فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب أحكام الصيد والذبائح والضحايا والأطعمة
والصيد مصدر أطلق هنا على اسم المفعول، وهو المصيد. (وما) أي والحيوان البري المأكول الذي (قُدر) بضم أوله (على ذكاته) أي ذبحه (فذكاته) تكون (في حلقه)، وهو أعلى العنق (ولَبَّته) أي بلام مفتوحة وموحدة مشددة، أسفل العنق. والذكاة بذال معجمة معناها لغةً التطييب، لما فيها من تطييب أكل اللحم المذبوح، وشرعًا إبطال الحرارة الغريزية على وجه مخصوص. أما الحيوان المأكول البحري فيحلُّ على الصحيح بلا ذبح. (وما) أي والحيوان الذي (لم يُقدر) بضم أوله (على ذكاته) كشاة أنسية توحشت، أو بعير ذهب شاردا (فذكاته عَقْره)، بفتح العين عقرا مزهقا للروح (حيث قدر عليه) أي في أي موضع كان العقر.
(وكمال الذكاة)، وفي بعض النسخ «ويستحب في الذكاة» (أربعة أشياء):

(1/306)


أحدها (قطع الحُلْقُوم)، بضم الحاء المهملة؛ وهو مجرى النفس دخولا وخروجا. (و) الثاني قطع (المَريء) بفتح ميمه وهمز آخره، ويجوز تسهيله، وهو مجرى الطعام والشراب من الحلق إلى المعدة، والمريء تحت الحلقوم. ويكون قطع ما ذكر دفعة واحدة، لا في دفعتين؛ فإنه يحرم المذبوح حينئذ. ومتى بقي شيء من الحلقوم والمريء لم يحلَّ المذبوح. (و) الثالث والرابع (الوَدَجين) بواو ودال مفتوحتين، تثنية ودَج، بفتح الدال وكسرها؛ وهما عرقان في صفحتي العنق محيطان بالحلقوم. (والمجزئ منها) أي الذي يكفي في الذكاة (شيئان: قطع الحلقوم، والمريء) فقط. ولا يسن قطع ما وراء الودجين.
(ويجوز) أي يحلُّ (الاصطياد) أي أكل المصاد (بكل جارحة مُعَلَّمة من السباع)، وفي بعض النسخ «من سباع البهائم» كالفهد والنمر والكلب. (ومن جوارح الطير) كصقر وباز في أي موضع كان جرح السباع والطير. والجارحة مشتقة من الجرح وهو الكسب.

(1/307)


(وشرائط تعليمها) أي الجوارح (أربعة): أحدها (أن تكون) الجارحة معلمة بحيث (إذا أُرسلت) أي أرسلها صاحبها (استرسلت، و) الثاني أنها (إذا زُجرت) بضم أوله أي زجرها صاحبها (انزجرت، و) الثالث أنها (إذا قتلت صيدا لم تأكل منه شيئا، و) الرابع (أن يتكرر ذلك منها) أي تكرر الشرائط الأربعة من الجارحة بحيث يظن تأدبها، ولا يرجع في التكرار لعدد، بل المرجع فيه لأهل الخبرة بطباع الجوارح. (فإن عدمت) منها (إحدى الشرائط لم يحلّ ما أخذته) الجارحة (إلا أن يدرك) ما أخذته الجارحة (حيًّا فيذكى)، فيحل حينئذ. ثم ذكر المصنف آلة الذبح في قوله:
(وتجوز الذكاة بكل ما) أي بكل محدد (يجرح) كحديد ونحاس (إلا بالسن والظفر) وباقي العظام؛ فلا

(1/308)


تجوز التذكية بها.
ثم ذكر المصنف من تصح منه التذكية بقوله: (وتحل ذكاة كل مسلم) بالغ أو مميز يطيق الذبح، (و) ذكاة كل (كتابي) يهودي أو نصراني. ويحل ذبح مجنون وسكران في الأظهر. وتكره ذكاة الأعمى. (ولا تحل ذبيحة مجوسي، ولا وثني) ولا نحوهما ممن لا كتاب له.
(وذكاة الجنين) حاصلة (بذكاة أمه)؛ فلا يحتاج لتذكيته. هذا إن وجد ميتا أو فيه حياة غير مستقرة، اللهُمَّ (إلا أن يوجد حيا) بحياة مستقرة بعد خروجه من بطن أمه (فيذكى) حينئذ.
(وما قطع من) حيوان (حي فهو ميت إلا الشعر)، أي المقطوع من حيوان مأكول. وفي بعض النسخ «إلا الشعور» (المنتفع بها في المفارش والملابس) وغيرها.

• ما حل وما حرم من الحيوان
{فصل} في أحكام الأطعمة الحلال منها وغيرها. (وكل حيوان استطابته العرب) الذين هم أهل ثروة وخصب وطباع

(1/309)


سليمة ورفاهية (فهو حلال إلا ما) أي حيوان (ورد الشرع بتحريمه)؛ فلا يرجع فيه لاستطابتهم له. (وكل حيوان استخبثته العرب) أي عدُّوه خبيثا (فهو حرام إلا ما ورد الشرع بإباحته) فلا يكون حراما.
(ويحرم من السباع ما له ناب) أي سِنٌّ (قوي يعدو به) على الحيوان كأسد ونمر. (ويحرم من الطيور ما له مِخْلَب) بكسر الميم وفتح اللام، أي ظفر (قوي يجرح به) كصقر وباز وشاهين.
(ويحل للمضطر)، وهو من خاف على نفسه الهلاك من عدم الأكل (في المخمصة) موتا أو مرضا مخوفا، أو زيادة مرض، أو انقطاع رفقة، ولم يجد ما يأكله حلالا (أن يأكل من الميتة المحرمة) عليه (ما) أي شيئا (يسد به رمقه) أي بقية روحه.
(ولنا ميتتان حلالان) وهما:

(1/310)


(السمك والجراد، و) لنا (دمان حلالان) وهما: (الكبد والطحال). وقد عرف من كلام المصنف هنا وفيما سبق، أن الحيوان على ثلاثة أقسام: أحدها ما لا يؤكل؛ فذبيحته وميتته سواء، والثاني ما يؤكل؛ فلا يحل إلا بالتذكية الشرعية، والثالث ما تحل ميتته كالسمك والجراد.

• الأُضحية
{فصل} في أحكام الأُضحية. بضم الهمزة في الأشهر، وهي اسم لما يذج من النعَم يومَ عيد النحر وأيام التشريق تقرُّبًا إلى الله تعالى.
(والأضحية سنة مؤكدة) على الكفاية؛ فإذا أتى بها واحد من أهل بيت كفى عن جميعهم. ولا تجب الأضحية إلا بالنذر. (ويجزئ فيها الجذع من الضأن)، وهو ما له سَنَةٌ وطعن في الثانية، (والثني من المعز)، وهو ما له سنتان وطعن في الثالثة، (والثني من الإبل) ما له خمس سنين وطعن

(1/311)


في السادسة، (والثني من البقر) ما له سنتان وطعن في الثالثة.
(وتجزىء البدنة عن سبعة) اشتركوا في التضحية بها، (و) تجزىء (البقرة عن سبعة) كذلك، (و) تجزىء (الشاة عن) شخص (واحد) وهي أفضل من مشاركته في بعير. وأفضل أنواع الأضحية إبل ثم بقر ثم غنم.
(وأربع)، وفي بعض النسخ «وأربعة» (لا تجزئ في الضحايا): أحدها (العوراء البَيِّنُ) أي الظاهر (عورُها) وإن بقيت الحدقة في الأصح. (و) الثاني (العرجاء البين عرجها) ولو كان حصول العرج لها عند اضجاعها لتضحية بسبب اضطرابها. (و) الثالث (المريضة البين مرضها). ولا يضر يسير هذا الأمور. (و) الرابع (العجفاء) وهي (التي ذهب مخها) أي ذهب دماغها (من الهزال) الحاصل لها.
(ويجزئ الخصي) أي المقطوع الخصيتين (والمكسور القرن) إن لم يؤثر في اللحم، ويجزىء أيضا فاقدة القرون،

(1/312)


وهي المسماة بالجلحاء. (ولا تجزئ
المقطوعة) كل (الأذن) ولا بعضها ولا المخلوقة بلا أذن، (و) لا المقطوعة (الذنب) ولا بعضه.

• وقت الذبح
(و) يدخل (وقت الذبح) للأضحية (من وقت صلاة العيد) أي عيد النحر. وعبارة الروضة وأصلها «يدخل وقت التضحية إذا طلعت الشمس يوم النحر، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين». انتهى. ويستمر وقت الذبح (إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق)، وهي الثلاثة المتصلة بعاشر ذي الحجة.

• ما يستحب عند الذبح
(ويستحب عند الذبح خمسة أشياء): أحدها (التسمية) فيقول الذابح «بسم الله». والأكمل «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ فلو لم يسم حل المذبوح. (و) الثاني (الصلاة على النبي
S) ، ويكره أن يجمع بين اسم الله واسم رسوله. (و) الثالث (استقبال القبلة) بالذبيحة أي يوجه الذابح مذبحها للقبلة، ويتوجه هو أيضا.

(1/313)


(و) الرابع (التكبير) أي قبل التسمية أو بعدها ثلاثا - كما قال الماوردي. (و) الخامس (الدعاء بالقبول)؛ فيقول الذابح: «اللهُمَّ هذِهِ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، فَتَقَبَّلْ - أي هذه الأُضحِية - نِعْمَةً مِنْكَ عَلَيَّ، وَتَقَرَّبْتُ بِهَا إِلَيكَ، فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي».
(ولا يأكل المضحي شيئا من الأضحية المنذورة)، بل يجب عليه التصدق بجميع لحمها. فلو آخرها فتلفت لزمه ضمانها، (ويأكل من الأضحية المتطوع بها) ثلثا على الجديد. وأما الثلثان فقيل يتصدق بهما. ورجحه النووي في تصحيح التنبيه. وقيل يهدى ثلثا للمسلمين الأغنياء، ويتصدق بثلث على الفقراء من لحمها. ولم يرجح النووي في الروضة وأصلها شيئا من هذين الوجهين.
(ولا يبيع) أي يحرم على المضحي بيع شيء (من الأضحية) أي لحمها أو شعرها أو جلدها، ويحرم أيضا جعله أجرة للجزار ولو كانت الأضحية تطوعا. (ويطعم) حتما من الأضحية المتطوع بها (الفقراء والمساكين).

(1/314)


والأفضل التصدق بجميعها إلا لقمة أو لقما يتبرك المضحي بأكلها؛ فإنه يسن له ذلك. وإذا أكل البعض وتصدق بالباقي حصل له ثواب التضحية بالجميع والتصدق بالبعض.

• العقيقة
{فصل} في بيان أحكام العقيقة. وهي لغة اسم للشعر على رأس المولود، وشرعًا ما سيذكره المصنف بقوله: (والعقيقة) عن المولود (مستحبة). وفسر المصنف العقيقة بقوله: (وهي الذبيحة عن المولود يومَ سابعه) أي يوم سابع ولادته. ويحسب يوم الولادة من السبع ولو مات المولود قبل السابع. ولا تفوت بالتأخير بعده؛ فإن تأخرت للبلوغ سقط حكمها في حق العاق عن المولود؛ أما هو فمخير في العق عن نفسه والترك.
(ويذبح عن الغلام شاتان، و) يذبح (عن الجارية شاة). قال بعضهم: وأما الخنثى فيحتمل إلحاقه بالغلام أو بالجارية؛ فلو بانت ذكورته أمر

(1/315)


بالتدارك وتتعدد العقيقة بتعدد الأولاد. (ويطعم) العاقّ من العقيقة (الفقراءَ والمساكين) فيطبخها بحلو ويهدي منها للفقراء والمساكين، ولا يتخذها دعوة ولا بكسر عظمها.
واعلم أن سِنَّ العقيقة وسلامتها من عيب ينقص لحمها والأكل منها والتصدق ببعضها وامتناع بيعها وتعينها بالنذر حكمه على ما سبق في الأضحية.
ويسن أن يؤذن في أذن المولود اليمنى حين يولد، ويقيم في أذنه اليسرى، وأن يحنك المولود بتمر؛ فيمضغ ويدلك به حنكه داخلَ فمه لينزل منه شيء إلى جوفه؛ فإن لم يوجد تمر فرطب، وإلا فشيء حلو. وأن يسمى المولود يوم سابع ولادته، وتجوز تسميته قبل السابع وبعده. ولو مات المولود قبل السابع سُنَّ تسميته.

(1/316)