فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب الحوالة)
قال (وهى معاملة صحيحة (لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم فإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) والنظر في شرئطها وأحكامها * أما الشرائط (فالاول) رضا المستحق للدين والمستحق عليه (و) ايجابا وقبولا * ورضا المحال عليه لا يشترط (ح) لانه محل التصرف * وهل يشترط أن يكون على المحال عليه دين فيه وجهان * فان لم يشترط فحقيقة تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل *
وعند ذلك يشترط رضاه لا محالة) * أصل الحوالة مجمع عليه ويدل عليه من جهة الخبر ماروى الشافعي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مطل الفني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملى فليتبع) ويروى (وإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) وهو معني اللفظ الاول قال في الصحاح ويقال اتبع فلان بفلان إذا احيل له عليه والتبيع الذى لك عليه مال ثم الاشهر من الرواية (فإذا احيل أحدكم) بالفاء فعلى التقدير الاول هو مع قوله (مطل الغني ظلم) جملتان لا تعلق للثانية بالاولى لقوله صلى الله عليه وسلم (العارية مردودة والزعيم الغارم) وعلى الثاني يجوز أن يكون المعنى في الترتيب انه إذا كان المطل ظلما من الغنى فإذا احيل بدينه فان الظاهر انه يحترز عن الظلم ولا يمطل ثم الامر في قوله فليتبع أو فليحتل أمر استحباب وعن أحمد رضى الله عنه انه للوجوب * واعلم انه إذا كان لزيد عليك عشرة ولك على عمرو مثلها فأحلت زيدا على عمرو فانت محيل
__________
(كتاب الحوالة) (حديث) الشافعي عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغنى ظلم وإذا اتبع احدكم على ملى فليتبع متفق عليه من حديث مالك ورواه اصحاب السنن الا الترمذي من حديث أبى الزناد أيضا وأخرجوه من طريث همام عن أبى هريرة ورواه أحمد والترمذي من حديث ابن عمر نحوه (قوله) ويروى فإذا أحيل أحدكم على ملى فليحتل ويروى وإذا أحيل بالواو وهو أشهر وهو بمعنى الاول هي رواية لاحمد صحيحة وأما بالواو فهى في مسلم وغيره (تنبيه) قال الخطابى أصحاب الحديث يقولون فليتبع بالتشديد وهو غلط وصوابه فليتبع بتاء ساكنة خفيفة * (حديث) العارية مردودة والزعيم غارم سيأتي بعد قليل

(10/337)


وزيد محتال وعمرو محال عليه وقد كان لزيد عليك دين ولك على عمرو دين وجرت بينك وبين زيد مراضاة بها انتقل حقه إلى عمرو فهذه ستة أمور لا بد منها في وجود الحواله ويشترط في صحتها أمور (منها) ما يرجع للدينين (ومنها) ما يتعلق بالاشخاص الثلاثة وصاحب الكتاب حاول جمع الشروط واعرض عن تفصيل ما يفتقر إليه وجود الحوالة لوضوحه واكتفى بما بينه في سائر العقود * وأول ما نذكره أصل شديد التوغل في مسائل الكتاب
وهو أن الحوالة استيفاء حق أو بيع أو اعتياض وفيه وجهان أو قولان منسوبان إلى ابن سريج وغيره (أحدهما) أنها استيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل واقرضه المحال عليه ووجهه أنها لو كانت معاوضة لجاز أن يحيل بالشئ على أكثر منه أو أقل ولما جاز التفريق قبل القبض إذا كانا طعامين أو نقدين (وأظهرهما) وقد نص عليه في باب بيع الطعام أنها بيع لانها تبديل مال بمال فان كل واحد من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه وهذا حقيقة المعاوضة وليس فيها استيفاء حق ولا اقراض محقق فلا يقدران وعلى هذا فهو بيع ماذا بماذا في كتاب القاضى ابن كج أن القاضى أبا حامد خرجه على وجهين (أحدهما) أنها بيع عين بعين والا بطلت للنهى عن بيع الدين بالدين وكأن هذا القائل نزل استحقاق الدين على الشخص منزلة استحقاق منفعة تتعلق بعينه كالمنافع في إجارات الاعيان (والثانى) وهو المنقول أنها بيع الدين بالدين فان حق الدين لا يستوفى من غير الشخص ولغيره أن يوءديه عنه واستثني هذا العقد عن النهى لحاجة الناس مسامحة وارفاقا ولهذا المعني لم يعتبر فيه النقابض كما في القرض ولم يجز فيه الزيادة والنقصان لانه ليس بعقد مما كسة كلقرض وقال الامام وشيخه لا خلاف في اشمتال الحوالة على المعنين (الاستيفاء والاعتياض) والخلاف في أن أيهما أغلب إذا عرفت ذلك فشرح الشرط الاول إن تقول لا تصح الحوالة ألا برضى المستحق للدين وهو المحتال وللمستحق عليه وهو المحيل (أما) رضى المحتال عليه فلان حقه في ذمه المحيل فلا ينفك الا برضاه كما إن الاعيان المستحقة للشخص لا تبدل إلا برضاه (وأما) رضى المحيل فلان له ايفاء الحق من حيت شاء فلا نعين عليه بعض الجهات قهراو هل يشترط رضى المحال عليه ينظر إن كانت

(10/338)


الحوالة على من عليه دين للمحيل فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة يشترط رضاه لانه أحد أركان الحوالة فاشبه المحيل والمحتال لان الناس يختلفون في الايفاء والاستيفاء وبهذا قال الاصطخرى والزبيرى وعن أبن القاص أنه منصوص عليه في الام (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك وأحمد لاحاجه إلى رضى المحال عليه لانه محل الحق والتصرف فصار كما إذا باع عبدا لا يشترط رضاه لان الحق للمحيل عليه فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما لو وكل في الاستيفاء وكيلا وبنوا
الوجهين على أن االحوالة اعتياض واستيفاء (فان قلنا) بالاول فلا يشترط لانه حق المحيل فلا يحتاج فيه إلى رضى الغير (وان قلنا) الثاني فيشترط تعذر اقراضه من غير رضاه وان كانت الحوالة على من لادين عليه لم تصح دون رضاه لانا لو صححناها لالزمناه قضاء دين الغير قهرا وان رضى ففى صحة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الاصل المذكور (وان قلنا) انها اعتياض لم تصح لانه ليس على المحال عليه شئ حتى نجعله عوضا عن حق المحيل (وان قلنا) استيفاء فتصح كأنه أخذ المحتال حقه وأقرضه من المحال عليه وبهذا قال ابن الحداد وقال الامام الصحيح عندي تخريجه على الخلاف في أنه هل يصح الضمان بشرط براءة الاصيل بل هذه الصورة عين تلك الصورة فان الحوالة تقتضي براءة المحيل فإذا قبل الحوالة فقد التزم على ان يبرئ المحيل وهذا ذهاب منه إلى براءة المحيل وجعلها أصلا مفروغا عنه لكن فيه وجهان نقلهما القاضى ابن كج (أحدهما) أنه يبرأ على قياس الحوالات وهذا ما أورده الصيدلانى وأخذ به الامام (والثانى) هو الذى أورده الاكثرون أنه لا يبرأ وقبول الحوالة ممن لادين عليه ضمان مجرد ثم فرعوا فقالوا (ان قلنا) لا تصح هذه الحوالة فلا شئ على المحال عليه فان تطوع وأداه كان كما لو قضى دين الغير (وان قلنا) يصح فهو كما لو ضمن فيرجع على المحيل ان أدي باذنه وكذلك ان أدى بغير اذنه على أظهر الوجهين لجريان الحوالة باذنه وقبل الاداء هل يرجع على المحيل فيه وجهان بناء على أن المحيل هل يبرأ (ان قلنا) يبرأ فنعم لانتقال الملك إلى ذمته بمجرد الحوالة (وان قلنا) لا يبرأ فلا ضمان كما أن الضامن لا يرجع على المضمون

(10/339)


عنه قبل الاداء وان طالبه المحتال بالاداء فله مطالبة المحبل بتخليصه وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال فيه وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المحيل بشئ ولو قبضه المحتال ثم وهبه منه ففى الرجوع وجهان ينظر في أحدهما إلى أن الغرم لم يستقر عليه وفى الثاني إلى أنه عاد إليه بتصرف مبتدأ قبل الدخول ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه المال أو من ضامنه ولو أحال المحتال على غيره نظر ان أحاله على من عليه دين رجع على محيله بنفس الحوالة لحصول الاداء بها وان أحال على من لا دين عليه لم يرجع ما لم يرجع عليه الذى أحال
عليه (وأما) لفظ صاحب الكتاب فقوله المستحق عليه أعلمه بعضهم بالواو لانا إذا جوزنا الحوالة على من لادين عليه فلو قال من لادين عليه للمستحق أحلت بالدين الذى لك على فلان على نفسي فقبلت صحت الحوالة فاذن لا يشترط ههنا رضى المحيل وانما يشترط رضى المحال والمحال عليه (وقوله) ايجابا أشار به إلى أن المعتبر وان كان هو الرضى الا أن طريق الوقف على تراضيهما انما هو الايجاب والقبول على ما مر في البيع ولو قال المحتال احلني على فلان فقال أحلت ففيه الخلاف المذكور في نظيره في بيان الاستحباب والايجاب في البيع وفى جرجانيات ابى العباس الرويانى طريقة أخرى قاطعة بالانعقاد لان الحوالة اجيزت رفقا بالناس فيتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ورضى المحال عليه لا يشترط معلم بالحاء والواو (وقوله) فان لم يشترط تحقيقه تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل إلى حقيقة عدم الاشتراط فلو صرفنا الكناية إلى هذا العقد لكان الوجه أن يقال فحقيقته الضمان بشرط براءة الاصيل لان حقيقة العقد لا تكون تجويز الضمان بل لو كانت لكانت نفس الضمان * قال (الثاني أن يكون الدين لازما أو مصيره إلى اللزوم * فتصح (و) الحوالة على الثمن في مدة الخيار فان فسخ البيع انقطعت الحوالة * وفى نجوم الكتابة خلاف * قيل يحال بها ولا يحال عليها) *

(10/340)


الدين ينقسم إلى ما ليس بلازم والى ما هو لازم أما غير اللازم ففيه مسألتان مذكورتان في الكتاب (إحداهما) الثمن في مدة الخيار هل تجوز الحوالة به بان يحيل المشترى البائع على رجل وعليه بان يحيل البائع رجلا على المشترى فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن القاضى أبى حامد انه لا يجوز لانه ليس بلازم (وأصحهما) الجواز لانه صائر إلى اللزوم والخيار عارض فيه فيعطى حكم اللازم وفى التتمة أن هذا الخلاف مبنى على أن الحوالة معاوضة أو استيفاء (أن قلنا) معاوضة فهى كالتصرف في المبيع في زمان الخيار (وان قلنا) استيفاء فتجوز (وان قلنا) بالمنع فهل ينقطع به الخيار فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو على في شرح الفروع (أحدهما) لا لحكمنا ببطلانه وبتنزيلنا إياه منزلة العدم (وثانيهما) نعم لان التصرف في عوض العقد يتضمن الرضا وابطال الخيار (وان قلنا) بالجواز فالذي أورده الامام
وصاحب الكتاب أنه لا يبطل الخيار ولو اتفق فسخ البيع انقطعت الحوالة لانها انما صحت على تقدير اقتضاء البيع إلى اللزوم فإذا لم يقصد إليه ارتدت الحوالة ومنقول الشيخ ومختاره بطلان الخيار لان قضية الحوالة اللزوم فلو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم * واعلم أنا إذا قضينا ببطلان الخيار ففيما إذا أحال البائع المشترى على ثالث بطل خيارهما جميعا لتراضيهما وفيما إذا أحال البائع رجلا على المشترى لا يبطل خيار المشترى الا إذا فرض منه قبول ورضى (الثانية) إذا أحال السيد غريما له على مكاتبة بالنجوم ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال الحليمى أن الحوالة جائزة لان النجوم دين ثابت على المكاتب فاشبه سائر الديون (وأصحهما) المنع لان النجوم غير لازمة على المكاتب وله اسقاطها متى شاء فلا يمكن الزامه الدفع إلى المحتال ولو أحال المكاتب السيد على انسان فجواب الاكثرين صحة الحوالة لان ما أحاله عليه مستقر والكتابة لازمة من جهة السيد فمتى أدى المحال عليه وجب على السيد القبول وقيل بالمنع من هذا الطرف أيضا إذا جمعت بين الصورتين حصلت ثلاثة أوجه على ما ذكر في الكتاب (أحدها) جواز احالة المكاتب بالنجوم واحالة السيد على النجوم وهذا منسوب في النهاية إلى ابن سريج (وثانيها) منعهما جميعا

(10/341)


وبه قال القاضى ولم يذكر في التهذيب غيره (وأظهرها) جواز احالة المكاتب بها ومنع احالة السيد عليها ولو كان للسيد على مكاتبة دين معاملة فاحالة عليه قال في التتمة ينبني على أنه لو عجز نفسه هل يسقط ذلك الدين (ان قلنا) نعم لم يصح والاصحت ومما يدخل في هذا القسم الجعل في الجعالة والقياس أن يجئ في الحوالة به وعليه ولا فرق بين أن ينفق الدينان في سبب الوجوب أو يختلفان كما إذا كان أحدهما ثمنا والآخر أجرة أو قرضا أو بدل متلف وكل دين جوزنا الحوالة به وعليه من القسمين فذكل إذا كان مثليا كالاثمان؟ والحبوب وان كان متقوما كالثياب والعبيد فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج أنه كالمثلى لثبوته في الذمة ولزومه (والثانى) المنع لان المقصود من الحوالة ايصال المستحق إلى الحق من غير تفاوت وهذا الغرض لا يتحقق فيها لامثل له ولابد من العلم بقدر المحال به وعليه وصفتهما نعم لو أحال باقل الدية أو عليها وفرعنا على جواز الحوالة في المتقومات فوجهان أو
قولان بناء علي جواز المصالحة والاعتياض عنها والاصح المنع للجهل بصفاتها * قال (الثالث أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما علي المحيل قدرا ووصفا * فلو كان بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة لم يجر * وان لم يفتقر بل أجبر علي قبوله كأداء الجيد عن الردئ جاز (و) * وان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة ففيه خلاف (و) * كان الفصل السابق مسوقا لبيان الصفات المشروطة في كل واحد من الدينان فالغرض الآن بيان الشروط بالدينين وفيه صور (احداها) يجب أن يكون الدينان من جنس واحد ولو أحال بالدراهم على الدنانير أو بالعكس لم يصح (أما) إذا جعلنا الحوالة استيفاء فلان مستحق الدراهم إذا استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقه إلى الدنانير (وأما) إذا جعلناها معاوضة فلائنها وان كانت معاوضة فليس هي على حقيقة المعاوضات التى يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مال أو زيادة قدر أو صفة وانما هي معاوضة ارفاق ومسامحة للحاجة فاشتراط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة كما في القرض قال صاحب التتمة ونعني بقولنا ان هذه الحوالة غير صحيحة أن الحق لا بتحول

(10/342)


بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ولكنها إذا جرت فهى حوالة على من لادين عليه والحكم فيها ما مر (والثانية) يجب أن يتساويا في القدر فلا يحال بخمسة على عشرة ولا بعشرة على خمسة لما ذكرنا أن هذا العقد لم يوضع لتحصيل زيادة أو حط شئ وانما وضع ليصل كل واحد من المستحقين إلى حقه وفى الا حالة بالقليل علي الكثير وجه أنها جائزة وكأن المحيل تبرع بالزيادة (والثالثة) في اشتراط تساويهما في الحلول والتأجيل وجهان (أصحهما) الاشتراط الحاقا للوصف بالقدر (والثانى) يجوز أن يحيل بالمؤجل على الحال لان للمحيل أن يجعل ما عليه فإذا أحال به على الحال فقد عجل ولا يجوز أن يحيل بالحال على المؤجل لان حق المحتال حال وتأجهل الحال لا يلزم ولو كانا متأجلين باجلين مختلفين لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الاول وعلى الثاني يحال بالمكسر على الصحيح ويكون المحيل متبرعا بقيد الصحة ولا يحال بالصحيح على المكسر والا كان المحتال تاركا صفة الصحة رتبوه ليحيله المحيل ويخرج على هذا حوالة الاردأ على الاجود وبالعكس في كل جنس (وقوله) في الكتاب
فلو كان بينهما تفاوت إلى آخره تفصيل ما أجمله بقوله أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ومثال ما يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة أن يختلف الجنس فيكون على أحدهما دراهم وعلى الآخر دنانير فان الاستبدال باحد الجنسين عن الآخر اعتياض محض (وقوله) وان لم يفتقر بل أجبر على قبوله كاداء الجيد عن الردئ فهو مثل أداء الصحيح عن المكسر وتعجيل المؤجل حيث يجبر المستحق على القبول وهذا الكلام يتفرع على الصحيح في أن المديون إذا أتى باجود مما عليه من ذلك النوع يجبر المستحق على قبوله وفيه خلاف قد سبق في باب السلم (وقوله) ان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة فهو كأداء الردئ عن الجيد فانه يچوز قبوله ولا يكون ذلك معاوضة هذا بيان ما ذكره وفيه رواية خلاف للاصحاب في جواز الحوالة بالجيد على الردئ والاشارة إلى الجزم تجوز حوالة الردئ على الجيد وهو يخالف نقل الجمهور في الطرق وربما تجد في كتاب ابوافقه * قال (أما حكمها فبراءة المحيل (ح) عن دين المحال وتحول الحق إلى المحال عليه وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل * فلو أفلس المحال (ح) عليه أو جحد لم يكن (ح) للمحتال الرجوع

(10/343)


على المحيل إذا حصلت البراءة مطلقة * ولو كان الافلاس مقرونا بالحوالة وهو جاهل فالاظهر ثبوت الخيار) * إذا جرت الحوالة بشرطها برئ المحيل عن دين المحتال وتحول حق المحتال إلى ذمة المحيل عليه وبرئ المحال عليه عن دين المحيل حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرحوع على المحيل كما لو اخذ عوضا عن الدين وتلف في يده وبهذا قال مالك وأحمد وذهب أبو حنيفة الي أنه يرجع فيما إذا مات مفلسا وفيما إذا جحد وحلف * واحتج الشافعي رضى الله عنه بوجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروى في أول الباب تعرض للملاءة فقال (إذا احيل أحدكم على ملئ فليحتل) ولا يمكن المحتال من الرجوع لما كان فتأخره للملاءة كبير فائدة (والثانى) أن الحوالة اما أن يتحول بها الحق عن المحيل أو لا يتحول ان تحول فقد برئت ذمته فوجب ألا يعود إليه كما لو أبرأه وان لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضمان فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الافلاس والجحود ففى صحة الحوالة وجهان وان صحت ففى صحة الشرط وجهان حكاهما
القاضى ابن كج * هذا إذا طرأ الافلاس أما إذا كان مقرونا بالحوالة وجهله المحتال نظر إن لم تجر بشرط الملاءة فالمشهور أنه لا رجوع للمحتال ولا خيار له وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحيص فصار كما لو اشترى شيئا وكان مغبونا فيه ونقل الامام وجها انه يثبت له الخيار تداركا لما لحقه من الخسران كما لو اشترى شيئا فبان معيبا وبهذا قال مالك وان شرط ملاءة المحال عليه فبان مفلسا فان قلنا بثبوت الخيار عند الاطلاق فههنا أولى وان منعنا ثم فما الحكم نقل المزني انه لا يرجع فانكره ابن سريج من قول الشافعي رضى الله عنه وقال يرجع كما لو اشترى عبدا بشرط انه كاتب فبان خلافه ثبت له الخيار وعامة الاصحاب على صحة نقل المزني واختاروا عدم الرجوع لانه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار لثبت الرجوع عند الاطلاق لان الاعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت الخيار سواء شرطت السلامة عنه أو لم تشترط ويخالف شرط الكتابة فان فواتها ليس بنقيصه وانما هو عدم فضيلة وإذا جمع بين صورتي الاطلاق والاشتراط حصل في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين الصورتين وقد جمع الامام الوجوه هكذا وقرب التردد في المسألة من التردد في أن

(10/344)


الحوالة استيفاء أو اعتياض فقول صاحب الكتاب فالاظهر من ثبوت الخيار أراد من هذه الوجوه على ما هو مبين في الوسيط وترجيح الوجه الصائر إلى ثبوت الخيار يخالف اختيار علمة الاصحاب سيما في حالة الاطلاق فاعرف ذلك (فرعان) أحدهما صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين قال القاضى الحسين نعم ويفسخ الصلح وعن حكاية الشيخ أبى عاصم انه لا يعود * (الثاني) خرج المحال عليه عبدا فان كان لاجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة كما لو أحال على معسر وتبعه المحتال بعد العتق وهل له الرجوع على المحيل فيه خلاف مرتب على مااذا بان معسرا وأولى بان يرجع وان كان عبدا للمحيل فان كان له في ذمته دين بان ثبت قبل أن يمكله وفرعنا على انه لا يسقط إذا ملكه فهو كما لو كان لاجنبي وان لم يكن في ذمته فالحوالة عليه حوالة على من لا دين عليه فان صححتاها وقلنا انها ضمان فهذا ضمان العبد *
عن سيده باذنه وسيأتى حكمه في الضمان ولا يخفى فيما ذكرنا حكم مالو كان لاجنبي ولم يكن للمحيل عليه دين * قال (ولو أحال المشترى بالثمن على انسان فرد عليه المبيع ففى انفساخ الحوالة قولان (و) أظهرهما أنها تنقطع فان كان ذلك قبل قبض المبيع فأولى بأن تنقطع وإن كان بعد قبض المحتال مال الحوالة فأولى بأن لا تنقطع فلو أحال البائع على المشترى فأولى بأن لا ينقطع وهو الظاهر لانه تعلق الحق بثالث ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابه الاستيفاء والاعتياض فان قلنا لا ينفسخ فللمشترى (و) مطالبة البائع بتحصيله ليغرم له بدله أو بتسليم بدله إليه في الحال إذا لم يكن قد قبض البائع بعد مال الحوالة * وإن قلنا ينفسخ ولم يكن قد قبض فليس له القبض فأن فعل فالاصح (و) أنه لا يقع عن المشترى لان الحوالة انفسخت والاذن الذى كان ضمنا له لا يقوم بنفسه) * المسائل المذكورة من هذا الموضع إلى آخر الباب من تخريجات المزني على أصول الشافعي رضى الله عنه وتحريه وصورة مسألة الفصل ما إذا اشترى عبدا بمائة مثلا واحال المشترى البائع بالثمن على رجل ثم

(10/345)


اطلع على عيب قديم العبد فرده.
قال المزني في المختصر تبطل الحوالة ونقل عنه في الجامع الكبير انها لا تبطل وللاصحاب ثلاثة طرق (أحدها) ان في بطلان الحواله قولين (اظهرهما) عند القاضى ابن كج وصاحب الكتاب وغيرهما أنها تبطل وتنقطع وهما مبنيان على أن الحوالة إستيفاء أو اعتياض (أن قلنا) أنها استيفاء انقطعت لان الحوالة على هذا التقدير نوع ارفاق ومسامحة فإذا بطل الاصل بطل هبة الارفاق التابعة له كما لو اشترى شيئا بدراهم مكسرة وتطوع باداء الصحاح ثم رده بالعيب فانه يسترد الصحاح ولا يقال يطالب بمثل الكسر ليبقى التربع بصفة الصحة (فان قلنا) انها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل من الثمن ثوبا ثم رد المبيع بالعيب فانه لا يبطل الاستبدال بل يرجع بمثل الثمن على أن القاضيين أبا الطيب والرويانى منعا هذه المسألة وجعلاها كمسألة الحوالة وقد تقدمت المسألة في فصول الرد بالعيب (والطريق الثاني) وبه قال ابو اسحق وابن أبى هريرة وأبو الطيب بن سلمة القطع بالبطلان وتكلم هولاء فيما نقل عن الجامع الكبير فعن القاضى أبى حامد أنه قال نظرت في نسخ منه فلم أجد
خلاف ما في المختصر (والثالث) وبه قال صاحب الافصاح القطع بعدم البطلان وربما أول أصحاب الطريقين الاخيرين وجمعوا بين نصى المزني بوجوه (أحدها) حمل ما في المختصر على ما إذا كان العيب بحيث لا يمكن حدوثه في يد المشترى أو كان يمكن حدوثه الا أن البائع أقر بعدمه وحمل ما في الجامع على مااذا ثبت قدمه بالبينة ورده والفرق أن في الحالة الاولى اعترف البائع بسقوط الثمن عند الفسخ (وأما) في الحالة الثانية فانه يزعم بقاء حقه واستمرار الحوالة فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوى المشترى (والثانى) حمل الاولى على مااذا تذكر ذلك فانه إذا لم يذكر لا ينبغى أن يعود إليه لبراءة ذمته عن حقه ظاهرا (والثالث) أن نص البطلان مفرع على أن الحوالة تفتقر إلى رضى المحال عليه فان الحوالة له حينئذ تتم بالثلاثة فلا تنقطع بموافقة اثنين (والرابع) حمل نص البطلان على ما إذا كانت الحوالة على من لا دين عليه ورضي المحال عليه فانه إذا سقط الثمن انقطع تطوعه وسقطت المطالبة عنه ثم ههنا نظران (أحدهما) هل تفترق الحال بين ما إذا كان الرد بالعيب بعد

(10/346)


قبض المبيع أو قبله حكى صاحب النهاية عن بعض الاصحاب أن محل الخلاف ما إذا كان الرد بعد قبض المبيع فان كان قبله انقطعت الحوالة بلا خلاف لكون المبيع معرض للانفساح وعدم تأكده ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردا للعقد من أصله على رأي ثم زيف ذلك وقضي بطرد القولين في الحالين وهذا قضية إطلاق عامة الاصحاب * واعلم أن قضية الطريقين معا تجويز الاحالة بالثمن قبل قبض المبيع لكنه قبل القبض غير مستقر وقد اشتهر في كتب السلف من أئمتنا أن من شرط الحوالة استقرار ما يحال به ويحال عليه وللمسعودي اشارة إلى منع الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع لانه غير مستقر واستشهد عليه أن المزني تعرض في صورة المسألة للمبيع واشتراطه وانما فعل ذلك لهذا المعني والله أعلم (النظر الثاني) هل تفترق الحال بين أن يتفق الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أو قبله وفيه طريقان (أحدهما) أن الحوالة لا تنقطع إذا اتفق الرد بعد القبض جزما والخلاف مخصوص بما إذ كان ذلك قبض القبض والفرق تأكد الامر بالقبض فتبرأ ذمة المحال عليه وهذا ما أورده أصحابنا العراقيون والشيخ أبو على (والثانى) طرد القولين في الحالين وهو اختيار صاحبي التهذيب
والتتمة والاكثرين وهذا كله فيما إذا أحال المشترى البائع على رجل ولو أحال البائع رجلا على المشترى فمنهم من طرد القولين وقطع الجمهور بانه لا تنقطع الحوالة وسواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أو لم يقبضه والفرق أن الحوالة ههنا تعلق بها حق غير المتعاقدين وصار كما لو اشترى عبدا بجارية وقبضه وباعه ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا فردها لا ينفسخ البيع الثاني لانه تعلق به حق ثالث فاذن القولان مخصوصان بالصورة السابقة ولنفرع عليهما (ان قلنا) لا تبطل الحوالة فلا يطالب المشترى أن يحال عليه بحال ولكن يرجع علي البائع فيطالبه ان كان قد قبض مال الحوالة ولا يتعين حقه فيما أخذ بل له ابداله لبقاء الحوالة صحيحة وان لم يقبضه فله أن يقبضه وهل للمشترى الرجوع عليه قبل قبضه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الحوالة كالمقبوضة الا ترى أن المشترى إذا أحال البائع بالثمن سقط حق الحبس والزوج إذا أحال المرأة بالصداق سقط حق حبسها (واصحهما) عند

(10/347)


الصيدلانى وغيره أنه لا يرجع لانه لم توجد حقيقة القبض وان كان للحوالة حكم القبض والغرامة انما تكون بحسب القبض (فان قلنا) لا يرجع المشترى عليه قبل أن يقبض فله مطالبته بتحصيل مال الحولة لزجع عليه لان البائع انما يملك مطالبة المحال عليه من جهته فكيف يمنعه من المطالبة مطلقا وفيه وجه بعيد أنه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضا (وان قلنا) تبطل الحوالة فان كان قد قبض المال من المحال عليه فليس له رده عليه لانه قبض باذن المشترى ولو رده لم تسقط مطالبة للمشترى عنه بل حقه الرد على المشترى ويتعين حقه فيما قبضه فان كان تالفا فعليه بدله وان لم يكن قبضه فليس له قبضه لانه عاد إلى ملك المشترى كما كان ولو خالف وقبض لم يقع عنه وفى وقوعه عن المشترى وجهان عن الشيخ أبي محمد (أحدهما) يقع لانه كان مأذونا في القبض بجهة فان بطلت تلك الجهة بقى أصل الاذن (وأصحهما) المنع لان الحوالة قد بطلت والوكالة عقد آخر يخالفها وإذا بطل عقد لم ينعكس عقدا آخر وقرب الشيخ هذا الخلاف من الخلاف الذى مر في أن من يحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا (وأما) في صورة احالة البائع على المشترى إذا فرعنا على الصحيح وهو أن الحوالة لا تبطل برد المشترى المبيع بالعيب فان كان المحتال قد قبض الحق من المشترى
رجع المشترى على البائع وان لم يقبضه يرجع المشترى علمه أولا يرجع الا بعد القبض فيه الوجهان السابقان * ثم نتكلم فيما تحتاج إليه من الفاظ الكتاب (قوله) في صورة المسألة ورد عليه المبيع يشتمل؟ الرد بالعيب والمخالف والاقالة وغيرها وهو مستمر على اطلاقه فلا فرق بين الرد بالعيب وغيره وقيل قولان يجوز اعلامه بالواو للطريقين النفيين للخلاف (وقوله) فاولى أن لا ينقطع أشار بالترتيب المذكور في الصورتين إلى ما شرحنا من الطريقين (وقوله) فيما إذا أحال البائع على المشترى فاولى بان لا ينقطع وهو الظاهر مع قوله فلولى أن لا ينقطع لما قدمنا في مواضع لان أولوية الترتيب لا تفيد الرجحان وانما تفيد كون الحكم الموصوف بالاولوية أرجح منه في الصورة المرتب عليها (وقوله) ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابهة الاستيفاء والاعتياض يوافق ما ذكره الامام أن فيها شبها من كل واحد منهما والكلام في التغليب

(10/348)


(وقوله) فان قلنا لا يصح أي في المسألة الاولى وهو إحالة المشتري البائع بالثمن (وقوله) فللمشتري مطالبة البائع بتحصيله إلى آخره يمكن نفسه من عزله أو يقول أغرم لى وله أو يقول تسهيلا خذتم اغرم لى وأريد أن لا رجوع قبل أن يقبض مال الحوالة بوجهين (أحدهما) أن يقال المعنى أن له أن يطالبه بأحد أمرين (أما) التحصيل ليعرم وأما الغرم في الحال وهذا يخرج متفقا عليه من الخلاف الذى رويناه (فان قلنا) له الرجوع قبل أن يقبض البائع مال الحوالة فله أن يقول خذه لتغرم لى وان رضيت بذمته فشأنك فاغرم لى (والثانى) هو الاشبه أن معناه أن له مطالبته بتحصيله (ان قلنا) لا رجوع عليه قبل أن يقبض أو يتسلم بدله إليه في الحال (ان قلنا) انه يرجع إليه قبل القبض وعلى التقديرين فيصح اعلام قوله فللمشترى مطالبة البائع بالواو لما قدمنا من الوجه البعيد (وقوله) لان الحوالة انفسخت بالاذن الذى كان ضمنا لا يقوم بنفسه ظاهر هذا التوجيه ربما يشكل بما إذا فسدت الشركة أو لو كانه فالاذن الصمى يبقى ويصح التصرف على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ويمكن أن يقال الحوالة تنقل الحق إلى المحتال فإذا صار الحق له ملكا قبضه لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن وهما عقدان مختلفان فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر بخلاف الشركة والوكالة فان التصرف هناك واقع للاذن فان بطل خصوص الاذن جار أن يبقى عمومه هذا ما سبقت الاشارة إليه *
(فرع) قال ابن الحداد في المولدات إذا أحال الزوج زوجته على غريمه بالصداق ثم طلق قبل الدخول لم تبطل الحوالة وللزوج أخذها بنصف المهر قال من شرح كتابه المسألة تترتب على ما إذا أحال المشترى البائع على غريمه (ان قلنا) لا تبطل الحوالة هناك فههنا أولى (وان قلنا) تبطل ففى البطلان في نصف الصداق ههنا وجهان والفرق أن البطلان سبب حادث ولا استناد له إلى ما تقدم بخلاف الفسخ والصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد الصداق زيادة متصلة لم يرجع في نصفه إلا برضاها بخلاف معا إذا كانت في المبيع ولو أحالها ثم ارتدت قبل الدخول أو فسخ أحدهما النكاح بعيب آخر ففى بطلان الحوالة هذان الوجهان والاظهر لا تبطل ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في صورة الطلاق وبجميعه في الردة والفسخ بالعيب وإذا قلنا بالبطلان فليس لها مطالبة المحال عليه

(10/349)


وتطالب الزوج بالنصف في الطلاق أي ولا تطالب بشئ في الردة ولا بالعيب كذا قاله الشيخ أبو على والمسألة جميعها من كلامه * قال (ولو كان المبيع عبدا فأحيل بالثمن على المشترى فقال العبد أنا حر الاصل وصدقوه جميعا بطلت الحوالة وإن صدقه البائع والمشترى دون المحتال لم يكن قولهما حجة عليه فتبقى الحوالة في حقه) * صورتها أن يبيع عبدا ويحيل غريمه بالثمن علي المشترى ثم يتصادق المتبايعان على أنه حر الاصل أما ابتداء أو زعم العبد أنه حر فصدقاه نظران وافقهما المحتال بطلت الحوالة لاتفاقهم على بطلان البيع وإذا لم يكن بيع لم يكن على المشترى ثمن وإذا بطلت الحوالة رد المحتال ما أخذ علي المشترى وبقى حقه على البائع كما كان وان كذبهما المحتال فاما أن تقوم ببنة على الحرية أولا تقوم فان قامت بطلت الحوالة كما لو تقارروا وهذه البينة يتصور ان يقيمها العبد ويتصور أن تبتدئ الشهود على سبيل الحسبة قال صاحب التهذيب ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لانهما كذباها بالدخول في البيع وكذلك ذكر القاضى الرويانى وان لم تكن بينة فلهما تحليف المحتال على نفى العلم فان حلف بقيت الحوالة في حقه ولم يكن تصادقهما عليه حجة فإذا نفيت الحوالة فله أخذ المال من المشتري وهل يرجع المشترى على البائع المحيل في التهذيب أنه لا يرجع لانه يقول ظلمنى المحتال بما أخذ والمظلوم لا يرجع
الا على من ظلمه وقال الشيخ أبو حامد والقاضى ابن كج والشيخ أبو على يرجع لانه قضى دينه باذنه وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المحتال وهل يرجع قبله فيه الوجهان السابقان فان نكل المحتال حلف المشترى ثم ان جعلنا اليمين كالاقرار بطلت الحوالة وان جعلناها كالبينة فالحكم كما لو حلف لانه ليس للمشترى اقامة البينة وما ذكرناه في صورة الاقرار من المحال وقيام البينة من بطلان الحوالة مفروض فيما إذا وقع التعارض لكون الحوالة بالثمن فان لم يقع وزعم البائع ان الحوالة بدين آخر له على المشترى نظران أنكر المشتري أصل الدين فالقول قوله مع يمينه وان سلمه وأنكر الحوالة به فهل نعتبر قول من يدعى جريان الحوالة على الصحة أو قول من يدعى فسادها فيه خلاف مذكور في نظائره *

(10/350)


قال (فرع إذا جرى لفظ الحوالة وتنازعا فقال أحدهما أردنا بها الوكالة وقال الآخر بل الحوالة فقولان في أن القول قول من * ينظر في أحدهما إلى ظاهر اللفظ * وفى الثاني إلى تصديق من يدعى ارادة نفسه ونيته فانه أعلم بها * ولو لم يتفقا على جريان لفظ ولكن قال مستحق الدين أحلتني وقال من عليه الدين وكلتك باستيفاء دينى منه فالقول قول من عليه الدين في نفى الحوالة * ثم ان لم يكن قد قبض فليس له ذلك لانه انعزل بانكار الوكالة واندفعت الحوالة بانكار من عليه الدين * وله مطالبته بالمال إذا اندفعت الحوالة حتى لا يضيع حقه * وفيه وجة آخر أنه لا يطالب لانه اعترف ببراءته بدعوى الحوالة * أما إذا قال المستحق وكلتي فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قد قبض فقد امتنع عليه القبض * وان كان بعد القبض فالصحيح (و) أنه يتملكه الآن وان لم يملك عند القبض) * إذا كان لزيد عليك مائة ولك على عمرو مثلها فوجد زيد منك ما يمكنه من قبض ما على عمرو ثم اختلفتما فله صورتان (أحدهما) أن تقول لزيد وكلتك بقبضه لى وقال زيد بل أحلتني عليه فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فزعمت الوكالة بلفظها وزعم زيد الحوالة بلفظها فالقول قولك مع يمينك لان الاصل استمرار حق زيد عليك وحقك على عمرو وان اتفقتما على جريان لفظ الحوالة
وقلت أردت به التسليط بالوكالة فوجهان (المنسوب) إلى ابن سريج أن القول قول زيد مع يمينه لشهادة لفظ الحوالة (وقال) المزني وساعده عليه اكثر الاصحاب ان القول قولك مع يمينك ويحكى هذا عن ابى حنيفة ووجهه ما ذكرناه في الصورة الاولى وايضا فان اللفظ محتمل لما يقوله وانت اعرف بنيتك فأشبه ما إذا قلت له أقبض ثم اختلفتما في المراد فان القول قولك وعن القاضى الحسين القطع بالوجه الاول وحمل كلام المزني على ما إذا اختلفتما في أصل اللفظ وذكرهما إذا قلت له اقبض وفسرته بالوكالة انك لا تحتاج إلى اليمين لاشعار اللفظ بالنيابة قال الائمة وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجارى بينكما احلتك بمائة على عمرو فأما إذا قلت بالمائة التي لك على بالمائة التى على عمرو فهذا لا يحتمل الا حقيقة الحوالة

(10/351)


فالقول قول زيد بلا خلاف (التفريع) ان جعلنا القول قول زيد فإذا حلف ثبتت الحوالة وبرئت ذمته وإذا جعلنا القول قولك في الصورة الاولى أو يقرا معا على الوجه الآتى في الصورة الثانية فحلفت نظر أقبض زيد ما على عمرو أم لا أن قبضه برئت ذمة عمرو لتسليمه ما عليه إلى الوكيل أو المحتال وحكى الامام وجها ضعيفا عن رواية صاحب التقريب انه لا يبرؤ في صورة اتفاقكما على جريان لفظ الحوالة والمشهور الاول ثم ينظر ان كان المقبوض باقيا فعليه تسليمه اليك وهل له أن يطالبك بحقه فيه وجهان (أحدهما) لا واختاره الشيخ أبو حامد لاعترافه ببرأتك بدعوى الحوالة (وأصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما أن له المطالبة لانه ان كان وكيلا فحقه باق عليه وان كان محتالا فقد استرجعت ماله ظلما فلا وجه لتضييع حقه قال الشيخ أبو حامد وما ذكرنا من وجوب التسليم والوجهين في الرجوع من حيث الظاهر فاما بينه وبين الله تعالى فانه إذا لم يصل إلى حقه منك فله امساك المأخوذ لانه ظفر بجنس حقه من ملكك وأنت ظالم له وان كان المقبوض تالفا فمنقول الاكثرين انه إذا لم يكن التلف بتقصير منك لا يضمن لانه وكيل بقولك والوكيل أمين وليس له أن يطالبك بحقه لانه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده وقال في التهذيب انه يضمن لانه قد ثبتت وكالته والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن وان لم يقبض زيد ما على عمرو فليس له القبض بعد حلفك لان الحوالة قد اندفعت بيمينك وصار زيد معز ولا عن الوكالة بانكاره ولك ان تطالب
عمرا بما كان لك عليه وهل لزيد مطالبتك بحقه فيه الوجهان ان المذكور فيما إذا كان قد قبض وسلم المقبوض اليك واستدرك صاحب البيان فقال ينبغي أن لا يطالب هنا وجها واحدا لاعترافه بان حقه على عمرو وان ما تقبضه أنت من عمرو ليس حقا له بخلاف ما إذا كان قد قبض فان حقه قد تعين في المقبوض فإذا أخذته أخذت ماله (الصورة الثانية) أن تقول لزيد احلتك على عمرو ويقول زيد بل وكلتني بقبض ما عليه وحقى باق ويظهر تصوير هذا الاختلاف عند افلاس عمرو فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فالقول قول زيد مع يمينه وان اتفقتما على لفظ الحوالة جرى الوجهان ان المذكوران في الصورة

(10/352)


الاولى ههنا على العكس فعلى المنسوب إلى ابن سريج القول قولك مع يمينك وعلى القول المنسوب إلى المزني وغيره القول قول زيد والتوجيه ما مر فإذا قلنا أن القول قولك فحلفت برئت ذمتك من دين زيد ولزيد مطالبة عمرو أما بالوكالة أو الحوالة وما يأخذه يكون له لانك تقول انه حقه وعلى زعمه هو لك وحقه عليك فيأخذه بحقه وحيث قلنا أن القول قول زيد فحلف نظر ان لم يكن قبض المال من عمرو فليس له القبض لان قول الموكل ما وكلتك يتضمن عزله لو كان وكيلا وله مطالبتك بحقه وهل لك الرجوع إلى عمرو فيه وجهان لانك اعترفت بتحول ما كان عليه إلى زيد ووجه قولنا نعم وهو اختيار القاضى ابن كج أن زيدا ان كان وكيلا فان لم يقبض بقى حقك وان كان محتالا فقد ظلمك بأخذالمال منك وما على عمرو حقه فلك أن تأخذه عوضا عما ظملك به وان كان قد قبض المال من عمرو فقد برئت ذمة عمرو ثم ان كان المقبوض باقيا فقد حكى في الوسيط وههنا وجهين (أحدهما) أنه يطالبك بحقه ورد المقبوض عليك (والثانى) وهو الصحيح أنه يملكه الآن وان لم يملكه عند القبض لانه حبس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل له أن يرده ويطالب بحقه وله أن ياخذه بحقه وان كان تالفا نظر ان كان قد تلف بتفريط منه

(10/353)


فلك عليه الضمان وله عليك حقه وربما يقع في النقاص وان لم يكن منه تقصير فلا ضمان لانا إذا صدقناه في نفي الحوالة كانت يده يد وكالة والوكيل أمين وروى الامام وجها آخر أنه يضمن لان
الاصل فيما يتلف في يد الانسان من ملك غيره الضمان ويلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى حقه تصديقه في تثبيت الوكالة ليسقط عنه الضمان وهذا كما أنه إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب وحدوثه وصدقنا البائع بيمينه السابقة والله أعلم (وقوله) في الكتاب في أول الفرع إذا جرى لفظ الحوالة إلى قوله فقولان يتضمن الصورتين جميعا فعلى رأى يتبع فيهما ظاهر اللفظ وعلى رأى يصدق من أخبر عن نيته وارادته أما في طرف الايجاب أو القبول ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو كما سبق عن القاضى الحسين وقد حكي في الصورة الاتية ايضا القطع بمقتضى من تمسك بمطابقة اللفظ له ثم قوله فقولان أي للاصحاب وليس للشافعي في المسألتين نص (وقوله) في آخره أما إذا قال المستحق وكلتني فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قبض فالقول قول المستحق ثم في تفريعه انه ان لم يكن قبض إلى آخر ونختم الباب بصور وفروع (منها) إذا أحلت زيدا على عمرو ثم احال عمرو زيدا على بكر ثم احال بكر على آخر جاز وقد تعدد المحال عليهم وزيد المحتال واحد ولو أخلت زيدا على عمرو ثم احال زيدا بكرا على عمرو ثم احال بكر آخر على عمرو جاز والتعدد ههنا في المحتالين وعمرو

(10/354)


المحال عليه واحد ولو أحلت زيدا على عمرو ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين فاحال زيد عليك جاز (ومنها) لك علي رجلين مائة علي كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه فاحالك أحدهما بالمائة علي انسان برئا جميعا وان أحلت على أحدهما بالمائة برئ الثاني لان الحوالة كالقبض وان احلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسون جاز ويبرأ كل واحد مما ضمن وان أحلت عليهما على أن ياخذ المائة من أيهما شاء فعن ابن سريج فيه وجهان (وجه) المنع انه لم يكن له الا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة كما لا يستفيد بها زيادة قدر وصفة (ومنها) لك على رجل دين فلما طالبته به قال قد أحلت فلانا على وفلان غائب فانكرت فالقول قولك مع يمينك فلو أقام بينة سمعت وسقطت مطالبتك عنه وهل تثبت الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم فيه وجهان * كتاب الضمان وفيه بابان (الباب الاول في أركانه)
قال (وهى خمسة الاول المضمون عنه ولا يشترط رضاه لانه يجوز لغيره أن يؤدى دينه بغير اذنه * ويصح (ح) الضمان على الميت المفلس * وأصح الوجيهن أنه لا يعتبر معرفته) *

(10/355)


الاجماع والاخبار متعاضدة على صحة الضمان روى عن أبى أمامة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العارية مؤادة والدين مقضى والزعيم غارم) وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي كرم الله وجهه هما على يارسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك)
__________
(حديث) النهى عن بع لدين؟ تقدم في القبض