فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال > * (كتاب التفليس) *
__________
(حديث) كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم حجر؟ على معاذو باع عليه ماله: الدارقطني والحاكم والبيهقي من

(10/196)


صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء) ويروى عنه أنه قال (في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) ومن جهة المعنى أنه عقد معاوضة يدخله الفسخ بالاقالة فدخله الفسخ بتعذر العوض كما لو تعذر المسلم واحترزوا بالوصف عن الحوالة والخلع ثم ههنا مباحثات (إحداها) لاشك أن التعلق المانع من التصرف يفتقر ثبوته إلى توسط حجر القاضى عليه وهل الرجوع إلى
__________
طريق هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه بلفظ حجر عن معاذ ماله
وباعه في دين كان عليه وخالفه عبد الرزاق وعبد الله بن المبارك عن معمر فارسلاه ورواه أبوادود في المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا مطولا وسمى ابن كعب عبد الرحمن قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل وقال ابن الطلاع في الاحكام هو حديث ثابت وكان ذلك في سنة تسع وحصل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم فقالوا يا رسول الله بعه لنا قال ليس لكم إليه سبيل (تنبيه) قوله وباعه الضمير يعود عليه المال وأخرجه البيهقى من طريق الواقدي وزاد ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بعد ذلك إلى اليمن ليخبره وروى الطبراني في الكبيران النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بعث معاذا إلى اليمن وأنه أول من اتجر في مال الله وفي الباب عن أبى سعيد أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم بلغ؟ وفاء دينه فقال خذو اما وجدتم وليس لكم الا ذلك أخرجه مسلم * (حديث) أبى هريرة إذا أفلس الرجل وقد وجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء: متفق عليه ومعظم اللفظ لمسلم من طريق بشير بن نهيك عنه ولهما من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وغيره بلفظ من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو انسان قد أفلس فهو أحق به من غيره * (حديث) أبى هريرة أنه قال في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه الحديث * أبو داود والشافعي

(10/197)


عين المبيع كذلك أو هو مستغن عن الحجر ان كان الاول فما وجه قوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مات أو أفلس) الحديث أثبت الاحقية بمجرد الافلاس وان كان الثاني فلم جعل صاحب الكتاب الرجوع حكما للحجر حيث قال ثم للحجر أحكام أربعة وهو أحدها وعلى هذا التقدير يكون الرجوع حكم الافلاس لا حكما للحجر (والجواب) الذى يدل عليه كلام الاصحاب ههنا تعريضا وتصريحا افتقار الرجوع إلى توسط الحجر كافتقار تعلق الديون بالمال ولفظ الكتاب مطابق له الا أن ما حكيناه في تفريع الاقوال عند اختلاف المتبايعين في البداية بالتسليم يشعر باستغنائه عن الحجر فراجعه إن لم تتذكر والمعتمد الاول والحديث يحتمل وجوها من الاأويل (منها) أن يريد بالافلاس الحجر فعبر بالسبب عن المسبب فان
الافلاس سبب الحجر (ومنها) أن يضمر الحجر فيه (ومنها) أن يقال لفظ الحديث الاحقية وهذا اللفظ يصدق بالتمكين من الرجوع بسلوك الاسباب المفضية إليه ومن جملتها طلب الحجر فإذا مجرد الافلاس يفيد الاحقية (الثانية) فيما نقلناه عن الائمة في تفسير المفلس قيدان (أحدهما) المديونية (والآخر) ان
__________
والحاكم من طريق ابن أبى ذئب عن أبى المعتمر عن عمر بن خلدة عنه أبو المعتمر قال أبو داود والطحاوى وابن المنذر هو مجهول ولم يذكر ابن أبى حاتم له الا راويا واحدا وهو ابن أبى ذئب وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدار قطني والبيهقي من طريق أبى داود الطيالسي وروى ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري في حديث أبى بكر عن أبى هريرة اللفظ الذى ذكره المصنف (فائدة) قال ابن عبد البر هذا الحديث لا يرويه غير أبى هريرة وحكى البيهقى مثل ذلك عن الشافعي ومحمد بن الحسن وفي اطلاق ذلك نظر لما رواه أبو داود والنسائي عن سمرة بلفظ من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به ولا بن حبان في صحيحه من طريق فليح عن نافع عن ابن عمر بلفظ إذا عدم الرجل فوجد البائع متاعه بعينه فهو أحق به *

(10/198)


يكون ماله قاصرا عن الوفاء بالديون والقيد الاول لابد منه لجواز الحجر وأما الثاني فيجوز أن يقال إنه لا حاجة إليه بل مجرد الدين يكفى لجواز الحجر منعا له من التصرفات فيما عساه يحدث له باصطياد وانهاب؟ والظفر بركاز وغيرها فان كان كذلك فليفسر المفلس بالذى ليس له مال يفى بديونه لينتظم من لامال له أصلا ومن له مال قاصر وإنما يراد بالمفلس في المشهور من لا مال له فانه بمجرده لا يؤثر في هذه الاحكام بحال (الثالثة) قوله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس يقتضى ظاهره ثبوت الرجوع وان كان مال الميت وافيا بالديون فهذا الظاهر هل هو معمول به أم لا (الجواب) أثبت الاصطخرى الرجوع بمجرد الموت أخذا بهذا الظاهر والمذهب المنع لتيسر الوصول إلى الثمن كما في حال الحياة والخبر محمول على ما إذا مات مفلسا لانه روى في بعض الروايات * أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل

(10/199)


مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يختلف وفاء) وإذا تقررت هذه التمهيدات
فالكلام بعد في أنه متى يحجر عليه قال حجة الاسلام التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة علي قدر المال سبب لضرب الحجر على المفلس وفيه قيود (أولها) الالتماس ولابد منه وليس للقاضى أن يحجر عليه من غير التماس لان هذا الحجر لمصلحة الغرماء والمفلس وهم ناظرون لانفسهم فلا يتحكم الحاكم عليهم نعم لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو محجورين بالسفه لولى القاضى الحجر لمصلحتهم من غير التماس ولا يحجر لدين الغائبين لانه لا يستوفى مالهم في الذمم وانما تحفظ أعيان أموالهم (وثانيها) كون الالتماس من الغرماء وفيه مسألتان (احداهما) لو التمس بعضهم دون بعض نظران كان دين الملتمس قدرا يجوز الحجر عليه لذلك القدر أجيبوا ثم لا يختص الحجر بهم بل يعم أثره الكل وان لم يكن فوجهان (الاظهر) المنع وعن الشيخ أبى محمد أنه يحجر ولا يضيع حقه بتكاسل غيره (الثانية) لو لم يلتمس أحد منهم والتمسه المفلس فوجهان (أحدهما) لايجاب إليه لان الحرية والرشد ينافيان الحجر وانما يصار إليه إذا حقت طلبة الغرماء (وأظهرهما) الاجابة لان له غرضا فيه ظاهرا وقد روى (أن الحجر على معاذ رضى الله عنه كان بالتماس منه دون طلب الغرماء) (وثالثها) كون الديون حالة فان

(10/200)


كانت مؤجلة فلا حجر بها سواء كان له ما يفى بها أو لم يكن لانه لا مطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة وان كان البعض حالا والبعض مؤجلا نظر ان كان الحال قدرا يجوز الحجر به حجر والا فلا وإذا حجر عليه فهل يحل ما عليه من الديون المؤجلة فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال مالك لان الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فيسقط الاجل كالمتوفى (وأصحهما) لا لان المقصود من التأجيل التخفيف ليكتسب في مدة الاجل ما يقضى به الدين وهذا المقصود غير ثابت بخلاف صورة الموت فان توقع الاكتساب قد يبطل وهذا ما اختاره المزني ونقله عن الاملاء وعن الشيخ أبى محمد ترتيب هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن هل يحل عليه الاجل وان الحلول في صورة الجنون أولى لان المجنون لااستقلال له كالميت وله قيم ينوب عنه كما ينوب الوارث عن الميت ورأى الامام الترتيب بالعكس أولى لان قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة فإذا لم يمنع الجنون التأجيل ابتداء فلان لا يقطع الاجل
دواما كان أولى * (التفريع) إذا قلنا بالحلول قسم المال بين أصحاب هذه الديون وأصحاب الديون الحالة في الابتداء كما لو مات وان كان في الديون المؤجلة ماكان ثمن متاع وهو قائم عند المفلس فلاصحابه الرجوع إلى عين متاعه كما لو كان حالا في الابتداء وعن القاضي أبى الطيب أن أبا اسحق قال فائدة الحلول أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه ويكون محفوظا له إلى مضى المدة فان وجد المفلس وفاء فذاك والا فحينئذ يفسخ وقيل لافسخ حينئذ ايضا بل لو باع بثمن مؤجل وحل الاجل ثم أفلس المشترى وحجر عليه فليس للبائع الفسخ والرجوع إلى المبيع لان المبيع بالثمن المؤجل يقطع حق البائع عن المبيع بالكلية ولهذا لا يثبت فيه حق الحبس للبائع والاصح الاول (وان قلنا) بعدم

(10/201)


الحلول بيع ماله وقسم على اصحاب الديون الحالة ولا يدخر لاصحاب الديون المؤجلة شئ ولا يدام الحجر بعد القسمة لاصحاب الديون المؤجلة كما لا يحجر بها ابتداء وهل يدخل في البيع الامتعة المؤجلة الاثمان فيه وجهان (أصحهما) نعم كسائر أموال المفلس وليس لبائعها تعلق بها.
لانه لا مطالبة في الحال وعلى هذا فان لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الاجل ففى جواز الفسخ الآن وجهان (والثانى) أنها لا تباع فانها كالمرهونة بحقوق بائعها بل يتوقف إلى انقضاء الاجل فان انقضى والحجر باق ثبت حق الفسخ وان أطلق فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر بل عزلها وانتظار حلول الاجل كابقاء الحجر بالاضافة إلى البيع ونقل الامام وجها آخر أنه لا بد من اعادة الحجر ليثبت حق الفسخ وذكر أيضا تفريعا على القول الاول وجهين في أنه لو لم يكن عليه إلا ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر هل يجابون (أحدهما) نعم فانهم يتوسلون به إلى الحلول أو المطالبة (وأصحهما) لا لان طلب الحجر فرع طلب الدين وعسر تخليصه فلا يتقدم عليه ويصح اعلام قوله في الكتاب والديون المؤجلة لا حجر بها بالواو للوجه الاول (ورابعها) كون الديون زائدة على قدر أمواله فان كانت متساوية والرجل كسوب ينفق

(10/202)


من كسبه فلا حجر وان ظهرت أمارات الافلاس بان لم يكن كسوبا وكان ينفق من ماله أو لم يف
كسبه بنفقته فوجهان (أحدهما) يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة والديون إذا ساوت المال فستزيد عن قريب (والثاني) أنه لا يحجر لان الوفاء حاصل وهم متمكنون من المطالبة في الحال وهذا أصح عند العراقيين وذكر الامام أن المختار هو الاول ويجرى الوجهان فيما إذا كانت الديون أقل وكانت بحيث يغلب على الظن انتهاؤها إلى حد المساواة ومنه إلى الزيادة لكثرة النفقة وهذه الصورة أولى بالمنع وإذا حجرنا في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس والرجوع فيه وجهان (أصحهما) نعم لاطلاق الحديث (والثانى) لا لتمكنه من استيفاء الثمن بكماله وهل تدخل هذه الاعيان في حساب أمواله واثمانها في حساب ديونه فيه وجهان (أصحهما) عند العراقيين الادخال وذكر في التتمة أن الوجهين مبنيان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة ان لم يثبت الرجوع أدخلت رجاء الوفاء وان أثبتناه فلا * والله أعلم قال (ثم للحجر أربعة أحكام (الاول) منع كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند ضرب الحجر كالعتق * والبيع * والرهن * والكتابة * ولا يخرج عتقه على عتق الراهن لان تنفيذه ابطال لما انشئ الحجر له * ثم لو فضل العبد المعتق أو المبيع بعد قضاء الدين ففى الحكم بنفوذه خلاف * فان قلنا ينفذ فليقض الدين من غيره ما أمكن * أما مالا يصادف المال كالنكاح والخلع * واستيفاء القصاص * وعفوه * واستلحاق النسب * ونفيه باللعان * واحتطابه * واتهابه * وقبوله الوصية فهى صحيحة * وكذا شراؤه على الاصح * وكذا اقراره * الا أن ما يتعلق منه بالمال يؤاخذ به بعد فك الحجر ولا يقبل على الغرماء * ولو أقر في عين المال أنه وديعة عنده أو غصب أو عارية ففيه قولان في القديم * ومنه خرج قول أن الاقرار المرسل بالدين أيضا يوجب قضاءه في الحال من ماله إذ لا تهمة فيه) *

(10/203)


عرفت أن من حكم الحجر منع المفلس من التصرف والمستحب للحاكم إذا حجر عليه أن يشهد عليه ليحذر الناس من معاملته ثم في السبط الذى ذكره صاحب الكتاب لما يمنع منه قيود (احدها) كون التصرف مصادفا للمال والتصرف ضربان انشاء وإقرار (الضرب الاول) الانشاآت وهى نوعان (أحدهما) ما يصادف المال وينقسم
إلى تحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية ولا يخفى أنه لا يمنع عنه لانه كامل الحال وغرض الحجر منعه مما يضر الغرماء لا غير والى تفويت فينظر ان تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صح فان فضل المال نفذ والا فلا وان كان غير ذلك فاما أن يكون مورده عين المال أو مافى الذمة (القسم الاول) يكون مورده عين المال كالبيع والهبة والرهن والاعتاق والكتابة وفيها قولان (أحدهما) أنها موقوفة فان فضل ما تصرف فيه عن الدين إما لارتفاع القيمة أو لابراء بعض المستحقين نفذناه والا بان أنه كان لغوا ووجهه أنه محجور عليه لحق الغير فلا يلغى تصرفه كالمريض (وأصحهما) وبه قال مالك واختاره المزني أنه لا يصح شئ منها لتعلق حق الغرماء بتلك الاموال كتعلق حق المرتهن وأيضا فانه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه وان شئت قلت هذه التصرفات غير نافذة في الحال فان فضل ما تصرف فيه وانفك الحجر فهل ينفذ حينئذ فيه قولان وايراد صاحب الكتاب يوافق هذه العبارة وجعل الشيخ أبو محمد الخلاف في هذه التصرفات

(10/204)


على الترتيب فقال العتق أولى بالنفوذ لقبوله الوقف وتعلقه بالاقرار وتليه الكتابة لما فيها من المعاوضة ثم البيع والهبة لانهما لا يقبلان التعليق واختلفوا في محل القولين فمن قاصرين لهما على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه فان فعل ذلك لم ينفذ تصرفه قولا واحدا واحتجوا بأن الشافعي رضى الله عنه قال إذا جعل ماله لغرمائه فلا زكاة عليه ومن طاردين لهما في الحالتين وهو الاشهر قال هؤلاء وتجب الزكاة عليه على أظهر القولين مادام ملكه باقيا والنص محمول على مااذا باعه منهم فان نفذناه بعد الحجر وجب تأخير ما تصرف فيه وقضاء الدين من غيره فلعله يفضل فان لم يفضل نقضنا من تصرفاته الاضعف فالاضعف والاضعف الرهن والهبة لخلوهما عن العوض ثم البيع ثم الكتابة ثم العتق قال الامام فلو لم يوجد راغب في أموال المفلس إلا في العبد المعتق وقال الغرماء بيعوه ونجزوا حقنا ففيه احتمال وغالب الظن أنهم يجابون وذكر الشيخ ابو اسحق رحمه الله أنه يحتمل أن ينقض من تصرفاته للآخر كما في تبرعات المريض إذا زادت على الثلث وأعلم أن ما ذكرنا في البيع مفروض في بيعه من غير الغرماء فان باع منهم فسيأتي (القسم الثاني) ما يرد على مافى الذمة كما إذا اشترى بثمن في الذمة أو باع طعاما سلما فيصح ويثبت في ذمته وسنتكلم في أنه متى يؤدى وكيف يؤدى وروى
الامام قولا آخر أنه لا يصح شراؤه كالسفيه والمذهب المشهور الاول (النوع الثاني) مالا يصادف المال فلا يمنع منه وذلك كالنكاح والطلاق والكلام في أن مؤنات نكاحه كيف توفى نذكر ذلك في موضعه وإذا صح منه الطلاق مجانا صح الخلع منه بطريق الاولى وكذا يصح منه استيفاء القصاص والعفوه عنه واستلحاق النسب ونفيه باللعان والقول في استيفائه القصاص وعفوه عنه معاد في كتاب القصاص (الضرب الثاني) الاقارير فان أقر بمال لم يحل إما أن يقر بمال في الذمة أو بعين مال ان كان الاول نظران أقر بدين لزمه قبل الحجر اما عن معاملة أو دين أو اتلاف لزمه

(10/205)


ما أقر به وفى قبوله في حق الغرماء قولان (وجه) عدم القبول وبه قال مالك ان حقهم تعلق بماله من المال وفى القبول إضرار بهم لمزاحمته إياهم (ووجه) القبول وهو الاصح القياس على ما إذا ثبت بالبنية وعلى ما إذا أقر المريض بدين يزاحم المقر له غرماء الصحة وهذا لان ضرر الاقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء فلا تهمة فيه * وان أسنده إلى ما بعد الحجر نظر إن قال عن معاملة لم يقبل في حق الغرماء وان قال عن اتلاف أو عن جناية فاصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر (والثانى) أنه كما لو قال عن معاملة وان أقر بدين ولم يسنده فقياس المذهب التنزيل على الاقل وجعله كما لو أسنده لزومه إلى ما بعد الحجر * وان أقر بعين مال بغيره وقال غصبته منه أو استعرته أو أخذته سوما فقولان كلقولين فيما لو أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحج لكن إذا قلنا تم فأثره أن يزاحم المقر له الغرماء وههنا يسلم المقر له بحاله وعلى الثاني ان فصل سلم إليه والا فالغرم في ذمته والفرق بين الانشاءات حيث رددناها في الحال جزما وقلنا الاصح أنه لا يحكم ينفوذها عند انفكاك الحجر أيضا وبين الاقارير حيث قبلناها في حق المفلس جزما وفى حق الغرماء أيضا على أصح القولين أن مقصود الحجر منعه من التصرف فيناسبه الغاء ما ينشئه والاقرار اخبار عما مضى والحجر لا يسلب العبارة عنه فلو أقر مبا يوجب عليه قصاصا أو حدا قبل وأجرى عليه حكمه فان كان المقر به سرقة توجب القطع قبل في القطع وفى رد المسروق القولان السابقان والقبول ههنا أولى لبعد الاقرار عن التهمة وإذا أقر بما يوجب القصاص فعفا المستحق على مال قال في التهذيب هو كما لو أقر بدين جناية وقطع بعض شارحي المختصر بالقبول لانتفاء التهمة وهذا القائل ينبغى أن يطرد ما ذكره في الصورة * الاولى

(10/206)


(فرع) لو ادعى مدع على المفلس مالا لزمه قبل الحج وأنكر المفلس ولم يحلف فحلف المدعى (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينية زاحم الحالف الغزماء (وان قلنا) كالاقرار فعلى القولين ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) ولا يخرج عتقه على عتق الراهن إلى آخره أراد به أن الخلاف المذكور في نفوذ اعتاق الراهن في الحال لا يجئ ههنا لان الحجر لم ينشأ الا للمنع من تفويت المال والتنفيذ يعكر على مقصود الحجر بالابطال وفى الرهن المقصود الاصلى توثيق حق المرتهن فانه يحصل ببدل المرهون كما يحصل بعينه (وقوله) أما مالا يصادف المال كالنكاح إلى أن قال واحتطابه واتهابه وقبول الوصية ففيه كلام من جهة أن الاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية يصادف المال لا محالة وكذا الشراء وليس تصحيحها لانها لا تصادف المال بل لانها تحصل الملك لا إزالته وان قيل المراد أنها لا تصادف المال الموجود عند الحجر فهذا صحيح ولكن يصادفه المال الموجود عند الحجر حينئذ يصير قيدا واحدا وذلك خلاف ما ذكره في الوسيط وأورده ههنا وقوله في مسألة الاقرار بالعين ففيه قولان في القديم ومنه خرج قوله في أن الاقرار المرسل بالدين الذى يوجب قضاؤه في الحال من ماله ادلاتهمة أراد به أن القولين جميعا مذكوران في كتبه القديمة وان الاصحاب خرجوا في الاقرار بالدين مصل ذلك إذ لافرق وهذا شئ قلد فيه امام الحرمين فانه كذلك أورده ولم ينسب الجمهور القولين في الاقرارا بالعين إلى القديم واما الحكم بالتخريج في الاقرار بالدين فعجيب مع نصه في المختصر على القولين جميعا حيث قال وان أقر بدين وزعم أنه لزمه قبل الوقت ففيه قولان (أحدهما) أنه جائز كالمريض يدخل على غرمائه وبه أقول (والثانى) أن اقراره لازم له في مال ان حدث له أو يفضل عن غرمائه وقد

(10/207)


تعرض للقولين في مسألة أخرى قبل هذه ومعلوم أن النص مغن عن التخريج (وقوله) الاقرار المرسل بالدين أي المطلق لا كالاقرار بالعين فانه يتعلق بمعين ولو حذف لفظ المرسل لم يضر * قال (والمال الذي يتجدد بعد الحجر هل يتعدي إليه الحجر فيه خلاف * ومن باع بعد الحجر منه شيئا ففى تعلقه بعين متاعه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يعلم إفلاسه أو يجهل * فان قلنا لا يتعلق به فيصير على وجه إلى أن يقضى ثمنه بعد فك الحجر فانه دين جديد فلا يقضى من المال
القديم كما يلزمه بضمان أو اقرار أو إتلاف * وعلى وجه يضارب به لان ثمن المبيع في مقابلة ملك جديد استفيد منه * وأجرة الكيال والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر يقدم على سائر الديون) * القيد الثاني كونه مصادفا للمال الموجود عند الحجر أما المتجدد بعد الحجر باصطياد أو اتهاب أو قبول وصية ففى تعدى الحجر إليه ومنعه من التصرف وجهان نقلهما القاضى ابن كج والامام (أحدهما) لا يتعدى لان الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرف فيما عنده فلا يتعدى إلى غيره كما حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها (وأصحهما) التعدي ومقصود الحجر أيصال حقوق المستحقين إليهم وهذا لا يختص بالموجود عند الحجر وإذا اشترى شيئا وفرعنا على الصحيح وهو صحة شرائه ففيه مثل هذا الخلاف وهل للبائع الخيار والتعلق بغير متاعه فيه ثلاثة أوجه (أحدها) نعم لتعذر الوصول إلى الثمن (والثانى) لا أما إذا كان عالما فكما لو اشترى سلعة وهو عالم بعيبها وأما إذا كان جاهلا فلتقصيره بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه فان الحاكم يشهر أمر المحجور عليه

(10/208)


(وأصحهما) أنه ان كان عالما فلا خيار له وان كان جاهلا فله الخيار والرجوع إلى عين ماله ويقرب من هذا ما إذا باع من عبد بغير اذن مولاه وفرعنا على صحة البيع من المفلس المحجور عليه هل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان فان الثمن يتعلق بذمته يباع به بعد العتق فان كان عالما ففى ثبوت الخيار وجهان وان كان جاهلا ثبت وإذا لم يثبت له الرجوع في البيع من المفلس المحجور عليه فهل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان (أصحهما) لا لانه حاث بعد الحجر برضا مستحقه والديون التى هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الاولين فعلى هذا يصبر ان فضل منهم شئ أخذه والافالي أن يجد (والثانى) نعم لانه وان كان دينا جديدا فهو في مقابلة ملك جديد فلما زاد المال جاز أن يزيد الدين بخلاف الصداق الذى لزمه بنكاح بعد الفلس ودين ضمنه فانه لا مقابل له * (فائدة) ذكر في النهاية والبسيط أن البائع يضارب الغرماء في المبيع المستفاد منه لا في جميع أموال المفلس لان دينه ثبت مع ثبوت الملك فيه فلا أقل من المشاركة في هذا القدر * ثم انه امتزج مقصود الفصل في نظم الكتاب بالكلام في الديون الحادثة وكيفية أدائها وهي ثلاثة أقسام (أحدها) ما يلزم باختيار مستحقه فان كان في مقابلته شئ كثمن المبيع فقد ذكرناه والا فلا خلاف في أن مستحقه لا يضارب الغرماء بل يصبر إلى انفكاك الحجر (والثانى)
ما لزم بغير اختيار المستحق كأرش الجناية وغرامة الاتلاف فوجهان (أحدهما) ويحكى عن القاضى الحسين أنه لا يضارب به لتعلق حقوق الآدميين الاولين باعيان أمواله فصار كما لو جني الراهن ولا مال له غير المرهون ولا يزاحم المجني عليه المرتهن (وأصحهما) ولم يورد العراقيون غيره أنه يضارب به لانه لم يوجد منه تقصير فيبعد تكليفه الانتظار (الثالث) ما يتجدد بسبب مؤنات المال كأجرة الكيال والوزان والحمال والمنادى والدلال وكرى البيت الذى يوضع فيه المتاع فهذه المؤنات مقدمة على ديون الغرماء لانها لمصلحة الحجر وايصال حقوق المستحقين إليهم

(10/209)


ولو لم نقدمها لما رغب أحد في تلك الاعمال وهذا إذا لم يوجد متبرع فان وجد أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها (وقوله) في الكتاب كما يلزم بضمان أو إقرار أو اتلاف هذا في الاقرار جواب علي عدم القبول في حق الغرماء وفى الاتلاف على الاول من الوجهين المذكورين في غرامات المتلفات وقد مر أن الاصح عند الاكثرين في المسألتين خلاف ما أجاب به فاعلمهما بالواو واعلم ما فيهما ثم في اضافة اللزوم إلى الاقرار نوع تساهل لان الاقرار اخبار ولا يلزم وانما يظهر * قال (ولو اشترى شيئا قبل الحجر فله رده بالعيب على وفق الغبطة * فان كانت الغبطة في ابقائه فلا كما في ولى الطفل * ولو حجر عليه في مدة الخيار فله التصرف بالفسخ والاجازة في العقد المتقدم من غير تقييد (و) بشرط الغبطة لان الامر فيه لم يستقر بعد فليس تصرفا مبتدأ) * القيد الثالث كون التصرف مبتدأ وفيه مسألتان (احداهما) لو اشترى قبل الحجر شيئا فوجده بعد الحجر معيبا فله رده إذا كانت الغبطة في الرد وليس ذلك كما لو باع وهو مغبوط لان الفسخ

(10/210)


ليس تصرفا مبتدأ وانما هو من أحكام البيع السابق ولو احقه والحجر لا ينعطف على ما مضى فان منع من الرد عيب حادث لزم الارش ولم يملك المفلس اسقاطه وان كانت الغبطة في ابقائه بان كان معيبا أكثر قيمة من الثمن لم يكن له الرد لما فيه من تفويت المال بغير عوض ولهذا نص الشافعي رضى الله عنه على أنه إذا اشترى في صحته شيئا ثم مرض ووجده معيبا فامسكه والغبطة في رده كان المقدار الذى ينقصه العيب معتبرا من الثلث وكذلك ولى الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيبا لا
يرده إذا كانت الغبطة في ابقائه ولا يثبت له الارش في هذه الصورة لان الرد غير ممتنع في نفسه وانما المصلحة تقتضي الامتناع منه (الثانية) قال الشافعي رضى الله عنه لو تبايعا بالخيار ثلاثا فافلسا أو أحدهما فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء أي دون رضاهم وللاصحاب ثلاثة طرق (أظهرها) الاخذ بظاهر النص وتجويز الفسخ والاجازة في الفسخ المتقدم سواء وقع على وفق الغبطة أو على خلافها لانه ليس بتصرف مستحدث وانما يمنع المفلس من التصرفات المنشأة (والثانى) أن تجويز

(10/211)


كل واحد منهما مقيد بشرط الغبطة كما في الرد بالعيب وذكر القاضى ابن كج والمسعودي أنه تخريج من نصه فيمن عقد بشرط الخيار ثم مرض مرضا مخوفا فاجاز أو فسخ على خلاف الغبطة يعتبر ذلك من الثلث وان في تلك الصورة تخريجا مما نحن فيه ايضا وتحكى هذه الطريقة عن أبى علي الطبري وابن القطان ومن نصر الاول فرق بين الرد بالعيب وبين الفسخ والاجازة بان العقد في زمن الخيار متزلزل لاثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال إذ يضعف تعلقه به بخلاف ما إذا خرج معيبا وإذا ضعف التعلق جاز أن لا يعتبر شرط الضبطة والفرق بينه وبين مسألة المريض أن حجر المريض أقوى ألا ترى أن امضاء الورثة تصرف المريض قبل الموت لا يفيد شيئا وامضاء الغرماء واذنهم فيما يفعله المفلس يفيده الصحة والاعتبار (والثالث) أن كل واحد منها ان وقع على وفق الغبطة فهو صحيح والا فالنظر إلى الخلاف في الملك في رمن الخيار والى أن الذى أفلس أيهما فان أفلس المشترى وقلنا الملك للبائع فللمشترى الاجازة والفسخ اما الاجازة فلانها جلب ملك (وأما) الفسخ فلا يمنع دخول شئ في ملكه الا انه يزيل (وان قلنا) الملك للمشترى فله الاجازة لانه يستديم

(10/212)


الشئ في ملكه وان فسخ لم يجز لما فيه من ازالة الملك فان أفلس البائع فان قلنا الملك له فله الفسخ لانه يستديم الملك وليس له الاجازة لانه يزيله وان قلنا الملك للمشترى فللبائع الفسخ والاجازة كما ذكرنا في طرف المشترى * واعلم أنه لو خرج مخرج من نصه في المسألة الثانية خلافا في المسألة الاولى وقال لا يتقيد الرد بالعيب بشرط الغبطة لانه ليس بعقد مستحدث لم يكن مبعدا *
قال (وإذا كان له دين وله شاهد واحد فيحلف * وكذا إذ ردت عليه اليمين * فان نكل فالنص أن الغريم لا يحلف والمفلس حي * فلو كان ميتا فقولان منصوصان * فمنهم من سوى ومهم؟ من فرق بان صاحب الحق قائم فنكوله يوهم أمرا) * من مات وعليه دين فادعى وارثه دينا له على رجل وأقام عليه شاهدا وحلف معه ثبت الحق وجعل في سائر تركاته وان لم يحلف معه أو لم يكن شاهد أو نكل المدعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمين المردودة فهل يحلف الغرماء فيه قولان (القديم) نعم لانه ذو حق في التركة فاشبه الوارث (والجديد) لا لان حقه فيما يثبت للميت أما أثباته للميت فليس إليه ولهذا لو أوصى لانسان بشئ فمات

(10/213)


قبل القبول أو لم يقبله وارثه لم يكن للغريم القبول ولو ادعى المفلس المحجور عليه دينا والتصوير كما ذكرنا ففى حلف الغرماء طريقان (أحدهما) طرد القولين (والثانى) القطع بالمنع والفرق من وجهين (أحدهما) أن الحق للمفلس فامتناعه عن اليمين يورث ريبة ظاهرة وفى الصورة الاولى لم يبق صاحب الحق وانما يحلف الوارث بناء على معرفته بشأن الموروث وقد يكون الغرماء أعرف به (والثانى) أن غرماء الميت أيسون عن حلفه فمكنوا من اليمين كيلا يضيع الحق وغرماء المفلس غير آيسين عن حلفه قال الامام والطريقة الثانية أصح وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى من الغرماء ونقل بعضهم مسألة عن الفقال وعن الاكثرين القطع بمنع الدعوى ابتداء وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث في الصورة الاولى والمفلس في الثانية ولا فرق بين أن يكون المدعى عينا أو دينا قاله

(10/214)


القاصي ابن كج وفرع على قولنا ان الغرماء يحلفون فرعين (أحدهما) أنه لو حلف بعضهم دون بعض استحق الحالفون بالقسط كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت (والثانى) لو حلفوا ثم أبرؤا عن ديونهم فالمحلوف عليه يكون لهم ويغلو الابراء ويكون للمفلس أو يبقى علي المدعى عليه ولا يستوفى أصلا فيه ثلاثة أوجه * قال (ولو أراد سفر فلمن له دين حال منعه * وليس لمن له دين مؤجل منعه * ولا طلب
الكفيل ولا طلب الاشهاد (و) * من عليه الدين إذا أراد أن يسافر نظر ان كان الدين حالا فلصاحبه منعه حتى يقضى حقه قال الائمة وليس هذا منعا من السفر كما يمنع السيد العبد والزوج الزوجة ولكن يشغله عن السفر برفعه إلى مجلس الحكم ومطالبته حتى يوفى الحق وان كان مؤجلا نظر ان لم يكن السفر مخوفا فلا منع إذ لا مطالبة وليس له طلب رهن ولا كفيل أيضا وهو المضيع لحق نفسه حيث رضى بالتأجيل من غير رهن ولا كفيل وليس له أن يكلفه الاشهاد أيضا ولا فرق بين أن يكون حلول الاجل قريبا أو بعيدا فان أراد أن يسافر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب وقال مالك إذا علم حلول الاجل قبل رجوعه فله أن يطالبه بكفيل وعن صاحب التقريب نقل وجه أن له طلب الاشهاد لان المستحق يتوثق به ولا ضرر فيه على المديون وان كان السفر مخوفا كالجهاد

(10/215)


وركوب البحر ففيه وجوه (أصحها) أنه لا مانع أيضا إذ لا مطالبة في الحال (والثانى) ويحكى عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يمنعه إلى أن يؤدى الحق أو يعطى كفيلا لانه في هذا السفر بعرض نفسه للهلاك فيضيع حقه (والثالث) ان لم يخلف وفاء ما عليه منعه وان خلفه فلا اعتماد اعلى حصول الحق منه وفى سفر الجهاد وجه آخر ان المديون ان كان من غير المرتزقة منع وان كان منهم لا يمنع لان وجوه معايشهم وأكسابهم منه * واعلم أن القاضى الرويانى اختار مذهب مالك فقال له المطالبة بالكفيل في السفر المخوف وفى السفر البعيد عند قرب الحلول في هذا الزما لفساد الطرق وانقطاع القوافل وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق بالكتب الحكمية وإن شئت فاعلم قوله ولا طلب الكفيل مع الميم بالواو * قال (الحكم الثاني في بيع ماله وقسمته وعل يالقاضى أن يبادر إليه كيلا تطول مدة الحجر * ويقسم على نسبة الديون * ويبيع بحضرة المفلس * ولا يسلم مبيعا قبل قبض الثمن * ولا يكلف الغرماء حجة على أن لا غريم له سواهم * ويعول على أنه لو كان لظهر مع استفاضة الحجر * فان ظهر بعد القسمة فلا تنقض القسمة بل يرجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب * ولو خرج المبيع
مستحقا فكذلك يرجع على كل واحد بجزء من الثمن * فان كان قد بيع في حالة الفلس فيرد تمام الثمن * أو يضارب فيه خلاف * ووجه الاكمال أنه من مصالح الحجر) * هذا الحكم الثاني وان كان ثابتا في حق المفلس المحجور علهى ولكن لا اختصاص له بالمحجور بل كما يبيع الحاكم مال المفلس المحجور ويقسمه بين الغرماء فكذلك غيره من المديونين إذا امتنع من قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء وعند أبى حنيفة لا يبيع الحاكم ماله بل يحبسه حتى يبيع وسلم أن يصرف أحد النقدين في الآخر * لنا القياس على ما سلمه وأيضا حديث معاذ

(10/216)


رضى الله عنه الذى قدمناه وروى أن عمر رضى الله عنه خطب الناس وقال (ألا أن ألا سيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فادان معترضا فأصبح وقد رين به فمن كان له عليه دين فليحضر فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه هذا رجل من جهينة ذكر أنه كان يشترى الرواحل ويسرع السير فيسبق الحاج فأفلس) وقوله) أدان أي استقرض (وقوله) معترضا أي اعترض الناس فاستدان ممن أمكنه (وقوله) رين أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه قال أبو عبيد كلما غلبك فقد ران بك ورانك * إذا تقرر ذلك فإذا حجر الحاكم على المفلس فالمستحب أن يبادر إلى بيع ماله وقسمته حتى لا تطول مدة الحجر ولا يفرط في الاستعجال كيلا يطمع فيه بثمن بخس ويستحب أن يبيع بحضرة المفلس أو وكيله لانه أنفى للتهمة وأطيب لقلب المفلس والمشترين وليخبر بصفات المتاع وانه بكم اشتراه فتكون الرغبة فيه أكثر وليطلع علي عيب ان كان به ليباع على وجه لا يرد
__________
(حديث) عمر في اسيفع جهينة ياتي قريبا *

(10/217)


وكذلك يفعل إذا باع المرهون ويستحب أيضا إحضار مستحقي الدين ويقدم بيع المرهون في حق المرتهن ان كان في ماله مرهون ويبيع العبد الجاني في حق المجني عليه ليعجل حقهما فان فضل شئ كان مع سائر أمواله للغرماء وان بقي من دين المرتهن شئ ضرب به سائر الغرماء ويبيع من ماله أو لا ما يخاف عليه الفساد كيلا يضيع ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك ثم سائر المنقولات ثم
العقارات وانما يؤخرها لانه لا يخشي عليها الهلاك والسرقة ويشهر بيعها فيظهر الراغبون ويبيع كل شئ في سوقه فان طالبيه في سوقه أكثر ويجب أن يبيع ثمن المثل من نقد البلد حالا ثم ان كانت الديون من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم صرفه إلى جنس حقهم والا جز صرفه إليهم إلا أن يكون سلما ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقد ذكرنا فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم أقوالا فعن ابن سريج أن ما ذكره ههنا جواب على قولنا أن البداءة للمشتري ويجئ عند التنازع قول آخر وهما أنهما يخيران معا ولا يجئ قولنا لا يخير واحد منهما حتى يبدأ أحدهما فان الحال لا يحتمل التأخير ولا قولنا إن البداءة بالبائع فان من يتصرف للغير فلا بد وان يحتاط وعن أبى الحسين أنه تجب البداءة ههنا بتسليم الثمن بلا خلاف ثم لو خالف الواجب وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن وكيف يضمن سنذكره ان شاء الله تعالى وما يقبض الحاكم من أثمان أمواله على التدريج ان كان يسهل قسمته عليهم فالاولى أن لا يؤخره وان كان يعسر لقلته وكثرة الديون فله أن يؤخر ليجمع فان أبو التأخير ففى النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم والظاهر خلافه فإذا تأخرت القسمة فان وجد من يقترض منه فعل ويشترط فيه الامانة واليسار وان لم يجد أودعه عند أمين ولا يشترط فيه اليسار والتورع ممن يرضاه الغرماء فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل فالرأى للحاكم ولا يقنع بمن ليس بعد ولو تلف شئ من الثمن في يد العدل فهو من ضمان المفلس سواء كان في حياة

(10/218)


المفلس أو عند موته وعند أبي حنيفة ما تلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء والله أعلم * بقى في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يكلف عند القسمة الغرماء إقامة البينة على أنه لا غريم سواهم ويكتفى بأن الحجر قد استفاض واشتهر فلو كان ثم غيرهم لظهر وطلب حقه ويؤيده أن عمر رضى الله عنه اكتفى باشتهار أمر الجهني في خطبته ولم يكلف الغرماء الببنة هذا ما نقله الامام عن صاحب التقريب ثم قال لا فرق عندنا بين القسمة على الغرماء والقسمة على الورثة (فإذا قلنا) في القسمة على الورثة لا بد من إقامة الشهادة على أن لا وارث غيرهم كذلك في القسمة على الغرماء وللفارق أن يفرق بين البائعين بان الورثة على كل حال أضبط من الغرماء وهذه شهادة علي النفى يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل
اعتبارها حيث كان الضبط أعسر * واذ اجرت القسمة ثم ظهر غريم آخر فالظاهر أن القسمة لا تنقض ولكن يشاركهم من ظهر بالحصة لان المقصود يحصل به وفيه وجه أنها تنقض فيسترد المال ممن أخذ ويستأنف القسمة وهذا كما لو اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين ففى نقض القسمة اختلاف (فان قلنا) بعدم النقض فلو قسم ماله على غريمين لاحدهما عشرون وللآخر عشرة فاخذ الاول عشرة والثانى خمسة ثم ظهر غريم ثالث بثلاثين استرد من كل واحد منهما نصف ما أخذ ولو كان دين كل واحد منهما عشرة وقسم المال بينهما نصفين ثم ظهر غريم ثالث بعشرة رجع على كل واحد منهما

(10/219)


بثلت ما أخذ فان أتلف أحدهما ما أخذ وكان معسرا لا يحصل منه شئ فوجهان (أظهرهما) أن الغريم الذى ظهر لا يأخذ من الآخر شطر ما أخذ وكانه كل المال ثم لو أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه وقسماء بينهما (والثانى) أنه لا يأخذ منه الا ثلث ما أخذه وثلث ما أخذه المتلف دين له عليه ولو أن الغريم الثالث ظهر وقد ظهر للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر صرف منه إلى من ظهر بقسط ما أخذه الاولان فان فضل شئ فهو مقسوم على الثلاثة بقسطه هذا كله إذا كان الغريم الذى ظهر قديما فان كان حادثا بعد الحجر فلا يشارك الاولين في المال القديم وإن ظهر مال قديم وحدث مال باحتطاب وغيره فالقديم للقدماء خاصة والحادث للكل (المسألة الثانية) لو خرج شئ مما باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن غير باق فهو كدين ظهر والحكم ما مضى وإن باع الحاكم ماله وظهر الاستحقاق بعد قبض الثمن وتلفه فرجوع المشترى في مال المفلس ولا يطالب الحاكم به ولو نصب الحاكم أمينا حتى باعه ففى كونه طريقا وجهان كما ذكرنا في العدل الذى نصبه القاضى لبيع الرهن ثم رجوع المشترى في طريق المفلس ورجوع الامين (إن قلنا) إنه طريق للضمان وغرم كيف يكون

(10/220)


فيه قولان (عن) رواية الربيع وحرمله انه يضارب مع الغرماء لانه دين في ذمة المفلس كسائر الديون (والثاني) أنه يتقدم على سائر الغرماء لانا لو قلنا بالمضاربة لرغب الناس عن شراء مال المفلس فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن ونسب الا كثرون هذا القول
إلى رواية المزني لكن منقولة في المختصر يشعر بالقولين جميعا وذكر المسعودي أن القولين مأخوذان منه والثاني أرجح عند عامة الاصحاب ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فيه خلاف بالواو لان الامام حكى طريقة أخرى قاطعة بالتقديم وأيضا فان العراقيين حكوا طريقة أخرى وهى تنزيل الروايتين على حالين ان كان الرجوع قبل قسمة المال بين الغرماء يقدم وان كان بعد القسمة واستئناف الحجر بسبب مال تجدد فهو أسوة الغرماء * قال (ثم يترك عليه دست ثوب يليق بحاله حتى خفه وطيلسانه إن كان حطهما عنه يزرى بمنصبه * ولا يترك مسكنه وخادمه * بل يبقي له سكني يوم واحد ونفقته ونفقة زوجته وأولاده * وكذا ينفق عليهم مدة الحجر * ونص في الكفارة أنه يعدل إلى الصيام * وان كان له مسكن وخادم فقيل بمثله في الديون * والفرق أن الكفارة لها بدل وحقوق الله على المساهلة) * مقصود الفصل الكلام فيما يباع علي المفلس من أمواله وما يترك له وفيه مسائل (إحداها) ينفق الحاكم على المفلس إلى الفراغ من بيع ماله وقسمته وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والاقارب لانه موسر ما لم يزل ملكه وكذا كسوتهم بالمعروف هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات وكيف ينفق علي زوجته قال الامام لا شك ان نفقته نفقة المعسرين وفى البحر للقاضى الرويانى أنه ينفق عليهن نفقة الموسرين وهذا قيلس الباب ولو كان ينفق نفقة المعسرين لما أنفق على الاقارب (الثانية) بيع مسكنه وخادمه وان كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانته أو كان منصبه يقتضى

(10/221)


خادما ونص في الكفارات المرتبة أنه يعدل إلى الصيام وان كان له مسكن وخادم ولا يلزمه صرفهما إلى الاعتاق فمنهم من خرج منه قولا في الديون والمذهب تقرير النصين والفرق من وجهين (أحدهما) أن الكفارة لها بدل ينتقل إليه والدين بخلافه (وثانيهما) أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق الآدميين على الشح والمضايقة قال الامام والمسكن أولى بالابقاء من الخادم فينتظم أن يرتب الخلاف ويقال فيهما ثلاثة أوجه في الثالث يبقى المسكن دون الخادم (فان قلنا) بالابقاء فذلك إذا كان لائقا بالحال دون النفيس الذي لا يليق به ويشبه أن يكون هذا هو المراد مما نقل عن الاصطخري
أنه إن كان ثمينا بيع والا فلا (الثالثة) يترك له دست ثوب يليق بحاله من قميص وسراويل ومنديل ومكعب وان كان في الشتاء زاد جبة وتترك له العمامة والطيلسان والخف ودراعة يلبسها فوق القميص إن كان اللائق بحاله لبسها لان حطها عنه يزرى بمنصبه وتوقف الامام في الخف والطيلسان وقال ان تركهما لا يخرم المروءة وذكر أن الاعتبار بما يليق بحاله في افلاسه لا في بسطته وثروته لكن المفهوم من كلام الاصحاب أنهم لا يساعدونه عليه ويمنعون قوله إن تركهما لا يخرم المروءة ولو كان يلبس قبل الافلاس فوق ما يليق بمثله رددناه إلى للائق بحاله ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه في الافلاس ويترك لعياله من الثوب كما يترك له ولا يترك الفرش والبسط نعم يسامح باللبد والحصير القليل القيمة قال الائمة والفرق بين الثياب وبين الخادم والمسكن حيث لم يتركا عليه في ظاهر المذهب أن الخادم عنه غنيمة (وأما) المسكن فانه يسهل استئجاره وان تعذر سكن الرباط والمسجد والثياب قلما تستأجر (الرابعة) يترك له قوت يوم القسمة وكذلك لمن عليه نفقته لانه موسر في أوله ولا يزيد على نفقة ذلك اليوم فانه لاضبط بعده وذكر في الكتاب أنه يبقى له سكني ذلك اليوم

(10/222)


أيضا وهذا مستمر على قياس النفقة وان لم يتعرض له غيره وكل ما يترك إذا وجد في ماله يشترى إذا لم يوجد * قال (ثم ان بقي شئ من الدين فلا يستكسب (م) * وفي إجارة مستولدته والضيعة الموقوفة عليه خلاف مأخذه أن المنفعة ليست مالا عتيدا وانما هو اكتساب) * من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل وان لم يمكن من تفويت ما هو حاصل حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جان فله القصاص ولا يلزم العفو على المال قال وان كانت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه أن يقبل العفو دون إذن الغرماء ولو كان قد أسلم في شئ فليس له أن يقبض مسامحا ببعض الصفات المقصودة المشروطة الا باذنهم ولو كان قد وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا انها تقدر بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء وتكليفه طلب الزيادة تكليف بتحصيل ما ليس بحاصل (وان قلنا) إنه يتقدر بالمثل لم يجز الرضا بما دونه ولو زاد على المثل
لم يجب القبول * إذا تقرر ذلك فليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الاجرة والكسب إلى بقية الديون * وقال أحمد رضى الله عنه يلزمه ذلك ولو امتنع اجره القاضى * وعن مالك أنه ان كان ممن يعتاد اجارة نفسه لزمه * لنا قوله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) حكم

(10/223)


بالانظار ولم يأمره بالاكتساب وأيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم (لما حجر على معاذ رضي الله عنه لم يزد على بيع ماله) ولو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه فوجهان (أحدهما) أنهما يؤجران لان المنافع اموال كالاعيان فيحصل بدلها للدين (والثانى) لا لان المنافع لا تعد أموالا حاضرة ولو كان كذلك لوجب اجارة المفلس نفسه ولوجب بها الحج والزكاة فعلى الاول يؤاجر مرة بعد أخرى إلى أن ينقضى الدين لان المنافع لا نهاية لها وقضية ادامة الحجر إلى فناء الدين ولان هذا كالمستعير ومال الامام إلى ترجيح الوجه الثاني لكن في تعاليق العراقيين ما يدل على أن الاول أظهر * قال (ثم إذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فيفك الحجر * أم يحتاج إلى فك القاضى فيه خلاف * وكذا لو تطابقوا علي رفع الحجر لان الظاهر أن الحق لا يعدوهم ولكن يحتمل أن يكون وراءهم غريم * والاظهر أن بيعه ماله من غير الغرماء لا يصح وان كان بادبهم * ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه ففيه خلاف لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى) * إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فينفك الحجر أم يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم انما حجر على معاذ بالتماس منه دون طلب الغرماء (قلت) هذا شئ ادعاه امام الحرمين فقال في النهاية قال العلماء ما كان حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ من جهة استدعاء غرمائه والا شبه أن ذلك جرى باستدعائه وتبعه الغزالي وهو خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففى المراسيل لابي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك امامان واه الدارقطني أن معاذ اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيها أن ذلك الالتماس الحجر وانما فيها طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجمع الروايات

(10/224)


(أحدهما) أنه ينفك لان الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل هذا الغرض فيزول الحجر (وأظهرهما)
أنه لابد من فك القاضى لانه حجر لا يثبت الا باثبات القاضى ولا يرتفع الا برفعه كالحجر على السفيه والمعنى فيه أنه يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه هذا إذا اعترف الغرماء بان لا مال سواه أما إذا ادعوا مالا آخر فالجواب ما سيأتي ان شاء الله تعالى في الحكم الثالث * ولو اتفق الغرماء علي رفع الحجر عنه فقد حكى الامام في ارتفاعه مثل هذا الخلاف عن الاصحاب (وجه) الارتفاع أن الحجر لهم فهم في امواله كالمرتهن في حق المرهون (ووجه) عدم الارتفاع أنه يحتمل أن يكون وراءهم غريم غائب فلابد فيه من نظر الحاكم واجتهاده * ولو باع المفلس ماله من غريمه يدينه ولا يعرف له غريما سواه فوجهان (قال) صاحب التلخيص يصح بيعه لان الحجر عليه لدين ذلك الغريم فإذا رضى وبرئت ذمته من الدين وجب أن يصح (والاظهر) وبه قال أبو زيد أنه لا يصح من غير مراجعة القاضى لان الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملفس؟ بل يثبت على العموم ومن

(10/225)


الجائز أن يكون له غريم آخر والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصح فان صح فهذا أولى ولو حجر عليه بديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم فعلى هذا الخلاف ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باع من الأجنبي لان ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر بخلاف ما إذا باع بكل الدين فانه يسقط الدين فإذا سقط الدين ارتفع الحجر * ولو باع من أجنبي باذن الغرماء لم يصح أيضا وقال الامام يحتمل أن يصح كما يصح بيع المرهون بأذن المرتهن وأقام صاحب الكتاب ما ذكره وجها فقال والاظهر أن بيع ماله من غير الغرماء أي من الوجهين (وقوله) لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى هو الرأى الذاهب إلى أنه إذا فرقت أمواله وقبضت الديون ارتفع الحجر عنه فإذا قلنا بذلك
__________
* (حديث) * ايما رجل باع متاعا فافلس الذى باغه ولم بقض؟ البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو احق به وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسون؟ الغرماء ذكر الرافعى بعد انه حديث مرسل وهو كما قال فقد اخرجه مالك وأبو داود من حديث أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام مرسلا ووصله أبو داود من طريق أخرى وفيها اسماعيل بن عياش إلا أنه رواه عن الزبيدى وهو شامى قال أبو داود المرسل أصح (قلت) واختلف على اسماعيل فاخرجه ابن الجارود من وجه آخر عنه عن موسى ابن عقبة
عن الزهري موصولا وقال الشافعي حديث أبى المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع وقال البيهقى لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن مالك وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبى هريرة وفي غرائب مالك وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله عنه

(10/226)


صححنا البيع من الغريم بالدين لتضمنه البراءة من الدين ولك أن تقول وجب أن لا تجزم بصحة البيع وان قلنا بان سقوط الدين يسقط الحجر لان صحة البيع اما أن تفتقر إلى تقدم ارتفاع الحجر أم لا تفتقر فان افتقرت وجب أن نجزم بعدم الصحة للدور فانه لا يصح البيع ما لم يرتفع الحجر ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدين ولا يسقط الدين ما لم يصح البيع وان لم تفتقر فغاية الممكن اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر فلتخرج الصحة على الخلاف فيما إذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا بعد ولد هل تطلق بالثاني وفيما إذا قال العبد لزوجته ان مات سيدى فانت طالق طلقتين وقال السيد لعبده إذا مت فانت حر ثم مات السيد فهل له نكاحها قبل الزوج واصابة ولهما نظائر * قال (الحاكم الثالث) حبسه إلى ثبوت إعساره * وللقاضي ضربه ان ظهر عناده باخفاء المال * فان أقام بينة على أعساره سمع في الحال (ح م) * وأنظر الي ميسرة * وليشهد من يخبر باطن حاله فانه شهادة على النفى قبلت للحاجة * ثم للخصم أن يحلفه مع الشهادة * فان لم يطلب فهل يجب على القاضى أدبا في قضائه في خلاف * وان لم يجد بينة وقد عهد له مال فلا يقبل قوله * وان لم يعهد فقيل ان القول قوله لان الاصل عدم اليسار * وقيل لابل الاصل في الحر الاقتدار * وقيل ينظر ان لزمه الدين باختياره فالظاهر ان لا يلتزم الا عن قدرة * فان لم يقبل يمينه فان كان غريبا فليوكل القاضى به من يسأل عن منشئه

(10/227)


ومنقلبه حتى يغلب على ظنه افلاسه فليشهد كيلا يتخلد الحبس عليه) * هذا الحكم أيضا ليس من آثار الحجر وخواصه بل هو في حق غير المحجور أظهر على ما سنبينه ان شاء الله تعالى * واعلم أن المديون إذا ثبت اعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل إلى أن يوسر على ما قال الله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) وقال أبو حنيفة للغريم ملازمته ولكن لا يمنعه من التكسب * وان كان له مال فقد ذكرنا
أنه يؤمر ببيع ماله وان امتنع باعه الحاكم عليه وهل يحجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يحجر إذا التمسه الغرماء كيلا يتلف ماله (والثانى) لا لان عمر رضى الله عنه لم يحجر علي الجهيني * فان أخفى ماله حبسه القاضى حتى يظهره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لى الواجد يحل عرضه وعقوبته) قال المفسرون أراد بالعقوبة الحبس والملازمة فان لم ينزجر بالحبس زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره وان كان ماله ظاهرا فهل يحبسه بامتناعه قال في التتمة فيه وجهان الذى عليه عمل القضاة الحبس ويدل عليه ماروى أنه صلى الله عليه وسلم (حبس رجلا أعتق شقصا له من عبد في قيمة الباقي) وان ادعى أنه قد تلف ماله وصار معسرا
__________
(حديث) لى الواجد ظلم وعقوبته حبسه * أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن الشر يد عن أبيه وعلقه البخاري ولكن لفظه عند الطبراني في الاوسط لى الواجد يحل عرضه وعقوبته وقال لا يروى عن الشريد إلا بهذا الاسناد تفرد به ابن أبى دليلة * (حديث) أنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا أعتق شقصا له في عبد في قيمة الباقي * البيهقى من طريق أبى مجلزان عبدا كان بين رجلين فاعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم حتى باع فيه غنيمة له قال وهذا منقطع قال وروى من وجه آخر عن القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله ابن مسعود وهو ضعيف لانه من طريق الحسن بن عمارة قال ورواه الثوري عن ابن أبى لبلى؟ عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابى مجلز (فائدة) في مشروعية الحبس حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق بهز بن حكيم عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلا سبيله

(10/228)


فعليه البينة ثم ان شهد الشهود على التلف قبلت شهادتهم ولم يعتبر فيهم الخبرة الباطنة وان شهدوا على اعساره قبلت بشرط خيرتهم الباطنة قال الصيدلاني ويحمل قولهم انه معسر على أنهم وقفوا على تلف المال * وان ادعى المديون أنه معسر لا شئ له أو قسم مال المحجوز على الغرماء وبقى بعض الديون وزعم أنه لا يملك شيئا آخر وأنكر الغرماء نظر ان لزمه الدين في مقابلة مال كما إذا ابتاع أو استقرض أو باع سلما فهو كما لو ادعى
هلاك المال فعليه البينة وان لزم لا في مقابلة مال فثلاثة أوجه (أصحها) أنه يقبل قوله مع اليمين لان الاصل العدم (والثانى) أنه لا يقبل ويحتاج إلى البينة لان الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا قل أم كثر (والثالث) أنه ان لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل قوله وعليه البينة وان لزمه لا باختياره كارش الجنايات وغرامة المتلفات قبل قوله مع اليمين والفرق ان الظاهر أنه لا يشغل ذمته ولا يلتزم مالا يقدر عليه ثم الكلام في فصلين (أحدهما) في البينة القائمة على الاعسار وهى مسموعة وان تعلقت بالنفى لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء وعن مالك أنها لا تسمع والنظر في أنها متى تسمع وما صفة

(10/229)


الشهود وعددهم وصيغة شهاداتهم أمامتى تسمع فهى مسموعة وان قامت في الحال خلافا فالابي حنيفة حيث قال لا تسمع الابعد مدة ثم هي مقدرة في رواية بشهر وفى أخرى بشهرين وربما ضبطوا بما يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له مال لاظهره ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وطباعهم (وأما) الصفة فما يعتبر في الشهود مطلقا يذكر في الشهادات ويعتبر مع ذلك كون الشهود من أهل الخبرة الباطنة بطول الجوار وكثرة المجالسة والمخالطة فان الاموال تخفى ولا يعرف تفصيلها الا بامثال ذلك ثم إن عرف القاضى أنهم من أهل الخبرة الباطنة فذاك والاجاز له أن يعتمد على قولهم أنا بهذه الصفة ذكره في النهاية وأما العدد فشاهدان كما في سائر الامور وفى كتاب الفورانى والمتولي أنه لاتقبل هذه الشهادة الا من ثلاثة لما روى (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه) والمذهب الاول والحديث محمول على الاستظهار والاحتياط (وأما) الصيغة فهى أن يقولوا هو معسر لا يملك الا قوت يومه وثياب بدنه ولو أضافوا إليه وهو ممن تحل له الصدقة جاز ولا يشترط قال في التتمة ولا يقتصرون على أنه لاملك له حتى لاتتمحض شهادتهم نفيا لفظا ومعني ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن له مالا في الباطن والشهود
__________
(حديث) أن رجلا ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته فسأله أن يعطيه من الصدقة فقال حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه * الحديث مسلم من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت حمالة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال يا قبيصة أن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة فذكر كرمطولا وفيه رجل
أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة *

(10/230)


اعتمدوا الظاهر وغالب الظن وعن أبى حنيفة أنه لا يحلف وبه قال أحمد وهذا التحليف مستحق أو مستحب فيه قولان ويقال وجهان (الاصح) الاستحقاق وهو ظاهر نصه في المختصر (وقال) الشيخ أبو حامد الاصح الاستحباب وهو ظاهر نصه في حرمله والاملاء وعلى التقديرين فهل يتوقف على استدعاء الخصم فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت الدعوى على ميت أو غائب وعلى هذا فهو من أداب القضاة (وأظهرهما) نعم كيمين المدعى عليه (الفصل الثاني) انا حيث قلنا يقبل قوله مع يمينه فيقبل في لحال كما لو أقام البينة فتسمع في الحال قال الامام ويحتمل ان يقال يتأنى القاضى ويبحث عن باطن حاله ولا يقنع بقوله بخلاف ما إذا أقام البينة وحيث قلنا لا يقبل قوله الا بالبينة فادعى ان الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نفى المعرفة فان نكلوا حلف وثبت اعساره وان حلفوا حبس ومهما ادعى ثانيا وثالثا انه بان لهم اعساره فله تحليفهم قال في التتمة الا أن يظهر للقاضى انه يقصد الايذاء أو اللجاج وإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة فينبغي أن يوكل به القاضى من يبحث عن منشئه ومتقلبه

(10/231)


ويفحص عن أحواله بحسب الطاقة وإذا غلب على ظنه افلاسه شهد به عند القاضى كيلا تتخلد عليه عقوبة الحبس ومتى ثبت الاعسار وخلاه الحاكم فعاد الغرماء بعد ايام وادعوا أنه استفاد مالا وأنكر فالقول قوله وعليهم البينة فان أتوا بشاهدين قالا رأينا في يده مالا يتصرف فيه أخذه الغرماء فان قال أخذته من فلان وديعة أو مضاربة وصدقه المقر ولا حق للغرماء فيه وهل لهم تحليفه على أنه لم يواطئ المقر وأنه أقر عن تحقيق فيه وجهان (أصحهما) المنع لانه لو رجع عن اقراره لم يقبل فلا معني لتحليفه وان كذبه المقر له صرف إليهم ولا يلتفت إلى اقراره لانسان آخر وان كان المقر له غائبا وقف حتى يحضر الغائب فان صدقة أخذه والا أخذه الغرماء (وأما) لفظ الكتاب فقوله وان أقام بينة على اعساره سمعت معلم - بالواو - وقوله في الحال - بالحاء - لما مر وقوله للخصم أن يحلفه مع الشهادة - بالحاء - والالف - ثم هو جواب على ان اليمين مستحقه فيصح إعلامه - بالواو - أيضا ويوضحه قوله فهل يجب على القاضى أذنا في
قضائه فانه جعل الوجوب معروفا عنه ونتكلم في أنه هل يشترط له طلب الخصم قال الامام والخلاف فيما إذا سكت فاما إذا قال لست أطلب يمينه ورضيت باطلاقه فلا خلاف في أنه لا يحلف * قال (والصحيح أنه يحبس في دين ولده لانه لو لم يحبس فيؤدى إلى أن يفر ويمتنع عن الاداء ويعجز عن الاستيفاء) * في حبس الوالدين بدين الولد وجهان (اصحهما) عند صاحب الكتاب أنه يحبس والا لاقر وامتنع عن الاداء وحينئذ يعجز الابن عن استيفاء الدين ويضيع حقه (الثاني) لا يحبس لان الحبس نوع عقوبة

(10/232)


ولا يعاقب الوالد بالولد قال في التهذيب وهذا أصح ولمن قال به أن يمنع عجز الابن عن الاستيفاء بل إذا ثبت له مال عند القاضى أخذه قهرا وصرفه إلى دينه وعلى الوجهين لا فرق بين دين النفقة وغيرها ولابين أن يكون الولد صغيرا أو غيره وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يحبس الا في نفقة الولد إذا كان صغيرا أو زمنا فيمكن اعلام قوله يحبس بالحاء لذلك * قال (الحكم الرابع الرجوع (ح) إلي عين المبيع لقوله عليه السلام (أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) * ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان (العوض) (والمعوض) (والمعاوضة) (أما العوض) وهو الثمن فله شرطان (الاول) أن يتعذر استيفاؤه بالافلاس فلو وفى المال به فلا رجوع * وإن قدمه الغرماء فله الرجوع لان فيه منة وغرر ظهور غريم آخر * ولا رجوع (و) إذا تعذر بامتناعه بل يستوفيه القاضى * ولو انقطع جنسه ومنعنا الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه (الثاني) الحلول ولا رجوع الا إذا كان الثمن حالا ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح) *

(10/233)


من حجر عليه بالافلاس ووجد من باع منه ولم يقبض الثمن وعين متاعه عنده فقد ذكرنا أن له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وهل يكون هذا الخيار على الفور فيه وجهان (أحدهما) لا كخيار الرجوع في الهبة من الولد (وأصحهما) نعم لانه خيار فسخ ثبت لدفع الضرر فليكن على الفور كخيار العيب وخيار الحلف فعلى هذا إذا علم الحجر ولم يفسخ بطل حقه من الرجوع وعن القاضى الحسين أنه لا يمنع تأقيته
بثلاثة أيام كما هو أحد الاقوال في خيار المعتقة تحت رقيق وفى الشفعة وهل يفتقر هذا الخيار إلى إذن لحاكم أم يستبد به الفاسخ فيه وجهان (أحدهما) انه يفتقر إلى إذنه لانه فسخ مختلف فيه كالفسخ بالاعسار (وأشبههما) أنه لا حاجة إليه لانه ثابت بالسنة الصحيحة فصار كخيار العنق ولوضوح الحديث ذهب الاصطخرى إلى أنه لو حكم حاكم بالمنع من الفسخ نقض حكمه ولا يحصل الفسخ ببيع البائع واعتاقه ووطئه الجارية المبيعة علي أصح الوجهين وتلغو هذه التصرفات وصيغة هذه التصرفات * وصيغة الفسخ كقوله فسخت البيع

(10/234)


ونقضته ورفعته لا يخفى * ولو اقتصر على قوله رددت الثمن أو فسخت البيع فقد حكي الامام فيه اختلافا للاصحاب ووجه المنع بان حق الفسخ فيه أن يضاف إلى المرسل ثم إذا انفسخ العقد ثبت مقتضاه والاصح الاكتفاء به ثم حق الرجوع للبائع لا يثبت علي الاطلاق بل هو مشروط بشروط يجب معرفتها ولا يختص الرجوع بالبيع بل يجرى في غيره من المعاوضات ويتبين الغرض بالنظر في العوض المتعذر تحصيله والمعوض المسترجع والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس فلذلك قال ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان والعوض والمعوض والمعاوضة (وقوله) أما العوض فهو الثمن يعني في البيع ويقاس عليه العوض في سائر المعاوضات ويعتبر فيه شيئان (احدهما) أن يتعذر استيفاؤه بسبب الافلاس وفيه صور (أحدهما) إذا كان ماله وافيا بالديون وحجر القاضي عليه تفريعا على جواز ذلك ففى ثبوت الرجوع وجهان (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يرجع لانه يصل إلى الثمن (والثانى) يرجع لانه لو رجع لما أمن أن يظهر غريم آخر يزاحمه فيما اخذ (الثانية) لو قال الغرماء نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه الاجابة خلافا لمالك لان فيه تحمل منه وأيضا فربما يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما أخذ وفيه وجه أنه لا يبقى له الرجوع تخريجا مما إذا حجر عليه الحاكم وفى ماله وفاء ولو قالوا نؤدى الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه الاجابة أيضا ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه في المأخوذ * ولو مات المشترى فقال الوارث لا ترجع حتى أقدمك على الغرماء يلزمه القبول أيضا ولو قال أؤدى الثمن من مالى فوجهان (أحدهما) وبه أجاب في التتمة أن عليه القبول وترك الفسخ لان الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع (الثلالثة) لو امتنع المشترى من تسليم الثمن مع اليسار أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم فاصح الوجهين أنه لا فسخ لانه لم يوجد عيب الافلاس

(10/235)


والتوصل إلى الاستيفاء بالسلطان ممكن فان فرض عجز عن النذور فذلك مما لا عبرة به (والثانى) له الفسخ لتعذر الوصول إلى الثمن ولو كان قد ضمن الثمن ضامن فأن ضمن بأذن المشترى فليس له الرجوع على المشترى لانه ليس بمتبرع على المشترى والوصول من يده كالوصول من يد المشترى وان ضمن بغير إذنه فوجهان (في أحدهما) يرجع كما لو تبرع متبرع بالمثن (وفى الثاني) لا لان الحق قد تقرر في ذمته وتوجهت المطالبة عليه بخلاف المتبرع * ولو أعير من المشترى ما يرهنه بالثمن فرهنه فعلى الخلاف (وأما) قوله فلو انقطع جنسه ومنعناه الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه فاعلم أن هذه المسألة هي كالغريبة في الباب وأذكر سبب ايرادها فيه بعد بيان فقهها أنا ذكرنا قولين في جواز الاستبدال عن الثمن في الذمة فان منعنا الاستبدال عنه وانقطع جنسه كان كانقطاع المسلم فيه وانقطاع المسلم فيه أثره ثبوت حق الفسخ في أصح القولين والانفساخ في الثاني فكذلك ههنا وان جوزنا الاعتياض والاستبدال فلا تعذر في استيفاء عوض عنه (وقوله) فله الفسخ اقتصار منه على ذكر أصح القولين (وأما) سبب الايراد في هذا الموضع فامران (أحدهما) أنه لما جعل الشرط التعذر بسبب الافلاس تكلم في التعذر بغير هذا السبب كامتناع المشترى وانقطاع جنس الثمن وبين حكم كل قسم منها (والثانى) أن الاصحاب احتجوا على ثبوت حق الفسخ بالافلاس القياس على تعذر تحصيل المسلم فيه بالانقطاع والجامع أنه أحد عوضي العقد فقيل لهم لو كان الثمن كالمسلم فيه لا قتضى انقطاعه ما يقتضى المسلم فيه فأجابوا بما حكيناه أنه ان جاز الاستبدال فلا تعذر والا فلا فرق (الثاني) كون الثمن حالا فلا رجوع إذا كان الثمن مؤجلا لانه لا مطالبة في الحال (وقوله) ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح مكرر قد ذكره مرة في أول الباب (وقوله) ولو حل أجله قبل انفكاك الحجر فقد ذكرناه ثم وبينا أن من الاصحاب من

(10/236)


قال لو حل الاجل وهو محجور عليه لم يكن للبائع الفسخ والرجوع أيضا ويجوز أن يعلم قوله فلا رجوع الا إذا ان الثمن حالا بالواو لوجه أثبتناه هناك تفريعا على أن الديون المؤجلة تحل بالفلس وأعلم قوله في أول الفصل الرجوع إلى عين المبيع بالحاء لما مر من مذهب أبى حنيفة *
قال (وأما المعاوضة فلها شرطان (الاول) أن تكون معاوضة محضة فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذر استيفاء العوض * ويثبت في الاجارة والسلم فيثبت الرجوع إلى رأس المال عند الافلاس ان كان باقيا * والمضاربة بقيمة المسلم فيه ان كان تالفا * ثم يشترى بقيمته جنس حقه * ولا يجوز الاعتياض عن المسلم فيه * وإذا أفلس المستأجر بالاجرة رجع المكرى إلى عين الدابة أو الدار المكراة * فان كان في بادية نقله إلى مأمن بأجرة مثله يقدم بها على الغرماء * وان كان قد زرع الارض ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة يقدم بها على الغرماء إذ فيه مصلحة الزرع الذي هو حق الغرماء وان أفلس المكرى بعد تعين ما أكراه فلا فسخ بل يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين الدابة كما يقدم المرتهن * وان كانت الاجارة واردة على الذمة فله الرجوع إلى الاجرة إذا بقيت بعينها أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة) * يعتبر في المعاوضة التى يملك بها المفلس شيئان (أحدهما) أن تتمحض معاوضة وقصد صاحب الكتاب بهذا القيد اخراج بعض التصرفات وادخال بعضها أما المخرج فقد قال فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء العوض وهذا قد يتجاوز عنه لاعتقاد أنه في غاية الوضوح لكن فيه وقفة منكرة لانه ان أراد به أن المرأة لا تفسخ النكاح بتعذر استيفاء الصداق ولا الزوج

(10/237)


الخلع ولا العافى الصلح بتعذر استيفاء العوض فهو مستمر في الصورتين الاخيرتين لكنه في النكاح ينبي على الخلاف في أن الاعسار بالصداق هل يثبت الفسخ والقول في ذلك الخلاف والاصح منه موضعه باب الاعسار وان أراد به ان الزوج لا يفسخ النكاح إذا لم تسلم نفسها وتعذر الوصول إليها فهذا واضح لكن لا يفرض مثله في الخلع والعفو إذ ليس العوض في الخلع الا البينونة وفى العفو الا براءة الذمة عن القصاص؟ وهذا لا يتصور فيه التعذر مع صحة الخلع والعفو * وأما المدخل فهو السلم والاجارة فانهما معاوضتان مخضتان أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل توفية المسلم فيه لم يخل اما أن يكون رأس المال باقيا أو تالفا أو بعضه باقيا وبعضه تالفا (الحالة الاولى) أن يكون باقيا فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال كما ذكرنا في البائع فان أراد ان يضارب مع الغرماء بالمسلم فيه ولا يفسخ فسنتكلم في كيفية
المضاربة ان شاء الله تعالى (الثانية) أن يكون رأس المال تالفا فوجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى اسحق أن للمسلم فسخ العقد والمضاربة مع الغرماء برأس المال لانه تعذر عليه الوصول إلى تمام حقه فليمكن من فسخ السلم كما لو انقطع جنس المسلم فيه وهذا ما أورده القاضى ابن كج والصيدلانى وعلى هذا فهل يجئ قول حاكم بانفساخ السلم كما في انقطاع المسلم فيه (قيل) نعم اتماما للتشييه (وقيل) لا لانه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الانقطاع (وأصحهما) أنه لا ينفسخ كما لو افلس المشترى بالثمن والمبيع تالف وليس كالانقطاع لان ثم إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وههنا إذا فسخ ليس له الا المضاربة برأس المال ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه فأنه أنفع لان الغالب زيادة قيمة المسلم فيه على رأس المال فعلى هذا يقول المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته مع الغرماء فإذا عرفت حصته نظر إن كان في المال من جنس المسلم فيه صرف إليه والا اشتري بحصته منه وسلم إليه فان الاعتياض عن المسلم فيه ممتنع هذا إذا كان رأس المال تالفا ولم يكن جنس المسلم فيه منقطعا فان كان تالفا وانقطع جنس المسلم فيه ففى وجه ليس للمسلم فسخ العقد أيضا لانه لا بد من المضاربة فسخ أو لم يفسخ وان فسخ فبرأس المال والا فبالمسلم فيه وانما يفسخ بالافلاس حتى يتخلص عن المضاربة (والاصح) أنه يثبت حق الفسخ

(10/238)


ههتا لان الفسخ بالانقطاع يثبت في حق غير المحجور عليه وما يثبت في حق غيره يثبت في حقه كالرد بالعيب وفيه فائدة فان ما يخصه لو فسخ لصرف إليه في الحال عن جهة رأس المال وما يخصه لو لم يفسخ لا يصرف إليه بل يوقف إلى أن يعود المسلم فيه فيشترى به * ثم ههنا فرعان (أحدهما) إذا قومنا المسلم فيه فوجدنا قيمته عشرين وأفرزنا من المال للمسلم عشرة لكون الديون ضعف المال فرخص السعر قبل الشراء ووجدنا بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنا نرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته أجزاء فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع عليه وعلى سائر الغرماء وذلك لان الموقوف لم يدخل في ملك المسلم بل هو باق على ملك المفلس وحق المسلم في الحنطة الا قى ذلك الموقوف فإذا صارت القيمة عشرة فليس دينه الا ذلك (والثانى) وهو ما أورده في التهذيب أن يشترى به جميع حقه ويسلم إليه اعتبارا بيوم القسمة والموقوف
وان لم يملكه المسلم لكنه صار كالمرهون بحقه وانقطع حقه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم لم يتعلق بشئ مما عند الغرماء وكان حقه في ذمة المفلس ولا خلاف في أنه لو فضل الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول ما زاد لى ولو وقفنا في الصورة المعروضة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر الذى كنا نتوقعه الا باربعين فعلى الوجه الاول بان أن الدين أربعون فيسترجع من سائر الحصص ما تتم به حصص الاربعين وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس

(10/239)


له ألاما وقف له وقد نسب صاحب النهاية الوجه (الثاني) إلى الجماهير والاول إلى القاضى الحسين وعكس أبو سعد المتولي فنسب (الثاني) إلى القاضى والله أعلم * الثاني لو تضاربوا وأخذ المسلم بما خصه قدرا من المسلم فيه وارتفع الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانيا قومنا المسلم فيه فأن وجدنا كقيمته أولا فذاك وان زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن نقصت فالاعتبار بالقيمة الثانية أم بالاولى فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب (أصحهما) الاول قال الامام ولا أعرف للثاني وجها ولو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا بحصة المسلم يشترى منه شقص للضرورة وإن لم يوجد فللمسلم الفسخ (الحالة الثالثة) ان يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا فهو كما لو تلف بعض المبيع دون بعض وسنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الاجارة فنتكلم في افلاس المستأجر ثم في افلاس المكرى (القسم الاول) افلاس المستأجر والاجارة على نوعين (أحدهما) الاجارة الواردة على العين فإذا اجر أرضا أو دابة وأفلس الستأجر قبل تسليم الاجرة ومضت المدة فللمكرى فسخ الاجارة تنزيلا للمنافع في الاجارة منزلة الاعيان في البيع وذكر الامام أن صاحب التقريب حكى قولا أنه لا يثبت الرجوع في المنافع تترك منزلة الاعيان القائمة إذ ليس لها وجود مستقر والمذهب الاول فان لم يفسخ واختار مضاربة الغرماء فله ذلك وحيئنذ ان كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الاجرة إلى الغرماء ولو كان التفليس بعد مضى بعض المدة فللمكرى فسخ الاجارة في المدة الباقية والمضاربة مع الغرماء بقسط المدة الماضية من الاجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم افلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف وإذا افلس مسأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المكرى لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن
ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لانه لصيانة ماله وايصاله إلى الغرماء فاشبه أجرة الكيال والحمال وكرى المكان المحفوظ فيه ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير اذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائره ولو فسخ والارض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر ان استحصد

(10/240)


الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الارض والا فان اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع وان اتفقوا على التبقية إلى الادراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المكرى باجرة المثل لبقية المدة محافظة للزرع على الغرماء وان اختلفوا فاراد بعضهم القطع والبعض التبقية فعن أبى اسحق أنه يراعى ما فيه المصلحة (والمذهب) أنه ينظران كان له قيمة لو قطع فيجاب من يريد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو ماله فعلى هذا لو لم يأخذ المكرى أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وان لم يكن له قيمة لو قطع فيجاب من يريد التبقية إذ لا فائدة لطلب القطع فيه وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق أو بطلب بعضهم حيث لم يكن للمقطوع قيمة فالسقى وسائر المؤن ان تطوع الغرماء أو بعضهم أو أتفقوا عليها علي اقدار دينونهم فذاك وان أنفق عليها بعضهم ليرجع فلا بد من اذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس وإذا حصل الاذن قدم المنفق بقدر النفقة لانه لا صلاح لزرع وكذا لو انفقوا على قدر الديون ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا وهل يجوز الانفاق عليه من مال المفلس فيه وجهان (أظهرهما) الجواز (ووجه) المنع أن حصول الفائدة موهوم (والنوع الثاني) الاجارة على الذمة ونزيد فيها النظر إلى هذه الاجارة هل تعطى حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا (ان قلنا) لا فهى كالاجارة على العين (وان قلنا) نعم فلا أثر للافلاس بعد التفرق لصيرورة الاجرة مقبوضة قبل التفرق ولو فرض التفليس في المجلس فان أثبتنا خيار المجلس ففيه غنية عن هذه الخيار والا فهى كما في اجارة العين (القسم الثاني) افلاس المكرى والكلام في اجارة العين ثم في الاجارة على الذمة (أما) النوع الاول فإذا أجر دابة أو دارا من انسان ثم أفلس فلا فسخ للمستأجر لان المنافع المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن وكما لو باع شيئا ثم أفلس فان المشترى أحق
بما اشتراه ثم إذا طلب الغرماء بيع العين المستأجرة يفرع ذلك على جواز بيع المستأجر ان معناه لم يجبهم وعليهم الصبر إلى انقضاء المدة وان جوزناه اجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من

(10/241)


ثمنه بسبب الاجاره إذ ليس على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس (وأما) النوع الثاني فإذا التزم في ذمته نقل متاع من بلد إلى بلد ثم أفلس نظر ان كانت الاجرة باقية في يد المفلس فله فسخ الاجارة والرجوع إلى عين ماله وان كانت تالفة فلا فسخ كما لا فسخ والحالة هذه عند افلاس المسلم إليه على الاصح ويضارب المستأجر الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه ثم ان جعلنا هذا النوع من الاجارة سلما فما يخصه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه فينظر ان كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض كما إذا كان الملتزم حمل مائة من فينقل بالحصة بعض المائة وان لم يقبل التبعيض كما إذا كان الملتزم قصارة ثوب أو رياضة دابة أو حمل المستأجر إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقى ضائعا قال الامام للمستأجر الفسخ بهذا السبب والمضاربة بالاجرة المبذولة وان لم يجعل هذا النوع من الاجارة سلما سلمت الحصة بعينها إليه لجواز الاعتياض هذا إذا لم يسلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة منها فاما إذا التزم النقل في ذمته ثم سلمه دابة لينقل بها ثم أفلس فيبني على أن الدابة المسلمة هل تتعين بالتعيين أم لا وفيه وجهان يذكران في الاجاره (ان قلنا) تتعين فلا فسخ ويقدم المستأجر بمنفعتها كما لو كانت معينه في العقد (وان قلنا) لا تتعين فهو كما لو لم يسلم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فيثبت الرجوع إلى رأس المال أي في السلم (وقوله) أو المضاربة بقيمة المسلم في ان كان تالفا يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى ثبوت الفسخ عند التلف أيضا (وقوله) ثم يشترى بقيمته أي بحصة المسلم مضاربا بقيمته (وقوله) رجع المكرى مرقوم بالواو بالواو لما مر (وقوله) ترك زرعه بعد الفسخ باجرة أي إذا لم يستحصد واتفقوا على ابقائه كما أوضحناه والمراد من الاجرة أجرة المثل (وقوله) أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة أي لا يضارب ليأخذ عين ما يخصه لكن ليصرف ما يخصه إلى المنفعة التى يستحقها وهذا جواب على تنزيل الاجارة في الذمة منزلة السلم فان لم يفعل ذلك لم يحتج إلى تحصيل المنفعة فيجوز أن يعلم بالواو لذلك وقياس ما مر في السلم مجئ
وجه في ثبوت حق الفسخ وان كانت الاجرة تالفة لتعذر حصول المستحق بتمامه واعلام قوله أو المضاربة بالواو *

(10/242)


(فرع) استقرض مالا ثم أفلس وهو باق في يده فللمستقرض الرجوع (أما) إذا قلنا انه لا يملك بالقبض فلانه بسبيل من الرجوع من غير حجر وافلاس فمعهما أولى (وأما) إذا قلنا انه يملك فلانه مملوك ببدل تعذر تحصيله فاشبه المبيع * (فرع) باع مالا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب هل للمشترى الفسخ كما لو أبق العبد المبيع أم لا لانه لا نقصان في نفس المبيع فيه وجهان منقولان في التتمة * قال (الشرط الثاني للمعارضة أن تكون سابقة على الحجر * احترزنا به عما يجرى سبب لزومه بعد الحجر كما إذا باع المفلس المحجور عليه هل يتعلق بعين ماله وقد ذكرناه * وكذلك لو أفلس المكرى والدار في يد المكتري فانهدمت ثبت له الرجوع إلى الاجرة * وهل يزاحم به الغرماء فيه وجهان وكذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المفلس المحجور فرد بائعها العبد بالعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا * وهل يتقدم بالقيمة أو يضارب بها وجهان * والاصح أنه يضارب) * هذا الشرط مغفول عنه في أكثر النسخ سيما في القديمة منها لكنه الحق بالكتاب من الوسيط لانه وعد به حيث قال أما المعاوضة فلها شرطان والصواب ان تثبت الملحق بالمتن على ما يناسب نظم الكتاب ثم نشرحه (أما) الملحق فهو قد سبق الشرط الثاني أن تكون المعاوضة سابقة على الحجر فلو باع من المفلس المحجور شيئا فقد ذكرنا الخلاف في تعلقه بعين متاعه ولو أفلس المكرى والدار في يد المشتري فانهدمت افله الرجوع بالاجرة وفى مزاحمته الغرماء بها وجهان * ولو باع جارية بعبد فتلفت في يد المفلس ورد بائعها العبد بعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا ويتقدم بها أو يضارب فيه وجهان (أصحهما) أن يضارب * (وأما) الشرح فاعلم أن فيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا باع شيئا من المفلس المحجور وصححناه فقد ذكرنا في ثبوت حق الفسح والرجوع خلافا (فان قلنا) لا رجوع فقد شرطنا فيه سبق المعاوضة على الحجر (الثانية) إذا أجر دارا وسلمها إلى المكترى وقبض الاجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد ذكرنا ان الاجارة مستمرة بحالها فان انهدمت في اثناء المدة
انفسخت الاجارة فيما بقى منها ويضارب المستأجر مع الغرماء بحصة ما بقى منها ان كان الانهدام قبل

(10/243)


قسمة المال بينهم وان كان بعد القسمة فوجهان (وجه) المنع أنه دين حدث بعد القسمة فصار كما لو استقرض (ووجه) المضاربة وهو الاصح أنه دين أسند إلى عقد سبق الحجر وهو الاجارة فصار كما لو انهدمت قبل القسمة (الثالثة) باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشترى الجارية وحجر عليه وهلكت الجارية في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيبا ورده فله طلب قيمة الجارية لا محالة وكيف يطلب فيه وجهان عن القاضى الحسين (أصحهما) أنه يضارب كسائر أرباب الديون (والثانى) أنه يتقدم على سائر الغرماء بقيمتها لانه أدخل في مقابلتها عبدا في مال المفلس وهذان الوجهان في الكيفية يخالفان الوجهين في رجوع من باع منه بعد الحجر شيئا بالثمن (إذا قلنا) لا يتعلق بعين متاعه فانا في وجه نقول يضارب وفى وجه نقول يصير إلى أن يستوفى الغرماء حقوقهم ولا نقول بالتقدم بحال وكان الفرق أن الدين ثم حادث بعد الحجر وههنا مستند إلى سبب سابق على الحجر فإذا انضم إليه ادخال شئ في ملك المفلس أثر في التقديم على رأى * قال (أما العوض فله شرطان (الاول) أن يكون باقيا في ملكه * فلو هلك فليس له الا المضاربة بالثمن * وكذا (و) لو زادت القيمة على الثمن * والخروج عن ملكه كالهلاك * وتعلق حق الرهن والكتابة كزوال الملك * ولو عاد إلى ملكه بعد الزوال رجع إليه في أظهر القولين) * يعتبر في المبيع ليرجع البائع إليه شرطان (أحدهما) بقاؤه في ملك المفلس فلو هلك لم يرجع قال صلى الله عليه وسلم (فصاحب المتاع أحق بمتاعه) إذا وجده بعينه جعل وجدانه شرطا في الاحقية ولا فرق بين أن يكون الهالك بآفة سماوية أو يجناية جان وبين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له الا مضاربة الغرماء بالثمن وعن رواية الشيخ أبى محمد وجه أنه إذا زادت القيمة ضارب بها دون الثمن واستفاد بها زيادة حصته ولو خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف فهو كما لو هلك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع له رد هذه التصرفات لان حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشترى لانه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع
لم يكن ثابتا حين تصرف لانه انما يثبت بالافلاس والحجر ولو كاتب العبد أو استولد الجارية فلا رجوع أيضا ولو دبر أو علق العتق على صفة فله الرجوع وإن أجره فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإن

(10/244)


جوزناه فان شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر والاضارب بالثمن ولو رهنه قدم حق المرتهن ولا رجوع وكذا لو جنى العبد المبيع فالمجني عليه أحق ببيعه فان قضى حق المرتهن أو المجني عليه ببيع بعضه فالبائع واجد لباقي المبيع وسيأتى حكمه * وان انفك عن الرهن أو برئ عن الجناية فله الرجوع كما لو اطلع المشترى على عيب في المبيع بعد رهنه ثم انفك الرهن له الرد * وتزويج الجارية لايمنع الرجوع وأحرام البائع يمنعه إذا كان المبيع صيدا ولو حجر عليه بعد ما زال ملكه ثم عاد نظر ان عاد بلا عوض كالهبة والارث والوصية ففى الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع لانه وجد متاعه بعينه (والثانى) لا يرجع لان هذا الملك متلقي من غيره ولانه تخللت حالة لو صادفها الافلاس والحجر لما رجع فليستصحب حكمها وهذا الخلاف كما ذكرنا في مثله من الرد بالعيب وتعرضنا لهذه الصورة ونحوها هناك وفى سلسلة الشيخ أبى محمد أن الوجهين فيما نحن فيه مبنيان على الوجهين في رجوع الواهب فيما إذا زال ملك الولد وعاد وأنهما في الهبة مبنيان على الوجهين فيما إذا زال ملك المرأة وعاد هل يرجع المطلق بالنصف وأن الخلاف فيهما جميعا مبني على قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فانت حرثم باعه واشتراه فجاء رأس الشهر هل يعتق ولك أن تقول بناء الوجهين على القولين المنصوصين واستخراجهما منهما منقول قويم وأما بناء صورة من صور الوجهين على أخرى مع استوائهما في المعني فليس باولى من القلب والعكس وان عاد الملك إليه بعوض كما لو اشتراه نظر إن وفر الثمن على البائع الاول والثانى فكما لو عاد بلا عوض وان لم يوفر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض فالاول أولى بالرجوع لمسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يستويان ويضارب كل واحد منهما بنصف الثمن فيه ثلاثة أوجه وعجز المكاتب وعوده إلى الرق كانفكاك الرهن أو كعود الملك بعد زواله فيه طريقان (أجاب) في البسيط منهما بالاول ووجه الثاني مشابهة الكتابة بزوال الملك وافادتها استقلال المكاتب والتحاقه بالاحرار (وقوله) في الكتاب في أظهر القولين غير محمول على قولين منقولين في هذه المسألة
بخصوصها لاطباق النقلة على أن الخلاف فيها وجهان لا قولان لكن الائمة فهموا من اختلاف قوله

(10/245)


في نظير المسألة قولين فيما يضبط المسائل وهو أن الزائل العائد كالذى لم يزل أو كالذى لم يعد فكأنه أراد بالقولين ذلك والله أعلم * قال (الثاني أن لا يكون متغيرا * فان تغير بطريان عيب فليس له أن يقنع أو يضارب بالثمن * إلا أن يكون بجناية أجنبي فله المضاربة بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لابارش الجناية إذ قد يكون ذلك كل القيمة عند قطع اليدين وذلك لا يعتبر في حق البائع * وجناية المشترى كجناية الاجنبي على أحد الطريقين) * ان لم يتغير المبيع عما كان فللبائع الرجوع لا محالة وان تغير فربما منع ذلك التغير الرجوع وربما لم يمنع على ما سيتضح تفصيله ويبين بذلك أنه ليس الشرط انتفاء نفس التغير بل انتفاء بعض التغيرات وبيان التفصيل المشار إليه أن التغير اما أن يكون بالنقصان أو بالزيادة (القسم الاول) التغير بالنقصان وهو على ضربين (أحدهما) نقصان مالايتقسط الثمن عليه ولا يفرد بالعقد وهو المراد بالعيب وربما عبر عنه بنقصان الصفة فينظر ان حصل ذلك بآفة سماوية فالبائع الخيار ان شاء رجع إليه ناقصا وقنع به وان شاء ضارب مع الغرماء بالثمن كما لو تعيب المبيع في يد البائع يخير المشترى بين أخذه معيبا بجميع الثمن وبين الفسخ والرجوع بالثمن ولا فرق بين أن يكون النقصان حسيا كسقوط بعض الاعضاء والعمى أو غير حسى كنسيان الحرفة والاباق والزنا وفى كتاب القاضى ابن كج أن من اصحابنا من أثبت قولا آخر أنه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص كما سنذكره في الضرب الثاني من النقصان وهو غريب * وان حصل بجناية جان فذلك الجاني اما أجنبي أو البائع أو المشترى ان كان الجاني أجنبيا فعليه الارش اما غير مقدر أو مقدر بناء على أن جرح العبد مقدر وللبائع أن يأخذه معيبا ويضارب الغرماء بمثل نسبه ما انتقص من القيمة من الثمن وانما ضارب ههنا بشئ لان المشترى أخذ بدلا من النقصان وكان ذلك مستحقا للبائع لو بقى فلا يحسن تضييعة عليه وانما اعتبرنا في حقه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي لان التقدير إنما أثبته الشرع في الجنايات والاعواض

(10/246)


تتقسط بعضها على بعض باعتبار القيمة ولو اعتبرنا في حقه المقدر لزمنا أن نقول إذا قطع الجاني يديه وغرم تمام القيمة يرجع البائع إلى العبد مع تمام القيمة أو تمام الثمن وهذا محال فننظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ونقول يضارب البائع الغرماء بمثل نسبته من الثمن ولو قطع احدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثلث القيمة يضارب البائع بثلث الثمن ويأخذه وعلى هذا القياس * وان كان الجاني البائع فهو كما لو كان الجاني أجنبيا لان جنايته جناية على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه وان كان الجاني المشترى فطريقان (أظهرهما) عند الامام أن جنايته كجناية الأجنبي أيضا لان اتلاف المشترى قبض واستيفاء منه على ما مر في موضعه وكانه صرف جزءا من المبيع إلى غرضه (والثانى) أن جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض من حيث انه مأخوذ منه غير مقر في يده فعلى هذا يحصل في جنايته قولان (أحدهما) أنها كجناية الأجنبي (وأصحهما) أنها كالآفة السماوية هذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره ولا يخطر بالبال أن حق تشبيه جناية المشترى هاهنا بجناية البائع قبل القبض تشبيه جناية البائع هاهنا بجناية المشترى حتى يقال كانه استرجع بعض المبيع إذ ليس له الفسخ والاسترجاع الا بعد حجر الحاكم عليه وليس قبل الحجر حق ولا ملك * قال (وان تغير بفوات بعض المبيع كاحد العبدين رجع إلى القائم وضارب بثمن التالف * ونقصان وزن الزيت بالاغلاء تغير صفة أو تلف جزء فيه وجهان) * الضرب الثاني نقصان ما يقسط الثمن عليه ويصح افراده بالعقد كما لو اشترى عبدين أو ثوبين

(10/247)


فتلف أحدهما في يد المشترى ثم افلس وحجر عليه فللبائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصته عن التالف بل لو بقى جميع المبيع وأراد البائع فسخ المبيع في نصفه مكن منه لانه انفع للغرماء من الفسخ في الكل فهو كما لو رجع الاب في نصف ما وهب يجوز وعن القاضى أبى حامد وأبى الحسين أن من الاصحاب من ذكر قولين في أنه إذا أخذ الباقي ياخذه بحصته من الثمن أو ياخذه بجميع الثمن ولا يضارب بشئ وذكر الامام أن أصحاب هذه الطريقة طردوها في كل
مسألة تضاهيها حتى لو باع سيفا وشقصا بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول قال وهذا عندي قريب من خرق الاجماع * هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض شيئا من الثمن أما إذ باع عبدين متساويين في القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشترى ثم أفلس فقولان (القديم) أنه لا رجوع له إلى العين بل يضارب بباقى الثمن مع الغرماء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع متاعا فافلس الذى ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به) وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسوة الغرماء (والجديد) أنه يرجع واحتج له بان الافلاس سبب يعود به كل العين إليه فجاز أن يعود بعضه كالفرقة في النكاح قبل الدخول يرد بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى وأما الحديث فهو مرسل وعلى هذا فيما يرجع نص في الام أنه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن وله فيما إذا أصدقها أربعين شاة وحال عليها الحول فاخرج الشاة ثم طلقها قبل الدخول قولان (أحدهما) يرجع باربعين وهو قياس نصه ههنا (والثانى) أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة الشاة المخرجة واختلفوا ههنا على طريقين (أحدهما) تخريج القول والثاني وطرد القوين ههنا وعلى هذا (فاظهرهما) أنه ياخذ جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن ويجعل ما قبضه من الثمن في مقابلة التالف كما لو رهن

(10/248)


عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الآخر مرهونا بما بقى من الدين والمعنى الجامع أن له التعلق بكل العين إذا بقى كل الحق فليثبت له التعلق بالباقي من العين للباقى من الحق (والثانى) وهو اختيار المزني أنه ياخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ويضارب الغرماء بنصفه لان الثمن يتوزع على المبيع بالمقبوض والباقى يتوزع كل واحد منهما على العبدين (والطريق الثاني) القطع بالمنصوص والفرق بينه وبين الصداق أن الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق أخذ القيمة بتمامها والبائع ههنا لا يأخذ الثمن بل يحتاج إلى المضاربة ولو قبض بعض الثمن ولم يتلف شئ من المبيع ففي الرجوع القولان القديم والجديد وعلى الجديد يرجع إلى المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف العبد المبيع أو العبدين المبيعين * (فرعان) أحدهما قد ذكره في الكتاب إذا أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم
أفلس فوجهان (أحدهما) أنه كما لو تعيب المبيع وكان الزائل صفة التفل فعلى هذا يرجع إليه ويقنع به (وأصحهما) أنه بمثابة تلف بعض المبيع كما لو أنضب فعلى هذا لو ذهب نصفه أخذ بنصف الثمن وضارب مع الغرماء بالنصف وان ذهب ثلثه أخذ بثلثي الثمن وضارب معهم بالثلث ومن قال بالوجه الاول فالشرط ان يطرده في اغلاء الغاصب الزيت المغصوب وليس له ذكر هناك بل لم يتعرض له المعظم ههنا واقتصروا على الوجه الثاني نعم لو كان مكان الزيت العصير فقد أجابوا ههنا وفى

(10/249)


الغصب بوجهين ورجحوا التسوية بينه وبين الزيت ووجه الفرق أن الذاهب من العصير ماء لامالية له والذاهب من الزيت متمول وإذا قلنا بالتسوية فلو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم فاغلاها حتى عادت إلى ثلاثة ارطال فيرجع إلى الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة بنقصان قيمة المغلى كما إذا عادت قيمته إلى درهمين وان زادت قيمته بان صارت أربعة فيبنى على أن الزيادة الحاصلة بالصفة أثر أم عين (ان قلنا) أثر فاز البائع بما زاد (وان قلنا) عين فعن القفال أن الجواب كذلك وعن غيره أن المفلس يكون شريكا له بالدرهم الزائد وان بقيت القيمة ثلاثة كما كانت فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين لازادياد الباق بالطبخ فان جعلنا هذه الزيادة أثرا فاز بها البائع وان جعلناها عينا فكذلك عند القفال وقال غيره يكون المفلس شريكا بثلاثة أرباع درهم لان هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب وهو الذى زاد بالطبخ في الباقي هذا ما يستمر على القواعد ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه * (الفرع الثاني) لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يهلك شئ من النقص فهذا النقصان من قبيل الضرب الاول كالعمى ونحوه ولو هلك بعضه باحراق أو غيره فهو من الضرب الثاني هكذا اطلقوه ولك أن تقول وجب أن يطرد فيه الخلاف الذى ذكرناه في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو تلف احد العبدين * قال (أما التغير بالزيادة فالمتصلة من كل وجه لاحكم لها بل تسلم للبائع مجانا * والمنفصلة من كل وجه كالولد لا يرجع فيه ولكن ان كان صغيرا فعليه أن يبذل قيمة الولد حذرا من التفريق
فان أبى بطل حقه على رأى من رأى الرجوع (و) * وبيعت الام الولد على رأى * وصرف

(10/250)


إليه نصيب الام على الخصوص * وإذا تفرخ البيض المشترى أو نبت البذر بالزراعة فقد فات المبيع على الاظهر (و) وهذا موجود جديد) * القسم الثاني التغير بالزيادة وهي نوعان (أحدهما) الزيادة الحاصلة لامر خارج وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الحرفة وكبر الشجرة فلا عبرة بها وللبائع الرجوع من غير أن يلتزم بالزيادة شيئا وعلى هذا حكم هذه الزيادة في جميع الابواب الا في الصداق فان الزوج لا يرجع إذا طلق قبل الدخول إلى النصف الزائد الا برضى المرأة وسبب مفارقة سائر الاصول يذكر هناك (والثاني) الزيادة المنفصلة من كل وجه كثمرة الشجرة واللبن والولد فيرجع في الاصل وتسلم الزوائد للمفلس نعم لو كان الولد صغيرا فوجهان (أحدهما) أنه ان بذل قيمة الولد أخذه مع الام والا ضارب بالثمن وبطل حقه من الرجوع لامتناع التفريق (وأصحهما) أنه ان بذل قيمته فذاك والا بيعا معا وصرف ما يخص الام إلى البائع وما يخص الولد المفلس وههنا مباحثة وهي انا ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الام معيبة وهناك ولد صغيرا أنه يترك الرد وينتقل إلى الارش ويحتمل التفريق للضرورة وفيما إذا رهن الام دون الولد أنهما يباعان معا ويحرم التفريق ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق وانما احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال يجئ وجه التفريق ههنا أيضا لكنهم لم يذكروه اقتصارا على الاصح ويجوز أن يفرق بان مال المفلس

(10/251)


كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع امكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس مزلزلا من الاول ولو كان المبيع بذرا فزرعه المشترى ونبت أو بيضة فتفرخت في يده ثم أفلس فوجهان (أحدهما) أنه ليس له الرجوع إليه لان المبيع قد هلك وهذا شئ جديد له اسم جديد (والثاني) يرجع لانه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب هيئة أخرى فصار كالودى إذا صار نخلا (والوجه الاول) هو اختيار صاحب الكتاب وبه قال القاضى ابن كج وأبو الطيب والاصح عند أصحابنا العراقيين وصاحب التهذيب الوجه الثاني وستري في كتاب الغصب ما يؤيده ويجرى مثل هذا الخلاف
في العصير ذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ولو اشترى زرعا أخضر مع الارض ففلس وقد اشتد الحب فقد قيل بطرد الوجهين وقيل بالقطع بالرجوع * واعلم أنا إذا قلنا بثبوت الرجوع في هذه الصورة جعلنا هذه التغييرات من القسم الذى نحن فيه وإذا لم نقل بثبوته جعلنا هذه التغيرات خارجة عن الاقسام المذكورة والتقسيم الحاوى لها أن يقال التغير ينقسم إلى ما يقلب المبيع عما هو عليه ويجدد اسما ومسمى وإلى غيره وفيه تقع الاقسام المذكورة * قال (وان كانت الجارية المبيعة حاملا فولدت قبل الرجوع ففي تعلق الرجوع به قولان * ولو حبلت بعد البيع فالصحيح تعدى الرجوع إلى الجنين * وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال) * الضرب الثالث الزيادة المتصلة من وجه دون وجه كالحمل ووجه اتصاله ظاهر ووجه انفصاله استقلاله وانفراده بالحياة والموت وكثير من الاحكام وجملة القول فيه أنه أن حدث الحمل بعد الشراء

(10/252)


وانفصل قبل الرجوع فحكم الولد ما مر في الفصل السابق وان كانت حاملا عند الشراء وعند الرجوع جميعا فهو كالسمن ويرجع البائع فيها حاملا وان كانت حاملا عند الشراء وولدت قبل الرجوع ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناهما الاصحاب على الخلاف في أن الحمل هل يعرف أم لا (ان قلنا) نعم وهو الاصح رجع كما لو اشترى شيئين (وان قلنا) لا بقى الولد للمفلس وربما وجه قول التعدي بان الولد كان موجودا عند العقد ملكه المشترى بالعقد فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع وقول المنع بانه ما لم ينفصل تابع ملحق بالاعضاء فكذلك تبع في البيع أما عند الرجوع فهو شخص مستقل بنفسه فيفرد بالحكم وكانه وجد حين استقل وان كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان موجهان بطريقين (أشهرهما) البناء على أن الحمل هل يعرف (ان قلنا) لاأخذها حاملا (وان قلنا) نعم ففي التهذيب وجه انه لا رجوع له ويضارب الغرماء والاصح أنه له الرجوع في الام ولا حق له في الولد كما لو كان منفصلا (والثاني) توجيه تعدى الرجوع فالى الولد أن الحمل يتبع الجارية حال البيع فكذلك فذ حال الرجوع وتوجيه المنع بان البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادات المتصلة ولم يكن الحمل موجودا ولا سبيل إلى غيره من الزيادات
المنفصلة لاستقلاله وانفراده بكثير من الاحكام ثم قضية المأخذ الاول أن يكون الاصح اختصاص الرجوع بالام لان الاصح أن الحمل يعرف وكذلك ذكر بعض شارحي المفتاح الا أن الاكثرين مالوا إلى ترجيح القول الآخر كما رجحه صاحب الكتاب وذكروا أنه المنصوص فليوجه بالمأخذ الثاني وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالام فقد ذكر الشيخ أبو محمد أنه يرجع فيها قبل الوضع فإذا ولدت فالولد للمفلس وقال الصيدلانى وغيره يصبر إلى انفصال الولد ولا يرجع في الحال ثم الاحتراز عن التفريق بين الام والولد طريقة ما مر

(10/253)


واعلم أن استتار الثمرة بالاكمة وظهورها بالتأبير قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال وفيها الاحوال الاربع المذكورة في الجنين (أولها) أن يشترى نخيلا وعليها ثمرة غير مؤبرة وكانت عند الرجوع غير مؤبرة (وثانيها) أن يشتريها ولا ثمار عليها غير مؤبرة ثم كانت لها ثمار عند الرجوع مؤبرة أو مدركة أو مجذوذة فالحكم فيها كما ذكرنا في الحمل (وثالثها) إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فطريقان (أحدهما) أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا عند البيع ووضعت قبل الرجوع (والثاني) القطع بأنه يأخذه الثمرة لانها وان كانت مستترة فهي مشاهدة موثوق بها قابلة للافراد بالبيع فكانت أحد مقصودي العقد فيرجع فيها رجوعه في النخيل وان شئت عبرت عن الطريقين بأنا ان قلنا يأخذ الولد فالثمرة أولى بالاخذ والا فقولان (ورابعها) إذا كانت النخلة حائلا عند الشراء فاطلعت عند المشتري ثم جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبرة فقولان (رواية) الربيع أنه لا يأخذ الطلع لانه يصح افراده بالبيع فلا يجعل تبعا كالثمار المؤبرة (ورواية) المزني وحرملة أنه يأخذه مع النخيل لانه يقع في البيع فكذلك في الفسخ وفيه طريقة أخرى قاطعة بانه لا يأخذ الطلع لما ذكرنا من الوثوق به واستقلاله قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا القياس أمر الثمرة التى لم تؤبر فحيث أزال الملك باختياره بعوض استتبع ما لم يؤبر من الثمار وان زال قهرا بعوض فهو كما في الشفعة والرد بالعيب فالاستتباع على هذين القولين وان زال لا بعوض اختيارا أو قهرا كما في الرجوع في الهبة ففيه القولان (وقوله) في الكتاب وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال يشير إلى طريقة القطع في الثمار تارة بالاثبات وأخرى بالنفى كما بيناه وحكم سائر الثمار وما يحلتحق بالمؤبر وما يلتحق بغير المؤبرة قد

(10/254)


اتضح في البيع ويتفرع على منقول المزني وهو الاظهر أنه لو جرى التأبير وفسخ البائع البيع ثم قال البائع فسخت قبل التأبير والثمار لى وقال المفلس بل بعده فالقول قول المفلس مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ حينئذ وبقاء الثمار له وعن أبي الحسين أن بعضهم ذكر قولا آخر أن القول قول البائع لانه أعرف بتصرفه وقال المسعودي يخرج قول إن المفلس يقبل قوله من غير يمين بناء على أن النكول ورد اليمين كالاقرار وإنه لو اقر لما قبل اقراره والمذهب الاول وإنما يحلف على نفى العلم بسبق الفسخ على التأبير لا على نفى السبق فان حلف بقيت الثمار له وان نكل فهل للغرماء ان يحلفوا فيه الخلاف المذكور فيما إذا ادعى المفلس دينا على غيره وأقام شاهدا ولم يحلف معه هل يحلف الغرماء (فان قلنا) لا يحلفون وهو الاصح أو قلنا يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فان نكل فهو أحق كما لو حلف المفلس وان حلف فان جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمار له وان جعلناها كالاقرار فيخرج على القولين في قبول اقرار المفلس في مزاحمة المقر له للغرماء فان لم يقبله صرف الثمار إلى الغرماء كسائر الاموال فان فضل شئ أخذه البائع بحلفه * هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس وان صدقوه لم يقبل اقرارهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم المطالبة بقسمتها لانهم يزعمون أنها ليست ملكا له وليس له التصرف فيها لمكان الحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر نعم له إجبارهم على أخذها ان كانت من جنس حقوقهم أو ابراء ذمته عن ذلك القدر على ظاهر المذهب كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد إنه مغصوب فيقال له خذه أو أبره عنه وفيه وجه أنهم لا يجبرون على أخذها بخلاف المكاتب لانه يخاف العود إلى الرق لو لم يؤخذ منه وليس على المفلس كثير ضرر فإذا أجبروا على أخذها فأخذوها فللبائع أخذها منهم لاقرارهم وان لم يجبروا وأقسم سائر أمواله فله طلب فك الحجر

(10/255)


إذا قلنا انه لا يرتفع ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرفت ثمنها إليهم تفريعا على الاجبار لم يتمكن البائع من أخذه منهم لانهم لم يقروا له بالثمن وعليهم رده على المشترى فان لم يأخذ فهو مال ضائع ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع على صيغة الشهادة وشرطها أو عدل واحد وحلف البائع
معه قبلت الشهادة وقضى له هكذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب وأحسن بعض الشيوخ الشارحين للمختصر فحمله على ما إذا شهد الشهود قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا انهم لا يجبرون على اخذ الثمار والا فهم يدفعون بالشهادة ضرر اخذها وصياعها عليهم بأخذ البائع ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمار ولو أراد بعضهم قسمتها على الكل فوجهان (قال) أبو إسحق رحمه الله له ذلك لو صدقوه جميعا وقال الاكثرون لا لان من صدق البائع يتضرر بالاخذ لان البائع يتضرر بأخذ ما أخذه منه والمفلس لا يتضرر بان لا يصرف إليه لامكان الصرف إلى المكذبين بخلاف ما إذا صدقه الكل وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم فيضاربون المصدقين في سائر الاموال ببقية ديونهم مؤاخذة لهم بزعمهم أو بجميع ديونهم لان زعم المصدقين أن سائر ديون المكذبين لم تتأد وفيه وجهان (أظهرهما) وهو المنصوص أولهما وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذب المفلس البائع أما إذا صدقه نظران صدقه الغرماء أيضا قضى له وان كذبوه وزعموا أنه أقر عن مواطأة جرت بينهما فعلى القولين فيما إذا أقر بعين مال أو بدين لغيره (وان قلنا) لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء قبل أنهم لا يعرفون فسخه على التأبير ومنهم

(10/256)


من قال هو على القولين السابقين في أن الغرماء هل يحلفون والاول أصح لان اليمين ههنا توجهت عليهم ابتداء وثم ينوبون عن المفلس واليمين لا تجري فيها النيابة (ذنابه) النظر في انفصال الجنين وفى ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر لان ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع * قال (ولو بقيت الثمرة للمشترى فعلى البائع ابقاؤها إلى الجذاذ * وكذا ابقاء زرعه من غير أجرة (و) * حيث يثبت الرجوع في الثمار فلو كانت قد تلفت فرجع في الشجرة فيطالب بجزء من الثمن للثمرة بطريق المضاربة * ويعرف قدره باعتبار أقل (و) القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض لان ما نقص قبل القبض لم يدخل في ضمان المشترى * ويعتبر للشجرة أكثر القيمتين على الاظهر (و) تقليلا للواجب على المشترى) * في الفصل مسألتان (إحداهما) مهما رجع البائع في الاشجار المبيعة وبقيت الثمار للمشترى إما لحدوثها بعد البيع أو لظهورها قبل الرجوع أو على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعه فليس له
قطعها بل عليه إبقاء الثمرة إلى الجذاذ وكذا لو رجع في الارض المبيعة وهى مزروعة بزرع المشترى ترك الزرع إلى الحصاد لانه لم يتعد بالزرع حتى يقلع زرعه وهذا كما إذا اشترى أرضا مزروعة ليس للمشترى أن يكلف البائع قلع الزرع ثم إذا بقى الزرع أبقاه بغير أجرة بخلاف ما إذا اكترى أرضا وزرع فيها المكترى ثم افلس وفسخ المكرى الاجارة حيث قلنا يترك الزرع إلى الحصاد باجرة المثل والفرق من وجهين (أشهرهما) أن المستأجر دخل في الاجارة على أن يضمن للبائع المنافع فألزمناه بدلها والمشترى دخل في الشراء على أن تحصل له المنافع بلا عوض فلم يحسن الزامه بدلها (وافقها) أن مورد البيع الرقبة وأنها تحصل له بالفسخ وان لم ياخذ

(10/257)


الاجرة ومورد الاجارة المنافع فإذا لم يتمكن من استيفائها ولم يمكن من أخذ بدلها خلا الفسخ عن الفائدة ولم يعد إليه حقه وعن صاحب التقريب أن ابن سريج خرج قولا أن للبائع طلب أجرة المثل لمدة بقاء الزرع كما لو بنى المشترى أو غرس كان للبائع الابقاء بالاجرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ثم الكلام فيهما إذا طلب الغرماء أو المفلس القطع قبل الجذاذ وقبل الحصاد على ما مر في فصل الاجارة (الثانية) إذا ثبت الرجوع في الثمار (إما) بالتصريح ببيعها مع الاشجار وهى مؤبرة على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة ثم تلفت الثمار بجائحة أو بأكل المشترى ثم أفلس فالبائع يأخذ الاشجار بحصتها من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصة الثمار وسبيل التوزيع أن تقوم الاشجار وعليها الثمار فيقال قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال قيمتها تسعون فيضارب بعشر الثمن فان اتفق في قيمتها انخفاض وارتفاع فالاعتبار في قيمة الثمار بالاقل من قيمتها يوم العقد ويوم القبض لانها ان كانت يوم القبض أقل فما نقص قبله من ضمان البائع فلا يحسب على المشترى وان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حصلت في ملك المشترى وتلفت فلا تعلق للبائع بها نعم لو كانت العين باقية رجع فيها تابعة للاصل وعن صاحب التقريب أن بعضهم قال باعتبار قيمة يوم القبض واحتسب الزيادة للبائع بعد التلف كما أنها لو بقيت العين لحصلت له وهذا ظاهر نصه في المختصر إلا أن الجمهور حملوه على ما إذا كانت قيمة يوم القبض أقل أو لم تختلف القيمة فبنوا اضافتها إلى هذا اليوم أو إلى هذا اليوم (وأما) الاشجار ففيها وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وهو الذى أورده الصيدلانى وغيره أن الاعتبار فيها باكثر القيمتين لان المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصانه عليه وزيادته للمشترى ففيما يأخذه البائع

(10/258)


يعتبر الاكثر ليكون النقصان محسوبا عليه كما أن فيما يبقى للمشترى أو يضارب البائع بثمنه يعتبر الاقل ليكون النقصان محسوبا عليه (والثانى) وهو الذى نقله صاحب التهذيب والتتمة أن الاعتبار بقيمة يوم العقد سواء كانت أكثر القيمتين أو أقلهما أما إذا كانت أكثرهمما فكما ذكرنا في الوجه الاول (وأما) إذا كانت أقلهما فلان ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتصلة وعين الاشجار باقية فيفوز بها البائع ولا تحسب عليه قال الامام ولصاحب الوجه الاول أن يقول نعم البائع يفوز ولكن يبعد ان يفوز بها وهى حادثة في ملك غيره ثم لا يحسبها من المبيع فإذا فاز بها فليقدر كأنها وجدت يوم البيع ولنبين اختلاف قيمة الاشجار والثمار بالتمثيل فنقول كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرة وقيمة الثمرة خمسة فلو لم تختلف القيمة لاخذ الشجره بثلثي الثمن فصارت الثمرة بالثلث ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرة يوم القبض فكما لو كانت القيمة بحالها على المشهور وعلى الوجه البعيد يضارب بنصف الثمن ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفا يضارب بخمس الثمن ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها وعلى الاول كذلك إن نقصت وان زادت فكانت خمسة عشر فيضارب بربع الثمن ثم ذيل الامام المسألة بكلامين مستفادين (أحدهما) إذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فان كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان نظر إن كان بمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به وان كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر كما أنه يسقط بزواله حق الرد وان لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق قال والذى أراه أن في هذه الصورة تعتبر قيمة يوم العيب دون البيع والقبض لان النقصان الحاصل من ضمان البائع والارتفاع بعده في ملك المشترى لا يصلح جائزا له (والثانى) إذا اعتبرنا في الاشجار أكثر القيمتين فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائة ويوم القبض خمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين

(10/259)


ولو كانت قيمتها يوم العقد ويوم القبض ما ذكرنا ويوم الرجوع مائة اعتبرنا يوم الرجوع على أن ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتا يوم العقد حتى نقول انه وقت المقابلة لا يوم أخذ البائع حتى يحسب عليه ولك أن تقول هذا ان استقام في طرف الزيادة تخريجا علي ما سبق ان ما فاز به البائع من الزيادات الحادثة عند
المشترى يقدر كالموجود عند البيع فلا يستقيم في طرف النقصان لان النقصان الحاصل في يد المشترى كعيب حدث في المبيع وإذا رجع البائع إلى العين المبيعة لزمه القناعة بها ولا يطالب المشترى للعيب بشئ والله تعالى أعلم * وينبغى أن تعرف أن سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين واختلفت القيمة وأراد الرجوع في الباقي على ما ذكرنا في الاشجار والثمار بلا فرق * قال (أما الزيادة الملتحقة بالمبيع من خارج ينظر ان كان عينا محضا كما لو بني المشترى أو غرس فعلى ثلاثة أقوال * أحدها أنه فاقد عين ماله * والثانى أنه يباع الكل فيوزع به على نسبة القيمة * والاصح أنه يرجع إلى العين ويتخير في الغراس بين أن يبذل قيمته وبين أن يغرم أرش النقصان أو يبقى بأجرة) * (النوع الثاني) من الزيادات هي الملحقة بالمبيع من خارج وتنقسم إلى عين محضة والى صفة محضة والى ما يتركب منهما (القسم الاول) العين المحضة ولها ضربان (أحدهما) أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كما إذا اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم أفلس قبل توفية الثمن * واعلم أن منقول المصنف وشيخه في المسألة يخالف منقول جمهور الاصحاب على طبقاتهم فنذكر منقولهم الذى عليه الاعتماد ثم نعود إلى ما نقلاه قال الاصحاب

(10/260)


إذا اختار البائع الرجوع في الارض نظر ان اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الارض وتسليمها بيضاء رجع فيها وهم يستقلون بالقلع وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء لتملكها مع الارض فإذا قلعوا الغراس والبناء وجب تسوية الحفر من مال المفلس فان حدث في الارض نقص بالقلع وجب أرش النقص في ماله ويضارب البائع به أو يقدم على سائل الديون في المهذب والتهذيب أنه يقدم لانه لتخليص ماله واصلاحه وذكر الشيخ ابو حامد انه يضارب مع الغرماء * وان قال المفلس يقلع وقال الغرماء يأخذ القيمة من البائع لتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء قال القاضى ابن كج يجاب من في قوله المصلحة وان امتنعوا جميعا من القلع لم يجبروا عليه لانه حين بني وغرس لم يكن متعديا وحينئذ ينظر ان رجع على ان يتملك البناء والغراس مع الارض بقيمتها أو يقلع ويغرم ارش النقص فله ذلك لان الضرر يندفع عن الجانبين بكل واحد من الطريقين والاختيار فيهما إليه وليس للمفلس والغرماء الامتناع من القبول لان مال المفلس
معرض للبيع فلا يختلف غرضهم بين أن يتملكه البائع أو يشتريه أجنبي ويخالف هذا ما إذا زرع المشترى الارض وأفلس ورجع البائع في الارض حيث لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة ولا من القلع وغرامة الارش لان للزرع امدا ينتظر يسهل انتظاره والغراس والبناء للتأبيد وان أراد الرجوع في الارض وحدها وابقاء البناء والغراس للمفلس والغرماء نقل المزني ان له الرجوع وانه قال في موضع آخر لا يرجع وللاصحاب طريقان (أصحهما) وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحق أن في المسألة قولين (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له أن يرجع كما لو صبغ الثوب المشترى ثم أفلس يرجع البائع في

(10/261)


الثوب ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ (وأصحهما) المنع لما فيه من الضرر فان الغراس بلا أرض والبناء بلا مقرر ولاممر ناقص القيمة ولرجوع انما يثبت لدفع الضرر بخلاف مسألة الصبغ فان الصبغ كالصفة التابعة للثوب (والثانى) تنزيل النصين على حالين وله طريقان (عن القاضى أبى حامد) في آخرين انه قال حيث يرجع أراد ما إذا كانت الارض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالاضافة إليها وحيث قال لا يرجع أراد ما إذا وكانت الارض مستحقرة بالاضافة اليهما والمعني في الطريقين اتباع الاقل للاكثر ومنهم من قال حيث قال يرجع أراد ما إذا رجع في البياض المتخلل بين الابنية والاشجار وضارب للباقى بقسطه من الثمن يمكن منه لانه ترك بعض حقه في العين فإذا فرعنا على طريقة القولين فان قلنا ليس له الرجوع في الارض وإبقاء البناء والغراس للمفلس فالبائع يترك الرجوع ويضارب مع الغرماء بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة رش النقس وان مكناه منه فوافق البائع الغرماء وباع الارض منهم حتى باعوا البناء والغراس فذاك وطريق التوزيع ما بينهاه في الرهن وان ابى فهل يخير فيه قولان (أحدهما) نعم كما في مسألة الصبغ (وأصحهما) لا لان إفراد البناء والغراس بالبيع متأت بخلاف الصبغ وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقى للبائع ولاية التملك بالقيمة والقلع مع غرامة الارش وللمشترى الخيار في البيع ان كان جاهلا بحال ما اشتراه ذكره الصيدلانى وغيره هذه طريقة الجمهور واما الامام فان محصول ما ذكره في المسألة أربعة أقوال (أحدها) انه فاقد عين ماله ولا رجوع بحال لان الرجوع في الارض ينقص قيمة البناء والغراس (والثانى) أن الارض والبناء يباعان معا دفعا للخسران عن المفلس كما يفعل بالثوب المصبوغ
(والثالث) انه يرجع في الارض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة أؤ قلعهما مع غرامة ارش النقصان أو ابقاؤهما باجرة المثل يأخذها من ملكيهما وإذا عين واحدة من هذه الخصال

(10/262)


فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في ان يرجع إلى الارض ويقلع مجانا أو يجبرون علي ما عينه (والرابع) حكاه عن رواية العراقيين انه ان كانت قيمة البناء اكثر فالبائع فاقد عين ماله وان كانت قيمة الارض اكثر فواجد وتابعه صاحب الكتاب وغيره من أصحابه واقتصروا على الاقوال الثالثة الاول وانت إذا تأملت هذا الكلام بعد وقوفك على المذهب المعتمد وتصفحك عن كتب علمائنا ورأيت ما بينهما من المخالفة الصريحة قضيت منه العجب وقلت ليت شعرى من اين أخذت هذه الاقوال ثم حفظت لسانك استعمالا للادب والله أعلم وبه التوفيق * (فرع) اشترى الارض من رجل والغراس من آخر وغرسها فيها ثم أفلس فلكل واحد منهما الرجوع إلى عين ماله ثم إذا رجعا فان أراد صاحب الغراس البيع مكن منه وعليه تسوية الحفر وارش نقص الارض إن نقصت وان أراده صاحب الارض فكذلك ان ضمن ارش النقص

(10/263)


والا فوجهان (أحدهما) المنع لانه غرس بحق فلا يقلع من غير غرامة كما لو كان للمفلس (والثانى) الجواز لانه باع الغراس مقلوعا فيأخذها كذلك * قال (فان لم تقبل الزيادة التمييز كما لو خلط مكيلة زيت بمكيلة من جنسه أو أردأ منه رجع (و) البائع إلى مكيلة واحدة * وان خلط بأجود فهو فاقد على قول * ويباع على قول ويوزع على نسبة القيمة * وعلى قول يقسم المكيل على نسبة القيمة * والفرق بينه وبين الاردأ أن ما حصل من نقصان الصفة يمكن أن يجعل عينا في حق البائع فيقال له اما أن تقنع بالمبيع بعيب أو تضارب * وتضييع جانب المشترى لا وجه له هذا هو النص * ونقل عن ابن سريج لتسوية) * (الضرب الثاني) ألا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الامثال بعضها ببعض فإذا اشتري صاع حنطة وخلطه بصاع حنطة أو مكيلة زيت وخلطه بمكيلة زيت ثم أفلس نظران كان المخلوط به مثل
المبيع فللبائع الفسخ وتملك مكيلته من المخلوط وطلب القسمة فان طلب البيع فهل يجاب إليه فيه وجهان (أصحهما) لا كما لا يتمكن الشركاء من ان يطالب بعضهم بعضا بالبيع (والثانى) نعم لانه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه وبالبيع يصل إلى بدل حقه وقد يكون له غرض فيه فيباع الكل ويصرف نصف الثمن إليه

(10/264)


وان كان المخلوط أردأ من البيع فله الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط أيضا ولكن في كيفيته وجهان نقلهما العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب (أحدهما) وبه قال أبو إسحق ان المكيلتين تباعان ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لانه ان أخذ مكيلة منه نقص وان أخذ أكثر من مكيلة لزم الربا فعلى هذا لو كان المبيع يساوى درهمين والمخلوط به درهما قسم الثمن بينهما أثلاثا (وأصحهما) أنه ليس له إلا أخذ مكيلة منه والمضاربة مع الغرماء لانه نقصان حصل في البيع فاشبه تعيب العبد والثوب * وان كان المخلوط به أجود فقولان (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط كالخلط بالمثل والاردأ وأيضا فانه لو اشترى ثوبا وصبغه أو سويقافلته لا ينقطع حق الرجوع فكذلك ههنا (وأصحهما) أنه لا رجوع وليس له الا المضاربة بالمثن لان الرجوع إلى عين المبيع متعذر ههنا حقيقة وحكما (أما) حقيقة فللاختلاط (وأما) حكما فلان في هذا الخلط لا يكمن من المطالبة بالقسمة بأخذ مكيلة من المخلوط لما فيه من الاضرار بصاحب الاجود بخلاف ما إذا كان الخلط بالمثل والاردأ فان المطالبة بالقسمة والمأخوذ بمثابة الاول حكما قال الشافعي رضى الله عنه في تقرير هذا القول ولا يشبه يعني ما نحن فيه الثوب يصبغ والسويق يلت لان عين ماله فيه زيادة والذائب إذا اختلط انقلب حتي لا توجد عين ماله ومعناه أن الاختلاط إذا حصل لم تكن الاشارة إلى شئ من المخلوط بانه المبيع فكأنه هلك بخلاف الثوب المصبوغ والسويق الملتوت ومن هذا الفرق خرج مخرجون في الخلط بالمثل والاردأ قولا آخر أنه ينقطع به حق الرجوع وايد ذلك بأن الحنطة المبيعة لو انها الت عليها حنطة أخرى قبل القبض ينفسخ العقد على قول تنزيلا له منزلة التلف والاظهر القطع بأن الخلط بالمثل والاردأ لا يمنع الرجوع على ما سبق ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض لان الملك غير

(10/265)


مستقر فلا يبعد تأثره بما لا يتأثر به الملك المستقر * وإذا فرعنا على الخلط بالاجود على قول الرجوع ففى كيفيته قولان (أصحهما) أنه يكون شريكا كما في صبغ الثوب (والثانى) عن رواية الربيع والبويطى أن نفس المكيلتين يقسم بينهما باعتبار القيمة فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوى درهما والمخلوط بهما درهمين أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة وربما يخرج هذا الخلاف على أن القسمة بيع أو افراز حق (ان قلنا) بالاول لم يقسم عين الزيت لما في هذه القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة (وان قلنا) بالثاني فيجوز وكأنه أخذ بعض حقه وترك بعضه ومن الاصحاب من ينقل بدل القولين الآخرين وجهين وينسب الاول إلى أبى اسحق وإذا ترك الترتيب والتنزيل حصل في الخلط بالاجود ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أصحها) أنه فاقد عين ماله (والثانى) أنه يرجع فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمتين (والثالث) أنه يقسم المكيلتان على نسبة القيمتين (وأما) قوله ونقل عن ابن سريج التسوية بين الخلط بالاجود والاردأ فالسابق الي الفهم من ظاهره التسوية في طرد الاقوال الثلاثة وليس المراد ذلك وانما المراد التسوية في طرد القولين الآخرين حتى يقول إذا ساوى المبيع درهمين والمخارط؟ به درهما يباعان على قول ويكون ثلثا الثمن للبائع والثلث للمفلس وفى قول يقسم عين المخلوط فيصرف ثلثاه إلى البائع والثلث إلى المفلس والاول هو الذى قدمنا حكايته عن أبى اسحق ولا أقول إن القول بكونه فاقدا عين ماله لا مجال له في الخلط بالاردأ كيف وقد قدمنا أن بعضهم خرجه ولكن لا تعلق له بابن سريج والمنقول عن في النهاية والوسيط ما بيناه والفرق بين طرف الاجود حيث نظرنا فيه إلى الفسخ وبين طرف الاردأ حيث الزمناه القناعة بمكيلة من المخلوط على ظاهر المذهب وأصح في الكتاب * ونختم المسألة بذكر شيئين (أحدهما) قال الامام إذا قلنا

(10/266)


الخلط يلحق المبيع بالمفقود فلو كان أحد الخليطين كثيرا والآخر قليلا لا تظهر به زيادة في الحس وبيع مثله بين المكيلين فان كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجدا عين ماله وان كان الكثير للمشترى فالظاهر كونه فاقدا (والثانى) لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج فلا فسخ وهو بمثابة مالو تلف المبيع قال الامام وفيه احتمال سيما على قولنا ببيع المخلوط وقسمة الثمن *
قال (وان كانت الزيادة عينا من وجه ووصفا من وجه كما لو صبغ الثوب فان لم تزد قيمته فلا أثر له * وان زاد فالمشترى شريك (ح) بذلك القدر الذى زاد * الا إذا كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالزيادة على قيمة الصبغ صفة محضة * وفى الصفة المحضة في طحن الحنطة ورياضة الدابة وقصارة الثوب وكل ما يستأجر على تحصيله قولان * (أحدهما) أنه يسلم للبائع فهو كالزيادة المتصلة من السمن وغيره * (والثانى) كالصبغ لانها عمل محترم متقوم * بخلاف مالو صدر من الغاصب فانه عدوان محض * فعلى هذا للاجير حق الحبس * ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته) * هذا الفصل يشتمل على القسمين الباقيين من أقسام الثاني من الزيادات وتقديم المؤخر منهما في لفظ الكتاب اليق بالشرح فنقدمه ونقول (القسم الثاني) الصفة المحضة فإذا اشترى حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم أفلس فللبائع الرجوع إلى عين ماله ثم ينظر إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس فيه وان نقصت قيمته فلا شئ للبائع معه وان زادت فقولان (أحدهما) واختاره المزني أن الزيادة بهذه الاعمال تجرى مجرى الآثار ولا شركة للمفلس فيها لانها صفات تابعة حصلت بفعله فهى كسمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقى والتعهد وأيضا فان القصارة تزيل الوسخ وتكشف عما فيه من البياض فلا تقتضي الشركة كما لو كان المبيع لوزا فكسره وكشف اللب وزادت به القيمة (وأصحهما) أنها تجرى مجرى الاعيان ويصير المفلس شريكا فيها لانها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فوجب الا تضيع عليه بخلاف الغاصب لان فعله غير محترم ويخالف سمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقي لان القصار إذا عمل عمله صار الثوب

(10/267)


مقصورا لا محالة والسقى والعلف يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر فكان الاثر فيه غير منسوب إلى فعله بل هو محض صنع الله عزوجل ولهذا لا يجوز الاستئجار على تسمين الدابة وتكبير الودى ويجوز الاستئجار على القصارة ويجرى القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فسواه أو شاة فذبحها أو أرضا فضرب من تربتها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبني فيها دارا ثم أفلس وعن أبى اسحق
أن تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة لا تلحق بها ولا تجرى مجرى الاعيان قطعا لانه ليس بيد المعلم ولا الرائض الا التعليم وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض فكان كالتسمين ونحوه ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وابن القطان ايضا (والاصح) وبه قال ابن سريج وصاحب التلخيص والقاضى أبو حامد أنها من صور القولين لانها أعمال يجوز الاستئجار عليها ومقابلتها بالعوض وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما لا يجوز الاستئجار عليه فيظهر به أثر فيه وانما اعتبرنا ظهور الاثر فيه لان حفظ الدابة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ولا تثبت به الشركة لانه لا يظهر بسببه أثر على الدابة ثم الاثر تارة يكون صفة محسوسة كالطحن والقصارة وتارة يكون من قبيل الاخلاق كالتعليم والرياضة * إذا عرفت القولين ومحلهما (فان قلنا) بالاول أخذ البائع المبيع وفاز بزيادته (وان قلنا) بالثاني فيباع ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغت بالقصارة ستة يكون للمفلس سدس الثمن فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت فالزيادة والنقصان بينهما على قدر هذه النسبة ولو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بان صار مثل ذلك الثوب لا يؤخذ غير مقصور الا بستة ويشترى مقصورا بسبعة فليس للمفلس الا سبع الثمن والزيادة حصلت في الثوب ولو زادت قيمة القصارة دون الثوب بان كان مثل هذا الثوب يشترى مقصورا بسبعة ويؤخذ غير مقصور بخمسة فللمفلس سبعان من الثمن وعلى هذا القياس * ويجوز للبائع ان يمسك المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس ما زاد بسبب الاعمال كذا نقل صاحب التهذيب وغيره كما انه يبذل قيمة الغراس والبناء ومنع في التتمة منه لان الصفة لا تقابل بعوض (واما) قوله فعلى هذا

(10/268)


فللابخير حق الحبس إلى آخره فهو اشارة إلى فرعين لاتعلق لهما بالمفلس (أحدهما) إذا استأجر للقصارة أو الطحن فعمل الاجير عمله هل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الاجرة (فأن قلنا) القصارة وما في معناها أثار فلا (وان قلنا) انها أعيان فنعم كما أن البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن وهذا ما اختاره الاكثرون واحتجوا به للقول الثاني موهمين كونه مجزوما به (والثانى) إذا تمم القصار والطحان العمل وتلف محل العمل في يده (فان قلنا) بالاول استحق الاجرة وكانه وقع مسلما
بالفراغ (وان قلنا) بالثاني لم يستحق لانه تلف قبل التسليم كما يسقط الثمن بتلف المبيع في يد البائع وهذا الفرع قد أعاده في الكتاب في باب الاجارة (القسم الثالث) ما هو عين من وجه وصفه من وجه كصبغ الثوب ولت السويق وما أشبههما فإذا اشترى ثوبا وصبغه ثم أفلس نظر ان لم ترد القيمة بالصبغ أو نقصت فالحكم على ما مر في القسم الثاني وان زادت فاما أن تزيد بقدر قيمة الصبغ كما إذا كان الثوب يساوى أربعة الصبغ درهمين وكانت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع في الثوب ويكون المفلس شريكا بالصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما اثلاثا وكيف تنزيل الشركة بينهما أنقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس الارض أو نقول يشتركان فيهما جميعا بالاثلاث لتعذر التمييز كما في خلط الزيت حكى صاحب التهذيب فيه وجهين (الحالة الثانية) أن تكون الزيادة أقل من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا خمسة فالنقصان يحال على الصبغ لانه هالك في الثوب والثوب قائم بحاله إذا بيع قسم الثمن بينهما أخماسا أربعة أخماس للبائع وخمسة للمفلس (الحالة الثالثة) أن تكون الزيادة أكثر من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا مائة فما زاد على قيمتها انما زاد بصنعة الصبغ فيبنى على أن القصارة ونحوها من الاعمال آثار أم أعيان (ان قلنا) إنها أعيان فالزيادة بالصبغ للمفلس وذلك مثل قيمة الثوب فيجعل الثمن بينهما نصفين (وان قلنا) إنها آثار فقد حكى الامام أن الشيخ أبا على ذكر في الشرح أن البائع يفوز بها على ما هو سبيل الزيادات المتصلة وحينئذ يكون الثمن بينهما أرباعا ثلاثة أرباع للبائع والرابع للمفلس قال وكنت أودان نقص أثر الصفة على الثوب والصبغ حتى يجعل الثمن بينهما اثلاثا ويكون ثلثاه للبائع والثلث

(10/269)


للمفلس لان الصفة اتصلت بالثوب والصبغ جميعا وهذا الذى قلناه هو الذى أورده الشيخ في شرح القروع وصاحب التهذيب والاكثرون وفى كتاب ابن كج نقل الوجهين معا * ولو ارتفعت القيمة بعد الصبغ فبلغت ستة عشر مثلا أو وجد من اشتراه بهذا المبلغ ففى كيفية القسمة هذه الوجوه الثلاثة والربح بكل حال يقسم بحسب قسمة الاصل * وإذا عرف القدر الذى يستحقه المفلس من الثمن فان شاء البائع تسلمه ليخلص له الثوب مصبوغا فله ذلك ومنع صاحب التتمة منه كما ذكرنا
في القسم الثاني * هذا كله فيما إذا صبغ الثوب المشترى بصبغ من عنده أما إذا اشترى ثوبا وصبغا من انسان وصبغه به ثم أفلس فللبائع فسخ البيع والرجوع اليهما الا أن تكون القيمة بعد الصبغ كقيمة الثوب بعدها قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقد الصبر وان زادت القيمة بان كانت قيمة الثوب أربعة وقيمة الصبغ درهمين والثوب مصبوغا يساوى ثمانية فعلى الخلاف في أن الصباغات آثار أم أعيان (ان قلنا) بالاول أخذهما ولا شركة للمفلس (وان قلنا) بالثاني فالمفلس شريك بالربع * ولو اشترى الثوب من واحد باربعة وهى قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه به وأراد البائعان الرجوع فان كان الثوب مصبوغا لا يساوي أكثر من أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب واجد ماله بكماله ان لم ينقص عن أربعة وناقصا ان لم يبلغ وان كانت قيمته بعد الصبغ ثمانية (فان قلنا) ان الاعمال آثار فالشركة بين البائعين كما هي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصنع نفسه تفريعا على هذا القول (وان قلنا) أعيان فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ وربعه للمفلس * ولو اشترى صبغا وصبغ به ثوبا كان له فللبائع الرجوع ان زادت قيمته مصبوغا علي ما كانت قبل الصبغ والا فهو فاقد وإذا رجع فالقول في الشركة بينهما على ما مر * واعلم أن جميع ما ذكرناه في القسمين مفروض فيما إذا باشر المفلس القصارة والصبغ وما في معناه بنفسه أو استاجر أجيرا ووفاه الاجرة قبل التفليس اما إذا حصلها باجير ولم يوفه اجرته فسنذكر حكمه في الفصل الذي يلى هذا الفصل ان شاء الله تعالى * (فرع) حكم صبغ الثوب كما في البناء والغراس ولو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقصان الثوب قال القاضى ابن كج لهم ذلك (وقوله) في الكتاب عند ذكر الصبغ وان زاد فالمشترى

(10/270)


شريك بذلك القدر الذى زاد يجوز إعلامه بالواو لان محل القطع بالشركة ما إذا كان الصبغ مما يمكن فيه التمييز والاستخلاص اما إذ لم يمكن التمييز وصار مستهلكا فعن القاضى أبى حامد وجه انه ينزل منزلة القصارة والطحن حتى يكون للبائع تبعا للثوب على أحد القولين * قال (ولو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة القصارة خمسة والاجرة درهم وأفلس قبل توفية الاجرة فيقدم (و) الاجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء وان كانت الاجره خمسة وقيمة القصارة
درهم اختص الاجير بالدرهم الزائد وضارب بالاربعة ولا يقال (و) للاجير اقنع بما وجدته من القصارة أو ضارب بكل الاجرة فان القصارة وان شبهت بالصبغ فليست عينا يمكن ايراد الفسخ عليها) * إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوف أجرته حتى أفلس (فان قلنا) القصارة أثر فليس للاجير الا المضاربة بالاجرة مع الغرماء وللبائع الرجوع في الثوب المقصور ولا شئ عليه لما زاد وعن صاحب التلخيص أن عليه أجرة القصارة وكأنه استأجره وغلطه الاصحاب فيه (وان قلنا) انها عين نظر ان لم تزد قيمته مقصورا على ما كان قبل القصارة فهو فاقد عين ماله وان زادت فلكل واحد من البائع والاجير الرجوع إلى عين ماله فان كانت قيمة الثوب عشرة والاجرة درهما والثوب المقصور يساوى خمسة عشر رجعا وبيع بخمسة عشر وصرف منها عشرة إلى البائع ودرهم إلى الاجير والباقى للغرماء ولو كانت الاجرة خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوى أحد عشر فان فسخ الاجير الاجارة فعشرة للبائع ودرهم للاجير ويضارب مع الغرماء بأربعة وان لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب مع الغرماء بخمسة ولا يخفي من نظم الكتاب أن الجواب في الصورتين مقصور على قول العين وانهما معطوفتان على قوله من قبل فعلى هذا للاجير حق الحبس ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته (وقوله) ولا يقال للاجير إلى آخره اشارة إلى سؤال وجواب مشهورين في هذا المقام (أما) السؤال فهو انا إذا جعلنا القصارة عينا فزادت بفعله خمسة وجب أن يكون الكل له كما لو زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت أجرته خمسة ولم يحصل بفعله الا درهم وجب ألا يكون له الا ذلك لان من وجد عين ماله ناقصة ليس له الا القناعة بها والمضاربة مع الغرماء (والجواب) أنه لا شك في أن القصارة صفة تابعة للثوب ولا نعنى بقولنا ان القصارة

(10/271)


عين أنها في الحقيقة تفرد بالبيع والاخذ والرد كما يفعل بسائر الاعيان ولو كان كذلك جعلنا الغاصب شريكا للمالك إذا قصر الثوب كما جعلناه شريكا إذا صبغه انما المراد أنها مشبهة بالاعيان من بعض الوجوه لان الزيادة الحاصلة بها متقومه مقابلة بالعوض فكما لا تضيع الاعيان على المفلس لا تضيع الاعمال عليه وأما بالاضافة إلى الآجير فليست القصارة مورد الاجارة حتى يرجع إليها بل مورد الاجارة فعله المحصل للقصارة وذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه فيجعل الحاصل بفعله لاختصاله به
متعلق حقه كالمرهون في حق المرتهن أو نقول هي مملوكة للمفلس مرهونة بحق الاجير ومعلوم أن الرهن إذا ارادت قيهته على الدين لا يأخذ المرتهن منه الا قدر الدين وإذا نقصت لا يتادى به جميع الدين * وأعلم قوله ولا يقال للاجير اقنع بالواو لانه حكي في الوسيط أن بعض الاصحاب قضى بأنه ليس له الا القناعة بالقصارة أو المضاربة على ما هو قياس الاعيان ولم أعثر على هذا النقل لغير المصنف لكن ذكر القاضى ابن كج ان أبا الحسين خرج وجهين في أنه لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء وصاحب هذا الثوب هل يجبر عليه وان الاصح الاجبار وهذا بالقياس على البائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكان هذا القائل يعطى القصارة حكم الاعيان من كل وجه * ولو كانت قيمة الثوب المشترى عشرة واستأجر صباغا فصبغه بصبغ قيمته درهم وصارت قيمته خمسة عشر فالاربعة الزائدة على القيمتين حاصلة بصفة الصبغ فيعود فيه القولان في أنها أثر أم عين فإذا رجع كل واحد من البائع والصباغ إلى ماله بيع بخمسة عشرة وقسم علي احد عشر ان جعلناها أثرا فللبائع عشرة وللصباغ واحد لان الزيادة تابعه وهذا الاصح يطبق على قولنا ان القصارة مرهونة بحقه إذ ليس للمرتهن التمسك بغير المرهون إذا أدي حقه بوجه طالبها وان جعلناها عينا عشرة منها للبائع ودرهم للصباغ وأربعة للمفلس يأخذها الغرماء ولو كانت المسألة بحالها وبيع بثلاثين لارتفاع السوق أو للظفر براغب قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس ثمانيه وقال غيره يقسم الكل على احد عشر عشرة للبائع وواحد للصباغ ولا شئ للمشترى قال الشيخ أبو على الاول جواب على قولنا انها عين (والثانى) على أنها أثر وبمثله لو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر ثم اتفق بيعه بثلاثين

(10/272)


ذكر الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما تفريعا على قول العين أنه يتضاعف حق كل واحد منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ واستدرك الامام فقال ينبغى أن يكون للبائع عشرون وللمفلس تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يضعف حقه لما مر أن القصارة غير مستحقة للقصار وانما هي مرهونة بحقه وقد أشار الشيخ أبو علي إلى مثل هذا المعني في مسألة الصبغ واعتذر عنه ابن الصباغ بأنه قال كانه باع الصبغ بدرهم فتوزع الزيادة على الصبغ والثوب وهذا العذر وان لم يكن واضحا كل الوضوح إذ
ليس استئجار الصباغ مجرد شراء الصبغ فلا مساغ له في القصارة فإذا الاستدراك الذى ذكره الامام فيه فقيه والله أعلم * (فرع) لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الظاهر عن قدر الديون فحجر الحاكم عليه ورجع أصحاب الامتعة إلى أمتعتهم وقسم الحاكم ما بقى بين الغرماء ثم بان صنيعه لم ينقص شئ من ذلك لان للقاضى بيع أموال الممتنع وصرف الثمن إلى ديونه والرجوع إلى عين المال بامتناع
__________
(حديث) ان عمر خطب الناس وقال ألا ان الاسيفع اسيفع جهبنة قد رضى من دينه وامانته أن يقال سبق الحاج الحديث مالك في الموطأ بسند منقطع ان رجلا من جهبنة كان يشترى الرواحل فيغالى بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع أمره إلى عمر ابن الخطاب فقال أما بعد أيها الناس فان الا سيفع فذكره وفيه الا انه اذان معرضا فاصبح وقد دين به فمن كان له عليه دين فليأننا بالغداة فقسم ماله بين غرمائه ثم اياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب ووصله الدارقطني في العلل من طريق زهير ابن معاوية عن عبيد الله بن عمر عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن أبيه عن بلال بن الحارث عن عمر وهو عند مالك عن بن دلاف

(10/273)


المشترى من اداء الثمن فمختلف فيه فأذا اتصل به حكم حاكم نفذ قاله في التتمة وفيه توقف لان القاضى ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع فكيف يجعل حكمه بناء على ظن آخر حكما بالرجوع بالامتناع * (فرع) من له الفسخ بالافلاس لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال وهل يبطل حقه من الفسخ ان كان جاهلا بجوازه فيه وجهان كما سبق نظيرهما في الرد بالعيب وبالله التوفيق *
__________
عن أبيه أن رجلا ولم يذكر بلالا قال الدارقطني والقول قول زهير ومن تابعه وقال ابن أبى شيبة عن عبد الله بن ادريس عن العمرى عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه عن عمه بلال بن الحارث المزني فذكر نحوه وقال البخاري في تاريخه عمر بن عبد الرحمن بن عطية؟ ابن دلاف المزني المدنى روى عن أبى امامة وسمع اباه انتهى واخرج البيهقى الفصة من طريق مالك
وقال رواه ابن علية عن أيوب قال نبئت عن عمر فذكر نحو حديث مالك وقال فيه فقسم ماله بينهم بالحصص (قلت) وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال ذكر بعضهم كان رجل من؟ جهينة؟ فذكره بطوله ولفظه كان رجل من جهينة يبتاع الرواحل فيغلى بها فدار عليه دين حتى أفلس فقام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الا لا يغرنكم صيام رجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدقه إذا حدث والى أمانته إذا أئتمن والى ورعه إذا استعنى ثم قال لا أن الا سيفع أسيفع جهينة فذكر نحو سياق مالك قال عبد الرزاق وانا ابن عيينة اخبرني زياد عن ابن دلاف عن أبيه مثله وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن ابيه عن جده قال قال عمر فذكره نحو سياق أيوب إلى قوله استغنى ولم يذكر ما بعده من قصة الا سيفع وقال رواه ابن وهب عن مالك فلم يقل في الاسناد عن جده

(10/274)