسامحة * ثم الائمة اطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم عن المذهب المشهو وذكر ابو سعيد المتولي انه إذا باع مداو درهما بمدين يبطلان القعد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين فيه قولا تفريق الصفقة وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي حنطة أو صاعي شعير ويمكن ان يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله * ولو كان الجيد مخلوطا بالردئ فباع صاعا منه بمثله أو بجيد أو ردئ حازلان التوزيع انما يكون عند تمييز أحد العوضين بالآخر أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد وردئ * (واعلم) أن صورة البطلان مفروضة فيما إذا قابل جملة ما في أحد الطرفين بجملة ما في الطرف الآخر (وأما) عند التفصيل كما إذا تبايعا مد عجوة ودرهم بمد ودرهم وجعلا المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة الدرهم اوجعلا المد في مقابله الدرهم أو الدرهم في مقابلة المد فيجوز ذلك بمثابة صنفين متباينين * (القسم الثاني) ولم يذكره في الكتاب أن يكون مال الربا من الطرفين من جنسين وفى الطرفين

(8/176)


أو أحدهما شيئا آخر فينظر ان اختلف العوضان في علة الربا فيجوز كما إذا باع دينارا أو درهما بصاع حنطة أو صاع شعير * وإن اتفقا فان كان التقابض شرطا في جميع العوض جاز أيضا كما لو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي تمر أو صاع تمر وصاع ملح وان كان التقابض شرطا في البعض كما لو باع صاع حنطة ودرهما بصاعي شعير ففيه قولا الجمع بين مختلفى الحكم لان ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط فيه التقابض وما يقابل الحنطة منه يشترط فيه التقابض (وأما) لفظ الكتاب فقوله ولا يصح بيع الهروي بالهروي الهروي نقد فيه ذهب وفضة فيبيع بعضه ببعض بيع ذهب وفضة بذهب وفضة (وقوله) لان حقيقة المماثلة غير معلومة وجهه ما ذكرناه في مسألة المراطلة من بعد (وقوله) ولا يصح بيع الهروي معلم بالحاء وكذا قوله في مسألة المراطلة لم يجز لان عند ابي حنيفة يصح البيع فيهما وفى جميع الصور التى ذكرناها حتى قال لو باع قرطاسا ودينارا فيه بمائة دينار يصح (وقوله) لم يجز معلم بالالف ايضا لان عند أحمد لا يضر اختلاف النوع والصفة بعد اتحاد
الجنس وبالواو لان صاحب البيان حكى عن اصحابنا مثله وايضا فان الامام رأى الصحة في مسألة المراطلة * هذا مع تنصيصه علي أنه رأى رآه خارج عن مذهب الشافعي واصحابه (وقوله) تخمين وجهل أراد بالجهل ههنا عدم العلم وإلا فالجهل معناه المشهور هو الجزم بكون الشئ على خلاف ما هو عليه ضد الظن والتخمين فلا يكون الشئ تخمينا وجهلا بذلك المعني (وقوله) فمهما اشتملت الصفقة إلى آخره محمول على الجنس الواحد وتقديره مهما اشتملت الصفقة على جنس واحد من أموال الربا وإلا انتقض الضابط بما إذا باع ذهبا وفضة بحنطة أو بحنطة وشعير وبما إذا باع حنطة وشعيرا بتمر أو بتمر وملح * ثم لنختم الفصل بسرد صور فنقول إذا باع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما فضل وهو عقد التبن أو زوان وهو حب أسود رقيق يكون في الحنطة لم يجز لانه يأخذ شيئا في المكيال فان كان في أحدهما لزم التفاضل وان كان فيهما لزم الجهل بالتماثل وكذا لو كان فيهما أو في أحدهما مدر أو حبات شعير * وضبط الامام المنع بان يكون الخليط قدرا لو ميز بان علي

(8/177)


المكيال (فاما) مالا يبين على المكيال إذا ميز فلا مبالاة به * وان كان فيهما أو في احدهما دقاق بين أو قليل تراب لم يضر لان ذلك لم يدخل في تضاعف الحنطة ولا يظهر في المكيال بخلاف ما إذا باع موزونا بجنسه وفيهما أو في احدهما قليل تراب حيث لا يجوز لانه يؤثر في الوزن كم كان * ولو باع حنطة بعشير وفى كل واحد منهما أو أحدهما حبات من الآخر يسيرة صح البيع وان كثرت فلا قال الامام وليس المعتبر كونه بحيث يؤثر في المكيال ولا كونه متمولا (أما) التأثير في المكيال فلان المماثلة غير مرعية عند اختلاف الجنس (وأما) التمول فلانه مفردا غير مقصود فالمعتبر أن يكون الشعير الذى خالطته الحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا وكذا بالعكس * ولو باع دارا بذهب فظهر فيها معدن الذهب فهل يصح البيع فيه وجهان (أحدهما) لا كبيع دار موهت بالذهب تمويها يحصل منها شئ يذهب (وأصحهما) نعم لانه بائع بالاضافة إلى مقصود الدار * ولو باع * دارا فيها بئر ماء بماء وفرعنا علي أن الماء ربوي ففى صحة البيع وجهان (أصحهما) الصحة لما ذكرنا من معنى التبعية *
قال (الطرف الثاني في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقيل نعم فقال صلى الله عليه وسلم فلا إذن فنبه على ان المماثلة تراعي حالة الجفاف وهو حال كمال الشئ ولا خلاص في المماثلة قبله فلا يجوز بيع الرطب بالرطب (م ح ز) ولا بالتمر وكذا العنب (ح) وكل فاكهة (و) كمالها في جفافها وهو حالة الادخار) أموال الربا تنقسم إلى ما يتغير من حال إلى حال وإلى ما لا يتغير والتى تتغير منها تعتبر المماثلة في بيع الجنس بالجنس منها في أكمل أحوالها فمن المتغيرات الفواكه فتعتبر المماثلة في المتجانسين منها حالة الجفاف ولا يغنى التماثل في غير تلك الحالة روى عن سعد بن أبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال (اينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذن) ويروى (فنهى عن ذلك)

(8/178)


أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اينقص الرطب إذا يبس) إلى أن المماثلة عند الجفاف تعتبر ونبه به على علة فساد بيع الرطب بالتمر والا فنقصان الرطب إذا جف أوضح من أن يبحث أو يسأل عنه * إذا تقرر ذلك فلا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا بالرطب (أما) بالتمر فليقين التفاوت عند الجفاف (وأما) بالرطب فللجهل بالمماثلة لانه لايعرف قدر النقصان منهما وقد يكون قدر الناقص من أحدهما أكثر من الآخر وكذا لا يجوز بيع العنب بالعنب وبالزبيب وكذا كل ثمرة لها حالة الجفاف كالتين والمشمش والخوخ والبطيخ والكمثرى الذين يفلقان والآجاص والرمان الحامض لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها ويجوز بيع الحديث بالعتيق الا أن تبقى النداوة في الحديث بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال (وأما) ما ليس له حالة جفاف كالعنب الذي لا يتزبب والرطب الذى لا يتتمر والبطيخ والكمثرى الذين لا يفلقان والرمان الحلو والباذنجان والقرع والبقول ففى بيع بعضها ببعض قولان ذكرناهما من قبل * وعند أبي حنيفة يجوز بيع الرطب بالتمر وبالرطب وكذا في نظائره وساعدنا مالك وأحمد علي منع بيع الرطب بالتمر وساعدا أبا حنيفة على تجويز بيع الرطب بالرطب وبه قال المزني ويستثني عن بيع الرطب بالتمر صورة العرايا وهى مذكورة من بعد (قوله) وكذا كل فاكهة كمالها في جفافها يجوز اعلامه بالواو لان الامام حكي وجها في المشمش والخوخ وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب انه يجوز بيع بعضها ببعض
في حال الرطوبة لان رطوبتها اكمل احوالها والتجفيف في حكم النادر (وأما) ما أجراه من لفظ الادخار فان طائفة من الاصحاب ذكروه وآخرون أعرضوا عنه ولا شك انه غير معتبر لحالة التماثل في جميع الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد اعتباره في الفواكه والحبوب لا في جميع الربويات فاعرف ذلك *

(8/179)


قال (وادخار الحب إذا بقى حبا فلا يدخر الدقيق (ح م و) وما يتخذ منه ولا الحنطة المقلية والمبلولة * ويدخر السمسم والدهن والزبيب والخل * وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيضا دون ما عداه من سائر أحواله وكذا كل معروض على النار من دبس أو لحم فلا كمال فيه وما عرض للتمييز كالعسل فهو على الكمال وإذا نزع النوى من التمر بطل (و) كماله بخلاف العظم إذا نزع من اللحم إذ ليس في إبقائه صلاح لادخاره) في الفصل مسائل (احدهما) للحنطة ونحوها من الحبوب حالتان (احدهما) ما قبل التنقية من القشر والتبن وسيأتى حكم بيعها فيهما (والثانية) ما بعدها فيجوز بيع بعضها ببعض ما بقيت على هيئتها بشرط تناهى جفافها فإذا بطلت تلك الهيئة فقد خرجت عن حالة الكمال فلا يجوز بيع الحنطة بشئ مما يتخذ منها من المطعومات كالدقيق والسويق والخبز والنشا ولا بما فيه شئ مما يتخذ من الحنطة كالمصل ففيه الدقيق والفالوذج ففيه النشا * وكذا لا يجوز بيع هذه الاشياء بعضها ببعض لخروجها عن حالة الكمال وعدم العلم بالمماثلة ولو كان العوضان على حالة الكمال هذا ما يفتي به من المذهب * ونقل الحسين وهو المعروف بالكرابيسى عن أبى عبد الله تجويز بيع الحنطة بالدقيق فمنهم من جعله قولا آخر للشافعي رضي الله عنه وبه قال ابو الطيب بن سلمة ووجهوه بأن الدقيق نفس الحنطة الا أن أجزاءها تفرقت فاشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات وعلى هذا فالمعيار الكيل (ومنهم) من لم يثبته قولا وقال أراد بابي عبد الله مالكا رضي الله عنه واحمد * وجعل الامام منقول الكرابيسي شيئا آخر

(8/180)


وهو أن الدقيق مع الحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ويشبه أن يكون هو
منفردا بهذه الرواية * وحكى البويطي والمزنى في المنثور قولا انه يجوز بيع الدقيق بالدقيق وان امتنع بيعه بالحنطة كما يجوز بيع الدهن بالدهن وان امتنع بيعه بالسمسم * وفى بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله قول انه يجوز لامكان كيله والا من من التفاضل فيه وهذا رواه الشيخ ابو حامد والعراقيون عن رواية حرملة والشيخ ابو عاصم العبادي وآخرون عن رواية ابن مقلاص * ورد الامام رواية ابن مقلاص إلى شئ آخر وهو تجويز بيع الحنطة بالسويق وجعلهما جنسين * وقال مالك رضى الله عنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق وبه قال أحمد في أظهر الروايتين الا أن مالكا يعتبر الكيل وأحمد يجوز الكيل والوزن * وقال أبو حنيفة يجوز بيع الدقيق بالدقيق بشرط تساويهما في النعومة والخشونة ولا يجوز بيع الحنطة المقلية بالمقلية ولا بغيرها لتغيرها عن هيئتها واختلاف الحبات في التأثر بالنار ولا بيع الحنطة المبلولة بالمبلولة ولا بغيرها لما في المبلولة من الانتفاخ والتجافى فان جفت لم يجز ايضا لتفاوت جنسها عند الجفاف وإذا منع مجرد البل بيع البعض بالبعض فالتى نحيت قشرتها بعد البل بالتهريس أولى أن لا يباع بعضها ببعض * قال الامام وفى الجاروس عندي احتمال إذا نحيت قشرتها وكما أن المبلولة مجاوزة حالة الكمال فالتي لم يتم جفافها غير واصلة إلى حالة الكمال وان أفركت واخرجت من السنابل * ويجوز بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات بالنخالة لانها ليس مال الربا وكذا بيع المسوسة بالمسوسة إذا لم يبق فيها شئ من اللب قاله في النهاية (الثانية) السمسم وغيره من الحبوب التى يتخذ منها الادهان على حالة الكمال ما دامت على هيئتها كالاقوات ولا نجوز بيع طحينها بطحينها كبيع الدقيق بالدقيق والدهن المستخرج منها علي حالة الكمال ايضا حتى يجوز بيع بعضها ببعض مماثلا وفيه وجه ان بيع الدهن بالدهن لا يجوز لان الدهن لا يستخرج الا بعد طرح حلاوة أو ملح على الطحين فيلتحق بصورة مد عجوة

(8/181)


والمذهب الاول * ويجوز أن يكون للشئ حالتا كمال ألا ترى ان الزبيب والخل كلاهما علي حالة الكمال مع أن أصلهما العنب وكذلك العصير على حالة الكمال في أصح الوجهين حتي يجوز بيع عصير العنب بعصير العنب وعصير الرطب بعصير الرطب والمعيار فيه وفى الدهن الكيل * ويجوز بيع
الكسب بالكسب أيضا ان لم يكن فيه خلط فان كان فيه خلط لم يجز والادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والنوفر كلها مستخرجة من السمسم فإذا فرعنا على جريان الربا فيها جاز بيع بعضها ببعض ان رمى السمسم فيها ثم استخرج دهنه وان استخرج الدهن ثم طرح اوراقها فيه لم يجز لان اختلاطها به يمنع معرفة التماثل * وعصير الرمان والتفاح وسائر الاثمار كعصير الرطب والعنب وكذا عصير قصب الكسر * ويجوز بيع خل الرطب بخل الرطب وخل العنب بخل العنب لانه علي هيئة الادخار والمعيار فيه الكيل ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ولا بيع خل التمر بمثله لما فيهما من الماء وأنه يمنع معرفة التماثل بين الخلين وكذا لا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ولا خل الرطب بخل التمر لان في أحد الطرفين ماء فيلزم التفاضل بين الخلين ولا يجوز أيضا بيع خل الزبيب بخل التمر إذا فرعنا على أن الماء ربوي لان في الطرفين ماء والمماثلة بين الجانبين غير معلومة ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب وخل التمر بخل العنب لان الماء في احد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح في انهما جنسان (الثالثة) اللبن حالة الكمال يباع بعضه ببعض بخلاف الرطب لان اللبن يؤكل على هيئته في الاكثر ومعظم منافعه تفوت بفوات تلك الهيئة (وأما) الرطب فما يؤكل منه في الحال يعد عجالة تفكه والمقصود الاعظم اقتناؤه قوتا فجعل حال كمال كل واحد منهما ما يليق به وحكم الرائب والحامض والخاثر منه ما لم يكن مغلى حكم الحليب في الحال حتي يباع البعض منهما بالبعض أو بالحليب ولا نظر إلى أن الشئ إذا خثر كان أثقل وما يحويه المكيال من الخاثر يزيد في الوزن على الرقيق من جنسه لان المعيار في اللبن الكيل نص عليه الجمهور * وإذا حصل الاستواء في الكيل فلا مبالاة بتفاوت الوزن كما في الحنطة الصلبة مع الرخوة وفى كلام الامام ما يقتضي تجويز الكيل والوزن جميعا * ويجوز

(8/182)


بيع السمن بالسمن أيضا لانه يدخل ولا يتأثر بالنار تأثر انعقاد ونقصان وانما يعرض على النار للتصفية فالمعيار فيه الكيل إن كان ذائبا والوزن ان كان جامدا قاله في التهذيب وهو متوسط بين وجهين أطلقهما العراقيون فحكموا عن المنصوص انه يوزن وعن أبي اسحق انه يكال ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء ومال المتولي الي المنع لانه ليس علي حالة الادخار ولا علي
حال كمال المنفعة فليكن كبيع الدقيق بالدقيق ولا يجوز بيع الاقط بالاقط والمصل بالمصل والجبن بالجبن لتأثرها بالنار ولانها لا تخلو عن مخالطة شئ فالملح خليط الاقط والدقيق خليط المصل والانفحة خليط الجبن وهل يجوز بيع الزبد بالزبد فيه وجهان (أحدهما) نعم كبيع السمن بالسمن (وأصحهما) لا لان الزبد لا يخلو عن قليل مخيص وانه يمنع معرفة المماثلة وعلى هذا لا يجوز بيعه بالسمن لتحقق المفاضلة ولا يجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه من السمن والمخيص وغيرهما كبيع الحنطة بما يتخذ منها (وقوله) في الكتاب وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيصا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لانه ليس كونه لبنا كمال منفعته ولو طرح لفظ المنفعة وقال حال كمال اللبن أن يكون لبنا أو مخيضا أو سمنا لكان أولى ويجوز اعلام قوله دون ما عداه من أحواله بالواو للوجه المذكور في الزبد (الرابعة) المعروض من مال الربا على النار ضربان (أحدهما) المعروض للعقد والطبخ كالدبس واللحم المشوى وفى جواز بيع الدبس بمثله وجهان (أحدهما) يجوز لامكان ادخاره ولتأثير النار فيه غاية يعرفها أهل البصر (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان النار تأخذ بعض العصير فيصير دبسا وقدر المأخوذ منه يختلف أختلافا بينا فلا تدرى المماثلة بين أجزاء العصير وفى بيع السكر بالسكر والفاسد بالفاسد واللباء باللباء وجهان كما في الدبس * ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر (وأما) اللحم إذا بيع بجنسه فان كانا طريين أو أحدهما لم يجز لان معظم منافع اللحم تنتفى بعد التقديد فهو كالرطب والعنب * وعن ابن سريج انه يجوز كبيع اللبن باللبن وان كانا مقددين جاز إلا

(8/183)


أن يكون فيهما أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن قال الائمة ويشترط أن يتناهى جفافه بخلاف التمر يباع الحديث منه بالحديث وبالعتيق لانه مكيل واثر الرطوبة الباقية لا يظهر في المكيال واللحم موزون وأثر الرطوبة يظهر في الميزان هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا أو مشويا (أما) المطبوخ والمشوى فلا يجوز بيعها بمثلها ولا بالني لما ذكرنا من اختلاف تأثير النار * وعن أبي حنيفة يجز بيع المطبوخ بالنى متماثلا * وعن مالك تجويزه متماثلا ومتفاضلا.
(الضرب الثاني) المعروض للتمييز
والتنقية فهو على حالة الكمال يجوز بيع بعضه ببعض كالسمن على ما مر وكالذهب والفضة يعرضان على النار لتمييز الغش وفى العسل المصفى بالنار وجهان (أحدهما) أنه خارج عن الكمال لان النار قد تعقد أجزاءه (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه على الكمال لان المقصود عن عرضه تمييز الشمع عنه ونار التمييز لينة لا تؤثر في التعقيد فاشبه المصفى بالشمس ولا يجوز بيع الشهد بالشهد لان الشمع يمنع معرفة التماثل بين العسلين ولا بالعسل لظهور التفاضل ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد بلا حجر لان الشمع ليس من أموال الربا ومعيار التساوى في العسل علي ما ذكرناه في السمن (الخامسة) التمر إذا نزع منه النوي بطل كماله لانه يبطل ادخاره ويتسارع إليه الفساد فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله ولا بغير المنزوع وقيل يجوز بيع المنزوع بمثله لان النوى ليس من جنس التمر فلا يضر فصله عنه وانما لم يشترط ذلك لما فيه من المشقة وحكى الامام الخلاف في بيع المنزوع بالمنزوع ايضا ومغلق المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كمالها بنزع النوى في أصح الوجهين لان الغالب في تجفيفها نزع النوى ولا يبطل كمال اللحم بنزع العظم لانه لا يتعلق صلاح ببقائه وهل يشترط النزع في جواز بيع بعضه ببعض فيه وجهان (اظهرهما) عند الاكثرين نعم وبه قال ابو اسحق (والثانى) ويحكى عن الاصطخرى أنه يسامح به وعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ولا نظر الي وتفاوت اقدار العظام كتفاوت النوى هذا شرح مسائل الفصل وما يناسبها وإذا نظرت في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال الي أمرين في الاكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لاكثر الانتفاعات

(8/184)


المطلوبة منه (والثانى) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر والسمن ليس بمتهيئ لا اكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفى به ايضا لا الثمار التى لا تدخر تتهيأ لاكثر الانتفاعات المطلوبة منها والدقيق مدخر وليس على حالة الكمال على ما سبق ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها الحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق * قال (الطرف الثالث في معني الجنسية والادقة والالبان والخلول والادهان مختلفة باختلاف
أصولها وفى لحوم الحيوانات قولان (أصحهما) أنها مختلفة لتفاوت المعنى وان اتفق الاسم وأعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والشحم أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحم أجناسا ولا يجوز بيع (ح و) اللحم بالحيوان من غير جنسه على أحد القولين للنهى عنه ولا يجوز بيع دهن السمسم بالسمسم ولا بيع السمن باللبن وان جاز بيع كل واحد منهما بجنسه) عرفت في صدر الباب أن بيع المال الربوي بجنسه مشروط برعاية المماثلة وبغير جنسه غير مشروط بها فالتجانس والاختلاف قد يظهر فلا يحتاج إلى التنصيص عليه وقد يقع في محل الاشكال والاشتباه وموضوع الطرف بيان مواضع الاشتباه وفيه مسألتان (أحداهما) اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن لحوم الحيوان جنس أو جنسان فاحد القولين انها جنس واحد لانها مشتركة في الاسم الذى لا يقع بعده التمييز إلا بالاضافة فاشبهت أنواع الرطب والعنب وتخالف الثمار المختلفة فانها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنها تمتاز باسمائها الخاصة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة والمزنى انها أجناس مختلفة لانها فروع أصول مختلفة فاشبهت الادقة والاخباز * وعن مالك أن اللحوم ثلاثة أجناس الطيور والدواب أهليها ووحشيها والبحريات * وبه قال أحمد في أحد الروايتين وعنه روايتان أخرتان كالقولين (التفريع) إن جعلناها جنسا واحدا فلا فرق بين لحوم الحيوانات البرية أهليها ووحشيها وكذا لحوم البحريات جنس واحد وفى لحوم البريات مع البحريات وجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري والشيخ

(8/185)


ابو حامد انهما جنسان وكذلك لو حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بلحوم الحيتان (والثانى) انهما جنس واحد لشمول الاسم قال الله تعالي (ومن كل تأكلون لحما طريا) وهذا اختيار القاضي أبى الطيب وابن الصباغ وهو الذى أورده في التهذيب * وان جعلناها أجناسا فحيوان البر مع حيوان البحر جنسان ثم الاهليات من حيوان البر جنس والوحشيات جنس ثم لكل واحد من القسمين أجناس فلحوم الابل على اختلاف أنواعها جنس واحد ولحوم البقر والجواميس وغيرها جنس واحد ولحوم الغنم ضأنها ومعزها جنس والبقر الوحشي جنس والظباء جنس وفى الظباء مع الابل تردد للشيخ أبى محمد واستقرار جوابه على انهما كالضأن والمعز وأما الطيور والعصافير على اختلاف أنواعها جنس والبطوط
جنس والدحح جنس * وعن الربيع ان الحمام بالمعنى المتقدم في الحج وهو ما عب وهدر جنس فيدخل فيه القمرى والدبسي والفاختة وهذا اختيار جماعة منهم الامام وصاحب التهذيب واستبعده اصحابنا الراقيون وجعلوا كل واحد منهما جنسا برأسه والسموك من حيوان البحر جنس وفى غنم الماء وبقره وغيرهما مع السموك وكذا في بعضها مع بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس كحيوانات البر وهل الجراد من جنس اللحوم فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهو من البريات أو البحريات فيه وجهان وفى أعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة طريقان (أشهرهما) انا ان قلنا ان اللحوم أجناس فهذه أولى لاختلاف اسمائها وصفاتها (وان قلنا) انها جنس واحد ففيها وجهان لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث (باكل هذه الاشياء علي الصحيح وهذا كالخلاف في ان لحم السمك جنس برأسه أو هو من جنس سائر اللحوم) لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل السمك (والثانى) عن القفال انا إن جعلناها جنسا واحدا فهذه الاشياء مجانسة لها وان جعلناها أجناسا فوجهان لاتحاد الحيوان وصار كلحم الطير وشحمه (وقوله) في الكتاب أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحوم أجناسا إلى هذه الطريقة أقرب ولو قال وان لم نجعل اللحوم أجناسا لكان ذلك للطريقة الاولى وكيف ما قدرت الترتيب فظاهر المذهب انها أجناس والمخ جنس آخر وكذلك الجلد وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان وسنام البعير معهما جنس آخر والرأس

(8/186)


والاكارع من جنس اللحم وفى الاكارع احتمال عند الامام (وأما) الادقة والخلول والادهان فهي أجناس مختلفة على المشهور لانها أصول فروع مختلفة وهى من أموال الربا فاجرى عليها حكم أصولها بخلاف اللحوم فان أصولها وهي الحيوانات ليست ربوية وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ودبسهما كذلك وفى الادقة حكاية قول عن أمالى حرملة انها جنس واحد وأبعد منه وجه ذكروه في الخلول والادهان ويجرى مثله في عصير العنب مع عصير الرطب (وأما) الالبان ففيها طريقان (أظهرهما) عند الاكثرين انها على قولين في اللحمين فعلى الاصح يجوز بيع لبن الغنم بلبن البقر متفاضلا وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر ولبن الضأن والمعز جنس واحد ولبن الوعل
مع المعز الاهلي جنسان اعتبار بالاصول (والطريق الثاني) وهو قضية ايراد الكتاب القطع بأنها أجناس مختلفة والفرق أن الاصول التى حصل اللبن منها باقية بحالها وهى مختلفة فيدام حكمها علي الفروع بخلاف أصول اللحم * وبيوض الطيور أجناس ان جعلنا اللحوم اجناسا وان جعلناها جنسا واحدا فهى اجناس ايضا على أصح الوجهين * والزيت المعروف مع زيت الفجل جنسان وهو دهن يتخذ من بزر الفجل يسمى زيتا لانه يصلح لبعض ما يصلح له الزيت العروف (ومنهم) من قال حكمهما حكم اللحمين والتمر المعروف مع الهندي جنسان وعن ابن القطان وجه انهما جنس واحد * وفى البطيخ المعروف مع الهندي وجهان أيضا وكذا في القثاء مع الخيار والبقول كالهنديا والنعنع وغيرهما اجناس إذا قلنا بجريان الربا فيها ودهن السمسم وكسبه جنسان كالمخيض والسمن وفى عصير العنب مع خله وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لافراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود وفى السكر والفانيد وجهان ايضا (أظهرهما) انهما جنسان لاختلاف قصبهما والسكر والنبات والطبرزد جنس واحد والسكر الاحمر وهو القوالب عكر الابيض ومن قصبه ومع ذلك ففي التجانس تردد للائمة لمخالفتهما في الصفة * قال الامام ولعل الاظهر انه جنس من السكر (المسألة الثانية) بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل وهو قول مالك واحمد خلافا لابي حنيفة والمزنى * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع اللحم بالحيوان) وان باعه بحيوان مأكول لا من جنسه

(8/187)


كما لو باع لحم الشاة بالبقرة فيبنى على ان اللحمين جنس أو اجناس (ان قلنا) انهما جنس فهو باطل أيضا (وان قلنا) اجناس فقولان (أحدهما) وبه قال مالك واحمد انه صحيح كما لو باع اللحم باللحم (وأصحهما) أنه باطل لعموم الخبر * (روى ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضى الله عنه فجاء رجل بعناق وقال اعطوني جزءا بهذه العناق فقال ابو بكر رضي الله عنه لا يصلح هذا) وان باعه بحيوان غير مأكول كعبد أو حمار ففيه قولان (أصحهما) عند القفال المنع لظاهر الخبر (والثانى) الجواز لان سبب المنع بيع مال الربا باصلة المشتمل عليه ولم يوجد ذلك ههنا وفى بيع الشحم والالية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان وجهان وكذا في بيع السنام بالابل (احدهما) يجوز لان النهى ورد في بيع اللحم
بالحيوان (وأصحهما) المنع لانه في معناه وعلى هذا الخلاف بيع الجلد بالحيوان ان لم يكن مدبوغا وان كان مدبوغا فلا منع وعلي الوجهين ايضا بيع لحم السمك بالشاة ولا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم ولا بيع دهن الجوز بلب الجوز ولا بيع السمن باللبن كما لا يجوز بيع اللحم بالحيوان وبيع دقيق الحنطة بالحنطة * وذكر الامام ههنا اشكالا وطريق حله (أما) الاشكال فهو ان السمسم جنس في نفسه لا أنه دهن وكسب واللبن جنس في نفسه لا أنه سمن ومخيض ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم واللبن باللبن وان كان لا يجوز بيع الدهن والكسب بالدهن والكسب وبيع السمن والمخيص بالسمن والمخيص وإذا كان جنسا برأسه وجب أن يجوز

(8/188)


بيع السمسم بالدهن كما جاز بيع السمسم بالسمسم (وأما) الحل هو انه إذا قوبل السمسم بالسمسم واللبن باللبن فالعوضان متجانسان في صفهما الناجزة فلا ضرورة إلى تفريق الاجزاء وتصوير ما يكون حينئذ وإذا قوبل السمسم بالدهن فلا يمكننا جعل السمسم مخالفا للدهن مع اشتمال السمسم على الدهن وإذا ارتفعت المخالفة جاءت المجانسة ولا شك أن مجانستهما في الدهنية فنضطر إلى اعتبارها وإذا اعتبارناها كان ذلك بيع دهن كسب بدهن (وقوله) في الكتاب وإن جاز بيع كل واحد منهما بجنسه اشارة الي هذا الاشكال ويجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز ولا بأس بما عليهما من القشر لان الصلاح يتعلق به ثم المعيار في الجوز الوزن لانه اكبر من التمر وفى اللوز الكيل ويجوز ايضا بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز وفيه وجه انه لا يجوز بيع اللب باللب لخروجه عن حالة الادخار وبهذا أجاب في التتمة * وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز مع القشر وبيع البيض بالبيض كبيع الجوز بالجوز فيجوز على الظاهر وان كان في القشر والمعيار فيه الوزن ويجوز بيع لبن الشاة بغير اللبون من الشاة وكذا باللبون إذا لم يكن في ضرعها لبن ان جرى البيع عقيب الحلب وان كان في ضرعها لبن لم يجز لان اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن ألا ترى أنه وجب التمر في مقابلته في المصراة وكذا لو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن كما لو باع حيوانا ولبنا بحيوان ولبن * وعن أبى الطيب
ابن سلمة انه يجوز كبيع السمسم بالسمسم وبيع البيض بالدجاجة كبيع اللبن بالشاة ولو باع لبن الشاة ببقرة في ضرعها لبن (فان قلنا) الالبان جنس واحد لم يجز (وان قلنا) انها اجناس فقولان للجمع بين مختلفى الحكم فان ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابله من الحيوان لا يشترط فيه التقابض والله أعلم * (فرع) الربا يجرى في دار الحرب جريانه في دار الاسلام لان النصوص الواردة فيه مطلقة وبه قال مالك وأحمد * وعن ابى حنيفة ان الربا في دار الحرب انما يجرى بين المسلمين المهاجرين فأما بين حربيين وبين مسلمين لم يهاجرا أو احدهما فلا ربا *

(8/189)


قال (الباب الثالث في الفساد من جهة النهي) (والمناهي قسمان (احدهما) ما يدل على فساد العقد وذلك كنهيه عن بيع اللحم بالحيوان (ح) وبيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصيعان وبيع الكالئ بالكالئ وبيع الغرر وبيع الكلب والخنزير وبيع عسب الفحل وهو نطفته) مقصود الباب عدد البياعات التي ورد فيها نهي خاص والترجمة تقتضي انقسام الفساد إلى ما يكون للنهي والي ما يكون لغيره لكن يمكن ان يقال لا فساد إلا للنهي فان الربا الذي أفرده بالذكر منهي عنه أيضا وكذا تفريق الصفقه إذا منعنا عنه وكل فاسد منهي عنه أمام نهى خاص واما نهي عام ثم ما ورد فيه النهى من البيوع ققد يحكم بفساده قضية للنهي وهو الاغلب وقد لا يحكم وهو حيث يقارن البيع ما يعرف عود النهى إليه كالمنع عن البيع حالة النداء فانا نعلم ان المنع غير متوجه نحو خصوص البيع وانما هو متوجه نحو ترك الجمعة حتى لو تركها بسبب آخر فقد ارتكب المنهي ولو باع في غير تلك الحالة لم يصادفه نهي * (القسم الاول) ما حكم فيه بالفساد وهو انواع (فمنها) بيع اللحم بالحيوان وقد مر (ومنها) بيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان وبيع الكالى وسنشرحها من بعد (ومنها) بيع الغرر فمنه بيع ما لم يقدر على تسلميه وقد سبق ومنه ان يبيع مال الغير ومنه أن يبيع ما ليس عنده روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عنه حكيم بن حزام)

(8/190)


وله تفسيران (أحدهما) أن بييع ما هو غائب عنه (والثاني) أن يبيع ما لم يملكه ليشتريه فيسلمه ومنها بيع الكلب والخنزير وقد تقدم ذكره في شرط طهارة المبيع ومنها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع عسب الفحل) وروى انه (نهى عن ثمن عسب الفحل) وهذه رواية الشافعي رضى الله عنه في المختصر قال في الصحاح العسب الكراء الذى يؤخذ علي ضراب الفحل وعسب الفحل ايضا ضرابه ويقال ماءه فهذه ثلاثة معان (والثالث) هو الذى أطلقه في الكتاب (والثاني) هو المشهور في الفقهيات ثم ليس المراد من الخبر في الرواية الاولى الضراب فان نفس الضراب لا يتعلق به نهي ولا منع من الايزاء ايضا بل الاعارة للضراب محبوبة ولكن الثمن المذكور في الرواية الثانية مضمر فيه هكذا قالوه ويجوز أن يحمل العسب على الكراء على ما هو أحد المعاني فيكون نهيا عن اجارة الفحل للضراب ويستغنى عن الاضمار وأما على الرواية الثانية فالمفسرون للعسب بالضراب ذكروا ان المراد من الثمن الكراء وقد يسمي الكراء ثمنا مجازا ويجوز أن يفسر العسب بالماء ويقال هذا نهي عن بيعه والحاصل ان بذل المال للضراب ممتنع بطريق البيع لان ماءه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (وأما) بطريق الاستئجار ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في باب الاجارة (أصحهما) المنع أيضا وبه قال ابو حنيفة واحمد لان فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار

(8/191)


الفحل (والثانى) وبه قال أبن أبى هريرة ويحكى عن مالك انه يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل ويجوز أن يعطي صاحب الانثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية خلافا لاحمد والله أعلم * قال (وحبل الحبلة وهو نتاج النتاج والملاقيح وهى ما في بطون الامهات والمضامين وهى ما في أصلاب الفحول) (ومنها) ما روى عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع حبل الحبلة) وحبل الحبلة هو نتاج النتاج ثم ذكروا للخبر تفسيرين (أحدهما) أن يبيع الشئ الي ان ينتج نتاج هذه الدابة (والثانى) ان يبيع نتاج النتاج نفسه (والاول) هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه (والثاني) تفسير
أبى عبيد وأهل اللغة وكلا البيعين باطل (أما) الاول فلانه بيع الي أجل مجهول (وأما) الثاني فلانه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (ومنها) ما روى عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الملاقيح والمضامين) فالملاقيح ما في بطون الامهات من الاجنة الواحدة ملقوحة من قولهم لقحت كالمجنون من جن والمحموم من حم والمضامين ما في اصلاب الفحول سمى بذلك لان الله تعالى ضمنها فيها وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما يحصل من ضراب الفحل في عام أو اعوام وسبب بطلانهما من جهة المعني بين

(8/192)


قال (وبيع الملامسة وهو أن يجعل اللمس بيعا * والمنابذة بان يجعل النبذ بيعا * ورمى الحصاة وهو ان يعين للبيع ما تقع الحصاة عليه * وبيعتين في بيعة فيقول بعت بالفين نسيئة أو بالف نقدا فخذ بايهما شئت) * (ومنها) ما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الملامسة والمنابذة) وللملامسة تأويلات (احدها) أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحب الثوب بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولاخيار لك إذا رأيته وهو تأويل الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهذا البيع باطل (أما) إذا ابطلنا بيع الغائب فظاهر (وأما) إذا صححناه فلاشتراط قيام اللمس مقام النظر * قال الامام ويتطرق إلى هذا احتمال من جهة أن من اشترى شيئا على شرط نفى خيار الرؤية ففى صحة الشرط خلاف فلا يمتنع ان يكون هذا على ذلك الخلاف وبهذا الاحتمال أجاب ابو سعد المتولي في كتابه (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان يجعل نفس اللمس بيعا ومثله الامام بان يقول صاحب الثوب لطالبه إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا وهو باطل لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية وذكر في التتمة ان هذا في حكم المعاطاة (والثالث) ان يبيعه شيئا على أنه متي لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره وهو فاسد للشرط الفاسد (وأما) بيع المنابذة فله تأويلات (احدها) ان يجعل النبذ بيعا فيقول احدهما للآخر أنبذ اليك ثوبي وتنبذ إلى ثوبك على ان كل واحد مبيع بالاخر أو يقول انبذ اليك ثوبي بعشرة وتنبذ إلى ثوبك
يكون النبذ بيعا وهذا تأويل الشافعي رضى الله عنه في المختصر وهو المذكور في الكتاب ووجه بطلان العقد اختلاف الصيغة قال الائمة ويجئ فيه الخلاف المذكور في المعاطاة فان المنابذة مع قرينة البيع هي المعطاة بعينها (والثاني) أن يقول بعتك هذا بكذا علي اني إذا نبذته اليكم فقد وجب البيع وحكمه ما مر في الملامسة (والثالث) ان المراد منه نبذ الحصاة وسنفسره (ومنها) ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه ان االنبى صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الحصاة) وله تأويلات (أحدها) ان يقول بعتك

(8/193)


ثوبا من هذه الاثواب وارم بهذه الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع أو يقول ارم بهذه الحصاة فعلى أي موضع بلغت من الارض يكون مبيعا منك (والثاني) ان يقول بعتك هذا بكذا على انك بالخيار إلى ان أرمى بهذه الحصاة (والثالث) ان يجعلا نفس الرمى بيعا فيقول البائع إذا رميت بهذه الحصاة فهذا الثوب مبيع منك بعشرة والبيع باطل في الصور الثلاث * أما في الاولي فللجهل بالمبيع (وأما) في الثانية فلكون الخيار مجهولا (وأما) في الثالثة فلاختلال الصيغة (ومنها) ما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيعتين في بيعة) وله تأويلان مذكوران في المختصر (احدهما) وهو المذكور في الكتاب ان يقول بعتك هذا العبد بالف نقدا أو بالفين الي سنة فخذ بايهما شئت أو شئت انا فهذا العقد باطل للجهل بالعوض كما لو قال بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا ولو قال بعتك بالف أو بالفين إلى سنة أو قال بعتك نصف هذا العبد بالف ونصفه بالفين صح البيع ولو قال بعتك هذا العبد بالف نصفه بالف ونصفه بستمائة لم يصح لان ابتداء الكلام يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية وآخره يناقضه هكذا نقله صاحب التهذيب حكما وتعليلا (والثاني) أن يقول بعتك هذا العبد بالف على أن تبيعني دارك بكذا أو اشترى منى دار بكذا فهو باطل لانه بيع وشرط وسنذكر المعنى في بطلانه على الاثر * قال (وعن بيع وشرط فلو باع بشرط قرض أو بشرط بيع آخر أو شرط على بائع الزرع أن يحصده (و) أو كان مما يبقى علقة بعد العقد يثبت نزاع بسببها لم يجز)

(8/194)


ومن البيوع التي ورد النهى عنها البيع المشروط روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع وشرط) قال حجة الاسلام مطلق الخبر يقتضي امتناع كل شرط في البيع لكن المفهوم من تعليله انه إذا انضم الشرط إلى البيع بقيت علقته بعد العقد يثور بسببها منازعة وقد يفضي ذلك إلى فوات مقصود العقد فحيث تفقد هذه العلة تستثنية عن الخبر ولذلك يستثني عنه شروطا ورد في تصحيحها نصوص (اعلم) ان الشرط في العقد ينقسم إلى فاسد وإلى صحيح والفاسد منه يفسد العقد أيضا على المذهب وفيه شئ سنورده من بعد والفصل يشتمل على أمثلة من الشروط الفاسدة ثم يليه بيان الشروط الصحيحة (فمن الشروط الفاسدة) إذا باع عبده بالف بشرط أن يبيعه داره أو يشترى منه داره أو بشرط أن يقرضه عشرة لم يصح لانه جعل الالف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي وإذا أتيا بالبيع الثاني نظر ان كانا يعلمان بطلان الاول صح والا فلا لاتيانهما به على حكم الشرط الفاسد هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره والقياس صحته وبه قطع الامام وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن * ولو اشترى زرعا واشترط على بائعه أن يحصده ففيه ثلاث طرق (أحدها) وبه قال ابو اسحق ان هذا التصرف شرا للزرع واستئجار للبائع علي الحصاد فيجئ فيه القولان فيما لو جمع بين صفقتين مختلفى الحكم وهذا هو اختيار ابن الصباغ (والثانى) ان شرط الحصاد باطل قولا واحدا لانه شرط عملا فيما لم لمكه فاشبه مالو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه وفى صحة البيع قولا تفريق الصفقة (والثالث) وهو الاصح انهما باطلان (أما) شرط العمل فلما ذكرنا وأيضا فلانه شرط ينافى قضية العقد لان قضية العقد كون القطع على المشتري (وأما) البيع فلان الشرط إذا فسد فسد البيع وكذا الحكم لو أفرد الشراء بعوض

(8/195)


والاستئجار بعوض فقال اشتريت هذا الزرع بعشرة على أن تحصده بدرهم لانه جعل الاجارة شرطا في البيع فهو في معني بيعتين في بيعة في التأويل الثاني ولو قال اشتريت هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة فقال بعت وأجرت ففيه طريقان (أحدهما) انهما على القولين في الجمع بين مختلفى الحكم (والثانى) ان الاجارة باطلة قولا واحدا * ثم إذا فسدت الاجارة ففى فساد البيع قولا تفريق
الصفقة * ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم صح الشراء ولا تصح الاجارة لانه استأجره على العمل فيما لم يملكه ونظائر مسألة الزرع يقاس بها كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغة أو خياطته أو لبنا وشرط عليه طبخه أو نعلا علي أن ينعل به دابته أو عبدا رضيعا علي أن يتم ارضاعه أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف بيته فان لم يعرف بطل البيع لا محالة ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا فيصح العقد ويسمله إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسلمه إليه في موضعه لان العادة قد تقتضي حمله الي داره * حكي صاحب التتمة فيه وجهين والله أعلم * قال (إلا في مواضع عدة استثنيت بالنصوص (أحدها) شرط الاجل المعلوم (والثاني) شرط الخيار ثلاثة أيام (والثالث) شرط وثيقة الثمن بالرهن بعد تعيين المرهون وبالكفيل بعد تعيينه وبالشهادة ولا يشترط فيها التعيين * ومهما تعذر الوفاء بالرهن المشروط أو وجد به عيبا فله فسخ العقد)

(8/196)


من الشروط الصحيحة في البيع شرط الاجل المعلوم في الثمن قال الله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمر أن يجهز جيشا وإمره أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصدق) وان كان مجهولا كقدوم زيد أو مجئ المطر واقباض المبيع فهو فاسد وذكر القاضى الروياني أنه لو أجل الثمن إلى الف سنة بطل العقد للعلم بانه لا يبقى الي هذه المدة ويسقط الاجل بالموت كما لو أجر ثوبا الف سنة لا يصح فعلى هذه يشترط في صحة الاجل مع كونه معلوما احتمال بقائه إلى المدة المضروبة * ثم موضع الاجل مااذا كان العوض في الذمة فاما ما ذكر في المبيع أو في الثمن المعين مثل أن يقول اشتريت بهذه الدنانير على أن تسلمها في وقت كذا فهو فاسد لان الاجل رفق أثبت لتحصيل الحق في المدة والمعين حاصل ولو حل الاجل فاجل البائع المشترى مدة أو زاد في الاجل قبل حلول الاجل المضروب اولا فهو وعد لا يلزم خلافا لابي حنيفة فيهما وساعدنا علي أن بدل الاتلاف لا يتأجل وان أجله وقال مالك رحمه الله تعالي يتأجل * ولو أوصى من له دين حال على انسان بامهاله مدة فعلى ورثته امهاله تلك المدة لان التبرعات بعد الموت تلزم قاله
في التتمة * وحكي هو وصاحب التهذيب وجهين فيما لو أسقط من عليه الدين المؤجل الاجل هل يسقط حتي يتمكن المستحق من مطالبته في الحال (اصحهما) انه لا يسقط لان الاجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالاسقاط ألا تري ان مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة الجودة أو الصحة لا تسقط (ومنها) شرط الخيار ثلاثة أيام على ما سياتى (ومنها) شرط وثيقة الثمن بالرهن والكفيل والشهادة فيصح البيع بشرط أن يرهن المشترى بالثمن أو يتكفل به كفيل أو يشهد عليه سواء كان الثمن مؤجلا أو حالا ولا يخفى وجه الحاجة إلى التوفيق بهذه الجهات وقد قال تعالى (فرهن مقبوضة) وقال (واشهدوا إذا تبايعتم) وكذلك يجوز أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ولا بد من تعيين الرهن والكفيل والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الصفة كما يوصف المسلم فيه وفى الكفيل

(8/197)


المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب ولا يكفى الوصف بان يقول رجل موسر ثقة هذا هو النقل * ولو قال قائل الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن ببعيد وهل يشترط التعيين في شرط الاشهاد فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في الرهن والكفيل (وأصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب لان المطلوب في الشهود العدالة لاثبات الحق عند الحاجة بخلاف الرهن والكفيل فان الاغراض فيهما تتفاوت ولصاحب الوجه الاول أن يقول وقد يكون بعض العدول أوجه وقوله أسرع قبولا فيتفاوت الغرض في اعيانهم أيضا وادعى الامام القطع بالوجه الثاني ورد الخلاف إلى انه لو عين الشهود هل يتعينون أم لا وهل يجب التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل فيه وجهان (أظهرهما) لا بل ان اتفقا على يد المرتهن أو يد عدل فذاك وإلا جعله الحاكم في يد عدل وليكن المشروط رهنه عند المبيع (أما) إذا شرط أن يكون المبيع نفسه رهنا بالثمن لم يصح الرهن لان المرهون غير مملوك له بعد ولا البيع هكذا أطلقه الجمهور وأورد الامام فيه تفصيلا كما سيأتي والمطلقون وجهوه بامور (منها) ان الثمن إما مؤجل فلا يجوز حبس المبيع لاستيفائه أو حال فله حبسه لاستيفائه فلا معني للحبس بحكم الرهن (ومنها) تناقض الاحكام فان قضية الرهن كون المال أمانة وان يسلم الدين أولا وقضية البيع بخلافه (ومنها) أن فيه استثناء منفعة الاستيثاق ولا يجوز أن يستثنى البائع بعض منافع المبيع لنفسه
(ومنها) قال بعض المتأخرين المشترى لا يملك رهن المبيع الابعد صحة البيع فلا تتوقف عليه صحة لبيع كيلا يؤدى الي الدور وللنزاع مجال في هذه التوجيهات (أما الاول) فان كان الثمن مؤجلا لا يجوز حبس المبيع إذا لم يجر رهن فان جرى فهو موضع الكلام وإن كان حالا فيجوز أن يتقوى احد الجنسيين بالآخر (وأما) الثاني فبتقدير الصحة يبقي المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان ويسلم الدين

(8/198)


اولا لاقدامه علي الرهن * (وأما) الثالث ففى جواز استثناء بعض المنافع تفصيل سنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الرابع فمسلم انه لا يتوقف صحة البيع علي الرهن لكن لا كلام فيه وانما الكلام في انه هل يمنع صحة البيع فهذا كلام المطلقين (وأما) التفصيل فان الامام ذكر ان المسألة مبنية على أن البداءة في التسليم بمن (فان قلنا) البداءة بالبائع أو قلنا يخيران معا أو قلنا لا اختيار ما لم يبتد أحدهما فسد البيع لانه شرط يبطل مقتضى البيع لتضمنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن (وان قلنا) البداءة بالمشترى فوجهان (أحدهما) انه يصح هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد (والثانى) لا يصح ويفسد البيع لما سبق من تناقض الاحكام والاظهر عند صاحب الكتاب هو الوجه الاول * وأنت إذا تنبهت إلى الاصل المبنى عليه عرفت حال هذا البناء قوة وضعفا * ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه فالبيع باطل ايضا لبعض المعاني المذكورة * ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح ان كان بعد القبض وان كان قبله فلا ان كان الثمن حالا لان الحبس ثابت له وان كان مؤجلا فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر ثم إذا لم يرهن المشترى ما شرطه أو لم يتكفل الذى عينه فلا اجبار لكن للبائع الخيار ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين فان فسخ فذاك وان أجاز فلا خيار للمشترى * ولو عين شاهدين فامتنعا من تحمل الشهادة (فان قلنا لا بد من تعيين الشاهدين فللبائع الخيار ايضا (وان قلنا) لا حاجة إليه أيضا فلا * ولو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيب أو وجد به عيبا قديما فله الخيار في البيع وان تعيب قبل القبض فلا خيار * ولو ادعى الرهن انه حدث بعد القبض وقال المرتهن بل قبله فالقول قول الراهن استدامة للبيع ولو هلك الرهن بعد القبض أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم به فلا ارش له وهل له فسخ البيع فيه وجهان (أصحهما) لا لان الفسخ انما يثبت إذا أمكنه رد الرهن كما أخذ (وأما) لفظ

(8/199)


الكتاب فقوله شرط وثيقة الثمن لفظ الثمن وان كان مطلقا لكن المراد منه ما إذا كان في الذمة فان الاعيان لا يرهن بها وفى ضمانها تفصيل طويل يذكر في موضعه ان شاء الله تعالى هذا كما ذكرناه في الاجل (وقوله) بعد تعيين المرهون يجوز اعلامه بالميم والحاء (أما) الميم فلان عند مالك رضى الله عنه لا يشترط تعيين المرهون بل ينزل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة (وأما) بالحاء فلان عند أبي حنيفة لو قال رهنتك أحد هذين العبدين جاز كما ذكره في البيع (وقوله) وبالكفيل بعد تعيينه يجوز اعلامه بالواو لان في كتاب القاضي ابن كج انه لا حاجة الي تعيين الكفيل وإذا أطلق أقام من شاء ضمينا والله اعلم قال (والرابع) شرط عتق العبد احتمل لحديث بريرة والقياس إبطال الشرط وقد قيل به * ثم للبائع المطالبة بالعتق علي الاصح فان أبي المشترى أجبر عليه (و) وإن شرط أن يكون الولاء له صح الشرط (و) لدلالة الخبر) في بيع الرقيق بشرط العتق قولان (أحدهما) وهو مخرج أنه لا يصح كما لو باعه بشرط أن يبيعه أو يهبه وبهذا قال أبو حنيفة (وأصحهما) انه يصح وعلى هذا ففى صحة الشرط قولان (احدهما) وهو ما حكاه العراقيون عن رواية أبى ثور انه باطل لظاهرما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ما كان من شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل) (وأصحهما) وبه قال مالك وأحمد في اصح الروايتين انه صحيح لما روى (ان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها لهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الا شرط الولاء وقال شرط الله اوثق وقضاء الله احق والولاء لمن أعتق) (وقوله) والقياس ابطال الشرط اراد مع تصحيح العقد على ما دل عليه كلامه في الوسيط قال

(8/200)


لان المصير إلى ابطال العقد مع الحديث لا وجه له وان قال قائلون به وتأويل اذنه في الشرط انه كان يثق بعائشة رضي الله عنها انها تفى به تكرما لا انه لازم * (التفريع ان صححنا شرط العتق فذلك إذا أطلق أو قال بشرط أن تعتقه عن نفسك أما إذا قال بشرط أن تعتقه عنى فهو لاغ ثم العتق
المشروط حق من فيه وجهان (أظهرهما) أنه حق الله عزوجل كالملتزم بالنذر (والثانى) أنه حق البائع لان اشتراطه يدل على تعلق غرضه به والظاهر أنه تسامح في الثمن إذا شرط العتق (فان قلنا) انه حق البائع فله المطالبة به لا محالة (وان قنا) أنه حق الله تعالى فوجهان (أحدهما) أنه ليس له المطالبة به إذ لا ولاية له في حقوق الله عزوجل (وأصحهما) أنه ليس له ذلك لانه ثبت بشرطه وله غرض في تحصيله وإذا أعتقه المشترى فقد وفى بما التزم والولاء له (وإن قلنا) العتق حق البائع لانه صدر عن ملكه وان امتنع فهل يجبر عليه فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) عند المصنف أنه يجبر عليه (والثاني) لا ولكن للبائع الخيار في فسخ البيع وهما مبنيان على أن العتق حق من (إن قلنا) إنه حق الله عزوجل فيجبر عليه (وإن قلنا) إنه حق البائع فلا يجبر كما في شرط الرهن والكفيل وإذا قلنا بالاجبار فهل يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق حتي يعتق القاضى علي رأى أو يحبسه حتي يعتق على رأى أولا طريق سوى الحبس حتى يعتق أبدى الامام فيه احتمالين (والال) هو المذكور في التتمة قال الامام والخلاف في الاجبار لا يبعد طرده في شرط الرهن والكفيل ومن جهة القياس لكن لم يطردوه (وإذا قلنا) العتقل حق للبائع فلو أسقطه سقط كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه وعن أبى محمد ان

(8/201)


شرط الرهن والكفيل أيضا لا يفرد بالاسقاط كحق الاجل * وهل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفارة (ان قلنا) إن العتق حق الله عزوجل فلا كاعتاق المنذور عتقه عن الكفارة وإن قلنا إنه حق البائع فكذلك إن لم يسقط حقه وان أسقطه جاز علي أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لان البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة فكأنه أخذ على العتق عوضا ويجوز له الاستخدام والوطئ والاكساب الحاصلة له ولو قتل كانت القيمة له ولا يكلف صرفها إلى عبد آخر ليعتقه وليس له أن يبيعه من غيره ويشترط العتق عليه في أصح الوجهين لان العتق مستحق عليه فليس له نقله الي غيره وهل يجزى ايلاد الجارية عن الاعتاق فيه وجهان (أصحهما) لا بل عليه أن يعتقها * ولو مات العبد قبل أن يعتقه ففيه أوجه (أظهرها) أنه ليس عليه الا الثمن المسمى لانه لم يلتزم غيره (والثاني) أن عليه مع ذلك قدر التفاوت بين ثمن مثله مشترى مطلقا وثمن مثله مشترى بشرط العتق ومنهم من زاد في هذا الوجه أنه يعرف قدر
التفاوت هكذا ويجب عليه مثل نسبته من الثمن المسمى (والثالث) أن البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد ولا شئ له وان شاء فسخ البيع ورد مأخذ من الثمن ويرجع بقيمة العبد عليه وحكى بعضهم بدل هذا الوجه أنه ينفسخ العقد لتعذر إمضائه إذ لا سببل إلى ايجاب شئ على المشترى من غير تفويت ولا الزام ولا إلى الاكتفاء بالمسمى فان البائع لم يرض به الا بشرط العتق وهذه الوجوه مفرعة على أن العتق للبائع أو هي مطردة سواء قلنا انه للبائع أو لله تعالى فيه رأيان للامام (أظهرهما) الثاني * ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر أو سنة أو دارا بشرط

(8/202)


أن يجعلها وقفا ففى هذه الشروط وجهان (أصحهما) أنها ليست كشرط العتق بل يبطل البيع بها وجميع ما ذكرناه في شرط العتق مفروض فيما إذا لم يتعرض الولاء فاما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل البيع لان شرط الولاء تغيير ظاهر المقتضى العقد لتضمنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد (والثاني) أنه يصح لحديث بريرة فان عائشة رضى الله عنها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مواليها لا يبيعونها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى واشترطي لهم الولاء أذن في الشراء بهذا الشرط وهو لا ياذن في باطل وعلي هذا ففى صحة الشرط قولان نقلهما الامام (أحدهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (خطب بعد ذلك وقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عزوجل كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل شرط الله أوثق وقضاء الله أحق والولاء لمن أعتق) (والثانى) أنه يصح لانه أذن في اشتراط الولاء وهو لا يأذن في باطل وهذا هو الذى أورده صاحب الكتاب (وأعلم) انه خلاف ما اتفق عليه جمهور الاصحاب فانهم أطبقوا على أن شرط الولاء يفسد البيع وحكموا قولا ضعيفا على خلافه عن رواية الاصطخرى أو تخريجه ثم على ذلك القول الضعيف قضوا بفساد الشرط وقصروا الصحة علي العقد ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحة الشرط بعد تصحيح العقد الا للامام رحمه الله تعالى وفى حديث بريرة إشكال أفسدنا العقد أو صححناه وافسدنا الشرط أو صححناه (أما) إذا أفسدنا العقد أو الشرط فلاذنه في الشراء واشتراط الولاء وأما إذا صححهناهما فلخطبته بعد ذلك وانكاره على هذا الشرط وكيف يجوز أن

(8/203)


الشئ ثم ينكر عليه ويبطلة الا ان الصائرين إلى الفساد لم يثبتوا الاذن في شرط الولاء وقالوا إن هشاما تفرد به ولم يتابعه سائر الرواة عليه فيحمل على وهم وقع له لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن فيما لا يجوز وبتقدير الثبوت فقد تكلموا عليه من وجوه لا نطول بذكرها وأما من صححهما قال انه نهاهم عن الاتيان بمثل هذه الشروط ولما جرت أنكر عليهم لارتكابهم مانهاهم عنه لكنه صححه وقد ينهى عن الشئ ثم يصححه * ولو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق بان قال بعتكه بشرط أن يكون الولاء لى ان اعتقته يوما من الدهر فقد ذكر في التتمة أن العقد ههنا باطل بلا خلاف إذ لم يشترط العتق حتي يحصل الولاء تبعا له * ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه فعن القاضي حسين أن العقد باطل لتعذر الوفاء بهذا الشرط فانه يعتق عليه قبل ان يعتقه والله اعلم * قال (والخامس أن يشترط ما لا يبقي علقة ككل شرط يوافق العقد من القبض وجواز الانتفاع * أو ما لا يتعلق به غرض كشرطه ان لا يأكل الا الهريسة وهذا استثنى بالقياس * وكذلك شرطه أن يكون خبازا أو كاتبا وكذا كل وصف مقصود) * غرض الفصل التعرض لاقسام الشروط التي لا تفسد العقد بعد ما تقدم ذكره والاصحاب قد ضبطوا صحيح الشروط وفاسدها في تقسيم هو كالترجمة والتفاصيل مذكورة في مواضعها قالوا الشرط ينقسم الي ما يقتضيه مطلق العقد والى مالا يقتضيه فالاول كالقبض وجواز الانتفاع والرد

(8/204)


بالعيب ونحوها فلا يضر التعرض له ولا ينفع (والثاني) ينقسم الي ما يتعلق بمصلحة العقد والي ما لا يتعلق فالاول قد يتعلق بالثمن كشرط الرهن والكفيل وقد يتعلق بالثمن كشرط أن يكون العبد خبازا أو كاتبا وقد يتعلق بالطرفين كشرط الخيار فهذه الشروط لا تفسد العقد وتصح في نفسها (والثانى) ينقسم إلى ما لا يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا والى ما لا يتعلق فالاول كشرط أن لا يأكل الا الهريسة أو لا يلبس الا الخز وما أشبه ذلك فهذا لا يفسد العقد ويلغو في نفسه هكذا قاله صاحب الكتاب وشيخه لكن في التتمة أنه لو شرط ما يقتضي الزام ما ليس بلازم كما لو باع بشرط أن يصلى النوافل
أو يصوم شهرا غير رمضان أو يصلى الفرائض في أول أوقاتها يفسد العقد لانه أوجب ما ليس بواجب وقضية هذا فساد العقد من مسألة الهريسة والخزأيضا (والثانى) كشرط أن لا يقبض ما اشتراه ولا يتصرف فيه بالبيع والوطئ ونحوهما وكشرط بيع آخر أو قرض وكشرطه أن لا خسارة عليه في ثمنه يعنى لو باعه وخسر في ثمنه ضمن له النقصان فهذه الشرائط والشباها فاسدة مفسدة للبيع الا شرط العتق كما مر (وقوله) في الكتاب وهذا استثنى بالقياس اراد به ما سبق ان المفهوم من نهيه عن بيع وشرط دفع محذور المنازعة الثائرة من الاشتراط والعلقة الباقيه بينهما

(8/205)


بسببه وهذا المعني مقصود في هذه الصورة (وأما) ما يوافق مقتضى العقد فهو ثابت ذكر أو لم يذكر (واما) ما لا يتعلق به غرض فلا يتنازعان في مثله غالبا (واما) شرط الكتابة والخبز وسائر الاوصاف المقصودة فانها لا تتعلق بانشاء أمر في المستقبل بل هي أمور حاضرة ناجزة والظاهر أن الشارط لا يلتزمها الا وهى حاصلة فإذا هذه الشرائط وان كانت مستثناة عن صورة اللفظ لكنها منطبقة على المعني المفهوم منه * قال (ولو شرط أن تكون حاملا فقولان ولو شرط ان تكون لبونا (فالاصح) أنه كشرط الكتابة) * إحدى مسألتي الفصل أن يبيع جارية أو دابة بشرط ان تكون حاملا ونقدم عليها أن بيع الحمل لا يجوز لا من مالك الام ولا من غيره لما مر في النهي عن بيع الملاقيح فانه غير معلوم ولا مقدور * ولو باع حاملا مطلقا دخل الحمل في البيع تبعا وهل يقابله قسط من الثمه فيه خلاف نذكره في موضعه * ولو باع الحامل واستثنى حملها ففى صحة البيع وجهان منقولان في النهاية (احدهما) انه يصح كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح (واصحهما) وبه اجاب الجمهور انه لا يصح لان الحمل لا يجوز افراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه كاعضاء الحيوان ولو كانت الام لواحد والحمل لآخر فهل لمالك الام بيعها من مالك الحمل أو غيره فيه وجهان وكذا لو باع جارية حاملا بحر * الذى ذكره المعظم انه لا يصح لان الحمل لا يدخل في البيع فكأنه استثناه (والثانى) وهو اختيار الامام وصاحب الكتاب انه يصح ويكون الحمل مستثني شرعا إذا تقرر ذلك فلو باع جارية أو دابة بشرط أنها حامل ففى صحة
البيع قولان ويقال وجهان مبنيان على أن الحمل هل يعلم أم لا (ان قلنا) لا لم يصح شرطه (وان قلنا) نعم صح وهو الاصح وخص بعضهم الخلاف بغير الآدمى وقطع بالصحة في الجوارى لان الحمل

(8/206)


في الجواى عيب فاشتراط الحمل اعلام بالعيب فتصير كما لو باعها على أنها آبقة أو سارقة * ولو قال بعتك هذه الدابة وحملها ففى صحة العقد وجهان * عن أبى زيد انه يصح لانه داخل في العقد عند الاطلاق فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال بعتك هذا الجدار وأساسه (والاصح) وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو على انه لا يصح لانه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم وما لا يجوز بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره بخلاف ما إذا باع بشرط انها حامل فانه جعل الحاملية وصفا تابعا وهذا الخلاف يجرى فيما إذا قال بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن * وفى قوله بعتك هذه الجبة وحشوها طريقان (منهم) من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالجواز لان الحشو داخل في مسمي الجبة فذكره ذكر ما دخل في اللفظ فلا يدل التنصيص عليه والحمل غير داخل في مسمى الشاة فذكره ذكر الشئ المجهول مع المعلوم * وإذا قلنا بالبطلان في هذه الصورة فقد قال الشيخ ابو علي في بيع الظهارة والبطانة في صورة الجبة قولا تفريق الصفقة وفى صورة الدابة يبطل البيع في الكل والفرق ان الحشو يمكن معرفة قيمته عند العقد والحمل واللبن لا يمگن معرفتهما حينئذ فيتعذر التوزيع قال الامام وهذا حسن لكنا نجرى قولا التفريق حيث يتعذر التوزيع كما لو باع شاة وخنزيرا أو باع حاملا وشرط

(8/207)


وضعها لرأس الشهر ونحنوه لم يصح البيع قولا واحدا لانه غير مقدور عليه قاله في الشامل وبيض الطير كحمل الجارية والدابة في جميع ذلك (والمسألة الثانية) لو باع شاة بشرط أنها لبون ففيه طريقان (أحدهما) أنها على الخلاف في البيع بشرط الحمل (والثاني) القطع بصحة البيع والفرق أن شرط الحمل يقتضي وجود الحمل عند العقد وهو غير معلوم وشرط كونها لبونا لا يقتضى وجود اللبن حينئذ وانما هو اشتراط صفة فيها فكان بمثابة شرط الكتابة والخبز في العقد حتي لو شرط كون اللبن في الضرع كان بمثابة شرط الحمل وطريقة طرد الخلاف أظهر لانه نص في الام على قولين
في السلم في الشاة اللبون إلا أن قول الصحة ههنا أظهر منه في المسألة الاولي (وقوله) في الكتاب فالاصح انه كشرط الكتابة يجوز ان يريد من الطريقين (والاولى) أن يريد من القولين جوابا على الطريقة الاولى واعلم قوله كشرط الكتابة بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يصح البيع بهذا الشرط ولذا قال في شرط الحمل ولو شرط انها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن لم يصح البيع لان ذلك لا يضبط ولا يقدر عليه فصار كما لو شرط في العبد أنه يكتب كل يوم عشرة اوراق * ولو باع شاة لبونا واستثني لبنها ففى صحة العقد وجهان (اصحهما) انه لا يصح كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية والكسب في بيع السمسم والحب في بيع القطن والله اعلم * وفى الشروط الصحيحة باتفاق أو على اختلاف مسائل اخر نسير الي بعضها في هذا الموضع على الاختصار (منها) البيع بشرط البراءة من العيوب (ومنها) بيع الثمار بشرط القطع وسنشرحهما (ومنها) لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط ان يكال بمكيال معين أو يوزن بميزان معين أو يذرع بذارع معين أو شرط

(8/208)


ذلك في الثمن ففيه خلاف ونورده في السلم وفى معناه تعيين رجل يتولي الكيل أو الوزن (ومنها) لو باع دارا واستثني لنفسه سكناها أو دابة واستثني ظهرها نظر إن لم يبين مدة لم يصح العقد وإن بين ففيه خلاف مذكور في الكتاب في آخر الاجارة (والاصح) أنه يبطل العقد وذهب أحمد إلى صحته (ومنها) لو شرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفى الثمن نظر إن كان مؤجلا بطل العقد وإن كان حالا بنى على أن البداءة في التسليم بمن فان جعلنا ذلك من قضايا العقد لم يضر ذكره والا فسد العقد (ومنها) لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فان أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر فهو باطل لانه شرط عقد في عقد وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت تسعة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح لانه لا يدرى صحة كل صاع وإن كانت معلومة صح فان كانت عشرة فقد باع صاعا وتسعا بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا فان أراد رد صاع إليه فهو فاسد لانه شرط عقد في عقد وإن إراد أنها إن خرجت تسعة آصع أخذت عشرة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح وإن كانت معلومة صح وإذا
كانت تسعة آصع فيكون كل صاع بدرهم وتسع وعن صاحب التقريب انه لا يصح في صورة العلم أيضا لان العبارة لا تنبئ عن المجمل المذكور ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا أو ازيدك صاعا ولم يبين أحدى الجهتين فهو باطل (ومنها) لو باع قطعة ارض على أنها مائة ذراع فخرجت دون المائة ففيه قولان (احدهما) بطلان البيع لان قضية قوله بعتك هذه الارض ان لا يكون غيرها مبيعا وقضية الشرط ان لا تدخل الزيادة في البيع فوقع التضاد وتعذر التصحيح (واظهرهما) وقطع به قاطعون انه صحيح تغليبا للاشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة خلفه في الصفات وبهذا قال ابو حنيفة فعلى هذا للمشترى الخيار بين الفسخ والاجازة ولا يسقط خياره بان يحط البائع من الثمن قدر النقصان وإذا اجاز فيجيز بجميع الثمن أو بالقسط فيه قولان

(8/209)


كما في تفريق الصفقة لكن الاظهر ههنا ان يجيز بجميعه لان المتناول بالاشارة تلك القطعة لا غير ولو كان المسألة بحالها وخرجت القطعة اكثر من المائة ففى صحة البيع قولان ايضا ان صححناه فالمشهور ان للبائع الخيار فان اجاز كانت كلها للمشترى ولا يطالبه للزيادة بشئ فيه وجه آخر اختاره صاحب التهذيب انه لا خيار للبائع ويصح البيع في الكل بالثمن المسمى وينزل شرطه منزلة ما لو شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما لا خيار له فعلي المشهور لو قال المشترى لا نفسح فانى اقنع بالقدر المشروط سابقا والزيادة لك فهل يسقط خيار البائع فيه قولان عن رواية صاحب التقريب وغيره (احدهما) نعم لزوال الغبينة عن البائع (والثانى) لا لان ثبوت حق المشترى على الشيوع يجر ضررا وهذا اظهر وبه قال الامام ورجح ابن سريج الاول في جوابات الجامع الصغير لمحمد رحمهما الله * ولو قال لا نفسخ حتى ازيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب علي أنه عشرة أذرع أو القطيع على انه عشرون رأسا أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وفرض نقصانا أو زيادة * وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها فروى أن الصيرة إذا زادت علي القدر المشروط يرد الفضل وإن نقصت وأجاز المشترى يجيز بالحصه وفيما عداها يجيز بجيمع الثمن لان أجزاءها تتساوى فلا يجر التوزيع جهالة (ومنها) لو قال لغيره بع عبدك من
زيد بالف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط هل يصح البيع فيه قولان لابن سريج (أظهرهما) لا لان الثمن يجب جميعه علي المشترى وههنا جعل بعضه علي غيره (والثانى) نعم ويجب على زيد الف وعلى الآمر خمسمائة كما لو قال الق متاعك في البحر على أن على كذا * قال (ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد * والاصح ان شرط نفى خيار المجلس والرؤية فاسد * ما يصح من المبيوع لولا الشرط إذا ضم إليه شرط لم يخل ذلك الشرط اما أن يكون صحيحا أو فاسدا فان كان صحيحا فالعقد صحيح لا محالة وان كان فاسدا فلا يخلو إما ان يكون شيئا لا يفرد بالعقد وإما ان يكون شيئا يفرد بالعقد فان كان الاول نظر إن لم يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا فلا يؤثر ذلك في العقد علي ما سبق * قال الامام ومن هذا القبيل ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن

(8/210)


وقلنا انهم لا يتعينون فلا يفسد به العقد لانا إذا الغينا تعبين الشهور فقد أخرجناه عن ان يكون من مقاصد العقد وإن تعلق به غرض فسد العقد بفساده للنهي عن بيع وشرط ولانه يفضى إلى المنازعة ولانه يوجب الجهل بالعوض وكل ذلك قد تقدم * وعن أبى ثور رواية قول ان فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد العقد بحال لقصة بريرة فانه صلي الله عليه وسلم أنكر على الشرط وأبطله ولم يفسد العقد * وإن كان مما يفرد بعقد كالرهن والكفيل فهل يفسد البيع بشرطهما على نعت الفساد فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كسائر الشروط الفاسدة (والثانى) وبه قال المزني لا لانه يجوز افراده عن البيع فلا يوجب فساده فساد البيع كالصداق في النكاح لا يوجب فساده فساد النكاح * إذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن قوله في الكتاب ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد غير مجرى على إطلاقه (وأما) قوله والاصح أن نفى خيار المجلس والرؤية فاسد فلا يخفى أنه ليس له كبير تعلق بهذا الموضع ثم فقهه أنه إذا باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس وقبله المشترى هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أظهرهما) أنه المسألة على قولين (أحدهما) أنه يصح لقوله صلى الله عليه وسلم (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) (وأصحهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا) وهذا ما نص عليه في البويطى والقديم (وقوله) إلا بيع الخيار المراد منه أن يقطعا الخيار بعد العقد وهو التخاير وقيل أراد إلا بيعا شرط فيه الخيار فان الخيار في ذلك البيع ينفى بعد التفرق والاستثناء على هذا راجع إلى قوله ما لم يتفرقا (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني واليه ذهب ابو اسحق بعد ما كان يقول بطريقة القولين: فان صححنا الشرط صح البيع ولزم وإن أفسدنا الشرط فهل يفسد البيع فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه شرط ينافى مقتضى العقد فاشبه ما إذا قال بعتك بشرط أن لا أسلمه * وإذا سلكت سبيل الاختصار قلت في المسألة ثلاثة أقوال أو وجوه (أصحها) فساد الشرط والعقد جميعا * ولو شرط نفى خيار الرؤية علي قول صحة بيع الغائب فقد طرد الامام وصاحب الكتاب فيه الخلاف والاكثرون قطعوا بانه فاسد مفسد والفرق انه لم ير المبيع ولا عرف حاله فنفى الخيار فيه يؤكد الغرر ونفي خيار المجلس لا يمكن

(8/211)


غررا بل هو مخل لمقصود العقد وإنما اثبته الشرع علي سبيل التخفيف رفقا بالمتعاقدين فجاز ان لا يقدح نفيه * (وقوله) في الكتاب والاصح ان نفي جيار المجلس اراد الاصح من الوجوه جوابا على طريقة اثبات الخلاف في الصورتين وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في البيع بشرط البراءة من العيوب وسيأتى من بعد * ويتفرع على هذا الخلاف ما إذا قال لعبده إذا بعتك فانت حر ثم باعه بشرط نفي الخيار (فان قلنا) البيع باطل أو قلنا الشرط ايضا صحيح لم يعتق (اما) على التقدير الاول فلان اسم المبيع يقع على الصحيح ولم يوجد (واما) علي الثاني فلان ملكه قد زال والعقد قد لزم ولا سبيل إلى اعتاق ملك الغير (وإن قلنا) ان العقد صحيح والشرط فاسد عتق لبقاء الخيار ونفوذ العتق من البائع في زمن الخيار * وعند أبي حنيفة ومالك لا يعتق إلا أن يبيع بشرط الخيار لان خيار المجلس غير ثابت عندهما * قال (والعقد الفاسد لا يفيد الملك (ح) وان اتصل القبض به * وان كانت جارية فوطئها وجب المهر وثبت النسب للشبهة والولد حر) * إذا اشترى شيئا شراءا فاسدا بشرط فاسد أو بسبب آخر ثم قبضه لم يملكه بالقبض ولا ينفذ تصرفه
فيه وبه قال أحمد ومالك * وقال ابو حنيفة ان اشترى مالا قيمة له كالدم والميتة فالحكم كذلك فان اشتراه بشرط فاسد وبماله قيمة في الجملة كالخمر والخنزير ثم قبض المبيع باذن البائع ملكه ونفذ تصرفه فيه لكن للبائع أن يسترده بجميع زوائده ولو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة أو اعتاق فعليه قيمته الا أن يشترى عبدا بشرط العتق فانه قال يفسد العقد وإذا تلف في يده فعليه الثمن * لنا انه بيع مسترد بزوائده المتصلة والمنفصلة فلا يثبت الملك فيه للمشترى كما لو اشترى بدم أو ميتة * إذا تقرر ذلك فعلي المشترى رد المقبوض بالبيع الفاسد ومؤنة رده كالمغصوب ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن ولا يتقدم به علي الغرماء خلافا لابي حنيفة في المسألتين * وحكى القاضي ابن كج مثله جها عن الاصطخرى ونقل القاضى حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه جواز الحبس والظاهر الاول ويلزمه أجرة المثل للمدة التى كان في يده سواء استوفى المنفعة أو تلفت تحت يده أو بقيت في يده فعليه ارش النقصان وان تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى

(8/212)


يوم التلف كالمغصوب لانه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده وفيه وجه آخر انه تعتبر قيمته يوم التلف كالعارية * وعن الصيدلانى وغيره حكايه وجه ثالث أنه يعتبر قيمته يوم القبض وقد يعبر عن هذا الخلاف بالاقوال * وما حدث في رده من الزوائد المنفصلة كالولد والثمرة والمتصلة كتعلم الحرفة والسمن مضمون عليه كزوائد المغصوب وفيه وجه انه لا يضمن الزيادة عند التلف * ولو أنفق على العبد المبيع مدة لم يرجع على البائع إن كان عالما بفساد البيع فان كان جاهلا فعن الصيمري أنه على وجهين * ولو كان المبيع جارية فوطئها المشترى فان كانا جاهلين فلا حد ويجب المهر وان كانا عالمين وجب الحد وان اشتراها بميتة أو دم أو خمر أو بشرط فاسد لم يجب لاختلاف العلماء كالوطئ في النكاح بلا ولى ونحوه قال الامام ويجوز أن يقال يجب الحد لان أبا حنيفة لا يبيح الوطئ وان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بلا ولي * وإذا لم يجب الحد يجب المهر ولا عبرة بالاذن الذي يتضمنه التمليك الفاسد وان كانت بكرا وجب مع مهر البكر ارش البكارة (أما) مهر المثل فللاستمتاع بها (وأما) الارش فلاتلاف ذلك الجزء * ولو استولدها فالولد حر للشبهة وعليه قيمته
إن خرج حيا باعتبار يوم الوضع وتستقر القيمة عليه بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لانه غره ثم الجارية لا تصير أم ولد في الحال فان ملكها يوما من الدهر ففيه قولان وان دخل علي الام نقص بالحمل أو الوضع وجب الارش وان خرج الولد ميتا فلا قيمة لكن ان سقط بجناية جان وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلي المشترى أقل الامرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ويطالب به المالك من شاء من الجاني والمشترى ولو ماتت في الطلق لزمه قيمتها وكذلك لو وطئ أمة الغير بالشبهة فاحبلها فماتت في الطلق وهذه الصورة وأخواتها مذكورة في باب الرهن في الكتاب وسنقف على شرحها ان شاء الله تعالي * ولو اشترى شيئا فاسدا ثم باعه من آخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب فان حصل في يد الثاني فعليه رده إلى المالك فان تلف في يده نظران كانت قيمته في يديهما سواء أو كانت في الثاني أكثر رجع المالك بالجميع على من شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده وإن كانت القيمة في يد الاول

(8/213)


أكثر فضمان النقصان على الاول والباقى يرجع به على أيهما شاء والقرار علي الثاني لحصول التلف في يده وكل نقص حدث في يد الاول لا يكون الثاني مطالبا به وكل نقص حدث في يد الثاني يكون الاول مطالبا به ويرجع علي الثاني وكذلك حكم أجرة المثل والله أعلم * قال (ولا ينقلب العقد صحيحا * بخلاف الشرط وان كان في المجلس (ح) * ولا يصح شرط اجل (ح) وخيار وزيادة ثمن (ح) ومثمن بعد لزوم العقد * والاقيس منعه ايضا في حالة الجواز) * هذه البقية تشتمل على مسألتين (أحداهما) لو فسد البيع بشرط فاسد ثم حذفا الشرط لا ينقلب العقد صحيحا سواء كان الحذف في المجلس أو بعده * وعن أبي حنيفة أنه إن كان الحذف في المجلس انعقد صحيحا ولنا مثله وجه نذكره بما فيه في كتاب السلم * واحتج الاصحاب بان العقد الفاسد لا عبرة به فلا يكون لمجلسه حكم بخلاف العقد الصحيح * (الثانية) لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الاجل أو قدرهما نظر ان كان ذلك بعد لزوم العقد لم يلتحق بالعقد لان زيادة الثمن لو التحقت بالعقد لوجبت على الشفيع كاصل الثمن
ولا يجب وكذا الحكم عندنا في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرهما وكذا الحط عندنا لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمي في العقد لا بما بقى بعد الحط * وعند أبى حنيفة الزيادة في المثمن والصداق ورأس مال السلم تلزم وكذا في الثمن ان كان باقيا وان كان تالفا فله مع اصحابه اختلاف فيه ولا يثبت في المسلم فيه على المشهور وشرط الاجل يلتحق بالعقد في الثمن والاجرة والصداق وسائر الاعراض قال واما الحط فان الحط نقص يلتحق بالعقد دون حط الكل * وان كانت هذه الالحاقات قبل لزوم العقد فان كانت في مجلس العقد أو في زمان الخيار المشروط فيه أوجه (أحدها) انها لا تلتحق لتمام العقد كما بعد اللزوم وهذا أقيس عند صاحب الكتاب وفي التتمة انه الصحيح (والثانى) عن أبي زيد والقفال انها تلتحق في خيار المجلس دون

(8/214)


خيار الشرط لان مجلس العقد كنفس العقد الا تري انه يصلح لتعيين رأس مال السلم والعوض في عقد الصرف بخلاف زمان الخيار المشروط (وأصحها) عند الاكثرين انها تلتحق أما في مجلس العقد فلما ذكرنا وأما في زمان الخيار المشروط فلانه في معناه من حيث ان العقد غير مستقر بعد والزيادة قد يحتاج إليها لتقرير العقد فان زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى امضاء العقد ويؤيد هذا الوجه أن الشافعي رضى الله عنه نص في كتاب السلم أنه لو أطلق السلم ثم ذكر الاجل قبل التفرق صح ولزم ثم هذا الجواب مطلق أم هو مخصوص ببعض الاقوال في الملك في زمان الخيار * اختار العراقيون انه مطلق وحكوا عن أبي على الطبري انه مفرع على قولنا ان الملك في زمان الخيار للبائع فاما إذا قلنا انه للمشترى أو قلنا أنه موقوف وامضينا العقد لم يلتحق بما بعد اللزوم وان قلنا أنه موقوف واتفق الفسخ فليلتحق ويرتفع بارتفاع العقد وهذا ما اختاره الشيخ أبو على ووجهه بأنا إذا قلنا ان الملك للمشترى فالزياة في الثمن لا يقابلها شئ من المثمن وكذا الاجل والخيار لا يقابلهما شئ من العوض وحينئذ يمتنع الحكم بلزومهما وتابعه صاحب التهذيب وغيره على ما اختاره * وإذا قلنا انها تلتحق فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشترى وفى الحط قبل اللزوم مثل هذا الخلاف فان التحق بالعقد انحط عن الشفيع أيضا وعلى هذا الوجه ما يلتحق
بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في افساده وان حط جميع الثمن كان كما لو باع بلا ثمن والله أعلم * قال (القسم الثاني من المناهى ما لا يدل على الفساد وهو كل ما نهى عنه لمجاورة ضرر اياه دون خلل في نفسه * ومنه النهى عن الاحتكار * والتسعير *

(8/215)


أما ترجمة القسم فقد مرما فيها في أول الباب (وأما) فقه الفصل فمسألتان (أحداهما) الاحتكار منهى عنه ثم هو مكروه أو محرم قال بعض الاصحاب إنه مكروه (والاصح) التحريم لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يحتكر الاخاطي أي آثم) وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون وروى ايضا (من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله عزوجل منه) والاحتكار ان يشترى ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ويحبسه ليبيعه منهم باكثر عند اشتداد حاجاتهم * ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله تم يفضل شئ فيبيعه في وقت الغلاء ولابان يمسك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ولكن الاولي ان يبيع ما فضل عن كفايته وهل يكون إمساكه مكروها ذكروا فيه وجهين وتحريم الاحتكار يختص بالاقوات ومنها التمر والزبيب ولا يعم جميع

(8/216)


الاطعمة (الثانية) لا ينبغي للامام أن يسعر (روى أن السعر غلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يارسول الله سعر لنا فقال إن الله عزوجل هو المسعر القابض الباسط الرازق وإنى لارجو ان القى ربي وليس أحد منكم يطلبني بظلامة في دم ولا مال) وهل يجوز ذلك؟ إن كان في وقت الرخص فلا وان كان في وقت الغلاء فوجهان (احدهما) وبه قال مالك يجوز رفقا بالضعفاء (واصحهما) أنه لا يجوز تمكينا للناس من التصرف في اموالهم ولانهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع فيشتد الامر * وعن ابي اسحاق انه لو كان يجلب الطعام إلى البلد فالتسعير حرام وإن كان يزرع بها وهو عند الغلاء فيها فلا يحرم * وحيث جوزنا التسعير فذلك في الاطعمة ويلتحق بها علف الدواب في أظهر القولين * وإذا سعر الامام عليه فخالف استحق التعزير وفى صحة البيع وجهان منقولان في التتمة) *
قال (وأن يبيع حاضر لباد وهو أن يتربص بسلعته إلى أن يغالى في ثمنها فيفوت الرزق والربح على الناس) * عن جابر وأبي هريرة رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يبيع حاضر لباد) وصورته أن يحمل البدوى أو القروي متاعه الي البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ولا يلتزم مؤنة الاقامة فيأتيه البلدى ويقول ضع متاعك عندي وارجع لابيعه لك على التدريج باغلا من هذا السعر * وهو مأثؤم به بشروط (أحدها) أن يكون عالما بورود النهى فيه وهذا شرط يعم جميع المناهي (وثانيها)

(8/217)


أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد فان لم يظهر امام لكبر البلد وقلة ذلك الطعام أو لعموم وجوده أو رخص السعر فيه ففيه وجهان (أوفقهما) لمطلق الخبر أنه يحرم (والثاني) لا لان المعنى المحرم تفويت الرفق والربح على الناس وهذا المعنى لم يوجد ههنا (وثالثها) ان يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه كالصوف والاقط وسائر اطعمة القرى (فاما) ما لا يحتاج إليه الا نادرا فقلا يدخل تحت النهي قاله في التهذيب (ورابعها) أن يحصر القروى لحضري ذلك على البدوى ويدعوه إليه (فاما) إذا التمس البدوى منه بيعه تدريجا أو قصد الاقامة في البلد لييعه كذلك فسأل البدوى تفويضه إليه فلا بأس به لان لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه لما فيه من الاضرار به * ولو أن البدوى استشار الحضرى فيما فيه حظه فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج حكى القاضي ابن كج عن ابي الطيب بن سلمة وأبى اسحاق المروزى أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة وعن أبي حفص بن الوكيل أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس * ثم لو باع الحضرى للبدوي عند اجتماع شرائط التحريم صح البيع وإن أثم واحتج الشافعي رضي الله عنه بما روى في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الخبر (دعوا الناس يرزق الله عزوجل بعضهم من بعض) ولولا صحة البيع لما كان في فعله تفويت علي الناس قال (وأن يتلقى الركبان ويكذب في سعر سلعتهم فيشتريها رخيصا فللبائع الخيار إذا عرف كذبه لانه تغرير) * روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الركبان للبيع وفى رواية فمن تلقاها فصاحب
السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق) وصورته أن يتلقى الانسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه

(8/218)


منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره فيأثم ان كان عارفا بالخبر قاصدا لتلقى الركبان لكن البيع صحيح ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السعر وبعده يثبت الخيار إن كان الشراء بارخص من سعر البلد سواء أخبر كاذبا أولم يخبر وان كان الشراء بسعر البلد أو أكثر ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) يثبت وبه قال الاصطخرى وابن الوكيل لظاهر الخبر (وأصحهما) لا يثبت لانه لم يوجد تغرير وخيانة وأجرى الوجهان فيما إذا ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء عن علم منهم بسعر البلد أو غير علم * ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا فهل يعصى فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم يتلق (واظهرهما) عند الاكثرين نعم لشمول المعنى فعلى الاول لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين (وقيل) إن أخبر عن السعر كاذبا ثبت الخيار وحيث نبت الخيار في هذه الصورة فهو على الفور كخيار العيب أو يمتد ثلاثة أيام فيه وجهان كما في خيار التصرية أصحهما أولهما * ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد فهل هو كالتلقي للشراء فيه وجهان (احدهما) لا لان النهي إنما ورد عن الشراء (والثاني) نعم لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم وعن مالك أن البيع باطل في صورة تلقى الركبان وكذلك بيع الحاضر للبادى فيجوز أن يعلم القصلان بالميم إشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى *

(8/219)


فيجوز ان يعلم الفصلان بالميم اشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى * وإذا تأملت ما اوردناه عرفت ان قوله في الكتاب ويكذب في سعر سلعتهم ليس بشرط في ثبوت الخيار والله اعلم * قال (ونهى عن السوم على السوم وهو بعد قرار الثمن وقبل العقد * ونهى عن البيع

(8/220)


علي البيع وهو بعد العقد وقبل اللزوم * ونهي عن النجش وهو ان يرفع قيمة السلعة وهو غير
راغب فيها ليخدع المشترى بالترغيب) * مقصود الفصل الكلام في ثلاثة من المناهي في البيع (احدها) روي عن ابن عمر وأبي رضى الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يسوم الرجل علي سوم اخيه) وصورته ان

(8/221)


يأخذ شيئا ليشتريه فيجئ غيره إليه ويقول رده حتى ابيع منك خيرا منه بارخص أو يقول لمالكه استرده لا شتريه باكثر وانما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن (فاما) ما يطاف به فيمن يزبد وطلبه طالب فلغيره الدخول عليه والزيادة في الثمن روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين فقال صلى الله عليه وسلم هما لك بدرهمين) وإنما يحرم إذا حصل التراضي صريحا فان جرى ما يدل علي الرضى ففى تحريم

(8/222)


السوم على سوم الغير وجهان كالقولين في تحريم الخطبة في نظيره (والجديد) أنه لا يحرم وهل السكوت من أدلة الرضى إذا لم يقترن به ما يشعر بالانكار (اما) الخطبة فنعم (وأما) ههنا فقد قال الاكثرون لا بل هو كالتصريح بالرد وعن بعضهم أنه كما في الخطبة حتى يخرج على الخلاف (وثانيها) عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بعضكم علي بيع بعض) وصورته ان يشترى الرجل شيئا فيدعوه غيره الي الفسخ ليبيعه خيرا منه بارخص

(8/223)


وفى معناه الشراء على الشراء وهو أن يدعو البائع الي الفسخ ليشتريه منه باكثر ولا شك ان ذلك انما يكون عند امكان الفسخ * ثم الشافعي رضى الله عنه صوره فيما إذا كان المتبايعان في مجلس العقد بعد وعليه جرى كثير من الشارحين ونقلوا عن ابي حنيفة ان المراد من البيع علي البيع هو السوم لان عنده خيار المجلس لا يثبت فلا يتصور البيع على البيع * وقال قائلون مدة الخيار المشروط كزمان المجلس وهذا هو الوجه (وقوله) في الكتاب وقيل اللزوم يبطل الخيارين جميعا وشرط القاضى ابن كج لتحريم البيع على البيع شرطا وهو ان لا يكون المشترى مغبونا غبنا مفرطا فان كان فله ان

(8/224)


يعرفه ويبيع على بيعه لانه ضرب من النصيحة قالوا ولو اذن البائع في البيع على بيعه ارتفع التحريم خلافا لبعض الاصحاب (وثالثها) عن ابن عمر (ان النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن النجش) وصورته ان يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو غير راغب فيها ليخدع الناس ويرغبهم فيها فهو محرم لما فيه من الخديعة لكن لو انحدع انسان واشتراها صح العقد ولا خيار له ان لم يكن ما فعله الناجش عن مواطأة البائع وان كان عن مواطأته فوجهان (احدهما) وبه قال ابو اسحق انه يثبت الخيار للتدليس كما في التصرية (واشبههما) عند الائمة وبه قال ابن ابي هريرة انه لا خيار لان التفريط من جهته حيث اغتر بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقات اهل الخبرة وتخالف صورة التصرية إذ لا تفريط من المشترى وقد حكي صاحب الكتاب هذين الوجهين في فصول خيار النقيصة وجعل وجه ثبوت الخيار اقيس * ولو قال البائع اعطيت بهذه السلعة كذا فصدقه المشترى واشتراه ثم بان خلافه فان ابن الصباغ خرج ثبوت الخيار له على هذين الوجهين * وعن مالك أن شراء المنخدع في صورة النجش غير صحيح وهو رواية عن أحمد ضعيفة (واعلم) ان الشافعي رضي الله عنه أطلق القول في المختصر بتعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالما بالحديث الوارد فيه قال الشارحون السبب فيه أن النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ومعلوم من الالفاظ العامة وان لم يكن يعلم هذا الخبر بخصوصه والبيع على بيع الاخ انما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر * وذكر بعضهم أن تحريم الخداع يعرف بالعقل وان لم يرد شرع * ولك أن تقول كما أن النجش خديعة فالبيع على بيع الاخ اضرار وكما أن تحريم النجش يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الخداع فكذلك تحريم البيع

(8/225)


على البيع يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الاضرار وإن لم يعلم الخبر الوارد فيه بخصوصه (وأما) الكلام الثاني فليس معتقدنا ومن قال به فقد يطرده في الاضرار (والوجه) توقيف المعصية على مطلق معرفة الحرمة إما من عموم أو من خصوص * قال (ونهي عن أن توله والدة بولدها وذلك في الصغر * فان فرق بينهما بالبيع ففى فساد البيع
قولان لان التسليم تفريق محرم فكأنه معتذر) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انه قال (لا توله والدة بولدها) وعن أبي أيوب رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (من فرق بين والدة وولدها فرق الله عزوجل بينه وبين أحبته يوم القامة) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لا يفرق بين الام وولدها قيل إلي متي قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية) فهده الاخبار ونحوها عرفتنا تحريم التفريق

(8/226)


بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة وغيرها ولا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية فلعل الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم وفى الرد بالعيب اختلاف للاصحاب وعن الشيخ ابى اسحق الشيرازي أنه لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وحكم التفريق في الرهن مذكور في كتاب الرهن * وإذا فرق بينهما بالبيع والهبة ففى الصحة قولان (أحدهما) يصح وبه قال أبو حنيفة لان النهي لما فيه من الاضرار لا يحلل في نفس البيع (وأصحهما) المنع لما روى عن على رضى الله عنه أنه (فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع) ولان التسليم تفريق محرم فيكون كالمتعذر فلما مر أن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا وحكى ابو الفرج البزاز أن القولين فيما إذا كان التفريق بعد سقي الام ولدها اللباء فاما قبله فلا صحة جزما لانه تسبب الي هلاك الولد والى متى يمتد تحريم التفريق فيه قولان (احدهما) الي البلوغ وبه قال ابو حنيفة لخبر عبادة (واظهرهما) وهو الذى نقله المزني انه إلى سن التمييز وهو سبع أو ثمان على التقريب لانه حينئذ يستغني عن التعهد والحضانة ويقرب من هذا مذهب مالك فان عنده يمتد التحريم إلى وقت سقوط الاسنان (وقوله) في الكتاب وذلك في الصغر يوافق القول الاول لفظا * ويكره التفريق بعد البلوغ ولكن لو فرق بالبيع أو الهبة صح خلافا لاحمد * ولو كانت الام رقيقة والولد حرا وبالعكس فلا منع من بيع الرقيق ذكره في التتمة والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن جائز وعن الصيمري حكاية وجه آخر * وهل الجدة والاب وسائر المحارم كالام في تحريم التفريق * هذه الصورة مذكورة في كتاب السير وسنأتي في الشرح عليها إن شاء الله تعالى والآن نختم

(8/227)


الباب بذكر انواع اخر ورد النهي عنها (منها) ما هو من القسم الاول (ومنها) ما هو من القسم الثاني فما هو من القبيل الاول بيع المحافلة والمزابنة وسنذكرهما ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) وفسره ابو عبيدة بما في الرحم (وقيل) هو الزنا (وقيل) هو للحاملة والزان (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه سلم (نهي عن بيع العربان) ويقال له العربون أيضا وصورته أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على انه ان أخذ السلعة فهي من الثمن والا فهي للمدفوع إليه مجانا وتفسر ايضا بان تدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريده من خاتم يصوغه

(8/228)


أو خف يخرزه أو ثوب ينسجه على انه ان رضيه فالمدفوع من الثمن والا لم يسترده منه وهما متقاربان (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع السنين) وله تفسيران (أحدهما) أن يبيع ثمرة النخل سنين (والثاني) ان يقول بعتك هذا سنة على انه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا فأردأنا الثمن وترد انت المبيع (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) وهو البيع بشرط القرض وقد مر (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الهرة) قال القفال اراد الهرة الوحشية إذ ليس فيها منفعة استئناس ولاغيره (ومنها) بيع السلاح من اهل الحرب لا يصح لانه لا يراد الا للقتال فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين ويجوز بيع الحديد

(8/229)


منهم لانه لا يتعين للسلاح (ومنها) ما روي (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يفرك) وروى النهي عن بيع الغنب حتى يسود وعن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة وسيأتي القول فيها ومما هو من القبيل الثاني بيع الرطب والعنب ممن يتوهم أنه يتخذ منهما النبيذ والخمر مكروه وان تحقق فمنهم من قال مكروه ومنهم من قال

(8/230)


حرام وعلى التقديرين فلو باع صح خلافا لمالك وكذا بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق مكروه لكنه صحيح ويكره مبايعة من اشتملت يده على الحلال والحرام سواء كان الحلال أكثر وبالعكس ولو بايعه
لم يحكم بالفساد وعن مالك (أن مبايعة من أكثر ماله حرام باطل) وليس من المنافي بيع العينة وهو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبضه للثمن بأقل من ذلك نقدا وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الاول

(8/231)


أو لم يقبضه وقال مالك وابو حنيفة واحمد رضي الله عنهم لا يجوز أن يشتري بأقل من ذلك الثمن قبل قبضه وجوز ابو حنيفة أن يشتري بسلعة قيمتها أقل من قدر الثمن * لنا أنه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها فيجوز من بائعها كما لو اشتراه بسلعة أو بمثل ذلك الثمن أو أكثر ولا فرق بين أن يصير يبع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور وأفتى الاستاذ أبو إسحق والشيخ ابو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الاول فيبطلان جميعا ولهذا نظائر ستذكر في مواضعها وليس من المناهي بيع رباع مكة بل هو جائز وعن مالك وأبي حنيفة (انه لا يجوز لنا اتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه) وليس من المناهي أيضا (بيع المصحف وكتب الحديث) وعن الصيمري (أن بيع المصحف مكروه) قال وقد قيل أن الثمن يتوجه إلى الدفتين لان كلام الله عزوجل لا يباع وقيل انه بدل من اجرة النسخ * قال (الباب الرابع * في الفساد من جهة تفريق الصفقة) (ومهما باع الرجل ملك نفسه وملك غيره ففي صحة بيعه في ملكه قولان الاصح الصحة * ولو كان ما بطل البيع فيه حرا أو خمرا أو خنزيرا أو ما لا قيمة له فقولان مرتبان وأولى بالبطلان * وللبطلان علتان (إحداهما) أن الصيغة متحدة فإذا فسدت في بعض المقتضيات لم تقبل التجزى (والاخرى) أن الثمن فيما يصح يصير مجهولا * وعلى هذه العلة لا يمتنع تفريق الصفقة في الرهن والهبة إذ لا عوض

(8/232)


فيهما * ولا في النكاح فانه لا يفسد بالجهل بالعوض) * هذا باب طويل التفريع كثير التردد في قواعد الفقه ولطول تفاريعه لم ير المزني إيداع مسائله في المختصر وبيض ورقة أو ورقتين ليلخصها أو يقتصر على ذكر أوضح القولين فيها ثم لم يتفق له ذلك
فبقي في النسخ القديمة بعض البياض وللقفال وأصحابه تقسيم حاو لمسائل الباب في نهاية الحسن إلا أن إيراد الكتاب لا ينطبق عليه كل الانطباق والتقسيم المناسب له أن يقال: إذا جمع بين شيئين في صفقة واحدة لم يخل (إما) أن يجمع بينهما في عقد واحد (أو) في عقدين مختلفي الحكم (القسم الاول) أن يجمع بينهما في عقد واحد فله حالتان (إحداهما) أن يقع التفريق في الابتداء (والاخرى) أن تقع في الانتهاء (فأما) في الحالة الاولى فينظر إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع فلا يخفى بطلان العقد في الكل كما لو جمع بين أختين في النكاح أو بين خمس نسوة وان لم يكن كذلك فاما أن يجمع بين شيئين كل منهما قابل لما أورده عليه من العقد (وإما) أن لا يكون كذلك فان كان الاول كما لو جمع بين عينين في البيع يصح العقد فيهما ثم ان كان من جنسين كعبد وثوب أو من جنس واحد لكنهما ما مختلفا القيمة كعبدين يوزع الثمن عليهما باعتبار القيمة وإن كانا من جنس واحد وكانا متفقي القيمة كقفيزى حنطة واحدة يوزع عليهما باعتبار الاجزاء وإن كان الثاني فاما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد كما لو باع خمرا وميتة فلا يخفى حكمه (واما) أن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل ضربان (أحدهما) أن يكون متقوما كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي صحة البيع في عبده قولان (أصحهما) وهو اختيار المزني أنه يصح لانه باع شيئين مختلفي الحكم فيأخذ كل واحد منهما حكم نفسه كما لو باع شقصا مشفوعا وثوبا ثبتت الشفعة في الشقص دون الثوب وأيضا فان الصفقة إذا اشتملت على صحيح وفاسد فالعقد صحيح في الصحيح وقصر الفساد على الفاسد ومثلوا ذلك بما إذا شهد عدل وفاسق لا يقضي برد الشهادتين ولا بقبولهما بل تلك مقبولة وهذه مردودة ولو قال قائل قدم زيد وعمرو وكان قدم

(8/233)


زيد دون عمرو لا يقضي بالصدق فيهما ولا بالكذب فيهما بل ذلك صدق وهذا كذب (والثاني) لا يصح لاحد معنيين (الاول) ان اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها فاما أن يغلب حكم الحرام على الحلال أو بالعكس والاول أولى لان تصحيح العقد في الحرام يمتنع وإبطاله في الحلال غير ممتنع (والثاني) أن الثمن المسمى يتوزع عليهما باعتبار القيمة ولا يدري حصة كل واحد منهما عند العقد
فيكون الثمن مجهولا وصار كما لو قال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان فانه لا يصح وهاتان العلتان على ما حكاه أكثر الناقلون منسوبة إلى الاصحاب ولهم خلاف في أن العلة أيهما ورواهما القاضي ابن كج عن الشافعي رضي الله عنه وقال له قولان في أن العلة هذه أم هذه (والضرب الثاني) الا يكون متقوما وهو على نوعين (أحدهما) أن يتأتى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع حرا وعبدا فان الحر غير متقوم لكن يمكن تقدير القيمة فيه من غير تغيير في الخلقة ففي صحة البيع في العبد طريقان (احدهما) القطع بالفساد لان

(8/234)


المضموم إلى العبد ليس من جنس المبيعات ولانا سنذكر في التفريع الحاجة إلى التوزيع والتوزيع ههنا يحوج إلى تقدير شئ في الموزع عليه وهو غير موجود فيه (وأصحهما) طرد القولين قال الامام ولو قلنا في صحة البيع قولان مرتبان على ما إذا باع عبدا مملوكا والاخر مغصوبا لافاد ما ذكرنا من نقل الطريقتين وهكذا كل ترتيب ونقل عن شيخه ان القولين على الطريقة الثانية فيما إذا كان المشتري جاهلا بحقيقة الحال فان كان عالما فالوجه القطع بالبطلان كما لو قال بعتك عبدي بما يخصه من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان ولو باع عبده ومكاتبه أو أمته أو أم ولده فليس ذلك كما لو باع عبدا وحرا بل هو من صور الضرب الاول لان المكاتب وأم الولد متقومان بالاتلاف والنوع الثاني

(8/235)


أن لا يتأنى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع خلا وخمرة أو مزكاة وميتة أو شاة وخنزيرا ففي صحة البيع في الخل والمزكاة والشاة خلاف مرتب على الخلاف في العبد والحر والفساد ههنا أولا لان تقدير القيمة غير ممكن ههنا الا بفرض تغيير الخلقة وحينئذ لا يكون المقوم هو المذكور في العقد.
وقال أبو حنيفة العقد فاسد في الكل في الضرب الثاني وأما في الضرب الاول فيصح في الحلال ويتوقف في المضموم إليه على الاجازة.
وصحح مالك البيع في الحلال في الضربين جميعا وعن احمد روايتان كقولي الشافعي رضي الله عنه ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو

(8/236)


وهبهما منه أو رهن عبدا أو حرا أو وهبهما هل يصح الرهن والهبة في المملوك يترتب ذلك على البيع ان صححنا ثم فكذلك ههنا والا ففيه قولان مبنيان على العلتين (ان) عللنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فلا يصح (وان) عللنا بجهالة العوض يصح إذ لا عوض ههنا حتى يفرض الجهل فيه وعلى هذا الترتيب ما إذا زوج منه مسلمة ومجوسية أو أخته وأجنبيته لان جهالة العوض لا تمنع صحة النكاح (وقوله) في الكتاب احدهما أن الصفقة متحدة وفي بعض النسخ أن الصيغة متحدة وكلاهما مستقيم وزاد الامام في هذه العلة قيدا فقال العقد متحد في نفسه فإذا تطرق الفساد إليه وجب أن لا ينقسم إذ لم يبن على الغلبة والسريان وقصد به الاحتراز عن العتق والطلاق وما في معناهما * قال (ولو اشترى عبدين وانفسخ العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض أو بسبب يوجب الفسخ ففي الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة * وأولى بأن لا ينفسخ في الباقي) *

(8/237)


الحالة الثانية أن يقع التفريق في الانتهاء وهو على ضربين (أحدهما) ان لا يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين ثم قبل ان يقبضهما تلف احدهما فان العقد ينفسخ فيه وهل ينفسخ في الثاني فيه طريقان (احدهما) انه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد والفساد الطارئ قبل القبض كما يسوي في العيب بين المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض وهذا قد حكاه القاضي عن ابي إسحق المروزي (واصحهما) القطع بعدم الانفساخ في الثاني لان الانفساخ طرأ بعد العقد فلا يتأثر به الآخر كما لو نكح اجنبيتين دفعة واحدة ثم ارتفع نكاح احداهما بردة أو رضاع لا يرتفع نكاح الاخرى وايضا فان علة الفساد (إما) الجمع بين الحلال والحرام وإما جهالة الثمن ولم يوجد الجمع بين الحلال والحرام والثمن ثابت كله في الابتداء والسقوط الطارئ لا يؤثر في الانفساخ كما لو خرج المبيع معيبا وتعذر الرد لبعض الاسباب والثمن غير مقبوض فيسقط بعضه على سبيل الارش ولا يلزم منه فساد العقد والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض هل ينفسخ في الباقي
هذا إذا تلف احدهما في يد البائع قبل ان يقبضهما فاما إذا قبض أحدهما وتلف الاخر في يد البائع ترتب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة وهذه اولى بعدم الانفساخ لتأكد العقد في المقبو ض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري فان تلف في يده ثم تلف الاخر في يد البائع فالقول بالانفساخ

(8/238)


أضعف لتلف المقبوض على ضمانه (وإذا قلنا) بعدم الانفساخ فهل له الفسخ فيه وجهان (أحدهما) نعم وترد قيمته (والثاني) لا وعليه حصته من الثمن ولو اكترى دارا مدة وسكنها بعض المدة ثم انهدمت الدار انفسخ العقد في المستقبل وهل ينفسخ في الماضي يخرج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري (فان قلنا) لا ينفسخ فهل له الفسخ فيه الوجهان (فان قلنا) ليس له ذلك فعليه من المسمى

(8/239)


ما يقابل الماضي (وإن قلنا) له الفسخ فعليه أجرة المثل للماضي ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الكل انفسخ العقد فيه انفسخ في المنقطع وفي الباقي الخلاف المذكور فيما إذا اتلف أحد الشيئين قبل قبضهما وإذا قلنا لا ينفسخ فله الفسخ فان أجاز فعليه حصته من

(8/240)


راس المال لا غير (وان قلنا) لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكل وإن شاء أجازه في الكل وهل له الفسخ في القدر المنقطع والاجازة في الباقي فيه قولان بناء على الخلاف الذي سنذكره في الضرب الثاني (والضرب الثاني) أن يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين

(8/241)


صفقة واحدة ثم وجد باحدهما عيبا فهل له افراده بالرد جزم الشيخ ابو حامد في التعليق بانه ليس له ذلك (والمشهور) أنه على قولين وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ان جوزنا تجويز الافراد والا فلا وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ولكن صرح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بان منع الاقرار أصح واحتجوا له بان الصفقة وقعت مجتمعة ولا ضرورة إلى تفريقها فلا تفريق والقولان

(8/242)


مفروضان في العبدين وفي كل شيئين لا يتصل منفعة أحدهما بالاخر فاما في زوجي الخف ومصراعي الباب فلا سبيل إلى افراد المعيب بالرد بحال وارتكب بعضهم طرد القولين فيه ولا فرق على القولين بين أن ينفق ذلك بعد القبض أو قبله وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز افراد المعيب بالرد قبل القبض

(8/243)


ويجوز بعده إلا أن تتصل منفعة أحدهما بالاخر فان لم نجوز الافراد فلو قال رددت المعيب هل يكون هذا ردا لها عن الشيخ أبي علي رواية وجهين فيه (أصحهما) لابل هو لغو ولو رضي البائع بافراده جاز في أصح الوجهين وان جوزنا الافراد فان رده استرد قسطه من الثمن ولا يسترد

(8/244)


الجميع إذ لو صرنا إليه لاخلينا بعض المبيع عن المقابل وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب معه فله ذلك أيضا وفيه وجه ضعيف ولو وجد العيب بالعبدين وم؟ اد وأفرد أحدهما بالرد جرى

(8/245)


القولان ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيبا ففي افراده قولان مرتبان.
وهذه الصورة أولى بالجواز لتعذر ردهما جميعا (فان قلنا) يجوز الافراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته وسبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويهما ويقسط الثمن على القيمتين فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى

(8/246)


المشتري ما يقتضي زياة الواجب على ما اعترف به البائع فقولان (أصحهما) وقد نص عليه في أخلاف العراقيين أن القول قول البائع مع يمينه لانه ملك جميع الثمن بالبيع فلا رجوع عليه الا بما اعترف به (والثاني) أن القول قول المشتري لانه تلف في يده فاشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة لان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده (وان قلنا) لا يجوز الافراد فوجهان

(8/247)


ويقال قولان (أحدهما) أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد وهذا اختيار القاضي أبي الطيب واحتج له بان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك) فعلى هذا لو
اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لانه حصل التلف في يده وهو الغارم وروي

(8/248)


في التتمة وجها آخر أن القول قول البائع لان المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك (وأصحهما) أنه لا يصح له ولكنه يرجع بارش العيب لان الهلاك أعظم من العيب ولو حدث عنده عيب ولم يتمكن من الرد فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف عاد القولان السابقان لانه في الصورتين يرد

(8/249)


بعض الثمن الا أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي وعلى هذا القول يرد ارش العيب والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة ارش العيب القديم.
وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب ولو اشترى عبدين وانفسخ

(8/250)


العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض اشارة إلى الحالة الاولى (وقوله) أو بسبب يوجب الفسخ يمكن حمله على الحالة الثانية وهو الاقرب إلى اللفظ ويمكن حمله على سائر الصور المذكورة في الحالة الاولي نحو الصرف والسلم وتأول لفظ الفسخ والله أعلم * قال (والاصح أن الفساد مقصور على الفاسد الا إذا صار ثمن ما يصح العقد عليه مجهولا حتى لو باع عبدا له نصفه صح في نصيبه إذ حصته نصف الثمن وكذا بيع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة بخلاف ما لو باع أربعين شاة وفيها الزكاة إذ حصة الباقي مجهولة) (أدرج في الفصل صورا تتفرع على علتي قول الفساد من قولي التفريق (منها) لو باع شيئا

(8/251)


يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له وبعضه لغيره كما لو باع عبدا له نصفه أو صاع حنطة له نصفه أو صاعي حنطة أحدهما له والاخر لغيره صفقة واحدة ترتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والاخر لغيره ان صححنا فيما يملكه فكذلك ههنا والا فقولان ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام لم يصح وان عللنا بجهالة الثمن صح لان حصة المملوك ههنا معلومة (ومنها) لو باع جملة الثمار وفيها عشر
الصدقة فهل يصح البيع في قدر الزكاة قد بينه في باب الزكاة (فان قلنا) لا يصح فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه لان توزيع الثمن على ماله بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل (ومنها) لو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة وفرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره ومما يتفرع على هاتين العلتين لو ملك زيد عبدا وعمرو

(8/252)


عبدا فباعهما صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من هذا وهذا من هذا بثمن واحد ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام صح وان عللنا بجهالة العوض لم يصح لان حصة كل واحد منهما مجهولة (ومنها) قال في التتمة لو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد منهما ثمنا فقال بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ان عللنا باجتماع الحلال والحرام فسد العقد وان عللنا بجهالة الثمن صح في عبده * ولك أن تقول سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد وإذا تعدد وجب القضاء بالصحة على التعليلين * إذا تقرر ذلك فاعلم أن قوله (والاصح) أن الفساد مقصور على الفاسد إلى آخره توسط بين القولين وترجيح لقول الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه ولقول الفساد فيما إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على قيمته وهذا قد اختاره صاحب الكتاب في آخرين لكن الاكثرين لم يفرقوا بين الحالتين ورجحوا الصحة على الاطلاق والله أعلم *

(8/253)


قال (ثم مهما قضينا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يسلم له جميع ما اشتراه ويأخذ الباقي ان أجاز بقسطه من الثمن على أصح القولين لا بكل الثمن) * (مقصود الفصل التفريع على قولى تفريق الصفقة من أصلهما والرأى أن نفرد كل مرتبة بالذكر فنقول إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة وصححنا البيع في ماله نظر ان كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار لانه دخل في العقد على أن يسلم له كل المبيع ولم يسلم فان أجاز فكم يلزمه من الثمن فيه قولان (أحدهما) جميعه لانه لغا ذكر المضموم إلى ماله فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صح العقد فيه
(وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يلزمه الا حصة المملوك من الثمن إذا وزع على القيمتين لانه أوقع

(8/254)


الثمن في مقابلتهما جميعا فلا يلزم في مقابلة احدهما الا قسطه وما موضع القولين قال قائلون موضعهما ان يكون المبيع ما يتقسط الثمن على قيمته فان كان مما يتقسط على اجزائه على ما مر نظائره فالواجب قسط المملوك من الثمن قولا واحدا والفرق ان المصير إلى التقسيط ههنا لا يورث جهالة في الثمن عند العقد وثم بخلافه ومنهم من طرد القولين وهو الاظهر لان الشافعي رضي الله عنه نص على قولين فيما إذا باع الثمار بعد وجوب العشر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أن الواجب جميع الثمن أو حصته (فان قلنا) الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه (وان قلنا) الواجب القسط فوجهان (أحدهما) أن له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن (وأصحهما) أنه لا خيار له لان التفريط من حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه وان كان المشتري عالما بالحال فلا خيار له كما لو اشتري

(8/255)


معيبا وهو عالم بعيبه وكم يلزمه من الثمن فيه القولان كما لو كان جاهلا وأجاز وقطع قاطعون بوجوب الجميع ههنا لانه التزمه عالما بان بعض المذكور لا يقبل العقد * ولو باع عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا العقد فيما يقبله وكان المشتري جاهلا بالحال وأجاز أو عالما

(8/256)


ففيما يلزمه من الثمن طريقان (احدهما) القطع بوجوب جميع الثمن لان مالا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته ويحكي هذا عن صاحب التلخيص (واصحهما) طرد القولين (فان قلنا) الواجب قسط من الثمن فكيف نعتبر هذه الاشياء في التوزيع فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف انه ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة (والثاني) انه يقدر الخمر خلا ويوزع عليهما باعتبار الاجزاء ونقدر الميتة مذكاة

(8/257)


والخنزير شاة وتوزع عليهما باعتبار القيمة * ومنهم من قال يقدر الخمر عصيرا والخنزير بقرة * ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد واحد وصححنا نكاح المسلمة (فالصحيح) المشهور انه لا يلزم جميع المسمى
للمسلمة بلا خلاف لانا إذا اثبتنا الجميع في البيع اثبتنا الخيار ايضا وههنا لا خيار فايجاب الجميع اجحاف ولا مدفع له وعن رواية الشيخ أبي على قول أنه يلزم لها جميع المسمى لكن له الخيار في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل قال الامام وهذا لا يدفع الضرر فان مهر المثل قد يكون مثل المسمي أو أكثر وما الذي يلزم إذا قلنا بالصحيح فيه قولان (أظهرهما) مهر المثل (وثانيهما) قسطها من المسمي إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض وانفسخ العقد فيه وقلنا لا ينفسخ في الباقي فله الخيار فيه فان أجاز فالواجب قسطه من الثمن لان الثمن وجب

(8/258)


في مقابلتهما في الابتداء فلا ينصرف إلى احدهما في الدوام وعن ابي اسحق المروزي طرد القولين فيه * (فرع) لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد في الباقي وأجاز فالواجب حصته بلا خلاف لان الفصل بينهما حرام * (فرع) لو باع معلوما ومجهولا لم يصح البيع في المجهول وفي المعلوم يبني على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره (إن قلنا) لا يصح فيما له لم يصح ههنا في المعلوم (وإن قلنا) يصح ففيه قولان مبنيان على أنه كم يلزمه من الثمن ثم (إن قلنا) الجميع صح ولزم ههنا أيضا جميع الثمن (وان قلنا) حصته من الثمن لم يصح ههنا لتعذر التوزيع ومنهم من حكى قولا أنه يصح وله الخيار فان أجاز لزمه جميع الثمن (واعلم) أن لصاحب التلخيص والشارحين لكلامه تخريج مسائل دورية على تفريق الصفقة لم أوثر إخلاء هذا المجموع عن طرف منها فعقدت له فصلا *

(8/259)


فصل قال صاحب التلخيص في التلخيص في القول الذي يرى تفريق الصفقة يقع للشافعي رضي الله عنه مسائل من الدور من ذلك لو باع مريض قفيز حنطة بقفيز حنطة وكان قفيز المريض يساوي عشرين وقفيز الصحيح يساوي عشرة ومات المريض ولا مال له غيره ففيها قولان (أحدهما) أن البيع باطل (والاخر) أن البيع جائز في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ويبطل في الثلث ولكل واحد منهما الخيار في إبطال البيع وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما فيه هذا لفظه وإنما صور في الجنس الواحد من مال الربا لتجتمع
أشكال الدور والربا وأول ما يجب معرفته في المسألة وأخواتها أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء نازلة منزلة هبته وسائر تبرعاته في الاعتبار من الثلث فان زادت على الثلث ولم تجز الورثة ما زاد كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا مال له غيره فيرتد البيع في بعض المبيع وما الحكم في الباقي فيه طريقان (أحدهما) القطع بصحة البيع فيه لانه نفذ في الكل ظاهرا والرد في البعض تدارك حادث وهذا أصح عند صاحب التهذيب ووجهه بان المحاباة في المرض وصية والوصية تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها (واظهرهما) عند أكثرهم أنه على قولي تفريق الصفقة (وإذا قلنا) بصحة البيع في الباقي ففي كيفيتها قولان ويقال وجهان (أحدهما) أن البيع يصح في القدر الذي يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي لانه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة فوجب أن يجمع بينهما فعلى هذا يصح العقد في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته والثمن وهو عشرة وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة ولا تدور المسألة على هذا القول (والثاني) أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن فعلى هذا تدور المسألة لان ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة وما يقابله من الثمن يدخل فيها ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها فيزيد المبيع بحسب زيادة التركة وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ويزيد المقابل الداخل بحسب زيادة المبيع وهذا دور ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق (منها) أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع

(8/260)


بمثل نسبة الثلث من المحاباة فنقول في هذه الصور.
ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن وهو خمسة كانه اشترى سدسه بخمسة وثلثه وصية له تبقي مع الورثة نصف العبد وهو خمسة عشر والثمن خمسة فالمبلغ عشرون وذلك مثلا المحاباة وتحكي هذه الطريقة عن محمد بن الحسن (ومنها) طريقة الجبر يقول صح البيع في شئ من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ لان الثمن مثل ثلث العبد وبقى في يد الورثة عبد الا شئ لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشئ العائد فالباقي عندهم عبد الا ثلثي شئ وثلثا شئ
قدر المحاباة وعبد الا ثلثي شئ مثلاه وإذا كان عبد الا ثلثي شئ مثلى ثلثي شئ كان عديلا لشئ وثلث شئ فإذا أجبرنا العبد بثلثي شئ وزدنا على عديله مثل ذلك كان العبد عديلا لشيئين فعرفنا أن الشئ الذي نفذ فيه البيع نصف العبد ولا أطنب بايراد سائر الطرق كطريقة الخطأين والدينار والدرهم وغيرهما في هذا الموضع (فان قلت) ما حال الخلاف الذي ذكرتم أنهما قولان للشافعي رضي الله عنه أو وجهان للاصحاب وأيهما كان فما الاظهر منهما (فالجواب) أما الاول فان الامام قال ما أراهما منصوصين ولكنهما مستخرجان من معان كلام الشافعي رضى الله عنه لكن القفال والاستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهما ذكروا أن الاول منصوص عليه والثاني مخرج لابن سريج (وأما) الثاني فان ايراد كثيرين يميل إلى ترجيح القول الاول وبه قال ابن الحداد لكن الثاني أقوى في المعنى وهو اختيار أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وتابعهم إمام الحرمين وادعى انه اختيار ابن سريج لكن في هذه الدعوى نظر فان الاستاذ أبا منصور وغيره نسبوا القول الاول إلى اختيار ابن سريج والله أعلم إذا تقرر ذلك عدنا إلى مسألة التلخيص (إن قلنا) بالاول فالبيع باطل فيها بلا خلاف لان مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهوستة وثلثان وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح وهو نصفه فيكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز وذلك ربا (وإن قلنا) بالثاني صح

(8/261)


البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح وبطل في الباقي وقطع قاطعون ههنا بهذا القول الثاني كى لا يبطل غرض الميت في الوصية قال في التهذيب وهو الاصح ووجهه (اما) على طريقة النسبة فلان ثلث مال المريض ستة وثلثان والمحاباة عشرة وستة وثلثان ثلثا عشرة فقلنا بنفوذ البيع في ثلثي القفيز (وأما) على طريق الجبر فلان البيع نفذ في شئ وقابله من الثمن مثل نصفه فان قفيز الصحيح نصف قفيز المريض وبقى في يد الورثة قفيز الا شئ لكن حصل لهم نصف شئ والباقي عندهم قفيز الانصف شئ فنصف شئ هو المحاباة وما في يدهم وهو قفيز ناقص بنصف شئ مثلاه (والهاء) كناية عن النصف وإذا كان قفيز ناقص بنصف شئ مثلي نصف شئ كان عديلا للشئ الكامل فإذا جبرنا وقابلنا صار قفيز كامل عديل شئ ونصف شئ فعرف أن الشئ ثلثا قفيز وقد عرفت
بما ذكرنا أن القول الثاني من القولين اللذين اطلقهما صاحب التلخيص علام ينبني (وأما) الاول فخروجه على قولنا أن البيع يصح في قدر الثلث وما يوازي الثمن بجميع الثمن ظاهر لما فيه من الربا ويجوز أن يكون مبنيا على قولنا ان الصفقة لا تفرق جوابا على طريقة طرف القولين في صور المحاباة (وأما) قوله ولكل واحد منهما الخيار في ابطال البيع فهو خطأ في جانب ورثة المريض باتفاق الاصحاب لانا لو اثبتنا لهم الخيار لا بطلوا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع ولا سبيل إليه لتسليط الشرع إياه على ثلث ماله وكذا خطأه في قوله وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما في جانب المشتري لان تبعيض الصفقة على المشتري من موجبات الخيار بكل حال ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن صح البيع في نصف قفيز بنصف القفيز ولو كانت بحالها لكن قفيز المريض يساوي أربعين صح البيع في أربعة أتساع القفيز وعليك تخريج الفتوى على الطريقتين ثم قال صاحب التلخيص ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ استوت المسائل كلها فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز قال الشارحون لكتابه إذا أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثم مات وفرعنا على القول الذي يجئ عليه الدور صح البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر لان ما أتلفه قد نقص من ماله (أما)
__________
زيادة في بعض النسخ

(8/262)


ما صح فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه (وأما) ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه فينتقص قدر الغرم من ماله ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقل والمحاباة أكثر ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقل ولنوضح ذلك في صورتين (أحدهما) إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين وقيمة قفيز الصحيح عشرة وقد اتلفه المريض فنقول على طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله فبقى عشرة كأنها كل ماله والمحاباة عشرة فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مر وعلى طريقة الجبر صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل نصفه فعند ورثته عشرون الا نصف شئ لكنه قد اتلف عشرة فالباقي في ايديهم
عشرة الا نصف شئ وذلك مثلا نصف شئ فيكون مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كانت عشرة مثل شئ ونصف شئ فالعشرة نصف القفيز فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء فالشئ ثلث القفيز وامتحانه أن ثلث قفيز المريض ستة وثلثان وثلث قفيز الصحيح في مقابلته ثلاثة وثلث فتكون المحاباة بثلاثة وثلث وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهو ستة وثلثان يبقى في أيديهم ستة وثلثان وهي مثلا المحاباة (الثانية) قفيز المريض يساوي ثلاثين وباقي المسألة بحالها فعلى طريقة النسبة نقول مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله يبقي عشرون كأنها كل ماله والمحاباة عشرون فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز وعلى طريقة الجبر نقول صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل ثلثه فالباقي ثلاثون الا ثلثي شئ لكنه اتلف عشرة فالباقي عشرون الا ثلثي شئ وذلك مثلا ثلثي شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا

(8/263)


كان عشرون مثل شيئين فعرفنا أن الشئ عشرة وهي ثلث الثلاثين وامتحانه أن ثلث قفيز المريض عشرة وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث فالمحاباة بستة وثلثين وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو عشرون يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهي ستة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشرة وثلث وهي مثلا المحاباة هذا كله فيما إذا أتلف صاحب القفيز الجيد ما أخذه (أما) إذا اتلف صاحب القفيز الردئ ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ففي الصورة الاولى وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الاخر عشرة يصح البيع في الحال في نصف القفيز الجيد وقيمته عشرة ويحصل للورثة في مقابلته نصف القفيز الردئ وقيمته خمسة فتبقى المحاباة بخمسة ولهم نصف الاخر غرامة لما أتلف عليهم فتحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة والباقي في ذمة متلف القفيز الجيد ولا تجوز المحاباة في شئ الا بعد أن يحصل للورثة مثلاه (وفي الصورة الثانية) وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين قال الاستاذ أبو منصور يصح البيع في نصف القفيز الجيد وهي خمسة عشر

(8/264)


والمحاباة ثلثه وهو خمسة وقد حصل للورثة القفيز الردئ وقيمته عشرة وهي ضعف المحاباة ويبقى في ذمة المشتري خمسة عشرة كلما حصل منها شئ جازت المحاباة في مثل ثلثه وغلطه إمام الحرمين فيما ذكره من جهة أنا إذا صححنا البيع في نصف الجيد فانما نصححه بنصف الردئ وهو خمسة فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة وإذا كانت المحاباة بعشرة فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون وليس في يدهم الا عشرة (فالصواب) أن يقال يصح البيع في ربع القفيز الجيد وهو سبعة ونصف بربع الردئ وهو درهمان ونصف فتكون المحاباة بخمسة وفي أيدي الورثة ضعفها عشرة ثم قال صاحب التلخيص فان كانت المسألتان بحالهما وكانا جميعا مريضين والقفيزان بحالهما لم يوكل منهما شئ فاستقالا فاقال كل واحد منهما صاحبه فمن أبطل البيع أبطله ومن أجاز البيع أجاز في المسألة الاولى في سبعة أثمان قفيز وأبطله في ثمن واجاز الاقالة في خمسة أثمان وأبطلها في ثمنين وفي المسألة الثانية أجاز البيع في خمسة أثمان

(8/265)


وأبطله في ثلاثة أثمان وأجاز الاقالة في ثلاثة أثمان وأبطلها في ثمنين (وقوله) فان كانت المسألتان أراد باحدى المسألتين ما إذا كانت قيمة القفيز الجيد عشرين وبالاخرى ما إذا كانت قيمته ثلاثين وقيمة الردئ عشرة والذي ينبغى أن يعرف في مقدمة هذه الصورة أنه كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث كذلك تعتبر محاباته في الاقالة من الثلث سواء قدرت الاقالة فسخا أو بيعا جديدا * إذا عرفت ذلك فنقول إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثم تقايلا وماتا من مرضهما والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث فان

(8/266)


منعنا تفريق الصفقة وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن فلا بيع ولا إقالة (وإن قلنا) بالتصحيح بالقسط فيدور كل واحد مما نقد فيه البيع والاقالة على الاخر لان البيع لا ينفذ إلا في الثلث وبالاقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع وإذا زاد ذلك زاد مال الثاني فيزيد ما نفذ فيه الاقالة (فالطريق) أن يقال صح البيع في شئ من القفيز الجيد ورجع إليه من الثمن نصف ذلك الشئ فبقى في يده

(8/267)


عشرون الا نصف شئ وفي يد الاخر عشرة ونصف شئ ثم إذا تقايلا فالاقالة إنما تصح في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلاثة عشر وثلث نصف شئ وهو ثلاثة وثلث وسدس شئ فيضمه إلى مال الاول وهو عشرون الا نصف شئ يصير ثلاثة وعشرين وثلثا إلا ثلث شئ وهذا يجب أن يكون مثلى المحاباة أولا وهو نصف شئ فيكون ذلك كله مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شئ وثلث شئ يبسط الشي والثلث أثلاثا يكون أربعة والشئ ثلاثة أرباعه فإذا أردنا أن نعرف كم الشئ من ثلاثة وعشرين وثلث انكسر فسبيلنا أن نصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على العشرين ثلاثة وثلث وهو ثلث العشرة وإذا جعلنا كل

(8/268)


عشرة ثلاثة أسهم صارو ثلاثة وثلث سبعة اسهم فتزيد قسمتها على الاربعة والسبعة لا تنقسم على الاربعة فنضرب سبعة في اربعة فيكون ثمانية وعشرين فالشئ ثلاثة أرباعها وهي إحدى وعشرون فلما عرفنا ذلك رجعنا إلى الاصل وقلنا العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت اربعة وعشرين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في اربعة فصارت اثنى عشر تكون العشرون اربعة وعشرين وقد صح البيع منهم في احدى وعشرين وذلك سبعة اثمان اربعة وعشرون وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر جعلنا القفيز الجيد ستة عشرة والقفيز الردئ ثمانية وقلنا صح البيع في سبعة أثمان الجيد وهي أربعة عشر بسبعة أثمان الردئ وهو سبعة فتكون المحاباة

(8/269)


بسبعة ويبقى في يد بائع الجيد تسعة سهمان بقيا عنده وسبعة أخذها عوضا ويحصل في يد الاخر خمسة عشر لانه أخذ أربعة عشر وكان قد بقى في يده سهم فلما تقايلا نفذت الاقالة في عشرة وهي خمسة أثمان القفيز الجيد بخمسة أثمان القفيز الردئ وهي خمسة فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة فالمحاباة بخمسة والحاصل من ذلك كله المستقر في يد الاول أربعة عشر مثلا محاباة سبعة وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباة خمسة ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيد يساوي ثلاثين (فنقول) صح البيع في شئ منه ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ فبقي في
يده ثلاثون الا ثلثي شئ وفي يد الاخر عشرة وثلثا شئ فإذا تقايلا أخذنا ثلاثة عشر وثلثي

(8/270)


شئ وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شئ يضم إلى مال الاول فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا الا أربعة أتساع شئ وهو مثلا المحاباة وهي ثلثا شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شئ وسبعة أتساع شئ فعلمنا أن ثلاثة وثلاثين يجب أن تقسم على شئ وسبعة أتساع شئ فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستة عشر يكون الشئ منه تسعة والعدد المذكور لا ينقسم على ستة عشر فنصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث وذلك ثلث العشرة وإذا فعلنا ذلك صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة

(8/271)


أسهم يحتاج إلى قسمتها على ستة عشر وعشرة لا تنقسم على ستة عشر لكن بينهما موافقة بالنصف فنضرب جميع أحدهما في نصف الاخر تكون ثمانين فنرجع إلى الاصل ونقول الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في ثمانية فصارت اربعة وعشرين فتكون الثلاثون اثنين وسبعين والشئ كان تسعة من ستة عشر صار مضروبا في نصف العشرة وهي خمسة فيكون خمسة واربعين وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين فعرفنا صحة البيع في خمسة اثمان القفيز الجيد * فان اردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر جعلنا القفيز

(8/272)


الجيد أربعة وعشرين ليكون القفيز الردئ هو ثلاثة وثمن صحيح وقلنا صح البيع في خمسة اثمان الجيد وهي خمسة عشر بخمسة أثمان الردئ وهي خمسة تكون المحاباة بعشرة ويبقى في يد بائع الجيد اربعة عشر تسعة بقيت عنده وخمسة اخذها عوضا ويجعل في يد الاخر ثمانية عشر لانه اخذ خمسة عشر وكان قد بقي عنده ثلاثة فلما تقايلا نفذت الاقالة في تسعة وهي ثلاثة اثمان الجيد بثلاثة اثمان الردئ وهي ثلاثة فقد اعطى تسعة واخذ ثلاثة تكون المحاباة بستة فيستقر

(8/273)


في يد الاول عشرون تسعة أخذها بحكم الاقالة واحد عشر هي بقية الثمن وقد بقيت عنده من اربعة عشر بعد رد الثلاثة وذلك مثلا محاباته بستة والله أعلم * وحكى إمام الحرمين عن بعض من لقيه من افاضل الحساب في الصورتين واخواتهما تمهيد طريقة مبنية على اصول سلهة المأخذ (منها) ان القفيز الجيد في هذه المسائل يعتبر بالاثمان فيقدر ثمانية اسهم وينسب الردئ إليه باعتبار

(8/274)


الاثمان (ومنها) ان محاباة صاحب الجيد لا تبلغ أربعة اثمان قط ولا تنقص عن ثلاثة اثمان قط بل تكون بينهما فإذا اردت ان تعرف قدرها فانسب القفيز الردئ إلى الجيد وخذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع وإذا اردت ان تعرف ما يصح البيع فيه من القفيز فانسب الردئ فيه لى المحاباة في الاصل وزد مثل تلك النسبة على التبرع فالمبلغ هو الذي يصح فيه البيع وإذا اردت ان تعرف ما يصح فيه تبرع المقيل فانظر إلى تبرع بائع الجيد واضربه في ثلاثة ابدا وقابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيد فما زاد على القفيز فهو تبرعه فان اردت ان تعرف ما صحت فيه الاقالة فزد على تبرعه

(8/275)


بمثل نسبة زيادتك على تبرع صاحبه فالمبلغ هو الذي صحت الاقالة فيه (مثاله) في الصورة الاولى نقول القفيز الجيد ثمانية والردئ اربعة فالردئ نصف الجيد فالتبرع في ثلاثة اثمان ونصف ثمن وإذا نسبنا الردئ إلى اصل المحاباة وجدناه مثله لان المحاباة عشرة من عشرين فنزيد على التبرع مثله يبلغ سبعة أثمان فهو الذي صح البيع فيه وإذا اردنا ان نعرف تبرع المقيل ضربنا تبرع الاول في ثلاثة

(8/276)


تكون عشرة ونصفا وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف فعرفنا ان تبرعه في ثمنين ونصف فان اردنا ان نعرف ما تصح فيه الاقالة زدنا على الثمنين والنصف مثله تكون خمسة اثمان ولا يخفى

(8/277)


تخريج الصورة الاخرى ونحوها على هذه الطريقة والله الموفق * قال (وأصح القولين أنه لو جمع بين عقدين مختلفين في صفقة واحدة كالاجارة والسلم أو
الاجارة والبيع أو النكاح والبيع مثل أن يقول زوجتك جاريتي وبعتك عبدي بدينار فالعقد صحيح وإن اختلفت في الدوام احكامها)

(8/278)


ذكرنا في أول الباب ان الجمع في صفقة واحدة بين شيئين اما ان يكون في عقد واحد أو في عقدين مختلفي الحكم وقد فرغنا من القسم الاول (وأما) القسم الثاني فإذا جمع في صفقة واحدة بين الاجارة والسلم أو الاجارة والبيع ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يصح واحد من العقدين لانهما مختلفا الحكم إذ الاجارة والسلم يختلفان في أسباب الفسخ والانفساخ وكذا

(8/279)


الاجارة والبيع يختلفان في الحكم فان التأقيت شرط في الاجارة ومبطل للبيع وكمال القبض في الاجارة لا يتحقق الا بانقضاء المدة لانه قبل ذلك بعرض الانفساخ بخلاف البيع وإذا اختلفت الاحكام فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع وتلزم الجهالة (وأصحهما) أنهما جميعا صحيحان لان كل واحد منهما قابل للعقد الذي أورده عليه على الانفراد فالجمع بينهما لا يضر

(8/280)


واختلاف الحكم لا أثر له الا ترى أنه لو باع شقصا من دار وثوبا يجوز وان اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع بسببه * وصورة الاجارة والسلم أن يقول أجرتك هذه الدار سنة وبعتك كذا سلما بكذا * وصورة الاجارة والبيع أن يقول بعتك عبدي هذا وأجرتك داري سنة بكذا وعلى القولين ما إذا جمع بين بيع عين وسلم أو بيع وصرف وغيره بان باع دينارا وثوبا بدراهم لاختلاف الحكم فان قبض رأس المال شرط في السلم والتقابض شرط في الصرف ولا يشترط ذلك في سائر البيوع * ولو جمع بين البيع والنكاح بان قال زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بكذا والمخاطب ممن يحل له

(8/281)


نكاح الامة أو قال زوجتك ابنتي وبعتك عبدها وهي صغيرة أو كبيرة وكلته بالبيع صح النكاح بلا خلاف وفي البيع والمسمى في النكاح القولان ان صححنا وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر مثل
المرأة والا وجب في النكاح مهر المثل * ولو جمع بين البيع والكتابة بان قال لعبده كاتبتك على نجمين وبعتك عبدي هذا جميعا ألف فان حكمنا بالبطلان في الصورة السابقة فههنا أولى والا فالبيع

(8/282)


باطل إذ ليس للسيد البيع منه قبل أداء النجوم وفي الكتابة قولان * (واعلم) أن من الاصحاب من لا يعد هذا الفصل من صور تفريق الصفقة لانا في قول نبطل العقدين جميعا وفي قول نصححهما جميعا فلا تفريق والله اعلم * قال (وتتعدد الصفقة بتعدد البائع وبتفصيل الثمن مثل ان يقول بعتك هذا بدرهم والاخر بدينار وهل تتعدد بتعدد المشتري فيه قولان) *

(8/283)


لما كان محل القولين في مسائل الباب ما إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى لو باع ماله في صفقة ومال غيره في صفقة اخرى صحت الاولى بلا خلاف وجب النظر في انها متى تتعدد فإذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا وقبل المشتري كذلك على التفصيل فهما عقدان متعددان ولو جمع المشتري في القبول فقال قبلت فيهما فكذلك على المذهب لان القبول يترتب على الايجاب فإذا وقع ذلك مفرقا فكذلك القبول (وقيل) إن لم نجوز تفريق الصفقة لم يجز الجمع في القبول * وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه كما إذا باع

(8/284)


رجلان عبدا من رجل صفقة واحدة وهل تتعدد بتعدد المشتري مثل أن يشتري رجلان عبدا من واحد فيه قولان (أصحهما) نعم كما في طرف البائع (والثاني) لا لان المشتري بان على الايجاب السابق فالنظر إلى من صدر منه الايجاب والقولان على ما ذكر الامام مأخوذان من قولين يأتي ذكرهما في أن المشتريين إذا وجدا بالعبد عيبا واراد أحدهما افراد نصيبه بالرد هل له ذلك (ان قلنا) نعم

(8/285)


عددنا الصفقة والا فلا وللتعدد والاتحاد وراء ما نحن فيه أثار أخر (منها) أنا إذا حكمنا بالتعدد
فوفي أحد المشتريين نصيبه من الثمن وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع كما يسلم المشاع وان حكمنا بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وان وفي جميع ما عليه حتى يوفي الاخر لثبوت حق الحنس للبائع كما لو اتحد المشتري ووفر بعض الثمن لا يسلم إليه قسط من المبيع على ان فيه وجها انه يسلم إليه القسط إذا كان المبيع مما يقبل القسمة (ومنها) انا إذا قلنا بالتعدد فلو خاطب واحد رجلين فقدل بعت منكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ففي صحته وجهان (أحدهما) يصح لانه في حكم صفقتن (واصحهما) انه لا يصح لان الايجاب وقع جملة وانه يقتضي جوابهما جميعا * ويحرى

(8/286)


الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل بعتا منك هذا العبد بالف فقبلي نصيب احدهما يعينه بخمسمائة * وقد يعرض للناظر تخريج خلاف في تعدد الصفقة بتعدد البائع من وجهين ذكروهما فيما إذا باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من انسان هل لاحدهما ان ينفرد باخذ شئ من الثمن (أحدهما) وبه قال المزني انه لا ينفرد ولعلنا نذكرهما بتوجيههما في غير هذا الموضع * قال (وإذا جرى العقد بوكالة فالاصح ان الاعتماد على الموكل في تعداده واتحاده) * إذا وكل رجلان رجلا بالبيع أو الشراء وقلنا ان الصفقة تتعدد بتعدد المشتري أو وكل رجل

(8/287)


رجلين بالبيع أو الشراء فالاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه وجوه (أحدها) وبة أجاب ابن الحداد ان الاعتبار بالعاقد لان الاحكام تتعلق به الا ترى ان العتبر؟ رؤيته دون رؤية الموكل وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل (والثاني) وبه قال ابو زيد والخضري ان الاعتبار بالمعقود له لان الملك يثبت له وهذا اصح عند صاحب الكتاب والاول اصح عند الشيخ أبي على والاكثرين (والثالث) ويتحلى عن أبي اسحاق ان الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي طرف الشراء بالعاقد والفرق ان العقد يتم في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ان ترى ان المعقود له لو أنكر كون المباشر مأذونا له وقع العقد عن المباشر وفي جانب البيع لا يتم بالمباشر حتى لو جحد المعقود له الاذن بطلا البيع قال الامام وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة
فاما إذا وكله بشراء عبد بثوب له معين فهو كالتوكيل بالبيع (والرابع) ذكره في التتمة ان الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا فايهما تعدد تعدد العقد ووجه ان العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين كان للشفيع ان ياخذ حصة احدهما وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع اخذ بعضه وفي جانب البيع حكم تعدد الوكيل والموكل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس للشفيع اخذ بعضه وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفقة فكذلك في سائر الاحكام ويتفرع على هذه

(8/288)


الوجوه فروع (أحداها) لو شترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا وقلنا الاعتبار بالعاقد فليس لاحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا لم يكن لاحدهما افراد نصيبه بالرد وهل لاحد الموكلين والابنين اخذ الارش إن وقع الياس عن رد الاخر بان رضي به فنعم وإن لم يقع فكذلك في أصح الوجهين (الثاني) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل ثم خرج معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما وعلى الوجه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبده فباعاه من رجل فعلى الاول يجوز للمشتري رد نصيب احدهما وعلى الوجوه الاخرى لا يجوز * ولو وكل رجلان رجلا بشراء عبد

(8/289)


أو وكل رجل رجلان بشراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الاول والثالث ليس لاحد الموكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز * وعن القفال انه إن علم البائع انه يشتري لاثنين فلاحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص وإن جهله البائع فلا رد (الثالث) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد ورجلان رجلا بشراه فتبايع الوكيلان وخرج المبيع معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبد ورجلين آخرين بشراه فتبايع الوكلاء فعلى الوجه الاول يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر لا يجوز والله أعلم *

(8/290)


قال (والنظر الثاني في لزوم اتحاد العقد وجوازه) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ثم ينقسم الخيار إلى خيار التروي والى خيار النقيصة وخيار التروي مالا يتوقف على فوات وصف وسببان (أحدهما) المجلس فيثبت (م ح) خيار المجلس في كل معاوضة محضة من بيع وسلم وصرف واجارة (ح) لا فيما يستعقب عتاقة كشراء القريب وشراء العبد نفسه (و) ولا يثبت فيما لا يسمي بيعا لان مستنده قوله عليه السلام (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) * ذكرنا في أول البيع انه أدرج كلام الكتاب في خمسة اطراف وهذا أوان الفراغ من الطرف الاول والشروع في الطر ف الثاني وهو الكلام في لزوم العقد وجوازه ولا نناقش في أبداله لفظ الطرف ههنا وبعده بالنظر فالامر فيه سهل (وقوله) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ليس

(8/291)


المراد منه عروض الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم لكن المراد منه أحد أمرين (أولهما) ان البيع من العقود التي يقتضي وضعها اللزوم ليتمكن كل واحد من المتعاقدين من التصرف فيما أخذه آمنا من نقض صاحبه عليه (والثاني) ان الغالب من حالات البيع اللزوم والجواز لا يثبت الا في الاقل ومن البينات أن المراد من اللزوم انفكاكه عن الخيار ومن الجواز كونه بحال ثبوت الخيار ثم الخيار على قسمين لانه أما أن لا يتوقف على فوات شئ بل يتعلق بمجرد التشهي وهذا ما عبر عنه بخيار التروي وأما أن يتوقف على فوات شئ مظنون الحصول وهذا ما عبر عنه بخيار النقيصة (أما) القسم الاول فقد ذكر في الكتاب ان له سببين وهو مفرع على قولنا ان بيع الغائب لا يصح فان

(8/292)


صححناه اثبتنا خيار الرؤية ومعلوم أنه لا يتوقف على فوات شئ فتصير الاسباب ثلاثة (السبب الاول) كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا على ما سنفصله وبه قال أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة لاخيار بالمجلس لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار)

(8/293)


ولنفصل القول فيما يثبت فيه خيار المجلس من العقود وما لا يثبت والعقود ضربان (احدهما) العقود الجائزة اما من الجانبين كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية أو من أحدهما كالضمان والكتابة فلا خيار فيهما (أما) الجائزة من الجانبين فلانهما بالخيار فيها أبدا فلا معني لخيار المجلس (وأما) الجائزة من أخذ الجانبين فلمثل هذا المعنى في حق من هي جائزة في حقه والاخر دخل فيها موطنا نفسه على الغبن ومقصود الخيار أن ينظر ويتروي ليدفع الغبن عن نفسه وكذا الحكم في الرهن نعم لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبض قبل التفريق أمكن فسخ الرهن بان يفسخ البيع حتى ينفسخ الرهن تبعا وحكى القاضي ابن كج عن بعض الاصحاب وجها أنه يثبت الخيار في الكتابة وعن ابن خيران أنه يثبت في الضمان وهما غريبان (والضرب الثاني) العقود اللازمة وهي نوعان العقود الوردة على العين والعقود الواردة على المنفعة (أما) النوع الاول فمنه أنواع البيع كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها خيار المجلس جميعا لظاهر

(8/294)


الخبر ويستثني صور (إحداها) إذا باع مال نفسه من ولده أو بالعكس ففي ثبوت خيار المجلس وجهان (أحدهما) لا يثبت لان الذي ورد في الخبر لفظ المتبايعين وليس ههنا متبايعان (وأصحهما) يثبت لانه اقيم مقام الشخصين في صحة العقد فكذلك في الخيار ولفظ الخبر ورد على الغالب فكذا هذا يثبت للمولي خيار وللطفل خيار والولي نائب عنه فان الزم لنفسه وللطفل لزم وان الزم لنفسه بقي الخيار للطفل فإذا فارق المجلس لزم العقد في في أصح الوجهين (والثاني) لا يلزم الا بالالزام لانه لا يفارق نفسه وان فارق المجلس (الثانية) لو اشترى من يعتق عليه كابيه وابنه فالذي ذكره في الكتاب انه لا يثبت فيه خيار المجلس واتبع فيه الامام حيث نقل ان لا خيار فيه على المشهور لانه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري لانه وطن نفسه على الغبن المالي (وأما) من جهة البائع فهو وان كان عقد مغابنة لكن النظر إلى كونه عتاقة ثم حكى الاودني أنه يثبت تمسكا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لن يجزي ولد والده الا بان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) فانه يقتضي إنشاء اعتاق بعد العقد والاكثرون

(8/295)


بنوا ثبوت الخيار في المسألة على الخلاف في أقوال الملك في زمن الخيار (فان قلنا) انه للبائع فلهما الخيار ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار (وان قلنا) انه موقوف فلهما الخيار أيضا فإذا أمضينا العقد تبين أنه عتق بالشراء (وان قلنا) ان الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع ومتى يعتق فيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثم يحكم حينئذ بعتقه من يوم الشراء (والثاني) أنه يعتق في الحال وعلى هذا هل يبطل خيار البائع فيه وجهان كالوجهين فيما إذا اعتق المشتري العبد الاجنبي في زمان الخيار على قولنا ان الملك له قال صاحب التهذيب ويحتمل أن يحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا تفريعا على أن الملك في زمان الخيار له وأن العبد لا يعتق في الحال لانه لم يوجد منه الرضا الا باصل العقد فإذا ما في الكتاب يخالف مقالة الاكثرين لان الصحيح من أقوال الخيار قول التوقف أو قول انتقال الملك إلى المشتري على ما سيأتي وعلى التقدير الاول يثبت الخيار لهما وعلى الثاني يثبت للبائع والمذكور في الكتاب نفيه على الاطلاق (الثالثة) الصحيح أن

(8/296)


بيع العبد من نفسه جائز وعلى هذا فهل فيه خيار المجلس قال في الكتاب لا وبمثله أجاب في التتمة حيث نزله منزلة الكتابة وذكر ابو الحسن العبادي مع هذا وجها آخر أنه يثبت فيه الخيار ومال إلى ترجيحه (الرابعة) ذكروا وجهين في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر لانه يتلف بمضي الزمان (الخامسة) ان صححنا بيع الغائب ولم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا البيع من صور الاستثناء وكذا البيع بشرط نفي خيار المجلس ان صححنا البيع والشرط وقد مرت المسألتان * هذا هو الكلام في البيع بانواعه ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة والابراء لانه شرع فيهما على يقين بان لا حظ له فيهما ولا في الاقالة (إن قلنا) انها فسخ (وان قلنا) انها بيع ففيها الخيار ولا يثبت أيضا في الحوالة ان لم نجعلها معاوضة وان جعلناها معاوضة فكذلك في أظهر الوجهين لانها ليست على قواعد المعاوضات إذ لو كانت كذلك لبطلت لان بيع الدين بالدين لا يجوز ولا يثبت أيضا في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان (وجه) الثبوت أن سبل الاخذ بالشفعة سبل المعاوضات

(8/297)


ألا ترى أنه يثبت فيه الرد بالعيب والرجوع بالعهدة (ووجه) المنع أن المشتري لا خيار له وتخصيص خيار المجلس باحد الجانبين بعيد فان أثبتناه فعن بعضهم أن معناه انه بالخيار بين الاخذ والترك ما دام في المجلس هذا مع تفريعنا على قول الفور * وغلط إمام الحرمين ذلك القائل وقال الصحيح انه على الفور ثم له الخيار في نقض الملك ورده ومن اختار عين ماله المبيع من المفلس لزمه ولا خيار له * وروي القاضي ابن كج أن أبا الحسن حكى وجها انه بالخيار مادام في المجلس وهذا شبيه بالخلاف في الشفيع ولا خيار في الوقف كما في العتق ولا في الهبة ان لم يكن فيها ثواب وان وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا انه يقتضي الثواب فوجهان (أظهرهما) انه لا يثبت لانه لا يسمى بيعا والخبر ورد في المتبايعين ويثبت الخيار في القسمة ان كان فيها رد والا فان جرت بالاخيار فلا خيار فيها وان جرت بالتراضي فيبنى على أنها بيع أو أفراز حق (ان قلنا) افراز حق لم يثبت (وان قلنا) بيع فكذلك في أصح الوجهين (وأما) النوع الثاني وهو العقد الوارد على المنفعة فمنه النكاح فلا

(8/298)


يثبت فيه خيار المجلس للاستغناء عنه بسبق التأمل غالبا ولا يثبت في الصداق المسمى ايضا على أصح الوجهين لان المال بيع في النكاح (والثاني) يثبت فان الصداق عقد مستقل فعلى هذا ان فسخ وجب مهر المثل وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ولا مدفع للفرقة بحال (ومنه) الاجارة وفي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان (أحدهما) وبه قال الاصطخري وصاحب التلخيص يثبت لانها معاوضة لازمة كالبيع بل هي ضرب من البيوع (والثاني) وبه قال ابو اسحاق وابن خيران لا يثبت لان عقد الاجارة مشتمل على الغرر لانه عقد على معدوم والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر وبالوجه الاول أجاب صاحب الكتاب ورجحه صاحب المهذب وشيخه الكرخي * وذكر الامام وصاحب التهذيب والاكثرون أن الاصح هو الثاني * وعن القفال في طائفة أن الخلاف في اجارة العين (أما) الاجارة على الذمة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة بناء على أنها ملحقة بالسلم حتى أنه يجب فيها قبض البدل في المجلس (فان قلنا) بثبوت الخيار في اجارة

(8/299)


العين فابتداء المدة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرق أم من وقت العقد حكى الامام فيه خلافا (قيل) يحسب من وقت انقضاء الخيار لان الاحتساب من وقت العقد يعطل المنافع على المكتري أو المكري وعلى هذا لو أراد المكري ان يكريه من غيره في مدة الخيار قال لا مجيز له فيما أظن وإن كان محتملا في القياس (والصحيح) انه يحسب من وقت العقد إذ لو حسب من وقت انقضاء الخيار لتأخر ابتداء مدة الاجارة عن العقد فيكون كاجارة الدار السنة القابلة وهي باطلة وعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار (ان) كان قبل تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة على المكري (وان) كان بعد التسليم فوجهان مبنيان على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمان الخيار من ضمان من يكون (أصحهما) انه من ضمان المشتري فعلى هذا هي محسوبة على المستأجر وعليه تمام الاجرة (والثاني) أنها من ضمان البائع فعلى هذا يحسب على المكري ويحط من الاجرة بقدر ما يقابل تلك المدة (وأما) المساقات ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان (اظهرهما) انه على الخلاف المذكور في الاجارة (والثاني) القطع بالمنع لان الغرر فيه اعظم لان كل واحد من المتعاقدين لا يدري

(8/300)


ما يحصل له فلا يضم إليه غرر آخر * والمسابقة كالاجارة ان قلنا انها لازمة وكالعقود الجائزة ان قلنا أنها جائزة (وقوله) ولا يثبت فيما لا يسمى بيعا يجوز اعلامه بالواو للوجوه الصائرة إلى ثبوته في الكتابة والخلع وسائر ما حكينا الخلاف فيه والله اعلم * قال (وينقطع الخيار بلفظ يدل على اللزوم وتمام الرضي وبمفارقة المجلس بالبدن وهل يبطل بالموت فيه قولان (اصحهما) انه لا يبطل كخيار الشرط (وح) فيثبت للوارث ولو فرق بينهما على اكراه ففي بطلان الخيار خلاف ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين قبل التفرق للقيم) * مقصود الفصل الكلام فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته أن كل عقد ثبت فيه هذا الخيار فانه ينقطع بالتخاير وبان يتفرقا بابدانهما عن مجلس العقد (أما) التخاير فهو أن يقولا تخايرنا أو اخترنا امضاء العقد أو امضيناه أو أجزناه أو الزمناه وما اشبهها ولو قال احدهما اخترت انقطع خياره ويبقى خيار الاخر كما في خيار الشرط إذا أسقط احدهما الخيار وفي وجه لا يبقى خيار الاخر ايضا لان

(8/301)


الخيار لا يتبعض في الثبوت فلا يتبعض في السقوط * ولو قال احدهما لصاحبه اختر أو اخيرتك فقال الاخر اخترت انقطع خيارهما جميعا وان سكت لم ينقطع خياره وينقطع خيار القائل في اصح الوجهين لان قوله اختر رضي منه باللزوم وقد روي في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال (أو يقول احدهما لصاحبه اختر) ولو قال احدهما اخترت وقال الاخر فسخت قدم الفسخ على الاجازة * ولو تقابضا في المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا صح البيع الثاني على المشهور وهو قول ابن سريج لان البيع الثاني منهما رضي بلزوم الاول وعن صاحب التقريب أنه مبني على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك (ان قلنا) يمنع لم يصح * ولو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد وان أجازاه قبل التقابض فوجهان (أحدهما) ان الاجازة لاغية لان القبض متعلق بالمجلس وهو باق فبقي حكمه في الخيار (والثاني) انه يلزم العقد وعليهما التقابض فان تفرقا قبل القبض انفسخ العقد ولا نقصهما ان تفرقا عن تراض فان انفرد احدهما بالمفارقة عصي (وأما) التفرق فهو أن يتفرقا

(8/302)


بابدانهما فلو اقاما في ذلك المجلس مدة طويلة أو قاما وتماشيا منازل فهما على خيارهما هذا هو المذهب ووراءه وجهان (أحدهما) قال بعض الاصحاب لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام لانها نهاية الخيار المشروط شرعا (والثاني) انه لو لم يتفرقا ولكن شرعا في أمر آخر واعرضا عما يتعلق بالعقد وطال الفصل انقطع الخيار نقله صاحب البيان * ثم الرجوع في التفرق إلى العادة فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد فلو كانا في دار صغيرة فالتفرق بان يخرج احدهما منها أو يصعد السطح وكذا لو كانا في مسجد صغير أو سفينة صغيرة * وان كانت الدار كبيرة جعل التفرق بان يخرج احدهما من البيت إلى الصحراء أو يدخل من الصحن في بيت أو صفة وان كانا في صحراء أو سوق فإذا ولى احدهما ظهره الاخر ومشي قليلا حصل التفرق وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا ابتاع شيئا واراد أن يوجب البيع قام ومشي قليلا) وعن الاصطخري أنه يشترط أن يبعد بحيث إذا كلم صاحبه على

(8/303)


الاعتياد من غير رفع الصوت لم يسمع ولا يحصل التفرق بان يرخي بينهما ستر أو يشق بينهما نهر وهل يحصل بان يبني بينهما جدار من طين أو جص فيه وجهان (أصحهما) لا لانه في مجلس العقد والحقه الامام بما إذا حمل أحدهما وأخرج وسيأتي الكلام فيه * وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما كالصحراء ولو تناديا متباعدين وتبايعا صح البيع وما حكم الخيار قال الامام يحتمل أن يقال لا خيار لان التفرق الطارئ قاطع للخيار فالمقارن يمنع ثبوته ويحتمل ان يقال يثبت ما داما في موضعهما وهذا ما أورده المتولي * ثم إذا فارق أحدهما موضعه وبطل خياره هل يبطل خيار الاخر أو يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للامام * ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد فقد نص في المختصر في البيوع أن الخيار لوارثه وفي المكاتب أنه إذا باع ولم يتفرقا حتى مات المكاتب وجب البيع وللاصحاب في النصين ثلاثة طرق (أظهرها) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج وبه قال القاضي ابو حامد وأبو اسحاق (أحدهما) انه يلزم البيع لانه خيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى (وأصحهما) انه لا يلزم بل يثبت للوارث والسيد كخيار الشرط والعيب (والثاني) القطع بثبوت الخيار للوارث والسيد (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد أنه لا يبطل بموته لا كالكتابة (والثالث) تقرير النصين والفرق أن

(8/304)


الوارث خليفة المورث فيقوم مقامه في الخيار والسيد ليس خليفة للمكاتب وإنما يأخذ ما يأخذ بحق الملك والعبد المأذون إذا باع أو اشترى ومات في المجلس كالمكاتب فيجئ فيه هذا الخلاف وكذلك في الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار وهذا إذا فرعنا على أن الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء وهو الصحيح وروي وجه أن الاعتبار بمجلس الموكل (التفريع) ان لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت (واما) الحي ففي التهذيب أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس * وذكر الامام تفريعا على هذا القول أنه يلزم العقد من الجانبين ويجوز تقدير خلاف فيه لما مر أن هذا الخيار لا يتبعض في السقوط كما في الثبوت وان قلنا يثبت الخيار للوارث فان كان حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الاخر حتى يتفرقا أو يتخايرا * وإن كان
غائبا فله الخيار إذا وصل الخبر إليه ثم هو على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه فيه وجهان (وجه) الاول أن المجلس قد انقضى وانما أثبتنا له الخيار كيلا يعطل حقا كان للمورث (ووجه) الثاني أن الوارث خليفة المورث فليثبت له مثل ما ثبت للمورث وهذان الوجهان كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدة الخيار ففي وجه هو على الفور وفي وجه يدوم مثل ما كان يدوم للمورث لو لم يمت * هذا ترتيب الاكثرين وبني بانون

(8/305)


ثبوت الخيار للوارث على وجهين نقلوهما في كيفية ثبوته للعاقد الباقي (أحدهما) أن له الخيار ما دام في مجلس العقد فإذا فارقه بطل فعلى هذا يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمل ويختار ما فيه الحظ (والثاني) أن خياره يتأخر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلس واحد فعلى هذا حينئذ يثبت الخيار للوارث * (فرع) إذا ورثه اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الاخر ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم على الاصح * وإن كانوا غائبين عن المجلس ففي التتمة أنا إن قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع فلهم الخيار إذا اجتمعوا * في مجلس واحد (وان قلنا) الخيار إذا اجتمع مع العاقد فكذلك لهما الخيار إذا اجتمعوا معه ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ففي وجه لا ينفسخ في شئ (والاصح) أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (المسألة الثانية) إذا حمل احد المتعاقدين واخرج من المجلس مكرها نظر إن منع من الفسخ أيضا بان سد فوه لم ينقطع خياره على أظهر الطريقين إذ لم يوجد منه ما يدل على الرضا باللزوم (والثاني) في انقطاعه وجهان كالقولين في صورة الموت وهذه اولى ببقاء الخيار لان ابطال حقه قهرا مع بقائه بعيد فان لم يمنع من الفسخ فطريقان على العكس (اظهرهما) ان في انقطاع الخيار وجهين (احدهما) وبه قال ابو اسحق ينقطع لان سكوته عن الفسخ

(8/306)


مع القدرة رضا بالامضاء (واصحهما) انه لا ينقطع لانه مكره في المفارقة وكانه لا مفارقة والسكوت
عن الفسخ لا يبطل الخيار كما في المجلس (الثاني) القطع بالانقطاع وهو اختيار الصيدلاني (فان قلنا) ينقطع خياره انقطع خيار الماكث ايضا والا فله التصرف بالفسخ والاجازة إذا وجد التمكن و؟ ؟ هو على الفور فيه ما سبق من الخلاف (فان قلنا) لا وكان مستقرا حين زايله الاكراه في مجلس ابتداء الخيار امتد الخيار امتداد ذلك المجلس وان كان مارا فإذا فارق في مروره مكان التمكن انقطع خياره وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الاخر ان طال الزمان وإن لم يطل ففيه احتمال عند الامام * وإذا لم يبطل خيار المخرج لم يبطل خيار الماكث ايضا ان منع من الخروج معه وان لم يمنع بطل في اصح الوجهين * ولو ضربا حتى تفرقا بانفسهما ففي انقطاع الخيار قولان كما في حيث المكره * ولو هرب احدهما ولم يتبعه الاخر مع التمكن بطل خيارهما وان لم يتمكن من متابعته ففي التهذيب انه يبطل خيار الهارب دون الاخر (المسألة الثالثة) إذا جن احد المتعاقدين أو اغمى عليه لم ينقطع الخيار لكن يقوم وليه أو الحاكم مقامه فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة وفيه وجه مخرج من الموت انه ينقطع وعلى المذهب لو فارق المجنون مجلس العقد قال الامام يجوز ان يقال لا ينقطع الخيار لان التصرف انقلب إلى القوام عليه ويعارضه انه لو كان كذلك لكان الجنون كالموت * ولو خرس احد المتعاقدين في المجلس فان كانت له إشارة

(8/307)


مفهومة أو كتابة فهو على خياره والا نصب الحاكم نائبا عنه (وقوله) في مسألة الموت فيه قولان يجوز إعلامه بالواو للطريقين الاخرين (وقوله) كخيار الشرط معلم بالحاء والالف لان عند أبي حنيفة وأحمد خيار الشرط غير موروث وبالواو أيضا لان عن صاحب التقريب أن بعض أئمتنا خرج قولا من خيار المجلس في خيار الشرط أنه لا يورث (وقوله) ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين معلم بالواو لما مر * قال (ولو تنازعا في جريان التفرق فالاصل عدمه ومن يدعيه مطالب بالبينة * ولو تنازعا في الفسخ بعد الاتفاق على التفرق فالاصل عدم الفسخ (و)) * في الفصل صورتان هينتا الخطب (إحداهما) لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد
البيع وأنه قد لزم وأنكر الثاني التفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه لان الاصل دوام الاجتماع وعلى من يدعي خلافه البينة * ولك أن تقول هذا بين ان قصرت المدة ولكنها إن طالت

(8/308)


فدوام الاجتماع خلاف الظاهر وان كان على وفاق الاصل فلا يبعد تخريجه على الخلاف المشهور في تعارض الاصل والظاهر والاصحاب لم يفرقوا بين الحالين (الثانية) اتفقا على التفرق وقال أحدهما فسخت قبله وأنكر الاخر فالقول قول الاخر مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى المدعي البينة هذا هو الظاهر وبه أجاب في الكتاب * وعن صاحب التقريب؟ ؟ القول قول من يدعي الفسخ لانه أعرف بتصرفه * ولو اتفقا على عدم التفرق وتنازعا هكذا ففي التهذيب أن دعوى مدعي الفسخ فسخ * قال (السبب الثاني الشرط قال النبي صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيوع (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام) فلا تجوز الزيادة عنها (م) ولا التقدير بمدة مجهولة ولا الابهام في أحد العبدين) *

(8/309)


الاصل في خيار الشرط الاجماع وما روي عن ابن عمر (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة) وروي أن ذلك الرجل كان حبان بن منقذ أصابه أمة في رأسه فكان يخدع في البيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة وجعل الخيار ثلاثا) وفي رواية (وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيام) وفي رواية (قل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا) وهذه الروايات كلها في كتب الفقة ولا يلفي في مشهورات كتب الحديث سوى الرواية المقتصرة على قوله (لا خلابة) وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا فإذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار وان علم البائع

(8/310)


دون المشتري ففيه وجهان عن ابن القطان (أحدهما) لا يثبت لعدم التراضي (والثاني) يثبت لظاهر قوله (قل لاخلابة ولك الخيار ثلاثا) (وأما) اللفظة المروية في الكتاب وهي قوله (ولي الخيار
ثلاثة أيام) فلا تكاد توجد في كتب الحديث ولا الفقه نعم في شرح مختصر الجويني للموفق بن طاهر (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثا) وهما متقاربان * إذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث صور (إحداها) لا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فلو زاد فسد العقد لان الخيار غرر فلا يزاد على ما ورد به الخبر * وقال مالك تجوز الزيادة بحسب الحاجة حتى لو اشترى ضيعة يحتاج النظر فيها إلى شهر فصاعدا يجوز شرطه * وعن أحمد تجويز الزيادة من غير تحديد * ويجوز شرط ما دون الثلاث بطريق الاولى لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فيبطل البيع أو يصح ويباع عند الاشراف على الفساد ويقام عنه مقامه حكي يحيى اليمني عن بعض من لقيه فيه وجهين وقال مالك إن كان المبيع مما يعرف حاله بالنظر ساعة أو يوما لم تجز الزيادة ويشترط

(8/311)


أن تكون المدة متصلة بالعقد حتى لو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر أو متى شاء أو شرطا خيار الغد دون اليوم فسد العقد لانه إذا تراخت المدة عن العقد لزم وإذا لزم لم يعد جائزا ولهذا لو شرطا خيار الثلاثة ثم أسقط اليوم الاول سقط الكل (الثانية) لا يجوز شرط الخيار مطلقا ولا تقديره بمدة مجهولة ويفسد العقد به خلافا لمالك حيث قال يصح ويحمل على ما تقتضيه العادة فيه لنا القياس على الاجل * ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز ولو قالا إلى طلوعها فعن الزبيري أنه لا يجوز لان السماء قد تكون متغيمة فلا تطلع وهذا بعيد فان التغيم انما يمنع من الاشراق واتصال الشعاع لا من الطلوع وفي الغروب لا فرق بين أن يقولا إلى الغروب أو إلى وقت الغروب بالاتفاق * ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو بالعكس لم يدخل فيه الليل والنهار كما لو باع شيئا إلى رمضان لا يدخل رمضان في الاجل وقال أبو حنيفة يدخل الليل والنهار (الثالثة) لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا على التعيين فسد العقد كما لو باع أحدهما لا على التعيين وقال أبو حنيفة يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة ولا يجوز في الاربعة وما زاد كما قال في البيع ولو شرطا الخيار في أحدهما على التعيين ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وكذا لو شرطا في أحدهما خيار يوم وفي الاخر خيار يومين فان صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط وكما لو شرط فيهما ثم

(8/312)


اراد الفسخ في أحدهما فعلى قولى تفريق الصفقة في الرد بالعيب * ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار فلاحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب ولو شرط لاحدهما الخيار دون الاخر ففي صحة البيع قولان (الاصح) الصحة * (فرع) ابتاع على شرط أنه ان لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أو باع على شرط انه إن رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهذا شرط فاسد كما إذا تبايعا على شرط انه إن قدم زيد اليوم فلا بيع بينهما وعن أبي إسحق أنه يصح العقد والمذكور في الصورة الاولى شرط الخيار للمشتري وفي الثانية شرطه للبائع والله أعلم * قال (وأول مدته عند الاطلاق من وقت العقد لا من التفرق على الاصح ولا يتوقف الفسخ به على حضور (ح) لخصم وقضاء القاضي) * إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها فابتداء المدة من وقت العقد أو التفرق فيه وجهان (اصحهما) من وقت العقد وبه قال ابن الحداد لان ثبوته بالشرط والشرط وجد في العقد (والثاني) من وقت التفرق أو التخاير ونقل الامام عمن صار إليه تعليلين (احدهما) أن الخيارين متماثلان والمثلان لا يجتمعان (والثاني) أن الظاهر ان الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت وخيار المجلس ثابت وان لم يوجد الشرط فيكون المقصود ما بعده * ولك ان تقول اما الاول فليس الخيار الا واحدا لكن له جهتان المجلس والشرط وذلك لا بعد فيه كما انه قد يثبت الخيار بجهة الخلف والعيب معا (واما) الثاني فتنزيل الشرط على ما ذكره يورث الجهالة لان وقت التفرق مجهول والوجهان على ما روي الشيخ ابو على وغيره مطردان في الاجل لكن بالترتيب ان جعلنا الخيار من وقت العقد فالاجل اولى والا فوجهان والفرق ان الاجل لا يثبت الا بالشرط فالنظر فيه إلى وقت الشرط والخيار قد يثبت من غير شرط فمقصود الشرط اثبات ما لولاه لما ثبت وايضا فان الاجل وان شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكنه يخالفه من وجوه واجتماع المختلفين غير مستنكر (التفريع) ان قلنا بالاول فإذا انقضت المدة وهما مصطحبان بعد انقطع خيار الشرط وبقي خيار المجلس وان تفرقا
والمدة باقية فالحكم بالعكس ولو أسقطا أحد الخيارين لم يسقط الاخر ولو قالا الزمنا العقد وأسقطنا الخيار مطلقا سقطا ولو شرطا الاحتساب من وقت التفرق بطل الشرط والعقد لانه مجهول وعن رواية صاحب التقريب وجه أنهما صحيحان (وان قلنا) بالوجه الثاني فإذا تفرقا

(8/313)


انقطع خيار المجلس واستؤنف خيار الشرط ولو أسقطا الخيار قبل التفرق بطل خيار المجلس ولا يبطل الاخر في اصح الوجهين لانه غير ثابت بعد ولو شرطا الاحتساب من وقت العقد فوجهان (أصحهما) صحة العقد والشرط وبناهما الامام على التعليلين السابقين ان عللنا باجتماع الخيارين بطلا وإلا صحا لان التصريح بالاحتساب من العقد يبين أنه ما اراد بالشرط ما بعد التفرق ولو شرط الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بثبوته فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف وعلى الاول فالاحتساب من وقت الشرط لا من وقت العقد ولا من وقت التفرق هذا شرح احدى مسألتي الفصل (والثانية) لمن له خيار الشرط من المتعاقدين فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب وبه قال مالك واحمد * وقال ابو حنيفة ليس له الفسخ الا بحضور صاحبه * لنا أنه احد طرفي الخيار فلا يتوقف على حضور المتعاقدين كالاجازة وايضا فانه إذا لم يفتقر في رفع العقد إلى صاحبه وجب ان لا يفتقر إلى حضوره كما لو طلق زوجته ولا يفتقر نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم لانه فسخ متفق على ثبوته بخلاف الفسخ بالعنة فانه مختلف فيه والله اعلم * قال (ويثبت خيار الشرط في كل معاوضة محضة مما هو بيع الا في التصرف والسلم وما يستعقب العتق من البيوع) * غرض الفصل بيان ما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول الجملي فيه أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الاغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط لان زمان المجلس أقصر غالبا فربما انفكا لذلك فان أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس (واعلم) أنهما متقاربان في صور الخلاف والوفاق الا أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها وان ثبت خيار
المجلس لان ما يشترط فيه القبض لا يحتمل فيه التأجيل والخيار أعظم غررا من الاجل لانه مانع من الملك أو من لزومه فهو يولي بان لا يحتمل وأيضا فالمقصود من اعتبار القبض أن يتفرقا ولا علقة بينهما تحرزا من الربا أو من بيع الكالي بالكالي ولو اثبتنا الخيار لبقيت العلقة بينهما بعد التفرق إلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم الخلاف في خيار المجلس * قال الامام ولا أعرف فرقا بين الخيارين الا أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع من المفلس لم يطرد ههنا والا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة عن القاضي

(8/314)


أبي الطيب قاطعة بنفي خيار الشرط والا أن في الاجارة أيضا طريقة مثل ذلك (أما) في اجارة العين فلما في هذا الخيار من زيادة تعطل المنفعة (وأما) في الاجارة على الذمة فبناء على تنزيلها منزلة السلم وحكم شرط الخيار مذكور في كتا ب الصداق (وقوله) في الكتاب وما يستعقب العتق من البيوع لا بد من إعلامه بالواو والقول فيه على ما ذكرنا في خيار المجلس ولم يستثن في لفظ الكتاب بيع الطعام بالطعام ولا بد منه والله اعلم * قال (ثم ان كان الخيار للبائع وحده فالمبيع باق على ملكه على الاصح وان كان للمشتري وحده فالملك منتقل (وح) إليه وان كان لهما فثلاثة أقوال (احدها) أنه موقوف فان استقر العقد تبين زوال الملك بنفس العقد وان فسخ تبين أنه لم يزل الملك ولم يتم السبب والكسب والنتاج والوطئ والاستيلاد والعتق وغير ذلك من الطوارئ فروع الملك فينتظر آخر الامر فما يستقر عليه آخرا يقدر وجوده اولا (و)) * نقدم على فقه الفصل مقدمة وهي أن الخيار اما ان يشرط لاحد المتعاقدين أو لكليهما أو لغيرهما فان شرط لاحدهما أو لهما فهو جائز (أما) للمشتري فلحديث حبان (واما) للبائع أو لهما فبالقياس عليه والاجماع ويجوز ان يشرط لاحدهما خيار يوم وللاخر خيار يومين أو ثلاثة وان شرط لغيرهما فذلك الغير اما اجنبي أو الموكل الذي وقع العقد له فان كان اجنبيا فقولان (احدهما) انه يفسد العقد والشرط لانه خيار يتعلق بالعقد فيختص بالمتعاقدين كخيار العيب (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد انهما صحيحان لانه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى
شرطه للاجنبي لكونه اعرف بحال المعقود عليه ويجرى القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد ولا فرق على القولين بين ان يشرطا أو احدهما الخيار لشخص واحد وبين ان يشترط هذا الخيار لواحد وهذا للاخر وإذا قلنا بالاصح ففي ثبوت الخيار لمن شرط أيضا قولان أو وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في الصرف انه لا يثبت اقتصارا على الشرط كما إذا شرط لاحدهما لا يثبت للاخر (والثاني) يثبت وبه قال ابو حنيفة وأحمد وعللوه بمعنيين (أحدهما) ان شرط الخيار للاجنبي يشعر باستبقاء الشارط الخيرة لنفسه بطريق الاولى (والثاني) انه يستحيل ثبوت الخيار لغير المتعاقدين لا على سبيل النيابة وخرج الامام عليهما ما لو شرطا الخيار للاجنبي دونهما فعلى المعنى الاول يختص بالاجنبي وعلى الثاني لا يختص ويفسد الشرط فان لم يثبت الخيار للعاقد مع الاجنبي فمات الاجنبي في زمان الخيار ثبت الان له في الاصح الوجهين كذا قاله في التهذيب وإن أثبتا

(8/315)


الخيار للعاقد مع الاجنبي فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ ولو فسخ أحدهما وأجاز الاخر فالفسخ أولى ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي بما يأمره به من الفسخ والاجازة فالمنقول عن نصه في الاملاء على مسائل مالك انه يجوز وليس له الرد حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ وتكلموا فيه من وجهين (أحدهما) انه لم شرط أن يقول استأمرته قال الذين خصوا الخيار المشروط للاجنبي به هذا جواب على المذهب الذى قلناه ومؤيد له وقال آخرون انه مذكور احتياطا (والثاني) انه أطلق في التصوير شرط المؤامرة فهل يحتمل ذلك الصحيح انه لا يحتمل واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها وقيل يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاث كما في خيار الرؤية وأما إذا كان ذلك الغير هو الموكل ثبت لخيار الموكل دونه * واعلم أن الوكيل بالبيع والشراء له شرط الخيار للموكل في أظهر الوجهين لان ذلك لا يضره وطرد الشيخ ابو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا وليس للوكيل بالبيع شرط الخيار للمشتري ولا للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع فان خالف بطل العقد وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه أو أذن فيه صريحا ثبت له الخيار ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل لانه مؤتمن بخلا ف الاجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ هكذا
ذكروه ولناظر ان يجعل الخيار له ائتمانا وهو أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد ثم هل يثبت الخيار للموكل معه في هذه الصورة فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للاجنبي هل يثبت للعاقد وحكى الامام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالاذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه ان الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أولهما * إذا تقررت المقدمة فللشافعي رضى الله عنه ثلاثة أقوال في ان الملك في المبيع في زمان الخيار لمن هو (أحدها) وبه قال احمد انه للمشتري لان البيع قد تم بالايجاب والقبول فثبوت الخيار فيه لا يمنع الملك كخيار العيب وعلى هذا فالملك في الثمن للبائع (والثاني) وبه قال مالك انه باق للبائع لنفوذ تصرفاته وقد روي انه صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بينهما حتى يتفرقا) وعلى هذا فالملك في الثمن للمشتري (والثالث) انه موقوف فان تم البيع بان حصول الملك للمشتري

(8/316)


من وقت البيع والا بان أن ملك البائع لم يزل وكذا يتوقف في الثمن ووجهه أن البيع سبب الزوال إلا ان شرط الخيار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزوال جزما فوجب أن يتربص وينتظر عاقبة الامر وفي موضع الاقوال طرق (أحدها) أن الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما اما بالشرط أو في خيار المجلس (أما) إذا كان لاحدهما فهو المالك للمبيع لنفوذ تصرفه فيه ويحكي هذا عن صاحب التقريب وهو قريب مما أورده في الكتاب (والثاني) أنه لا خلاف في المسألة ولكن ان كان الخيار للبائع فالملك له وإن كان للمشتري فهو له وان كان لهما فهو موقوف وتنزل الاقوال على هذه الاحوال وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية (والثالث) طرد الاقوال في الاحوال وهو أظهر عند عامة الاصحاب منهم العراقيون والحليمي وإذا جرت الاقوال فما الاظهر منها قال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه الاظهر أن الملك للمشتري وبه قال الامام * وقال آخرون الاظهر الوقف وبه قال صاحب التهذيب والاشبه توسط ذكره جماعة وهو انه ان كان الخيار للبائع فالاظهر بقاء الملك له وان كان للمشتري فالاظهر انتقاله إليه وان كان لهما فالاظهر الوقف وعلى هذا تتفات الاحوال في الاظهر من الاقوال لا في تخصيص الخلاف ببعضها * وقال أبو حنيفة ان كان الخيار لهما أو للبائع فالملك للبائع وان كان للمشتري زال ملك البائع ولم يحصل للمشتري (التفريع) لهذه الاقوال فروع كثيرة الانشعاب (منها) ما يورد في سائر
الابواب ومنها ما يختص بهذا الموضع وصاحب الكتاب أشار إلى صور (منها) كسب العبد والجارية المبيعين في زمان الخيار فان تم المبيع بينهما فهو للمشتري إن قلنا الملك له أو موقوف (فان قلنا) الملك للبائع فوجهان (قال) الجمهور الكسب له لانه المالك حين حصوله وعن أبي على الطبري أنه للمشتري لان سبب ملكه موجود اولا وقد استقر عليه آخرا فيكتفي به وان فسخ البيع فهو للبائع إن قلنا الملك للبائع أو موقوف (وان قلنا) للمشتري وجهان (أصحهما) أنه له وعن أبي اسحق انه للبائع نظرا إلى المال وبني صاحب التتمة الوجهين على أن الفسخ رفع العقد من حينه أو من أصله (إن قلنا) بالاول فهو للمشتري (وإن قلنا) بالثاني فللبائع وفي معنى الكسب اللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة (ومنها) النتاج فان فرض حدوث الولد وانفصاله في زمان الخيار لامتداد

(8/317)


المجلس أو كانت البهيمة أو الجارية حاملا عند البيع وولدت في زمان الخيار فيبني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن وفيه قولان (أحدهما) لا لان الحمل كالجزء منها فاشبه سائر الاعضاء فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق (وأصحهما) نعم كما لوبيع بعد الانفصال مع الام فعلى هذا الحمل مع الام كعينين تباعان معا فان فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري (ومنها) العتق وهو مؤخر في لفظ الكتاب لكن تقديمه اليق بالشرح فنقول إذا كان المبيع رقيقا فاعتقه البائع في زمان الخيار المشروط لهما أو للبائع نفذ اعتاقه على كل قول اما إذا كان الملك له فظاهر واما على غير هذا القول فلانه بسبيل إلى الفسخ والاعتاق يتضمن الفسخ فينقل الملك إليه قبيله وان أعتقه المشترى فان قلنا الملك للبائع لم ينفذ ان فسخ البيع وان تم فكذلك في أصح الوجهين (والثاني) ينفذ اعتبارا بالمال (وان قلنا) بالوقف فالعتق موقوف ايضا ان تم العقد بان نفوذه والا فلا (وان قلنا) ان الملك للمشترى ففي نفوذ العتق وجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص انه لا ينفذ صيانة لحق البائع عن الابطال وعن ابن سريج انه ينفذ لمصادفته الملك * ثم اختلفوا فمن مطلق نقل النفوذ عنه ومن فارق بين ان يكون معسرا فلا ينفذ كما في الرهن (فان قلنا) لا ينفذ فاختار البائع الاجازة ففي الحكم بنفوذه الان وجهان (ان قلنا) ينفذ من وقت الاجازة أو الاعتاق وجهان أظهرهما أولهما (وان قلنا)
بوجه ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان (أحدهما) يبطل وليس له الا الثمن (وأظهرهما) لا يبطل ولكن لايرد العتق وإذا فسخ أخذ قيمة العبد كما في نظيره من الرد بالعيب هذا إذا كان الخيار لهما أو للبائع أما إذا كان الخيار للمشتري نفذ اعتاقه على جميع الاقوال لانه اما مصادف للملك أو أجازه وليس فيه ابطال حق الغير وان أعتقه البائع (فان قلنا) ان الملك لم ينفذ تم البيع أو فسخ ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المال (وان قلنا) بالوقف لم ينفذ ان تم البيع والا نفذ (وان قلنا) انه للبائع فان اتفق الفسخ فهو نافذ والا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كاعتاق الراهن (ومنها) الوطئ فان كان الخيار لهما أو للبائع فالكلام في وطئ البائع ثم في وطئ المشتري

(8/318)


(فاما) وطئ البائع ففي حله طرق (أحدها) انا ان جعلنا الملك له فهو حلال والا فوجهان (وجه) الحل انه يتضمن الفسخ على ما سيأتي وفى ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله (والثاني) أنا ان لم نجعل الملك له فهو حرام وان جعلناه له فوجهان وجه التحريم ضعف الملك (والثالث) عن الشيخ أبي محمد القطع بالحل على الاطلاق والظاهر من هذا كله الحل ان جعلنا الملك له والتحريم ان لم نجعله له ولا مهر عليه بحال (وأما) وطئ المشتري فهو حرام اما إن لم يثبت الملك له فظاهر واما إن اثبتناه فهو ضعيف كملك المكاتب ولكن لا حد عليه على الاقوال لوجود الملك أو شبهة الملك وهل يلزمه المهر إن تم البيع بينهما فلا ان قلنا ان الملك للمشتري أو موقوف وان قلنا انه للبائع وجب المهر له وعن أبي اسحق انه لا يجب نظرا إلى المآل وان فسخ البيع وجب المهر للبائع ان قلنا الملك له أو موقوف وان قلنا انه للمشتري فلا مهر عليه في اصح الوجهين * ولو اولدها فالولد حرنسيب على الاقوال وهل يثبت الاستيلاد ان قلنا الملك للبائع فلا ثم ان تم البيع أو ملكها بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير بالشبهة ثم ملكها وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع نفذ الاستيلاد بلا خلاف وعلى قول الوقف ان تم البيع بان ثبوت الاستيلاد وإلا فلا فلو ملكها يوما عادا القولان وعلى قولنا ان الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق فان لم يثبت في الحال وتم البيع بان
ثبوته ثم رتب الائمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق واختلفوا في كيفيته فمن صائر إلى أن الاستيلاد أولى بالثبوت ومن عاكس ذلك ووجههما مذكور في الكتاب في الرهن قال الامام ولا يبعد الحكم باستوائهما لتعارض الجهتين والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر نعم ان جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع فللوجه الناظر إلى المآل مخذ آخر وهو القول بأن الحمل لا يعرف أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطئ كما مر في حل الوطئ للبائع إذا كان الخيار له أو لهما وأما البائع فيحرم عليه الوطئ ههنا ولو وطئ فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب

(8/319)


القيمة كما ذكرنا في طرق المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع هذا شرح الفروع المذكورة في الكتاب ووراءها فروع (أحدها) إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمان الخيار نظر ان كان قبل القبض انفسخ البيع بلا شك وإن كان بعده وقلنا الملك للبائع انفسخ ايضا لانا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى فيسترد الثمن ويغرم للبائع القيمة ويجئ في القيمة المغرومة الخلا ف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام (وان قلنا) الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لحصول الهلاك قبل استقرار العقد (وأصحهما) انه لا ينفسخ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب (وان قلنا) بالانفساخ فعلى المشتري القيمة قال الامام وههنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف لان الملك قبل ذلك للمشتري وانما يقدر انتقاله إليه قبيل التلف وان قلنا بعدم الانفساخ فهل ينقطع الخيار فيه وجهان (أحدهما) نعم كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع (وأصحهما) لا كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع ويخالف الرد بالعيب لان الضرر ثم يندفع بالارش (فان قلنا) بالاول استقر العقد ولزم الثمن (وان قلنا) بالثاني فان تم العقد لزم الثمن والا وجبت القيمة على المشتري واسترد الثمن فان تنازعا في تعيين القيمة فالقول قول المشتري وعن بعض الاصحاب طريقة أخرى في المسألة وهي القطع بعدم الانفساخ وان قلنا إن الملك للبائع وذكروا تفريعا عليه أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى المشتري القيمة لان المبيع تلف على ملك البائع فلا يبقى الثمن على ملكه قال الامام وهذا تخليط
ظاهر (الثاني) لو قبض المشتري المبيع في زمان الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه (ان قلنا) ان الملك للبائع انفسخ البيع كما في صورة التلف لان نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن (وان قلنا) انه للمشتري أو موقوف نظر ان أتلفه أجنبي فيبني على ما لو تلف (ان قلنا) ينفسخ العقد ثم فهذا كاتلاف الاجنبي

(8/320)


المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه (وإن قلنا) لا ينفسخ وهو الاصح فكذلك ههنا وعلى الاجنبي القيمة والخيار بحاله فان تم البيع فهي للمشتري والا فللبائع ولو أتلفه المشتري استقر الثمن عليه فان أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده وان أتلفه البائع في يد المشتري ففي التتمة أنه يبني على أن اتلافه كاتلاف الاجنبي أو كالتلف بآفة سماوية وستعرف الخلاف فيه (والثالث) لو تلف بعض المبيع في زمان الخيار قبل القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما ففي الانفساخ فيما تلف الخلاف السابق ان انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة وان لم ينفسخ بقي خياره في الباقي ان قلنا بجواز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار والا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان وإذا بقي الخيار فيه وفسخ رده مع قيمة الهالك * (فرع) إذا قبض المبيع في زمان الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في يده فهو كما لو تلف في يد المشتري حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويغرم القيمة حكاه الامام عن الصيدلاني ثم أبدى في وجوب القيمة احتمالا لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك (واعلم) أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشترى تسليم الثمن في زمان الخيار ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الاخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع وقيل ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم المبيع (والرابع) لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمان الخيار فان تم العقد بينهما وقلنا أن الملك للمشتري أو موقوف لم يقع الطلاق وان قلنا أنه للبائع وقع * وان فسخ وقلنا أنه للبائع أو موقوف وقع وان قلنا للمشتري فوجهان عن رواية الصيمري وليس له الوطئ في زمان الخيار لانه لا يدري أيطا بالملك أو بالزوجية هكذا حكي عن نصه وفيه وجه آخر (وأما) ما يتعلق
بلفظ الكتاب (فقوله) فالمبيع باق على ملكه معلم بالالف وقوله على الاصح يمكن أن يريد به الاصح من الطريقين ويمكن أن يريد به الاصح من الاقوال وعلى التقدير الثاني يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف (وقوله) فالملك منتقل إليه معلم بالحاء والميم والواو (وقوله) فثلاثة أقوال بالواو (وقوله) موقوف بالحاء والميم والالف ووجه ذلك كله ما مر وقوله فينتظر آخر الامر إلى آخره عبارة أجراها على قول الوقف ومعناها ان ما يستقر عليه العقد آخرا من الفسخ والامضاء يقدر وجوده في الابتداء فان فسخ قدرنا أنه لم يجر بينهما عقد وان أمضي قدرناه من الابتداء هذا

(8/321)


ما ينطبق اللفظ عليه والله أعلم * قال (ويحصل الفسخ بوطئ البائع (و) وبيعه وعتقه وهبته مع القبض وان كان من ولده ولا تحصل الاجازة (و) بسكوته على وطئ المشتري وما جعلناه فسخا من البائع فهو اجازة (و) من المشتري ان وجد وكذا الاجارة والتزويج في معنى البيع (و) من واحد منهما والعرض على البيع والاذن فيه لا يقطع خيار البائع) * لا يخفي ما يحصل به الاجازة من الالفظ ولا ما يحصل به الفسخ كقول البائع فسخت البيع واسترجعت المبيع ورددت الثمن وعن الصيمري أن قول البائع في زمان الخيار لا ابيع حتى يزيد في الثمن وقول المشتري لا أنقل اختيار للفسخ وكذا قول المشتري لا اشتري حتى ينقص لي من الثمن وقول البائع لا انقل وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال ثم في الفصل صور (أحداها) إذا كان للبائع خيار فوطئه في زمان الخيار فسخ لاشعاره باختيار الامساك ويخالف الرجعة لا تحصل بالوطئ لان الرجعة لتدارك النكاح وابتداء النكاح لا يحصل بالفعل فكذا تداركه والفسخ ههنا لتدارك ملك اليمين وابتداؤه تارة يحصل بالقول وأخرى بالفعل وهو السبي فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل * وحكى الامام عن بعض الخلافيين وجها ان وطئ البائع ليس بفسخ تخريجا من الخلاف في أن الوطئ هل يكون تعيينا للمملوكة والمنكوحة عند إبهام العتق والطلاق وروي القاضي ابن كج وجها أنه إنما يكون فسخا إذا نوى به الفسخ وعلى المذهب لو قبل أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة هل يكون فسخا فيه وجهان قال ابو اسحاق نعم وهذا
ما أورده صاحب التهذيب وبمثله أجاب في الاستخدام وركوب الدابة لكن الاظهر في المذهب انهما لا يتضمنان الفسخ (الثانية) اعتاق البائع ان كان الخيار له فسخ بلا خلاف وفي بيعه وجهان (احدهما) انه ليس بفسخ لان الاصل بقاء العقد فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحا وانما جعلنا العتق فسخا لقوته (وأصحهما) أنه فسخ لدلالته على ظهور الندم وعلى هذا ففي صحة البيع المأتي به وجهان (اصحهما) صحته كالعتق (والثاني) المنع لان الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد جميعا كما ان التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة فلا يشرع بها في الصلاة ويجري هذا الخلاف في الاجارة والتزويج وكذا في الرهن والهبة ان اتصل بهما القبض ولا فرق بين أن يهب ممن لا يتمكن من الرجوع في هبته وبين أن يهب من يتمكن كما لو وهب من ولده لان الملك في الصورتين زائل

(8/322)


والرجوع اعادة لما زال وان تجرد الرهن والهبة عن القبض فالحكم فيه كما في العرض على البيع وسيأتي (الثالثة) إذا علم البائع ان المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون مجيزا فيه وجهان (أحدهما) نعم لاشعاره بالرضا وأيد ذلك بقوله في المختصر ولو عجل المشتري فوطئها فأحبلها قبل التفرق في غفلة من البائع فاختار البائع الفسخ كان على المتشري مهر مثلها قيد بما إذا وطئ في غفلة من البائع (وأصحهما) لا كما لو سكت على بيعه وأجارته وكما لو سكت على وطئ أمته لا يسقط به المهر وهذا هو المذكور في الكتاب * ولو وطئ بالاذن حصلت الاجازة ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد وثبت الاستيلاد بلا خلاف وما مر في الفصل السابق مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطئ ولا علم به (الرابعة) وطئ المشتري هل يكون أجازة منه فيه وجهان (احدهما) لا بل له الفسخ بعد ذلك كما أن له الرد بالعيب بعد الوطئ (واصحهما) وبه اجاب في الكتاب نعم لان وطئ البائع اختيار للبيع فكذا وطئ المشتري ويخالف الرد بالعيب لانه عند الوطئ جاهل بالحال حتى لو كان عالما يسقط الخيار * ولو اعتق المشتري نظر ان أعتق باذن البائع نفذ وحصلت الاجازة من الطرفين وإن اعتق بغير اذنه ففي نفوذه ما سبق فان نفذ حصلت الاجازة والا فوجهان حكاهما الامام (اظهرهما) الحصول ايضا لدلالته على اختيار الملك قال ويتوجه ان يقال ان اعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن اجازة بلا خلاف * ولو باع أو وقف أو
وهب أو قبض بغير إذن البائع لم ينفذ ولا يجئ فيها الخلاف المذكور في العتق لاختصاصه بمزيد القوة والغلبة وهل يكون اجازة قال ابو اسحاق لا لان الاجازة لو حصلت لحصلت ضمنا للتصرف فإذا لغا التصرف فلا اجازة * وقال الاصطخري نعم لدلالته على الرضا والاختيار وهذا اصح عند الاصحاب * ولو باشر هذا التصرفات باذن البائع أو باع من البائع نفسه صح التصرف على اصح الوجهين قال في الشامل وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط الخيار ولكن قياس ما مر ان يكون سقوط الخيار ان قلنا بعدم نفاذها على الوجهين ولو اذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها كان مجيزا ومجرد الاذن في هذه التصرفات لا يكون أجازة من البايع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره ذكره الصيدلاني وغيره (الخامسة) في العرض على البيع والاذن في التوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن والهبة دون القبض (احدهما) ان هذه التصرفات فسخ من جهة البائع واجازة من جهة المشتري لدلالتها على الاستئثار بالبيع ولهذا يحصل بها الرجوع عن الوصية (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انها ليست بفسخ ولا اجازة فانها

(8/323)


لا تقتضي ازالة ملك وليست بعقود لازمة ومن المحتمل صدورها عن تردده في الفسخ والاجازة * ولو باع المبيع في زمان الخيار بشرط الخيار قال إمام الحرمين ان قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة الخالية عن القبض وان قلنا يزول ففيه احتمال ايضا لانه ابقى لنفسه مستدركا (وقوله) في الكتاب لا يقطع خيار البائع لا معنى للتخصيص بالبائع فانه كما لا يقطع خيار البائع لا يقطع خيار المشتري ولو أبدل لفظه البائع بالبيع لم يكن به باس والمواضع المحتاجة إلى الاعلام من لفظ الكتاب بينة مما أوردناه والله أعلم * قال (ولو اشترى عبدا بجارية وأعتقهما معا تعين العتق في العبد على الاصح (ح) تقديما للاجازة على الفسخ) * إذا اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا نظر ان كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما مر أن اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشتري وان جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه
من إبطال حق صاحبه على الاصح وعلى الوجه الذي قلنا بنفاذ اعتاق المشتري تفريعا على أن الملك للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية * وان كان الخيار لمشتري العبد وهو المراد من مسألة الكتاب لم يحكم بعتقهما معا وعن أبي حنيفة أنهما يعتقان * لنا أنه لا ينفذ اعتاقهما على التعاقب فكذلك دفعة واحدة وفيمن يعتق منهما وجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنه يعتق الجارية لان تنفيذ العتق فيها فسخ وفي العبد أجازة والفسخ والاجازة إذا اجتمعا يقدم الفسخ ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الاخر قدم الفسخ (وأصحهما) وبه أجاب ابن الحداد أنه يعتق العبد لان الاجازة إبقاء للعقد والاصل فيه الاستمرار قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان على أن الملك في زمان الخيار للبائع أو المشتري (ان قلنا) بالاول فالعبد غير مملوك لمشتريه وانما ملكه الجارية فينفذ العتق فيها (وان قلنا) بالثاني فملكه العبد فينفذ العتق فيه ثم حكى وجها ثالثا وهو أنه لا يعتق واحد منهما لان عتق كل واحد منهما يمنع عتق الاخر وليس أحدهما أولى من الاخر فيتدافعان * وان كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالاضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالاضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والصورة هذه والذي يخرج منه للفتوى أنه لا يحكم بنفوذ العتق في واحد منهما في الحال فان فسخ صاحبه البيع فهو نافذ في الجارية والا ففى العبد * ولو كانت المسألة

(8/324)


بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرنا (وقيل) ان كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الاصح وإن كان الخيار للمعتق وحده فعلى الوجوه الثلاثة في الاول يعتق العبد وفي الثاني تعتق الجارية ولا يخفى الثالث) * قال (القسم الثاني خيار النقيصة وهو ما يثبت بفوات أمر مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلى أما الالتزام الشرطي فهو أن يقول بعته بشرط أنه كاتب أو خباز أو متجعد الشعر فان فقد فللمشتري الخيار وكذلك كل وصف يتعلق به غرض أو مالية) * لما فرغ عن الاول من قسمي الخيار وهو خيار التروي شرع في الثاني وهو خيار النقيصة المنوط بفوات شئ في المعقود عليه كان يتوقع ويظن حصوله وذلك الظن على ما ذكره ينشأ من
أحد ثلاثة أمور (أولها) أن يشرط العاقد كون المعقود عليه بتلك الصفة (وثانيها) اطراد العرف بحصولها فيه (وثالثها) ان يفعل العاقد ما يورث ظن حصولها فالاول مثل قوله بعت هذا العبد بشرط انه كاتب أو خباز (واعلم) ان الصفات الملتزمة بالشرط قسمان (احدهما) الصفات التي تتعلق بها زيادة مالية فيصح التزامها والخلف فيها يثبت الخيار كالعيب (والثاني) الصفات التي لا تتعلق بها زيادة مالية وهي قسمان (احدهما) التي يتعلق بها غرض معقول والخلف فيها يثبت الخيار أيضا وفاقا أو على اختلاف فيه وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه (والثاني) التي لا يتعلق بها غرض معقول فاشتراطها يلغو ولا خيار بفقدها ولنقص الصور على هذه الاقسام فإذا شرط كون العبد خبازا أو كاتبا أو صائغا فهو من القسم الاول ويكفى ان يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط النهاية فيها ولو شرط اسلام العبد فبان كافرا فله الرد لفوات فضيلة الاسلام وكذا لو شرط تهود الجارية أو تنصرها فبانت مجوسية ولو شرط كفر الرقيق فبان مسلما ثبت الخيار على المذهب وبه قال أحمد لا لنقيصة ظهرت ولكن لان الكافر يشتريه المسلم والكافر والمسلم لا يشتريه إلا المسلم فقط فتقل فيه الرغبات (وقيل) ان كان قريبا من بلاد الكفر أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار والا فلا وقال ابو حنيفة والمزني لا خيار أصلا * ولو شرط بكارة الجارية فبانت ثيبا فله الرد ولا فرق بين أن تكون الجارية المشتراة بهذا الشرط مزوجة أو غير مزوجة وعن ابي الحسن ان ابا اسحاق قال لا خيار إذا كانت مزوجة لانها وان كانت بكرا فالافتضاض مستحق للزوج ولا غرض للمشتري في بكارتها والمذهب الاول

(8/325)


لان الزوج قد يطلقها فتخلص له ولو شرط ثيابتها فبانت بكرا فوجهان (احدهما) انه يثبت الخيار لانه قد يضعف عن مباشرة البكر فيريد الثيب (واصحهما) انه لا خيار لان البكر افضل واكثر قيمة فصار كما لو شرط كون العبد اميا فبان كاتبا أو فاسقا فبان عفيفا ولو شرط السبوطة في الشعر فبان جعدا فعلى هذين الوجهين لان السبط قد يكون أشهي إلى بعض الناس ولو شرط الجعودة فبان سبطا ثبت الخيار (فان قلت) ذكرتم في بيع الامة أن رؤية الشعر معتبرة على أصح الوجهين والشعر إذا رؤي عرفت جعودته وسبوطته فكيف تصورون المسألة (فالجواب) أن خروجها على تجويز بيع الغائب
وعلى أن رؤية الشعر غير معتبرة واضح (وأما) على الاصح فان الشعر قد يرى ولا تعرف جعودته وسبطوته لعروض ما يستوي الحالتان عنده من الابتلال وقرب العهد بالتسريح ونحوهما * ولو لبس بتجعيد السبط أو بالعكس فسياتي ذلك * ولو شرط كون العبد خصيا فبان فحلا أو بالعكس ثبت الرد لشدة اختلاف الاغراض وذكر ابو الحسن العبادي انه لا رد في الصورة الاولى لان الفحولة فضيلة ولو شرط كونه مختونا فبان اقلف فله الرد وبالعكس لا يرد قال في التتمة الا أن يكون العبد مجوسيا وثم مجوسيون يشترون الاقلف بزيادة فله الرد * ولو شرط كونه احمق أو ناقص الخلقة فهو لغو (واعلم) ان خيار الخلف على الفور ويبطل بالتأخير على ما سنذكر في المعيب ولو تعذر الرد بهلاك وغيره فله الارش كما في العيب ومسائل الفصل باسرها مبنية على ان الخلف في الشرط لا يوجب فساد البيع وحكى الحناطي قولان غريبا انه يوجبه والله أعلم * قال (وأما القضاء العرفي فهو السلامة عن العيوب المذمومة فمهما فاتت ثبت الخيار وذلك بكل عيب ينقص القيمة أو العين والخصي معيب وان زادت قيمته واعتياد الزنا والسرقة وإلا باق والبول في الفراش (ح) عيب والبخر والصنان (ح) الذي لا يقبل المعالجة ويخالف العادة عيب في العبيد والاماء وكون الضيعة منزل الجنود وثقل الخراج عيب * الثاني من اسباب الظن اطراد العرف فمن دخل في العقد لتحصيل مال كان ظانا صفة السلامة فيه لان سلامة الاشخاص والاعيان عن العيوب المذمومة هي الغالبة والغلبة من موجبات الظن وحينئذ يكون بذله المال في مقابلة السليم فإذا تبين العيب وجب أن يتمكن من التدارك والاصل فيه من جهة *

(8/326)


النقل ما روي عن عائشة رضي الله عنها (ان رجلا اشترى غلاما في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجده) ومن باع عينا وهو يعلم بها عيبا وجب عليه أن يبينه للمشتري روي انه صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من غشنا) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخ المسلم لا يحل لمن باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا الا بينه له) إذا تقرر ذلك ففي الفصل ذكر عيوب معدودة (منها) لو اشترى عبدا فوجده خصيا أو مجبوبا فله الرد لان الفحل يصلح لما
لا يصلح له الخصي وقد دخل في العقد على ظن الفحولة لان الغالب سلامة الاعضاء فإذا فات ما هو متعلق الغرض وجب ثبوت الرد وإن زادت القيمة باعتبار آخر (ومنها) الزنا والسرقة عيبان لتاثيرهما في نقصان القيمة وقال ابو حنيفة الزنا عيب في الاماء دون العبيد نعم لو ثبت زنا العبد عند الحاكم ولم يقم عليه الحد بعد ثبت الرد (ومنها) الاباق وهو من أفحش عيوب المماليك (ومنها) البول في الفراش عيب في العبيد والاماء إذا كان في غير أوانه أما في الصغر فلا وقدره في التهذيب بما دون سبع سنين وقال أبو حنيفة انه عيب في الاماء دون العبيد (ومنها) البخر والصنان عيبان خلافا لابي حنيفة في العبيد * لنا انهما يؤذيان عند الخدمة والمكالمة وينقصان القيمة والبخر الذي نجعله

(8/327)


عيبا هو الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لفلج الانسان فان ذلك يزول بتنظيف الفم والصنان الذي نجعله عيبا هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ (ومنها) كون الضيعة أو الدار منزل الجنود عيب لانه يقلل الرغبات قال القاضي حسين في فتاويه وهذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك فأما إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها فلا رد به وكونها ثقيلة الخراج عيب أيضا وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد لتفاوت القيمة والرغبات ونعني بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها وعن حكاية أبي عاصم العبادي وجه انه لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجنود لانه خلل في نفس المبيع * والحق في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى دارا فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الا بنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع * ولو اشترى أرضا وهو يتوهم الاخراج عليها فبان خلافه نظر ان لم يكن على مثلها خراج فله الرد وان كان على مثلها ذلك القدر فلا رد (وأما) لفظ الكتاب فقوله فمهما فاتت يعني السلامة (وقوله) وذلك أي قواتها (وقوله) بكل عيب ينقص القيمة لا يصلح للضبط لمسألة الخصي وربما يذكر في آخر الفصل ما يصلح له (وقوله) اعتياد الزنا إلى آخره يشعر باعتبار الاعتياد في الامور المذكورة وليس كذلك (أما) في الزنا فقد نصوا على أنه لو زنا مرة في يد البائع فللمشتري الرد وان تاب وحسنت حاله لان تهمة الزنا
لا تزول عنه ألا تري أن الحر إذا زنا لا يجد مأزقه وان تاب (وأما) الاباق فعن أبي علي الزجاجي أنه لو أبق في يد البائع فللمشتري الرد به وان لم يأبق في يده وهذا ما اختاره القاضي حسين وقال الفعلة الواحدة في الاباق يجوز أن تعد عيبا أبديا كالوطئ في ابطال الحصانة والسرقة قريبة من هذين (وأما) البول في الفراش فالاظهر اعتبار الاعتياد فيه والله أعلم * (وقوله) الصنان الذي لا يقبل العلاج هذا القيد لا حاجة إليه كما في سائر العلل والامراض والامام لم يذكره هكذا وإنما قال إذا كان لا يندفع الا بعلاج يخالف المعتاد وهو مستقيم هذا ما يتعلق بفقه الكتاب ولفظه ونعد بعده عيوبا (فمنها) كون الرقيق مجنونا أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوما أو أشل أو أقرع أو أصم أو أعمى أو اعور أو اخفش أو اجهر أو اعشى أو أخشم أو أبكم أو أرث لا يفهم أو فقيد حاسة الذوق أو فقيد اصبع أو انملة أو فقيد الظفر والشعر كذلك قاله في التتمة (ومنها) كونه ذا أصبع زائدة أو سن شاغبة أو مقلوع بعض الاسنان أو ادرد وكون البهيمة درداء الا في السن

(8/328)


المعتاد وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق قاله الصيمري وكونه مريضا مرضا مخوفا وكذا في سائر الحيوانات كذا قاله في التتمة وكونه ابيض الشعر في غير اوانه ولا بأس بحمرته وكونه نماما؟ أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات وكونه مقامرا أو تاركا للصلاة أو شاربا للخمر * وفي الرقم للعبادي أنه لا رد بالشرب وترك الصلاة وكونه خنثى مشكلا أو غير مشكل وعن بعض المتأخرين أنه ان كان رجلا وكان يبول من فرج الرجال فلا رد وكون العبد مخنثا؟ أو ممكنا من نفسه وكون الجارية رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة أو محرمة أو متزوجة وكون العبد متزوجا وفي البيان حكاية وجه في التزوج وتعلق الدين برقبتهما ولا رد بما يتعلق بالذمة وكونهما مرتدين * ولو كانا كافرين أصليين فمنهم من قال لا رد به في العبيد ولا في الاماء سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع كالتمجس والتنصر والتوثن أو لم يكن كالتهود والتنصر وهذا ما أورده في التتمة والاظهر وهو المنقول في التهذيب انه لو وجد الجارية مجوسية أو وثنية فله الرد ولو وجدها كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات وان كان في بلاد الاسلام
بحيث تقل الرغبات في الكافر وتنقص قيمته فله الرد ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو آيسة فلا رد وان كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا فله الرد وكذا إذا تطاول طهرها وتجاوز العادات الغالبة فله الرد بكون الجارية حاملا ولا رد به في سائر الحيوانات وقال في التهذيب يثبت به الرد (ومنها) كون الدابة جموحا أو عضوضا أو رموحا وكون الماء المشتري مشمسا قاله الروياني في التجربة * والرمل تحت الارض إن كانت مما يطلب للبناء والاحجار وإن كانت مما يطلب للزرع والغرس ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سئ الادب أو ولد الزنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا وترد الدابة بالزهادة ولا بكون الامة ثيبا إلا إذا كانت صغيرة وكان المعهود في مثلها البكارة ولا بكونها عقيما وكون العبد عنينا وعن الصيمري اثبات الرد بالعنة وهو الظهر عند الامام ولا بكون الامة مختونة أو غير مختونة وكون العبد مختونا أو غير مختون إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان وقيل لا تستثني هذه الحالة أيضا ولا بكون الرقيق ممن يعتق على المشتري ولا بكون الامة أخته من الرضاع أو النسب أو موطؤة أبيه أو إبنه بخلاف المحرمة والمعتدة لان التحريم ثم عام فيقلل الرغبات وههنا يختص التحريم به * ورأي

(8/329)


القاضي ابن كج الحاق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة ولا أثر لكونها صائمة وفيه وجه ضعيف * ولو اشترى شيئا ثم بان له أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد النيابة حكى القاضي الماوردي فيه وجهين ونقل وجهين ايضا فيما لو بان كون العبد مبيعا في جناية عمد وقد تاب عنها وإن لم يتب فهو عيب والجناية خطأ ليست بعيب إلا أن تكثر ومن العيوب كون المبيع نجسا إذا كان مما ينقص بالغسل وخشونة مشي الدابة بحيث يخاف منها السقوط أو شرب البهيمة لبن نفسها * وذكر القاضي أبو سعد بن احمد في شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي فصلا في عيوب العبيد والجواري (منها) اصطكاك الكفين وانقلاب القدمين إلى الوحشي والخبلان الكثيرة واثار الشجاج والقروح والكي وسواد الاسنان وذهاب الاشفار والكلف المغير للبشرة وكون احدى يدي الجارية اكبر من الاخرى والحفر في الاسنان وهو تراكم الوسخ
الفاحش في أصولهما هذا ما حضر ذكره من العيوب ولا مطمع في استيعابها لكن ان أرادت ضبطا فاشد العبارت تلخيصا ما أشار إليه الامام وهو أن يقال يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص للقيمة أو العين نقصانا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه وانما اعتبرنا نقصان العين لمسألة الخصي وإنما لم نكتف بنقصان العين بل شرطنا فوات غرض صحيح به لانه لو بان قطع فلقة يسيرة من فخذه أو ثاقه لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا لا يثبت الرد ولهذا قال صاحب التقريب لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد وإلا فلا وإنما اعتبرنا الشرط المذكور لان الثيابة مثلا في الاماء معنى ينقص القيمة لكن لا رد بها لانه لا يمكننا أن نقول الغالب فيهن عدم الثيابة والله أعلم * قال (وكل عيب حدث قبل القبض فهو من ضمان البائع والرد يثبت به وما حدث بعده فلا خيار به (؟) وان استند الي سبب سابق كالقطع بسرقة سابقة والقتل بردة سابقة والافتراع بنكاح سابق ففيه خلاف) * العيب بنقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع فيثبت به الرد والى ما حدث بعده فينظر ان حدث قبل القبض فكمثل لان المبيع قبل القبض من ضمان البائع وان حدث بعده فله حالتان

(8/330)


(احداهما) أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض فلا رد به * وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام الا في الجنون والجذام والبرص فانها إذا ظهرت إلى سنة ثبت الخيار * لنا القياس على ما بعد الثلاثة (والحالة الثانية) أن يستند إلى سبب سابق على القبض وفيها صور (إحداها) بيع العبد المرتد صحيح على المذهب كبيع العبد المريض المشرف على الهلاك وحكى الشيخ أبو علي وجها انه لا يصح تخريجا من الخلاف في العبد الجاني والعبد الذي قتل في المحاربة فان تاب قبل الظفر به فبيعه كبيع العبد الجاني لسقوط العقوبة المتحتمة وكذا ان تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة والا فثلاثة طرق (أظهرها) عند كثير من الائمة ان بيعه كبيع المرتد (والثاني) وهو اختيار أبي حامد وظيفته القطع بمنع بيعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فانه ربما
يسلم (والثالث) وبه قال القاضي أبو الطيب أنه كبيع الجاني * إذا عرفت ذلك فان صححنا البيع في هذه الصور فقتل العبد المرتد أو المحارب أو الجاني جناية نوجب القصاص نظر ان كان ذلك قبل القبض انفسخ البيع وإن كان بعده وكان المشتري جاهلا بحاله ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد وابن سريج وابن ابي هريرة والقاضي أبو الطيب انه من ضمان المشتري لان القبض سلطه على التصرف فيدخل المبيع في ضمانه أيضا لكن تعلق القتل برقبته كعيب من العيوب فإذا هلك رجع على البائع بالارش وهو نسبة ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحق القتل من الثمن (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وابن الحداد وابو اسحق أنه من ضمان البائع لان التلف حصل بسبب كان في يده فاشبه مالو باع عبدا مغصوبا فاخذه المستحق منه فعلى هذا يرجع المشتري عليه بجميع الثمن ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما ففي الاول هي على المشتري وفي الثاني على البائع * وان كان المشتري عالما بالحال عند الشراء أو تبين له بعد الشراء ولم يرد فعلى الوجه الاول لا يرجع بشئ كما في سائر العيو ب وعلى الثاني فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبي اسحق وهو اختيار أبي حامد أنه يرجع بجميع الثمن اتماما للتشبيه بالاستحقاق (واصحهما) عند الجمهور وهو قول ابن الحداد انه لا يرجع بشئ لدخوله في العقد على بصيرة أو امساكه مع العلم بحاله وليس هو كظهور الاستحقاق من كل وجه ولو كان كذلك؟

(8/331)


صح بيعه أصلا (الثانية) بيع العبد الذي وجب عليه القطع قصاصا أو بسرقة صحيح بلا خلاف فلو قطع في يد المشتري عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة فان كان جاهلا بحاله حتى قطع فعلى قول ابن سريج ومن ساعده ليس له الرد لكون القطع من ضمانه ولكن يرجع إلى البائع بالارش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن وعلى الاصح له الرد واسترجاع جميع الثمن كما لو قطع في يد البائع فلو تعذر لرد بسبب فالنظر في الارش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد السليم والاقطع وان كان المشتري علما فليس له الرد ولا الارش * قال الشيخ ابو علي ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبي اسحق في القتل لانه لا يبقى ثم شئ ينصرف العقد إليه وههنا
بخلافه والله أعلم (الثالثة) لو اشترى جارية مزوجة ولم يعلم بحالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فان كانت ثيبا فله الرد وإن كانت بكرا فنقصت بالافتراع فهو من ضمان البائع أو المشتري فيه الوجهان (ان جعلناه) من ضمان البائع فللمشترى الرد بكونها مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع بالارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة مزوجة مفترعة من الثمن (وان جعلناه) من ضمان المشتري فلا رد له وله الارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن * وان كان عالما بكونها مزوجة أو علم ورضي فلا رد له فان وجد بها عيبا قديما بعد ما افترعت في يده فله الرد ان جعلناه من ضمان البائع والا رجع بالارش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة (الرابعة) اشترى عبدا مريضا وتمادي المرض إلى أن مات في يد المشتري فعن الشيخ أبي محمد فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف المذكور في الصور السابقة ويحكي هذا عن الحليمي (وأشهرهما) القطع بأنه من ضمان المشتري لان المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت والرد خصلة واحدة وجدت في يد البائع فعلى هذا إذا كان جاهلا رجع بالارش وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وتوسط صاحب التهذيب بين الطريقين فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا بكونه من ضمان المشتري وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين (واعلم) أن هذه الصورة والخلاف فيها قد ذكرها في أحكام بيع الثمار وإن لم تكن مذكورة في هذا الموضع وإذا وقفت على هذا الشرح عرفت أن الخلاف في قوله في الكتاب فيه خلاف ليس منصوصا في أنه هل يثبت خيار الرد في جميع الصور المذكورة

(8/332)


لان في صورة القتل المرتد ان جعلناه من ضمان المشتري فلا رد لهلاك المبيع وان جعلناه من ضمان البائع فينفسخ البيع ويتبين تلفه على ملك البائع وحينئذ لا معنى لخيار الرد فإذا الخلاف في هذه الصورة في انه من ضمان من على ما تقرر في الصورتين الباقيتين يصح نصبه في خيار الرد بناء على هذا الاصل والله أعلم * قال (وأما التغرير الفعلي فهو أن يصرى ضرع الشاة حتى يجتمع اللبن ويخيل غزارة اللبن فمهما اطلع عليه ولو بعد ثلاثة أيام ردها (ح) ورد معها صاعا من تمر بدلا عن اللبن الكائن في
الضرع الذي تعذر رد عينه لاختلاطه بغير المبيع لورود الخبر ولو تحفلت الشاة بنفسها أو صرى الاتان أو الجارية أو لطخ الثوب بالمداد مخيلا انه كاتب فلا خيار له (ح و) لانها ليست في معنى النصوص وأحوط المذهبين أن غير التمر لا يقوم مقام التمر وان قدر الصاع لا ينقص (و) بقلة اللبن ولا يزيد بكثرته للاتباع) * السبب الثالث من أسباب الظن الفعل المغرر والاصل في صورة التصرية هو أن يربط اخلاف الناقة أو غيرها ويترك حلابها يومين أو أكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيتخيل المشتري غزارة لبنها ويزيد في الثمن واشتقاقها من قولهم صر الماء في الحوض ونحوه أي جمعه وتسمى المصراة محفلة أيضا وهو من الحفل وهو الجمع أيضا ومنه قيل للجمع محفل وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس ويثبت به الخيار للمشتري وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * لنا ما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (لا تصروافي الابل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر)

(8/333)


وروي (بعد أن يحلبها ثلاثا) (وقوله) بعد ذلك أي بعد هذا النهي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشتري شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها مثل أو مثلى لبنها قمحا) إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) كيف يثبت خيار التصرية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حامد المروزى انه يمتد ثلاثة ايام لظاهر الخبر (والثاني) وهو الاصح وبه قال ابن ابي هريرة انه على الفور كخيار العيب وما ذكره في الخبر بناء على الغالب إذ التصرية لا تتبين فيما دون الثلاثة غالبا لانه يحمل النقصان على اختلاف العلف وتبدل الايدي وغيرهما وللوجهين (فروع) (احدها) لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام باقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت له الخيار على الفور في الوجه الثاني وعلى الاول يمتد إلى آخر الثلاثة وابتداؤها من وقت العقد أو من
وقت التفرق يعود فيه الوجهان المذكوران في خيار الشرط (والثاني) لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ذكر في الحاوي أن على الوجه الاول لاخيار له لامتناع مجاوزة الثلاث كما في خيار الشرط وعلى الثاني يثبت وعلى هذا فهو على الفور بلا خلاف (والثالث) لو اشترى وهو عالم بكونها مصراة فعلى الاول له الخيار اخذا بظاهر الخبر وعلى الثاني لاخيار كسائر العيوب (الثانية) ظهور

(8/334)


التصرية إن كان قبل الحلف رده ولا شئ عليه وإن كان بعده فاللبن أما أن يكون باقيا أو تالفا ان كان باقيا فلا يكلف المشتري رده مع المصراة لان ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز وإذا أمسكه كان بمثابة ما لو تلف وإن أراد رده فهل يجب على البائع أخذه فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه أقرب إلى استحقاقه من بدله (وأصحهما) لا لذهاب طراوته بمضي الزمان ولا خلاف في أنه لو حمض وتغير لم يكلف أخذه وإن كان اللبن تالفا رد مع المصراة صاعا من تمر ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للاخبار الواردة في الباب على أن اللبن في رأي لا يقابله قسط من الثمن وهل يتعين للضم إليها جنس التمر وقدر الصاع أما الجنس ففيه وجهان (أصحهما) عند الشيخ أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (صاعا من تمر لا سمراء) ويحكي هذا عن أبي اسحق وعلى هذا لو أعوز التمر قال الماوردي يرد قيمته بالمدينة (والثاني) لا يتعين وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أن القائم مقامه الاقوات كما في صدقة الفطر قال الامام لكن لا يتعدى ههنا إلى الاحط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يخبر بين الاقوات لان في بعض الروايات ذكر التمر وفي بعضها ذكر القمح فاشعر بالتخيير ويحكي هذا عن ابن أبي هريرة (وأصحهما) أن الاعتبار بغالب قوت البلد كما في صدقة الفطر ويحكي هذا عن مالك والاصطخري وتخريج ابن سريج (والوجه) الثاني حكاه الشيخ أبو محمد انه يقوم مقامه غير الاقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند أعواز المثل اجبر البائع على القبول اعتبارا بسائر المتلفات وهذا كله فيما إذا لم يرض البائع فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه
جاز بلا خلاف كذا قاله صاحب التهذيب وغيره ورأيت القاضي ابن كج حكى

(8/335)


وجهين في جواز ابدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه (وأما) القدر ففيه وجهان أيضا (أصحهما) أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر لظاهر الخبر والمعني فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التمييز فتولى الشارع تعيين بدل له قطعا للخصومة بينهما وهذا كايجاب الغرة في الجنين مع اختلاف الاجنة ذكورة وأنوثة والارش في الموضحة مع اختلافها صغرا وكبرا (والثاني) أن الواجب يتقدر بقدر اللبن لما سبق من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وعلى هذا فقد يزداد الواجب على الصاع وقد ينقص ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه اطلاقا ومتى قلنا بالوجه الثاني فقد قال الامام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة * (فرع) اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة فعلى الاصح يردها وصاعا ويسترد الصاع الصاع الذي هو ثمن وعلى الثاني يقوم مصراة وغير مصراة ويجب بقدر التفاوت من الصاع * (فرع) غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في التهذيب يرد بدل اللبن كما في المصراة وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه انه لا يرد لانه قليل غير معتني بجمعه بخلاف ما في المصراة ورأي الامام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أم لا والصحيح الاخذ * (الثالثة) لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلاب ناسيا أو لشغل عرض أو تحفلت هي بنفسها فهل يثبت الخيار وجهان (أحدهما) لا وبه أجاب في الكتاب لعدم التلبيس (والثاني) نعم لان ضرر المشتري لا يختلف فصار كما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع وهذا أصح عند صاحب التهذيب (الرابعة) خيار التصرية لا يختص بالنعم بل يعم ساير الحيوانات المأكولة وفي الحاوى ذكر وجه أنه يختص * ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة فوجهان (أحدهما) انه لا يرد إذ لا مبالات بلبنها (واصحهما) انه يثبت الرد لانه مقصود لتربية الجحش وعلى هذا فالمذهب انه لا يرد اللبن لانه نجس وقال الاصطخري
يرد لذهابه إلى انه طاهر مشروب * ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فوجهان ايضا (في احدهما) لا يرد لانه لا يقصد لبنها الا على ندور (وفي اصحهما) يرد لان غزارة البان الجواري مطلوبة في الحضانة

(8/336)


مؤثرة في القيمة فعلى الاول يأخذ الارش قاله في التهذيب وعلى الثاني هل يرد معها بدل اللبن وجهان (اظهرهما) لا لان لبن الادميات لا يعتاض عنه غالبا (الخامسة) هذا الخيار غير منوط بخصوص التصرية بل بما فيها من المعنى المشعر بالتلبيس فيلحق بها ما يشاركها فيه حتى لو حبس ماء القناة أو الرحي ثم ارسله عند البيع أو الاجارة فتخيل المشتري كثرته ثم تبين له الحال فله الخيار وكذا لوحمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو ارسل الزنبور في وجهها حتى ظنها المشتري سمينة ثم بان خلاف المظنون * ولو لطخ ثوب العبد بالمداد أو البسه ثوب الكتبة أو الخبازين وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه فوجهان (أحدهما) يثبت الخيار للتلبيس (وأصحهما) أنه لا خيار لان الانسان قد يلبس ثوب الغير عارية فالذنب للمشتري حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير ويجرى الوجهان فيما لو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها فتخيل المشتري كونها حاملا أو أرسل الزنبور في ضرعها حتى انتفخ فظنها لبونا لان الحمل لا يكاد يلتبس على الخبير ومعرفة اللبن متيسرة بعصر الثدي بخلاف صورة التصرية (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) ولو بعد ثلاثة أيام يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى أنه لو تبين التصرية بعد الثلاثة لم يثبت الخيار (وقوله) ردها بالحاء (وقوله) بدلا عن اللبن الكائن في الضرع أي عند البيع وظاهر اللفظ يقتضي رد الصاع وان بقى اللبن وهو أصح الوجهين كما مر (وقوله) لورود الخبر تعليل لقوله ردها ورد معها (وقوله) فلا خيار معلم بالواو وهو في صورتي الاتان والجارية جواب على خلاف اختيار الاكثرين (وقوله) وأحوط المذهبين أي الوجهين (وقوله) للاتباع إشارة إلى ما ذكره الائمة من أن مأخذ الخلاف في المسألتين ونحوهما الاقتصار على مورد الخبر واتباعه أو رعاية المعنى * (فرع) لو بانت التصرية ثم رد اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية واستمر كذلك ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم الا بعد زواله والقولين فيما إذا أعتقت
الامة تحت العبد ولم تعرف عتقها حتى عتق الزوج *

(8/337)


(فرع) رضى بامساك المصراة ثم وجد بها عيبا قديما نص أنه يردها ويرد اللبن ايضا وعن رواية الشيخ أبي علي وجه أنه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الاخر فتخرج على تفريق الصفقة والله أعلم * قال (وثبوت الخيار بالكذب في مسألة تلقي الركبان من باب التغرير وكذلك خيار النجش إذا كان عن مواطأة البائع على أقيس المذهبين ولا يثبت (م) بالغبن خيار إذا لم يستند إلى تغرير يساوي تغرير المصراة حتى لو اشترى جوهرة رآها فإذا هي زجاجة فلا خيار) * الخيار في تلقي الركبان قد ذكره في المناهي وشرحناه والغرض ههنا التنبيه على أن مستنده التغرير كما في التصرية وكذا خيار النجش أن أثبتناه وقد تكلمنا فيه من قبل (وأما) مسألة الغبن (فاعلم) أن مجرد الغبن لا يثبت الخيار وان تفاحش خلافا لمالك حيث قال ان كان الغبن فوق الثلث ثبت الخيار للمغبون ونقل بعض أصحاب أحمد مثله وقدر بعضهم بما فوق السدس وفي كتب اصحابنا عنه انه ان كان المغبون ممن لا يعرف المبيع ولا هو ممن لو توقف لعرفه ثبت الخيار * لنا قصة حبان بن منقذ رضى الله عنه (فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت له الخيار بالغبن ولكن أرشده إلى شرط الخيار ليتدارك غبنه عند الحاجة) * إذا تقرر ذلك فلو اشترى زجاجة وهو يتوهمها جوهرة بثمن كبير فلا خيار له ولا عبرة بما لحقه من الغبن لان التقصير من جهته حيث جرى على الوهم المجرد ولم يراجع أهل الخبرة * ونقل المتولي وجها أنه كشراء الغائب والرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر كالمعدومة ولك أن لا تستحسن لفظ الكتاب حيث قال ولو اشترى جوهرة رآها وتقول ليس التصوير فيما لو اشترى جوهرة وإنما التصوير فيما لو اشترى زجاجة توهمها جوهرة والله أعلم * قال (هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته أعني في خيار النقيصة فهي أربعة (الاول) شرط البراءة من العيب على أقيس القولين ويفسد (ح) العقد به على القول الثاني ويصح العقد ويلغو الشرط (ح) في قول ثالث ويصح في الحيوان ويفسد في غيره (ح) في قول رابع) *

(8/338)


إذا باع بشرط انه برئ من كل عيب بالمبيع هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أشهرهما) وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والاصطخري انه على ثلاثة اقوال (أحدها) انه يبرأ ولا يرد عليه بحال وبه قال ابو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) وايضا فان خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراء فقد ارتفع الاطلاق (وثانيها) انه لا يبرأ عن عيب ما لانه خيار ثابت بالشرع فلا ينفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد وايضا فان البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومة كالرهن والكفيل والعيوب المطلقة مجهولة وبهذا القول قال احمد في رواية وعنه رواية اخرى انه يبرا عما لا يعلمه دون ما يعلمه (وثالثها) وهو الاصح ويروي عن مالك انه لا يبرا في غير الحيوان بحال ويبرا في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روي (ان ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدا من زيد بن ثابت رضى الله عنه بثمانمائة درهم بشرط البراءة فاصاب زيد به عيبا فاراد رده على ابن عمر رضي الله عنهما فلم يقبله فترافعا إلى عثمان رضى الله عنه فقال عثمان لابن عمر اتحلف انك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه فباعه ابن عمر رضى الله عنهما بالف درهم) فرق عثمان وزيد رضى الله عنهما بين ان يكون

(8/339)


العيب معلوما أو لا يكون والفرق بينهما من جهة المعنى أن كتمان المعلوم يلتبس والفرق بين الحيوان وغيره ما ذكره الشافعي رضي الله عنه قال الحيوان يغتدى بالصحة والسقم ونحول طبائعه وقل مايبرا من عيب بخفى أو يظهر معناه انه يغتدى ويأكل في حالتي صحته وسقمه ونحول طبيعته وقل ما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر فيحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع (والطريق الثاني) وبه قال ابن خيران وابو إسحاق القطع بالقول الثالث ونصه في المختصر واختلاف العراقيين بهذا اشد إشعارا وزاد القاضي الماوردي طريقة ثالثة حكاها عن ابن ابي هريرة وهي انه يبرا في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرا في غير الحيوان من المعلوم وفي غير المعلوم قولان ويخرج من منقول الامام طريقة رابعة وهي إثبات ثلاثة اقوال في الحيوان وغيره وثالثها الفرق بين المعلوم وغير المعلوم * ولو قال بعتك بشرط الا ترد بالعيب جرى
فيه هذا الاختلاف وزعم صاحب التتمة انه فاسد قطعا مفسد للبيع * ولو عين بعض العيوب وشرط البراءة عنه نظر إن كان مما لايعاين مثل ان يقول بشرط براءتي من الزنا والسرقة والاباق برئ منها بلا خلاف لان ذكرها اعلام واطلاع عليها وان كان مما يعاين كالبرص فان اراه قدره وموضعه فكمثل وان لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا لتفاوت الاغراض باختلاف قدره وموضعه هكذا فصلوه وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب (فاما) ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان فقد حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكرنا من المعنيين في التعليل (التفريع) إن بطل هذا الشرط ففي العقد وجهان (أحدهما) يبطل كسائر الشروط الفاسدة (وأظهرهما) أنه يصح لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة رضي الله عنهم وعدم إنكارهم وايضا فانه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة عن العيوب وان صح فذلك في العيوب الموجودة عند العقد

(8/340)


(أما) الحادثة بعده وقبل القبض فيجوز الرد بها * ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث ففيه وجهان (اصحهما) ولم يذكر الاكثرون غيره انه فاسد فان أفرد ما سيحدث بالشرط فهو بالفساد أولى وإن فرعنا على القول الثاني فكما لا يبرأ مما علمه وكتمه كذلك لا يبرأ من العيوب الظاهرة لسهولة البحث عنها والوقوف عليها وإنما يبرأ من عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها (ومنهم) من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان قيل نعم لعسر الوقوف وقال الاكثرون لا لتبدل أحوال الحيوان هذا فقه الفصل (وأما) لفظ الكتاب فاعلم أنه لم عد أنواع خيار النقيصة أراد أن يبين ما يسقطه فقال هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته وإنما جمع بين هاتين اللفظتين لان منها ما يدفع كشرط البراءة ومنها ما يسقط بعد الثبوت كالتقصير وإنما قال أعني في خيار النقيصة لان هذه الامور لا تعلق لها بخيار التروي على أن جميعها لا يشمل انواع خيار النقيصة أيضا فان شرط البراءة لا مدخل له في خيار الخلف وخيار التصرية ثم لا يخفي أن ايراد الكتاب انما يتمشي على طريقة اثبات الاقوال وانه أدرج فيه الخلاف في أن فساد الشرط هل يتعدى إلى فساد العقد (وقوله) ويصح في الحيوان ويفسد في غيره إنما
يخرج على الطريقة التي نقلها الامام ومواضع العلامات سهلة المدرك على العارف بما قدمناه والله أعلم * قال (الثاني هلاك المعقود عليه فلو اطلع على عيب العبد بعد موته فلا رد إذ لا مردود فلو كان العبد قائما والثوب الذى هو عوضه تالفارد العبد بالعيب ورجع إلى قيمة الثوب * والعتق والاستيلاد كالاهلاك وهل يجوز أخذ الارش بالتراضي فيه وجهان وإذا عجز عن الرد فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن يعرف قدره بمعرفة نسبة قدر نقصان العيب من قيمة المبيع فيرجع من الثمن بمثل نسبته * وزوال الملك عن المبيع يمنعه من الرد في الحال ولا يمنع طلب الارش في الحال لتوقع عود الملك على الاصح ولو عاد الملك إليه ثم اطلع على عيب فله الرد على الاصح فالزائل العائد كالذي لم يزل) * من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع وذلك قد يكون لهلاكه وقد يكون مع بقائه وعلى التقدير الثاني فربما كان لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص وإنما

(8/341)


كان مع قبوله للنقل وعلى الثاني فربما كان لزوال ملكه وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع وكلام الكتاب يتعرض لاكثر هذه الاحوال فنشرح ما تعرض له ونضم الباقي إليه مختصرين وبالله التوفيق (الحالة الاولى والثانية) إذا هلك المبيع في يد المشتري بان مات العبد أو قتل أو تلف الثوب أو أكل الطعام أو خرج عن أن يقبل النقل من شخص إلى شخص كما إذا أعتق العبد أو ولد الجارية أو وقف الضيعة ثم عرف كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود ولكن يرجع على البائع بالارش وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا أرش له إذا هلك بنفسه بالقتل ونحوه * لنا القياس على العتق والموت بجامع أنه عيب اطلع عليه بعد الياس عن الرد والارش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لانه لو بقى كل المبيع عند البائع كان مضمونا عليه بالثمن فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن (مثاله) إذا كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشر فيكون الرجوع بعشر الثمن وان كان مائتين فبعشرين وان كان خمسين فبخمسة والاعتبار باية قيمة نقل عن نصه في موضع أن
الاعتبار بقيمة يوم البيع وعن رواية ابن مقلاص أن الاعتبار بقيمة يوم القبض فمنهم من جعلهما قولين واضاف اليهما ثالثا وهو أصحها وهو أن الاعتبار بقيمة باقل القيمتين منهما وجه الاول ان الثمن يومئذ قابل المبيع ووجه الثاني انه يوم دخول المبيع في ضمانه ووجه الثالث ان القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن كانت يوم القبض أقل فما نقص نقص من ضمان البائع والاكثرون قطعوا باعتبار أقل القيمتين وحملوا كل نص على ما إذا كانت القيمة المذكورة أقل وإذا ثبت الارش فان كان الثمن بعد في ذمة المشتري فيبرأ عن قدر الارش بمجرد الاطلاع على العيب أو يتوقف على الطلب فيه وجهان (أظهرهما) الثاني وان كان قد وفاه وهو باق في يد البائع فيتعين لحق المشتري أو يجوز للبائع إبداله لانه غرامة لحقته فيه وجهان (أظهرهما) الاول ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا

(8/342)


وقيمته ان كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى القبض لانها ان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك البائع وإن كانت يوم القبض أقل فالنقصان من ضمان المشتري ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور في اعتبار الارش ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه كالتلف * ولو خرج وعاد فهل يتعين لاخذ المشتري أو للبائع إبداله فيه وجهان أصحهما أولهما وإن كان الثمن باقيا بحاله فان كان معينا في العقد أخذه وإن كان في الذمة وبعده ففي تعيينه لاخذ المشتري وجهان وان كان ناقصا نظر ان تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف وإن رجع النقصان إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الارش في أصح الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة يأخذها مجانا * (فرع) لو لم تنقص القيمة بالعيب كما لو خرج العبد خصيا فلا ارش كما لا رد * (فرع) اشترى عبد بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعد ما أعتقه * نقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين العبادي أنه لا ارش له ههنا لانه وان لم يكن معيبا لم يمسكه ونقل عنه وجهين فيما إذا اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا قال وعندي له الارش في الصورتين * (الحالة الثالثة) إذا زال ملكه عن المبيع ثم
عرف العيب فلا رد في الحال وهل يرجع بالارش ان زال الملك بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع فقولان (أحدهما) نعم لتعذر الرد كما لو مات العبد وأعتقه وهذا مخرج خرجه ابن سريج وفي رواية البويطي ما يقتضيه وعلى هذا لو أخذ الارش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل برده مع الارش ويسترد الثمن فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصو ص انه لا يرجع بالارش ولم لا يرجع قال أبو إسحق وابن الحداد لانه استدرك الظلامة وروج المعيب كما روج عليه وقال ابن أبى هريرة لانه لم ييأس من الرد فربما يعود إليه ويتمكن من رده وهذا اصح المعنيين عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبى الطيب ورأيته منصوصا عليه في اختلاف العراقيين وان زال الملك بغير عوض على تخريج ابن سريج يرجع بالارش وعلى المنصوص فيه وجهان مبنيان على المعنيين إن عللنا بالاول يرجع لانه لم يستدرك الظلامة وان عللنا

(8/343)


بالثاني فلا لانه ربما يعود إليه (ومنهم) من حكى القطع بعدم الرجوع ههنا وأيد به المعنى الثاني * ولو عاد الملك إليه بعد ما زال نظر ازال بعوض اولا بعوض (القسم الاول) أن يزول بعوض كما لو باع فينظر هل عاد بطريق الرد بالعيب أو غيره (القسم الاول) أن يعود بطريق الرد بالعيب فله أيضا رده على بائعه لانه زال التعذر الذي كان وتبين أنه لم يستدرك الظلامة وليس للمشترى الثاني رده على البائع الاول لانه ما تلقي الملك منه ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج للمشترى الاول أخذ الارش من بائعه كما لو لم يحدث عيب ولا يخفى الحكم بينه وبين المشترى الثاني وعلى الاصح ينظر ان قبله المشترى الاول مع العيب الحادث خير بائعه فان قبله فذاك والا أخذ الارش منه وعن أبى الحسين أنه لا يأخذه واسترداده رضي بالمعيب ون لم يقبله وغرم الارش للثاني ففي رجوعه بالارش على بائعه وجهان (أحدهما) لا يرجع وبه قال ابن الحداد لانه ربما قبله بائعه هو فكان متبرعا بغرامة الارش (وأظهرهما) انه يرجع لانه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر قال الشيخ ابو علي يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين ان عللنا بالاول فإذا غرم الارش زال استدراك الظلامة فيرجع وإن عللنا بالثاني فلا يرجع لانه ربما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه قال وعلى الوجهين جميعا لا يرجع ما لم يغرم للثاني فانه ربما لا يطالبه الثاني
بشئ فيبقى مستدركا للظلامة * ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فاعتقه ثم ظهر العيب القديم رجع الثاني بالارش على الاول والاول بالارش على بائعه بلا خلاف لحصول الياس عن الرد لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم المشتري فيه وجهان مبنيان على المعنيين وان عللنا باستدارك الظلامة فلا يرجع ما لم يغرم وان عللنا بالثاني يرجع ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه (القسم الثاني) من الاول ان يعود إليه لا بطريق الرد كما إذا عاد بارث أو اتهاب أو قبول وصية أو إقالة فهل له رده على بائعه فيه وجهان ذو مأخذين (أحدهما) البناء على المعنيين السابقين إن عللنا بالاول لم يرد وبه قال ابن الحداد لان استدارك الظلامة قد حصل بالبيع ولم يبطل ذلك الاستدارك بخلاف ما لو رد عليه بالعيب وإن عللنا بالثاني يرد لزوال العذر وحصول القدرة على الرد كما لو رد عليه بالعيب (والثاني) ان الملك العائد هل ينزل منزلة

(8/344)


غير الزائل ففي جواب نعم لانه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة وفي جواب لا لانه ملك جديد والملك نقص لذلك وهذا اصل يخرج عليه مسائل (منها) لو افلس بالثمن وقد زال ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ (ومنها) لو زال ملك المراة عن الصداق وعاد ثم طلقها قبل المسيس هل يرجع في نصفه أو يبطل حقه من العين كما لو لم يعد (ومنها) لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد هل للاب الرجوع ولو عاد إليه بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الاول فان عللنا بالمعنى الاول لم يرد على البائع الاول لحصول الاستدراك ويرد على الثاني وان عللنا بالثاني فان شاء رد على الثاني وإن شاء رد على الاول وإذا رد على الثاني فله ان يرده عليه وحينئذ يرد هو على الاول ويجئ وجه انه لا يرد على الاول بناء على ان الزائل العائد كالذي لم يعد ووجه انه لا يرد على الثاني لانه لو رد عليه لرد هو ثانيا عليه وسنذكر نظيره (القسم الثاني) ان يزول بلا عوض فينظران عاد لا بعوض أيضا فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الارش لو لم يعد (إن قلنا) لا فله الرد لان ذلك لتوقع العود (وإن قلنا) يأخذ فينحصر الحق فيه أو يعود إلى الرد عند القدرة فيه وجهان وإن عاد بعوض كما لو اشتراه (فان قلنا) لا رد في الحالة الاولى فكذلك ههنا ويرد على البائع الاخير
(وان قلنا) يرد فههنا يرد على الاول أو على الاخير أو يتخير فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق * (فرع) باع زيد شيئا من عمرو ثم اشتراه منه فظهر به عيب كان في يد زيد فان كانا عالمين بالحال فلا رد وان كان زيد عالما فلا رد له ولا لعمر وايضا لزوال ملكه ولا ارش له على الصحيح لاستدراك الظلامة أو لتوقع العود فان تلف في يد زيد أخذ الارش على التعليل الثاني وهكذا الحكم لو باعه من غيره وان كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد وان كانا جاهلين فلزيد الرد ان اشتراه بغير جنس ما باعه أو باكثر منه ثم لعمر وان يرد عليه وان اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين

(8/345)


لان عمرا يرده عليه فلا فائدة فيه وله ذلك في أصحهما لانه ربما يرضى به فلا يرد ولو تلف في يد زيد ثم عرف به عيبا قديما فحيث يرد لو بقى يرجع بالارش وحيث لا يرد لا يرجع (الحالة الرابعة) إذا تعلق به حق كما لو رهنه ثم عرف العيب فلا رد في الحال وهل ياخذ الارش ان عللنا باستدراك الظلامة فنعم وإن عللنا بتوقع العود فلا وعلى هذا فلو تمكن من الرد رد ولو حصل اليأس أخذ الارش ولو كان قد أجر ولم نجوز بيع المستأجر فهو كالرهن وإن جوزناه فان رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الاجارة رد عليه وإلا تعذر الرد وفي الارش الوجهان ويجريان فيما لو تعذر الرد بغصب أو أباق ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالاخذ قطع بعضهم بان المشتري يأخذ الارش ههنا (أما) على المعنى الاول فظاهر (وأما) على الثاني فلان النكاح يراد للدوام فاليأس حاصل واختار القاضي الروياني وصاحب التتمة ما ذكروه ولو عرفه بعد الكتابة ففي التتمة أنه كالتزويج وذكر الماوردي أنه لا ياخذ الارش على المعنيين بل يصبر لانه قد يستدرك الظلامة بالنجوم وقد يعود إليه بالعجز فيرده (والاظهر) أنه كالرهن وانه لا يحصل استدارك بالنجوم (وقوله) في الكتاب فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن لا يعود (وقوله) هو إلى الارش فان الارش ليس هو الرجوع إلى الثمن وإنما هو جزء من الثمن بل المعنى أن استحقاق الارش هو الرجوع إليه (وقوله) ولا يتمنع طلب الارش لتوقع عود الملك معناه أنا لا نقول بامتناع طلب الارش بسبب هذا التوقع لا أنه تعليل لعدم الامتناع ثم اعلم أن طريقة الجمهور بناء طلب الارش في الحال والرد عند العود على المعنيين كما حكيناها مهذبة وصاحب الكتاب وشيخه بنيا الرد عند المآل على أن الزائل العائد كالذي لم يزل
أو كالذي لم يعد وبنيا أخذ الارش في الحال على الرد في المآل ان لم يجز الرد في المآل جاز أخذ الارش في الحال وإن جاز ففي الارش في الحالة للحيلولة وجهان كالقولين في شهود المال إذا رجعوا هل يغرمون للحيلولة ومثل هذا التصرف محمود في الفقه لكن الذهاب إلى أن طلب الارش في الحال

(8/346)


جائز خلاف المذهب المشهور فاعرف ذلك وقد أجاب صاحب الكتاب فيما إذا وجد بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع بانه لا أرش له على خلاف ما رجحه ههنا والخلاف واحد والله أعلم * قال (الثالث التقصير بعد معرفة العيب سبب بطلان الخيار وفوات المطالبة بالارش لتقصيره وترك التقصير بان يرد عليه في الوقت أن كان حاضرا وإن كان غائبا أشهد شاهدين حاضرين على الرد فان لم يمكن حضر عند القاضي) * الرد بالعيب على الفور ويبطل بالتأخير من غير عذر لان الاصل في البيع اللزوم فإذا أمكنه الرد وقصر لزمه حكمه ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي وقال أبو حنيفة ان كان قبل القبض فلا بد من حضور الخصم ولا يشترط رضاه وان كان بعده فلا بد من رضاه أو قضاء القاضي لنا ما مر في خيار الشرط * إذا تقرر ذلك فالمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله التأخير إلى أن يفرغ وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها فلا بأس وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا ولووقف عليه ليلا فله التأخير إلى أن يصبح * وإذا لم يكن عذر فقد ذكر حجة الاسلام ههنا وفي الوسيط أنه إن كان البائع حاضرا يرد عليه وان كان غائبا تلفظ بالرد وأشهد عليه شاهدين فان عجز حضر عند القاضي وأعلمه الرد ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر قال في الوسيط هو مقصر وأشار في النهاية إلى خلاف فيه وقال هذا ظاهر المذهب لكنه ذكر في الشفعة أن الشفيع لو ترك المشتري وابتدر إلى مجلس الحكم واستعدى عليه فهو فوق مطالبة المشتري لانه ربما يحوجه آخرا إلى المرافعة وحكيا معا وجهين فيما إذا تمكن من الاشهاد فتركه ورفع إلى القاضي وفي الترتيب المذكور إشكال لان الحضور في هذا الموضع اما أن يعني به الاجتماع في المجلس أو السكون في البلدة فان كان الاول فإذا لم يكن

(8/347)


البائع عنده ولا وجد الشهود لم يسع إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع واللائق بمن يمنع من المبادرة إلى القاضي إذا وجد البائع أن يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه وان كان الثاني فاي حاجة إلى ان يقول شاهدين حاضرين ومعلوم أن الغائب عن البلد لا يمكن اشهاده ثم على التفسيرين يكون حضور مجلس الحكم مشروطا بالعجز عن الاشهاد بعيد (اما) على الاول فلان حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل عليه من احضار من يشهده أو الحضور عنده (وأما) على الثاني فلانه لو اطلع على العيب وهو حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج إلى الاشهاد بل يتعين عليه ذلك إن أراد الفسخ فظهر أن الترتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب غير مرعى (وأعلم) بعد ذلك أن القول في كيفية المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون انما يبسط في كتاب الشفعة واذكر ههنا ما لا بد منه فاقول الذي فهمته من كلام الاصحاب أن البائع إذا كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لو كان وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافعة ولو تركه ورفع الامر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد وحاصل هذا تخييره بين الامرين وان كان غائبا عن البلد رفع الامر إلى مجلس الحكم * قال القاضي الحسين في فتاويه يدعي شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم وانه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب وانه فسخ البيع ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لانه قضاء على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يدي عدل والثمن يبقى دينا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله فان لم يجد له سوى المبيع باعه فيه إلى أن ينتهى إلى الخصم أو القاضي في الحالتين لو تمكن من الاشهاد على الفسخ هل يلزمه ذلك فيه وجهان منقول صاحب التتمة وغيره منهما اللزوم ويجري الخلاف فيما إذا أخر بعذر مرض أو غيره ولو عجز في الحال عن الاشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا حاجة إليه وإذا لقى البائع فسلم عليه لم يضر ولو اشتغل بمحادثته بطل حقه ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت لاني لم أعلم أن لي حق الرد فان كان قريب العهد بالاسلام أو أنشئ في برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله ومكن من الرد

(8/348)


وإلا فلا ولو قال لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله لانه مما يخفي على العوام وحيث بطل حق الرد بالتقصير يبطل حق الارش أيضا وليس لمن له الرد أن يمسك المبيع ويطلب الارش خلافا لاحمد وليس للبائع ايضا أن يمنعه من الرد ليغرم له الارش ولو رضى بترك الرد على جزء من الثمن أو على مال آخر ففي صحة هذه المصالحة وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج أنها تصح كالصلح عن حق القصاص على مال (وأظهرهما) المنع لانه خيار فسخ فاشبه خيار الشرط والمجلس وعلى هذا يجب على المشتري رد ما أخذ وفي بطلان حقه من الرد وجهان (أحدهما) يبطل لانه أخر الرد مع الامكان واسقط حقه (وأصحهما) المنع لانه نزل عن حقه على عوض ولم يسلم له العوض فيبقى على حقه ولا يخفي ان موضع الوجهين ما إذا كان يظن صحة المصالحة (أما) إذا علم فسادها بطل حقه بلا خلاف والله اعلم * قال (ويترك الانتفاع في الحال فينزل عن الدابة ان كان راكبا ويضع عنه اكافة وسرجه فانه انتفاع ولا يحط عذاره فانه في محل المسامحة الا ان تعسر عليه القود فيعذر في الركوب إلى مصادفة الخصم أو القاضي) * كما ان تأخير الرد مع الامكان تقصير فكذلك الاستعمال والانتفاع والتصرف لاشعارها بالرضي والاختيار فلو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل حقه وإكان بشئ خفيف كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففيه وجه انه لا أثر له لان مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك وبهذا اجاب القاضي الماوردي وغيره ولكن الاشهر انه لا فرق ولو ركب الدابة لا للرد بطل حقه وإن ركبها للرد أو للسقي فوجهان (أظهرهما) البطلان ايضا لانه ضرب انتفاع كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للرد نعم لو كانت جموحا بعسر قودها وسوقها فيعذر في الركوب (والثاني) وبه قال ابو حنيفة وابن سريج في جوابات جامع الصغير انه لا يبطل لانه اسرع للرد وعلى الاول لو كان قد ركبها للانتفاع فاطلع على عيب بها لم يجز استدامته

(8/349)


وإن توجه للرد ولو كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور لان نزع الثوب في الطريق غير معتاد كذا قاله الماوردى ولو علف الدابة وسقاها في الطريق لم يضر وكذا لو حلب لبن البهيمة في الطريق لانه مما حدث في ملكه ولو كان عليه سرج أو أكاف فتركهما عليها بطل حقه لانه استعمال وانتفاع ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل ويعذر بترك العذار أو اللجام لانهما خفيفان ولا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولان القرد يعسر دونهما وسئل الشيخ أبو حامد عما لو أنعلها في الطريق فقال ان كانت تمشي بلا نعل بطل حقه والا فلا * ولك أن تعلم قوله في الكتاب ويترك الانتفاع - بالواو - وكذا قوله وينزل عن الدابة وقوله ويضع لان القاضي الروياني نقل جواز الانتفاع في الطريق مطلقا حتى روي عن أبيه جواز وطئ الجارية الثيب (وقوله) الا أن يعسر عليه القود راجع إلى قوله من قبل أن كان راكبا وأن تخلل بينهما كلام آخر والله أعلم * قال (الرابع العيب الحادث مانع من الرد وطريق دفع الظلامة أن يضم أرش العيب الحادث إلى المبيع ويرده أو يغرم البائع له ارش العيب القديم وإن تنازعا في تعيين احد الملكين فالاصح ان طالب ارش العيب القديم أولى بالاجابة لان ارش العيب الحادث غرم وخيل لم يقتضه العقد) * إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ثم اطلع على عيب قديم فلا يمكن الرد قهرا لما فيه من الاضرار بالبائع ولا تكليف المشتري القناعة به لما فيه من الاضرار به ولكن يعلم المشتري البائع بالحال فان رضي به معيبا قيل للمشتري اما أن ترده وأما أن تقنع به معيبا ولا شئ وان لم يرض فلا بد من أن يضم المشتري ارش العيب الحادث إلى المبيع ليرده أو ان يغرم البائع للمشترى ارش العيب القديم ليمسكه رعاية للجانبين فان توافقا على أحد هذين المسلكين فذاك وان تنازعا فدعا احدهما إلى الرد مع ارش العيب الحادث ودعا الامر إلى الامساك وغرامة ارش العيب القديم فحاصل ما اشتمل كلام الاصحاب عليه وجوه اختصرها الامام (احدها) أن المتبع راى المشتري ويجبر البائع على ما يقوله لان الاصل ان لا يلزمه تمام الثمن الا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضت الخيرة إليه ولان البائع ملبس بترويج المبيع فكان رعاية جانب المشتري أولى ويروي هذا الوجه عن مالك واحمد وعن أبي ثور أنه نصفه في القديم (والثاني) ان المتبع رأى البائع لانه اما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد

(8/350)


عليه (والثالث) وهو الاصح أن المتبع رأى من يدعو إلى الامساك والرجوع بارش العيب القديم سواء كان هو البائع أو المشتري لما فيه من تقرير العقد وأيضا فالرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد لان قضيته الا يستقر الثمن بكماله الا في مقابلة السليم وضم ارش العيب الحادث ادخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول اولى فعلى هذا لو قال البائع رده مع ارش العيب الحادث فللمشتري ان يأتي ويغرم ارش القديم وما ذكرناه من اعلام المشترى البائع يكون على الفور حتى لو اخره من غير عذر بطل حقه من الرد والارش الا ان يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور في الاعلام على احد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث من غير ارش ومهما زال الشئ الحادث بعد ما اخذ المشتري ارش العيب القديم فهل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان (أحدهما) لا واخذ ارش اسقاط للرد (والثاني) نعم والارش للحيلولة ولو لم يأخذه ولكن قضى القاضي بثبوته فوجهان بالترتيب وأولى بجواز الفسخ * ولو تراضيا ولا قضاء فوجهان بالترتيب واولى بالفسخ وهو الاصح في هذه الصورة واما بعد الاخذ فالاصح المنع وكذا بعد الحكم عند صاحب التهذيب * ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث رد وفيه وجه ضعيف ولو زال العيب القديم قبل اخذ ارشه لم ياخذه وان زال بعد اخذه ورده ومنهم من جعله على وجهين كما لو ثبت سن المجني عليه بعد اخذ الدية هل يرد الدية * واعلم ان كل ما يثبت الرد على البائع لو كان في يده يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ومالا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري الا في الاقل فلو خصى العقد ثم عرف عيبا قديما فلا رد وان زادت قيمته ولو نسي القرآن أو الحرفة ثم عرف به عيبا فلا رد لنقصان القيمة ولو زوجها ثم عرف بها عيبا فكذلك قال الروياني إلا أن يقول الزوج ان ردك المشتري بعيب فانت طالق كان ذلك قبل الدخول فله الرد لزوال المانع بالرد * ولو عرف عيب الجارية المشتراة من ابنه أو أبيه بعد ما وطئها وهي ثيب فله الرد وإن حرمت على البائع لان القيمة لا تنقص بذلك وكذا لو كانت الجارية رضيعة فارضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم عرف بها عيبا واقرار الرقيق
على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين الاتلاف مع تكذيب المولى لا يمنع من الرد بالعيب

(8/351)


القديم وان صدقه المولى على دين الاتلاف منع فان عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الارش هل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان جاريان فيما إذا أخذ الارش لرهينة العبد أو كتابة أو إبلة أو غصبه ونحوها ان مكناه من ذلك ثم زال المانع من الرد قال في التهذيب (أصحهما) أنه لا فسخ * (فرع) حدث في يد المشتري نكتة بياض بعين العبد ووجد نكتة قديمة ثم زالت احديهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش وقال المشتري بل الحادثة ولي ارد فيحلفان على ما يقولان فان حلف احدهما دون الاخر قضى بموجب يمينه وان حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري بيمينه أخذ الارش فان اختلفا في الارش فليس له الاقل الا لانه المستيقن (وقوله) في الكتاب (فالاصح) أن طالب ارش القديم يعنى من الاوجه الثلاثة ويجوز أن يعلم قوله أولى بالميم والالف لما حكينا من مذهبهما والله أعلم * قال (وإن كان المبيع حليا قوبل بمثل وزنه وضم الارش إليه إذا استراد جزء من الثمن للعيب القديم يوقع في الربا قال ابن سريج بفسخ العقد لتعذر إمضائه ولا برد الحلي بل يقوم بالذهب ان كان من فضة أو على العكس حذارا من ربا الفضل وهو الاصح (وقيل) أنه لا يبالي بذلك إذ المحذور الزيادة في المقابلة في ابتداء عقده) * إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا بمائة من جنسه ثم اطلع على عيب قديم وقد حدث عنده عيب آخر ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن سريج انه لا يرجع بالارش لانه لو أخذ الارش لنقص الثمن عن المائة فتصير المائة مقابلة بما دونها وذلك ربوا ولا يرده مع ار ش العيب الحادث لان المردود حينئذ يزيد على المائة المستردة وذلك ربوا فبفسخ العقد لتعذر مصابه ولا يرد الحلي على البائع لتعذر رده دون الارش ومع الارش فيجعل بمثابة مالو تلف ويغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن العيب الحادث (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انه يفسخ البيع ويرد الحلي مع ارش النقصان الحادث ولا
يلزم الربا فان المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان والعيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ

(8/352)


على جهة السوم فعليه غرامته (والثالث) عن صاحب التقريب والداركى انه يرجع بارش العيب القديم كما في غير هذه الصورة والمماثلة في مال الربا انما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت والارش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (واعلم) ان الوجه الاول والثاني متفقان على انه لا يرجع بارش العيب القديم وانه يفسخ العقد وانما اختلافهما في انه يرد الحلي مع ارش النقص أو يمسكه ويرد قيمته (واما) صاحب الوجه الثالث فقياسه تجويز الرد مع الارش ايضا كما في سائر الاموال وإذا اخذ الارش فقد قيل يجب ان يكون من غير جنس العوضين كيلا يلزم ربا الفضل (والاظهر) انه يجوز ان يكون من جنسهما لان الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لانه يكون بيع مال

(8/353)


الربا بجنسه مع شئ آخر وذلك من صور مدعجوة * ثم ان صاحب الكتاب رآى الاصح الوجه المنسوب إلى ابن سريج وهو غير مساعد عليه بل اختيار القاضي الطبري وصاحب المهذب والعراقيين انما هو الثاني واختيار الامام وغيره الثالث * وذكر الامام أن أبعد الوجوه ما قاله ابن سريج (وقوله) فضم الارش إليه أو استرداد جزء من الثمن يوقع في الربا قبل ذكر الخلاف إنما كان يحسن كل الحسن أن لو كان ذلك متفقا عليه وكان الاختلاف في طريق الخلاص وليس كذلك بل صاحب الوجه الثاني لا يرى ضم الارش إليه موقعا في الربا وصاحب الثالث لا يرى الاسترداد موقعا فيه والاحسن في النظم أن يذكر قول ابن سريج اولا ويعلل تعذر الامضاء بذلك (وقوله) وقيل

(8/354)


لا يبالي بذلك يمكن تنزيله على الوجه الثاني وعلى الثالث ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلى عنده فالذي أورده صاحب الشامل والتتمة انه يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم قيمة التالف ولا يمكن أخذ الارش للربا وفيه وجه آخر أنه يجوز أخذ الارش قال في التهذيب وهو الاصح وعلى هذا ففي اشتراط كونه من غير الجنس ما مر ولا يخفي ان المسألة لا تختص بالحلي
والنقدين بل تجرى في كل مال من أموال الربا بيع بجنسه والله أعلم * قال (وإذا أنعل الدابة فاراد ردها بالعيب فلينزع النعل فان كان النزع يعيبه فليسمح بالنعل والا فليس له على البائع أرش ولا قيمة النعل وان صبغ الثوب بما زاد في قيمته فطلب قيمة الصبغ له

(8/355)


وجه ولكن ادخال الصبغ وهو دخيل في ملك البائع كادخال ارش العيب الحادث) * في الفصل صورتان (الاولى) إذا أنعل الدابة المشتراة ثم وقف على عيب قديم بها ينظر ان لم يعبها نزع النعل فله النزع والرد وان لم ينزع والحالة هذه لم يجب على البائع القبول وان كان النزع يخرم ثقب المسامير ويتعيب الحافر به فنزع بطل حقه من الرد والارش وكان تعيبه بالاختيار قطعا للخيار وفيه احتمال للامام ولو ردها مع النعل اجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل فانه حقير في معرض رد الدابة ثم ترك النعل من المشترى تمليك حتى يكون للبائع لو سقط أو اعراض حتى يكون للمشتري فيه وجهان اشبههما الثاني.
(الثانية) لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم عرف عيبه

(8/356)


فان رضى بالرد من غير ان يطالب بشئ فعلى البائع قبوله ويصير الصبغ ملكا له فانه صفة للثوب لا تزايله وليس كالنعل هذا لفظ امام الحرمين قال ولا صائر إلى انه يرد الثوب ويبقى شريكا بالصبغ كما يكون مثله في المغصوب والاحتمال يتطرق إليه وان أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ففي وجوب الاجابة على البائع وجهان (أظهرهما) لا يجب لكن يأخذ المشتري الارش ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع رد الثوب لا غرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب منهما وجهان (الذي) أورده ابن الصباغ والمتولي ان المجاب البائع ولا أرش للمشتري * ولما حكى الامام الخلاف في الطرفين ذكر ان الصبغ الزائد قد جرى مجرى ارش العيب الحادث في طرفي المطالبة ومعناه أنه إذا قال البائع رد مع الارش

(8/357)


وقال المشتري بل أمسك وآخذ الارش ففيمن يجاب وجهان * وكذا إذا قال المشتري أرده مع الارش وقال البائع بل اغرم الارش وهذا ظاهر للمتأمل في الوجوه الثلاثة المذكورة هناك إذا أفرد أحد
الجانبين بالنظر ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث ما أشار إليه صاحب الكتاب وهو ان ادخال الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في العقد كادخال الارش الدخيل ثم ظاهر لفظ الكتاب يقتضي عود الوجوه الثلاثة هاهنا حتى يقال المجاب منهما في وجه من يدعو إلى فضل الامر بالارش القديم وقد صرح به في الوسيط ولكن رواية الوجه الثالث لا تكاد توجد لغيره وبتقدير ثبوته فقد بينا ثم أن الاصح الوجه الثالث وههنا قضية ايراد الائمة انه لا يجاب المشتري إذا طلب

(8/358)


الارش كما مر (وقوله) فطلب قيمة الصبغ له وجه المعنى الذي ينبغي أن تنزل عليه هذه الكلمة ان طلب قيمة الصبغ ليس كلطلب قيمة النعل فان النعل تابع بالاضافة إلى الدابة حقير والصبغ بخلافه فان هذا الطلب متجه وذاك مستنكر * ولو قصر الثوب ثم وقف على العيب فيبني على أن القصارة عين أو أثر (إن قلنا) بالاول فهى كالصبغ (وان قلنا) بالثاني رد الثوب ولا شئ له كالزيادات المتصلة وعلى هذا فقس نظائره والله أعلم * قال (ولا يرد البطيخ (ح و) والجوز والبيض واللوز بعد السكر وان وجده معيبا بل يأخذ ارش العيب وقيل ان له الرد (م ح وز) وضم أرش الكسر إليه) *

(8/359)


إذا اشترى ما ماكوله في جوفه كالبطيخ والرانج والرمان والجوز واللوز والفندق والبيض فكسره ووجده فاسدا ينظر ان لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشئ والبطيخة الشديدة التغير رجع المشتري بجيمع الثمن نص عليه وكيف سبيله قال معظم الاصحاب تبين فساد البيع لوروده على غير متقوم وعن القفال في طائفة انه لا يتبين الفساد لكنه على سبيل استدراك الظلامة فكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكله عند فوات كل المبيع وتظهر ثمرة هذا الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها * وإن كان لفاسده قيمة كالرانج وبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا أو مدود بعض الاطراف فللكسر حالتان (إحداهما)

(8/360)


أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة والمزني أنه ليس الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري بارش العيب القديم أو يضم ارش النقصان إليه ويرده كما سبق (وقوله) في الكتاب بل يأخذ الارش ان لم يتراضيا على الرد مع الارش لانه لا يعدل عنه بحال (والثاني) له ذلك وبه قال مالك وكذا أحمد في رواية لانه نقص لا يعرف العيب الا به فلا يمنع الرد كالمصراة وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح القول الاول وبه قال صاحب التهذيب لكن القاضي الماوردي والشيخ أبا حامد ومن تابعه رجحوا الثاني وبه قال القاضي الروياني وغيره * وإذا فرعنا على الثاني فهل يغرم ارش

(8/361)


الكسر فيه قولان (أحدهما) نعم وهو الذى أورده في الكتاب كما يرد المصراة ويغرم (والثاني) لا لانه لا يعرف العيب الا به فهو معذور فيه والبائع بالبيع كانه سلطه عليه وهذا أصح عند صاحب التهذيب وغيره (فان قلنا) بالاول غرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب ولا نظر إلى الثمن (الحالة الثانية) أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد باقل من ذلك الكسر فلا رد كما في سائر العيوب وعن أبي اسحق أن بعض الاصحاب طرد القولين * إذا عرفت ذلك فكسر الجوز ونحوه وثقب الرانج من صور الحالة الاولى وكسر الرانج وترضيض بيض النعام من صور الحالة الثانية وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه وكذا التقوير الكبير

(8/362)


إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير والتدويد لا يعرف الا بالتقوير وقد يحتاج إلى الشق ليعرف وقد يستغني في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر وليست الحموضه بعيب في الرمان بخلاف البطيخ فان شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضا بالغرز رده وان بان بالشق فلا * (فرع) إذا اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر فنشره ووقف على عيب به لا يوقف عليه الا بالنشر فيه القولان كذا أطلقه الاصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب المطوي من صور بيع الغائب ولم يتعرض الائمة لهذا الاشكال فيما رأيته الا من وجهين (أحدهما)
ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب (والثاني) قال صاحب الحاوي

(8/363)


وغيره ان كان مطويا أكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خيار الرؤية وان كان مطويا على طاقين يصح البيع لانه يرى جميع الثوب من جانبه وهذا حسن لكن المطوى على طاقين لا يرى من جانبه إلا أحد وجهى الثوب وفى الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق وراء ما ذكره تنزيلان (أحدهما) أن يفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي قبل البيع ويستمر الفرع (والثاني أن ما ينقص بالنشر مرة ينتقص بالنشر مرتين فوق ما ينتقص به مرة واحدة فلو نشر مرة وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشترى وزاد النقصان بذلك انتظم الفرع والله اعلم * قال (وإذا اشترى عبدا من رجلين فله أن يفرد أحدهما (ح) برد نصيبه وإذا اشترى رجلان

(8/364)


عبدا من واحدا فلاحدهما أن يفرد نصيبه بالرد على أصح القولين) * (المبيع في الصفقة الواحدة اما شئ واحد أو شيئان فان كان الثاني كما لو اشترى عبدين فخرجا معيبين فله ردهما وكذا لو خرج أحدهما معيبا واما أفراد المعيب بالرد فقد ذكرناه في تفريق الصفقة * وان كان لاول كما لو اشترى دارا أو عبدا فخرج معيبا فليس له رد بعضه ان كان الباقي قائما في ملكه لما فيه من تشقيص ملك البائع عليه فان رضى البائع جاز في أصح الوجهين وان كان الباقي زائلا كما إذا عرف العيب بعد بيع بعض المبيع فقد حكى الشيخ أبو على في رد الباقي طريقين (أحدهما) أنه على قولين بناء على تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع بالمنع كما لو كان الباقي قائما في ملكه

(8/365)


وعلى هذا فهل يرجع بالارش (أما) للقدر المبيع فكما ذكرنا إذا باع الكل (وأما) للقدر الباقي فوجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنه يرجع لتعذر الرد ولا ينتظر عود الزائل ليرد الكل كما لا ينتظر زوال العيب الحادث والوجهان جاريان فيما إذا اشترى عبدين وباع أحدهما ثم عرف العيب ولم نجوز رد الباقي هل يرجع بالارش ولو اشترى ومات وخلف ابنين فوجدا به عيبا (فالاصح) وهو قول وهو قول
ابن الحداد أنه لا ينفرد احدهما بالرد لان الصفقة وقعت متحدة ولهذا لو سلم احد الابنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه وفيه وجه أنه ينفرد لانه رد جميع ما ملك * هذا كله فيما إذا اتحد المتعا قدان (إما) إذا اشترى رجل عبدا من رجلين وخرج معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما

(8/366)


بالرد لان تعدد البائع يوجب تعدد العقد وأيضا لا يتشقص على المردود عليه ما خرج عن ملكه * ولو اشترى رجلان عبدا من واحد فقولان (أصحهما) أن ينفرد بالرد لانه رد جميع ما ملك كما ملك وبهذا قال أحمد وكذا مالك في رواية (والثانى) يحكى عن رواية أبى مور وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له الانفراد لان العبد خرج عن ملك البائع كاملا والان يعود إليه بعضه وبعض الشئ لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع كله * (التفريع) ان جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك وللراد ما استرد أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسك الممسك واسترده الراد حكى القاضى الماوردى

(8/367)


فيه وجهين (أصحهما) أولهما * وان منعنا الانفراد فذاك فيما ينتقص بالتبعيض (وأما) ما لا ينتقص كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة * ولو أراد الممنوع من الرد الارش قال الامام ان حصل اليأس من امكان رد نصيب الاخر بان أعتقه وهو معسر فله أخذ الارش وان لم يحصل نظر ان رضى صاحبه بالعيب فيبنى على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه واراد ان يرد الكل ويرجع بنصف الثمن هل يجبر على قبوله كما في مسألة الغل وفيه وجهان (ان قلنا) لا أخذ الارش (وان قلنا) نعم فكذالك في أصح الوجهين لانه توقع بعيد وان كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال في الارش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة ولو اشترى

(8/368)


رجلان عبدا من رجلين كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما * ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد منهم مشتريا تسع العبد من كل واحد
من الباعة * ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من واحد ربع كل واحد فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه * ولو رد أحد العبدين وحده ففيه قولا التفريق * لو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في صفقة اما من البائع الاول أو غيره فله رد احد البعضين خاصة لتعدد الصفقة ولو علم بالعيب بعد العقد الاول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي فليس له رد الباقي وله رد الاول عند الامكان والله اعلم *

(8/369)


قال (وإذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه فالقول قول البائع إذ الاصل لزوم العقد فيحلف انى بعته واقبضتة وما يوجب) * إذا وجد بالمبيع عيبا فقال البائع عيبا انه حدث عند المشترى وقال المشترى بل كان عندك نظر ان كان العيب مما لا يحتمل حدوثه بعد البيع كالاصبع الزائدة وشين الشجة المتدملة والبيع جرى امس فالقول قول المشترى من غير يمين وان لم يحتمل تقدمه كالجراحة الطرية وقد جرى البيع والقبض منذ سنة فالقول قول البائع من غير يمين وان كان مما يحتمل حدوثه وقدمه كالبرص وهو المراد من مسألة الكتاب فالقول قول البائع مع يمينه لان الاصل لزوم العقد واستمراره وكيف يحلف ينظر

(8/370)


في جوابه لدعوى المشترى فإذا ادعى المشترى بأن بالمبيع عيبا كان قبل البيع أو قبل القبض وأراد الرد فقال في الجواب ليس له الرد على بالعيب الذى يذكره أو لا يلزمنى قبوله حلف على ذلك ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم البيع ولا قبل القبض لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به أو انه رضي بعد البيع ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة ولو قال في الجواب ما بعته الا سليما أو ما أقبضته الا سليما فهل يلزمه أن يحلف كذلك أو يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو لا يلزمنى قبوله فيه وجهان (أحدهخما) أنه يكفيه الجواب المطلق كما لو اقتصر عليه في الجواب (وأظهرهما) أنه يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب لتكون اليمين مطابقة للجواب ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق لوجب الاقتصار عليه

(8/371)


في الجواب وهذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره وهذا التفصيل والخلاف جاريان في جميع الدعاوى والاجوبة * إذا تقرر ذلك فاعلم أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المسألة أن القول
قول البائع مع يمينه على البت لقد باعه بريئا من العيوب واعترض المزني فقال ينبغى أن يحلف لقد أقبضته بريئا من العيب لان ما يحدث قبل القبض يثبت الرد كالسابق على البيع * وتكلم الاصحاب على اعتراضه بحسب الخلاف المذكور فمن اعتبر كون اليمين وفق الجواب قال أراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا ادعي المشترى عيبا سابقا على الرد واراد الرد به وقال البائع في الجواب بعته وما به هذا العيب فيحلف كذلك * ولو قال المشترى قبضته معيبا ونفاه البائع

(8/372)


في الجواب حلف كما ذكره المزني ولو اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق الرد لم يلزمه ذكر هذا ولا ذك * ومن قال تكفى اليمين على نفى الاستحقاق بكل حال قال لم يقصد الشافعي رضى الله عنه أن الان على ماذا يحلف ولاى وقت يتعرض ولكن أراد أن يتبين أنه يحلف على البت فلا يقول مثلا بعته وما أعلم به عيبا ولكن يقول بعته وما به عيب ويجوز اليمين على البت إذا اختبر حال العبد واطلع على خفايا أمره كما يجوز بمثله الشهادة على الاعسار وعدالة الشهود وغيرهما * وعند عدم الاختبار يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظن خلافه (وقوله) في الكتاب بعته وأقبضته وما به عيب محمول على ما إذا نفى في جواب المشترى العيب في الحالتين واعتبرنا

(8/373)


موافقة اليمين للجواب لفظا ومعني والا فمدار الرد التعيب عند القبض حتى لو كان معيبا عند البيع وقد زال العيب فلا رد له بما كان بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حق الرد * ولو زعم المشتري أن بالمبيع عيبا وأنكره البائع فالقول قوله لان الاصل السلامة ودوام العقد ولو اختلفا في بعض الصفات أنه هل هو عيب فالقول قول البائع أيضا مع يمينه وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما قال في التهذيب فان قال واحد من أهل العلم به انه عيب ثبت الرد به * واعتبر صاحب التتمة شهادة اثنين * ولو ادعي البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري والله أعلم * قال (ولا يمتنع الرد بوطئ الثيب (ح) والاستخدام ولا بالزوائد (ح) المنفصلة بل تسلم (م)

(8/374)


الزوائد للمشتري إن حصلت بعد القبض وكذلك لو حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين * والحمل الموجود عند العقد يسلم ايضا للمشتري على اصح القولين) * أصل مسائل الفصل أن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله لان العقد لا ينعطف حكمه على ما مضي فكذلك الفسخ * هذا هو المذهب الصحيح وفيما إذا انفسخ قبل القبض وجه انه يرد العقد من اصله لان العقد ضعيف بعد فإذا فسخ فكأنه لا عقد وفي التتمة ذكر وجه انه يرفع العقد من اصله مطلقا تخريجا من القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المسيس * إذا عرف ذلك فالمسائل ثلاث (أحداها) لا خلاف ان الاستخدام لا يمنع من الرد بالعيب وأما الوطئ فالجارية

(8/375)


اما بكر أو ثيب فان كانت ثيبا فوطئ المشتري لا يمنع الرد بالعيب وإذا رد لم يضم إليه مهرا وبه قال مالك وهو رواية عن احمد وقال أبو حنيفة يمنع * لنا انه معنى لا يوجب نقصا ولا يشعر برضى فاشبه الاستخدام * ووطئ البائع والاجنبي بالشبهة كوطئ المشتري لا يمنع الرد ووطئهما عن طواعية منها زنا وذلك عيب حادث هذا إذا وطئت بعد القبض فان وطئها المشتري قبل القبض لم يمنع الرد ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه ان سلمت وقبضها وان تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع فيه وجهان مبنيان على أن العقد إذا انفسخ بتلف قبل القبض ينفسخ من أصله أو من حينه وفيه وجهان (أصحها) الثاني وبه قال ابن سريج * وان وطئها أجنبي فهي زانية وهو عيب حدث قبل القبض

(8/376)


وان كانت مكرهة فللمشترى المهر ولا خيار له بهذا الوطئ ووطئ البائع كوطئ الاجنبي لكن لا مهر عليه ان قلنا ان جناية البائع قبل القبض كالافة السماوية (وأما) البكر فافتضاضها بعد القبض نقص حادث وقبله جناية على المبيع قبل القبض فان افتضها أجنبي بغير آلة الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها وان أفتض بآلته فعليه المهر وارش البكارة هل يدخل فيه أو يفرد فيه وجهان (اصحهما) يدخل فعليه مهر مثلها بكرا (والثاني) يفرد فعليه ارش البكارة ومهر مثلها ثيبا ثم المشتري ان أجاز العقد فالكل له والا فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه ناقصة والباقي للمشتري * وان افتضها البائع فان اجاز المشتري
فلا شئ على البائع ان قلنا ان جنايته كالافة السماوية وان قلنا انها كجناية الاجنبي فالحكم كما في

(8/377)


الاجنبي وان فسخ المشتري فليس على البائع ارش البكارة وهل عليه مهر مثلها ثيبا ان افتض بآلته يبني على أن جنايته كالافة السماوية أم لا وان افتضها المشتري استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها فان سلمت حتى قبضها فعليه الثمن بكماله وان تلفت قبل القبض فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن وهل عليه مهر مثل ثيب ان افتضها بآلة الافتضاض يبني على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه هذا هو الصحيح وفيه وجه أن افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الاجنبي * (المسألة الثانية) الزيادة في المبيع ضربان متصلة ومنفصلة (اما) المتصلة كالسمن وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجرة فهي تابعة لرد الاصل ولا شئ على البائع بسببها (وأما) المنفصلة كما إذا أجر المبيع

(8/378)


وأخذ أجرته وكالولد والثمرة وكسب العبد ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة فانها لا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشترى وبه قال أحمد * وقال ابو حنيفة الولد والثمرة يمنعان الرد بالعيب والكسب والغلة لا يمنعانه لكن ان رد قبل القبض ردهما مع الاصل وان رد بعده بقيا له * وقال مالك يرد مع الاصل الزيادة التي هي من جنس الاصل وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة * لنا ما روي (أن مخلد بن خفاف ابتاع غلاما استغله ثم اصاب به عيبا فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته فاخبره عروة عن عائشة رضى الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا ان الخراج بالضمان فرد عمر رضي الله عنه قضاءه وقضى لمخلد بالخراج) ومعنى الخبر ان ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة فهو للمشتري

(8/379)


في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه ولا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض والزوائد الحادثة بعده مهما كان الرد بعد القبض وان كان الرد قبله ففي الزوائد وجهان بناء على ان الفسخ والحالة هذه رفع للعقد من اصله أو من حينه (والاصح) أنها تسلم للمشتري ايضا (وقوله) في الكتاب وكذلك ان حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين يقتضي كون الزوائد الحاصلة قبل القبض على
وجهين وان كان الرد بعد القبض لكنه ليس كذلك كذا قاله الامام وغيره وموضع الوجهين ما إذا كان الرد قبل القبض فاعرف ذلك واعلم أنه لو نقصت البهيمة أو الجارية بالولادة امتنع الرد للنقص الحادث وان لم يكن الولد مانعا وتكلموا في افراد الجارية بالرد وان لم تنقص بالولادة من

(8/380)


جهة أنه تفريق بين الام والولد فقال قائلون لا يجوز الرد ويتعين الارش الا ان يكون الوقوف على العيب بعد بلوغ الولد سنا لا يحرم بعده التفريق وقال آخرون لا يحرم التفريق ههنا للحاجة وسنذكر نظيره في الرهن (المسألة الثالثة) عرفت حكم الولد الحادث بعد البيع (فاما) إذا اشترى جارية أو بهيمة حاملا ثم وجد بها عيبا فان كان حاملا بعد ردها كذلك وان وضعت الحمل ونقصت بالولادة فلا رد وان لم تنقص ففي رد الولد معها قولان بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن أم لا والاصح نعم ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وانه لو هلك قبل القبض هل يسقط من الثمن بحصته وانه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض فان قلنا له قسط

(8/381)


من الثمن جاز الحبس وسقط الثمن ولم يجز البيع والا انعكس الحكم * ولو اشترى نخلة عليها طلع غير مؤبر ووجد بها عيبا بعد التأبير ففي الثمرة طريقان (أظهرهما) أنه على القولين في الحمل وتشبيها للثمرة في الكمام بالحمل في البطن (والثاني) القطع بانها تأخذ قسطا من الثمن لانها مشاهدة متيقنة ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فان نقصت بالحمل فلا رد ان كان الحمل في يد المشتري وان لم تقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد وحكم الولد مبني على الخلاف السابق (ان قلنا) أنه يعرف ويأخذ قسطا من الثمن يبقى للمشتري فيأخذه إذا انفصل * وحكى القاضي الماوردي وجها أنه للبائع لاتصاله بالام عند الرد (وان قلنا) إنه لا يعرف ولا يأخذ قسطا فهو للبائع ويكون تبعا

(8/382)


للام عند الفسخ كما يكون تبعا لها عند العقد واطلق بعضهم القول بان الحمل الحادث نقص (أما) في الجوارى فلانه يوثر في الجمال والنشاط (وأما) في البهائم فلانه ينقص لحم المأكول ويخل بالحمل عليها
والركوب * ولو اشترى نخلة واطلعت في يده ثم اطلع على عيب فلمن الطلع فيه وجهان * ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم عرف به عيبا رد الصوف معه فان استجز ثانيا وجزه ثم عرف العيب لم يرد الثاني لحدوثه في ملكه وان لم يجز رده تبعا * ولو اشترى أرضا فيها اصول الكراث ونحوه وادخلناها في البيع فنبت في يد المشتري ثم عرف بالار ض عيبا يردها ويبقى النابت للمشتري فانها ليست تبعا للارض الا ترى ان الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل فيه والله أعلم *

(8/383)


قال (والاقالة فسخ (م) على الجديد الصحيح ولا يتوقف الرد بالعيب على حضور الخصم وقضاء القاضي (ح)) * الاقالة بعد البيع جائزة بل إذا ندم احدهما على الصفقة استحب للاخران يقيله روى انه صلى الله عليه وسلم قال (من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة) والاقالة ان يقول

(8/384)


المتبايعان تقايلنا أو تفاسخنا أو يقول احدهما أقلت ويقول الاخر قبلت وما أشبه ذلك وفي كونها بيعا أو فسخا قولان (أحدهما) وبه قال مالك أنها بيع لانها نقل ملك بعوض بايجاب وقبول فاشبهت التولية (وأصحهما) أنها فسخ إذ لو كانت بيعا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن * وذهب بعضهم إلى أن القولين في لفظ الاقالة فاما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة (واعلم) أن القول الثاني منصوص في الجديد وأما الاول فمنهم من حكاه وجها والاكثرون نقلوه عن نصه في القديم وعن أبي حنيفة ان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما * (التفريع) ان كانت بيعا تجدد بها الشفعة وان كانت فسخا فلا خلافا لابي حنيفة * ولو تقايلا

(8/385)


في الصرف وجب التقابض في المجلس ان كانت بيعا وان كانت فسخا فلا وتجوز الاقالة قبل قبض المبيع ان كانت فسخا وان كانت بيعا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض وتجوز في السلم قبل القبض ان كانت فسخا وان كانت بيعا فلا ولا تجوز الاقالة بعد تلف المبيع ان كانت بيعا وان
كانت فسخا فوجهان (احدهما) المنع كالرد بالعيب (وأصحها) الجواز وهو اختيار أبي زيد كالفسخ بالتحالف فعلى هذا يرد المشتري على البائع مثل المبيع ان كان مثليا وقيمته ان كان متقوما * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ففي الاقالة في الثاني وجهان بالترتيب إذ القائم تصادفه الاقالة فيستتبع التالف * وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري بعد لم ينفذ تصرف البائع فيه ان كانت بيعا ونفذ ان كانت فسخا

(8/386)


فان تلف في يده انفسخت الاقالة ان كانت بيعا وبقى البيع بحاله وان كانت فسخا فعلى المشتري الضمان لانه مقبوض على حكم العو ض كالمأخوذ قرضا أو سوما والواجب فيه ان كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض ولو تعيب في يده فان كان بيعا تخير البائع بين ان يجيز الاقالة ولا شئ له وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن وان كان فسخا غرم أرش العيب ولو استعمله بعد الاقالة فان جعلناها بيعا فهو كالمبيع يستعمله البائع وان جعلناها فسخا فعليه الاجرة ولو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الاقالة فلا رد له ان كانت فسخا وان كانت بيعا فله رده ويجوز للمشتري حبس المبيع لا سترداد الثمن على القولين * ولا يشترط ذكر الثمن في الاقالة ولا تصح الا

(8/387)


بذلك الثمن فلو زاد أو نقص فسدت وبقى البيع بحاله حتى لو اقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسرة لم يجز ويجوز للورثة الاقالة بعد موت المتبايعين ويجوز الاقالة في بعض المبيع كما تجوز في كله قال الامام رحمه الله هذا إذا لم تلزم جهالة اما إذا اشترى عبدين وتقايلا في احدهما مع بقاء الثاني لم يجز على قولنا انه بيع للجهل بحصة كل واحد منهما * وتجوز الاقالة في بعض المسلم فيه ايضا لكن لو اقاله في البعض ليعجل له الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة (وأما) قوله ولا يتوقف الرد بالعيب إلى آخره فقد ذكرته من قبل وتختم الباب بفروع *

(8/388)


(أحدها) الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع وان لم يكن معيبا فيستبدل ولا يفسخ
العقد سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج نحاسا أو رصاصا * ولو تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبضه خللا فله حالتان (إحداهما) ان يرد العقد على معينين فان خرج أحدهما نحاسا فالعقد باطل لانه بان أنه غير ما عقد عليه وقيل إنه صحيح تغليبا للاشارة وهذا إذا كان له قيمة فان لم يكن لم يجئ فيه هذا الخلاف وان خرج بعضه بهذه الصفة بطل العقد فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة إن لم تبطل فله الخيار فان أجاز والجنس مختلف بان تبايعا فضة بذهب جاء القولان في أن الاجازة بجميع الثمن أو بالحصة وان كان الجنس متفقا فالاجازة بالحصة لا محالة

(8/389)


لامتناع الفضل * وان خرج أحدهما خشنا أو أسود فلمن أخذه الخيار ولا يجوز الاستبدال وان خرج بعضه كذلك فله الخيار أيضا وهل له الفسخ في المعيب والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق فان جوزنا فالاجازة بالحصة لان العقد صح في الكل فإذا ارتفع في البعض كان بالقسط (الحالة الثانية) أن يرد على ما في الذمة ثم يحضرا ويتقابضا فان خرج أحدهما نحاسا وهما في مجلس العقد استبدل وإن تفرقا فالعقد باطل لان المقبو ض غير ما ورد عليه العقد وان خرج خشنا أو اسود فان لم يتفرقا بعد فهو بالخيار بين الرضا به وبين الاستبدال وان تفرقا فهل له استبداله فيه قولان (أحدهما) لا لانه قبضه بعد التفرق (وأصحهما) نعم كالمسلم فيه إذا خرج معيبا وهذا لان القبض الاول صحيح إذ لو رضي به جاز والبدل مأخوذ فقام مقام

(8/390)


الاول ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد * وان خرج البعض كذلك وقد تفرقا فان جوزنا الاستبدال استبدله والا فهو بالخيار بين فسخ العقد في الكل والاجازة وهل له الفسخ في ذلك القدر والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق * ورأس مال السلم حكمه حكم عوض الصرف ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيبا بعد تلفه أو تبايعا طعاما بطعام ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه نظر إن ورد العقد على معينين أو على ما في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فان كان الجنس مختلفا فهو كبيع العرض بالنقد وان كان متفقا ففيه الخلاف الذي سبق في مسألة الحلي وان ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد غرم ما تلف عنده ويستبدل وكذا ان تفرقا وجوزنا الاستبدال * ولو وجد المسلم

(8/391)


إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده فان كان معينا أو في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فيسقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة راس المال وان كان في الذمة وهما في المجلس يغرم التالف ويستبدل وكذا لو كان بعد التفرق إذا جوزنا الاستبدال * (الثاني) باع عبدابالف وأخذ بالالف ثوبا ثم وجد المشترى بالعبد عيبا ورده فعن القاضي أبي الطيب أنه يرجع بالثوب لان الثوب إنما ملكه بالثمن فإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري فيفسخ بيع الثوب به وقال الاكثرون يرجع بالالف لان الثوب مملوك بعقد آخر ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع قال ابن سريج يرجع بالالف دون الثوب لان الانفساخ بالتلف يقطع العقد

(8/392)


ولا يرفعه من أصله وهو الاصح وفيه وجه آخر * (الثالث) باع عصيرا حلوا فوجد المشتري به عيبا بعد ما تخمر فلا سبيل إلى رد الخمر لكن يأخذ الارش فان تخلل فللبائع أن يسترده ولا يدفع الارش * ولو اشترى ذمي خمرا من ذمي ثم أسلما وعرف المشتري بالخمر عيبا استرد جزءا من الثمن على سبيل الارش ولا رد ولو أسلم البائع وحده فلا رد أيضا ولو أسلم المشتري وحده فله الرد قاله ابن سريج وعلله بأن المسلم لا يتملك الخمر والن يزيل يده عنه * (الرابع) مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري ولو هلك في يده ضمنه *

(8/393)


(الخامس) لو اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فعن أبي الحسين أن ابن أبي هريرة قال أعيتني هذه المسألة والاولى أن يتحالفا وتبقى السلعة في يد المشتري وله الارش على البايع قيل له إذا لم يتبين الثمن كيف يعرف الارش قال احكم بالارش من القدر المتفق عليه قال أبو الحسين وحكى أبو محمد الفارسى عن أبي اسحق أن القول قول البائع لانه الغارم كما لو اختلفا في الثمن بعد الاقالة وهذا هو الصحيح * ولو دفعت الحاجة إلى الرجوع بالارش فاختلفا في الثمن
فالقول قول البائع أو المشتري روى القاضي ابن كج فيه قولين والاصح الاول * (السادس) أوصي إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه واعتاقها ففعل الوصي ذلك ثم وجد

(8/394)


المشتري عيبا بالعبد فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن كما يرد على الوكيل والوصي ببيع العبد المردود ويدفع الثمن إلى المشتري ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل فهى للوكيل بيعه ثانيا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كالوصي ليتم البيع على وجه لا يرد عليه (واصحهما) لا لانه امتثل المأمور وهذا ملك جديد فيحتاج فيه إلى اذن جديد ويخالف الايصاء فانه تولية وتفويض كلي * ولو وكله بأن يبيع بشرط الخيار للمشترى فامتثل ورد المشتري (فان قلنا) ملك البائع لم يزل فله بيعه ثانيا (وان قلنا) زال وعاد فهو كالرد بالعيب ثم إذا باعه الوصي ثانيا نظر ان باعه بمثل الثمن الاول فذاك وان باعه بأقل فالنقصان على الوصي أو في ذمة الموصي فيه وجهان (أصحهما) الاول وبه قال ابن

(8/395)


الحداد لانه انما أمره بشراء الجارية بثمن العبد لا بالزيادة عليه وعلى هذا لو مات العبد في يده كما رد غرم جميع الثمن ولو باعه باكثر من الثمن الاول فان كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب دفع قدر الثمن إلى المشتري والباقي للوارث وان لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الاول باطل للغبن * ويقع عتق الجارية عن الوصي بأن اشترى الجارية في الذمة فان اشتراها بعين ثمن العبد لم ينفذ الشراء ولا الاعتاق وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن واعتاقها عن الموصى هكذا أطلقه الاصحاب ولا بد فيه من تقييد وتأويل لان بيعه بالعين وتسليمه عن علم وبصيرة بالحال خيانة والامين ينعزل بالخيانة فلا يتمكن من شراء جارية أخرى والله أعلم *

(8/396)


قال (النظر الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده ولابد من بيان حكم القبض وصورته ووجوبه (اما) الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف إذ المبيع قبل القبض في ضمان البائع (م) ولو تلف انفسخ العقد واتلاف المشتري قبض منه واتلاف الاجنبي لا يوجب الانفساخ على
اصح القولين ولكن يثبت الخيار للمشتري واتلاف البائع كاتلاف الاجنبي على الاصح) * مقصود هذا النظر بيان حكم المبيع قبل القبض وبعده على ما فصلناه في أول البيع وتكلم حجة الاسلام رحمه الله فيه في ثلاثة أمور (أحدها) حكم القبض وثمرته (والثاني) أن القبض بم يحصل (والثالث) وجوبه والاجبار عليه (أما) الاول فللقبض حكمان (احدهما) انتقال الضمان إلى المشتري فان المبيع قبل القبض من

(8/397)


ضمان البائع ومعناه أنه لو تلف انفسخ العقد وسقط الثمن * وعن مالك وأحمد فيما رواه ابن الصباغ أنه إذا لم يكن المبيع مكيلا ولا موزونا ولا معدودا فهو من ضمان المشتري ومنهم من أطلق رواية الخلاف عنهما * لنا انه قبض مستحق بالبيع فإذا تعذر انفسخ البيع كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض * إذا تقرر ذلك فلو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع قبل القبض هل يبرأ حتى لو تلف لا ينفسخ العقد ولا يسقط الثمن نقل صاحب التهذيب فيه قولين (أصحهما) أنه لا يبرأ وحكم العقد لا يتغير ثم إذا انفسخ البيع كان المبيع هالكا على ملك البائع حتى لو كان عبدا كان مؤنة تجهيزه على البائع وكيف التقدير أنقول بانتقال الملك إليه قبل الهلاك أو يرتفع العقد من أصله فيه وجهان أخرجهما ابن سريج

(8/398)


(أصحهما) وهو اختياره واختيار ابن الحداد أنه لا يرتفع من أصله كما في الرد بالعيب والزوائد الحادثة في يد البائع من الولد واللبن والبيض والكسب وغيرهما تخرج على هذين القولين وقد ذكرنا نظيرهما في الرد بالعيب قبل القبض وطردهما طاردون في الاقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد (والاصح) فيها جميعا أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع ولو هلكت والاصل باق فالبيع باق بحاله ولاخيار للمشتري وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد وما وهب منه فقبله وقبضه وما اوصى له فقبله هذا حكم التالف بالافة السماوية (أما) إذا أتلف المبيع قبل القبض فله ثلاثة أقسام (الاول) أن يتلفه المشتري فهو قبض منه على المذهب لانه أتلف ملكه فاشبه مااذا أتلف المالك

(8/399)


المغصوب في يد الغاصب يبرأ الغاصب من الضمان ويصير المالك مستردا بالاتلاف وحكى الشيخ
ابو علي وغيره وجها أن اتلافه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من ضمان البائع هذا عند العلم (أما) إذا كان جاهلا بان قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فاكله هل يجعل قابضا قال القاضي حسين رحمه الله فيه وجهان تفريعا على القولين فيما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فاكله جاهلا هل يبرأ الغاصب ان لم نجعله قابضا فهو كما لو اتلف البائع (والثاني) أن يتلفه اجنبي ففيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين (احدهما) انه كالتلف بآفة سماوية لتعذر التسليم (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة وأحمد انه ليس كذلك ولا ينفسخ البيع لقيام القيمة مقام

(8/400)


المبيع لكن للمشتري الخيار ان شاء فسخ واسترد الثمن ويغرم البائع الاجنبي وان شاء اجاز وغرم الاجنبي (والثاني) القطع بالقول الثاني ويحكى هذا عن ابن سريج (وإذا قلنا) به فهل للبائع حبس القيمة لاخذ الثمن فيه وجهان (احدهما) نعم كما يحبس المرتهن قيمة المرهون (واظهرهما) لا لان الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل بخلاف الرهن ولهذا لو اتلف الراهن المرهون غرم القيمة والمشتري إذا اتلف المبيع لا يغرم القيمة ليحبسها البائع وعلى الاول لو تلفت القيمة في يده بآفة سماوية هل ينفسخ البيع لانها بدل المبيع فيه وجهان (أظهرهما) لا (والثالث) ان يتلفه البائع فطريقان (اظهرهما) انه على قولين (اصحهما) انفساخ البيع كما في الافة السماوية لان المبيع مضمون

(8/401)


عليه بالثمن فإذا اتلفه سقط الثمن وبهذا قال ابو حنيفة (والثاني) المنع كاتلاف الاجنبي لانه جنى على ملك غيره فعلى هذا ان شاء المشترى فسخ البيع وسقط الثمن وان شاء اجاز وغرم القيمة البائع وادى الثمن وقد يقع ذلك في اقوال التقاص (والثاني) القطع بالقول الاول فان لم نحكم بالانفساخ عاد الخلاف في حبس القيمة * وعن الشيخ ابى محمد القطع بانه لا حبس ههنا لتعديه باتلاف العين * ولو باع شقصا من عبد واعتق باقيه قبل القبض وهو موسر عتق كله وانفسخ البيع وسقط الثمن ان جعلنا اتلاف البائع كالافة السماوية وان جعلناه كاتلاف الاجنبي فللمشترى الخيار ولو استعمل البائع المبيع قبل القبض فلا اجرة عليه ان جعلنا اتلافه كالافة السماوية والا فعليه الاجرة * واتلاف

(8/402)


الاعجمي والصبى الذي لا يميز بأمر البائع أو المشترى كاتلافهما واتلاف المميز بامرهما كاتلاف الاجنبي وذكر القاضى الحسين رحمه الله ان أذن المشتري للاجنبي في الاتلاف يلغو وإذا أتلف فله الخيار وانه لو أذن البائع في الاكل والاحراق ففعل كان التلف من ضمان البائع بخلاف ما إذا أذن للغاصب ففعل يبرأ لان الملك ثم مستقر * ورأيت في فتاوى القفال أن اتلاف عبد البائع كاتلاف الاجنبي وكذا اتلاف عبد المشتري بغير اذنه فان أجاز جعل قابضا كما لو أتلفه بنفسه وان فسخ اتبع البائع الجاني وانه لو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشترى بالنهار ينفسخ البيع وان اعتلفه بالليل لا ينفسخ وللمشتري الخيار فان أجاز فهو قابض والا طالبه البائع بقيمة ما أتلفه حماره وفى بهيمة البائع اطلق القول بأن اتلافها كالافة

(8/403)


السماوية قيل له هلا فرقت أيضا بين الليل والنهار فقال هذا موضع التروي * ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقتله دفعا فعن الشيخ أبي على أنه لا يستقر الثمن عليه وعن القاضي أنه يستقر لانه أتلفه في غرض نفسه * ولو أخذ المشتري المبيع بغير اذن البائع فللبائع الاسترداد إذا ثبت له حق الفسخ وان أتلفه في يد المشتري ففيه قولان عن رواية صاحب التقريب (أحدهما) أن عليه القيمة ولا خيار للمشترى لاستقرار العقد بالقبض وان كان ظالما فيه (والثاني) أنه يجعل مستردا بالاتلاف كما أن المشتري قابض بالاتلاف وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري قال الامام رحمه الله الظاهر الثاني (واعلم) أن وقوع الدرة في البحر قبل القبض بمثابة التلف ينفسخ به البيع وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش

(8/404)


قاله في التتمة * ولو غرق البحر الارض المشترأة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل بجنبها أو لبسها رمل فهى بمثابة التلف أو أثرها ثبوت الخيار فيه وجهان الاشبه الثاني * ولو ابق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود وفيه وجه أنه ينفسخ كما في التلف * ولو غصبه غاصب فليس إلا الخيار فان أجاز لم يلزمه تسليم الثمن وان سلمه فعن القفال انه ليس له الاسترداد لتمكنه من الفسخ وان أجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك كما لو انقطع المسلم فيه فاجاز ثم أراد الفسخ لانه يتضرر كل ساعة
وحكى عن جواب القفال مثله فيما إذا أتلف الاجنبي المبيع قبل القبض واجاز المشترى ليتبع الجاني ثم أراد الفسخ وقال القاضي في هذه الصورة وجب أن لا يمكن من الرجوع لانه رضى بما في ذمة الاجنبي

(8/405)


فاشبه الحوالة * ولو جحد البائع العين قبل القبض فللمشتري الفسخ لحصول التعذر (وأما) لفظ الكتاب فقوله أما الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسليط على التصرف ترجمة لحكمي القبض معا وشرح الحكم الثاني وتفصيله يبتدئ من قوله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قبل ذلك يتعلق بالحكم الاول (وقوله) في ضمان البائع معلم - بالميم والالف - وكذا قوله انفسخ العقد وقوله قبض منه - بالواو - وقوله على أصح القولين - بالواو - للطريقة الجازمة وقوله كاتلاف الاجنبي على الاصح جواب على طريقة اثبات القولين فيجوز اعلام الاصح - بالواو - واعلام قوله كاتلاف الاجنبي - بالحاء - لما سبق ثم قضية ما ذكروه أن يكون الاصح في اتلاف البائع ثبوت الخيار لا الانفساخ لان الامر

(8/406)


كذلك في اتلاف الاجنبي لكن جمهور الاصحاب رحمهم الله على أن الانفساخ اصح فاعرف ذلك * (فرع) منقول عن فتاوى القاضي * باع عبدا من رجل ثم باعه من آخر وسلمه إليه وعجز عن انتزاعه وتسليمه إلى الاول فهذا جناية منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسية حتى ينفسخ البيع في قول ويثبت للمشتري الخيار في الثاني بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع ولو أنه طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع أنا عاجز حلف عليه فان نكل حلف المدعى على أنه قادر ثم حبس إلى أن يسلم أو يقيم بينته على عجزه ولو ادعى المشتري الاول على الثاني العلم بالحال فانكر حلفه فان نكل حلف هو وأخذه منه *

(8/407)


قال (وان تعيب المبيع بآفة سماوية قبل القبض فللمشتري الخيار فان اجاز يجيز بكل الثمن ولا يطالب بالارش إلا أن يكون التعيب بجناية أجنبي فيطالبه بالارش وكذا ان كان بجناية البائع على الاصح) *
ذكرنا حكم التلف والاتلاف الكليين قبل القبض فاما إذا طرأ عيب أو نقصان نظر ان كان بآفة سماوية كما إذا عمى العبد أو شلت يده أو سقطت فللمشتري الخيار ان شاء فسخ والا أجاز بجميع الثمن ولا ارش له مع القدرة على الفسخ وان كان بجناية جان عادت الاقسام الثلاثة (أولها) أن يكون الجاني المشتري فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض فلا خيار له لحصول النقص

(8/408)


بفعله بل يمتنع بسببه الرد بسائر العيوب القديمة أيضا ويجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقر عليه ضمانه وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال فلا يضمن اليد المقطوعة بارشها المقدر ولا بما نقص من القيمة بالقطع وانما يضمنها بجزء من الثمن كما يضمن الكل بالثمن وفي مقداره وجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وابن الحداد أنه يقوم العبد صحيحا ثم يقوم مقطوعا ويعرف التفاوت بينهما فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة (بيانه) إذا قوم صحيحا بثلاثين ومقطوعا بخمسة عشر فعليه نصف الثمن ولو قوم مقطوعا بعشرين فعليه ثلث الثمن (والثاني) ويحكى عن القاضي أبي الطيب أنه يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة وهو النصف وعلى هذا لو قطع يديه واندملتا ثم

(8/409)


مات العبد في يد البائع وجب على المشتري تمام الثمن وهذا كله تفريع على المذهب الصحيح وهو أن اتلاف المشتري قبض منه وعلى الوجه المنسوب إلى رواية الشيخ أبي علي أنه لا يجعل قابضا لشئ من العبد وعليه ضمان اليد بارشها المقدر وهو نصف القيمة كالاجنبي وقياسه أن يكون له الخيار (وثانيها) إذا قطع أجنبي يده قبل القبض فللمشتري الخيار ان شاء فسخ وتبع البائع الجاني وان شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني قال القاضي الماوردي وإنما يغرمه إذا قبض العبد اما قبله فلا لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع ثم الغرامة الواجبة على الاجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع فيه قولان جاريان في جراح العبد مطلقا والاصح الاول (وثالثها)

(8/410)


إذا قطع البائع يد العبد قبل التسليم فان جعلنا جنايته كالافة السماوية فللمشتري الخيار ان شاء فسخ
واسترد الثمن وإن شاء أجاز بجميع الثمن وان جعلناها كجناية الاجنبي فله الخيار أيضا ان فسخ فذاك وان أجاز رجع بالارش على البائع وفي قدره القولان المذكوران في الاجنبي وصاحب الكتاب جعل القول الصائر إلى أن جناية البائع كجناية الاجنبي أصح لكن معظم الاصحاب على ترجيح القول المقابل له (وقوله) الا أن يكون التعيب بجناية أجنبي استثناء منقطع فانه لا يدخل فيما قبله حتى يحمل على حقيقة الاستثناء * (قال وتلف أحد العبدين يوجب الانفساخ في ذلك القدر (و) وسقوط قسطه من الثمن * والسقف

(8/411)


من الدار كأحد العبدين لا كالوصف على الاظهر) * إذا اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه وفي الثاني قولا تفريق الصفقة فان قلنا لا يفسخ وأجاز فبكم يجيزه قد ذكرناه في باب التفريق وفيه ما يقتضي اعلام قوله قسطه من الثمن - بالواو - وقد أورد المسألة في الكتاب وإنما أعادها ههنا ليتبين أن المسألة الثانية دائرة بين هذه المسألة وبين صور العيب فلذلك تردد الاصحاب فيها (وصورتها) أن يحترق سقف الدار المبيعة قبل القبض أو يتلف بعض أبنيتها وفيه وجهان (أحدهما) أنه كتعيب المبيع مثل عمى العبد وسقوط يده وما أشبههما (وأظهرهما) أنه كتلف أحد العبدين حتى ينفسخ البيع فيه وفي الباقي الخلاف لان السقف

(8/412)


يمكن إفراده بالبيع بتقدير الانفصال بخلاف يد العبد (وقوله) لا كالوصف فيه اشارة إلى أن النقصان ينقسم إلى فوات صفة وهو العيب والى فوات جزء وذلك ينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة المالية كيد العبد وهي في معنى الاتباع والاوصاف والى ما يفرد كاحد العبدين واحد الصاعين وذكر بعض المتأخرين أنه إذا احترق من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها ولم يبق الا طرف ينفسخ البيع في الكل ويجعل فوات البعض في مثل ذلك كفوات الكل * قال (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض ولا يقاس على البيع العتق (و) والهبة (و) والرهن وكذلك لا يقاس عليه والاجارة التزويج على الاصح) *

(8/413)


الحكم الثاني للقبض التسلط على التصرف فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض عقارا كان أو منقولا لا باذن البائع ولا دونه لا قبل أداء الثمن ولا بعده خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يجوز بيع العقار قبل القبض ولمالك رحمه الله حيث جوز بيع غير الطعام قبل القبض وكذا بيع الطعام إذا اشتراه جزافا ولاحمد رحمه الله حيث جوز بيع ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود ولا مذروع قبل القبض ويروى عن مالك وأحمد رحمهما الله ما بينه وبين هذه الرواية بعض التفاوت * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - من ابتاع طعاما فلا ببيعه حتى يستوفيه) وقال ابن عباس رضى الله عنهما (أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام ان يباع حتى يستوفي قال ولا أحسب كل شئ الا مثله) وروى انه صلى الله

(8/414)


عليه وسلم (نهى عن بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن) وروى أنه لما بعث عتابا إلى مكة قال (أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا) وذكر الاصحاب من طريق المعنى سببين (أحدهما) أن الملك قبل القبض ضعيف لكون المبيع من ضمان البائع وانفساخ البيع لو تلف فلا يفيد ولاية التصرف (والثاني) أنه لا يتوالى ضمانا عقدين في شئ واحد ولو نفذنا البيع من المشتري لافضى

(8/415)


الامر إليه لان المبيع مضمون على البائع للمشترى وإذا نفذ منه صار مضمونا عليه للمشترى الثاني فيكون الشئ الواحد مضمونا له وعليه في عقدين والاعتماد على الاخبار والا فللمعترض ان يقول تعنون بضعف الملك الانفساخ لو فرض تلف أو شيئا آخر ان عنيتم شيئا آخر فهو ممنوع وان عنيتم الاول فلم قلتم ان هذا القدر يمنع صحة البيع (وأما) الثاني فلا يعرف لكون المبيع من ضمانه معنى سوى انه لو تلف ينفسخ البيع ويسقط الثمن فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف في يد البائع ينفسخ البيعان ويسقط الثمنان ويتبين أنه هلك في يده * إذا تقرر ذلك فهل لاعتاق كالبيع فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن خيران نعم لانه ازالة ملك كالبيع (وأصحهما) لا بل يصح الاعتاق ويصير

(8/416)


قابضا به لقوة العتق وغلبته ولهذا يجوز اعتاق الابق دون بيعه هذا إذا لم يكن للبائع حق الحبس بان كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد اداه المشترى فإذا ثبت حق الحبس فمنهم من ينزله منزلة اعتاق الراهن (والصحيح) أنه ينفذ كما في الحالة الاولى بخلاف اعتاق الراهن لان الراهن لان الراهن حجر على نفسه بالرهن والرهن انشئ ليحبسه المرتهن * ولو وقف المبيع قبل القبض ففي التتمة انه يبنى على أن الوقف هل يفتقر إلى القبول (إن قلنا) نعم فهو كالبيع (وان قلنا) بالثاني فهو كالاعتاق وبهذا أجاب صاحب الحاوى وقال انه يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه يصير مضمونا بالقيمة وكذا قال في اباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا والكتابة كالبيع في أصح الوجهين

(8/417)


إذ ليس لها قوة العتق وغلبته والاستيلاد كالعتق * وفي هبة المبيع قبل القبض ورهنه وجهان ويقال قولان (أحدهما) انهما صحيحان لان التسليم غير لازم فيهما بخلاف البيع وهذا ما أورده في الكتاب (وأصحهما) عند عامة الاصحاب المنع لضعف الملك فانه كما يمنع البيع يمنع الهبة الا ترى أنه لا يصح رهن المكاتب وهبته كما لا يصح بيعه وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوسا بالثمن وإذا صححناهما فنفس العقد ليس بقبض بل يقبضه المشتري من البائع ثم يسلمه من المتهب أو المرتهن ولو أذن للمتهب أو المرتهن حتى قبضه ففي التهذيب انه يكفي ذلك ويتم به البيع والهبة والرهن بعده وقال أقضى القضاة الماوردي لا يكفي ذلك للبيع وما بعده ولكن ينظر ان قصد قبضه للمشتري صح قبض

(8/418)


البيع ولا بد من استنئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه وان قصد قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة فان قبضها يجب أن يتأخر عن تمام البيع والاقراض والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف * وفي إجارة المبيع قبل قبضه وجهان (أحدهما) يصح لان مورد عقد الاجارة غير مورد عقد البيع فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد (والثاني) لا يصح لضعف الملك ولان التسليم مستحق فيها كما في البيع (والاصح) عند المعظم الثاني وعند صاحب الكتاب الاول * وفي تزويج المشتري الجارية قبل القبض مثل هذين الوجهين لكن الاصح في التزويج الصحة بالاتفاق
ومنهم من أشار إلى وجه ثالث فارق بين أن يكون للبائع حق الحبس فلا يصح التزويج لانه منقص

(8/419)


وبين أن لا يكون فيصح وطرد مثله في الاجارة إذا كانت منقصة وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لا يكون قبضا وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قبض وكما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله اجرة في اجارة وعوضا في صلح وكذا لا يجوز السلم والاشراك والتولية وعن مالك أنه يجوز الاشراك والتولية وحكاه الشيخ ابو علي عن بعض الاصحاب * وجميع ما ذكرناه فيما إذا تصرف مع غير البائع (أما) إذا باع من البائع فوجهان (أحدهما) الجواز كبيع المغصوب من الغاصب (وأصحهما) المنع كالبيع من غيره والوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقصان أو تفاوت صفة والا فهو إقالة بصيغة البيع قاله في التتمة * ولو وهب منه أو رهن فطريقان (أحدهما) القطع بالمنع لانه لا يجوز أن

(8/420)


يكون نائبا من المشتري في القبض (وأصحهما) فيما نقل صاحب التهذيب أنه على القولين فان جوزنا فإذا أذن له في القبض عن الهبة أو الرهن ففعل اجزأ ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إذا تلف ينفسخ العقد ولو رهنه من البائع بالثمن فقد مر حكمه * (فرع) لابن سريج * باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد له بيع الثوب وليس للاخر بيع العبد فلو باع الثوب وهلك العبد في يده بطل العقد فيه ولا يبطل في الثوب ويغرم قيمته لبائعه ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف العبد والثوب في يده غرم لبائع الثوب القيمة ورد على مشتريه الثمن *

(8/421)


قال (وبيع الميراث والوصية والملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد جائز وانما المانع يد تقتضي ضمان العقد ولذلك لا يجوز بيع الصداق قبل القبض إذا قلنا إنه مضمون على الزوج ضمان العقد وكذلك في بدل الخلع والصلح عن دم العمد) * المال المستحق للانسان عند غيره قسمان عين في يد غيره ودين في ذمته (أما) الثاني فيأتي في
الفصل التالي لهذا الفصل (وأما) القسم الاول فماله في يد الغير إما أن يكون أمانة أو مضمونا (الضرب الاول) الامانات فيجوز للمالك بيعها لتمام الملك عليها وحصول القدرة على التسليم وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقرا ض في يد الشريك والعامل والمال في يد الوكيل بالبيع ونحوه

(8/422)


وفي يد المرتهن بعد انفكاك الرهن وفي يد المستاجر بعد انقضاء المدة والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا وما اختطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد * ولو ورث مالا فله بيعه قبل قبضه الا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه * ولو اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أو لم يكن وحق الغريم يتعلق بالثمن فان كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الاخر حتى يقبضه * ولو أوصى له بمال فقبل الوصية بعد موت الموصي فله بيعه قبل أخذه ولو باعه بعد الموت وقبل القبول جاز (ان قلنا) الوصية تملك بالموت (وان قلنا) تملك بالقبول أو هو موقوف فلا (الضرب الثاني) المضمونات وهي

(8/423)


ضربان مضمون بالقيمة ومضمون بعوض في عقد معاوضة (الضرب الاول) المضمون بالقيمة وهذا الضمان يسمى ضمان اليد فيصح بيعه قبل القبض أيضا لتمام الملك فيه فانه لو تلف تلف على ملكه ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره حتى لو باع عبدا فوجد المشتري به عيبا وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده قال في التتمة الا إذا لم يرد الثمن فان للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن * ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه فللمسلم بيع راس المال قبل استرداده وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بافلاس المشتري ولم يسترده بعد * ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشتري والمنهب في الشراء والهبة الفاسدين وكذا

(8/424)


بيع المغصوب من الغاصب (الضرب الثاني) المضمون بعوض في عقد معاوضة فلا يصح بيعه قبل القبض لتوهم الانفساخ بتلفه وذلك كالمبيع والاجرة والعوض المصالح عليه عن المال * وفي بيع المراة
الصداق قبل القبض قولان مبنيان على أن الصداق مضمون في يد الزوج ضمان اليد أو ضمان العقد وموضع بيانهما كتاب الصداق (والاصح) أنه مضمون ضمان العقد والقولان جاريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض وبيع العافي عن القود المال المعقود عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ والله أعلم * ووراء ما ذكرنا صورة اخرى إذا تأملتها لم يخف عليك أن كل واحدة منها من أي ضرب هي (فمنها) حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضى الله عنه أن الارزاق التي يخرجها السلطان

(8/425)


للناس يجوز بيعها قبل القبض (فمن) الاصحاب من قال هذا إذا افرزه السلطان فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفي ذلك لصحة البيع (ومنهم) من لم يكتف بذلك وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا بقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل والا فهو بيع شئ غير مملوك وهذا ما أورده القفال في الشرح (ومنها) بيع أحد الغانمين نصيبه على الاشاعة قبل القبض صحيح إذا كان معلوما كما إذا كانوا خمسة فالخمس لاهل الخمس والباقي على خمسة أسهم فيكون نصيب الواحد أربعة من خمسة وعشرين وهذا إذا حكمنا بثبوت الملك في الغنيمة وفيما تملك به الغنيمة خلاف يذكر في موضعه (ومنها) إذا رجع فيما وهب لولده له بيعه قبل استرداده وقال القاضي ابن كج ليس

(8/426)


له ذلك (ومنها) الشفيع إذا تملك الشقص قال في التهذيب له بيعه قبل القبض وقال في التتمة ليس له ذلك لان الاخذ بالشفعة معاوضة وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها (ومنها) إذا استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا وسلمه إليه فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه لان له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق به العوض وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الاجرة والا فلا لانه يستحق حبسه إلى استيفاء الاجرة ولو استأجر قصار القصارة ثوب وسلمه إليه فلا يجوز بيعه ما لم يقصره وإذا قصره فيبني على ان القصارة عين فتكون كمسالة الصبغ أو أثر فله البيع إذ ليس للقصار الحبس وعلى هذا قياس صوغ الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل (ومنها) إذا قاسم شريكه فبيع
__________
مسالة بيع ما وهبه لولده قبل استرداده ليست في النسخة التى بايدينا ولكنها موجودة بنسخة أخرى نقلناها برمتها اه مصححه

(8/427)


ما صار له قبل القبض من الشريك يبني على أن القسمة بيع أو افراز (ومنها) إذا اثبت صيدا بالرمي أو وقع في شبكته فله بيعه وان لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص في هذا الموضع قال القفال وليس هو مما نحن فيه فانه إذا أثبته كان في قبضته حكما * (فرع) تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض مثل الولد والثمرة بيي على أنه تعود إلى البائع لو عرض انفساخ أولا تعود إن عادت لم يتصرف فيها كما في الاصل والا تصرف * ولو كانت الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القض ان قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه والا فهو كالولد الحادث بعد البيع *

(8/428)


قال (والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا) (ح) فيمتنع (م) بيعه قبل القبض وان كان دينا كالمسلم فيه فكمثل (م) وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو باتلاف فيجوز الاستبدال عنه ولكن بشرط قبض البدل في المجلس على الاصح ولا يجوز بيع الدين من غير من عليه الدين على الاصح والاظهر منع الحوالة بالمسلم فيه وعليه لان في الحوالة معنى الاعتياض ويجوز (و) أن يستبدل عن النقد بالنقد وان كان ثمنا (و) للحديث هذا إذا لم يكن معينا فان عين تعين (ح) وامتنع (ح) الاستبدال عنه وانفسخ العقد بتلفه (ح) * قوله والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا فيمتنع بيعه قبل القبض كانه قصد به التعرض لمذهب أبي حنيفة رحمه

(8/429)


الله في العقار والتدرج به إلى ذكر ما إذا كان المبيع دينا والا فقد سبق ما يعرف منه امتناع بيع المبيع قبل القبض وشرح الفصل يحوج إلى تقديم وتأخير في مسائله فلا نبال بذلك (واعلم) ان من مسائل القسم الاول وهو أن يكون المستحق عينا في يد الغير ما إذا باع متاعا بدراهم أو دنانير معينة فليس للبائع التصرف فيهما قبل القبض وذلك لان الدراهم والدنانير متعينان بالتعيين كالمبيع فلا يجوز للمشتري ابدالها بمثلها ولو تلفت
قبل القبض انفسخ البيع ولو وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها بل يرضى بها أو يفسخ العقد وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة لاتتعين ويجوز ابدالها بمثلها وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد وإذا وجد بها عيبا فله الاستبدال * لنا القياس على طرف البيع وايضا فان الدراهم والدنانير تعينان في الغصب والوديعة

(8/430)


فكذلك ها هنا.
ولو أبدلها بمثلها أو * بغير جنسها برضى البائع فهو كبيع المبيع من البائع (القسم الثاني) الدين في ذمة الغير وهو على ثلاثة اضرب لانه إما ان يكون مثمنا أو ثمنا أو لامثمنا ولاثمنا وقبل الشروع في هذه الاضرب نذكر اصلا وهو ان الثمن ماذا والمثمن ماذا وجملة ما قيل فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الثمن ما الصق به الباء لان هذه الباء تسمى باء التثمين ويحكى هذا عن القفال (والثاني) ان الثمن هو النقد لان أهل العرف لا يطلقون اسم الثمن على غيره والمثمن ما يقابل ذلك على اختلاف الوجهين (والثالث) وهو الاصح ان الثمن هو النقد والمثمن ما يقابله فان لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن ما الصق به الباء والمثمن ما يقابله * ولو باع احد النقدين بالاخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه ولو باع

(8/431)


عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وانما هو مقابضة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد فعلى الوجه الاول العبد ثمن والمثمن الدراهم وعلى الثاني والثالث في صحة العقد وجهان كالسلم في الدراهم والدنانير لانه جعل الثمن مثمنا فان صححنا فالعبد مثمن * ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه صح العقد فان قلنا الثمن ما الصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وان لم نقل بذلك ففي وجوب تسليم الثوب وجهان في وجه لا يجب إذ لم يجر بينهما لفظ السلم وفي وجه يجب اعتبارا بالمعنى * إذا عرفت هذه المقدمة (فالضرب الاول) المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال عنه ولابيعه من غيره روى عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال

(8/432)


" من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره " وأيضا فان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل القبض فالمسلم فيه مع كونه مرسلا في الذمة أولى وهل للحوالة مدخل في المسلم فيه (إما) به بأن يحيل المسلم إليه المسلم
بحقه على من له عليه دين قرض أو اتلاف (وإما) عليه بان يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو اتلاف على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحها) لا لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره (والثاني) نعم تخريجا على أن الحوالة استيفاء وايفاء لا اعتياض (والثالث) لا تجوز الحوالة عليه لانها بيع سلم بدين وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه لان الواجب على المسلم إليه توفير الحق على المسلم وقد فعل هكذا حكى

(8/433)


الوجه الثالث امام الحرمين وهو حاصل ما رواه القاضي ابن كج عن أبى علي الطبري وأبي الحسين بعد رواية الوجه الثاني عن ابن الوكيل وعكس صاحب الكتاب رحمه الله الوجه الثالث في الوسيط وقال تجوز الحوالة عليه ولا تجوز به ولا اخاله ثابتا * (الضرب الثاني) الثمن فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها قولان (القديم) أنه لا يجوز لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض وايضا فانه عوض في معاوضة فاشبه المسلم فيه (والجديد) الجواز لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كنت أبيع الابل بالبقيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس به بالقيمة

(8/434)


ويروى أنه قال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وعن القاضي أبى حامد وأبى الحسين رحمهما الله القطع بالقول الثاني * وإذا باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة فجواز الاستبدال عنه يبنى على أن الثمن ما ألصق به باء التثمين أو غيره (إن قلنا) انه هو فيجوز الاستبدال عنه كالنقدين وادعى في التهذيب أنه المذهب (وان لم نقل) بذلك فلا يجوز لان ما ثبت في الذمة مثمنا لا يجوز أن يستبدل عنه والاجرة كالثمن

(8/435)


والصداق وبدل الخلع كذلك ان قلنا إنهما مضمونان ضمان عقد والا فهما كبدل الاتلاف (التفريع) ان منعنا الاستبدال عن الدراهم فذاك في استبدال العروض عنها فاما استبدال نوع عنها عن نوع أو استبدال الدنانير عن الدراهم ففيه وجهان عن صاحب التقريب لاستوائهما في مقصود الرواج وان جوزنا الاستبدال عنها وهو الصحيح فلا فرق بين بدل وبدل ثم ينظر ان استبدل عنها ما يوافقها في علة
الربا كما إذا استبدل عن الدراهم الدنانير فيشترط قبض البدل في المجلس وكذا إذا استبدل عن الحنطة المبيع بها شعيرا ان جوزنا ذلك ففي اشتراط تعين البدل عند العقد وجهان (أحدهما) يشترط والا فهو بيع دين بدين (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا وتقابضا في المجلس * وان استبدل عنها

(8/436)


ما لا يوافقها في علة الربا كما إذا استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا نظر ان عين البدل جاز وهل يشترط قبضه في المجلس فيه وجهان (أحدهما) نعم وهو اختيار الشيخ أبي حامد ويحكى عن أبي اسحق لان أحد العوضين دين فيشترط قبض الثاني كرأس مال السلم (وأصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا يشترط كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس ويحكي هذا عن ابن سريج * وان لم يعين البدل ولكن كان موصوفا في الذمة فعلى ما سبق من الوجهين (ان جوزنا) فلا بد من التعيين في المجلس وفي اشتراط القبض الوجهان * (الضرب الثالث) ما ليس بثمن ولا مثمن كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا

(8/437)


خلاف كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية يجوز بيعه منه ويفارق المسلم فيه فانه غير مستقر لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم وهذا مستقر * ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على ما سبق * وفي الشامل ان القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه اما إذا بقى في يده فلا لانا إن قلنا ان القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة لان للمقرض ان يرجع في عينه وان قلنا يملك بالتصرف فالمستقرض متسلط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض فلا يجوز الاعتياض عنه والله أعلم * ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العكس وكان من عليه المؤجل قد عجله (واعلم) أن الاستبدال بيع ممن عليه الدين وقد تبين حكمه فاما بيعه من غير من عليه كما إذا كان علي إنسان

(8/438)


مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة فقولان (أحدهما) أنه يجوز كبيعه ممن عليه (وأصحهما) المنع لعدم القدرة على التسليم وعلى الاول يشترط أن يقبض مشترى الدين الدين ممن عليه وان يقبض
بائع الدين العوض في المجلس حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد * ولو كان له دين على إنسان ولاخر مثله على ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عليه بما لصاحبه وقبل الاخر لم يصح إن اتفق الجنس أو اختلف (لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ) (وقوله) في

(8/439)


الكتاب وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو اتلاف لا شبهة أن دين الاتلاف ثبت لا بطريق المعاوضة (وأما) دين القرض فسيأتي في فصل القرض أنه ليس على سبيل المعاوضات أيضا (وقوله) ولكن يشترط قبض البدل في المجلس على الاصح أي من الوجهين وترجيح وجه الاشتراط خلاف ما ذكرنا عن اختيار الامام وصاحب التهذيب لكنه متأيد بظاهر نصه في

(8/440)


المختصر وبه قال جماعة من الاصحاب (وقوله) ويجوز أن يستبدل عن النقد النقد وإن كان ثمنا أي إستبدال أحد النقدين عن الاخر لا يختص بدين القرض والاتلاف بل يجرى في الثمن أيضا وليعلم قوله وإن كان ثمنا - بالواو - للقول الاخر وأراد بالحديث ما رويناه عن ابن عمر رضى الله عنهما * قال (اما صورة القبض فيحكم فيه بالعادة ففي العقار يكفي فيه التخلية وفى المنقول يكفى فيه النقل ولا يكفى التخلية (م ح) وقد قيل يحصل انتقال الضمان بالتخلية وما يشترى مكايلة فتمام القبض فيه بالنقل والكيل فإذا اشترى مكايلة فلا بد لكل بيع (و) من كيل جديد ليتم القبض للحديث) *

(8/441)


قد تم بيان الامر الاول وهو حكم القبض وثمرته وهذا أول الشروع في الامر الثاني وهو أن القبض بم يحصل والقول الجملى فيه أن الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة ويختلف بحسب اختلاف المال وتفصيله أن المال إما أن يباع من غير اعتبار وتقدير فيه أو يباع معتبرا فيه تقدير (الحالة الاولى) أن لا يعتبر فيه تقدير اما لعدم إمكانه أو مع الامكان فينظر إن كان المبيع مما لا ينقل كالدور والاراضي فقبضه بالتخلية بينه وبين المشترى وتمكينه من اليد
والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا عن أمتعة البائع فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بامتعة لكون البائع

(8/442)


مستعملا للمبيع منتفعا به * ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشترى وبين الدار حصل القبض فيما عدا ذلك البيت * وفى اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع ثلاثة أوجه منقولة في التهذيب (أحدهما) يشترط فان حضرا عنده وقال للمشترى دونك هذا ولا مانع حصل القبض وإلا فلا (والثانى) أنه يشترط حضور المشترى عنده دون البائع ليأتي اثبات اليد عليه (والثالث) وهو الاظهر أنه لا يشترط حضور واحد منهما لان ذلك قد يشق فإذا خلى بينه وبين المبيع فقد أتى بما عليه فليتصرف وعلى هذا فهل يشترط أن يمضى زمان إمكان المضي إليه فيه وجهان (الاصح) الاشتراط وفى معنى العقار الشجر الثابت والثمر المبيعة على الشجرة قبل أوان الجذاذ * وان كان المبيع من جملة

(8/443)


المنقولات فالمذهب المشهور وبه قال أحمد أنه لا يكفي فيه التخلية بل لا بد من النقل والتحويل * وقال مالك وأبو حنيفة أنه يكفى التخلية كما في العقار وعن رواية حرملة قول مثله وفيه وجه آخر أن التخلية كافية لنقل الضمان إلى المشترى غير كافية للتسلط على التصرف لان البائع أتى بما عليه والمقصر المشترى حيث لم ينقل فليثبت ما هو حق البائع * وجه ظاهر المذهب ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كنا نشترى الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه " وأيضا فان العادة في قبض المنقول النقل فعلى هذا يأمر العبد بالانتقال من موضعه

(8/444)


ويسوق الدابة أو يقودها * وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في موضع يختص بالمشترى فالنقل من حيز إلى حيز كاف * وان كان في دار البائع أو في بقعة مخصوصة به فالنقل من زاوية إلى زاوية أو من بيت من الدار إلى بيت آخر بدون إذن البائع لا يكفى لجواز التصرف ولكن يكفى لدخوله في ضمانه وإن نقل باذنه حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه المال * ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الدار وفى الامتعة
وجهان (أصحهما أنه لا بد فيها من النقل كما لو بيعت وحدها (والثانى) أن القبض يحصل فيها أيضا تبعا وبهذا اجاب الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الارض التى

(8/445)


عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة * ولو لم يتفقا على القبض ولكن جاء البائع بالمبيع وامتنع المشتري من قبضه أجبره الحاكم عليه فان أصر امر الحاكم من يقبضه عنه كما لو كان غائبا * ولو جاء البائع بالمبيع فقال المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل القبض وان وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا اريده فوجهان (أحدهما) انه لا يحصل القبض كما لا يحصل به الايداع (وأصحهما) يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك يبرأ عن الضمان فعلى هذا للمشتري التصرف فيه ولو تلف فهو من ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجر الا وضعه بين يديه فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب * ولو وضع

(8/446)


المديون الدين بين يدي مستحق الدين ففي حصول التسليم خلاف مرتب على البيع وهذه الصورة أولى بعدم الحصول لعدم تعين الملك * وهل للمشتري الاستقلال بنقل المبيع ان كان قد وفى الثمن أو كان الثمن موجلا فنعم كما أن للمرأة قبض الصداق بدون اذن الزوج إذا سلمت نفسها والا فلا وعليه الرد لان البائع مستحق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ينفذ تصرفه فيه لكن يدخل في ضمانه * (فرع) دفع ظرفا إلى البائع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذا لم يوجد من المشتري ما هو قبض والظرف غير مضمون عليه لانه استعمله في ملك المشتري باذنه وفي مثله في السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لانه استعمله في ملك نفسه * ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل

(8/447)


المبيع فيه ففعل لا يصير المشتري قابضا ايضا (الحالة الثانية) أن يباع الشئ مع اعتبار تقدير فيه كما إذا اشترى ثوبا أو ارضا مذارعة أو متاعا موازنة أو صبرة حنطة مكايلة أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما مر في الحالة الاولى بل لا بد مع ذلك من
الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد وكذا لو اسلم في آصع أو امناء من طعام لا بد في قبضه من الكيل أو الوزن فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه واما تصرفه فيه بالبيع ونحوه فان باع الكل لم يصح لانه قد يزيد على القدر المستحق * وإن باع ما يستيقن انه له فوجهان (عن أبي اسحق) انه يصح (وقال) ابن أبي هريرة وساعده الجمهور لا يصح لعدم القبض

(8/448)


المستحق بالعقد * وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن ووزنا بالكيل كقبضه جزافا * ولو قال الدافع خذه فانه كذا فاخذه مصدقا له فالقبض فاسد ايضا حتى يجرى اكتيال صحيح فان زاد رد الزيادة وان نقص أخذ الباقي * ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم المدفوع إليه انه كان دون حقه أو قدره فالقول قوله قال الشيخ أبو حامد وغيره ومعنى التصديق المذكور في صورة المسألة أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناء عليه فاما إذا أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه وفسر إمام الحرمين البيع مكايلة بأن يقول بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وهو من صورها (ومنها) أن يقول بعتكها على أنها عشرة آصع (ومنها) أن يقول بعتك

(8/449)


عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك * وإذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن فليس على البائع الرضا بكيل المشتري وعلى المشتري الرضا بكيل البائع بل يتفقان على كيال فان لم يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه ذكره في الحاوي * ولو كان لزيد طعام على رجل سلما ولاخر مثله على زيد فاراد زيد أن يوفى ما عليه مما له على الآخر فقال اذهب إلى فلان واقبض لنفسك مالى عليه فقبضه فهو فاسد وكذا لو قال احضر معي لا قبضه واكتاله لك وفعل لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ومسندا أنه " نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان يعني صاع البائع وصاع المشتري " وعلى هذا الخبر بناء مسائل الباب * وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على الاخذ وهو تبرأ ذمة الدافع عن

(8/450)


حق زيد فيه وجهان (اصحهما) نعم وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري
هل يعتق المكاتب (فان قلنا) لا يبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع * ولو قال زيد اذهب إليه واقبضه لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال احضر معي لاقبضه لنفسي ثم تأخذه أنت بذلك الكيل ففعل فقبضه لزيد في الصورة الاولى وقبض زيد لنفسه في الصورة الثانية صحيح وتبرأ ذمة الدافع عن حقه والقبض الاخر فاسد والمقبوض مضمون عليه وفي قبضه لنفسه في الصورة الاولى وجه آخر أنه صحيح وسنذكره في

(8/451)


نظائره ويؤيده أنه لو كان المبيع في يد المشتري عند البيع صح قبضه لنفسه على تفصيل سيأتي في الرهن فان حجة الاسلام ذكر طرفا منه هناك * ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه واقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان ثم ان كان وقع في الكيل الثاني زيادة أو نقصان ينظر ان كان قدر ما يتفق بين الكيلين فالزيادة لزيد والنقصان عليه ولا رجوع له وان كان كثيرا تبين ان في الكيل الاول غلطا أو تغليطا فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان * ولو ان زيد لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان (أحدهما) انه لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا (وأظهرهما) عند الاكثرين ان استدامته في المكيال كابتداء الكيل وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري ايضا فيما إذا

(8/452)


كان أحدهما مستحقا بالسلم والآخر بقرض أو اتلا ف * ونختم شرح الفصل بكلامين في شرح لفظ الكتاب (أحدهما) قوله فتمام القبض فيه بالنقل والكيل لفظ التمام انما كان يحسن ان لو اقتصر على ذكر الكيل ليكون ذلك اشارة إلى النقل الكافي فما سبق غير كاف ها هنا بل لا بد من تتمة له وهو الكيل اما إذا وقع التعرض للامرين جميعا فلفظ التمام مستغني عنه (والثاني) قوله فلو اشترى مكايلة وباع مكايلة يمكن تنزيله على صورة لسلم ويمكن ان يكون شراء المعين وبيعه مرادا ولكن البيع حينئذ يقع بعد ما اكتاله لنفسه والا فهو باطل لكونه قبل القبض وظاهر قوله فلا بد من كيل جديد يوافق الوجه الذاهب إلى ان استدامته في المكيال غير كافية (وقوله) ولا تكفى التخلية يجوز اعلامه - بالحاء والميم

(8/453)


والواو - لما رواه حرملة (وقوله) يحصل انتقال الضمان بالتخلية بالالف *
(فرع) مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة احضار المبيع الغائب ومؤنة وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه ومؤنة نقد الثمن على البائع أو على المشتري حكى صاحب الحاوي فيه وجهين * قال (وليس لاحد (و) ان يقبض لنفسه من نفسه فيتولى الطرفين الا الوالد يقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده كما يفعل ذلك في طرفي البيع) * للمشتري ان يوكل بالقبض كما له ان يوكل بالعقد وكذا للبائع ان يوكل بالاقباض

(8/454)


ويعتبر في ذلك امران (أحدهما) ان لا يوكل المشتري من يده البائع كعبده ومستولدته ولا باس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان (اصحهما) انه لا يجوز * ولو قال للبائع وكل من يقبض لى منك ففعل جاز ويكون وكيل المشتري وكذا لو وكل البائع بان يامر من يشتري منه للموكل (والثاني) الا يكون القابض والمقبض واحدا فلا يجوز ان يوكل البائع رجلا بالاقباض ويوكله المشتري بالقبض كما لا يجوز ان يوكله هذا بالبيع وذاك بالشراء ليتولي الطرفين * ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل ما تستحقه واقبضه لى ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل

(8/455)


ولم يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض وامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه هذا هو المشهور * وحكى المسعودي وجها انه يصح قبضه لنفسه وانما الممتنع ان يقبض من نفسه لغيره * ولو قال اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه لنفسه لان حق الاسنان لا يتمكن الغير من قبضه لنفسه ويكون المقبوض مضمونا عليه وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق الموكل فيه ما مر من الوجهين ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد إذ كيف يشتري بمال الغير لنفسه وتكون الدراهم امانة في يده لانه لم يقبضها ليمتلكها فان اشترى نظر ان اشترى في الذمة وقع عنه وادى الثمن من ماله وان اشترى بعينها فهو باطل وذكر ابن سريج وجها أنه صحيح * ولو أذن لمستحق

(8/456)


الحنطة أن يكتال من الصبرة حقه ففيه وجهان (أصحهما) أنه لا يجوز لان الكيل أحد ركني القبض وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه (والثاني) يجوز لان المقصود منه معرفة المقدار والمقبض هو البائع ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الاب لابنه الصغير من مال نفسه أو لنفسه من مال ابنه الصغير فانه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول روى

(8/457)


القاضي الماوردي فيه وجهين (والاظهر) اعتباره كما يعتبر الكيل إذا باع بالكيل (وقوله) في الكتاب وليس لاحد ان يقبض من نفسه لنفسه يجوز اعلامه بالواو لما رواه المسعودي ثم هذا اللفظ غير مجرى على اطلاقه لما ستعرفه فيما إذا كان المبيع في يد المشتري (وقوله) الا الوالد يقبض لولده من نفسه استثناء منقطع والا فهو غير داخل في قبض الانسان لنفسه من نفسه هذا تمام الكلام

(8/458)


في صورة القبض * وينبغي أن نتذكر الان ما مر ان اتلاف المشتري المبيع قبض وان لم توجد فيه هذه الصورة وقبض الجزء الشائع انما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ولو طلب القسمة قبل القبض قال في التتمة يجاب إليه (أما) إذا جعلنا القسمة افرازا فظاهر (وأما) إذا جعلناها بيعا فان الرضى غير معتبر فيه لان الشريك يجبر عليه وإذا لم يعتبر الرضى جاز أن لا يعتبر القبض كما في الشفعة *

(8/459)


قال (وأما وجوب التسليم يعم الطرفين والبداءة بالبائع (ح م) في قول وبالمشتري في قول ويتساويان (م ح) في أعدل الاقوال فمن ابتدأ اجبر صاحبه فان سلم البائع طالب المشتري بالثمن من ساعته فان كان ماله غائبا اشهد على وقف ماله أي حجر عليه (و) فان وفى اطلق الوقف عنه وان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق (ح) بمتاعه هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وهذا حجر سببه مسيس الحاجة إليه خيفة فوات

(8/460)


أمواله بتصرفه وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس وقيل بانكار الحجر لكنه خلاف نص الشافعي
رضي الله عنه) * الامر الثالث وجوب التسليم * لا شك أن على كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي استحقه الاخر ليكن لو اختلفا فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أؤدى

(8/461)


الثمن حتى أقبض المبيع ففيه أربعة أقوال (أحدها) ان الحاكم يجبرهما على التسليم فيأمر كل واحد منهما باحضار ما عليه فإذا أحضرا سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري لا يضره بايهما ابدا أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك ووجهه ان كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الاخر فلا سبيل إلى تكليف الابقاء فيؤمر بايفائه كما لو كان لكل واحد منهما وديعة عند الاخر وتنازعا

(8/462)


هكذا (والثاني) أنه لا يجبر واحدا منهما ولكن يمنعهما من التخاصم فإذا سلم احدهما ما عليه اجير الاخر * ووجهه ان على كل واحد إيفاء واستيفاء ولا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء (والثالث) وبه قال مالك وأبو حنيفة انه يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا لان حقه متعين في المبيع وحق البائع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين (والرابع) وبه قال أحمد وهو الاصح يجبر البائع على تسليم المبيع أولا لانه

(8/463)


لا يخاف هلاك الثمن فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ وملك المشتري في المبيع غير مستقر فعلى البائع التسليم ليستقر * وفي المسألة طريقة أخرى وهي القطع بالقول الرابع وحمل الاول والثاني على حكاية مذهب الغير وما روى عن نصه في الام واستغربه (وأما) الثالث فهو من تخريج بعضهم وليس منصوصا عليه * واختار الشيخ أبو حامد هذه الطريقة * ومنقول المزني في المختصر

(8/464)


يمكن تنزيله على القول الرابع وبه قال الاكثرون ويمكن تنزيله على الاول وبه قال المسعودي وهذا كله فيما إذا كان الثمن في الذمة (فان) كان معينا سقط القول الثالث وان تبايعا عرضا بعرض سقط القول

(8/465)


الرابع ايضا * وبقى قولان (أحدهما) أنهما يجبران (والثاني) لا يجبران ويشبه أن يكون الاول أظهر وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الشامل *

(8/466)


(التفريع) إن قلنا يجبر البائع على تسليم المبيع أولا أو قلنا لا يجبر ولكنه تبرع وابتدأ بالتسيلم أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فللمشترى حالتان

(8/467)


(إحداهما) أن يكون موسرا فان كان ماله في البلد حجر عليه إلى أن يسلم الثمن كيلا يتصرف في أملاكه بما يفوت حق البائع وحكى صاحب الكتاب هاهنا وفي الوسيط وجها أنه لا يحجر عليه ويمهل إلى

(8/468)


أن يأتي بالثمن ولم أر لغيره نقل هذا الوجه على هذا الاطلاق (فان قلنا) بالمذهب المشهور ففيم يحجر عليه قال عامة الاصحاب يحجر عليه في المبيع وفي سائر أمواله ومنهم من قال لا يحجر عليه في سائر

(8/469)


أمواله إن كان ماله وافيا بديونه وهذا ما أورده صاحب التهذيب وعلي هذا فهل يدخل المبيع في الاحتساب فيه وجهان (أشبههما) أنه يدخل * وان كان ماله غائبا عن البلد فينظر إن كان على مسافة القصر فلا

(8/470)


يكلف البائع الصبر إلى إحضاره وفيما يفعل وجهان (أحدهما) أنه يباع في حقه ويؤديه من ثمنه (والاظهر) عند الاكثرين أن له أن يفسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشتري بالثمن فان

(8/471)


فسخ فذاك وإن صبر إلى الاحضار فالحجر على ما سبق * وحكى الامام عن ابن سريج أنه لافسخ ولكن يرد المبيع إلى البائع ويحجر على المشتري ويمهل إلى الاحضار وادعى في الوسيط أنه الصحيح *

(8/472)


وإن كان دون مسافة القصر فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان على مسافة القصر فيه وجهان (الحالة الثانية) أن يكون معسرا فهو مفلس والبائع أحق بمتاعه وفيه وجه أنه لا فسخ ولكن تباع السلعة ويوفي

(8/473)


من ثمنها حق البائع فان فضل شئ فهو للمشتري والمنصوص الاول (وأما) لفظ الكتاب فقوله والبداءة بالبائع معلم - بالميم والحاء - وكذا قوله ويتساويان (وقوله) وبالمشتري - بالالف - ويجوز أن يعلم لفظ الاقوال

(8/474)


- بالواو - إشعارا بالطريقة النافية للخلاف (وقوله) هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه ليس هو هو لكنه قريب منه ولفظه في المختصر (فان غاب ماله اشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة فإذا دفع

(8/475)


اطلق عنه الوقف فان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق بسلعته) واعلم أن هذا النص ظاهر في أنه إذا حجر عليه يحجر في السلعة المبيعة وفي سائر الاموال سواء كانت وافية بالديون أو لم تكن ويمكن

(8/476)


الاحتجاج به لما نقله الامام عن ابن سريج وهو أنه لا فسخ عند الغيبة فانه لم يثبت في الغيبة الا الحجر وخص أحقيته بالمتاع بحالة الافلاس (وقوله) وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس أراد به أنه لا حجر عند

(8/477)


إمكان الفسخ بالفلس وادعى في الوسيط الوفاق فيه لكن ذكرنا أن من أثبت الفسخ عند الغيبة قال ان اختار الصبر إلى الاحضار يحجر عليه وجميع ما ذكرنا من الاقوال والتفريع جاء فيما إذا اختلف المكرى

(8/478)


والمكترى في البداءة بالتسليم بلا فرق * ثم ها هنا أمر مهم لا بد من ذكره وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا (ان قلنا) البداءة بالبائع فليس

(8/479)


له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن والا فله ذلك ونازع الاكثرون فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض
فيما إذا كان نزاعهما في مجرد البداءة وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه

(8/480)


فاما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذلك

(8/481)


للمشتري حق حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المثمن نص على ذلك الشيخ ابو حامد وأقضى

(8/482)


القضاة الماوردي رحمهما الله * والمثبتون من المتأخرين قالوا انما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا أما

(8/483)


المؤجل فليس له حبسه لاستيفائه لرضاه بتأخيره ولو لم يتفق التسليم حتى حل الاجل فلا حبس ايضا

(8/484)


ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره من المشتري في أصح الوجهين ولو أودعه

(8/485)


إياه فله ذلك ولو صالح من الثمن على مال لم يسقط حق الحبس لاستيفاء العوض * ولو اشترى بوكالة

(8/486)


اثنين شيئا ووفي نصف الثمن عن أحدهما لم يجب على البائع تسليم النصف بناء على ان الاعتبار بالعاقد

(8/487)


ولو باع بوكالة اثنين فإذا أخذ نصيب احدهما من الثمن فعليه تسليم النصف هكذا ذكره في التهذيب

(8/488)


وفيه كلامان (أحدهما) ان العبد المشترك بين الرجلين إذا باعه مالكاه ففي انفراد احدهما بأخذ

(8/489)


نصيبه من الثمن وجهان وكان أخذ الوكيل لاحدهما مبني على ثبوت الانفراد لو باعا بأنفسهما (والثاني)

(8/490)


انا إذا قلنا ان لاعتبار في تعدد الصفقة واتحادها بالعاقد فينبغي ان يكون تسليم النصف على

(8/491)


الخلاف فيما إذا أخذ البائع بعض الثمن هل عليه تسليم قسطه من المبيع وفيه وجهان

(8/492)


ذكرناهما في باب التفريق والله أعلم *

(8/493)


هذا وليعلم المطلع على هذا السفر الجليل انه ضاق المقام في هذا الجزء عن ان ندون به باقي كتاب البيوع

(8/494)


من شرح العزيز على متن الوجيز للامام الامجد والعلامة الاوحد الامام الرافعي رحمه الله رحمة واسعة

(8/495)


ولقد ألجأتنا الضرورة حتى وقفنا على موقف كان لا يحسن الوقوف عليه فالى هنا

(8/496)


نختم هذا الجزء ونفتتح الجزء التالي ان شاء الله تعالى بقول المصنف النظر الرابع في موجب ألفاظ الكتاب المطلقة وتأثيرها باقتران العرف والله ولي التوفيق

(8/497)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 9
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 9

(9/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء التاسع دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم

(9/1)


قال * (النظر الرابع الكتاب في موجب الالفاظ المطلقة وتأثيرها باقتران العرف وهى ثلاثة أقسام (الاول) ما يطلق في العقد * فمن اشترى شيئا بمائة فقال لغيره وليتك هذا العقد فقبل انتقل الملك إليه بالمائة وسلم الزوائد للاول وتتجدد الشفعة بجريان هذا البيع (و) ولو حط عن المائة لحق الحط (و) المشترى الثاني لانه في حق الثمن كالبناء) * عرفت في أول البيع أن كلام هذا النظر فيما يقع والالفاظ المتأثرة بالقرائن المنضمة إليها تنقسم إلى راجعة إلى مطلق العقد وإلى راجعة إلى الثمن خاصة (أما) القسم الاول فمقصوده بيان لفظين يشتمل

(9/2)


الفصل علي إحداهما وهى التولية والتولية أن يشترى شيئا ثم يقول لغيره وليتك هذا العقد فيجوز ويشترط قبوله في المجلس علي قاعدة التخاطب بأن يقول قبلت أو توليت ويلزمه مثل الثمن الاول جنسا وقدرا ووصفا ولا يشترط ذكره إذا علماه فان لم يعلمه المشترى أعلمه أولا ثم ولاه العقد وهذا العقد بيع يشترط فيه القدرة علي التسليم والتقابض إذا كان صرفا وسائر الشروط ولا يجوز قبل قبض المبيع على ما مر في النظر الثالث والزوائد المنفصلة قبل التولية تبقى للمولى ولو كان المبيع شقصا مشفوعا وعفي الشفيع تجددت الشفعة بالتولية * ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن انحط عن المولى أيضا ولو حط الكل فكذلك لانه وإن كان بيعا جديدا فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الاول * وعن القاضى الحسين
أن الوجه التردد في جميع هذه الاحكام فعلى رأى يجعل المولى نائبا عن المولى فتكون الزوائد للمولى ولا تتجدد الشفعة ويلحق الحط المولى وعلى رأى تعكس هذه الاحكام ونقول هي بيع جديد وظاهر المذهب الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحط وعلى هذا لوحط البعض قبل التولية لم تجز التولية إلا بالباقي ولو حط الكل لم تصح التولية ومن شرط التولية أن يكون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذل فلو اشتراه بعرض لم يجز فيه التولية * قال في التتمة إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد * قال ولو اشتراه بعرض وقال قام على بكذا وقد وليتك العقد بما قام على أو أرادت المرأة عقد

(9/3)


التولية على صداقها بلفظ القيام أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع ففى جميع ذلك وجهان * ولو أخبر المولى عما اشترى به وكذب فمنهم من قال هو كالكذب في عقد المرابحة وسيأتى ومنهم من قال يحط قدر الخيانة قولا واحدا * قال (ولو قال أشركتك في هذا العقد على المناصفة كان تولية في نصف المبيع ولو لم يذكر المناصفة فالاصح التنزيل على الشطر) * اللفظة الثانية الاشتراك وهو أن يشترى شيئا ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن ثم إن نص على المناصفة أو غيرها فذاك وإن أطلق الاشتراك فوجهان (أحدهما) أنه يفسد العقد للجهل بمقدار العوض كما لو قال بعتك بمائة ذهبا وفضة (والثانى) يصح ويحمل على المناصفة كما لو أقر بشئ لزيد وعمر ويحمل على المناصفة (والاول) هو الذى أورده في التهذيب (والثانى) أصح عند صاحب الكتاب وهو ما أورده في التتمة والاشراك في البعض كالتولية في الكل في الاحكام التى ذكرنا * قال (القسم الثاني ما يطلق في الثمن من ألفاظ المرابحة فإذا قال بعت بما اشتريت وربح ده

(9/4)


يازده وكان قد اشترى بمائة استحق مائة وعشرة ولو قال بحط ده بازده وكان قد اشترى بمائة وعشرة استحق مائة (و) * بيع المرابحة جائز من غير كراهة وهو عقد بنى الثمن فيه على ثمن المبيع الاول مع زيادة مثل أن
يشترى شيئا بمائة ثم يقول لغيره بعت هذا بما اشتريته وربح ده بازده أو بربح درهم لكل عشرة أو في كل عشرة ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة مثل أن يقول اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح ده بازده وكأنه قال بعت بمائتين وعشرين * وكما يجوز البيع مرابحة يجوز محاطة مثل أن يقول بعت بما اشتريت بحط ده بازده وفى القدر المحطوط وجهان (أحدهما) أنه يحط من كل عشرة واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يحط من كل أحد عشر واحد لان الربح في المرابحة جزء من أحد عشر فليكن كذلك الحط في المحاطة وليس في حط واحد من العشرة رعاية لنسبة ده بازده * فإذا كان قد اشترى بمائة فالثمن على الوجه الاول

(9/5)


تسعون وعلى الثاني تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم حطا لتسعة من تسعة وتسعين ولجزء من أحد عشر جزءا من الدرهم الباقي * ولو كان أشترى بمائة وعشرة فالثمن الآن على الوجه الاول تسعة وتسعون وعلى الثاني مائة وعلى هذا القياس وصور كثير من العراقيين وغيرهم المسألة فيما إذا قال بعت بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة وأوردوا فيها الوجهين * قال إمام الحرمين وهو غلط فان في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة فلا معنى للتردد فيه وإنما موضع التردد لفظ ده بازده وهذا اعتراض بين * وذكر القاضى الماوردى وغيره أنه إذا قال بحط درهم من كل عشرة فالمحطوط واحد من عشرة ولو قال بحط درهم لكل عشرة فالمحطوط واحد من أحد عشر * قال (ولو قال بعتك بما قام على استحق مع الثمن ما بذله من أجرة الدلال والكيال وكراء البيت ولا يستحق ما أنفقة في علف الدابة ولا أجرة مثله إن كان يعمل بنفسه أو كان البيت ملكه لانه

(9/6)


ليس من خرج التجارة) * بيع المرابحة يفرض بعبارات أكثرها دورانا على الالسن ثلاث (إحداهما) بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا (والثانية) بعت بما قام على وربح كذا ويختلف حكم العبارتين في
الداخل تحنهما وفيما يجب الاخبار عنه كما سنفصله من بعد فإذا قال بعت بما اشتريت لم يدخل فيه سوى الثمن وإذا قال بما قام على دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارث والقصار والرفا والصباغ وقيمة الصبغ وأجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤنات التى تلزم للاسترباح وألحق بها كراء البيت الذى فيه المباع * قال الامام لان التربص ركن في التخاير وانتظار الاسعار (وأما) المؤنات التى يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا تدخل فيه ويقع في ذلك مقابلة المنافع والفوائد المستوفاة من المبيع وفي التتمة حكاية وجه أنها تدخل أيضا والمشهور الاول نعم العلف الزائد للتسمين يدخل فيه ذكره القاضي حسين وغيره وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا كأجرة القصار ونحوها لازدياد قيمته بزوال المرض وإن حدث المرض في يده فهى كالنفقة وفي مؤنة السائس تردد عند الامام (والاظهر) إلحاقها بالعلف * ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين

(9/7)


الدار بنفسه لم تدخل الاجرة فيه لان السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل وكذا لو كان البيت ملكه وكذا لو تطوع متطوع بالعمل أو باعارة البيت فان أراد اشتراك ذلك فسبيله أن يقول اشتريت أو قام على بكذا وعملت فيه ما أجرته كذا وقد بعتك بهما وربحت كذا * (والعبارة الثالثة) أن يقول بعتك برأس المال وربح كذا فالمذهب الظاهر أنه كما لو قال بما اشتريت لان السابق إلي الافهام من رأس المال الثمن وعن القاضي أبى الطيب أنه كما لو قال بما قام على وهو اختيار ابن الصباغ * وذكر صاحب التتمة أن المكس الذى يأحذه السلطان يدخل في لفظه القيام وان في دخول الفداء إذا جنى العبد ففداه وجهين والذى أورده الاكثرون أنه لا يدخل فداء الجناية ولا ما أعطاه واسترد به المغصوب في شئ من الالفاظ والعبارات الثلاث تجرى في المحاطة جريانها في المرابحة * قال (فلو كان مقدار ما اشترى به أو ما قام عليه مجهولا للمشترى الثاني عند العقد بطل (و) عقده) * ينبغى أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة عليه معلوما عند المتبايعين في بيع المرابحة فان تبايعا وأحدهما جاهل به ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح للجهل بالثمن كما في غير المرابحة وعلى هذا فلو أزيلت الجهالة في المجلس لم ينقلب العقد صحيحا وفيه وجه أنه
ينقلب صحيحا وبه قال أبو حنيفة (والثاني) أنه يصح لان الثمن فيه مبنى على الثمن في العقد الاول

(9/8)


الرجوع إليه سهل فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الاحاطة بمبلغ الثمن يجوز لسهولة معرفته وعلى هذا ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان * ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن ففى جواز بيعه مرابحة الخلاف المذكور (والاصح) المنع حتى يعرف * وإذا تأملت ما ذكرنا تبين لك أن قوله للمشترى الثاني ليس لتخصيص الحكم بالمشترى بل لو كان مجهولا للبائع لكان الحكم كذلك * قال (ويجب (ح) على البائع حفظ الامانة بالصدق في قدر ما اشترى به وبالاخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية (ح) ولا يلزمه الاخبار عن الغبن (و) في العقد ولا عن البائع وإن كان ولده (ح و) ويجب ذكر تأجيل الثمن) *

(9/9)


بيع المرابحة مبنى على الامانة لاعتماد المشترى نظر البائع واستقصاه ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة يبذلها فعلى البائع الصدق في الاخبار عما اشترى به وعما قام به عليه ان كان يبيع بلفظ القيام * ولو اشتري بمائة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الاول إليه * ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين من قبل خسارته خمسين * ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة فان كان يبيعه مرابحة بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائة ولا يلزمه أن يحط منه ربح البيع الاول كما لم يجز في الصورة الاولى ضم الخسران إلى المائة * وعن أبى حنيفة وأحمد أنه يجب حط ربح البيع الاول * وإن باعه بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن سريج أنه لا يخبر إلا بخمسين فان أهل العرف يعدون السلعة والحالة هذه قائمة عليه بذلك (وأصحهما) أنه يخبر بمائة لان الملك الاخير قائم عليه بمائة * ويكره أن يواطئ وكيله ببيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة ولو فعل قال ابن الصباغ يثبت للمشترى الخيار وخالفه غيره * ولو اشترى سلعة ثم قبل لزوم العقد ألحقا بالثمن زيادة أو نقصانا وصححناه فالثمن ما استقر عليه العقد وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ ما اشتريت
لم يلزمه حط المحطوط عنه خلافا لابي حنيفة وإن باعه بلفظ قام على لم يخبر إلا بالباقي فان حط الكل لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة لم يلحق الحط المشترى

(9/10)


منه * وعن الشيخ أبي محمد وجه أنه يلحق كما في التولية والاشراك * ولو اشتري شيأ بعرض وباعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر علي ذكر القيمة لان البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد * ولو اشتراه بدين على البائع فان كان مليا غير مماطل لم يجب الاخبار عنه وإن كان مماطلا وجب لانه يشترى من مثله بالزيادة للتخلص من التقاصى * ويجوز أن يبيع مرابحة بعض الشئ الذى اشتراه ويذكر قسطه من الثمن وكذا لو اشترى قفيزى حنطة ونحوها وباع احداهما مرابحة * ولو اشترى عبدين أو ثوبين وأراد بيع أحدهما مرابحة فسبيله أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء ويوزع الثمن على القيمتين ثم يبيعه بحصته من الثمن وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة لان التوزيع بالقيمة تخمين ثم في الفصل صور (إحداها) يجب الاخبار عن العيوب الطارئة في يده سواء حدث العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي لان المشترى يبنى العقد على العقد الاول ويتوهم بقاء المبيع على ما كان ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة كما في الرد وعن أبى حنيفة أنه لا يجب الاخبار عن العيب الحادث بالآفة السماوية * ولو اطلع على عيب قديم واختار امساكه ذكره في بيع المرابحة ولو تعذر رده لعيب حادث وأخذ الارش فان باعه مرابحة بلفظ قام على حط الارش وان باعه بلفظ ما اشتريت ذكر ما جرى به العقد ويجب أن يذكر أيضا العيب واسترداد الارش فان الارش المسترد جزء من الثمن * ولو أخذ أرش الجناية ثم باعه فان باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن وأخبر

(9/11)


بالجناية وإن باع بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) أنه نازل منزلة الكسب والزيادات والمبيع قائم عليه بتمام الثمن (وأصحهما) أنه يحط الارش من الثمن كارش العيب والمراد من الارش هاهنا قدر النقصان لا المأخوذ بتمامه فإذا قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص منها ثلاثون يأخذ خمسين ويحط من الثمن ثلاثين لا خمسين وحكى الامام وجها آخر أنه يحط جميع المأخوذ من الثمن * ولو نقص من القيمة أكثر من الارش
المقدر حط ما أخذ من الثمن وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه نقص من قيمته كذا (الثانية) إذا كان قد اشتراه بغبن فهل يلزمه الاخبار عنه فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لانه باع ما اشترى كما اشترى (والثانى) يلزم لان المشتري منه اعتمد على نظره ويعتقد أنه لا يحتمل الغبن فليخبره ليكون على بصيرة من أمره وقضية كلام الاكثرين ترجيح هذا الوجه لامرين (أحدهما) أنهم قالوا لو اشتراه بدين من مماطل وجب الاخبار عنه لان الغالب أنه يشترى من مثله بالزيادة وقد مر ذلك (والثانى) أنهم قالوا لو اشترى من ابنه الطفل وجب الاخبار عنه لان الغالب في مثله الزيادة في الثمن نظرا للطفل واحترازا عن التهمة فإذا وجب الاخبار عند طن الغبن فلان يجب عند تعيينه كان أولى وإن اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه فاصح الوجهين باتفاق الائمة لا يجب الاخبار عنه كما لو اشترى من وزجته أو مكاتبه وفي الشامل ما يقتضى ترددا في المكاتب وعند أبى حنيفة وأحمد إذا اشتراه من ابنه أو أبيه وجب الاخبار عنه (الثالئة) إذا اشتراه بثمن مؤجل وجب الاخبار عنه

(9/12)


للتفاوت الظاهر بين المؤجل والمعجل في المالية وفي البيان حكاية وجه غريب أنه لا يجب التعرض له (الرابعة) لا يجب الاخبار عن وطئ الثيب ولا عن مهرها الذى تأخذه ولا عن الزيادات المنفصلة كالولد واللبن والصوف والثمرة ولو كانت حاملا يوم الشراء أو كان في ضرعها لبن أو على ظهرها صوف أو على النخلة طلع فاستوفاها حط بقسطها من الثمن وهذا في الحمل مبنى على أنه يقابله قسط من الثمن * قال (فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان فان قلنا لا يحط فله الخيار لكونه مظلوما بالتلبيس إلا إذا كان عالما بكذبه والاصح أن الاخيار للبائع ان قلنا يحط ولا للمشتري) * إذا قال اشتريته بمائة وباعه مرابحة ثم بان أنه اشتراه بتسعين إما باقراره أو بالبينة فالبيع صحيح على المذهب لان غاية ما فيه التغرير والتدليس وذاك لا يمنع صحة البيع كما لو روج عليه معيبا وعن رواية القاضي أبى حامد وغيره وجه أنه لا يصح لكون الثمن مجهولا عند العقد ويحكى هذا عن مالك * وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا يخلو كذبه في هذا الاخبار إما أن يكون خيانة أو غلطا أما في الحالة الاولى فقولان منصوصان في اختلاف العراقيين (اصحهما) وهو المنقول في المختصر وبه قال أحمد إنا نحكم بانحطاط
الزيادة وحصتها من الربح لانه تمليك باعتبار الثمن الاول فيحط الزائد عليه كما في الشفعة (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنا لا نحكم لانه سمى ثمنا معلوما وعقد به العقد فليجب وان كان ملبسا (وأما) في الحالة الثانية فالمنصوص القول الاول والثانى مخرج من مثله في الحالة الاولى * (التفريع) ان حكمنا بالانحطاط فهل للمشترى الخيار نقل المزني أنه يثبت وقال في اختلاف العراقيين لا يثبت فمن الاصحاب من قال في المسألة قولان (أظهرهما) انه لا خيار له لانه قد رضى بالاكثر

(9/13)


فاولى أن يرضى بالاقل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يثبت الخيار لانه إن بان كذبه بالاقرار لم يؤمن كذبه ثانيا وثالثا وإن بان بالبينة فقد تخالف الظاهر والباطن وأيضا فقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلة قسم وانفاذ وصية ونحوهما ومنهم من حمل النص الاول على ما إذا تبين كذب البائع بالبينة والثانى على ما إذا تبين باقراره والفرق أنه إذا ظهر بالبينة خيانته لم تؤمن خيانته من وجه آخر والاقرار يشعر بالامانة وبذل النصح والطريقة الاولى أظهر (فان قلنا) لا خيار له فامسك بما يبقي بعد الحط فهل للبائع الخيار فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) نعم لانه لم يسلم له ما سماه في العقد (وأظهرهما) لا إذ يبعد ان يصير تلبيسه أو غلطه سببا لثبوت الخيار له ومنهم من خص الوجهين بصورة الخيانة وقطع بثبوت الخيار عند الغلط فأن حكمنا بعدم الانحطاط فللمشترى الخيار لان البائع قد غره إلا أن يكون عالما بكذب البائع فيكون كما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه وإذا أثبت الخيار فلو قال البائع لا تفسخ فانى أحط الزيادة عنك ففى سقوط خياره وجهان وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان المبيع باقيا أما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع فان القاضى الماوردى ذكر انه تنحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا والظاهر جريان القولين في الانحطاط (فان قلنا) بالانحطاط فلا خيار للمشترى لان البائع قد لا يزيد القيمة فالفسخ ورد القيمة يضربه (وأما) البائع فان لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذلك هاهنا وإن أثبتناه ثم ثبت هاهنا كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذى هو عرضه تالف * (وإن قلنا) بعدم الانحطاط فهل للمشترى الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) كما لو عرف العيب بعد تلف المبيع ولكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من

(9/14)


الربح كما يرجع بارش العيب وعن أبى حنيفة انه لا يفسخ ولا يرجع بشئ * ولو كان قد اشتراه بثمن مؤجل وحال فلم يتبين كونه مؤجلا لم يثبت الاجل في حق المشتري الثاني ولكن له الخيار وكذلك إذا ترك ذكر شئ آخر مما يجب ذكره * (وقوله) في الكتاب فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا أخبر عن سلامة المبيع وكان معيبا أو عن حلول الثمن وكان مؤجلا كما لو أخبر عن القدر كاذبا وقد صرح في الوسيط بذلك فيما إذا لم يخبر عن العيب فضلا عن أن يخبر عن السلامة كاذبا ولكن لم أر لغير المصنف رحمه الله تعرضا لذلك فان ثبت الخلاف فالسبيل على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها والله أعلم * (قال ولو كذب بنقصان الثمن وصدقه المشترى فالاصح أن لا تلحقه الزيادة إذ العقد لا يحتمل الزيادة ولكن للبائع الخيار إن صدقه المشترى * وان كذبه فلا تسمع بينته ودعواه لانه على نقيض ما سبق منه * وان ذكر وجها مخيلا في الغلط فتسمع دعواه علي رأى لبعض الاصحاب متجه) * تكلمنا فيما إذا كذب المشتري في قدر الثمن بالزيادة غلطا أو خيانة أما إذا كذب بالنقصان بان قال كان الثمن أو رأس المال أو ما قامت به السلعة على مائة وباع مرابحة ثم عاد وقال غلطت وانما هو مائة وعشرة فننظر إن صدقه المشترى ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح البيع كما لو غلط بالزيادة (واصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب انه لا يصح لتعذر امضائه فان العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقصان فهو معهود بدليل الارش (فان قلنا) بالاول فاصح الوجهين أن الزيادة لا تثبت ولكن للبائع الخيار (والثانى) أنها تثبت مع ربحها وللمشترى الخيار (وقوله) في الكتاب فالاصح أن العقد لا يحتمل الزيادة إلى آخره أراد

(9/15)


به الوجهين الاخيرين المفرعين على وجه الصحة وذلك جواب منه بالصحة وهو الذي أورده القاضى الماوردى (وقوله) آخرا إن صدقه المشترى تكرار غير محتاج إليه فانه تبين ذلك في التصوير أولا * وان كذبه المشترى فهذا يفرض على وجهين (أحدهما) أن لا يبين للغلط وجها مخيلا فلا يقبل قوله ولو أقام عليه بينة لا تسمع دعواه لان اعترافه بان الثمن مائة يكذب قوله الثاني وبينته * فلو زعم أن المشترى
عارف بصدقه والتمس تحليفه على أنه لا يعرف ذلك فوجهان في أنه هل يجاب (أحدهما) لا يجاب كما لا تسمع بينته (والثانى) يجاب لانه ربما يقر عند عرض الثمن عليه فعلى هذا إن نكل هل ترد اليمين على المدعي فيه وجهان بناء على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه كالاقرار من جهة المدعي عليه أو كالبينة من جهة المدعى وهذا أصل يشرح في موضعه * فعلى الاول يرد وعلى الثاني لاثم إذا قلنا بتحليف المشترى فانما يحلف على نفي العلم فان حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع وإذا حلف فللمشترى الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين الفسخ كذا أطلقوه وقضية تنزيله منزلة إقرار المدعى عليه أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق (والثانى) أن يتبين للغلط وجها مخيلا مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسى وإنما اشتراه وكيلى وأخبرني أن الثمن مائة فبان خلافه أو ورد على كتاب منه فبان مزورا أو أن يقول راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف لان بيان هذه الاعذار يحرك ظن صدقه ومنهم من طرد الخلاف في التحليف وسماع البينة يترتب على التحليف ان قلنا لا تحليف فالبينة أولى ألا تسمع وان قلنا له التحليف ففى البينة وجهان (والاظهر) أنها تسمع أيضا وقوله في الكتاب فلا تسمع بينته ودعواه جواب على أنه ليس له التحليف والا فالتمكين من التحليف يتضمن سماع البينة والاصغاء

(9/16)


إليها وعلى مقابلته قوله فتسمع دعواه على رأى يشعر بسماع البينة وجواز التحليف والله أعلم * (فرع) قوله في المرابحة بعتك بكذا يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الاول ولكن يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الاصل ولو قال اشتريت بكذا أو بعتك به وربح درهم على كل عشرة فالربح يكون من نقد البلد لاطلاقه الدرهم والاصل مثل الثمن سواء كان من نقد البلد أو غيره * (فرع) لو أتهب بغير عوض لم يجز بيعه مرابحة الا أن يبين القيمة ويبيع بها مرابحة وان اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة وإذا أجر دارا بعبد أو نكحت على عبد أو خالع زوجته عليه أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ويجوز بلفظ قام على وبذكره في الاجارة أجرة مثل الدار وفي النكاح والخلع مهر المثل وفى الصلح عن الدم الدية * وأعلم أن الائمة اطبقوا على تصوير المرابحة فيما إذا قال
بعت بما اشتريت وربح كذا أو بما قام علي ولم يذكروا فيه خلافا وفيما إذا أوصي لانسان بنصيب ابنه ذكروا وجها أنه لا يصح إذا قال بمثل نصيب ابني فكأنهم اقتصروا ههنا على إيراد ما هو الاصح والا فلا فرق بين البابين

(9/17)


(قال القسم الثالث ما يطلق في المبيع وهى ستة الفاظ (الاول) لفظ الارض وفى معناها العرصة والساحة والبقعة ولا تندرج تحتها الاشجار والبناء على أصح القولين إلا إذا قال بعت الارض (و) بما فيها) * ذكر في هذا القسم الفاظا تمس الحاجة إلى معرفعة ما يندرج فيها وما لا يندرج (منها) الارض والعرصه والساحة والبقعة فإذا قال بعتك هذه الارض وكان فيها أبنية وأشجار نظران قال دون ما فيها من البناء والشجر لم تدخل هي في البيع وان قال بعتكها بما فيها دخلت الابنية والاشجار وكذا لو قال بعتكها بحقوقها على المشهور وحكي الامام وجها أنها لا تدخل وحقوق الارض الممر ومجري الماء وما أشبههما وان أطلق فنصه ههنا أنها تدخل ونص فيما لو رهن الارض وأطلق انها لا تدخل وللاصحاب فيها طرق (أحدها) ان فيهما قولين بالنقل والتخريج (وجه) الدخول انها للدوام والثبات في الارض فأشبهت أجزاء الارض ولهذا يلحق بها في الاخذ بالشفعه (ووجه) المنع خروجها عن مسمى الارض (والثانى) تقرير النصين والفرق ان البيع قوى لازالة الملك فيستتبع الشجر والبناء والرهن بخلافه ولهذا يكون النماء الحادث من أصل

(9/18)


المبيع للمشترى ولم يكن النماء الحادث من أصل المرهون مرهونا (والثالث) ويحكي عن ابن سريج القطع بعدم الدخول في البيع والرهن جميعا ونصه ههنا محمول على ما إذا قال بحقوقها وكذا الحكم في الرهن لو قال بحقوقها وما الاظهر من هذا الخلاف (ذكر) صاحب الكتاب ان الاصح انها لا تدخل اقتدء بامام الحرمين ولا شك أنه أوضح في المعني لكن عامة الاصحاب رحمهم الله على ان ظاهر المذهب دخولها ورأوا أصح الطرق تقرير النصين والله أعلم * قال (وأصول البقول كالاشجار والزورع لا تندرج قطعا ولا البذر وان كان كامنا (والاصح) أنها لا تمنع صحة بيع الارض كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة نعم إن جهل المشترى فله الخيار
لتضرره بتعطيل المنفعة (والاصح) انه يدخل في ضمان المشترى (ح) ويده بالتسليم إليه وان تعذر انتفاعه بسبب الزرع) * في الفصل مسألتان (إحداهما) الزرع ضربان (الاول) ما لا تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى

(9/19)


وانما يؤخذ دفعة واحدة كالحنطة والشعير فلا يدخل في مطلق بيع الارض لانه ليس للثبات والدوام وكان كمنقولات الدار ويصح بيع الارض وان كانت مزروعة على اصح الطريقين كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة ولا يخرج على الخلاف في بيع الدار المستأجرة لان يد المستأجر حائلة ثم (ومنهم) من خرجه علي القولين * قال الجمهور ولو كان في معني تلك الصورة لوجب أن يقطع بالفساد لان مدة بقاء الزرع مجهولة وإذا قلنا بالصحيح فللمشترى الخيار ان كان جاهلا بالحال بأن كانت رؤية الارض سابقة علي البيع وان كان عالما فلا خيار له وهل نحكم بصيرورة الارض في يد المشترى ودخولها في ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها فيه وجهان (أحدهما) لا لانها مشغولة بملك البائع كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار المبيعة مشحونة بأمتعة البائع فيما قبل (وأظهرهما) نعم لحصول التسليم في الرقبة وهى المبيعة ويخالف صورة الاستشهاد لان التفريع ثم متأت في الحال على أن الامام أورد في تلك الصورة وجها أيضا وادعى أنه ظاهر المذهب وإذا كان في الارض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم لم تدخل في بيع

(9/20)


الارض كالحنطة والشعير وكل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وان قال بعت الارض بحقوقها يحكى ذلك عن الشيخ أبى حامد ورأيته لمنصور التميمي في المستعمل أيضا ولا يؤمر البائع بقطع الزرع الذى يبقي له في الحال بل له ابقاؤه إلى أوان الحصاد خلافا لابي حنيفة وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ وعليه تسوية الارض وقلع العروق التى يضر بقاؤها بالارض كعروق الذرة تشبيها بما إذا كان في الدار أمتعة لا يتسع لها باب الدار ينقض وعلى البائع ضمانه (الضرب الثاني) ما تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر كالكرسف الحجازى والنرجس والبنفسج فالظاهر من ثمارها عند بيع الارض يبقى للبائع وفى دخول الاصول الخلاف الذي سبق في الاشجار وفى النرجس
والبنفسج وجه أنهما من الضرب الاول * وما يجز مرارا كالقت والقصب والهندبا والنعناع والكرفس والطرخون تبقي جزتها الظاهرة عند البيع للبائع وفي دخول الاصول الخلاف وعن الشيخ أبى محمد

(9/21)


القطع بأنها تدخل في بيع الارض لانها كامنة فيها نازلة منزلة اجزائها بخلاف الاشجار فيجوز أن نعلم لذلك قوله في الكتاب (وأصول البقول كالاشجار) بالواو وإذا قلنا بدخولها فليشترط على البائع قطع الجزة الظاهرة لانها تزيد ويشتبه المبيع بغيره ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أو ان الجز أولا يكون قال في التتمة إلا القصب فانه لا يكلف بقطعه الا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به ولو كان في الارض اشجار خلاف ما يقطع من وجه الارض فهى كالقصب (المسألة الثانية) لو كانت الارض المبيعة مبذورة ففى البذر الكامل مثل التفصيل المذكور في الزروع فالبذر الذى لا ثبات لنباته ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الارض ويبقى إلى أوان الحصاد وللمشترى الخيار ان كان جاهلا به فان تركه البائع له سقط حق خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الارض سقط خياره أيضا ان أمكن ذلك في زمان يسير * والبذر الذى يدوم نباته كنوي النخل والجوز واللوز وبذر الكراث

(9/22)


ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الارض حكم الاشجار وجميع ما ذكرنا في المسألتين مفروض فيما إذا أطلق بيع الارض فأما إذا باعها مع الزرع أو البذر فانا نورده في خلال اللفظ السادس إن شاء الله تعالى * قال (والحجارة ان كانت مخلوقة في الارض اندرجت وان كانت مدفونة فلا وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فان كانت تتعيب به الارض أو تتعطل به منفعة في مدة النقل فله الخيار عند الجهل فان أجاز فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع وكذلك له طلب أرش التعيب فان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى لانه غير متضرر بالبقاء ثم لا يملكه بمجرد الاعراض (و) الا إذا جري لفظ الهبة وشرطها) * الحجارة أن كانت مخلوقة في الارض أو مثبتة دخلت في بيع الارض * وان كانت تضر بالزرع

(9/23)


والغرس فقد ذكرنا في عداد العيوب أنه عيب إذا كانت الارض مما تقصد لذلك وفيه وجه أنه ليس بعيب وانما هو فوات فضيلة وان كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع كالكنوز والاقمشة في الدار ثم لا يخلو (أما) أن يكون المشتري عالما بالحال أو جاهلا (فان) كان عالما فلا خيار له في فسخ العقد وان تضرر يقلع البائع وله اجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه بخلاف الزرع فان له أمدا ينتظر ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وان طالت كما لو اشتري دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ ويجب على البائع إذا نقل تسوية الارض * وان كان جاهلا فللحجارة مع الارض أربعة أحول (الحالة الاولى) أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر بان لم يحوج النقل وتسوية الارض إلى مدة لمثلها اجرة ولم تنقص الارض بها فللبائع النقل وعليه تسوية الارض ولا خيار للمشتري وله اجبار البائع على النقل وحكى الامام وجها أنه لا يجبر والخيرة للبائع والمذهب

(9/24)


الاول (الحالة الثانية) أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالنقل ولا خيار للمشترى كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع أنا أصلحه وأتقنها فلا خيار للمشترى (الثالثة) أن يكون القلع والترك جميعا مضرين فللمشترى الخيار سواء جهل أصل الاحجار أو كون قلعها مضرا ولا يسقط خياره بأن يترك البائع الاحجار لما في نقلها من الضرر وهل يسقط بأن يقول للمشترى لا تفسخ لاغرم لك أجرة المثل لمدة النقل فيه وجهان (عن) روايه صاحب التقريب (أصحهما) لا كما لو قال البائع لا تفسخ البيع بالعيب لاغرم لك الارش ثم إن أجاز المشترى البيع فعلي البائع النقل وتسوية الارض سواء كان النقل قبل القبض أو بعده وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل إن كان النقل قبل القبض فيبني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية أو كجناية الاجنبي (إن قلنا) بالاول لم تجب (وإن قلنا) بالثاني فهو كما لو نقل بعد القبض وان كان النقل بعد القبض فوجهان (أصحهما) عند الشيخ أبى حامد أنها

(9/25)


لا تجب لان اجازته رضي بتلف المنفعة في مدة النقل (وأصحهما) على ما يقتضيه كلام الاكثرين وبه قال أبو إسحق أنها تجب كما لو جني على المبيع بعد القبض عليه ضمانه وقد يختصر فيقال في وجوب الاجرة ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض فلا تجب أو بعده فتجب ويجرى مثل هذا الخلاف في وجوب الارش لو بقى في الارض بعد التسوية نقصان وعيب وفي مأخذ الخلاف في الارش ولزوم التسوية مزيد كلام مذكور في الغصب (الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر فللمشترى الخيار فان أجاز ففى الاجرة والارش ما مر ولا يسقط خياره بأن يقول للبائغ اقلع واغرم الاجرة أو أرش النقص قاله في التهذيب ويجئ فيه مثل الخلاف المذكور في الحالة الثالثة ولو رضى بترك الاحجار في الارض سقط خيار المشترى إبقاء للعقد ثم ينظر إن اقتصر على قوله تركتها إلى المشترى فهو تمليك أو مجرد إعراض لقطع الخصومة فيه وجهان كالوجهين في ترك النقل على الدابة المردودة بالعيب (أحدهما) أنه تمليك ليكون سقوط الخيار في

(9/26)


مقابلة ملك حاصل (وأظهرهما) وهو الذي ذكره في الكتاب أنه قطع للخصومة لا غير (فان قلنا) بالاول فلو قلعها المشترى يوما فهي له ولو بدأ البائع في تركها لم يمكن الرجوع (وان قلنا) بالثاني فهي للبائع ولو أراد الرجوع قال الاكثرون له ذلك ويعود خيار المشترى وقال الامام لا رجوع ويلزمه الوفاء بالترك وان قال وهبتها منك فان رآها من قبل واجتمعت شرائط الهبة حصل الملك ومنهم من طرد الخلاف لانه لا يبغى حقيقة الهبة وانما يقصد دفع الفسخ وان لم تجتمع شرائط الهبة ففي صحتها للضرورة وجهان (إن) صححناها ففي افادة الملك ما ذكرنا في لفظ الترك * واعلم أن جميع ما ذكرنا فيما إذا كانت الارض بيضاء أما إذا كان فيها غراس فينظر إن كانت حاصلة يوم البيع واشتراها مع الارض فنقصان الاشجار وتعيبها بالاحجار كتعيب الارض في إثبات الخيار وسائر الاحكام وان أحدثها المشترى بعد الشراء فينظر ان أحدثها عالما بالاحجار فللبائع قلعها وليس عليه نقصان ضمان الغراس وان أحدثها جاهلا ففي ثبوت الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضرر ناشئ من إيداعه الاحجار

(9/27)


في الارض (والاصح) إنه لا يثبت لرجوع الضرر إلى غير المبيع فان كانت الارض تنقص بالاحجار أيضا نظر إن لم يورث الغرس وقلع المغروس نقصانا في الارض فله القلع والفسخ وان أورث الغراس أو القلع نقصانا فلا خيار في الفسخ إذ لا يجوز له رد المبيع ناقصا ولكن يأخذ الارض وإذا قلع البائع الاحجار فانتقص الغراس فعليه أرش النقص بلا خلاف ولو كان فوق الاحجار زرع اما للبائع أو للمشترى ففى التهذيب أنه يترك إلى أوان الحصاد لان له غاية منتظرة بخلاف الغراس ومنهم من سوى بينه وبين الغراس * إذا تقرر فقه الفصل فالحاجة بعده إلى معرفة ما ذكر في الكتاب واحلال كل شئ محله (أما قوله) وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فاعلم ان الجمع بين النقل والتفريغ ضرب ايضاح والا فنقل الحجارة عن الموضع دون التفريغ محال ثم الكلام مجرى على اطلاقه في صورة العلم باشتمال الارض على الاحجار المدفونة وكذا في صورة الجهل حيث لا يثبت الخيار وحيث ثبت فكذلك إن أجاز المشترى (وأما) إذا فسخ فلا يخفى أنه لا يكلف بالنقل وتسوية الحفر ثم

(9/28)


تكلم الامام في أنهم لم أوجبوا تسوية الحفر على البائع وعلى الغاصب إذا حفر في الارض المغصوبة ولم يوجبوا على من هدم الجدار أن يعيده وانما أوجبوا الارش وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت وهيآت الابنية تختلف وتتفاوت فشبه ذلك بذوات الامثال وهذا بذوات القيم حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة كان ذلك كطم الحفيرة فهذا ما ذكره وفي وجوب الاعادة على هادم الجدار خلاف يذكر في كتاب الصلح (وقوله) فله الخيار عند الجهل محمول على الحالة الثالثة والرابعة (فأما) في الاولى والثانية فقد عرفت أنه لا خيار وقوله فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع (أما) أجرة مدة النقل فقد تكلمنا فيها وبينا أن الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض أو بعده (وأما) في مدة بقاء الزرع فوجهان (عن) رواية صاحب التقريب الذى أورده المعظم أنه لا تجب الاجرة وتفع تلك المدة مستتناه كما لو باع دارا مشحونة بأقشمة لا يستحق المشترى الاجرة لمدة التفريغ (والثانى) وهو الاظهر عند صاحب الكتاب

(9/29)


أنها تجب ولفظ المنفعة في قوله أجرة المنفعة حشو لا يضر اسقاطه إذ ليس الاجرة إلا عوض المنفعة (وقوله) وان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى مصور في الحالة الرابعة لا غير لانه لا خيار للمشترى في الاولي والثانية حتى بفرض سقوطه (وأما) في الثالثة فقد ذكرنا أن ترك الحجارة لا يسقط الخيار وقوله لانه غير متضرر بالبقاء فيه إشارة إلى التصوير في الحالة المذكورة (وقوله) ثم لا يملكه بمجرد الاعراض معلم بالواو (وقوله) الا إذا جرى لفظ الهبة استثناء منقطع ويجوز أن يعلم قوله وشرطها بالواو للوجه الذى ذكرناه في أنه لا تعتبر اجتماع الشروط * قال (اللفظ الثاني الباغ وفى معناه البستان وهو مستتبع للاشجار ولا يتناول البناء على الاظهر (وأما) اسم القربة والدسكرة فيتناول البناء والشجر) * إذا قال بعتك هذا الباغ والبستان دخل في البيع الارض والاشحار والحائط وفي دخول البناء الذى فيه ما سبق في دخوله تحت الارض وفي العريش الذى توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبى محمد والظاهر عند الامام دخوله وذكروا أن لفظ الكرم كلفظ البستان ولكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وادخاله في مسمى

(9/30)


البستان ولا يبعد أن يكون الحكم علي ما استمر الاصطلاح به ولو قال هذه الدار بستان دخلت الابنية والاشجار جميعا ولو قال هذا الحائط بستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من الاشجار وفي البناء الخلاف السابق هكذا ذكره في التهذيب ولا يتضح في لفظ المحوطة فرق بين الابنية والاشجار فليدخلا أو ليكونا على الخلاف ولو قال بعتك هذه القرية دخل في البيع الابنية والساحات التى تحيط بها الصور وفى الاشجار وسطها الخلاف.
اختيار الامام وصاحب الكتاب دخولها بخلاف اختيارهما في لفظ الارض (وأما) المزارع فلا تدخل في البيع الا ترى أنه لو حلف أنه لا يدخل القرية لم يحنث بدخوله المزارع ولو قال بعتكها بحقوقها لم تدخل أيضا بل لابد من نص على المزارع وفى النهاية أنها تدخل وذكر القاضى ابن كج أنها تدخل إذا قال بحقوقها وهما غريبان والله أعلم * قال (اللفظ الثالث الدار ولا يندرج تحته المنقولات إلا مفتاح الباب استتناه صاحب التلخيص ويندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار للبقاء كالابواب والمغاليق تندرج وفي الاشجار

(9/31)


وحجر الرحي والاجانات المثبتة خلاف وفى معناها الرفرف والسلاليم المثبتة بالمسامير) * إذا قال بعتك هذه الدار دخل في المبيع الارض والابنية على تنوعها حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحملوه على حمامات الحجاز وهى بيوت من خشب تنقل ولو كان في وسطها أشجار ففى دخولها ما سبق في دخولها تحت بيع الارض ونقل الامام في دخولها ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين أن يكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا فلا يدخل في لفظ الدار وبين أن لا تكون كذلك فتدخل (وأما) الآلات في الدار فهى علي ثلاثة أنواع (أحدها) المنقولات كالدلو والبكرة والرشا والمجارف والسررو الرفوف الموضوعة على الاوتاد والسلاليم التى لم تسمر ولم تطين والاقفال والكنوز والدفاين فلا يدخل شئ منها في البيع نعم في مفتاح المغلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه كسائر المنقولات (وأصحهما) ويحكى عن صاحب التلخيص أنه يدخل لانه من توابع المغلاق المثبت وفي ألواح الدكاكين مثا هذين الوجهين لانها أبواب لها وان كانت تنقل وتردد في الفوقاني من حجر الرحى

(9/32)


مثل هذين الوجهين ان أدخلنا التحتاني والاصح الدخول والثانى ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقي كالسقوف والابواب المنصوبة وما عليها من المغاليق والحلق والسلاسل والضبات تدخل في البيع فانها معدودة من أجزاء الدار (الثالث) ما أثبت على غير هذا الوجه كالرفوف والدنان والاجانات المثبتة والسلاليم المسمرة والاوتاد المثبتة في الارض والجدران والتحتاني من حجر الرحى وخشب القصار ومعجن الخباز ففى جميع ذلك وجهان (أصحهما) أنها تدخل لثباتها واتصالها (والثاني) لا تدخل لانها انما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كى لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال واشار الامام إلى القطع بدخول الحجرين في بيع الطاحونة وبدخول الاجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة وان الخلاف في دخولها تحت بيع الدار وفى التتمة أن أصل الخلاف في هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزنا فقد عددناها من البناء فتدخل والا فلا وهذا يقتضى التسوية بين اسم الدار والمدبغة (وقوله) في الكتاب وتندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار كأنه

(9/33)


يعنى بالثوابت ما هو ثابت في نفسه من غير اثبات أو ما هو من ضرورات الدار وبما أثبت من المرافق ما سواها * (فروع) (أحدها) لا يدخل مسيل الماء في بيع الارض وكذا لا يدخل فيه شربها من القناة أو النهر المملوكين إلا أن يشرط أو يقول بحقوقها وحكى أبو عاصم العبادي وجها أنه لا يكفى ذكر الحقوق وإذا كان في الدار المبيعة بئر ماء دخلت في المبيع والماء الحاصل في البئر لا يدخل أما إذا لم نجعله مملوكا فظاهر وأما إذا جعلناه مملوكا فلانه نماء ظاهر فأشبه الثمار المؤبرة وفى النهاية حكاية وجه أنه يدخل إذا جعلناه مملوكا وينزل منزلة الثمار التى لم تؤبر لانه العرف فيه وان شرط دخوله في البيع صح على قولنا أن الماء مملوك بل لا يصح البيع دون هذا الشرط والا اختلط ماء المشترى بماء البائع وانفسخ البيع وذكر الخلاف في الماء وتفاريعه مؤخر إلى احياء الموات (الثاني) لو كان في الارض أو الدار معدن ظاهر كالنفط والملح والغاز والكبريت فهو كالماء وإن كان باطنا كالذهب والفضة دخل في البيع ألا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن الذهب والفضة من جهة الربا وفي

(9/34)


بيعه بالفضة قولان للجمع في الصفقة الواحدة بين البيع والصرف (الثالث) باع دارا في طريق غير نافذ دخل حريمها في البيع وفى دخول الاشجار الخلاف الذى سبق وان كان في طريق نافذ لم يدخل الحريم ولا الاشجار في البيع بل لا حريم لمثل هذه الدار على ما سنذكر في أحياء الموات * قال * (اللفظ الرابع العبد ولا يتناول مال العبد (وان قلنا) أنه يملك بالتمليك وفي ثيابه التى عليه ثلاثة أوجه وفي (الثالث) يندرج ساتر العورة دون غيره والوجه الصحيح تحكيم العرف) * العبد إذا ملكه سيده مالا هل يملكه فيه قولان مذكوزان بتوجيههما في باب معاملات العبيد * إذا عرف ذلك فلو ملكه سيده مالا ثم باعه وشرط المال لنفسه فلا كلام وان أطلق بيعه لم يتبعه المال أيضا (أما) إذا قلنا أنه لا يملك فظاهر (وأما) إذا قلنا أنه يملك فلان اللفظ لا يتناول المال وهو بسبيل من الرجوع فيه وكان ترك التعرض للمال رجوعا * وان باعه مع المال (فان قلنا) أنه

(9/35)


لا يملك ما ملكه اعتبر فيه شرائط المبيع حتى لو كان مجهولا أو غائبا لم يصح البيع وكذا لو كان ذهبا والثمن فضة أو بالعكس فهو على قول الجمع بين البيع والصرف (وان قلنا) أنه يملك فقد نص أن المال ينتقل إلى المشترى مع العبد وأنه لا بأس بكونه مجهولا أو غائبا ولم يحتمل ذلك عن أبى سعيد الاصطخرى أن المال تابع وقد يحتمل في البائع ما لا يحتمل في الاصل ألا ترى أن الجهل في الحمل واللبن التابعين محتمل وكذا الجهل بحقوق الدار * وعن ابن سريج وأبى اسحق أن المال ليس بمبيع لا أصلا ولا تبعا ولكن شرطه للمبتاع يبقيه له على العبد كما كان فللمشترى انتزاعه منه كما كان للبائع الانتزاع فعلى هذا لو كان المال ربويا والثمن من جنسه فلا بأس وعلى الاول لا يجوز ذلك ولا يحتمل الربا في البائع كما في الاصل وأصح المعنين عند الاصحاب الثاني * هذه إحدى مسألتي الفصل (والثانية) الثياب التى على العبد هل تدخل في بيعه فيه وجهان (أحدهما) لا تدخل أقتصار اعلى اللفظ كما أن السرج لا يدخل في بيع

(9/36)


الدابة (والثانى) تدخل وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن ما عليه من الثياب تدخل اعتبارا بالعرف وبه قال أبو حنيفة (والثانى) يدخل ساتر العورة دون غيره (وقوله) في الكتاب والوجه الصحيح تحكيم العرف ربما أشعر بوجه رابع لكن المنقول ليس إلا الوجوه الثلاثة فهو إذن ترجيح لوجه دخول ما عليه من الثياب لكن صاخب التهذيب وغيره رجحوا الوجه السائر إلى أن شيئا منها لا يدخل في البيع وكذا قالوا في عذار الدابة (وأما) نعلها فيدخل وكذا برة الناقة إلا أن يكون من ذهب أو فضه * قال (اللفظ الخامس الشجر ويندرج تحته الاغصان والاوراق حتى ورق الفرصاد على الاصح وكذا العروق ويستحق الابقاء مغروسا ولا يستحق المغرس على الاصح من القولين ولكن يستحق منفعتها للابقاء) * في الفصل مسألتان (إحداهما) أغصان الشجرة تدخل في مطلق بيعها لانها معدودة من أجزاء

(9/37)


الشجرة نعم لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة لان العادة فيه القطع كما في الثمار قال في التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على ظهر الغنم وتدخل العروق أيضا في مطلق بيع الشجرة وكذلك الاوراق إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها ففى دخولها تحت البيع وجهان (أصحهما) تدخل كما في غير وقت الربيع وكما في سائر الاشجار (وقال) أبو إسحق لا تدخل لانها كثمار سائر الاشجار وفى أوراق شجر النبق ذكر طريقين في التتمة (أظهرهما) أنها كاوراق غيرها من الاشجار (والثانى) أنها كاوراق الفرصاد لانها تلتقط ليغسل بها الرأس (الثانية) لو باع شجرة يابسة فعلى المشترى تفريغ الارض عنها للعادة (قال) في التتمة فلو شرط ابقاءها فسد البيع كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير وشرط عدم القطع عند الجذاذ ولو باعها بشرط القلع أو القطع جاز وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ولا تدخل عند شرط القطع بل تقطع عن وجه الارض وان كانت الشجره رطبة فباعها بشرط الابقاء أو شرط القلع اتبع الشرط ولو أطلق جاز الابقاء أيضا

(9/38)


للعادة كما لو اشترى بناء يستحق ابقاءه وهل يدخل المغرس في البيع وجهان.
وقال الامام وصاحب الكتاب رحمهما الله قولان (أحدهما) ويحكي عن أبى حنيفة نعم لانه يستحق منفعته لا إلى غاية وذلك لا يكون إلا على سبيل الملك ولا وجه لتملكه إلا دخوله في البيع (وأصحهما) لا لان أسم الشجرة لا يتناوله وقد يستحق غير المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذغ عليه فعلى الوجه الاول لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له أن يغرس بدلها وله أن يبيع المغرس وعلى الثاني ليس له ذلك ويجرى الخلاف فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة منها ان المغرس يبقي له أم لا * قال (وان كان عليها ثمرة مؤبرة لم تندرج تحته وغير المؤبرة تندرج (ح) وفى معني المؤبرة كل ثمرة بارزة ظهرت للناظرين وإذا تأبر بعض الثمار حكم بانقطاع التبعية في الكل نظرا إلى وقت التأبير لعسر تتبع العناقيد هذا إذا اتحد النوع وشملت الصفقة فان اختلفا أو أحدهما ففيه خلاف المقصود) * بيان أن الثمرة متى تندرج في بيع الشجرة ومتى لا تندرج * والاصل في الباب ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما

(9/39)


أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) وروى أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعدما ابتعت وقال البائع أنا أبرته من قبل البيع فتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما) * وأول ما يحتاج إلى معرفته تفسير التأبير * اعلم أن النخيل فحول وأناث ومعظم المقصود من طلع الفحول استصلاح الاناث بها والذى يبدو منها اولا أكمة صغيرة ثم
__________
(حديث) من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع.
الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رواه مسلم واتفقا عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ قد أبرت وأخرجه الشافعي أيضا عن مالك قال الشافعي هذا الحديث ثابت عندنا وبه نأخذ (تنبيه) وقع في بعض تنسخ الرافعي قبل ان تؤبر وهو غلط من الناسخ وكذا عزاه ابن الرفعة في المطلب للمختصر فوهم وقد ذكره امام الحرمين في النهاية على المختصر على الصواب * (حديث) روي أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعد

(9/40)


تكبر وتطول حتى تصير كأذن الحمر فإذا كبرت تشققت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذر فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها اجود فالتشقيق ودر طلع الفحول فيها هو التأبير وقد يسمى تلقيحا أيضا ثم الاكثرون يسمون الكمام الخارج كله طلعا والامام خص اسم الطلع بما يظهر من النور على العنقود من تشقق الكمام ثم المتعهدون للنخيل لايؤبرون جميع الاكمة ولكن يكتفون بتأبير البعض والباقي ينشق بنفسه وينبث ريح الفحول إليه وقد لا يؤبر في الحائط شئ وتتشقق الاكمة بنفسها إذ كبرت الا أن رطبه لا يجئ جيدا وكذلك الخارج من الفحول ينشق بنفسه ولا يشقق غالبا * إذا تقرر ذلك فإذا باع نخلة عليها ثمرة وشرطاها للبائع لم تندرج في بيع النخلة وان شرطاها
__________
= ما بتعت وقال البائع أنا أبرته قبل البيع فتحاكما إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما.
البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي من مرسل عطاء وعزاه ابن الطلاع في الاحكام إلى الدلائل للاصيلي مسندا عن ابن عمر *

(9/41)


للمشترى اندرجت وان أطلقا وهى مسألة الكتاب نظر ان كانت مؤبرة لم تندرج في البيع وكذا لو لم تؤبر وتشققت الاكمة بنفسها اعتبارا لظهور المقصود وان لم تؤبر ولا تشققت هي اندرجت في البيع وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة تبقى الثمار للبائع أبرت أو لم تؤبر * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان لها حالة كمون وظهور بأصل الخلقة فيتبع الاصل في حالة الكمون اعتبارا بحال البهيمة والجارية ولو باع الفحول من النخيل بعد تشقق طلعها لم يندرج الطلع في البيع وان لم يتشقق فوجهان (أظهرهما) الاتدراج كما في طلع الاناث (والثانى) لا يندرج لان طلع الفحل يؤكل على

(9/42)


هيئته ويطلب لتلقيح الاناث به وليس له غاية منتظرة بعد ذلك فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها بخلاف طلع الاناث فانه يعني بثمرته فاعتبر ظهورها * ثم الكلام في أمرين (أحدهما) ما عدا النخيل من الاشجار أقسام (أولها) ما يفصل منه الورق كشجر الفرصاد وقد ذكرنا حكمه (قال) في البيان وشجر الحنا ونحوه يجوز أن يلحق بشجر الفرصاد ويجوز أن يقال إذا ظهر ورقه فهى للبائع بلا خلاف لانه لا ثمرة لها سوى الورق وللفرصاد ثمرة مأكولة (وثانيها) ما يقصد منه الورد وهو على ضربين (أحدهما) ما يخرج في كمام ثم ينفتح كالورد الاحمر فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه فهو للبائع كطلع

(9/43)


النخل المتشقق وان بيع بعد خروجه وقبل تفتحه فهو للمشترى كالطلع قبل التشقق وعن الشيخ أبى حامد أنه يكون للبائع أيضا (والثانى) ما يخرج ورده ظاهرا كالياسمين فان خرج ورده فهو للبائع والا فللمشترى (وثالثها) ما يقصد منه الثمرة وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام كالتين فهو كالياسمين والحق العنب بالتين وان كان لكل حبة منه قشر لطيف يتشقق ويخرج منها نور لطيف لان مثل ذلك موجود في ثمر النخل بعد التأبير ولا عبرة به (والثانى) ما لا يكون كذلك وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته في نور ثم يتنائر النور فتبرز الثمرة بلا حائل كالمشمش

(9/44)


والتفاح والكمثرى وما أشبهها فان باع الاصل قبل انعقاد الثمرة فانها تنعقد على ملك المشترى وان
كان النور قد خرج وان باعه قبل الانعقاد وتناثر النور فهى للبائع وان باعه بعد الانعقاد قبل تناثر النور فوجهين (أحدهما) أنها للمشترى تنزيلا للاستتار بالنور منزلة استتار ثمر النخل بالكمام (والثانى) أنها للبائع تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الابيض وهذا أرجح عند أبى القاسم الكرخي وصاحب التهذيب لكن الاول هو المحكى عن نصه في البويطي وعن أبى اسحق واختاره ابن الصباغ والقاضى الرويانى والله أعلم (والثانى) ما يبقي له حائل على الثمرة المقصودة وله ضربان (أحدهما) ماله

(9/45)


قشرة واحدة كالرمان * فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان بقشره فهو للبائع ولا اعتبار بقشره لان ابقاءه من مصلحته وان لم تظهر فالذي يظهر يكون للمشترى (والثانى) ماله قشرتان كالجوز واللوز والفستق والرانج فان باعها قبل خروجها فانها تخرج علي ملك المشترى وان باعها بعد الخروج فتبقي على ملك البائع ولا يعتبر في ذلك تشقق القشرة العليا على أصح الوجهين (والثانى) يعتبر وبه قال الشيخ أبو حامد وطبقته * واعلم أن أشجار الضربين الاخيرين (منها) ما يخرج ثمره في قشره من غير نور كالجوز

(9/46)


والفستق (ومنها) ما يخرج في نور ثم يتناثر عنه كالرمان واللوز وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الاصل بعد تناثر النور عنه فان بيع قبله عاد فيه الكلام السابق * (فرع) الكرسف وهو القطن نوعان (أحدهما) ماله ساق تبقى سنين وتثمر كل سنة وهو كرسف الحجاز والبصرة والشام فهو كالنخل أن بيع أصله قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تشققه فالحاصل للمشترى وان بيع بعد التشقق فهو للبائع (والثانى) ما لا يبقى أكثر من سنة فهو كالزرع

(9/47)


فان باعه قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تكامل القطن فلابد من شرط القطع ثم ان لم يتفق القطع حتى خرج الجوزق فهو للمشترى لحدوثه من عين ملكه (قال) في التهذيب وان باعه بعد تكامل القطن فان تشقق الجوزق صح البيع مطلقا ودخل القطن في البيع بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل في بيع الشجرة لان الشجرة مقصودة لثمار سائر الاعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وان لم
يتشقق لم يجز البيع في أصح الوجهين لان المقصود مستتر بما ليس من صلاحه بخلاف الجوز واللوز في القشرة السفلى (الامر الثاني) لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل كمام وعنقود لما

(9/48)


في بيع ذلك من العسر بل إذا باع نخلة أبر بعض طلعها بقي الكل للبائع وجعل غير المؤبر تابعا للمؤبر وذلك أولى من أن يعكس فيجعل المؤبر تابعا لغير المؤبر لان المؤبر ظاهر واتباع الباطن الظاهر أولى كما أن باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية ولان الباطن صائر إلى الظهور بخلاف العكس * ولو باع نخلات طلع بعضها مؤبر وطلع البعض غير مؤبر فلها حالتان (إحداهما) أن يكون في بستان واحد فينظر إن اتحد النوع وباعها صفقة واحدة فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبر بعض ثمرها دون بعض وان أفرد ما لم يؤبر طلعه فوجهان (أحدهما) أنه يبقى للبائع أيضا لدخول

(9/49)


وقت التأبير والاكتفاء به عن نفس التأبير (وأصحهما) أنه يكون للمشترى لانه ليس في المبيع شئ مؤبر حتى يجعل غير المؤبر تبعا له فيبقي تبعا للاصل وان اختلف النوع فوجهان (احدهما) وبه قال ابن خيران أن غير المؤبر يكون للمشترى والمؤبر للبائع لان لاختلاف النوع تأثيرا بينا (في اختلاف الايدى وقت التأبير) (وأصحهما) أن الكل يبقي للبائع كما لو اتحد النوع دفعا لضرر اختلاف الايدي وسوء المشاركة (الحالة الثانية) أن يكون في بستانين فحيث قلنا في البستان الواحد إن كل واحد من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه فهاهنا أولى وحيث قلنا بأن غير المؤبر يتبع المؤبر فهاهنا
__________
ما بين القوسين ساقط في بعض النسخ

(9/50)


وجهان (أصحهما) أن كل بستان يفرد بحكمه والفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير وأيضا فانه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الايدى وسوء المشاركة ولان للخطة الواحدة من التأثير في الجمع ما ليس للخطتين ألا ترى أن خطة المسجد تجمع بين الامام والمأموم وان اختلف البناء وتباعدت المسافة بينهما ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين *
(فروع) أحدها إذا باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة أخرى حيث يقتضى الحكم اشتراكهما في الحال ففيه وجهان (أصحهما) أن الطلع الجديد للبائع أيضا

(9/51)


لانه من ثمرة العام (وقال) ابن أبى هريرة أنه للمشترى لانه حدث من ملكه بعد البيع (الثاني) لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها كما لو جمع بين نوعين من الاناث (الثالث) قال في التهذيب تشقق بعض الجوزق من الكرسف كتشقق الكل وما تشقق من الورد يبقي للبائع وما لم يتشقق يكون للمشترى وان كانا على شجرة واحدة ولا يتبع البعض البعض بخلاف ثمر النخل لان المتشقق لا يقطع بل يترك إلى إدراك الكل وما تشقق من الورد يجتني ولا يترك إلى تشقق الباقي وذكر أيضا أن التين والعنب إن ظهر بعضه دون بعض فما ظهر يكون

(9/52)


للبائع وما لم يظهر يكون للمشترى وهذه الصورة الاخيرة محل التوقف والله أعلم * (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) وغير المؤبر يندرج يحتاج إلى قيد آخر وهو أن لا يتشقق بنفسه إذ لو تشقق لما اندرج وان لم يؤبر على أن بعضهم فسر التأبير بما يدخل فيه التشقيق والتشقق فعلى ذلك الاصطلاح يستمر الكلام على ظاهره (وقوله) كل ثمرة ظهرت للناظرين أي إما في إبتداء الوجود كالتين أو بالتفتح كالورد أو بالخروج من النور على التفصيل السابق (وقوله) نظرا إلى وقت التأبير هذا التوجيه يقتضى أن يكون احد البستانين تابعا للآخر لدخول وقت التأبير لكن الظاهر خلافه

(9/53)


على ما مر فهو إذا محمول على نخيل البستان الواحد وفى قوله هذا أذا اتحد النوع وشملت الصفقة مثل هذا الكلام المعني وان اتحد البستان إلا أن يجاب بالوجه الآخر * قال * (وليس لمشترى الاشجار أن يكلف البائع قطع الثمار بل له (ح) الابقاء إلى أوان القطاف للعرف ولكل واحد أن يسقى الاشجار إذا كان يحتاج إليه إن لم يكن يتضرر صاحبه وان تقابل الضرران فأيهما أولى به فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أن المشترى أولى إذا التزم البائع سلامة الاثمار له وفي (الثالث)
يتساويان فيفسخ العقد لتعذر الامضاء إن لم يصطلحا ومهما لم تتضرر الثمار بالسقي وتضرر الشجر بترك السقى فعلى البائع السقى أو القطع) *

(9/54)


في الفصل صور (إحداها) إذا باع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع فان شرط القطع في الحال لزمه القطع وان أطلق فليس للمشترى أن يكلفه القطع في الحال بل له الابقاء إلى أوان الجذاذ في النخل والقطاف في العنب وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة يلزمه القطع في الحال ولو شرط الابقاء فسد * لنا أن مطلق العقد محمول على المعتاد والمعتاد في الثمار الابقاء حتى لو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعها قبل النضج يكلف القطع وإذا جاء وقت الجذاذ لا يمكن من أن يأخذها علي التدريج ولا يؤخر إلى نهاية النضج (واعلم) أنه حكي اختلاف القول في جواز ابقاء الثمار في صورتين (إحداهما)

(9/55)


لو تعذر السقى لانقطاع الماء وعظم ضرر النخيل بابقاء الثمار ففيه قولان منقولان عن الام (قال) أبو القاسم الكرخي (أصحهما) أنه ليس له الابقاء دفعا للضرر عن المشترى (الثانية) لو أصاب الثمار آفة سماوية ولم يكن في إبقائها فائدة هل له الابقاء عن رواية صاحب التقريب فيه قولان (الصورة الثانية) سقي الثمار عند الحاجة على البائع وعلى المشترى تمكينه من دخول البستان ليسقى فان لم يأتمنه نصب الحاكم أمينا للسقي ومؤنته على البائع وإذا كان السقى ينفع الثمار والاشجار معا فلكل واحد من البائع والمشترى السقى وليس للآخر منعه وان كان يضربهما معا فليس لاحدهما السقى إلا برضى

(9/56)


الآخر وان أضر بالثمار ونفع الاشجار فأراد المشترى أن يسقى ونازعه البائع فوجهان (قال) ابن أبى هريرة للمشترى السقي ولا يبالى برضى البائع لانه قد رضى به حين أقدم على هذا العقد (وقال) أبو إسحاق يفسخ العقد لتعذر امضائه إلا باضرار أحدهما فان سامح أحدهما الآخر أقر وهذا أظهر وان أضر بالاشجار ونفع الثمار وتنازعا جري الوجهان فعند ابن أبى هريرة للبائع السقى (وقول) أبى اسحق لا يختلف فهذا ما نقله الجمهور واقتصروا عليه * وحكى الامام وصاحب الكتاب في الصورتين ثلاثة أوجه
(أحدها) أنه يجاب المشترى إلى مطلوبه لانه التزم سلامة الاشجار للبائع (وثانيها) أنه يجاب البائع

(9/57)


لاستحقاقه ابقاء الثمار (والثالث) يتساويان وترجيح الوجه الاول مما لم أره إلا لصاحب الكتاب * ولو كان السقى يضر باحدهما وترك السقى يمنع حصول زيادة في جانب الثاني ففى التحاقه بتقابل الضرر احتمالان عند الامام (الصورة الثالثة) لو لم يسق البائع وتضرر المشترى ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة الاشجار أجبر على السقى أو القطع فان تعذر السقي لانقطاع الماء ففيه القولان السابقان والله أعلم * قال (اللفظ السادس بيع الثمار * وموجب إطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف فان كان بعد بدو الصلاح صح بكل حال وموجب الاصلاق التبعية (ح) وإن كان قبله بطل (ح) الا بشرط القطع

(9/58)


لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة) ولو اشتراها صاحب الشجرة فلا يجب شرط القطع (و) ولو باع الشجرة وبقيت الثمار له لم يجب شرط القطع لان المبيع هو الشجر ولا خوف فيه ولو باع الشجرة مع الثمرة فلا يشترط القطع لفقد العلة المذكورة ولو اطرد عرف قوم بقطع الثمار ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف) * قد ذكر في اللفظ الخامس حكم بيع الاشجار دون التعرض للثمار والغرض الآن الكلام في بيع الثمار دون التعرض للاشجار وهى إما أن تباع بعد بدو الصلاح أو قبله (الحالة
__________
(حديث) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة رواه الشافعي وغيره وقد تقدم *

(9/59)


الاولى) إذا بيعت بعد بدو الصلاح جاز مطلقا وبشرط ابقائها إلى وقت الجذاذ وبشرط القطع سواء كانت الاصول للبائع أو للمشترى أو لغيرهما لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها " والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها * ثم عند الاطلاق يجوز الابقاء إلى أوان الجذاذ للعرف وشرط التبعية تصريح بما هو من مقتضيات العقد وساعدنا
مالك وأحمد على ما ذكرناه وعند ابى حنيفة لا يجوز البيع بشرط الابقاء ويلزم القطع في الحال في صورة الاطلاق ولا يجوز ان يبيع الثمار بعد بدو الصلاح مع ما يحدث بعدها خلافا لمالك (الحالة الثانية) إذا بيعت
__________
(حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها متفق عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وأخرجه عن الشافعي في رواية لمسلم حتى يبدو صلاحه حمرته وصفرته وفي رواية له قال ما صلاحه قال تذهب عاهته وفي رواية لها قيل لابن عمر وأخرجه مسلم عن جابر وأبي هريرة وفي البخاري عن سهل ابن أبي حثمة وغيره عن زيد ابن ثابت وفيه قصة *

(9/60)


قبل بدو صلاحها (فاما) أن تباع مفردة عن الاشجار أو معها (الحالة الاولى) أن تباع مفردة عن الاشجار فالاشجار تصور على وجهين (أحدهما) أن تكون للبائع أو لغير المتعاقدين فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ولا بشرط الابقاء ويجوز بشرط القطع (أما) الجواز بشرط القطع فمجمع عليه واما انه لا يجوز مطلقا وبشرط الابقاء فلما سبق من الخبر فان ظاهره يمنع من مطلق البيع خرج البيع المشروط بالقطع بالاجماع فيعمل به فيما عداه والمعني الفارق بين ما بعد بدو الصلاح وقبله أن الثمار بعد بدو الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها وغلظ نواها وقبل بدو الصلاح تسرع إليها

(9/61)


العاهات لضعفها فإذا تلفت لم يبقى شئ في مقابلة الثمن وكان ذلك من قبل أكل المال بالباطل والى هذا المعني أشار باللفظ المروى في الكتاب وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة * وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه " (فاما) إذا شرط القطع فيتبين أن غرضه هو الحصرم والبلح وأنه حاصل هذا هو المعنى المشهور وحكى الامام مع ذلك معني آخر عن بعض الاصحاب وهو أن الثمار قبل بدو الصلاح تكبر أجزاؤها كبرا ظاهرا وتلك الاجزاء
__________
(حديث) انه صلى الله عليه وسلم قال أرايت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه * متفق عليه من حديث أنس وقد بينت في المدلج أن هذه الجملة موقوفة من قول أنس وان دفعها وهم وبيانها عند مسلم *

(9/62)


من أجزاء الشجرة بامتصاصها رطوباتها فيتعذر الابقاء لذلك كما يتعذر البيع بشرط أن يأكل العبد المبيع من مال البائع وساعدنا مالك وأحمد على قولنا * وقال أبو حنيفة لا يصح البيع بشرط الابقاء ويصح مطلقا ويؤمر بقطعه في الحال وهذا ذهاب إلى أن مقتضى الاطلاق القطع إذ به يحصل التسليم وعندنا مقتضى الاطلاق الابقاء بناء على العادة العامة كما تنزل الدراهم المطلقة في العقد على النقد الغالب والاجارة المطلقة على المنازل المعهودة في الطريق والتسليم يجب بحسب العادة ألا ترى أنه لو باع دارا فيها أمتعة كثيرة لا يلزمه نقلها في جنح الليل ولا أن يجمع كل حمال في البلد لتعجيل التسليم ولكن ينقل على العادة ثم ههنا فروع

(9/63)


* (أحدها) * وقد ذكره في الكتاب لو كان في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهى ثمارها إلى الحلاوة واعتاد اهلها قطعها حصرما ففى بيعها وجهان (عن) القفال أنه يصح من غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الخاصة منزل العادات العامة وقد ذكرنا أن العقد المطلق محمول على المعتاد فيكون القطع المعهود كالمشروط وامتنع الاكثرون من ذلك ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة وهذا الخلاف يجرى فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون حتى تنزل عادتهم على رأى منزلة شرط الانتفاع ويحكم بفساد الرهن واشار امام الحرمين رحمه الله الي تخريج ذلك على مسألة

(9/64)


السر والعلانية (الثاني) إذا باع بشرط القطع وجب الوفاء به ولو تراضيا على الترك فلا بأس وكان بدو الصلاح ككبر العبد الصغير وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع (الثالث) قال في التتمة إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم واللوز ونحوهما (فاما) ما لا منفعة فيه كالجوز والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع أيضا (الوجه الثاني) أن تكون الاشجار للمشترى مثل أن يبيع الشجرة من انسان بعد ظهور الثمرة وتبقى الثمرة له علي ما مر ثم يبيع الثمرة من مالك الشجرة أو يوصي بالثمرة لانسان ثم يبيع الموصى له الثمرة من الوارث فهل يشترط شرط القطع فيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور نعم لشمول الخبر والمعني فان المبيع هو الثمرة ولو تلفت لم يبق في

(9/65)


مقابلة الثمر شئ ولكن يجوز له الابقاء ولا يلزمه الوفاء بالشرط ههنا إذ لا معني لتكليفه قطع ثماره من أشجاره (والثانى) وهو الذى أورده في الكتاب أنه لا حاجة إلى شرط القطع لانه يجمعها مالك واحد فاشبه ما لو اشتراهما معا وسيأتى ذلك ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع فلا حاجة إلى شرط القطع لان المبيع هو الشجرة وهى غير متعرضة للعاهات والثمار مملوكة له بحكم الدوام ولو كانت الثمرة غير مؤبرة فاستثناها لنفسه فهل يجب شرط القطع فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الثمار والحالة هذه مندرجة لولا الاستثناء فكان كملك مبتدأ (وأصحهما) أنه لا يجب لانه في الحقيقة استدامة ملك

(9/66)


فعلى هذا له الابقاء إلى وقت الجذاذ ولو صرح بشرط الابقاء جاز وعلى الاول لا يجوز (الحالة الثانية) ان تباع الثمار مع الاشجار فيجوز من غير شرط القطع بل لا يجوز شرط القطع فيه اما انه يجوز من غير شرط القطع فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع جواز شرط الثمرة للمبتاع مع الاصل مطلقا) والمعني فيه أن الثمرة ههنا تتبع الاصل والاصل غير متعرض للعاهة وقد يحتمل في الشئ إذا كان تابعا ما لا يحتمل فيه إذا افرد بالتصرف كالحمل في البطن واللبن في الضرع (وأما) أنه لا يجوز شرط القطع فيه فلما فيه من الحجر عليه في ملكه * ثم نتكلم في عباراة

(9/67)


الكتاب (قوله) صح بكل حال معلم بالحاء لانه يتناول البيع بشرط التبعية وقد سبق أن أبا حنيفة لا يجوزه (وقوله) موجبا لاطلاق التبعية مستغني عنه لان في قوله وموجب اطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف ما يغني عنه ثم هو معلم بالحاء وكذا قوله بطل الا بشرط القطع لما مر (وقوله) لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف اراد به ان تمام التسليم انما يحصل بالقطاف وهو بعرض الجوائح والآفات قبل ذلك فالقدرة على التسليم إذا غير موثوق بها لكن في كون الامر كذلك مزيد كلام ستعرفه في مسألة الجوائح وما بعدها وقوله لفقد العلة المذكورة أراد به أن تمام التسليم ههنا يحصل بالتخلية ولا يتوقف على القطاف لكون الاصول مملوكة له (وقوله) ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف ليس فيه تصريح بحكم المسألة لكن فيه

(9/68)


اشارة إلى مأخذها معناه في الاستغناء عن شرط القطع خلاف وجه الاستغناء حمل المطلق على القطع المعهود كما يحمل المطلق على الابقاء المعهود ذهابا إلى أن المعهود بالعرف الخاص كالمعهود بالعرف العام * قال (ثم اتفقوا علي أن (ح) وقت بدو الصلاح كاف كما في التأبير ولكن بشرط اتحاد الجنس وكذلك ينبغى أن يتحد النوع والبستان والملك والصفقة فلو اختلف شئ من ذلك ففيه خلاف وصلاح الثمار أن يطيب أكلها ويأخذ الناس في الاكل وذلك بظهور مبادئ الحلاوة) * في الفصل قاعدتان لابد من معرفتهما في الباب (الاولى) لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح

(9/69)


في كل عنقود بل إذا باع ثمار شجرة بدا الصلاح في بعضها صح من غير شرط القطع ولو باع ثمار اشجار بدا الصلاح في بعضها نظر ان اختلف الجنس لم يعتبر بدو الصلاح في أحد الجنسين حكم الجنس الآخر حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة ولم يبد الصلاح في أحدهما وجب شرط القطع فيه وان اتحد الجنس فالنظر في اتحاد النوع واختلافه وبتقدير الاتحاد فالنظر في اتحاد البستان وتعدده وبتقدير الاتحاد فالنظر في بيعها صفقة واحدة وأفراد ما لم يبدو الصلاح فيه بالبيع وحكم الاقسام على ما مر في البابين بلا فرق حتى أن الاصح أنه لا يبيعه عند الافراد وأنه لا أثر لاختلاف النوع وأنه لا يتبع بستان

(9/70)


بستانا وبهذا قال أحمد وعن مالك أن البستان يتبع البستان إذا تجاورا وربما نقل عنه الضبط ببساتين البلدة الواحدة هذه إحدى القاعدتين بقى قوله والملك (أعلم) أن المصنف رحمه الله حكي خلافا في اشتراط اتحاد الملك وربما يشير إليه كلام الامام ولابد من البحث عن موضعه وكيفيته فنقول: إذا بدا الصلاح في ملك غيره ولم يبدو في ملكه لم يخل (أما) أن يكونا في بستان واحد أو في بستانين (فان) كانا في بستان واحد وباع ملكه فقد ذكرنا وجهين فيما لو كان الكل ملكه وأفرد ما لم يبدو فيه الصلاح بالبيع وهل يعطى له حكم ما بدا فيه الصلاح حتى يستغنى فيه عن شرط القطع أم لا وهو المراد من الخلاف في اعتبار اتحاد الصفقة فان ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك والحالة هذه فسبيله أن يقال (أحد) الوجهين أن الحكم كما لو كان ما بدا فيه الصلاح

(9/71)


ملكه فيطرد الوجهان (والثانى) القطع بالمنع وان كانا في بستانين فقد نقل الامام القطع بأنه لا عبرة به ولا نظر إلي بدو الصلاح في بستان غير البائع لكنا إذا لم نفرق فيما بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره فقياسه ان لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتحاد البستان والله أعلم * ثم حيث ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك ههنا فهو جائز في التأبير أيضا وان لم يجر ذكره ثم والظاهر أنه غير معتبر في الموضعين (والثانية) بدو الصلاح في الثمار بظهور

(9/72)


النضج ومبادئ الحلاوة وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطين وذلك فيما لا يتلون بان يتموه ويتلبن وفيما يتلون بأن يحمر أو يصفر أو يسود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتي تزهى قيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر أو تصفر) واعلم ان هذه الاوصاف وان كان يعرف بها بدو الصلاح في الثمار لكنها ليست ولا واحد منها بشرط في تفسير بدو الصلاح لان القثاء لا يفرض فيه نضج ولا حلاوة وليس فيه عفوصة ولا حموضة حتى تزول بل يستطاب أكله في الصغر كما يستطاب في الكبر ولذلك قال في الكتاب بأن يطيب
__________
(حديث) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر.
أو تصفر: متفق عليه ولفظ مسلم حتى تحمار وتصفار وللبخاري عن جابر بلفظ حتى تشقح قيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويوكل منها وبين في مسلم ان السائل عن ذلك غير سعيد بن ميناء رواية عن جابر وللبزار باسناد صحيح عن طاووس عن ابن عباس بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى تطعم (تنبيه) تزهى من ازهي وتزهو من زها وكلاهما مسموع حكاهما الجوهري

(9/73)


أكلها ويأخذ الناس في الاكل فاعتبر مع طيب الاكل أخذ الناس فيه وذلك في القثاء بأن يكبر بحيث يجتني في الغالب ويؤكل وفى الصغر (؟) تؤكل على سبيل الندور وأيضا فان بدو الصلاح في الزرع يحصل عند اشتداد الحب ولا يفرض فيه عفوصة ولا حموضة ولا نضج وحلاوة على أن اعتبار الاكل غير معتبر في تفسير مطلق بدو الصلاح أيضا لان صاحب التهذيب ذكر أن بيع
أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز الا أن يشترط القطع وبعده يجوز مطلقا ويشترط القطع فجعل تناهي الورق صلاحا له وانه غير مأكول * إذا تقرر ذلك فلو قال قائل بدو الصلاح في هذه الاشياء

(9/74)


صيرورتها إلى الصفة التى تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة لكان قد ذكر عبارة شاملة والله أعلم * قال (وبيع البطيخ ان كان مع الاصول (و) يتقيد بشرط القطع قبل الصلاح الا إذا بيع مع الارض وبيع أصول البقل لا يتقيد به إذ لا يتعرض للآفة) * بيع البطيخ قبل بدو صلاحه لا يجوز من غير شرط القطع وان بدا الصلاح في كله أو بعضه نظر إن كان يخاف خروج غيره فلابد من شرط القطع أيضا لانه إذا وجب شرطه خوفا من الجائحة التى الغالب

(9/75)


فيها العدم فلان يجب خوفا من الاختلاط الذى الغالب فيه الوجود كان أولى فان شرط القطع ثم لم يتفق حتى خرج غيره واختلط المبيع بغير المبيع ففى انفساخ البيع قولان نذكرهما في نظائرها * وان كان لا يخاف خروج غيره جاز بيعه من غير شرط القطع هذا إذا أفرد البطيخ بالبيع ووراءه حالتان (احداهما) لو أفرد أصوله بالبيع ذكر العراقيون وغيرهم انه يجوز ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط كبيع الزرع الذى اشتد حبه ثم الحمل الموجود يبقى للبائع وما يحدث بعده يكون للمشترى وان خيف اختلاط الحملين فلابد من شرط القطع فان شرط

(9/76)


ولم يتفق القطع حتي وقع الاختلاط ففيه طريقان سنذكرهما في نظيرهما * ولو باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد من شرط القطع أو القلع كالزرع الاخضر وإذا اشترط ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو للمشترى (الثانية) لو باع البطيخ من أصوله فجواب الامام وصاحب الكتاب انه لابد من شرط القطع بخلاف ما إذا باع الثمرة مع الشجرة لان الشجرة غير متعرضة للجائحة والبطاطيخ مع أصولها متعرضة لها فلو باعها مع الارض استغني عن شرط القطع وكان الارض ههنا كالاشجار ثم * وقضية

(9/77)


ما نقلناه في بيع الاصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط انه لا حاجة إلى شرط القطع فليعلم قوله يتقيد بشرط القطع بالواو لذلك وقوله وبيع أصول البقل إلى آخره منازع فيه أيضا وسأذكره في الفصل التالى لهذا والباذنجان وشجره كالبطيخ في الاحوال الثلاث * (فرع) لابن الحداد رحمه الله * لو باع نصف الثمار على رؤس الاشجار مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وعللوه بان البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف الا بقطع الكل فتضرر البائع بنقصان غير المبيع أشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف وما ذكروه من ان قطع النصف لا يمكن الا

(9/78)


بقطع الكل انما يستمر بتقدير دوام الاشاعة وامتناع القسمة أما إذا جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة بناء على انها افراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل بأن يقسم أولا فليكن منع البيع مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد * قال القاضى أبو الطيب وهو الصحيح * ولو باع نصفها مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة * ولو كانت الشجرة لواحد والثمرة لآخر فباع صاحب الثمرة نصفها من صاحب الثمرة فوجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع ههنا ولو كانت الثمار والاشجار مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة لم يجز ولو اشترى

(9/79)


نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة لم يجز مطلقا ويجوز بشرط القطع لان جملة الثمار تصير لمشترى الثمرة وجملة الاشجار للآخر وعلى مشترى الثمرة قطع الكل لانه بهذه المعاملة التزم قطع النصف المشترى بالشرط والتزم تفريغ الاشجار لصاحبه وبيع الشجرة على أن يفرغها للمشترى جائز وكذا لو كانت الاشجار لاحدهما والثمرة بينهما فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة على شرط القطع جاز * قال (ولابد من الاحتياط في أمرين (أحدهما) أن تكون الثمار بادية الا على قول تجويز بيع الغائب

(9/80)


أو فيما صلاحه في ابقائه في الكمام كالرمان * وفى استتار الحنطة بالسنبلة والارزة بالقشرة والباقلاء والجوز بالقشرة العليا خلاف (م ح) منشؤه أن الصلاح هل يتعلق ببقائه فيها) * لا يجوز بيع الزرع الاخضر الا بشرط القطع لما سبق في الثمار فان باعه مع الارض جاز تبعا وكذلك لا يجوز بيع البقول في الارض دون الارض الا بشرط القطع أو القلع سواء كان مما يجز مرارا أو لا يجز الا مرة واحدة هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وهو خلاف قوله في الكتاب (وبيع أصول البقل لا يتقيد به) فاعلمه وأعلمه * ولو باع الزرع بعد اشتداد الحب فهو كما لو باع الثمار بعد بدو الصلاح فلا حاجة إلى شرط القطع ولكن يشترط ظهور المقصود فلو باع ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى جاز سواء

(9/81)


باعها على الشجرة أو على وجه الارض ولو باع الشعير أو السلت مع السنابل جاز بعد الحصاد وقبله لان الحبات ظاهرة في السنبلة ولو كان للثمرة أو الحب كمام لا يزال الا عند الاكل كالرمان والعلس فكمثل ما له كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانج يجوز بيعه في القشرة السفلى ولا يجوز في العليالا على رأس الشجر ولا على وجه الارض لتستر المقصود بما ليس من صلاحه وفيه قول أنه يجوز ما دام رطبا في القشرة العليا وبه قال ابن القاص والاصطخري لتعلق الصلاح به من حيث انه يصون القشرة السفلى ويحفظ رطوبة اللب وبيع

(9/82)


الباقلا في القشرة العليا على هذا الخلاف وادعي الامام أن الاظهر فيه الصحة لان الشافعي رضى الله عنه أمر بعض أعوانه بان يشتري له الباقلا الرطب * وما لا يرى حباته في السنبلة كالحنطة والعدس والسمسم لا يجوز بيعه في السنبلة دون السنبلة ومعها قولان والقديم) الجواز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد) وقد اشتد (الجديد) المنع لتستر المقصود بما لا يتعلق به الصلاح كبيع تراب الصاغة والكدس بعد الدياسة وقبل التنقية والارز كالشعير يباع في السنابل لانه يدخر في قشره وبهذا قال ابن القاص وأبو علي الطبري ومنهم من قال هو كالحنطة * ولا يجوز بيع الجزر والثوم والبصل
__________
(حديث) نهى عن بيع الحب حتى يشتد تقدم في أوائل البيوع عن أنس *

(9/83)


والفجل والسلق في الارض لتستر المقصود ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع وبيع القنبيط في الارض لظهوره وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا ويجوز بيع اللوز في القشرة العليا قبل انعقاد السفلى لانه مأكول كله كالتفاح وهل القول بالمنع في صور الفصل مقطوع به أم هو مفرع على قول منع بيع الغائب * ذكر الامام أنه مفرع عليه أما إذا جوزنا بيع الغائب صح البيع فيها جميعا وعلى هذا جرى في الكتاب حيث قال الا على قول تجويز بيع الغائب وفى التهذيب أن المنع في بيع الجزر وما معناه في الارض ليس مبنيا على بيع الغائب لانه في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد رؤيته في

(9/84)


بصفته وهاهنا لا يمكن وعند ابى حنيفة ومالك واحمد يصح البيع في جميع صورة الفصل * وإذا قلنا بالمنع فلو باع الجوز مثلا في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الارض فطريقان (احدهما) ان البيع باطل في الجوز والحب وفى الشجرة والارض قولا تفريق الصفقة (واصحهما) القطع بالمنع في الكل للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع * ولو باع ارضا مبذورة مع البذر فقد قيل يصح البيع في البذر تبعا للارض والمذهب بطلان البيع فيه ئم في الارض الطريقان ومن قال بالصحة في الارض لا يذهب إلى التوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على احد القولين فيما لو باع ماله

(9/85)


ومال غيره وصححنا البيع في ماله وخيرناه فانه إذا اجاز يجيز بجميع الثمن والله أعلم * قال (الثاني ان يحذر من الربا فلو باع الحنطة في سنبلها بحنطة فهى المحاقلة (م) المنهى عنها وهى ربا إذ لا يمكن الكيل في السنابل * وكذا لو باع الرطب بالتمر ايضا فهى المزابنة المنهى عنها (م))

(9/86)


نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية على وجه الارض والمزابنة هي بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الارض روى عن
جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائه فرق من الحنطة والمزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بما به فرق من تمر فهدا التفسيران
__________
(حديث) نهى عن المحاقلة والمزابنة يأتي * (حديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن المحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة المزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بمائة فرق من تمر: الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه قال ابن جريج قلت لعطاء افسر لكم

(9/87)


كان من النبي صلى الله عليه وسلم فذاك وان كان من الراوى فهو أعرف بتفسير ما رواه والمحاقلة مأخوذة من الحقل وهى الساحة التى تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع سميت بذلك لانها مبنية علي التخمين والغبن فيها مما يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن امضاه فيتدافعان والمعني أن كل واحد يبيع مال الربا بجنسه من غير تحقيق المساواة في المعيار الشرعي لان المعيار فيهما الكيل ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا كيل الرطب على رؤس النخل والتخمين بالخرص لا يغني كما لو كان كل واحد منهما علي وجه الارض وفى المحاقلة شيئان آخران
__________
جابر المحاقلة كما أخبرتني قال نعم وهو متفق عليه من حديث سفيان نحوه واتفقا عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ نهى عن المزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وأخرجه عنه الشافعي في الام قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه عليه وسلم منصوصا ويحتمل أن يكون من رواية من رواه انتهى * وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة وكلها في الصحيحين أو أحدهم وعن رافع بن خديج في النسائي وسهل ابن سعد في الطبراني (تنبيه) المحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة قاله الجوهري وهي الساحات جمع ساحة *

(9/88)


(أحدهما) أنه يبيع الحنطة والتبن بالحنطة (والثانى) أن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه ولو باع
الشعير في سنبله بالحنطة على وجه الارض أو الرطب على رأس النخل بجنس آخر من الثمار على الشجر أو على وجه الارض فلا بأس لكن يتقابضان بالتسليم فيما على وجه الارض وبالتخلية فيما على الشجر ولو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس أيضا لان الحشيش غير مطعوم ويجوز أن يعلم قوله فهى المحاقلة وقوله فهى المزابنة - بالميم - لان عن مالك أن المحاقلة هي أكتراء الارض ببعض ما يخرج منها

(9/89)


من الثلث أو الربع أو غيرهما والمزابنة هي ضمان الصبرة بقدر معلوم بأن يقول أضمن لك صبرتك بكذا صاعا ان زاد فلى وان نقص فعلى ويستثنى عن المزاينة ما نذكره على الاثر * قال (ولا خبر في التخمين بالخرص الا فيما دون خمسة أوسق (ح) إذا باعها خرصا بما تعود إليه على تقدير الجفاف وهى العرايا (م ح) التى أرخص فيها * والاظهر الجواز في قدر خمسة أوسق *

(9/90)


وميل المزني رحمه الله تعالى إلى تخصيص الجواز بما دون خمسة أوسق لتردد الراوي فيه * فلو زاد على خمسة أوسق في صفقات جاز (ح) وكذا إذا تعدد المشترى واتحد البائع * ولو اتحد المشترى وتعدد البائع ففيه خلاف * ووجه الفرق النظر إلى جانب من حصل الرطب في ملكه لان الرطب محل الخرص الذى هو خلاف القياس * هذا في الرطب بالتمر * فأما في الرطب بالرطب ففيه خلاف وكذا في غير المحاويج إذا تعاطوا (ح) العرايا) * عن جابر رضى الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهى بيع التمر بالتمر

(9/91)


الا أنه رخص في العرية) بيع العرايا جائز وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلتين باعتبار الخرص بقدر كيله من التمر سميت عرية لانه عرى أي أفرد نخلة أو نخلتين ببيع رطبها وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العرية أن يفرد نخلة أو نخلتين فيهب ثمرتها لرجل حتى تجتني كل يوم ثم تنثرم بدخوله حائطه فعند مالك يشتريها منه بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك لغير رب البستان وعند
أبى حنيفة له أن يستردها منه وله أن يعطيه بخرصها تمرا وساعدنا أحمد على تفسير العرية الا أن عنه رواية أن الرطب يباع بمثله تمرا * لنا ما روى عن سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (أن
__________
(حديث) جابر نهى عن المزابنة وهي بيع التمر التمر الا انه رخص في العرية.
الشافعي عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه واتفق الشيخان عليه عن ابن عيينة *

(9/92)


رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا) ولا يجوز العرايا من غير خرص وسبيل الخرص ما ذكرناه في الزكاة ويجب التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل وتخلية البائع بينه وبين النخلة وان كان التمر غائبا عنهما أو كانا غائبين عن النخل فأحضراه أو حضر عندها جاز ثم ان لم يظهر تفاوت بين التمر المجعول عوضا وبين ما في الرطب من التمر بأن أكل الرطب في الحال فذاك وان ظهر تفاوت نظر ان كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وان كان أكثر فالعقد باطل وفيه وجه
__________
(حديث) سهل بن ابي حثمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا انه رخص في العرية ان تباع بخرصها تمرا ياكلها اهلها رطباء الشافعي واحمد والشيخان وغيرهما عنه *

(9/93)


أنه يصح في الكثير بقدر القليل ولمشترى الكثير الخيار إذا لم يسلم له الجميع ويجوز بيع العرايا في العنب كما يجوز في الرطب وفى سائر الثمار قولان (أصحهما) المنع لانها متفرقة مستورة بالاوراق فلا يتأتى الخرص فيها وثمرة النخيل والكروم متدلية ظاهرة ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) في القدر الذى يجوز فيه بيع العرايا ويجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق من التمر ولا يجوز فيما زاد عليها وفى الخمسة قولان (أحدهما) وهو منقول المزني انه يجوز لاطلاق خبر سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (والثانى) وهو مختار المزني المنع لان النهى عن المزابنة معلوم محقق والرخصة

(9/94)


في قدر الخمسة مشكوك فيه وذلك لان الشافعي رضى الله عنه روى عن مالك عن داود بن الحصين
عن أبى سفيان مولى بن أبى أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق الشك من داود) فيستصحب المعلوم المحقق والقول الاول أظهر عند صاحب الكتاب والثانى أظهر عند صاحب التهذيب والقاضى الرويانى وغيرهما وهو مذهب أحمد والقدر الذي يمنع من بيع العرايا فيه انما يمنع في الصفقة الواحدة (أما) لو باع قدرا كبيرا في صفقات فلا منع وكذا لو باع صفقة واحدة من رجلين ما يخص كل واحد منهما
__________
(حديث) روي الشافعي عن مالك عن داود وهو ابن الحصين عن ابي سفيان مولى ابن ابي احمد عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة اوسق أو في خمسة اوسق شك داود.
هو في الام والمختصر كذلك ورواه البخاري عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي سمعت مالكا وسأله عبيد الله بن الربيع احدثك داود عن ابي سفيان عن ابي هريرة فذكره دون ما في آخره وذكر في كتاب الشرب من صحيحه ذلك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك *

(9/95)


القدر الجائز خلافا لاحمد في المسألتين ولو باع رجلان من واحد فوجهان (أصحهما) ان الحكم كما لو باع واحد من رجلين لان تعدد الصفقة بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشترى كما ذكرنا في الرد بالعيب (والثانى) وبه قال صاحب التلخيص لا يجوز الزيادة على خمسة أوسق نظرا إلى مشترى الرطب لانه محل الخرص الذى هو خلاف قياس الربويات فلا ينبغى أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة لم يجز في أكثر من عشرة أوسق ويجوز فيما دونها وفى العشرة قولان (الثانية) جميع ما ذكرناه في بيع

(9/96)


الرطب بالتمر أما لو باع الرطب على النخل بالرطب على النخيل خرصا فيهما أو بالرطب على وجه الارض كيلا فيه ففي جوازه أوجه (أصحها) وبه قال الاصطخرى لا يجوز لان الرخصة انما تثبت للحاجة إلى تحصيل الرطب ومالك الرطب مستغني عنه أو حاجته إليه أدنى فلا يلحق بصورة الرخصة (والثانى) وبه قال ابن خيران انه يجوز لانه ربما يشتهى ما عند غيره (والثالث) انه ان اختلف النوعان جاز
والا فلا ويحكي هذا عن أبى اسحق وحكي الشيخ أبو حامد وآخرون عنه تخصيص هذا التفصيل بما إذا كان علي النخيل والمنع فيما إذا كان احدهما على وجه الارض والفرق أنه قد يزيد النوع الذي

(9/97)


عند صاحبه ويريد أن يأكله رطبا على التدريج وما على وجه الارض لا يمكن أن يؤكل رطبا على التدريج لانه يفسد أو يجف ولو باع الرطب على وجه الارض بالرطب على وجه الارض لم يجز لانه ليس في معنى صورة الرخصة من حيث أن أحد المعاني فيها أن يأكله طريا على التدريج وهذا لا يتحقق فيما على وجه الارض.
وذكر القفال في شرح التلخيص انه على الخلاف لانه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما على رأس النخل خرصا واحتملت الجهالة فلان يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان اولى (الثالثة) فيمن يجوز له بيع العرايا ويجوز ذلك لمحاويج الناس وفى اغنيائهم قولان (اصحهما) الجواز لاطلاق الالفاظ التى رويناها (والثاني) لا يجوز ذكره

(9/98)


في اختلاف الحديث وبه قال احمد والمزنى لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه (انه سمى رجالا محتاجين من الانصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ومن قال بالاول قال هذه حكمة شرعية ثم قال يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف ونظائرهما ومنهم من بنى الحلاف في هذه المسائل على ان الخرص أصل بنفسه يقام مقام الكيل أو ليس كذلك ويتبع مورد النص والله أعلم *
__________
(حديث) زيد بن ثابت انه سمي رجالا محتاجين من الانصار شكوا الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الرطب يأتي ولا نقد بأديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوت من تمر فرخص لهم ان يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.
هذا الحديث ذكره الشافعي في الام والمختصر بغير اسناد فقال قيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من اصحاب رسول الله

(9/99)


قال * (وإذا اجتاحت الآفة الثمار قبل القطاف وبعد التخلية فهى من ضمان البائع على أحد
القولين * وميل الجديد إلى أنه ليس من ضمانه (م) * وما فات بآفة السرقة ليس من ضمانه علي الاصح * ويجب على البائع أن يسقى الاشجار لتربية الثمار فان ترك السقى ففسدت الثمار فهى من ضمانه * فان لم تفسد بل فاتت ففى انفساح العقد خلاف * كما في موت العبد المقبوض بمرض تقدم على القبض) * الكلام من هذا الموضع إلى رأس النظر الخامس في أحكام الثمار المبيعة على رأس الاشجار وما يعرض لها ضمن العوارض الجوائح كالحر والبرد والجراد والحريق ونحوها وقد قدم امام الحرمين
__________
= صلي الله عليه وسلم اما زيد بن ثابت واما غيره ما عراياكم هذه.
قال فلان وفلان وسمي رجالا محتاجين فذكره.
وذكره في اختلاف الحديث فقال والعرايا التي ارخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر محمود بن لبيد قال سألت زيد بن ثابت فقلت ما عراياكم هذه فذكر نحوه وذكره البيهقي في المعرفة عن الشافعي معلقا يضا وقد انكره محمد بن داود على الشافعي ورد عليه ابن سريج انكاره

(9/100)


على بيان حكمها أصلين لا غنى عن معرفتهما وينفعان في أثناء المسألة (أحدهما) انه إذا باع الثمار بعد بدو الصلاح يلزمه سقى الاشجار قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به الثمار ويسلم عن التلف والفساد * واحتج له بأن التسليم واحب عليه والسقى من تتمة التسليم كالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات فيكون على البائع فلو شرط كونه على المشترى بطل العقد لانه على خلاف قضيته (والثانى) ان المشتري يتسلط على التصرف في الثمار بعد جريان التخلية من كل وجه إذا تقرر ذلك فللجوائح حالتان (أحدهما) أن تعرض قبل التخلية فهى من ضمان البائع فان تلف
__________
= ولم يذكر له اسنادا وقال ابن جزم لم يذكر الشافعي له اسنادا فبطل ان يكون فيه حجة وقال الماوردي لم يسنده الشافعي لانه نقله من السير (تنبيه) قال الشيخ الموفق في الكافي بعد أن ساق هذا الحديث متفق عليه وهو وهم منه *

(9/101)


جميع الثمار انفسخ العقد ولو تلف بعضها انفسخ فيه وفي الباقي قولا التفريق (والثانية) أن تعرض بعد التخلية فينظران باعها بعد بدو الصلاح ففيه طرق وأحدها فيه قولين (أحدهما) ان الجوائح
من ضمان البائع وبه قال أحمد لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) (وأصحهما) وهو الجديد وبه قال أبو حنيفة انها من ضمان المشترى لان القبض حصل بالتخلية فصار كما لو هلك بعد القطاف والخبر محمول على الاستحباب ويشعر به ما روي (أن رجلا ابتاع ثمرة فأذهبتها الجائحة
__________
(حديث) ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بوضع الجوائح.
مسلم عن جابر وفي لفظ للنسائي ان النبي صلى لله عليه وسلم وضع الجوائح *

(9/102)


فسأله أن يضع عنه فأبى أن لا يفعل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يأبى أن لا يفعل خيرا فأخبر البائع بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع) وتأيد القول الاول بالاصل الاول والثانى بالثاني ولا فرق على القولين بين ان يقل أو يكثر وقال مالك يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دونه.
وان باع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها حتى أضاعتها الجائحة ففيه ثلاثة طرق (اظهرها) انه على القولين (والثانى) انها من ضمان المشترى قولا واحدا لتفريطه
__________
(حديث) ان رجلا ابتاع تمرة فاذهبتها الجائحة فسأله ان يضع عنه فابى ان لا يفعل فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يابى ان لا يفعل خيرا فاخبر البائع بما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع.
الشافعي عن مالك عن ابي الرجال عن امه عمرة به نحوه مرسل

(9/103)


بترك القطع وأيضا فلانه لا علقة بينهما إذ لا يجب السقى على البائع والحالة هذه ويحكى هذا عن القفال (والثالث) انها من ضمان البائع قولا واحدا لانه إذا شرط القطع كان القبض فيه بالقطع والنقل ويتفرع على كونها من ضمان البائع أمور (الاول) أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ما تلف قبل أوان الجذاذ أما ما تلف بعد أوان الجذاذ وامكان النقل ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) انها من ضمان المشترى لتقصيره بالترك (والثانى) من ضمان البائع أيضا لان التسليم لا يتم ما دامت الثمار متصلة بملك البائع ويشبه
__________
= والبيهقي من طريق حارثة بن ابي الرحال عن ابيه عن عمرة عن عئشة موصولا وقال حارثة ضعيف وهو في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مختصرا *

(9/104)


أن يكون الاول أرجح * قال الامام وموضع الخلاف ما إذا لم يكن التأخير بحيث يعد تقصيرا وتضييعا كاليوم واليومين فان كان كذلك فلا مساغ للخلاف (الثاني) لو تلف بعض الثمار فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية ولو عابت الثمار بالجوائح ولم تتلف ثبت الخيار على هذا القول كما لو عابت قبل التخلية وعلى الجديد لا يثبت (الثالث) لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة فوجهان (أحدهما) انها من ضمان البائع أيضا بناء على ان التسليم لا يتم الا بالتخلية (والثانى)

(9/105)


انها من ضمان المشترى لتمكنه من الاحتراز عنه بنصب الحافظين وأيضا فان الرجوع على الجاني بالضمان متيسر وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاكثرين فمن يقول به يقطع بأن المغصوب والمسروق من ضمان المشترى والقائل الاول يجعلهما على القولين وهو ما أورده العراقيون واعلم أن ما ذكرناه من القولين في الآفات السماوية التى لا نسبة لها إلى البائع بحال فأما إذا ترك السقى وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش فنتكلم أولا فيما إذا تلفت به ثم فيما إذا تعيبت وان كان ترتيب

(9/106)


الكتاب عكسه (أما) إذا تلفت ففيه طريقان (أحدهما) ان في انفساخ البيع قولين أيضا يحكي هذا عن أبى على الطبري (وأصحهما) القطع بالانفساخ لاستناد هذه الآفة إلى ترك السقى المستحق بالعقد قبل التخلية وما يستند ألى سبب سابق على القبض قد ينزل منزلة ما لو سبق بنفسه كما ذكرنا في القتل بالردة السابقة والقطع بالسرقة السابقة وموت العبد من المرض المتقدم على القبض (فان قلنا) بعدم الانفساخ فعلى البائع الضمان من القيمة والمثل وانما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهى إليه لولا العارض (وأما) إذا فسدت بالتعيب فللمشترى الخيار وان جعلنا الجوائح من ضمانه قال

(9/107)


الامام لان الشرع الزم البائع بتنمية الثمار بالسقى فالتعيب الحادث بترك السقى كالعيب المتقدم على القبض ولو أفضي التعيب إلى التلف نظران لم يشعر به المشتري حتى تلف عاد الخلاف في
الانفساخ ولزم الضمان على البائع ان قلنا بعدم الانفساخ ولا خيار بعد التلف هكذا ذكره الامام وان شعر به ولم يفسخ حتى تلفت فيغرم البائع في وجه لعدوانه ولا يغرم في آخر لتقصير المشترى بترك الفسخ مع القدرة عليه * (فرع) لو باع الثمار مع الاشجار فتلفت الثمار بجائحة قبل التخلية بطل العقد فيها وفى

(9/108)


الاشجار قولان وان تلفت بعد التخلية فهى من ضمان المشترى قولا واحدا لان العلائق منقطعة ههنا والثمرة متصلة بملك المشترى * (فرع) لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففى انفساخ العقد وجهان لبقا علقة الكيل بينهما * قال (وان باع الفثاء أو ما يغلب عليه التلاحق وعسر التسليم بطل على الاصح * فان كان نادرا واتفق ذلك قبل القبض انفسخ العقد على قول * ولعل الاظهر أنه لا ينفسخ * ولكن للمشترى الخيار (و) إن لم يهب البائع ما تجدد منه * فان وهب سقط خياره * وان كان ذلك بعد التخلية فان قلنا ان الجوائح من ضمانه فهو كما قبل التخلية) *

(9/109)


ومن العوارض اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لتلاحقها (أما) الاختلاط الذى يبقى معه التمييز فلا اعتبار به (وأما) غيره فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجر يثمر في السنة مرتين فينظر ان كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالاول كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان لم يصح البيع الا بشرط ان يقطع المشترى ثمرته عند خوف الاختلاط وفيه قول أو وجه أنه موقوف ان سمح البائع بما حدث تبين انعقاد البيع وإلا تبين انه لم ينعقد من أصله والاصح الاول لما مر في بيع البطيخ ثم إذا شرط القطع ولم يتفق حتى حصل التلاحق والاختلاط فالحكم كما لو اتفق

(9/110)


التلاحق فيما يندر فيه التلاحق فان كان مما يندر فيه التلاحق وعلم عدم الاختلاط أو لم يعلم أنه كيف يكون الحال فيصح البيع مطلقا وبشرط القطع والتبقية وان حصل الاختلاط فله حالتان
(احداهما) أن يحصل قبل التخلية فقولان (احدهما) أنه ينفسخ البيع لتعذر تسليم المبيع قبل القبض (وأظهرهما) على ما رآه المصنف وهو اختيار المزني أنه لا ينفسخ لبقاء عين المبيع وامكان امضاء البيع فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار لانه أعظم من اباق العبد المبيع وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا خيار أيضا وان الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده والمذهب الاول ثم ان

(9/111)


قال البائع اسمح بترك الثمرة الجديدة للمشترى ففى سقوط خياره وجهان (أحدهما) لا يسقط لما في قوله من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط كما سبق في الاعراض عن نعل الدابة المردودة بالعيب ولو باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط جرى القولان في الانفساخ وهما جاريان فيما إذا باع حنطة فانهال عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فقد قال في التتمة المذهب ههنا

(9/112)


انفساخ البيع لانه يورث الاشتباه وأنه مانع من صحة البيع لو فرض في الابتداء وفي الحنطة غاية ما يلزم الاشاعة وأنها غير مانعة وفيه وجه أنه لا ينفسخ لامكان تسليمه بتسليم الكل ولو باع جرة من القث بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان ومنهم من قطع بعدم الانفساخ ههنا تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة وسمن الحيوان وهو ضعيف لان البائع يجبر على تسليم الاشياء المذكورة بزيادتها وههنا لا يجبر على تسليم ما زاد (والثانية) أن يحصل بعد التخلية ففيه طريقان (أحدهما) وبه قال المزني القطع بعدم الانفساخ كما لو كان المبيع حنطة فأنهالت عليها حنطة أخرى

(9/113)


بعد القبض (والثانى) أنه على القولين في الحالة الاولى بخلاف مسألة الحنطة لان هناك قد تم التسليم وانقطعت العلائق بينهما وفى الثمار لم تنقطع العلائق لان البائع يدخل الحائط للسقي وتعهد النخيل وغير ذلك ويمكن بناء الطريقين على ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وهو أن حكم المسألة مأخوذ من الخلاف في الجوائح ان جعلناها من ضمان المشترى أجبنا بالطريقة الاولى وان جعلناها من ضمان
البائع أجبنا بالثانية الا أن قضية هذا البناء أن يكون القطع بعدم الانفساخ أظهر وعامة الاصحاب على ترجيح طريقة القولين وإذا قلنا بعدم الانفساخ فان تصالحا وتوافقا على شئ فذاك والا فالقول قول

(9/114)


صاحب اليد في قدر حق الآخر ومن صاحب اليد في صورة الثمار فيه وجهان بناء على أن الجوائح من ضمان البائع والمشترى ووجه ثالث وهو أنها في يدهما جميعا وفى صورة الحنطة صاحب اليد هو المشتري فالقول قوله في قدر حق البائع فان كان المشتري قد أودعه الحنطة بعد القبض ثم حصل الاختلاط فالقول قول البائع في قدر حق المشترى والله أعلم * وإذا تأملت ما ذكرناه علمت قوله في الكتاب انفسخ البيع بالزاى وقوله للمشترى الخيار بالواو وكذا قوله سقط خياره ثم ههنا مسألة أخرى لابد من ذكرها وهى أن يبيع شجرة عليها ثمرة تبقى للبائع وهى مما يثمر في السنة

(9/115)


مرتين ويغلب عليها التلاحق فلا يصح البيع الا بشرط ان يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ويجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع الثمرة ثم إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق أو الاختلاط فااتفق ذلك نقل المزني قولين في الانفساخ وللاصحاب طريقان (فعن) أبي على ابن خيران والطبري القطع بعدم الانفساخ وتخطئة المزني فيما نقل لان الاختلاط وتعذر التسليم لم يوجد في المبيع بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار وأثبت الاكثرون القولين ونقلوهما عن نصه في الام وقالوا الاختلاط وان لم يوجد في المبيع لكنه وجد في المقصود

(9/116)


بالعقد وهو الثمرة الحادثة فانها مقصود المشترى من الشراء فجاز أن يجعل كالمبيع فان قلنا بعدم الانفساخ نظران سمح البائع بترك الثمرة القديمة أجبر المشترى على القبول وان رضى المشترى بترك الثمرة الحادثة أجبر البائع على القبول وأقر العقد ويشبه أن يجئ في الاجبار على القبول خلاف وان استمرا على النزاع فالمثبتون للقولين قالوا انفسخ العقد بينهما كما لو كان المبيع الثمرة والقاطعون قالوا لا فسخ بل ان كانت الثمرة والشجرة في يد البائع فالقول قوله في قدر ما يستحقه المشترى مع يمينه وان كانتا في يد
المشترى فالقول قوله في قدر ما يستحقه البائع قال صاحب التهذيب وهذا هو القياس لان الفسخ

(9/117)


لا يفيد رفع النزاع لبقاء الثمرة الحادثة للمشترى وان قلنا بالانفساخ استرد المشترى الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار ذكره صاحب التتمة * قال (النظر الخامس من كتاب البيع) * (في مداينة العبيد والتحالف وفيه بابان) الاول (في معاملة العبيد والنظر في المأذون له في التجارة وغيره أما المأذون فالنظر فيما يجوز له

(9/118)


وفى العهدة وفيما يقضى منه ديونه (أما) ما يجوز له فكل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمه فلا ينكح ولا يؤاجر (ح) نفسه ولا يتعدى (ح) النوع الذى رسم له الاتجار فيه * ولا يأذن (ح) لعبيده في التجارة الا بتوكيل معين * ولا يتخذ (ح) الدعوة للمجهزين * ولا يعامل سيده (ح) ولا يتصرف (ح) فيما اكتسب باحتطاب واصطياد واتهاب ثم لا ينعزل (ح) بالاباق * ولا يستفيد (ح) الاذن بالسكوت وإذا ركبته الديون لم يزل (ح) ملك سيده عما في يده ويقبل اقراره (ح) بالدين لابيه وابنه) *

(9/119)


أوضحنا في أول كتاب البيع أن كلام هذا النظر في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين وفيهما بابان (الاول) في مداينتهم والمراد من المداينة الاستقراض والشراء بالتسمية وليس الباب مقصورا على بيان ذلك بل هو واف بأحكام سائر معاملاتهم لكنهم تبركوا بترجمة الشافعي رضى الله عنه والعبد إما مأذون في التجارة أو غيره * القسم الاول المأذون في التجارة والكلام فيه يقع في ثلاثة أمور (أحدها) فيما يجوز له من التصرفات وما لا يجوز (وثانيها) في أن الطلب في الديون الواجبة بمعاملاته على من تتوجه (وثالثها) في أنها من أين تؤدي (أما الاول) فاعلم أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وفى سائر التصرفات كالبيع والشراء اجماعا ولانه صحيح العبارة ومنعه من التصرف لحق

(9/120)


السيد فإذا أمره به فقد ارتفع المانع ويستفيد المأذون في التجارة بهذا الاذن كل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطى وحمل المتاع إلى الحانوت والرد بالعيب والمخاصمة في العهدة ونحوها ولا يستفيد به غير ذلك وهذا القول الجملى تفصله صور (منها) ليس للمأذون في التجارة أن ينكح كما أنه ليس للمأذون في النكاح أن يتجر لان كل واحد منهما غير متناول باسم الآخر (ومنها) ليس له أن يؤاجر نفسه لانه لا يملك التصرف في رقبته فكذلك في منفعته وعن الحليمى حكاية وجه أنه يملك ذلك وهو قول أبى حنيفة وهل له ايجار أموال التجارة كالعبيد والدواب فيه

(9/121)


وجهان (أحدهما) لا كما لا يؤاجر نفسه (وأصحهما) نعم لان التجار قد يعتادون ذلك ولان المنفعة من فوائد المال فيملك العقد عليها كالصوف واللبن (ومنها) لو أذن له السيد في التجارة في نوع من المال لا يصير مأذونا في سائر الانواع وكذا لو أذن في التجارة شهرا أو سنة لم يكن مأذونا بعد تلك المدة خلافا لابي حنيفة فيهما وسلم انه لو دفع إليه الفا ليشترى به شيئا لا يصير مأذونا في التجارة ولو دفع إليه الفا وقال اتجر فيه فله أن يشترى بعين ما دفع إليه وبقدره في ذمته ولا يزيد عليه ولو قال اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشترى بأكثر من القدر المدفوع إليه (ومنها) ليس للمأذون في

(9/122)


التجارة أن يأذن لعبده في التجارة خلافا لابي حنيفة ولو أذن له السيد في ذلك ففعل جاز ثم ينعزل مأذون المأذون بعزل السيد سواء انتزعه من يد المأذون أو لم ينترعه خلافا لابي حنيفة فيما إذا لم ينتزعه وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو الذى أورده في الكتاب نعم لانها تصدر عن نظره وإنما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه (والثانى) لا لان السيد لم يرض بتصرف غيره وهذا قضية ما أورده في التهذيب (ومنها) ألا يتخذ الدعوة للمجهزين والا يتصدق ولا ينفق على نفسه من مال التجارة لانه ملك السيد وعند أبى حنيفة له ذلك (ومنها) لا يعامل سيده

(9/123)


بيعا وشراء لان تصرفه لسيده بخلاف المكاتب يتصرف لنفسه وقال أبو حنيفة له أن يعامل سيده وربما قيد ذلك بما إذا ركبته الديون (ومنها) ما اكتسبه المأذون من الاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول الوصية والاخذ من المعدن هل ينضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الفورانى والامام وصاحب الكتاب لا لانه لم يحصل بجهة التجارة ولا سلمه لسيده إليه ليكون رأس المال (والثاني) نعم لانه من جملة أكسابه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (ومنها) العبد المأذون لا ينعزل بالاباق بل له التصرف في البلد الذى خرج إليه إلا إذا خص السيد الاذن بهذا البلد

(9/124)


وقال أبو حنيفة يصير محجورا عليه * لنا أن الاباق عصيان فلا يوجب الحجر كما لو عصى السيد من وجه آخر ولو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها ففيه هذا الخلاف ولا خلاف في أن له أن يأذن لمستولدته في التجارة (ومنها) إذا رأى عبده يبيع ويشترى فسكت عنه لم يصر مأذونا له في التجارة خلافا لابي حنيفة * لنا القياس على ما لو رآه ينكح فسكت عليه لا يكون سكوته إذنا في النكاح (ومنها) إذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو اعتاق بأذن المأذون والغرماء جاز ويكون الدين في ذمة العبد وان أذن العبد دون الغرماء لم يجز وان أذن الغرماء دون العبد

(9/125)


فوجهان وعن أبى حنيفة أنه إذا ركبته الديون يزول ملك سيده عما في يده ولا يدخل في ملك الغرماء (ومنها) اقرار المأذون بديون المعاملة مقبول على ما سيأتي في باب الاقرار ولا فرق بين أن يقربها لاجنبي أو لابنه أو ابنته وقال أبو حنيفة لا يقبل اقراره لهما وهذا الخلاف كالخلاف في اقرار المريض لوارثه (وأما) اقرار المأذون لغير دين المعاملة واقرار غير المأذون فالكلام فيهما منه ما هو مذكور في الاقرار ومنه ما هو مذكور في السرقة وسينتهي الشرح اليهما إن شاء الله تعالى *

(9/126)


قال (ولا يكتفى بقوله (ح) إني مأذون بل لابد من سماع من السيد أو بينة عادلة * ويكتفى بالشيوع على أحد الوجهين * ويكتفى بقوله في الحجر) *
من عامل المأذون وهو لا يعرف رقه فتصرفه صحيح ولا يشترط علمه بحاله ذكره في النهاية ومن عرف رقه لم يجر له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد ولا يكفى قول العبد أنا مأذون لان الاصل عدم إذن المستحق فأشبه ما إذا زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون * وقال أبو حنيفة يكفى قول العبد كما يكفى قول الوكيل قال الاصحاب ليس هما سواء لان في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة بل

(9/127)


يجوز معاملته بناء على ظاهر الحال وان لم يدع شيئا وههنا بخلافه وإنما يعرف كونه مأذونا إما بسماع الاذن من السيد أو ببينة تقوم عليه ولو شاع في الناس كونه مأذونا فوجهان (أصحهما) أنه يكتفي به أيضا لان اقامة البينة لكل معامل مما يعسر ولو عرف كونه مأذونا ثم قال حجر على السيد لم يعامل فان قال السيد لم أحجر عليه فوجهان (أصحهما) انه لا يعامل أيضا لانه العاقد والعقد باطل بزعمه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يجوز معاملته اعتمادا على قول السيد ولو عامل المأذون من عرف رقه ولم يعرف اذنه ثم بان كونه مأذونا فهو ملحق عند الائمة بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى

(9/128)


فإذا هو ميت ويقرب منه قولان حكاهما الحليمى فيما إذا كذب مدعى الوكالة ثم عامله فظهر صدقه في دعوى الوكالة * (فرع) لو عرف كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إلى أن يقع الاشهاد على الاذن فله ذلك خوفا من خطر انكار السيد كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة * (فرع) حكى في التتمة قولين في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته (أظهرهما) الجواز لان

(9/129)


الاصل والغالب في الناس الحرية (والثانى) المنع لان الاصل بقاء الحجر وما حكيناه عن النهاية في صدر الفصل كأنه جواب على الاظهر والله تعالى أعلم * قال (أما العهدة فهو مطالب (و) بديون معاملته * وكذا سيده على الاظهر * وقيل السيد
لا يطالب أصلا * وقيل يطالب إن لم يكن في يد العبد وفاء * ويطرد هذا الخلاف في عامل القراض مع رب المال * وقيل يطرده أيضا في الموكل إذا سلم إلى وكيله الفا معينة * وان عتق العبد طولب به * فان غرمه ففى رجوعه إلى السيد وجهان) *

(9/130)


القول في لفظ العهدة وتفسيرها موضعه غير هذا (وأما) فقه الفصل فإذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فاستحقت السلعة وقد تلف الثمن في يد العبد فللمشترى الرجوع ببدله على العبد لانه المباشر للعقد وفى وجه لا رجوع علي العبد لان يده يد السيد وعبارته مستعارة في الوسط وفى مطالبة السيد ثلاثة أوجه رتبها الامام (أصحها) أنه يطالب أيضا لان العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن (والثانى) لا يطالب لان السيد بالاذن قد أعطاه استقلالا فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمته (والثالث) أنه إن كان في يد العبد وفاء فلا يطالب السيد لحصول غرض المشترى وإلا فيطالب

(9/131)


وعن ابن سريج انه إن كان السيد قد دفع إليه عين مال وقال بعها أو خذ ثمنها واتجر فيه أو قال اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها ففعل ثم ظهر الاستحقاق وطالبه المشترى بالثمن فله أن يطالب السيد بقضاء الدين عنه لانه أوقعه في هذه الغرامة وان اشتري باختياره سلعة وباعها ثم ظهر الاستحقاق فلا ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة ففى مطالبة السيد بالثمن الا وجه والوجه الاول والثانى جاريان في عامل القراض مع رب المال لتنزيل رب المال العهدة على المال المعين ولو أن الرجل سلم إلى وكيله الفا وقال اشتر لى عبدا وأد هذا في ثمنه فاشترى الوكيل ففي مطالبته الموكل بالثمن

(9/132)


طريقان (أحدهما) أنه يطالب ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل لان الوكيل سفير محض والمأذون مستخدم يلزمه الامتثال والتزام ما ألزمه السيد ذمته (وأقيسهما) طرد الوجهين فيه وإذا توجهت الطلبة على العبد لم تندفع بعتقه لكن في رجوعه بالمغرم بعد العتق وجهان (أحدهما) يرجع لانقطاع استحقاق السيد بالعتق (وأظهرهما) لا يرجع لان المؤدى بعد العتق كالمستحق بالتصرف السابق
علي الرق وهذا كالخلاف في أن السيد إذا أعتق العبد الذى آجره في اثناء مدة الاجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدة الواقعة بعد العتق

(9/133)


قال * (ولو سلم إلى عبده ألفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا وتلف الالف انفسخ العقد * وان اشترى في الذمة فثلاثة أوجه (الثالث) أن للمالك الخيار إن شاء فسخ وان شاء أجاز وأبدل الالف) * إذا سلم إلى عبده الفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا ثم تلف الالف في يده انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض وان اشترى في الذمة على عزم صرف الالف إلى الثمن ففى المسألة وجهان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لانه حصر اذنه في التصرف في ذلك الالف وقد فات محل الاذن

(9/134)


(وأصحهما) أنه لا ينفسخ وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يجب للسيد ألف آخر لان العقد وقع له والثمن غير متعين فعليه الوفاء باتمامه (والثانى) أنه لا يلزمه ذلك ولكنه ان أخرج الفا آخر أمضى العقد والا فللبائع فسخ العقد ويشبه أن يكون هذا أظهر وهو اختيار الشيخ أبى محمد وإذا ترك الترتيب حصل في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب ووراءها وجه رابع وهو أن الثمن يكون في كسب العبد والوجهان في الاصل كالوجهين فيما إذا دفع الفا قراضا إلى رجل فاشتري شيئا في الذمة وتلف الالف عنده هل على رب المال الف آخر أو ينقلب العقد إلى العامل (ان

(9/135)


قلنا) بالاول فعلى السيد الف آخر (وان قلنا) بالثاني انفسخ العقد وإذا قلنا على السيد الف آخر فهل يتصرف العبد فيه بالاذن السابق أم لابد من اذن جديد فيه وجهان وهما كالوجهين في أنه إذا أخرج الفا آخر في صورة القراض فرأس المال الف أو الفان (ان قلنا) الف فلابد من اذن جديد (وان قلنا) ألفان كفى الاذن السابق قال الامام قدس الله روحه والالف الجديد انما يطالب به البائع دون العبد ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى الف من مال السيد وانه لا يتصرف فيما
تسلمه البائع وانما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسبب من الاسباب ورجع الالف والله أعلم *

(9/136)


قال (أما قضاء ديونه فمن مال التجارة * لا من رقبته (ح) * وفى تعلقه باكتسابه من الاحتطاب وغيره وجهان) * الامر الثالث أن ديون التجارة من أين تؤدى ولا شك أن ديون معاملات المأذون مؤداة مما في يده من مال التجارة سواء فيه الارباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال وهل يؤدى من اكتسابه بغير طريق التجارة كالاصطياد والاحتطاب فيه وجهان (أحدهما) لا كسائر أموال السيد (وأصحهما) نعم كما يتعلق به المهر وثبوت النكاح ثم ما فضل من ذلك يكون في ذمته إلى أن يعتق وهل يتعلق

(9/137)


بما يكتسبه بعد الحجر فيه وجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنها لا تتعلق به ولا تتعلق برقبته ولا بذمة السيد (أما) أنها لا تتعلق برقبته فلانه دين لزمه برضاء من له الدين فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو استقرض بغير إذن السيد وخالفنا أبو حنيفة فيه (وأما) أنه لا يتعلق بذمة السيد فلان ما لزمه بمعاوضة مقصودة باذنه وجب أن تكون متعلقة بكسب العبد كالنفقة في النكاح ولو كان للمأذونة أولاد لم تتعلق الديون بهم خلافا لابي حنيفة في الذين ولدوا بعد الاذن في التجارة ولو اتلف السيد ما في يد المأذون من أموال التجارة فعليه ما أتلف بقدر الدين ولو أنه قتل المأذون وليس في يده مال لم يلزم

(9/138)


قضاء الدين * هذه مسائل الكتاب وما يناسبها وفي المأذون فروع كثيرة تذكر في مواضع متفرقة والذى نورده في هذه الخاتمة أنه لو تصرف فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو اعتاق ولا دين على العبد فهو جائز وفى وجه يشترط أن يقوم عليه حجرا وإن كان عليه دين فقد سبق حكم تصرفه وإذا باع العبد أو أعتقه صار محجورا عليه في أصح الوجهين وفى قضاء ديونه مما يكتسبه في يد المشترى الخلاف المذكور فيما يكتسبه بعد الحجر عليه * واعلم أن المسائل الخلافية بيننا وبين أبى حنيفة في المأذون يبنى أكثرها على أنه يتصرف لنفسه أو لسيده فعنده يتصرف لنفسه وعندنا

(9/139)


لسيده ولذلك نقول إنه لا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بمال التجارة إلا باذن السيد ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل * (فرع) لو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا فعن ابى طاهر الزيادي أنه لا يصح هذا الاذن وعن غيره أنه يصح وله التصرف في أنواع الاموال هذا تمام القسم الاول * قال (وأما غير المأذون فلا يتصرف بما يضر سيده كالنكاح فانه لا ينعقد دون إذنه * والا قيس جوازاتها به * وقبوله الوصية فيدخل في ملك سيده كما يدخل باحتطابه * ويخلع زوجته *

(9/140)


ولا يصح (ز) ضمانه وشراؤه على الاصح لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم * وقيل إنه يصح كما في المفلس * ولا يملك العبد بتمليك السيد (م) على القول الجديد) * القسم الثاني غير المأذون في التجارة وهو قد يكون مأذونا في غير التجارة وقد لا يكون مأذونا أصلا والمسائل الداخلة في هذا القسم منتشرة في الابواب والتى أوردها في هذا الموضع خمس (إحداها) ليس للعبد أن ينكح بغير إذن السيد لانه لو جاز نكاحه لكان له أن يطأ متى شاء وأنه يورث ضعف البنية ويتضرر به السيد هذا حكم كل تصرف يتعلق برقبة العبد (الثانية) الهبة

(9/141)


من عبد الانسان والوصية له هبة ووصية للسيد وفى صحة قبوله فيهما من غير إذن السيد وجهان (احدهما) وبه قال الاصطخرى المنع لعدم رضاه بثبوت الملك (وأصحهما) الصحة لانه اكتساب لا يعقب عوضا فاشبه الاحتطاب والاصطياد بغير إذنه وأيضا فان العبد إذا خالع زوجته صح وثبت العوض ويدخل في ملك السيد قهرا فكذلك ههنا وصورة الوصية قد ذكرها صاحب الكتاب في الوصية (الثالثة) في صحة ضمانه بغير إذن السيد وجهان معادان في كتاب الضمان وشرحهما بذلك الموضع اليق (الرابعة) هل يصح شراؤه دون إذن السيد فيه طريقان (أظهرهما) أن فيه وجهين (أحدهما)

(9/142)


وبه قال ابن أبى هريرة نعم لانه يعتمد الذمة ولا حجر على ذمته (وأصحهما) لا وبه قال أبو إسحق والاصطخري لانه لو صح فأما أن يثبت الملك له وليس هو أهلا لان يملك أو لسيده وذلك إما بعوض يلزمه أو بعوض يكون في ذمة العبد والاول ما رضى به السيد والثانى ممتنع لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلتزم الثاني وبنوا الوجهين علي القولين في أن المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئا هل يصح ووجه الشبه أن كل واحد منهما صحيح العبارة وإنما حجر عليه لحق الغير (والطريق الثاني) القطع بالبطلان ويفارق المفلس لانه أهل للتمليك * (التفريع) ان صححنا شراءه فمنهم من قال إن الملك للسيد والبائع ان علم رقه لم يطالبه بشئ

(9/143)


حتى يعتق وان لم يعلم فهو بالخيار بين الصبر إلى العتق وبين أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله ومنهم من قال الملك للعبد والسيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينتزعه من يده وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشترى بالثمن وان تلف في يده فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق وإن انتزعه السيد فهل للبائع الرجوع فيه وجهان الذى أورده الاكثرون أنه لا يرجع كما لو زال يد المشترى عما اشتراه ثم أفلس بالثمن وفى التتمة أن الصحيح أنه يرجع أيضا بناء علي أن الملك يحصل للسيد ابتداء لا بالانتزاع وان افسدنا شراءه

(9/144)


فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت في يد العبد أو في يد السيد وان تلفت في يد العبد تعلق الضمان بذمته وان تلفت في يد السيد فللبائع مطالبته بالضمان وإلا ليس له مطالبة العبد بعد العتق ولا يجب على السيد الضمان بأن رآه فلم يأخذه من يد العبد ولو أدى الثمن من مال السيد فله استرداده والاستقراض في جميع ما ذكرناه كالشراء وللعبد اجارة نفسه باذن السيد وكذا له بيع نفسه ورهنها في أصح الوجهين ولو اشترى العبد أو باع لغيره وكالة بغير إذن السيد ففيه وجهان ذكر في التتمة انهما مبنيان على الخلاف فيما لو اشترى لنفسه والاصح المنع لما

(9/145)


فيه من تعلق العهدة بالوكيل وقوله في الكتاب ولا يصح ضمانه وشراؤه يجوز إعلامه بالحاء لان أبا حنيفة يصحح شراءه وايراد الوسيط يدل على أن المراد من قوله على الاصح الاصح من الطريقين (وقوله) في الكتاب وقيل انه يصح كما في المفلس اشارة إلى الطريق الثاني.
المعنى يصح في قول كما في المفلس (وقوله) لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم وجهه في الضمان ظاهر فان الاداء في الحال متعذر عليه وأما في الشراء فهو مبني على أن للسيد أخذ المبيع منه فلا يبقى للثمن متعلق في الحال (الخامسة) العبد هل يملك

(9/146)


بتمليك السيد فيه قولان (القديم) نعم وبه قال مالك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله مال أضاف المال إليه) والجديد لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يملك بالارث وتمليك غير السيد
__________
(باب معاملات العبيد) (حديث) من باع عبدا وله مال الحديث: متفق عليه من حديث ابن عمر ولابي داود وابن حبان عن جابر نحوه وللبيهقي من حديث عبادة بن الصامت نحوه *

(9/147)


ولانه مملوك فأشبه البهيمة وعن احمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالقديم فللسيد الرجوع عنه متى شاء وليس للعبد التصرف فيه الا باذن السيد وله أن يشترى الجارية التى ملكها أباه ان أذن له فيه وعن الاستاذ أبى اسحق منعه لضعف الملك وان لم يأذن له في الشراء فليس له ذلك وفيه وجه ولو كان له عبدان فملك كل واحد منهما صاحبه فالحكم للتمليك الثاني وهو رجوع عن الاول فان وقعا دفعة واحدة من وكيلين تدافعا والله أعلم *

(9/148)


(الباب الثاني في التحالف) قال * (والنظر في سببه وكيفيته وحكمه (أما) السبب فهو التنازع في تفصيل العقد وكيفيته بعد الاتفاق على الاصل كالخلاف في قدر العوض (ح) وجنسه وقدر الاجل (ح) وأصله (ح) وشرط الكفيل (ح) والخيار (ح) والرهن (ح) وغيره * فموجبه التحالف سواء كانت
__________
(باب اختلاف المتبايعين)

(9/149)


السلعة قائمة أو هالكة (ح م) جرى مع العاقد أو مع ورثته * قبل القبض أو بعده (ح) لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا ") *
__________
(قوله) وفي رواية إذا اختلف المتبايعان تحالفا وفي رواية أخرى تحالفا أو ترادا أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شئ من كتب الحديث وإنما توجد في كتب الفقه وكانه عني الغزالي فانه ذكرها في الوسيط وهو تبع امامه في الاساليب وأما رواية التراد فرواها مالك بلاغا عن ابن مسعود ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه باسناد منقطع وقال الطبراني في الكبير.
نا محمد بن هشام المستملي نا عبد الرحمن بن صالح نا فضيل بن عياض نا منصور عن ابراهيم

(9/150)


الاصل في الباب ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
__________
= عن علقمة عن عبد الله مرفوعا البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح وما أظنه حفظه فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شئ موصول وذكر الدارقطني علله فلم يعرج على هذه الطريق وله طريق أخرى عند أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عبد الرمن بن قيس بن محمد بن الاشعث عن أبيه عن جده قال قال عبد الله بن مسعود فذكر الحديث وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي وقال ابن عبد البر هو منقطع إلا أنه مشهور الاصل عند جماعة العلماء تلقوه وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالانقطاع وتابعه عبد الحق وأعله بن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده وله طريق اخري رواها الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال باع عبد الله بن مسعود سببا من سبي الامارة بعشرين الفا يعني من الاشعث بن قيس فذكر القصة والحديث ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه *

(9/151)


(إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار ومعناه أن المبتاع بالخيار بين امساكه بما حلف عليه البائع وبين أن يحلف على ما يقوله للرواية الاخرى (إذا اختلف المتبايعان تحالفا) وفي رواية (إذا اختلف
__________
(حديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار.
الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن اسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال أتى عبد الله بن مسعود فقال حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فامر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء ترك رواه أحمد عن الشافعي والنسائي والدارقطني من طريق أبي عبيدة أيضا وفيه انقطاع على ما عرف من اختلافهم في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه واختلف فيه على اسماعيل بن أمية ثم عن ابن جريج في تسمية والد عبد الملك هذا الراوي عن أبي عبيدة فقال يحيى بن سالم عن اسماعيل بن أمية عبد الملك بن عمير كما قال سعيد بن سالم ووقع في النسائي عبد الملك بن عبيد ورجح هذا أحمد والبيهقي وهو ظاهر كلام البخاري وقد صححه ابن السكن والحاكم وروي الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن عجلان عن عون بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود نحوه بلفظ الباب وفيه نقطاع ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده وفيه اسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة * (قوله) وفي رواية إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لاحدهما تحالفا رواها عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده ورواها الطبراني والدارمي من هذا الوجه فقال عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود وانفرد بهذه الزيادة وهي قوله

(9/152)


المتبايعان ولابينة لاحدهما تحالفا * إذا عرفت ذلك فكلام الباب يقع في ثلاثة فصول (أحدها) في السبب المحوج إلى التحالف ومتى تبايع اثنان ثم وقع بينهما اختلاف فذلك إما أن يكون مع الاتفاق على عقد صحيح أولا معه القسم الاول أن يختلفا مع الاتفاق على عقد صحيح مثل أن يختلفا في قدر الثمن فيقول البائع بعتك هذا بمائة فيقول المشترى بخمسين فينظران كان لاحدهما بينة قضى بها وان أقام كل واحد
__________
= والسلعة قائمة عن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه وهو ضعيف سئ الحفظ وأما قوله فيه تحالفا فلم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يرادان *

(9/153)


منهما بينة على ما يقوله سمعا من حيث ان كل واحد منهما مدع ثم ان قلنا بالتساقط فكان لا بينة والا توقفنا إلى ظهور الحال وان لم يكن لواحد منهما بينة فيتحالفان لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فالبائع مدع زيادة الثمن ومدعى عليه في تمليك السلعة بالاقل والمشترى بالعكس فإذا لم يكن بينة حلف كل واحد منهما ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة قائمة أو هالكة وقال أبو حنيفة إنما يتحالفان عند قيام السلعة أما إذا هلكت فالقول قول المشترى مع يمينه وعن أحمد روايتان كالمذهبين وعن مالك مثل ذلك ورواية المنذر هي أنه ان كان قبل القبض تحالفا وان كان بعده فالقول قول المشترى لنا ما سبق من اطلاق الاخبار وقياس حالة الهلاك على حالة البقاء لا فرق أيضا بين أن يقع الاختلاف

(9/154)


بين المتبايعين أو ورثتهما بعدهما وقال أبو حنيفة إن كان المبيع غير مقبوض تحالفا والا فالقول قول ورثة المبتاع * ولو اختلفا في جنس الثمن أو بعض صفاته فهو كالخلاف في القدر وكذا الاختلاف في قدر المبيع بأن يقول البائع بعتك هذا العبد ويقول المشترى هذا العبد وهذا الثوب والاختلاف في قدر المبيع والثمن بأن يقول البائع بعتك هذا العبد بألف ويقول المشترى بعتنيه وهذه الجارية بالفين ولو قال البائع بعتك هذا العبد فقال المشترى بعتني هذه الجارية ولم يختلفا في الثمن نظران كان الثمن معينا تحالفا كما لو اختلفا في جنس الثمن وان كان الثمن في الذمة فوجهان (أحدهما) أنهما يتحالفان

(9/155)


أيضا كما لو كان معينا وبهذا أجاب ابن الحداد واختاره القاضى أبو الطيب وابن الصباغ رحمهم الله والثانى أنه لا تحالف لان المبيع مختلف فيه والثمن ليس بمعين حتى يربط به العقد ويحكى هذا عن الشيخ أبى حامد واختاره الامام وصاحب التتمة ونظير المسألة من الصداق أن يقول الزوج أصدقتك أباك فقالت بل أمي وقد أوردها صاحب الكتاب في آخر كتاب الصداق ورأى الاصح
التحالف فان قلنا لا تحالف حلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه ولم يجمع أحدهما في اليمين بين النفى والاثبات ولا يتعلق بينهما فسخ ولا انفساخ ولو كانت المسألة بحالها وأقام كل واحد

(9/156)


منهما بينة على ما ذكره سلمت الجارية للمشترى وأما العبد فقد أقر البائع بيعه وقامت البينة عليه أو لم تقم فان كان في يد المشترى أقر عنده وان كان في يد البائع فوجهان (أحدهما) أنه يسلم إلى المشترى ويجبر على قبوله والثانى لا يجبر لانه ينكر ملكه فيه فعلى هذا يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه فان لم يكن له كسب ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه فعل ولو أنفقا على المبيع والثمن واختلفا في شرط الخيار أو قدره أو شرط الرهن بالثمن أو الكفيل أو شرط الاجل أو قدره جرى التحالف أيضا خلافا لابي حنيفة وأحمد حيث قالا الاختلاف في شروط العقد لا يقتضى التحالف ولكن القول قول من منعها * لنا اطلاق الاخبار السابقة والرواية

(9/157)


المذكورة في الكتاب ولا تخفي المواضع المستحقة للعلامات من الفاظ الكتاب * قال (ويجرى في كل معاوضة * كالصلح عن دم العمد والخلع والنكاح والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة ولكن أثره في بدل الدم والبضع الرجوع إلى بدل المثل لا فسخ الخلع والنكاح * ولو قال وهبت هذا منى فقال لا بل بعته فالقول قوله في انه ما وهب * ولم يتحالفا إذ لم يتفقا على عقد) * في الفصل مسألتان (احداهما) ان التحالف لا يختص بالمبايعات بل يجرى في سائر عقود

(9/158)


المعاوضات من السلم والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن الدم والخلع والصداق والكتابة طردا للمعنى ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف أو ينفسخ ويترادان كما سيأتي وفى الصلح عن الدم لا يعود استحقاق بل ان التحالف في الرجوع إلى الدية فكذلك لا يرتد البضع ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل وفى الخلع يرجع إليه الزوج وسيعود ذكر هذا الكلام في كتابيهما ثم ذكر الامام قدس الله روحه في هذا الموضع اشكالا فقال أي معنى للتحالف في القراض مع انه جائز وكل واحد
منهما بسبيل من فسخه بكل حال وايد ذلك بأن القاضى الحسين منع من التحالف في البيع في زمان

(9/159)


الخيار ومكانه لامكان الفسخ بسبب الخيار واجاب بان التحالف ما وضع للفسخ ولكن عرضت الايمان رجاء أن ينكف الكاذب ويتقرر العقد بيمين الصادق فإذا لم يتفق ذلك واصرا فسخ العقد للضرورة ونازع القاضى فيما ذكره لاشكالات قررها ثم مال بالآخرة إلى موافقته ورأى في القراض ان يفصل فيقال التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له واما بعده فالنزاع يؤل إلى مقصود لا خيرة فيه من ربح أو اجر مثل فيتحالفان والجعالة كالقراض (المسألة الثانية) لو قال بعتك هذا بالالف فقال

(9/160)


بل وهبتنيه فلا تحالف إذ لم يتفقا على عقد ولكن يحلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه فإذا حلفا فعلى مدعى الهبة رده بزوائده هذا هو المشهور ووراءه شيئان (أحدهما) عن صاحب التقريب رواية قول أن القول قول مدعى الهبة لانه مالك باتفاقهما وصاحبه يدعي عليه والاصل براءة ذمته عنه (الثاني) أطلق في التتمة وجها أنهما يتحالفان وادعى انه الصحيح ولو قال بعتك هذا بألف فقال بل وهبتنيه حلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه ورد الالف واسترد

(9/161)


العين ولو قال رهنتكه بألف استقرضته؟ فقال بل بعتنيه بألف فالقول قول المالك مع يمينه وترد الالف ولا يمين على الآخر ولا يكون رهنا لانه لا يدعيه قاله في التهذيب * قال (ولو تنازعا في شرط مفسد فكذلك * والاصح أن القول قول من ينكر الشرط الفاسد * ولو رد المبيع عليه بعيب فقال هذا ليس ما قبضته منى فالقول قوله * وان جرى ذلك في المسلم فيه ففيه خلاف من حيث إنه لم يعترف له بقبض صحيح * وقال ابن سريج ان كان بحيث

(9/162)


لو رضي به لوقع عن جهة الاستحقاق لرجوع التفاوت إلى الصفة فهو كالمبيع لان القبض صحيح فيه لو رضى به) *
القسم الثاني أن يختلفا من غير الاتفاق على عقد صحيح بأن يدعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده كما إذا قال بعتك بألف فقال المشترى بل بألف وزق خمر وقال أحدهما شرطنا في العقد شرطا مفسدا وأنكر الآخر فلا تحالف وفيمن القول قوله وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب

(9/163)


أن القول قول من يدعى الفساد مع يمينه لان الاصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك وصار كما لو اختلفا في أصل البيع (واصحهما) عند المصنف وهو اختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ أن القول قول من يدعى الصحة لان الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة واحتج لهذا الوجه بنصه في البويطى فيمن أسلم إلى رجل في طعام واختلفا فادعى المسلم إليه أنه شرط فيه الخيار وأنكره المسلم أن القول قول المسلم مع يمينه وأيضا فلو قال هذا الذى بعتنيه حر الاصل وقال البائع

(9/164)


بل هو مملوك فالقول قول البائع وذكر الائمة تخريج الوجهين على أصلين (أحدهما) عن القاضى أبى الطيب أن أصل الوجهين قولان للشافعي رضى الله عنه فيمن تكفل برجل ثم اختلفا فقال تكفلت على أن الخيار ثلاثا وأنكر المكفول له أن القول قول الكفيل أو المكفول له (والثانى) عن القفال ان اصلهما القولان فيمن قال لفلان على الف من ثمن الخمر هل يؤاخذ بأول كلامه ام يقبل قوله من ثمن الخمر (ان قلنا) بالثاني فالقول قول من يدعى الفساد (وان قلنا) بالاول فالقول

(9/165)


قول من يدعي الصحة ولمخرج ان يخرج الوجهين على قولى تقابل الاصل والظاهر ولو قال بعتك بألف فقال بل بخمر أو بثمن مجهول ففي التهذيب نقل طريقين (اظهرهما) طرد الوجهين (والثانى) القطع بالفساد لانه لم يقر بشئ ملزم وإذا فرعنا على ان القول قول من يدعى الصحة فلو قال بعتك بالف فقال بل بخمسمائة وزق خمر وحلف البائع على نفي سبب الفساد صدق فيه وبقى التنازع في قدر الثمن فيتحالفان * ثم الفصل يشتمل على مسألة أخرى في اختلاف المتبايعين من وجه آخر وهى أن يشترى

(9/166)


عبدا مثلا ثم يجئ بعبد ويريد رده بعيب فيه فيقول البائع ليس هذا ما ابتعته وقبضته مني فالقول قول البائع لان الراد يريد الفسخ والاصل مضيه علي السلامة ولو فرض ذلك في التسلم أو قال ليس هذا على الوصف الذى أسلمت اليك فيه ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المسلم إليه مع يمينه كما أن القول قول البائع وبهذا أجاب في التنبيه (وأصحهما) أن القول قول المسلم لان اشتغال ذمته بمال السلم معلوم والبراءة غير معلومة ويفارق صورة البيع لانهما اتفقا على قبض ما ورد عليه

(9/167)


الشراء وتنازعا في سبب الفسخ والاصل استمرار العقد والوجهان جاريان في الثمن في الذمة أن القول قول القابض أو الدافع وعن ابن سريج وجه ثالث وهو أنه يفرق بين ما يمنع صحة القبض وبين العيب الذى يمنعها فإذا كان الثمن دراهم في الذمة وفرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع رده زيوفا ولم يكن ورقا فالقول قول البائع لانكار أصل القبض الصحيح وان كانت ورقا لكنها رديئة النوع لخشونة أو اضطراب سكة فالقول قول المشترى لان أصل القبض قد تحقق ولو رضى به لوقع المقبوض

(9/168)


عن الاستحقاق ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه ولك أن تقول المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر فان الاعتياض عنه غير جائز ولكن في الثمن لو رضى بالمقبوض لوقع عن الاستحقاق وان لم يكن ورقا متى كانت له قيمة لان الاستبدال عن الثمن جائز علي الصحيح وقوله في الكتاب لرجوع التفاوت إلى الصفة أراد صفات الجودة والرداءة فان أخذ الردئ عن الجيد جائز وانما المانع من الاخذ تغاير الجنس ولو كان الثمن معيبا فهو كالمبيع فإذا وقع فيه هذا الاختلاف فالقول قول المشترى مع

(9/169)


يمينه قال في التهذيب لو كان المعين نحاسا لا قيمة له فالقول قول الراد لانه يدعى بقاء ملكه وفساد العقد ولك أن تقول ينبغى أن يكون هذا علي الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده ولو اشترى طعاما كيلا وقبضه بالكيل أو وزنا وقبضه بالوزن أو أسلم فيه وقبضه ثم جاء وأدعى نقصانا فيه نظر ان كان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن قبل والا فقولان عن رواية
الربيع (أحدهما) أن القول قول القابض مع يمينه لان الاصل بقاء حقه ويحكى هذا عن أبى حنيفة

(9/170)


ورجحه صاحب التهذيب (والثانى) ويحكى عن مالك أن القول قول الدافع مع يمينه لانهما اتفقا على القبض والقابض يدعى الخطأ فيه فيحتاج إلى البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعي الخطأ فيه يحتاج إلى البينة وهذا أصح عند القاضى أبى الطيب وغيره * ولو اختلف المتبايعان في القبض فالقول قول المشترى ولو باع عصيرا وحصل القبض فوجد خمرا فقال البائع تخمر في يدك وقال المشتري بل سلمته خمرا والقبض فاسد وأمكن الامران جميعا فقولان (أحدهما) أن القول قول

(9/171)


البائع لان الاصل بقاء الحلاوة (والثانى) أن القول قول المشترى لان الاصل عدم القبض الصحيح ولو قال أحدهما انه كان خمرا عند البيع فهذا يدعى فساد العقد والآخر يدعي صحته وقد سبق حكمه وبهذا يقاس ما لو باعه لبنا فأخذه المشترى في ظرف ثم وجدت فيه فأرة وتنازعا في نجاسته عند القبض وعند البيع ولو قال المشترى بعت العبد بشرط انه كاتب وأنكره البائع فوجهان (أحدهما) أن القول قول البائع كما لو اختلفا في العيب (والثانى) أنهما يتحالفان كما

(9/172)


لو اختلفا في الاجل أو الخيار قال في التتمة وهذا أصح ولو كان الثمن مؤجلا واختلفا في انقضاء الاجل فالاصل بقاؤه * قال (أما كيفية اليمين فالبداءة (ح) بالبائع * وفى السلم بالمسلم إليه * وفى الكتابة بالسيد لانهما في رتبة البائع * وفى الصداق بالزوج لانه في رتبة بائع الصداق وأثر التحالف يظهر فيه لا في البضع * وقيل انه يبدأ بالمشتري وهو مخرج * وقيل يتساويان فيتقدم بالقرعة أو برأى القاضى *

(9/173)


ثم يحلف يمينا واحدا ويجمع بين النفى والاثبات * ويقدم (و) النفى فيقول والله ما بعته بألف بل بعته بألفين * فان حلف البائع عليهما ونكل المشترى عن أحدهما قضى عليه * وفيه
قول مخرج أنه لا يجمع في يمين واحدة بين النفى والاثبات بل يحلف البائع على النفي ثم المشترى على النفى ثم البائع على الاثبات ثم المشترى على الاثبات فيتعدد اليمين) * الفصل الثاني في كيفية التحالف وقاعدته أن يحلف كل واحد من المتعاقدين على إثبات

(9/174)


ما يقوله ونفى ما يقوله صاحبه ثم فيه مسألتان (إحداهما) فيمن يبدأ به من المتعاقدين وقد نص في البيع انه يبدأ بالبائع وفى المسلم انه يبدأ بالمسلم إليه وفى الكتابة بالسيد وهذه النصوص متوافقة وفى الصداق انه يبدأ بالزوج وظاهره يخالف سائر النصوص لان الزوج شبيه بالمشترى ونص في الدعاوى أنه إن بدأ بيمين البائع خير المشترى وإن بدأ بيمين المشترى خير البايع وهذا يشعر بالتسوية والتخيير وللاصحاب طريقان (أظهرهما) أن المسألة على ثلاثة أقوال (أظهرهما) أن البداية

(9/175)


بالبائع وبه قال أحمد واحتجوا له بأن جانبه أقوى لان ملكه على الثمن يتم بالعقد وملك المشترى على المبيع لا يتم بالعقد ولان المبيع يعود إليه بعد التحالف (والثانى) ان البداية بالمشترى وبه قال أبو حنيفة لان البائع يدعى عليه زيادة ثمن والاصل براءة ذمته عنها فتقوى بذلك جانبه (والثالث) أنه لا بداية بل يتساويان لان كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فلا ترجيح وعن الشيخ أبى حامد ان هذا أقيس وان كان الاول ظاهر المذهب وعلى هذا فوجهان (أظهرهما) أن الحاكم مخير

(9/176)


في ذلك يبدأ بمن اتفق (والثانى) أنه يقرع بينهما كما يقرع بين المتساويين إلى مجلسه (والطريق الثاني) القطع بان البداية بالبائع ومن قال بهذا قطع بأن البداية في اختلاف الزوجين بالزوج على ما نص عليه وقرره من وجهين (احدهما) أن أثر تحالف الزوجين إنما يظهر في الصداق دون البضع والزوج هو الذى ينزل عن الصداق فكان كالبائع له (والثانى) أن تقديم البائع إنما كان لقوة جانبه بحصول المبيع له بعد التحالف وفى النكاح يبقى البضع للزوج (وأما) نصه في كتاب الدعاوى فستعرف تأويله

(9/177)


(وإذا قلنا) بطريقة اثبات الخلاف فان قدمنا البائع لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود وفي الصداق ويأتى وجهان (أحدهما) أن البداية بالمرأة لما مر وان قدمنا المشترى نقله صاحب التهذيب وغيره وأوفقهما للنص أن البداية بالزوج لما مر وإن قدمنا المشترى فالقياس انعكاس الوجهين والله أعلم * ثم ههنا أمران مهمان (أحدهما) أن جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الايجاب والاشتراط نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب والتتمة وهو أحد ما حمل عليه نصه في الدعاوي (والثانى) أن تقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا

(9/178)


باع عرضا بثمن في الذمة (فاما) إذا تبادلا عرضا بعوض فلا تتجه الا التسوية ذكره الامام وينبغى أن يخرج ذلك على أن الثمن ماذا وقد سبق الخلاف فيه (المسألة الثانية) في تعدد اليمين وصفتها ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد من المتعاقدين يجمع فيها بين النفي والاثبات فيقول البائع ما بعت بخمسمائة وإنما بعت بألف ويقول المشترى ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة ولو كان في يد رجلين دار فادعي كل واحد منهما أن جميعها له فالنص أن كل واحد منهما

(9/179)


يحلف على مجرد نفى استحقاق صاحبه ما في يده فلو حلف أحدهما ونكل الآخر فالحالف يحلف يمينا أخرى للاثبات وللاصحاب فيهما طريقان (أصحهما) تقرير النصين والفرق أن منفى كل واحد منهما في ضمن مثبته لان العقد واحد بالاتفاق والتنازع في صفته فكان الدعوى واحدة فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات وفى مسألة الدار منفى كل واحد منهما ممتاز عن مثتبه فلا معنى ليمينه على الاثبات قبل نكول صاحبه (والثانى) التصرف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه ووجهه الجرى على

(9/180)


قياس الخصومات فان يمين الاثبات لا يبدأ بها في غير القسامة وهل يتصرف بتخريج قول ما نحن فيه في مسألة الدار أيضا (قال) كثيرون نعم حتى يكون فيهما قولان بالنقل والتخريج (وقال) الشيخ أبو حامد والامام لا وهو الحق لان كل واحد منهما لا يحتاج فيما في يده إلى الاثبات واليمين على الاثبات يمين الرد فكيف يحلف الاول يمين الرد وصاحبه لم ينكل بعد وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه (التفريع) ان اكتفينا بيمين واحدة يجمع فيها بين النفى والاثبات فإذا حلف أحدهما

(9/181)


ونكل عن الثاني قضى للحالف سواء نكل عن النفى والاثبات جميعا أو عن أحدهما والنكول عن البعض كهو عن الكل فينبغي أن يقدم النفي على الاثبات لان النفى هو الاصل في الايمان وعن الاصطخرى أن الاثبات مقدم لانه المقصود وهذا الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق (والاظهر) الاول ونقل الامام الثاني (وان قلنا) يحلف أولا على مجرد النفى فلو أضاف إليه الاثبات كان لغوا وإذا حلف من وقعت البداية به على النفى عرضت اليمين على الثاني فان نكل حلف الاول على الاثبات وقضى

(9/182)


له وان نكل عن الاثبات لم يقض له لاحتمال صدقه في نفى ما يدعيه صاحبه وكذبه فيما يدعيه ثم عن الشيخ أبى محمد أنه كما لو تحالفا لان نكول المردود عليه عن يمين الرد نازل في الدعاوى منزلة حلف الناكل أولا ولو نكل الاول عن اليمين حلف الاخر على النفى والاثبات وفضى له * ولو حلفا على النفي فوجهان (أصحهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يكفى ذلك ولا حاجة بعده إلى يمين الاثبات لان المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت (والثانى) أنه تعرض يمين الاثبات عليهما فان حلفا تم

(9/183)


التحالف وان نكل أحدهما قضى للحالف والقول في أنه يقدم يمين النفى أو الاثبات يقاس بما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمين واحدة ولو عرضت اليمين عليهما فنكلا جميعا ففيه وجهان للامام (أحدهما) أن تناكلهما كتحالفهما كما أنه إذا تداعي رجلان مولودا كان ذلك كتحالفهما (والثانى) أنه يوقف الامر وكأنهما تركا الخصومة والله أعلم * وقوله في الكتاب في المسألة الاولى وقيل إنه يبدأ بالمشترى وهو مخرج انما ذكر ذلك لانه مأخوذ من نصه في الصداق يجوز اعلام قوله وقيل في الموضعين

(9/184)


بالواو للطريق القاطعة بأن البداية بالبائع (وقوله) فالبداية بالبائع معلم بالحاء (وقوله) يبدأ بالمشترى بالالف (وقوله) يتساويان بهما (وقوله) فيتقدم بالقرعة أو برأي القاضى ليس للتخيير وإنما أراد به الوجهين اللذين قدمناهما (وقوله) ويقدم النفى في المسألة الثانية معلم بالواو (وقوله) بل يحلف البائع على النفى
إلى آخره مفرع على إن البداية بالبائع * قال (أما حكم التحالف فهو إنشاء الفسخ إذا استمرا على النزاع * وفيه قول مخرج أنه ينفسخ *

(9/185)


ثم القاضى يفسخ * أو من (و) أراد من المتعاقدين فيه وجهان) * (الفصل الثالث) في حكم التحالف وثمرته * إذا تحالفا ففى العقد وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين ولان التحالف يحقق ما قالاه ولو قال البائع بعت بألف فقال المشترى اشتريت بخمسمائة لم ينعقد فكذلك ههنا (وأصحهما) وهو المنصوص انه لا ينفسخ

(9/186)


لان البينة أقوي من اليمين ولو أقام كل واحد منهما بينة على ما بقوله لا ينفسخ العقد فباليمين أولى أن لا ينفسخ * (التفريع) إن قلنا بالاول فلو تفارا على أحد اليمين لم يعد نافذا بل لابد من تجديد عقد وهل ينفسخ المال أو يتعين ارتفاعه من أصله فيه وجهان (أظهرهما) أولهما لنفوذ تصرفات المشترى قبل الاختلاف ويحكى الثاني عن ابى بكر الفارسى (وان قلنا) بالاصح فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة

(9/187)


فينظر هل يعطى المشترى ما يقوله البائع من الثمن فان فعل اجبر البائع عليه والا نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشترى فان فعل فذاك والا فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد ومن الذى يفسخه فيها وجهان احدهما الحاكم كالفسخ بالعنة لانه فسخ مجتهد فيه واظهرهما ان للمتعاقدين ايضا ان يفسخا ولاحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب قال الامام (وإذا قلنا) الحاكم هو الذى يفسخ فذلك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ فاما إذا اعرضنا عن الخصومة ولم يتوافقا على شئ ولا فسخا ففيه تردد ثم

(9/188)


إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر وهل يرتفع في الباطن ثلاثة أوجه (احدهما) لا لان سبب الفسخ تعذر امضاؤه لعدم الوقوف على الثمن وانه أمر يتعلق بالظاهر (والثانى) نعم كالفسخ يتعلق بالعيب (والثالث) ان كان
البائع صادقا فنعم لتعذر وصوله إلى حقه كما لو فسخ بافلاس المشترى وان كان كاذبا فلا يمكنه من الوصول إلى ما ثبت له وهل يجرى مثل هذا الخلاف إذا فرعنا على انفساخ العقد بنفس التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا اختلفوا فيه وإذا قلنا بالارتفاع باطنا ترادا وتصرف كل واحد منهما فيما

(9/189)


عاد إليه وان منعناه لم يجز لهما التصرف لكن لو كان البائع صادقا فقد ظفر بمال من ظلم لما استرد المبيع فله بيعه أما بالحاكم في أحد الوجهين أو بنفسه في أصحهما واستيفاء حقه من ثمنه * واعلم ان جميع ما ذكرناه مفرغ في قالب واحد وهو ان يكون اختلافهما في قدر الثمن وللامام عبارة نحو هذه الصورة وسائر صور الاختلاف وهي ان الفسخ ان صدر مع المحق فالوجه تنفيذه باطنا وان صدر من المبطل فالوجه منعه وإن صدر منهما جميعا فلا لاشك في الانفساخ باطنا وليس ذلك موضع الخلاف قال المصنف

(9/190)


في الوسيط كما لو تقايلا وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق اثناء الفسخ وان اراد الملك فيما عاد إليه وان صدر من القاضى فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحق قال (ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ ان كان قائما والا فقيمته عند التلف اعتبارا بقيمته يوم التلف على الاصح * وقيل يعتبر يوم القبض * ولو كان المبيع عبدين وتلف أحدهما ضم قيمة التالف إلى القائم * ولو كان تعيب في يده ضم أرش العيب إليه * وان كان آبقا أو مكاتبا أو مرهونا أو مكرى

(9/191)


غرم القيمة * وإذا ارتفعت الموانع ففي رد العين واسترداد القيمة خلاف) * إذا انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ فعلى المشترى رد المبيع ان كان قائما بحاله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا) ويسلم له الولد والثمرة والكسب والمهر وان كان تالفا فعليه قيمته سواء كانت أكثر من الثمن الذى يدعيه البائع أو اقل وفى القيمة المعتبرة وجوه وقال الامام أقوال (أصحها) عند المصنف ان الاعتبار بقيمة يوم التلف لان مورد الفسخ العين لو بقيت

(9/192)


والقيمة خلف عنها فإذا فات الاصل فحينئذ ينظر إليها (والثانى) أنه يعتبر قيمة يوم القبض لانه وقت دخول المبيع في ضمانه ثم ما يعرض من زيادة أو نقصان فهو في ملكه ولم يذكر في الكتاب سوى هذين (والثالث) أنه يعتبر أقل القيمتين لانها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك المشترى وإن كانت يوم القبض أقل فهو يوم دخوله في ضمانه وقد ذكرنا نظير هذه الثلاثة في القيمة التى نعتبرها لمعرفة الارش (والرابع) وقد أورده مع الاول في التهذيب ان الاعتبار بأقصى القيم من يوم القبض

(9/193)


إلى يوم التلف لان يده يد ضمان فتعتبر أعلا القيم قال الشيخ أبو على هذا الخلاف ناظر إلى أن العقد يرتفع من أصله أو من حينه (إن قلنا) بالاول فالواجب أقصى القيم (وإن قلنا) بالثاني اعتبرنا قيمة يوم التلف * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثم اختلفا وتحالفا هل يرد العبد الباقي فيه الخلاف المذكور في مثله وإذا وجد الباقي معيبا (إن قلنا) يرد فيضم قيمة التالف إليه وفي القيمة المعتبرة الاوجه ولعل باحثا يقول لم كان الاصح ههنا غير الاصح في القيمة المعتبرة لمعرفة الارش

(9/194)


(والجواب) يجوز أن يكون السبب فيه ما أشار إليه الامام وهو أن النظر إلي القيمة ثم ليس ليغرم ولكن ليعرف منها الارش الذى هو جزء من الثمن وكذلك العوض فيما إذا تلف أحد العبدين ووجد عيبا بالباقي وجوزنا افراده بالرد يوزع الثمن على قيمة التالف والباقي وههنا المغرم القيمة فكان النظر إلى حالة الاتلاف أليق وإن كان المبيع قائما الا انه قد تعيب رده مع الارش وهو قدر ما نقص من القيمة لان الكل مضمون على المشترى بالقيمة فيكون البعض مضمونا ببعض

(9/195)


القيمة بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع وأفضى الامر إلى الارش يجب جزء من الثمن لان الكل مضمون على البائع بالثمن فكذلك البعض قال الشيخ أبو على وهذا أصل مطرد في المسائل ان كل موضع لو تلف الكل كان مضمونا على الشخص بالقيمة فإذا تلف البعض كان مضمونا عليه ببعض القيمة كالمغصوب وغيره الا في صورة وهي إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول
وكان ما عجل تالفا يغرم المسكين القيمة ولو كان معيبا ففى الارش وجهان * وهذه المسألة قد بيناها

(9/196)


أو الارش فالقول قول المشترى لانه الغارم ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشترى حين تحالفا لم يمتنع الفسخ فان الاباق لا يزيد على التلف ويغرم المشترى قيمته لتعذر الوصول إليه وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة ولو رهنه فالبائع بالخيار بين أخذ القيمة وبين الصبر إلى انفكاك الرهن ولو أجره فيبنى على إن بيع المستأجر هل يجوز (ان قلنا) لا فهو كما لو رهنه (وان قلنا) نعم فللبائع أخذه لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة والاجرة المسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية * وان كان

(9/197)


في موضعها وميل الشيخ إلى طرد الاصل فيها * ثم التلف قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو كان المشترى قد وقف المبيع أو أعتقه أو باعه أو وهبه وأقبضه فتجب القيمة وهذه التصرفات ماضية على الصحة وعن أبى بكر الفارسى أنه يتبين بجريان التحالف فسادها وترد العين * والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو زوج الجارية المبيعة أو العبد المبيع فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية وتعود إلى البائع والنكاح بحاله * وعن الفارسى أنه يبطل النكاح أيضا * ومهما اختلفا في قدر القيمة

(9/198)


قد آجره من البائع فله أخذه لا محالة وفى انفساخ الاجارة وجهان كما لو باع الدار المكراة من المكترى (ان قلنا) لا ينفسخ فعلي البائع المسمى للمشترى وعلى المشترى اجرة مثل المدة الباقية للبائع وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن الرد هل تسترد القيمة وترد العين يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك من (أما) الآبق ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبقى للمشترى والفسخ لا يرد على الآبق كالمبيع وانما هو وارد على القيمة (وأصحهما) انه في اباقه ملك للبائع والفسخ وارد عليه وانما وجبت القيمة

(9/199)


للحيلولة (واما) المرهون والمكاتب ففيهما طريقان (احدهما) طرد الوجهين (واظهرهما) وبه قال الشيخ ابو محمد القطع ببقاء الملك للمشترى كما ان المشترى إذا افلس بالثمن والعبد آبق يجوز للبائع
الفسخ والرجوع إليه ولو كان مرهونا أو مكاتبا ليس له ذلك * وام المكرى إذا منعنا بيعه فهو كالمرهون والمكاتب والآبق لان حق المكرى يتعلق بمورد البيع والفسخ وهو فيه احتمالان للامام (فإذا قلنا) ببقاء الملك للمشتري فالفسخ وارد على القيمة كما في صورة التلف فلا رد ولا استرداد

(9/200)


وان قلنا بانقلابه إلى البائع ثبت الرد والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة والله أعلم * ونختم الباب بفروع (أحدها) لو اختلف المتبايعان ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله بحرية العبد المبيع ان لم يكن الامر كما قال فلا يعتق العبد في الحال لانه ملك المشترى وهو صادق بزعمه ثم ان فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر عتق عليه لان المشترى كاذب بزعمه والعبد قد عتق عليه فهو كمن أقر بحرية العبد ثم اشتراه ولا يعتق في الباطن ان كان البائع كاذبا ويعتق على المشترى

(9/201)


ان كان صادقا وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع ولا المشترى ولو صدق المشترى البائع حكم بعتقه عليه ويرد الفسخ ان تفاسخا كما لو رد العبد بعيب ثم قال كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم بعتقه ولو صدق البائع المشترى نظر ان حلف البائع بالحرية أولا ثم المشترى فإذا صدقه البائع عقب يمينه ثم عاد العبد إليه لم يعتق لانه لم يكذب المشترى بعد ما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه وان حلف المشترى بحريته أولا ثم حلف البائع ثم صدقه عتق إذا عاد إليه لان حلفه بعد

(9/202)


حلف المشترى تكذيب له واقرار بالحرية ولو كانت المسألة بحالها لكن المبيع بعض العبد فإذا عاد إلى ملك البائع عتق ذلك القدر عليه ولم يقوم عليه الباقي لانه لم يحصل العتق بمباشرته بل باقراره على غيره فصار كما لو خلف اثنين وعبدا فقال أحدهما اعتق ابى هذا العبد وأنكره الآخر يعتق نصيب المقر ولا يقوم عليه الباقي وهذا الفرع من مولدات ابن الحداد رحمه الله (الثاني) إذا جرى البيع بين وكيلين واختلفا ففى تحالفهما وجهان (وجه) المنع ان غرض اليمين ليخاف الظالم فيقر

(9/203)


واقرار الوكيل على موكله غير مقبول (الثالث) لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثم اختلفا وتحالفا ان كانت ثيبا فلا شئ عليه مع ردها وان كانت بكرا ردها مع أرش البكارة لانه نقصان جزء وإذا ترافع المتنازعان إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد فهل للمشترى وطئ الجارية فيه وجهان (أصحهما) نعم لبقاء ملكه وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان وأولى بالتحريم لاشرافه على الزوال (الرابع) لو تقابل المتبايعان أو رد المشترى المبيع بعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول

(9/204)


البايع مع يمينه لان العقد قد ارتفع والمشترى يدعي زيادة والاصل عدمها