فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب الحجر)
قال (أسباب الحجر خمسة الصبا والرق والجنون والفلس (ح) والتبذير (ح) * وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد) * جرت العادة بذكر أصناف المحجورين ههنا وهو لائق بترجمة الباب فان الترجمة مطلق الحجر وأحسن ترتيب فيه ما ساقه أصحابنا العراقيون ومن تابعهم، قالوا الحجر على الانسان نوعان (حجر) شرع للغير (وحجر) شرع لمصلحة نفسه والنوع الاول خمسة أضرب (أحدها) حجر المفلس لحق الغرماء (وثانيها) حجر الراهن لحق المرتهن (وثالثها) حجر المريض لحق الورثة (ورابعها) حجر العبد لحق السيد والمكاتب لحق السيد وحق الله تعالى (وخامسها) حجر المرتد لحق المسلمين * وهذه الاضرب باسرها خاصة لا تعم جميع التصرفات بل يصح من هؤلاء المحجورين الاقرار بالعقوبات وكثير من التصرفات ولها أبواب مفرقة مذكورة في مواضعها (والنوع الثاني) ثلاثة اضرب (أحدها) حجر الجنون ويثبت بمجرد الجنون ويرتفع بالافاقة وتسلب به الولايات واعتبار الاقوال رأسا ومن عامله
أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فالمالك هو الذى ضيعه وما دام باقيا يجوز له استرداده قال في التتمة من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبى المميز (والثانى) حجر الصبى والاصل الغاء تصرفاته وعباراته ومنها ما يصح وفاقا أو خلافا كعباداته واسلامه واحرامه وتدبيره وعتقه ووصيته وايصاله الهدية واذنه في دخول الدار فمنها ما مر بيان حكمه ومنها ما سيأتي (والثالث) حجر السفيه المبذر والضرب الاول أعم من الثاني أعم من الثالث ومقصود الباب الكلام في هذه الاضرب

(10/275)


الثلائة والثالث معظم المقصود والاصل فيها قوله تعالى (فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فالسفيه على ما قيل المبذر والضعيف الصبى والذي لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله * وقال تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا) الآية * وقد روى (أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا رضى الله عنه فعزم أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له ذلك فقال الزبير رضى الله عنه أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال عثمان كيف أحجر على من كان شريكه الزبير) (قلت) دلت القصة على أنهم كانوا متفقين على جواز الحجر بالتبذير وأنه كان مشهورا فيما بينهم (وقوله) في الكتاب والفلس والتبذير معلمان بالحاء (أما) الفلس فلما سبق في التفليس (وأما) التبذير فلان عنده لا ينشأ الحجر على من بلغ رشيدا ثم صار سفيها *
__________
(حديث) أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا فعزم على أن يسال عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال كيف أحجر على من كان شريكه الزبير البيهقى من طريق أبى يوسف القاضى عن هشام بن عروة عن أبيه به ولم يذكر المبلغ ورواه الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف به قال البيهقى يقال أن أبا يوسف تفرد وليس كذلك ثم أخرجه من طريق الزبيري المدنى القاضى عن هشام نحوه لكن عين أن الثمن ستمائة الف وروى أبو عبيد في كتاب الاموال عن عفان عن حماد بن زيد عن هشام بن
حسان عن ابن سير ين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يدى ابن أخيك يعنى عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما يسرنى انها لى بنعلى (تنبيه) قول المصنف ثلاثين الفا لعله من النساخ والصواب ستين

(10/276)


وان بلغ مفسدا لماله لا يسلم المال إليه حتى يكمل خمسا وعشرين سنة فحينئذ يسلم (وقوله) وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد هكذا يطلقه بعض الاصحاب ومنهم من يقول حجر الصبى ينقطع بمجرد البلوغ وليس ذلك خلافا محققا بل من قال بالاول أراد الاطلاق الكلى ومن قال بالثاني أراد الحجر المخصوص بالصبى وهذا اولى لان الصبا سبب مستقل بالحجر وكذلك التبذير وأحكامهما متغايرة ومن بلغ وهو مبذر فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبى والقول في أن الاطلاق الكلى متى يحصل إذا بلغ رشيدا أو سفيها سيأتي من بعد * قال (والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة (ح م) للغلام والحارية * أو الاحتلام * أو الحيض للمرأة (ح) * أو نبات (ح) العانة في حق صبيان الكفار فانه أمارة فيهم (و) لعسر الوقوف على سنهم * وفى صبيان المسلمين وجهان) * للبلوغ أسباب (منها) ما يشترك فيه الرجال والنساء (ومنها) ما يختص بالنساء (أما) القسم الاول فمنه السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة قمرية فقد بلغ * روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني ورأني بلغت) وعن
__________
(حديث) ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل وانا ابن خمس عشرة فاجازني ورأني بلغت متفق عليه وعندهما في الاول يوم احد وفي الثاني في الخندق دون قوله ولم يرنى بلغت فيها وقد رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي بالزيادة ونقل عن ابن صاعد انه استغربها وفي رواية للبيهقي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وانا ابن ثلاث عشرة والباقى نحو الصحيحين والمراد بقوله
وانا ابن أربع عشرة أي طعنت فيها وبقوله وأنا ابن خمس عشرة أي استكلتها؟ لان غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث والخندق كان في جمادى سنة خمس وقيل كان الخندق في شوال سنة أربع وقال الواقدي في المغازى كان ابن عمر في الخندق ابن خمس عشرة واشف منها

(10/277)


أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود) وفيه وجه أن البلوغ يحصل بنفس الطعن في السنة الخامسة عشر وإن لم يستكملها لانه حينئذ يسمى ابن خمس عشرة سنة (والمذهب) الاول وهذا التوجية ممنوع (وقوله) باستكمال خمس عشرة سنة لفظ الاستكمال معلم بالواو لهذا الوجه (وقوله) خمس عشرة سنة بالحاء والميم (أما) الحاء فلان عنده بلوغ الغلام بثماني عشرة سنة وفى الجارية روايتان (إحداهما) كذلك (والثانية) بسبع عشرة سنة (وأما) الميم فلانه يروى عنه أن البلوغ لا يحصل بالسن وانما النظر فيه إلى الاحتلام (والسبب الثاني) الاحتلام قال الله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم) والحلم لا يتعلق بخصوص الاحتلام بل هو منوط بمجرد خروج المني ويدخل وقت امكانه باستكمال سبع سنين ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك وفيه وجهان آخران ذكر الامام كل واحد منهما في موضع من كتابه (أحدهما) أنه يدخل بمضي ستة أشهر من السنة العاشرة (والثانى) أنه انما يدخل بتمام العاشرة وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سن الحيض لكن العاشرة ههنا بمثابة العاشرة ثم لان في النساء حدة في الطبيعة وتسارع إلى الادراك وهكذا يكون النبات الضعيف بالاضافة إلى القوى والاعتماد فيه على الوجدان بعد البحث كما في الحيض * ولا فرق في افادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء كما في السن وفيه وجه أنه لا يوجب بلوغهن لانه
__________
(حديث) انس إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود البيهقى في الخلافيات من طريق عبد العزيز بن صهيب عنه بسند ضعيف وقال الغزالي في الوسيط تبعا للامام في النهاية رواء الدارقطني باسناده فلله؟ في الا فراد وغيرها فانه ليس في السنن مذكورا وذكره البيهقى في السنن الكبرى عن قتادة عن أنس بلا اسناد
وقال انه ضعيف * (حديث) رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ الحديث أبو داود وغيره عن على وتقدم في الصلاة

(10/278)


نادر فيهن ساقط العبرة * وعلى هذا قال الامام الذى يتجه عندي أن لا يلزمها الغسل لانه لو لزم لكان حكما بأن الخارج منى والجمع بين الحكم بأنه مني وبين الحكم بأنه لا يحصل به البلوغ متناقض * ولك أن تقول إن كان التناقض مأخوذا من تعذر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوي ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبى إذا أحدث فبالمعنى الذى أطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق هذا وان كان غير ذلك فلا بد من بيانه * (واعلم) أنا إذا قلنا إن خروج المني لا يوجب البلوغ في حق النساء صارت أسباب البلوغ ثلاثة أقسام المشتركة بين الرجال والنساء وما يختص بالرجال وما يختص بالنساء وهو خروج المنى والله أعلم * (والسبب الثالث) إنبات العانة يقتضى الحكم بالبلوغ في حق الكفار خلافا لابي حنيفة * لنا ماروى (أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الزرارى) وعن عطية
__________
(حديث) أن سعد بن معاذ حكم في بنى قريطة فقتل مقاتلتهم وسبعى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن اثبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذرارى متفق عليه دون قصة الانبات من حديث أبى سعيد وروى البزار من حديث سعد ابن أبى وقاص أن سعد بن معاذ حكم على بنى قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواصى وسيأتى في الذى بعده (تنبيه) ينبغى أن يقرا قوله يكشف بالضم على البناء لما لم يسم فاعله لان سعدا مات عقب الحكم ولم يتول تفتيشهم ويؤيد ذلك أن الطبراني روى في الكبير والصغير من حديث أسلم الانصاري قال جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على اسارى قريظة فكشف انظر في فرح الغلام فان رأيته قد أنبت ضربت عنقه وان لم أره قد أنبت جعلته في مغاثم المسلمين زاد في الصغير لا يروى عن أسلم الا بهذا الاسناد (قلت) وهو ضعيف

(10/279)


القرظى قال (عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلى) ثم هو بلوغ حقيقة أو هو دليل البلوغ وأمارته فيه قولان (أحدهما) أنه بلوغ حقيقة كسائر الاسباب (وأظهرهما) على ما قاله الامام وهو الذى أورده صاحب الكتاب أنه أمارة بلوغ لان البلوغ غير مكتسب وهذا شئ يستعجل بالمعالجة (فان قلنا) بالاول فهو بلوغ في حق المسلمين أيضا كسائر الاسباب لا فرق فيها بين المسلم والكافر (وان قلنا) انه أمارة ففى حق المسلمين وجهان (أظهرهما) أنه لا اعتبار به لان مراجعة الآباء في حق المسلمين والاعتماد على أخبارهم عن تواريخ المواليد سهل بخلاف الكفار فأنهم لا اعتماد على قولهم ولان المسلمين ربما استعجلوا بالمعالجة رفعا للحجر واستفادة الولايات والكفار لا يتهمون بمثله لانهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم الجزية (والثانى) وبه قال مالك وأحمد أنه يجعل أمارة في حقهم أيضا لان الاشكال قد يقع في حق المسلمين أيضا ويدل عليه ما روى (أن غلاما من الانصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال لو أنبت الشعر لحددتك) ثم العبرة بالشعر الخشن الذي يحتاج في ازالته إلى
__________
(حديث) عطية القرظى عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلى؟ سبيلى أصحاب السنن من حديث عبد الملك ابن عمير عنه بلفظ ومن لم ينبت لم يقتل وفي رواية جعل في السبى والترمذي خلى سبيله وله طرق أخرى قال الاعن عطية وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيح وهو كما أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا بهذا الحديث الواحد * (حديث) أن غلاما من الانصار شيب؟ بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده انبت فقال لو اتبت الشعر حددتك قال أبو عبيد في الغريب ثنا ابن علية عن اسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان ان عمر رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره فقال انظروا إليه فلم يجدوه؟ أنبت فدرأ عنه الحد قال أبو عبيد والابتهار ان يقذفها بنفسه فيما فعل بها كاذبا ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن ايوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان قال ابتهر ابن
أبى الصعبة بامرأة في شعر فذكر نحوه وذكر الدارقطني في التصحيف أن الثوري صحف فيه وان الصواب أن غلاما لابن أبى صعصعة

(10/280)


الحلق (وأما) الزغب والشعر الضعيف الذى قد يوجد في الصغر فلا أثر له * وفى شعر الابط وجهان (أحدهما) أن إنباته كنبات شعر العانة وبه قال القاضى الحسين وآخرون قال الامام لان إنبات العانة يقع في أول تحرك الطبيعة في الشهوة ونبات الابط يتراخى عن البلوغ في الغالب فكان أولى بالدلالة علي حصول البلوغ (والثانى) وهو الاصح علي ما ذكره صاحب التتمة أنه لا أثر له في البلوغ لانه لو أثر لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة * ونبات اللحية والشارب فيهما هذان الوجهان لكن صاحب التهذيب فرق فألحق شعر الابط بشعر العانة ولم يلحق به اللحية والشارب * ولا أثر لثقل الصوت ونهود الثدى ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الارنبة كما لا أثر لاخضرار الشارب وفى التتمة طرد الخلاف فيها (وأما) القسم الثاني وهو ما يختص بالنساء فشيئن (أحدهما) الحيض في وقت الامكان بلوغ واحتج له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت أبى بكر (إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفين) علق وجوب الستر بالمحيض
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت ابى بكر إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفن أبو داود من حديث خالد بن دريك عن عائشة أن اسماء بنت أبى بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال فذكر هـ وقد أعله أبو داود بالانقطاع وقال ان خالد بن دريك لم يدرك عائشة ورواه في المراسيل من حديث هشام عن فتادة مرسلا لم يذكر خالد ولا عائشة وتفرد سعيد بن بشير وفيه مقال عن قتادة بذكر خالد فيه وقال ابن عدى أن سعيد بن بشير قال فيه مرة عن أم سلمة بدل عائشة ورجح ابو حاتم أنه خالد بن دريك أن عائشة مرسل وله شاهدا اخرجه البيهقى من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله سمع ابراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها أختها عليها ثياب شامية الحديث

(10/281)


وذلك نوع تكليف وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل صلاة حائض الا بخمار) أشعر بانها بالحيض كلفت بالصلاة (والثاني) الحبل يوجب البلوغ لانه مسبوق بالانزال لكن الولد لا يستيقن ما لم تضع فإذا وضعت حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ لان أقل مدة الحمل ستة أشهر فأن كانت مطلقة فأتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق * (فرع) الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره ماء وهو على صفة المنى ومن فرجه دم وهو على صفة الحيض فهل نحكم ببلوغه فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه إما ذكر وقد أمني أو أنثى وقد حاضت (والثانى) لا لتعارض الخارجين واسقاط حكم كل واحد منهما حكم الآخر ولهذا لا يحكم والحالة هذه بالذكورة ولا بالانوثة هذا ما نسبة القاضى ابن كج إلى ظاهر نص الشافعي * وان وجد أحد الامرين دون الثاني أو أمنى وحاض من الفرج فجواب عامة الاصحاب أنه لا يحكم ببلوغه لجواز ان يظهر من الفرج الآخر ما يعارضه وقال الامام وهو الحق ينبغى أن يحكم بالبلوغ بأحدهما كما يحكم بالذكورة والانوثة ثم ان ظهر خلافه غيرنا الحكم وكيف ينتظم منا أن نحكم بأنه ذكر أو أو أنثي ولا نحكم بأنه قد بلغ *
__________
(حديث) لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار تقدم في الصلاة في الشروط

(10/282)


قال (وأما الرشد فهو أن يبلغ صالحا في دينه مصلحا لدنياه * فإذا اختل أحد الامرين استمر الحجر (م ح و) * ومهما حصل انفك الحجر (و) * فلو عاد أحد المعنيين لم يعد الحجر لان الاطلاق الثابت لا يرفع الا بيقين كما أن الحجر الثابت لا يرفع إلى بيقين * فلو عاد الفسق والتبذير جميعا يعود الحجر أو يعاد على أظهر الوجهين * ثم يلى القاضي امره أو وليه في الصبى فيه وجهان * وكذا في الجنون الطارئ بعد البلوغ * وصرف المال إلى وجوه البر ليس بتبذير * فلا سرف في الخير * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا تليق بحاله تبذير (و) * فإذا انضم إليه الفسق أوجب الحجر) *
أول ما ينبغى أن يعرف في الفصل أولا معني الرشد المذكور في قوله تبارك وتعالى (فان آنستم منهم رشدا) وقد فسره الشافعي بالصلاح في الدين مع اصلاح المال ويدل عليه ما روى عن ابن عباس أنه قال معناه (رأيتم منهم صلاحا في دينهم وحفظا لاموالهم) وروى مثله عن الحسن ومجاهد والمراد من الصلاح في الدين أن لا يرتكب من المحرمات ما تسقط به العدالة ومن اصلاح المال أن لا يكون مبذرا وصرف المال إلى وجود الخير في الصدقات وفك الرقاب وبناء المساجد والمدارس وما أشبهها ليس بتبذير ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف وعن الشيخ أبى محمد أن الصبى إذا بلغ وهو مفرط في الانفاق في هذه الوجوه فهو مبذر وان عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصدا لم نحكم
__________
(حديث) ابن عباس في قوله تعالى فان آنستم منهم رشدا معناه رأيتم منهم صالحا في دينهم وحفظا لاموالهم البيهقى من طريق على بن أبى طلحة عنه أتم من هذا (قوله) وروى مثله عن مجاهد والحسن أما أثر مجاهد فرواه الثوري في جامعه عن منصور عنه وأما أثر الحسن فاسنده البيهقى من طريق يزيد بن هرون عن هشام بن حسان عنه

(10/283)


بصيرورته مبذرا * وتضييع المال بالقائه في البحر أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملات ونحوها تبذير وكذا الانفاق في المحرمات * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا يليق اتخاذها بحاله هل يكون سفها وتبذيرا (قال) الامام وصاحب الكتاب نعم للعادة (وقال) الاكثرون لا لان المال يطلب لينتفع به ويلتذ به وكذا القول في التجمل بالثياب الفاخرة والا كثار من شراء الغانيات والاستمتاع بهن وما أشبه ذلك * وبالجملة فالتبذير على ما نقله معظم الاصحاب محصور في التضيعات والانفاق في المحرمات * ولا بد من اختبار الصبي ليغرف حاله في الرشد وعدمه ويختلف ذلك باختلاف طبقات الناس فولد التاجر يختبر في البيع والشراء والمماكسة وولد الزارع في أمر الزراعة والانفاق على العوام فيها والمحترف فيما يتعلق بحرفته والمرأة في أمر القطن والعزل وحفظ الاقمشة وصون الاطعمة عن الهرة والفأرة وما أشبهها من مصالح البيت * ولا تكفى المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن بكونه رشيدا وفى وقت الاختبار وجهان (أحدهما) ما بعد
البلوغ لان تصرفه في الصبا غير نافذ (وأظهرهما) أنه قبله لقوله تعالى (وابتلوا اليتامي) واسم اليتيم انما يقع على غير البالغ وعلى هذا فكيف يختبر فيه وجهان (أصحهما) أنه يدفع إليه قدرا من المال ويمتحنه في المماكسة والمساومة فإذا آل الامر إلى عقد عقده الولى لان تصرف الصبى لا ينفذ (والثانى)

(10/284)


يصح منه العقد أيضا في هذا الغرض للحاجة * وقد أشرنا في أول البيع إلى هذا * ولو تلف المال المدفوع إليه للاختبار في يده فلا ضمان على الولى * إذا تقرر ذلك ننظر ان بلغ الصبى غير رشيد إما لاختلاف الصلاح في الدين أو اصلاح المال بقى محجورا عليه ولم يدفع إليه المال * وقال أبو حنيفة ان بلغ مفسدا للمال منع حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة كما سبق وان بلغ مصلحا لماله دفع المال إليه ونفذ تصرفه وان كان فاسقا وبه قال مالك فيمن بلغ فاسقا ونقل المتولي مثل مذهبهما عن بعض أصحابنا * وجه ظاهر المذهب أن الآية اعتبرت الرشد والصلاح مأخوذ من تفسير الرشد * ثم يتصرف في ماله ويستديم الحجر عليه من كان يتصرف قبل البلوغ أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما * وان بلغ رشيدا دفع إليه المال وينفك الحجر عنه بنفس البلوغ والرشد أو يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان (أرجحهما) عند صاحب التهذيب أنه يحتاج إلى فك القاضى لان الرشد مما يعرف بالنظر والاجتهاد ويروي هذا عن ابن أبي هريرة رضى الله عنه (والثانى) وبه أجاب صاحب الكتاب وهو الاصح عند الامام والمتولي ويحكي عن ابن سريج أنه ينفك عنه لانه حجر لم يثبت بالحاكم فلا يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون يزول بمجرد الافاقة وهذا أولى والا لاطبق الناس على طلب الفك في أوائل البلوغ ولا يجدوه أهم مهماتهم ثم قال المفرعون على الوجه الاول أنه كما ينفك بفك القاضى ينفك بفك الاب والجد وفى الوصي والقيم وجهان وهذا يطعن في توجيههم اياه بالحاجة إلى النظر والاجتهاد (وإذا قلنا) لا يزول حتى يزال فتصرفه قبل ازالة الحجر كتصرف من أنثئ الحجر عليه بالسفه الطارئ بعد البلوغ ويجرى الخلاف فيما إذا بلغ غير رشيد ثم صار رشيدا وإذا حصل الرشد

(10/285)


فلا فرق بين الرجل والمرأة وبين أن تكون المرأة مزوجة أو لا تكون وقال مالك رحمه الله لا يدفع
المال إلى المرأة حتى تنكح فإذا نكحت دفع إليها باذن الزوج ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث إلا باذن الزوج ما لم تصر عجوزا * ولو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا لم يطلق ولم يمكن من التصرف وكيف الحال فيه وجهان (أحدهما) أنه يعود الحجر بنفس التبذير كما لو جن (وأصحهما) أنه لا يعود ولكن يعاد ومن الذى يعيده لا خلاف في أن للقاضى أن يعيده وعن أبى يحيى البلخى فيما نقل ابن كج رحمه الله تعالى أنه يعيده الاب والجد أيضا والمشهور تخصيصه بالقاضي لانه في محل الاجتهاد * ولو عاد الفسق دون الاتفاق في المعاصي وسائر وجوه التبذير (فان قلنا) اقتران الفسق بالبلوغ لا يقتضى ادامة الحجر وهى الطريقة المنقولة على وفاق أبى حنيفة ومالك رحمهما الله فلا يحجر (وان قلنا) يقتضيها فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه يحجر عليه كما يستدام به الحجر وكما لو عاد التبذير (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يحجر لان الاولين لم يحجروا على الفسقة ويخالف الاستدامة لان الحجر ثم كان ثابتا والاصل بقاء وههنا ثبت الاطلاق والاصل بقاءه فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لبراءة الاصل ويخالف التبذير فانا نتحقق به تضييع المال وبالفسق لا يتحقق فانه ربما لا ينفق المال إلا فيما يسوغ وان كان فاسقا ومقصود هذا الحجر صيانة المال ولا يجئ في عود الفسق الوجه الذاهب إلى مصيره محجورا بنفس التبذير قال الامام رحمه الله فإذا حجر على من طرأ عليه السفه ثم عاد رشيدا (فان قلنا) الحجر عليه لا يثبت الا بضرب القاضى فلا يرفع إلا برفعه (وان قلنا) يثبت بنفسه ففى زواله الخلاف المذكور فميا إذا بلغ رشيدا * ومن الذى يلى أمر من حجر عليه بالسفه بالطارئ (ان قلنا) انه لا بد من ضرب القاضى فهو الذى يليه (وان قلنا) أنه يصير محجورا عليه بنفس السفه فوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ (أحدهما) أنه يلى أمره الاب ثم الجد كما في حالة الصغر وكما إذا بلغ مجنونا (والثانى) يليه القاضى لان ولاية الاب قد زالت فلا تعود والاول أصح في صورة

(10/286)


عروض الجنون والثانى أصح في صورة عروض السفه فلان السفه وزواله مجتهد فيه يحتاج إلى نظر الحاكم * ونعود إلى ما يتعلق بالفاظ الكتاب (قوله) فان اختل أحد الامرين استمر الحجر ينتظم اعلامه بالميم والحاء والواو لما ذكرنا فيما إذا بلغ مصلحا لماله فاسقا (وقوله) مهما حصل أي كلاهما انفك
الحجر معلم بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا بد من فكه وكذا قوله لم يعد الحجر للوجه الذى مر في عود الحجر عند عود التبذير (وقوله) لان اطلاق الثابت لا يرتفع الا بتيقن الرشد ولا يتيقن الرشد مع واحد من الامرين والاطلاق ههنا متيقن فلا يعاد الحجر الا بتيقن احتلال الرشد وذلك يعود للمعنيين جميعا وهذا قريب من لفظه في الوسيط وقضية خروج الصلاح في الدين واصلاح المال عن أن يكون حقيقة الرشد واعتبارهما للاستدلال بهما على حصول الرشد * واعلم أن كلام المصنف ههنا وفى الوسيط مصرح بأن عود مجرد الفسق والتبذير لا أثر له وانما المؤثر في عود الحجر أو اعادته عود الفسق والتبذير جميعا وليس الامر كذلك بل الاصحاب رضى الله عنهم مطبقون على أن عود التبذير وحده كاف في عود الحجر أو اعادته كما سبق بيانه (وقوله) ثم يلى أمره القاضى أو وليه في الصبى فيه وجهان موضع الوجهين ما إذا قلنا ان الحجر يعود بنفسه أما إذا قلنا ان القاضى هو الذى يعيده فهو الذى يلى امره بلا خلاف (وقوله) فصرف المال إلى وجوه الخير ليس بتبذير يمكن اعلامه بالواو للتفصيل المنقول عن الشيخ ابى محمد (وقوله) في الصرف إلى الاطعمة النفيسة انه تبذير يجب اعلامه بالواو ومعرفته ان الاظهر عند

(10/287)


الائمة رحمهم الله خلاف ما ذكره (وقوله) فإذا انضم الفسق إليه أوجب الحجر بناه على ما قدمه من اعتبار اجتماع الامرين وقد عرفت أن الصحيح المعتمد خلافه * (فرع) ولو كان يغبن في بعض التصرفات خاصة فهل يحجر عليه حجرا خاصا في ذلك النوع فيه وجهان لبعد اجتماع الحجر والاطلاق في الشخص الواحد (فرع) الشحيح على نفسه جدا مع اليسار قال في البيان فيه وجهان عن الصيمري والاصحح المنع * قال (ثم فائدة الحجر سلب استقلاله في التصرفات المالية كالبيع والشراء (و) والاقرار بالدين (م) وكذا الهبة وفى سلب عبارته عند التوكيل به خلاف وعليه يبتنى صحة قبوله الوصية والهبة ولا حجر عليه فيما لا يدخل تحت الحجر كالطلاق والظهار والخلع واستلحاق النسب ونفيه والاقرار بموجب العقوبات لانه مكلف والولى لا يتولى ذلك فلا بد وأن يتولاه بنفسه (والاصح) أنه لا يقبل اقراره باتلاف مال الغير كالصبى وينعقد احرامه بالحج ثم يمنع الزاد ان لم يكن فرضا عليه ثم حكمه
حكم المحصر أو المحرم المفلس حتى لا يتحلل الا بلقاء البيت فيه خلاف) * الغرض الان الكلام فيما ينفذ من السفيه المحجور عليه من التصرفات ومالا ينفذ وفى مسائل (إحداها) لا يصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالى كالبيع والشراء والاعتاق والكتابة والهبة والنكاح ولا فرق بين أن يشترى بعين ماله أو في الذمة وفى شرائه في الذمة وجه ضعيف تخريجا من شراء العبد بغير اذن مولاه والمذهب الاول لان هذا الحجر انما يشرع نظرا للمبذر وذلك يقتضى الرد حالا ومالا والحجر على العبد لحق المولى فلا يمتنع التصحيح بحيث لا يضر بالمولى وإذا باع وأقبض استرد من المشتري فلو تلف

(10/288)


في يده ضمن فلو اشترى وقبض واستقرض فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه ومن أقبضه فهو الذى ضيعه ولوليه استرداد الثمن ان كان قد أقبضه ولا فرق بين أن يكون من عامله عالما بحاله أو جاهلا إذ كان من حقه أن يتجنب ولا يعامل الا عن بصيرة وكما لا يجب الضمان في الحال لا يجب بعد رفع الحجر لان هذا الحجر ضرب لمصلحته فأشبه الصبى لكن الصبى لم يأثم والسفيه يأثم لانه تكلف وفيما إذا أتلفه بنفسه وجه أنه يضمن عند رفع الحجر عنه وهذا كله فيما إذا استقل بهذه التصرفات أما إذا اذن له الولى نظر ان أطلق الاذن فهو لغو وأن عين له تصرفا أو قدر العوض فوجهان (أصحهما) عند المصنف أنه يصح كما لو أذن له في النكاح وهذا لان المقصود أن لا يضر بنفسه ولا يتلف ماله فإذا أذن الولى أمن من المحذور (والثانى) وهو الاصح عند صاحب التهذيب المنع كما إذا أذن للصبى ويخالف النكاح لان المال فيه تبع ومقصود الحجر حفظ المال عليه على أن الامام رحمه الله أشار إلى طرد بعضهم الخلاف في النكاح (فان قلنا) لا يصح فقد سلبنا بالحجر عبارته (وان قلنا) يصح فالمسلوب هو الاستقلال وعلى الوجهين يخرج ما إذا وكله غيره بشئ من هذه التصرفات هل يصح عقده للموكل وبما إذا إتهب وقبل الهبة لنفسه ولو أودعه انسان شيئا فلا ضمان عليه لو تلف عنده ولو أتلفه فقولان كما لو أودع صبيا (الثانية) لو أقر بدين معاملة لم يقبل سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده كالصبى وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر وجه أنه يقبل تخريجا من الخلاف في أن المفلس إذا أقر بدين سابق على الحجر هل يزاحم المقر له الغرماء ولو أقر باتلاف مال أو جناية توجب المال فقولان (أحدهما) يقبل لانه لو أثبتنا الغصب أو الاتلاف يضمن فإذا أقر
به يقبل (وأصحهما) الرد كما لو أقر بدين معاملة ولا يؤاخذ بعد فك الحجر عنه بما أقر به ورددناه ولو أقر بما يوجب عليه حدا أو قصاصا قبل لانه مكلف ولا تعلق لهذا الاقرار بالمال متى يتأثر بالحجر ولو أقر بسرقة توجب القطع قبل قوله في القطع وفى المال قولان كالعبد إذا أقر بسرقة هذا إن قلنا لا يقبل اقراره بدين الاتلاف (فان قلنا) فأولى أن يقبل ههنا ولو أقر بقصاص فعفى المستحق على مال فالصحيح ينوب المال لانه يتعلق باختيار الغير لا باقراره ولو أقر بنسب ثبت النسب وينفق على الولد

(10/289)


الذى استلحقه من بيت المال ولو ادعى عليه دين معامله لزمه قبل الحجر وأقام عليه بينة سمعت وان لم يكن بينة (فان قلنا) أن النكول ورد اليمين كالبينة سمعت (وان قلنا) كالاقرار فلا لان غايته أن يقروا قراره غير مقبول (الثالثة) يصح منه الطلاق لانه لايدخل تحت حجر الولى وتصرفه الا ترى ان الولى لا يطلق أصلا بل المحجور عليه يطلق بنفسه إذا كان مكلفا كالعبد وأيضا فأن الحجر لابقاء ماله عليه والبضع ليس بمال ولا هو جار مجري الاموال الا ترى أنه لا ينتقل إلى الورثة ولا يمنع المريض من ازالة المال عنه وإذا صح الطلاق مجانا فالخلع أولى بالصحة وكذلك يصح منه الطهار والرجعة ونفى النسب باللعان وما أشبهه لان هذه العقود لا تعلق لها بمال ولو كان السفيه مطلاقا مع حاجته إلى النكاح سري بجارية فان تبرم منها أبدلت (الرابعة) حكم السفية في العبادات حكم الرشيد لكنه لا يفرق الزكاة بنفسه فلو أحرم بغير اذن الولى انعقد احرامه ثم ينظر ان أحرم بحج التطوع وزاد ما يحتاج إليه للسفر على نفقته المعهودة ولم يكن له في الطريق كسب يفى بتلك الزيادة فللولي منعه ثم كيف سبيله نقل الامام رحمه الله وجهين (الاصح) الذى أورده الاكثرون أنه كالمحصر حتى يتحلل بالصوم إذا جعلنا لدم الاحصار بدلا لانه محجور في المال (والثانى) أن عجزه عن النفقة لا يلحقه بمحصر بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلل الا تلفاء البيت وان لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة المعهودة أو كان يكتسب في الطريق ما يفى بالزيادة لم يمنعه الولى بل ينفق عليه من ماله ولا يسلمه إليه بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق وان أحرم بحجة مفروضة كحجة الاسلام والحجة المنذورة قبل الحجر أنفق عليه الولي كما ذكرنا قال في التتمة والحجة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا
بالنذر مسلك واجب الشرع والا فهى كحجة التطوع ولو نذر التصدق بعين مال لم ينعقد وفى الذمة ينعقد ولو حلف انعقد يمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالرقيق * قال (وولى الصبى أبوه أو جده وعند عدمهما الوصي فان لم يكن فالقاضي ولا ولاية للام (و) ولا يتصرف الولى الا بالغبطة ولا يستوفى قصاصه (ح) ولا يعفو عنه ولا يعتق ولا يطلق بعوض

(10/290)


وغير عوض ولا يعفو عن حق شفعته الا لمصلحته فلو ترك فليس له الطلب بعد البلوغ على الاصح (و) وله أن يأكل بالمعروف من ماله ان كان فقيرا وان كان غنيا فليستعفف) * هذه البقية لسائر من يلى أمر الصبى وفى معناه المجنون وانه كيف يتصرف أما الذى يليه فهو الاب ثم الجد كما في ولاية النكاح فان لم يكونا فالولى المنصوب من جهتهما فان لم يكن فالولاية للقاضى أو من ينصبه القاضى (وظاهر) المذهب أن لا ولاية للام كما ليس لها ولاية النكاح وعن أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أن لها ولاية المال بعد الاب لجد وتقدم على وصيهما لزيادة شفقتها (وأما) كيفية التصرف فالقول الجملى فيه اعتبار الغبطة وكون التصرف على وجه النظر والمصلحة وفى الفصل صور (منها) يجوز للولى أن التجارة لما فيها من الاخطار وانحطاط الاسعار فان لم يكن فيه مصلحة لنقل الخراج أو جور السلطان أو أشراف الموضع على البوار لم يجز ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ويبنى بالاجر دون اللبن والجص ولا يبنى باللبن والطين لقلة بقائه وذكر القاضي الرويانى رحمه الله أن كثيرا من الاصحاب رحمهم الله جوزوا البناء له على عادة البلد كيف كانت قال وهو الاختبار ولا يبيع عقاره الا للحاجة مثل أن لا يكون له ما يصرفه إلى نفقته وكسوته وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة فيه والغبطة مثل أن يكون يقبل الخراج أو يرغب شريك أو جار باكثر من ثمن المثل وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن وله بيع ماله نسيئة وبالعرض إذا رأى المصلحة فيه فإذا باع نسيئه زاد على ثمنه نقدا وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا فان لم يفعل ضمن هكذا قاله المعظم وروى الامام وجها في صحة البيع إذا لم يترهن وكان المشترى مليا وقال الاصح الصحة ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى
أنه لا يضمن ونجوزه اعتمادا على ذمة الملى ولا يحتاج الاب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئة أن يرتهن من نفسه بل يؤتمن في حق ولده وإذا باع الاب والجد عقاره فيرفع الامر إلى القاضى أسجل على بيعه ولم يكلفه أثبات الحاجة أو الغبطة فإذا بلغ الصبى وادعى على الاب أو الجد بيع ماله من غير مصلحه فالقول قولهما مع اليمين

(10/291)


وعليه البينة وان ادعاه على الوصي أو الامين فالقول قوله في العقار وعليهما البينة وفى غير العقار وجهان (أظهرهما) أنها كالعقار والفرق عسر كالاشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولى وولى وبين العقار وغيره ودعواه على المشترى من الولى كهى على الولى وليس للوصي والامين بيع ماله من نفسه ومال نفسه منه روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال لا يشترى الوصي من مال اليتيم) وللاب والجد ذلك وبيع مال أحد الصغيرين من الآخر وهل يشترط أن يقول بعت واشتريت كما لو باع من غيره أم يكتفى باحدهما فيقوم مقامهما كما أقيم الشخص الواحد مقام اثنين فيه وجهان تعرضنا لهما في أول البيع وإذا اشترى الولى للطفل فليشتر من ثقة وحيث أمر بالارتهان لم يقم أخذ الكفيل مقامه (ومنها) لا يستوفى القصاص المستحق له لانه ربما يرغب في العفو ولا يعفو لانه ربما بختأر الاستيفاء تشفيا ولا يعتق عبيده لا بعوض ولا مجانا ولا يكاتبهم ولا يهب أمواله لا بشرط الثواب ولا دونه إذ لا يقصد بالهبة العوض ولا يطلق زوجته لا مجانا ولا بعوض ولو باع شريكه شخصا مشفوعا فيأخذ ويترك بحسب المصلحة فان ترك بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد أخذه فوجهان (أصحهما) انه لا يمكن كما لو أخذ بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد رده (والثانى) يمكن لانه لو كان بالغا لكان له الاخذ وافق المصلحة أو خالف والاخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الولى فلا يفوت عليه في تصرف الولى (ومنها) ليس للولى أخذ أجرة ولانفقة من المال الصبى ان كان غنيا وان كان فقيرا فان قطع بسببه عن اكتسابه فله أخذ قدر نفقته قال الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف) الاية وفى تعليق الشيخ أبى حامد رحمه انه يأخذ أقل الامرين من قدر النفقة وأجرة المثل والقول في انه هل يستبد بالاخذ يأتي في كتاب النكاح
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يشتر الوصي من مال اليتيم لم أجده وقد أخرج البيهقى من طريق زهير بن أبى اسحق عن صلة بن زفر قال كنت جالسا عند ابن مسعود فجاء رجل من
همدان على فرس أبلق فقال يا أبا عبد الرحمن اشترى هذا قال ماله قال إن صاحبه أوصى إلى قال لا تشتره ولا تستقرض من ماله

(10/292)


ان شاء الله تعالى * وهل عليه الضمان فيما أخذ كالمضطر إذا أكل الطعام أم كالامام إذا أخذ الرزق من بيت المال فيه قولان وللولي أن يخلط ماله بمال الصبى ويواكله قال الله تعالى (فان تخالطوهم فاخوانكم) وقاس ابن سريج على ما إذا خلط المسافرون ازوادهم وتناهدوا وقال لعل هذا أولى بالجواز وان تفاوتوا في الاكل لان كلا منهم من أهل المسامحة هذه صور الكتاب وشرحها (ومنها) يجب عليه أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف ويخرج من ماله الزكاة وارش الجنايات وان لم تطلب ونفقة القريب بعد الطلب (ومنها) أن دعت ضرورة حريق أو نهب إلى المسافرة بماله سافر وإذا كان الطريق مخوفا لم يسافر به وان كان امنا فوجهان (الذي) أورده الاصحاب رحمهم الله من العراقيين المنع كالمسافرة بالوديعة (والثانى) وهو الاصح الجواز لان المصلحة تقتضي ذلك والولى مأمور بالنظر بخلاف المودع وإذا كان له أن يسافر كان له أن يبعثه على يد أمين (ومنها) أنه ليس لغير القاضى اقراض مال الصبى الا عند ضرورة نهب أو حريق وإذا أراد سفرا ويجوز للقاضى الاقراض وان لم يعرض شئ من ذلك لكثرة شغاله وسوى أبو عبد الله الحناطى رحمه الله بين القاضى وغيره ولايجوز ايداعه مع امكان الاقراض في أصح الوجهين فان عجز عنه فله الايداع ويشترط فيمن يودع عنده الامانة وفيمن يقرضه الامانة واليسار جميعا واذ أقرض فان رأى أن يأخذ به رهنا أخذ والا تركه والله أعلم *

(10/293)