فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
قال الشيخُ الإمامُ العالم العلاَّمة، شمسُ الدين أبو عبد الله، محمد بن قاسم الشافعي - تغَمَّده الله برحمته ورضوانه، آمين: الحمد لِلّهِ تبرُّكا بفاتحة الكتاب، لأنها ابتداء كل أمر ذي بالٍ، وخاتمة كل دعاء مُجاب، وآخر دعوى المؤمنين في الجنة، دار الثواب؛ أحمده أن وَفَّقَ مَنْ أراد مِن عباده للتَّفَقُّه في الدين على وَفْق مُراده. وأصلي وأسلم على أفضل خلقه محمد سيد المرسلين، القائل: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»؛ وعلى آله وصحبه مُدةَ ذِكرِ الذاكِرين وسَهو الغافلين.
وبعد؛ هذا كتاب في غاية الاختصار والتهذيب، وضعتُه على الكتاب المسمى بـ «التقريب» لينتفع به المحتاج من المبتدئين لفروع الشريعة والدين، وليكون وسيلةً لنجاتي يومَ الدين، ونفعًا لعباده المسلمين؛ إنه سميع دعاء عباده، وقريب مجيب، ومن قصده لا يخيب. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
واعلم أنه يوجد في بعض نُسَخ هذا الكتاب في غير خطبته تسميته تارة بـ «التقريب»، وتارة بـ «غاية الاختصار»؛ فلذلك سميته باسمين: أحدهما «فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب»، والثاني «القول المختار في شرح غاية الاختصار».

(1/19)


قال الشيخ الإمام أبو الطيب، ويشتهر أيضا بأبي شُجاع شهاب الملة والدين، أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني - سقى الله ثراه صبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه أعلى فراديس الجنان: (بسم الله الرحمن الرحيم) أبتدئ كتابي هذا. واللهُ اسمُ الذات الواجب الوجود، والرحمن أبلغ من الرحيم. (الحمد لله) هو الثناء على الله تعالى بالجميل على جهة التعظيم، (ربِّ) أي مالك (العَالَمين) بفتح اللام، وهو كما قال ابن مالك: اسمُ جَمْع خاص بمن يعقل، لا جمعٌ ومفردُه عالَمٌ بفتح اللام، لأنه اسم عام لما سوى الله، والجمع خاصٌّ بمن يعقل.
(وصلَّى الله) وسلَّم (على سيدنا محمد النبي) هو - بالهمز وتركه: إنسان

(1/20)


أوحي إليه بشرع يعمل به وإن لم يُؤمَر بتبليغه؛ فإن أُمر بتبليغه فنبيٌّ ورسول أيضا. والمعنى ينشئ الصلاة والسلام عليه. ومحمَّدٌ عَلَم منقول من اسم مفعول المضعف العين، والنبيُّ بدل منه أو عطف بيان عليه. (و) على (آله الطاهرين) هم كما قال الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب. وقيل - واختاره النووي: أنهم كل مسلم. ولعل قوله: «الطاهرين» منتزع من قوله تعالى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، (و) على (صحابته)، جمع صاحب النبي. وقوله (أجمعين) تأكيد لصحابته.
ثم ذكر المصنف أنه مسؤول في تصنيف هذا المختصر بقوله: (سألني بعضُ الأصدقاء)، جمع صديق. وقوله: (حفظهم الله تعالى) جملة دعائية،

(1/21)


(أن أعملَ مختصرا)، هو ما قل لفظه وكثر معناه (في الفقه)، هو لغةً الفهمُ، واصطلاحًا العلمُ بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية،
(على مذهب الإمام) الأعظم المجتهد، ناصر السنة والدين، أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس ابن عثمان بن شافع (الشافعي) وُلد بغزة سنة خمسين ومائة، ومات - (رحمة الله تعالى عليه ورضوانه) - يومَ الجُمُعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
ووصف المصنف مختصره بأوصاف، منها أنه (في غاية الاختصار ونهاية الإيجاز). والغاية والنهاية متقاربان، وكذا الاختصار والإيجاز؛ ومنها أنه (يقرب على المتعلم) لفروع الفقه (درسه، ويسهل على المبتدئ حفظه) أي استحضاره على ظهر قلب لمن يرغب في حفظ مختصر في الفقه. (و) سألني أيضا بعض الأصدقاء (أن أكثر فيه) أي المختصر (من التقسيمات) للأحكام الفقهية. (و) من (حصر) أي ضبط (الخصال) الواجبة

(1/22)


والمندوبة وغيرهما؛ (فأجبته إلى) سؤاله في (ذلك طالبا للثواب) من الله جزاءً على تصنيف هذا المختصر، (راغبا إلى الله سبحانه وتعالى) في الإعانة من فضله على تمام هذا المختصر و (في التوفيق للصواب) وهو ضد الخطأ، (إنه) تعالى (على ما يشاء) يريد (قدير) أي قادر، (وبعباده لطيف خبير) بأحوال عباده.
والأول مقتبس من قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]، والثاني من قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]. واللطيف والخبير اسمان من أسمائه تعالى. ومعنى الأول العالِمُ بدقائق الأمور ومشكلاتها؛ ويطلق أيضا بمعنى الرفيق بهم؛ فالله تعالى عالم بعباده وبمواضع حوائجهم، رفيق بهم. ومعنى الثاني قريب من معنى الأول؛ ويقال: خَبَرتُ الشيء أخبر، فأنا به خبير، أي عليم. قال المصنف رحمه الله تعالى:

(1/23)