فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط العلمية

فتح الوهاب - زكريا الأنصاري ج 1
فتح الوهاب زكريا الأنصاري ج 1

(1/)


فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب تأليف شيخ الاسلام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الانصاري المتوفي سنة 936 ه ومعه الرسائل الذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية للسيد مصطفى بن حنفي الذهبي الشافعي المتوفي سنة 1280 ه تنبيه: وضعنا في أعلى الصفحات متن (منهج الطلاب) ووضعنا تحته مباشرة نص (فتح الوهاب) مفصولا بينهما بخط، ووضعنا في أسفل الصفحات نص (الرسائل الذهبية) الجزء الاول منشورات محمد علي بيضوي دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

(1/1)


جميع الحقوق محفوظة جميع حقوق الملكية الادبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة
كاسيت أو إدخاله على الكومبيوتر أو ترجمته على اسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيا.
الطبعة الاولى 1418 ه - 1998 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان العنوان: رمل الظريف شارع البحتري.
بناية ملكارت تلفون وفاكس: 364398 - 366135 - 602133 (961 1) 00 صندوق بريد: 9424 - 11 بيروت - لبنان

(1/2)


بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة زكريا الانصاري (1) هو شيخ الاسلام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الانصاري السنيكي المصري الشافعي، أبويحيى.
قاض، مفسر، من حفاظ الحديث.
ولد في سنيكة (بشرقية مصر) سنة 823 ه، وتعلم في القاهرة، وكف بصره سنة 906 ه.
نشأ فقيرا معدما، قيل: كان يجوع في الجامع فيخرج بالليل يلتقط قشور البطيخ فيغسلها ويأكلها.
وكما ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، بحيث كان له قبل دخوله في منصب القضاء كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، فجمع نفائس الكتب وأفاد القارئين عليه علما ومالا.
وولاه السلطان قايتباي الجركسي (826 - 901) قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة والحاح.
ولما ولي رأى من السلطان عدولا عن الحق في بعض أعماله، فكتب إليه يزجره عن الظلم، فعزله السلطان، فعاد إلى اشتغاله بالعلم إلى أن توفي سنة 926 ه.
له تصانيف كثيرة، منها:
- (فتح الرحمن) في التفسير.
- تحفة الباري على صحيح البخاري.
- (فتح الجليل) تعليق على تفسير البيضاوي.
- (شرح إيساغوجي) في المنطق.
- (شرح ألفية العراقي) في مصطلح الحديث.
- (شرح شذور الذهب) في النحو.
- (تحفة نجباء العصر) في التجويد.
__________
انظر الاعلام (3 / 46).
*

(1/3)


- (اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم) رسالة.
- (الدقائق المحكمة) في القراءات.
- فتح العلام بشرح الاعلام بأحاديث الاحكام.
- (تنقيح تحرير الباب) في الفقه.
- (غاية الوصول) في أصول الفقه.
- (لب الاصول) اختصره من جمع الجوامع.
- (أسنى المطالب في شرح روض الطالب) في الفقه.
- (الغرر البهية في شرح البهجة الوردية) في الفقه.
- (منهج الطلاب) في الفقه.
- (الزبدة الرائقة) رسالة في شرح البردة.
وترجم له ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (8 / 134 - 136) في وفيات سنة 925 ه، وقال: (وفيها شيخ الاسلام قاضي القضاة زين الدين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الانصاري السنبكي ثم القاهري الازهري الشافعي.
قال في
النور: ولد سنة ست وعشرين وثمنمائة بسنيكة من الشرقية، ونشأ بها، وحفظ القرآن وعمدة الاحكام وبعض مختصر التبريزي، ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين، فقطن في جامع الازهر وكمل حفظ المختصر ثم حفظ المنهاج الفرعي والالفية النحوية والشاطبية والرائية وبعض النهاج الاصلي ونحو النصف من ألفية الحديث ومن التسهيل إلى (كاد) وأقام بالقاهرة يسيرا، ثم رجع إلى بلده وداوم الاشتغال وجد فيه.
وكان ممن أخذ عنه القاياني والعلم البلقيني والشرف السبكي والشموس الوفائي والحجازي والبدرشي والشهاب بن المجدي والبدر النسابة والزين البوشنجي والحافظ ابن حجر والزين رضوان في آخرين.
وحضر دروس الشرف المناوي، وأخذ عن الكافيجي وابن الهمام ومن لا يحصى كثرة.
ورجع إلى القاهرة، فلم ينفك عن الاشغال والاشتغال مع الطريقة الجميلة والتواضع وحسن العشرة والادب والعفة والانجماع عن أبناء الدنيا مع التقلل وشرف النفس ومزيدة العقل وسعة الباطن والاحتمال والمداراة وأذن له غير واحد من شيوخه في الافتاء والاقراء، منهم شيخ الاسلام ابن حجر، وتصدى للتدريس في حياة شيوخه، وانتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة، وألف ما لا يحصى

(1/4)


كثرة فلا نطيل بذكرها، إذ هي أشهر من الشمس.
وقصد بالفتاوى، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها.
ورويته أحسن من بديهته، وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى يعد من حسناته.
وله الباع الطويل في كل فن، خصوصا التصوف.
وولي تدريس عدة مدارس إلى منصب قضاء القضاة بعد امتناع كثرة، وذلك في رجب سنة ست وثمانين، واستمر قاضيا مدة ولاية الاشرف قايتباي، ثم بعد ذلك، إلى أن كف بصره فعزل بالعمر.
ولم يزل ملازم التدريس والافتاء والتصنيف وانتفع به خلائق لا يحصون منهم ابن حجر الهيتمي، وقال في معجم مشايخه: وقدمت شيخنا زكريا لانه أجل من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والائمة الوارثين، وأعلى
من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين، فهو عمدة العلماء الاعلام وحجة الله على الانام، حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكره وأصائله، ملحق الاحفاد بالاجداد، المتفرد في زمنه بعلو الاسناد، كيف ولم يوجد في عصره إلا من أخذ عنه مشافهة أو بواسطة أو بوسائط متعددة، بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة وعن غيره ممن بينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد اهل عصره، فنعم هذا التمييز الذي هو عند الائمة أولى به وأحرى، لانه حاز به سعة التلامذة والاتباع وكثرة الاخذين عنه ودوام الانتفاع.
انتهى.
وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع ذي الحجة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بالقرب من الامام الشافعي رضي الله عنه.
وجزم في الكواكب بوفاته في السنة التي بعدها، قال: (عاش مائة وثلاث سنين) انتهى.

(1/5)


ترجمة مصطفى الذهبي (1) هو مصطفى بن حنفي بن حسن الذهبي الشافعي المصري.
فقيه، مفس، مشارك في بعض العلوم.
ولد بمصر، وأخذ عن الدمنهوري والفضل الفضالي والقويسني وغيرهم، وتصدر للاقراء والتدريس.
وتوفي سنة 1280 ه.
من آثاره: - رسالة في تحريم الدرهم والمثقال والرطل.
- الرسالة الذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية.
- رسالة في المناسخة.
- رسالة في تفسير القرآن.
__________
(1) انظر ترجمته في معجم المطبوعات لسركيس (ص 912) ومعجم المؤلفين لكحالة (12 / 249) والاعلام للزركلي.

(1/6)


بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ مشايخ الاسلام، ملك العلماء الاعلام، سيبويه زمانه، فريد عصره ووحيد دهره وأوانه، حجة المناظرين، لسان المتكلمين محيي السنة في العالمين، زين الملة والدين، أبويحيى زكريا الانصاري الشافعي تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته، ونفعنا والمسلمين ببركته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله.
وبعد: فقد كنت اختصرت منهاج الطالبين في الفقه تأليف الامام شيخ الاسلام أبي زكريا يحيى محيي الدين النووي رحمه الله في كتاب سميته بمنهج الطلاب.
وقد سألني بعض الاعزة علي من الفضلاء المترددين إلى أن أشرحه شرحا يحل ألفاظه، ويجل حفاظه، ويبين مراده، ويتمم مفاده، فأجبته إلى ذلك بعون القادر المالك، وسميته: بفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب والله أسأل أن ينفع به، وهو حسبي ونعم الوكيل.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أي أؤلف، والاسم مشتق من السمو وهو العلو، و (الله) علم على الذات الواجب الوجود، و (الرحمن الرحيم) صفتان مشبهتان بنيتا للمبالغة من رحم، و (الرحمن) أبلغ من (الرحيم) لان زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع، ولقولهم: رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الاخرة، وقيل: رحيم الدنيا.
(الحمد لله الذي هدانا) أي دلنا (لهذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).

(1/7)


(والحمد) لغة: الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل، وعرفا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره.
وابتدأت بالبسملة والحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بخبر: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم).
وفي رواية: (بالحمد لله فهو أجذم) أي مقطوع البركة، رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره، وجمعت بين الابتداءين عملا بالروايتين وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما، إذ الابتداء حقيقي وإضافي، فالحقيقي حصل بالبسملة، والاضافي حصل بالحمدلة،، وقدمت البسملة عملا بالكتاب والاجماع، و (الحمد) مختص بالله تعالى كما أفادته الجملة سواء أجعلت أل فيه للاستغراق أم للجنس أم للعهد.
(والصلاة) وهي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الادميين تضرع ودعاء.
(والسلام) بمعنى التسليم (على محمد) نبينا (وآله) هم مؤمنو بني هاشم وبني المطلب.
(وصحبه) هو عند سيبويه اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع مؤمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعطف الصحب على آل الشامل لبعضهم لتشمل الصلاة والسلام باقيهم، وجملتا الحمد والصلاة والسلام خبريتان لفظا إنشائيتان معنى، واخترت اسميتهما على فعليتهما للدلالة على الثبات والدوام.
(الفائزين من الله بعلاه) صفة لمن ذكر.
(وبعد): يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، وأصلها: أما بعد، بدليل لزوم الفاء في حيزها غالبا لتضمن معنى الشرط، والاصل مهما يكن من شئ بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر.
(فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) من الاختصار وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى (في الفقه) وهو لغة: الفهم، واصطلاحا: العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، وموضوعه: أفعال المكلفين من حيث عروض الاحكام لها، واستمداده: من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وسائر الادلة المعروفة، وفائدته: امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه المحصلان للفوائد الدنيوية والآخروية.
(على مذهب الامام) المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي رضي الله عنه وأرضاه) أي ما ذهب إليه من الاحكام في المسائل مجازا عن مكان الذهاب.
(اختصرت فيه مختصر الامام أبي زكريا النووي) رحمه الله (المسمى { بمنهاج الطالبين } وضممت إليه ما يسر مع إبدال غير المعتمد به) أي

(1/8)


بالمعتمد (بلفظ مبين) وسأنبه على ذلك غالبا في محاله: (وحذفت منه الخلاف روما) أي طلبا (لتيسيره على الراغبين) فيه.
(وسميته: بمنهج الطلاب) المنهج والمنهاج الطريق الواضح (راجيا) أي مؤملا (من الله) تعالى (أن ينتفع به أولو الالباب) جمع لب وهو العقل.
(وأسأله التوفيق) وهو خلق قدرة الطاعة وتسهيل سبيل الخير (للصواب) أي لما يوافق الواقع من القول والفعل (و) أسأله (الفوز) أي الظفر بالخير يوم المآب أي الرجوع إلى الله تعالى أي يوم القيامة.

(1/9)


كتاب الطهارة هو لغة: الضم والجمع، يقال: كتب كتبا وكتابة وكتابا، واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول غالبا، والطهارة لغة: النظافة والخلوص من الادناس، وشرعا: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما، وعلى صورتهما، كالتيمم والاغسال المسنونة و تجديد الوضوء، والغسلة الثانية والثالثة فهي شاملة لانواع الطهارات، وبدأت بالماء لانه الاصل في آلتها فقلت: (إنما يطهر من مائع ماء مطلق وهو ما يسمى ماء بلا قيد) وإن رشح من بخار الماء المغلي كما صححه النووي في مجموعه وغيره أو قيد لموافقة الواقع كماء البحر بخلاف الخل ونحوه وما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد وماء دافق، أي مني فلا يطهر شيئا لقوله تعالى ممتنا بالماء: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) وقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا).
وقوله (صلى الله عليه وسلم) حين بال الاعرابي في المسجد: صبوا عليه ذنوبا من ماء رواه الشيخان، والذنوب: بفتح المعجمة الدلو الممتلئة ماء، والامر للوجوب والماء ينصرف إلى المطلق لتبادره إلى الفهم، فلو طهر غيره من المائعات لفات الامتنان به، ولما وجب التيمم لفقده ولا غسل البول به.
و تعبيري بما ذكر شامل لطهر المستحاضة ونحوها.
وللطهر المسنون بخلاف قول الاصل: يشترط لرفع الحدث.
والنجس ماء
مطلق.
(فمتغير بمخالط) وهو ما لا يتميز في رأي العين بخلاف المجاور (طاهر مستغنى عنه) كزعفران ومني (تغيرا يمنع) لكثرته (الاسم) أي إطلاق اسم الماء عليه، ولو كان التغير تقديريا بأن اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته كماء مستعمل، فيقدر مخالفا له في أحدها (غير مطهر) سواء أكان قلتين أم لا في غير الماء المستعمل بقرينة ما يأتي لانه لا يسمى ماء، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء فشرب من ذلك لم يحنث.
(لا تراب وملح وماء وإن طرحا فيه) تسهيلا على

(1/10)


العباد، أو لان تغيره بالتراب لكونه كدورة، و بالملح المائي لكونه منعقدا من الماء لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وإن أشبه التغير بهما في الصورة التغير الكثير بما مر، فمن علل بالاول قال: إن المتغير بهما غير مطلق، ومن علل بالثاني قال: إنه مطلق وهو الاشهر والاول أقعد وخرج بما ذكر التغير بمجاور كدهن وعود ولو مطيبين وبمكث وبما في مقر الماء وممره، وإن منع الاسم والتغير بما لا يمنع الاسم لقلته في الاخيرة، ولان التغير بالمجاور لكونه تروحا لا يضر كالتغير بجيفة من الماء.
وأما التغير بالبقية، فلتعذر صون الماء عنها، أو لانه كما قال الرافعي تبعا للامام: لا يمنع تغير بها إطلاق الاسم عليه، وإن وجد الشبه المذكور، والتصريح بالملح المائي من زيادتي.
وخرج بالمائي الجبلي، فيضر التغير الكثير به إن لم يكن بمقر الماء أو ممره، وأما التغير بالنجس المفهوم من الطهر فسيأتي.
(وكره شديد حر وبرد) من زيادتي.
أي استعماله لمنعه الاسباغ، نعم إن فقد غيره وضاق الوقت وجب أو خاف منه ضررا حرم وخرج بالشديد المعتدل.
ولو مسخنا بنجس فلا يكره.
(كره) (متشمس بشروطه) المعروفة بأن يتشمس في إناء منطبع غير نقد كحديد بقطر حار، كالحجاز في بدن.
ولم يبرد خوف البرص لان الشمس بحدتها تفصل من الاناء زهومة تعلو الماء، فإذا لا قت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فتحبس الدم، فيحصل البرص.
فلا يكره المسخن بالنار كما مر لذهاب الزهومة بها، ولا متشمس في غير منطبع كالخزف والحياض، ولا متشمس بمنطبع نقد لصفاء جوهره، ولا متشمس بقطر بارد أو معتدل، ولا
استعماله في غير بدن ولا إذا برد كما صححه النووي، على أنه اختار من جهة الدليل عدم كراهة المتشمس مطلقا.
وتعبيري بمتشمس أولى من تعبيره بمشمس وقولي بشروطه من زيادتي، (والمستعمل في فرض) من طهارة الحدث كالغسلة الاولى، ولو من طهر صاحب ضرورة (غير مطهران قل) لان الصحابة رضي الله عنهم لم يجمعوا المستعمل في أسفارهم القليلة الماء ليتطهروا به، بل عدلوا عنه إلى التيمم ولان أزال المانع.
فإن قلت طهور في الآية السابقة بوزن فعول، فيقتضي تكرر الطهارة بالماء.
قلت فعول يأتي اسما للآلة كسحور لما يتسحر به، فيجوز أن يكون طهور.
كذلك ولو سلم اقتضاؤه التكرر فالمراد جمعا بين الادلة ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي يمر عليه، فإنه يطهر كل جزر منه.
والمستعمل ليس بمطلق على ما صححه النووي.
ولكن جزم الرافعي بأنه مطلق، وهو الصحيح عند الاكثرين لكن منع من استعماله تعبدا فهو مستثنى من المطلق.
و المراد بالفرض ما لا بد منه أثم بتركه أم لا عبادة كان أم لا فيشمل ما توضأ به الصبي وما اغتسلت به الذمية لتحل لحليلها المسلم، أما إذا كثر ابتداء أو انتهاء بأن جمع حتى كثر فمطهر، وإن قل بعد تفريقه لان الطاهرية إذا عادت بالكثرة لما يعلم مما يأتي فالطهورية أولى.
وخرج بالفرض المستعمل في غيره كماء الغسلة الثانية والثالثة.
والوضوة المجدد فمطهر لانتفاء العلة، وسيأتي المستعمل في النجاسة في بابها.

(1/11)


(ولا تنجس قلتا ماء وهما خمسمائة رطل) بكسر الراء أفصح من فتحها (بغدادي تقريبا بملاقاة نجس) لخبر إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا.
رواه ابن حبان وغير وصححوه، وفي رواية: فإنه ينجس وهو المراد بقوله لم يحمل خبثا أي يدفع النجس ولا يقبله.
وفي رواية إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر والواحد منها قدرها الشافعي أخدا من ابن جريح الرائي لها بقربتين ونصف من قرب الحجاز، وواحدتها لا تزيد غالبا على مائة رطل بغدادي، وسيأتي بيانه في زكاة النابت.
وهجر، بفتح الهاء والجيم، فرية بقرب المدينة النبوية.
والقلتان بالمساحة في المربع ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا بذراع الآدمي وهو شبران تقريبا.
والمعنى بالتقريب في الخمسمائة أنه لا يضر نقص رطلين على ما صححه النووي في روضته.
لكنه صحح في تحقيقه ما جزم به الرافعي أنه لا يضر نقص قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير بقدر معين من الاشياء المغيرة.
(فأن غيره) ولو يسيرا أو تغيرا تقديريا (فنجس) بالاجماع المخصص للخبر السابق.
ولخبر الترمذي وغيره الماء لا ينجسه شئ، فلو تغير بجيفة على الشط لم يؤثر كما أفهمه التقييد بالملاقاة، وإنما التغير اليسير بالنجس بخلافه في الطاهر لغلظ أمره، أما إذا غير بعضه فالمتغير نجس وكذا الباقي إن لم يبلغ قلتين.
(فأإن زال تغيره) الحسى أو التقديري (بنفسه) أي لا بعين كطول، مكث (أو بماء) انضم إليه ولو نجسا أو أخذ منه والباقي قلتان (طهر) لانتفاء علة التنجس، ولا يضر عود تغيره إذا خلا عن نجس جامد.
أما إذا زال حسا بغيرهما كمسك وتراب وحل فلا يطهر للشك في أن التغير زال أو استتر بل، الظاهر أنه استتر.
فإن صفا الماء ولا تغير به طهر (و) الماء (دونهما) أي القلتين ولو جاريا (ينجس كرطب غيره) كزيت.
وإن كثر (بملاقاته) أي النجس أو الماء فلمفهوم خبر القلتين السابق المخصص لمنطوق خبر الماء لا ينجسه شئ السابق.
نعم، إن ورد على النجاسة.
ففيه تفصيل يأتي في بابها.
وأما غير الماء في الرطب فبالاولى وفارق كثير الماء كثير غيره بأن كثيره قوي ويشق حفظه من النجاسة غيره، وإن كثر وخرج بالرطب الجاف.
وتعبيري برطب أعم من تعبيره بمائع (لا بملاقاة ميتة لا يسيل دمها) عند شق عضو منها في حياتها كذباب وخنفساء.
(ولم تطرح) فيه (و) لا بملاقاة (نجس لا يدركه طرف) أي بصر لقلته كنقطة بول.
(و) لا بملاقاة (نحو ذلك) كقليل من شعر نجس ومن دخان نجاسة، وكغبار سرجين وحيوان متنجس المنفذ غير آدمي وذلك لمشقة الاحتراز عنها.
ولخبر البخاري: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء.
زاد أبو داود: وأنه يتقي بجناحيه الذي فيه الداء وقد يفضي غمسه إلى موته فلو نجس لما أمر به، وقيس بالذباب ما في معناه، فإن غيرته الميتة لكثرتها أو طرحت في تنجس، وقولي ولم تطرح ونحو ذلك من زيادتي وتعتبر القلة بالعرف، (فإن بلغهما) أي الماء النجس القلتين (بماء ولا تغير) به

(1/12)


(فطهور) لما مر.
فإن لم يبلغهما أو بلغهما بغير ماء أو به متغيرا لم يطهر لبقاء علة التنجس.
(والتغير المؤثر) بطاهر أو نجس تغير (طعم أو لون أو ريح) خرج بالمؤثر بطاهر التغير اليسير به، وبالمؤثر بنجس التغير بجيفة قرب الماء وقد مر.
ويعتبر في التغير التقديري بالطاهر المخالف الوسط المعتدل، وبالنجس المخالف الاشد.
(ولو اشتبه) على أحد (طاهر أو طهور بغيره) من ماء أو غيره كما أفاده كلامه في شروط الصلاة، (اجتهد) فيهما جوازا إن قدر على طاهر أو طهور بيقين كما مر.
ووجوبا إن لم يقدر وخاف ضيق الوقت وذلك، بأن يبحث عما يبين النجس مثلا من الامارات كرشاش حول إنائه أو قرب كلب منه، هذا (إن بقيا) وإلا فلا اجتهاد - خلافا لما صححه الرافعي - فيما إذا تلف أحدهما.
وشمل ما ذكر الاعمى لانه يدرك الامارة باللمس وغيره، ومن قدر على طاهر أو طهور بيقين كما مر لجواز العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن كما في الاخبار، فإن الصحابة كان بعضهم بسمع من بعض مع قدرته على المتيقن وهو سماعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) (واستعمل ما ظنه) بالاجتهاد مع ظهور الامارة (طاهرا أو طهورا).
وتعبيري بطاهر أعم من تعبيره بماء طاهر.
وذكر الاجتهاد في اشتباه الطهور بالمستعمل وبالتراب النجس مع التقييد ببقاء المشتبهين من زيادتي (لا) إن اشتبه عليه (ماء بول) مثلا، فلا يجتهد إلا لا أصل للبول في التطهير ليرد بالاجتهاد إليه بخلاف الماء.
(بل) هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر لا للابطال (يتيمم بعد تلف) لهما أو لاحدهما ولو صب شئ منه في الآخر، فإن يتيمم قبله أعاد ما صلاه بالتيمم لانه تيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة مع تقصيره بترك إعدامه.
وكذا الحكم فيما لو اجتهد في الماءين فتحير وللاعمى في هذا التقليد دون البصير.
قال في المجموع فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم.
وتعبيري بالتلف أعم من تعبيره بالخلط، (ولا) إن اشتبه عليه ماء و (ماء ورد) فلا يجتهد لما مر في البول (بل يتوضأ بكل) من الماء وماء الورد (مرة)، ويعذر في تردده في النية للضرورة (وإذا ظن طهارة أحدهما)
أي الماءين بالاجتهاد (سن) له قبل استعماله (إراقة الآخر) إن لم يحتج إليه لنحو عطش لئلا

(1/13)


يغلط، فيستعمله أو يتغي اجتهاده فيشتبه عليه الامر.
وذكر الاراقة من زيادتي (فإن تركه) وبقي بعض الاول (وتغير ظنه) باجتهاده ثانيا (لم يعمل بالثاني) من الاجتهادين لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه به الاول ويصلى بنجاسة إن لم يغسله (بل يتيمم) بعد التلف، (ولا يعيد) ما صلاه بالتيمم.
فإن لم يبق من الاول شئ، وقلنا بجواز الاجتهاد على ما اقتضاه كلام الرافعي، فلا إعادة، إذ ليس معه ماء متيقن الطهارة وهده مسألة المنهاج لذكره الخلاف فيها، وهي إنما تأتي على طريقة الرافعي هذا.
والاولى حمل كلام المنهاج ليأتي على طريقته أيضا على ما إذا بقي بعض الاول ثم تغير اجتهاده، ثم تلف الباقي دون الآخر، ثم تيمم إذ قضية كلام المجموع ترجيح عدم الاعادة في ذلك أيضا.
(ولو أخبره بتنجسه) أي الماء أو غيره (عدل رواية) كعبد أو امرأة فاسق وصبي ومجهول ومجنون، حالة كونه (مبينا للسبب) في تنجسه كولوغ كلب (أو فقيها) بما ينجس (موافقا) للمخبر في مذهبه في ذلك وإن لم يبين السبب (اعتمده) بخلاف غير الفقيه أو الفقيه المخالف، أو المجهول مذهبه فلا يعتمد من غير تبيين لذلك لاحتمال أن يخبر بتنجيس ما لم ينجس عند المخبر، (ويحل استعمال واتخاذ) أي اقتناء (كل إناء طاهر) من حيث إنه طاهر في الطهارة وغيرها بالاجماع، وقد توضأ النبي (صلى الله عليه وسلم) من شن من جلد ومن قدح من خشب، ومن مخضب من حجر، فلا يرد مغصوب وجلد الآدمي ونحوهما وخرج بالطاهر النجس، كالمتخذ من ميتة، فيحرم استعماله في ماء قليل ومائع لا في جاف والاناء جاف أو في ماء كثير، لكنه يكره.
ودخل فيه النفيس كياقوت، فيحل استعماله واتخاذه لان ما فيه من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء لا يدركه إلا الخواص، لكنه يكره (إلا إناء كله أو بعضه) المزيد على الاصل (ذهب أو فضة فيحرم) استعماله واتخاذه مع الرجال والنساء لعين الذهب والفضة مع الخيلاء، ولقوله (صلى الله عليه وسلم): لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، رواه الشيخان.
ويقاس بما فيه ما في معناه، ولان اتخاذه يجر إلى استعماله (كمضبب بأحدهما وضبة الفضة كبيرة لغير حاجة) بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة، فيحرم استعماله واتخاذه،

(1/14)


وإنما حرمت ضبة الذهب مطلقا لان الخيلاء فيه أشد من الفضة.
وخالف الرافعي فسوى بينهما في التفصيل، ولا تشكل حرمة استعمال الذهب والفضة بحل الاستنجاء بهما، لان الكلام ثم في قطعة ذهب أو فضة لا فيما طبع أو هيئ منهما، لذلك كالاناء المهيأ أنهما للبول فيه.
والجواب: بأن كلامهم ثم إنما هو في الاجزاء ينافيه ظاهر تعبير الشيخين وغيرهما.
ثم بالجواز إلا أن يحمل كلام المجيب على ما طبع أو هئ لذلك.
وكلام غيره على غير ذلك.
(فإن كانت صغيرة لغير حاجة) بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة (أو كبيرة لها) أي للحاجة) كره)، ذلك وإن كانت محل الاستعمال للزينة في الاولى وللكبر في الثانية وجاز للصغر في الاولى وللحاجة في الثاني.
والاصل في الجواز ما رواه البخاري أن قدحه (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يشرب فيه كان مسلسلا بفضة لانصداعه أي مشعبا بخيط من فضة لانشقاقه.
والتصريح بذكر الكراهة من زيادتي، وخرج بغير حاجة الصغيرة لحاجة، فلا تكره للخبر المذكور وأصل ضبة الاناء ما يصلح به خلله من صفيحة وغيرها.
وإطلاقها على ما هو للزينة توسع ومرجع الكبيرة والصغيرة العرق وقيل: الكبيرة ما تستوعب جانبا من الاناء كشفة أو أذن.
والصغيرة دون ذلك.
فإن شك في الكبر فالاصل الاباحة.
والمراد بالحاجة غرض الاصلاح لا العجز عن غير الذهب والفضة، لان العجز عن غيرهما يبيح استعمال الاناء الذي كله ذهب أو فضة فضلا عن المضبب به.
وقولي كالمحرر لغير حاجة أعم من قول المنهاج لزينة لما مر.
(ويحل نحو نحاس) بضم النون أشهر من كسرها (موه) أي.
طلي (بنقد) أي بذهب أو فضة، (لا عكسه) بأن موه ذهب أو فضة بنحو نحاس، أي فلا يحل (إن لم يحصل من ذلك شئ بالنار فيهما) لقلة المموه به، فكأنه معدوم بخلاف ما إذا حصل منه شئ بها لكثرته والتصريح بالثانية مع التقييد فيهما من زيادتي والتقسد صرح الشيخان في الاولى وابن الرفعة وغيره في
الثانية أخذا من كلام الامام.
باب الاحداث جمع حدث والمراد به عند الاطلاق كما هنا الاصغر غالبا.
وهو لغة الشئ الحادث وشرعا يطلق على أمر اعتباري يقوم بالاعضاء يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص وعلى الاسباب التي ينتهي بها الطهر وعلى المنع المترتب على ذلك.
والمراد هنا الثاني وتعبير الاصل بأسباب الحدث يقتضي تفسير الحدث بغير الثاني، إلا أن تجعل الاضافة بيانية (هي) أربعة: أحدها (خروج غير منيه) أي المتوضئ الحي عينا أو ريحا طاهرا أو نجسا جافا أو رطبا

(1/15)


معتادا كبول، أو نادرا كدم انفصل أولا (من فرج) دبرا كان أو قبلا، (أو) من (ثقب) بفتح المثلثة وضمهما (تحت معدة) بفتح الميم وكسر العين على الافصح (والفرج منسد)، لقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) الآية.
ولقيام الثقب المذكور مقام المنسد، والغائط المكان المطمئن من الارض تقضي فيه الحاجة.
سمي باسمه الخارج للمجاورة، وخرج بالفرج والثقب المذكورين خروج شئ من بقية بدنه كدم فصد، وخارج من ثقب فوق المعدة أو فيها أو محاذيها، ولو مع انسداد الفرج أو تحتها مع انفتاحه فلا نقض به، لان الاصل عدم النقض، ولان الخارج في الاخيرة لا ضرورة إلى مخرجه، وفيما عداها بالقئ أشبه إذ ما تحيله الطبيعة تلقيه إلى أسفل وهذا في الانسداد العارض.
أما الخلقي فينقض معه الخارج من الثقب مطلقا والمنسد حينئذ كعضو زائد من الخنثى ولا وضوء بمسه ولا غسل بإيلاجه ولا بالايلاج فيه، قاله الماوردي قال في المجموع ولم أر لغيره تصريحا بموافقته أو مخالفته، وحيث أقيم الثقب مقام المنسد، فليس له حكمه من أجزاء الحجر وإيجاب الوضوء بمسه والغسل بالايلاج به أو الايلاج فيه وإيجاب ستره وتحريم النظر إليه فوق العورة لخروجه عن مظنة الشهوة، ولخروج الاستنجاء بالحجر عن القياس.
فلا يتعدى الاصلي والمعدة مستقر الطعام من المكان المنخسف تحت الصدر إلى السرة.
والمراد بها هنا السرة أما منيه الموجب للغسل فلا ينقض الوضوء كأن
أمنى بمجرد نظر، لانه أوجب أعظم الامرين وهو الغسل بخصوصه.
فلا يوجب أدونهما بعمومه كزنا المحصن، وإنما أوجبه الحيض والنفاس مع إيجابهما الغسل، لانهما يمنعان صحة الوضوء مطلقا، فلا يجامعانه بخلاف خروج المني يصح معه الوضوء في صورة سلس المني فيجامعه.
ودخل في غير منيه مني غيره فنيقض.
فتعبيري بمنيه أولى من تعبيره بالمني.
(و) ثانيها (زوال عقل) أي تمييز بجنون أو إغمار، أو نوم أو غيرها لخبر أبي داود وغيره العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ، وغير النوم مما ذكر أبلغ منه في الذهول الذي هو مظنة لخروج شئ من الدبر كما أشعر بها الخبر إذ السه الدبر، ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج شئ منه لا يشعر به.
والعينان كناية عن اليقظة وخرج بزوال العقل النعاس وحديث النفس وأوائل نشوة السكر فلا نقض بها.
ومن عامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه (لا) زواله (بنوم ممكن مقعده) أي ألييه من مقره من أرض أو غيرها فلا نقض من خروج

(1/16)


شئ حينئذ من دبره، ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لندرته.
ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا أي ضاما ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها، فلا نقض به ولا تمكين لمن نام قاعدا هزيلا بين بعض مقعده ومقره، تجاف كما نقله في الشرح الصغير عن الروياني وأقره، وأن اختار في المجموع أنه لا ينقض وصححه في الروضة ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره.
(و) وثالثها: (تلاقي بشرتي ذكر وأنثى) ولو خصيا وعنينا وممسوحا كان أحدهما ميتا لكن لا ينتقض وضوءه، وذلك لقوله تعالى: (أو لامستم النساء) أي لمستم كما قرئ به لا جامعتم لانه خلاف الظاهر.
واللمس الجس باليد بغيرها أو الجس باليد وألحق غيرها بها وعليه الشافعي.
والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة وسواء في ذلك اللامس والملموس كما أفهمه التعبير بالتلاقي لاشتراكهما في لذة اللمس كالمشتركين في لذة الجماع سواء أكان التلاقي عمدا، أم سهوا بشهوة أو بدونها بعضو سليم أو أشل أصلى
أو زائد من أعضاء الوضوء أو غيرها بخلاف النقض بمس الفرج، يختص ببطن الكف كما سيأتي، لان اللمس إنما يثير الشهوة ببطن الكف واللمس يثيرها به وبغيره، والبشرة ظاهر الجلد وفي معناه اللحم كلحم الاسنان.
وخرج بها الحائل ولو رقيقا والشعر والسن والظفر، إذ لا يلتذ بلمسها وبذكر وأنثى الذكران والانثيان والخنثيان والخنثى، والذكر أو الانثى والعضو البان، لانتفاء مظنة الشهوة (بكبر) أي مع كبرهما بأن بلغا حد الشهوة عرفا.
وإن انتفت لهرم ونحوه اكتفاء بمظنتها بخلاف التلاقي مع الصغر لا ينقض لانتفاء مظنتها (لا) تلاقي بشرتي ذكر وأنثى (محرم) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فلا ينقض لانتفاء مظنة الشهوة.
(و) رابعها: (مس فرج آدمي أو محل قطعه) ولو صغيرا أو ميتا من نفسه أو غيره عمدا أو سهوا قبلا كان الفرج أو دبرا سليما أو أشل، متصلا أو منفصلا (ببطن كف) ولو شلاء لخبر:

(1/17)


من مس فرجه فليتوضأ.
رواه الترمذي وصحيحه ولخبر ابن حبان في صحيحه، إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ ومس فرج غيره أفحش من مس فرجه لهتكه حرمة غيره، ولانه أشهى له.
ومحل القطع في معنى الفرج لانه أصله وخرج بالآدمي البهيمة فلا نقض بمس فرجها إذ لا حرمة لها في وجوب ستره وتحريم النظر إليه، ولا تعبد عليها وببطن الكف غيره كرؤوس الاصابع، وما بينهما وحرفها أو حرف الراحة واختص الحكم ببطن الكف وهو الراحة مع بطون الاصابع، لان التلذذ إنما يكون به.
ولخبر الافضاء باليد السابق، إلا الافضاء بها لغة المس ببطن الكف فيتقيد به إطلاق المس في بقية الاخبار.
والمراد بفرج المرأة الناقض ملتقي شفريها على المنفذ وبالدبر ملتقى منفذه، و ببطن الكف ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الاخرى مع تحامل يسير.
(و حرم بها) أي بالاحداث أي بكل منها حيث لا عذر (صلاة) إجماعا.
ولخبر الصحيحين لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.
وفي معناها خطبة الجمعة وسجدتا التلاوة والشكر (وطواف)، لانه (صلى الله عليه وسلم) توضأ له وقال: لتأخذوا عني مناسككم رواه
مسلم.
ولخبر الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير رواه الحاكم.
وقال صحيح على شرط مسلم (ومس مصحف) بتثليث ميمه (و) مس (ورقه) قال تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)، أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي والحمل أبلغ من المس.
نعم إن خاف عليه غرقا أو حرقا أو كافرا أو نحوه، جاز حمله بل قد يجب.
وخرج بالمصحف غيره كتوراة وإنجيل، ومنسوخ تلاوة من القرآن فلا يحرم ذلك.
(و) مس (جلده) المتصل به لانه كالجزر منه.
فإن انفصل عنه فقضية كلام البيان الحل وبه صرح الاسنوي.
لكن نقل الزركشي عن عصارة المختصر للغزالي أنه يحرم أيضا.
وقال ابن العماد إنه الاصح.
(و) مس (ظرفه) كصندوق (وهو فيه) لشبهه بجلده وعلاقته كظرفه (و)

(1/18)


مس (ما كتب عليه قرآن لدرسه) كلوح لشبهه بالمصحف بخلاف ما كتب لغير ذلك كالتمائم، وما على النقد (وحل حمله في متاع) تبعا له بقيد زدته بقولي (إن لم يقصد) أي المصحف بأن قصد المتاع وحده أو لم يقصد شئ بخلاف ما إذا قصد ولو مع المتاع وإن اقتضى كلام الرافعي الحل فيما إذا قصدهما.
وتعبيري بمتاع أولى من تعبيره بأمتعة (و) في (تفسير) لان المقصود دون القرآن، ومحله إذا كان (أكثر) من القرآن فإن كان القرآن أكثر أو تساويا حرم ذلك.
وحيث لم يحرم يكره وقولي أكثر من زيادتي وبما تقرر علم أنه يحل حمله في سائر ما كتب هو عليه لا لدراسة كالدنانير الاحدية، (و) حل (قلب ورقة يعود) أو نحوه لانه ليس بحمل ولا في معناه بخلاف ما لو قلبه بيده ولو بلف خرقة عليها.
(ولا يجب منع صبي مميز) ولو جنبا مما ذكر من الحمل والمس لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا فمحل عدم الوجوب، إذا كان ذلك للدراسة والتصريح بعدم الوجوب وبالمميز من زيادتي.
وخرج بالمميز غيره فلا يمكن من ذلك وتحرم كتابة مصحف بنجس ومسه بعضو نجس والسفر به إلى بلاد الكفر.
(ولا يرتفع يقين طهر أو حدث بظن ضده) ولا بالشك فيه.
المفهوم بالاولى وهما مراد الاصل بتعبيره بالشك المحمول على مطلق التردد فيأخذ باليقين استصحابا له ولخبر مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه
شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فمن ظن الضد لا يعمل بظنه لان ظن استصحاب اليقين أقوى منه.
وقال الرافعي: يعمل بظن الطهر بعد تيقين الحدث قال في الكفاية ولم أره لغيره وأسقطه من الروضة.

(1/19)


(فلو تيقنهما) أي الطهر و الحدث كأن وجدا منه بعد الفجر (وجهل السابق) منهما (فضد ما قبلهما) يأخذ به فإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر سواء اعتاد تجديد الطهر أم لا، لانه تيقن الطهر وشك في رافعه والاصل عدمه، أو متطهرا فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد لانه تيقن الحدث وشك في رافعه، والاصل عدمه بخلاف ما إذا لم يعتده كما زدت ذلك بقولي: (لا ضد الطهر) فلا يأخذ به (إن لم يعتد تجديده) بل يأخذ بالطهر لان الظاهر تأخر طهره عن حدثه بخلاف من اعتاده، فإن لم يتذكر ما قبلهما فإن اعتاد التجديد لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين بلا مرجح ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهر، وإلا أخذ بالطهر، ثم ما ذكر من التفصيل بين التذكر وعدمه هو ما صححه الرافعي والنووي في الاصل والتحقيق لكنه صحح في المجموع والنتقيح لزوم الوضوء بكل حال وقال في الروضة إنه الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا.
فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء (سن لقاضي الحاجة) من الخارج من قبل أو دبر برأي لمريد قضائها، (أن يقدم يساره لمكان قضائها ويمينه لانصرافه) عنه لمناسبة اليسار للمستقذر واليمين لغيره، والتصريح بالنسبة من زيادتي، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بقوله: يقدم داخل الخلاء يساره و الخارج يمينه (و) أن (ينحى) عنه (ما عليه معظم) من قرآن أو غيره كاسم نبي تعظيما له وحمله مكروه لا حرام قاله في الروضة وتعبيري بذلك أعم وأولى من قوله ولا يحمل ذكر الله، (و) أن (يعتمد) في قضاء الحاجة ولو قائما (يساره) ناصبا يمناه بأن يضع أصابعها على الارض ويرفع باقيها لان ذلك
أسهل لخروج الخارج ولانه المناسب هنا وقول الاصل ويعتمد جالسا يساره جرى على الغالب و بعضهم أخذ بمقتضاه.
فقال ويعتمدهما قائما وما قلناه أوجه (و) أن (لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) في غير المعد لذلك (بساتر) أي مع مرتفع ذراع بينه، وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي ولو بآرخاء ذيله، ويكرهان حنيئذ كما جزم به الرافعي في تذنيبه تبعا للمتولى واختار في المجموع أنهما خلاف الاولى لا مكروهان، (ويحرمان بدونه) أي الساتر (في غير معد) لذلك قال (صلى الله عليه وسلم) إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا رواه الشيخان.
ورويا أيضا أنه (صلى الله عليه وسلم) قضى حاجته في بين حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة وروى ابن ماجة وغير بإسناد حسن أنه (صلى الله عليه وسلم) ذكر عنده أن ناسا يكرهون استقبال القبلة

(1/20)


بفروجهم فقال أوقد فعلوها حولوا بمقعدتي إلى القبلة، فجمع أئمتنا أخذا من كلام الشافعي رضي الله عنه بين هذه الاخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على ما يستتر فيه بما ذكر لانه لسعته لا يشق فيه اجتناب الاستقبال والاستدبار، بخلاف ما استتر فيه بذلك فقد يشق فيه اجتناب ما ذكر فيجوز فعله كما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم) لبيان الجواز وإن كان الاولى لنا تركه أما إذا كان في المعد لذلك فلا حرمة فيه ولا كراهة ولا خلاف الاولى قاله في المجموع وتقييدي بالساتر في الشق الاول وبعدمه في الثاني مع التقييد فيهما بغير المعد لذلك من زيادتي (و) أن (يبعد) عن الناس في الصحراء ونحوها إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح (و) أن (يستتر) عن أعينهم في ذلك بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه و بينه ثلاثة أذرع فأقل ولو بارخاء ذيله، إن كان بصحراء أو بناء لا يمكن تسقيفه فإن كان ببناء مسقف أو يمكن تسقيفه حصل الستر بذلك، ذكره في المجموع وفيه أن هذا الادب متفق على استحبابه.
وظاهر أن محله إذا لم يكن ثم من لا يغض بصره عن نظر عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب عليه الاستتار، وعليه يحمل قول النووي في شرح مسلم يجوز كشف العورة في محل الحاجة في الخلوة كحاجة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة أما بحضرة الناس فيحرم كشفها (و) أن (يسكت) حال قضاء حاجته عن ذكر وغيره فالكلام عنده مكروه
إلا لضرورة كانذار أعمى فلو عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه وقد روي ابن حبان وغيره خبر النهي عن التحدث على الغائط (و) أن (لا يقضي) حاجته (في ماء راكد) للنهي عن البول فيه في خبر مسلم ومثله الغائط بل أولى والنهي في ذلك للكراهة.
وإن كان الماء قليلا لامكان طهره بالكثرة أما الجاري ففي المجموع عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير ثم قال وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا لان فيه إتلافا عليه وعلى غيره وأما الكثير فالاولى اجتنابه (و) لا في (حجر) للنهي عن البول فيه في خبر أبي داود وغيره وهو بضم الجيم وإسكان الحاء الثقب وألحق به السرب بفتح السين والراء وهو الشق والمعنى في النهي ما قيل إن الجن تسكن ذلك فقد تؤذي من يبول فيه وكالبول الغائط (ومهب الريح) لئلا يصيبه رشاش الخارج (ومتحدث) للناس (وطريق) لخبر مسلم اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم تسببا بذلك في لعن الناس لهما كثيرا، عادة فنسب إليهما بصيغة المبالغة.
والمعنى: احذروا سببي اللعن المذكور، وألحق بظل الناس في الصيف مواضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء وشملهما لفظ متحدث بفتح الدال، أي مكان التحدث، قال في المجموع وغيره وظاهر كلامهم أن التغوط في الطريق المكروه وينبغي تحريمه لما فيه من إيذاء المسلمين، ونقل في الروضة كأصلها في الشهادات عن صاحب العدة أنه حرام، وأقره.
وكالطريق فيما قاله المتحدث (وتحت ما) أي شجر (يثمر) صيانة للثمرة الواقعة عن التلويث، فتعافها الانفس ولا فرق بين وقت الثمرة وغيره.
(و) أن (لا يستنجي بماء في مكانه)

(1/21)


بقيد زدته، بقولي (إن لم يعد) لذلك بل ينتقل عنه لئلا يصيبه رشاش ينجسه بخلاف المعد لذلك.
والمستنجي بالحجر، (و) أن (يستبرئ من بوله) عند انقطاعه بتنحنح ونتر ذكر وغير ذلك.
وإنما لم يجب لان الظاهر من انقطاع البول عدم عوده.
وقال القاضي بوجوبه وهو قوي دليلا (و) أن (يقول عند وصوله) مكان قضاء حاجته (بسم الله) أي أتحصن من الشيطان، (اللهم) أي يا الله، (إني أعوذ) أي أعتصم (بك من الخبث والخبائث و) عند (انصرافه) عنه (غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني)، أي منه للاتباع.
رواه في الاول ابن السكن وغيره، وفي الثاني النسائي.
والخبث بضم
الخاء والباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة.
والمراد ذكر أن الشياطين وإناثهم وسبب سؤاله المغفرة عند انصرافه تركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة أو خوفه من تقصيره في شكر نعم الله تعالى التي أنعمها عليه، فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه وبقيت آداب مذكورات في المطولات.
(ويجب استنجاء) وهو من نجوت الشئ أي قطعته.
فكأن المستنجي يقطع به الاذى عن نفسه (من خارج ملوث لامني) ولو نادرا، كدم إزالة للنجاسة (بماء) على الاصل (أو بجامد طاهر قالع غير محترم كجلد دبغ).
ولو من غير مذكي وحشيش وخزف لانه (صلى الله عليه وسلم) جوزه حيث فعله، كما رواه البخاري وأمر به بقوله فيما رواه الشافعي: وليستنج بثلاثة أحجار.
ونهى (صلى الله عليه وسلم) عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وقيس بالحجر غيره مما في معناه.
والمدبوغ انتقل بالدبغ عن طبع اللحوم إلى طبع الثياب، وخرج بالملوث غيره كدود، وبعر بلا لوث فلا يجب الاستنجاء منه لفوات مقصوده من إزالة النجاسة أو تخفيفها.
لكنه يسن خروجا من الخلاف وبزيادتي لامني المني فكذلك.
لذلك وبالجامد المائع غير الماء وبالطاهر النجس كبعر وبالقالع غيره كالقصب الاملس وبغير محترم المحترم كالمطعوم وبالمدبوغ غيره فلا يجزئ الاستنجاء بواحد مما ذكر ويعصي به في المحترم روى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال: فإ نه طعام إخوانكم، يعني من الجن فمطعوم الانس كالخبز أولى، ولان القصب الاملس ونحوه لا يقلع، وغير المدبوغ نجس أو محترم لانه مطعوم وإنما يجزئ الجامد (بشرط أن يخرج) الملوث (عن فرج)، هذا من زيادتي، فلا يجزئ الجامد في الخارج من غيره كثقب منفتح وكذا في قبلي المشكل.
(و) أن (لا يجف)، فإن جف تعين الماء (و) أن (لا يجاوز صفحة) في الغائط وهي ما ينضم من الاليين عند القيام.
(وحشفة) في البول وهي ما فوق الختان وإن انتشر الخارج فوق العادة لما صح أن المهاجرين أكلوا التمر لما هاجروا، ولم يكن ذلك عادتهم فرقت بطونهم ولم يؤمر بالاستنجاء بالماء.
ولان ذلك يتعذر ضبطه فنيط الحكم بالصفحة والحشفة، فإن جاوزهما لم يجز الجامد لخروج ذلك عما تعم به البلوى، وفي معناه وصول بول الثيب مدخل الذكر، (و) أن (لا يتقطع) وإن لم يجاوزهما فإن تقطع تعين الماء في المتقطع أو

(1/22)


أجزأ الجامد في غيره، وهذا من زيادتي (و) أن (لا ينتقل) الملوث عن المحل أصابه عند الخروج، واستقر فيه (و) أن (لا يطرأ) عليه (أجنبي) من نجس أو طاهر رطب، فإن انتقل الملوث أو طرأ ما ذكر تعين الماء.
(و) أن (يمسح ثلاثا) ولو بأطراف حجر روى مسلم عن سلمان قال نهانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وفي معناها ثلاثة أطراف حجر بخلاف رمي الجمار، لا يكفي حجر له ثلاثة أطراف عن ثلاثة رميات، لان المقصود ثم عدد الرمي وهنا عدد المسحات.
(و) أن (يعم) المحل (كل مرة) ليصدق بتثليث المسح.
وإن كان ظاهر كلام الاصل سن ذلك (و) أن (ينقي) المحل، فإن لم ينقه بالثلاث وجب إنقاء بالزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف (وسن إيتار) بواحدة بعد الانقاء إن لم يحصل بوتر.
قال (صلى الله عليه وسلم): إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا رواه الشيخان.
(و) سن (أن يبدأ بالاول من مقدم صفحة يمنى) ويديره قليلا قليلا إلى أن يصل (إليه) أي إلى مقدمها الذي بدأ منه.
(ثم بالثاني من) مقدم صفحة (يسرى كذلك ثم يمر الثالث على الجميع) أي على الصفحتين والمسربة جميعا، والتصريح بهذه الكيفية من زيادتي.
(و) سن (استنجاء بيسار) للاتباع رواه أبو داود وغيره وروى مسلم: نهانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نستنجي باليمين (وجمع ماء وجامد) بأن يقدمه على الماء فهو أولى من الاقتصار على أحدهما، لان العين تزول بالجامد والاثر بالماء من غير حاجة إلى مخامرة عين النجاسة.
وقضيته أنه لا يشترط طهارة الجامد حينئذ، وأنه يكتفي بدون الثلاث مع الانقاء وهو كذلك.
باب الوضوء هو بضم الواو الفعل وهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية، وهو المراد هنا وبفتحها ما يتوضأ به.
وقيل بفتحها فيهما، وقيل بضمها كذلك.
والاصل فيه قبل الاجماع ما يأتي وخبر مسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور.
(فروضه) ستة: أحدها: (نية رفع حدث) على الناوي أي رفع حكمه كحرمة الصلاة.
لان القصد من الوضوء رفع مانع الصلاة ونحوها، فإذانواه فقد تعرض للقصد سواء أنوى رفع
جميع أحداثه، أم بعضها وإن نفى بعضها الآخر.
فلو نوى غير ما عليه كأن بال ولم ينم فنوى رفع حدث النوم فإن كان عامدا لم يصح أو غالطا صح، هذا (لغير دائمه) أي الحدث، أما دائمة

(1/23)


فلا تكفيه نية الرفع وما في معناها من نية الطهارة عنه لبقاء حدثه (أو) نية (وضوء) ولو بدون أداء وفرض، فهي أعم من قول الاصل أو أداء فرض الوضوء (أو) نية (استباحة مفتقر إليه) أي الوضوء كصلاة ومس مصحف، بخلاف نية غير مفتقر إليه لاباحته مع الحدث فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث سواء أسن له الوضوء كقراءة قرآن أو حديث.
أم لا كدخول سوق وسلام على أمير.
والنية شرعا قصد الشئ مقترنا بفعله فإن تراخى عنه سمي عزما ومحلها القلب.
والاصل فيها خبر الصحيحين إنما الاعمال بالنيات.
وتعبيري بإليه أي الوضوء أولى من تعبيره بإلى طهر لانه يوهم صحة الوضوء بنية المكث بالمسجد.
مثلا لانه يتوقف على طهر وهو الغسل مع أنه لا يصح (مقرونة بأول غسل الوجه) فلا يكفي قرنها بما بعد الوجه لخلو أول المغسول وجوبا عنها، ولا بما قبله لانه سنة تابعة للواجب.
نعم إن انغسل معه بعض الوجه كفى، لكن إن لم يقصد به الوجه وجب إعادته ولو وجدت النية في أثناء غسل الوجه دون أوله كفت، ووجب إعادة المغسول منه قبلها كما في المجموع، فوجوب قرنها بالاول ليعتد به وقولي غسل من زيادتي (وله تفريقها على أعضاءها) أي الوضوء، كأن ينوي عند غسل وجهه رفع الحدث عنه.
وهكذا كماله تفريق أفعال الوضوء، (و) له (نية تبرد) أو تنظف (معها) أي مع نية شئ مما مر لحصوله من غير نية.
(و) ثانيها: (غسل وجهه) قال تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) (وهو) طولا (ما بين منابت) شعر (رأسه) أي التي من شأنها أن ينبت فيها شعره (وتحت منتهى لحييه) بفتح اللام على المشهور، وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الاسنان السفلى.
(و) عرضا (ما بين أذنيه) لان المواجهة المأخوذ منها الوجه تقع بذلك.
والمراد ظاهر ما ذكر إذ لا يجب غسل داخل العين ولا يسن، وزدت تحت ليدخل في الوجه منتهى اللحيين (فمنه محل غمم) وهو ما ينبت عليه
الشعر من الجبهة إذ لا عبرة بنباته في غير منبته، كما لا عبرة بانحسار شعر الناصية (لا) محل (تحذيف) بمعجمه وهو منبت الشعر الخفيف بين ابتداء العذراء والنزعة، يعتاد النساء والاشراف تنحية شعره ليتسع الوجه.
(و) لا (نزعتان) بفتح الزاي أفصح من إسكانها وهما بياضان يكتنفان الناصية فلا يجب غسل الثلاثة لدخولها في تدوير الرأس.
(ويجب غسل شعره) أي الوجه كهدب وحاجب، وسبال وعذار وهو المحاذي للاذن بين الصدغ والعارض ظاهرا أو باطنا وإن كثف (لا) غسل (باطن كثيف خارج عنه) ولو غير لحية وعارض، (و) لا باطن كثيف (لحية) بكسر اللام أفصح من فتحها.
(وعارض) وإن لم يخرجا عن الوجه (و) لا باطن كثيف (بعضها) أي الثلاث.
(و) قد (تميز) عن بعضها الآخر إن كانت

(1/24)


من رجل فلا يجب لعسر إيصال الماء إليه، فيكفي غسل ظاهرها.
أما إذا لم يتميز البعض الكثيف عن الخفيف، فيجب غسل الجميع قاله الماوردي في اللحية ومثلها غيرها وإن تعقبه النووي بأنه خلاف ما قاله الاصحاب، وإنما وجب غسل باطن بقية الشعور الكثيفة لندرة كثافتها.
فألحقت بالغالبة وكلام الاصل يوهم عدم الاكتفاء بغسل ظاهر الخارج الكثيف من غير اللحية، وليس مرادا واللحية الشعر النابت على الذقن وهي مجمع اللحيين.
والعارض ما ينحط على القدر المحاذي للاذن وذكره مع ما بعده من زيادتي وخرج بالرجل المرأة والخنثى فيجب غسل ذلك كله منهما كما علم أولا لندرتها وندرة كثافتها، ولانه يسن للمرأة نتفها أو حلقها لانها مثلة في حقها.
والاصل في أحكام الخنثى العمل باليقين والخفيف ما ترى بشرته في مجلس التخاطب، والكثيف ما يمنع رؤيتها فيه.
ولو خلق له وجهان وجب غسلهما، أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما لان الواجب في الوجه غسل جميعه فيجب غسل ما يسمى وجها وفي الرأس مسح بعض ما يسمى رأسا.
وذلك يحصل ببعض أحدهما.
(و) ثالثها: (غسل يديه) من كفيه وذراعيه (بكر مرفق) بكسر الميم وفتح الفاء أفصح من العكس.
لقوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق) وللاتباع رواه مسلم.
ويجب غسل ما
عليهما من شعر وغيره، (فإن قطع بعض يد وجب) غسل (ما بقي) منها لان الميسور لا يسقط بالمعسور.
(أو من مرفقيه) بأن غسل عظم الذراع وبقي العظمان المسميان برأس العضد.
(فرأس) عظم (عضده) يجب غسله لانه من المرفق إذ لمرفق مجموع العظام الثلاث (أو) من (فوقه سن) غسل (باقي عضده) محافظة على التحجيل، وسيأتي.
ولئلا يخلو العضو عن طهارة.
(و) رابعها: (مسح بعض بشر رأسه أو) بعض (شعر) ولو واحدة، أو بعضها (في حده) أي الرأس بأن لا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله.
فلو خرج به عند منها لم يكف المسح على الخارج، قال تعالى: (وامسحو برؤوسكم) وروى مسلم: أنه (صلى الله عليه وسلم) مسح بناصيته وعلى العمامة فدل ذلك على الاكتفاء بمسح البعض.
لا يقال لو اكتفى بالبعض لاكتفى بمسح الاذنين لخبر الاذنان من الرأس لانا نعارضه، بأنه لو وجب الاستيعاب لوجب مسح الاذنين بعين ما قلتم.
فإن قلت صيغة الامر بمسح الرأس والوجه في التيمم واحدة فهلا أوجبتم التعميم أيضا ؟ قلت: المسح.
ثم بدل للضرورة.
وهنا أصل واحترزنا بالضرورة عن مسح الخفين فإنه جوز للحاجة، (وله غسله) لانه مسح وزيادة، (و) له (بله) كوضع يده عليه بلا مد لحصول المقصود من وصول البلل إليه.
(و) خامسها: (غسل رجليه بكل كعب) من كل رجل ولكل منهما كعبان وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم، لقوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين)

(1/25)


وللاتباع رواه مسلم قرئ في السبع أرجلكم بالنصب وبالجر عطفا على الوجوه لفظا في الاول، ومعنى في الثاني لجره على الجوار، وفصل بين المعطوفين إشارة إلى الترتيب بتقديم مسح الرأس على غسل الرجلين.
ويجب غسل ما عليهما من شعر وغيره، وغسلهما هو الاصل وسيأتي جواز مسح الخفين بدله.
والمراد بغسل الاعضاء المذكورة انغسالها ولا يعلم ذلك إلا بانغسال ملاقيها معها.
(و) سادسها: (ترتيبه هكذا) أي كما ذكر من البداءة بالوجه، ثم اليدين ثم الرأس ثم
الرجلين للاتباع.
رواه مسلم وغيره مع خبر النسائي بإسناد على شرط مسلم أبدءوا بما بدأ الله به.
(ولو انغمس محدث) بنية رفع الجنابة غلطا والحدث أو الطهر عنه أو الوضوء بدله (أجزأه) عن الوضوء.
وإن لم يمكث زمنا يمكن فيه الترتيب حسا خلافا للرافعي، لان الغسل يكفي للحدث الاكبر فللاصغر أولى ولتقدير الترتيب في لحظات لطيفة (وسن استياك) مطلقا لخبر النسائي وغيره السواك مطهرة للفم بفتح الميم وكسره (و) سن كونه (عرضا) أي في عرض الاسنان لخبر أبي داود إذا استكتم فاستاكوا عرضا، ويجزئ طولا.
لكنه يكره ذكره في المجموع.
نعم، يسن الاستياك في اللسان طولا قاله ابن دقيق العيد واستدل له بخبر في سنن أبي داود وقولي، وسن الخ أولى من قوله.
وسننه السواك عرضا (بخشن) كعود وأشنان، لانه المحصل للمقصود بالاستياك وأولاه الاراك (لا أصبعه) المتصلة به، لانها لا تسمى سواكا بخلاف المنفصلة وأصبع غيره.
واختار في المجموع تبعا للروياني وغيره أن أصبعه الخشنة تكفي لحصول المقصود بها، (و) لكن (كره) الاستياك (لصائم بعد زوال) لخبر الشيخين لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والخلوف بضم الخاء التغير.
والمراد الخلوف من بعد الزوال لخبر: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا، ثم قال: وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك.
رواه أبو بكر السمعاني في أماليه.
وقال حديث حسن والمساء بعد الزوال وأطيبية الخلوف تدل على طلب أبقائه فتكره إزالته، ولان التغير قبل الزوال يكون من أثر الطعام غالبا وتزول الكراهة بالغروب (وتأكد) الاستياك (في مواضع كوضوء وصلاة وتغير فم)، وقراءة ودخول منزل وإرادة نوم وتيقظ منه لخبر ابن خزيمة وغيره: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء وخبر الشيخين: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة، أي أمر إيجاب فيهما وخبرهما أيضا: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، أي يدلكه به، وخبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم): كان إذا دخل البيت بدأ بالسواك، ويقاس بما فيها ما في معناه.
وقولي وتأكد إلى آخره أولى من قوله ويسن للصلاة وتغير الفم.
(وسن لوضوء تسمية أوله)، أي الوضوء للامر بها وللاتباع في الاخبار الصحيحة.
وأما

(1/26)


خبر لا وضوء لمن لم يسم الله عليه فضعيف أو محمول على الكامل وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم.
(فإن تركت) عمدا أو سهوا (ففي أثنائه) يأتي بها تداركا لها فيقول: بسم الله أوله وآخره، ولا يأتي بها بعد فراغه كما في المجموع لفوات محلها.
والمراد بأوله أول غسل الكفين، فينوي الوضوء ويسمى عنده بأن يقرن النية بالتسمية عند أول غسلهما (فغسل كفيه) إلى كوعيه وإن تيقن طهرهما للاتباع، رواها الشيخان.
فالمراد بتقديم التسمية على غسلهما والتصريح به من زيادتي تقديمها على الفراغ منه.
(فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء قليل) لا كثير (قبل غسلهما ثلاثا) لخبر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده، رواه الشيخان.
إلا قوله ثلاثا فمسلم أشار بما علل به إلى احتمال نجاسة اليد في النوم، وألحق بالنوم غيره في ذلك.
أما إذا تيقن طهرهما فلا يكره غمسهما ولا يسن غسلهما قبله والتقييد بالقليل وبالثلاث من زيادتي فلا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثا.
وإن تيقن طهرهما بالاولى، لان الشارع إذا غيا حكما بغاية فإنما يخرج من عهدته باستيفائها وكالماء القليل غيره من المائعات وإن كثر وقولي فإن شك في طهرهما أولى من قوله فإن لم يتيقن طهرهما الصادق بتيقن نجاستهما مع أنه غير مراد.
(فمضمضة فاستنشاق) للاتباع.
رواه الشيخان.
وأما خبر تمضمضوا واستنشقوا فضعيف.
(وجمعهما) أفضل من الفصل بينهما بست غرفات لكل منهما ثلاث أو بغرفتين يتمضمض من واحدة منهما ثلاثا، ثم يستنشق من الاخرى ثلاثا (و) جمعهما (بثلاث غرف) يتمضمض ثم يستنشق من كل واحدة منها (أفضل) من الجمع بينهما بغرفة يتمضمض منها ثلاثا.
ثم يستنشق منها ثلاثا أو يتمضمض منها، ثم يستنشق مرة ثم كذلك ثانية وثالثة وذلك للاتباع، رواه الشيخان.
وعلم من التعبير بالافضل، أن السنة تتأدى بالجميع وهو كذلك وقولي وبثلاث أولى من قوله بثلاث وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحق لا مستحب كما أفادته الفاء
لاختلاف العضوين، كالوجه واليدين وكذا تقديم غسل الكفين عليهما وتقديمه عليهما من زيادتي (و) سن مبالغة فيهما لمفطر) للامر بذلك في خبر الدولابي والمبالغة في المضمضة أن يبلغ بالماء أقصى الحنك ووجهي الاسنان، واللثاث وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم.
وخرج بالمفطر الصائم فلا تسن له المبالغة فيهما بل تكره كا ذكره في المجموع (و) سن (تثليث) لغسل ومسح وتخليل ودلك وذكر كتسمية وتشهد للاتباع في الجميع أخذا من إطلاق خبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) توضأ ثلاثا ثلاثا.
ورواه أيضا في الاول مسلم، وفي الثاني في مسح الرأس أبو داود، وفي الثالث البيهقي، وفي الخامس في التشهد أحمد وابن ماجه وصرح به الروياني.
فتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بتثليث الغسل والمسح.
وروى البخاري: أنه (صلى الله عليه وسلم) توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين، وأنه غسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ومسح رأسه

(1/27)


فأقبل بيديه وأدبر مرة واحدة وقد يطلب ترك التثليث كأن ضاق الوقت أو قل الماء (يقينا) بأن يبني على الاقل عند الشك عملا بالاصل.
(ومسح كل رأسه) للاتباع رواه الشيخان.
والسنة في كيفية مسح الرأس، أن يضع يديه على مقدميه ويلصق مسبحته بالاخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب، وإلا فيقتصر على الذهاب (أو يتمم) بالمسح (على نحو عمامته).
وإن لم يعسر عليه نزعه لخبر مسلم السابق في رابع الفروض، والافضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية خروجا من الخلاف، وتعبيري بذلك أولى من قوله فإن عسر رفع العمامة كمل بالمسح عليها (ف) مسح كل (أذنيه) بماء جديد لا يبلل الرأس للاتباع رواه البيهقي.
والحاكم وصححاه.
والسنة في كيفية مسحهما أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف، ويمر إبهاميه على ظهرهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالاذنين استظهارا، أو المراد منها أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الاذنين ومعاطفهما.
(وتخليل شعر يكفي غسل ظاهره) كلحية رجل كثيفة للاتباع رواه الترمذي وصححه.
(و)
تحليل (أصابعه) لخبر لقيط بن صبرة أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع رواه الترمذي وغيره وصححوه.
والتخليل في الشعر، بأن يدخل أصابعه من أسفل اللحية مثلا بعد تفريقها وفي أصابع اليدين بالتشبيك، وفي أصابع الرجلين من أسفلها بخنصر يده اليسرى مبتدئا بخنصر رجله اليمنى خاتما بخنصر اليسرى.
وتعبيري بشعر الخ أولى من تعبيره باللحية الكثة، (وتيمن) أي تقديم يمين على يسار (لنحو أقطع) كمن خلق بيد واحدة (مطلقا) أي في جميع أعضاء وضوئه.
(ولغيره في يديه ورجليه) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله تنعله رواه الشيخان، والترجل تسريح الشعر فإن قدم اليسار كره نص عليه في الام، أما الكفان والخدان والاذنان وجانبا الرأس لغير نحو الاقطع فيطهران دفعة واحدة.
والتفصيل المذكور من زيادتي ويسن كما في المجموع البداءة بأعلى الوجه (وإطالة غرته وتحجيله)، وهي ما فوق الواجب من الوجه الاول ومن اليدين والرجلين في الثاني لخبر الشيخين: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل، وغاية الغرة أن يغسل صفحة العنق مع مقدمات الرأس، وغاية التحجيل استيعاب العضدين والساقين (وولاء) بين الاعضاء في التطهير بحيث لا يجف الاول قبل الشروع في الثاني مع اعتدال الهواء والمزاج.
ويقدر المسوح مغسولا ويسن أيضا الدلك.
(وترك استعانة في صب) عليه، لانها ترفه لا تليق بالمتعبد فهي خلاف الاولى.
وخرج بزيادتي في صب الاستعانة في غسل الاعضاء والاستعانة في إحضار الماء، والاولى مكروهة إلا

(1/28)


في حق الاقطع ونحوه، فلا كراهة ولا خلاف الاولى بل قد تجب ولو بأجرة المثل.
والثانية لا بأس بها (و) ترك (نفض) للماء لان نفضه كالتبري من العبادة فهو خلاف الاولى، وبه جزم في التحقيق.
وقال في شرحي مسلم والوسيط: إنه الاشهر لكنه رجح في الروضة والمجموع أنه مباح تركه وفعله سواء، (و) ترك (تنشيف) بلا عذر لانه (صلى الله عليه وسلم) بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل فرده، وجعل يقول: بالماء هكذا ينفضه رواه الشيخان (والذكر المشهور عقبه)
أي الوضوء وهو كما في الاصل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
لخبر مسلم: من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
وزاد الترمذي عليه ما بعده إلى المتطهرين وروى الحاكم الباقي وصححه ولفظه: من توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت الخ، كتب برق أي فيه كما ورد في رواية ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة، أي لم يتطرق إليه إبطال والطابع بفتح الباء وكسرها الخاتم وواو وبحمدك زائدة فسبحانك مع ذلك جملة واحدة وقيل عاطفة أي وبحمدك سبحتك فذلك جملتان وسن أن يأتي بالذكر المذكور متوجه القبلة كما في حالة الوضوء قاله الرافعي.
باب مسح الخفين هو أولى من قوله مسح الخف.
(يجوز) المسح عليهما لا على خف رجل مع غسل الاخرى (في الوضوء) بدلا عن غسل الرجلين، وتعبيرهم بيجوز فيه تنبيه على أنه لا يجب ولا

(1/29)


يسن ولا يحرم ولا يكره.
لكن الغسل أفضل نعم وإن أحدث لابسه ومعه ماء يكفي المسح فقط وجب كما قاله الروياني أو ترك المسح رغبة عن السنة أو شكا في جوازه وخاف فوت الجماعة أو عرفة أو إنقاذ أسير أو نحوها، فالمسح أفضل بل يكره تركه في الثلاث الاول.
وكذا فيما عطف عليها كما أفهمه كلامهم لكن، ينبغي كما قال الاسنوي أخذا مما مر عن الروياني أنه يجب فيه المسح، فيحرم تركه، والكراهة في الترك رغبة أو شكا تأتي في سائر الرخص.
وخرج بالوضوء إزالة النجاسة والغسل ولو مندوبا فلا مسح فيهما لانهما لا يتكرر أن تكرر الوضوء (لمسافر) بقيد زدته بقولي (سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن ولغيره) من مقيم، و عليه اقتصر الاصل.
ومسافر سفرا غير قصر كعاص بسفره، ومسافر سفرا قصيرا (يوما وليلة) لخبر ابن
حبان أنه (صلى الله عليه وسلم) أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر، فلبس خفية أن يمسح عليهما، وألحق بالمقيم المسافر، سفر غير قصر، والمراد بلياليهن ثلاث ليال متصلة بهن سواء أسبق اليوم الاول ليلته بأن أحدث وقت الغروب أم لا، بأن أحدث وقت الفجر ولو أحدث في أثناء الليل أو النهار اعتبر قدر الماضي منه من الليلة الرابعة أو اليوم الرابع، ويقاس بذلك اليوم والليلة وابتداء مدة المسح (من آخر حدث بعد لبس)، لان وقت المسح يدخل بذلك، فاعتبرت مدته منه فيمسح فيها لما يشاء من الصلوات (لكن دائم حدث) كمستحاضة.
(ومتيمم لا لفقد ماء) كمرض وجلد (إنما يمسحان لما يحل) لهما من الصلوات (لو بقي طهرهما) الذي لبسا عليه الخف، وذلك فرض ونوافل أو نوافل فقط.
فلو كان حدثهما بعد

(1/30)


فعلهما الفرض لم يمسحا إلا للنوافل إذ مسحهما مرتب على طهرهما وهو لا يفيد أكثر من ذلك.
فلا أراد كل منهما أن يفعل فرضا آخر وجب نزع الخف والطهر الكامل، لانه محدث بالنسبة إلى ما زاد على فرض ونوافل، فكأنه لبس على حدث حقيقة فإن طهره لا يرفع الحدث كما مر أما المتيمم لفقد الماء فلا يمسح شيئا إذا وجد الماء، لان طهره لضرورة وقد زال بزوالها وكذا كل من دائم الحدث والمتيمم لغير فقد الماء إذ زال عذره كما في المجموع.
وقولي آخر مع لكن إلى آخره من زيادتي (فإن مسح) ولو أحد خفيه (حضرا فسافر) سفر قصر (أو عكس) أي مسح سفرا فأقام (لم يكمل مدة سفر) تغليبا للحضر لاصالته، فيقتصر في الاول على مدة حضر، وكذا في الثاني إن أقام قبل مدته وإلا وجب النزع، وعلم من اعتبار المسح أنه لا عبرة بالحدث حضرا وإن تلبس بالمدة ولا بمضي وقت الصلاة حضرا أو عصيانه، إنما هو بالتأخير لا بالسفر الذي به الرخصة.
(وشرط) جواز مسح (الخف لبسه بعد طهر) من الحدثين للخبر السابق فلو لبسه قبل غسل رجليه وغسلهما فيه لم يجز المسح، إلا أن ينزعهما من موضع القدم ثم يدخلهما فيه.
ولو أدخل إحداهما بعد غسلها ثم غسل الاخرى فأدخلها لم يجز المسح إلا أن ينزع الاولى كذلك ثم
يدخلها و لو غسلها في ساق الخف ثم أدخلهما في موضع القدم جاز المسح، ولو ابتدأ اللبس بغد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدم لم يجز مسح (ساتر محل فرض) و هو القدم بكعبيه من كل الجوانب بقيد زدته بقولي (لا من أعلى) فيكفي واسع، يرى القدم من أعلاه عكس ساتر العورة لان اللبس هنا من أسفل وثم من أعلى غالبا.
ولو كان به تخرق في محل الفرض ضر ولو تخرقت البطانة أو الظهارة والباقي صفيق لم يضر، وإلا ضر، ولو تخرقتا من موضعين غير متحاذيين لم يضر (طاهرا) فلا يكفي نجس ولا متنجس إذ لا تصلح الصلاة فيها التي هي المقصود الاصلي من المسح وما عداها من مس المصحف ونحوه كالتابع لها.
نعم لو كان بالخف نجاسة معفو عنها مسح منه ما لا نجاسة عليه ذكره في المجموع (يمنع ماء) أي نفوذه بقيد زدته بقولي (من غير محل خرز) إلى الرجل لو صب عليه فما لا يمنع لا يجزئ لانه خلاف الغالب، من الخفاف المنصرف إليها نصوص المسح (ويمكن

(1/31)


فيه تردد مسافر لحاجته) عند الحط والترحال وغيرهما مما جرت به العادة، ولو كان لابسه مقعدا بخلاف ما لم يكن كذلك لثقله أو تحديد رأسه أو ضعفه كجورب ضعيف من صوف ونحوه، أو إفراط سعته أو ضيقه أو نحوها إذ لا حاجة لمثل ذلك ولا فائدة في إدامته.
نعم إن كان الضيق يتسع بالمشي فيه عن قرب كفى.
فإن قلت ساتر وما بعده أحوال مقيدة لصاحبها فمن أين يلزم الامر بها، إذ لا يلزم من الامر بشئ الامر بالمقيد له بدليل اضرب هندا جالسة.
قلت محل ذلك إذا لم يكن الحال من نوع المأمور به، ولا من فعل المأمور كالمثال المذكور.
أما إذا كانت من ذلك نحو حج مفرد أو نحو ادخل مكة محرما فهي مأمور بها وما هنا من هذا القبيل فيشترط في الخلف جميع ما ذكر.
(ولو) كان (محرما) فيكفي مغصوب وذهب وفضة، كالتيمم بتراب مغصوب (أو غير جلد) كلبد وزجاج وخرق مطبقة، لان الاباحة للحاجة وهي موجودة في الجميع بخلاف ما لا يسمى خفا كجلدة لفها على رجله وشدها بالربط اتباعا للنصوص.
والتصريح بهذا من زيادتي
(أو) مشقوقا (شد بشرج) أي بعرى، بحيث لا يظهر شئ من محل الفرض لحصول الستر وسهولة الارتفاق به في الازالة والاعادة.
فإن لم يشد بالعرى لم يكف لظهور محل الفرض إذا مشى ولو فتحت العرى بطل المسح، وإن لم يظهر من الرجل شئ لانه إذا مشى ظهر، (ولا يجزئ جرموق) هو خف فوق خف إن كان (فوق قوي) ضعيفا كان أو قويا لورود الرخصة في الخف لعموم الحاجة إليه، والجرموق لا تعم الحاجة إليه وإن دعت إليه حاجة أمكنه أن يدخل يده بينهما ويمسح الاسفل.
فإن كان فوق ضعيف كفى، إن كان قويا لانه الخف والاسفل كاللفافة وإلا فلا كالاسفل (إلا أن يصله) - أي الاسفل القوي - (ماء) فيكفي إن كان بقصد مسح الاسفل فقط أو بقصد مسحهما معا أو لا، بقصد مسح شئ منهما لانه قصد إسقاط الفرض بالمسح، وقد وصل الماء إليه (لا يقصد) مسح (الجرموق فقط) فلا يكفي لقصده ما لا يكفي

(1/32)


المسح عليه فقط، ويتصور وصول الماء إلى الاسفل في القويين بصبه في محل الخرز.
وقولي فوق قوي إلى آخره من زيادتي (فرع) لو لبس خفا على جبيرة لم يجز المسح عليه على الاصح في الروضة لانه ملبوس فوق ممسوح كالمسح على العمامة.
(وسن مسح أعلاه وأسفله) وعقبه وحرفه (خطوطا)، بأن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الاصابع ثم يمر اليمنى إلى آخر ساقه واليسرى إلى أطراف الاصابع من تحت مفرجا بين أصابع يديه.
فاستيعابه بالمسح خلاف الاولى، وعليه يحمل قول الروضة لا يندب استيعابه ويكره تكراره وغسل الخف، (ويكفي مسمى مسح) كمسح الرأس (في محل الفرض بظاهر أعلى الخف) لا بأسفله وباطنه وعقبه وحرفه، إذ لم يرد الاقتصار على شئ منها كما ورد الاقتصار على الاعلى فيقتصر عليه وقوفا على محل الرخصة.
ولو وضع يده المبتلة عليه، ولم يمرها أو قطر عليه أجزأه، وقولي بظاهر من زيادتي (ولا مسح لشاك في بقاء المدة) كأن نسي ابتداءها أو أنه مسح حضرا أو سفرا لان المسح رخصة بشروط منها المدة.
فإذا شك فيها رجع إلى الاصل هو الغسل، (ولا لمن لزمه) أي لابس الخف
(غسل) هذا أعم من قوله فإن أجنب وجب تجديد لبس أي إن أراد المسح فينزع ويتطهر ثم يلبس حتى لو اغتسل لابسا يمسح بقية المدة كما اقتضاه كلام الرافعي.
وذلك لخبر صفوان قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة.
رواه الترمذي وغيره وصححوه.
وقيس بالجنابة ما في معناها، ولان ذلك لا يتكرر تكرر

(1/33)


الحدث الاصغر وفارق الجبيرة، مع أن في كل منهما مسحا بأعلى ساتر لحاجة موضوع على طهر بأن الحاجة، ثم أشد والنزع أشق.
(ومن فسد خفه أو بدا) أي ظهر (شئ مما ستر به) من رجل ولفافة وغيرهما (أو انقضت المدة، وهو بطهر المسح) في الثلاث (لزمه غسل قدميه) فقط لبطلان طهرهما دون غيرهما بذلك، واختار في المجموع كابن المنذر أنه لا يلزمه غسل شئ ويصلي بطهارته وخرج بطهر المسح طهر الغسل فلا حاجة فيه إلى غسل قدميه.
والاولى والثانية من زيادتي وتعبيري في الثالثة بما ذكر أعم من قوله ومن نزع.
باب الغسل بفتح الغين وضمها (موجبه) خمسة: (موت) لمسلم غير شهيد لما سيأتي في الجنائز.
(وحيض) لآية: (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي الحيض، ويعتبر فيه، وفيما يأتي الانقطاع والقيام للصلاة ونحوها كما صححه في التحقيق وغيره، وإن لم يصرح في التحقيق بالانقطاع (ونفاس) لانه دم حيض مجتمع (ونحو ولادة) من إلقاء علقة أو مضغة ولو بلا بلل لان كلا منهما مني منعقد.
ونحو من زيادتي (وجنابة) وتحصل لآدمي حتى فاعل أو مفعول به (بدخول حشفة أو قدرها) من فاقدها (فرجا) قبلا أو دبر، ولو من ميت أو بهيمة.
نعم، لا غسل بإيلاج حشفة مشكل ولا بإيلاج في قبله لا على الفاعل ولا المفعول به.
(و) تحصل (بخروج منيه أولا من معتاد أو) من (تحت صلب) لرجل وهو الظهر، (وترائب) لامرأة وهي عظام الصدر (وانسد المعتاد) لخبر الشيخين عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت:

(1/34)


إن الله لا يستحيى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: نعم إذا رأت الماء وخرج بمنيه مني غيره، وبأولا خروج منيه ثانيا كأن استدخله، ثم خرج فلا غسل عليه، فتعبيري بمنيه أولى من تعبيره بمني، وقولي أولا مع التقييد بتحت الصلب إلى آخره من زيادتي، فالصلب والترائب هنا كالمعدة في الحدث فيما مر، ثم ويكفي في الثيب خروج المني إلى ما يظهر من فرجها عند قعودها، لانه في الغسل كالظاهر - كما سيأتي - ثم الكلام في مني مستحكم فإن لم يستحكم بأن خرج لمرض لم يجب الغسل بلا خلاف كما في المجموع عن الاصحاب.
(ويعرف) المني (بتدفق) له (أو لذة) بخروجه، وإن لم يتدفق لقلته (أو ريح عجين) وطلع نخل (رطبا أو) ريح (بياض بيض جافا).
وإن لم يتدفق ويتلذذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل ورطبا وجافا حالان من المني، (فإن فقدت) خواصه المذكورة (فلا غسل) يجب به، فإن احتمل كون الخارج منيا أو وديا كمن استيقظ ووجد الخارج منه أبيض ثخينا، تخير بين حكميهما فيغتسل أو يتوضأ، ويغسل.
ما أصابه منه وقضية ما ذكر أن مني المرأة يعرف بما ذكر أيضا وهو قول الاكثر.
لكن قال الامام والغزالي لا يعرف إلا بالتلذذ وابن الصلاح لا يعرف إلا بالتلذذ والريح.
وبه جزم النووي شرح مسلم وقال السبكي إنه المعتمد، والاذرعي إنه الحق (وحرم بها) أي بالجنابة (ما حرم بحدث) مما مر في بابه، (ومكث مسلم) بلا ضرورة ولو متردد (بمسجد) لا عبوره قال تعالى: (ولا جنبا إلى عابري سبيل) بخلاف الرباط ونحوه (وقراءته القرآن بقصده) ولو بعض آية.
لخبر الترمذي: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن وهو إن كان ضعيفا له متابعات تجبر ضعفه، لكن فاقد الطهورين له بل عليه قراءة الفاتحة في الصلاة لاضطراره إليها.
أما إذا لم يقصده كأن قال عند الركوب: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وعند المصيبة: (إنا لله وإنا

(1/35)


إليه راجعون) بغير قصد قرآن فلا تحرم وهذا أعم من قوله.
وتحل أذكاره لا بقصد قرآن إذ غير أذكاره كمواعظه وأخباره كذلك كما دل عليه كلام الرافعي وغيره، والتقييد بالمسلم من زيادتي وخرج به الكافر فلا يمنع من المكث ولا من القراءة كما صرح به فيها الماوردي والروياني لانه لا يعتقد حرمة ذلك لكن شرط حل قراءته أن يرجى إسلامه وبالقرآن غيره كالتوراة والانجيل (وأقله) أي الغسل من جنابة ونحوها (نية رفع حدث أو نحو جنابة) كحيض، أي رفع حكم ذلك (أو) نية (استباحة مفتقر إليه) أي الغسل كصلاة (أو أداء) غسل (أو فرض غسل) وفي معناه الغسل المفروض والطهارة للصلاة بخلاف نية الغسل لانه قد يكون عادة، وذكر نية رفع الحدث ونحو الجنابة من زيادتي وتعبيري بأداء أو فرض الغسل أولى من تعبيرة بأداء فرض الغسل.
وظاهر أن نية من به سلس مني كنية من به سلس بول، وقد مر بيانها (مقرونة بأوله) أي الغسل، فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله (وتعميم ظاهر بدنه) بالماء حتى الاظفار والشعر ومنبته، وإن كثف وما يظهر من صماخي الاذنين ومن فرج المرأة عند قعودها لقضاء حاجتها وما تحت القلفة من الاقلف، فعلم إنه لا تجب مضمضة واستنشاق كما في الوضوء، ولا غسل شعر نبت في العين أو الانف وكذا باطن عقده فتعبيري بما ذكر أولى من قوله وتعميم شعره وبشره (وأكمله إزالة قذر) بمعجمة طاهرا كان أو نجسا كمني وودي استظهارا (فتكفي غسلة) واحدة (لنجس وحدث)، لان موجبهما واحد وقد حصل (ثم) بعد إزالة القذر (وضوء) للاتباع رواه البخاري.
وله أن يؤخره أو بعضه عن الغسل (ثم تعهد معاطفه)، وهي ما فيه انعطاف والتواء كإبط وغضون بطن (وتخليل شعر رأسه ولحيته) بالماء فيدخل أصابعه العشر فيه فيشرب بها أصول الشعر، (ثم إفاضة الماء على رأسه) وذكر الترتيب بين هذين مع ذكر اللحية من زيادتي (ثم) إفاضته على (شقه الايمن ثم الايسر) لما مر أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يحب التيمن في طهوره، وهذا الترتيب أبعد عن الاسراف وأقرب إلى الثقة بوصول الماء.
(ودلك) لما وصلت إليه يده من بدنه احتياطا وخروجا من خلاف من أوجبه (وتثليث)
كالوضوء، فيغسل رأسه ثلاثا ثم شقه الايمن ثلاثا ثم الايسر ثلاثا ويدلك ويخلل ثلاثا (وولاء) كما في الوضوء وبه صرح الرافعي في الشرح الصغير.
ثم والاصل في باب التيمم (وأن تتبع غير محدة أثر نحو حيض) كنفاس (مسكا) بأن تجعله على قطنة وتدخلها فرجها بعد اغتسالها إلى المحل الذي يجب غسله للامر به مع تفسير عائشة له، بذلك في خبر الشيخين وتطييبا للمحل فإن لم تجد مسكا (فطينا) فإن لم تجده (فطينا)، فإن لم تجده فالماء كاف.
أما المحدة فيحرم عليها استعمال المسك والطيب.
نعم تستعمل شيئا يسيرا من قسط أو أظفار ويحتمل

(1/36)


إلحاق المحرمة بها والتقييد بغير المحدة مع ذكر نحو الطين من زيادتي.
(وأن لا ينقص) في معتدل الخلقة (ماء وضوء عن مد وغسل عن صاع) تقريبا فيها للاتباع رواه مسلم.
فعلم أنه لا حد له حتى لو نقص عن ذلك، وأسبغ أجزأ ويكره الاسراف فيه والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي، (ولا يسن تجديده) لانه لم ينقل ولما فيه من المشقة (بخلاف وضوء) فيسن تجديده بقيد زدته بقولي (صلى به) صلاة ما.
روى أبو داود وغيره خبر: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات (ومن اغتسل لفرض ونفل) كجنابة وجمعة (حصلا) أي غسلاهما أو لاحدهما حصل) غسله (فقط) عملا بما نواه في كل، وإنما لم يندرج النفل في الفرض لانه مقصود فأشبه سنة الظهر مع فرضه وفارق ما لو نوى بصلاته الفرض دون التحية، حيث تحصل التحية وإن لم ينوها بأن القصد، ثم إشغال البقعة بصلاة وقد حصل وليس القصد هنا النظافة فقط بدليل أنه يتيمم عند عجزه عن الماء وقولي لفرض ونفل أعم من قوله لجنابة وجمعة.
(ومن أحدث وأجنب) ولو مرتبا هذا أعم من قوله، ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه (كفاه غسل) وإن لم ينو معه الوضوء لاندراج الوضوء فيه.
باب في النجاسة وإزالتها (النجاسة) لغة ما يستقذر، وشرعا بالحد مستقذر يمنع الصلاة حيث لا مرخص، وبالعد (مسكر مائع) كخمر.
وخرج بالمائع غيره كبنج وحشيش مسكر فليس ينجس، وإن كان كثيره
حراما ولا ترد الخمرة المعقودة ولا الحشيش المذاب نظرا لاصلهما، (وكلب) ولو معلما لخبر طهور إناء أحدكم الآتي (وخنزير) لانه أسوأ حالا من الكلب، لانه لا يجوز اقتناؤه بحال ولانه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه (وفرع كل) منهما مع غيره تغليبا للنجس وهذا أولى من قوله وفرعهما (ومنيهما) تبعا لاصله بخلاف مني غيرهما.
لذلك ولخبر الشيخين عن عائشة أنها كانت تحك المني من ثوب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يصلي فيه.
(وميتة غير بشر وسمك وجراد) لحرمة تناولها قال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) أما ميتة البشر وتالييه فطاهرة لحل تناول الاخيرين.
ولقوله تعالى: (لقد كرمنا بني آدم) في الاول وقضية تكريمهم أنه لا يحكم بنجاستهم بالموت، وسواء المسلمون والكفار.
وأما قوله تعالى: (إنما المشركون نجس) فالمراد نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الابدان،

(1/37)


والمراد بالميتة الزائلة الحياة بغير ذكاة شرعية.
وإن لم يسل دم فلا حاجة إلى أن يستثنى منها جنين المذكاة والصيد الميت بالضغطة والبعير الناد بالسهم.
(ودم) لما مر من تحريمه.
ولقوله تعالى: (أو دما مسفوحا) أي سائلا بخلاف غير السائل كطحال وكبد وعلقة (وقيح)، لانه دم مستحيل، (وقئ) وإن لم يتغير كالغائط (وروث) بمثلثة كالبول.
نعم ما ألقاه الحيوان من حب متصلب ليس بنجس بل متنجس يغسل ويؤكل (وبول) للامر بصب الماء عليه في خبر الشيخين المتقدم أول الطهارة (ومذي) بمعجمة للامر بغسل الذكر منه في خبر الشيخين في قصة علي رضي الله عنه وهو ماء أبيض رقيق، يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية، (وودي) بمهملة كالبول وهو ماء أبيض كدر ثخين يخرج إما عقبه حيث استمسكت الطبيعة أو عند حمل شئ ثقيل (ولبن ما لا يؤكل غير بشر) كلبن الاتان، لانه يستحيل في الباطن كالدم.
أما لبن ما يؤكل ولبن البشر فطاهران.
أما الاول فلقوله تعالى: (لبنا خالصا سائغا للشاربين) وأما الثاني فإنه لا يليق بكرامته أن يكون منشؤ نجسا، ولا فرق بين الانثى الكبيرة الحية وغيرها، كما شمله تعبير الصيمري بلبن
الآدميين والآدميات.
وقيل لبن الذكر والصغير والميتة نجس والاوجه الاول وجرى عليه الجماعة، لان الكرامة الثابتة للبشر الاصل شمولها للكل.
وتعبير جماعة بالآدميات الموافق لتعليلهم السابق جرى على الغالب، وما يزد على المذكورات من نحو الجرة وماء المتنفط فهو في معناها مع أن بعضه يعلم من شروط الصلاة.
(و) جزء (مبان من حي كميتته) طهارة ونجاسة لخبر ما قطع من حي فهو ميت، رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين.
فجزء البشر والسمك والجراد طاهر دون جزء غيرها، (إلا نحو شعر) حيوان (مأكول) كصوفه ووبره ومسكه وفأرته (فطاهر).
قال تعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتعا إلى حين) وخرج بالمأكول نحو شعر غيره فنجس، ومنه نحو شعر عضو أبين من مأكول، لان العضو صار غير مأكول (كعلقة ومضغة ورطوبة فرج من) حيوان (طاهر) ولو غير مأكول فإنها طاهرة كأصلها وقولي نحو، ومن طاهر من زيادتي (فرع) دخان النجاسة نجس يعفى عن قليله وبخارها، كذلك إن تصاعد بواسطة نار لانه جزء من النجاسة تفصله النار لقوتها وإلا فطاهر.
وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق نجاسته أو طهارته.
(والذي يطهر من نجس العين) شيئان (خمر) ولو غير محترمة (تخللت) أي صارت خلا (بلا) مصاحبة (عين) وقعت فيها وإن نقلت من شمس إلى ظل أو عكسه لمفهوم خبر مسلم عن أنس قال: سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) أنتخذ الخمر خلا، قال: لا (بدنها) أي فتطهر مع دنها

(1/38)


للضرورة وإلا لم يوجد خل طاهر من خمر، وهذا من زيادتي.
أما إذا تخللت بمصاحبة عين وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة فلا تطهر لنتجسها بعد تخللها بالعين التي تنجست بها، ولا ضرورة ولا يشترط طرح العين فيها.
وإن أفهم كلام الاصل خلافه وأفهم كلامهم أنها تطهر بالتخلل إذا نزعت العين منها قبله وهو ظاهر.
نعم لو كانت العين المنزوعة قبله نجسة كعظم ميتة لم تطهر كما أفتى به النووي، والخمر حقيقة المسكر المتخذ من ماء العنب وخرج به النبيذ وهو المتخذ
من الزبيب ونحوه فلا يطهر بالتخلل لوجود الماء فيه.
لكن اختار السبكي خلافه لان الماء من ضرورته، وفي معنى تخلل الخمر انقلاب دم الظبية مسكا (وجلد) ولو من غير مأكول (نجس) بالموت (فيطهر) ظاهر أو باطنا (باندباغه بما ينزع فضوله) من لحم ودم ونحوهما مما يعفنه.
ولو كان نجسا كزرق طير عاريا عن الماء، لان الدبغ إحالة لا إزالة، وأما خبر بطهرها الماء والقرط فمحمول على الندب أو على الطهارة المطلقة.
والاصل في ذلك خبر مسلم إذا دبغ الاهاب أي الجلد فقط طهر وضابط النزع أن يطيب به ريح الجلد بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه الفساد.
وخرج بالجلد الشعر ونحوه لعدم تأثرهما بالدبغ وبتنجسه بالموت جلد الكلب ونحوه وبما ينزع فضوله ما لا ينزعها كتجميد الجلد وتشميسه وتمليحه، (ويصير) المندبغ (كثوب تنجس) فيجب غسله لتنجسه بالدابغ النجس أو المتنجس، ولو بملاقاته.
وتعبيري بالاندباغ وبتنجس أولى من تعبيره بالدبغ و بنجس (وما نجس) من جامد (ولو معصا) من صيد أو غيره (بشئ من نحو كلب) من خنزير وفرع كل منهما وهذا أعم مما ذكره (غسل سبعا إحداهن في غير تراب بتراب طهور) لخبر مسلم، طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بتراب.
وفي رواية له وعفروه الثامنة بالتراب، والمراد أن التراب يصحب السابعة كما في رواية أبي داود السابعة بالتراب وهي معارضة لرواية أولاهن في محل التراب، فيتساقطان في تعيين محله ويكتفي بوجوده في واحدة من السبع كما في رواية الدارقطني، إحداهن بالبطحاء على أن الظاهر أنه لا تعارض بين الروايتين بل محمولتان على الشك من الراوي، كما دل عليه رواية الترمذي أخراهن أو قال أولاهن.
وبالجملة لا يقيد بهما رواية إحدهاهن لضعف دلالتهما بالتعارض أو بالشك، ولجواز حمل رواية إحداهن على بيان الجواز، و أولاهن على بيان الندب، وأخراهن على بيان الاجزاء، وقيس بالكلب الخنزير و الفرع وبولوغه غيره كبوله وعرقه.
وعلم مما ذكر أنه لا يكفي ذر التراب على المحل غير أن يتبعه بالماء، ولا مزجه بغير ماء.
نعم أن مزجه بالماء بعد مزجه بغير ولم يتغير به كثيرا كفى، ولا مزج غير تراب طهور كأشنان وتراب نجس وتراب
مستعمل وهو خارج بتعبيري بطهور وكلامه يقتضي خلافه والواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل.
وخرج بزيادتي في غير تراب التراب فلا يحتاج

(1/39)


إلى تتريب إذ لا معنى لتتريب التراب ولو لم تزل عين النجاسة إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة كما صححه النووي.
لكن صحح في الشرح الصغير أنها ست، وقواه في المهمات.
(أو) نجس (ببول صبي لم يطعم) أي لم يتناول قبل مضي حولين (غير لبن للتغذي نضح) بأن يرش عليه ما يعمه ويغلبه بلا سيلان بخلاف الصبية والخنثى، لا بد في بولهما من الغسل على الاصل ويتحقق السيلان وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس، أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجره فبال عليه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
ولخبر الترمذي وحسنه، يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام.
وفرق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي أكثر فخفف في بوله وبأن بوله أرق من بولها فلا يلصق بالمحل للصوق بولها به.
وألحق بها الخنثى وخرج بزيادتي للتغذي تحنيكه بتمر ونحوه، وتناوله السفوف ونحوه للاصلاح، فلا يمنعان النضح كما في المجموع (أو) نجس (بغيرهما) أي بغير شئ من نحو كلب وغير بول الصبي المذكور، (وكان حكميا) كبول جف ولم تدرك له صفة (كفى جرى ماء) عليه مرة (أو) كان (عينيا وجب إزالة صافته) من طعم ولون وريح، (إلا ما عسر) زواله (من لون أو ريح)، فلا تجب إزالته بل يطهر المحل (كمتنجس بهما)، أي بنحو الكلب وببول الصبي فإنه يجب في العيني منهما إزالة صفاته إلا ما عسر من لون أو ريح وهذا من زيادتي.
أما إذا اجتمعا فتجب إزالتهما مطلقا لقوة دلالتهما على بقاء العين كما يدل على بقائها بقاء الطعم وحده.
وإن عسر زواله ولا تجب الاستعانة في زوال الاثر بغير الماء إلا إن تعينت على كلام فيه ذكرته في شرح البهجة.
(وشرط ورود ماء) إن (قل) لا إن كثر على المحل لئلا يتنجس الماء.
ولو عكس فلا يطهر المحل فعلم أنه لا يشترط العصر لما يأتي من طهارة الغسالة.
وقولي قل من زيادتي
(وغسالة قليلة منفصلة بلا تغير و) بلا (زيادة) وزنا بعد اعتبار ما يتشربه المحل (وقد طهر المحل طاهرة)، لان المنفصل بعض ما كان متصلا به وقد فرض طهره، فإن كانت كثيرة فطاهرة ما لم تتغير أو لم تنفصل فطاهرة أيضا، وإن انفصلت متغيرة أو غير متغيرة وزاد وزنها بعد ما ذكر أو لم يزد ولم يطهر المحل فنجسة.
والتقييد بالقليلة بعدم الزيادة من زيادتي (ولو تنجس مائع) غير ماء ولو دهنا (تعذر تطهيره)، لان (صلى الله عليه وسلم) سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال: إن كان جامد فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه.
وفي رواية للخطابي فأريقوه فلو أمكن تطهيره لم يقل في ذلك لما في من إضاعة المال.
والجامد هو الذي إذا أخد منه قطعة لا يتراد من الباقي ما يمللا محلها على قرب، والمائع بخلافه ذكره في المجموع.

(1/40)


باب التيمم هو لغة القصد، وشرعا إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشروط مخصوصة الاصل فيه قبل الاجماع آية: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) وخبر مسلم جعلت لنا الارض كلها مسجدا أو تربتها طهورا (يتيمم محدث ومأمور بغسل) ولو مسنونا (للعجز) عن استعمال الماء، وهذا أولى من قوله يتيمم المحدث والجنب لاسباب (وأسبابه) أي العجز ثلاثة: أحدها: (فقدماء) للآية السابقة (فإن تيقنه) أي فقد الماء (تيمم بلا طلب)، إذا لا فائدة فيه سواء كان مسافرا أم لا وقول الاصل، فإن تيقن المسافر فقد جرى على الغالب، (وإلا) بأن جوز وجوده (طلبه) ولو بمأذونه (لكل تيمم في الوقت مما جوزه فيه من رحله ورفقته) المنسوبين إليه ويستوعبهم كأن ينادي من معه ماء يجود به.
وقولي في الوقت مما جوزه فيه من زيادتي (ثم) إن لم يجد الماء في ذلك (نظر حواليه) يمينا وشمالا وأماما وخلفا إلى الحد الآتي.
وخص موضع الخضرة والطير بمزيد احتياط (إن كان بمستو) من الارض، (وإلا) بأن كان ثم وهدة أو جبل (تردد إن أمن) مع ما يأتي اختصاصا ومالا يجب بذله لماء طهارته (إلى حد غوث)، أي إلى حد يلحقه فيه غوث رفقته لو استغاث بهم فيه مع تشاغلهم بأشغالهم.
وهذا هو
المراد بقول الاصل تردد قدر نظره أي في المستوى.
وبقول الشرح الصغير تردد غلوة سهم أي غاية رميه.
وقولي إن أمن من زيادتي (فإن لم يجد) ماء (تيمم) لظن فقده (فلو علم ماء) بمحل (يصله مسافر لحاجته) كاحتطاب واحتشاش، وهذا فوق حد الغوث المتقدم.
ويسمى حد القرب (وجب طلبه) منه (إن أمن غير اختصاص ومال يجب بذله لماء طهارته) ثمنا أو أجرة من نفس وعضو ومال زائد على ما يجب بذله للماء وانقطاع عن رفقة له وخروج وقت، وإلا فلا يجب طلبه من معه ماء.
ولو توضأ به خرج الوقت فإنه لا يتيمم، لانه واجد للماء ووصف الماء بما ذكر من

(1/41)


زيادتي، ولم يعتبر هنا الامن على الاختصاص ولا على المال الذي يجب بذله بخلافه فيما مر لتيقن وجود الماء.
وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على النفس والمال.
(فإن كان) الماء بمحل (فوق ذلك) المحل المتقدم ويسمى حد البعد (تيمم).
ولا يجب قصد الماء لبعده (فلو تيقنه آخر الوقت فانتظاره أفضل) من تعجيل التيمم، لان فضيلة الصلاة بالوضوء ولو آخر الوقت أبلغ منها بالتيمم أوله.
قال الماوردي هذا إذا تيقن وجوده في غير منزله وإلا وجب التأخير جزما، (وإلا) بأن ظنه أو ظن أو تيقن عدمه أو شك فيه آخر الوقت (فتعجيل تيمم أفضل) لتحقق فضيلته دون فضيلة الوضوء.
(ومن وجده غير كاف) له (وجب استعماله) في بعض أعضائه لخبر الشيخين: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، (ثم تيمم) عن الباقي فلا يقدمه لئلا يتيمم ومعه ماء طاهر بيقين.
ولا يجب مسح الرأس بثلج أو برد لا يذوب وقيل يجب، قال في المجموع: وهو أقوى في الدليل (ويجب في الوقت شراؤه) أي الماء لطهره (بثمن مثله) مكانا وزمانا، فلا يجب شراؤه بزيادة على ذلك، وإن قلت نعم إن بيع منه لاجل بزيادة لائقة بذلك الاجل، وكان ممتدا إلى وصوله محلا يكون غنيا فيه وجب الشراء، (إلا أن يحتاجه) أي الثمن (لدينه أو مؤنة) حيوان (محترم) من نفسه وغيره كزوجته ومملوكه ورفيقه، حضرا وسفرا ذهابا وإيابا، فيصرف
الثمن إلى ذلك ويتيمم وخرج بالمحترم غيره كمرتد وحربي وزان محصن ولا حاجة لوصف الدين بالمستغرق كما فعل الاصل، لان ما فضل عن الدين غير محتاج إليه فيه.
وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة.
(و) يجب في الوقت (اقتراض الماء واتهابه واستعارة آلته) إذا لم يمكن تحصيله بغيرها، ولم يحتج إلى ذلك المالك، وضاق الوقت عن طلب الماء وخرج بالماء ثمنه، فلا يجب فيه ذلك لثقل المنة فيه.
والمراد بالاقتراض وتاليه ما يعم القبول والسؤال فتعبيري بها أولى من تعبيره بالقبول.
وقولي في الوقت مع مسألة الاقتراض من زيادتي.
وتعبيري بآلته، أعم من تعبيره بالدلو (ولو نسيه) أي شيئا مما ذكر من الماء والثمن والآلة (أو أضله في رحلة فتيمم)، وصلى ثم تذكره أو وجده (أعاد) الصلاة لوجود الماء حقيقة أو حكما معه ونسبته في إهماله حتى نسيه

(1/42)


أو أضله إلى تقصير.
وخرج بإضلال ذلك في رحله ما لو أضل رحله في رحال وتيمم وصلى، ثم وجده فيه الماء أو الثمن أو الآلة فلا يعيد إن أمعن في الطلب إذ لا ماء معه حال التيمم وفارق إضلاله في رحله بأن مخيم الرفقة أوسع من مخيمه.
(و) ثاني الاسباب: (حاجته) إليه (لعطش) حيوان (محترم ولو) كانت حاجته إليه لذلك (مآلا) أي فيه أي في المستقبل صونا للروح أو غيرها عن التلف.
فيتيمم مع وجوده، ولا يكلف الطهر به ثم جمعه وشربه لغير دابة، لانه مستقذر عادة، وخرج بالمحترم غيره كما مر.
والعطش المبيح للتيمم معتبر بالخوف المعتبر في السبب الآتي وللعطشان أخذ الماء من مالكه قهرا ببدله إن لم يبذله له.
(و) ثالثها: (خوف محذور من استعماله) أي الماء مطلقا أو المعجوز عن تسخينه (كمرض وبطء برء) بفتح الباء وضمها، (وزيادة ألم وشين فاحش في عضو ظاهر) للعذر، وللآية السابقة والشين الاثر المستكره من تغير لون ونحول واستحشاف وثغرة تبقى ولحمة وتزيد.
والظاهر ما يبدو عند المهنة غالبا كالوجه واليدين.
ذكر ذلك الرافعي وذكر في الجنايات ما حاصله أنه ما لا يعد كشفه هتكا للمروءة ويمكن رده إلى الاول، وخرج بالفاحش اليسير كقليل سواد وبالظاهر الفاحش في الباطن
فلا أثر لخوف ذلك ويعتمد في خوف ما ذكر قول عدل في الرواية وذكر زيادة الالم من زيادتي، وبه صرح في الروضة وأصلها.
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره، وما ذكرته من أن الاسباب ثلاثة هو ما في الاصل وذكرها في الروضة كأصلها سبعة، وكلها في الحقيقة ترجع إلى فقد الماء حسا أو شرعا.
(وإذا امتنع استعماله) أي الماء (في عضو) لعلة (وجب تيمم) لئلا يخلو العضو عن طهر ويمر التراب ما أمكن على العلة إن كانت بمحل التيمم (و) جب (غسل صحيح) سواء أكان على العضو ساتر كلصوق يخاف من نزعه محذورا أم لا لخبر: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويتلطف في غسل الصحيح المجاور للعليل بوضع خرقة مبلولة بقربه ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه، (و) جب (مسح كل الساتر) إن كان (إن لم يجب نزعه بماء) لا بتراب استعمالا للماء ما أمكن، وإنما وجب مسح الكل لانه أبيح للضرورة كالتيمم.
ولا يجب مسح محل العلة بالماء (لا ترتيب) بين الثلاثة (لنحو جنب)

(1/43)


فلا يجب لان التيمم هنا للعلة وهي باقية بخلافه فيما مر في استعمال الناقص، فإنه لفقد الماء فلا بد من فقده بل الاولى هنا تقديمه ليزيل الماء أثر التراب.
وتعبيري بذلك أعم من قوله ولا ترتيب بينهما للجنب، وخرج بنحو الجنب المحدث فيتيمم ويمسح بالماء وقت دخول غسل عليله رعاية لترتيب الوضوء (أو) امتنع استعماله في (عضوين فيتيممان) يجبان وكل من اليدين والرجلين كعضو واحد.
ويندب أن يجعل كل واحدة كعضو أو في ثلاثة أعضاء فثلاث تيممات أو أربعة إن عمت العلة الرأس، وإن عمت الاعضاء كلها فتيمم واحد.
(ومن تيمم لفرض آخر ولم يحدث لم يعد غسلا و) لا (مسحا) بالماء لبقاء طهره لانه يتنفل به وإنما أعاد التيمم لضعفه عن أداء الفرض.
فإن أحدث أعاد غسل صحيح أعضاء وضوئه، وتيمم عن عليلها وقت غسله ويمسح الساتر إن كان بالماء.
وإن كانت العلة بغير أعضاء وضوئه تيمم لحدثه الاكبر وتوضأ للاصغر، وتعبيري بآخر أعم من قوله ثان، وقولي ومسحا من زيادتي.
فصل في كيفية التيمم (يتيمم بتراب طهور له غبار) حتى ما يداوي به.
قال تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا) أي ترابا طاهرا، كما فسره ابن عباس وغيره به.
والمراد بالطاهر الطهور كما عبرت به (ولو برمل لا يلصق) بالعضو، فإنه يتيمم به لانه من طبقات الارض والتراب جنس له بخلاف ما يلصق بالعضو والتقييد بعدم لصوقه من زيادتي.
ودخل في التراب المذكور المحروق منه، ولو أسود ما لم يصر رمادا كما في الروضة وغيرها، وخرج به التراب المتنجس وما لا غبار له والمستعمل وسيأتي وغيرها كنورة وزرنيخ وسحاقة خزف ومختلط بدقيق ونحوه مما يعلق بالعضو، وإن قل الخليط لانها ليست في معنى التراب، ولان الخليط يمنع وصول يمنع وصول التراب إلى العضو (لا بمستعمل) كالماء (وهو ما بقي بعضوه أو تناثر منه) حالة التيمم كالمتقاطر من الماء.
ويؤخد من حصر المستعمل في ذلك صحة تيمم الواحد أو الكثير من تراب يسير مرات كثيرة، وهو كذلك ولو رفع يده في أثناء مسح العضو، ثم وضعها صح على الاصح.
وخرج بزيادتي منه ما تناثر من غير مس العضو فإنه غير مستعمل.

(1/44)


(وأركانه) أي التيمم خمسة: أحدها: (نقل تراب ولو من وجه ويد) بأن ينقله من أحدهما إليه أو إلى الآخر.
فتعبيري بذلك أعم من قوله، فلو نقل من وجه إلى يد أو عكس كفى.
وكنقله من أحدهما نقله من الهواء ونقله يتضمن قصده لوجوب قرن النية به كما يأتي، وإنما صرحوا بالقصد للآية فإنها آمره بالتيمم، وهو القصد والنقل طريقه (فلوسفته ريح عليه) أي الوجه أو اليد (فردده) عليه (ونوى لم يكف) وإن قصد بوقوفه في مهب الريح التيمم، لانه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه لما قصد الريح.
وقيل يكفي في صورة القصد واختار السبكي (ولو يمم بأذنه) ونيته (صح) ولو بلا عذر إقامة لفعل مأذونه مقام فعله.
(و) ثانيهما: (نية استباحة مفتقر إليه) أي التيمم كصلاة ومس مصحف، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره باستباحة الصلاة، وبذلك علم أنه لا يكفي نية رفع حدث لان التيمم لا يرفعه ولا نية
فرض تيمم.
وفارق الوضوء بأنه طهارة ضرورة لا يصلح أن يكون مقصودا.
ولهذا لا يسن تجديد بخلاف الوضوء (مقرونة) أي النية (بنقل) أول لانه أول الاركان (ومستدامة إلى مسح) لشئ من الوجه.
فلو عزبت أو أحدث قبله لم يكف، لان النقل وإن كان ركنا غير مقصود في نفسه (فإن نوى) بالتيمم (فرضا أو) نواه (ونفلا) أي استباحتهما (فله) مع الفرض (نفل وصلاة جنائز) وخطبة جمعة.
وإن عين فرضا عليه فله فعل غيره، (أو) نوى (نفلا أو الصلاة فله غير فرض عين) من النوافل وفروض الكفاية وغيرها كمس مصحف، لان ذلك إما مثل ما نواه في جواز تركه له أو دونه.
أما الفرض العيني فلا يستبيحه فيهما.
أما في الاولى فلان الفرض أصل للنفل فلا يجعل تابعا، وأما في الثانية فللاخذ بالاحوط وذكر حكم غير النوافل فيهما من زيادتي.
ومثلهما ما لو نوى فرض الكفاية كأن نوى بالتيمم استباحة خطبة الجمعة فيمتنع الجمع به بينها وبين صلاة الجمعة.
ولو نوى فرضين، استباح أحدهما أو نوى مس مصحف أو نحوه استباحه دون النفل ذكره في المجموع.
(و) ثالثها ورابعها وخامسها: (مسح وجهه) حتى مسترسل لحيته، والمقبل من أنفه على شفته، (ثم) مسح (يديه بمرفقيه) والترتيب المفاد بثم بأن يقدم الوجه على اليدين ولو في تيمم لحدث أكبر (لا) مسح (منبت شعر).
وإن خف في الوجه واليدين، فلا يجب لعسره (ويجب

(1/45)


نقلتان) للوجه واليدين وإن أمكن بنقلة بخرقة أو نحوها لوروده في خبري أبي داود والحاكم ولفظ الحاكم التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين (لا ترتيبهما) فلو ضرب بيديه معا ومسح بإحداهما وجهه وبالاخرى الاخرى جاز، وفارق المسح لانه وسيلة والمسح أصل، وعلم من تعبيري بالنقل أنه لا يتعين الضرب وإن عبر به الاصل والخبر فيكفي تمعك ووضع يد على تراب ناعم لحصول المقصود فالتعبير بالضربتين خرج مخرج الغالب كما أن قوله في الخبر ضربة للوجه وضربة لليدين، كذلك إذ لو مسح ببعض ضربة الوجه وببعضها مع أخرى اليدين فظاهر أنه يجزئ.
(وسن تسمية) حتى لجنب ونحوه أوله وتوجه فيه
للقبلة وسواك وعدم تكرر مسح وإتيان بالشهادتين بعده (وولاء) في بتقدير التراب ماء (وتقديم يمينه) على يسار (أو على وجهه) على أسفله كالوضوء في الجميع، إلا عدم التكرر (وتخفيف غبار) من كفيه، مثلا إن كثر بأن ينفضهما أو ينفخه عنهما لئلا يتشوه العضو بالمسح (وتفريق أصابعه أول كل) من النقلتين لانه أبلغ في إثارة الغبار فلا يحتاج إلى زيادة عليهما (ونزع خاتمه في الاولى) ليكون مسح الوجه بجميع اليد.
والتصريح بسن هذا من زيادتي، (ويجب) نزعه (في الثانية) ليصل التراب إلى محله، ولا يكفي تحريكه بخلافه في الطهر بالماء لان التراب لا يدخل تحته بخلاف الماء فإيجاب نزعه إنما هو عند المسح لا عند النقل.
(ومن تيمم لفقد ماء فجوزه لا في صلاة) ولو في تحرمه (بطل) تيممه، لانه لم يتلبس بالمقصود فصار كما لو جوزه في أثناء التيمم (بلا مانع) من استعمال الماء يقارن بتجويزه.
فإن كان ثم مانع منه كعطش وسبع لم يبطل تيممه لان وجود الماء حينئذ كالعدم.
وقولي فجوزه أولى من قوله فوجده ليس بقيد (أو وجده فيها) أي في صلاة ولا مانع (ولم تسقط به) أي بالتيمم كصلاة المتيمم بمحل يندر فيه فقد الماء كما سيأتي (بطلت).
فلا يتمها إذ لا فائدة في إتمامها لوجوب إعادتها (وإلا) بأن جوز وجوده فيها أو وجده وكانت تسقط بالتيمم كصلاة المتيمم بمحل لا يندر فيه فقد الماء كما سيأتي، (فلا) تبطل وإن كانت نفلا فله إتمامها لتلبسه بالمقصود ولا مانع من إتمامه كوجود المكفر الرقبة في الصوم.
نعم إن نوى الاقامة أو

(1/46)


الاتمام في مقصورة بعد وجود الماء بطلت لحدوث ما لم يستبحه إذا الاتمام كافتتاح صلاة أخرى (وقطعها) ولو فريضة ليتوضأ ويصلى بدلها (أفضل) من إتمامها ليخرج من خلاف من حرم إتمامها.
(وحرم) أي قطعها (في فرض) إن (ضاق وقته) عنه لئلا يخرجه عن وقته مع قدرته على أدائه فيه، وهذا من زيادتي.
وبه جزم في التحقيق وإن ضعفه في الروضة وأصلها (والمتنفل) الواجد للماء في صلاته (إن نوى قدرا) ركعة فأكثر (أتمه) لانعقاد نيته عليه، (وإلا) أي وإن لم ينو قدرا (ف) لا يجاوز (ركعتين) لانه الاحب، والمعهود في النفل.
نعم، إن وجده في ثالثة فما فوقها أتمها لانها لا تتبعض (ولا يؤدي به) أي بتيممه لفريضة عينية (من فروض عينية غير واحد ولو نذرا)، لانه طهارة ضرورة، فيتقدر بقدرها فيمتنع جمعه بين صلاتي فرض ولو صبيا وبين طوافين (إلا تمكين حليل) للمرأة فلها تمكينه من الوطئ مرارا، وأن تجمع بينه وبين فرض آخر وخرج بالفروض العينية النفل وفرض الكفاية كصلاة الجنازة فله فعل ما شاء منها.
كما علم مما مر.
لان النفل لا ينحصر فخفف أمره وصلاة الجنائز تشبه النفل في جواز الترك وتعينها عند انفراد المكلف عارض.
وقولي يؤدي أعم من قوله يصلي، والاستثناء من زيادتي (ومن نسي إحدى الخمس) ولم يعلم عينها (كفاه لهن تيمم) لان الفرض واحد وما سواه وسيلة له.
فلو تذكر المنسية بعد لم تجب إعادتها كما رجحه في المجموع.
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله كفاه تيمم لهن، لانه قد يوهم تعلق لهن بتيمم فيقتضي اشتراط كون التيمم لهن وليس مرادا (أو) نسي منهن (مختلفين) ولم يعلم عينهما (صلى كلا) منهن (بتيمم أو) صلى (أربعا) كالظهر والعصر والمغرب والعشاء (به) أي بتيمم.
(وأربعا ليس منها ما بدأ بها) أي العصر والمغرب والعشاء والصبح (ب) تيمم (آخر) فيبرأ بيقين لان المنسيتين إما الظهر والصبح أو إحداهما مع إحدى الثلاث، أو هما من الثلاث وعلى كل تقدير صلى كلا منهما بتيمم.
أما إذا كان منها التي بدأ بها كأن صلى الظهر والعصر والمغرب والصبح فلا يبرأ بيقين لجواز كون المنسيتين العشاء وواحدة غير الصبح فبالتيمم الاول تصح تلك الواحدة دون العشاء، وبالثاني لم يصل العشاء واكتفى بتيممين لانهما عدد المنسى، وقضية قول الاصل أربعا ولاء اشتراط الولاء وليس كذلك، فلهذا حذفته (أو) نسي منهن (متفقتين أو شك) في اتفاقهما.
ولم يعلم عينهما ولا تكون المتفقتان إلا من يومين ف) يصلى (الخمس مرتين بتيممين) ليبرأ بيقين.
وقولي أوشك من زيادتي (ولا يتيمم لمؤقت) فرضا كان أو نفلا (قبل وقته) لان التيمم طهارة ضرورة ولا

(1/47)


ضرورة قبل الوقت بل يتيمم له فيه، ولو قبل الاتيان بشرطه كستر وخطبة جمعة وإن أوهم تعبير الاصل بوقت فعله خلاف ذلك.
ولهذا اقتصرت كالروضة وأصلها على وقته، وإنما لم يصح التيمم قبل زوال النجاسة عن البدن للتضمخ بها، مع كون التيمم طهارة ضعيفة لا لكون زوالها شرطا للصلاة، وإلا لما صح التيمم قبل زوالها عن الثوب والمكان، والوقت شامل لوقت الجواز ووقت العذر.
ويدخل وقت صلاة الجنازة بانقضاء الغسل أو بدله، ويتيمم للنفل المطلق في كل وقت أراده إلا وقت الكراهة.
ويشترط العلم بالوقت، فلو تيمم شاكا فيه لم يصح وإن صادفه (وعلى فاقد) الماء والتراب (الطهورين) كمحبوس بمحل ليس فيه واحد منهما (أن يصلي الفرض) لحرمة الوقت، (ويعيد) إذا وجد أحدهما وإنما يعيد بالتيمم في محل يسقط به الفرض إذ لا فائدة في الاعادة في محل لا يسقط به الفرض.
وخرج بالفرض النفل فلا يفعل (ويقضي) وجوبا (متيمم) ولو في سفر (لبرد) لندرة فقد ما يسخن به الماء أو يدثر به أعضاءه (و) متيمم (لفقد ماء) بمحل (يندر) فيه فقده، ولو مسافرا لندرة فقده بخلافه بمحل لا يندر فيه ذلك ولو مقيما، (و) متيمم (لعذر) كفقد ماء وجرح (في سر معصية) كأبق لان عدم القضاء رخصة فلا تناط بسفر المعصية وضبطي للقضاء ولعدمه بما تقرر هو التحقيق.
فضبط الاصل له بالتيمم في الاقامة لعدمه بالتيمم في السفر جرى على الغالب من غلبة الماء في الاقامة وعدمها في السفر، (لا) متيمم في غير سفر المعصية (لمرض يمنع الماء مطلقا) أي في جميع أعضاء الطهارة (أو في عضو لم يكثر دم جرحه ولا ساتر) به من لصوق أو نحوه (أو) به (ساتر) من ذلك، (ووضع على طهر في غير عضو تيمم) فلا يقضي لعموم المرض أو الجرح مع العفو عن قليل الدم وقياسا على ماسح الخف في الاخيرة بل أولى للضرورة هنا.
والقيد الاخير مع التقييد بعدم كثرة الدم في الساتر من زيادتي.
(وإلا) بأن كثر الدم أو وضع الساتر على حدث أو على طهر في عضو التيمم (قضى).
وإن لم يجب نزعه لفوات شرط الوضع على الطهر في الثانية ونقصان البدل والمبدل منه جميعا في الثالثة وحمله نجاسة غير معفو عنها
في الاولى.
ولكون التيمم طهارة ضعيفة لم يغتفر فيه الدم الكثير كما لا يغتفر فيه جواز تأخير الاستنجاء عنه بخلاف الطهر بالماء.
ويمكن أيضا حمل ما هنا على كثير جاوز محله أو حصل بفعله فلا يخالف ما في شروط الصلاة على أن بعضهم جعل الاصح عدم العفو أخذا مما صححه في المجموع والتحقيق، ثم من عدم العفو خلافا لما صححه في المنهاج والروضة، ثم (ويجب نزعه) سواء وضعه على حدث وعليه اقتصر الاصل أم على طهر (إن أمن) محذورا مما مر، وإلا فلا يجب.

(1/48)


باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة والنفاس.
والحيض لغة السيلان.
يقال حاض الوادي إذا سال وشرعا دم جبلة يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة، والاستحاضة دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل بالمعجمة على المشهور سواء أخرج إثر حيض أم لا.
والنفاس الدم الخارج بعد فراغ الرحم من الحمل.
والاصل في الحيض آية: (يسألونك عن الميحيض) أي الحيض.
وخبر الصحيحين هذا شئ كتبه الله على بنات آدم، (أقل سنه تسع سنين) قمرية (تقريبا) فلو رأت الدم قيل تمام التسع بما لا يسع حيضا وطهرا فهو حيض وإلا فلا.
والتسع في ذلك ليست ظرفا بل خبر فما قيل من أن قائل ذلك جعلها كلها ظرفا للحيض، ولا قائل به ليس بشئ، وتقريبا من زيادتي (وأقله) زمنا (يوم وليلة) أي قدر هما متصلا وهو أربع وعشرون ساعة.
(وأكثره) زمنا (خمسة عشر يوما بلياليها) وإن لم تتصل وغالبه ستة أو سبعة كل ذلك بالاستقراء من الامام الشافعي رضي الله عنه (كأقل) زمن، (طهر بين) زمني (حيضتين) فإنه خمسة عشر بلياليها، لان الشهر لا يخلو غالبا عن حيض وطهر.
وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك.
وخرج يبين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس، فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك تقدم أو تأخر كما سيأتي، (ولا حد لاكثره) أي
الطهر بالاجماع وغالبه بقية الشهر بعد غالب الحيض (وحرم به) أي بالحيض (وبنفاس ما حرم بجنابة) من صلاة وغيرها (وعبور مسجد) إن (خافت تلويثه) بمثلثة قبل الهاء بالدم لغلبته أو عدم إحكامها الشد صيانة للمسجد.
فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب وغيرها ممن به نجاسة مثلها في ذلك.
(وطهر عن حدث) أو لعبادة لتلاعبها إلا أغسال الحج ونحوها فتندب وهذا من زيادتي، (وصوم) لخبر الصحيحين: أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم (ويجب قضاؤه) بخلاف الصلاة، كما سيأتي في بابها لخبر مسلم عن عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، ولانها تكثر فيشق قضاؤها بخلافه، (ومباشرة ما بين سرتها وركبتها) بوطئ أو غيره.
وقيل لا يحرم غير الوطئ وقواه في المجموع واختاره في التحقيق ولفظ مباشرة من زيادتي، (وطلاق بشرطه) أي بشرط تحريمه الآتي في بابه من كونها موطوءة تعتد بأقراء مطلقة بلا عوض منها لتضررها بطول المدة.
فإن زمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدة، والتصريح بهذا من زيادتي.
(وإذا انقطع) ما ذكر من حيض ونفاس

(1/49)


(ولم يحل) مما حرم به (قبل طهر) غسلا كان أو تيمما، فهو أعم من قوله قبل الغسل، (غير صوم وطلاق وطهر) فتحل لانتفاء علة التحريم وتحل الصلاة أيضا لفاقدة الطهورين، بل تجب.
وقولي وطهر من زيادتي (والاستحاضة كسلس) أي كسلس بول أو مذى فيما يأتي (فلا تمنع ما يمنعه الحيض) من صلاة وغيرها للضرورة.
وتعبيري بذلك أعم من قوله.
فلا تمنع الصوم والصلاة، وإن كان في المتحيرة تفصيل يأتي (فيجب أن تغسل مستحاضة فرجها فتحشوه) بنحو قطنة (فتعصبه) بأن تشده بعد حشوه بذلك بخرقة مشقوقة الطرفين تخرج أحدهما أمامها والآخر وراءها وتربطهما بخرقة تشد بها وسط كالتكة (بشرطهما) أي الحشو والعصب، أي بشرط وجوبهما بأن احتاجتهما ولم تتأذ بهما ولم تكن في الحشو صائمة، وإلا فلا يجب.
بل يجب على الصائمة ترك الحشو نهارا ولو خرج الدم بعد العصب لكثرته لم يضر أو لتقصيرها فيه ضر (فتطهر) بأن تتوضأ أو تتيمم وتفعل جميع ما ذكر (لكل فرض).
وإن لم تزل العصابة عن محلها ولم يظهر الدم على
جوانبها كالتيمم في غير دوام الحدث في التطهر وقياسا عليه في الباقي (وقته) لا قبله كالتيمم وذكر الحشو والترتيب مع قولي بشرطهما من زيادتي.
وأفاد تعبيري بالفاء ما شرطه في التحقيق وغيره من تعقيب الطهر لما قبله، وتعبيري بالتطهر أعم من تعبيره بالوضوء.
(و) أن (تبادر به) أي بالفرض بعد التطهر تقليلا للحدث بخلاف المتيمم في غير دوام الحدث (ولا يضر تأخيرها) الفرض (لمصلحة كستر وانتظار جماعة) وإجابة مؤذن واجتهاد في قبلة، لانها غير مقصرة بذلك.
والتصريح بالوجوب في غير الوضوء والعصب من زيادتي، (ويجب طهر) من غسل فرج ووضوء أو تيمم (إن انقطع دمها بعده) أي بعد الطهر (أو فيه) لاحتمال الشفاء، الاصل عدم عود الدم.
ويجب أيضا إعادة ما صلته بالطهر الاول لتبين بطلانه (لا إن عاد قريبا) بأن عاد قبل إمكان فعل الطهر، والصلاة التي تتطهر لها سواء اعتادت انقطاعه زمنا يسع ذلك أم لم يسعه، أم لم تعتد انقطاعه أصلا.
وفي تعبيري بما ذكر سلامة مما أورد على كلامه كما لا يخفى على المتأمل.
(فصل) إذا (رأت ولو حاملا لا مع طلق دما) ولو أصفر أو أكدر (لزمن حيض قدره).
يوما وليلة

(1/50)


فأكثر (ولم يعبر) أي يجاوز (أكثره فهو مع نقاء تخلله حيض) مبتدأة كانت أو معتادة.
وخرج بزمن الحيض ما لو بقي عليها بقية طهر، كأن رأت ثلاثة أيام دماثم اثني عشر نقاء، ثم ثلاثة دما ثم انقطع فالثلاثة الاخيرة دم فساد لا حيض.
ذكره في المجموع وهو وارد على تعبير الاصل بسن الحيض، وتعبيري بقدره أولى من تعبيره بأقله لان أقله لا يمكن أن يعبر أكثره، وخرج بزيادتي لا مع طلق الدم الخارج مع طلقها فليس بحيض.
كما أنه ليس بنفاس (فإن عبره وكانت) أي من عبر دمها أكثر الحيض وتسمى بالمستحاضة (مبتدأة) أي أول ما ابتدأها الدم (مميزة بأن ترى قويا وضعيفا) كالاسود والاحمر فهو ضعيف بالنسبة للاسود قوي بالنسبة للاشقر، والاشقر أقوى من الاصفر وهو أقوى من الاكدر وما له رائحة كريهة أقوى مما لا
رائحة له.
والثخين أقوى من الرقيق.
فالاقوى ما صفاته من نتن وثخن وقوة لون أكثر فيرجح أحد الدمين بما زاد منها، فإن استويا فبالسق (فالضعيف) وإن طال (استحاضة والقوي حيض إن لم ينقص عن أقله، ولا عبر أكثره ولا نقص الضعيف عن أقل طهر) بقيد زدته بقولي (ولاء) بأن يكون خمسة عشر يوما متصلة فأكثر تقدم القوي عليه أو تأخر أو توسط بخلاف ما لو رأت يوما أسود ويومين أحمر، وهكذا إلى آخر الشهر لعدم اتصال خمسة عشر من الضعيف فهي فاقدة شرطا مما ذكر وسيأتي بيان حكمها، (أو) كانت مبتدأة (لا مميزة) بأن رأته بصفة، (أو) مميزة بأن رأته بأكثر لكن (فقدت شرطا مما ذكر) من الشروط (فحيضها يوم وليلة وطهرها تسع وعشرون) بشرط زدته بقولي (إن عرفت وقت ابتداء الدم).
وإلا فمتحيرة وسيأتي بيان حكمها.
وحيث أطلقت المميزة، فالمراد بها الجامعة للشروط السابقة وأفاد تعبيري بما ذكر، أن فاقدة شرط مما ذكر تسمى مميزة عكس ما يوهمه كلام الاصل.
(أو) كانت (معتادة بأن سبق لها حيض وطهر).
وهي ذاكرة لهما وغير مميزة كما يعلم مما يأتي (فترد إليهما) قدرا ووقتا، وتثبت العادة إن لم تختلف بمره) لانها في مقابلة الابتداء.
فمن حاضت في شهر خمسة ثم استحيضت ردت إلى الخمسة كما ترد إليها لو تكررت وخرج بزيادتي إن لم تختلف ما لو اختلفت، فإن تكرر الدور وانتظمت عادتها ونسيت انتظامها أو لم نتنظم يتكرر الدور ونسيت النوبة الاخيرة فيهما، حيضت أقل النوب واحتاطت في الزائد كما يعلم مما سيأتي، أو لم تنسها ردت إليها واحتاطت في الزائد إن كان أو لم تنس انتظام العادة لم تثبت إلا بمرتين، فلو حاضت في الشهر ثلاثة، وفي ثانية خمسة، وفي ثالثة سبعة ثم عاد دورها هكذا ثم استحيضت في الشهر السابع ردت فيه إلى ثلاثة وفي الثامن إلى خمسة، وفي التاسع إلى سبعة وهكذا.

(1/51)


(ويحكم لمعتادة مميزة بتمييز لاعادة) مخالفة له بقيد زدته بقولي، (ولم يتخلل) بينهما (أقل طهر) لان التمييز أقوى من العادة لظهوره، ولانه علامة في الدم وهي علامة في صاحبته.
فلو كانت عادتها خمسة من أول الشهر وبقيته طهر فرأت عشرة أسود من أول الشهر وبقيته أحمر حكم بأن حيضها العشرة لا الخمسة الاولى منها، أما إذا تخلل بينهما أقل طهر كأن رأت بعد خمستها عشرين ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا فقدر العادة حيض للعادة والقوي حيض آخر.
(أو) كانت (متحيرة) وهي الناسية لحيضها قدرا أو وقتا سميت بذلك لتحيرها في أمرها.
وتسمى محيرة أيضا لانها حيرت الفقيه في أمرها، (فإن) هو أولى من قوله بأن (نسيت عادتها قدرا ووقتا) وهي غير مميزة (فكحائض) في أحكامها السابقة كتمتع وقراءة في غير صلاة احتياطا لاحتمال كل زمن يمر عليها الحيض (لا في طلاق وعبادة تفتقر لنية) كصلاة وطواف وصوم فرضا أو نفلا احتياطا لاحتمال الطهر.
وذكر حكم الطلاق من زيادتي، (وتغتسل لكل فرض) في وقته لاحتمال الانقطاع حينئذ بقيد زدته بقولي، (إن جهلت وقت انقطاع) للدم فإن علمته كعند الغروب لم يلزمها الغسل في كل يوم وليلة وإلا عند الغروب وتصلى به المغرب وتتوضأ لباقي الفرائض لاحتمال الانقطاع عند الغروب دون ما عداه نقله في المجموع عن الاصحاب.
وإذا اغتسلت لا يلزمها المبادرة إلى الصلاة، لكن لو أخرت لزمها الوضوء حيث يلزم المستحاضة المؤخرة، معلوم أنه لا غسل على ذات التقطع في النقاء إذا اغتسلت فيه (وتصوم رمضان) لاحتمال أن تكون طاهرا جميعه (ثم شهرا كاملا) بأن تأتي بعد رمضان تاما أو ناقصا بثلاثين متوالية، فقولي كاملا أولى من قوله كاملين (فيبقى) عليها (يومان) بقيد زدته بقولي (إن لم تعتد الانقطاع ليلا)، بأن اعتادته نهارا أو أوشكت لاحتمال أن تحيض أكثر الحيض، ويطرأ الدم في يوم وينقطع في آخر فيفسد ستة عشر يوما (فتصوم لهما من الشهرين بخلاف ما إذا اعتادت الانقطاع ليلا، فإنه لا يبقى عليها شئ.
وإذا بقي عليها يومان (فتصوم لهما من ثمانية عشر) يوما (ثلاثة أولها وثلاثة آخرها) فيحصلان، لان الحيض إن طرأ في الاول منها فغايته أن ينقطع في السادس عشر.
فيصح لها اليومان الاخيران، وإن طرأ في الثاني صح الطرفان أو في الثالث صح الاولان، أو في السادس عشر صح الثاني والثالث، أو في السابع عشر صح السادس عشر والثالث عشر أو في الثامن عشر صح اللذان قبله.
ويحصل اليومان
أيضا بأن تصوم لهما أربعة أيام من أول الثمانية عشر واثنين آخرها أو بالعكس أو اثنين أولها واثنين آخرها واثنين وسطها وبأن تصوم لهما خمسة الاول والثالث والخامس والسابع عشر والتاسع عشر،

(1/52)


(ويمكن قضاء يوم وثالثه وسابع عشره) لان الحيض إن طرأ في الاول سلم الاخير، أو في الثالث سلم الاول وإن كان آخر الحيض الاول سلم الثالث أو الثالث سلم الاخير، ولا يتعين الثالث والسابع عشر، بل الشرط أن تترك أياما بين الخامس عشر وبين الصوم الثالث بقدر الايام التي بين الصوم الاول والثاني أو أقل منها.
(وأن ذكرت أحدهما) بأن ذكرت الوقت دون القدر أو بالعكس (فلليقين) من حيض طهر (حكمه وهي) أي المتحيرة الذاكرة لاحدهما (في) الزمن (المحتمل) للحيض والطهر (كناسية لهما) فيما مر.
ومنه غسلها لكل فرض، وتعبيري بذلك أولى من قوله كحائض في الوطئ وطاهر في العبادة لما لا يخفى.
ومعلوم أنه لا يلزمها الغسل إلا عند احتمال الانقطاع، ويسمى ما يحتمل الانقطاع طهرا مشكوكا فيه، وما لا يحتمله حيضا مشكوكا فيه.
ولذاكرة للوقت كأن تقول كان حيضي يبتدئ أول الشهر فيوم وليلة منه حيض بيقين، ونصفه الثاني طهر بيقين وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع والذاكرة للقدر، كأن تقول كان حيضي خمسة في العشر الاول من الشهر لا أعلم ابتداءها وأعلم أني في اليوم الاول طاهر، فالسادس حيض بيقين، والاول طهر بيقين كالعشرين الاخيرين، والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر والسابع إلى آخر العاشر، محتمل لهما وللانقطاع (وأقل النفاس مجة) كما عبر بها في التنبيه والتحقيق، وهي المراد بتعبير الروضة كأصلها بأنه لا حد لاقله، أي لا يتقدر بل ما وجد منه، وإن قل يكون نفاسا ولا يوجد أقل من مجة أي دفعة وعبر الاصل عن زمانها بلحظة وهو الانسب بقولهم (وأكثره ستون يوما وغالبه أربعون) يوما، و ذلك باستقراء الامام الشافعي رضي الله عنه (وعبور ستين كعبور الحيض أكثره)، فينظر
أمبتدأة في النفاس أم معتادة مميزة أم غير مميزة، ذاكرة أم ناسية، فترد المبتدأة المميزة إلى التمييز إن لم يزد القوى على ستين ولا يأتي هنا بقية الشروط وغير المميزة إلى مجة، والمعتاد المميزة إلى التمييز لا العادة وغير المميزة الحافظة إلى العادة، وتثبت إن لم تختلف بمرة وإلا ففيه التفصيل السابق في الحيض والمتحيرة تحتاط.

(1/53)


كتاب الصلاة هي لغة ما مر أول الكتاب، وشرعا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ولا ترد صلاة الاخرس لان وضع الصلاة ذلك فلا يضر عروض مانع، والمفروضات منها في كل يوم وليلة خمس كما هو معلوم من الدين بالضرورة ومما يأتي.
والاصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وأخبار كقوله (صلى الله عليه وسلم): فرض الله على أمتي ليلة الاسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة وقوله لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، رواهما الشيخان وغيرهما.
ووجوبها موسع إلى أن يبقى ما يسعها، فإن أراد تأخيرها إلى أثناء وقتها لزمه العزم على فعلها على الاصح في المجموع والتحقيق.
باب أوقاتها الترجمة به منن زيادتي.
ولما كان الظهر أول صلاة ظهرت وقد بدأ الله تعالى بها في قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وكانت أول صلاة علمها جبريل للنبي (صلى الله عليه وسلم)، بدأت كغيري بوقتها فقلت (وقت ظهر بين) وقتي (زوال و) زيادة (مصير ظل الشئ مثله غير ظل استواء)، أي غير ظل الشئ حالة الاستواء إن كان.
والاصل في المواقيت قوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه) *.
أراد بالاول الصبح، وبالثاني الظهر والعصر، وبالثالث المغرب والعشاء، وخبر أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، وكان الفئ قدر الشراك، والعصر حين كان ظله
أي الشئ مثله والمغرب حين أفطر الصائم أي دخل وقت إفطاره، والعشاء حين غاب الشفق، والفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله.
والعصر حين كان ظله مثليه والمغرب حين أفطر الصائم والعشاء إلى ثلث الليل والفجر.
فأسفر وقال: هذا وقت الانبياء من قبلك.
والوقت ما بين هذين الوقتين، رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وغيره.
وقوله صلى بي الظهر حين كان ظله مثله أي فرغ منها، حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الاول، حينئذ قاله الشافعي رضي الله عنه نافيا به اشتراكهما

(1/54)


في وقت واحد ويدل له خبر مسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم تحضر العصر.
والزوال ميل الشمس عن الوسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا لا في نفس الامر، وذلك بزيادة ظل الشئ على ظله حالة الاستواء أو بحدوثه إن لم يبق عنده ظل.
قال الاكثرون: للظهر ثلاثة أوقات: وقت فضيلة أووله ووقت اختيار إلى آخره، ووقت عذر، وقت العصر لمن يجمع.
وقال القاضي: لها أربعة أوقات وقت فضيلة أوله إلى أن يصير ظل الشئ مثل ربعه، ووقت اختيار إلى أن يصير مثل نصفه، ووقت جواز الخ، ووقت عذر وقت العصر لمن يجمع.
ولها أيضا وقت ضرورة وسيأتي ووقت حرمة وهو الوقت الذي لا يسعها وإن وقعت أداء.
لكنهما يجريان في غير الظهر، وعلى هذا ففي قول الاكثرين والقاضي إلى آخره تسمح.
(ف) وقت (عصر) من آخر وقت الظهر (إلى غروب) للشمس لخبر جبريل السابق مع خبر الصحيحين ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر.
وروي ابن أبي شيبة بإسناد في مسلم: وقت العصر ما لم تغرب الشمس (والاختيار) وقته من ذلك أيضا (إلى مصير الظل مثلين) بعد ظل الاستواء إن كان لخبر جبريل السابق.
وقوله فيه بالنسبة إليها الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار وبعده وقت جواز بلا كراهة إلى الاصفرار، ثم بها إلى المغرب ولها وقت فضيلة أول الوقت ووقت
ضرورة ووقت عذر وقت الظهر لمن يجمع، ووقت تحريم.
فلها سبعة أوقات: (ف) وقت (مغرب) من الغروب (إلى مغيب شفق) لخبر مسلم، وقت المغرب ما لم يغب الشفق وقيد الاصل الشفق بالاحمر ليخرج ما بعده من الاصفر ثم الابيض وحذفته كالمحرر لقول الشافعي وغيره من أئمة اللغة، إن الشفق هو الحمرة فإطلاقه على الآخرين مجاز، فإن لم يغب الشفق لقصر ليالي أهل ناحيته كبعض بلاد المشرق، اعتبر بعد الغروب زمن يغيب فيه شفق أقرب البلاد إليهم ولها خمسة أوقات وقت فضيلة واختيار أول الوقت ووقت جواز، ما لم يغب الشفق ووقت عذر وقت العشاء لمن يجمع ووقت ضرورة ووقت حرمة.
(ف) وقت (عشاء) من مغيب الشفق (إلى) طلوع (فجر صادق) لخبر جبريل مع خبر مسلم.
ليس في النوم تفريط وإنما تفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الاخرى ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الاخرى من الخمس، أي غير الصبح لما يأتي في وقتها.
وخرج بالصادق وهو المنتشر ضوؤه معترضا بنواحي السماء الكاذب، وهو يطلع قبل الصادق مستطيلا ثم يذهب وتعقبه ظلمة (والاختيار) وقته من ذلك أيضا (إلى ثلث ليل) لخبر جبريل السابق، وقوله فيه بالنسبة إليها الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار.
ولها سبعة أوقات وقت فضيلة ووقت

(1/55)


اختيار ووقت جواز بلا كراهة إلى ما بين الفجرين وبها إلى الفجر الثاني، ووقت حرمة ووقت ضرورة ووقت عذر وهو وقت المغرب لمن يجمع.
(ف) وقت (صبح) من الفجر الصادق (إلى) طلوع (شمس) لخبر مسلم، وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس وفي الصحيحين خبر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح وطلوعها هنا بطلوع بعضها بخلاف غروبها فيما مر إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر فيهما، ولان الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر فناسب أن يخرج بطلوع بعض الشمس، (والاختيار) وقته من ذلك أيضا (إلى إسفار) وهو الاضاءة لخبر جبريل السابق وقوله فيه بالنسبة إليها
الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار وبعده وقت جواز بلا كراهة إلى احمرار، ثم بها إلى الطلوع وتأخيرها إلى أن يبقى ما لا يسعها حرام فعلها أول وقتها فضيلة.
ولها وقت ضرورة، فلها ستة أوقات.
وتعبيري فيما ذكر بالفاء أولى من تعبيره فيه بالواو لافادتها التعقيب المقصود (وكره تسمية مغرب عشاء وعشاء عتمة) للنهي عن الاول في خبر البخاري: لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم المغرب أو تقول الاعراب هي العشاء وكف الثاني في خبر مسلم لا تغلبكم الاعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالابل بفتح أوله وضمه.
وفي رواية بحلاب الابل، قال في شرح مسلم معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الابل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام، فالعتمة شدة الظلمة وما ذكر من الكراهة في الثاني هو ما جزم به النووي في كتبه، لكنه خالف في المجموع، فقال نص الشافعي على أنه يستحب أن لا تسمى العشاء عتمة.
وذهب إليه المحققون من أصحابنا وقالت طائفة قليلة يكره (و) كره (نوم قبلها) أي العشاء (وحديث بعدها) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يكرههما، رواه الشيخان.
ولانه بالاول يؤخر العشاء عن أول وقتها وبالثاني يتأخر نومه فيخاف فوت صلاة الليل إن كان له صلاة ليل أو فوت الصبح عن وقتها أو عن أوله.
والمراد الحديث المباح في غير هذا الوقت.
أما المكروه ثم فهو وهنا أشد كراهة (إلا في خير) كقراءة القرآن وحديث ومذاكرة علم وإيناس ضيف ومحادثة الرجل أهله لحاجة كملاطفة، فلا يكره لانه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة، وروى الحاكم عن عمران بن حصين قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل، (وسن تعجيل صلاة) ولو عشاء (لاول وقتها) لخبر ابن مسعود: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) أي الاعمال أفضل ؟ قال: الصلاة لاول وقتها، رواه الدار قطني وغيره.
وقال الحاكم: إنه على شرط الشيخين ولفظ الصحيحين لوقتها وأما خبر كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستحب أن يؤخر العشاء، فأجاب عنه في المجموع بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال: لكن الاقوى دليلا
تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه.
ويحصل تعجيل (باشتغال) أول وقتها (بأسبابها) كطهر وستر

(1/56)


إلى أن يفعلها وهذا من زيادتي.
ولا يضر فعل راتبة ولا شغل خفيف وأكل لقم بل لو اشتغل بالاسباب قبل الوقت وأخر بقدرها الصلاة بعده لم يضر قاله في الذخائر.
ويستثنى من سن التعجيل مع صور ذكرت بعضها في شرح الروض وغيره ما ذكرته بقولي، (و) سن (إبراد بظهر) أي تأخير فعلها عن أول وقتها (لشدة حر ببلد حار) إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة، لخبر الصحيحين إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة.
وفي رواية للبخاري بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم أي هيجانها ولا يجاوز به نصف الوقت، وهذا (لمصلى جماعة بمصلى) مسجد أو غيره (يأتونه) كلهم أو بعضهم (بمشقة) في طريقهم إليه، فلا يسن في وقت ولا بلد باردين أو معتدلين، ولا لمن يصلي ببيته منفردا أو جماعة، ولا لجماعة بمصلي يأتونه بلا مشقة أو حضروه ولا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم غيرهم بلا مشقة عليه في إتيانه، كأن كان منزله بقرب المصلى أو بعيدا وثم ظل يأتي فيه، وتعبيري بمصلى وبمشقة أعم من تعبيره بمسجد وبمن بعد وخرج بالظهر غيرها ولو جمعة لشدة خطر فوتها المؤدي إليه تأخيرها بالتكاسل، ولان الناس مأمورون بالتبكير إليها، فلا يتأذون بالحر وما في الصحيحين من أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يبرد بها بيان للجواز فيها مع عظمها مع أن التعليل الاول منتف في حقه (صلى الله عليه وسلم) (ومن وقع في صلاته في وقتها ركعة) فأكثر والباقي بعده (فالكل أداء وإلا فقضاء).
لخبر الصحيحين: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة أي مؤداة، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لا يدرك الصلاة مؤداة.
والفرق أن الركعة تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها.
فجعل ما بعد الوقت تابعا لها بخلاف ما دونها (ومن جهل الوقت) لغيم أو حبس ببيت مظلم أو غير ذلك، ولا يخبره به ثقة عن علم (اجتهد) إن قدر (بنحو ورد) كخياطة وصوت ديك مجرب سواء البصير والاعمى وله كالبصير العاجز، تقليد مجتهد لعجزه في الجملة.
قال النووي وللاعمى والبصير تقليد المؤذن الثقة العارف في الغيم لانه لا يؤذن إلا
في الوقت.
أما في الصحو فكالمخبر عن علم (فإن علم) أن (صلاته) بالاجتهاد وقعت (قبل وقتها) وعلم بذلك فيه أو قبله أو بعده (أعاد) وجوبا فإن علم وقوعها فيه أو بعده أو لم يتبين الحال لم تجب الاعادة، وتعبيري بالاعادة أعم من تعبيره بالقضاء.
(ويبادر بفائت) وجوبا إن فات بلا عذر وندبا إن فات بعذر كنوم ونسيان تعجيلا لبراءة الذمة.
ولخبر الصحيحين من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
(وسن ترتيبه) أي الفائت فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا (وتقديمه على حاضرة لم يخف فوتها) محاكاة للاداء فإن خاف فوتها بدأ بها وجوبا لئلا تصير فائتة.
وتعبيري كالاصل وكثير بلم يخف فوتها صادق بما إذا أمكنه أن يدرك ركعة من الحاضرة فيسن تقديم الفائت

(1/57)


عليها في ذلك أيضا وبه صرح في الكفاية، وإن اقتضت عبارة الروضة كالشر حين خلافه ويحمل إطلاق تحريم إخراج بعض الصلاة عن وقتها على غير هذا ونحوه.
ولو تذكر فائتة بعد شروعه في حاضرة أتمها ضاق الوقت أو اتسع ولو شرع في فائتة معتقدا سعة الوقت فبان ضيقه عن إدراكها أداء وجب قطعها، (وكره) كراهة تحريم كما صححه في الروضة والمجموع هنا وكراهة تنزيه كما في التحقيق، وفي الطهارة من المجموع (في غير حرم مكة صلاة عند استواء) للشمس حتى تزول (إلا يوم جمعة) للنهي عنها في خبر مسلم والاستثناء في خبر أبي داود وغيره.
(و) عند (طلوع شمس وبعد) صلاة (صبح) أداء لمن صلاها (حتى ترتفع) فيهما (كرمح) في رأى العين، وإلا فالمسافة طويلة للنهي عنها في خبر الصحيحين.
وليس فيه ذكر الرمح وهو تقريب.
(و) بعد صلاة (عصر) أداء ولو مجموعة في وقت الظهر (وعند اصفرار) للشمس (حتى تغرب) فيهما للنهي عنها في خبر الصحيحين (إلا) صلاة (لسبب) بقيد زدته بقولي (غير متأخر) عنها، بأن كان متقدما أو مقارنا (كفائتة) فرض أو نفل بقيد زدته بقولي (لم يقصد تأخيرها إليها) ليقضيها فيها.
(و) صلاة (كسوف وتحية) لمسجد بقيد زدته بقولي (لم يدخل) إليه (بنيتها فقط وسجدة
شكر)، فلا تكره في هذه الاوقات لانه (صلى الله عليه وسلم) فاته ركعتا سنة الظهر التي بعده فقضاهما بعد العصر رواه الشيخان.
وأجمعوا على جواز صلاة الجنازة بعد الصبح والعصر وقيس بذلك غيره وحمل النهي فيما ذكر على صلاة لا سبب لها، وهن النافلة المطلقة أولها سبب متأخر وسيأتي بيانها.
وخرج بغير حرم مكة الصلاة بحرمها المسجد وغيره فلا تكره لخبر: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة تشاء من ليل أو نهار رواه الترمذي وغيره.
وقال حسن صحيح وبغير متأخر ما لها سبب متأخر فتحرم كصلاة الاحرام وصلاة الاستخارة، فإن سببهما وهو الاحرام، والاستخارة متأخر.
أما إذا قصد تأخير الفائتة إلى الاوقات المكروهة ليقضيها فيها أو دخل فيها المسجد بنية التحية فقط فلا تنعقد الصلاة.
وكسجدة الشكر سجدة التلاوة إلا أن يقرأ آيتها في هذه الاوقات بقصد السجود أو يقرأ في غيرها ليسجد فيها وعدي كالمحرر وغيره.
لاوقات الكراهة خمسة أجود من عده لها ثلاثة عند الاستواء وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح وبعده العصر حتى تغرب.
فإن كراهة الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند الاصفرار حتى تغرب عامة لمن صلى الصبح والعصر ولغيره على العبارة الاولى خاصة بمن صلاهما على الثانية.

(1/58)


فصل فيمن تجب عليه الصلاة وما يذكر معه (إنما تجب على مسلم) ولو فيما مضى فدخل المرتد (مكلف) أي بالغ عاقل ذكر أو غيره (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة بها في الدنيا، لعدم صحتها منه.
لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة كما تقرر في الاصول لتمكنه من فعلها بالاسلام، ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران لعدم تكليفهم، ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما، ووجوبها على المتعدي بجنونه أو إغمائه أو سكره عند من عبر بوجوبها عليه وجوب انعقاد سبب كما تقرر في الاصول لوجوب القضاء عليه كما سيأتي، (فلا قضاء على كافر
أصلي) إذا أسلم ترغيبا له في الاسلام.
ولقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وخرج بالاصلي المرتد فعليه بعد الاسلام قضاء ما فاته من الردة حتى زمن الجنون فيها تغليظا عليه بخلاف أمن الحيض والنفاس فيها كما يأتي.
والفرق أن إسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء عزيمة، وعن المجنون رخصة، والمرتد ليس من أهلها، وما وقع في المجموع من قضاء الحائض المرتدة زمن الجنون سبق قلم (ولا) قضاء على (صبي) ذكر أو غيره إذا بلغ.
(ويؤمر بها مميز لسبع ويضرب عليها) أي على تركها (لعشر) لخبر أبي داود وغيره: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها.
وهو كما في المجموع حديث صحيح (كصوم أطاقه) فإنه يؤمر به لسبع، ويضرب عليه لعشر كالصلاة وذكر الضرب عليه من زيادتي والامر به ذكره الاصل في بابه.
قال في المجموع: والامر والضرب واجبان على الولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي، وفي الروضة كأصلها يحب على الآباء والامهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة بعد سبع سنين وضربهم على تركها بعد عشر، وقولهم لسبع وعشر أي لتمامهما.
وقال الصيمري يضرب في أثناء العاشرة وجزم به ابن المقري وقولي مميز من زيادتي.
(ولا) قضاء على (ذي جنون أو نحوه) كإغماء وسكر بلا (تعد) إذا أفاق (في غير ردة و) غير (نحو سكر) كإغماء (بتعد) أما فيهما كأن ارتد ثم جن أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد، وكأن سكر أو أغمي عليه بتعد ثم جن أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد فيقضي مدة الجنون أو الاغماء والسكر الحاصلة في مدة الردة والسكر والاغماء بتعد لعديه.
وخرج بقولي بلا تعد ما لو تعدى بذلك فعليه

(1/59)


القضاء ولو سكر، مثلا بتعد ثم جن بلا تعد قضى مدة السكر لا مدة جنونه بعدها بخلاف مدة جنون المرتد كما علم ذلك، لان من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعا وقولي أو نحوه أعم من قوله، أو إغماء وبلا تعد
إلى آخره من زيادتي.
(ولا) على (حائض ونفساء) ولو في ردة إذا طهرتا وتقدم الفرق بينهما وبين المجنون وذكر النفساء من زيادتي، ثم بينت وقت الضرورة.
والمراد به وقت زوال موانع الوجوب فقلت: (ولو زالت الموانع) المذكورة أي الكفر الاصلي والصبا والجنون والاغماء والحيض والنفاس، (و) قد (بقي) من الوقت (قدر) زمن (تحرم) فأكثر (وخلا) الشخص (منها قدر الطهر والصلاة لزمت) أي صلاة الوقت لادراك جزء من وقتها كما يلزم المسافر إتمامها باقتدائه بمقيم في جزء منها، (مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها وخلا) الشخص من الموانع (قدره) أيضا لان وقتها وقت له حالة العذر.
فحالة الضرورة أولى، فيجب الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، لا العشاء مع الصبح ولا الصبح مع الظهر، ولا العصر مع المغرب لانتفاء صلاحية الجمع، هذا إن خلا مع ذلك من الموانع قدر المؤداة فإن خلا قدرها وقدر الطهر فقط تعينت أو مع ذلك قدر ما يسع التي قبلها تعينتا.
أما إذا لم يبق من وقتها قدر تحرم أو لم يخل الشخص القدر المذكور فلا تلزم إن لم تجمع مع ما بعدها وإلا لزمت معها في الشق الاول بالشرط السابق والتقييد بالخلو المذكور في الموضعين من زيادتي، (ولو بلغ فيها) بالسن (أتمها) وجوبا، (وإجزأته) لانه أداها بشرطها فلا يؤثر تغيير حاله بالكمال كالعبد إذا عتق في الجمعة، (أو) بلغ (بعدها) ولو في الوقت بالسن أو بغيره (فلا إعادة) واجبة كالعبد إذا عتق بعد الجمعة، (ولو طرأ مانع) من جنون أو إغماء أو حيض أو نفاس (في الوقت) أي في أثنائه.
واستغرق المانع باقيه (وأدرك) منه (قدر صلاة وطهر لا يقدم) أي لا يصح تقديمه عليه كتيمم (لزمت) مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها، وأدرك قدره كما فهم مما مر بالاولى ليمكنه من فعل ذلك ولا يجب معها ما بعدها وإن صلح لجمعه معها، وفارق عكسه بأن وقت الاولى لا يصلح للثانية إلا إذا صلاهما جمعا بخلاف العكس.
فإن صح تقديم طهره على الوقت كوضوء رفاهية لم يشترط إدراك قدر وقته لامكان تقديمه عليه.
أما إذا لم يدرك قدر ذلك فلا يجب لعدم تمكنه
من فعله وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ولو حاضت أو جن والتقييد بطهر لا يقدم من زيادتي.

(1/60)


[ نه ] باب بالتنوين (سن) على الكفاية (أذان) بمعجمة (وإقامة) لمواظبة السلف والخلف عليهما ولخبر الصحيحين إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم (لرجل ولو منفردا) بالصلاة وإن بلغه أذان غيره (لمكتوبة ولو فائتة) لما مر وللخبر الآتي ولخبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) نام هو وأصحابه عن الصبح حتى طلعت الشمس فساروا حتى ارتفعت، ثم نزل فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركعتين ثم صلى صلاة الغداة بخلاف المنذورة وصلاة الجنازة والنافلة.
(و) سن له (رفع صوته بأذان في غير مصلى أقيمت فيه جماعة وذهبوا) روى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة.
سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي سمعت ما قلته لك بخطاب لي ويكفي في أذان المنفرد إسماع نفسه بخلاف أذان الاعلام كما سيأتي.
(و) سن (عدمه فيه) أي عدم رفع صوته بالاذان في المصلى المذكور لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى.
والتصريح بسن رفع الصوت وعدم رفعه لغير المنفرد مع قولي وذهبوا من زيادتي، وبه صرح في الروضة وأصلها وتعبيري بمصلى أعم سن تعبيره بمسجد وتعبيره بسن عدم الرفع فيما ذكر أولى مما ذكره، لانه إنما يفيد عدم السن وسن إظهار الاذان في البلد وغيرها بحيث يسمعه كل من أصغى إليه من أهل ذلك البلد أو غيره.
(و) سن (إقامة) لا أذان (لغيره) أي للمرأة والخنثى منفردين أو مجتمعين لانها الاستنهاض الحاضرين، فلا تحتاج إلى رفع صوت والاذان لاعلام الغائبين فيحتاج فيه إلى الرفع.
والمرأة يخاف من رفع صوتها الفتنة وألحق بها الخنثى احتياطا، فإن أذنا للنساء بقدر ما يسمعن لم يكره
وكان ذكر الله تعالى أو فوقه كره بل حرم إن كان ثم أجنبي وذكر سن الاقامة للمرأة المنفردة وللخنثى من زيادتي، (وأن يقال في نحو عيد) من نفل تشرع فيه الجماعة وصلى جماعة ككسوف وتراويح (الصلاة جامعة) لورود في خبر الصحيحين في كسوف الشمس.
ويقاس به نحوه والجزآن منصوبان الاول بالاغراء، والثاني بالحالية ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما ونصب الآخر كما بينته في شرح الروض، وكالصلاة جامعة الصلاة كما نص عليه في الام.
(و) أن (يؤذن للاولى فقط من صلوات والاها) كفوائت وصلاتي جمع وفائتة وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الاذان، ويقيم لكل للاتباع في الاولين رواه في أولاهما الشافعي

(1/61)


وأحمد بإسناد صحيح.
وفي ثانيتها الشيخان وقياسا في الثالثة فإن لم يوال أو والى فائتة وحاضرة لم يدخل وقتها قبل شروعه في الاذان لم يكف لغير الاولى الاذان لها، وتعبيري بذلك أولى من قوله.
فإن كانت فوائت لم يؤذن لغير الاولى.
(ومعظم الاذان مثنى) وهو معدول عن اثنين اثنين (و) معظم (الاقامة فرادى) قيدت من زيادتي بالمعظم، لان التكبير أول الاذان أربع والتوحيد آخره واحد والتكبير الاول والاخير ولفظ الاقامة فيها مثنى مع أن الاصل استثنى لفظ الاقامة واعتذر في دقائقه عن ترك التكبير بأنه لما كان على نصف لفظه في الاذان، كان كأنه فرد والاصل في ذلك خبر الصحيحين أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة.
والمراد منه ما قلناه فالاقامة إحدى عشرة كلمة، والاذان تسع عشرة كلمة بالترجيع وسيأتي.
(وشرط فيهما ترتيب وولاء) بين كلماتهما مطلقا (ولجماعة جهر) بحيث يسمعون، لان ترك كل منهما يخل بالاعلام.
ويكفي إسماع واحد منهم ولا يضر في الولاء تخلل يسير سكوت أو كلام (و) شرط فيهما (عدم بناء غير) على أذانه أو إقامته لان ذلك يوقع في لبس.
وهذا وما قبله من اشتراط الجهر مطلقا واشتراط الترتيب والولاء في الاقامة من زيادتي (ودخول وقت) لان ذلك للاعلام به فلا يصح قبله (إلا أذان صبح فمن نصف ليل) يصح.
والاصل فيه خبر الصحيحين، إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى
تسمعوا أذان ابن أم مكتوم.
(و) شرط (في مؤذن ومقيم إسلام وتمييز) مطلقا (ولغير نساء ذكورة) فلا يصح ذلك من كافر وغير مميز لانه عبادة وليسا من أهلها ولا من امرأة وخنثى لرجال وخناثى كإماماتهما لهم.
أما المؤذن والمقيم للنساء فلا يشترط فيهما ذكورة وعلم مما مر، أن الخنثى يسن له الاقامة لنفسه دون الاذان وذكر المقيم وتقييد الذكورة بغير النساء من زيادتي.
(وسن إدراجها) أي الاقامة أي الاسراع بها (وخفضها) وهو من زيادتي (وترتيله) أي الاذان أي التأني فيه للامر بذلك في خبر الحاكم إلا الخفض.
ولان الاذان للغائبين والاقامة للحاضرين فاللائق بكل منهما ما ذكر فيه (وترجيع فيه) أي في الاذان لوروده في خبر مسلم، وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين بخفض الصوت قبل إعادتهما برفعه، فهو اسم للاول كما في المجموع وغيره في شرح مسلم أنه للثاني.
وقضية كلام الروضة كأصلها أنه لهما وسمي بذلك لان المؤذن رجع إلى رفع الصوت بعد أن تركه أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما.
(وتثويب) بمثلثة من ثاب إذا رجع (في) أذاني (صبح) لوروده في خبر أبي داود وغيره بإسناذ جيد كما في المجموع، وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين وخرج بالصبح ما عداها فيكره فيه التثويب كما في الروضة، (وقيام فيهما) أي في الاذان والاقامة على عال إن احتيج إليه لخبر الصحيحين: يا بلال قم فناد.
ولانه أبلغ في الاعلام ووضع مسبحتيه

(1/62)


في صماخي أذنيه في الاذان، (و) لوجه (القبلة) لانها أشرف الجهات ولان توجهها هو المنقول سلفا وخلفا وذكر سن القيام والتوجه في الاقامة مع جعل كل منهما سنة مستقلة من زيادتي، وكذا قولي (وأن يلتفت بعنقه فيهما يمينا مرة في حي على الصلاة) مرتين في الاذان ومرة في الاقامة (وشمالا مرة في حي على الفلاح).
كذلك من غير تحويل صدره عن القبلة وقدميه عن مكانهما لان بلالا كان يفعل ذلك في الاذان كما في الصحيحين وقيس به الاقامة، و اختص الالتفات بالحيعلتين لانهما خطاب آدمي كالسلام من الصلاة بخلاف غيرهما.
(و) أن (يكون كل) من المؤذن والمقيم (عدلا) في الشهادة لانه يخبر بأوقات الصلوات
فهو أولى من الصبي والعبد بذلك (صيتا)، أي عالي الصوت لانه أبلغ في الاعلام (حسن الصوت) لانه أبعث على الاجابة بالحضور.
(وكرها) أي الاذان والاقامة (من فاسق) لانه لا يؤمن أن يأتي بها في غير الوقت، (وصبي) كالفاسق (وأعمى وحده) لانه ربما يغلط في الوقت وذكر الثلاثة من زيادتي (ومحدث) لخبر الترمذي لا يؤذن إلا متوضئ.
وقيس بالاذان الاقامة (و) الكراهة (لجنب أشد) منها للمحدث لغلظ الجنابة، (و) هي (في إقامة) منهما (أغلظ) منها في أذانهما لقربها من الصلاة، (وهما) أي الاذان والاقامة أي مجموعهما كما صرح به النووي في نكته وإن اقتصر في الاصل كغيره على الاذان (أفضل من الامامة).
قالوا الخبر: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة، ولانه لاعلامه بالوقت أكثر نفعا منها (وسن مؤذنان لمصلى) مسجدا أو غيره تأسيا به (صلى الله عليه وسلم) (فيؤذن واحد) للصبح (قبل فجر) بعد نصف الليل (وآخر بعده) لخبر إن بلالا يؤذن بليل السابق، فإن لم يكن إلا واحد أذن لها المرتين ندبا أيضا فإن اقتصر على مرة فالاولى أن يكون بعد الفجر وقولي لمصلى أعم من قوله لمسجد (و) سن (لسامعهما) أي لسامع المؤذن والمقيم قالوا ولو محدثا حدثا أكبر.
(مثل قولهما) لخبر مسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ويقاس بالمؤذن المقيم وهو من زيادتي (إلا في حيعلات وتثويب وكلمتي إقامة فيحولق) في كل كلمة في الاول بأن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
لقوله في خبر مسلم وإذا قال: حي على الصلاة قال أي سامعه: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
أي لا حول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
ويقاس بالاذان الاقامة، قال في المهمات والقياس أن السامع يقول في قول المؤذن: ألا صلوا في رحالكم لا حول ولا قوة إلا بالله.
والحيعلة مركبة من حي على الصلاة وحي على الفلاح

(1/63)


والحولقة من لا حول ولا قوة إلا بالله ويقال فيها الحوقلة (و) يقول في الثاني (صدقت
وبررت) مرتين لخبر ورد فيه قاله ابن الرفعة: وبررت بكسر الراء أي صرت ذا بر أي خير كثير (و) في الثالث (أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها) لوروده في خبر أبي داود وهذا من زيادتي.
والقياس أن يأتي به مرتين.
(و) سن (لكل) من مؤذن ومقيم وسامع ومستمع (أن يصلي ويسلم على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد فراغ) من الاذان أو الاقامة لخبر مسلم السابق.
ويقاس بالسامع فيه غيره ممن ذكر (ثم) يقول (اللهم رب هذه الدعوة) أي الاذان أو الاقامة (إلى آخره) تتمته كما في الاصل التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.
والتامة السالمة من تطرق نقص إليها، والقائمة أي التي ستقام والوسيلة منزلة في الجنة والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة، والذي منصوب بدلا مما قبله أو بتقدير أعني أو مرفوع خبرا لمبتدأ محذوف، وذكر ما يقال بعد الاقامة مع ذكر السلام من زيادتي.
باب بالتنوين (التوجه) للقبلة بالصدر لا بالوجه (شرط لصلاة قادر) عليه لقوله تعالى: (فول وجهك

(1/64)


شطر المسجد الحرام) أي جهته، والتوجه لا يجب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها ولخبر الشيخين أنه (صلى الله عليه وسلم) ركع ركعتين قبل الكعبة، أي وجهها.
وقال هذه القبلة مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي.
فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا، أما العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إليها ومربوط على خشبة فيصلي على حاله ويعيد وجوبا (إلا في) صلاة (شدة خوف) مما يباح من قتال أو غيره فرضا كانت أو نفلا، فليس التوجه بشرط فيها كما سيأتي في بابه للضرورة.
(و) إلا في (نفل سفر) بقيدين زدتهما بقولي (مباح لقاصد) محل (معين) وإن قصر السفر لان النفل يتوسع فيه كجوازه قاعدا للقادر (فللمسافر) سفرا مباحا (تنفل) ولو راتبا صوب مقصده كما يعلم مما يأتي (راكبا وماشيا) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به أي في جهة مقصده رواه الشيخان وفي رواية لهما غير أنه لا يصلي عليها
المكتوبة، وقيس بالراكب الماشي وخرج بما ذكر العاصي، بسفر والهائم والمقيم.
ويشترط مع ذلك ترك الفعل الكثير كركض وعدو بلا حاجة، (فإن سهل توجه راكب غير ملاح بمرقد) كهودج وسفينة في جميع صلاته (وإتمام الاركان) كلها أو بعضها، هو أعم من قوله، وإتمام ركوعه وسجوده (لزمه) ذلك لتيسره عليه (وإلا) أي وإن لم يسهل ذلك (فلا) يلزمه شئ منه (إلا توجه في تحرمه إن سهل) بأن تكون الدابة واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفها أو سائرة وبيده زمامها وهي سهلة.
فإن لم يسهل ذلك بأن تكون صعبة أو مقطورة، ولم يمكنه انحرافه عليها ولا تحريفها لم يلزمه توجه للمشقة واختلال أمر السير عليه، وخرج بزيادتي غير ملاح ملاح السفينة وهو مسيرها فلا يلزمه توجه لان تكليفه ذلك يقطعه عن النفل أو عمله.
وما ذكرته من الاستثناء الاخير هو ما ذكره الشيخان وقضيته أنه لا يلزمه التوجه في غير التحرم وإن سهل ويمكن الفرق بأن الانعقاد يحتاط له مالا يحتاط لغيره.
لكن قال الاسنوي ما ذكراه بعيد.
ثم نقل ما يقتضي خلاف ما ذكراه (ولا ينحرف) عن صوب طريقه لانه بدل عن القبلة

(1/65)


(إلا لقبلة) لانها الاصل، فإن انحرف إلى غيرها بطلت صلاته إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا أو جمحت دابته، وعاد عن قرب.
(ويكفيه إيماء) وهو أولى من قوله ويومئ (بركوعه وسجوده) حالة كونه (أخفض) من الركوع تمييزا بينهما، وللاتباع رواه الترمذي وكذا البخاري.
لكن بدون تقييد السجود بكونه أخفض وبذلك علم أنه لا يلزمه في سجوده وضع جبهته على عرف الدابة أو سرجها أو نحوه (والماشي يتمهما) أي الركوع والسجود، (ويتوجه فيهما وفي تحرمه) وفيما زدته بقولي، (وجلوسه بين سجدتيه) لسهولة ذلك عليه بخلاف الراكب وله المشي فيما عدا ذلك كما علم مما تقرر لطول زمنه أو سهولة المشي فيه (ولو صلى) شخص (فرضا) عينيا أو غيره (على دابة واقفة وتوجه) إلى القبلة (وأتمه) أي الفرض، فهو أعم من قوله وأتم ركوعه وسجوده (جاز) وإن لم تكن معقولة لاستقراره في نفسه (وإلا) بأن تكون سائرة أو لم يتوجه أو لم يتم الفرض
(فلا) يجوز لرواية الشيخين السابقة.
ولان سير الدابة منسوب إليه بدليل جواز الطواف عليها فلم يكن مستقرا في نفسه، نعم إن خاف من نزوله عنها انقطاعا عن رفقته أو نحوه صلى عليها وأعاد كما مر وبما تقرر علم أن قولي، وإلا فلا أولى من قوله أو سائرة فلا ولو صلى على سرير محمول على رجال سائرين به صح، (ومن صلى في الكعبة) فرضا أو نفلا ولو في عرصتها لو انهدمت (أو على سطحها وتوجه شاخصا منها) كعتبتها أو بابها، وهو مردود أو خشبة مبنية أو مسمرة فيها أو تراب جمع منها (ثلثي ذراع) بذراع الآدمي (تقريبا) من زيادتي (جاز)، أي ما صلاة بخلاف ما إذا كان

(1/66)


الشاخص أقل من ثلثي ذراع.
لانه سترة المصلى فاعتبر فيه قدرها وقد سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عنها فقال: كمؤخرة الرحل رواه مسلم.
وقولي شاخصا منها أعم مما ذكره (ومن أمكنه علمها) أي الكعبة بقيد زدته بقولي (ولا حائل) بينه وبينها كأن كان في المسجد أو على جبل أبي قبيس أو سطح بحيث يعاينها، (لم يعمل بغيره) أي بغير علمه من تقليد أو قبول خبر أو اجتهاد لسهولة علمها في ذلك وكالحاكم إذا وجد النص فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالتقليد والاجتهاد.
(وإلا) أي وإن لم يمكنه علمها أو أمكنه وثم حائل كجبل وبناء (اعتمد ثقة) ولو عبدا أو امرأة (يخبر عن علم) لا عن اجتهاد، كقوله أنا أشاهد الكعبة ولا يكلف المعاينة بصعود حائل أو دخول المسجد للمشقة.
وليس له أن يجتهد مع وجود إخبار الثقة وفي معناه رؤية محاريب المسلمين ببلد كبير أو صغير يكثر طارقوه، وخرج بالثقة غيره كفاسق وصبي مميز (فإن فقده) أي الثقة المذكورة (وأمكنه اجتهاد) بأن كان عارفا بأدلة الكعبة كالشمس والقمر والنجوم من حيث دلالتها عليها (اجتهد لكل فرض) بقيد زدته بقولي (إن لم يذكر الدليل) الاول إذ لا ثقة ببقاء الظن بالاول.
وتعبيري بالفرض أي العيني أولى من تعبيره بالصلاة، ومحل جواز الاجتهاد فيما إذا كان، ثم حائل أن لا يبنيه بلا حاجة وإلا فليس له الاجتهاد لتفريطه (فإن ضاق وقته) عن الاجتهاد - هذا من زيادتي - (أو تحير) المجتهد لظلمة أو تعارض أدلة أو
غير ذلك (صلى) إلى أي جهة شاء للضرورة (وأعاد) وجوبا فلا يقلد لقدرته على الاجتهاد ولجواز زوال التحير في صورته (فإن عجز عنه) أي عن الاجتهاد في الكعبة، ولم يمكنه تعلم

(1/67)


أدلتها (كأعمى) البصر أو البصيرة (قلد ثقة عارفا) بأدلتها ولو عبدا أو امرأة ولا يعيد ما صلاه بالتقليد.
(ومن أمكنه تعلم أدلتها لزمه) تعلمها كتعلم الوضوء ونحوه (وهو) أي تعلمها (فرض عين لسفر) فلا يقلد فإن ضاق الوقت عن تعلمها صلى كيف كان وأعاد وجوبا (و) فرض (كفاية لحضر) وإطلاق الاصل أنه واجب محمول على هذا التفصيل وقيد السبكي السفر بما يقل فيه العارف بالادلة.
فإن كثر كركب الحاج فكالحضر (ومن صلى باجتهاد) منه أو من مقلدة (فتيقن خطأ معينا) في جهة أو تيامن أو تياسر (أعاد) وجوبا صلاته، وإن لم يظهر له الصواب لانه تيقن الخطأ فيما يأمن مثله في الاعادة كالحاكم يحكم باجتهاد ثم يجد النص بخلافه.
احترزوا بقولهم فيما يأمن مثله في الاعادة عن الاكل في الصوم ناسيا والخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا تجب الاعادة، لانه لا يأمن مثله فيها.
(فلو تيقنه فيها استأنفها) وجوبا وإن لم يظهر له الصواب، وخرج بتيقن الخطأ ظنه.
والمراد بتيقنه ما يمتنع معه الاجتهاد، فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينة (وإن تغير اجتهاده) ثانيا (عمل بالثاني) لانه الصواب في ظنه (ولا إعادة) لما فعله بالاول لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والخطأ فيه غير معين (فلو صلى أربع ركعات لاربع جهات به) أي بالاجتهاد (فلا إعادة) لها لذلك، ولا يجتهد في محراب النبي (صلى الله عليه وسلم) يمنة ولا يسرة ولا في محاريب المسلمين جهة.

(1/68)


باب صفة (أي كيفية) الصلاة وهي تشتمل على فروض تسمى أركانا، وعلى سنن يسمى ما يجبر بالسجود منها بعضا وما لا يجبر هيئة.
وعلى شروط تأتي في بابها (أركانها) ثلاثة عشر بجعل الطمأنينة في محالها الاربعة هيئة تابعة للركن وفي الروضة سبعة عشر بعد الطمأنينة في محالها أركانا وهو
اختلاف لفظي.
وبعد المصلى ركنا على قياس عد الصائم والعاقد في الصوم والبيع ركنين تكون الجملة ثمانية عشر: أحدها: (نية) لما مر في الوضوء وهي معتبرة هنا وفي سائر الابواب (بقلب)، فلا يكفي النطق مع غفلته ولا يضر النطق بخلاف ما فيه، كأن نوى الظهر فسبق لسانه إلى غيرها (لفعلها) أي الصلاة.
ولو نفلا لتتميز عن بقية الافعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن فعلها لانه المطلوب، وهي هنا ما عدا النية لانها لا تنوي (مع تعيين ذات وقت أو سبب) كصبح وسنته لتتميز عن غيرها فلا تكفي نية صلاة الوقت (ومع نية فرض فيه) أي في الفرض ولو كفاية أو نذرا ليتميز عن النفل.
ولبيان حقيقته في الاصل وشمل ذلك المعادة نظرا لاصلها، وسيأتي بيانها في باب صلاة الجماعة وصلاة الصبي وهو ما صححه فيها في الروضة كأصلها لكنه ضعفه في المجموع وغيره وصحح خلافه بل صوبه.
قال إذ كيف ينوي الفرضية وصلاته لا تقع فرضا.
ويؤخذ جوابه من تعليلنا الثاني وبما ذكر علم أنه يكفي للنفل المطلق هو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب نية فعل الصلاة لحصوله بها.
وألحق بعضهم به تحية المسجد وركعتي الوضوء والاحرام وركعتي الطواف والاستخارة وعليه تكون مستثناة مما مر.
(وسن نية نفل فيه) أي في النفل خروجا من الخلاف، وإنما لم يجب فيه للزوم النفلية له بخلاف الفرضية للظهر ونحوها، (و) سن (إضافة لله تعالى) خروجا من الخلاف وإنما لم تجب لان العبادة لا تكون إلا له تعالى والتصريح بسن هذين من زيادتي.
(ونطق) بالمنوي (قبل التكبير) ليساعد اللسان القلب (وصح أداء بنية قضاء وعكسه) بقيد زدته بقولي (لعذر) من غيم

(1/69)


ونحوه لان كلامهما يأتي بمعنى الآخر بخلاف ما لو نواه مع علمه بخلافه، فلا يصح لتلاعبه.
(و) ثانيها: (تكبير تحرم)، سمى بذلك لان المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له من مفسدات الصلاة ودليل وجوبه خبر المسيئ صلاته، إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها رواه الشيخان وفي
رواية للبخاري ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
وفي صحيح ابن حبان بدل قوله حتى تعتدل قائما حتى تطمئن قائما (مقرونا به النية) بأن يقرنها بأوله ويستصحبها إلى آخره.
لكن النووي اختار في مجموعه وغيره تبعا للامام الغزالي الاكتفاء بالمقارنة العرفية بحيث يعد عرفا أنه مستحضر للصلاة.
(وتعين) فيه على القادر على النطق به (الله أكبر) للاتباع رواه ابن ماجه وغيره مع خبر البخاري: صلوا كما رأيتموني أصلي فلا يكفي الله كبير ولا الرحمن أكبر (ولا يضر ما لا يمنع الاسم) أي اسم التكبير (كالله الاكبر) والله الجليل أكبر والله عزوجل أكبر، (لا أكبر الله) ولا الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر.
لان ذلك لا يسمى تكبيرا، ويجب إسماع التكبير نفسه إن كان صحيح السمع ولا عارض من لغط أو نحوه.
(ومن عجز) بفتح الجيم أفصح من كسرها عن نطقه بالتكبير بالعربية.
(ترجم) عنه وجوبا بأي لغة شاء ولا يعدل إلى غيره من الاذكار (ولزمه تعلم إن قدر) عليه ولو بسفر، وبعد التعلم لا يلزمه قضاء ما صلاة بالترجمة إلا إن أخر التعلم مع التمكن منه وضاق الوقت فإنه لا بد من صلاته بالترجمة لحرمته، ويلزمه القضاء لتفريطه ويلزم الاخرس تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه، وهكذا حكم سائر أذكاره الواجبة من تشهد وغيره قال ابن الرفعة فإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كما في المريض، (وسن لامام جهر بتكبير) أي تكبير التحرم وغيره من تكبيرات الانتقالات ليسمع المأمومون أو بعضهم فيعلموا صلاته بخلاف غير الامام وهذا

(1/70)


من زيادتي.
وكإمام مبلغ احتيج إليه (و) سن (لمصل) من إمام وغيره (رفع كفيه) للقبلة مكشوفتين منشورتي الاصابع مفرقة وسطا (مع) ابتداء تكبير (تحرمه حذو) بذال معجمة أي مقابل (منكبيه)، بأن تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وذلك لخبر الشيخين: أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، أما الانتهاء ففي الروضة كأصلها.
وشرح مسلم أنه لا يسن فيه شئ بل إن فرغ منهما معا فذاك أو من أحدهما
قبل تمام الآخر أتم الآخر.
لكنه صحح في شرحي المذهب والوسيط والتحقيق استحباب انتهائهما معا.
(و) ثالثها: (قيام في فرض للقادر عليه بنفسه أو بغيره، فيجب حال التحرم به.
وخرج بالفرض النفل وسيأتي حكمه وحكم العاجز وإنما أخروا القيام عن النية والتكبير مع أنه مقدم عليهما، لانهما ركنان في الصلاة مطلقا وهو ركن في الفريضة فقط.
ولانه قبلهما فيها شرط وركنيته إنما هي معهما وبعدهما (بنصب ظهر)، ولو باستناد إلى شئ كجدار فلو وقف منحنيا أو مائلا بحيث لا يسمى قائما لم يصح، (فإن عجز) عن ذلك (وصار كراكع) لكبر أو غيره (وقف كذلك) وجوبا لقربه من الانتصاب (وزاد) وجوبا (انحناء لركوعه إن قدر) على الزيادة (ولو عجز عن ركوع وسجود) دون قيام (قام) وجوبا (وفعل ما أمكنه) في انحنائه لهما بصلبه.
فإن عجز فبرقبته ورأسه فإن عجز أومأ إليهما (أو) عجز (عن قيام) بلحوق مشقة شديدة كزيادة مرض أو خوف غرق أو دوران رأس في سفينة (قعد) كيف شاء (وافتراشه) وسيأتي بيانه في التشهد (أفضل) من تربعه وغيره لانه قعود عبادة ولانه قعود لا يعقبه سلام كالقعود للتشهد الاول، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله أفضل من تربعه.
(وكره إقعاء) في قعدات الصلاة (بأن يجلس على وركيه) أي أصل فخذيه وهو الاليان (ناصبا ركبتيه) للنهي عن الاقعاء في الصلاة رواه الحاكم وصححه.
ومن الاقعاء نوع مسنون عند جمع منهم النووي بين السجدتين.
وإن كان الافتراش أفضل منه وهو أن يفرش رجليه أي أصابعهما ويضع ألييه على عقبيه (ثم ينحي) المصلي قاعدا (لركوعه) إن قدر (وأقله أن) ينحني إلى أن (يحاذي جبهته ما أمام ركبتيه وأكمله أن) ينحني، إلى أن (يحاذي) جبهته (محل سجوده) وركوع القاعد في النفل كذلك.
(فإن عجز) المصلى المتقدم عن القعود (اضطجع) على جنبه متوجه القبلة بوجهه ومقدم بدنه وجوبا (وسن على) جنبه (الايمن) ويجوز على الايسر، لكنه مكروه بلا عذر جزم

(1/71)


به في المجموع.
وتعبير بذلك أولى من قول الاصل صلى لجنبه الايمن (ثم) إن عجز عن
الجنب (استلقى) على ظهره وأخمصاه للقبلة (رافعا رأسه) من زيادتي، بأن يرفعه قليلا بشئ ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه إن لم يكن في الكعبة وهي مسقفة والاصل في ذلك خبر البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لعمران بن حصين وكانت به بواسير: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ثم إذا صلى فيومئ برأسه في ركوعه وسجوده إن عجز عنهما، فإن عجز عن الايماء برأسه أوما بأجفانه فإن عجز أجرى أفعال الصلاة على قلبه فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا (ولقادر) على القيام (نفل قاعدا ومضطجعا).
لخبر البخاري: من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعد ويقعد للركوع والسجود وخرج بما ذكر المستلقى على قفاه وإن أتم ركوعه وسجوده لعدم وروده.
(و) رابعها: (قراءة الفاتحة كل ركعة) في قيامها أو بدله لخبر الشيخين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أي في كل ركعة لما مر في خبر المسئ صلاته (إلا ركعة مسبوق) فلا تجب فيها بمعنى أنه لا يستقر وجوبها عليه لتحمل الامام لها عنه (والبسملة) آية منها) عملا لانه (صلى الله عليه وسلم) عدها آية منها رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه.
ويكفي في ثبوتها عملا الظن (ويجب رعاية حروفها) فلو أتى قادر أو من أمكنه التعلم بدل حرف منها بآخر لم تصح قراءته لتلك الكلمة لتغييره النظم و لو نطق بقاف العرب المترددة بين القاف والكاف صحت كما جزم به الروياني وغيره، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وله أبدل ضاد بظاء لم تصح (و) رعاية (تشديداتها) الاربع عشرة لانها هيئات لحروفها المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها.
(و) رعاية (ترتيبها) بأن يأتي على نظمها المعروف لانه مناط البلاغة والاعجاز، فلو بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به ويبني على الاول أن سها بتأخيره ولم يطل الفصل ويستأنف إن تعمد أو طال الفصل (و) رعاية (موالاتها) بأن يأتي بكلماتها على الولاء للاتباع مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي (فيقطعها تخلل ذكر) وإن قل (وسكوت طال) عرفا (بلا عذر) فيهما (أو)
سكوت (قصد به قطع القراءة) لاشعار ذلك بالاعراض عن القراءة، بخلاف سكوت قصير لم يقصد به القطع أو طويل أو تخلل ذكر بعذر من جهل وسهو وإعياء، وتعلق ذكر بالصلاة كتأمينة

(1/72)


لقراءة إمامه وفتحه عليه إذا توقف فيها.
ووجهه في الذكر المذكور أنه مسنون، لكن الاحتياط استئنافها للخروج من الخلاف ولا يفتح عليه ما دام يردد الآية قاله المتولي وقولي بلا عذر من زيادتي في الثاني.
وأولى مما ذكره في الاول (فإن عجز عن جميعها) لعدم معلم أو مصحف أو غير ذلك، وهذا مراد الاصل بقوله فإن جهل الفاتحة (فسبع آيات) عدد آياتها يأتي بها (ولو متفرقة).
وإن لم تفد المتفرقة معنى منظوما إذا قرئت كما اختاره النووي في مجموعه وغيره تبعا لاطلاق الجمهور (لا تنقص حروفها) أي السبع (عنها) أي عن حروف الفاتحة وهي بالبسملة مائة وستة وخمسون حرفا بإثبات ألف مالك.
والمراد إن المجموع لا ينقص عن المجموع لا أن كل آية من البدل قدر آية من الفاتحة (ف) ان عجز عن القراءة لزمه (سبعة أنواع من ذكر أو دعاء كذلك) أي لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة واعتبار الانواع والاكتفاء بالدعاء من زيادتي.
ويجب تعلقه بالآخرة كما قاله الامام ورجحه النووي في مجموعه وغيره ولا يشترط في الذكر والدعاء أن يقصد بهما البدلية، بل الشرط أن لا يقصد بهما غيرها وإذا قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها إن لم يقدر على بدل وإلا قرأه وضم إليه من البدل ما تتم به الفاتحة مع رعاية الترتيب.
(ف) ان) عجز عن ذلك كله حتى عن ترجمة الذكر والدعاء لزمه (وقفة قدر الفاتحة) في ظنه لانه واجب في نفسه ولا يترجم عنها بخلاف التكبير لفوات الاعجاز فيها دونه (وسن عقب محرم) بفرض أو نفل (دعاء افتتاح) نحو: وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
للاتباع رواه مسلم إلا كلمة مسلما فابن حبان وفي رواية للبيهقي وأنا أول المسلمين.
وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول بما فيها
تارة لانه أول مسلمي هذه الامة وبما في الاولى أخرى وسيأتي في الجنائز أنه لا يسن في صلاتها دعاء الافتتاح، (فتعوذ) للقراءة لقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) أي: إذا أردت قراءته فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (كل ركعة) لانه يبتدئ فيها قراءة (والاولى آكد) للاتفاق عليها (وإسرار بهما) أي بدعاء الافتتاح والتعوذ في السرية والجهرية كسائر الاذكار المسنونة، (و) سن (عقب الفاتحة) بعد سكتة لطيفة لقارئها في الصلاة وخارجها (آمين) للاتباع، رواه الترمذي وغيره، في الصلاة وقيس بها خارجها.

(1/73)


(مخففا) ميمها (بمد وقصر) والمد أفصح وأشهر وهو اسم فعل بمعنى استجب مبني على الفتح، فلو شدد الميم لم تبطل صلاته لقصده الدعاء.
(و) سن (في جهرية جهر بها) للمصلى حتى للمأموم لقراءة إمامه تبعا له (وأن يؤمن) المأموم (مع تأمين إمامه) لخبر الشيخين إذا أمن الامام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
ولان المأموم لا يؤمن لتأمين إمامه بل لقراءته الفاتحة وقد فرغت.
فالمراد بقوله إذا أمن الامام إذا أراد التأمين ويوضحه خبر الشيخين إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين.
فإن لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه وإن تأخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم وخرج بزيادتي في جهرية السرية فلا جهر بالتأمين فيها ولا معية، بل يؤمن الامام وغيره سرا مطلقا (ثم) بعد التأمين سن أن (يقرأ غيره)، أي غير المأموم من إمام ومنفرد (سورة) غير الفاتحة (في) ركعتين (أوليين) جهرية كانت الصلاة أو سرية للاتباع رواه الشيخان، في الظهر والعصر وقيس بهما غيرهما (لا هو) أي المأموم فلا تسن له سورة إن سمع للنهي عن قراءة لها رواه أبو داود وغيره.
(بل يستمع) قراءة إمامه لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) (فإن لم يسمعها) لصمم أو بعد أو سماع صوت لم يفهمه أو إسرار إمامه ولو في جهرية (قرأ) سورة إذ لا معنى لسكوته وتعبيري بذلك أولى من قوله فإن بعد أو كانت سرية قرأ (فإن
سبق بهما) أي بالاوليين من صلاة إمامه، بأن لم يدركهما معه (قرأها) في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه ولا سقطت عنه لكونه مسبوقا لئلا تخلو صلاته عن السورة بلا عذر (و) أن (يطول) من تسن له سورة (قراءة أولى على ثانية) للاتباع رواه الشيخان.
نعم إن ورد نص بتطويل الثانية اتبع كما في مسألة الزحام أنه يسن للامام تطويل الثانية ليلحقه منتظر السجود (و) سن لمنفرد، وإمام (في صبح طوال المفصل) بكسر الطاء وضمها، (و) في (ظهر قريب منها) أي من طواله كما في الروضة كأصلها وغيره وهو من زيادتي والاصل أدخله فيما قبله (و) في (عصر وعشاء أوساطه) والثلاثة في الامام مقيدة بقيد زدته تبعا للمجموع وغيره بقولي (برضا) مأمومين (محصورين) أي لا يصلي وراءه غيرهم.
(و) في (مغرب قصاره) لخبر النسائي في ذلك وأول المفصل الحجرات كما صححه النووي في دقائقه وغيرها (و) في

(1/74)


(صبح جمعة) في أولى (ألم تنزيل وفي الثانية هل أتى) للاتباع رواه الشيخان.
فإن ترك ألم في الاولى سن أن يأتي بهما في الثانية.
واعلم أن أصل السنة في ذلك كله يتأدى بقراءة شئ من القرآن لكن السورة أولى حتى إن السورة القصيرة أولى من بعض سورة طويلة، وإن كان أطول كما يؤخذ من كلام الرافعي في شرحيه وقول النووي في أصل الروضة أولى من قدرها من طويلة غير واف بكلام الرافعي كما نبه عليه في المهمات.
(تنبيه): يسن لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في الصبح وأولتي العشاء والجمعة والعيدين وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلا أو وقت صبح كما يأتي بعض ذلك.
وأن يسر في غير ذلك إلا في نافلة الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الاسرار والجهر إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه ومحل الجهر والتوسط في المرأة والخنثى حيث لا يسمع أجنبي.
ووقع في المجموع ما يخالفه في الخنثى والعبرة في الجهر والاسرار في الفريضة المقضية بوقت القضاء لا بوقت الاداء قال الاذرعي ويشبه أن يلحق بها العيد والاشبه خلافه كما اقتضاه كلام المجموع في باب صلاة العيدين قبيل باب التكبير عملا بأصل
أن القضاء يحكي الاداء، ولان الشرع ورد بالجهر بصلاته في محل الاسرار فيستصحب.
(و) خامسها: (ركوع) تقدم ركوع القاعد (وأقله) للقائم (انحناء) خالص (بحيث تنال راحتا معتدل خلقه ركبتيه) إذا أراد وضعهما عليهما فلو حصل ذلك بانخناس أو به مع انحناء لم يكف.
والراحتان ما عدا الاصابع من الكفين وقولي انحناء مع معتدل خلقة من زيادتي (بطمأنينة تفصل رفعه عن هويه) بفتح الهاء أشهر من ضمها بأن تستقر أعضاؤه قبل رفعه لخبر المسئ صلاته (ولا يقصد به غيره) أي بهويه غير الركوع (كنظيره) من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين أو للتشهد.
فلو هوى لتلاوة أو سقط من اعتدال أو رفع من ركوعه أو سجوده فزعا من شئ لم يكف ذلك عن ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه لوجود الصارف فيجب العود إلى القيام ليهوي منه وإلى الركوع أو السجود ليرتفع منه، (وأكمله) مع ما مر (تسوية ظهر وعنق) كالصفحة للاتباع رواه مسلم.
(وأن ينصب ركبتيه) المستلزم لنصب ساقيه وفخذيه لانه أعون له (مفرقتين) كما في السجود.
(و) أن (يأخذهما) أي ركبتيه (بكفيه و) أن (يفرق أصابعه) كما في التحرم للاتباع رواه في الاول البخاري، وفي الثاني ابن حبان وغيره

(1/75)


(للقبلة) أي لجهتها لانها أشرف الجهات (و) أن (يكبر ويرفع كفيه كتحرمه) بأن يرفعهما مكشوفتين منشورتي الاصابع مفرقة وسطا حذو منكبيه مع ابتداء تكبيرة قائما كما مر في تكبير التحرم للاتباع فيهما رواه الشيخان.
(و) أن (يقول سبحان ربي العظيم) للاتباع رواه مسلم وأضاف إلى ذلك في التحقيق وغيره وبحمده (ثلاثا) للاتباع رواه أبو داود، فإن اقتصر على مرة أدى أصل السنة وعليه يحمل قول الروضة أقل ما يحصل به ذكر الركوع تسبيحة واحدة (و) أن (يزيد منفرد وإمام قوم محصورين راضين) بالتطويل وذكر الثاني من زيادتي (اللهم لك ركعت وبك آمنت إلى آخره) تتمته كما في الاصل ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي للاتباع رواه مسلم إلى عصبي وابن حبان إلى آخره، وزاد في الروضة كأصلها وشعري وبشري.
وأما إمام غير من ذكر فلا يزيد على
التسبيحات الثلاث تخفيفا على المأمومين، والاصل أطلق أن الامام لا يزيد على ذلك.
ومراده ما فصلته كما فصله في الروضة وغيرها وتكره القراءة في الركوع وغيره من بقية الاركان غير القيام كما في المجموع.
(و) سادسها: (اعتدال): ولو في نفل ويحصل (بعود لبدء) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه قائما كان أو قاعدا، فتعبيري بذلك أولى من قوله الاعتدال قائما (بطمأنينة) وذلك لخبر المسئ صلاته (وسن رفع كفيه) حذو منكبيه كما في التحرم (مع ابتداء رفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده)، أي تقبل الله حمده منه ولو قال من حمد الله سمع له كفى.
(و) قائلا (بعد عوده ربنا لك الحمد) أو اللهم ربنا لك الحمد وبواو فيها قبل لك (مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد) أي بعدهما كالكرسي وسع كرسيه السموات والارض.
(و) أن (يزيد من مر) أي المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل، وذكر الثاني من زيادتي (أهل) أي يا أهل (الثناء) - أي المدح - (والمجد) أي العظمة (إلى آخره) تتمته كما في الاصل أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا

(1/76)


الجد أي الغنى منك أي عندك الجد للاتباع، رواه البخاري إلى لك الحمد ومسلم إلى آخره.
ومل ء بالرفع صفة وبالنصب حال أي مالئا بتقدير كونه جسما وأحق مبتدأ ولا مانع إلى آخره، خبره وما بينهما اعتراض ويستوي في سن التسميع الامام وغيره.
وأما خبر إذا قال الامام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، معناه فقولوا ذلك مع ما علمتموه من سمع الله لمن حمده لعلمهم بقوله صلوا كما رأيتموني أصلي.
وإنما خص ربنا لك الحمد بالذكر كانوا لا يسمعونه غالبا ويسمعون سمع الله لمن حمده ويسن الجهر بالتسميع للامام والمبلغ (ثم) بعد ذلك س (قنوت في اعتدال آخره صبح مطلقا و) آخرة (سائر المكتوبات لنازلة) كوباء وقحط وعدو (و) آخرة (وتر نصف ثان من رمضان، كاللهم) هذا لرفعه إيهام تعين
القنوت الآتي أولى من قوله وهو: اللهم (اهدني فيمن هديت الخ) تتمته كما في العزيزي وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت للاتباع رواه الحاكم إلا ربنا في قنوت الصبح وصححه.
ورواه البيهقي فيه وفي قنوت الوتر وروى الشيخان في القنوت للنازلة أنه (صلى الله عليه وسلم) قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة ويقاس بالعدو غيره.
قال الرافعي وزاد العلماء فيه قبل تباركت ولا يعز من عاديت، قال في الروضة وقد جاءت في رواية للبيهقي والتصريح بكون قنوت النازلة في اعتدال آخرة صلاتها من زيادتي وفي قولي آخرة تغليب بالنسبة لاخرة الوتر لانه قد يوتر بواحدة فلا تكون آخرته (و) أن يأتي به (إمام بلفظ جمع) فيقول اهدنا، وهكذا لان البيهقي رواه كذلك فحمل على الامام وعلله النووي في أذكاره بأنه يكره للامام تخصيص نفسه بالدعاء لخبر لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه الترمذي وحسنه ويستثنى من هذا ما ورد به النص كخبر أنه (صلى الله عليه وسلم) كان إذا كبر في الصلاة يقول اللهم نقني اللهم اغسلني الدعاء المعروف.
(و) أن (يزيد) فيه (من مر) أي المنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل والتقييد بمن مر من زيادتي وتركي للتقييد بقنوت الوتر أولى من تقييده له به: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك الخ) تتمته كما في المحرر: ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك ونخلع وتترك من يفجرك اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد أي نسرع نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
رواه البيهقي بنحوه عن فعل عمر رضي الله عنه ولما كان قنوت الصبح ثابتا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قدم على هذا على الاصح

(1/77)


(ثم) بعد القنوت سن (صلاة وسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لخبر النسائي في قنوت الوتر الذي علمه النبي (صلى الله عليه وسلم) الحسن بن علي وهو ما مر مع زيادة فاء في إنك وواو في إنه بلفظ وصلى الله على النبي وألحق بها الصلاة في قنوت الصبح والنازلة وقولي وسلام من زيادتي
وجزم النووي في أذكاره بسن الصلاة والسلام على الآل.
(و) سن (رفع يديه فيه) أي فيما ذكر من القنوت وما بعده كسائر الادعية وللاتباع رواه الحاكم، وسن لكل داع رفع بطن يديه إلى السماء إن دعا بتحصيل شئ وظهرهما إليها إن دعا برفعه (لا مسح) لوجهه وغيره لعدم ثبوته في الوجه وعدم وروده في غيره، (و) أن (يجهر) به (إمام) في السرية والجهرية للاتباع رواه البخاري وغيره.
قال الماوردي ولكن جهره به دون الجهر بالقراءة والمنفرد يسر به، (و) أن (يؤمن مأموم) جهرا (للدعاء ويقول الثناء) سرا أو يستمع لامامه كما في الروضة كأصلها أو يقول أشهد كما قاله المتولي والاول أولى ودليله الاتباع رواه الحاكم، وأول الثناء إنك تقضي هذا إن سمع الامام (فإن لم يسمعه قنت) سرا كبقية الاذكار والدعوات التي لا يسمعها.
(و) سابعها: (سجود مرتين) كل ركعة (بطمأنينة) لخبر المسئ صلاته.
(ولو على محمول له) كطرف من عمامته (لم يتحرك بحركته) في قيامه وقعوده، لانه في معنى المنفصل عنه بخلاف ما يتحرك بحركته لانه كالجزء منه فإن سجد عليه عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته وإلا فلا.
لكن تجب إعادة السجود وخرج بمحمول له ما لو سجد على سرير يتحرك بحركته فلا يضر وله أن يسجد على عود بيده (وأقله مباشرة بعض جبهته) ولو شعرا نابتا بها (مصلاه) أي ما يصلي عليه بأن لا يكون عليها حائل كعصابة، فإن كان لم يصح إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة فيصح، (ويجب وضع جزء من ركبته و) من (باطن كفيه و) باطن (أصابع قدميه) في السجود لخبر الشيخين: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يجب كشفها بل يكره كشف الركبتين كما نص عليه في الام والاكتفاء بالجزء مع التقييد بالباطن من زيادتي.
(و) يجب (أن ينال) أي يصيب (مسجده) بفتح الجيم وكسرها محل سجوده (ثقل رأسه)، فإن سجد على قطن أو نحوه وجب أن يتحامل عليه حتى ينكبس ويظهر أثره في يد لو قرضت تحت ذلك.
كما يجب التحامل في بقية الاعضاء وتخصيصهم له بالجبهة لدفع

(1/78)


توهم الاكتفاء بالغالب من تمكن وضعها بلا تحامل لا لاخراح بقية الاعضاء كما توهمه الزركشي
فقال: لا يجب فيها التحامل.
(و) أن (يرفع أسافله) أي عجيزته وما حولها (على أعاليه) فلو انعكس أو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود كما لو أكب على وجهه ومد رجليه.
نعم إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه (وأكمله أن يكبر لهويه بلا رفع) ليديه (ويضع ركبتيه مفرقتين) قدر شبر (ثم كفيه) مكشوفتين (حذو منكبيه) للاتباع رواه في التكبير الشيخان.
وفي عدم الرفع البخاري، وفي البقية أبو داود وغيره (ناشرا أصابعه) مكشوفة (مضمومة) لا مفرجة (للقبلة) للاتباع رواه في النشر والضم البخاري وفي الاخير البيهقي، (ثم) يضع (جبهته وأنفه) مكشوفا للاتباع رواه أبو داود وغيره يضعهما معا كما جزم به في الروضة وأصلها.
وقال الشيخ أبو حامد هما كعضو واحد يقدم أيهما شاء (و) أن (يفرق قدميه) بقدر شبر موجها أصابعهما للقبلة (ويبرزهما من ذيله) مكشوفتين حيث لا حق، وقولي ويفرق الخ من زيادتي.
(و) أن (يجافي الرجل فيه) أي سجوده (وفي ركوعه) بأن يرفع بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه، للاتباع في رفع البطن عن الفخذين في السجود والمرفقين عن الجنبين فيه وفي الركوع رواه في الاول أبو داود وفي الثاني الشيخان وفي الثالث الترمذي.
وقيس بالاول رفع البطن عن الفخذين في الركوع (ويضم غيره) من امرأة وخنثى بعضهما إلى بعض في الركوع والسجود، لانه أستر لها وأحوط له وفي المجموع عن نص الام، أن المرأة تضم في جميع الصلاة أي المرفقين إلى الجنبين (و) أن (يقول) المصلى في سجوده (سبحان ربي الاعلى ثلاثا) للاتباع، رواه بغير تثليث مسلم وبه أبو داود (و) أن (يريد من مر) وهو المنفرد وإمام محصورين راضين بالتطويل، وذكر الثاني من زيادتي (اللهم لك سجدت الخ) تتمته كما في الاصل وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره أي منفذهما تبارك الله أحسن الخالقين للاتباع رواه مسلم زاد في الروضة بحوله وقوته قبل تارك الله (و) أن يزيد من مر (الدعاء فيه) لخبر مسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء أي في سجودكم والتقييد بمن مر من زيادتي في هذا.
(و) ثامنها (جلوس بين سجدتيه) ولو في نفل (بطمأنينة) لخبر المسئ صلاته، (ولا يطوله

(1/79)


ولا الاعتدال) لانهما غير مقصودين لذاتهما بل للفصل وسيأتي حكم تطويلهما في باب سجود السهو (وسن) له (أن يكبر) مع رفع رأسه من سجوده بلا رفع ليديه، (و) أن (يجلس مفترشا) كما سيأتي للاتباع رواه في الاول الشيخان وفي الثاني الترمذي وقال حسن صحيح (واضعا كفيه) على فخذيه (قريبا من ركبتيه)، بحيث تسامتهما رؤوس الاصابع (ناشرا أصابعه) مضمومة للقبلة كما في السجود (قائلا رب اغفر لي الخ) تتمته كما في الاصل وارحمني وأجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني للاتباع روى بعضه أبو داود وباقية ابن ماجه (و) سن (بعد) سجدة (ثانية) لا بعد سجود تلاوة (يقوم عنها) بأن لا يعقبها تشهد (جلسة خفيفة) تسمى جلسة الاستراحة، للاتباع رواه البخاري وما ورد مما يخالفه غريب ولو صح حمل ليوافق غيره على بيان الجواز.
(و) سن له (أن يعتمد في قيامه من سجود وقعود على كفيه) أي بطنهما على الارض، لانه أعون له وللاتباع في الثاني.
رواه البخاري.
(و) تاسعها وعاشرها وحادي عشرها (تشهد وصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعده وقعود لهما وللسلام إن عقبها سلام).
لما روى الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن مسعود، قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله الخ.
والمراد فرضه في الجلوس آخر الصلاة لما يأتي وهو محله فيتبعه في الوجوب ومثله الجلوس للصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وللسلام ووجوب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد التشهد، ثابت بقوله تعالى: (صلوا عليه) وبالامر بها في خبر الصحيحين وأولى أحوال وجوبها الصلاة قالوا وقد أجمعوا على أنها لا تجب خارجها والمناسب لها منها التشهد آخرها فتجب بعده كما صرح به في المجموع وغيره وهو الموافق لما يأتي في الترتيب وأما عدم ذكر الثلاثة في خبر المسئ صلاته فمحمول على أنها كانت معلومة له ولهذا لم يذكر له النية والسلام (وإلا) أي وإن لم يعقبها سلام (فسنة) فلا تجب لانه (صلى الله عليه وسلم) قام من ركعتين من
الظهر ولم يجلس، فلما قضى صلاته كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل السلام ثم سلم رواه الشيخان دل عدم تداركه على عدم وجوب شئ منها، وقولي بعده أولى ما ذكره وذكر القعود للصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وللسلام من زيادتي

(1/80)


(كصلاة على الآل) فإنها سنة (في) تشهد (آخر) للامر به في خبر الشيخين دون أول لبنائه على التخفيف، (وكيف قعد) في قعدات الصلاة (جازو) لكن (سن في) قعود (غير) تشهد (آخر لا يعقبه سجود) كقعود بين السجدتين أو للاستراحة أو للتشهد الاول أو للآخر لكن يعقبه سجود سهو (افتراش بأن يجلس على كعب يسراه) بحيث يلي ظهرها الارض (وينصب يمناه ويضع أطراف أصابعه) منها (للقبلة وفي الآخر) وهو الذي لا يعقبه سجود (تورك وهو كالافتراش لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالارض) للاتباع في بعض ذلك رواه البخاري وغيره وقياسا في البقية.
والحكمة في ذلك أن المصلى مستوفز في الاول للحركة ببدنه بخلافه في الثاني والحركة عن الافتراش أهون وتعبيري بسن الخ أعم من قوله ويسن في الاول الخ (و) سن (أن يضع في قعود تشهديه يديه على طرف ركبتيه) بأن يضع يسراه على طرف اليسرى بحيث تسامته رؤوسها، ويضع يمناه على طرف اليمنى وهذه من زيادتي، (ناشرا أصابع يسراه) بضم بأن لا يفرج بينها لتتوجه كلها إلى القبلة (قابضها من يمناه إلا المسبحة) بكسر الباء وهي التي تلي الابهام فيرسلها (ويرفعها) مع إمالتها قليلا (عند قوله إلا الله) للاتباع في ذلك في غير الضم.
رواه مسلم وغيره ويديم رفعها ويقصد من ابتدائه بهمزة إلا الله أن المعبود واحد فيجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله، (ولا يحركها) للاتباع رواه أبو داود فلو حركها كره ولم تبطل صلاته (والافضل قبض الابهام بجنبها) بأن يضعها تحتها على طرف راحته للاتباع رواه مسلم.
فلو أرسلها معها أو قبضها فوق الوسطى أو حلق بينهما برأسيهما أو بوضع أنملة الوسطى بين عقدتي الابهام، أتى بالسنة.
لكن ما ذكر أفضل (وأكمل التشهد مشهور) ورد فيه أخبار صحيحة اختار الامام الشافعي رضي الله عنه منها
خبر ابن عباس، قال كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا التشهد فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله رواه مسلم (وأقله) ما رواه الامام الشافعي والترمذي.
وقال فيه حسن صحيح (التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله

(1/81)


وبركاته) أي عليك (سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) وهم القائمون بما عليهم من حقوق لله تعالى وحقوق العباد (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أو) أن محمدا (عبده ورسوله) وهو من زيادتي.
إذ ما بعد التحيات من الكلمات الثلاث توابع لها وقد سقط أولاها في خبر غير ابن عباس وجاء في خبره سلام في الموضعين بالتنوين وتعريفه أولى من تنكيره لكثرته في الاخبار.
وكلام الامام الشافعي ولزيادته وموافقته سلام التحلل.
والتحية ما يحيا به من سلام وغيره والقصد الثناء على الله تعالى، بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق والمباركات الناميات والصلوات المكتوبات الخمس وقيل الدعاء بخير والطيبات الصالحات للثناء على الله تعالى، وفي باب الاذان من الرافعي أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يقول في تشهده وأشهد أني رسول الله ولو أخل بترتيب التشهد.
قال في الروضة كأصلها نظر إن غير تغييرا مبطلا للمعنى لم يحسب ما جاء به وإن تعمده بطلت صلاته.
وإن لم يبطل المعنى أجزأه على المذهب (وأقل الصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلم (وآله اللهم صل وعلى محمد وآله) ونحوه كصلى الله على محمد دون أحمد أو عليه على الصحيح (وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الخ) أي كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وفي بعض طرق الحديث زيادة على ذلك، ونقص عنه وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وخص إبراهيم بالذكر لان الرحمة والبركة لم تجتمعا لنبي غيره، قال تعالى: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، وحميد بمعنى محمود ومجيد بمعنى ما جدوهو من كمل شرفا وكرما (وهو) أي الاكمل
(سنة في) تشهد (آخر) لا في أول لبنائه على التخفيف كما مر (كدعاء) من المصلي بديني أو دنيوي فإنه سنة (بعده)، أي بعد التشهد الآخر بما اتصل به من الصلاة المذكورة لخبر إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله إلى آخرها ثم ليتخير من المسألة ما شاء أو ما أحبه رواه مسلم وروى البخاري ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به أما التشهد الاول فلا يسن بعده الدعاء لما مر (ومأثوره) أي منقوله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) (أفضل) من غيره (ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت

(1/82)


الخ) أي وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
للاتباع رواه مسلم وروى أيضا كالبخاري: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وروى البخاري اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (و) سن (أن لا يزيد إمام على قدر التشهد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن الافضل كما في الروضة كأصلها أن يكون أقل منهما لانه تبع لهما فإن زاد عليهما لم يضر، لكن يكره له التطويل بغير رضا المأمومين وخرج بالتقييد بالامام غيره فيطيل ما أراد ما لم يخف وقوعه به في سهو كما جزم به، جمع ونص عليه في الام وقال إن لم يزد على ذلك كرهته وممن جزم به النووي في مجموعه فإنه ذكر النص ولم يخالفه (ومن عجز عنهما أو عن دعاء وذكر مأثورين) كالتشهد الاول والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعده والقنوت وتكبيرات الانتقالات والتسبيحات (ترجم) عنها وجوبا في الواجب وندبا في المأثور بأي لغة شاء، لعذره بخلاف القادر ويجب في الواجب التعلم إن قدر عليه ولو بالسفر كما مر نظيره في تكبير التحرم، فلو ترجم القادر بطلت صلاته أما غير المأثورين بأن اخترع دعاء وذكر بالعجمية في الصلاة فلا يجوز كما نقله الرافعي عن الامام تصريحا في الاولى واقتصر عليها في الروضة، وإشعارا في الثانية بل تبطل به صلاته فتعبيري بالمأثور أولى من
تعبيره بالمندوب.
(و) ثاني عشرها: (سلام) لخبر مسلم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (وأقلها السلام عليكم أو عكسه) وهو عليكم السلام لتأديته، معنى ما قبله لكنه مكروه وهذا من زيادتي، فلا يجزئ نحو سلام عليكم لعدم وروده بل هو مبطل إن تعمد (وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين) مرة (شمالا ملتفتا فيها حتى يرى خده الايمن) في الاولى (فالايسر) في الثانية للاتباع في ذلك راوه ابن حبان وغيره.
ويبتدئ السلام فيهما متوجه القبلة وينهيه مع تمام الالتفات (ناويا السلام على من التفت) هو (إليه من ملائكة ومؤمني إنس وجن) أي ينويه بمرة اليمين على من عن يمينه وبمرة اليسار على من عن يساره (وينويه على من خلفه وأمامه بأيهما شاء).
والاولى أولى (و) ينوي (مأموم الرد على من سلم عليه) من إمام ومأموم فينويه على من على يمين

(1/83)


المسلم بالتسليمة الثانية، ومن على يساره بالاولى ومن خلفه وأمامه بأيهما شاء والاصل في ذلك خبر علي كرم الله وجهه: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا وقبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين رواه الترمذي.
وحسنه وخبر سمرة أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نرد على الامام وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعض رواه أبو داود وغيره، ويسن للمأموم كما في التحقيق أن لا يسلم إلا بعد فراغ الامام من تسليمتيه والتقييد بالمؤمنين مع ذكر سلام الامام على غير المقتدين من إمامه وخلفه وسلام غيره على من أمامه وخلفه، ومع ذكر رد المأموم على غير الامام من زيادتي.
(وسن نية خروج) من الصلاة بالتسليمة الاولى خروجا من الخلاف في وجوبها، والتصريح بالسنية من زيادتي.
(و) ثالث عشرها (ترتيب) بين الاركان المتقدمة (كما ذكر) في عدها المشتمل على قرن النية بالتكبير وجعلها مع القراءة في القيام، وجعل التشهد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) والسلام في القعود.
فالترتيب مراد فيما عدا ذلك ومنه الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنها بعد التشهد كما مر
وعده من الاركان، بمعنى الفروض صحيح، وبمعنى الاجزاء فيه تغليب ودليل وجوبه الاتباع مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي.
(فإن تعمد تركه ب) - تقديم ركن (فعلى) هو أعم من قوله بأن سجد قبل ركوعه (أو سلام من زيادتي بكأن ركع قبل قراءته أو سجد أو سلم قبل ركوعه (بطلت) صلاته لتلاعبه بخلاف تقديم قولي غير سلام، كأن صلى على النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل التشهد، أو تشهد قبل السجود فيعيد ما قدمه (أو سها فما) فعله (بعد متروكه لغو) لوقوعه في غير محله.
(فإن تذكر) متروكه (قبل فعل مثله فعله وإلا) أي وإن لم يتذكره حتى فعل مثله في ركعة أخرى (أجزأه) عن متروكه (وتدارك الباقي) من صلاته.
نعم إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزه، (فلو علم في آخر صلاته) أو بعد سلامه لم يطل الفصل (ترك سجدة من) ركعة (آخرة سجد ثم تشهد) لوقوع تشهده قبل محله (أو من غيرها أو شك) في أنها من آخرة أو من غيرها (لزمه ركعة) فيهما، لان الناقصة كملت بسجدة من التي بعدها ولغا باقيها في الاولى، وأخذ بالاحوط في الثانية (أو علم في قيام ثانية)، مثلا (ترك سجدة) من الاولى (فإن كان جلس بعد

(1/84)


سجدته) التي فعلها ولو بنية جلوس بعد استراحة (سجد) من قيامه اكتفاء بجلوسه.
(وإلا) أي وإن لم يكن جلس بعد سجدته (فليجلس مطمئنا) ليأتي بالركن بهيئته (ثم يسجدوا) أو علم (في آخر رباعية ترك سجدتين أو ثلاث جهل محلها) أي الخمس فيهما، (وجب ركعتان) أخذا بالاسوأ وفي المسألة الاولى ترك سجدة من الركعة الاولى، وسجدة من الثالثة فينجبران بالثانية والرابعة ويلغو باقيها وفي المسألة الثانية ترك ذلك، وسجدة من ركعة أخرى (أو أربع) جهل محلها (فسجدة) تجب (ثم ركعتان) لاحتمال أنه ترك سجدتين من الاولى، وسجدة من الثانية وسجدة الرابعة.
فالحاصل له ركعتان إلا سجدة إذ الاولى تتم بسجدتين من الثانية والثالثة والرابعة ناقصة سجدة، فيتمها ويأتي بركعتين (أو خمس أو ست) جهل محلها (فثلاث) أي ثلاث ركعات لاحتمال أنه في الخمس ترك سجدتين من الاولى وسجدتين من الثانية، وسجدة من
الثالثة فتتم الاولى بسجدتين من الثالثة والرابعة، وأنه في الست ترك سجدتين من كل ثلاث ركعات، (أو سبع جهل محلها فسجدة ثم ثلاث) أي ثلاث ركعات.
لان الحاصل له ركعة إلا سجدة وفي ثمان سجدات تجب سجدتان، وثلاث ركعات ويتصور بترك طمأنينة أو بسجود على عمامة وكالعلم بترك ما ذكر الشك فيه (ولا يكره) على المختار عنده (تغميض عينيه إن لم يخف) منه (ضررا).
إذ لم يرد فيه نهي فإن خافه كره (وسن إدامة نظر محل سجوده) لانها أقرب إلى الخشوع، نعم يسن كما في المجموع في التشهد أن لا يجاوز بصره إشارته لحديث فيه (وخشوع) وهو حضور القلب وسكون الجوارح لآية: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (وتدبر قراءة) أي تأملها قال الله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) (و) تدبر (ذكر) قياسا على القراءة (ودخول صلاته بنشاط) للذم على ضد ذلك قال تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) (وفراغ قلب) من الشواغل لانه أقرب إلى الخشوع (وقبض) في قيام أو بذله (بيمين كوع يسار) وبعض ساعدها ورسغها (تحت صدره) فوق سرته للاتباع روى بعضه مسلم وبعضه ابن خزيمة والباقي أبو داود.
وقيل يتخير بين بسط أصابع اليمين في عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد، والقصد من القبض المذكور

(1/85)


تسكين اليدين فإن أرسلهما ولم يعبث فلا بأس نص عليه في الام والكوع وهو من زيادتي العظم الذي يلي إبهاما ليد والرسغ والمفصل بين الكف والساعد (وذكر ودعاء) وهو من زيادتي (بعدها) أي الصلاة.
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أسلم منها قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد رواه الشيخان.
وقال (صلى الله عليه وسلم): من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى قوله قدير غفرت خطاياه
وإن كانت مثل زبد البحر، وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا، وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام رواهما مسلم.
وسئل النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الاجابة قال: جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات.
رواه الترمذي.
ويكون كل منهما سرا لكن يجهر بهما إمام يريد تعليم مأمومين فإذا تعلموا أسر (وانتقال لصلاة من محل أخرى) تكثيرا لمواضع السجود، فإنها تشهد له.
وتعبيري بذلك أعم من قوله، وأن ينتقل للنفل من موضع فرضه قال في المجموع وغيره فإن لم ينتقل فليفصل بكلام إنسان (و) انتقاله (لنفل في بيته أفضل) لخبر الصحيحين: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
ويستثنى نفل يوم الجمعة قبلها وركعتا الطواف وركعتا الاحرام، حيث كان في الميقات مسجد وزيد عليها صور ذكرتها في شرح الروض (ومكث رجال لينصرف غيرهم) من نساء وخناثى للاتباع في النساء رواه البخاري وقيس بهن الخناثى وذكرهم من زيادتي، والقياس مكثهم لينصرفن وانصرافهم بعدهن فزادى وهذا أولى من قول المهمات، والقياس استحباب انصرافهم فرادى إما قبل النساء أو بعدهن.
(وانصراف لجهة حاجة) له أي جهة كانت (وإلا فيمين) بالجر.
أي وإن لم يكن للمصلى حاجة فينصرف لجهة يمينه لانها أفضل (وتنقضي قدوة بسلام إمام) التسليمة الاولى لخروجه

(1/86)


من الصلاة بها، فلو سلم المأموم قبلها عامدا بطلت صلاته إن لم ينو المفارقة، (فلمأموم) موافق (أن يشتغل بدعاء ونحوه) كسجود سهو لانقطاع القدوة (ثم يسلم)، وله أن يسلم في الحال أما المسبوق فإن كان جلوسه مع الامام في محل تشهده الاول فكذلك مع كراهة تطويله وإلا فيقوم فورا بعد التسليمة الثانية، فإن قعد عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته (ولو اقتصر إمامه على تسليمة سلم) هو (اثنتين) إحرازا لفضيلة الثانية، ولخروجه عن متابعته بالاولى بخلاف التشهد الاول لو تركه إمامه لا يأتي به لوجوب متابعته قبل السلام.
(ولو مكث) بعدها
لذكر ودعاء (فالافضل جعل يمينه إليهم) ويساره إلى المحراب للاتباع رواه مسلم وهذا من زيادتي وصرح به في المجموع.
باب بالتنوين (شروط الصلاة) جمع شرط بالاسكان.
وهو لغة تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل ويعبر عنه بإلزام الشئ والتزامه واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده ولا عدم لذاته، فشروط الصلاة ما يتوقف عليها صحة الصلاة وليست منها وهي تسعة بالاكتفاء عن الاسلام بطهر الحدث، وبجعل انتفاء المانع شرطا تجوزا على ما في المجموع وحقيقة على ما مال إليه الرافعي: أحدها: (معرفة دخول (وقت) يقينا أو ظنا.
فمن صلى بدونها لم تصح صلاته، وإن وقعت في الوقت.
(و) ثانيها: (توجه) للقبلة وقد تقدم بيانه مع ما قبله في كتاب الصلاة.
(و) ثالثها: (ستر عورة) ولو خاليا في ظلمة (بما) أي بجرم (يمنع إدراك لونها من أعلى وجوانب) لها لا من أسفلها فلو ريئت من ذيله كأن كان بعلو والرائي أسفل لم يضر ذلك.
(ولو) سترها (بطين ونحو ماء كدر) كماء صاف متراكم بخضرة، فعلم أنه يجب التطيين أو نحوه على فاقد الثوب ونحوه.
وأنه لو كان بحيث ترى عورته من طوقه في ركوع أو غيره بطلت عندهما فليزره أو يشد وسطه ونحوه من زيادتي.
(وعورة رجل) حرا كان أو عيره (ومن بهارق) ولو مبعضة (ما بين سرة وركبة) لخبر البيهقي وإذا زوج أحدكم أمته عبدة، أو أجيره فلا تنظر الامة إلى عورته والعورة ما بين السرة والركبة وقيس بالرجل من بهارق بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة، وتعبيري بذلك أعم

(1/87)


من تعبيره بالامة.
(و) عورة (حرة غير وجه وكفين) ظهرا وبطنا إلى الكوعين لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وهو مفسر بالوجه والكفين وإنما لم يكونا عورة لان الحاجة تدعو إلى إبرازهما (وخنثى كأنثى) رقا وحرية هذا من زيادتي.
فلو اقتصر الخنثى الحر على ستر ما بين سرته وركبته لم تصح صلاته، (وله) - أي المصلى - (ستر بعضها بيد) لحصول مقصود الستر (فإن وجد كافيه) أي بعضها (قدم) وجوبا (سوأتيه) أي قبله ودبره لانهما
أفحش من غيرهما.
وسميا سوأتين لان انكشافهما يسوء صاحبهما، (ثم) إن لم يكفهما قدم (قبله) لانه متوجه به إلى القبلة فكان ستره أهم تعظيما لها ولان الدبر مستور غالبا بالاليين.
(و) رابعها: وهو من زيادتي (علم بكيفيتها) أي الصلاة بأن يعلم فرضيتها ويميز فروضها من سننها نعم إن اعتقدها كلها فرضا أو بعضها ولم يميز وكان عاميا ولم يقصد نفلا بفرض صحت.
(و) خامسها: (طهر حدث) عند القدرة فلا تنعقد صلاة محدث (فإن سبقه) الحدث بعد إحرامه متطهرا (بطلت) صلاته لبطلان طهارته كما لو تعمده.
(وتبطل) أيضا (بمناف) لها (عرض) كانتهاء مدة خف وتنجس ثوب أو بدن بما لا يعفى عن.
(لا) إن عرض (بلا تقصير) من المصلى كأن كشف الريح عورته أو وقع على ثوبه نجس رطب أو يابس (ودفعه حالا) بأن ستر العورة وألقى الثوب في الرطب ونفضه في اليابس فلا تبطل صلاته ويغتفر هذا العارض اليسير.
(و) سادسها: (طهر نجس) لا يعفى عنه (في محمول وبدن وملاقيهما) فلا تصح الصلاة معه في واحد منها وتعبيري بالمحمول والملاقي أعم من تعبيره بالثوب والمكان وإن فهم المراد مما يأتي (و لو نجس) بفتح الجيم وكسرها (بعض شئ منها) أي من الثلاثة (وجهل) ذلك البعض في جميع الشئ (وجب غسل كله) لتصح صلاته معه إذ الاصل بقاء النجاسة ما بقي جزء منه بلا غسل.
وعلم بذلك أنه لو ظن باجتهاد طرفا من ذلك نجسا لم يكف غسله لان الواحد ليس محلا للاجتهاد بل يجب غسل الجميع حتى لو تنجس أحد كمين وجهله وجب غسلهما فلو فصلهما أو أحدهما كفى غسل ما ظن نجاسته بالاجتهاد كالثوبين.
ولو كان النجس في مقدم الثوب مثلا وجهل محله وجب غسل مقدمه فقط، (ولو غسل بعض نجس) كثوب (ثم) غسل (باقيه فإن غسل مع مجاوره) مما غسل أولا (طهر) كله (وإلا) بأن غسل دون مجاوره (فغير المجاور يطهر، والمجاور نجس بملاقاته وهو رطب لنجس وإنما لم ينجس

(1/88)


بالمجاور ومجاوره الرطب، وهكذا لان نجاسة المجاور لا تتعدى إلى ما بعده كالسمن الجامد ينجس منه ما حول النجاسة فقط، وتعبيري ببعض أعم من تعبيره بنصف.
(ولا تصح صلاة نحو قابض) كشادبيد أو نحوها (طرف) شئ كحبل (متصل بنجس) وإن لم يتحرك بحركته لانه حامل لمتصل بنجس، فكأنه حامل له فلا يضر جعل طرفه تحت رجله وإن تحرك بحركته لعدم حمله له ولو كان طرفه متصلا بساجور كلب وهو ما يجعل في عنقه أو بحمار به نجس في محل آخر بطلت صلاته على الاصح.
قال في المجموع ولو حبس بمكان نجس صلى وتجافى عن النجس قدر ما يمكنه ولا يجوز وضع جبهته بالارض بل ينحني للسجود إلى قدر لو زاد عليه لاقى النجس ثم يعيد ونحو من زيادتي (ولا يضر نجس يحاذيه) لعدم ملاقاته له وقولي يحاذيه أعم من قوله يحاذي صدره في الركوع والسجود (ولو وصل عظمه) بقيد زدته بقولي (لحاجة) إلى وصله (بنجس) من عظم (لا يصلح) للوصل (غيره)، هو أولى من قوله لفقد الطاهر (عذر) في ذلك فتصح صلاته معه، قال في الروضة كأصلها ولا يلزمه نزعه إذا وجد الطاهر.
قال السبكي تبعا للامام وغيره إلا إذا لم يخف من النزع ضررا، (وإلا) بأن لم يحتج أو وجد صالحا غيره من غير آدمي (وجب) عليه (نزعه) أي النجس، وإن اكتسى لحما (إن أمن) من نزعه (ضرارا يبيح التيم ولم يمت) لحمله نجسا تعدى بحمله مع تمكنه من إزالته كوصل المرأة شعرها بشعر نجس.
فإن امتنع لزم الحاكم نزعه لانه مما تدخله النيابة كرد المغصوب، فإن لم يأمن الضرر أو مات قبل النزع لم يجب نزعه رعاية لخوف الضرر في الاول ولعدم الحاجة إليه في الثاني لزوال التكليف.
(وعفى عن محل استجماره) في الصلاة ولو عرق لجواز الاقتصار فيه على الحجر (وفي حقه) لا في حق غيره.
فلو حمل مستجمرا في صلاته بطلت إذ لا حاجة إلى حمله فيهل، (و) عفى (عما عسر) هو أولى من قوله يتعذر (الاحتراز منه غالبا من طين شارع نجس يقينا) لعسر تجنبه بخلاف ما لا يعسر الاحتراز منه غالبا.
(ويختلف) المعفو عنه (وقتا ومحلا من ثوب وبدن) فيعفى في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في زمن الصيف، وفي الذيل والرجل عما لا يعفى عنه في الكم واليد أما الشوارع التي لم تتيقن نجاستها فمحكوم بطهارته وإن ظن نجاستها عملا بالاصل.
(و) عفى عن (دم نحو

(1/89)


براغيث ودماميل) كقمل وجروح (ودم فصد وحجم بمحلهما وونيم ذباب) أي روثه وإن كثر ذلك ولو بانتشار عرق لعموم البلوى بذلك (لا إن كثر بفعله) من زيادتي.
فإن كثر بفعله كأن قتل براغيث أو عصر الدم، لم يعف عن الكثير عرفا كما هو حاصل كلام الرافعي والمجموع والعفو عن الكثير في المذكورات مقيد باللبس لما قال في التحقيق، لو حمل ثوب براغيث أو صلى عليه إن كثر دمه ضر وإلا فلا ومثله ما لو كان زائدا على تمام لباسه.
قاله القاضي ويقاس بذلك البقية، واعلم أن دم البراغيث رشحات تمصها من بدن الانسان ثم تمجها وليس لها دم في نفسها، ذكره الامام وغيره وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به.
(و) عفى عن (قليل دم أجنبي) لعسر تجنبه بخلاف كثيرة ويعرفان بالعرف (لا) عن قليل دم (نحو كلب) لغلظه وهذا من زيادتي وصرح به صاحب البيان ونقله عنه في المجموع وأقره (وكالدم) فيما ذكر (قيح) وهو مدة لا يخالطها دم (وصديد)، وهو ماء رقيق يخالطه دم لانه أصلهما (وماء جروح ومتنفط له ريح) قياسا على القيح والصديد.
أما ماء لا ريح له فطاهر كالعرق خلافا للرافعي (ولو صلى بنجس) غير معفو عنه (لم يعلمه أو) علمه ثم (نسي) فصلى ثم تذكر (وجبت الاعادة) في الوقت أو بعده لتفريطه بترك التطهير وتجب إعادة كل صلة تيقن فعلها مع النجس بخلاف ما احتمل حدوثه بعدها، فلا تجب إعادتها لكن تسن كما قاله في المجموع.
(و) سابعها: (ترك نطق) عمدا بغير قرآن وذكر ودعاء على ما سيأتي (فتبطل بحرفين) أفهما أو لا كقم وعن (ولو في نحو تنحنح) كضحك وبكاء وأنين ونفخ وسعال وعطاس فهو أعم مما عبر به.
(وبحرف مفهم) كق من الوقاية وإن أخطأ يحذف هاء السكت (أو) حرف (ممدود) لان المدة ألف أو واو أو ياء سواء كان ذلك لمصلحة الصلاة كأن قام إمامه لزائد فقال له: اقعد أم لا والاصل في ذلك خبر مسلم إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس والكلام يقع على المفهم وغيره الذي هو حرفان وتخصيصه بالمفهم اصطلاح للنحاة.
ويستثنى من ذلك إجابة النبي (صلى الله عليه وسلم) في حياته ممن ناداه والتلفظ بقربة كنذر وعتق بلا تعليق وخطاب.
(ولو) كان الناطق
بذلك (مكرها) لندرة الاكراه فيها (لا بقليل كلام) حالة كونه (ناسيا لها) أي الصلاة (أو سبق) إليه (لسانه أو جهل تحريمه) فيها وإن علم تحريم جنس الكلام فيها (وقرب إسلامه أو بعد عن العلماء) بخلاف من بعد إسلامه وقرب من العلماء لتقصيره بترك التعلم

(1/90)


(و لا بتنحنح لتعذر ركن قولي) لا لتعذر غيره كجهر، لانه ليس بواجب فلا ضرورة إلى التنحنح له (ولا بقليل نحوه) أي نحو التنحنح من ضحك وغيره (لغلبة) وخرج بقليله وقليل ما مر كثيره، لانه يقطع نظم الصلاة وقولي أو بعد عن العلماء من زيادتي.
وكذا التقييد في الغلبة بالقليل وتعرف القلة والكثرة بالعرف وقولي ركن قولي أعم وأولى من تعبيره بالقراءة (ولا) تبطل (بذكر ودعاء) غير محرم (إلا أن يخاطب) بهما كقوله لغيره سبحان ربي وربك أو لعاطس رحمك الله فتبطل به بخلاف رحمه الله وخطاب الله ورسوله كما علم من أذكار الركوع وغيره وذكرت في شرح الروض وغيره زيادتي على ذلك (ولا بنظم قرآن بقصد تفهيم وقراءة): ك (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) مفهما به من يستأذن في أخذ شئ أن يأخذه كما لو قصد القراءة فقط.
فإن قصده فقط أو لم يقصد شيئا، بطلت لانه يشبه كلام الآدميين ولا يكون قرآنا إلا بالقصد وخرج بنظم القرآن ما لو أتى بكلمات منه متوالية مفرداتها فيه دون نظمه كقوله: يا إبراهيم سلام كن فتبطل صلاته، فإن فرقها وقصد بها القراءة لم تبطل به نقله في المجموع عن المتولي وأقره (ولا بسكوت طويل) ولو عمدا بلا غرض لانه لا يخرم هيئتها وسيأتي في الباب الآتي أن تطويل الركن القصير يبطل عمده (وسن لرجل تسبيح) أي قوله سبحان الله (ولغيره) من امرأة وخنثى (تصفيق) بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهر كف على بطن أخرى، (لا) بضرب (بطن) منها (على بطن) من أخرى بل إن فعله لاعبا عالما بتحريمه بطلت صلاته.
وإن قلنا لمنافاته الصلاة وإنما يسن ذلك لهما (إن نابهما شئ) في صلاتهما كتنبيه إمامهما على سهو وإذنهما لداخل وإنذارهما أعمى خشيا وقوعه في محذور.
والاصل في ذلك خبر الصحيحين من نابه
شئ في صلاته فليسبح وإنما التصفيق للنساء ويعتبر في التسبيح أن يقصد به الذكر ولو مع التفهم كنظيره السابق في القراءة وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به.
ولو صفق الرجل وسبح غيره جاز مع مخالفتهما السنة، والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبيه، وإلا فإنذار الاعمى ونحوه واجب فإن لم يحصل الانذار إلا بالكلام أو بالفعل المبطل وجب وتبطل الصلاة به على الاصح.
(و) ثامنها: ترك (زيادة ركن فعلى عمدا) فتبطل به صلاته لتلاعبه بخلافها سهوا، لانه (صلى الله عليه وسلم) صلى الظهر خمسا وسجد للسهو ولم يعدها رواه الشيخان.
ويغتفر القعود اليسير قبل السجود

(1/91)


وبعد سجدة التلاوة وسيأتي في صلاة الجماعة أنه لو اقتدى بمن اعتدل من الركوع أنه يلزمه متابعته في الزائد، وأنه لو ركع أو سجد قبل إمامه وعاد إليه لم يضر.
وخرج بالفعلي القولي كتكرير الفاتحة وسيأتي في الباب الآتي (وترك فعل فحش) كوثبة فتبطل به ولو سهوا صلاته لمنافاته لها، وهذا أولى من قوله.
وتبطل بالوثبة الفاحشة (أو) فعل (كثر من غير جنسها) في غير شدة خوف (عرفا) كثلاث خطوات (ولاء) فتبطل به ولو سهوا صلاته، لذلك بخلاف القليل كخطوتين والكثير المتفرق، لانه (صلى الله عليه وسلم) صلى وهو حامل أمامة فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها رواه الشيخان.
وكالكثير ما لو نوى ثلاثة أفعال ولاء وفعل واحدا منها صرح به العمراني ويستثنى من القليل الفعل بقصد اللعب فتبطل به كما مر (لا إن خف) الكثير كتحريك أصابعه مرارا بلا حركة كفه في سبحة إلحاقا له بالقليل.
فإن حرك كفه فيه ثلاثا ولاء بطلت صلاته (أو اشتد جرب) بأن لا يقدر معه على عدم الحك فلا تبطل بتحريك كفه للحك ثلاثا ولا للضرورة وهذا من زيادتي، وبها صرح القاضي وغيره.
(و) تاسعها: (ترك مفطر أكل كثير أو بإكراه) فتبطل بكل منها وإن كان الاول والثالث قليلين كبلع ذوب سكرة، والثاني مفرقا سهوا أو جهلا بحرمته لاشعار الاولين بالاعراض عنها وندور الثالث والمضغ من الافعال فتبطل بكثيره وإن لم يصل إلى الجوف شئ من الممضوغ
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به.
وسن أن يصلي لنحو جدار (كعمود (ثم) إن عجز عنه فلنحو (عصا مغروزة) كمتاع للاتباع رواه الشيخان.
ولخبر استتروا في صلاتكم ولو بسهم رواه الحاكم وقال على شرط مسلم (ثم) إن عجز عن ذلك (يبسط مصلي) كسجادة بفتح السين.
(ثم) إن عجز عنه (يخط أمامه) خطا طولا كما في الروضة روى أبو داود خبر إذا صلى أحدكم، فليجعل أمام وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه وقيس بالخط المصلى، وقدم على الخط لانه أظهر في المراد (وطولها) أي المذكورات (ثلثا ذراع) فأكثر (وبينهما)، أي بينها وبين المصلى (ثلاثة أذرع فأقل) وذكر سن الصلاة إلى المذكورات مع اعتبار الترتيب فيها وضبطها بما ذكر من زيادتي وبذلك صرح في التحقيق وغيره إلا الترتيب في الاولين فهو مقتضى كلام الروضة، وأصلها و صرح به في المجموع والاضبط الاخيرين فهو القياس كما قاله الاسنوي.
وإذا صلى إلى شئ منها (فيسن) له ولغيره (دفع ما مر) بينه وبينها.
والمراد بالمصلي و الخط منها أعلاهما وذلك لخبر الشيخين: إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه

(1/92)


فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان أي معه شيطان أو هو شيطان الانس.
وذكر سن الدفع لغير مصلى من زيادتي وبه صرح الاسنوي وغيره تفقها (وحرم مرور) وإن لم يجد المار سبيلا آخر لخبر لو يعلم المار بين يدي المصلي أي إلى السترة ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه رواه الشيخان، إلا من الاثم فالبخاري وإلا خريفا فالبزار.
والتحريم مقيد بما إذا لم يقصر المصلي بصلاته في المكان وإلا كأن وقف بقارعة الطريق فلا حرمة بل ولا كراهة كما قاله في الكفاية أخذا من كلامهم وبما إذا لم يجد المار فرجة أمامه وإلا فلا حرمة بل له خرق الصفوف و المرور بينها ليسد الفرجة.
كما قاله في الروضة كأصلها وفيها لو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أي أو لم يكن بالصفة المذكورة، فليس له الدفع لتقصيرة ولا يحرم المرور بين يديه لكن الاولى
تركه فقوله في غيرها لكن يكره محمول على الكراهة غير الشديدة.
قال وإذا صلى إلى سترة فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله ولا يصمد لها بضم الميم، أي يجعلها تلقاء وجهه (وكره التفات) فيها لوجهه لخبر عائشة سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الالتفات في الصلاة فقال: هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، رواه البخاري.
(وتغطيه فم) للنهي عنه رواه ابن حبان وغيره وصححوه (وقيام على رجل) واحدة لانه تكلف ينافي الخشوع (لا لحاجة) في الثلاثة فإن كان لها لم يكره.
وقد روى مسلم خبر أنه (صلى الله عليه وسلم) اشتكى فصلينا وراءه وهو جالس فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا الحديث ولخبر إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل فتأخيري لا لحاجة عن الثلاثة أولى من تقديم الاصل له على الاخير منها بل يجعل قيدا أيضا فيما يأتي أو في بعضه، (ونظر نحو سماء) مما يلهى كثوب له أعلام.
وذلك لخبر البخاري: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم.
وخبر الشيخين كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي وعليه خميصة ذات أعلام فلما فرغ قال: ألهتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بانبجانيته، ونحو من زيادتي (وكف شعر أو ثوب) لخبر أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرا ولا ثوبا رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
والمعنى في النهي عنه أنه يسجد معه (وبصق أماما ويمينا) لا يسارا لخبر الشيخين إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عزوجل فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه.
ولكن عن يساره أي ولو تحت قدميه وهذا كما في المجموع في غير المسجد أما في المسجد فيحرم لخبر الشيخين البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها، بل يبصق

(1/93)


في طرف ثوبه من جانبه الايسر ويحك بعضه ببعض ويبصق بالصاد والزاي والسين (واختصار) بأن يضع يديه على خاصرته، لخبر أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن يصلي الرجل مختصرا رواه الشيخان، والمرأة كالرجل كما في المجموع ومثلهما الخنثى (وخفض رأس) عن ظهر (في ركوع) لمجاوزته لفعله (صلى الله عليه وسلم) وحذفت تقييد الاصل الخفض بالمبالغة تبعا لنص
الشافعي وغيره (وصلاة بمدافعة حدث) كبول وغائط وريح، (وبحضرة) بتثليث الحاء (طعام) مأكول أو مشروب (يتوق) بالمثناة أي يشتاق (إليه) لخبر مسلم لا صلاة أي كاملة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الاخبثان أي البول والغائط وتعبيري بمدافعة حدث أعم من قوله حاقنا أو حاقبا أي بالبول والغائط.
(وبحمام) ومنه مسلخة (وطريق) في بنيان لا برية (ونحو مزبلة) وهي موضع الزبل كمجزرة وهي موضع ذبح الحيوان، (و) نحو (كنيسة) وهي معبد اليهود كبيعة وهي معبد النصارى، (و) نحو (عطن إبل) ولو طاهرا كمراحها الآتي والعطن الموضع الذي تنحى إليه الابل الشاربة ليشرب غيرها.
فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى ونحو من زيادتي (وبمقبرة) بتثليث الموحدة نبشت أم لا للنهي في خبر الترمذي عن الصلاة في الجميع خلا المراح وسيأتي وخلا نحو الكنيسة فألحقت بالحمام.
والمعنى في الكراهة فيهما أنهما مأوى الشياطين وفي الطريق اشتغال القلب بمرور الناس فيه وقطع الخشوع وفي نحو المزبلة والمقبرة المنبوشة نجاستهما تحت ما يفرش عليهما.
فإن لم يفرش شئ لم تصح الصلاة وفي غير المنبوشة نجاسة ما تحتها بالصديد، وفي عطن الابل نفارها المشوش للخشوع وألحق به مراحها بضم الميم وهو مأواها ليلا للمعنى المذكور فيه ولهذا لا تكره في مراح الغنم ولا فيما يتصور منها من مثل عطن الابل والبقر كالغنم، قاله ابن المنذر وغيره قال الزركشي وفيه نظر.
باب في مقتضى سجود السهو وما يتعلق به (سجود السهو) في الصلاة فرضا أو نفلا (سنة) لاحد أربعة أمور (لترك بعض) من الصلاة ولو عمدا (وهو) ثمانية (تشهد أول) أو بعضه (وقعوده)، وإن استلزم تركه ترك التشهد.

(1/94)


والمراد بالتشهد الاول اللفظ الواجب في التشهد الاخير دون ما هو سنة فيه، فلا يسجد لتركه قاله المحب الطبري (وقنوت راتب) أو بعضه (وقيامه) وإن استلزم تركه ترك القنوت (وصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدها) أي بعد التشهد والقنوت المذكورين وذكرها بعد القنوت، وتقييده بالراتب
من زيادتي، وسيأتي بيان ما يخرج به.
(و) صلاة (على الآل بعد) التشهد (الاخير و) بعد (القنوت) والتصريح به من زيادتي لانه (صلى الله عليه وسلم) قام من ركعتين من الظهر ولم يجلس ثم سجد في آخر الصلاة قبل السلام سجدتين رواه الشيخين.
وقيس بما فيه البقية، ويتصور ترك السابع منها بأن يتيقن ترك إمامه له بعد سلامه وقبل أن يسلم هو.
وظاهر أن القعود للصلاة على النبي بعد التشهد الاول وللصلاة على الآل بعد الاخير كالقعود للاول، وأن القيام لهما بعد القنوت كالقيام له وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الابعاض الحقيقية أي الاركان.
وخرج بها بقية السنن كأذكار الركوع والسجود فلا يجبر تركها بالسجود لعدم وروده فيها وبراتب وهو قنوت الصبح والوتر قنوت النازلة، لانه سنة في الصلاة لا منها أي لا بعض منها، (ولسهو ما يبطل عمده فقط) أي دون سهوه سواء أحصل معه زيادة بتدارك ركن كما مر في ركن الترتيب أم لا.
وذلك (كتطويل ركن قصير وهو اعتدال) لم يطلب تطويله (وجلوس بين سجدتين) كذلك وكقليل كلام وأكل وزيادة ركعة فيسجد لسهوه لانه (صلى الله عليه وسلم) صلى الظهر خمسا وسجد للسهو بعد السلام رواه الشيخان.
وقيس بما فيه نحوه ويستثنى من ذلك المتنفل في السفر إذا انحرف عن طريقه إلى غير القبلة ناسيا وعاد عن قرب فإن صلاته لا تبطل بخلاف العامد كما مر، ولا يسجد للسهو على المنصوص الذي ذكره في الروضة كأصلها، وصححه في المجموع وغيره.
لكن صحح الرافعي في الشرح الصغير أنه يسجد.
قال الاسنوي وهو القياس وإنما كان الاعتدال والجلوس المذكور قصيرين، لانهما لم يقصدا في نفسهما بل للفصل وإلا لشرع فيهما ذكر واجب ليتميز به عن العادة كالقيام وفيه كلام كثير ذكرته مع جوابه في شرح الروض وخرج بما يبطل عمده ما لا يبطل عمده كالتفات، وخطوتين فلا يسجد لسهوه ولا لعمده لعدم ورود السجود له ويستثنى منه مع ما يأتي من نقل القولي ما لو فرقهم في الخوف أربع فرق وصلى بكل ركعة أو فرقتين وصلى بفرقة ركعة، وبأخرى ثلاثا فإنه يسجد للسهو للمخالفة وبالانتظار في غير محله.
وخرج بفقط ما يبطل عمده وسهوه ككثير كلام وأكل وفعل فلا سجود، لانه ليس في صلاة

(1/95)


(ولنقل) مطلوب (قولي غير مبطل) نقله إلى غير محله ركنا كان كفاتحة أو بعضا أو غير ركن كسورة وقنوت بنيته وتسبيح فيسجد له سواء أنقله عمدا أو سهوا لتركه التحفظ المأمور به في الصلاة مؤكدا كتأكيد التشهد الاول.
ولا يرد نقل السورة قبل الفاتحة حيث لا يسجد له، لان القيام محلها في الجملة ويقاس بذلك نظائره وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من تعبيره بنقل ركن قولي ومن تقييده السجود بالسهو.
وخرج بما ذكر نقل الفعلي والسلام وتكبيرة الاحرام عمدا فبطل وفارق ونقل الفعلي نقل القولي غير ما ذكر بأنه لا يغير هيئة الصلاة نقل الفعلي، (وللشك في ترك بعض) بقيد زدته بقولي (معين) كقنوت، لان الاصل عدم الفعل بخلاف الشك في ترك مندوب في الجملة، لان المتروك قد لا يقتضي السجود، وبخلاف الشك في ترك بعض مبهم لضعفه بالابهام.
وبهذا علم أن للتقييد بالمعين معنى خلافا لمن زعم خلافه فجعل المبهم كالمعين (لا) للشك (في) فعل (منهي) عنه.
وإن أبطل عمده ككلام قليل ناسيا فلا يسجد، لان الاصل عدمه ولو سها وشك هل سها بالاول أو بالثاني واقتضى السجود، أو هل متروكه القنوت أو التشهد لتيقن مقتضيه (إلا) للشك (فيما) صلاه و (احتمل زيادة.
فلو شك) وهو في رباعية (أصلي ثلاثا أم أربعا أتى بركعة)، لان الاصل عدم فعلها (وسجد) وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة للتردد في زيادتها.
ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره وإن كان جمعا كثيرا.
والاصل في ذلك خبر مسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلي ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، أي ردتها السجدتان وما تضمنتاه من الجلوس بينهما إلى الاربع.
أما ما لا يحتمل زيادة كأن شك في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة فتذكر فيها أنها ثالثة فلا يسجد لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه، (ولو سها) بما يجبر بالسجود، (وشك أسجد) أم لا (سجد) لان الاصل عدم السجود.
ولو شك أسجد واحدة أم ثنتين سجد أخرى (ولو نسي تشهدا أول) وحده أو مع قعوده (أو قنوتا وتلبس بفرض) من قيام أو سجود.
(فإن عاد) له (بطلت) صلاته لقطعه فرضا لنفل (لا) إن
عاد (ناسيا) أنه فيها (أو جاهلا) تحريمه فلا تبطل لعذره وهو مما يخفى على العوام ويلزمه العود عند تذكره أو تعلمه (لكنه يسجد) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله.
(ولا) إن عاد (مأموما) فلا تبطل صلاته (بل عليه عود)، فإن لم يعد بطلت صلاته إلا أن ينوي مفارقته

(1/96)


بخلافه إذا تعمد الترك فلا يلزمه العود بل يسن كما رجحه في التحقيق وغيره في التشهد ومثله القنوت وفارق ما قبله بأن الفاعل ثم معذور ففعله غير معتد به.
فكأنه لم يفعل شيئا بخلافه هنا ففعله معتد به وقد انتقل من واجب إلى اخر فخير بينهما، ولو عاد الامام للتشهد مثلا قبل قيام المأموم حرم قعوده معه لوجوب القيام عليه بانتصاب الامام، ولو انتصب معه ثم عاد هو لم يجز له متابعته في العود، لانه إما مخطئ به فلا يوافقه في الخطأ أو عامد فصلاته باطلة.
بل يفارقه أو ينتظره حملا على أنه عاد ناسيا (وإن لم يتلبس به) أي بفرض (عاد) مطلقا (وسجد) للسهو (إن قارب القيام) في مسألة التشهد (أو بلغ حد الراكع) في مسألة القنوت لتغيير ذلك نظم الصلاة بخلاف ما إذا لم يصل إلى ذلك لقلة ما فعله.
وفي السجود المذكور اضطراب ذكرته في شرح الروض و غيره (إن قارب أو بلغ ما مر) من القيام في الاولى، وحد الركوع في الثانية بخلاف المأموم لما مر عن التحقيق وغيره.
أما إذا لم يقارب أو لم يبلغ ما مر فلا تبطل صلاته وذكري في مسألة القنوت حكم العامد العالم والناسي والجاهل والمأموم وتعمد الترك مع تقييده في مسألة التشهد بغير المأموم من زيادتي، (ولو شك بعد سلامه) وإن قصر الفصل (في ترك فرض) بقيد زدته بقولي (غير نية وتكبير) لتحرم (لم يؤثر).
لان الظاهر وقوع السلام عن تمام فإن كان الفرض نية أو تكبيرا استأنف لانه شك في أصل الانعقاد وكذا لو شك هل نوى الفرض أو التطوع كما قاله البغوي.
ويمكن إدراجها فيما زادته (وسهوه حال قدوته) الحسية كأن سها عن التشهد الاول أو الحكمية، كأن سهت الفرقة الثانية في ثانيتها في صلاة ذات الرقاع، (يحمله إمامه) كما يحمل الجهر والسورة وغيرهما.
(فلو ظن سلامه فسلم فبان خلافه) أي
خلاف ما ظنه (تابعه) في السلام (ولا سجود) لان سهوه في حال قدوته (ولو ذكر في تشهده ترك ركن غير ما مر) آنفا من تكبير أو نية وفي ركن الترتيب من سجدة من ركعة أخيرة.
(أتى بعد سلام إمامه بركعة) كأن ترك سجدة من غير الاخيرة.
(ولا يسجد) لان سهوه في حال قدوته وخرج بحال قدوته ما لو سها قبلها أو بعد انقطاعها، فلا يحمله إمامه فلو سلم مسبوق بسلام إمامه وذكر بني إن قصر الفصل وسجد (ويلحقه) أي

(1/97)


المأموم (سهو إمامه) كما يحمل الامام سهوه سواء أسها قبل اقتدائه به أم حال اقتدائه.
(فإن سجد) إمامه (تابعه) فإن ترك متابعته عمدا بطلت صلاته واستثنى في الروضة كأصلها ما إذا تبين له حدث الامام فلا يلحقه سهوه ولا يحمل الامام سهوه، وما إذا تيقن غلط الامام في ظنه وجوده مقتض للسجود فلا يتابعه فيه (ثم يعيده مسبوق آخر صلاته)، لانه محل سجود السهو (وإلا) أي وإن لم يسجد الامام سلم (سجد المأموم آخر صلاته جبرا لخلل صلاته بسهو إمامه (وسجود السهو وإن كثر) السهو (سجدتان) بنية سجود السهو (قبل سلامه) لانه (صلى الله عليه وسلم) فعله وأمر به إذ ذاك ولانه لمصلحة الصلاة، فكان قبل السلام كما لو نسي سجدة منها.
وأجابوا عن سجوده بعده في خبر ذي اليدين وغيره بحمله على أنه لم يكن عن قصد مع أنه يرد لببيان حكم سجود السهو، سواء كان السهو بزيادة أو نقص أم بهما (كسجود الصلاة) في واجباته ومندوباته (فإن سلم عمدا) مطلقا (أو) سهوا أو (طال فصل) عرفا (فات) السجود (وإلا سجد).
نعم إن سلم مصلي الجمعة فخرج وقتها أو القاصر فنوى الاقامة أو انتهى سفره بوصول سفينته أو رأى المتيمم الماء أو انتهت مدة مسح الخف أو نحو ذلك لم يسجد، (و) إذا سجد فيما إذا سلم ساهيا ولم يطل فصل (صار عائدا إلى الصلاة) فيجب أن يعيد السلام.
وإذا أحدث بطلت صلاته وإذا خرج وقت الظهر فيه فاتته الجمعة.
قال البغوي: والسجود في هذه حرام عند العلم بالحال، لانه يفوت الجمعة مع إمكانها ثم بينت ما يتعدد فيه السجود صورة لا حكما
فقلت: (ولو سها أمام جمعة وسجدوا فبان فوتها أتموها ظهرا) لما سيأتي في بابها، (وسجدوا) ثانيا آخر الصلاة لتبين أن السجود الاول ليس في آخر الصلاة (ولو ظن) المصلي (سهوا فسجد فبان عدمه) أي عدم ما ظنه (سجد) ثانيا لزيادة السجود الاول وكذا السجود في آخر صلاته مقصورة فلزمه الاتمام، ولو سجد للسهو ثم سها قبل سلامه بكلام أو غيره لا يسجد ثانيا على الاصح لانه لا يأمن من وقوع مثله فيتسلسل.

(1/98)


باب في سجودي التلاوة والشكر (تسن سجدات تلاوة) بفتح الجيم (لقارئ) ولو صبيا أو امرأة أو خطيبا وأمكنه عن قرب بمكانه أو أسفل المنبر (وسامع) قصد السماع أم لا ولو كان القارئ كافرا (قراءة) لجميع آية السجدة (مشروعة) كالقراءة في القيام ولو قبل الفاتحة بخلاف غيرها، كقراءة مصل في غير محلها وقراءة جنب وسكران، والاصل فيما ذكر ما رواه الشيخان عن ابن عمر أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته.
وفي رواية لمسلم في غير صلاة (وتتأكد) السجدة (له) أي للسامع (بسجود القارئ) لكن تأكدها لغير القاصد ليس كتأكدها للقاصد وذكر تأكدها لغير القاصد مع التقييد بمشروعية القراءة من زيادتي.
وإذا سجد السامع مع القارئ فلا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به (وهي) أي سجدات التلاوة (أربع عشرة) سجدتا الحج وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ والبقية في الاعراف والرعد والنحل والاسراء ومريم والفرقان، و النمل وألم تنزيل وحم السجدة ومحالها معروفة واحتج لذلك لخبر أبي داود بإسناد حسن عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: أقرأني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان والسجدة الباقية منه سجدة ص المذكورة بقولي (ليس منها سجدة ص بل هي سجدة شكر) لخبر النسائي سجدها داود توبة ونسجدها شكرا أي على قبول توبة كما قاله الرافعي: (تسن) عند تلاوتها (في غير صلاة) ولا تدخل فيها كما يعلم مما يأتي
(ويسجد مصل لقراءته) لا لقراءة غيره (إلا مأموما فلسجدة إمامه) لا لقراءته بغير سجود ولا لقراءة نفسه.
(فإن) سجد إمامه و (تخلف) هو عنه (أو سجد) هو (دونه بطلت) صلاته لمخالفة الفاحشة ولو لم يعلم سجوده حتى رفع رأسه لم تبطل صلاته، ولا يسجد ولو علم والامام في السجود فهوي ليسجد فرفع الامام رأسه رجع معه ولا يسجد (ويكبر) المصلي (كغيره) ندبا (لهوى ولرفع) من السجدة (بلا رفع يد ولا يجلس) المصلي (لاستراحة) بعدها لعدم وروده وذكر عدم رفع اليد في الرفع من السجدة لغير المصلي من زيادتي، (وأركانها) أي السجدة (لغير مصل يحرم) بأن يكبر ناويا (وسجود وسلام) بعد جلوسه بلا تشهد (وسن)

(1/99)


له مع ما مر، (رفع يديه في) تكبير (تحرم) وما ذكرته هو مراد الاصل بما ذكره قال ابن الرفعة.
ولا تجب على المصلي نيتها اتفاقا، لان نية الصلاة تنسحب عليها.
وبهذا يفرق بينها وبين سجود السهو (وشرطها أي السجدة (كصلاة) أي كشرطها من نحو الطهر والستر والتوجه ودخول وقتها وهو بالفراغ من قراءة آيتها (وأن لا يطول فصل) عرفا بينها وبين قراءة الآية، كمحدث تطهر بعد قراءتها عن قرب فيسجد (وهي كسجدتها) أي الصلاة في الفروض والسنن ومنها سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقته، فتبارك الله أحسن الخالقين رواه الترمذي وصححه، إلا وصوره فالبيهقي وإلا فتبارك إلخ.
فهو والحاكم ويسن أن يقول أيضا اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها عندك ذخرا، وضع عني بها وزرا واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.
رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن (وتكرر) أي السجدة ممن ذكر (بتكرير الآية) ولو بمجلس واحد أو ركعة لوجود مقتضيها.
نعم إن لم يسجد حتى كرر الآية كفاه سجدة (وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة) فلو فعلها فيها عامدا عالما بالتحريم بطلت، (وتسن لهجوم) (نعمة) كحدوث ولد أو مال للاتباع رواه أبو داود.
وغيره بخلاف النعم المستمرة كالعافية والاسلام لان ذلك يؤدي إلى استغراق العمر (أو اندفاع نقمة) كنجاة من هدم أو غرق
للاتباع رواه ابن حبان.
وقيد في المجموع نقلا عن الامام الشافعي والاصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر المساوي (أو رؤية مبتلي) كزمن للاتباع رواه الحاكم، (أو فاسق) بقيد زدته بقولي (معلن) بفسقه لان مصيبة الدين أشد من مصيبة الدنيا ولهذا قال رسول (صلى الله عليه وسلم): اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، والسجود للمصيبتين على السلامة منهما (ويظهرها) أي السجدة لهجوم نعمة ولاندفاع نقمة وللفاسق المذكور إن لم يخف ضرره لعله يتوب (لا له) أي للفاسق المذكور (إن خاف ضرره ولا لمبتلي)، لئلا يتأذى مع عذره وتعبيري بالفاسق أولى من تعبيره بالعاصي لشمول المعصية الصغيرة بغير إصرار مع أنه لا سجود لرؤية مرتكبها وقولي ويظهرها الخ، أعم وأولى ما ذكره، (وهي كسجدة التلاوة) خارج الصلاة فيما مر في (ولمسافر فعلهما) أي السجدتين (كنافلة) فيأتي فيهما مر فيها وسواء في سجدة التلاوة داخل الصلاة وخارجها وهذا أعم مما ذكره.

(1/100)


باب في صلاة النفل وهو ما رجح الشرع فعله وجوز تركه ويراد فيه السنة، والتطوع والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن (صلاة النفل قسمان قسم لا تسن له جماعة كالرواتب) التابعة للفرائض (والمؤكد منها ركعتان قبل صبح و) ركعتان قبل (ظهر و) ركعتان (بعده و) ركعتان (بعد مغرب و) ركعتان (بعد عشاء ووتر) بكسر الواو وفتحها (بعدها) أي العشاء للاتباع رواه الشيخان (وغيره)، أي المؤكد منها (زيادة ركعتين قبل ظهر و) ركعتين (بعده) لخبر من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه الترمذي وصححه.
(وأربع قبل عصر) للاتباع رواه الترمذي وحسنه، (وركعتان خفيفتان قبل مغرب) للامر بهما في خبر أبي داود وغيره ولخبر الشيخين بين كل أذانين صلاة.
والمراد الاذان والاقامة قال في المجموع وركعتان قبل العشاء لخبر بين كل أذانين صلاة (وجمعة كظهر) فيما مر كما في التحقيق وغيره.
لكن قول
الاصل وبعد الجمعة أربع وقبلها ما قبل الظهر مشعر بمخالفتها الظهر في سنتها المتأخرة (ويدخل وقت الرواتب قبل الفرض بدخول وقته وبعده) ولو وترا (بفعله ويخرجان) أي وقت الرواتب التي قبل الفرض وبعده (بخروج وقته) ففعل القبلية فيه بعد الفرض أداء (وأفضلها) أي الرواتب (الوتر) لخبر: إن الله أمدكم بصلاة خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر رواه الترمذي والحاكم وصححه.
وذكر أفضليته وجعله قسما منها وهو ما في الروضة كأصلها من زيادتي.
(وأقله ركعة) وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء وغيرها.
قال في المجموع وأدنى الكمال ثلاث وأكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع (وأكثره إحدى عشرة) روى أبو داود بإسناد صحيح: أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أو يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل.
وروى الدارقطني: أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة فلو زاد عليها لم يصح وتره، وأما خبر الترمذي عن أم سلمة أنه (صلى الله عليه وسلم)

(1/101)


كان يوتر بثلاثة عشرة فحمل على أنها حسبت فيه سنة العشاء.
وقال السبكي: أنا أقطع بجواز الوتر بها وبصحته، لكن أحب الاقتصار على أحدى عشرة فأقل، لان ذلك غالب أحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) ويكره الايتار بركعة.
كذا في الكفاية عن القاضي أبي الطيب (ولمن زاد على ركعة) في الوتر (الوصل بتشهد) في الاخيرة (أو تشهدين في الاخيرتين) للاتباع في ذلك راه مسلم والاول أفضل ولا يجوز في الوصل أكثر من تشهدين ولا فعل أولهما قبل الاخيرتين، لانه خلاف المنقول من فعله (صلى الله عليه وسلم).
(والفصل) بين الركعات بالسلام كأن ينوي ركعتين من الوتر (أفضل) منه لزيادته عليه بالسلام وغيره.
(وسن تأخيره عن صلاة ليل) من راتبة أو تراويح أو تهجد لخبر الشيخين: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا، (ولا يعاد) ندبا وإن أخر عنه تهجدا فهو أعم من قوله.
فإن أوتر ثم تهجد لم يعده وذلك لخبر أبي داود وغيره.
وحسنه الترمذي: لا وتران في ليلة (و) سن تأخيره (عن أوله) أي الليل (لمن وثق بيقظته) بفتح القاف (ليلا)، سواء أكان له تهجد أم لا فإن لم يثق بها لم
يؤخره لخبر مسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، وهذه من زيادتي، وهو ما في المجموع واقتصر في الاصل كالروضة في سن التأخير على من له تهجد.
(و) سن (جماعة في وتر رمضان) وإن لم تفعل التراويح أو فعلت فرادي بناء على سن الجماعة فيها كما سيأتي.
فتعبيري بذلك أولى من قوله، وإن الجماعة تندب في الوتر تقب التراويح جماعة وتقدم في صفة الصلاة أنه يسن فيه القنوت في النصف الثاني من رمضان (وكالضحى وأقلها ركعتان) وأدنى الكمال أربع، وأفضل منه ست (وأكثرها) عددا (اثنتا عشرة وأفضلها) نقلا ودليلا (ثمان) ويسلم من كل ركعتين ندبا كما قاله القمولي.
روى الشيخان عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي (صلى الله عليه وسلم) بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام.
وروى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء، وروى أبو داود بإسناد على شرط البخاري: أنه (صلى الله عليه وسلم) صلى سبحة الضحى أي صلاته ثمان ركعات، يسلم من كل ركعتين وفي الصحيحين قريب منه.
وروى البيهقي بإسناد ضعيف عن أبي ذر: أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: إن صليت الضحى عشرا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب وإن صليتها اثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتا في الجنة.
ووقتها فيما جزم به الرافعي من ارتفاع الشمس إلى الاستواء.
وفي المجموع والتحقيق إلى الزوال، و هو المراد بالاستواء فيما

(1/102)


يظهر ونقل في الروضة عن الاصحاب، أن وقتها من الطلوع ويسن تأخيرها إلى الارتفاع.
قال الاذرعي فيه نظر والمعروف في كلامهم الاول ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار كما جزم به في التحقيق وقولي وأفضلها ثمان من زيادتي وهو ما في الروضة وغيرها (وكتحية مسجد) غير المسجد الحرام (لداخله) متطهرا مريدا الجلوس فيه ولم يشتغل بها عن الجماعة ولم يخف فوت راتبة وإن تكرر دخوله عن قرب لوجود المقتضى، (وتحصل بركعتين فأكثر) بتسليمة.
ولو كان ذلك فرضا أو نفلا آخر سواء نويت معه أم لا لخبر الشيخين: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
ولان المقصود وجود صلاة قبل
الجلوس وقد وجدت بذلك، وإنما لم يضر نية التحية ما ذكر لانها سنة غير مقصودة بخلاف نية سنة مقصودة مع مثلها أو فرض فلا يصح.
وبذلك علم أنها لا تحصل بركعة وصلاة جنازة وسجدة تلاوة وسجدة شكر للخبر السابق مع كون ذلك ليس بمعنى ما فيه وتفوت بالجلوس إلا أن يكون سهوا أو جهلا وقصر الفصل.
(وقسم تسن) أي الجماعة (له كعيد وكسوف واستسقاء) لما سيأتي في أبوابها (وتراويح وقت وتر) وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان.
روى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) خرج من جوف الليل ليالي من رمضان وصلى في المسجد، وصلى الناس بصلاته فيها وتكاثروا فلم يخرج لهم في الرابعة.
وقال لهم صبيحتها: خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.
وروى البيهقي بإسناد صحيح أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة.
وروى مالك في الموطأ بثلاث وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاثة وسميت كل أربع منها ترويحة لانهم كانوا يتروحون عقبها أي يستريحون، ولو صلى أربعا بتسليمة لم يصح لانها بمشروعية الجماعة فيها أشبهت الفريضة فلا تغير عما ورد وذكر وقتها من زيادتي (وهو) أي هذا القسم (أفضل) من الاول لتأكده بسن الجماعة فيه (لكن الراتبة) للفرائض (أفضل من التراويح) لمواظبة النبي (صلى الله عليه وسلم) عليها دون التراويح وأفضل النفل صلاة عيد ثم الكسوف ثم خسوف ثم استسقاء ثم وتر ثم ركعتا فجر ثم باقي الرواتب ثم التراويح ثم الضحى

(1/103)


ثم ما يتعلق كركعتي الطواف والاحرام والتحية ثم سنة الوضوء على ما يأتي ثم النفل المطلق.
وأما خبر مسلم أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، فمحمول على النفل المطلق وتأخيري سنة الوضوء عما تعلق بفعل تبعت فيه المجموع والاوفق بظاهر كلام الروضة كأصلها أنها في رتبته وفي معناه ما تعلق بسبب غير فعل كصلاة الزوال (وسن قضاء نفل مؤقت) إذا فات كصلاتي العيد والضحى ورواتب الفرائض كما تقضي الفرائض يجامع التأقيت ولخبر
الشيخين من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ولانه (صلى الله عليه وسلم) قضى ركعتي سنة الظهر المتأخرة بعد العصر رواه الشيخين، وركعتي الفجر بعد طلوع الشمس لما نام في الوادي عن الصبح رواه أبو داود، بإسناد صحيح وفي مسلم نحوه وخرج بالمؤقت المتعلق بسبب ككسوف وتحية فلا يقضي (ولا حصر لمطلق) من النفل وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب.
قال (صلى الله عليه وسلم) لابي ذر: الصلاة خير موضوع استكثر أو أقل، رواه ابن حبان وصححه.
فله أن يصلي ما شاء من ركعة أو أكثر، وإن لم يتعين ذلك في نيبته (فإن نوى فوق ركعة تشهد آخرا) وعليه يقرأ السورة في جميع الركعات وهذه من زيادتي.
(أو) تشهد آخرا (وكل ركعتين فأكثر) لان ذلك معهود في الفرائض في الجملة، فعلم أنه لا يتشهد في كل ركعة لانه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد وقولي فأكثر من زيادتي وبه صرح في المجموع وغيره، (أو) نوى (قدرا) ركعة فأكثر (فله زيادة) عليه (ونقص) عنه في غير الركعة كما هو معلوم (إن نويا وإلا) بأن زاد نقص بلا نية عمدا (بطلت) صلاته لمخالفته ما نواه (فإن قام لزائد سهوا) فتذكر (قعد ثم قام له) أي للزائد (إن شاء) ثم يسجد للسهو في آخر الصلاة وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم (وهو) أي النفل المطلق (بليل) أفضل منه بالنهار لخبر مسلم السابق.
(وبأوسطه أفضل) من طرفيه إن قسمه ثلاثة أقسام (ثم آخره) أفضل من أوله إن قسمه قسمين، وأفضل من ذلك السدس الرابع والخامس، سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ فقال: جوف الليل، وقال أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه.
وقال: ينزل ربنا تبارك وتعالى أي أمره كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له روى الاول مسلم والثانيين الشيخان.
(وسن سلام من كل ركعتين) نواهما أو أطلق النية لخبر الشيخين: صلاة الليل مثنى

(1/104)


مثنى.
وفي خبر ابن حبان صلاة الليل والنهار (وتهجد) أي تنفل بليل بعد يوم قال تعالى:
(ومن الليل فتهجد به) (وكره تركه لمعتاده) بلا ضرورة قال (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو بن العاص: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه رواه الشيخان.
وفي المجموع ينبغي أن لا يخل بصلاة الليل وإن قلت والسنة في نوافل الليل التوسط بين الجهر والاسرار إلا التراويح فيجهر فيها كذا استثناها في الروضة وهو استثناء منقطع لان المراد بنوافل الليل النوافل المطلقة كما مر في صفة الصلاة ويسن لمن قام بتهجد أن يوقظ من يطمع في تهجده إذا لم يخف ضررا ويتأكد إكثار الدعاء والاستغفار في جميع ساعات الليل وفي النصف الاخير آكد وعند السحر أفضل، (و) كره (قيام بليل يضر) كقيام كل الليل دائما.
قال (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو بن العاص: ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قلت: بلى، فقال: فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا إلى آخره رواه الشيخان.
أما قيام لا يضر ولو في ليال كاملة فلا يكره فقد كان (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر الاواخر من رمضان أحيا الليل.
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله قيام كل الليل دائما.
(و) كره (تخصيص ليلة جمعة بقيام) لخبر مسلم: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي.
باب في صلاة الجماعة وأقلها إمام ومأموم كما يعلم مما يأتي، (صلاة الجماعة فرض كفاية) لخبر: ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الجماعة.
وفي رواية الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، أي غلب رواه ابن حبان وغيره وصححوها.
وما قيل إنها فرض عين لخبر الشيخين: ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار.
أجيب عنه بأنه بدليل السياق ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، فثبت أنها فرض كفاية (لرجال أحرار مقيمين لا عراة في أداء مكتوبة لا جمعة) فلا تجب على النساء والخناثى ومن فيهم رق والمسافرين والعراة ولا في المقضية والنافلة والمنذورة، بل ولا تسن في المنذورة ولا في مقضية خلف مؤداة أو بالعكس أو خلف مقضية ليست من نوعها.
وأما الجمعة فالجماعة فيها فرض عين كما يعلم من

(1/105)


بابها.
ووصف الرجال بما ذكر مع التقييد بالاداء من زيادتي، وتعبيري بالمكتوبة أولى من تعبيره بالفرائض، وفرضها كفاية يكون (بحيث يظهر شعارها بمحل إقامتها) ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في محل، وفي الكبيرة والبلد تقام في محال يظهر بها الشعار، فلو أطبقوا على إقامتها في البيوت ولم يظهر بها الشعار لم يسقط الفرض، وقولي بمحل إقامتها أعم من قوله في القرية.
(فإن امتنعوا) كلهم من إقامتها على ما ذكر (قوتلوا)، أي قاتلهم الامام أو نائبه عليها كسائر فروض الكفايات (وهي) - أي الجماعة - (لغيرهم) - أي لغير المذكورين (سنة) لكنها إنما تسن عند النووي للعراة بشرط كونهم عميا أو في ظلمة وإلا فهي والانفراد في حقهم سواء.
(و) الجماعة وإن قلت (بمجسد لذكر) ولو صبيا (أفضل) منها في غيره كالبيت، ولغير الذكر من أنثى أو خنثى في البيت أفضل منها في المسجد.
قال (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه الشيخان: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، أي فهي في المسجد أفضل وقال: لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن، رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
وقيس بالنساء الخناثى بأن يؤمهم ذكر فتعبيري بذلك أولى من تعبيره بغير المرأة.
وإمامة الرجل ثم الخنثى للنساء أفضل من إمامة المرأة لهن، ويكره حضورهن المسجد في جماعة الرجال إن كن مشتهيات خوف الفتنة، (وكذا ما كثر جمعه) من مساجد أو غيرها أفضل للمصلي وإن بعد مما قل جمعه.
قال (صلى الله عليه وسلم): صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله رواه ابن حبان وغيره وصححوه.
نعم الجماعة في المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها وإن قلت بل قال المتولي: إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها (إلا لنحو بدعة إمامه) كفسقه و اعتقاده عدم وجوب بعض الواجبات كحنفي (أو تعطل مسجد) قريب أو بعيد عن الجماعة فيه (لغيبته) عنه لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره فقليل الجمع أفضل من كثيره في ذلك ليؤمن النقص في الاولى وتكثر الجماعة في المساجد في الثانية بل الانفراد في الاولى أفضل كما قاله الروياني ونحو من
زيادتي.
وإطلاقي للمسجد أولى من تقييد الاصل كغيره له بالقريب إذ البعيد مثله فيما يظهر كما يدل له تعليلهم السابق.
لا يقال ليس مثله لان للقريب حق الجوار ولكونه مدعوا منه لانا نقول معارض بأن البعيد مدعو منه أيضا، وبكثرة الاجر فيه بكثرة الخطا الدال عليها الاخبار كخبر مسلم: أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشي.

(1/106)


(وتدرك فضيلة تحرم) مع الامام (بحضوره له) أي بحضور المأموم التحرم وهو من زيادتي، (واشتغاله به عقب تحرم إمامه) بخلاف الغائب عنه، وكذا المتراخي عنه إن لم تعرض له وسوسة خفيفة.
(و) تدرك فضيلة (جماعة ما لم يسلم) أي الامام التسليمة الاولى، وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه لادراكه ركنا معه.
لكن دون فضيلة من أدركها من أولها ومقتضى ذلك إدراك فضيلتها وإن فارقه وهو كذلك إن فارقه بعذر (وسن تخفيف إمام) الصلاة بأن لا يقتصر على الاقل ولا يستوفى الاكمل المستحب للمنفرد.
والتصريح بسن ذلك من زيادتي (مع فعل أبعاض وهيئات) أي السنن غير الابعاض وذلك لخبر الشيخين: إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، (وكره) له (تطويل) وإن قصد لحوق غيره لتضرر المقتدين به ولمخالفته الخبر السابق (لا إن رضوا) بتطويله حالة كونهم (محصورين) فلا يكره التطويل بل يسن كما في المجموع عن جماعة.
نعم لو كانوا أرقاء أو أجراء أي إجارة عين على عمل ناجز وأذن لهم السادة المستأجرون في حضور الجماعة لم يعتبر رضاهم بالتطويل بغير إذن فيه من أرباب الحقوق كما نبه عليه الاذرعي.
(ولو أحس) الامام (في ركوع) غير ثان من صلاة الكسوف (أو) في (تشهد آخر بداخل) محل الصلاة يقتدى به (سن انتظاره لله) تعالى إعانة على إدراك الركعة في المسألة الاولى والجماعة في الثانية (إن لم يبالغ) في الانتظار (ولم يميز) بين الداخلين بانتظار بعضهم لملازمة أو دين.
أو صداقة أو نحوها دون بعض.
بل يسوي بينهم في الانتظار لله تعالى واستثنى من سن الانتظار ما إذا كان الداخل يعتاد البطء وتأخير التحرم إلى الركوع، وما إذا خشي خروج
الوقت بالانتظار وما إذا كان الداخل لا يعتقد إدراك الركعة أو فضيلة الجماعة بإدراك ما ذكر، (وإلا) أي وإن كان الانتظار في غير الركوع والتشهد الآخر أو فيهما وأحس بخارج عن محل الصلاة أو لم يكن انتظاره لله كالتودد إليهم واستمالة قلوبهم أو بالغ في الانتظار أو ميز بين الداخلين (كره).
بل قال الفوراني إنه يحرم إن كان للتودد لعدم فائدة الانتظار في الاولى وتقصير المتأخر وضرر الحاضرين في الباقي.
وقولي لله مع التصريح بالكراهة من زيادتي.
وبها صرح صاحب الروض أخذا من قول الروضة قلت المذهب إنه يستحب انتظاره في الركوع والتشهد الاخير بالشروط المذكورة، ويكره في غيرهما المأخوذ من طريقة ذكرها فيها قبل وبدأ

(1/107)


بها في المجموع وهي في الانتظار قولين أصحهما عند الاكثر أنه يستحب.
وقيل يكره لا من الطريقة النافية للكراهة المثبتة للخلاف في الاستحباب وعدمه.
فلا يقال إذا فقدت الشروط كان الانتظار مباحا كما فهمه بعضهم.
وضابط المبالغة في ذلك كما نقله الرافعي عن الامام وأقره أن يطول تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره فيه (وسن إعادتها) أي المكتوبة مرة ولو صليت جماعة قال الاسنوي وكذا غيرها من نفل تسن فيه الجماعة كما يدل تعليل الرافعي بحصول الفضيلة (مع غير) ولو واحدا بقيد زدته بقولي (في الوقت) قال (صلى الله عليه وسلم) بعد صلاته الصبح لرجلين لم يصليا معه و قالا صلينا في رحالنا: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم، فإنها لكما نافلة.
رواه الترمذي وغيره وصححوه.
وسواء فيما إذا صليت الاولى جماعة استوت الجماعتان أم زادت إحداهما بفضيلة ككون الامام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف، وقولي مع غير أعم من قوله مع جماعة وتكون إعادتها (بنية فرض)، وإن وقعت نفلا، لان المراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا تكون نفلا مبتدأ، لا إعادتها فرضا أو أنه ينوي ما هو فرض على المكلف، لا الفرض عليه كما في صلاة الصبي هذا.
وقد اختار الامام أنه ينوي الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض ورجحه في الروضة (والفرض الاولى) للخبر السابق ولسقوط الخطاب بها
فإن لم يسقط بها ففرضه الثانية إذا نوى بها الفرض (ورخص تركها) أي الجماعة (بعذر) عام أو خاص فلا رخصة بدونه، لخبر ابن حبان والحاكم في صحيحيهما.
من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له أي كاملة إلا من عذر والعدو (كمشقة مطر) بليل أو نهار للاتباع رواه الشيخان.
ولبله الثوب (وشدة ريح بليل) لعظم مشقتها فيه دون النهار قال في المهمات والمتجه إلحاق الصبح بالليل في ذلك، (و) شدة (وحل) بفتح الحاء على المشهور بليل أو نهار للتلويث بالمشي فيه.
(و) شدة (حر و) شدة (برد) بليل أو نهار لمشقة الحركة فيهما (و) شدة (جوع و) شدة (عطش) بقيد زدته بقولي (بحضرة طعام) مأكول أو مشروب لانهما حينئذ يذهبان الخشوع.
ولخبر الصحيحين: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء.
ولخبر مسلم: لا صلاة بحضرة طعام وشدة الجوع أو العطش تغني عن التوقان كعكسه المذكور في المهذب وشرحه وغيرهما لتلازمهما إذ معنى التوقان الاشتياق المساوي لشدة ما ذكر لا الشوق.
وقول ابن الرفعة تبعا لابن يونس

(1/108)


لا يشترط حضور الطعام للمعنى المذكور غريب مخالف للاخبار الصحيحة.
ولنصوص الشافعي وأصحابه نعم ما قرب حضوره في معنى الحاضر.
ولعله مراد من ذكر فيبدأ بالاكل والشرب فيأكل لقما يكسر بها حدة الجوع، إلا أن يكون الطعام مما يؤتي عليه مرة واحدة كالسويق واللبن (ومشقة مرض) للاتباع رواه البخاري.
بأن يشق الخروج معه كمشقة المطر، وتقييد المطر والمرض بالمشقة من زيادتي (ومدافعة حدث) من بول أو غائط أو ريح فيبدأ بتفريغ نفسه من ذلك لكراهة الصلاة حينئذ كما مر، آخر شروط الصلاة.
فإذا لم تطلب معه الصلاة فالجماعة أولى (وخوف على معصوم) من نفس أو عرض أو حق له أو لمن يلزمه الذب عنه بخلاف خوفه ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه.
بل عليه الحضور وتوفية الحق وتعبيري بذلك أعم من قوله، وخوف ظالم على نفس أو مال، (و) خوف (من) ملازمة أو حبس (غريم له وبه)
أي بالخائف (إعسار يعسر) عليه (إثباته) بخلاف الموسر بما يفي بما عليه والمعسر القادر على الاثبات ببينة أو حلف والغريم يطلق لغة على المدين والدائن وهو المراد هنا.
وقولي يعسر إثباته من زيادتي وصرح به البسيط، (و) خوف من (عقوبة) كقود وحد قذف وتعزير لله تعالى أو لآدمي (يرجو) الخائف (العفو) عنها (بغيبته) مدة رجائه العفو بخلاف ما لا يقبل العفو كحد سرقة وشرب وزنا، إذا بلغت الامام.
أو كان لا يرجو العفو واستشكل الامام جواز الغيبة لمن عليه قود، فإن موجبه كبيرة والتخفيف ينافيه وأجاب بأن العفو مندوب إليه والغيبة طريقه.
قال الاذرعي: والاشكال أقوى، (و) خوف من (تخلف عن رفقة) ترحل لمشقة التخلف عنهم، (وفقد لباس لائق) به وإن وجد ساتر العورة لانه عليه مشقة في خروجه.
كذلك.
أما إذا وجد لائقا به ولو ساتر العورة فقط ليس بعذر.
وتعبيري بذلك أولى من قوله وعري لايهامه أنه لا يعذر من وجد ساتر العورة مطلقا مع أنه يعذر إذا لم يعتد ذلك، (وأكل ذي ريح كريه) بقيد زدته بقولي (تعسر إزالته) كبصل وثوم لخبر الصحيحين: من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا فلا يقربن مسجدنا.
وفي رواية المساجد: فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو ادم زاد البخاري قال جابر: ما أراه يعني إلا نيئه بخلاف ما إذا لم تعسر وبخلاف المطبوخ لزوال ريحه (وحضور مريض) ولو غير نحو قريب (بلا متعهد) له لتضرره بغيبته عنه، (أو) بمتعهد و (كان) المريض (نحو قريب) كزوج ورقيق وصهر وصديق (محتضرا)

(1/109)


أي حضره الموت، لتألم نحو قريبه لغيبته عنه (أو) لم يكن محتضرا، لكن (يأنس به) أي بالحاضر لما مر في الاولى بخلاف مريض له متعهد.
ولم يكن نحو قريب أو كان ولم يكن محتضرا أو لا يأنس بالحاضر.
ولو كان المتعهد مشغولا بشراء الادوية مثلا عن الخدمة، فكما لو لم يكن له متعهد وقد ذكرت في شرح الروض زيادة على الاعذار المذكورة مع فوائد ونحو من زيادتي وكذا التقييد بقريب في الايناس.
فصل
في صفات الائمة (لا يصح اقتداؤه بمن يعتقد بطلان صلاته كشافعي) اقتدى (بحنفي مس فرجه) فإنه لا يصح (لا إن افتصد) فإنه يصح اعتبارا باعتقاد المقتدي أن المس ينقض دون القصد فمدار عدم صحة الاقتداء بالمخالف على تركه واجبا في اعتقاد المقتدي، (وكمجتهدين اختلفا في إناءين) من الماء طاهر ونجس وتوضأ كل من إنائه فليس لواحد منهما أن يقتدي بالآخر لاعتقاده بطلان صلاته، (فإن تعدد الطاهر) من آنية مع تعدد المجتهد وظن كل منهم طهارة إنائه فقط كما في المثال الآتي (صح) اقتداء بعضهم ببعض، (ما لم يتعين إناء أمام لنجاسة) فلا يصح الاقتداء بصاحبه، (فلو اشتبه خمسة) من آنية (فيها نجس على خمسة) من أناس واجتهدوا (فظن كل طهارة إناء) منها (فتوضأ به وأم) بالباقين (في صلاة) من الخمس (أعاد ما ائتم فيه آخرا).
فلو ابتدؤوا بالصبح أعادوا العشاء إلا أمامها فيعيد المغرب لتعين إناءي أماميهما للنجاسة في حق المؤتمين فيهما.
(ولا) يصح اقتداؤه (بمقتد) لو شكا، لانه تابع لغيره يلحقه سهوه ومن شأن الامام الاستقلال وحمل سهو غيره فلا يجتمعان (ولا بمن تلزمه إعادة) كمتيمم لبرد لعدم الاعتداد بصلاته.
(وصح) الاقتدا (بغيره كمستحاضة غير متحيرة) ومتيمم لا تلزمه إعادة ماسح خف ومضطجع ومستلق ولو موميا وصبي ولو عبدا وسلس ومستجمر أما المتحيرة فلا يصح اقتداء غيرها ولو متحيرة بها بناء على وجوب الاعادة عليها وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره.

(1/110)


(ولا) يصح (اقتداء غير أنثى) من ذكر وخنثى (بغير ذكر) من أنثى وخنثى، وأن جهل حالهما لخبر ابن ماجة: لا تؤمن امرأة رجلا.
وقيس بها خنثى احتياطا، والخنثى المقتدى بأنثى يجوز كونه ذكرا وبخنثى يجوز كونه ذكرا والامام أنثى فعلم مما صرح به الاصل أنه لو اقتدى بخنثى فبان ذكرا لم تسقط الاعادة لعدم اقتدائه به ظاهرا للتردد في حاله.
وأنه لو بان إمامه أنثى وجبت الاعادة ومثلها ما لو بأن خنثى ويصح اقتداء الانثى بأنثى وخنثى كما يصح اقتداء الذكر وغيره بذكر (ولا) اقتداء (قارئ بأمي) أمكنه التعلم أو لا علم القارئ حاله
أو لا لان الامام بصدد تحمل القراءة عن المسبوق.
وإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل فعلم مما صرح به الاصل، بأنه لو بان إمامه أميا وجبت الاعادة و الامي من (يخل بحرف) كتخفيف مشدد (من الفاتحة) بأنه لا يحسنه (كأرت) بمثناة وهو من (يدغم) بإبدال (في غير محله) أي الادغام بخلافه بلا إبدال كتشديد اللام أو الكاف من مالك (وألثغ) بمثلثة وهو من (يبدل حرفا) بأن يأتي بغيره بدله كأن يأتي بالمثلثة بدل السين، فيقول المثتقيم (فإن أمكنه) أي الامي (تعلم) ولم يتعلم (لم تصح صلاته) كما ذكره الاصل في اللاحن الصادق بالامي (وإلا صحت كاقتدائه بمثله) فيما يخل به كأرت بأرت وألثغ بألثغ في حرف لا في حرفين ولا في أرت بألثغ وعكسه لان كلا منهما في ذلك يحسن ما لا يحسنه الآخر.
وكذا من يحسن سبع آيات من غير الفاتحة بمن لا يحسن إلا الذكر، ولو كانت لثغته يسيرة بأن يأتي بالحرف غير صاف لم يؤثر (وكره) الاقتداء (بنحو تأتاء) كفأفاء ووأواء وهم من يكرر التاء والفاء والواو وجاز الاقتداء بهم مع زيادتهم لعذرهم فيها، وتعبيري بنحو تأتاء أولى من تعبيره بالتمتام والفأفاء.
(ولاحن) بما لا يغير المعنى كضم هاء لله (فإن غير معنى في الفاتحة) كأنعمت بضم أو كسر (ولم يحسنها) أي اللاحن الفاتحة (فكأمي) فلا يصح اقتداء القارئ به أمكنه التعلم أولا ولا صلاته، إن أمكنه التعلم وإلا صحت كاقتدائه بمثله فإن أحسن اللاحن الفاتحة وتعمد اللحن أو سبق لسانه إليه.
ولم يعد القراءة على الصواب في الثانية لم تصح صلاته مطلقا ولا الاقتداء به عند العلم بحاله ذكره الماوردي، (أو) في (غيرها) أي الفاتحة كجر اللام في قوله أن الله برئ من المشركين ورسوله (صحت صلاته وقدوة به) حال كونه (عاجزا) عن التعلم (أو جاهلا) بالتحريم (أو ناسيا) كونه في الصلاة، أو أن ذلك لحن لان ترك السورة جائز لكن القدوة

(1/111)


به مكروهة قال الامام ولو قيل ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيدا.
لانه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة وقواه السبكي.
أما القادر العالم العامد فلا تصح صلاته ولا القدوة به للعالم بحاله، وقولي أو جاهلا أو ناسيا من زيادتي وكالفاتحة فيما ذكر بدلها
(ولو بان إمامه) بعد الاقتداء به (كافرا ولو مخفيا) كفره كزنديق (وجبت الاعادة) لتقصيره، بترك البحث في ذلك ولنقص الامام.
نعم لو لم يبن كفره إلا بقوله وقد أسلم قبل الاقتداء به فقال بعد الفراغ لم أكن أسلمت حقيقة أو أسلمت ثم ارتددت لم تجب الاعادة لانه كافر بذلك فلا يقبل خبره (لا) إن بان (ذا حدث) ولو حدثا أكبر (و) ذا (نجاسة خفية) في ثوبة أو بدنه فلا تجب الاعادة على المقتدى لانتفاء التقصير منه في ذلك بخلاف النجاسة الظاهرة.
وهي ما يكون بحيث لو تأملها المقتدي رآها والخفية بخلافها وحمل في المجموع إطلاق من أطلق وجوب الاعادة في النجاسة على الظاهرة، لكنه صحح في التحقيق عدم وجوب الاعادة مطلقا ومحل عدم وجوبها فيما ذكر في غير الجمعة وكذا فيها إن زاد الامام على أربعين.
نعم إن علم المأموم الحدث أو النجس ثم نسي ولم يحتمل التطهر وجبت الاعادة وتعبيري بالمحدث أعم من تعبيره بالجنب (وعدل أولى من فاسق)، بل يكره الائتمام به وإن اختص بصفات مرجحة لانه يخاف منه أن لا يحافظ على الواجبات ويكره أيضا الائتمام بمبتدع لا نكفره وإمامة من يكرهه أكثرهم شرعا الائتمام به.
(وقدم وال بمحل ولايته) الاعلى فالاعلى للخبر الآتي ولان تقديم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة (فإمام راتب) من زيادتي.
وصرح به في الروضة وأصلها، نعم إن ولاه الامام الاعظم فهو مقدم على الوالي كما قاله الاذرعي وغيره، (و) قدم (ساكن) فمكان (بحق) ولو بإعارة أو إذن من سيد العبد له على غيره للخبر الآتي فيقدم مكتر على مكر لملكه المنفعة وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (لا على معير) للساكن بل يقدم المعير عليه لملكه الرقبة والمنفعة (و) لا على (سيد) أذن له في السكني بل يقدم سيده عليه (غير) سيد (مكاتب له) فمكاتبه مقدم عليه فيما لم يستعره من سيده لانه معه كالاجنبي (فأفقه) لان افتقار الصلاة للفقه لا ينحصر بخلاف القرآن (فأقرأ) أي أكثر قرآنا لانها أشد افتقارا إلى القرآن من الورع (فأورع) أي أكثر ورعا، وهو زيادة على العدالة بالعفة وحسن السيرة (فأقدم هجرة) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو إلى دار الاسلام للخبر الآتي.
وبه علم أن من هاجر مقدم على من لم

(1/112)


يهاجر وهذا مع تقديم الاقرإ على الاورع، والاورع على من بعده من زيادتي وهو ما في التحقيق وغيره.
(فأسن) في الاسلام لا بكبر السن (فأنسب) وهو من ينتسب إلى قريش أو ذي هجرة أو أقدمها أو غيرهم ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء، لان فضيلة الاول في ذاته والثاني في آبائه وفضيلة الذات أولى.
وروى الشيخان: ليؤمكم أكبركم وروى مسلم خبر: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا وفي رواية سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه.
وفي رواية في بيته ولا سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه فظاهره تقديم الاقرإ على الافقه كما هو وجه وأجاب عنه الشافعي، بأن الصدر الاول كانوا يتفقهون مع القراءة فلا يوجد قارئ إلا وهو فقيه وللنووي فيه إشكال ذكرته مع جوابه في شرح الروض.
واعلم أنه لو كان الافقه أو الاقرأ صبيا أو مسافرا أو فاسقا أو ولد زنا، فضده أولى كما أشرت إلى بعضه فيما مر.
وبما تقرر علم أن المنتسب إلى من هاجر مقدم على المنتسب إلى قريش مثلا (فأنظف ثوبا وبدنا وصنعة) على الاوسخ لافضاء النظافة إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع (فأحسن صوتا) لميل القلوب إلى الاقتداء به واستماع كلامه (ف) أحسن (صورة) لميل القلوب إلى الاقتداء به كذا رتب في الروضة كأصلها عن المتولي وجزم به في الشرح الصغير والاصل عطف بالواو فقال: فإن استويا فنظافة الثوب والبدن وحسن الصوت وطيب الصنعة ونحوها، أي كحسن وجه وسمت والذي في التحقيق فإن استويا قدم بحسن الذكر ثم بنظافة الثوب والبدن وطيب الصنعة وحسن الصوت ثم الوجه وفي المجموع المختار تقديم أحسنهم ذكرا ثم صوتا ثم هيئة فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما وأعمى كبصير)، لتعارض فضيلتيهما لان الاعمى أخشع والبصير أحفظ عن النجاسة (وعبد فقيه كحر غير فقيه) هو من زيادتي وهو ما صححه في المجموع.
وقال السبكي عندي أن الاول أولى انتهى فإن استويا فالحر ولو ضريرا أولى من العبد ولو بصيرا والبالغ ولو عبدا أولى
من الصبي ولو حرا أو أفقه (ولمقدم بمكان) لا بصفات (تقديم) لمن يكون أهلا للامامة وهذا أعم من قوله فإن لم يكن أهلا فله التقديم.

(1/113)


فصل في شروط الاقتداء وآدابه (للاقتداء شروط) سبعة أحدها (عدم تقدمه في المكان) بأن لا يتقدم قائم بعقبيه وهما مؤخر قدميه وإن تقدمت أصابعه ولا قاعد بأليتيه ولا مضطجع بجنبه، فتعبيري بذلك أعم من قوله في الموقف (على إمامه) تبعا للسلف والخلف فيضر تقدمه عليه كتقدمه بالتحرم قياسا للمكان على الزمان ولان ذلك أفحش من المخالفة في الافعال المبطلة ولا تضر مساواته لكنها تكره كما في المجموع وغيره ولو شك في تقدمه صحت صلاته، لان الاصل عدم المفسد (وسن أن يقف إمام خلف المقام عند الكعبة) تبعا له (صلى الله عليه وسلم) وللصحابة من بعده وهذا من زيادتي (و) أن (يستديروا) أي المأمون (حولها) إن صلوا في المسجد الحرام ليحصل توجه الجميع إليها (ولا يضر كونهم أقرب إليها في غير جهة الامام) منه إليها في جهته لانتفاء تقدمهم عليه ولان رعاية القرب والبعد في غير جهته مما يشق بخلاف الاقرب في جهته فيضر.
فلو توجه الركن فجهته مجموع جهتي جانبيه فلا يتقدم عليه المأموم المتوجه له أو لاحدى جهتيه (كما) لا يضر كون المأموم أقرب إلى الجدار الذي توجه إليه من الامام إلى ما توجه إليه (لو وقفا فيها) أي الكعبة، (واختلفا جهة) كأن كان وجه المأموم إلى وجه الامام أو ظهره إلى ظهره فإن اتحدا جهة ضر ذلك ولو وقف الامام فيها والمأموم خارجها جاوز له التوجه إلى أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز أيضا لكن لا يتوجه المأموم إلى الجهة التي توجه إليها الامام لتقدمه حينئذ عليه.
(و) سن (أن يقف ذكر) ولو صبيا لم يحضر غيره (عن يمينه) أي الامام لخبر الشيخين عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي من الليل فقمت عن يساره
فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه.
(و) أن (يتأخر) عنه إن كان الامام مستورا (قليلا) استعمالا للادب وإظهارا لرتبة الامام على رتبة المأموم (فإن جاء) ذكر (آخر أحرم عن يساره ثم) بعد إحرامه (يتقدم الامام أو يتأخران في قيام) لا في غيره، كقعود وسجود إذ لا يتأتى التقدم والتأخر

(1/114)


فيه إلا بعمل كثير.
والظاهر أن الركوع كالقيام وقولي في قيام من زيادتي (وهو) أي تأخرهما (أفضل) لخبر مسلم عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي فقمت عن يساره، فأخذ بيدي حتى أدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه، ولان الامام متبوع فلا ينتقل من مكانه هذا (إن أمكن) أي كل من التقدم والتأخر.
فإن لم يمكن إلا أحدهما لضيق المكان من أحد الجانبين فعل الممكن لتعينه طريقا في تحصيل السنة والتقيد بذلك من زيادتي.
(و) أن يصطف (ذكران) ولو صبيين أو رجلا وصبيا جاءا معا أو مرتبين (خلفه كامرأة فأكثر) ولو جاء ذكر وامرأة قام الذكر عن يمينه، والمرأة خلف الذكر أو ذكران وامرأة صفا خلفه والمرأة خلفهما أو ذكر وامرأة وخنثى وقف الذكر عن يمينه والخنثى خلفهما والمرأة خلف الخنثى.
(وأن يقف خلفه رجال) لفضلهم فصبيان لانهم من جنس الرجال وظاهر أن محله إذا استوعب الرجال الصف وإلا كمل بهم أو ببعضهم (فخناثى) لاحتمال ذكورتهم وذكرهم من زيادتي وصرح به في التحقيق وغيره (فنساء) والاصل في ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): ليليني منكم أولو الاحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا رواه مسلم.
وقوله: ليليني بتشديد النون بعد الياء ويحذفها وتخفيف النون روايتان والنهي جمع فيه بضم النون وهو العقل فلو حضر الصبيان أولا واستوعبوا الصف ثم حضر الرجال لم يؤخروا من مكانهم بخلاف من عداهم.
(و) أن تقف (إمامتهن وسطهن) بسكون السين أكثر من فتحها كما كانت عائشة وأم سلمة تفعلان ذلك رواه البيهقي، باسنادين صحيحين فلو أمهن غير امرأة قدم عليهن وكامرأة عار أم عراة بصراء
في ضوء وذكر سن المذكورات من زيادتي.
(وكره لمأموم انفراد) عن صف من جنسه لخبر البخاري عن أبي بكرة: أنه دخل والنبي (صلى الله عليه وسلم) راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك له (صلى الله عليه وسلم) فقال: زادك الله حرصا ولا تعد (بل يدخل الصف إن وجد سعه) بفتح السين ولو بلا خلاء عن صف بأن يكون بحيث لو دخل بينهم لوسعهم بل له أن يخرق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها.
ولا يتقيد خرق الصفوف بصفين كما زعمه بعضهم وإنما يتقيد به تخطي الرقاب الآتي بيانه في الجمعة (وإلا) أي وإن لم يجد سعة (أحرم ثم) بعد إحرامه (جر) إليه، (شخصا) من الصف ليصطف معه خروجا من الخلاف، (وسن) لمجرور (مساعدته) بموافقته فيقف معه صفا لينال فضل المعاونة على البر والتقوى.
وظاهر أنه لا يجر أحدا من الصف إذا كان اثنين لانه يصير

(1/115)


أحدهما منفرد.
نعم إن أمكنه الخرق ليصطف مع الامام أو كان مكانه يسع أكثر من اثنين فينبغي أن يخرق في الاولى ويجرهما معا في الثانية والتصريح بالسنية من زيادتي.
(و) ثاني الشروط (علمه) أي المأموم (بانتقال الامام) ليتمكن من متابعته (برؤية) له أو لبعض الصف (أو نحوها)، كسماع لصوته أو صوت مبلغ وتعبيري بنحوها أعم من تعبيره بالسماع.
(و) ثالثها (اجتماعهما) أي الامام والمأموم (بمكان) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ولاجتماعهما أربعة أحوال أحوال لانهما إما أن يكونا بمسجد أو بغيره من فضاء، أو بناء أو يكون أحدهما بمسجد والآخر خارجة (فإن كانا بمسجد صح الاقتداء، وإن) بعدت مسافة و (حالت أبنية) كبئر وسطح بقيد زدته بقولي (نافذة) إليه أغلقت أبوابها أولا لانه كله مبنى للصلاة، فالمجتمعون فيه مجتمعون لاقامة الجماعة مؤدون لشعائرها.
فإن لم تكن نافذة إليه لم يعد الجامع لهما مسجدا واحدا فيضر الشباك والمساجد المتلاصقة التي تفتح أبواب بعضها إلى بعض كمسجد واحد، وإن انفرد كل واحد منها بإمام وجماعة، (أو) كان (بغيره) أي بغير مسجد من فضاء أو بناء (شرط في فضاء)
ولو محوطا أو مسقفا (أن لا يزيد ما بينهما ولا ما بين كل صفين أو شخصين) ممن ائتم بالامام خلفه أو بجانبه (على ثلاثمائة ذراع) بذراع الآدمي (تقريبا) أخذا من عرف الناس فإنهم يعدونهما في ذلك مجتمعين فلا يضر زيادته ثلاثة أذرع كما في التهذيب وغيره.
(و) شرط (في بناء) بأن كانا ببناءين كصحن وصفة من دار أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء (مع ما مر) آنفا إما (عدم حائل) بينهما يمنع مرورا أو رؤية (أو وقوف واحد حذاء منفذ) بفتح الفاء (فيه) أي في الحائل إن كان فإن حال ما يمنع مرورا كشباك أو رؤية كباب مردود، أو لم يقف أحد فيما مر لم يصح الاقتداء إذ الحيلولة بذلك تمنع الاجتماع والتصريح بالترجيح فيما يمنع المرور لا الرؤية من زيادتي وهو ما في أصل الروضة وغيره وقول الاصل، ولو وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه شرط محاذاة بعض بدنه إنما يأتي على طريقة المراوزة التي رجحها الرافعي.
أما على طريقة العراقيين التي رجحها النووي، فلا يشترط ذلك وإنما يشترط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع كما تقرر وعليه يدل كلام الروضة كأصلها.
والمجموع وإذا صح اقتداء الواقف فيما مر (فيصح اقتداء من خلفه أو بجانبه) وإن حيل بينه وبين الامام ويكون ذلك كالامام لمن خلفه أو بجانبه لا يجوز تقدمه عليه كما لا يجوز تقدمه على الامام،

(1/116)


(كما لو كان أحدهما بمسجد والآخر خارجه) فيشترط مع قرب المسافة عدم حائل أو وقوف واحد حذاء منفذ.
(وهو) أي الآخر (والمسجد كصفين) فتعتبر المسافة بينهما من طرف المسجد الذي يلي من بخارجه لانه محل الصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل لا من آخر صف ولا من موقف الامام وتعبيري بخارجه أعم من تعبيره.
بموات وذكر حكم كون الامام خارج المسجد والمأموم داخله من زيادتي وهو مقتضى كلام الشيخين وبه صلاح ابن يونس وغيره، (ولا يضر) في جميع ما ذكر (شارع) ولو كثر طروقه (و) لا (نهر) وإن أحوج إلى سباحة، لانهما لم يعدا للحيلولة.
(وكره ارتفاعه على إمامة وعكسه) حيث أمكن وقوفهما على مستو (إلا لحاجة) كتعليم الامام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأموم تكبير الامام (فيسن) ارتفاعهما
لذلك (كقيام غير مقيم) من مريد الصلاة (بعد فراغ إقامته) لانه وقت الدخول في الصلاة، سواء أقام المؤذن أم غيره وتعبير الاصل بفراغ المؤذن من الاقامة جرى على الغالب وخرج بزيادتي غير مقيم المقيم فيقوم قبل الاقامة ليقيم قائما (وكره ابتداء نفل بعد شروعه) أي لمقيم (فيها) في الاقامة لخبر مسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (فإن كان فيه) أي في النفل (أتمه إن لم يخش) بإتمامه (فوت جماعة) بسلام الامام وإلا قطعه ندبا ودخل فيها لانها أولى منه.
وذكر الكراهة في هذه والسنة في التي قبلها من زيادتي.
(و) رابعها: (نية اقتداء) أو ائتمام بالامام (أو جماعة) معه في غير جمعة مطلقا (وفي جمعة مع تحرم) لان التبعية عمل فافتقرت إلى نية إذ ليس للمرء إلا ما نوى فإن لم ينو مع التحريم انعقدت صلاته فرادى إلا الجمعة فلا تنعقد أصلا لاشتراط الجماعة فيها، وتخصيص المعية بالجمعة من زيادتي.
(لا تعيين إمام) فلا يشترط لان مقصود الجماعة لا يختلف بذلك بل يكفي نية الاقتداء بالامام الحاضر (فلو تركها) أي هذه النية (أوشك) فيها (وتابع في فعل أو سلام بعد انتظار كثير) للمتابعة بطلت صلاته، لانه وقفها على صلاة غيره بلا رابطة بينهما فلو تابعه اتفاقا أو بعد انتظار يسير أو انتظره كثيرا بلا متابعة لم يضر وتعبيري بفعل أولى من تعبيره بالافعال.
ومسألة الشك مع قولي أو سلام إلى آخره من زيادتي.
وما ذكرته في مسألة الشك هو ما اقتضاه قول الشيخين إنه في حال شكه كالمنفرد وهو المعتمد وإن اقتضى قول العزيز وغيره.
إن الشك فيها كالشك في أصل النية أنها تبطل بالانتظار الطويل وإن لم يتابع وباليسير مع المتابعة (أو عين إماما) بقيد زدته بقولي (ولم يشر) إليه (وأخطأ) كأن

(1/117)


نوى الاقتداء بزيد، فبان عمرا (بطلت صلاته) لمتابعته من لم ينو الاقتداء به فأن عينه بإشارة إليه كهذا معتقدا أنه زيدا أو زيد هذا أو الحاضر صحت لان الخطأ لم يقع في الشخص لعدم تأتيه فيه بل في الظن ولا عبره بالظن البين خطؤه (ونية إمامة) أو جماعة من إمام مع تحرم (شرط في جمعة) ولو كان زئدا على الاربعين لعدم استقلاله فيها (سنة في غيرها) ليجوز فضيلة
الجماعة، وإنما لم تشترط هنا لاستقلاله وتصح نية لها مع تحرمه وإن لم يكن إماما في الحال لانه سيصير إماما.
وإذا نوى في أثناء الصلاة حاز الفضيلة من حينئذ والتفصيل بين الجمعة وغيرها من زيادتي.
والاصل أطلق السنية (فلا يضر فيه) أي في غير الجمعة (خطؤه في تعيين تابعه) لان خطأه في النية لا يزيد على تركها.
أما في الجمعة فيضر ما لم يشر إليه لان ما يجب التعرض له يضر الخطأ فيه وقولي فيه من زيادتي (و) خامسها (توافق نظم صلاتيهما) في الافعال الظاهرة (فلا يصح) الاقتداء (مع اختلافه كمكتوبة وكسوف أو جنازة) لتعذر المتابعة، (ويصح) الاقتداء (لمؤد بقاض ومفترض بمنتفل وفي طويلة بقصيرة) كظهر بصبح (وبالعكوس) أي لقاض بمؤد ومتنفل بمفترض وفي قصيرة بطويلة ولا يضره اختلاف نية الامام والمأموم وتعبيري بطويلة إلى آخره أعم مما عبر به.
(والمقتدى في نحو ظهر بصبح أو مغرب كمسبوق) فيتم صلاته بعد سلام إمامه ونحو من زيادتي (والافضل متابعته في قنوت) في الصبح، (وتشهد آخر) في المغرب فله فراقه بالنية إذا اشتغل بهما وذكر الافضلية من زيادتي وبه صرح في المجموع، (و) المقتدى (في عكس ذلك) أي في صبح أو مغرب بنحو ظهر (إذا أتم) صلاته (فارقه) بالنية (والافضل انتظاره في صبح) ليسلم معه بخلافه في المغرب.
ليس له انتظاره لانه يحدث جلوسا لم يفعله الامام وقولي وفي عكس ذلك إلى آخره أعم مما عبر به (ويقنت) فيه (إن أمكنه) القنوت بأن وقف الامام يسيرا، (وإلا تركه) ولا شئ عليه (ولا فراقه ليقنت) تحصيلا للسنة.
(و) سادسها: موافقته في سنن تفحش مخالفته فيها) فعلا وتركا كسجدة تلاوة وتشهد أول

(1/118)


على تفصيل فيه بخلاف ما لا تفحش فيه المخالفة كجلسة الاستراحة وتقدم حكم الاولين في بابي سجود السهو والتلاوة والتصريح بهذا الشرط من زيادتي، وبه صرح في الروضة كأصلها.
(و) سابعها: (تبعية) لامامه (بأن يتأخر تحرمه) عن تحرم إمامه فإن خالفه لم تنعقد صلاته لخبر الشيخين إنما جعل الامام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ولانه ربطها بمن ليس في صلاة
فمقارنته له في التحرم ولو بشك مع طول فصل مانعة من الصحة.
(و) أن (لا يسبقه بركنين فعليين) ولو غير طويلين بقيدين زدتهما بقولي (عامدا عالما) بالتحريم والسبق بهما يقاس بما يأتي في التخلف بهما.
لكن مثله العراقيون بما إذا ركع قبل الامام فلما أراد أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد.
قال الشيخان فيجوز أن يقدر مثله في التخلف ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم لان المخالفة فيه أفحش (و) أن (لا يتخلف) عنه (بهما بلا عذر فإن خالف) في السبق أو التخلف بهما ولو غير طويلين (بطلت صلاته) لفحش المخالفة، بلا عذر بخلاف سبقه بهما ناسيا أو جاهلا، لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بعد سلام إمامه بركعة بخلاف سبقه بركن، كأن ركع قبله وإن عاد إليه أو ابتدأ رفع الاعتدال قبل ركوع إمامه.
لان ذلك يسير لكنه في الفعلى بلا عذر حرام لخبر مسلم: لا تبادروا الامام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وبخلاف سبقه بركنين غير فعليين كقراءة وركوع أو تشهد وصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا تجب إعادة ذلك وبخلاف تخلفه بفعلي مطلقا أو بفعليين بعذر كأن ابتدأ إمامه هوى السجود، وهو في قيام القراءة وبخلاف المقارنة في غير التحرم، لكنها في الافعال مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة كما جزم به في الروضة ونقله في أصلها عن البغوي وغيره.
قال الزركشي ويجري ذلك في سائر المكروهات المفعولة مع الجماعة من مخالفة مأمور به في الموافقة أو المتابعة كالانفراد عنهم إذ المكروه لا ثواب فيه مع أن صلاته جماعة إذ لا يلزم من انتفاء فضلها انتفاؤها.
(والعذر كأن أسرع إمام قراءة وركع قبل إتمام موافق) له (الفاتحة) وهو بطئ القراءة (فيتمها ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة) فلا يعدمها الاعتدال والجلوس بين السجدتين لما مر في سجود السهو أنهما قصيران، (وإلا) بأن سبقه بأكثر من الثلاثة بأن لم يفرغ من الفاتحة إلا والامام قائم عن السجود أو جالس للتشهد (تبعه) فيما هو فيه، (ثم تدارك بعد سلام) من (إمامه) ما فاته كمسبوق (فإن لم يتمها) الموافق (لشغله بسنة) كدعاء الافتتاح

(1/119)


(فمعذور) كبطئ القراءة فيأتي فيه ما مر.
وتعبيري بسنة أولى من تعبيره بدعاء الافتتاح
(كمأموم على أوشك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة) فإنه معذور (فيقرؤها ويسعى) خلفه (كما مر) في بطئ القراءة.
(وإن كان) أي علمه بذلك أوشكه فيه (بعدهما) أي بعد ركوعهما (لم يعد إليها) أي إلى محل قراءتها ليقرأها فيه لفوته (بل) يتبع إمامه و (يصلي ركعة بعد سلام) كمسبوق (وسن لمسبوق أن لا يشتعل) بعد تحرمه (بسنة) كتعوذ (بل بالفاتحة إلا أن يظن إدراكها) مع اشتغاله بالسنة فيأتي بها، ثم بالفاتحة والتصريح بالسنية من زيادتي وتعبيري بيظن أولى من تعبيره بيعلم (وإذا ركع إمامه ولم يقرأها) أي المسبوق الفاتحة (فإن لم يشتغل بسنة تبعه) وجوبا في الركوع (وأجزأه) وسقطت عنه الفاتحة كما لو أدركه في الركوع سواء أقرأ شيئا من الفاتحة أم لا فلو تخلف لقراءتها حتى رفع الامام من الركوع فاتته الركعة، (وإلا) بأن اشتغل بسنة (قرأ) وجوبا (بقدرها) من الفاتحة لتقصيره بعدوله عن فرض إلى سنة سواء أقرأ شيئا من الفاتحة أم لا، والشق الثاني في هذا وما قبله من زيادتي قال الشيخان كالبغوي وهو بتخلفه في هذا معذور لالزامه بالقراءة.
وقال القاضي والمتولي غير معذور لتقصيره بما مر فإن لم يدرك الامام في الركوع فاتته الركعة ولا يركع لانه لا يحسب له بل يتابعه في هويه للسجود كما جزم به في التحقيق فليس المراد بكونه معذورا أنه كبطئ القراءة مطلقا بل، لانه لاكراهة ولا بطلان بتخلفه فإن ركع مع الامام بدون قراءة بقدرها بطلت صلاته.

(1/120)


فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما (تنقطع قدوة بخروج إمامه من صلاته) بحدث أو غيره لزوال الرابطة (وله) أي المأموم (قطعها) بنية المفارقة إن كانت الجماعة فرض كفاية لانه لا يلزم بالشروع إلا في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة.
ولان الفرقة الاولى فارقت النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذات الرقاع كما سيأتي (وكره) من زيادتي أي قطعها لمفارقة الجماعة المطلوبة وجوبا أو ندبا مؤكدا (إلا لعذر) سواء
أرخص في ترك الجماعة أولا (كمرض وتطويل إمام) القراءة لمن لا يصبر لضعف أو شغل (وتركه سنة مقصودة) كتشهد أول أو قنوت فيفارقه ليأتي بها (ولو نواها) أي القدوة (منفردا في أثناء صلاة جاز) كما يجوز أن يقتدي جمع بمنفرد فيصير إماما.
(وتبعه) فيما هو فيه وإن كان على خلاف نظم صلاته رعاية لحق الاقتداء (فأن فرغ إمامه أولا فهو كمسبوق) فيتم صلاته (أو) فرغ (هو) أولا (فانتظاره أفضل) من مفارقته ليسلم.
وإن جازت بلا كراهة على قياس ما مر في الاقتداء في الصبح بنحو الظهر وذكر الافضلية من زيادتي (وما أدركه مسبوق) مع الامام مما يعتد له به، (فأول صلاته) وما يفعل بعد سلام الامام آخرها (فيعيد في ثانية صبح) أدرك الآخرة منها، وقنت فيها مع الامام (القنوت و) في ثانية (مغرب) أدرك الآخرة منها معه (التشهد)، لانها محلهما وما فعله مع الامام إنما كان للمتابعة.
وروى الشيخان: خبر ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
وإتمام الشئ إنما يكون بعد أوله ويقضي فيما لو أدرك ركعتين من رباعية قراءة السورة في الاخيرتين لئلا تخلو صلاته منها كما مر في صفة الصلاة.
أما ما لا يعتد له به كأن أدركه في الاعتدال فليس بأول صلاته وإنما يفعله للمتابعة (وإن أدركه في ركوع محسوب) للامام (واطمأن يقينا قبل ارتفاع إمامه عن أقله أدرك الركعة) لخبر أبي بكرة السابق في الفصل المتقدم.
وخرج بالركوع غيره كالاعتدال وبالمحسوب وهو أعم مما عبر به في باب الجمعة غيره كركوع محدث وركوع زائد ومثله الركوع الثاني من

(1/121)


الكسوف كما سيأتي في بابه وإن كان محسوبا وباليقين.
ما لو شك أو ظن في إدراك الحد المعتبر قبل ارتفاع إمامه، فلا يدرك الركعة لان الاصل عدم إدراكه وإن كان الاصل أيضا بقاء الامام فيه ورجح الاول بأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع به رخصة فلا يصار إليه إلا بيقين، (ويكبر) أي مسبوق أدرك الامام في ركوع.
(لتحرم ثم لركوع) كغيره.
(فلو كبر واحدة فإن نوى بها التحرم فقط) وأتمها قبل هويه (انعقدت) صلاته ولا يضر ترك تكبيرة الركوع لانها سنة (وإلا) بأن نواهما بها أو الركوع فقط أو أحدهما مبهما أو لم ينو شيئا (فلا) تنعقد للتشريك في
الاولى بين فرض وسنة مقصودة ولخلوها عن التحرم في الثانية ولتعارض قرينتي الافتتاح والهوي في الاخيرتين وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (ولو أدركه في اعتداله فما بعده وافقه فيه وفي ذكره) أي ذكر ما أدركه فيه من تحميد وتسبيح وتشهد ودعاء (و) في (ذكر انتقاله عنه) من تكبير (لا) في ذكر انتقاله (إليه) فلو أدركه فيما لا يحسب له كسجود لم يكبر للانتقال إليه لانه لم يتابعه فيه ولا هو محسوب له بخلاف انتقاله عنه وانتقاله إلى الركوع، وتعبيري بما ذكر أولى من عبارته لايهامها القصور على بعض ما ذكرته (وإذا سلم إمامه كبر لقيامه أو بدله) ندبا (إن كان) جلوسه مع الامام (محل جلوسه) لو كان منفردا بأن أدركه في ثانية المغرب أو ثالثة الرباعية كما لو كان منفردا (وإلا) كأن أدركه في ثالثة المغرب أو ثانية الرباعية (فلا يكبر) لذلك لانه ليس محل تكبير ولا متابعة وليس له أن يقوم وإلا بعد تسلميتي الامام وقولي كبر لقيامه أو بدله أولى وأكثر فائدة من قوله قام مكبرا.
(باب) (كيفية صلاة المسافر) من حيث القصر والجمع مع كيفية الصلاة بنحو المطر (إنما تقتصر رباعية مكتوبة) هي من زيادتي، (مؤادة أو فائتة في سفر قصر في سفر) بشروطه الآتية، فلا تقصر صبح ومغرب ومنذورة ونافلة ولا فائتة حضر لانه قد تعين فعلها أربعا فلم يجز نقصها كما في الحضر ولا مشكوك في

(1/122)


أنها فائتة حضر أو سفرا احتياطيا، ولان الاصل الاتمام ولا فائتة سفر غير قصر ولو في سفر آخر ولا فائتة سفر قصر في حضر أو سفر غير قصر، لانه ليس محل قصر (وأوله) أي السفر لساكن أبنية (مجاوزة سور) بقيد زدته بقولي (مختص بما سافر منه) كبلد وقرية وإن كان داخله أماكن خربة ومزارع لان جميع ما هو داخله معدود مما سافر منه (فإن لم يكن) له سور مختص به بأن لم يكن له سور مطلقا أو في صوب سفره أو كان له سور غير مختص به كقرى
متفاصلة جمعها سور (ف) - أوله (مجاوزة عمران) (لا) مجاوزة (خراب) بطرفه بقيد زدته بقولي (هجر) بالتحويط على العامر، أو زرع بقرينة ما يأتي (أو اندرس) بأن ذهبت أصول حيطانه لانه ليس محل إقامة بخلاف ما ليس كذلك فإنه يشترط مجاوزته كما صححه في المجموع و (لا) مجاوزة (بساتين) ومزارع كما فهمت بالاولى وإن اتصلتا بما سافر منه أو كانتا محوطتين لانهما لا يتخذان للاقامة نعم، إن كان البساتين قصور أو دور تسكن في بعض فصول السنة اشترط مجاوزتها، كذا في الروضة كأصلها قال في المجموع بعد نقله ذلك عن الرافعي وفيه نظر ولم يتعرض له الجمهور والظاهر أنه لا يشترط مجاوزتها لانها ليست من البلد، قال في المهمات والفتوى عليه والقريتان المتصلتان يشترط مجاوزتهما (و) أوله لساكن خيام كالاعراب (مجاوزة حلة فقط) بكسر الحاء بيوت مجتمعة أو متفرقة بحيث يجتمع أهلها للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض، ويدخل في مجاوزتها مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل لانها معددوة من مواضع إقامتهم (ومع) مجاوزة (عرض واد) إن سافر في عرضه (و) مع مجاوزة (مهبط) أي محل هبوط إن كان في ربوة (و) مع مجاوزة (مصعد) أي محل صعود إن كان في وهدة هذا إن (اعتدلت) الثلاثة فإن أفرطت سعتها اكتفى بمجاوزة الحلة، عرفا وظاهر أن ساكن غير الابنية والخيام كنازل بطريق خال عنهما رحلة كالحلة فيما تقرر وقولي فقط إلى آخره من زيادتي، (وينتهي) سفره (ببلوغه مبدأ سفر) من سور أو غيره (من وطنه أو) من (موضع) آخر رجع من سفره إليه أولا (وقد نوى قبل) أي قبل بلوغه بقيد زدته بقولي (وهو مستقل إقامة به) وإن لم يصلح لها (إما مطلقا) وهو من زيادتي (أو أربعة أيام صحاح) أي غير يومي الدخول والخروج (وبإقامته و) قد (علم) حينئذ (إن إربه) بكسر أوله وإسكان ثانيه وبفتحهما أي حاجته، (لا ينقضي فيها)

(1/123)


أما إذا لم ينو الاقامة أو نواها بعد بلوغه فلا ينتهي سفره بذلك وإنما ينتهي بالاقامة في الاولى وبنيتها وهو ماكث مستقل في الثانية والتقييد بالمكث فيها ذكره في المجموع ووقع لبعضم
عزوه له في غيرها، والاصل فيما ذكر خبر يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وكان يحرم على المهاجرين لاقامة بمكة ومساكنة الكفارة، رواهما الشيخان، فالترخيص بالثلاثة يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الاربعة وألحق بإقامتها نية إقامتها وتعتبر بلياليها وفي معنى الثلاثة ما فوقها ودون الاربعة، وإنما لم يحسب يوما الدخول والحروج لان فيهما الحط والرحيل وهما من أشغال السفر أما لو نوى الاقامة في الثانية وهو سائر فلا يؤثر لان سبب القصر السفر وهو موجود حقيقة وكذا لو نواها فيها أو في مسألة الكتاب غير المستقل دون مبتوعه كعبد وجيش، ولو ماكثا (وإن توقعه) أي رجا حصول أربه (كل وقت قصر ثمانية عشر يوما) صحاحا ولو غير محارب لانه (صلى الله عليه وسلم) أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة رواه أبو داود والترمذي وحسنه وإن كان في سنده ضعف، لان له شواهد تجبره، وقيس بالمحارب غيره لان المرخص هو السفر لا المحاربة وفارق ما لو علم أنه لم ينقض في الاربعة كما مر بأنه ثم مطمئن بعيد عن هيئة المسافر بخلافه هنا (و) ينتهي سفره أيضا (بنية رجوعه ماكثا) ولو من طويل (لا إلى غير وطنه لحاجة)، بأن نوى رجوعه إلى وطنه أو غيره لغير حاجة، فلا يقصر في ذلك الموضع فإن سافر فسفر جديد فإن كان طويلا قصر وإلا فلا نوى الرجوع ولو من قصير إلى غير وطنه، لحاجة لم ينته سفره بذلك وكنية الرجوع التردد فيه كما في المجموع عن البغوي وقولي ماكثا إلخ من زيادتي.
فصل في شروط القصر وما يذكر معها (للقصر شروط) ثمانية أحدها (سفر طويل) وإن قطعه في لحظة في بر أو بحر إن سافر (لغرض) صحيح (ولم يعدل) عن قصير (إليه) أي الطويل (أو عدل) عنه إليه (لغرض غير القصر) كسهولة وأمن وعيادة وتنزه فإن سافر بلا غرض صحيح كأن سافر لمجرد التنقل في البلاد لم يقصر، وإن عدل إلى الطويل لا لغرض أو لمجرد القصر فكذلك كما لو سلك القصير

(1/124)


فطوله بالذهاب يمينا وشمالا وقولي أولا لغرض من زيادتي (وهو) أي الطويل (ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ذهابا وهي مرحلتان) أي سير يومين معتدلين بسير الاثقال، وهي ستة عشر فرسخا وهي أربعة برد، فقد كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد علقه البخاري بصيغة الجزم وأسنده البيهقي بسند صحيح ومثله إنما يفعله بتوقيف وخرج زيادتي ذهاب الاياب معه، فلا يحسب حتى ولو قصد مكانا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه، بل يرجع فليس له القصر وإن ناله مشقة مرحلتين متواليين لانه لا يسمى سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع والمسافة تحديد لان القصر على خلاف الاصل فيحتاط فيه بتحقيق تقديرها والميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام وخرج بالهاشمية المنسوبة لبني هاشم الاموية المنسوبة لبني أمية، فالمسافة بها أربعون إذ كل خمسة منها قدر ستة هاشمية.
(و) ثانيها: (جوازه فلا قصر كغيره) من بقية رخص السفر (لعاص به) ولو في أثنائه كأبق وناشزه، لان السفر سبب الرخصة فلا يناط بالمعصية نعم له بل عليه التيمم مع وجوب إعادة ما صلاه به على الاصح كما في المجموع (فإن تاب فأوله محل توبته) فإن كان طويلا أول لم يشترط للرخصة طوله كأكل الميتة للمضظر فيه ترخص، وإلا فلا وألحق بسفر المعصية أن يتعب نفسه أو دابته بالركض بلا غرض ذكره في الروضة كأصلها.
(و) ثالثها: قصد محل معلوم) وإن لم يعينه (أولا) ليعلم أنه طويل فيقصر فيه وتعبيري بمعلوم أولى من تعبيره بمعين (فلا قصر لهائم) وإن طال تردده وهو من لا يدري أين يتوجه (ولا مسافر لغرض) كرد آبق (لم يقصد المحل) المذكور، وإن طال سفره لانتفاء علمه بطوله أوله نعم إن قصد سفر مرحلتين أولا كأن علم أنه لا يجد مطلوبه قبلهما قصر كما في الروضة وأصلها، قال الزركشي في مرحلتين لا فيما زاد عليهما إذ ليس مقصد معلوم انتهى وظاهر أن قصد سفرا أكثر من مرحلتين كقصد سفرهما، وأن الهائم كالمسافر المذكور في ذلك (ولا رقيق وزوجة وجندي قبل) سير (مرحلتين إن لم يعرفوا أن متبوعهم يقطعهما) لما مر، فإن عرفوا
ذلك قصروا، أما بعد سير مرحلتين فيقصرون وهذا كما لو أسر الكفار رجلا فساروا به ولم يعرف أنهم يقطعونهما لم يقصر، وإن سار معهم مرحلتين قصر بعد ذلك والتقييد بقبل مرحلتين من زيادتي، وتعبيري بما بعده أولى مما عبر به (فلو نووهما) أي المرحلتين أي سيرهما (قصر

(1/125)


الجندي) بقيد زدته بقولي (إن لم يثبت) في الديوان لانه حينئذ ليس تحت قهر متبوعه بخلافهما فنيتهما كالعدم فإن أثبت في الديوان لم يقصر وفارق غير المثبت بأنه تحت قهر الامير، فبمخالفته يختل النظام بخلاف مخالفة غير المثبت.
(و) رابعها: (عدم اقتدائه بمن جهل سفره أو بمتم) ولو في صبح أو بان حدث إمامه، (فلو اقتدى) ولو لحظة (به) أي بأحدهما (أو بمت ظنه مسافرا فبان مقيما فقط أو) مقيما (ثم محدثا) وهذا من زيادتي (أتم) لزوما إن بان في الاولى مسافرا قاصرا لتقصيره فيها.
وفي الثالثة بقسميها لظهور شعار المسافر والمقيم والاصل الاتمام ولان ذلك هو السنة في الثانية كما رواه الامام أحمد بسند صحيح عن ابن عباس، أما لو بان محدثا ثم مقيما أو بانا معا فلا يلزمه الاتمام إذ لا قدوة في الحقيقة، وفي الظاهر ظنه مسافرا (ولو استخلف قاصر) لخبيث أو غيره أعم وأولى من قوله ولو عرف الامام المسافر واستخلف (متما) من المقتدين أو غيرهم، (أتم المقتدون) به وإن لم ينووا الاقتداء به لانهم مقتدون به حكما بدليل لحوقهم سهوه (كالامام إن) عادو (اقتدى به) فإنه يلزمه لاقتدائه بمتم وسواء فيما ذكر من لزوم الاتمام للمقتدى، أفسدت صلاة أحدهما أم لا لانه التزم الاتمام بالاقتداء وما ذكر لا يدفعه (ولو ظنه) أو علمه المفهوم بالاولى (مسافرا وشك في نيته) القصر (قصر) جوازا (إن قصر) وإن علق نيته بنيته كأن قال: إن قصر قصرت وإلا أتممت لان الظاهر من حال المسافر القصر، ولا يضر التعليق لان الحكم معلق بصلاة إمامه وإن جزم فإن أتم إمامه أو لم يعلم هو حاله أتم تبعا له في الاولى واحتياطا في الثانية وقولي ظنه أولى من قوله علمه.
(و) خامسها: (نيته) أي القصر بخلاف الاتمام لانه الاصل فيلزم وإن لم ينوه (في تحرم)
كأصل النية، فلو لم ينوه فيه بأن نوى الامام أو أطلق أتم لانه المنوي في الاولى والاصل في الثانية.
(و) سادسها: (تحرز عن منافيها دواما) أي في دوام الصلاة (فلو شك هل نوى القصر) أولا (أو) نواه ثم (تردد في أنه يقصر) أو يتم (أتم) لانه الاصل ويلزمه الاتمام وإن تذكر في الاولى حالا أنه نوى للقصر لتأدى جزء الصلاة، حال التردد على التمام (ولو قام إمامه لثالثه فشك أهو متم (أو ساه) (أتم) وإن كان ساهيا لانه الاصل (أو قام لها قاصر) عامدا عالما (بلا

(1/126)


موجب لاتمام) كنيته أو نية إقامة (بطلت صلاته) كما لو قام المتم إلى ركعة زائدة (لا) إن قام لها (ساهيا أو جاهلا فليعد) عند تذكره أو علمه (ويسجد للسهو) ويسلم، (فإن أراد) عند تذكره أو علمه (أن يتم عاد ثم قام متما) بنية الاتمام لان القيام واجب عليه وقيامه كان لغوا وقولي أو جاهلا المعلوم منه تقييد ما قبله بالعلم بالتحريم من زيادتي.
(و) سابعها: (دوام سفره في) جميع (صلاته فلو انتهى) سفره (فيها) كأن بلغت سفينته فيها دار إقامته (أوشك) في انتهائه وهو من زيادتي، (أتم) لزوال سبب الرخصة في الاولى وللشك فيه في الثانية.
(و) ثامنها: وهو من زيادتي (علم بجوازه) أي القصر (فلو قصر جاهل به لم تصح صلاته) لتلاعبه كما في الروضة وأصلها (والافضل) لمسافر سفر قصر (صوم)، أي هو أفضل من الفطر إن (ليضره) لما فيه من براءة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت فإن ضره فالفطر أفضل، (و) الافضل له (قصر) أي هو أفضل من الاتمام (إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في) جواز (قصره) فإن لم يبلغها فالاتمام أفضل خروجا من خلاف أبي حنيفة، فإنه يوجب القصر إن بلغها والاتمام إن لم يبلغها وقدمت في باب مسح الخف أن من ترك رخصة رغبة عن السنة أو شكا في جوازها كره له تركها وخرج بزيادتي، ولم يختلف في قصره ما لو اختلفت فيه كملاح يسافر في البحر ومعه عياله في سفينته ومن يديم السفر مطلقا فالاتمام أفضل له لانه في وطنه وللخروج من خلاف من أوجبه عليه كالامام أحمد، فإنه لا يجوز له القصر.
فصل
في الجمع بين الصلاتين (يجوز جمع عصرين) أي الظهر والعصر (ومغربين) أي المغرب والعشاء (تقديما) في وقت الاولى (وتأخيرا) في وقت الثانية (في سفر قصر) هو أولى من قوله في السفر الطويل.

(1/127)


والجمعة كالظهر في جمع التقديم وغلب في التثنية العصر لشرفها والمغرب للنهي عن تسميتها عشاء (والافضل لسائر وقت أولى) كسائر يبيت بمزدلفة (تأخير ولغيره تقديم) للاتباع.
رواه الشيخان في العصرين وأبو داود وغيره في المغربين فلا جمع بغير ما يأتي في غير سفر قصر كحضر وسفر قصير وسفر معصية ولا تجمع الصبح مع غيرها ولا العصر مع المغرب، وترك الجمع أفضل كما أشعر به التعبير بيجوز ويستثنى منه الحاج بعرفة ومزدلفة ومن إذا صلى جماعة أو خلا من حدثه الدائم أو كشف عورته فالجمع أفضل ويستثنى من جمع التقديم المتحيرة كما في الروضة في بابها (وشرطه له) أي التقديم أربعة شروط: (أحدها: (ترتيب) بأن يبدأ بالاولى لان الوقت لها والثانية تبع فلو صلاها قبل الاولى لم تصح ويعيدها بعدها إن أراد الجمع.
(و) ثانيها: (نية جمع) ليمتيز التقديم المشروع عن التقديم سهوا أو عبثا (في أولى) ولو مع تحلله منها لحصول الغرض بذلك لكن أولها أولى.
(و) ثالثها: (ولاء) بأن لا يطول بينهما فصل (عرفا) لما روى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما وأقام الصلاة بينهما، فيضر فصل طويل ولو بعذر كسهو وإغماء بخلاف القصير كقدر إقامة وتيمم وطلب خفيف، (ولو ذكر بعدهما ترك ركن من أولى أعادهما) لبطلانها بترك الركن وتعذر التدارك بطول الفصل، والثانية لبطلان فرضيتها بانتفاء شرطها من ابتدائه بالاولى لبطلانها (وله جمعهما) تقديما أو تأخيرا لوجود المرخص (أو) ذكر بعدهما تركه (من ثانية ولم يطل فصل) بين سلامها والذكر (تدارك) وصحت، (وإلا) أي وإن طال (بطلت) الثانية (ولا جمع) لطول الفصل فيعيدها في وقتها، (ولو جهل) بأن لم يدر أن الترك من الاولى أم من الثانية (أعادهما)
لاحتمال أنه من الاولى (بلا جمع تقديم) بأن تصلي كلا منهما في وقته أو يجمعهما تأخيرا لاحتمال أنه من الثانية مع طول الفصل بها، وبالاولى المعادة بعدها فتعبيري بذلك أولى من قوله لوقتيهما.
(و) رابعها: (دوام سفره إلى عقد ثانية فلو أقام قبله فلا جمع) لزوال السبب فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها.
(وشرط للتأخير) أمران فقط: أحدهما: (نية جمع في وقت أولى ما بقي من قدر ركعة) تمييزا

(1/128)


له عن التأخير تعديا وظاهر أنه لو أخر النية إلى وقت لا يسع الاولى عصى وإن وقعت أداء (وإلا) أي وإن لم ينو الجمع أو نواه في وقت الاولى ولم يبق منه ما يسع ركعة (عصى وكانت قضاء) وقولي ما بقي قدر ركعة من زيادتي، أخذا من الروضة كأصلها عن الاصحاب وإن وقع في المجموع ما يخالفه ظاهرا وقد بينت ذلك مع فوائد في شرح البهجة وغيره.
(و) ثانيهما (دوام سفره إلى تمامها فلو أقام قبله صارت الاولى قضاء) لانها تابعة للثانية في الاداء للعذر وقد زال قبل تمامها، وفي المجموع: إذا أقام في أثناء الثانية ينبغي أن تكون الاولى أداء بلا خلاف، قال السبكي وغيره: وتعليلهم منطبق على تقديم الاولى، فلو عكس وأقام في أثناء الظهر مثلا فقد وجد العذر في جميع المتبوعة، وأول التابعة وقياس ما مر في جمع التقديم أنها أداء على الاصح كما أفهمه تعليلهم، ومنهم من أجرى الكلام على ظاهره وفرق بين جمع التقديم والتأخير وقد بينته في شرح البهجة وغيره، وأما بقية شروط التقديم فسنة هنا كما صرح به في المجموع.
(ويجوز) ولو لمقيم (جمع) لما يجمع بالسفر (بنحو مطر) كثلج وبرد ذائبين وشفان (تقديما) بقيد زدته بقولي: (بشروطه) السابقة (غير) الشرط (الاخير) في الجمع بالسفر للاتباع رواه الشيخان وغيرهما، وتعبيري بنحو مطر أعم مما ذكره.
(و) بشرط (أن يصلي جماعة بمصلى) هو أعم من قوله بمسجد (بعيد) عن باب داره عرفا بحيث (يتأذى بذلك في طريقه) إليه بخلاف من يصلي في بيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المصلى في كن أو كان المصلى
قريبا فلا يجمع لانتفاء التأذي، وبخلاف من يصلي منفردا بمصلى لانتفاء الجماعة فيه.
وأما جمعه (صلى الله عليه وسلم) بالمطر مع أن بيوت أزواجه كانت بجنب المسجد فأجابوا عنه بأن بيوتهن كانت مختلفة وأكثرها كان بعيدا فلعله حين جمع لم يكن بالقريب.
ويجاب أيضا بأن للامام أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر صرح به ابن أبي هريرة وغيره.
(و) بشرط (أن يوجد ذلك) أي نحو المطر (عند تحرمه بهما) ليقارن الجمع (و) عند (تحلله من أولى) ليتصل بأول الثانية فيؤخذ منه اعتبار امتداده بينهما وهو ظاهر، ولا يضر انقطاعه في أثناء الاولى أو الثانية أو

(1/129)


بعدهما، قال المحب الطبري: ولمن اتفق له وجود المطر وهو بالمسجد أن يجمع وإلا لاحتاج إلى صلاة العصر أي أو صلاة العشاء في جماعة وفيه مشقة في رجوعه إلى بيته ثم عوده أو في إقامته، وكلام غيره يقتضيه، أما الجمع تأخيرا بما ذكر فممتنع لان المطر قد ينقطع قبل أن يجمع: تتمة: الاولى أن يصلي في جمع العصرين قبلهما سنة الظهر التي قبلها وبعدهما بقية السنن مرتبة، وفي جمع المغربين بعدهما سنتيهما مرتبة إن ترك سنة المغرب قبلها وإلا فكجمع العصرين وله غير ذلك على ما حررته في شرح الروض وغيره.
باب صلاة الجمعة بضم الميم وسكونها وفتحها وحكي كسرها (تتعين) والاصل في تعيينها آية: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة) و أخبار صحيحة كخبر رواح الجمعة واجب على كل محتلم، وخبر الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض.
ومعلوم أنها ركعتان على مسلم مكلف كما علم ذلك من كتاب الصلاة (حر ذكر بلا عذر ترك الجماعة مقيم بمحل جمعة) تأسيا به (صلى الله عليه وسلم) وبالخلفاء بعده (أو بمستو بلغه فيه) حالة كونه (معتدل سمع صوت عال عادة في هدو) أي سكون للاصوات والرياح (من طرف محلها الذي يليه أو مسافرا له) أي للمستوى (من محلها) أو مسافر لمعصية كما علم من الباب
قبله لخبر أبي داود الجمعة على من سمع النداء، والمسافر لمعصية ليس من أهل الرخص فلا جمعة على كافر أصلي، بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران كسائر الصلوات وإن لزم الثلاثة الاخيرة عند التعدي قضاؤها ظهرا كغيرها ولا على من به رق ولا على امرأة وخنثى للخبر السابق.
وألحق بالمرأة فيه الخنثى لاحتمال أنوثته، ولا على من به عذر في ترك الجماعة مما يتصور هنا لما مر في الخبر، وألحق بالمريض فيه نحوه ولا على مسافر غير من مر ولو سفرا قصيرا لاشتغاله بالسفر وأسبابه ولا مقيم بغير محل الجمعة ولا يبلغه الصوت المذكور لمفهوم خبر أبي داود السابق.
وعلم بقولي بمستو أنه لو كانت قرية ليست محل جمعة على رأس جبل فسمع أهلها النداء لعلوها، ولو كانت بمستو لم يسمعوه، أو كانت في منخفض فلم يسمعوه لانخفاضها ولو كانت بمستو لسمعوه لزمتهم الجمعة في الثانية دون الاولى.
وبقولي معتدل سمع أنه لو كان أصم أو جاوز سمعه حد العادة لم يعتبر.
وبقولي عادة في هدو أنه لو كان الصوت العالي على خلاف عادته في بقية الايام أو على عادته لا في هدو لم يتعين، ولا يعتبر وقوف المنادى بمحل عال كمنارة ولو وافق يوم

(1/130)


جمعة عيد فحضر صلاته أهل قرى يبلغهم النداء، فلهم الانصراف وترك الجمعة، نعم لو دخل وقتها قبل انصرافهم كأن دخل عقب سلامهم من العيد، فالظاهر أنه ليس لهم تركها وقولي معتدل سمع وعادة مع أو مسافر إلى آخره من زيادتي.
وتعبيري بمستو أولى من تعبيره بقرية.
(وتلزم) الجمعة (أعمى وجد قائدا) متبرعا أو بأجرة أو ملكا له (و) شيخا (هما وزمنا وجد مركبا) ملكا أو بأجرة أو إعارة (لا يشق ركوبه) عليهما (ومن صح ظهره ممن لا تلزمه جمعة صحت) جمعته لانها إذا صحت ممن تلزمه أولى وتغني عن ظهره، (وله أن ينصرف) من المصلي (قبل إحرامه) بها (لا نحو مريض)، كأعمى لا يجد قائما فليس له أن ينصرف قبل إحرامه (إن دخل وقتها ولم يزد ضرره بانتظاره) فعلها (أو أقيمت الصلاة) نعم لو أقيمت وكان ثم مشقة لا تحتمل كمن به إسهال ظن انقطاعه فأحس به ولو بعد تحرمه وعلم من
نفسه أنه إن مكث سبقه فالمتجه كما قال الاذرعي أن له الانصراف.
والفرق بين المستثنى والمستثنى منه أن المانع في نحو المريض من وجوبها مشقة الحضور.
وقد حضر متحملا لها، والمانع في غيره صفات قائمة به لا تزول بالحضور والتقييد بمن لا تلزمه جمعة وبقبل الاحرام وبالاقامة من زيادتي (وبفجر حرم على من لزمته) بأن كان من أهلها (سفر تفوت به) كأن ظن أنه لم يدر كها في طريقه أو مقصده، ولو كان السفر طاعة وقبل الزوال (لا إن خشي) من عدم سفره (ضررا) كانقطاعه عن الرفقة، فلا يحرم ولو بعد الزوال وإنما حرم قبل الزوال، وإن لم يدخل وقتها لانه مضافة إلى اليوم، ولذلك يجب السعي إليها قبل الزوال على بعيد الدار (وسن لغيره) أي لمن لا تلزمه ولو بمحلها (جماعة في ظهره) في وقتها لعموم أدلة الجماعة (وإخفاؤها إن خفي عذره) لئلا يتهم بالرغبة عن صلاة الامام، فإن ظهر لم يسن إخفاؤها لانتفاء التهمة والتصريح بسن الاخفاء من زيادتي.
(و) سن (لمن رجا زوال عذره) قبل فوت الجمعة كعبد يرجو العتق ومريض يرجو الخفة (تأخير ظهره إلى فوت الجمعة) لانه قد يزول عذره قبل ذلك فيأتي بها كاملا ويحصل الفوت برفع الامام رأسه من ركوع الثانية، فلو صلى قبل فواتها الظهر ثم زال عذره وتمكن منها لم تلزمه لانه أدى فرض وقته إلا إن كان خنثى فبان رجلا، (و) سن (لغيره) أي لمن يرجو زوال عذره كامرأة وزمن (تعجيلها) أي الظهر ليجوز فضيلة أول الوقت.
قال في الروضة والمجموع هذا اختيار الخراسانيين وهو الاصح، وقال العراقيون يستحب له تأخير الظهر حتى تفوت الجمعة لانه قد ينشط لها، ولانها صلاة الكاملين فاستحب كونها المقدمة قال والاختيار التوسط.
فيقال إن كان هذا الشخص جازما

(1/131)


بأنه لا يحضر الجمعة وإن تمكن منها استحب له تقديم الظهر، وإن كان لو تمكن أو نشط حضرها استحب له التأخير.
(ولصحتها) أي الجمعة (مع شرط غيرها شروط) ستة: أحدها: (أن تقع وقت ظهر) للاتباع رواه الشيخان مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي، (فلو ضاق) الوقت عنها وعن خطبتيها كما سيأتي (أوشك) في ذلك وهو من زيادتي، (وجب ظهر) كما لو فات
شرط القصر يرجع إلى الاتمام فعلم أنها إذا فاتت لا تقضي جمعة بل ظهرا كما صرح به الاصل (أو خرج) الوقت (وهم وفيها وجب) أي الظهر (بناء) إلحاقا للدوام بالابتداء فيسر بالقراءة من حينئذ بخلاف ما لو شك في خروجه.
لان الاصل بقاؤه (كمسبوق) أدرك مع الامام منها ركعة إذا خرج الوقت قبل سلامه فإنه يجب ظهر بناء، وإن كانت تابعة لجمعة صحيحية.
(و) ثانيها: أن تقع (بأبنية مجتمعة) ولو بفضاء لانها لم تقم في عصر النبي (صلى الله عليه و سلم) والخلفاء الراشدين إلا في موضع الاقامة كما هو معلوم، وسواء أكانت الابنية من حجر أو طين أو خشب أو غيرها أم غيرها فلو انهدمت فأقام أهلها على العمارة لزمتهم الجمعة فيها لانها وطنهم (فلا تصح من أهل خيام) بمحلهم لانهم على هيئة المستوفزين.
فإن سمعوا النداء من محلها لزمتهم فيه تبعا لاهله كما علم مما مر.
(و) ثالثها: (أن لا يسبقها بتحرم ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها) لامتناع تعددها بمحلها إذ لم تقم في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين إلا في موضع واحد من محلها، ولان الاقتصار على واحدة أفضى إلى المقصود من إظهار شعار الاجتماع واتفاق الكلمة.
وإنما اعتبر التحرم أي انتهاؤه من إمامها لانه به يتبين الانعقاد.
أما لسبق والمقارنة في غير محلها فلا يؤثران.
وتعبيري بمحلها أعم من تعبيره ببلدتها، (إلا إن كثر أهله) أي أهل محلها (وعسر اجتماعهم بمكان) واحد فيجوز تعددها للحاجة بحسبها لان الشافعي رضي الله عنه دخل بغداد وأهلها يقيمون بها جمعتين، وقيل ثلاثا فلم ينكر عليهم فحمله الاكثر على عسر الاجتماع.
قال الروياني ولا يحتمل مذهب الشافعي غيره، وقال الصيمري وبه أفتى المزني بمصر وظاهر النص منع التعدد مطلقا وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد ومتابعوه، (فلو وقعتا) في محل لا يجوز تعددها فيه (معا أوشك) في المعية، (استؤنفت) جمعة إن اتسع الوقت لتدافعهما في المعية ليست إحداهما أولى من الاخرى، ولان الاصل في صورة الشك عدم جمعة مجزئة.
قال الامام وحكم الائمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة برئت ذمتهم مشكل لاحتمال، تقدم إحداهما فلا تصح أخرى فاليقين أن يقيموا ثم ظهرا.
قال في المجموع وما قاله مستحب وإلا
فالجمعة كافية في البراءة كما قالوه لانه الاصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل طائفة (أو

(1/132)


التبست) إحداهما بالاخرى، أما إولا كأن سمع مريضا أو مسافران خارج المكان تكبيرتين متلاحقتين فأخبرا بذلك، ولم يعرفا المتقدمة منهما.
أو ثانيا بأن تعينت ثم نسيت (صلوا ظهرا) لالتباس الصحيحة بالفاسدة فإن لم تلتبس فالصحيحة السابقة وإن كان السلطان مع الثانية وخيفت الفتنة.
(و) رابعها: (أن تقع جماعة) في الركعة الاولى لانه لم تقع في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلا كذلك ويشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم لتصح لغيرهم، لانه تبع ولا ينافيه صحتها له إذا كان إماما فيها مع تقدم إحرامه لان تقدم إحرام الامام ضروري فاغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.
(و) خامسها: أن تقع (بأربعين) ولو مرضى أو منهم الامام (مكلفاف حرا ذكرا) اتباعا للسلف والخلف (متوطنا بمحلها أي لا يظعن عنه شتاء ولا صيفا إلا لحاجة لانه (صلى الله عليه وسلم) لم يجمع بحجة الوداع مع عزمه على الاقامة أياما لعدم التوطن.
وكان يوم عرفة فيها يوم جمعة كما في الصحيحين وصلى به الظهر والعصر تقديما كما في خبر مسلم (ولو نقصوا فيها بطلت) لاشتراط العدد في دوامها كالوقت وقد فات فيتمها الباقون ظهرا (أو في خطبة لم يحسب ركن) منها (فعل حال نقصهم) لعدم سماعهم له تعبيري بنقصهم أولى من تعبيره بانفضاضهم (فإن عادوا قريبا) عرفا (جاز بناء) على ما مضى منها، (وإلا) بأن عادوا بعد طول الفصل (وجب استئناف) لها لانتفاء الموالاة التي فعلها النبي (صلى الله عليه وسلم) والائمة بعده، فيجب إتباعهم فيها (كنقصهم بينهما) أي بين الخطبة والصلاة فإنهم إن عادوا قريبا جاز البناء وإلا وجب الاستئناف لذلك ولو أحرم أربعون قبل انفضاض الاولين تمت لهم الجمعة.
وإن لم يكونوا سمعوا الخطبة، وأن أحرموا عقب انفضاض الاولين.
قال في الوسيط تستمر الجمعة بشرط أن يكونوا سمعوا الخطبة ذكر ذلك في الروضة كأصلها، (وتصح) الجمعة (خلف عبد وصبي ومسافر ومن بان
محدثا) ولو حدثا أكبر كغيرها هذا (إن تم العدد بغيرهم) بخلاف ما إذا لم يتم إلا بهم.
(و) سادسها: (أن يتقدمها خطبتان) للاتباع في خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي بخلاف العيد، فإن خطبتيه مؤخرتان للاتباع، ولان خطبة الجمعة شرط والشرط مقدم على مشروطه (وأركانها) خمسة: أحدها: (حمد الله تعالى) للاتباع رواه مسلم.
(و) ثانيها: (صلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، لان ما يفتقر إلى ذكر الله تعالى يفتقر إلى ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كالاذان والصلاة (بلفظهما) أي حمد الله تعالى والصلاة على نبينا كما جرى عليه السلف والخلف كالحمد لله

(1/133)


أو أحمد الله أو نحمد الله واللهم صل على محمد، أو أصلي على محمد أو نصلي على محمد أو النبي أو أحمد أو العاقب أو نحوه مما روى.
فخرج الحمد للرحمن والشكر لله ونحوهما ورحم الله محمدا أو صلى الله عليه وصلى الله على جبريل ونحوها.
(و) ثالثها (وصية بتقوى) للاتباع رواه مسلم.
ولو بغير لفظها لان غرضها الوعظ وهو حاصل بغير لفظها فيكفي أطيعوا الله والثلاثة أركان (في كل) من الخطبتين لاتباع السلف والخلف.
(و) رابعها (قراءة آية مفهمة) لا كثم نظر للاتباع رواه الشيخان، ولو في إحداهما لان الثابت القراءة في الخطبة في غير تعيين.
(و) لكنها (في أولى أولى) كما قاله في المجموع وقولي مفهمة إلى آخره من زيادتي.
(و) خامسها: (دعاء للمؤمنين) بقيد زدته بقولي (بأخرى) ولو بقوله رحمكم الله (في) خطبة (ثانية) لاتباع السلف والخلف، ولان الدعاء يليق بالخواتم.
والمراد بالمؤمنين الجنس الشامل للمؤمنات وبهما عبر في الوسيط تبعا للروياني وفي التنزيل وكانت من القانتين، أما الدعاء للسلطان بخصوصه فلا يسن كما نقله في المجموع عن اتفاق أصحابنا.
قال والمختار أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه (وشرط كونهما عربيتين)، والمراد أركانهما لاتباع السلف والخلف.
فإن لم يكن ثم من يحسن العربية ولم يمكن تعلمها خطب بغيرها أو أمكن تعلمها وجب على الجميع على سبيل فرض الكفاية فيكفي في تعلمها واحد فإن لم يفعل عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر.
وأجاب القاضي عن سؤال ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة، (و) كونهما (في الوقت) أي وقت الظهر للاتباع رواه البخاري، (وولاء) بينهما وبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة (وطهر) عن حدث أصغر وأكبر وعن نجس غير معفو عنه في ثوبه وبدنه ومكانه، (وستر) العورة في الخطبتين كما جرى عليه السلف والخلف (وقيام قادر) عليه فيهما.
(وجلوس بينهما) للاتبارع رواه مسلم (بطمأنينة) في جلوسه كما في الجلوس بين السجدتين وهذا من زيادتي.
ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا (وإسماع الاربعين) الذين تنعقد بهم الجمعة ومنهم الامام (أركانهما) لان مقصودهما وعظهم وهو لا يحصل إلا بذلك، فعلم أنه يشترط سماعهم أيضا وإن لم يفهموا معناهما كالعامي يقرأ الفاتحة في الصلاة و لا يفهم معناها، فلا يكفي الاسرار كالاذان ولا إسماع دون الاربعين ولا حضورهم بلاسماع لصمم أو بعد أو نحوه.
(وسن ترتيبها) أي أركان الخطبتين بأن يبدأ بالحمد ثم بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم الوصية ثم القراءة ثم الدعاء كما جرى عليه السلف والخلف، وإنما لم يحب لحصول المقصود بدونه، وتقييد الاسماع بالاركان مع ذكر سن الترتيب من زيادتي.
(و) سن لمن سمعهما (انصات فيهما)

(1/134)


أي سكوت مع إصغاء لهما لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا) ذكر في التفسير أنها نزلت في الخطبة وسميت قرآنا لاشتمالها عليه و وجب رد السلام، وسن تشميت العاطس ورفع الصوت بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) عند قراءة الخطيب: إن الله وملائكته يصلون على النبي، وإن اقتضى كلام الروضة إباحة الرفع وصرح القاضي أبو الطيب بكراهته، وعلى من سن الانصات فيهما عدم حرمة الكلام فيهما كما صرح به الاصل لما روى البيهقي بإسناد صحيح عن أنس أن رجلا دخل والنبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب يوم الجمعة فقال: متى الساعة ؟، فأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): في الثالثة ما أعددت لها ؟ فقال: حب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فلم ينكر عليه
الكلام ولم يبين له وجوب السكوت.
والامر في الآية للندب جمعا بين الدليلين، أما من لم يسمعها فيسكت أو يشتغل بالذكر أو القراءة.
(و) سن (كونهما على منبر) للاتباع رواه الشيخان.
(ف) إن لم يكن منبر فعلى (مرتفع) لقيامه مقام المنبر في بلوغ صوت الخطيب الناس وسن كون ذلك على يمين المحراب، وتعبيري بالفاء أولى من تعبيره بأو (وأن يسلم على من عنده) إذا انتهى إليه للاتباع رواه البيهقي.
ولمفارقته لهم (و) أن (يقبل عليهم إذا صعد) المنبر أو نحوه وانتهى إلى الدرجة التي يجلس عليها المسماة بالمستراح، (و) أن (يسلم) عليهم (ثم يجلس فيؤذن واحد) للاتباع في الجميع، رواه في الاخير البخاري وفي البقية البيهقي وغيره.
وذكر الترتيب بين السلام والجلوس مع قولي واحد من زيادتي (و) أن (تكون) الخطبة (بليغة) أي فصيحة جزلة لا مبتذلة ركيكة، فإنها لا تؤثر في القلوب (مفهومة) أي قريبة للفهم لا غريبة وحشية إذ لا ينتفع بها أكثر الناس (متوسطة) لان الطويلة تمل.
وفي خبر مسلم عن جابر بن سمرة قال: كانت صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قصدا وخطبته قصدا أي متوسطة.
والمراد أن تكون الخطبة قصيرة بالنسبة للصلاة لخبر مسلم: أطيلو الصلاة واقصروا الخطبة بضم الصاد.
وتعبيري بمتوسطة أولى من تعبيره بقصيرة، فإنه الموافق للروضة كأصلها والمحرر، (و) أن (لا يلتفت) في شئ منها بل يستمر مقبلا عليهم إلى فراغها ويسن لهم أن يقبلوا عليه مستمعين له، (و) أن (يشغل يسراه بنحو سيف) للاتباع رواه أبو داود.
والحكمة في ذلك الاشارة إلى أن هذا الدين قام بالسلاح (ويمناه بحرف المنبر) لاتباع السلف والخلف وهذا مع قولي يسراه من زيادتي، فإن لم يجد شيئا من ذلك جعل اليمنى على اليسرى أو أرسلهما والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما (و) أن (يكون جلوسه بينهما) أي بين الخطبتين (قدر سورة الاخلاص) تقريبا لذلك

(1/135)


وخروجا من خلاف من أوجبه ويقرأ فيه شيئا من كتاب الله للاتباع رواه ابن حبان.
(و) أن (يقيم بعد فراغه) من الخطبة (مؤذن ويبادر هو ليبلغ المحراب مع فراغه) من الاقامة فيشرع في
الصلاة.
والمعنى في ذلك المبالغة في تحقيق الولاء الذي مر وجوبه (و) أن (يقرأ في) الركعة (الاولى) بعد الفاتحة (الجمعة و) في (الثانية المنافقين جهرا) للاتباع رواه مسلم.
وروى أيضا أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يقرأ في الجمعة: (سبح اسم ربك الاعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) قال في الروضة كان يقرأ هاتين في وقت وهاتين في وقت فهما سنتان وفيها كأصلها لو ترك الجمعة في الاولى قرأها مع المنافقين في الثانية أو قرأ المنافقين في الاولى قرأ الجمعة في الثانية كي لا تخلو صلاته عنهما، والتصريح بسن عدم الالتفات وما عطف عليه من زيادتي.
فصل في الاغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها وينوي بها المغتسل أسبابها إلا الغسل من جنون أو إغماء، فينوي به رفع الجنابة (سن غسل ف) - إن عجز سن (بدله) بنية الغسل (لمريدها) أي الجمعة، وإن لم تلزمه بل يكره تركه إحرازا للفضيلة ولخبر الشيخين: إذا جاء أحدكم الجمعة أي أراد مجيئها فليغتسل.
وخبر ابن حبان: من أتى الجمعة مع الرجال والنساء فليغتسل وصرف الامر عن الوجوب إلى الندب خبر من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل، رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي.
وقوله فبها أي فبالسنة أخذ أي بما جوزته من الاقتصار على الوضوء ونعمت الخصلة والغسل معها أفضل (بعد) طلوع (فجر) لانه معلق بلفظ اليوم كما سيأتي، (وقربه من ذهابه) إليها (أفضل) لانه أفضى إلى الغرض من انتفاء الرائحة الكريهة حالة الاجتماع.
(ومن المسنون أغسال حج) وعمرة تأتي في كتابهما (وغسل عيد وكسوف) بقسميهما (واستسقاء) لاجتماع الناس لها كالجمعة وللزينة في العيد، فلا يختص بسن الغسل له مريده (و) غسل (لغاسل ميت) مسلما أو كافرا لخبر: من غسل ميتا فليغتسل، رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه وصرفه عن الوجوب خبر: ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، رواه الحاكم وصححه على شرط البخاري وقيس بميتنا ميت غيرنا (و) غسل (لمجنون ومغمى عليه) إذا (أفاقا) للاتباع في المغمى عليه رواه الشيخان.
قيس به
المجنون، (وكافر) إذا (أسلم) لامره (صلى الله عليه وسلم) قيس بن عاصم بالغسل لما أسلم، وكذا ثمامة بن أثال

(1/136)


رواهما ابنا خزيمة وحبان وغيرهما.
وليس الامر للوجوب لان جماعة أسلموا فلم يأمرهم بالغسل، وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل من جنابة أو نحوها إلا وجب الغسل.
وإن اغتسل فيه وأفاد التعبير بمن أنه قد بقيت أغسال أخر مسنونة كالغسل للبلوغ بالسن وللاعتكاف وللخروج من الحمام (وآكدها غسل جمعة ثم) غسل (غاسل ميت) للاحاديث الصحيحة الكثيرة في الاولى وليس للثاني حديث صحيح بل اعترض في المجموع على الترمذي في تحسينه للحديث السابق من أحاديثه.
فعلى ابن حبان في تصحيحه له أولى وقدم غسل غاسل الميت على البقية للاختلاف في وجوبه (و) سن (بكور) إليها (لغير إمام) ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة، ولخبر الشيخين من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة أي كغسلها ثم راح أي في الساعة الاولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة.
فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر.
وروى النسائي والخامسة كالذي يهدي عصفورا وفي السادسة بيضة فمن جاء في أول ساعة منها ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل البدنة مثلا، لكن بدنة الاول أكمل من بدنة الآخر وبدنة المتوسط متوسطة أما الامام فيسن له التأخر إلى وقت الخطبة اتباعا للنبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه، والبكور يكون (من) طلوع (فجر) لانه أول اليوم شرعا وبه يتعلق جواز غسل الجمعة كما مر.
و إنما ذكر في الخبر لفظ الرواح مع أنه اسم للخروج بعد الزوال كما قاله الجوهري وغيره، لانه خروج لما يؤتي به بعد الزوال على أن الازهري منع ذلك وقال إنه مستعمل عند العرب في السير أي وقت من ليل أو نهار وقولي لغير إلى آخره من زيادتي.
(و) سن (ذهاب) إليها (في طريق طويل ماشيا) لا راكبا إليها (بسكينة ورجوع في) آخر
(قصير) ماشيا أو راكبا كما في العيد في الذهاب و الرجوع وذكرهما من زيادتي وللحث على المشي في خبر رواه الترمذي وحسنه ابن حبان وصححه.
ولخبر الشيخين في السكينة إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسمعون وأتوها وعليكم السكينة وهو مبين للمراد من قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) أي امضوا كما قرئ به (لا لعذر) في المذكورات من زيادتي، بأن يشق البكور أو الذهاب أو الرجوع فيما ذكر أو المشي أو يضيق الوقت فالاولى ترك الثلاثة الاول والركوب والاسراع.
وقال المحب الطبري: يجب الاسراع إذا لم تدرك الجمعة إلا به.
(و) سن (اشتغال في طريقه وحضوره) قبل الخطبة (بقراءة أو ذكر) أو صلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) لينال ثوابها في هذا الوقت العظيم، (وتزين بأحسن ثيابه) للحث على ذلك وغيره في خبر رواه ابن حبان والحاكم وصححه ويزيد الامام في حسن

(1/137)


الهيئة (والبيض) منها (أولى) من زيادتي، لخبر: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم، رواه الترمذي وغيره وصححوه.
ويلي البيض ما صبغ قبل نسجه (و) تزين (بتطيب) لذكره في خبر ابن حبان والحاكم السابق (و بإزالة نحو طفر) كشعر لاتباع رواه البزار في مسنده، (ونحو ريح) كريه (كصنان ووسخ) لئلا يتأذى به أحد قال الشافعي: من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله ونحو من زيادتي.
(و) سن (إكثار دعاء) يومها وليلتها.
أما يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الاجابة وهي ساعة خفيفة، وأرجاها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة كما في خبر مسلم: قال في المجموع.
وأما خبر يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت ويوما في آخر كما هو المختار في ليلة القدر، وأما ليلتها فبالقياس على يومها.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: بلغني أن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة، (و) إكثار (صلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) يومها وليلتها لخبر: أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة يوم الجمعة فمن صلى
علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا رواه البيهقي بإسناد جيد.
كما في المجموع (و) إكثار (قراءة الكهف يومها وليلتها) لخبر من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد.
وخبر: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق رواه الدارمي.
فقولي يومها وليلتها متعلق بالمسائل الثلاث كما تقرر وذكر إكثار القراءة من زيادتي.
(وكره تخط) رقاب الناس للحث على المنع من ذلك في خبر رواه ابن حبان والحاكم وصححاه، (إلا الامام) لم يجد طريقا إلا بتخط فلا يكره له لاضطراره إليه (ومن وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو) أكثر ولم (يرج سدها) فلا يكره له وإن وجد غيرها لتقصير القوم بإخلائها.
لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى، فإن رجا سدها كأن رجا أن يتقدم أحد إليها، إذا أقيمت الصلاة كره لكثرة الاذى، وذكر الكراهة مع قولي إلا الامام إلى آخره من زيادتي.
(وحرم على من تلزمه) الجمعة (اشتغال بنحو بيع) من عقود وصنائع وغيرها مما فيه تشاغل عن السعي إلى الجمعة (بعد شروع في أذان خطبة) قال تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) أي اتركوه والامر للوجوب فيحرم الفعل وقيس بالبيع غيره مما ذكر وتقييد الاذان بما ذكر، لانه الذي كان في عهده (صلى الله عليه وسلم) فانصرف

(1/138)


النداء في الآية إليه وحرمة ما ذكر في حق من جلس له في غير المسجد أما إذا سمع النداء فقام قاصدا الجمعة فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع فلا يحرم كما صرح به في التتمة ونقله في الروضة.
قال وهو ظاهر لكن البيع في المسجد مكروه، لو تبايع اثنان أحدهما تلزمه الجمعة دون الآخر أثم الآخر أيضا لاعانته على الحرام وقيل كره له وخرج بمن تلزمه من لا تلزمه فلو تبايع اثنان ممن لم تلزمه لم يحرم ولم يكره.
(فإن عقد) من حرم عليه العقد (صح) العقد لانه المنع منه لمعنى خارج وقولي عقدا عم من قوله باع (وكره) ذلك (قبل الآذان) المذكور والجلوس للخطبة (بعد زوال) لدخول وقت الوجوب.
نعم ينبغي كما قال الاسنوي أن
لا يكره في بلد يؤخرون فيها تأخيرا كثيرا كمكة لما فيه من الضرر.
أما قبل الزوال فلا يكره وهذا مع نفي التحريم بعده وقبل الاذان والجلوس محمول، كما قال ابن الرفعة على من لم يلزمه السعي حينئذ وإلا فيحرم ذلك.
فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به مع جواز الاستخلاف وعدمه (من أدرك) مع إمامها (ركعة ولو ملفقة لم تفته فيصلى بعد زوال قدوته) بمفارقته أو سلام إمامه (ركعة) جهرا لا تمامها.
قال (صلى الله عليه وسلم): من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة، وقال: من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى رواهما الحاكم.
وقال في كل منهما إسناده صحيح على شرط الشيخين وقوله فليصل بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام (أو) أدرك (دونها) أي الركعة (فاتته) أي الجمعة لمفهوم الخبر الاول (فيتم) بعد سلام إمامه صلاته (ظهرا) لفوات الجمعة.
وتعبيري بركعة وبزوال القدوة أولى من تعبيره بركوع الثانية وببعد السلام (وينوي) وجوبا (في اقتدائه جمعة) لا ظهرا موافقة للامام ولان اليأس منها لم يحصل إلا بالسلام إذ قد يتدارك إمامه ترك ركن فيأتي بركعة فيدرك الجمعة وهذا يحمل على من لا عذر له فلا يشكل بما مر، فيمن له عذر وأمكن زواله من أن اليأس يحصل برفع الامام رأسه من ركوع الثانية، ويفرق بأن لمن مر ثم أن يصلي الظهر قبل فوت الجمعة فلا تفوت عليه بمجرد احتمال إدراكها فضيلة تعجيل الظهر بخلاف من هنا، فإن الجمعة لازمة له فلا يبتدئ غيرها مع قيام احتمال إدراكها.
(وإذا بطلت صلاة إمام) جمعة كانت أو غيرها.
(فخلفه) أي عن قرب (مقتد به قبل بطلانها جاز) سواء استخلف نفسه أن استخلفه الامام أو القوم أو بعضهم لان الصلاة بإمامين بالتعاقب جائزة كما في قصة أبي بكر مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في مرضه، سواء استأنفوا نية قدوة به أم لا

(1/139)


لانه منزل منزلة الاول في دوام الجماعة والاستخلاف في الركعة الاولى من الجمعة واجب
وفي غيرها مندوب وخرج بقولي عن قرب المشعر به الفاء ما لو انفردوا بركن فأن ذلك يمتنع في غير الجمعة بغير تجديد نية اقتداء وفيها مطلقا وهذا لا يستفاد من الاصل (وكذا) لو خلفه (غيره) أي غير مقتد به قبل بطلانها جاز (في غير جمعة) بقيد زدته بقولي، (إن لم يخالف إمامه) في نظم صلاته بأن استخلف في الاولى أو في ثالثة الرباعية فإن استخلف في الثانية أو الاخيرة لم يحز بلا تجديد نية.
أما في الجمعة فلا يجوز ذلك فيها لان فيه إنشاء جمعة بعد أخرى أو فعل الظهر قبل فوت الجمعة وذلك لا يجوز ولا يرد المسبوق لانه تابع لا منشئ، ودخل في المقتدى من لم يحضرا الخطبة ولا الركعة الاولى فيجوز استخلافه لانه بالاقتداء صار في حكم حاضرهما.
(ثم إن) كان الخليفة في الجمعة (أدرك) الركعة (الاولى) وإن بطلت صلاة الامام فيها (تمت جمعتهم) أي الخليفة والمقتدين.
(وإلا) أي وإن لم يدرك الاولى وإن استخلف فيها (فتتم) الجمعة (لهم لا له) لانهم أدركوا ركعة كاملة مع الامام وهو لم يدركها معه فيتمها ظهرا.
كذا ذكره الشيخان وقضيته أنه يتمها ظهرا وإن أدرك معه ركوع الثانية وسجودها، لكن قال البغوي: يتمها جمعة، لانه صلى مع الامام ركعة (ويراعي المسبوق) لخليفة (نظم) صلاة (الامام) فيقنت لهم في الصبح ويتشهد جالسا.
(فإذا تشهد أشار) إليهم بما يفهمهم فراغ صلاتهم (وانتظارهم) له ليسلموا معه (أفضل) من مفارقتهم له وإن جازت بلا كراهة.
وذكر الافضلية من زيادتي.
وصرح بها في المجموع واستخلاف المسبوق جائز وإن لم يعرف نظم صلاة الامام كما صححه في التحقيق، ونقله ابن المنذر كما في المجموع عن نص الشافعي قال في المهمات و هو الصحيح وعليه فيراقب القوم بعد الركعة فإن هموا بالقيام قام، وإلا قعد.
لكن الذي في الروضة فيما إذا لم يعرف نظمها أن أرجح القولين دليلا، عدم الجواز و في المجموع أنه أقيسهما مع نقله فيهما الجواز عن أبي علي السنجي (ومن تخلف لعذر) في جمعة أو غيرها كزحمة ونسيان (عن سجود) على أرض أو نحوها مع الامام في ركعة أولى، (فأمكنه) السجود بتنكيس وطمأنينة (على شئ) من إنسان أو غيره
(لزمه) أي السجود لتمكنه منه وقدوري البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال: إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه.
وتعبيري بعذر وبشئ أعم من تعبير الاصل بالزحمة والنسيان وعلى إنسان (وإلا) أي وإن لم يمكنه السجود المذكور على شئ مع الامام (فلينتظر) تمكنه منه ندبا ولو في جمعة ووجوبا في أولاها على ما بحثه الامام وأقره عليه الشيخان وهو قوي معنى ولا يومئ به لقدرته عليه ويسن للامام إطالة القراءة ليدركه

(1/140)


المعذور.
(فإن تمكن) منه (قبل ركوع إمامه) في الثانية (سجد فإن وجده) بعد سجوده (قائما أو راكعا فكمسبوق) فليقرأ في الاولى قراءة مسبوق إلا أن يدرك قراءة الفاتحة فيتمها ويركع في الثانية لانه لم يدرك محل القراءة، (وإلا) بأن وجده فرغ من ركوعه (وافقه) فيما هو فيه (ثم صلى ركعة بعده) لفوتها كمسبوق (فإن وجده) قد (سلم فاتته الجمعة) فيتمها ظهرا (أو تمكن فيه) أي في ركوع إمامه في الثانية (فليركع معه ويحسب) له (ركوعه الاول) لانه أتى به وقت الاعتداد بالركوع.
والثاني أتى به للمتابعة (فركعته ملفقة) من ركوع الاولى وسجود الثانية، (فإن) لم يركع معه بل (سجد على ترتيب) صلاة (نفسه عامدا عالما) بأن واجبه الركوع (بطلت صلاته) فليزمه التحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الامام في الركوع كذا في الروضة كأصلها والموافق لما مر ما لم يسلم الامام، (وإلا) بأن سجد على ترتيب نفسه ناسيا لذلك أو جاهلا به (فلا) تبطل لعذره (و) لكن (لا يحسب سجوده) المذكور لمخالفته به الامام (فإن سجد ثانيا) ولو منفردا (حسب) هذا السجود وكملت به الركعة.
(فإن كمل) هذا السجود (قبل سلام الامام أدرك الجمعة) وإلا فلا وفيه بحث للرافعي ذكرته مع جوابه في شرح البهجة وغيره.
باب في صلاة الخوف وما يذكر معها والاصل فيها مع ما يأتي آية وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة (صلاة الخوف) أي كيفيتها من حيث أنه يحتمل في الصلاة فيه ما لا يحتمل فيها في غيره (أنواع) أربعة ذكر الشافعي رابعها وجاء به القرآن واختار بقيتها من ستة عشر نوعا مذكورة في الاخبار وبعضها
في القرآن: الاول: (صلاة عسفان) بضم العين قرية على مرحلتين من مكة بقرب خليص سميت بذلك لعسف السيول فيها، (وهي والعدو في) جهة (القبلة والمسلمون كثير) بحيث يقاوم كل صف العدو (ولا ساتر) بينهما (أن يصلي الامام بهم) جميعا إلى اعتدال الركعة الاولى بعد صفهم صفين مثلا (فيسجد بصف أول) سجدتيه (ويحرس) حينئذ صف (ثان) في الاعتدال (فإذا قاموا) أي الامام والساجدون (سجد من حرس ولحقه وسجد معه بعد تقدمه وتأخر الاول) بلا كثرة أفعال (في) الركعة (الثانية وحرس الآخرين فإذا جلس) للتشهد (سجدوا)

(1/141)


أي الآخرون.
(وتشهد وسلم بالجميع) وهذا النوع رواه مسلم، (وجاز عكسه ولو بلا تقدم تأخر) وتفسيري صلاة عسفان بما ذكر هو الموافق لخبرها لا ما ذكره الاصل، وإن أفاد ما ذكره منطوقا جواز سجود الاول معه في الاولى والثاني في الثانية بلا تقدم وتأخر المفهوم ذلك مما ذكرته بالاولى، (ولو حرس فيهما) أي في الركعتين (فرقة صف أو فرقتاه) ودام الباقون على المتابعة، (جاز) وقولي والمسلمون كثير ولا ساتر من زيادتي.
(و) النوع الثاني: صلاة (بطن نخل) رواها الشيخان (وهي والعدو في غيرها) أي في غير جهة القبلة (أو) فيها و (ثم ساتر أن يصلي) الامام الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية بعد جعله القوم فرقتين، (مرتين كل مرة بفرقة) والاخرى تحرس فتقع الثانية له نافلة وهي وإن جازت في غير الخوف سنت فيه عند كثرة المسلمين وقلة عدوهم وخوف هجومهم عليهم في الصلاة وقولي أو ثم ساتر من زيادتي هنا وفيما بعده.
(و) النوع الثالث: صلاة (ذات الرقاع) رواها الشيخان أيضا (وهي والعدو كذلك) أي في غير جهة القبلة أو فيها وثم ساتر (أن تقف فرقة في وجهه) تحرس (ويصلي الثنائية بفرقة ركعة ثم عند قيامه) للثانية منتصبا أو عقب رفعه من السجود (تفارق بالنية) حتما ندبا في الاول وجواز في الثاني وهو من زيادتي.
(وتتم) بقية صلاتها (وتقف في وجهه) أي العدو (وتجئ تلك) والامام منتظر لها (فيصلي بها ثانيته ثم تتم) هي ثانيتها وهو منتظر لها في تشهده (وتلحقه
ويسلم) هو (بها) لتحوز فضيلة التحلل معه كما حازت الاولى فضيلة التحرم معه، (و يقرأ) في انتظاره قائما (ويتشهد في انتظاره) جالسا وشمل ذلك الجمعة وشرط صحتها أن يكون في كل ركعة أربعون سمعوا الخطبة لكن لا يضر النقص في الركعة الثانية وصلاتها عسفان أولى بالجواز.
(و) يصلي (الثلاثية بفرقة ركعتين و بالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه) لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أولى الثانية (وينتظر) فراغ الفرقة الاولى ومجئ الثاني (في) جلوس (تشهده أو قيام الثالثة وهو) أي انتظار في القيام (أفضل) من انتظاره في الجلوس، لان القيام محل التطويل، (و) يصلي (الرباعية بكل) من فرقتين (ركعتين) و يتشهد بكل منهما وينتظر الثانية في جلوس التشهد أو قيام الثالثة وهو أفضل كما مر.
(ويجوز) أن يصلي ولو بلا حاجة (بكل) من أربع فرق (ركعة) وتفارق كل فرقة من الثلاث الاول وتتم لنفسها وهو منتظر فراغها ومجئ الاخرى وينتظر الرابعة في تشهده ليسلم بها.
ويقاس بذلك الثلاثية ويمكن

(1/142)


شمول المتن لها (وهذه) أي صلاة ذات الرقاع بكيفياتها (أفضل من الاوليين)، أي صلاتي عسفان وبطن نخل للاجماع على صحتها في الجملة دونهما وتسن عند كثرتنا.
فالكثرة شرط لسنيتها لا لصحتها خلافا لمقتضى كلام العراقي في تحريره وفارقت صلاة عسفان وبجوازها في الامن لغير الفرقة الثانية ولها إن نوت المفارقة بخلاف تلك وذكر أفضليتها عليها من زيادتي.
وذات الرقاع وبطن نخل موضعان من نجد وسميت ذات الرقاع لتقطع جلود أقدامهم فيها فكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل لانهم رقعوا فيها راياتهم وقيل غير ذلك.
(وسهو كل فرقة) من فرقتين في الثنائية في ذات الرقاع (محمول)، لاقتدائها بالامام حسا أو حكما، (لا) سهو الفرقة (الاولى في ثانيتها) لمفارقتها له أولها (وسهوه) أي الامام (في) الركعة (الاولى يلحق الكل) فيسجدون.
وإن لم يسجد الامام (و) سهوه (في الثانية لا يلحق الاولى) لمفارقتها له قبله ويلحق الآخرين فيسجدون معه.
ويقاس بذلك السهو في الثلاثية والرباعية مع أن ذلك كله علم من باب سجود السهو.
(وسن) للمصلي صلاة الخوف (في هذه
الانواع) الثلاثة (حمل سلاح) بقيود زدتها بقولي (لا يمنع صحة) للصلاة (ولا يؤذي) غيره (ولا يظهر بتركه)، أي ترك حمله (خطر) احتياطا.
والمراد به ما يقتل كرمح وسيف وسكين وقوس ونشاب لا ما يدفع كترس ودرع، وخرج بما زدته ما يمنع من نجس وغيره فيمتنع حمله وما يؤذي كرمح وسط الصف فيكره حمله.
بل قال الاسنوي وغيره إن غلب على ظنه ذلك حرم وما يظهر بتركه خطر فيجب حمله وكحمله وضعه بين إن سهل مد يده إليه كسهولة مدها إليه كسهولة مدها إليه محمولا بل يتعين إن منع حمله الصحة.
(و) النوع الرابع: صلاة (شدة خوف وهي أن يصلي كل) منهم (فيها) أي في شدة الخوف سواء التحم قتال ولم يتمكنوا من تركه أم لم يلتحم بأن لم يأمنوا هجوم العدو لو لوا عنه أو انقسموا (كيف أمكن) راكبا وماشيا ولو موميا بركوع وسجود عجز عنهما، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.
قال تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (وعذر في ترك) توجه (قبلة) بقيد زدته بقولي (لعدو) أي لاجله لا لجماح دابة طال زمنه.
قال ابن عمر في تفسير الآية مستقبلي القبلة وغير مستقبلها.
قال الشافعي رواه ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولبعضهم الاقتداء ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة والجماعة في ذلك أفضل من الانفراد كحالة الامن، (و) عذر في (عمل كثير) كطعنا ت وضربات متوالية (لحاجة) إليه قياسا على ما في الآية (لا) في (صياح) لعدم الحاجة إليه (وله إمساك سلاح تنجس) بما لا يعفى عنه (لحاجة) إليه

(1/143)


(وقضى) لندرة عذره وهذا ما في الشرحين والروضة والمجموع عن الاصحاب.
وقال في المهمات وهو ما نص عليه الشافعي، فالفتوى عليه ورجح الاصل عدم القضاء، فإن لم يحتج إليه ألقاه أو جعله في قرابه تحت ركابه إلى أن يفرغ لئلا تبطل صلاته ويغتفر حمله في الثانية هذه اللحظة، لان في إلقائه تعريضا لاضاعة المال.
وتعبيري بتجنس ولحاجة أولى من تعبيره بدمى وعجز (وله) حاضرا كان أو مسافرا (تلك)، أي صلاة شدة الخوف (في كل مباح قتال وهرب) كقتال عادل لباغ وذي مال لقاصد أخذه ظلما وهرب من حريق وسيل وسبع لا معدل
عنه وتحريم له عند إعساره، وخوف حبسه بأن لم يقصده غريمه وهو الدائن في إعساره وهو عاجز عن بينة الاعسار (لا) في (خوف فوت حج) فليس لمحرم خاف فوته بفوت وقوفه بعرفة إن صلى العشاء ماكثا أن يصليها سائرا لانه لم يخف فوت حاصل كفوت نفس وهل له أن يصليها ماكثا ويفوت الحج لعظمه حرمة الصلاة أو يؤخرها ويحصل الوقوف لصعوبة قضاء الحج وسهولة قضاء الصلاة وجهان، رجح الرافعي منهما الاول والنووي الثاني بل صوبه، وعليه فتأخيرها واجب كما في الكفاية.
(ولو صلوها) أي صلاة شدة الخوف (لما) أي لشئ كسواد (ظنوه عدوا) لهم (أو أكثر) من ضعفهم (فبان خلافه) أي خلاف ظنهم كإبل أو شجر أو ضعفهم (قضوا) إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، وقولي لما أعم من قوله لسواد، وقولي أو أكثر من زيادتي.
فصل في اللباس (حرم على رجل وخنثى استعمال حرير) ولو قزا بفرش وغيره لنهى الرجل عنه في الصحيحين وللاحتياط في الخنثى وذكره من زيادتي.
(و) استعمال (ما أكثره منه زنة) تغليبا للاكثر بخلاف ما أكثره من غيره.
والمستوى منهما لان كلا منهما لا يسمى ثوب حرير والاصل الحل وتغليبا للاكثر في الاول (لا لضرورة كحر وبرد مضرين وفجأة حرب) بضم الفاء وفتح الجيم والمد وبفتح الفاء وسكون الجيم أي بغتتها (ولم يجدا غيره).
وتعبيري بمضرين أولى من تعبيره بمهلكين (أو حاجة كجرب) إن آذاهما لبس غيره (وقمل).
روى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما وأنه رخص لهما لما شكوا إليه القمل في قمص الحرير وسواء فيما ذكر السفر والحضر (وكقتال ولم

(1/144)


يجدا ما يغني عنه) أي عن الحرير في دفع السلاح قياسا على دفع القمل (ولولى إلباسه) أي ما ذكر من الحرير وما أكثره منه (صبيا)، إذ ليس له شهامة في خنوثة الحرير بخلاف الرجل
ولانه غير مكاتب وألحق به الغزالي في الاحياء المجنون (وحل ما طرز) أو رقع بحرير بقيد زدته بقولي، (قدر أربع أصابع) لوروده في خبر مسلم.
(أو طرف به) أي بحرير بأن جعل طرف ثوبه مسجفا به (قدر عادة) لوروده في خبر مسلم وفرق بينه وبين اعتبار أربع أصابع فيما مر، بأن التطريف محل حاجة وقد تمس الحاجة للزيادة على الاربع بخلاف ما مر، فإنه مجرد زينة فيتقيد بالاربع أما المرأة فيحل لها ما ذكر مطلقا حتى الفراش لخبر أحل الذهب والحرير لاناث أمتي وحرم على ذكورها.
قال الترمذي حسن صحيح (و) حل (استصباح بدهن نجس) كالمتنجس لانه (صلى الله عليه وسلم) سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فاستصبحوا به أو فانتفعوا به.
رواه الطحاوي وقال رجاله ثقات واستثنيت المساجد لشرفها إن لوث وكذا المؤجر والمعار كما رجحه الاذرعي في توسطه (لا دهن نحو كلب) كخنزير فلا يحل الاستصباح به لغلظ نجاسته وهذا من زيادتي.
وصرح به الفوراني والعمراني وغيرهما.
(و) حل (لبس) شئ (متنجس) ولا رطوبة لان نجاسته عارضة سهلة الازالة وحذفت من الاصل قوله في غير الصلاة و نحوها لان تحريم ذلك فيهما كما قال الاسنوي إنما هو لكونه مشتغلا بعبادة فاسدة لا لكونه مستعملا نجاسة كما لو صلى محدثا، فإنه يأثم بفعله الفاسد لا بتركه الوضوء.
وتعبيري بمتنجس أولى من تعبيره بالثوب النجس (لا) لبس (نجس) كجلد ميتة لما عليه من التعبد باجتناب النجس لاقامة العبادة (إلا لضرورة) كحر و نحوه مما مر.
باب في صلاة العيدين وما يتعلق بها والاصل فيها الاخبار الآتية (صلاة العيدين) عيد الفطر وعيد الاضحى.
والعيد مشتق من العود لتكرره كل عام (سنة) مؤكدة للاتباع ولانها ذات ركوع وسجود لا أذان لها كصلاة الاستسقاء.
وحملوا نقل المزني عن الشافعي أن من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين على التأكيد، (ولو لمنفرد ومسافر) وعبد وامرأة (لا لحاج بمنى جماعة) فلا تسن لاشتغاله بأعمال التحلل والتوجه إلى مكة لطواف الافاضة عن إقامة الجماعة و الخطبة.
أما
فرادي فيسن له لقصر منهما كما أشار إليه الرافعي في الاغسال المسنونة في الحج وصرح به

(1/145)


القاضي وهذا من زيادتي ووقتها (بين طلوع الشمس وزوال) يوم العيد، وسيأتي أنهم لو شهدوا يوم الثلاثين وعدلوا بعد الغروب صليت من الغد أداء (وسن تأخيرها لترتفع) الشمس (كرمح) للاتباع وللخروج من الخلاف فلو فعلها قبل الارتفاع كره كما قاله ابن الصباغ وغيره.
(وهي ركعتان والاكمل أن يكبر رافعا يديه في أولى بعد) دعاء (افتتاح سبعا و) في (ثانية قبل تعوذ خمسا) للاتباع رواه الترمذي، وحسنه ويضع يمناه على يسراه بين كل تكبيرتين ولا بأس بإرسالهما ولو نقص إمامه التكبيرات تابعه وتسن التكبيرات في المقضية أيضا كما اقتضاه كلام المجموع وغيره لان القضاء يحكى الاداء.
وإن قال العجلي إنها لا تسن فيها لانها شعار للوقت وقد فات (و) أن (يهلل) بأن يقول: لا إله إلا الله، (ويكبر) بأن يقول الله أكبر (ويمجد) بأن يعظم الله بتسبيح وتحميد (بين كل اثنتين) روى ذلك البيهقي عن ابن مسعود قولا وفعلا بإسناد جيد، ولانه لائق بالحال (ويحسن) فيه (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر) وهي الباقيات الصالحات في قول ابن عباس وجماعة (ولو ترك التكبير فقرأ) ولو بعض الفاتحة (لم يعد إليه) لتلبسه بفرض، و تعبيري بترك أعم من تعبيره بنسي.
(و) أن (يقرأ بعد الفاتحة في الاولى ق و) في (الثانية اقتربت أو) سبح اسم ربك (الاعلى) في الاولى (والغاشية) في الثانية (جهرا) للاتباع رواه مسلم.
وذكر الاعلى والغاشية من زيادتي.
(وسن خطبتان بعدهما) بقيد زدته بقولي (لجماعة) لا لمنفرد.
روى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة وكونهما اثنتين مقيس على خطبة الجمعة، ولو قدمت على الصلاة لم يعتد بها كالراتبة بعد الفريضة إذا قدمت (كخطبتي جمعة في أركان وسنن) لا في شروط خلافا للجرجاني وحرمة قراءة الجنب آية في إحداهما ليس لكونها ركنا فيها بل لكون الآية قرآنا.
لكن لا يخفى أنه يعتبر في أداء السنة الاسماع والسماع.
وكون الخطبة عربية و قولي وسنن من زيادتي.
(و) سن (أن يعلمهم في) عيد (فطر
الفطرة و) في عيد (أضحى الاضحية) أي أحكامها للاتباع في بعضها رواه الشيخان، ولان ذلك لائق بالحال.
(و) أن (يفتتح) الخطبة (الاولى بتسع تكبيرات والثانية تسع ولاء) إفرادا في الجميع لقول عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود إن ذلك من السنة رواه الشافعي قال في المجموع وإسناده ضعيف ومع ضعفه لا دلالة فيه على الصحيح لان عبيد الله تابعي وقول التابعي من السنة كذا موقوف على الصحيح فهو كقول صحابي لم يثبت انتشاره فلا يحتج

(1/146)


به على الصحيح وهذه التكبيرات ليست من الخطبة بل مقدمة كما نص عليه الشافعي وافتتاح الشئ قد يكون بمقدمته التي ليست منه نبه على ذلك في الروضة، والتصريح بسن التعليم والافتتاح بما ذكر من زيادتي.
(و) سن (غسل) للعيدين كما مر مع دليله في الجمعة وذكرته هنا توطئة لقولي (ووقته من نصف ليل) لا من فجر لان أهل القرى الذين يسمعون النداء يبكرون لصلاة العيد من قراهم، فلو امتنع الغسل قبل الفجر لشق عليهم.
(و) سن (تزين) بأن يتزين بأحسن ثيابه ويتطيب وإزالة نحو ظفر وريح كريه وسواء فيه وفي الغسل الخارج للصلاة وغيره هذا للرجال.
أما النساء فيكره لذوات الهيئة الحضور، ويسن لغيرهن ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن ويخرجن في ثياب بذلتهن، وكالنساء فيما ذكر الخناثى.
(و) سن (بكور) بعد الصبح لغير إمام ليأخذ مجلسه وينتظر الصلاة (وأن يحضر إمام وقت صلاته) للاتباع رواه الشيخان، (ويعجل) الحضور (في أضحى) ويؤخره في فطر قليلا.
كتب (صلى الله عليه وسلم) إلى عمرو بن حزم حين ولاه البحين أن عجل الاضحى وأخر الفطر رواه البيهقي.
وقال: هو مرسل وحكمته اتساع وقت التضحية ووقت صدقة الفطر قبل الصلاة والتصريح بسن البكور وما بعده من زيادتي، (وفعلها بمسجد أفضل) لشرفه (لا لعذر) كضيقه فيكره فيه للتشويش بالزحام وإذا وجد مطر أو نحوه وضاق المسجد صلى الامام فيه واستخلف من يصلي بباقي الناس بموضع آخر.
(وإذا خرج) لغير المسجد (استخلف) ندبا من يصلي ويخطب (فيه) بمن يتأخر من ضعفة وغيرهم كشيوخ ومرضى وبعض الاقوياء كما
استخلف علي رضي الله عنه أبا مسعود الانصاري في ذلك، رواه الشافعي بإسناد صحيح.
فإن استخلف من يصلي بهم وسكت عن الخطبة لم يخطب بهم كما صرح به الجيلي لكونه افتياتا على الامام وبما تقرر، علم أن تعبيري بما ذكر أولى من قوله ويستخلف من يصلي بالضعفة، (و) أن (يذهب) للصلاة (ويرجع) منها (كجمعة) بأن يذهب في طريق طويل ماشيا بسكينة ويرجع في آخر قصير لما مر، ثم في غير الذهاب والرجوع فيما ذكر.
وللاتباع فيهما رواه البخاري وغيره، وسببهما أنه كان يذهب في أطول الطريقين تكثيرا للاجر ويرجع في أقصرهما.
وقيل إنه كان يتصدق على فقرائهما وقيل لتشهد له الطريقان.
(و) أن (يأكل قبلها في) عيد (فطر ويمسك) عن الاكل (في) عيد (أضحى) حتى يصلي رواه ابن حبان وغيره وصححوه وحكمته امتياز يوم العيد عما قبله بالمبادرة بالاكل أو تأخيره والتصريح بسن الذهاب وما بعده من زيادتي.
(ولا يكره نفل قبلها) بعد ارتفاع الشمس (لغير إمام) بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك وإلا كره لانه بذلك معرض عن الخطبة بالكلية.
وأما الامام فيكره له النفل قبلها وبعدها لاشتغاله بغير الاهم ولمخالفته فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) (وسن أن يكبر غير حاج برفع صوت) في

(1/147)


المنازل والاسواق وغيرهما (من أولى ليلتي عيد) أي عيد الفطر وعيد الاضحى ودليله في الاول قوله تعالى: (ولتكملوا العدة) أي عدة صوم رمضان ولتكبروا الله أي عند إكمالها.
وفي الثاني القياس على الاول وفي رفع الصوت إظهار شعار العيد واستثنى الرافعي منه المرأة.
وظاهر أن محله إذا حضرت مع غير محارمها ونحوهم ومثلها الخنثى (إلى تحرم إمام) بصلاة العيد إذ الكلام مباح إليه فالتكبير أولى ما يشتغل به، لانه ذكر الله تعالى وشعار اليوم فإن صلى منفردا فالعبرة بإحرامه، (و) أن يكبر أيضا (عقب كل صلاة) ولو فائتة نافلة وصلاة جنازة (من صبح) يوم (عرفة إلى عقب عصر آخر) أيام (التشريق) للاتباع رواه الحاكم وصحح إسناده.
(و) أن يكبر (حاج كذلك) أي عقب كل صلاة (من ظهر) يوم (نحر)
لانها أول صلاته بعد انتهاء وقت التلبية (إلى عقب صبح آخره) أي التشريق أي أيامه لانها آخر صلاته بمنى (وقبل ذلك) لا يكبر بل (يلبي) لان التلبية شعاره.
وخرج بما ذكر الصلوات في عيد الفطر فلا يسن التكبير عقبها لعدم وروده والتكبير عقب الصلوات يسمى مقيدا وما قبله مرسلا ومطلقا، (وصيغته المحبوبة معروفة) وهي كما في الاصل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
واستحسن في الام أن يزد بعد التكبيرة الثالثة: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده وهزم الاحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر.
(وتقبل شهادة هلال شوال يوم الثلاثين) بأن شهدوا برؤية هلال الليلة الماضية فنفطر، (ثم إن كانت) شهادتهم (قبل زوال) بزمن يسع الاجتماع والصلاة أو ركعة منها (صلى العيد حينئذ أداء وإلا) بأن كانت بعد الزوال أو قبله بدون الزمن المذكور (ف) - تصلى (قضاء) متى أريد قضاؤها.
أما شهادتهم بعد اليوم بأن شهدوا بعد الغروب فلا تقبل في صلاة العيد، فتصلى من الغد أداء إذ لا فائدة في قبولها إلا ترك الصلاة فلا يصغي إليها وتقبل في غيرها، كوقوع الطلاق والعتق المعلقين برؤية الهلال، (والعبرة) فيما لو شهدوا قبل الزوال وعدلوا بعده قبل الغروب أو شهدوا قبل الغروب وعدلو بعده (بوقت تعديل) لا شهادة لانه وقت جواز الحكم بها فتصلى العيد في الاول قضاء، وفي الثانية من الغد أداء وهذا من زيادتي.

(1/148)


باب في صلاة كسوف الشمس والقمر والاصل فيها الاخبار الآتية (صلاة الكسوفين) المعبر عنهما في قول بالخسوفين وفي آخر بالكسوف للشمس ولخسوف القمر، وهو أشهر (سنة) مؤكدة لاخبار صحيحة، ولانها ذات ركوع وسجود لا أذان لها كصلاة الاستسقاء.
وحملوا قول الشافعي في الام، لا يجوز
تركها على كراهته لتأكدها ليوافق كلامه في مواضع أخر والمكروه قد يوصف بعدم الجواز من جهة إطلاق الجائز على مستوى الطرفين (وأقلها ركعتان) كسنة الظهر كما في المجموع للاتباع رواه أبو داود وغيره وهذا من زيادتي.
(وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع كل ركعة) للاتباع رواه الشيخان، وتعبير كثير بأن هذا أقلها محمول على ما إذا شرع فيها بنية هذه الزيادة إو على أنها أقل الكمال، وما في رواية لمسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) صلاها ركعتين في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وفي أخرى له أربع ركوعات.
وفي رواية لابي داود وخمس ركوعات أجاب أئمتنا عنها، بأن رواية الركوعين أشهر وأصح وبحملها على الجواز (ولا ينقص) مصليها منهما (ركوعا لانجلاء ولا يزيده) فيها (لعدمه) عملا بما نواه ولا يكرر.
نعم إن صلاها وحده ثم أدركها مع الامام صلاها كما في المكتوبة، (وأعلاه) أي الكمال (أن يقرأ بعد الفاتحة في قيام أول البقرة) أو قدرها إن لم يحسنها.
(و) في قيام (ثان كمائتي آية منها و) في (ثالث كمائة وخمسين) منها، (و) في (رابع كمائة) منها وفي نص آخر في الثاني آل عمران أو قدرها، وفي الثالث النساء أو قدرها وفي الرابع المائدة أو قدرها وهما متقاربان.
والاكثر على الاول، قال في الروضة كأصلها وليسا على الاختلاف المحقق، بل الامر فيه على التقريب، (و) أن (يسبح في ركوع وسجود أول) منهما (كمائة من البقرة و) في (ثان كثمانين و) في (ثالث كسبعين و) في (رابع كخمسين) لثبوت التطويل من الشارع في ذلك بلا تقدير مع قول ابن عباس الراوي في القيام الاول فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة وفي بقية القيامات فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول، وفي الركوع الاول ثم ركع ركوعا طويلا وفي بقية الركوعات ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول، ولا يطيل في غير ذلك من جلوس واعتدال.
واختار النووي أنه يطيل في الجلوس بين السجدتين أيضا لصحة الحديث فيه، ومحل ما ذكر إذا لم يكن عذر وإلا سن التخفيف كما بؤخذ ذلك من قول الشافعي في الام إذا بدأ

(1/149)


بالكسوف قبل الجمعة خففها، فقرأ في كل ركوع بالفاتحة وقل هو الله أحد وما أشبهها.
(وسن جهر بقراءة) صلاة (كسوف قمر) لا شمس، لان الاولى ليلية أو ملحقة بها بخلاف الثانية.
وما روي من أنه (صلى الله عليه وسلم) جهر وأنه أسر على ذلك، (و) سن (فعلها) أي صلاة الكسوفين (بمسجد بلا عذر) كنظيره في العيدين، وهاذ من زيادتي.
(و) سن (خطبتان ك) خطبتي (عيد) فيما مر (لكن لا يكبر) فيهما لعدم وروده وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (وحث) فيهما لسامعهما (على) فعل (خير) من توبة وصدقة وعتق ونحوها.
ففي البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) أمر بالعتاقة في كسوف الشمس، ولا تخطب إمامة النساء ولو قامت واحدة وعظتهن فلا بأس (وتدرك ركعة ب) - إدراك (ركوع أول) من الركعة الاولى أو الثانية كما في سائر الصلوات، فلا تدرك بإدراك ثان ولا قيامه لانهما كالتابعين للاول، وقيامه (وتفوت صلاة) كسوف (الشمس بغروبها) كاسفة لعدم الانتفاع بها بعده (وبانجلاء) تام يقينا لانه المقصود بها وقد حصل بخلاف الخطبة لان المقصود بها الوعظ وهو لا يفوت بذلك.
فلو حال سحاب وشك في الانجلاء أو الكسوف لم يؤثر فيصلي في الاول لان الاصل بقاء الكسوف، ولا يصلي في الثاني لان الاصل عدمه، (و) تفوت صلاة كسوف (قمر به) أي بالانجلاء كما مر (وبطلوعها) أي الشمس لعدم الانتفاع به بعد طلوعها، فلا تفوت بغروبه كاسفا كما لو استتر بغمام ولا بطلوع فجر لبقاء الانتفاع بضوئه، ولو شرع فيها قبل الفجر أو بعده فطلعت الشمس في أثنائها لم تبطل كما لو انجلى الكسوف في الاثناء، (ولو اجتمع عيد أو كسوف وجنازة قدمت) أي الجنازة لخوف تغير الميت بتأخيرها (أو كسوف وفرض كجمعة قدم) أي الفرض (إن ضاق وقته وإلا فالكسوف) مقدم لتعرض صلاته للفوات بالانجلاء، (ثم يخطب للجمعة متعرضا له) أي الكسوف.
ولا يجوز أن يقصده معها في الخطبة لانه تشريك بين فرض ونفل (ثم يصليها) أي الجمعة وإن اجتمع كسوف ووتر قدم الكسوف وإن خيف فوت الوتر أيضا لانها آكد أو جنازة وفرض أو عيد وكسوف.
فالكسوف مع الفرض فيما مر لكن له أن يقصد العيد والكسوف بالخطبة لانهما سنتان والقصد منهما واحد، مع أنهما تابعان
للمقصود وبهذا اندفع استشكال ذلك بعدم صحة السنتين بنية صلاة واحدة إذا لم تتداخلا، ومحل تقديم الجنازة فيما ذكر إذا حضرت وحضر المولى وإلا أفرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل مع الباقين بغيرها.

(1/150)


باب في الاستسقاء وهو لغة السقيا وشرعا طلب سقيا العباد من الله عند حاجتهم إليها.
وهو ثلاثة أنواع أدناها الدعاء، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة جمعة ونحوها، وأفضلها ما ذكرته بقولي: (صلاة الاستسقاء سنة) مؤكدة ولو لمسافر ومنفرد للاتباع رواه الشيخان (لحاجة) من انقطاع الماء أو قلته، بحيث لا يكفي أو ملوحته (ولا لاستزادة) بها نفع وهذا من زيادتي بخلاف ما لا يحتاج إليه ولا نفع به في ذلك الوقت وشمل ما ذكر ما لو انقطع عن طائفة من المسلمين واحتاجت إليه فيسن لغيرهم أيضا أن يستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لانفسهم.
(وتكرر) الصلاة مع الخطبتين كما صرح به ابن الرفعة وغيره (حين يسقوا) وهذا أولى من قوله وتعاد ثانيا وثالثا، (فإن سقوا قبلها اجتمعوا لشكر و دعاء وصلوا) وخطب بهم الامام شكرا لله تعالى وطلبا للمزيد.
قال تعالى: (لئن شكرتم لازيدنكم) (وسن أن يأمرهم الامام بصوم أربعة أيام) متتابعة، وصوم هذه الايام واجب بأمر الامام كما في فتاوي النووي.
(ويبر) كصدقة وتوبة لان لكل من ذلك أثرا في إجابة الدعاء.
وفي خبر حسنه الترمذي أن الصائم لا ترد دعوته (وبخروجهم إلى صحراء) بلا عذر (في) اليوم (الرابع في ثياب بذلة) أي مهنة، (و) في (تخشع) في مشيهم وجلوسهم وغيرهما للاتباع رواه الترمذي.
وقال حسن صحيح (متنظفين) بالماء والسواك وقطع الروائح الكريهة (وبإخراج صبيان وشيوخ وغير ذوات هيئات وبهائم) لانهم مسترزقون ولخبر: وهل ترزقون و تنصرون إلا بضعفائكم رواه البخاري والتصريح بسن أمر الامام بالصوم والبر وبأمره بالباقي مع ذكر متنظفين وغير ذوات هيئات من زيادتي،
(ولا يمنع أهل ذمة حضورا) لانهم مسترزقون وفضل الله واسع وقد يجيبهم استدراجا لهم وفي الروضة عن النص كراهة لانهما ربما كانوا سببا للقحط لانهم ملعونون ويكره أمرهم بالخروج كما نص عليه في الام (ولا يختلطون بنا) في مصلانا بل، يتميزون عنا في مكان، لذلك إذ قد يحل بهم عذاب بكفرهم فيصيبنا.
قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (وهي كعيد) في أنها ركعتان وفي التكبير والجهر و خطبتيه وغيرها للاتباع رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
(لكنها لا تؤقت) بوقت عيد ولا غيره فهو أولى من قوله ولا تختص بوقت العيد فيصليها في أي وقت كان من ليل أو نهار لانها ذات

(1/151)


سبب فدارت مع سببها (وتجزئ الخطبتان قبلها) للاتباع رواه أبو داود وغيره.
(ويبدل تكبيرهما باستغفار) أولهما فيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه بدل كل تكبير.
ويكثر في أثناء الخطبتين من الاستغفار ومن قوله: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) (ويقول في) الخطبة (الاولى اللهم اسقنا غيثا) أي مطرا (مغيثا) أي مرويا مشبعا (إلى آخره) وهو كما في الاصل هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما إلى يوم الدين، أي إلى انتهاء الحاجة.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء أي المطر علينا مدرارا أي كثيرا للاتباع رواه الشافعي رضي الله عنه.
والهنئ الطيب الذي لا ينغصه شئ، والمرئ المحمود العاقبة والمريع ذو الريع أي النماء، والغدق كثير الخير، والمجلل ما يجلل الارض أي يعمها كجل الفرس، والسح شديد الوقع على الارض، والطبق ما يطبق الارض فيصير كالطبق عليها.
(ويتوجه) للقبلة (من نحو ثلث) الخطبة (الثانية) وهو مراد الاصل بقوله بعد صدر الخطبة الثانية، (وحينئذ يبالغ في الدعاء سرا وجهرا) قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) ويرفع الحاضرون أيديهم في الدعاء مشيرين بظهور أكفهم إلى السماء للاتباع رواه مسلم، والحكمة فيه أن القصد رفع البلاء
بخلاف القاصد حصول شئ كما مر بيانه في صفة الصلاة (ويجعل يمين ردائه يساره وعكسه و) يجعل (أعلاه أسفله وعكسه)، والاول تحويل والثاني تنكيس وذلك للاتباع في الاول رواه أبو داود وغيره.
ولهمه (صلى الله عليه وسلم) بالثاني فيه فإنه استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها.
فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه، ويحصلان معا بجعل الطرف الاسفل الذي على شقه الايسر على عاتقه الايمن والطرف الاسفل الذي على شقه الايمن على عاتقه الايسر.
والحكمة فيهما التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة.
(ويفعل الناس) وهم جلوس (مثله) تبعا له وروى الامام أحمد في مسنده: أن الناس حولوا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وكل ذلك مندوب.
قيل والتحويل خاص بالرجل، وإذا فرغ الخطيب من الدعاء أقبل على الناس وأتى ببقية الخطبة (ويترك) الرداء محولا ومنكسا (حتى ينزع الثياب) لانه لم ينقل أنه (صلى الله عليه وسلم) غير رداءه بعد التحويل، ثم محل التنكيس في الرداء المربع لا في المدور والمثلث (ولو ترك) الامام (الاستسقاء فعله الناس) محافظة على السنة لكنهم لا يخرجون إلى الصحراء إذا كان الوالي بالبلد حتى يأذن لهم كما اقتضاه كلام الشافعي لخوف الفتنة.
(وسن)

(1/152)


لكل أحد (أن يبرز لاول مطر السنة ويكشف غير عورته) ليصيبه تبركا به وللاتباع رواه مسلم وظاهر أن ذلك آكد وإلا فمطر غير أو السنة كذلك كما أوضحته في شرح الروض، (و) أن (يغتسل أو يتوضأ في سيل) روى الشافعي أنه (صلى الله عليه وسلم) كان إذا سال السيل قال: اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا، فنتطهر منه ونحمد الله عليه.
وتعبيري كالاصل والروضة بأو يفيد سن أحدهما بالمنطوق وكليهما بمفهوم الاولى وهو أفضل كما في المجموع، وفيه فإن لم يجمعهما فليتوضأ، وفي المهمات المتجه الجمع ثم الاقتصار على الغسل ثم على الوضوء وأنه لا نية فيه إذا لم يصادف وقت وضوء ولا غسل انتهى واقتصر في التنبيه على الغسل، (و) أن (يسبح لرعد وبرق).
روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
وقيس بالرعد
البرق (و) أن (لا يتبعه) أي البرق (بصره).
قال تعالى: (يكاد سنا برقه يذهب بالابصار) وروى الشافعي عن عروة بن الزبير أنه قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق أي المطر فلا يشر إليه، (و) أن (يقول عند مطر: اللهم صيبا) بتشديد الياء أي مطرا (نافعا) للاتباع رواه البخاري.
(ويدعو بما شاء) لخبر البيهقي: يستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإقامة الصلاة ورؤية الكعبة.
(و) يقول (إثره) أي في إثر المطر كما عبر به في المجموع عن الشافعي والاصحاب (مطرنا بفضل الله) علينا (ورحمته) لنا (وكره مطرنا بنوء كذا) بفتح نونه وهمز آخره أي بوقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة الامطار إلى الانواء لايهامه أن النوء فاعل المطر حقيقة.
فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر، (و) كره (سب ريح) لخبر: الريح من روح الله أي رحمته تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها.
رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
(وسن إن تضرروا بكثرة مطر) بتثليث الكاف (أن يقولو) كما قال (صلى الله عليه وسلم) لما شكى إليه ذلك: (اللهم حوالينا ولا علينا) اللهم على الآكام والظراب وبطون الاودية ومنابت الشجر رواه الشيخان.
أي اجعل المطر في الاودية والمراعي لا في الابنية ونحوها والآكام بالمد جمع أكم بضمتين جمع إكام بوزن كتاب جمع أكم بفتحتين جمع أكمة، وهي التل المرتفع من الارض إذا لم يبلغ أن يكون جبلا، والظراب جمع ظرب بفتح أوله وكسر ثانيه: جبل صغير (بلا صلاة) لعدم ورودها فيه.

(1/153)


باب في حكم تارك الصلاة (من أخرج) من المكلفين (مكتوبة كسلا ولو جمعة) وإن قال أصليها ظهرا (عن أوقاتها) كلها (قتل حدا) لا كفرا لخبر الشيخان: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة الحديث وخبر أبي داود وغيره خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن فلم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد
أن يدخله الجنة.
ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عند إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة.
والجنة لا يدخلها كافر فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر، ويقتل في الصبح بطلوع الشمس وفي العصر بغروبها وفي العشاء بطلوع الفجر، وطريقه أنه يطالب بأدائها إذا ضاق وقتها ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن الوقت.
فإن أصر وأخرج استحق القتل.
نعم لا يقتل بتركها فاقد الطهورين لانه مختلف فيه ذكره القفال وإنما يقتل غيره (بعد استتابة) له لانه ليس أسوأ حالا من المرتد، فإن تاب وإلا قتل وقضية كلام الروضة كأصلها والمجموع أن استتابته واجبة كالمرتد.
لكن صحح في التحقيق ندبها والاول أوجه وإن فرق الاسنوي بينهما.
وتكفي استتابته في الحال لان تأخيرها يفوت صلوات.
وقيل يمهل ثلاثة أيام والقولان في الندب، وقيل في الوجوب.
والمعنى أنها الحال أو بعد الثلاثة مندوبة وقيل واجبة فإن لم يتب قتل (ثم) بعد قتله (له حكم المسلم) الذي لم يترك الصلاة فيجهز ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولا يطمس قبره كسائر أصحاب الكبائر، ولا يقتل إن قال صليت ولو قتله في مدة استتابة أو قبلها إنسان أثم ولا ضمان عليه كقاتل المرتد وكتارك الصلاة فيما ذكر تارك شرط لها كالوضوء لانه ممتنع منها.

(1/154)


كتاب الجنائز بالفتح جمع جنازة بالكسر والفتح اسم للميت في النعش.
وقيل بالفتح اسم لذلك وبالكسر اسم للنعش وعليه الميت.
وقيل عكسه غير ذلك من جنزه إذا ستره (ليستعد للموت)، كل مكلف (بتوبة) بأن يبادر إليها لئلا يفجأه المفوت لها (وسن أن يكثر ذكره) لخبر أكثروا من ذكرها ذم اللذات يعني الموت، رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه زاد النسائي فإنه ما يذكر في كثير إلا قلله ولا قليل إلا كثره، أي كثير من الامل والدنيا وقليل من العمل وها ذم بالمعجمة، أي قاطع والتصريح بسن ذلك من زيادتي (ومريض آكد) بما ذكر أي أشد طلبا به من غيره، (و) أن (يتداوى) المريض لخبر البخاري: ما
أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، وخبر أن الاعراب قالوا: يا رسول الله أنتدواى، فقال: تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا الهرم رواه الترمذي وغيره وصححوه.
قال في المجموع فإن ترك التداوي توكلا فهو فضيلة (وكره إكراهه عليه) لما فيه من التشويش عليه

(1/155)


قال في المجموع: وخبر لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم ضعيف ضعفه البيهقي وغيره وادعى الترمذي أنه حسن (و) كره (تمنى موت لضر) في بدنه أو دنياه.
(وسن) تمنيه (لفتنة دين) لخبر الشيخين في الاول: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي واتباعا في الثااني لكثير من السلف وذكر السن من زيادتي.
وقال الاسنوي وغيره: إن النووي أفتى به (وأن يلقن محتضر) أي من حضره الموت (الشهادة) أي لا إله إلا الله لخبر مسلم: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله أي ذكروا من حضره الموت وهو من باب تسمية الشئ بما يصير إليه وروى الحاكم بإسناد صحيح: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (بلا إلحاح) عليه لئلا يضجر ولا يقال له قل بل يتشهد عنده، وليكن غير متهم كحاسد وعدو ووارث، فإن لم يحضر غيرهم لقنه من حضر منهم كما بحثه الاذرعي، فإن حضر الجميع لقن الوارث فيما يظهر أو ورثة لقنه أشفقهم عليه، وإذا قالها مرة لا تعاد عليه إلا أن يتكلم بعدها، (ثم يوجه) إلى القبلة (باضجاع لجنب أيمن ف) - إن تعذر فلجنب (أيسر)، كما في المجموع لان ذلك أبلغ في التوجيه من استلقائه، وذكر الايسر من زيادتي.
(ف) - إن تعذر وجه ب (- استلقاء) بأن يلقي على قفاه ووجهه وأخمصاه للقبلة بأن يرفع رأسه قليلا، والاخمصان هنا أسفل الرجلين وحقيقتهما المنخفض من أسفلهما و الترتيب بين التلقين والتوجه من زيادتي، وبه صرح الماوردي، وقال التاج بن الفركاح إن أمكن أجمع فعلا معا وإلا بدئ بالتلقين.
(و) أن (يقرأ عنده) سورة (يس) لخبر: اقرءوا على موتاكم يس رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان، وقال المراد به من حضره الموت لان الميت لا يقرأ عليه.
والحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث
مذكورة فيها، فإذا قرئت عنده تحدد له ذكر تلك الاحوال (و) أن (يحسن ظنه بربه)، لخبر مسلم عن جابر قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول قبل موته

(1/156)


بثلاث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى أي يظن أن يرحمه ويعفو عنه، ولخبر الشيخين قال الله: أنا عند ظن عبدي بي ويسن لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى (فإذا مات غمض) لئلا يقبح منظره.
وروى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر وشق بصره، بفتح الشين وضم الراء شخص، بفتح الشين والخاء (وشد لحياه بعصابة) عريضة تربط فوق رأسه لئلا يبقى فمه منفتحا فيدخله الهوام، (ولينت مفاصله) فيرد ساعده إلى عضده وساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ثم تمد وتلين أصابعه تسهيلا لغسله وتكفينه، فإن في البدن بعد مفارقة الروح بقية حرارة، فإذا لينت المفاصل حينئذ لانت وإلا فلا يمكن تليينها بعد (ونزعت ثيابه) التي مات فيها لانها تسرع إليه الفساد، (ثم ستر) كله إن لم يكن محرما (بثوب خفيف)، ويجعل طرفاه تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف، وخرج بالخفيف الثقيل فإنه يحميه فيغيره، وذكر الترتيب بين النزع والستر من زيادتي (وثقل بطنه بغير مصحف) كمرآة ونحوها من أنواع الحديد لئلا ينتفخ، فإن لم يكن حديد فطين رطب وقدر ذلك بنحو عشرين درهما.
أما المصحف وذكره من زيادتي فيصان عنه احتراما له.
قال الاسنوي: وينبغي أن يلحق به كتب الحديث والعلم المحترم (ورفع عن أرض) على سرير أو نحوه لئلا يتغير بنداوتها، (ووجه) إلى القبلة (كمحتضر).
وتقدم كيفية توجهه (وسن أن يتولى ذلك) كله (أرفق محارمه) به الرجل من الرجل والمرأة من المرأة بأسهل ما يمكنه، فإن تولاه الرجل من المرأة المحرم أو بالعكس جاز، (و) أن (يبادر) بفتح الدال (بغسله وقضاء دينه وتنفيذ وصيته) إن تيسر، وإلا سأل وليه غرماءه أن يحللوه و يحتالوا به عليه إكراما له وتعجيلا للخير.
ولخبر نفس المؤمن أي روحه معلقة أي محبوسة عن مقامها الكريم

(1/157)


بدينه حتى يقضي عنه، رواه الترمذي وحسنه هذا (إذا تيقن موته) بظهور أماراته كاسترخاء قدم وامتداد جلدة وجه وميل أنف وانخلاع كف، فإن شك في موته أخر ذلك حتى يتيقن بتغير رائحة أو غيره.
(وتجهيزه) أي الميت المسلم غير الشهيد، بغسله وتكفينه وحمله والصلاة عليه ودفنه ولو قاتل نفسه (فرض كفاية) بالاجماع في غير القاتل وبالقياس عليه في القاتل، أما الكافر فسيأتي حكمه، وأما الشهيد فكغيره إلا في الغسل والصلاة وسيأتي حكمهما، (وأقل غسله) ولو جنبا أو نحوه (تعميم بدنه) بالماء مرة، فلا يشترط تقدم إزالة نجس عنه كما يلوح به كلام المجموع، وقول الاصل بعد إزالة النجس مبني على ما صححه الرافعي في الحي، أن الغسلة الواحدة لا تكفيه عن النجس والحدث.
لكن صحح النووي أنها تكفيه وكأنه ترك الاستدراك هنا للعلم به من ذاك أو لان الغالب أن الماء لا يصل إلى محل النجس من الميت إلا بعد إزالته، وبما ذكر علم أنه لا تجب نية الغاسل، لان القصد بغسل الميت النظافة، وهي لا تتوقف على نية (فيكفي غسل كافر) بناء على عدم وجوبها (لا غرق) لانا مأمورون بغسله، فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا حتى لو شاهدنا الملائكة تغسله لم يسقط عنا بخلاف نظيره من الكفن لان المقصود منه الستر وقد حصل، ومن الغسل التعبد بفعلنا له ولهذا ينبش للغسل لا للتكفين.
(وأكلمه أن يغسل في خلوة) لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه والولي فيستر كما كان يستتر حيا عند اغتساله، وقد يكون ببدنه ما يكره ظهوره.
وقد تولى غسل النبي (صلى الله عليه وسلم) علي و الفضل بن العباس وأسامة بن زيد يناول الماء والعباس واقف، ثم رواه ابن ماجه وغيره والاولى أن يكون تحت سقف لانه أستر نص عليه في الام (و) في (قميص) بال أو سخيف لانه أستر له

(1/158)


وأليق.
وقد غسل (صلى الله عليه وسلم) في قميص رواه أبو داود وغيره، ويدخل الغاسل يده من كمه إن كان واسعا ويغسله من تحته وإن كان ضيقا فتق رؤوس الدخاريص وأدخل يده في موضع الفتق، فإن لم يوجد قميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة (على مرتفع) كلوح
لئلا يصيبه الرشاش وليكن محل رأسه أعلى لينحدر الماء عنه، وتعبيري بمرتفع أعم من تعبيره بلوح (بماء بارد) لانه يشد البدن بخلاف المسخن فإنه يرخيه (إلا لحاجة) إليه كوسخ وبرد وهذا من زيادتي، وأن يكون الماء في إناء كبير ويبعد عن المغتسل بحيث لا يصيبه رشاشه، (و) أن (يجلسه الغاسل) على المرتفع برفق (مائلا إلى ورائه ويضع يمينه على كتفه وإبهامه بنقرة قفاه لئلا يميل رأسه، (ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يساره على بطنه بمبالغة) ليخرج ما فيه من الفضلات، ويكون عنده حينئذ مجمرة متقدة فائحة بالطيب والمعين يصب عليه ماء كثيرا لئلا تظهر رائحته مما يخرج، ثم يضجعه لقفاه ويغسل بخرقة ملفوفة (على يساره سوأتيه) أي دبره وقبله وما حولهما، كما يستنجى الحي ويغسل ما على بدنه من قذر ونحوه، (ثم) بعد إلقاء الخرقة وغسل يده بماء وأشنان (يلف) خرقة (أخرى) على اليد (وينظف أسنانه ومنخريه) بفتح الميم والخاء وكسرهما وضمهما وفتح الميم وكسر الخاء وهي أشهر بأن يزيل ما بهما من أذى بأصبعه مع شئ من الماء كما في مضمضة الحي واستنشاقه، ولا يفتح فاه (ثم يوضئه) كحي ثلاثا ثلاثا بمضمضة واستنشاق، ولا يغنى عنهما ما مر بل ذاك سواك وتنظيف، ويميل رأسه فيهما لئلا يصل الماء باطنه، وذكر الترتيب بين هذا وما قبله من زيادتي (ثم يغسل رأسه فلحيته بنحو سدر) كخطمي والسدر أولى منه للنص عليه في الحديث، ولانه أمسك للبدن (ويسرحهما) أي شعرهما إن تلبد (بمشط) بضم الميم وكسرها مع إسكان الشين وبضمهما، (واسع الاسنان برفق) ليقل الانتتاف (ويرد الساقط) من شعرهما، وكذا من شعر غيرهما (إليه) بوضعه معه في كفنه، وتعبيري بالساقط أعم من تعبيره بالمنتتف، (ثم يغسل) هو أولى من قوله ويغسل (شقه الايمن ثم الايسر) المقبلين من عنقه إلى قدمه، (ثم يحرفه) بالتشديد (إليه) أي إلى شقه الايسر (فيغسل شقه الايمن مما يلي قفاه) وظهر إلى قدمه، (ثم) يحرفه (إلى) شقه (الايمن فيغسل الايسر كذلك) أي مما يلي قفاه وظهره إلى قدمه (مستعينا في ذلك) كله (بنحو سدر ثم يزيله بماء من فرقه إلى قدمه ثم يعمه)

(1/159)


كذلك (بماء قراح) أي خالص (فيه قليل كافور) بحيث لا يضر الماء لان رائحته تطرد الهوام ويكره تركه نص عليه في الام وخرج بقليله كثيرة فقد يغير الماء تغيرا كثيرا إلا أن يكون صلبا فلا يضر مطلقا (فهذه) الاغتسال المذكورة (غسلة وسن ثانية وثالثة كذلك) أي أولى كل منهما بسدر أو نحوه والثانية مزيلة له والثالثة بماء قراح فيه قليل كافور وهو في الاخيرة آكد، فإن لم يحصل التنظيف بالغسلات المذكورة زيد عليها حتى يحصل فإن حصل بشفع سن الايتار بواحدة ولا تحسب الاولى والثانية من كل من الثلاث لتغير الماء بما معه تغيرا كثيرا وإنما تحسب منها غسلة الماء القراح، فتكون الاولى من الثلاث به هي المسقطة للواجب ويلين مفاصله بعد الغسل ثم ينشف تنشيفا بليغا لئلا تبتل أكفانه فيسرع إليه الفساد.
والاصل فيما ذكر خبر الشيخين أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لغاسلات ابنته زينب رضي الله عنها: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها واغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الاخيرة كافورا أو شيئا من كافور قالت أم عطية منهن: فمشطناها ثلاثة قرون، وفي رواية فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها.
وقوله أو خمسا إلى آخره، هو بحسب الحاجة في النظافة إلى زيادة على الثلاث مع رعاية الوتر لا للتخيير، وقوله إن رأيتن أي احتجتن ومشطنا وضفرنا بالتخفيف وقرون أي ضفائر.
وقولي كذلك من زيادتي مع أن عبارتي أوضح من عبارته في إفادة الغرض.
كما لا يخفى.
ولو خرج بعده أي الغسل نجست وجب إزالته فقط وإن خرج من الفرج لسقوط الفرض بما وجد (و) أن (لا ينظر غاسل من غيره عورته إلا قدر حاجة) بأن يريد معرفة المغسول من غيره ولا ينظر المعين من ذلك إلا لضرورة، أما عورته فيحرم النظر إليها.
وسن أن يغطي وجهه بخرقة من أول وضعه على المغتسل وأن لا يمس شيئا من غير عورته إلا بخرقة (و) أن (يكون أمينا) ليوثق به في تكميل الغسل وغيره، (فإن رأى خير اسن ذكره) ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه والدعاء له ولخبر ابن حبان والحاكم اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم، (أو ضده حرم) ذكره لانه غيبة وللخبر السابق (إلا لمصلحة) كبدعة ظاهرة فيذكره
لينزجر الناس عنه.
والتصريح بسن ذكر الخير من زيادتي (ومن تعذر غسله) لفقد ماء أو لغيره كاحتراق ولو غسل تهرى (يمم) كما في غسل الجنابة ولو كان به قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل، ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائر إلى البلى (ولا يكره لنحو جنب) كحائض (غسله) لانهما طاهران كغيرهما، و تعبيري بنحو جنب أعم من تعبيره بالجنب والحائض، (والرجل أولى ب) غسل (الرجل والمرأة) أولى (بالمرأة وله غسل حليلته) من زوجة غير رجعية ولو نكح غيرها وأمة ولو كتابية إلا إن كانت مزوجة أو

(1/160)


معتدة أو مستبرأة، (ولزوجة) غير رجعية (غسل زوجها) ولو نكحت غيره بخلاف الامة لا تغسل سيدها لانتقالها عنه، والزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث وقد قال (صلى الله عليه وسلم) لعائشة: لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك رواه ابن ماجه وغيره.
وقالت عائشة رضي الله عنها: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا نساؤه.
رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرط مسلم (بلامس) منها له ولا من الزوج أو السيد لها كأن كان الغسل من كل وعلى يده خرقة لئلا ينتقض وضوءه، (فإن لم يحضر إلا أجنبي) في الميت المرأة (أو أجنبية) في الرجل (يمم) أي الميت إلحاقا لفقد الغاسل بفقد الماء.
فرع الصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء ومثله الخنثى الكبير عند فقد المحرم، كما صححه في المجموع ونقله عن اتفاق الاصحاب قال: ويغسل فوق ثوب ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس (والاولى به) أي بالرجل في غسله (الاولى بالصلاة عليه درجة) وهم رجال العصبة من النسب ثم الولاء ثم الامام أو نائبه، إن انتظم بيت المال ثم ذوو الارحام وما اقتضاه كلام الجرجاني من تقديمهم على الامام يحمل على ما إذا لم ينتظم بيت المال ثم الرجال الاجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم، وخرج بزيادتي درجة أخذا مما ذكروه في إدخاله القبر الاولى بالصلاة صفة إذ الافقه أولى من الاسن والاقرب والبعيد الفقيه أولى من الاقرب غير الفقيه، هنا عكس ما في الصلاة والمراد بالافقه الاعلم بذلك الباب
(و) الاولى (بها) أي بالمرأة في غسلها (قريباتها) فيقدمن حتى على الزوج، (وأولاهن ذات محرمية) وهي من لو قدرت ذكرا لم يحل له نكاحها فإن استوت اثنتان في المحرمية فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة، واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن القربى فالقربى، (ف) - بعد القريبات (ذات ولاء)، كما في المجموع وهذا من زيادتي، (فأجنبية) لانها أليق (فزوج) لان منظوره أكثر (فرجال محارم كترتيب صلاتهم) إلا ما مر وشرط المقدم إسلام إن كان الميت مسلما، وعدم قتل ولو بحق.
أما غير المحارم كابن العم فكأجنبي فلا حق له في ذلك وإن كان له حق في الصلاة (فإن تنازع مستويان) هنا وفي نظائره الآتية وهذا أولى من قوله ولو تنازع أخوان أو زوجتان (أقرع) بينهما (والكافر أحق بقريبه الكافر) من قريبه المسلم في غسله وتكفينه ودفنه لقوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (وتطيب) جوازا (محدة) لزوال

(1/161)


المعنى المرتب عليه تحريم الطيب وهو التفجع على زوجها والتحرز عن الرجال (وكره أخذ شعر غير محرم وظفره)، لان أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بذلك (ووجب إبقاء أثر إحرام) في محرم، فلا يؤخذ شعره وظفره ولا يطيب ولا يلبس المحرم الذكر مخيطا ولا يستر رأسه ولا وجه محرمة ولا كفاها بقفازين، قال (صلى الله عليه وسلم) في المحرم الذي مات وهو واقف معه بعرفة: لا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.
رواه الشيخان وقد استفيد من التعليل الواقع فيه حرمة الالباس والستر المذكورين فلا تنتهك بذلك (ولنحو أهل ميت) كأصدقائه (تقبيل وجهه) لانه (صلى الله عليه وسلم) قبل عثمان بن مظعون بعد موته، رواه الترمذي وغيره وصححوه.
ولان أبا بكر رضي الله عنه قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد موته، رواه البخاري (ولا بأس بإعلام بموته) للصلاة عليه وغيرها، لما روى البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) قال في إنسان كان يقم المسجد أي يكنسه فمات فدفن ليلا: أفلا كنتم آذنتموني به.
وفي رواية ما منعكم أن تعلموني وصحح في المجموع، أنه مستحب إذا قصد الاعلام لكثرة المصلين (بخلاف نعي الجاهلية)
وهو النداء بموت الشخص وذكر مآثره ومفاخره، فإنه يكره لانه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن النعي، رواه الترمذي وحسنه والمراد نعي الجاهلية.
فصل في تكفين الميت وحمله (يكفن) بعد غسله (بماله لبسه) حيا من حرير غيره، فيحل تكفين أنثى بحرير ومزعفر ومعصفر بخلاف الرجل والخنثى إذا وجد غيرها، ويعتبر فيه حال الميت فإن كان مكثرا فمن جياد الثياب، أو متوسطا فمن متوسطها أو مقلا فمن خشنها، وقضية كلامهم جواز تكفين الصبي بالحرير وجواز التكفين بالمتنجس والظاهر، كما قال الاذرعي منع الثاني مع القدرة على طاهر وإن جوزنا لبسه للحي في عير الصلاة ونحوه، (وكره مغالاة فيه) لخبر لا تغالوا

(1/162)


في الكفن فإنه يسلب سريعا، رواه أبو داود بإسناد حسن (و) كره (لانثى نحو معصفر) من حرير ومزغفر لما فيه من الزينة والتقييد بالانثى، مع ذكر نحو من زيادتي (وأقله) أي الكفن (ثوب) بقيد ردته بقولي (يستر عورته) كالحي فيختلف قدره بالذكورة وغيرها، (ولو أوصى بإسقاطه) لانه حق لله تعالى بخلاف الزائد عليه الآتي ذكره فإنه حق للميت بمثابة ما يجمل به الحي فله منعه، فإذا أوصى بساتر العمرة كفن بساترها لا بساتر كل البدن على الاصح فإن ذاك مفرع على أن الواجب في التكفين ستر كل البدن لا ستر العورة، وما في المجموع عن الماوردي وغيره من الاتفاق على وجوب ساتر كل البدن فيما لو قال الورثة، يكفن به والغرماء بساتر العورة ليس لكونه واجبا في التكفين بل لكونه حقا للميت يتقدم به الغرماء، ولم يسقطه على أن في هذه الاتفاق نزاعا كما قاله ابن الرفعة وبتقدير صحته، فهو مع حمله على ما قلنا مستثنى لتأكد أمره وإلا فقد جزم الماوردي بأن للغرماء منع ما يصرف في المستحب ولو لم يوص بما ذكر.
واختلف الورثة في تكفينه بثوب أو ثلاثة أو اتفقوا على ثوب أو كان فيهم محجور عليه كفن بثلاثة (وأكمله لذكر) ولو صغيرا (ثلاثة) يعم كل منها البدن غير رأس المحرم، لخبر الشيخين قالت عائشة: كفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة.
(وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة)
كما فعله ابن عمر بابن له رواه البيهقي (و) أكمله (لغيره) أي لغير الذكر من الانثى والخنثى المزيد على الاصل خمسة (إزار فقميص فخمار فلفافتان) لانه (صلى الله عليه وسلم) كفن فيها ابنته أم كلثوم رواه أبو داود.
والازار والمئزر ما يستر العورة، والخمار ما يغطي به الرأس وليست الخمسة في حق غير الذكر كالثلاثة في حق الذكر حتى تجبر الورثة عليها كما تجبر على الثلاثة.
وتكره الزيادة على الخمسة في الذكر وغيره لانها سرف، قال في المجموع ولو قيل بتحريمها لم يبعد، وبه قال ابن يونس وقال الاذرعي: إنه الاصح المختار.
وذكر الترتيب في المذكورات من زيادتي (ومن كفن) من ذكر أو غيره (بثلاثة فهي لفائف) بوصفها السابق (وسن) كفن (أبيض) لخبر البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم رواه الترمذي.
وقال: حسن صحيح (ومغسول) لانه للصديد والحي أحق بالجديد.
كما قاله أبو بكر رضي الله عنه رواه البخاري: (وأن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها) إن تفاوتت حسنا وسعة، كما يظهر الحي أحسن ثيابه

(1/163)


وأوسعها (والباقي) من لفافتين أو لفافة (فوقها و) أن (يذر) بمعجمة في غير المحرم (على كل) من اللفائف قبل وضع الاخرى عليها.
(و) على (الميت حنوط) بفتح الحاء نوع من الطيب قال الازهري، ويدخل فيه الكافور وذريرة القصب والصندل الاحمر والابيض، وذلك لانه يدفع الهوام ويشد البدن ويقويه ويسن تبخير الكفن بالعود أولا، (و) أن (يوضع) الميت (فوقها) برفق (مستلقيا) على ظهره (و) أن تشد ألياه) بخرقة بعد أن يدس بينها قطن عليه حنوط، (و) أن (يجعل على منافذه) كعينيه ومنخريه وأذنيه وعلى مساجده كجبهته (قطن) عليه حنوط (وتلف عليه اللفائف) بأن يثني أولا الذي يلي شقه الايسر على شقة الايمن ثم يعكس ذلك ويجمع الفاضل عند رأسه ورجليه، ويكون الذي عند رأسه أكثر (وتشد) اللفائف بشداد خوف الانتشار عند الحمل إلا أن يكون محرما كما صرح به الجرجاني.
(ثم يحل الشداد في القبر) إذ يكره أن يكون معه في القبر شئ معقود، والتصريح بسن البسط وما عطف عليه ما عدا الحنوط من
زيادتي (ومحل تجهيزه) من تكفين وغيره (تركة) له يبدأ به منها لكن بعد الابتداء بحق تعلق بعينها كما سيأتي في الفرائض (إلا زوجة وخادمها ف) - تجهيزهما (على زوج غني عليه نفقتهما) بخلاف الفقير، ومن لم تلزمه نفقتهما لنشوز أو نحوه وكالزوجة البائن الحامل والتقييد بالغنى مع ذكر الخادم من زيادتي (ف) - إن لم يكن تركة ولا زوج غني عليه النفقة، فتجهيزه (على من عليه نفقته) حيا في الجملة (من قريب وسيد) للميت سواء فيه الاصل والفرع الصغير والكبير لعجزه بالموت والقن وأم الولد والمكاتب لانفساخ كتابته بموته، (ف) - إن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه (على بيت المال) كنفقته في الحياة (ف) - إن تعذر بيت المال فهو على (مياسير المسلمين) ولا يلزمهم التكفين بأكثر من ثوب، وكذا إذا كفن من مال من عليه نفقته أو من بيت المال أو من موقوف على التكفين أو منع الغرماء المستغرقون ذلك، وذكر بيت المال وما بعده من زيادتي وتعبيري بالتجهيز أعم من تعبيره بالتكفين، (وحمل جنازة بين العمودين بأن يضعهما) رجل (على عاتقيه) ورأسه بينهما (ويحمل

(1/164)


المؤخرين رجلان) أحدهما من الجانب الايمن والآخر من الايسر إذ لو توسطهما واحد كالمقدمتين لم يرما بين قدميه (أفضل من التربيع بأن يتقدم رجلان) يضع أحدهما العمود الايمن على عاتقه الايسر والآخر عكسه، (ويتأخر آخران) يحملان كذلك روى البيهقي: أنه (صلى الله عليه وسلم) جمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين (ولا يحملها) ولو أنثى (إلا رجال) لضعف النساء عن حملها غالبا.
وقد ينكشف منهن شئ لو حملن فيكره لهن حملها وفي معناهن الخناثي فيما يظهر، (وحرم حملها بهيئة مزرية) كحملها في غرارة أوقفة (أو) هيئة يخاف (منها سقوطها) بل تحمل على سرير أو لوح أو نحوه، فإن خيف تغيره قبل حصول ما تحمل عليه فلا بأس أن تحمل على الايدي والرقاب (والمشي وبأمامها وقربها) بحيث لو التفت لرآها (أفضل) من الركوب مطلقا ومن المشئ بغير أمامها وببعدها، روى ابن حبان وغيره عن ابن
عمر أنه رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، وروى الحاكم خبر الراكب يسير خلف الجنازة والماشي عن يمينها وشمالها قريبا منها والسقط يصلي عليه ويدعى ولوالديه بالعافية والرحمة.
وقال صحيح على شرط البخاري، وفي المجموع يكره الركوب في الذهاب معها لغير عذر الواو في وبأمامها وقربها من زيادتي (وسن إسراع بها) لخبر الشيخين: أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم.
(إن أمن تغيره) أي الميت بالاسراع وإلا فيتأنى به والاسراع فوق المشئ المعتاد ودون الخبب لئلا ينقطع الضعفاء، فإن خيف تغير بالتأني أيضا زيد في الاسراع والتصريح بسن الاسراع من زيادتي (و) سن (لغير ذكر ما يستره كقبة) لانه أستر له، وتعبيري بغير ذكر الشامل للانثى والخنثى أعم من تعبيره بالانثى، (وكره لغط فيها) أي في الجنازة أي في السير معها والحديث في أمور الدنيا بل المستحب التفكر في أمور الموت وما بعده، (واتباعها) بإسكان التاء (بنار) في مجمرة أو غيرها لانه يتفاءل بذلك فأل السوء (لا ركوب في رجوع منها) فلا يكره لانه (صلى الله عليه وسلم) ركب فيه رواه مسلم (ولا اتباع مسلم جنازة الكافر) لما روى أبو داود عن علي بإسناد حسن ووقع في المجموع بإسناد ضعيف قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت إن عمك الشيخ الضال قد مات قال انطلق فواره.
قال الاذرعي ولا يبعد إلحاق الزوجة والمملوك بالقريب قال وهل يلحق به الجار كما في العيادة فيه نظر.

(1/165)


فصل في صلاة الميت (لصلاته أركان) سبعة أحدها (نية كغيرها) أي كنية غيرها من الصلوات في حقيقتها ووقتها والاكتفاء بنية الفرض بدون تعرض لكفاية وغير ذلك.
(ولا يجب) في الحاضر (تعيينه) باسمه أو نحوه ولا معرفته بل يكفي تمييزه نوع تمييز كنية الصلاة على هذا الميت أو على من
صلى عليه الامام، (فإن عينه) كزيد أو رجل (ولم يشر) إليه (وأخطأ) في تعيينه فبان عمرا أو امرأة (لم تصح) صلاته (و) لان ما نواه لم يقع، بخلاف ما إذا أشار إليه وتقدم نظيره في فصل للاقتداء شروط وقولي ولم يشر من زيادتي (وإن حضرموتي نواهم) أي نوى الصلاة عليهم.
(و) ثانيها (قيام قادر) عليه كغيرها من الفرائض.
(و) ثالثها (أربع تكبيرات) للاتباع رواه الشيخان (فلو زاد) عليها (و) (لم تبطل) صلاته للاتباع رواه مسلم، ولانه إنما زاد ذكرا (أو زاد إمامه) عليها (لم يتابعه) أي لا تسن له متابعته في الزائد لعدم سنة للامام (بل يسلم أو ينتظره) ليسلم معه وهو الافضل لتأكد المتابعة، وتعبيري بزاد أعم من تعبيره بخمس.
(و) رابعها (قراءة الفاتحة) كغيرها من الصلوات ولان ابن عباس قرأ بها في صلاة الجنازة، وقال: لتعلموا أنها سنة رواه البخاري (عقب) التكبيرة (الاولى) للاتباع رواه البيهقي، وهذا ما جزم به في التبيان تبعا للجمهور لظاهر نصين للشافعي وهو المفتي به لا بما في الاصل من أنها بعد الاولى أو غيرها، ولا بما في الروضة كأصلها من أنها بعدها أو بعد الثانية (و) خامسها (صلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) لخبر أبي أمامة أن رجالا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبروه أن الصلاة عليه (صلى الله عليه وسلم) في صلاة الجنازة من السنة، رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين (عقب الثانية) لفعل السلف والخلف، وتسن الصلاة على الآل فيها والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها، والحمد قبل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم).
(و) سادسها (دعاء للميت) كاللهم ارحمه (عقب الثالثة)، قال في المجموع ولا يجزئ في غيرها بلا خلاف قال وليس لتخصيصه بها دليل واضح.
(و) سابعها (سلام كغيرها) أي كسلام غيرها من الصلوات في كيفيته وتعدده وغيرهما، (وسن رفع يديه في تكبيراتها) حذو منكبيه ويضع يديه بعد كل تكبيرة تحت صدره كغيرها من الصلوات، (وتعوذ) لان للقراءة (وإسرار به وبقراءة وبدعاء) ليلا أو نهارا، روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي أمامة أنه قال: من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم

(1/166)


الكتاب مخافته ثم يصلي على النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم يخلص الدعاء للميت ويسلم ويقاس بأم القرآن
الباقي.
(وترك افتتاح وسورة) لطولهما وصلاة الجنازة مبنية على التخفيف، وذكر سن الاسرار بالتعوذ والدعاء مع سن ترك الافتتاح والسورة من زيادتي، (وأن يقول في الثالثة اللهم اغفر لحينا الخ) تتمته كما في الاصل وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منه فأحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان.
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وزاد غير الترمذي: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده (ثم اللهم هذا عبدك الخ) تتمته وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها أي نسيم ريحها واتساعها ومحبوبه وأحبائه فيها أي ما يحبه ومن يحبه، إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه أي من الاهوال كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه، وافسح له في قبره وجاف الارض عن جنبيه ولقه برحمتك الامن من عذابك حتى تبعثه آمنا إلى جنتك يا أرحم الراحمني.
جمع الشافعي رضي الله عنه ذلك من الاحاديث واستحسنه الاصحاب وهذا في البالغ الذكر، أما الصغير فسيأتي ما يقول فيه، وأما المرأة فيقول فيها هذه أمتك وبنت عبديك ويؤنث ضمائرها أو يقول مثل ما مر على إرادة الشخص أو الميت.
وأما الخنثى فقال الاسنوي المتجه التعبير فيه بالمملوك ونحوه (و) أن (يقول في صغير مع) الدعاء (الاول اللهم اجعله) أي الصغير (فرطا لابويه) أي سابقا مهيئا مصالحهما في الآخرة (إلى آخره)، تتمته كما في الاصل وسلفا وذخرا بذال معجمة وعظة أي موعظة، واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما زاد في الروضة كأصلها، ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره وتقدم في خبر الحاكم أن السقط يدعى لوالديه بالعافية والرحمة (و) أن يقول (في الرابعة اللهم لا ترحمنا) بفتح التاء وضمهما (أجره) أي أجر الصلاة عليه أو أجر المصيبة، (ولا تفتنا بعده) أي بالابتلاء بالمعاصي لفعل السلف
والخلف.
ولان ذلك مناسب للحال (ولو تخلف) عن إمامه (بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته) إذا الاقتداء هنا إنما يظهر في التكبيرات وهو تخلف فاحش يشبه التخلف بركعة فإن كان ثم عذر كنسيان لم تبطل صلاته بتخلفه بتكبيرة بل بتكبيرتين على ما اقتضاه كلامهم، والظاهر أنه لو تقدم عليه بتكبيرة لم تبطل وإن نزلوها منزلة ركعة ولهذا لا تبطل بزيادة خامسة فأكثر كما مر وقولي شرع أولى من قوله كبر

(1/167)


(ويكبر مسبوق ويقرأ الفاتحة وإن كان إمامه في غيرها) رعاية لترتيب صلاة نفسه، وهذا ظاهر على القول بتعين الفاتحة عقب الاولى لا على القول بأنها تجزئ عقب غيرها كما أشار إليها لرافعي (فلو كبر إمامه) أخرى (قبل قراءته لها) سواء أشرع فيها أم لا، (تابعه) في تكبيره وسقطت القراءة عنه (وتدارك الباقي) من تكبير وذكر (بعد سلام إمامه) كما في غيرها من الصلوات.
ويسن أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق ولا يضر رفعها قبل إتمامه (وشرط) لصحتها (شروط غيرها) من الصلوات كطهر وستر وغيرهما مما يتأتى مجيئه هنا، (وتقدم طهره) بماء أو تراب عليها كسائر الصلوات ولانه المنقول عن النبي (صلى الله عليه وسلم) (فلو تعذر) كأن وقع بحفرة وتعذر إخراجه وطهره (لم يصل عليه) لفقد الشرط.
وتعبيرب بالطهر هنا وفيما يأتي أعم من تعبيره بالغسل وإن وافقته في بعض المواضع (وأن لا يتقدم عليه) حالة كونه (حاضرا ولو في قبر) وأن يجمعهما مكان واحد وأن لا يزيد ما بينهما في غير مسجد على ثلاثمائة ذراع تقريبا تنزيلا للميت منزلة الامام.
(وتكره) الصلاة (قبل تكفينه) لما فيها من الازراء بالميت، فتكفينه ليس بشرط في صحتها والقول به مع اشتراط تقدم غسله قال السبكي يحتاج إلى دليل مع أن المعنيين السابقين موجودان فيه، ويفرق بأن اعتناء الشارع بالطهر أقوى منه بالستر بدليل جواز نبش القبر للطهر لا للتكفين وصحة صلاة العاري العاجز عن الستر بلا إعادة بخلاف صلاة المحدث.
(ويكفي) في إسقاط فرضها (ذكر) ولو صبيا مميزا لحصول المقصود به ولان الصبي يصلح أن يكون إماما
للرجل (لا غيره) من خنثى وأنثى (مع وجوده) أي الذكر لان الذكر أكمل من غيره، فدعاؤه أقرب إلى الاجابة.
وفي عدم سقوطها بغير ذكر مع وجود الصبي كلام ذكرته في شرح الروض، وقولي لا غيره مع وجوده أعم من قوله ولا تسقط بالنساء وهناك رجال.
(ويجب تقديمها على دفن) فإن دفن قبلها أثم الدافنون وصلى على القبر (وتصح على قبر غير نبي) للاتباع رواه الشيخان سواء أدفن قبل الصلاة عليه أم بعدها بخلافها على قبر نبي لخبر الشيخين: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
ولانا لم نكن أهلا للفرض وقت موتهم، وتعبيري بني أعم من تعبيره برسول الله (و) تصح (على غائب عن البلد) ولو دون مسافة لقصر وفي غير جهة القبلة والمصلى مستقبلها لانه (صلى الله عليه وسلم) أخبرهم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى فصلى عليه وكبر أربعا، رواه الشيخان وذلك في رجب سنة تسع لكنها لا تسقط الفرض.
أما

(1/168)


الحاضر بالبلد فلا يصلي عليه إلا من حضره، وإنما تصح الصلاة على القبر والغائب عنا لبلد ممن كان (من أهل فرضها وقت موته) قالوا: لان غيره متنفل وهذه لا يتنفل بها.
ونازع الاسنوي في اعتبار وقت الموت قال: ومقتضاه أنه لو بلغ أو أفاق بعده وقبل الغسل لم يؤثر والصواب خلافه بل لو زال بعد الغسل أو الصلاة وأدرك زمنا يمكنه فعلها فيه فكذلك (وتحرم) الصلاة (على كافر) ولو ذميا قال تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا (ولا يجب طهره) لانه كرامة وتطهيرا وليس هو من أهلهما لكنه يجوز، فقد غسل علي رضي الله عنه أباه بأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، رواه البيهقي لكنه ضعفه (ويجب) علينا (تكفين ذمي ودفنه) حيث لميكن له مال ولا من تلزمه نفقته وفاء بذمته بخلاف الحربي.
(ولو اختلط من يصلي عليه بغيره) ولم يتميز كمسلم بكافر وغير شهيد بشهيد (وجب تجهيز كل) بطهره وتكفينه وصلاة عليه ودفنه، إذ لا يتم الواجب إلا بذلك.
وعورض بأن الصلاة على الفريق الآخر محرمة ولا يتم ترك المحرم إلا بترك الواجب، ويجاب بأن الصلاة في الحقيقة ليست على الفريق
الآخر كما يفيده قولي كالاصل، (ويصلي على الجميع وهو أفضل أو على واحد فواحد بقصد من يصلي عليه فيهما) أي في الكيفيتين.
ويغتفر التردد في النية للضرورة، (ويقول) في المثال الاول (اللهم اغفر للمسلم منهم) في الكيفية الاولى، (أو) يقول فيه اللهم (اغفر له إن كان مسلما) في الثانية، والدعاء المذكور في الاولى من زيادتي وقولي ولو اختلط إلى آخره أعم مما ذكره.
(وتسن) أي الصلاة عليه (بمسجد) لانه (صلى الله عليه وسلم) صلى فيه على سهيل بن بيضاء وأخيه سهل، رواه مسلم بدون تسمية الاخ (وبثلاثة صفوف فأكثر) لخبر: ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا غفر له، رواه الحاكم وغيره.
وقال صحيح على شرط مسلم (و) يسن (تكريرها) أي الصلاة عليه لانه (صلى الله عليه وسلم) صلى بعد الدفن ومعلوم أن الدفن إنما كان بعد صلاة، وتقع الصلاة الثانية فرضا كالاولى سواء أكانت قبل الدفن أم بعده، فينو بها الفرض كما في المجموع عن المتولي وذكر السن في الاولى وهذه من زيادتي (لا إعادتها)، فلا تسن قالوا لانه لا يتنفل بها ومع ذلك تقع نفلا قاله في المجموع (ولا تؤخر لغير ولي) للامر بالاسراع بها في خبر الشيخين، وهذا أولى من قوله لزيادة مصلين.
أما الولي فتؤخر له ما لم يخف تغير (ولو نوى إمام ميتا) حاضرا كان أو غائبا (ومأموم آخر) كذلك (جاز) لان اختلاف نيتهما

(1/169)


لا يضر، كما لو اقتدى في ظهر بعصر وهذا أعم من قوله ولو نوى الامام صلاة غائب والمأموم صلاة حاضر أو عكس جاز (والاولى بإمامتها) أي صلاة الميت من يأتي وأن أوصى بها لغيره لانها حقه.
فلا تنفذ وصيته بإسقاطها كالارث وما ورد مما يخالفه محمول على أن الولي أجاز الوصية، فالاولى (أب فأبوه) وإن علا (فابن فابنه) وإن سفل (فباقي العصبة) من النسب والولاء والامامة (بترتيب الارث) في غير نحو ابني عم أحدهما أخ لام كما سيأتي، فيقدم الاخ الشقيق ثم الاخ لاب ثم ابن الاخ الشقيق ثم ابن الاخ للاب وهكذا، ثم المعتق ثم
عصبته ثم معتق المعتق ثم عصبته وهكذا، ثم الامام أو نائبه عند انتظام بيت المال (فذور حم) والمراد به هنا ما يشمل الاخ للام فيقدم منهم أو الام ثم الاخ للام ثم الخال ثم العم للام، وقولي فأبواه أولى من قوله ثم الجد (وقدم حر) عدل (على عبد أقرب) منه ولو أفقه وأسن أو فقيها لانه أليق بالامامة لانها ولاية، فعلم أنه لا حق فيها للزوج ولا للمرأة وظاهر أن محله إذا وجد مع الزوج غير الاجانب ومع المرأة ذكر أو خنثى فيما يظهر وإلا فالزوج مقدم على الاجانب والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكر، ويقدم العبد القريب على الحر الاجنبي كما أفهمه التقييد بالاقرب والعبد البالغ على الحر الصبي وشرط المقدم أن لا يكون قاتلا كما في الغسل، (فلو استويا) أي إثنان في درجة كابنين أو أخوين (قدم الاسن) في الاسلام (العدل على الافقه) منه عكس سائر الصلوات لان الغرض هنا الدعاء ودعاء الاسن أقرب إلى الاجابة وسائر الصلوات محتاجة إلى الفقه لكثرة وقوع الحوادث فيها، نعم لو كان أحد المستويين ذا رحم كابني عم أحدهما أخ لام قدم وإن كان الآخر أسن كما اقتضاه نص البويطي وكلام الروضة.
والحق أن هذين لم يستويا، أما غير العدل من فاسق ومبتدع فلا حق له في الامامة قال في المجموع: فإن استويا في السن قدم الافقه والاقرأ والاورع بالترتيب السابق في سائر الصلوات.
(ويقف) ندبا (غير مأموم) من إمام ومنفرد (عند رأس ذكر وعجز غيره) من أنثى وخنثى للاتباع في غير الخنثى، رواه الترمذي وحسنه، في الذكر والشيخان في الانثى وقياسا على الانثى في الخنثى وحكمة المخالفة المبالغة في ستر غير الذكر، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله ويقف عند رأس الرجل وعجزها (وتجوز على جنائز صلاة) واحد برضا أوليائها لان الغرض منها الدعاء والجمع فيه ممكن والاولى إفراد كل بصلاة إن أمكن.
وعلى الجمع إن حضرت دفعة أقرع بين الاولياء وقدم إلى الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، فإن كانوا ذكورا أو إناثا أو خناثى قدم إليه أفضلهم بالورع ونحوه مما يرغب في الصلاة عليه لا بالحرية لانقطاع الرق بالموت أو مرتبة قدم ولي السابقة ذكرا كان ميته أو أنثى أو خنثى، وقدم إليه الاسبق من

(1/170)


الذكور والاناث أو الخناثى وإن كان المتأخر أفضل فلو سبقت أنثى ثم حضر رجل أو صبي أخرت عنه ومثلها الخنثى، ولو حضر خناثى معا أو مرتبين جعلوا صفا واحدا عن يمينه رأس كل منهم عند رجل الآخر لئلا تتقدم أنثى على ذكر، (ولو وجد جزء ميت مسلم) غير شهيد (صلى عليه) بعد غسله وستر بخرقه ودفن كالميت الحاضر، وإن كان الجزء ظفرا أو شعرا فقد صلى الصحابة على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وقد ألقاها طائر نسر بمكة في وقعة الجمل، وقد عرفوها بخاتمه رواه الشافعي بلاغا لكن قال في العدة: لا يصلي على الشعرة الواحدة والاوجه خلافه.
(بقصد الجملة) من زيادتي فلا تجوز الصلاة عليه لا بقصد الجملة لانها في الحقيقة صلاة على غائب وإن اشترط هنا حضور الجزء وبقية ما يشترط في صلاة الميت الحاضر، ويشترط انفصاله من ميت ليخرج المنفصل من حي إذا وجد بعد موته فلا يصلي عليه وتسن مواراته بحرقة ودفنه، نعم لو أبين منه فمات حالا كان حكم الكل واحدا يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وتعبيري بالجزء أعم من تعبيره بالعضو (والسقط) بثليث السين والكسر أفصح (إن علمت حياته) بصياح أو غيره (أو ظهرت أمارتها) كاختلاج أو تحرك (ككبير) فيغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن لتيقن حياته وموته بعدها في الاولى، والظهور أمارتها في الثانية ولخبر الطفل يصلي عليه رواه الترمذي وحسنه، وتعبيري بعلمت حياته أعم من قوله استهل أو بكى (وإلا) أي وإن لم تعلم حياته ولم تظهر أمارتها (وجب تجهيزه بلا صلاة) عليه (إن ظهر خلقه) وفارقت الصلاة غيرها بأنه أوسع بابا منها بدليل أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلي عليه.
وذكر حكم غير الصلاة في هذه وفي الثانية التي قبلها من زيادتي (وإلا) أي وإن لم يظهر خلقه (سن ستره بخرقة ودفنه) دون غيرهما.
وذكر هذا من زيادتي والعبرة فيما ذكر بظهور خلق الآدمي وعدم ظهوره، فتعبير الاصل ببلوغ أربعة أشهر وعدم بلوغها، جرى على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندهما، وعبر عنه بعضهم بزمن إمكان نفخ الروح وعدمه، وبعضهم بالتخطيط وعدمه و كلها
وإن تقاربت فالعبرة بما قلنا (وحرم غسل شهيد) ولو جنبا أو نحوه (وصلاة عليه) لخبر البخاري عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، وفي لفظ ولم يصل عليهم بفتح اللام.
والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم وأما خبر أنه (صلى الله عليه وسلم) خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت، فالمراد جمعا بين الادلة دعا لهم كدعائه للميت كقوله تعالى: (وصل عليهم) وسمى لشهادة الله ورسوله له بالجنة.
وقيل لانه يشهد الجنة وقيل غير ذلك (وهو) أي الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلي عليه (من لم يبق فيه حياة مستقرة)، الصادق بمن مات ولو امرأة أو رقيقا أو صبيا أو مجنونا (قبل انقضاء

(1/171)


حرب كافر بسببها)، أي الحرب كأن قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاحه أو رمحته دابته أو سقط عنها أو تردى حال قتاله في بئر أو انكشف عنها لحرب ولم يعلم سبب قتله، وإن لم يكن عليه أثر لان الظاهر أن موته بسبب الحرب بخلاف من مات بعد انقضائها وفيه حيات مستقرة بجراحة فيه وإن قطع بموته منها أو قبل انقضائها، لا بسبب حرب الكافر كأن مات بمرض فجأة أو في قتال بغاة فليس بشهيد، ويعتبر في قتال الكافر كونه مباحا وهو ظاهر.
أما الشهيد العاري عما ذكر كالغريق والمبطون والمطعون والميت عشقا والميتة طلقا والمقتول في غير القتال ظلما، فيغسل ويصلي عليه، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله من مات في قتال الكفار (ويجب غسل نجس) أصابه (غير دم شهادة)، وإن أدى ذلك إلى زوال دمها لانه ليس من أثر عبادة بخلاف دمها تحرم إزالته لاطلاق النهي عن غسل شهيد، ولانه أثر عبادة (وسن تكفينه في ثيابه التي مات فيها) لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر قال: رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو.
ونحن مع النبي (صلى الله عليه وسلم) سواء في ذلك ثيابها الملطخة بالدم وغيرها لكن الملطخة أولى وكره في المجموع، فتقييد الاصل ككثير بالملطخة
بيان للاكمل، وهذا في ثياب اعتيد لبسها غالبا أما ثياب الحرب كدرع ونحوها مما لا يعتاد لبسها غالبا كخف وجلد وفروة وجبة محشوة، فيندب نزعها كسائر الموتى، وذكر السن في هذه والوجوب في التي قبلها من زيادتي (فإن لم تكفه) أي ثيابه (تممت) ندبا إن سترت العورة وإلا فوجوبا.
فصل في دفن الميت وما يتعلق به (أقل القبر حفرة تمنع) بعد ردمها (رائحة) أي ظهورها منه فتؤذي الحي (وسبعا) أي نبشه لها، فيأكل الميت فتنتهك حرمته.
قال الرافعي والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن وإلا فبيان وجوب رعايتهما.
فلا يكفي أحدهما وخرج بالحفرة ما لو وضع الميت على وجه الارض وجعل عليه ما يمنع ذلك حيث لم يتعذر الحفر، (وسن أن يوسع ويعمق قامة وبسطة) بأن يقوم رجل معتدل باسطا يديه مرفوعتين لقوله (صلى الله عليه وسلم) في قتلى أحد: احفروا وأوسعوا وأعمقوا.
رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، وأوصى عمر رضي الله عنه أن يعمل قبره قامة

(1/172)


وبسطة وهما أربعة أذرع ونصف خلافا للرافعي في قوله إنهما ثلاث ونصف (ولحد) بفتح اللام وضمها، وهو أن يحفر في أسفل جانب القبر القبلي قدر ما يسع الميت (في) أرض (صلبة أفضل من شق) بفتح المعجمة، وهو أن يحفر في وسط أرض القبر كالنهر، وتبنى حافتاه باللبن أو غيره، ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه باللبن أو غيره، وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرض موته: الحدوا إلي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وخرج بالصلبة الرخوة فالشق فيها أفضل خشية الانهيار ويسن أن يوسع كل منهما ويتأكد ذلك عند رأسه ورجليه، وأن يرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت (و) أن (يوضع رأسه عند رجل القبر) أي مؤخره الذي سيصير عند أسفله رجل الميت، (و) أن (يسل من قبل رأسه برفق)، لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن عبد الله بن يزيد
الخطمي الصحابي صلى على جنازة الحارث ثم أدخله القبر من قبل رجل القبر، وقال هذا من السنة.
ولما روى الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سل من قبل رأسه (و) أن (يدخله) القبر (الاحق بالصلاة عليه درجة) فلا يدخله ولو أنثى إلا الرجال متى وجدوا لضعف غيرهم عن ذلك غالبا، ولخبر البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر بنت له (صلى الله عليه وسلم) واسمها أم كلثوم، ووقع في المجموع تبعا لراو للخبر أنها رقية، ورده البخاري في تاريخه الاوسط بأنه (صلى الله عليه و سلم) لم يشهد موت رقية ولا دفنها أي لانه كان ببدر، ومعلوم أنه كان لها محارم من النساء كفاطمة نعم يسن لهن كما في المجموع أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش وتسليمها إلى من في القبر وحل ثيابها فيه، وخرج بزيادتي درجة الاحق بالصلاة صفة وقد عرف في الغسل (لكن الاحق في أنثى زوج) وإن لم يكن له حق في الصلاة لان منظوره أكثر (فمحرم) الاقرب فالاقرب (فعبدها) لانه كالمحرم في النظر ونحوه (فممسوح فمجبوب فخصي) لضعف شهوتهم ورتبوا كذلك لتفاوتهم فيها (فعصبة) لا محرمية لهم كبني عم ومعتق وعصبته بترتيبهم في الصلاة (فذو رحم)، كذلك كبني خال وبني عمة (فأجنبي صالح) فإن استوى إثنان في الدرجة والفضيلة وتنازعا أقرع كما مرت الاشارة إليه، وقولي فمحرم إلى آخره من زيادتي (و) (و) سن (كونه) أي المدخل له القبر (وترا) واحدا فأكثر بحسب الحاجة كما فعل برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد روى ابن حبان أن الدافنين له كانوا ثلاثة، وأبو داود أنهم كانوا خمسة (و) سن (ستر القبر بثوب) عند الدفن لانه ربما ينكشف من الميت شئ فيظهر ما يطلب إخفاؤه (وهو لغير ذكر) من أنثى وخنثى (آكد) احتياطا والتصريح بهذا من زيادتي (و) أن (يقول)

(1/173)


مدخله (بسم الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للاتباع وللامر به، رواهما الترمذي وحسنهما، وفي رواية على سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (و) أن (يوضع في القبر على يمينه) كما في الاضطجاع عند النوم وتعبيري كالمجموع بالقبر أعم من تعبيره باللحد (ويوجه للقبلة (وجوبا) تنزيلا له
منزلة المصلي، فلو وجه لغيرها نبش كما سيأتي أولها على يساره كره ولم ينبش والتصريح بالوجوب من زيادتي (و) أن (يسند وجهه) ورجلاه (إلى جداره) أي القبر (وظهره بنحو لبنة) كحجر حتى لا ينكب ولا يستلقي، ويرفع رأسه بنحو لبنة ويفضي بخده الايمن إليه أو إلى التراب (و) أن (يسد فتحته) بفتح الفاء وسكون التاء (بنحو لبن) كطين بأن يبني بذلك، ثم تسد فرجه بكسر لبن وطين أو نحوهما لان ذلك أبلغ في صيانة الميت من النبش ومن منع التراب والهوام، ونحو من زيادتي (وكره) أن يجعل له (فرش ومخدة) بكسر الميم (وصندوق لم يحتج إليه) لان في ذلك إضاعة مال أما إذا احتيج إلى صندوق لنداوة أو نحوها كرخاوة في الارض، فلا يكره ولا تنفذ وصيته به إلا حينئذ (وجاز) بلا كراهة (دفنه ليلا) مطلقا (ووقت كراهة صلاة لم يتحره) بالاجماع بخلاف ما إذا تحراه، فلا يجوز وعليه حمل خبر مسلم عن عقبة بن عامر ثلاث ساعات نهانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الصلاة فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا وذكر وقت الاستواء والطلوع والغروب (والسنة) للدفن (غيرهما) أي غير الليل وغير وقت الكراهة وتعبيري بهذا الموافق لعبارة الروضة أولى من قوله وغيرهما أفضل، وإن أول أفضل بمعنى فاضل (ودفن بمقبرة أفضل) منه بغيرها لينال الميت دعاء المارين والزائرين، (وكره مبيت بها) لما فيه من الوحشة (ودفن اثنتين من جنس) ابتداء (بقبر) بمحل واحد (إلا لضرورة) ككثرة الموتى لوباء أو غيره، (فيقدم) في دفنها إلى جدار القبر (أفضلهما) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد (لا فرع) فلا يقدم (على أصل) من جنسه فيقدم الاب على الابن، وإن كان أفضل منه لحرمة الابوة والام على البنت وإن كان أفضل منها لحرمة الامومة مع التساوي في الانوثة بخلاف ما إذا كان من غير جنسه فيقدم الابن على أمه لفضيلة الذكورة (ولا صبي على رجل) بل يقدم الرجل عليه، وإن كان أفضل منه والتصريح بكراهة الدفن مع قولي من جنس وقولي لا فرع إلى آخره من زيادتي وخرج بالجنس ما لو كان من جنسين حقيقة كذكر
وأنثى أو احتمالا كخنثيين، فإن كان بينهما محرمية أو زوجته أو سيدية كره دفنهما بقبر وإلا حرم بلا تأكد ضرورة وحيث جمع بين اثنتين جعل بينهما حاجز من تراب، وقدم من جنسين الذكر

(1/174)


ثم الخنثى ثم المرأة وتقدم بعض ذلك (وسن لمن دنا) من القبر بأن كان على شفيره كما عبر به الشافعي (ثلاث حثيات تراب) بيديه جميعا لانه (صلى الله عليه وسلم) حثا من قبل رأس الميت ثلاثا، رواه البيهقي وغيره باستناد جيد ويسن أن يقول: مع الاولى منها خلقناكم ومع الثانية وفيها نعيدكم ومع الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى.
(ف) - سن (أن يهال) عليه (بمساح) أو ما في معناها إسراعا بتكميل الدفن ويسن أن لا يزاد على تراب القبر لئلا يعظم شخصه (فتمكث جماعة) عنده ساعة (يسألون له التثبيت) للاتباع، رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده، (و) أن (يرفع القبر شبرا) تقريبا ليعرف فيزار ويحترم ولان قبره (صلى الله عليه وسلم) رفع نحو شبر رواه ابن حبان في صحيحه، فإن لم يرتفع ترابه شبرا فالاوجه أن يزاد، وخرج بزيادتي (بدارنا) ما لو مات مسلم بدار الكفار فلا يرفع قبره بل يخفي لئلا يتعرضوا له إذا رجع المسلمون وألحق بها الاذرعي الامكنة التي يخاف نبشها لسرقة كفنه أو لعداوة أو لنحوهما، (وتسطيحه أولى من تسليمه) كما فعل بقبره (صلى الله عليه وسلم) وقبري صاحبيه، رواه أبو داود بإسناد صحيح، (وكره جلوس ووطئ عليه) للنهي عنها رواه في الاول مسلم وفي الثاني الترمذي وقال حسن صحيح، وفي معناهما الاتكاء عليه والاستناد إليه، وبهما صرح في الروضة (بلا حاجة) من زيادتي مع التصريح بالكراهة فإن كان لحاجة بأن لا يصل إلى ميته ولا يتمكن من الحفر إلا بوطئه فلا كراهة (و) كره (تحصيصه) أي تبييضه بالجص وهو الجبس، وقيل الجير والمراد هنا هما أو أحدهما (وكتابة) عليه سواء أكتب اسم صاحبه أم غيره في لوح عند رأسه أم في غيره (وبناء عليه) كقبة أو بيت للنهي عن الثلاثة، رواه فيها الترمذي وقال حسن صحيح وفي الاول والثالث مسلم وخرج بتجصيصه تطيينه خلافا للامام والغزالي، (وحرم) أي البناء
(ب) - مقبرة (مسبلة) بأن جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها كما لو كانت موقوفة ولان البناء يتأيد بعد انمحاق الميت، فلو بني فيها هدم البناء كما صرح به في الاصل بخلاف ما لو بنى في ملكه.
والتصريح بالتحريم من زيادتي وصرح به في المجموع (وسن رشه) أي القبر (بماء) لانه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بقبر سعد بن معاذ رواه ابن ماجه وأمر به في قبر عثمان بن مظعون رواه البزار والمعنى فيه التفاؤل بتبريد المضجع وحفظ التراب، ويكره رشه بماء الورد (ووضع حصى) عليه لانه (صلى الله عليه وسلم) فعل ذلك بقبر ابنه إبراهيم، رواه الشافعي وسن أيضا وضع الجريد والريحان ونحوهما (و) وضع (حجر أو خشبة عند رأسه وجمع أهله بموضع) واحد من المقبرة لانه (صلى الله عليه وسلم) وضع حجرا أي صخرة عند رأس عثمان بن مظعون وقال:

(1/175)


أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي رواه أبو داود بإسناد جيد وتعبيري بأهله أعم من تعبيره بأقاربه (وزيارة قبور) أي قبور المسلمين، (لرجل) لخبر مسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، أما زيارة قبور الكفار فمباحة.
وقيل محرمة (ولغيره) أي غير الرجل من أنثى وخنثى (مكروهة) لقلة صبر الانثى وكثرة جزعها وألحق بها الخنثى احتياطا، وذكر حكمه من زيادتي.
وهذا في زيارة قبر غير النبي (صلى الله عليه وسلم) أما زيارة قبره فتسن لهما كالرجل كما اقتضاه إطلاقهم في الحج ومثله قبور سائر الانبياء والعلماء والاولياء (وأن يسلم زائر) فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
رواه مسلم، زاد أبو داود: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وأما قوله (صلى الله عليه وسلم): عليك السلام تحية الموتى فنظرا لعرف العرب حيث كان من عادتهم إذا سلموا على قبر يقولون، عليك السلام (و) أن (يقرأ) من القرآن ما تيسر، (ويدعو) له بعد توجهه إلى القبلة لان الدعاء ينفع الميت وهو عقب القراءة أقرب إلى الاجابة، (و) أن (يقرب) من قبره (كقربه منه) في زيارته (حيا) احتراما له، (وحرم نقله) قبل دفنه من محل موته (إلى) محل (أبعد من مقبرة محل موته) ليدفن فيه وهذا أولى من قوله ويحرم نقله إلى بلد آخر (إلا من بقرب مكة والمدينة وإيليا) أي بيت
المقدس فلا يحرم نقله إليها بل تختار لفضل الدفن فيها (و) حرم (نبشه) قبل البلي عند أهل الخبرة بتلك الارض (بعد دفنه) لنقل غيره كتكفين وصلاة عليه لان فيه هتكا لحرمته (إلا لضرورة كدفن بلا طهر) من غسل أو تيمم وهو ممن يجب طهره، (أو) بلا (توجيه) له إلى القبلة (ولم يتغير) فيهما فيجب نبشه تداركا لطهره الواجب وليوجه إلى القبلة.
وقولي ولم يتغير من زيادتي (أو) كدفن (في مغصوب) من أرض أو ثوب، ووجد ما يدفن أو يكفن فيه الميت فيجب نبشه وإن تغير ليرد كل لصاحبه ما لم يرض ببقائه (أو وقع فيه مال) خاتم أو غيره فيجب نبشه وإن تغير لاخذه سواء أطلبه مالكه أم لا، كما اقتضاه كلام الروضة والمجموع وقيده صاحب المهذب ومن تبعه بالطلب كما قيد به الاصحاب مسألة الابتلاع الآتية.
وقد فرقت بينهما في شرح الروض ولو بلع مالا لنفسه ومات لم ينبش، أو مال غيره وطلبه مالكه نبش وشق جوفه وأخرج منه ورد لصاحبه ولو ضمنه الورثة، كما نقله في المجموع عن إطلاق الاصحاب رادابه على ما في العدة من أن الورثة إذا ضمنوا لم يشق ويؤيده ما اقتضاه كلامها من أنه يشق حيث لا ضمان وله تركه.
وفي نقل الروياني عن الاصحاب ما يوافق ما فيها تجوز أما بعد البلى فلا يحرم نبشه بل تحرم عمارته وتسوية التراب عليه لئلا يمتنع الناس من الدفن فيه لظنهم عدم البلى.
واستثنى قبور الصحابة والعلماء والاولياء (وسن تعزية نحو أهله) كصهر وصديق وهي الامر بالصبر، والحمل عليه بوعد الاجر،

(1/176)


والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب يجبر المصيبة لانه (صلى الله عليه وسلم) مر على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها: اتقي الله واصبري.
ثم قال: إنما الصبر أي الكامل عند الصدمة الاولى.
رواه الشيخان ولان أسامة بن زيد قال أرسلت إحدى بنات النبي (صلى الله عليه وسلم) تدعوه وتخبره أن ابنا لها في الموت فقال للرسول ارجع إليها، فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب، وتقييدي بنحو أهله من زيادتي وسن أن يعمهم بها حتى الصغار والنساء إلا الشابة فلا يعزيها إلا محارمها ونحوهم (و) هي
(بعد دفنه أولى) منها قبله لاشتغال أهل الميت بتجهيزه قبله.
قال في الروضة: إلا أن يرى من أهله جزعا شديدا فيختار تقديمها ليصبرهم.
وذكر الاولوية من زيادتي (ثلاثة أيام تقريبا) من الموت لحاضر، ومن القدوم أو بلوغ الخبر لغائب، فتكره التعزية بعدها إذ لغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها، فلا يجدد حزنه (فيعزى مسلم بمسلم) بأن يقال له (أعظم الله أجرك) أي جعله عظيما (وأحسن عزاءك) بالمد أي جعله حسنا (وغفر لميتك وبكافر أعظم الله أجرك) مع قوله (وصبرك) أو أخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحوه، كما في الروضة كأصلها نعم لو كان الميت ممن لا يخلف بدله كأب، فليقل بدل أخلف عليك خلف عليك أي كان الله خليفة عليك، نقله الشيخ أبو حامد عن الشافعي (و) يعزى (كافر محترم بمسلم) بأن يقال له (غفر الله لميتك وأحسن عزاءك).
وخرج بزيادتي محترم الحربي والمرتد فلا يعزيان إلا أن يرجى إسلامهما، وللمسلم تعزية كافر محترم بمثله فيقول: أخلف الله عليك ولا نقص عددك.
(وجاز بكاء عليه) أي على الميت قبل موته وبعده لانه (صلى الله عليه وسلم) بكى على ولده إبراهيم قبل موته وقال: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
وبكى على قبر بنت له وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، روى الاول الشيخان والثاني البخاري والثالث مسلم.
والبكاء عليه بعد الموت خلاف الاولى لانه حينئذ يكون أسفا على ما فات، نقله في المجموع عن الجمهور بل نقل في الاذكار عن الشافعي والاصحاب أنه مكروه لخبر فإذا وجبت فلا تبكين باكية قالوا: وما الوجوب يا رسول الله.
قال: الموت رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة (لا ندب) وهو عد محاسنه فلا يجوز كأن يقال واكهفاه واجبلاه واسنداه وقيل عدها مع البكاء وجزم به في المجموع (و) لا (نوح) وهو رفع الصوت بالندب (و) لا (جزع بنحو ضرب صدر) كضرب خد وشق جيب قال (صلى الله عليه وسلم): النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوما لقيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.
رواه مسلم.
وقال (صلى الله عليه وسلم): ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى

(1/177)


الجاهلية.
وفي رواية مسلم في كتاب الجهاد بلفظ أو بدل الواو والسربال القميص كالدرع والقطران بفتح القاف مع كسر الطاء وسكونها وبكسرها مع سكون الطاء، دهن شجر يطلى به الابل الجربي ويسرج به وهو أبلغ في اشتعال النار بالنائحة.
(وسن لنحو جيران أهله) كأقاربه البعداء ولو كانوا ببلد وهو بآخر (تهيئة طعام يشبعهم يوما وليلة) لشغلهم بالحزن عنه، (وأن يلح عليهم في أكل) لئلا يضعفوا بتركه ونحو هنا وفيما بعده من زيادتي، (وحرمت) أي تهيئته (لنحو نائحة) كنادبة لانها إعانة على معصية، والاصل فيا قبله قوله (صلى الله عليه وسلم) لما جاء خبر قتل جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم.
رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي، ومؤتة بضم الميم وسكون الهمزة موضع معروف عند الكرك والله أعلم.

(1/178)


كتاب الزكاة هي لغة التطهير والنماء وغيرها، وشرعا اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص.
والاصل في وجوبها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) * وقوله: * (خذ من أموالهم صدقة) * وأخبار كخبر بني الاسلام على خمس وهي أنواع تأتي في أبواب.
باب زكاة الماشية بدءوا بها وبالابل منها للبداءة بالابل في خبر أنس الآتي لانها أكثر أموال العرب (تجب) أي الزكاة (فيها) أي في الماشية (بشروط) أربعة أحدها (كونها نعما).
قال الفقهاء واللغويون أي إبلا وبقرا وغنما ذكورا كانت أو إناثا، فلا زكاة في غيرها من الحيوانات كخيل ورقيق ومتولد بين زكوي وغيره، لخبر الشيخين ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وغيرهما مما ذكر مثلهما مع أن الاصل عدم الوجوب.
(و) ثانيها كونها (نصابا) وقدره يعلم مما
يأتي (وأوله في إبل خمس ففي كل خمس) منها (إلى عشرين شاة ولو ذكرا) لصدق الشاة به، (ويجزئ) عنها وعما فوقها (بغير الزكاة) وإن لم يساو قيمة الشاة لانه يجزئ عن خمس وعشرين.
فعما دونها أولى وأفادت إضافته إلى الزكاة اعتبار كونه أنثى بنت مخاض فما فوقها، كما في المجموع (و) في (خمس وعشرين بنت مخاض لها سنة و) في (ست وثلاثين بنت لبون لها سنتان و) في (ست وأربعين حقة لها ثلاث) من السنين (و) في (إحدى وستين جذعة لها أربع) من السنين، (و) في (ست وسبعين بنتا لبون و) في (إحدى وتسعين حقتان و) في (مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وبتسع ثم كل عشر يتغير الواجب ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) وذلك لخبر أبي بكر رضي الله عنه بذلك في كتاب لانس بالصدقة التي فرضها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المسلمين، رواه البخاري عن أنس ومن لفظه فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة والمراد زادت

(1/179)


واحدة لا أقل، كما صرح بها في رواية لابي داود بلفظ، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فهي مقيدة لخبر أنس، وبها مع كون المتبادر من الزيادة فيه واحدة أخذ أئمتنا في عدم اعتبار بعضها لكنها معارضة له لدلالتها على أن الواحدة يتعلق بها الواجب ودلالته على خلافه، فالمتجه لصحة ما فيه ولدفع المعارضة حمل قوله ففي كل أربعين على أن معها في صورة مائة وإحدى وعشرين ثلثا وإنما ترك ذلك تغليبا لبقية الصور عليها مع العلم بأن ما يتغير به الواجب يتعلق به كالعاشرة.
ففي مائة وثلاثين بنتا لبون وحقه وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا وللواحدة الزائدة على المائة والعشرين قسط من الواجب، فيسقط بموتها بين تمام الحول والتمكن من الاخراج جزء من مائة وإحدى وعشرين جزءا من ثلاث بنات لبون، وما بين النصب عفو ويسمى وقصالا يتعلق به الواجب على الاصح.
فلو كان له تسع من الابل فتلف منها أربع بعد الحول قبل التمكن وجبت شاة وسميت الاولى من المخرجات من الابل بنت مخاض لان أمها آن لها أن تحمل مرة ثانية
، فتكون في المخاض أي الحوامل والثانية بنت لبون لان أمها آن لها أن تلد ثانيا فتكون ذات لبن، والثالثة حقة لانها استحقت أن يطرقها الفحل أو أن تركب ويحمل عليها، والرابعة جذعة لانها أجذعت مقدم أسنانها أي أسقطته واعتبر في الجميع الانوثة لما فيها من رفق الدر والنسل.
وزدت وبتسع ثم كل عشر يتغير الواجب لدفه ما اقتضته عبارة الاصل من أنه يتغير بما دونهما وليس مرادا (و) أوله (في بقثلاثون ففي كل ثلاثين تبيع له سنة) سمي بذلك لانه يتبع أمه في المرعى (و) في (كل أربعين مسنة لها سنتان) سميت بذلك لتكامل أسنانها، وذلك لما روى الترمذي وغيره عن معاذ قال: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين تبيعا.
وصححه الحاكم وغيره، والبقرة تقال للذكر والانثى (و) أوله (في غنم أربعون) شاة (ففيها شاة وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان و (في) مائتين وواحدة ثلاث) من الشياه (و) في (أربعمائة أربع ثم) في (كل مائة شاة)، روى البخاري ذلك عن أنس في كتاب أبي بكر السابق (والشاة) المخرجة عما ذكر (جذعة ضأن لها سنة) وإن لم تجذع (أو أجذعت) من زيادتي، وإن لم يتم لها سنة كما ذكره الرافعي في الاضحية (أو ثنية معز لها سنتان) فيخير بينهما ومن ذلك يؤخذ أن شرط إجزاء الذكر في الابل وفيما يأتي أن يكون جذعا أو ثنياه ويعتبر في المخرج عن الابل من الشياه كونه صحيحا كاملا وإن كانت الابل معيبة والشاة المخرجة عما ذكر تكون (من غنم البلد أو مثلها) أو خير منها قيمة كما فهم بالاولى وشمول كلامي لشاة الغنم مع التقييد بالمثلية في عنم غير البلد من زيادتي، (فإن عدم

(1/180)


بنت مخاض) ولو شرعا كأن كانت مغصوبة أو مرهونة (أو تعيبت فابن لبون أو حق) يخرجه عنها، وإن كان أقل قيمة منها ولا يكلف تحصليها، وإن لم يكن عنده ابن لبون أو حق بل يحصل ما شاء منها وكابن لبون ولد لبون خنثى أما غير بنت المخاض كبنت لبون عدمها فلا يؤخذ عنها حق كما لا يؤخذ عنها ابن لبون.
ولان زيادة السن في ابن اللبون فيما ذكر
توجب اختصاصه عنها بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع بخلافها في الحق، لا توجب اختصاصه عن بنت اللبون بهذه القوة بل هي موجودة فيهما فلا يلزم من جبرها ثم جبرها هنا والتصريح بذكر الشرط في الحق من زيادتي (ولا يكلف) حيث كانت إبله مهازيل أن يخرج بنت مخاض (كريمة) لقوله (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ حين بعثه عاملا: إياك وكرائم أموالهم.
رواه الشيخان (لكن تمنع) الكريمة عنده (ابن لبون وحقا) وهو من زيادتي لوجود بنت مخاض عنده (ولو اتفق) في إبل أو بقر (فرضان) في نصاب واحد (وجب) فيها (الاغبط) منهما أي الانفع للمستحقين، ففي مائتي بعير أو مائة وعشرين بقرة يجب فيها الاغبط من أربع حقاق وخمس بنات لبون أو ثلاث مسنات وأربعة اتبعه (إن وجدا مما له) بصفة الاجزاء، لان كلا منهما فرضهما فإذا اجتمعا روعي ما فيه حظ المستحقين إذ لا مشقة في تحصيله، (وأجزأ غيره) أي غير الاغبط (بلا تقصير) من المالك أو الساعي للعذر (وجبر التفاوت) لنقص حق المستحقين (بنقد) للبلد (أو جزء من الاغبط) لا من المأخوذ، فلو كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسين وقد أخذ الحقاق، فالجبر بخمسين أو بخمسة أتساع بنت لبون لا بنصف حقة لان التفاوت خمسون وقيمة كل بنت لبون تسعون، وجاز دفع النقد مع كونه من غير جنس الواجب وتمكنه من شراء جزئه لدفع ضرر المشاركة، وقولي من الاغبط من زيادتي أما مع التقصير من المالك بأن دلس أو من الساعي بأن لم يجتهد، وإن ظن أنه الاغبط فلا يجزئ (وإن وجد أحدهما) بماله (أخذ) وإن وجد شئ من الآخر إذ الناقص كالمعدوم (وإلا) أي وإن لم يوجدا أو أحدهما بماله بصفة الاجزاء، بأن لم يوجد شئ منهما أو وجد بعض كل منهما أو بعض أحدهما أو وجدا أو أحدهما لا بصفة الاجزاء، (فله تحصيل ما شاء) منهما كلا أو بعضا متمما بشراء أو غيره ولو غير أغبط لما في تعين الاغبط من المشقة في تحصيله، وله كما يعلم مما يأتي أن يصعد أو ينزل مع الجبران في الابل فله في المائتي بغير فيما إذا لم يوجد شئ من الحقاق وبنات اللبون أن يجعل الحقاق أصلا ويصعد إلى أربع جذاع فيخرجها ويأخد
أربع جبرانات، وأن يجعل بنات اللبون أصلا وينزل إلى خمس بنات مخاض فيخرجها مع خمس جبرانات، وفيما إذا وجد بعض كل منهما كثلاث حقاق وأربع بنات لبون أن يجعل

(1/181)


الحقاق أصلا فيدفعها مع بنت لبون وجبران، أو يجعل بنات اللبون أصلا فيدعها مع حقة ويأخذ جبرانا وله دفع حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات وله فيما إذا وجد بعض أحدهما كحقة دفعها مع ثلاث جذاع وأخذ ثلاث جبرانات وله دفع خمس بنات مخاض مع دفع خمس جبرانات، (ولمن عدم واجبا من إبل) ولو جذعة في ماله (أن يصعد) درجة (ويأخذ جبرانا وإبله سليمة أو ينزل) درجة (ويعطيه) أي الجبران كما جاء ذلك في خبر أنس السابق، فالخيرة في الصعود والنزول للمالك لانهما شرعا تخفيفا عليه وخرج بمن عدم الواجب من وجده في ماله فليس له نزول مطلقا ولا صعود إلا أن لا يطلب جبرانا لانه زاد خيرا، وهو معلوم مما يأتي وبالابل غيرها فلا يأتي فيه ذلك وبالسليمة المعيبة فلا يصعد بالجبران لان واجبها معيب، والجبران للتفاوت بين السليمين وهو فوق التفاوت بين المعيبين بخلاف نزوله مع إعطاء الجبران.
فجائز لتبرعه بالزيدة (وهو) أي الجبران (شاتان) بالصفة السابقة في الشاة المخرجة عن خمس من الابل (أو عشرون درهما) نقرة خالصة (بخيرة الدافع) ساعيا كان أو مالكا لظاهر خبر أنس، وعلى الساعي رعاية مصلحة المستحقين في الدفع والاخذ (وله صعود) درجتين فأكثر (ونزول درجتين فأكثر مع تعدد الجبران) كأن يعطي بدل بنت مخاض عدمها مع بنت اللبون حقة، ويأخذ جبرانين أو يعطي بدل حقة عدمها مع بنت اللبون بنت مخاض ويدفع جبرانين، هذا (عند عدم القربى في غير جهة المخرجة) بخلاف ما إذا وجدها للاستغناء عن زيادة الجبران بدفع الواجب من القربى فإن كانت القربى في غير جهة المخرجة كأن لزمه بنت لبون عدمها مع الحقة ووجد بنت مخاض لم يلزمه إخراجها مع جبران بل يجوز له إخراج جذعة مع أخذ جبرانين لان بنت المخاض وإن كانت أقرب إلى بنت اللبون ليست في جهة الجذعة، وقولي فأكثر مع التقييد بجهة المخرجة من زيادتي (ولا يبعض جبران) فلا
يجزئ شاة وعشرة دراهم لجبران واحد لان الخبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهما فلا يجوز خصلة ثالثة كما في الكفارة، فلا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة (إلا لمالك رضي) بذلك فيجزي لان الجبرانحقه فله أسقاطه وهذا من زيادتي وأما الجبرانان فيجوز تبعيضهما فيجزئ شاتان وعشرون درهما لجبرانين كالكفارتين، (ويجزئ) في إخراج الزكاة (نوع عن) نوع (آخر) كضأن عن معز وعكسه من الغنم وأرجبية عن مهرية وعكسه من الابل وعراب عن جواميس وعكسه من البقر (برعاية القيمة) كأن تساوي ثنية المعز في القيمة جذعة الضأن لاتحاد الجنس سواء اتحد نوع ماشيته أم اختلف، (ففي ثلاثين عنزا) وهي أنثى المعز (وعشر نعجات) من الضأن (عنز أو نعجة بقيمة

(1/182)


ثلاثة أرباع عنز وربع نعجة)، فلو كانت قيمة عنز مجزئة دينار أو نعجة مجزئة دينارين لزم عنزا أو نعجة قيمتها دينار وربع (وفي عكسه) أي المثال المذكور (عكسه)، أي الواجب فالواجب فيه نعجة أو عنز بقيمة ثلاثة أرباع نعجة وربع عنز والتصريح بهذا من زيادتي (ولا يؤخذ ناقص) من ذكر ومعيب وصغير (في غير ما مر) من جواز أخذ ابن اللبون أو الحق والذكر من الشياه في الابل، أو التبيع في البقر أو النوع الاردإ عن الاجود بشرطه (إلا من مثله) بأن تمحضت ماشيته ذكورا أو كانت ناقصة بعيب أو صغر فيؤخذ في ست وثلاثين من الابل ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين منها لئلا يسوى بين النصابين ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة، فإذا كانت قيمة المأخوذ في خمس وعشرين خمسين درهما تكون قيمة المأخوذ في ستة وثلاثين اثنين وسبعين درهما بنسبة زيادة الجملة الثانية على الجملة الاولى وهي خمسان وخمس خمس، ويؤخذ في خمس عشرين معيبة من الابل معيبة متوسطة وفي ست وثلاثين فصيلا فصيل فوق المأخود في خمس وعشرين وفي ست وأربعين فصيل فوق المأخوذ في ست وثلاثين وعلى هذا القياس (فإن اختلف ماله نقصا) وكمالا واتحد نوعا (فكامل) يخرجه (برعاية القيمة وإن لم يوف
تمم بناقص)، وقولي فإن اختلف إلى آخره من زيادتي والمراد بالنقص ما يثبت رد المبيع وخرج به ما لو اختلف ماله صفة فقط فالواجب الاغبط (ولا) يؤخذ (خيار) كحامل وأكولة وهي المسمنة للاكل وربى وهي الحديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر كما قاله الازهري، أو شهران كما نقله الجوهري (إلا برضا مالكها) بأخذها نعم إن كانت كلها خيارا أخذ الخيار منها إلا الحوامل فلا تؤخذ منها حامل كما نقهل الامام واستحسنه، (و) ثالثها (مضى حول في ملكه) لخبر لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، رواه أبو داود وغيره، وهو وإن كان ضعيفا مجبور بآثار صحيحة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وغيرهم، (و) لكن (لنتاج نصاب) بقيد زدته بقولي (ملكه بملكه) أي بسبب ملك النصاب (حول النصاب) وإن ماتت الامهات وذلك بأن بلغت به نصابا كمائة وعشرين من الغنم نتج منها واحدة فتجب شاتان.
فإن لم تبلغ به نصابا كمائة نتج منها عشرون فلا أثر له، والاصل في ذلك ما رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة وهي تقع على الذكر والانثى وأيضا المعنى في اشتراط الحول أن يحصل النماء والنتاج نماء عظيم فيتبع الاصول في الحول أما ما نتج من دون نصاب وبلغ به نصابا فيبتدأ حوله من حين بلوغه، وعلم بما ذكر أنه لو زال ملكه عن النصاب أو بعضه ثم عاد بشراء أو غيره ولو بمثله كإبل بإبل،

(1/183)


استؤنف الحول بما فعله وإن قصد به الفرار من الزكاة وهو مكروه عن قصد الفرار وأنه لا يضم إلى ما عنده في الحول ما ملكه بشراء أو غيره كهبة وإرث ووصية لانه ليس في معنى النتاج المذكور وإنما ضم إليه في النصاب لانه بالكثرة فيه بلغ حدا يحتمل المواساة، فلو ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام الحول الاول للثلاثين تبيع ولكل حول بعده ثلاثة أرباع مسنة وعند تمام كل حول للعشرة ربع مسنة، وأنه لو انفصل النتاج بعد الحول لم يكن حول النصاب حوله لتقرر واجب أصله ولان الحول الثاني أولى به
(فلو ادعى) المالك (النتاج بعده) أي بعد الحول (صدق) لان الاصل عدم وجوده قبله، (فإن اتهم) أي اتهمه الساعي (سن تحليفه) والتصريح بسن تحليفه من زيادتي.
(و) رابعها (إسامة مالك لها كل الحول) لقوله في خبر أنس وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة دل بمفهومه على نفي الزكاة في معلوفة الغنم، وقيس بها معلوفة الابل والبقر، واختصت السائمة بالزكاة لتوفر مؤنتها بالرعي في كلا مباح أو مملوك قيمته يسيرة لا يعد مثلها كلفة في مقابلة نمائها، (لكن لو علفها قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بين ولم يقصد به قطع سوم لم يضر).
أما لو سامت بنفسها أو أسامها غير مالكها كغاصب أو اعتلفت سائمة أو علفت معظم الحول أو قدر ألا تعيش بدونه أو تعيش لكن بضرر بين أو بلا ضرر بين، لكن قصد به قطع سوم أورثها وتم حولها ولم يعلم فلا زكاة لفقد إسامة المالك المذكورة والماشية تصبر عن العلف يوما أو يومين لا ثلاثة، وتعبيري بإسامة المالك لها أولى من قوله وكونها سائمة وقوله ولم يقصد به قطع سوم من زيادتي (ولا زكاة في عوامل) في حرث أو نحوه لاقتنائها للاستعمال لا للنماء، كثياب البدن ومتاع الدار (وتؤخذ زكاة سائمة عند ورودها ماء) لانها أقرب إلى الضبط حينئذ فلا يكلفهم الساعي ودها إلى البلد كما لا يلزمه أن يتبع المراعي (وإلا) أي وإن لم ترد الماء بأن اكتفت بالكلا في وقت الربيع (ف) - عند (بيوت أهلها) وأفنيتهم وذلك لخبر البيهقي تؤخذ صدقات أهل البادية على مياههم وأفنيتهم، وهو منزل على ما قلنا (ويصدق مخرجها في عددها إن كان ثقة وإلا فتعدو الاسهل) عدها (عند مضيق) تمر به واحدة واحدة، وبيد كل من المالك والساعي أو نائبهما قضيب يشيران به إلى كل واحدة أو يصيبان به ظهرها، لان ذلك أبعد عن الغلط فإن اختلفا بعد العد وكان الواجب يختلف به أعاد العد، وتعبيري بالمخرج أعم من تعبيره بالمالك وقولي والاسهل من زيادتي.
(ولو اشترك اثنان) مثلا (من أهل زكاة في نصاب أو في أقل) منه (ولاحدهما نصاب) ولو في غير ماشية من

(1/184)


نقد أو غيره (زكيا كواحد) لقوله في خبر أنس ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع
خشية الصدقة نهى المالك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوبها أو كثرتها، ونهى الساعي عنهما خشية سقوطها أو قلتها، والخبر ظاهر في خلطة الجوار الآتية ومثلها خلطة الشيوع بل أولى، وعلم من اعتبار النصاب اعتبار اتحاد الجنس وإن اختلف نوعه من التشبيه اعتبار الحول من سنة ودونها كما في التمر والحب.
ويعتبر ابتداء حول الخلطة منها وأفادت زيادتي أو في أقل ولاحدهما نصاب أن الشركة فيما دون نصاب تؤثر إذا ملك أحدهما نصابا، كأن اشتركا في عشرين شاة مناصفة وانفرد أحدهما بثلاثين فيلزمه أربعة أخماس شاة، والآخر خمس شاة بخلاف ما إذا لم يكن لاحدهما نصاب، وإن بلغه مجموع المالين كأن انفرد كل منهما بتسعة عشر شاة واشتركا في ثنتين (كما لو خلطا جوارا) بكسر الجيم أفصح من ضمها (واتحد مشرب) أي موضع شرب الماشية (ومسرح) أي الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى (ومراح) بضم الميم أي مأواها ليلا (وراع) لها (وفحل نوع) بخلاف فحل أكثر من نوع، فلا يضر اختلافه للضرورة ومعنى اتحاده أن يكون مرسلا في الماشية وإن كان ملكا لاحدهما أو معارا له أو لهما، وتقييد اتحاد الفحل بنوع من زيادتي (ومحلب) بفتح الميم أي مكان الحلب بفتح اللام يقال للبن وللمصدر وهو المراد هنا.
وحكى سكونها (وناطور) بمهملة وحكى إعجامها أي حافظ الشجر والزرع (وجرين) أي موضع تجفيف التمر وتخليص الحب (ودكان ومكان حفظ ونحوها (كمرعى وطريقه ونهر يسفي منه وحراث وميزان ووزان ومكيال وكيال، وليس المراد أن ما يعتبر اتحاده يعتبر كونه واحدا بالذات بل أن لا يختص مال واحد منهما به فلا يضر التعدد حينئذ (لا جالب) فلا يشترط اتحاده كجازا لغنم (و) لا (إناء) يحلب فيه كآلة الجز والتصريح بهذين من زيادتي (و) لا (نية خلطة) لان خفة المؤنة باتحاد المرافق لا تختلف بالقصد وعدمه.
وإنما اشترط الاتحاد فيما مر ليجتمع المالان كالمال الواحد ولتخف المؤنة على المحسن بالزكاة، فلو افترق المالان فيما شرط الاتحاد فيه زمنا طويلا مطلقا أو يسيرا يقصد من المالكين أو أحدهما أو بتقرير للتفرق ضر وخرج بأهل الزكاة غيره كذمي ومكاتب.
(باب زكاة النابت) (بقوت اختيارا من رطب وعنب وحب كبر وأرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد

(1/185)


الزاي في أشهر اللغات، (وعدس) ودرة وحمص وباقلاء، لامره (صلى الله عليه وسلم) أن يخرص العنب كما يخرص النخل.
وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا، رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما، ولقوله (صلى الله عليه وسلم) لابي موسى الاشعري ولمعاذ حين بعثهما إلى اليمن: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الاربعة الشعير والحنطة والتمر والزبيب.
رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد وقيس بما ذكر فيهما ما في معناه والحصر في الثاني إضافي لخبر الحاكم، وقال صحيح الاسناد عن معاذ أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: فيما سقت السماء والسيل والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سواء أزرع ذلك قصدا أو نبت اتفاقا والقضب بسكون المعجمة الرطب بفتح الراء وسكون الطاء، وخرج بالقوت غيره كخوخ ومشمش وتين وجوز ولوز وتفاح وزيتون وسمسم وزعفران وبالاختيار ما يقتات ضرورة كحب حنظل وغاسول وترمس، فلا تجب الزكاة في شي منها (ونصابه) أي القوت الذي تجب فيه الزكاة (خمسة أوسق) فلا زكاة فيما دونها لخبر الشيخين ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (وهي بالرطل البغدادي ألف وستمائة) من الارطال لان الوسق صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي، وقدرت به لانه الرطل الشرعي (وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وبالدمشقي) وهو ستمائة درهم (ثلاثمائة واثنان وأربعون) رطلا (وستة أسباع) من رطل بناء على ما صححه النووي من أن رطل بغداد ما ذكر خلافا لما صححه الرافعي، من أنها بالدمشقي ثلاثمائة وستة وأربعون رطلا وثلثان بناء على ما صححه من أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما فعليه إذا ضربتها في ألف وستمائة رطل مقدار الخمسة الاوسق تبلغ مائتي ألف درهم وثمانية آلاف، يقسم ذلك على ستمائة يخرج ما ذكره وعلى ما صححه النووي، تضرب ما
سقط من كل رطل وهو درهم وثلاثة أسباع درهم في ألف وستمائة يبلغ ألفي درهم ومائتي درهم وخمسة وثمانين درهما وخمسة أسباع درهم، يسقط ذلك من مبلغ الضرب الاول يبقى مائتا ألف وخمسة آلاف وسبعمائة وأربعة عشر درهما وسبعا درهم، وإذا قسم ذلك على ستمائة خرج ما صححه لان مائتي ألف وخمسة آلاف ومائتي درهم في مقابلة ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا والباقي وهو خمسمائة وأربعة عشر درهما وسبعا درهما في مقابلة ستة أسباع رطل، لان سبع الستمائة خمسة وثمانون وخمسة أسباع والنصاب المذكور تحديد والعبرة في بالكيل وإنما قدر بالوزن استظهارا والمعتبر في الوزن من كل نوع الوسط، فإنه يشتمل على الخفيف والرزين (ويعتبر) في قدر النصاب غير الحب في رطب وعنب حالة كونه (جافا إن تجفف غير ردئ وإلا فرطبا) يعتبر (ويقطع بإذن) من الامام وتخرج الزكاة منه (كما لو ضر أصله)

(1/186)


لامتصاصه ماءه لعطش فإنه يعتبر رطبا ويقطع بالاذن ويؤخذ الواجب رطبا، وقولي ويقطع إلى آخره مع التقييد بغير الردئ من زيادتي (و) يعتبر فيما ذكر (الحب) حالة كونه (مصفى) من تبنه يخلاف ما يؤكل قشره معه كذرة فيدخل في الحساب.
وإن أزيل تنعما كما يقشر البر و لا تدخل قشرة الباقلا السفلى على ما في الروضة كأصلها عن العدة، لكن استغربه في المجموع قال الاذرعي وهو كما قال والوجه ترجيح الدخول أو الجزم به (وما ادخر في قشره) ولم يؤكل معه (من أرز وعلس) بفتح العين واللام نوع من البر (فعشرة أوسق غالبا) نصابه اعتبارا لقشره الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف، وقد يكون خالصها من ذلك دون خمسة أوسق فلا زكاة فيها أو خالص ما دونها خمسة أوسق فهو نصاب، وذلك ما احترزت عنه بزيادتي غالبا وتعبيري بما ذكر أولى من قوله كأرز وعلس لسلامته من إيهام أنه بقي شئ من الحبوب يدخر في قشره وليس كذلك (ويكمل) في نصاب (نوع بآخر كبر بعلس) لانه نوع منه كما مر، وهو قوت صنعاء اليمن
وخرج بالنوع الجنس فلا يكمل بآخر كبر أو شعير بسلت بضم السين وسكون اللام فهو جنس مستقل لا بر ولا شعير فإنه حب يشبه البر في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع فلما اكتسب من تركب الشبهين وصفا انفرد به وصار أصلا برأسه (ويخرج من كل) من النوعين (بقسطه فإن عسر) إخراجه لكثرة الانواع وقلة مقدار كل نوع منها (فوسط) منها يخرجه لا أعلاها ولا أدناها رعاية للجانبين ولو تكلف وأخرج من كل نوع قسطه جاز بل هو الافضل.
(ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى) ثمر وزرع عام (آخر) في إكمال النصاب، وإن أطلع ثمر العام الثاني قبل جذاذ ثمر الاول (ويضم بعض كل) منهما (إلى بعض) وإن اختلف إدراكه لاختلاف أنواعه أو بلاده حرارة أو برودة كنجد وتهامة، فتهامة حارة يسرع إدراك الثمر بها بخلاف نجد لبردها (إن اتحد في العام قطع) للثمر وللزرع وإن لم يقع الاطلاعان في الثمر والزراعتان في الزرع في عام لان القطع هو المقصود، وعدنه يستقر الوجوب ويستثنى مما ذكر ما لو أثمر نخل مرتين في عام فلا ضم بل هما كثمرة عامين وذكر اتحاد القطع في الثمر من زيادتي، وبه صرح في الحاوي الصغير وهو الموافق لاعتبار اتحاد حصاد الزرع في العام وإن اعتبر ابن المقري اتحاد إطلاع الثمر فيه وما تقرر من اعتبار قطع اتحاد قطع الزرع فيه هو ما صححه الشيخان ونقلاه عن الاكثرين.
لكن قال الاسنوي: إنه نقل باطل ولم أر من صححه فضلا عن عزوه إلى الاكثرين بل صحح كثيرون اعتبار اتحاد الزرع في العام.
ويجاب بأن ذلك لا يقدح في نقل الشيخين لان من حفظ حجة على من لم يحفظ (و فيما شرب) من ثمر وزرع (بعروقه) لقربه من الماء وهو البعل، (أو بنحو مطر) كنهر

(1/187)


وقناة حفرت منه وإن احتاجت إلى مؤنة (عشر وفيما شرب) منهما (بنضج) من نحو نهر بحيوان ويسمى الذكر ناضحا والانثى ناضحة ويسمى هذا الحيوان أيضا سانية (أو نحوه) كدولاب بضم أوله وقد يفتح وهو ما يديره الحيوان، وكنا عورة وهو ما يديره الماء وكماء ملكه ولو بهبة لعظم المنة فيها أو غضبه لوجوب ضمانه (نصفه) أي نصف العشر، والفرق ثقل المؤنة في هذا
خفتها في الاول والاصل فيهما خبر البخاري فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما.
سقي بالنضح نصف العشر وخبر الحاكم السابق والعثري بفتح المثلثة وقيل بإسكانها ما سقي بالسيل الجاري إليه في حفرة، وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر الماء بها إذا لم يعلمها، وتعبيري بنحو في الوضعين أعم مما عبر به فيهما (وفيما شرب بهما) أي بالنوعين كمطر ونضح (يسقط باعتبار المدة) أي مدة عيش الثمر والزرع ونمائهما لا بأكثرهما ولا بعدد السقيات، فلو كانت المدة من يوم الزرع مثلا إلى يوم الادراك ثمانية أشهر واحتاج في أربعة منها إلى سقية فسقي بالمطر وفي الاربعة الاخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر، وكذا لو جهلنا المقدار من نفع كل منهما باعتبار المدة أخذا بالاسوأ أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء، وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر.
ولو اختلف المالك والساعي في أنه سقي بماذا صدق المالك لان الاصل عدم وجوب الزيادة عليه فإن اتهمه الساعي حلفه ندبا، ولو كانت له زرع أو ثمر مسقى بمطر وآخر مسقى بنضح ولم يبلغ واحد منهما نصابا ضم أحدهما إلى الآخر لتمام النصاب، وإن اختلف قدر الواجب وهو العشر في الاول ونصفه في الثاني (فرع).
لو علمنا أن أحدهما أكثر وجهلنا عينه فالواجب ينقص عن العشر ويزيد على نصف العشر فيؤخذ اليقين إلى أن يعلم الحال، قاله الماوردي، وتعبيري بالمدة أعم من تعبيره بعيش الزرع ونمائه (وتجب) الزكاة فيما ذكر (ببدو وصلاح ثمر)، لانه حينئذ ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم (واشتداد حب) لانه حينئذ طعام وهو قبل ذلك بقل ولا يشترط تمام الصلاح و الاشتداد ولا بدو صلاح الجميع واشتداده كما زدته بقولي (أو بعضهما).
وسيأتي في باب الاصول والثمار بيان بدو صلاح الثمر وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر وجوب إخراجها في الحال، بل انعقاد سبب وجوبه ولو أخرج في الحال الرطب و العنب مما يتتمر ويتزبب غير
ردئ لم يجزه لو أخذه الساعي لم يقع الموقع، ومؤنة جذاذ الثمر وتجفيفه وحصاد الحب وتصفيته من خالص مال المالك لا يحسب شئ منها من مال الزكاة، (وسن خرص) أي حزر

(1/188)


(كل ثمر) فيه زكاة إذا (بدا صلاحه على مالكه) للامر به في الخبر السابق أول الباب فبطوف الخارص بكل شجرة ويقدر ثمرتها أو ثمرة كل النوع رطبا ثم يابسا (لتضمين) أي لنقل الحق من العين إلى الذمة تمرا أو زبيبا ليخرجه بعد جفافه (وشرط) في الخرص المذكور (عالم به) واحدا كان أو أكثر لان الجاهل بالشئ من أهل الاجتهاد فيه وهذا من زيادتي (أهل للشهادات) كلها من عدالة وحرية وذكورة وغيرها مما يأتي، لان الخرص ولاية فلا يصح لها من ليس أهلا للشهادات واكتفى بالواحد لان الخرص ينشأ عن اجتهاد فكان الحاكم ولخبر أبي داود وغيره بإسناد حسن أنه (صلى الله عليه و سلم) كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة، (و) شرط تضمين) من الامام ونائبه أي تضمين الحق (لمخرج) من مالك أو نائبه.
وخرج بالثمرة الزرع فلا خرص فيه لاستتار حبه ولانه لا يؤكل غالبا رطبا بخلاف الثمر ويبدو صلاحه ما قبله، لان الخرص لا يتأنى فيه إذ لا حق للمستحقين فيه ولا ينضبط المقدار لكثرة العاهات قبل بدو الصلاح، وأفاد ذكر كل أنه لا يترك للمالك شيئا خلافا لقول قديم إنه يبقى له نخلة أو نخلات يأكلها أهله لخبر ورد فيخه، وأجاب عنه الشافعي في الجديد بحمله على أنه يترك له ذلك من الزكاة لا من المخروص ليفرقه بنفسه على فقراء أقاربه وجيرانه لطمعهم في ذلك منه، قال الماوردي ولا دخل للخرص في نخيل البصرة لكثرتها ولاباحة أهلها اوكل منها للمجتاز، وكلام الاصحاب يخالفه (وقبول) للتضمين كأن يقول له ضمنتك حق المستحقين من الرطب بكذا فيقبل (فله) أي للمالك حينئذ (تصرف في الجميع) أي جميع ما خرص بيعا وغيره لانقطاع التعلق عن العين، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم ينفذ تصرفه في الجميع بل فيما عدا الواجب شائعا لبقاء الحق في العين لا معينا، فلا يجوز له أكل شئ منه (ولو ادعى تلفا) له أو لبعضه (فكوديع) فإن ادعى تلفه مطلقا أو بسبب خفي كسرقة أو ظاهرا كبرد ونهب عرف دون
عمومه صدق بيمينه أو عرف مع عمومه، فكذلك إن أنهم وإن صدق بلا يمين فإن لم يعرف الظاهر طولب ببينة به لامكانها ثم يصدق بيمينه في التلف به، ولو ادعى تلفه بحريق في الجرين مثلا وعلمنا أنه لم يقع في الجرين حريق لم يبال بكلامه (لكن اليمين) هنا (سنة) بخلافها في الوديع فإنها واجبة وهذا مع حكم الاطلاق و التقييد بالاتهام من زيادتي (أو) ادعى (حيف خارص) فيما خرصه (أو غلطه) فيه (بما يبعد لم يصدق) إلا ببينة كما لو ادعى حيف حاكم أو كذب شاهد (ويحط في الثانية) القدر (المحتمل) بفتح الميم لاحتماله، وهذا من زيادتي (أو) ادعى غلطه (به) أي بالمحتمل (بعد تلف) للمخروص (صدق بيمينه) ندبا (إن اتهم) وإلا صدق بلا يمين فإن لم يتلف أعيد كيله وعمل به، ولو ادعى غلطه ولم يبين قدرا لم تسمع دعواه، وقولي بعد تلف مع قولي بيمينه إن اتهم من زيادتي.

(1/189)


باب زكاة النقد ولو غير مضروب والاصل فيها ما ما يأتي آية والذي يكنزون الذهب والفضة فسرت بذلك (يجب في عشرين مثقالا ذهبا و) في (مائتي درهم فضة فأكثر) من ذلك (بوزن مكة بعد حول ربع عشر) لخبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن كما في المجموع ليس في أقل من عشرين دينارا وفي عشرين نصف دينار وخبر الشيخين ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
وروى البخاري في خبر أنس السابق في زكاة الحيوان وفي الرقة ربع العشر والرقة والورق الفضة، والهاء عوض من الواو الاوقية بضم الهمزة وتشديد الياء على الاشهر أربعون درهما، واعتبار الحول ووزن مكة رواهما أبو داود وغيره.
والمعنى في ذلك أن للذهب والفضة معدان للنماء كالماشية في السائمة وبما ذكر علم أن نصاب الذهب عشرون دينار أو نصاب الفضة مائتا درهم فضة وأنه لا وقص في ذلك كالمعشرات التجزؤ بلا ضرر بخلاف الماشية، وأنه لا زكاة فيما دون النصاب وإن تم في بعض الموازين ولا في مغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا فيخرج زكاته خالصا أو مغشوشا
خالصة قدرها، لكن يتعين على الولي إخراج الخالص حفظا للنحاس ولا في سائر الجواهر كلؤلؤ وياقوت وفيروز لعدم ورود الزكاة فيها، ولانها معدة للاستعمال كالماشية العاملة ولا قبل الحول.
والدرهم ستة دوانق والدانق سدس درهم وهو ثمان حبات وخمسا حبة فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ووزن نصاب الذهب بالاشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع، وقولي فأكثر من زيادتي (ولو اختلط إناء منهما) بأن سبكا معا وصيغ منهما الاناء (وجهل) أكثرهما (زكى كلا) منها بفرضه (الاكثر) إن احتاط فإذا كان وزنه ألفا من أحدهما ستمائة ومن الآخر أربعمائة زكى ستمائة ذهبا وستمائة فضة.
ولا يجوز فرض كله ذهبا لان أحد الجنسين لا يجزئ عن الآخر وإن كان أعلى منه كما مرت الاشارة إليه (أو ميز) بينهما بالنار أو بالماء كأن يضع فيه ألفا ذهبا ويعلم ارتفاعه، ثم ألفا فضة ويعلمه، ثم يضع فيه المخلوط فإلى أيهما كان ارتفاعه أقرب فالاكثر منه قال في البسيط، ويحصل ذلك بسبك قدر يسير إذا تساوت أجزاؤه (ويزكى) مما ذكر (محرم) كآنية (ومكروه) كضبة فضة صغيرة لزينة حليا كان أو غيره وذكر المكروه من زيادتي (لا حلى مباح) كسوار لمرأة بقيد ين زدتهما بقولي (علمه) المالك (ولم ينو

(1/190)


كنزه)، فلا يزكى لان زكاة الذهب والقضة تناط بالاستغناء عن الانتفاع بهما لا بجوهرهما إذ لا غرض في ذاتهما.
ولانه معد لاستعمال مباح كعوامل الماشية (ولو انكسر إن قصد إصلاحه) بقيد زدته بقولي (وأمكن لا صوغ) له بأن أمكن بإلحام لبقاء صورته، وقصد إصلاحه فإن لم يقصد إصلاحه بل قصد جعله تبرا أو درهما أو كنزه أو لم يقصد شيئا على ما رجحه في الروضة والشرح الصغير أو أحوج انكساره إلى صوغ وجبت زكاته، وينعقد حوله من حين انكساره لانه غير مستعمل ولا معد لاستعمال وخرج بقولي علمه ما لو ورث حليا مباحا ولم يعلمه حتى مضى عام وجبت زكاته لانه لم ينو إمساكه
لاستعمال مباح، قاله الروياني وذكر عن والده لاحتمال وجه فيه إقامة لنية مورثة مقام نيته، وبقولي ولم ينو ما لو نواه فتجب زكاته أيضا (ومما يحرم سوار) بكسر السين أكثر من ضمها (وخلخال) بفتح الخاء (للبس رجل وخنثى) بأن قصد ذلك باتخاذهما فهما محرمان بالقصد بخلاف اتخاذهما للبس غيرهما من امرأة وصبي أو لاعارتهما أو إجارتهما لمن له استعمالهما أو لا لقصد شئ أو يقصد كنزهما، وإن وجبت الزكاة في الاخيرة كما علم مما مر (وحرم عليهما أصبع) من ذهب أو فضة فاليد بطريق الاولى (وحلى ذهب وسن وخاتم منه) أي من الذهب قال (صلى الله عليه وسلم): أحل الذهب والحرير لاناث أمتى وحرم على ذكورها.
وصححه الترمذي وألحق بالذكور الخناثى احتياطا (لا أنف وأنملة) بتثليث الهمزة والميم (وسن) أي لا يحرم اتخاذها من ذهب على مقطوعها وإن أمكن اتخاذها من الفضة الجائزة لذلك بالاولى لانه لا تصدأ غالبا ولا يفسد المنبت، ولان عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب بضم الكاف اسم لماء كانت الوقعة عنده في الجاهلية، فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) فاتخذ أنفا من ذهب، رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه، وقيس بالانف السن وإن تعددت والانملة ولو لكل أصبع والفرق بينهما وبين الاصبع واليد أنها تعمل بخلافهما، فلا يجوز اتخاذهما من ذهب ولا فضة كما مر (وخاتم فضة) لانه (صلى الله عليه وسلم) اتخذ خاتما من فضة رواه الشيخان وذكر حكم الخنثى فيما ذكر من زيادتي (و) يحل (لرجل منها) أي من الفضة (حلية) أي تحليه (آلة حرب بلا سرف) فيها (كسيف ورمح) وخف وأطراف سهام لانها تغيظ الكفار.
أما مع السرف فيها فتحرم لما فيه من زيادة الخيلاء (لا) حلية (ما لا يلبسه كسرج ولجام) وركاب لانه غير ملبوس له كالآنية.
وخرج بالفضة الذهب فلا يحل منه لمن ذكر شئ من ذلك لما فيه من زيادة الخيلاء وبالرجل في الثانية المرأة والخنثى فلا يحل لهما شئ من ذلك لما فيه من التشبيه بالرجال وهو حرام على المرأة وكعكسه، وإن جاز لها المحاربة بآلة الحرب في الجملة وألحق بها الخنثى احتياطا وظاهر من حل تحلية ما ذكر أو تحريمه حل

(1/191)


استعماله وتحريمه محلى، لكن إن تعينت الحرب على المرأة والخنثى ولم يجدا غيره حل استعماله (ولا مرأة) في غير آلة الحرب (لبس) أنواع (حليهما) أي الذهب والفضة كطوق وخاتم وسوار ونعل وكقلادة من دراهم ودنانير معراة قطعا ومثقوبة على الاصح في المجموع لدخولها في اسم الحلى، ورد به تصحيح الرافعي تحريمها وإن اتبعه في الروضة وقد يقال بكراهتها خروجا من الخلاف فعلى التحريم والكراهة تجب زكاتها وعلى الاباحة لا تجب وإن زعم الاسنوي أنها تجب (وما نسج بهما) من الثياب كالحلي لان ذلك من جنسه (إلا إن بالغت في سرف) في شئ من ذلك كخلخال وزنه مائة مثقال، فلا يحل لها لان المقتضى لاباحة الحلى لها التزين للرجال المحرك للشهوة، الداعي لكثرة النسل ولا زينة في مثل ذلك بل تنفر منه النفس لاستبشاعه، فإن أسرفت بلا مبالغة لم يحرم لكنه يكره فتجب فيه الزكاة وفارق ما مر في آلة الحرب حيث لم يغتفر فيه عدم المبالغة بأن الاصل في الذهب والفضة حلهما للمرأة بخلافهما لغيرها، فاغتفر لها قليل السرف وكالمرأة الطفل في ذلك لكن لا يقيد بغير آلة الحرب فيما يظهر، وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فيحرم عليهما لبس حلى الذهب والفضة على ما مر.
وكذا ما نسج بهما إلا إن فاجأتهما الحرب ولم يجدا غيره وتعينت على الخنثى (و لكل) من المرأة وغيرها.
(تحلية مصحف بفضة) إكرما له (ولها) دون غيرها تحليته (بذهب) لعموم خبر: أحل الذهب والحرير لاناث أمتي، وحرم على ذكورها وفي فتاوى الغزالي أم من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن ولا زكاة عليه.
(تنبيه) قال في المجموع نقلا عن جمع وحيث حرمنا الذهب المراد به إذا لم يصدأ فإن صدئ بحيث لا يبين لم يحرم.
باب زكاة المعدن والركاز والتجارة (من استخرج) من أهل الزكاة (نصاب ذهب أو فضة) فأكثر (من معدن) أي مكان خلقه الله فيه موات أو ملك له ويسمى به المستخرج أيضا كما في الترجمة (لزمه ربع عشره) لخبر:
وفي الرقة ربع العشر.
ولخبر الحاكم في صحيحه أنه (صلى الله عليه وسلم) أخذ من المعادن القبلية الصدقة (حالا) فلا يعتبر الحول لانه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال، والمستخرج من معدن نماء في نفسه واعتبر النصاب لان ما دونه لا يحتمل المواساة كما في سائر الاموال الزكوية (ويضم

(1/192)


بعض نيله لبعض إن اتحد معدن واتصل عمل أو قطعه لعذر) كمرض وسفر وإصلاح آلة، وإن طال الزمن عرفا أو زال الاول عن ملكه وقولي إن اتحد معدن من زيادتي (وإلا) بأن تعدد المعدن أو قطع العمل بلا عذر (فلا يضم) نيلا (أو لثان في إكمال نصاب)، وإن قصر الزمن لعدم الاتحاد في الاول ولاعراضه في الثاني (ويضم ثانيا لما ملكه) من جنسه أو من عرض تجارة يقوم به ولو من غير المعدن كإرث في إكماله، فإن كمل به النصاب زكى الثاني فلو استخرج تسعة عشر مثقالا بالاول ومثقالا في الثاني فلا زكاة في التسعة عشر وتجب في المثقال كما تجب فيه لو كان مالكا لتسعة عشر من غير المعدن وخرج بالفضة والذهب غيرهما كحديد ونحاس وياقوت وكحل فلا زكاة فيه، وبقولي لثان غيره مما يملكه فيضم إليه نظير ما مر ووقت وجوب إخراج زكاة المعدن عقب تخليصه ونتقيته ومؤنة ذلك على المالك، وتعبيري بما ملكه أعم من تعبيره بالاول (وفي ركاز) بمعنى مركوز ككتاب بمعنى مكتوب (من ذلك) أي من نصاب أو فضة فأكثر ولو بضمه إلى ما ملكه مما مر (خمس)، رواه الشيخان وفارق وجوب ربع العشر في المعدن بعدم المؤنة أو خفتها (حالا) فلا يعتبر الحول لما مر في المعدن (يصرف) أي الخمس (كمعدن) أي زكاته (مصرف الزكاة) لانه حق واجب في المستفاد من الارض فأشبه الواجب في الثمار والزروع.
وقولي كمعدن من زيادتي (وهو) أي الركاز (دفين) هو أولى من قوله موجود (جاهلي فإن وجده) من هو أهل للزكاة (بموات أو ملك أحياه زكاة) وفي معنى الموات القلاع والقبور الجاهلية (أو وجد بمسجد أو شارع) أو وجد دفين (إسلامي) بأن وجد عليه شئ من القرآن أو اسم ملك من ملوك الاسلام، (و علم مالكه) في الثالثة (فله) فيجب رده
عليه، وذكر هذا في وجدانه في مسجد أو شارع من زيادتي (أو جهل) أي المالك في الثلاثة (فلقطة) فيعرفه الواجد سنة ثم له أن يتملكه إن لم يظهر مالكه (كما) يكون لقطة (لو جهل حال الدفين) أي لم يعرف أنه جاهلي أو إسلامي بأن كان مما يضرب مثله في الجاهلية والاسلام ومما لا أثر عليه كالتبر والحلى (أو) وجد (بملك شخص فله) أي للشخص (إن ادعاه) يأخذه بلا يمين كأمتعة الدار (وإلا) أي وإن لم يدعه (فلمن ملك منه و هكذا) حتى ينتهي الامر (إلى المحي) للارض فيكون له، وإن لم يدعه لانه بالاحياء ملك ما في الارض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فإنه مدفون منقول فإن كان المحي أو من تلقى الملك عنه ميتا فورثته قائمون مقامه، فإن قال بعضهم هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي إليه وسلك بالباقي

(1/193)


ما ذكر فإن أيس من مالكه تصدق به الامام أو من هو في يده (ولو ادعاه اثنان) وقد وجد في ملك غيرهما (فلمن صدقه المالك) فيسلمه له وهذا من زيادتي (أو) ادعاه (بائع ومشتر أو مكر ومكتر أو معير ومستعير).
وقال كل منهما هو لي وأنا ذقته (حلف ذو اليد) من المدعين في الثلاث ليصدق كما لو تنازعا في متاع الدار بقيد زدته بقولي (إن أمكن) صدقه ولو على بعد فإن لم يمكن لكون مثل ذلك لا يمكن دفنه في مدة يده لم يصدق، ولو وقع التنازع بعد عود الملك إلى البائع أو المكري أو المعير فإن قال كل منهما دفنته بعد عود الملك إلى صدق بيمينه إن أمكن ذلك، وإن قال دفنته قبل خروجه من يدي صدق المشتري والمكتري والمستعير على الاصح لان المالك سلم له حصول الكنز في يده فيده تنسخ اليد السابقة (و) الواجب (فيما ملك بمعاوضة) مقرونة (بنية تجارة) وإن لم يجددها في كل تصرف (كشراء وإصداق) وهبة بثواب واكتراء لا كإقالة ورد بعيب وهبة بلا ثواب واحتطاب لانتفاء المعاوضة (ربع عشر قيمته)، أما أنه ربع عشر فكما في الذهب والفضة لانه يقوم بهما وأما أنه من القيمة فلانها متعلقة فلا يجوز إخراجه من عين العرض (ما لم ينو القنية) فإن نوى لها انقطع الحول فيحتاج إلى تجديد النية مقرونة بتصرف.
والاصل في زكاة التجارة خبر الحاكم بإسنادين
صحيحين على شرط الشيخين في الابل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته وهو يقال لامتعة البزاز وللسلاح وليس فيه زكاة عين فصدقته زكاة تجارة وهي تقليب المال بمعاوضة لغرض الربح وكلامهم يشمل ما ملك باقتراض بنية التجارة فتكفي نيتها لكن في التتمة أنها لا تكفي لان القرض ليس مقصوده التجارة بل الارفاق وإنما تجب زكاة التجارة (بشرط حول ونصاب) كغيرها (معتبرا) أي النصاب (بآخره) أي بآخر الحول لا بطرفيه ولا بجمعيه لان الاعتبار بالقيمة وتعسر مراعاتها كل وقت لاضطراب الاسعار انخفاضا وارتفاعا.
واكتفى باعتبارها آخر الحول لانه وقت الوجوب (فلورد) مال التجارة (في أثنائه) أي الحول (إلى نقد) كأن بيع به وكان مما (يقوم به آخره) أي آخر الحول (وهو دون نصاب واشترى به عرض ابتدئ حوله) أي العرض (من) حين شرائه لتحقق نقص النصاب بالنتضيض بخلافه قبله فإنه مظنون، أما لو باعه بعرض أو بنقد لا يقوم به آخر الحول كأن باعه بدراهم، والحال يقتضي التقويم بدنانير أو بنقد يقوم به وهو نصاب فحوله باق وقولي يقوم به إلى آخره من زيادتي، (ولو تم) أي حول مال التجارة (وقيمته دون نصاب) بقيد زدته بقولي (وليس معه ما يكمل به) النصاب (ابتدئ حول) فإن كان معه ما يكمل به فإن ملكه من أول الحول زكاهما آخره، كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها عرضا

(1/194)


للتجارة وبقي في ملكه خمسون وبلغت قيمة العرض آخر الحول مائة وخمسين، فيضم لما عنده وتجب زكاة الجميع وإن ملكه وإن ملكه في أثنائه كما لو ابتاع بالمائة ثم ملك خمسين زكى الجميع إذا تم حول الخمسين (وإذا ملكه) أي مال التجارة (بعين نقد نصاب أو دونه وفي ملكه باقيه) كأن اشتراه بعين عشرين مثقالا وبعين عشرة وفي ملكنه عشرة أخرى (بنى على حوله) أي حول النقد (وإلا) بأن اشتراه بنقد في الذمة، وإن نقده في الثمن أو بعرضه قنية ولو سائمة أو بنقد دون نصاب وليس في ملكه باقية (ف) حوله (من) حين (ملكه) وفارقت الاولى ما لو اشتراه بعين النقد بأن النقد لا يتعين صرفه للشراء فيها بخلافه في تلك، والتقييد بالعين مع قولي أو دونه وفي
ملكه باقيه من زيادتي (ويضم ربح) حاصل في أثناء الحول ولو من عين العرض كولد وثمر (لاصل في الحول إن لم ينض) بكسر النون بقيد زدته بقولي (بما تقوم به) الآتي بيانه فلو اشترى عرضا بمائتي درهم صارت قيمته في الحول ما ولو قبل آخره بلحظة ثلاثمائة أو نص فيه بها وهي مما لا يقوم به زكاها آخره.
أما إذا نض أي صار ناضا دراهم أو دنانير بما يقوم به وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الاصل بل يزكى الاصل بحوله ويفرد الربح بحول كأن اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة وأمسكها إلى آخر الحول أو اشترى بها عرضا يساوي ثلاثمائة آخر الحول، فيخرج زكاة مائتين فإذا مضت ستة أشهر زكى المائة (وإذا ملكه) أي مال التجارة (بنقد) ولو في ذمته أو غير نقد البلد الغالب أو دون نصاب (قوم به) لانه أصل ما بيده وأقرب إليه من نقد البلد، فلو لم يبلغ به نصابا لم تجب الزكاة وإن بلغ بغيره (أو) ملكه (بغيره) أي بغير نقد كعرض ونكاح وخلع (فبغالب نقد البلد) يقوم، فلو حاتل الحول بمحل لا نقد فيه كبلد يتعامل فيه بفلوس أو نحوها اعتبر أقرب بلاد إليه، وقولي أو بغيره أعم من قوله بعرض (أو) ملكه (بهما) أي بنقد وغيره (قوم ما قابل النقد به والباقي بالغالب) من نقد البلد (فإن غلب نقدان) على التساوي (أي مال التجارة (نصابا بأحدهما) دون الآخر (قوم) ما لها في الثانية وما قابل غير النقد في الثالثة (به) لتحقق تمام النصاب بأحد النقدين، وبهذا فارق ما مر من أنه لا زكاة فيما لو تم النصاب في ميزان دون آخر أو بنقد به دون نقد يقوم به (أو) بلغ نصاباس (بهما) أي بكل منهما (خير) المالك كما في شاتي الجبران ودارهمه، وهذا ما صححه في أصل الروضة ونقل الرافعي تصحيحه عن العراقيين والروياني وبه الفتوى كما في المهمات، وخالف في المنهاج كأصله فصحح أنه يتعين الانفع للمستحقين، ونقل الرافعي تصحيحه عن مقتضى إيراد الامام والبغوي، وقولي فإن غالب نقدان إلى آخره من زيادتي في الثالثة.

(1/195)


(وتجب فطرة رقيق تجارة مع زكاتها) لاختلاف سببيهما (ولو كان) أي مال التجارة (مما تجب الزكاة في عينه) كسائمة وثمر (وكمل) بتثليث الميم (نصاب إحدى الزكاتين) من عين وتجارة دون نصاب الاخرى كأربعين شاة لا تبلغ قيمتها نصابا آخر الحول أو تسع وثلاثين فأقل قيمتها نصاب.
(وجبت) زكاة ما كمل نصابه (أو) كمل (نصابهما فزكاة العين) تقدم في الوجوب على زكاة التجارة لقوتها للاتفاق عليها بخلاف زكاة التجارة فعلم أنه لا يجتمع الزكاتان ولا خلاف فيه كما في المجموع، فلو كان مع ما فيه زكاة عين ما لا زكاة في عينه كأن اشترى شجرا للتجارة فبدا قبل حوله صلاح ثمره وجب مع تقديم زكاة العين عن الثمر زكاة الشجر عند تمام حوله وقولي مما تجب الزكاة في عينه أعم من قول سائمة.
(فلو سبق حول) زكاة (التجارة حول زكاة العين) كأن اشترى بماله بعد ستة أشهر نصاب سائمة أو اشترى به معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر (زكاها) أي التجارة أي مالها لتمام حولها ولئلا يبطل بعض حولها (وافتتح) من تمامه (حولا لزكاة العين أبدا) فتجب في بقية الاحوال.
(وزكاة مال قراض على مالكه) وإن ظهر فيه ربح لانه ملكه إذ العامل إنما يملك حصته بالقسمة لا بالظهور، كما أن العامل في الجعالة إنما يستحق الجعل بفراغه من العمل.
(فإن أخرجها) من غيره فذاك (منه حسبت من الربح) كالمؤن التي تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وغيرهما.
باب زكاة الفطر الاصل في وجوبها قبل الاجماع خبر ابن عمر: فرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وخبر أبي سعيد: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت رواهما الشيخان.
(تجب) زكاة الفطر (بأول ليلة وآخر ما قبله) أي بإدراك آخر جزء من رمضان وهو من
زيادتي، وأول جزء من شوال لاضافتها إلى الفطر في الخبرين السابقين.
(على حر ومبعض بقسطه) من الحرية بقيد زدته بقولي: (حيث لا مهاياة) بينه وبين مالك بعضه، فإن كانت مهايأة

(1/196)


اختصت الفطرة بمن وقع زمن وجوبها في نوبته، ومثله في ذلك الرقيق المشترك، وخرج بالحر والمبعض الرقيق لان غير المكاتب لا يملك شيئا وفطرته على سيده كما سيأتي، والمكاتب ملكه ضعيف فلا فطرة عليه ولا على سيده عنه لنزوله منزلة الاجنبي.
(عن مسلم يمونه) من نفسه ومن غيره من زوجته وقريب ورقيق.
(حينئذ) أي حين وجوبها وإن طرأ مسقط للنفقة أو غيبة أو غصب سواء أكان المخرج عن غيره مسلما أم كافرا، ووجوب فطرة زوجة الكافر عليه من زيادتي وصورته: أن تسلم تحته ويدخل وقت الوجوب وهو متخلف فهي واجبة عليه عنها لانها تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها عنه المؤدي، وبما تقرر علم أن الفطرة لا تجب لمن حدث بعد الوجوب كولد ورقيق لعدم وجوده وقت الوجوب، وأن الكافر لا تجب عليه فطرة نفسه لقوله في الخبر السابق من المسلمين ولانها طهرة والكافر ليس من أهلها، نعم وجوب فطرة المرتد ومن عليه مؤنته موقوف على عوده إلى الاسلام.
(لا عن حليلة أبيه) فلا يلزمه فطرتها وإن لزمه نفقتها للزوم الاعفاف الآتي في بابه، ولان النفقة لازمة للاب مع إعساره فتحملها الولد بخلاف الفطرة، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله: ولا لابن فطرة زوجة أبيه.
(ولا) عن (رقيق بيت مال ومسجد ورقيق موقوف) ولو على معين وهذا من زيادتي.
(وسن إخراجها قبل صلاة عيد) بأن تخرج قبلها في يوم: لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وتعبيري بذاك أولى من قولي: ويسن أن لا تؤخر عن صلاته الصادق بإخراجها مع الصلاة مع أنه غير مراد، وتعبيرهم بالصلاة جرى على الغالب من فعلها أول النهار فإن أخرت سن الاداء أو النهار للتوسعة على المستحقين، وأما تعجيلها قبل وقت وجوبها فسيأتي في الباب الآتي (وحرم تأخيره عن يومه) أي يوم العيد بلا عذر كغيبة ماله والمستقين لان القصد إغناؤهم عن الطلب فيه.
(ولا فطرة على معسر) وقت الوجوب وإن أيسر بعده (وهو من لم يفضل عن قوته وقوت ممونه يومه وليلته و) عن (ما يليق بهما من ملبس ومسكن وخادم يحتاجها ابتداءا وعن دينه) ولو مؤجلا وإن رضي صاحبه بالتأخير (ما يخرجه) في الفطرة، بخلاف من فضل عنه ذلك وخرج باللائق بهما مما ذكر غيره، فلو كان نفيسا يمكن إبداله بلائق بهما ويخرج التفاوت لزمه ذلك كما ذكره الرافعي في الحج وبالابتداء ما لو ثبتت الفطرة في طمة انسان فإنه يباع فيها مسكنه وخادمه لا ملبسه لانها حينئذ التحقت بالديون، وقولي ما يليق بهما مع ذكر الملبس والتقييد بالحاجة في المسكن وذكر الابتداء والدين من زيادتي، وقد بسطت الكلام على مسألة الدين في شرح الروض والمعتمد فيه ما قلنا وبه جزم النووي في نكته ونقله عن الاصحاب، والمراد بحاحة الخادم أن يحتاجه لخدمته أو خدمة ممونه لا لعمله في أرضه أو ماشيته، ذكره في

(1/197)


المجموع.
(ولو كان الزوج معسرا) حرا كان أو عبدا (لزم سيد) الزوجة (الامة فطرتها إلا الحرة) فلا تلزمها ولا زوجها بانتفاء يساره، والفرق كمال تسليم الحرة نفسها بخلاف الامة لاستخدام السيد لها، وقيل تجب على الحرة الموسرة وعليه لو أخرجتها ثم أيسر الزوج لم ترجع عليه، وظاهر مما مر أن الكلام في زوجة على زوجها مؤنتها فلو كانت ناشزة لزمها فطرة نفسها.
(ومن أيسر ببعض صاع لزمه) إخراجه محافظة على الواجب بقدر الامكان ويخالف الكفارة لانها تتبعض ولان لها بدلا بخلاف الفطرة فيهما.
(أو) أيسر ببعض (صيعان قدم) وجوبا (نفسه) لخبر مسلم: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شئ فلاهلك فإن فضل شئ فلذي قرابتك.
(فزوجته) نها نفقتها آكد لانها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان.
(فولده الصغير) لان نفقته ثابتة بالنص والاجماع.
(فأباه) وإن علا ولو من قبل الام.
(فأمه) كذلك عكس ما في النفقات لان النفقة للحاجة والام أحوج، وأما الفطرة فللتطهير والشرف، والاب أولى بهذا فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه، وفيه كلام ذكرته في شرح الروض.
(ف) ولده (الكبير) ثم الرقيق لان الحر أشرف منه وعلاقته لازمه بخلاف الملك فإن استوى جماعة في درجة التخير.
(وهي) أي فطرة الواحد (صاع وهو ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم) لما مر في زكاة النابت من أن رطل بغداد مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم والعبرة فيه بالكيل، وإنما قدر بالوزن استظهارا كما مر نظيره، ثم مع بيان أنه أربعة أمداد وأن المد رطل وثلث، وسيأتي مقداره بالدراهم في النفقات، فالصاع بالوزن خمسة أرطال وثلث وبالكيل المصري قد حان وقضيته اعتبار الوزن مع الكيل وأنه تحديد وهو المشهور، لكن قال في الروضة إنه قد يشكل ضبط الصاع بالارطال فإنه يختلف قدره وزنا باختلاف الحبوب، والصواب ما قاله الدارمي أن الاعتماد على الكيل بالصاع النبوي دون الوزن، فإن فقد أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بالوزن تقريب انتهى.
(وجنسه) أي الصاع (قوت سليم) لا معيب (معشر) أي ما يجب فيه العشر أو نصفه.
(و أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف على الاشهر: لبن يابس غير منزوع الزبد لخبر أبي سعيد السابق.
(ونحوه) أي الاقط من لبن وجبن لم ينزع زبدهما وهذا من زيادتي، ولا يجزأ لحم ومخيض ومصل وسمن وجبن منزوع الزبد لانتفاء الاقتيات بها عادة ولا مملح من أقط عاب كثرة الملح جوهره بخلاف ظاهر الملح فيجزأ لكن لا يحسب الملح فيخرج قدرا يكون محض الاقط منه صاعا.
(ويجب) الصاع (من قوت محل المؤدى عنه) كثمن المبيع ولتشوف النفوس إليه،

(1/198)


ويختلف ذلك باختلاف النواحي فأوحى الخبرين السابقين للتنويع لا للتخيير، فلو كان المؤدي بمحل اخر اعتبر بقوت محل المؤدى عنه بناء على الاصح من أن الفطرة تجب أولا عليه ثم يتحملها عنه المؤدي، فإن لم يعرف محله كعبد أبق فيحتمل كما قاله جماعة استثناء هذة أو يخرج فطرته من قوت اخر محل عهد وصوله إليه لان الاصل أنه فيه أو يخرج للحاكم لانه له نقل الزكاة، فإن لم يكن قوت المحل مجزئا اعتبر أقرب المحال إليه، وإن كان بقربه محلان متساويان قربا تخير بينهما، وتعبيري بالمحل أعم من تعبيره
بالبلد.
(فإن كان به) أي بالمحل (أقوات لا غالب فيها خير) بينها (والافضل أعلاها) اقتياتا وإن كان فيها غالب تعين، والعبرة بغالب قوت السنة لا وقت الوجوب.
(ويجزئ) قوت (أعلى عن) قوت (أدنى) لانه زيد فيه خير لا عكسه لنقصه عن الحق.
(والعبرة) في الاعلى والادنى.
(بزيادة الاقتيات) لا بالقيمة.
(فالبر) لكونه أنفع اقتياتا (خير من التمر والارز) والزبيب (والشعير) وذكره من زيادتي (وهو خير من التمر والتمر) خير (من الزبيب) لذلك وظاهر أن الشعير خير من الارز وأن الارز خير من التمر.
(وله أن يخرج عن واحد من قوت) واجب.
(وعن اخر) من قوت (أعلى منه) ويجوز أن يخرج لاحد جبرانين شاتين وللآخر عشرين درهما.
(ولا يبعد الصاع) بقيدين زدتهما بقولي (من جنسين عن واحد) وءن كان أحدهما أعلى، كما لا يجزئ في كفارة اليمين أن يكسو خمسة ويطعم خمسة، ويجوز تبعيضه من نوعين ومن جنسين عن اثنين، كأن ملك واحد نصفين من عبدين، فيجوز أن يخرج نصف صاع عن أحد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس أعلى منه.
(والاصل أن يخرج من ماله زكاة موليه الغني) لانه يستقل بتمليكه بخلاف غير موليه كولد رشيد وأجنبي لا يجوز إخراجها عنه إلا بإذنه، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بقطرة ولده الصغير.
(ولو اشترك موسران أو موسر ومعسر في رقيق لزم كل موسر قدر حصته) لا من واجبه كما وقع له في الاصل وغيره بل من قوت محل الرقيق كما علم من مما مر وصرح به في المجموع تبعا للرافعي بناء على ما مر من أن الاصح أنها تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها عنه المؤدي، وتعبيري بالرقيق وبقدر حصته أعم من تعبيره بالعبد ونصف صاع.

(1/199)


باب من تلزمه زكاة المال وما تجب فيه مما اتصف بوصف كمغصوب وضال (تلزم) زكاة المال (مسلما) لقوله في الخبر السابق
في زكاة الماشية فرض على المسلمين، فلا تجب على كافر أصلي بالمعنى السابق في الصلاة (حرا أو مبعضا) ملك ببعضه الحر نصابا فلا تجب على رقيق ولو مكاتبا لانه لا يملك شيئا أو يملك ملكا ضعيفا بخلاف من ملك ببعضه الحر نصابا لانه تام الملك له (وتوقف في مرتد) لزمته في ردته كملكه إن عاد إلى الاسلام لزمه أداؤها لتبين بقاء ملكه وإلا فلا، (وتجب في مال محجور) عليه لشمول الخبر المشار إليه آنفا لماله والمخاطب منه وليه ولا تجب في مال وقف لجنين إذ لا وثوق بوجوده وحياته.
وقولي محجور أعم من قوله الصبي والمجنون لشموله السفيه (و) في (مغصوب وضال ومجحود) من عين أو دين (وغائب) وإن تعذر أخذه (ومملوك بعقد قبل قبضه) لانها ملكت ملكا تاما، (و) في (دين لازم من نقد وعرض تجارة) لعموم الادلة بخلاف غير اللازم كمال كتابة لان الملك غير تام فيه، إذ للعبد إسقاطه متى شاء وبخلاف اللازم من ماشية ومعشر لان شرط الزكاة في الماشية السوم وما في الذمة لا يسام وفي المعشر الزهو في ملكه ولم يوجد (و) فأي (غنيمة قبل قسمة إن تملكها الغانمون ثم مضى حول وهي صنف زكوى وبلغ بدون الخمس نصابا أو بلغه نصيب كل) منهم فإن لم يتملكها الغانمون أو لم يمض حول أو مضى، والغنيمة أصناف أو صنف غير زكوي أو زكوي ولم يبلغ نصابا أو بلغه بالخمس فلا زكاة فيه لعدم الملك أو ضعفه في الاولى لسقوطه بالاعراض، وعدم الحول في الثانية وعدم علم كل منهم ماذا يصيبه وكم نصيبه في الثالثة وعدم المال الزكوي في الرابعة، وعدم بلوغه نصابا في الخامسة وعدم ثبوت الخلط في السادسة لانها لا تثبت مع أهل الخمس إذ لا زكاة فيه لانه لغير معين، (ولا يمنع دين) ولو حجر به (وجوبها) ولو في المال الباطن لاطلاق الادلة، نعم لو عين الحاكم لكل من غرماء المفلس شيئا من ماله ومكنهم من أخذه فحال الحول قبل أخذه فلا زكاة عليه لضعف ملكه، (ولو اجتمع زكاة ودين آدمي في تركة) بأن مات قبل أدائها وضاقت التركة عنهما، (قدمت) على الدين تقديما لدين الله وفي خبر الصحيحين فدين الله أحق بالقضاء، وكالزكاة سائر حقوق الله تعالى كحج وكفارة نعم الجزية ودين الآدمي مستويان مع أنها حق لله
تعالى وخرج بدين الآدمي دين الله ككفارة وحج، فالوجه كما قال السبكي أن يقال إن كان

(1/200)


النصاب موجودا قدمت الزكاة وإلا فيستويان، وبالتركة ما لو اجتمعا على حي فإنه إن كان محجورا عليه قدم حق الآدمي جزما كما قاله الرافعي في باب كفارة اليمين وإلا قدمت جزما كما قاله الرافعي هنا.
باب أداء زكاة المال هو أولى من تعبيره بفصل لعدم اندراجه في ترجمة الباب قبله (يجب) أي أداؤها (فورا) لان حاجة المستحقين إليها ناجزة (إذا تمكن) من الاداء كسائر الواجبات، ويحصل التمكن (بحضور مال) غائب سائر أو قار عسر الوصول له أو مال مغصوب أو مجحود أو دين مؤجل أو حال تعذر أخذه (و) حضور (آخذ) للزكاة من إمام أو ساع أو مستحق فهو أعم من تعبيره بالاصناف (وبجفاف) لثمر (وتنقية) لحب وتبر ومعدن، (وخلو مالك من مهم) ديني أو دنيوي كصلاة وأكل وهذه الثلاثة من زيادتي، (وبقدرة على غائب قار) بأن سهل الوصول له (أو) له استيفاء دين (حال) بأن كان على ملئ حاضر بأذل أو على جاحد وبه حجة، وقولي قار من زيادتي (وبزوال حجر فلس) لان الحجر به مانع من التصرف، فالاداء إنما يجب على المزكي إذا تمكن (وتقررت أجرة قبضت) فلو أجر دارا أربع سنين بمائة دينار وقبضها لم يلزمه كل سنة إلا إخراج حصة ما تقرر منها، فإن الملك فيها ضعيف لتعرضه للزوال بتلف العين المؤجرة فعلم أنه يحرم عليه التأخير بعد التمكن وتقرر الاجرة نعم له التأخير لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أفضل إن لم يشتد ضرر الحاضرين، لكن لو تلف المال حينئذ ضمن (لا صداق) فلا يشترط تقرره بتشطير أو موت أو وطئ وفارق الاجرة بأنها مستحقة في مقابلة المنافع فبفواتها ينفسخ العقد كما مرت الاشارة إليه بخلاف الصداق، ولهذا لا يسقط بموت الزوجة قبل الدخول وإن لم تسلم المنافع للزوج وتشطيره، إنما يثبت بتصرف الزوج بطلاق و نحوه.
أما زكاة الفطر فموسعة بليلة العيد ويومه كما مر في بابها
(فإن أخر) أداءها بعد التمكن (وتلف المال) كله أو بعضه، (ضمن) بأن يؤدي ما كان يؤديه قبل التلف لتقصيره بحبس الحق عن مستحقه، وإن تلف قبل التمكن فلا ضمان لانتفاء تقصيره بخلاف ما لو أتلفه فإنه يضمن لتقصيره بإتلافه (وله) ولو بوكيله (أداؤها) عن المال الباطن، وهو نقد وعرض وركاز، والظاهر وهو ماشية وزرع وثمر ومعدن (لمستحقها إلا إن طلبها إمام عن) مال (ظاهر) فيجب أداؤها له وليس له طلبها عن الباطن إلا إذا علم أن المالك لا يزكى، فعليه أن يقول له أدها وإلا فادفعها إلي.
وذكر الاستثناء من زيادتي وألحقوا بزكاة

(1/201)


المال الباطن زكاة الفطر (و) له أداؤها بنفسه أو وكيله (لامام) لانه (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء بعده كانوا يبعثون السعاة لاخذ الزكوات، (وهو) أي أداؤها له (أفضل) من تفريقها بنفسه أو وكيله لانه أعرف بالمستحقين (إن كان عادلا) فيها وإلا فتفريقه بنفسه أو وكيله أفضل من الاداء له، وتفريقه بنفسه أفضل من تفريقه بوكيله (وتجب نية) في الزكاة (كهذا زكاة أو فرض صدقة) أو صدقة مالي المفروضة.
وتمثيلي بزكاة أولى من تمثيله بفرض زكاة مالي لان نية الفرض كالمال ليست بشرط، لان الزكاة لا تقع إلا فرضا وبه فارق ما لو نوى صلاة الظهر (ولا يكفي فرض مالي) لانه يكون كفارة ونذرا (ولا صدقة مالي) لانها لا تكون نافلة، (ولا يجب) في النية (تعيين مال) مزكى عند الاخراج فلو ملك من الدراهم نصابا حاضرا أو نصابا غائبا فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقا ثم بان تلف الغائب، فله جعل المخرج عن الحاضر (فإن عينه لم يقع) أي المخرج عن غيره) فلو كان نوى المخرج في المثال عن الغائب لم يكن له صرفه إلى الحاضر فإن نوى مع ذلك أنه إن بان المنوي تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره، والمراد الغائب عن مجلسه لا عن البلد بناء على منع نقل الزكاة وهو المعتمد الآتي في كتاب قسم الزكاة (وتلزم) أي النية (الولي عن محجورة)، فلو دفع بلا نية لم يقع الموقع وعليه الضمان وظاهر أن لولي السفيه مع ذلك أن يفرض النية له كغيره وتعبيري بالمحجور أعم من تعبيره بالصبي والمجنون، (وتكفي) أي النية
(عند عزلها) عن المال (وبعده) وهذا من زيادتي (وعند دفعها إمام أو وكيل و الافضل) لهما (أن ينويا عند تفريق أيضا) على المستحقين وذكر الافضلية في حق الامام من زيادتي وكذا قولي، (وله أن يوكل فيها) أي في النية (ولا تكفي نية إمام) عن المزكي (بلا إذن) منه كغيره (إلا عن ممتنع) من أدائها فتكفي (وتلزمه) إقامة لها مقام نية المزكي وقولي بلا إذن من زيادتي.
باب تعجيل الزكاة وما يذكر معه هو أولى من تعبيره بفصل لما مر في الباب قبله (صح تعجيلها) في مال حولي (لعام فيما انعقد حوله) بأن ملك نصابا أو ابتاع عرض تجارة ولو بدون نصاب كأن ابتاع

(1/202)


عرضا لها لا يساوي مائتين فعجل زكاتهما، وحال الحول وهو يساويهما وابتاع عرضا يساويهما فعجل زكاة أربعمائة وحال الحول وهو يساويهما فيجزيه المعجل وإن لم يساو المال في صورة التجارة الاولى نصابا عند الابتياع بناء على ما مر من أن اعتبار النصاب فيهما بآخر الحول، وكلام الاصل يقتضي المنع في هذه الصورة وليس مرادا وخرج بالعام ما فوقه فلا يصح تعجيلها له لان زكاته لم ينعقد حولها، والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز كالتعجيل قبل كمال النصاب في الزكاة العينية، فما عجل لعامين يجزي للاول فقط وأما خبر البيهقي أنه (صلى الله عليه وسلم) تسلف من العباس صدقة عامين فأجيب عنه بانقطاعه وباحتمال أنه تسلف في عامين، وصحح الاسنوي وغيره صحة تعجيلها لهما وعزوه للنص والاكثرين وعليه فهو مقيد بما إذا بقي بعد التعجيل نصاب كتعجيل شاتين من ثنتين وأربعين شاة وخرج بانعقاد الحول ما لا ينعقد كما لو ملك دون نصاب من غير عرض تجارة، كأن ملك مائة درهم فعجل خمسة دراهم فلا يصح تعجيلها لفقد سبب وجوبها (و) صح تعجيلها (لفطرة في رمضان) ولو في أوله لانها تجب بالفطر من رمضان فهو سبب آخر لها، أما قبله فلا يصح لانه تقديم على السببين (لا) تعجيلها (لنابت) من ثمر وحب
(قبل) وقت (وجوبها) وهو بدو الصلاح واشتداد الحب كما مر إذ لا يعرف قدره تحقيقا ولا تخمينا، أما بعده فيصح قبل الجفاف والتصفية (وشرط) لاجزاء المعجل (كون المالك والمستحق أهلا) لوجوب تلك الزكاة ولاخذها (وقت وجوبها) هو أعم من تعبيره بآخر الحول، فلو كان أحدهما ميتا أو المستحق مرتدا أو المال تالفا وقت الوجوب أو بيع في الحول وليس مال تجارة، لم يجز المعجل ولا يضر تلف المعجل ولا يرد ما لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين، فتوالدت قبل الحول وبلغت ستا وثلاثين حيث لم تجز المعجلة وإن صارت بنت لبون مع وجود الشرط المذكور.
بل يستردها ويعيدها أو يدفع غيرها، وذلك لانه لا يلزم من جود الشرط وجود المشروط (ولا يضر غناه بها) ولو مع غيرها لانه إنما أعطى ليستغني، فلا يكون ما هو المقصود مانعا من الاجزاء ويضر غناه بغيرها كزكاة واجبة أو معجلة أخذها بعد أخرى وقد استغنى بها (وإذا لم يجز المعجل) لانتفاء شرط مما ذكر (استرده) إن بقي (أو بدله) من مثل أو قيمة إن تلف، (والعبرة بقيمة وقت قبض) لا وقت تلف لان ما زاد حصل في ملك القابض فلا يضمنه ويستر ذلك (بلا زيادة منفصلة) كلبن وولد بخلاف المتصلة كسمن وكبر (ولا أرش نقص صفة) كمرض إن (حدثا قبل سبب الرد) لحدوثهما في ملك القابض، فلا يضمنها نعم لو كان القابض غير مستحق حال القبض استردا وهو ظاهر، وخرج بنقص الصفة نقص العين،

(1/203)


كمن عجل بغيرين فتلف أحدهما فإنه يسترد الباقي وقيمة التالف، وبحدوث الامرين قبل السبب ما لو حدثا بعده أو ما معه فإنه يستردهما.
وقولي صفة إلى آخره من زيادتي وإنما يسترد (إن علم قابض بالتعجيل) بشرط كأن شرط استرداد المانع بعرض أو بدونه، كهذه زكاتي المعجلة للعلم بالتعجيل فيهما وقد بطل وعملا بالشرط في الاولى فإن لم يوجد شئ من ذلك لم يسترد بل تقع نفلا (وحلف قابض) أو وارثه (في) اختلافهما في (مثبت استرداد)، وهو واحد مما ذكر فيصدق لان الاصل عدمه
(والزكاة تتعلق بالمال) الذي تجب فيه (تعلق شركة) بقدرها بدليل أنه لو امتنع من إخراجها أخذها الامام منه قهرا، كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته وإنما جاز إخراجها من غيره لبناء أمرها على المساهلة والارفاق والواجب، إن كان من غير جنس المال كشاة واجبة في الابل ملك المستحقون بقدر قيمتها من الابل أو من جنسه كشاة من أربعين شاة فهل الواجب شاة أو جزء من كل شاة وجهان أرجحهما الثاني، كما يؤخذ من قولي (فلو باعه) أي ما تعلقت به الزكاة (أو بعضه قبل إخراجها بطل في قدرها) وإن أبقى في الثانية قدرها لان حق المستحقين شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم نعم لو استثنى قدر الزكاة كبعتك هذا إلا قدر الزكاة صح البيع كما جزم به الشيخان في بابه في زكاة الثمار، لكن شرط الماوردي والروياني ذكره أهو عشر أو نصفه وظاهر أن محله فيمن جهله (لا) إن باع (مال تجارة بلا محاباة) فلا تبطل لان متعلق الزكاة القيمة، وهي لا تفوت بالبيع وقولي أو بعضه مع قولي لا مال إلى آخره من زيادتي.

(1/204)


كتاب الصوم هو لغة الامساك وشرعا إمساك عن المفطر على وجه مخصوص.
والاصل في وجوبه قبل الاجماع مع ما يأتي آية كتب عليكم الصيام وخبر بني الاسلام على خمس (يجب صوم رمضان بكمال شعبان ثلاثين) يوما (أو رؤية الهلال) في حق من رآه وإن كان فاسقا، (أو ثبوتها) في حق من لم يره (بعدل شهادة) لخبر البخاري: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين.
ولقول ابن عمر أخبرت النبي (صلى الله عليه وسلم) أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه، رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
ولما روى الترمذي غيره أن أعرابيا شهد عند النبي (صلى الله عليه وسلم) برؤيته فأمر الناس بصيامه.
و المعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم وخرج بعدل الشهادة غير العدل وعدل الرواية فلا يكفي فاسق وعبد وامرأة، وصحح في المجموع أنه لا يشترط العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، واستشكل بأن الصحيح أنها شهادة لا رواية ويجاب بأنه اغتفر فيه ذلك كما اغتفر فيه الاكتفاء بعدل للاحتياط وهي شهادة حسبة قالت
طائفة منهم البغوي.
ويجب الصوم أيضا على من أخبره موثوق به بالرؤية إذا اعتقد صدقة وإن لم يذكره عند القاضي، ويكفي في الشهادة أشهد أني رأيت الهلال خلافا لابن أبي الدم ومحل ثبوت رمضان بعدل في الصوم وتوابعه كصلاة التراويح لا في غيرها كدين مؤجل به ووقوع طلاق وعتق معلقين به، قال الاسنوي: إلا أن يتعلق بالشاهد لاعترافه.
قال وما صححوه من ثبوته بعدل خلاف مذهب الشافعي فإنه رجع عنه في الام وقال لا يجوز فيه إلا شاهدان، وأجيب بأن رجوعه إنما كان بالقياس لما لم يثبت عنده في ذلك خبر، كما يدل له كلامه في مختصر المزني وقد ثبت أنه (صلى الله عليه وسلم) قبل شهادة كل من ابن عمر والاعرابي وحده (وإذا صمنا بها) أي برؤية عدل أو عدلين كما فهم بالاولى (ثلاثين أفطرنا) وإن لم ير الهلال بعدها، ولم يكن غيم لان الشهر يتم بمضي ثلاثين ولا يرد لزوم الافطار بواحد، لان الشئ يثبت ضمنا بما لا يثبت به مقصودا (وإن رؤي) الهلال) بمحل لزم حكمه محلا قريبا) منه (وهو) يحصل (باتحاد المطلع) بخلاف البعيد عنه وهو يحصل باختلاف المطلع أو بالشك فيه كما صرح به في الروضة كأصلها إلا بمسافة القصر خلافا للرافعي، قياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبهما، ولان أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر.
لكن قال الامام اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأبى ذلك بخلاف مسافة القصر

(1/205)


التي علق بها الشارع كثيرا من الاحكام، والامر كما قال الامام وتعبيري بمحل هنا وفيما يأتي أعم من تعبيره بالبلد، (فلو سافر إلى) محل (بعيد من محل رؤية) من صام به (وافق أهله في الصوم آخرا فلو عيد) قبل سفره (ثم أدركهم) بعده (أمسك) معهم، وإن تم العدد ثلاثين لانه صار منهم (أو بعكسه) بأن سافر من البعيد إلى محل الرؤية (عيد) معهم سواء أصام ثمانية وعشرين بأن كان رمضان عندهم ناقصا فوقع عيده معهم تاسع عشرين من صومه أم صام تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم، (وقضى يوما إن صام ثمانية وعشرين) يوما لان الشهر لا يكون كذلك
فإن صام تسعة وعشرين) فلا قضاء لان الشهر يكون كذلك.
(ولا أثر لرؤيته) أي الهلال (نهارا) فلو رؤي فيه يوم الثلاثين ولو قبل الزوال لم يفطر إن كان في ثلاثي رمضان، ولا يمسك إن كان في ثلاثي شعبان فعن شقيق بن سلمة جاءنا كتاب عمر بخانقين: إن الاهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالامس، رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح وخانقين بخاء معجمة ونون ثم قاف مكسورتين.
بلدة بالعراق قريبة من بغداد، وقولي إن صام إلى آخره من زيادتي.
فصل في أركان الصوم ثلاثة وعبر عنها الاصل بالشروط فتسميتي لها أركانا كنظائره الآتية في غير الحج والغمرة من زيادتي أحدها (نية لكل يوم) كغيره من العبادات، والتصريح باعتبارها كل يوم من زيادتي (ويجب لفرضه) ولو نذرا أو قضاء أو كفارة أو كان الناوي صبيا (تبييتها) ولو من أول الليل، لخبر من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له رواه الدارقطني وغيره وصححوه، وهو محمول على الفرض بقرينة خبر عائشة الآتي (وتعيينه) أي الفرض قال في المجموع، وينبغي اشتراط التعيين في الصوم الراتب كعرفة وعاشوراء وأيام البيض وستة من شوال كرواتب الصلاة وأجيب بأن الصوم في الايام المذكورة منصرف إليها بل لو نوى به غيرها حصلت أيضا كتحية المسجد، لان المقصود وجوب صوم فيها (وتصح) النية (وإن أتى بمناف) للصوم كأن جامع أو استقاء (أو نام أو انقطع نحو حيض) كنفاس (بعدها ليلا وتم فيه)

(1/206)


في صورة الانقطاع (أكثره) أي نحو الحيض (أو قدر العادة)، فلا يجب تجديدها لعدم منافاة شئ من ذلك لها ولان الظاهر في صورة الانقطاع استمرار العادة، فإن لم يتم لها ما ذكر لم يصح صومها لانها لم تجزم بالنية ولم تبن على أصل، وتعبيري بمناف أعم من تعبيره بالاكل والجماع ونحو من زيادتي
(وتصح) النية (لنفل قبل زوال).
فقد دخل (صلى الله عليه وسلم) على عائشة ذات يوم فقال: هل عندكم شئ ؟ قالت: لا.
قال: فإني إذا أصوم قالت: ودخل علي يوما آخر.
فقال: أعندكم شئ ؟ قلت: نعم.
قال: إذا أفطر.
وإن كنت فرضت الصوم.
رواه الدارقطني والبيهقي وقال إسناده صحيح.
وفي رواية للاول وقال إسنادها صحيح هل عندكم من غداء، وهو بفتح الغين اسم لما يؤكل قبل الزوال والعشاء اسم لما يؤكل بعده (إن لم يسبقها مناف) للصوم كأكل وجماع وكفر وحيض ونفاس وجنون فلا يصح الصوم، (وكمالها) أي النية في رمضان (أي ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى) بإضافة رمضان، وذلك لتتميز عن أضدادها قال في الروضة كأصلها ولفظ الغد اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين، وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت وبما تقرر علم أنه لا تجب نية الغد ولا الاداء ولا الاضافة إلى الله تعالى ولا الفرضية ولا السنة، وهو كذلك في غير نية الفرضية و فيها على ما صححه في المجموع تبعا للاكثرين لكن مقتضى كلام الاصل والروضة كأصلها، أنها تجب كما في الصلاة وفرق في المجموع بينهما بأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا بخلاف الصلاة فإن المعادة نفل وفيه كلام ذكرته مع جوابه في شرح الروض (ولو نوى ليلة الثلاثين صوم غد من رمضان) سواء قال إن كان منه أم لا (فكان منه) وصامه (صح) ووقع عنه (في آخره) لان الاصل بقاؤه ولا أثر لتردد يبقى بعد حكم القاضي بشهادة عدل للاستناد إلى ظن معتمد (لا) في (أوله) لانتفاء الاصل مع عدم جزمه بالنية (إلا أن ظن أنه منه بقول من يثق به) كعبد و امرأة ومراهق وفاسق فيصح ويقع عنه لجزمه بالنية، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره قال في المجموع فلو نوى صوم غد نفلا إن كان من شعبان وإلا فمن رمضان ولا أمارة فبان من شعبان صح صومه نفلا لان الاصل بقاؤه وإن بان من رمضان لم يصح فرضا ولا نفلا (ولو اشتبه) رمضان عليه (صام بتحر فإن وقع فيه فأداء)، وهذا من زيادتي (أو بعده فقضاء فيتم عدده) إن نقص عنه ما صامه (أو قبله و أدركه صامه وإلا قضاه) وجوبا فيهما،

(1/207)


(تنبيه) لو وقع في رمضان السنة القابلة وقع عنها لا عن القضاء (و) ثانيها (ترك جماع واستقاءة غير جاهل معذور ذاكرا) للصوم (مختارا) فصوم من جامع أو تقايأ ذاكرا مختارا عالما بتحريمه أو جاهلا غير معذور باطل للاجماع في الاول، ولخبر ابن حبان وغيره وصححوه من ذرعه القئ أي غلبه وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض في الثاني فلا يبطل بذلك ناسيا ولا مكرها ولا جاهلا معذورا بأن قرب عهده بالاسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، ولا بغلبة القئ والاستقاءة مفطرة وإن علم لم يرجع شئ منها إلى جوفه بها فهي مفطرة لعينها لا لعود شئ من القئ والتقييد بغير الجاهل المعذور في الجماع والاستقاءة مع التقييد بالذاكر والمختار في الاستقاءة من زيادتي (لا) ترك (قلع نخامة ومجها) فلا يجب فلا يفطر بهما لان الحاجة إليهما مما تتكرر.
(ولو نزلت) من دماغه وحصلت (في حد ظاهر فم فجرت) إلى الجوف (بنفسها وقدر على مجها أفطر) لتقصيره، بخلاف ما إذا عجز عنه (و) ترك (وصول عين) لا ريح ولا طعم من ظاهر (ومن منفذ مفتوح جوف من مر) أي غير جاهل معذور ذاكرا مختارا وإن لم يكن في الجوف قوة تحيل الغذاء أو الدواء كحلق ودماغ باطن أذن وإحليل وبطن ومثانة بمثلثة وهي مجمع البول، وقولي من مر من زيادتي على الاصل (فلا يضر وصول دهن أو كحل بتشرب مسام) جوفه كما لا يضر اغتساله بالماء وإن وجد له أثرا بباطنه بجامع أن الواصل إليه ليس من منفذ وإنما هو من المسام جمع سم بتثليث السين والفتح أفصح، قال الجوهري ومسام الجسد ثقبه (أو) وصول (ريق طاهر صرف من معدنه) جوفه ولو بعد جمعه أو إخراج لسانه وعليه ريق إذ لا يمكن التحرز منه بخلاف وصوله متنجسا أو مختلطا بغيره أو بعد إخراجه لا على لسانه (أو) وصول (ذباب أو بعوض أو غبار أو غربلة دقيق جوفه) لعسر التحرز عنه أو لعدم تعمده، وكذا لو وصلت عين جوفه ناسيا أو عاجزا عن ردها أو مكرها أو جاهلا معذورا كما علم من التقييد بمن مر ولو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار جوفه لم يفطر على الاصح وكذا لو خرجت مقعدة المبسور فأعادها، (لا سبق ماء إليه
بمكروه كمبالغة مضمضة أو استنشاق) ومرة رابعة فيضر للنهي عنه بخلافه إذا لم يبالغ أو بالغ لغسل نجاسة لانه تولد من مأمور به بغير اختياره واقتصر الاصل على المبالغة، فتعبيري بما ذكر أعم (و) ترك (استمنائه) أي من مر (ولو بنحو لمس) كقبلة (بلا حائل)، لانه يفطر بالايلاج بلا إنزال فبالانزال بنوع شهوة أولى بخلاف ما لو كان ذلك بحائل وتقييدي بمن مر المعبر عنه بالضمير مع التقييد بعدم الحائل من زيادتي (لا بنظر وفكر) ولو بشهوة لانه إنزال بغير مباشرة كالاحتلام، ولا بالانزال من أحد فرجي المشكل

(1/208)


(وحرم نحو لمس) كقبلة وعليها اقتصر الاصل (إن حرك شهوة) خوف الانزال.
(وإلا فتركه أولى)، إذ يسن للصائم ترك الشهوات وإنما لم يحرك لضعف احتمال أدائه إلى الانزال (وحل إفطار بتحر) بورد وغيره كما في أوقات الصلوات لا بغير تحر ولو بظن لان الاصل بقاء النهار (واليقين) كأن يعاين الغروب (أحوط) ليأمن الغلط (و) حل (تسحر ولو بشك في بقاء ليل)، لان الاصل بقاؤه فيصح الصوم مع الاكل بذلك إن لم يبن غلط (فلو أفطر أو تسحر بتحر وبان غلطه بطل صومه) إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه (أو) أفطر أو تسحر (بلا تحر ولم يبن الحال صح في تصحره) لا في إفطاره لان الاصل بقاء الليل في الاولى والنهار في الثانية، فإن بان الصواب فيهما صح صومهما أو الغلط فيهما لم يصح وقولي بلا تحر لشموله الشك والظن بلا تحر أعم من قوله بلا ظن في الاولى (ولو طلع فجر وفي فيه طعام فلم يبلع شيئا منه) بأن طرحه أو أمسكه بفيه صح صومه وإن سبق إلى جوفه منه شئ في الاولى لانه لو جعله في فيه نهارا لم يفطر فبالاولى إذا جعله فيه ليلا أما إذا بلع شيئا منه فيفطر، وقولي فلم يبلع شيئا منه أولى من قوله فلفظه لرفعه إيهام أنه لو أمسكه بفيه يفطر، وليس كذلك (أو كان) طلوع الفجر (مجامعا فنزع حالا صح صومه) وإن أنزل لتولده من مباشرة مباحة فإن مكث لم يصح صومه وإن لم يعلم بطلوعه إلا بعد المكث فنزع حين علم ولم يبق من الليل إلا ما يسع الايلاج لا النزع، فعن ابن خيران منع
الايلاج وعن غيره جوازه (و) ثالثها (صائم) والتصريح به تبعا لجماعة من زيادتي (وشرطه إسلام وعقل ونقاء) عن نحو حيض (كل اليوم) فلا يصح صوم من اتصف بضد شئ منها في بعضه كالصلاة، (ولا يضر نومه) أي نوم كل اليوم (و) لا (إغماء أو سكر بعضه) بخلاف إغماء أو سكر كله لان الاغماء والسكر يخرجان الشخص عن أهلية الخطاب بخلاف النوم إذ يجب قضاء الصلاة الفائتة به دون الفائتة بالاغماء والسكر في الجملة، وذكر السكر من زيادتي فمن شرب مسكرا ليلا وصحا في بعض النهار صح صومه (وشرط الصوم) (الايام) أي وقوعه فيها (غير) يوم (عيد) أي عيد فطر وعيد أضحى للنهي عن صيامها في خبر الصحيحين (و) أيام (تشريق) ولو كان صومها لتمتع، وهي ثلاثة بعد الاضحى للنهي عن صومها في خبر أبي داود بإسناد صحيح (و) يوم (شك) لقول عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم (صلى الله عليه وسلم).
رواه الترمذي وغيره وصححوه وقال الاسنوي: المنصوص المعروف الذي عليه

(1/209)


الاكثرون الكراهة لا التحريم (بلا سبب) يقتضي صومه أما بسبب يقتضيه كقضاء ونذر وورد فيصح صومه كنظيره من الصلاة في الاوقات المكروهة.
ولخبر الصحيحين لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه كأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وإفطار يوم قيس بالورد الباقي بجامع السبب (وهو) أي يوم الشك (يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤيته) ولم يشهد بها أحد (أو شهد بها عدد يرد) في شهادته كصبيان أو نساء أو عبيد أو فسقة، وظن صدقهم وإنما لم يصح صومه عن رمضان لانه لم يتبين كونه منه نعم من اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذكر يصح منه صومه بل يجب عليه وتقدم في الكلام على النية صحة نية ظان ذلك، ووقوع الصوم عن رمضان إذا تبين كونه منه واعتبروا هنا العدد فيمن رأى بخلافه فيما مر احتياطا للعبادة فيهما أما إذا لم يتحدث الناس برؤيته ولم يشهد بها أحد أو شهد بها واحد ممن ذكر فليس اليوم يوم شك بل هو من شعبان وإن أطبق الغيم لخبر فإن غم عليكم
(فرع) إذا انتصف شعبان حرم الصوم بلا سبب إن لم يصله بما قبله على الصحيح في المجموع وغيره (وسن تسحر وتأخيره وتعجيل فطر) لخبر الصحيحين تسحروا فإن في السحور بركة ولا تزال الناس بخير ما عجلوا الفطر زاد الامام أحمد وأخروا السحور (إن تيقن) بقاء الليل في الاوليين ودخوله في الثالثة وإلا فالافضل ترك ذلك بل يحرم التعجيل إن لم يتحر كما علم مما مر وجعل التسحر سنة مستقلة مع تقييده بالتيقن من زيادتي (و) سن (فطر بتمر فماء) لخبر إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور رواه الترمذي وغيره وصححوه، فإن كان ثم رطب قدم على التمر للاتباع رواه الترمذي وحسنه، وجعل الفطر بما ذكر سنة مستقلة من زيادتي (و) سن من حيث الصوم (ترك فحش) ككذب وغيبة وعليهما اقتصر الاصل لخبر البخاري من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، (و) ترك (شهوة) لا تبطل الصوم كشم الرياحين والنظر إليها لما فيها من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم (و) ترك (نحو حجم) كفصد لان ذلك يضعفه، ونحو من زيادتي (و) ترك (ذوق) لطعام أو غيره خوف وصوله حلقه وتقييد الاصل بذوق الطعام جرى على الغالب (و) ترك (علك) بفتح العين لانه يجمع الريق فإن بلعه أفطر في وجه وإن ألقاه عطشه وهو مكروه كما في المجموع، (و) سن (أن يغتسل عن حدث أكبر ليلا) ليكون على طهر من أول الصوم، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالجنابة (و) أن (يقول عقب) هو

(1/210)


أولى من قوله عند (فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) (و) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يقول ذلك، رواه أبو داود بإسناد حسن لكنه مرسل (و) أن (يكثر في رمضان صدقة وتلاوة) لقرآن (واعتكافا لا سيما) في (العشر الاخير) منه للاتباع في ذلك رواه الشيخان وروى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره.
فصل
في شروط وجوب صوم رمضان وما يبيح ترك صومه: (شرط وجوبه إسلام) ولو فيما مضى وهو من زيادتي (وتكليف) كما في الصلاة فيهما (وإطاقة) له وصحة وإقامة أخذا مما يأتي فلا يجب على كافر بالمعنى السابق في الصلاة ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران، ولا على من لا يطيقه حسا أو شرعا لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو حيض أو نحوه ولا على مريض ومسافر بقيد يعلم مما يأتي، ووجوبه عليهما وعلى السكران والمغمى عليه والحائض ونحوها عند من عبر بوجوبه عليهم وجوب انعقاد سبب كما تقرر ذلك في الاصول لوجوب القضاء عليهم كما سيأتي ومن ألحق بهم المرتد في ذلك فقد سها، فإن وجوبه عليه وجوب تكليف كما مرت الاشارة إليه (ويباح تركه) بنية الترخص (لمرض يضر معه صوم) ضررا يبيح التيمم وإن طرأ على الصوم لآية: فمن كان منكم مريضا.
ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك النية أو متقطعا، فإن كان يوجد وقت الشروع فله تركها وإلا فلا.
فإن عاد واحتاج إلى الافطار أفطر (وسفر قصر) فإن تضرر به فالفطر أفضل وإلا فالصوم أفضل كما مر في صلاة المسافر (لا إن طرأ) السفر على الصوم (أوزالا)، أي المرض والسفر عن صائم فلا يباح تركه تعليبا لحكم الحضر في الاولى وزوال العذر في غيرها، (ويجب قضاء ما فات ولو بعذر) كمرض وسفر للآية السابقة إذ تقديرها (فأفطر فعدة من أيام أخر) وكحيض ونحوه كما مر في بابه وردة وسكر وإغماء وترك نية ولو نسيانا بخلاف ما فات من الصلاة بالاغماء كما مر في بابها المشقة تكررها وبخلاف الاكل ناسيا لان النية من باب المأمورات والاكل من باب المنهيات، والنسيان إنما يؤثر في الثاني وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (لا بكفر أصلي) أي لا يجب قضاء ما فات به بعد الاسلام ترغيبا فيه (و) لا (صبا و) لا (جنون) بقيد زدته بقولي (في غير ردة وسكر) لعدم موجب القضاء.
أما ما فات به في زمن الردة أو السكر فيقضيه وتقدم في الصلاة نظير ذلك

(1/211)


مع زيادة (كما لو بلغ) الصبي نهارا (صائما) فإنه لا قضاء عليه (ويجب إتمامه) لانه صار من أهل الوجوب، (أو) بلغ فيه (مفطرا أو أفاق) فيه المجنون (أو أسلم) فيه الكافر فإنه لا قضاء عليهم، لان ما أدركوا منه لا يمكنهم صومه فصار كمن أدرك من أول وقت الصلاة قد ركعة ثم طرأ مانع، (وسن لهم ولمريض ومسافر زال عذرهما) حالة كونهما (مفطرين) كأن ترك النية ليلا (إمساك) لبقية النهار (في رمضان) خروجا من الخلاف وإنما لم يلزمهم الامساك لعدم التزامهم الصوم والامساك تبع، ولان غير الكافر أفطر بعذر وذكر السنية من زيادتي (ويلزم) أي الامساك في رمضان (من أخطأ بفطره) كأن أفطر بلا عذر أو نسي النية أو ظن بقاء الليل فبان خلافه، أو أفطر يوم شك وبان أنه من رمضان لحرمة الوقت ولان نسيان النية يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو ضرب تقصير، ولان صوم يوم الشك كان واجبا على من أفطر فيه إلا أنه جهله وبه فارق المسافر فإنه يباح له الافطار مع علمه.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به وخرج برمضان غيره فلا إمساك فيه كنذر وقضاء لان وجوب الصوم في رمضان بطريق الاصالة ولهذا لا يقبل غيره بخلاف أيام غيره ثم الممسك ليس في صوم شرعي وإن أثيب عليه فلو ارتكب فيه محظورا لم يلزمه سوى الاثم.
فصل في فدية فوت الصوم الواجب: (من فاته) من الاحرار (صوم واجب) ولو نذرا أو كفارة (فمات قبل تمكنه من قضائه فلا تدارك) للفائت (ولا إثم) بقيد زدته بقولي (إن فات بعذر) كمرض استمر إلى الموت، فإن فات بلا عذر أثم ووجب تداركه بما سيأتي، (أو) مات (بعده) سواء أفاته بعذر أم بغيره (أخرج من تركته لكل يوم) فات صومه.
(مد) وهو رطل وثلث كما مر وبالكيل المصري نصف قدح، والاصل في ذلك خبر من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا، رواه الترمذي وصحح وقفه على ابن عمر (من جنس فطرة) حملا على الغالب بجامع أن كلا منهما طعام واجب شرعا، فلا يجزئ نحو دقيق وسويق (أو صام عنه قريبه) وإن لم يكن
عاصيا ولا وارثا (مطلقا) عن التقييد بإذن (أو أجنبي بإذن) منه بأن أوصى به أو من قريبه بأجرة، أو دونها كالحج، ولخبر الصحيحين من مات وعليه صيام صام عنه وليه، ولخبر

(1/212)


مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لامرأة قالت له: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال: صومي عن أمك بخلافه بلا إذن، لانه ليس في معنى ما ورد به الخبر، وظاهر أنه لو مات مرتدا لم يصم عنه وقولي بإذن أعم من قوله بإذن الولي (لا من مات وعليه صلاة أو اعتكاف) فلا يفعل عنه ولا فدية له لعدم ورودهما، نعم لو نذر أن يعتكف صائما اعتكف عنه وليه صائما قاله في التهذيب (ويجب المد) لكل يوم (بلا قضاء على من أفطر) فيه (لعذر لا يرجى زواله) ككبر ومرض لا يرجى برؤه لآية (وعلى الذين يطيقونه) المراد لا يطيقونه أو يطيقونه في الشباب ثم يعجزون عنه في الكبر.
وروى البخاري أن ابن عباس وعائشة كانا يقرآن وعلى الذين يطوقونه ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه، وقولي لعذر إلى آخره أعم من قوله لكبر.
(وبقضاء على غير متحيرة أفطر) إما لانقاذ آدمي) معصوم (مشرف على هلاك) بغرق أو غيره ولم يمكن تخليصه إلا بفطر، (أو لخوف ذات ولد) حامل أو مرضع (عليه) ولو كان في المرضع من غيرها لانه فطر ارتفق به شخصان وأخذ في الثانية بقسميها من الآية السابقة قال ابن عباس أنها لم تنسخ في حقهما، رواه البيهقي عنه بخلاف ما لو خافتا على أنفسهما وحدهما أو مع ولديهما، وبخلاف من أفطر متعديا أو لانقاذ نحو مال مشرف على هلاك، وبخلاف المتحيرة إذا أفطرت لشئ مما ذكر فلا تجب الفدية للشك في الاخيرة، وقياسا على المريض المرجو برؤه في الاوليين ولان ذلك ليس في معنى فطر ارتفق به شخصان في الثالثة ولا في معنى الآدمي في الرابعة والتقييد بالآدمي وبغير المتحيرة من زيادتي (كمن أخر قضاء مع تمكنه) منه (حتى دخل) رمضان (آخر) فإن عليه مع القضاء المد، لان ستة من الصحابة أفتوا بذلك ولا مخالف لهم (ويتكرر) المد (بتكرر السنين) لان الحقوق المالية لا تتداخل بخلافه في الكبر ونحو لعدم التقصير (فلو أخر القضاء المذكور)
أي قضاء رمضان مع تمكنه حتى دخل آخر (فمات أخرج عنه من تركته لكل يوم مدان) مد للفوات ومد للتأخير لان كلا منهما موجب عند الانفراد فكذا عند الاجتماع، هذا (إن لم يصم عنه) وإلا وجب مد واحد للتأخير وهذا من زيادتي.
(والمصرف) أي ومصرف الامداد (فقير ومسكين) لان المسكين ذكر في الآية والخبر والفقير أسوأ حالا منه ولا يجب الجمع بينهما.
(وله صرف أمداد لواحد (لان كل يوم عبادة مستقلة، فالامداد بمنزلة الكفارات بخلاف صرف مد لاثنين لا يجوز (يوجب مع قضاء كفارة)، يأتي بيانها في بابها (على واطئ بإفساد صومه

(1/213)


يوما من رمضان) وإن انفرد بالرؤية (بوطئ أثم به للصوم) أي لاجله (ولا شبهة) لخبر الصحيحين عن أبي هريرة: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: هلكت.
قال: وما أهلكك ؟ قال: واقعت امرأتي في رمضان.
قال: هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال: لا.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال: لا.
قال: فهل نجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال: لا.
قال: ثم جلس فأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) بعرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا فقال: علي أفقر منا يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إلينا منا.
فضحك (صلى الله عليه وسلم) حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك وفي رواية للبخاري فأعتق رقبة فصم شهرين فأطعم ستين مسكينا بالامر، وفي رواية لابي داود فأتى بعرق تمر قدر خمسة عشر صاعا.
والعرق بفتح العين والراء مكتل ينسج من خوص النخل، وتعبيري بالواطئ أعم من تعبيره بالزوج وإضافة الصوم إليه مع قولي ولا شبهة من زيادتي، فمن أدرك الفجر مجامعا فاستدام عالما تلزمه الكفارة، لان جماعة وإن لم يفسد صومه هو في معنى ما يفسده فكأنه انعقد ثم فسد على أن السبكي اختار أنه انعقد ثم فسد (فلا تجب على موطوء)، لان المخاطب بها في الخبر المذكور هو الفاعل (و) لا على (نحو ناس) من مكره وجاهل ومأمور بالامساك لان وطأه لا يفسد صوما ولا على من وطئ بلا عذر ثم جن أو مات في اليوم لانه بان أنه لم يفسد صوم يوم، (و) لا على (مفسد غير صوم) كصلاة (أو صوم غيره) ولو في رمضان كأن وطئ مسافر أو نحوه امرأته ففسد صومها
(أو صومه في غير رمضان) كنذر قضاء لان النص ورد في صوم رمضان كما مر، وهو مخصوص بفضائل لا يشركه فيها غيره (أو) مفسد له ولو في رمضان (بغير وطئ) كأكل واستمناء، لان النص ورد في الوطئ وما عداه ليس في معناه (و) لا على (من ظن) وقت الوطئ (ليلا) أي بقاءه أو دخوله (أو شك فيه فبان نهارا أو أكل ناسيا، وظن أنه أفطر به ثم وطئ) عامدا أو كان صبيا لسقوط الكفارة بالشبهة في الجميع ولعدم الاثم فيما عدا ظن دخول الليل بلا تحر أو الشك فيه، (و) لا على (مسافر وطئ زنا أو لم ينو ترخصا) لانه لم يأثم به للصوم بل للزنا أو للصوم مع عدم نية الترخص، ولان الافطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة وذكرا لشك المفرع على قولي ولا شبهة من زيادتي.
(وتتكرر) الكفارة (بتكرر الافساد) فلو وطئ في يومين لزمه كفارتان سواء أكفر عن الاول قبل الثاني أم لا لان كل يوم عبادة مستقلة، فلا تتداخل كفارتاهما كحجتين وطئ فيهما بخلاف من وطئ مرتين في يوم ليس عليه إلا كفارة للوطئ الاول لان الثاني لم يفسد صوما (وحدوث سفر أو مرض) أو ردة (بعد وطئ لا يسقطها) أي الكفارة لانه هتك حرمة الصوم بما فعل.

(1/214)


باب صوم التطوع الاصل فيه خبر الصحيحين من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا، (سن صوم) يوم (عرفة) وهو تاسع ذي الحجة بقيد زدته بقولي (لغير مسافر وحاج) بخلاف المسافر فإنه يسن له فطره، وبخلاف الحاج فإنه إن عرف أنه يصل عرفة ليلا وكان مقيما سن صومه وإلا سن فطره وإن لم يضعفه الصوم عن الدعاء وأعمال الحج.
والاحوط صوم الثامن مع عرفة (و) يوم (عاشوراء) وهو عاشر المحرم (وتاسوعاء) وهو تاسعه قال (صلى الله عليه وسلم): صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، وقال: لئن بقيت إلى قابل لاصومن
التاسع.
فمات قبله، رواهما مسلم ويسن مع صومهما صوم الحادي عشر كما نص عليه (وإثنين وخميس) لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يتحرى صومهما.
وقال: تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم.
رواهما الترمذي وغيره (وأيام) ليال (بيض) وهو الثالث عشر وتالياه لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر بصيامها، رواه ابن حبان وغيره، والاحوط صوم الثاني عشر معها ووصفت الليالي بالبيض لانها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها.
وسن صوم أيام السود وهي الثامن والعشرون وتالياه وقياس ما مر صوم السابع والعشرين معها (وستة من شوال)، لخبر مسلم من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر.
وخبر النسائي صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام أي من شوال بشهرين فذلك صيام السنة أي كصيامها فرضا، وإلا فلا يختص ذلك بما ذكر لان الحسنة بعشر أمثالها (واتصالها) بيوم العيد (أفضل) مبادرة للعبادة، وتعبيري باتصالها أولى من تعبيره بتتابعها لشموله الاتيان بها متتابعة وعقب العيد (و) سن صوم (دهر غير عيد وتشريق إن لم يخف به ضررا أو فوت حق) لانه (صلى الله عليه وسلم) قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين رواه البيهقي ومعنى ضيقت عليه أي عنه فلم يدخلها أولا يكون له فيها موضع (وإلا) بأن خاف به ذلك (كره)، وعليه حمل خبر مسلم لا صام من صام الابد (كإفراد) صوم (جمعة أو سبت أو أحد) بالصوم فإنه يكره (بلا سبب) لخبر الشيخين لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله ويوما بعده وخبر لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين، ولان اليهود

(1/215)


تعظم يوم السبت والنصارى يوم الاحد فلو جمعها أو اثنين منها لم يكره لان المجموع لم يعظمه أحد أما إذا صامه بسبب كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوما منها فلا كراهة كما في صوم يوم الشك.
ولخبر مسلم لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الايام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وقيس بالجمعة الباقي وقولي أو أحد بلا سبب من زيادتي.
(و) ك (- قطع نفل غير نسك) حج أو عمرة (بلا عذر) فإنه يكره لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) أما بعذر كمساعدة ضيف في الاكل) إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه فلا يكره لخبر الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر.
رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد وقيس بالصوم غيره من النفل.
أما نفل النسك فيحرم قطعه كما يأتي في بابه لمخالفته غيره في لزوم الاتمام والكفارة بإفساده بجماع (ولا يجب قضاؤه) إن قطعه لان أم هانئ كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي (صلى الله عليه وسلم) بين أن تفطر بلا قضاء وبين إن تتم صومها، رواه أبو داود وقيس بالصوم غيره وذكر كراهة القطع مع قولي غير نسك بلا عذر من زيادتي، والاصل اقتصر على جواز قطع الصوم والصلاة.
(وحرم قطع فرض عيني) ولو غير فوري كأن لم يتعد بتركه لتلبسه بفرض وخرج بالعيني فرض الكفاية، فالاصح كما قال الغزالي وغيره أنه لا يحرم قطعه إلا الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة، وقيل يحرم كالعيني وإنما لم يحرم قطع تعلم العلم على من أنس النجابة فيه من نفسه لان كل مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها ولا قطع صلاة الجماعة على قولنا: إنها فرض كفاية لانه وقع في صفة لا أصل والصفة يغتفر فيها ما لا يغتفر في الاصل.
ولا يخفى بعد هذا القول وإن صححه التاج السبكي تبعا لما صححه ابن الرفعة في المطلب في باب الوديعة وأشار فيه في باب اللقيط إلى أن عدم حرمته بحث للامام جرى عليه الغزالي والحاوي ومن تبعهما وبما تقرر علم أن تعبيري بفرض عيني أولى من تعبيره بقضاء.
(فرع) لا تصوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه لخبر الصحيحين لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه.

(1/216)


كتاب الاعتكاف هو لغة اللبث.
وشرعا اللبث بمسجد من شخص مخصوص بنية والاصل فيه قبل الاجماع آية ولا تباشروهن وقوله تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن
طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والاتباع) رواه الشيخان.
(سن) الاعتكاف (كل وقت) لاطلاق الادلة (وفي عشر رمضان الاخير أفضل) منه في

(1/217)


غير لمواظبته (صلى الله عليه وسلم) على الاعتكاف فيه كما مر في خبر الشيخين وقالوا في حكمته (لليلة) أي لطلب ليلة (القدر) التي هي كما قال تعالى: (خير من ألف شهر) أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر قال (صلى الله عليه وسلم): من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
رواه الشيخان وهي في العشر المذكور (وميل الشافعي رحمه الله إلى أنها حاد أو ثالث وعشرين) منه دل للاول خبر الشيخان

(1/218)


للثاني خبر مسلم، فكل ليلة منه عند الشافعي محتملة لها لكن أرجاها ليالي الوتر وأرجأ من ليالي الوتر ما نقلناه عنه فمذهبه أنها تلزم ليلة بعينها.
وقال المزني وابن خزيمة وغيرهما إنها تنتقل كل سنة إلى ليلة جمعا بين الاخبار قال في الروضة وهو قوي واختاره في المجموع والفتاوى وكلام الشافعي في الجمع بين الاحاديث يقتضيه، وعلامتها طلوع الشمس صبيحتها بيضاء ليس فيها كثير شعاع.
(وأركانه) أربعة أحدها (نية) كغيره من العبادات (وتجب نية فرضية في نذره) ليتميز

(1/219)


عن النفل والتصريح بوجوبها من زيادتي (وإن أطلقه) أي الاعتكاف بأن لم يقدر له مدة (كفته نيته) وإن طال مكثه، (لكن لو خرج) من المسجد بقيد زدته بقولي (بلا عزم عود وعاد جدد) ها لزوم سواء أخرج لتبرز أم لغيره لان ما مضى عبادة تامة، فإن عزم على العود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية (ولو قيد بمدة) كيوم أو شهر (وخرج لغير تبرز وعاد جدد) النية أيضا وإن لم يطل الزمن لقطعه الاعتكاف بخلاف خروجه للتبرز، فإنه لا يجب تجديدها وإن طال الزمن لانه لا بد منه فهو كالمستثني عند النية (لا إن نذر مدة متتابعة فخرج لعذر لا يقطع
التتابع وعاد) فلا يلزم تجديد سواء أخرج لتبرز أم لغيره لشمول النية جميع المدة.
ولا يجوز اعتكاف المرأة والرقيق إلا بإذن الزوج والسيد (و) ثانيها (مسجد) للاتباع رواه الشيخان فلا يصح في غيره ولو هيئ للصلاة (والجامع أولى) من بقية المساجد لكثرة الجماعة فيه، ولئلا يحتاج إلى الخروج للجمعة وخروجا من

(1/220)


خلاف من أوجبه بل لو نذر مدة متتابعة فيها يوم جمعة وكان ممن تلزمه الجمعة ولم يشرط الخروج لها وجب الجامع، لان خروجه لها يبطل تتابعه (ولو عين) الناذر (في نذره مسجد مكة أو المدينة أو الاقصى تعين) فلا يقوم غيرها مقامها لمزيد فضلها قال صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الاقصى، رواه الشيخان (ويقوم الاول) وهو مسجد مكة (مقام الاخيرين) لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به (و)

(1/221)


يقوم (الثاني) وهو مسجد المدينة (مقام الثالث) لمزيد فضله عليه قال صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي.
رواه الامام أحمد وصححه ابن ماجه فعلم أنه لا يقوم الاخير إن مقام الاول ولا الثالث مقام الثاني، وأنه لو عين مسجدا غير الثلاثة لم يتعين ولو عين زمن الاعتكاف في نذره تعين.
(و) ثالثها (لبث قدر يسمى عكوفا) أي إقامة ولو بلا سكون بحيث يكون زمنها فوق زمن

(1/222)


الطمأنينة في الركوع ونحوه، فيكفي التردد لا المرور بلا لبث ولو نذر اعتكافا مطلقا كفاه لحظة.
(و) رابعها (معتكف وشرطه إسلام وعقل وخلو عن حدث أكبر) فلا يصح اعتكاف من اتصف بضد شئ منها لعدم صحة نية الكافر ومن لا عقل له وحرمة مكث من به حدث أكبر
بالمسجد، وتعبيري يخلو عن حدث أكبر أعم من قوله والنقاء من الحيض والجنابة (وينقطع) الاعتكاف (كتتابعه بردة وسكر ونحو حيض تخلو مدة اعتكاف عنه غالبا) بخلاف ما لا تخلو

(1/223)


عنه غالبا كشهر (وجنابة مفطرة) للصائم أو غير مفطرة ولم يبادر بطهره، وإن طرأ شئ من ذلك خارج المسجد لتبرز أو نحوه لمنافاة كل منها العبادة البدنية (لا) بجنابة (غير مفطرة إن بادر بطهره) بخلاف ما إذا لم يبادر (ولا جنون وإغماء) للعذر، وقولي لا غير مفطرة أعم من من قوله ولو جامع ناسيا فكجماع الصائم، وقولي نحو مع إن بادر من زيادتي (ويجب خروج من به حدث أكبر من مسجد) لان مكثه به معصية إن (تعذر طهره فيه بلا

(1/224)


مكث) وإلا فلا يجب خروجه بل يجوز ويلزمه إن يبادر به كيلا يبطل تتابع اعتكافه، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بالحيض والجنابة والغسل وقولي بلا مكث من زيادتي (و يحسب) من الاعتكاف (زمن إغماء) كالنوم (فقط) أي دون غيره مما مر، وإن لم يقطع الاعتكاف لجنون ونحو حيض لا تخلو المدة عنه غالبا لمنافاة له (ولا يضر تزين) بطيب ولبس ثياب ونرجيل

(1/225)


شعر (وفطر) بل يصح اعتكاف الليل وحده بناء على أنه لا يشترط فيه الصوم، وهو ما نص عليه الشافعي في الجديد لخبر ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه رواه الحاكم.
وقال صحيح على شرط مسلم (ولو نذر اعتكاف يوم هو فيه صائم لزمه) الاعتكاف يوم صومه سواء أكان صائما عن رمضان أم غيره وليس له إفراد أحدهما عن الآخر (أو أن يعتكف صائما أو عكسه) أي أو أن يصوم معتكفا (لزماه) أي الاعتكاف والصوم لانه التزمهما لان الحال قيد في عاملها ومبنية لهيئة صاحبها بخلاف الصفة، فإنها مخصصة لموصوفها (و) لزمه (جمعهما) لانه قربة فلزم بالنذر كما لو نذر أن يصلي بسورة كذا، وفارق ما لو نذر أن يعتكف مصليا أو عكسه حيث لا

(1/226)


يلزم جمعهما بأن الصوم يناسب الاعتكاف لاشتراكهما في الكف والصلاة أفعال مباشرة لا تناسب الاعتكاف ولو نذر القران بين حج وعمرة فله تفريقهما وهو أفضل.
فصل في الاعتكاف المنذور ولو (نذر مدة) ولو غير معينة (وشرط تتابعها) كلله علي اعتكاف شهر أو شهر كذا

(1/227)


متتابعا (لزمه) تتابعها (أداء) مطلقا (و قضاء) في المعينة لالتزامه إياه لفظا، فإن لم يشرطه لم يلزمه إلا في أداء المعينة وإن نواه لا يلزمه كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه ولو شرط التفريق خرج عن العهدة بالتتابع لانه أفضل (أو) نذر (يوما لم يجز تفريقه) لان المفهوم من لفظ اليوم المتصل نعم لو دخل في أثناء يوم واستمر إلى مثله من اليوم الثاني، فعن الاكثرين الاجزاء، وعن أبي إسحاق خلافه قال الشيخان وهو الوجه فعليه لا استثناء (ولو شرط مع تتابع خروجا لعارض) بقيود زدتها بقولي (مباح) كلقاء سلطان (مقصود غير مناف) للاعتكاف (صح)

(1/228)


الشرط لان الاعتكاف إنما يلزم بالالتزام فيجب بحسب ما التزم بخلاف غير العارض كأن قال إلا أن يبدو لي و بخلاف العارض المحرم كسرقة وغير المقصود كتنزه والمنافي للاعتكاف كجماع فإنه لا يصح الشرط بل ينعقد نذره نعم إن كان المنافي لا يقطع التتابع لا تخلو عنه مدة الاعتكاف غالبا صح شرط الخروج له (ولا يجب تدارك زمنه) أي العارض المذكور (إن عين مدة) كهذا الشهر لان النذر في الحقيقة لما عداه، فإن لم يعينها كشهر وجب تداركه لتتم المدة ويكون فائدة الشرط تنزيل ذلك العارض منزلة قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به قال في المجموع ولو نذر اعتكاف يوم فاعتكف ليلة أو بالعكس فإن عين زمنا وفاته كفي لانه قضاء وإلا فلا.
(وينقطع
التتابع) زيادة على ما مر (بخروجه) من المسجد (بلا عذر) من الاعذار الآتية بخلاف خروج

(1/229)


بعضه كرأس ويد ورجل لم يعتمد عليها ويدين ورجلين لم يعتمد عليهما كأن كان قاعدا (لا) بخروجه (لتبرز ولو بدار له لم يفحش بعدها) عن المسجد (ولا له) دار (أخرى أقرب) منها (أو فحش) بعدها (ولم يجد بطريقه) مكانا (لائقا) به فلا ينقطع التتابع به، فلا يجب تبرزه في غير داره كسقاية المسجد ودار صديقه المجاورة له للمشقة في الاول والمنة في الثاني، أما إذا كان له أخرى أقرب منها أو فحش بعدها ووجد بطريقه مكانا لائقا به فينقطع التتابع بذلك لاعتنائه بالاقرب في الاولى واحتمال أن يأتيه البول في رجوعه في الثانية فيبقى طول يومه في الذهاب والرجوع ولا يكلف في خروجه لذلك الاسراع بل يمشي على سجيته المعهودة و إذا فرغ منه واستنجى فله أن يتوضأ خارج المسجد لانه يقع تابعا لذلك بخلاف ما لو خرج له مع إمكانه في المسجد فلا يجوز وضبط البغوي الفحش بأن يذهب أكثر الوقت في التردد إلى الدار وقولي ولا له أخرى أقرب مع ولم يجد بطريقه لائقا من زيادتي

(1/230)


(أو عاد مريضا) أو زار قادما (بطريقه) للتبرز (ما لم يعدل) عن طريقه (و) لم (يطل وقوفه) فإن طال أو عدل انقطع بذلك تتابعه (ولا) بخروجه (لمرض) ولو جنونا أو إغماء (يحوج لخروج) بأن يشق معه المقام في المسجد لحاجة فرش وخادم وتردد طبيب أو بأن يخاف منه تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول بخلاف مرض لا يحوج إلى الخروج كصداع وحمى خفيفة فينقطع التتابع بالخروج له وفي معنى المرض الخوف من لص أو حريق (أو) بخروجه (لنسيان) لاعتكافه وإن طال زمنه (أو لاذان) مؤذن (راتب إلى منارة للمسجد منفصلة)

(1/231)


عنه (قريبة) منه لانها مبنية له معدودة من توابعه وقد ألف صعودها للاذان و ألف الناس صوته بخلاف خروج غير الراتب له وخروج الراتب لغيره أو له لكن منارة ليست للمسجد أو له لكن
بعيدة عنه أما المتصلة به بأن يكون بابها فيه فلا يضر صعود فيها ولو لغير الاذان لانه لا يسمى خارجا سواء أخرجت عن صمت المسجد أم لا فهي وإن خرجت عن صمته في حكمه وقولي للمسجد مع قريبة من زيادتي (أو لنحوها) من الاعذار كأكل وشهادة تعينت وإكراه بغير حق وحد ثبت ببينة وهذا من زيادتي (ويجب) في اعتكاف منذور متتابع (قضاء زمن خروج) من المسجد (لعذر) لا يقطع التتابع كزمن حيض ونفاس وجنابة غير مفطرة بشرطها السابق لانه غير معتكف فيه (إلا زمن نحو تبرز) مما يطلب الخروج له ولم يطل زمنه عادة كأكل وغسل جنابة وأذان مؤذن راتب فلا يجب قضاؤه لانه مستثنى إذ لا بد منه ولانه معتكف فيه بخلاف ما يذول زمنه كرمض وعدة وحيض ونفاس وتقدم أن الزمن المصروف إلى ما شرط من عارض في مدة معينة لا يجب تداركه ونحو من زيادتي.

(1/232)


كتاب الحج هو لغة القصد وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه (والعمرة) هي لغة الزيادة وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه وذكرها في الترجمة من زيادتي (يجب كل) منهما لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أي ائتوا بها تأمين في العمر (مرة) واحدة بأصل الشرع لخبر مسلم عن أبي هريرة خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل يا نبي الله أكل عام فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ولخبر الدار قطني بأسناد صحيح عن سراقة قلت يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للابد فقال لا بل للابد (بتراخ بشرطه) وهو أن يعزم على الفعل بعد وأن لا يتضيق بنذر أو خوف عضب أو قضاء نسك وقولي مرة اخره من زيادتي (وشرط إسلام) فقط (لصحة) مطلقا أي صحة كل منهما فلا يصح من كافر أصلي أو مرتد لعدم أهليته للعبادة ولا يشترط فيه تكليف (فلولى مالي) ولو
بمأذونه إن لم يؤد نسكه أو أحرم به (إحرام عن صغير) ولو مميز وإن قيد الاصل بغيره لخبر مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لقى ركبا بالروحاء ففزعت إمرأة فأخذت بعضد صبي صغير فأخرجته من محفتها فقالت يا رسول الله هل لهذا حج فقال نعم ولك أجر (و) عن (مجنون) قياسا على الصغير وخرج بزيادتي مال غير ولي المال كالاخ والعم فلا يحرم عمن ذكر وصفة إحرامه عنه أن ينوي جعله محرما فيصير من أحرم عنه محرما بذلك ولا يشترط حضوره ومواجهته ويطوف الولي بغير المميز ويصلي عنه ركعتي الطواف ويسعى به ويحضره المواقف ولا يكفي حضوره بدونه ويناوله الاحجار فيرميها إن قدر وإلا رمى عنه من لا رمي عليه والمميز يطوف ويصلي ويسعى ويحضر المواقف ويرمي الاحجار بنفسه وخرج بمن ذكر المغمى عليه فلا يحرم عنه غيره لانه ليس بزائل العقل وبرؤه مرجو على القرب (و) شرط إسلام (مع تمييز) ولو من صغير أو رقيق (لمباشرة) كما في سائر العبادات (فلمميز إحرام بإذن وليه) من أب ثم جد ثم وصي ثم حاكم أو قيمه لا كافر ولا غير مميز ولا مميز لم يأذن له وليه والتقييد بإذن الولي من زيادتي

(1/233)


(و) شرط إسلام وتمييز (مع بلوغ وحرية لوقوع عن فرض إسلام) من حج أو عمرة ولو غير مستطيع وتعبيري بفرض إسلام أعم من تعبيره بحجة الاسلام (فيجزئ) ذلك (من فقير) لكمال حاله فهو كما لو تكلف مريض المشقة وحشر الجمعة (لا) من (صغير ورقيق) إن كملا بعده لخبر أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى، رواه البيهقي بإسناد جيد كما في المجموع ولنقصت حالهما فإن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزائهما وعاد السعي.
(و) شرطت المذكورات (مع استطاعة لوجوب) فلا يجب ذلك على كافر أصلي وجوب مطالبة به في الدنيا، فإن أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر فلا أثر لها بخلاف المرتد فإن النسك يستقر في ذمته باستطاعته في الردة ولا على غير مميز كسائر العبادات، ولا على صبي مميز لعدم بلوغه ولا على من فيه
رق لان منافعه مستحقة لسيده، فليس مستطيعا ولا فرض على غير المستطيع لمفهوم الآية فالمراتب المذكورة أربع الصحة المطلقة وصحة المباشرة والوقوع عن فرض الاسلام والوجوب، (وهي) أي الاستطاعة (نوعان) أحدهما (استطاعة بنفسه وشروطها) سبعة: أحدها (وجود مؤنته سفرا) كزاد وأوعيته وأجرة خفارة ذهابا وإيابا، وإن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة (إلا إن قصر سفره وكان يكتسب في يوم كفاية أيام) فلا يشترط وجود ذلك بل يلزمه النسك لقلة المشقة حينئذ بخلاف ما إذا طال سفره أو قصر.
وكان يكسب في اليوم ما لا يفي بأيام الحج لانه قد ينقطع فيها عن كسبه لعارض وبتقدير أن لا ينقطع في الاول، فالجمع بين تعب السفر والكسب تعظم فيه المشقة وقدر في المجموع أيام الحج بما بين زوال سابع ذي الحجة وزوال ثالث عشرة، وهو في حق من لم ينفر النفر الاول (و) ثانيها (وجود من بينه وبين مكة مرحلتان أو) دونهما و (ضعف عن مشى) بأن يعجز عنه أو يناله به مشقة شديدة (راحلة مع شق محمل) بفتح الميم الاولى وكسر الثانية.
وقيل عكسه في حق رجل اشتد ضرره بالراحلة وفي حق امرأة وخنثى وإن لم يتضرر بها لانه أستر وأحوط (لا في) حق (رجل لم يشتد ضرره بها) فلا يشترط وجود الشق، وإطلاقي اشتراطه في المرأة والخنثى أولى من تقييده له بالمشقة (و) مع عديل يجلس) في الشق الآخر لتعذر ركوب شق لا يعادله شئ، فإن لم يجده لم يلزمه النسك قال جماعة إلا أن تكون العادة جارية في مثله بالمعادلة بالاثقال واستطاع ذلك، فلا يبعد لزومه ولو لحقه مشقة شديدة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة وهو أعواد مرتفعة من جوانب المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد، أما من قصر سفره وقوي على المشي فلا يعتبر في حقه الراحلة وما يتعلق بها،

(1/234)


وأما القادر عليه في سفر القصر فيسن له ذلك وإن لم يلزمه (وشرط كونه) أي ما ذكر من مؤنة وغيرها (فاضلا عن مؤنة عياله) ذهابه وإيابه (وغيرها مما) ذكر (في الفطرة) من دين، وما يليق به من ملبس ومسكن وخادم يحتاجها لزمانته ومنصبه لان ذلك ناجز.
والنسك على التراخي
وعن كتب الفقيه إلا أن يكون له من تصنيف واحد نسختان فيبيع إحداهما وعن خيل الجندي وسلاحه المحتاج إليهما، وهذان يجريان في الفطرة وما زدته ثم غير الدين من زيادتي هنا.
(لا عن مال تجارة) بل يلزمه صرفه في مؤنة نسكه كما يلزم صرفه في دينه وفارق السكن والخادم لانهما يحتاج إليهما في الحال، وهو إنما يتخذ ذخيرة للمستقبل، وبما تقرر علم أن الحاجة للنكاح لا تمنع وجوب لكن الافضل لخائف العنت تقديم النكاح ولغيره تقديم النسك.
(و) ثالثها (أمن طريق) ولو ظنا بحسب ما يليق به (نفسا وبضعا) والتصريح به من زيادتي (ومالا) ولو يسيرا، فلو خاف سبعا أو عدوا أو رصديا، وهو من يرصد أي يرقب من يمر ليأخذ منه شيئا، ولا طريق له غيره لم يلزمه نسك.
ويكره بذل المال لهم لانه يحرضهم على التعرض للنساء سواء كانوا مسلمين أو كفارا لكن إن كانوا كفارا وأطاق الخائفون مقاومتهم سن لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد، (ويلزمه ركوب بحر تعين) طريقا (وغلبت سلامة) في ركوبه كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة، وقولي تعين من زيادتي (و) رابعها (وجود ماء وزاد بمحال يعتاد حملهما منها بثمن مثل) وهو القدر اللائق به (زمانا ومكانا)، فإن كانا لا يوجدان بها أو يوجدان بأكثر من ثمن المثل لم يجب النسك لعظم تحمل المؤنة (و) وجود (علف دابة كل مرحلة) لان المؤنة تعظم بحمله لكثرته.
وفي المجموع ينبغي اعتبار العادة فيه كالمياه.
(و) خامسها (خروج نحو زوج امرأة) كمحرمها وعبدها وممسوح (أو نسوة ثقات) ثنتين فأكثر ولو بلا محرم لاحداهن (معها) لتأمن على نفسها، ولخبر الصحيحين لا تسافر المرأة يومين إلا مع زوجها أو محرم وفي رواية فيهما لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم.
ويكفي في الجواز لفرضها امرأة واحدة وسفرها وحدها إن أمنت ونحو من زيادتي (ولو) كان خروج من ذكر (بأجرة) فإنه يشترط في لزوم النسك لها قدرتها على أجرته فيلزمها أجرته إذا لم يخرج إلا بها لانها من أهبة سفرها، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ويلزمها أجرة المحرم (كقائد أعمى)، فإنه يشترط خروجه معه ولو بأجرة.
(و) سادسها (ثبوت على مركوب) ولو في محمل (بلا ضرر شديد) فمن لم يثبت عليه

(1/235)


أصلا أو يثبت بضرر شديد لمرض أو غيره لا يلزمه نسك بنفسه، وتعبيري بمركوب أعم من تعبيره بالراحلة.
(و) سابعها وهو من زيادتي (زمن يسع سيرا معهود لنسك) كما نقله الرافعي عن الائمة وإن اعترضه ابن الصلاح بأنه يشترط لاستقراره لا لوجوبه فقد صوب النووي ما قاله الرافعي، وقال السبكي إن نص الشافعي أيضا يشهد له (ولا يدفع مال المحجور) عليه (بسفه) لتبذيره (بل يصحبه ولي) بنفسه أو نائبه لينفق عليه بالمعروف، والظاهر أن أجرته كأجرة من يخرج مع المرأة (و) النوع الثاني (استطاعة بغيره فتجب إنابة عن ميت) غير مرتد (عليه نسك من تركته) كما يقضى منها دينه فلو لم يكن له تركة سن لوارثه أن يفعله عنه فلو فعله عنه أجنبي جاز ولو بلا إذن كما يقضى ديونه بلا إذن، ذكر ذلك في المجموع (و) عن (معضوب) بضاد معجمة أي عاجز عن النسك بنفسه لكبر أو غيره كمشقة شديدة (بينه وبين مكة مرحلتان) فأكثر إما (بأجرة مثل فضلت عما مر) في النوع الاول (غير مؤنة عياله سفرا)، لانه إذا لم يفارقهم يمكنه تحصيل مؤنتهم فلو امتنع من الانابة أو الاستئجار لم يجبره الحاكم عليه ولا ينيب ولا يستأجر عنه لان مبنى النسك على التراخي ولانه لا حق فيه للغير بخلاف الزكاة وخرج بسفرا مؤنة يوم الاستئجار فيعتبر كونها فضالة عما مر، وقولي بأجرة مثل أي ولو أجرة ماش فيلزمه ذلك بقدرته عليها، إذ لا مشقة عليه في مشي الاجير بخلاف مشي نفسه (أو) بوجود (مطيع لنسك) بعضا كان من أصل أو فرع أو أجنبيا بدأه بذلك أم لا فيجب سؤاله إذا توسم فيه الطاعة (بشرطه) من كونه غير معضوب موثوقا به أدى فرضه وكون بعضه غير ماش ولا معولا على الكسب أو السؤال إلا أن يكسب في يوم كفاية أيام وسفره دون مرحلتين (لا) بوجود (مطيع بمال) للاجرة فلا تجب الانابة به لعظم المنة بخلاف المنة في بذل الطاعة بنسك، بدليل أن الانسان يستنكف عن الاستعانة بمال غيره ولا
يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الاشغال، وقولي بينه وبين مكة مرحلتان مع قولي بشرطه من زيادتي وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره.
باب المواقيت للنسك زمانا ومكانا (زمانيها لحج) أي للاحرام به (من) أول (شوال إلى فجر) عيد

(1/236)


(نحر فلو أحرم) به أو مطلقا (حلال في غيره انعقد) إحرامه بذلك (عمرة) لان الاحرام شديد التعلق واللزوم، فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف إلى ما يقبله وهو العمرة ويسقط بعملها عمرة الاسلام وسواء العالم بالحال والجاهل به.
وخرج بزيادتي حلال ما لو أحرم بذلك محرم بعمرة في غيره فإن إحرامه يلغو إذ لا ينعقد حجا في غير أشهره ولا عمرة لان العمرة لا تدخل على العمر (و) زمانيها (لها) أي للعمرة أي للاحرام بها (الابد) لوروده في أوقات مختلفة في الصحيحين (لا لحاج قبل نفر) لان بقاء حكم الاحرام كبقائه و لامتناع إدخال العمرة على الحج إن كان قبل تحلله ولعجزه عن التشاغل بعملها إن كان بعده وهذا من زيادتي (ومكانيها) أي المواقيت (لها) أي للعمرة (لمن يحرم حل) أي طرفه فيخرج إليه من أي جهة شاء ويحرم بها لخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) أرسل عائشة بعد قضاء الحج إلى التنعيم فاعتمرت منه، والتنعيم أقرب أطراف الحل إلى مكة فلو لم يكن الخروج واجبا لما أمرها به لضيق الوقت برحيل الحاج (وأفضله) أي الحل بقاعه للاحرام بالعمرة (الجعرانة) بإسكان العين وتخفيف الراء على الافصح للاتباع، رواه الشيخان وهي في طريق الطائف على ستة فراسخ من مكة (فالتنعيم) لامره (صلى الله عليه وسلم) عائشة بالاعتمار منه وهو المكان الذي عند المساجد المعروفة بمساجد عائشة بينه وبين مكة فرسخ (فالحديبية) بتخفيف الياء على الافصح بئر بين طريقي جدة والمدينة في منعطف بين جبلين على ستة فراسخ من مكة، وذلك لانه (صلى الله عليه وسلم) بعد إحرامه بالعمرة بذي الحليفة عام الحديبية هم بالدخول إلى مكة من الحديبية فصده المشركون عنها فقدم الشافعي ما فعله ثم ما أمر به ثم ما هم به، فقول الغزالي إنه هم منهم بالاحرام من
الحديبية مردود (فإن لم يخرج) إلى الحل (وأتى بها) أي بالعمرة (أجزأته) عن عمرته إذ لا مانع (وعليه دم) لاساءته بترك الاحرام من الميقات، (فإن خرج إليه (بعد إحرامه فقط) أي من غير شروعه في شئ من أعمالها (فلا دم) عليه لانه قطع المسافة من الميقات محرما وأدى المناسك كلها بعده، فكان كما لو أحرم بها منه.
وتعبيري بذلك أولى من قوله سقط الدم لايهامه أنه وجب ثم سقط وهو وجه مرجوح وقولي فقط من زيادتي (و) مكانيها (لحج) ولو بقران (لمن بمكة) من أهلها وغيرهم (هي) أي مكة (و لنسك) من حج أو عمرة (لمتوجه من المدينة ذو الحليفة) مكان على نحو عشر مراحل من مكة وستة أميال من المدينة، وهو المعروف الآن بأبيار على (ومن الشام) ومصر والمغرب الجحفة) قرية كبيرة بين مكة والمدينة قيل على نحو ثلاث مراحل من مكة.
والمعروف المشاهد ما قاله الرافعي أنها على خمسين فرسخا منها وهي الآن خراب (ومن تهامة اليمن يلملم) ويقال له ألملم جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة (ومن نجد

(1/237)


اليمن والحجاز قرن) بإسكان الراء مكان بينه وبين مكة مرحلتان، (ومن المشرق) العراق وغيره (ذات عرق) على مرحلتين من مكة أيضا، وذلك لخبر الشيخين عن ابن عباس قال وقت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام الجحفة ولاهل نجد قرنا ولاهل اليمن يلملم.
وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، وروى الشافعي في الام عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقت لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وروى أبو داود وغيره بإسناد صحيح كما في المجموع عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وقت لاهل العراق ذات عرق هذا إن لم ينب من ذكر عن غيره وإلا فميقاته ميقات منيبه أو ما قيد به من أبعد كما يعلم من كتاب الوصية، (والافضل لمن فوق ميقات إحرام منه) لا من دويرة أهله (ومن أوله) وهو الطرف الابعد لا من وسطه أو آخره
ليقطع الباقي محرما نعم، يستثنى منه ذو الحليفة فالافضل كما قال السبكي أن يحرم من المسجد الذي أحرم منه النبي (صلى الله عليه وسلم) والتصريح بالتقييد بمن فوق من زيادتي، (و) مكانيها لنسك (لمن لا ميقات بطريقه إن حاذاه) بذال معجمة أي سامته بيمينه أو يساره (محاذته) في بركان أو بحر فإن أشكل عليه ذلك تحرى (أو) حاذى (ميقاتين)، كأن كان طريقه بينهما (محاذاة أقربهما إليه) وإن كان الآخر أبعد إلى مكة إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته، وإن حاذى ميقاتا أبعد فكذا ما هو بقربه فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة وإن حاذى الاقرب إليها أولا، وتعبيري بأقربهما إليه أولى من تعبيره بأحدهما أي إلى مكة لاحتياجه إلى التقييد بما إذا استوت مسافتهما إليه، لانهما إذا تفاوتت أحرم من محاذاة إليه وإن كان أقرب إلى مكة في الاصح (وإلا) أي وإن لم يحاذ ميقاتا (ف) - مكانيها لنسك (مرحلتان من مكة) إذ لا ميقات أقل مسافة من هذا القدر، (و) مكانيها لنسك (لمن دون ميقات لم يجاوزه) حالة كونه (مريد نسك) بأن لم يجاوزه وهو من مسكنه بين مكة والميقات أو جاوزه غير مريد نسك (ثم أراد محله) لقوله في الخبر السابق، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ وظاهر مما مر أن محل ذلك في مريد العمرة إذا لم يكن بالحرم (ومن جاوز ميقاته) سواء أكان ممن دون ميقات أو من غيره، فهو أعم من قوله وإن بلغه (مريد نسك بلا إحرام لزمه عود) إليه أو إلى ميقات مثله مسافة محرما أو ليحرم منه (إلا لعذر) كضيق وقته عن العود إليه أو خوف طريق أو انقطاع عن رفقة أو مرض شاق، فلا يلزمه العود

(1/238)


وتعبيري بذلك أعم من قوله لزمه العود ليحرم منه إلا إذا ضاق الوقت أو كان الطريق مخوفا (فإن لم يعد) إلى ذلك لعذر أو غيره وقد أحرم بعمرة مطلقا أو بحج في تلك السنة (أو عاد) إليه بعد (تلبسه بعمل نسك) ركنا كان كالوقوف أو سنة كطواف القدوم (لزمه مع الاثم) للمجاوزة (دم) لاساءته في الاولى بترك الاحرام من الميقات ولتأدي النسك في الثانية بإحرام ناقص ولا فرق في لزوم الدم للمجاوز بين كونه عالما بالحكم ذاكرا له، وكونه ناسيا أو جاهلا
به فلا إثم على الناسي والجاهل أما إذا عاد إليه قبل تلبسه بما ذكر فلا دم عليه مطلقا ولا إثم بالمجاوزة إن نوى العود.
باب الاحرام أي الدخول في النسك بنيته ولو بلا تلبية (الافضل تعيين) لنسك ليعرف ما دخل فيه (بأن ينوي حجا أو عمرة أو كليهما) فلو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدت واحدة فعلم أنه ينعقد مطلقا بألا يزيد في النية على الاحرام.
روى مسلم عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليفعل ومن أراد بعمرة فليفعل.
وروى الشافعي أنه (صلى الله عليه وسلم) خرج هو وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء أي نزول الوحي، فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا (فإن أطلق) إحرامه (في أشهر حج صرفه بنية لما شاء) من حج وعمرة وكليهما إن صلح الوقت لهما (ثم) بعد النية (أتى بعمله) أي ما شاء، فلا يجزى العمل قبل النية فإن لم يصلح الوقت لهما بأن فات وقت الحج صرفه للعمرة، قاله الروياني، قال في المهمات ولو ضاق فالمتجه وهو مقتضى كلام الرافعي أن له صرفه لما شاء ويكون كمن أحرم بالحج حينئذ أما إذا أطلق في غير أشهر الحج، فينعقد عمرة كما مر فلا يصرفه إلى حج في أشهر (وله أن يحرم كإحرام زيد)، روى البخاري عن أبي موسى أنه (صلى الله عليه وسلم) قال له: بم أهللت فقلت: لبيت بإهلال كإهلال النبي (صلى الله عليه وسلم).
قال: قد أحسنت طف بالبيت سبعا وبالصفا والمروة وأحل.
(فينعقد) إحرامه (مطلقا إن لم يصح إحرام زيد) بأن لم يكن زيد محرما أو كان محرما فاسدا ولغت الاضافة إليه، وإن علم عدم إحرامه بخلاف ما لو قال إن كان زيد محرما فقد أحرمت لا ينعقد لما فيه من تعليق أصل الاحرام (وإلا) بأن صح إحرام زيد ف (- نعقد) إحرامه (كإحرامه) معينا و مطلقا.
ويتخير في المطلق كما يتخير ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرفه

(1/239)


إليه زيد وإن عين زيد قبل إحرامه انعقد إحرامه مطلقا، وتعبيري بالصحة وعدمها أولى مما عبر به (فإن تعذر معرفة إحرامه) بموت أو جنون أو غيره، فتعبيري بذلك أعم من قوله فإن تعذر معرفة إحرامه بموته (نوى قرانا) كما لو شك في إحرام نفسه هل قرن أو أحرم بأحد النسكين، (ثم أتى بعمله) أي القران ليتحقق الخروج عما شرع فيه ولا يبرأ من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج ويمتنع إدخالها عليه، ويغني عن نية القران نية الحج كما في الروضة كأصلها (و) سن (نطق بنية فتلبية) فيقول بقلبه ولسانه نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك إلى آخره.
لخبر مسلم إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج والاهلال رفع الصوت بالتلبية ولا يسن ذكر ما أحرم به في غير التلبية الاولى لان إخفاء العبادة أفضل، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله المحرم ينوي ويلبي (لا في طواف) ولو طواف قدوم (وسعي) بعده أي لا يسن فيهما تلبية لان فيهما أذكارا خاصة وإنما قيد الاصل بطواف القدوم لذكره الخلاف فيه، وذكر السعي من زيادتي.
(و) سن (طهر) أي غسل أو تيمم بشرطه ولو في حيض أو نحوه (لاحرام) للاتباع في الغسل رواه الترمذي وحسنه وقيس بالغسل التيمم هنا وفيما يأتي (ولدخول مكة) ولو حلالا، (وبذي طوى) بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها (لماربها أفضل) من طهره بغيرها للاتباع رواه الشيخان فإن لم يمر بها سن طهره من مثل مسافتها واستثنى الماوردي من خرج من مكة، فأحرم بعمرة من مكان قريب كالتنعيم واغتسل للاحرام فلا يسن له الغسل لقرب عهده به، قال ابن الرفعة ويظهر مثله في الحج وسن الطهر أيضا لدخول المدينة والحرم (ولوقوف بعرفة) عشية (وبمزدلفة غداة نحر ولرمي) أيام (تشريق) لان هذه مواطن يجتمع لها الناس.
فسن الطهر لها قطعا للروائح الكريهة بالغسل الملحق به التيمم وللقربة وخرج برمي التشريق يوم النحر فلا يسن له اكتفاء بطهر العيد، وسن أن يتأهب للاحرام بحلق عانة وتنظيف إبط وقص شارب وتقليم ظفر وينبغي تقديمها على الطهر كما في الميت وذكر التيمم في غير الاحرام من زيادتي.
(و) سن (تطييب بدن ولو بما له جرم) ولو امرأة بعد الطهر (لاحرام) للاتباع روى الشيخان عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لاحرامه قبل أن يحرم
ولحله قبل أن يطوف بالبيت، (وحل) تطيب لاحرام (في ثوب واستدامته) أي الطيب في بدن أو ثوب بعد الاحرام، لما روى الشيخان عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب أي بريقه في مفرق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو محرم.
وخرج باستدامته ما يعلم مما يأتي في باب ما حرم بالاحرام من أنه لو أخذ الطيب من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه أو نزع ثوبه المطيب ثم لبسه لزمته فدية، فلو لم تكن رائحته موجودة في ثوبه فإن كان بحيث لو ألقى عليه ماء ظهرت رائحته امتنع لبسه وإلا فلا.
وذكر حل تطييب الثوب هو ما صححه في الروضة كأصلها ونقل في المجموع الاتفاق عليه ووقع في الاصل تصحيح أنه يسن كالبدن

(1/240)


(وسن خضب يدي امرأة له) أي للاحرام إلى الكوعين بالحناء لانهما قد ينكشفان، ومسح وجهها بشئ منه لانها تؤمر بكشفه فلتستر لون البشرة بلون الحناء أما بعد الاحرام فيكره ذلك لها لانه زينة للمحرم، والقصد أن يكون أشعث أغبر فإن فعلته فلا فدية، وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فلا يسن لهما الخضب بل يحرم (ويجب تجرد رجل له) أي للاحرام (عن محيط) بضم الميم وبحاء مهملة لينتفي عنه لبسه في الاحرام الذي هو محرم عليه كما سيأتي، والتصريح بالوجوب من زيادتي، وبه صرح الرافعي والنووي في مجموعه لكن صرح في مناسكه بسنه واستحسنه السبكي وغيره تبعا للمحب الطبري، واعترضوا الاول بأن سبب الوجوب وهو الاحرام لم يحصل ولا يعصى بالنزع بعد الاحرام وأيد الثاني بشيئين ذكرتهما في شرح الروض مع الجواب عنهما.
وأما الاعتراض فجوابه أن التجرد في الاحرام واجب ولا يتم إلا بالتجرد قبله فوجب كالسعي إلى الجمعة قبل وقتها على بعيد الدار، وقولي محيط أعم من قوله مخيط الثياب لشموله الخف واللبد والمنسوخ (وسن لبسه إزارا أو رداء أبيضين) جديدين وإلا فمغسولين، (ونعلين) لخبر ليحرم أحدكما في إزار ورداء ونعلين رواه أبو عوانة في صحيحه، وخرج بالرجل المرأة والخنثى أذ لا نزع عليهما في غير الوجه.
()
a سن (صلاة ركعتين) في غير وقت الكراهة كما علم من محله
(لاحرام) لكل من الرجل وغيره للاتباع، رواه الشيخان مع خبر البسوا من ثيابكم البياض وتغني عن الركعتين فريضة ونافلة أخرى.
ويسن أن يقرأ في الركعة الاولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الاخلاص وقولي لاحرام من زيادتي، (والافضل أن يحرم) الشخص (إذا توجه لطريقه) راكبا أو ماشيا للاتباع في الاول رواه الشيخان، ولخبر مسلم عن جابر أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أهللنا أن نحرم إذا توجهنا فيه، وفي الثاني نعم لو خطب إمام مكة بها يوم السابع فالافضل له أن يخطب محرما فيتقدم إحرامه سيره بيوم قاله الماوردي، (وسن إكثار تلبية ورفع رجل) صوته (بها) بحيث لا يضر بنفسه (في دوام إحرامه) فيهما للاتباع في الاول رواه مسلم، وللامر به في الثاني رواه الترمذي، وقال حسن صحيح (و) ذلك (عند تغاير أحوال) كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفقة وفراغ صلاة وإقبال ليل أو نهار أو وقت سحر (آكد).
وخرج بدوام إحرامه ابتداؤه فلا يسن الرفع بل يسمع نفسه فقط ونقله في المجموع عن الجويني وأقره، والتقييد بالرجل من زيادتي فلا يسن للمرأة والخنثى رفع صوتهما بأن يسمعا غيرهما بل يكره لهما رفعه وفرق بينه وبين أذانهما حيث حرم فيه ذلك بالاصغاء إلى الاذان واشتغال كل أحد بتلبيته عن سماع تلبية غيره، وظاهر أن التلبية

(1/241)


كغيرها من الاذكار تكره في مواضع النجاسة تنزيها لذكر الله تعالى (ولفظها لبيك اللهم لبيك إلى آخره) أي لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، للاتباع رواه الشيخان وسن تكريرها ثلاثا، ومعنى لبيك أنا مقيم على طاعتك وزاد الازهري إقامة بعد إقامة وإجابة بعد إجابة وهو مثنى أريد به التكثير وسقطت نونه للاضافة، (و) سن (لمن رأى ما يعجبه أو يكرهه) أن يقول (لبيك إن العيش عيش الآخرة) قال (صلى الله عليه وسلم) حين وقف بعرفات ورأى جمع المسلمين رواه الشافعي وغيره عن مجاهد مرسلا، وقاله (صلى الله عليه وسلم) في أشد أحواله في حفر الخندق رواه الشافعي أيضا، ومعناه أن الحياة المطلوبة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة وقولي أو يكرهه من زيادتي، (ثم) بعد فراغه من تلبيته (ويصلي)
ويسلم (على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويسأل الله) تعالى (الجنة ورضوانه ويستعيذ) به (من النار)، للاتباع رواه الشافعي وغيره قال في المجموع وضعفه الجمهور ويكون صوته بذلك أخفض من صوت التلبية بحيث يتميزان.
باب صفة النسك (الافضل) لمحرم بحج ولو قارنا (دخول مكة قبل وقوف) بعرفة اقتداء به (صلى الله عليه وسلم) وبأصحابه ولكثرة ما يحصل له من السنن الآتية (و) الافضل دخولها (من ثنية كداء) وإن لم تكن بطريقه، خلافا لما نقله الرافعي عن الاصحاب واقتضاه كلام الاصل للاتباع، رواه مسلم ولفظه كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من السفلى.
والعليا تسمى ثنية كداء بالفتح والمد والتنوين، والسفلى ثنية كدا بالضم والقصر والتنوين وهي عند جبل قعيقعان، والثنية الطريق الضيق بين الجبلين واختصت العليا بالدخول والسفلى بالخروج لان الداخل يقصد مكانا عالي المقدار والخارج عكسه وقضيته التسوية في ذلك بين المحرم وغيره (وأن يقول عند لقاء الكعبة رافعا يديه واقفا اللهم زد هذا البيت) أي الكعبة (تشريفا إلى آخره)، أي وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمره وتشريفا وتكريما وتعظيما وبرا للاتباع رواه الشافعي والبيهقي، وقال إنه منقطع (اللهم أنت السلام إلى آخره) أي ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، قاله عمر رضي الله عنه، رواه عنه البيهقي قال في المجموع وإسناده، ليس بقوي ومعنى السلام الاول ذو السلامة من النقائص والثاني

(1/242)


والثالث السلامة من الآفات.
وقولي عند لقاء أعم من قوله إذا أبصر، وقولي رافعا يديه واقفا من زيادتي.
(فيدخل) هو أولى من قوله ثم يدخل (المسجد) الحرام (من باب بني شيبة) وإن لم يكن بطريقه للاتباع رواه البيهقي بإسناد صحيح.
ولان باب بني شيبة من جهة الكعبة والحجر الاسود وأن يخرج من باب بني سهم إذا خرج إلى بلده ويسمى اليوم بباب العمرة، (و) أن (يبدأ بطواف قدوم) للاتباع رواها الشيخان، والمعنى فيه أن الطواف تحية فيسن أن
يبدأ به بقيد زدته بقولي (إلا لعذر) كإقامة جماعة وضيق وقت صلاة، وتذكر فائتة فيقدم على الطواف ولو كان في أثنائه لانه يفوت والطواف لا يفوت، ولا يفوت بالجلوس ولا بالتأخير نعم يفوت بالوقوف بعرفة كما يعلم مما يأتي.
وكما يسمى طواف القدوم يسمى طواف القادم وطواف الورود وطواف الوارد وطواف التحية، (ويختص به) أي بطواف القدوم (حلال) هو من زيادتي (وحاج دخل مكة قبل وقوف)، فلا يطلب من الداخل بعده ولا من المعتمر لدخول وقت الطواف المفروض عليهما فلا يصح قبل أدائه أن يتطوعا بطوافه قياسا على أصل النسك، (ومن قصد الحرم) هو أعم من قوله مكة (لا لنسك) بل لنحو زيارة أو تجارة (سن) له (إحرام به) أي بنسك كتحية المسجد لداخله سواء تكرر دخوله كحطاب أم لا كرسول، قال في المجموع ويكره تركه.
فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن (واجبات الطواف) بأنواعه ثمانية أحدها وثانيها (ستر) لعورة (وطهر) عن حدث أصغر وأكبر، وعن نجس كما في الصلاة ولخبر الطواف بالبيت صلاة (فلو زالا) بأن عرى أو أحدث أو تنجس ثوبه أو بدنه أو مطافه بنجس غير معفو عنه (فيه) أي في طوافه، (جدد) الستر والطهر (وبني) على طوافه، وإن تعمد ذلك بخلاف الصلاة إذ يحتمل فيه ما لا يحتمل فيها ككثير الفعل والكلام سواء أطال الفصل أم قصر، لعدم اشتراط الولاء فيه كالوضوء لان كلا منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس بخلاف الصلاة، لكن يسن الاستئناف خروجا من خلاف من أوجبه ومحل اشتراط الستر والطهر مع القدرة.
أما مع العجز ففي المهمات جواز الطواف بدونهما إلا طواف الركن، فالقياس منعه للمتيمم والمتنجس وإنما فعلت الصلاة كذلك لحرمة الوقت وهو مفقود هنا لان الطواف لا آخر لوقته انتهى.
وفي جواز فعله فيما ذكر بدونهما مطلقا نظر،

(1/243)


وقولي فلو زال إلى آخره أولى من قول الاصل فلو أحدث فيه توضأ وبني،
(و) ثالثها (جعله البيت عن يساره) بقيد زدته بقولي (مارا تلقاء وجهه)، فيجب كونه خارجا بكل بدنه عنه حتى عن شاذر وأنه وحجره للاتباع مع خبر مسلم: خذوا عني مناسككم، فلو خالف شيئا من ذلك كأن استقبل البيت أو استدبره أو جعله عن يمينه أو عن يساره، ورجع القهقري نحو الركن اليماني، لم يصح طوافه لمنابذته ما ورد الشرع به والحجر بكسر الحاء.
ويسمى حطيما المحوط بين الركنين الشاميين بجدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة، (و) رابعها (بدؤه بالحجر الاسود محاذيا له أو لجزئه) في مروره (ببدنه) للاتباع.
ويسن كما قال النووي أن يتوجه البيت أول طوافه ويقف على جانب الحجر الذي لجهة الركن اليماني بحيث يصير كل الحجر عن يمينه ومنكبه الايمن عند طرف الحجر ثم يمر متوجها له، فإذا جاوزه انفتل وجعل البيت عن يساره وهذا مستثنى من وجوب جعل البيت عن يساره (فلو بدأ بغيره) كأن بدأ بالباب (لم يحسب) ما طافه فإذا انتهى إليه ابتدأ منه ولو أزيل الحجر والعياذ بالله تعالى وجب محاذاة محله، ويسن حينئذ استلام محله وتقبيله والسجود عليه وقولي أو لجزئه من زيادتي.
(و) خامسها (كونه سبعا) ولو في الاوقات المنهى عن الصلاة فيها ماشيا أو راكبا أو زاحفا بعذر أو غيره، فلو ترك من السبع شيئا وإن قل لم يجزه.
(و) سادسها كونه (في المسجد) وإن وسع أو كان الطواف على السطح ولو مرتفعا عن البيت، أو حال حائل بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري.
(و) سابعها (نيته) أي الطواف (إن استقل) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات.
(و) ثامنها (عدم صرفه) لغيره كطلب غريم كما في الصلاة، فإن صرفه انقطع لا إن نام فيه على هيئة لا تنقض الوضوء وهذا والذي قبله من زيادتي، (وسننه أن يمشي في كله) ولو امرأة إلا لعذر كمرض، للاتباع رواه مسلم.
ولان المشي أشبه بالتواضع والادب ويكره بلا عذر الزحف لا الركوب، لكنه خلاف الاولى كما نقله في المجموع عن الجمهور وفي غيره عن الاصحاب وصححه ونصه في الام على الكراهة يحمل على الكراهة غير الشديدة التي عبر
عنها المتأخرون بخلاف الاولى، (و) أن (يستلم الحجر) الاسود بيده (أول طوافة و) أن (يقبله ويسجد عليه)، للاتباع رواه في الاولين الشيخان وفي الثالث البيهقي وإنما تسن الثلاثة للمرأة إذا خلا المطاف ليلا أو نهارا، وإن خصه ابن الرفعة بالليل والخنثى كالمرأة (فإن عجز) عن الاخيرين أو الاخير (استلم) بلا تقبيل في الاولى وبه في الثانية (بيده) اليمنى فإن عجز فباليسرى

(1/244)


على الاقرب، كما قاله الزركشي.
(ف) - إن عجز عن استلامه بيده استلمه (بنحو عود) كخشبة، وتعبيري بذلك أولى من اقتصاره على استلم.
(ثم قبل) ما استلمه به وهذا من زيادتي.
(ف) - إن عجز عن استلامه بيده وبغيرها (أشار) إليه (بيده) اليمنى (فبما فيها) من زيادتي.
ثم قبل ما أشار به لخبر البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) طاف على بعير فكلما أتى الركن أشار إليه بشئ عنده وكبر، ولا يشير بالفم إلى التقبيل ويسن تثليث ما ذكر من الاستلام وما بعده في كل طوفة وتخفيف القبلة بحيث لا يظهر لها صوت (و) أن (يستلم) الركن (اليماني)، ويقبل يده بعد استلامه بها للاتباع رواه الشيخان فإن عجز عن استلامه أشار إليه فعلم أنه لا يسن استلام غير ما ذكر ولا تقبيل غير الحجر من الاركان فإن خالف لم يكره بل نص الشافعي على أن التقبيل حسن (و) أن (يقول) عند استلامه (أول طوافه باسم الله والله أكبر اللهم) أطوف (إيمانا بك إلى آخره) أي وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) اتباعا للسلف والخلف، (و) أن يقول (قبالة الباب اللهم إن البيت بيتك إلى آخره) أي والحرم حرمك والامن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار، ويشير إلى مقام إبراهيم (وبين اليمانيين ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية) للاتباع رواه أبو داود ووقع في المنهاج كالروضة، اللهم بدل ربنا (و) أن (يدعو بما شاء ومأثوره) أي الدعاء فيه أي منقوله (أفضل فقراءة) فيه (فغير مأثورة)، ويسن له الاسرار بذلك لانه أجمع للخشوع (و) أن (يراعى ذلك) أي الاستلام وما بعده (كل طوفة) اغتناما للثواب، لكنه في الاولى آكد وشمول ذلك لاستلام اليماني وما بعده من زيادتي (و) أن (يرمل ذكر في) الطوفات (الثلاثة الاول من طواف بعده سعي) بقيد زدته بقولي (مطلوب) بأن
يكون بعد طواف قدوم أو ركن، ولم يسع بعد الاول فلو سعى بعده لم يرمل في طواف إفاضه والرمل يسمى خببا (بأن يسرع مشيه مقاربا خطاه)، ويمشي في البقية على هينته للاتباع رواه مسلم، فإن طاف راكبا أو محمولا حرك الدابة ورمل به الحامل ولو ترك الرمل في الثلاثة الاول لا يقضيه في الاربع الباقية لان هيئتها السيكنة فلا تغير (و) أن (يقول فيه) أي في الرمل: (اللهم اجعله) أي ما أنا فيه من العمل (حجا مبرورا) أي لم يخالطه ذنب (إلى آخره) أي وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا للاتباع، ويقول في الاربعة الباقية كما في التنبيه وغيره: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الاعز الاكرم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
قال الاسنوي والمناسب للمعتمر أن يقول عمرة مبرورة، ويحتمل الاطلاق مراعاة للحديث يقصد المعنى اللغوي وهو القصد (و) أن (يضطبع) أي الذكر (في

(1/245)


طواف فيه رمل) للاتباع رواه أبو داود بإسناد صحيح كما في المجموع.
(وفي سعي) قياسا على الطواف بجامع قطع مسافة مأمور بتكريرها سبعا وذلك (بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن وطرفيه على) منكبه (الايسر) كدأب أهل الشطارة والاضطباع مأخوذ من الضبع، بسكون الموحدة وهو العضد وخرج بالطواف والسعى ركعتا الطواف فلا يسن فيهما الاضطباع بل يكره (و) أن (يقرب) الذكر في طوافه (من البيت) تبركا ولانه أيسر في الاستلام والتقبيل نعم إن تأذى أو آذى غيره بنحو زحمة فالبعد أولى، (فلو فات رمل بقرب) لنحو زحمة (وأمن لمس نساء ولم يرج فرجة) يرمل فيها لو انتظر (بعد) للرمل لانه يتعلق بنفس العبادة.
والقرب يتعلق بمكانها فإن خاف لمس نساء، فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل تحرزا عن ملامستهن المؤدية إلى انتقاض الطهر، ولو خاف مع القرب أيضا لمسهن فترك الرمل أولى وإذا تركه سن أن يتحرك في مشيه ويرى أنه لو أمكنه لرمل وكذا في العدو في السعي الآتي بيانه، وإن رجا الفرجة المذكورة سن له انتظارها وخرج بالذكر الانثى والخنثى فلا يسن لهما شئ من الثلاثة المذكورة، بل يسن لهما في الاخيرة حاشية
المطاف بحيث لا يختلطان بالرجال إلا عند خلو المطاف فيسن لهما القرب.
وذكر حكم الخنثى مع قولي ولم يرج فرجة من زيادتي.
(و) أن (يوالي كل) من الذكر وغيره (طوافه) خروجا من الخلاف في وجوبه (و) أن (يصلي بعده ركعتين و) فعلهما (خلف المقام أولى) للاتباع رواه الشيخان وذكر الاولوية من زيادتي.
وكذا قولي (ف) - إن لم يفعلهما خلف المقام فعلهما (في الحجر ففي المسجد ففي الحرم فحيث شاء) متى شاء ولا يفوتان إلا بموته، ويأتي فيهما (بسورتي الكافرون والاخلاص) للاتباع رواه مسلم، ولما في قراءتهما من الاخلاص المناسب لما هنا، لان المشركين كانوا يعبدون الاصنام ثم (و) أن (يجهر) بهما (ليلا) مع ما ألحق به من الفجر إلى طلوع الشمس ويسر فيما

(1/246)


عدا ذلك كالكسوف ويجزئ عن الركعتين فريضة ونافلة أخرى (ولو حمل شخص) حلال أو محرم طاف عن نفسه أو لم يطف (محرما) بقيد زدته بقولي (لم يطف عن نفسه ودخل وقت طوافه وطاف به)، بقيد زدته في الاوليين بقولي (ولم ينوه لنفسه أولهما) بأن نواه للمحمول أو أطلق (وقع) الطواف (للمحمول)، لانه كراكب دابة وعملا بنية الحامل وإنما لم يقع للحامل المحرم إذا دخل وقت طوافه ونوى المحمول لانه صرفه عن نفسه (إلا إن أطلق وكان كالمحمول (في كونه محرما لم يطف عن نفسه ودخل وقت طوافه (ف) - يقع (له) لانه الطائف ولم يصرفه عن نفسه، فإن طاف المحمول عن نفسه أو لم يدخل وقت طوافه لم يقع له إن لم ينوه لنفسه وإلا فكما لو لمن يطف ودخل وقت طوافه وإن نواه الحامل لنفسه أو لهما وقع له وإن نواه محموله لنفسه أو لم يطف عنها عملا بنيته في الجميع، ولانه الطائف ولم يصرفه عن نفسه فيما إذا لم يطف ودخل وقت طوافه وإفادة حكم الاطلاق فيمن لم يطف من زيادتي.
(وسن) لكل بشرطه في الانثى والخنثى (أن يستلم الحجر بعد طوافه وصلاته ثم يخرج من باب الصفا) وهو الباب الذي بين الركنين اليمانيين (للسعي) بين الصفا والمروة، وللاتباع رواه مسلم (وشرطه أن يبدأ بالصفا) بالقصر طرف جبل أبي قبيس (ويختم بالمروة) والتصريح به
من زيادتي، فلو عكس لم تحسب المرة الاولى (و) أن (يسعى سبعا ذهابه من كل) منهما (للآخر في المسعى مرة) للاتباع.
وقال (صلى الله عليه وسلم): ابدأ بما بدأ الله به رواه مسلم، ورواه النسائي بلفظ فابدءوا بما بدأ الله به، (و) أن يسعى (بعد طواف ركن أو قدوم و) أن (لا يتخللهما) أي السعي وطواف القدوم (الوقوف) بعرفة بأن يسعى قبله للاتباع مع خبر خذوا عني

(1/247)


مناسككم، فإن تخللهما الوقوف امتنع السعي إلا بعد طواف الفرض فيمتنع أن يسعى بعد طواف نفل مع إمكانه بعد طواف فرض (ولا تسن إعادة سعي) لانه لم يرد وتعبيري بذلك أولى مما ذكره.
(وسن للذكر أن يرقى على الصفا والمروة قامة) أي قدرها لانه (صلى الله عليه وسلم) رقى على كل منهما حتى رأى البيت، رواه مسلم وخرج بزيادتي الذكر الانثى والخنثى فلا يسن لهما الرقي إلا أن خلا المحل عن الرجال غير المحارم، فيما يظهر كما نبه عليه وعلى الخنثى الاسنوي والواجب على من لم يرق أن يلصق عقبه بأصل ما يذهب منه ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه من الصفا والمروة (و) أن (يقول كل) من الذكر والراقي وغيرهما: (الله أكبر ثلاثا ولله الحمد إلى آخره).
أي الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
(ثم يدعو بما شاء) دينا ودنيا (و) أن (يثلث الذكر والدعاء)، للاتباع في ذلك رواه مسلم بزيادة بعض ألفاظ ونقص بعضها، وتعبيري بكل إلى آخره أعم من قوله فإذا رقي إلى آخره (و) أن (يمشي) على هينته (أول السعي وآخره و) أن (يعدو الذكر) أي يسعى سعيا شديدا (في الوسط) للاتباع في ذلك رواه مسلم، (ومحلهما) أي المشي والعدو (معروف) ثم يمشي حتى يبقى بينه وبين الميل الاخضر المعلق بركن المسجد على يساره قدر ستة أذرع، فيعدو حتى يتوسط بين الميلين الاخضرين اللذين أحدهما في ركن المسجد والآخر متصل بجدار العباس رضي الله عنه، فيمشي حتى ينتهي إلى المروة فإذا عاد منها إلى الصفا مشى في محل مشيه وسعى في محل سعيه أولا وخرج بزيادتي الذكر الانثى والخنثى، فلا يعدوان ويسن أن يقول

(1/248)


كل منهم في سعيه، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الاعز الاكرم، وأن يوالي بين مرات السعي وبينه وبين الطواف ولا يشترط فيه الطهر ولا ستر ويجوز فعله راكبا ويكره للساعي أن يقف في سعيه لحديث أو غيره.
فصل في الوقوف بعرفة مع ما يذكر معه (سن للامام أن يخطب) ولو بنائبه (بمكة سابع) ذي (الحجة) بكسر الحاء أفصح من فتحها المسمى يوم الزينة لتزيينهم فيه هوادجهم (بعد) صلاة (ظهر أو جمعة) إن كان يومها (خطبة) فردة (يأمر) هم (فيها بالغدو) يوم الثامن المسمى يوم التروية لانهم يتروون فيه الماء

(1/249)


(إلى منى).
ويسمى التاسع يوم عرفة والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر لاستقرارهم فيه بمنى والثاني عشر يوم النفر الاول والثالث عشر يوم النفر الثاني، (ويعلمهم) فيها (المناسك) إلى الخطبة الآتية في مسجد إبراهيم ويأمر فيها أيضا المتمتعين والمكيين بطواف الوداع قبل خروجهم وبعد إحرامهم.
وهذا الطواف مسنون، وقولي أو جمعة من زيادتي، (و) أن (يخرج بهم من غد) بقيد زدته بقولي (بعد صبح) أي صلاته نعم إن كان يوم جمعة خرج بهم قبل الفجر إن لزمتهم الجمعة، ولم يمكنهم إقامتها بمنى كما عرف في بابها (إلى منى) فيصلون بها الظهر وما بعدها، للاتباع رواه مسلم، (و) أن (يبيتوا بها و) أن (يقصدوا عرفة إذا أشرقت)، هو أولى من قوله طلعت (الشمس) بقيد زدته بقولي (على ثبير) وهو جبل كبير بمزدلفة على يمين الذاهب إلى عرفة مارين بطريق ضب وهو من مزدلفة (و) أن (يقيموا بقربها بنمرة إلى الزوال).
وقولي (ثم يذهب بهم إلى مسجد إبراهيم) (صلى الله عليه وسلم) من زيادتي، وصدره من عرفة وآخره من عرفة ويميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك (فيخطب) بهم فيه (خطبتين) يبين لهم في أولاهما ما أمامهم من المناسك، إلى خطبة يوم النحر ويحرضهم على إكثار الدعاء
والتهليل في المواقف، ويخففها ويجلس بعد فراغها بقدر سورة الاخلاص ثم يقوم إلى الثانية ويأخذ المؤذن في الاذان ويخففها بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الاذان، (ثم يجمع بهم) بعد الخطبتين (العصرين تقديما) للاتباع، رواه مسلم والتصريح بأنه جمع تقديم من زيادتي، والجمع للسفر لا للنسك، ويقصرهما أيضا المسافر بخلاف المكي

(1/250)


(و) أن (يقفوا بعرفة) إلى الغروب للاتباع رواه مسلم قال في الروضة: وبين هذا المسجد وموقف النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصخرات نحو ميل (و) أن (يكثروا الذكر) من تهليل أو غيره (والدعاء إلى الغروب)، روى الترمذي خبر أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
وزاد البيهقي: اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وذكر الاكثار في الدعاء والذكر غير التهليل من زيادتي، (ثم) بعد الغروب (يقصدوا مزدلفة ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا)، للاتباع رواه الشيخان نعم إن خشى فوت وقت الاختيار للعشاء جمع بهم في الطريق، والجمع للسفر لا للنسك كما مر نظيره.
ويذهبون بسكينة ووقار فمن وجد فرجة أسرع (وواجب الوقوف) بعرفة (حضوره) أي المحرم (وهو أهل للعبادة) ولو نائما أو مارا في طلب آبق أو نحوه (بعرفة) أي بجزء منها (بين زوال وفجر) يوم (نحر)، للاتباع رواه مسلم وفي خبره، وعرفة كلها موقف ولخبر الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة كما في المجموع.
وليلة جمع هي ليلة المزدلفة وخرج بالاهل غيره كمغمى عليه وسكران ومجنون فلا يجزئهم لانهم ليسوا أهلا للعبادة، لكن يقع حجهم نفلا كما صرح به الشيخان في المجنون كحج الصبي غير المميز ولا ينافيه قول الشافعي في المغمى عليه فاته الحج لصحة حمله على فوات الحج الواجب، (ولو فارقها) أي عرفة (قبل غروب ولم يعد) إليها (سن) له (دم) خروجا من خلاف من
أوجبه لا إن عاد إليها ولو ليلا لانه أتى بما يسن له، وهو الجمع بين الليل والنهار في الموقف (ولو وقفوا) اليوم (العاشر غلطا ولم يقلوا) على خلاف العادة في الحج لظنهم أنه التاسع بأن غم عليهم هلال ذي الحجة فأكملوا ذا القعدة ثلاثين، ثم بان أن الهلال أهل ليلة الثلاثين (أجزأهم) وقوفهم سواء أبان لهم ذلك في العاشر أم بعده، فلا قضاء عليهم إذ لو كلفوا به لم يأمنوا وقوع مثل ذلك فيه.
ولان فيه مشقة عامة بخلاف ما إذا قلوا وليس من الغلط المراد لهم ما إذا وقع ذلك بسبب حساب كما ذكره الرافعي، وخرج بالعاشر ما لو وقفوا الحادي عشر أو

(1/251)


الثامن غلطا فلا يجزيهم لندرة الغلط فيهما، ولان تأخير العبادة عن وقتها أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه في الثاني.
فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معهما (يجب) بعد الدفع من عرفة (مبيت) أي مكث (لحظة) ولو بلا نوم (بمزدلفة) للاتباع المعلوم من الاخبار الصحيحة والتصريح بالوجوب وبالاكتفاء بلحظة من زيادتي، فالمعتبر الحصول فيها لحظة (من نصف ثان) من الليل لا لكونه يسمى مبيتا إذ الامر بالمبيت لم يرد هنا بل لانهم لا يصلونها حتى يمضي نحو ربع الليل، ويجوز الدفع منها بعد نصفه وبقية المناسك كثيرة شاقة فسومح في التخفيف لاجلها (فمن لم يكن بها فيه) أي في النصف الثاني بأن لم يبت بها أو بات لكن نفر قبله أي النصف (ولم يعد) إليها (فيه لزمه دم)، كما نص عليه في الام وصححه في الروضة كأصلها لتركه الواجب وإن اقتضى كلام الاصل عدم لزومه نعم إن تركه كأن خاف أو انتهى إلى عرفة ليلة النحر، واشتغل بالوقوف عن المبيت أو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ففاته المبيت لم يلزمه شئ.
(وسن أن يأخذوا منها حصى رمى) يوم (نحر) قال الجمهور ليلا وقال البغوي بعد صلاة الصبح روى البيهقي وغيره بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في المجموع عن
الفضل بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له غداة يوم النحر: التقط لي حصى، قال: فلقطت

(1/252)


له حصيات مثل حصى الخذف.
والتصريح بسن أخذها مع التقييد برمي يوم النحر من زيادتي، فالمأخوذ سبع حصيات لا سبعون (و) أن (يقدم نساء وضعفه بعد نصف) من الليل (إلى منى) (ليرموا قبل الزحمة، ولما في الصحيحين عن عائشة أن سودة أفاضت في النصف الاخير من مزدلفة بإذن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يأمرها بالدم ولا النفر الذين كانوا معها وفيهما عن ابن عباس قال أنا ممن قدم النبي (صلى الله عليه و سلم) ليلة المزدلفة في ضعفة أهله (و) أن (يبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح بغلس (بها للاتباع رواه الشيخان، ويتأكد طلب التغليس هنا على بقية الايام لخبر لشيخين، وليتسع الوقت لما بين أيديهم من أعمال يوم النحر (ثم يقصدوا منى) وشعارهم مع من تقدم من النساء والضعفة التلبية، قال القفال مع التكبير (فإذا بلغوا المشعر الحرام) وهو جبل في آخر مزدلفة يقال له قزح (استقبلوا القبلة لانها أشرف الجهات وهذا من زيادتي، (ووقفوا) عنده (وهو) أي وقوفهم به (أفضل) من وقوفهم بغيره من مزدلفة ومن مرورهم به بلا وقوف وهذا من زيادتي، (وذكروا) الله تعالى (ودعوا إلى إسفار) للاتباع رواه مسلم، وقولي وذكروا من زيادتي كأن يقولوا الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
(ثم يسيروا) بسكينة فإذا وجدوا فرجة أسرعوا وإذا بلغوا وادي محسر أسرع الماشي وحرك الراكب دابته، وذلك قدر رمية حجر حتى يقطعوا عرض الوادي (ويدخلوا منى بعد طلوع شمس فيرمي كل) منهم حينئذ (سبع حصيات إلى جمرة العقبة) للاتباع رواه مسلم، (ويقطع التلبية عند ابتداء نحو رمي) مما له دخل في التحلل لاخذه في أسباب التحلل.
كما أن المعتمر يفعل ذلك عند ابتداء طوافه ونحو من زيادتي (ويكبر) بدل التلبية (مع كل رمية)، للاتباع رواه مسلم، وهذا الرمي تحية منى فلا يبدأ فيها بغيره ويبادر بالرمي كما أفادته إلغاء حتى إن السنة للراكب أن لا ينزل للرمي، والسنة للرامي إلى الجمرة أو يستقبلها
(و) مع (حلق وعقبه) لفعل السلف، وهذا من زيادتي، (ويذبح من معه هدي) تقربا (ويحلق) للآية الآتية، وللاتباع رواه مسلم (أو يقصر) للآية ولانه في معنى الحلق (والحلق أفضل للذكر والتقصير) أفضل (لغيره) من أنثى وخنثى، قال تعالى: (محلقين رؤوسكم ومقصرين) إذ العرب تبدأ بالاهم و الافضل، وروى الشيخان خبر اللهم ارحم المحلقين، فقالوا: يا رسول الله والمقصرين، فقال: اللهم ارحم المحلقين قال في الرابعة والمقصرين.
وروى أبو داود بإسناد حسن كما في المجموع، ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير وفي المجموع عن جماعة يكره للمرأة الحلق ومثلها الخنثى وذكر حكمه من زيادتي.
والمراد من

(1/253)


الحلق والتقصير إزالة الشعر في وقته وهي نسك لا استباحة محظور كما علم من الافضلية هنا ومن عده ركنا فيما يأتي، ويدل له الدعاء لفاعله بالرحمة في الخبر السابق فيثاب عليه (تنبيه) يستثنى من أفضلية الحلق ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه جاء يوم النحر ولو لم يسود رأسه من الشعر فالتقصير له أفضل، (وأقله) أي كل من الحلق والتقصير (ثلاث شعرات)، أي إزالتها (من) شعر (رأس) ولو مسترسلة عنه أو متفرقة لوجوب الفدية على المحرم بإزالتها المحرمة، واكتفاء بمسمى الجمع المأخوذ من قوله تعالى محلقين رؤوسكم أي شعرها وقولي من رأس من زيادتي.
(وسن لمن لا شعر برأسه إمرار موسى عليه) تشبيها بالحالقين، (ويدخل مكة ويطوف للركن)، للاتباع رواه مسلم، وكما يسمى طواف الركن يسمى طواف الافاضة وطواف الزيارة وطواف الفرض وطواف الصدر بفتح الدال، (فيسعى إن لم يكن سعى) بعد طواف القدوم كما مر وسيأتي أن السعي ركن وتعبيري بالفاء أولى من تعبيره بالواو، (فيعود إلى منى) ليبيت بها (وسن ترتيب أعمال) يوم (نحر) بليلته من رمي وذبح وحلق أو تقصير وطواف (كما ذكر) ولا يجب.
روى مسلم أن رجلا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي.
فقال: إرم ولا حرج.
وأتاه آخر فقال: أني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي
فقال: ارم ولا حرج.
وروى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) ما سئل عن شئ في ذلك اليوم قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
(ويدخل وقتها لا الذبح) للهدى تقربا (بنصف ليلة نحر) بقيد زدته بقولي (لمن وقف قبله) روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم كما في المجموع، أنه (صلى الله عليه وسلم) أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، وقيس بذلك الباقي منها (ويبقى وقت الرمي الاختياري إلى آخر يومه) أي النحر، روى البخاري أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) إني رميت بعد ما أمسيت قال: لا حرج والمساء من بعد الزوال.
وخرج بزيادتي الاختياري وقت الجواز فيمتد إلى آخر أيام التشريق كما يعلم مما سيأتي، وقد صرح الرافعي بأن وقت الفضيلة لرمي يوم النحر ينتهي بالزوال فيكون لرميه ثلاثة أوقات: وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز (ولا آخر لوقت الحلق) أو التقصير (والطواف) المتبوع بالسعي إن لم يفعل لان الاصل عدم التأقيت، (وسيأتي وقت الذبح) للهدي تقربا وغيره في باب ما حرم بالاحرام (وحل باثنين من رمي) يوم (نحر وحلق) أو تقصير (وطواف) متبوع بسعي إن لم يفعل

(1/254)


من محرمات الاحرام، (غير نكاح ووطئ ومقدماته) من لبس وحلق أو تقصير وقلم و صيد وطيب ودهن وستر رأس الذكر، ووجه غيره كما سيأتي بخلاف الثلاثة لخبر إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء وروى إذا رميتم وحلقتم، ولخبر الصحيحين لا ينكح المحرم ولا ينكح فتعبيري بذلك أعم من قوله وحل به اللبس و الحلق والقلم، وكذا الصيد (و) حل (بالثالث الباقي) من المحرمات وهو الثلاثة المذكورة ومن فاته الرمي ولزمه بدله من دم أو صوم توقف التحلل على الاتيان ببدله، هذا في تحلل الحج أما العمرة فلها تحلل واحد والحكمة في ذلك أن الحج يطول زمنه وتكثر أفعاله بخلاف العمرة فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في آخر.
فصل
في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق الثلاثة وهي التي عقب يوم العيد وفيما يذكر معه (يجب مبيت بمنى ليالي) أيام (تشريق) للاتباع المعلوم من الاخبار الصحيحة مع خبر خذوا عني مناسككم (معظم ليل) كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيت معظم الليل، وإنما اكتفى بلحظة من نصفه الثاني بمزدلفة كما مر لما تقدم، ثم والتصريح بمبيت الليلة الثالثة وبالوجوب مع قولي معظم ليل من زيادتي.
(و) يجب (رمي كل يوم) من أيام التشريق (بعد الزوال إلى الجمرات) الثلاث وإن كان الرامي فيها والاولى منها تلي مسجد الخيف وهي الكبرى، والثانية الوسطى والثالثة جمرة العقبة وليست من منى بل منى تنتهي إليها، (فإن نفر) ولو انفصل من منى بعد الغروب أو عاد لشغل (في) اليوم (الثاني بعد رميه) وبات الليلتين قبله أو ترك مبيتها لعذر، (جاز وسقط مبيت) الليلة (الثالثة ورمى يومها)، قال تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) ويخطب الامام بمنى بعد صلاة الظهر يوم النحر خطبة يعلمهم فيها رمي أيام التشريق وحكما لمبيت وغيرهما، وثاني أيام التشريق بعد صلاة الظهر خطبة يعلمهم فيها جواز النفر فيه وغير ذلك، ويودعهم (وشرط للرمي) أي لصحته (ترتيب) للجمرات بأن يرمي أولا إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم إلى الوسطى ثم إلى جمرة العقبة، للاتباع رواه البخاري (وكونه سبعا) من المرات لذلك فلو رمى سبع حصيات مرة واحدة أو حصاتين، كذلك إحداهما بيمينه والاخرى بيساره

(1/255)


لم يحسب إلا واحدة، ولو رمى حصاة واحدة سبع مرات كفى ولا يكفي وضع الحصاة في المرمى لانه لا يسمى رميا ولانه خلاف الوارد، (و) كونه (بيد) لانه الوارد وهذا من زيادتي، فلا يكفي الرمي بغيرها كقوس ورجل (و) كونه (بحجر) لذكر الحصى في الاخبار، وهو من الحجر فيجزي بأنواعه ولو مما يتخذ منه الفصوص كياقوت وعقيق وبلور لا غيره كلؤلؤ وإثمد وجص وجوهر منطبع كذهب وفضة وحديد، (وقصد المرمى) من زيادتي، فلو رمى إلى غيره كأن رمى في الهواء فسقط في المرمى لم يحسب (وتحقق إصابته) بالحجر وإن لم يبق فيه كأن تدحرج
وخرج منه فلو شك في إصابته لم يحسب.
(وسن أن يرمي بقدر حصى الخذف) بمعجمتين لخبر مسلم، عليكم بحصى الخذف وهو دون الانملة طولا وعرضا بقدر الباقلا (ومن عجز) عن الرمي لعلة لا يرجى زوالها قبل فوات وقت الرمي (أناب) من يرمى عنه ولا يمنع زوالها بعده من الاعتداد به، ولا يصح رميه عنه إلا بعد رميه عن نفسه وإلا وقع عنها، وظاهر أن ما ذكر من اشتراط كونه سبعا إلى هنا يأتي في رمي يوم النحر (ولو ترك رميا) من رمي يوم النحر أو أيام التشريق عمدا أو سهوا وهذا أعم من قوله وإذا ترك رمي يوم (تداركه في باقي تشريق) أي أيامه ولياليه فهو أعم من تعبيره بباقي الايام (أداء) بالنص في الرعاء وأهل السقاية وبالقياس في غيرهم، وقولي أداء من زيادتي، وإنما وقع أداء لانه لو وقع قضاء لما دخله التدارك كالوقوف بعد فوته ويجب الترتيب بينه وبين رمي ما بعده، فإن خالف في رمي الايام وقع عن المتروك ويجوز رمي المتروك قبل الزوال وليلا كما علم، فقول الاصل أول الفصل ويدخل رمي التشريق بزوال.
الشمس ويخرج بغروبها اقتصار على وقت الاختيار، (وإلا) أي وإن لم يتداركه (لزمه دم ب (- ترك رمي (ثلاث رميات) فأكثر ولو في الايام الاربعة لان الرمي فيها كالشئ الواحد، وإن كان رمى كل يوم عبادة برأسها وفي الرمية الاخيرة من اليوم الاخير مد طعام وفي الاخيرتين منه مدان، وفي ترك مبيت ليالي التشريق كلها دم واحد وفي ليلة مد وفي ليلتين مدان إن لم ينفر قبل الثالثة إلا وجب دم لتركه جنس المبيت هذا كله في غير المعذورين.
أما هم كأهل السقاية ورعاء الابل أو غيرها فلهم ترك المبيت ليالي منى بلا دم، (ويجب على غير نحو حائض) كنفساء (طواف وداع) ويسمى بالصدر أيضا (بفراق مكة) ولو مكيا أو غير حاج ومعتمر، أو فارقها بسفر قصير كما في المجموع للاتباع رواه البخاري ولخبر مسلم، لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أي الطواف بالبيت كما رواه أبو داود، وما ذكرته من وجوب طواف الوداع على غير الحاج والمعتمر هو ما رجحه في الروضة

(1/256)


وأصلها بناء على إنه ليس من المناسك والمعتمد ما بينته في شرح الروض، أنه منها فلا يجب على من ذكر، واعلم أنه لا وداع على من خرج لغير منزله بقصد الرجوع وكان سفره قصيرا لكن خرج للعمرة ولا على محرم خرج إلى منى، وأن الحاج إذا أراد الانصراف من منى فعليه الوداع كما في المجموع، أما نحو الحائض فلا طواف عليها، لخبر الشيخين عن ابن عباس أنه قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض وقيس بها النفساء فلو طهرت قبل مفارقة مكة لزمها العود والطواف أو بعدها فلا ونحو من زيادتي (ويجبر تركه) ممن وجب عليه (بدم) لتركه نسكا واجبا، واستثنى منه البلقيني تبعا للروياني المتحيرة (فإن عاد) بعد فراقه بلا طواف (قبل مسافة قصر وطاف فلا دم) عليه لانه في حكم المقيم وكما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه، وقولي وطاف من زيادتي وقولي فلا دم أولى من قوله سقط الدم، (وإن مكث بعده) أي بعد الطواف ولو ناسيا أو جاهلا بقيد زدته بقولي (لا لصلاة أقيمت أو شغل سفر)، كشراء زاد وشد رحل (أعاد) الطواف، بخلاف ما إذا مكث لشئ من ذلك (وسن شرب ماء زمزم) ولو لغير حاج ومعتمر للاتباع، رواه الشيخان، وأن يتضلع منه وأن يستقبل القبلة عند شربه (وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) ولو لغير حاج ومعتمر، وإن أوهم كلام الاصل فيه وفيما قبله خلافه وذلك لخبر ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي، وخبر لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي، هذا رواهما الشيخان وسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه (صلى الله عليه وسلم)، فإذا رأى حرم المدينة وأشجارها زاد في ذلك وسأل الله أن ينفعه بهذه الزيارة، ويتقبلها منه ويغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه، فإذا دخل المسجد قصد الروضة وهي بين قبره ومنبره كما مر وصلى تحية المسجد بجانب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغها على هذه النعمة، ثم وقف مستدبر القبلة مستقبل رأس القبر الشريف ويبعد منه نحو أربعة أذرع ناظرا لاسفل ما يستقبله فارغ القلب من علق الدنيا، ويسلم بلا رفع صوت
وأقله السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ثم يتأخر قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الاول قبالة وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه ثم يستقبل القبلة ويدعو بما شاء لنفسه وللمسلمين.
وإذا أراد السفر ودع المسجد بركعتين وأتى القبر الشريف وأعاد نحو السلام الاول.

(1/257)


فصل في أركان الحج والعمرة وبيان أوجه أدائهما مع ما يتعلق بذلك: (أركان الحج) ستة (إحرام) به أي نية الدخول فيه لخبر إنما الاعمال بالنيات (ووقوف) بعرفة لخبر الحج عرفة، (وطواف) لقوله تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) (وسعي) لما روى الدارقطني وغيره بإسناد حسن كما في المجموع أنه (صلى الله عليه وسلم) استقبل القبلة في المسعى وقال: يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم.
(وحلق أو تقصير) لتوقف التحلل عليه مع عدم جبره بدم كالطواف، والمراد إزالة الشعر كما مر (وترتيب المعظم) بأن يقدم الاحرام على الجميع والوقوف على طواف الركن والحلق أو التقصير على السعي إن لم يفعل بعد طواف القدوم ودليله الاتباع مع خبر خذوا عني مناسككم وقد عده في الروضة كأصلها ركنا، وفي المجموع شرطا، والاول أنسب بما في الصلاة وقولي أو تقصير إلى آخره من زيادتي.
(ولا تجبر) أي الاركان، أي لا دخل للجبر فيها وتقدم ما يجبر بدم ويسمى بعضا وغيرها يسمى هيئة، (وغير الوقوف) من الستة (أركان للعمرة) لشمول الادلة لها، وظاهر أن الحلق أو التقصير يجب تأخيره فالترتيب فيها مطلق ويؤديان أي الحج والعمرة على ثلاثة أوجه لانه أما أن يحرم بهما معا أو يبدأ بحج أو بعمرة.
قالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة.
رواه الشيخان، أحدها أن يؤديا (بأفراد
بأن يحج ثم يعتمر) بأن يحرم بعد فراغه من الحج بالعمرة ويأتي بعملها، (و) ثانيها (بتمتع بأن يعكس) بأن يعتمر ولو من غير ميقات بلده ثم يحج سواء أحرم بالحج من مكة أم من ميقات أحرم بالعمرة منه أم من مثل مسافته أو من ميقات أقرب منه، وإن أوهم كلام الاصل اشتراط كونه من مكة أو من ميقات عمرته وكون العمرة من ميقات بلده، وسمي الآتي بذلك متمتعا لتمتعه بمحظورات الاحرام بين النسكين أو لتمتعه بسقوط العود للميقات عنه.
(و) ثالثها (بقران بأن بحرم بهما) معا في أشهر حج (أو بعمرة) ولو قبل أشهره (ثم يحج) في أشهره (قبل شروع في طواف ثم يعمل عمله) أي الحج فيهما فيحصلان، أما الاول فلخبر عائشة السابق، وأما الثاني فلما روى مسلم أن عائشة أحرمت بعمرة فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوجدها تبكي فقال: ما شأنك.
قالت: حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت.
فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أهلي بالحج.
ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالبيت وبالصفا

(1/258)


والمروة فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قد حللت من حجك وعمرتك جميعا.
وخرج بزيادتي قبل الشروع ما إذا شرع في الطواف فلا يصح إحرامه بالحج لاتصال إحرام العمرة بمقصوده، وهو أعظم أفعالها فيقع عنها ولا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها.
وتقييد الاصل الاحرام بهما بكونه من الميقات والاحرام بالعمرة بكونه في أشهر الحج اقتصار على الافضل، (ويمتنع عكسه) بأن يحرم بحج ولو في أشهره ثم بعمرة قبل طواف لانه لا يستفيد به شيئا بخلاف إدخال الحج على العمرة، فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت (وأفضلها) أي هذه الاوجه (إفراد)، بقيد زدته بقولي (إن اعتمر عامه) فلو أخرت عنه العمرة كان الافراد مفضولا لان تأخيرها عنه مكروه، (ثم تمتع) أفضل من القرآن في أفضلية ما ذكر منشأ الخلاف اختلاف الرواة في إحرامه (صلى الله عليه وسلم).
روى الشيخان أنه (صلى الله عليه وسلم) أفرد الحج، ورويا أنه أحرم متمتعا ورجح الاول بأن رواته أكثر وبأن جابرا منهم أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك، وبأنه (صلى الله عليه وسلم) اختاره أولا كما بينته مع فوائد في شرح الروض، وأما ترجيح التمتع على
القران فلان أفعال النسكين فيه أكمل منها في القران (وعلى) كل من (المتمتع والقارن دم) قال تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنه (صلى الله عليه وسلم) ذبح عن نسائه البقر يوم النحر قالت: وكن قارنات (إن لم يكونا من حاضري الحرم) لقوله تعالى في المتمتع ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقيس به القارن فلا دم على حاضريه (وهم من) مساكنهم (دون مرحلتين منه)، أي من الحرم لقربهم منه والقريب من الشئ يقال إنه حاضره قال تعالى: (واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) أي قريبة منه، والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتا كما أوضحته في شرح الروض، فمن جاوز الميقات من الآفاقيين ولو غير مريد نسكا ثم بدا له فأحرم بالعمرة قرب دخول مكة أو عقب

(1/259)


دخولها، لزمه دم التمتع لانه ليس من الحاضرين لعدم الاستيطان.
وقول الروضة كأصلها في دون المرحلتين من جاوز الميقات مريد النسك ثم أحرم بعمرة، لا يلزمه دم التمتع محمول على من استوطن، ولا يضر التقييد بالمريد لان غيره مفهوم بالموافقة، ومن إطلاق المسجد الحرام على جميع الحرم كما هنا قوله تعالى: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) وعبر في المحرر بدل الحرم بمكة قال الاسنوي والفتوى على ما فيه فقد نقله صاحب التقريب عن نص الاملاء، ثم قال وأيده الشافعي بأن اعتبار ذلك من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب لاختلاف المواقيت، وعطفت على مدخول إن قولي (واعتمر المتمتع في أشهر حج عامه) فلو وقعت العمرة قبل أشهره أو فيها، والحج في عام قابل فلا دم وكذا لو أحرم بها في غير أشهره وأتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج (ولم يعد لاحرام الحج إلى ميقات)، ولو أقرب لمكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها، فلو عاد إليه وأحرم بالحج فلا دم لانتفاء تمتعه وترفهه وكذا لو أحرم به من مكة أو دخلها القارن قبل يوم عرفة ثم عاد كل منهما إلى ميقات، (ووقت وجوب الدم عليه) أي على المتمتع (إحرامه بالحج)، لانه حينئذ يصير متمتعا
بالعمرة إلى الحج ووقت جواز بعد الفراغ من العمرة وقبل الاحرام بالحج ولا يتأقت ذبحه كسائر دماء الجبرانات بوقت (و) لكن (الافضل ذبحه يوم نحر) للاتباع وخروجا من خلاف من أوجبه فيه (فإن عجز) عنه حسا أو شرعا (بحرم صام) بدله وجوبا (قبل) يوم (نحر) من زيادتي (ثلاثة أيام تسن قبل) يوم (عرفة)، لانه يسن للحاج فطره ولا يجوز صوم شئ منها يوم النحر ولا في أيام التشريق كما مر ذلك في بابه، ولا يجوز تقديمها على الاحرام بالحج لانها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها (وسبعة في وطنه) قال تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وأمر (صلى الله عليه وسلم) بذلك كما رواه الشيخان، فلا يجوز صومها في الطريق فإن توطن مكة مثلا ولو بعد فراغه من الحج، صام بها كما شمله كلامي دون كلامه (ولو فاته الثلاثة) في الحج (لزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة) بقيد زدته بقولي (بقدر تفريق الاداء)، وهو أربعة أيام مع مدة إمكان سيره إلى وطنه على العادة البالغة إن رجع إليه وذلك لانه تفريق واجب في الاداء يتعلق بالفعل وهو النسك والرجوع، فلا يسقط بالفوت كرتيب أفعال الصلاة (وسن تتابع كل) من الثلاثة والسبعة أداء وقضاء مبادرة للعبادة.

(1/260)


باب ما حرم بالاحرام الاصل فيه مع ما يأتي أخبار كخبر الصحيحين عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يلبس المحرم من الثياب فقال: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس.
زاد البخاري: ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين.
وكخبر البيهقي بإسناد صحيح نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن لبس القميص والاقبية والسراويلات والخفين إلا أن لا يجد النعلين (حرم به) أي بالاحرام (على رجل ستر بعض رأسه بما يعد ساترا) من مخيط أو غيره كقلنسوة وخرقة وعصابة وطين ثخين بخلاف ما لا يعد ساترا كاستظلاله بمحمل وإن مسه
وحمله قفة أو عدلا، وانغماسه في ماء وتغطية رأسه بكفه أو كف غيره نعم إن قصد بمحل القفة، ونحوها الستر حرم كما اقتضاه كلام الفوراني وغيره، (ولبس محيط) بضم الميم وبمهملة أي لبسه على ما يعتاد فيه ولو بعضو (بخياطة) كقميص (أو نسج) كزرد، (أو عقد) كجبة لبد (في باقي بدنه ونحوه) كلحيته بأن جعلها في خريطة لما مر بخلاف غير المخيط المذكور كإزار ورداء، ويجوز أن يعقد إزاره ويشد خيطه عليه ليثبت وأن يجعله مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاما، وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره لا خل ردائه بنحو مسلة ولا ربط طرف بآخر بنحو وخيط ولا ربط شرج بعرى، وقولي ونحوه من زيادتي (و) حرم به (على إمرأة) حرة أو غيرها (ستر بعض وجهها) بما يعد ساترا، وعلى الحرة أن تستر منه ما لا يتأتى ستر جميع رأسها إلا به لا يقال لم لا عكس ذلك بأن تكشف من رأسها ما لا يتأتى كشف وجهها إلا به، لانا نقول الستر أحوط من الكشف (و لبس قفاز) وهو ما يعمل لليد ويخشى بقطن ويزر على الساعد لقيها البرد، فلها لبس المخيط في الرأس وغيره وأن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة أو نحوها، فإن وقعت فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ورفعته حالا فلا فدية، أو عمدا أو استدامه وجبت وليس للخنثى ستر الوجه مع الرأس أو بدونه، ولا كشفهما فلو سترهما لزمته الفدية لستره ما ليس له ستره لا إن ستر الوجه أو كشفهما، وإن أثم فيهما وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح الروض وعلى الولي منع الصبي من محرمات الاحرام، وإذا وجبت فدية فهي على الولي نعم إن طيبه أجنبي فعليه (إلا لحاجة) فلا يحرم على من ذكر ستر أو لبس ما منع منه لعدم وجدان غيره أو

(1/261)


لمداواة أو حر أو برد، ونحوها نعم لا يلبس القميص لفقد الرداء بل يرتدي به وتجب بما ذكر الفدية كما تجب به بلا حاجة نعم لا تجب فيما إذا لبس الرجل من المحيط لعدم وجدان غير سراويل لا يتأتى إلا تزار به، أو خفين قطعا من أسفل الكعبين، وقولي إلا لحاجة أعم من قوله إلا إذا لم يجد غيره في لبس غير القفاز، ومن زيادتي في لبسه
(و) حرم به (على كل) من الرجل وغيره (تطييب) منه (لبدنه) ولو باطنا بنحو أكل (أو ملبوسه) ولو نعلا وهو أعم من قوله أو ثوبه (بما تقصد رائحته) الطيبة، ولو مع غيرها كمسك وعود وكافور لما مر أول الباب ففيه فدية، وقولي بما إلى آخره من زيادتي، وخرج بتطييبه تطييب غيره له بغير إذنه وقدرته على دفعه وما لو ألقت عليه الريح طيبا وشم ماء الورد وحمل الطيب في كيس مربوط، وبما يعده ما لا تقصد رائحته وإن كانت طيبة كقر نفل وأترج وشيح وعصفر، فلا يحرم عليه شئ من ذلك فلا فدية فيه لكن تلزمه المبادرة إلى إزالته، في صورتي تطييب غيره وإلقاء الريح عند زوال عذره فإن أخر وجبت الفدية، ويعتر مع ما ذكر عقل إلا السكران واختيار وعلم بالتحريم والاحرام كما تعتبر الثلاثة في سائر محرمات الاحرام ويعتبر مع العلم بالتحريم والاحرام هنا العلم بأن الممسوس طيب يعلق (ولا يكره غسله) أي كل من بدنه أو ملبوسه (بنحو خطمى) كسدر، فلا يحرم وإنما يسن تركه لانه لازالة الاوساخ لا للتزيين، والتنمية ونحو من زيادتي، (و) حرم به على كل (دهن شعر رأسه أو لحيته) بدهن ولو غير مطيب كزيت وسمن ودهن لوز لما فيه من التزين لما في الخبر المحرم أشعث أغبر أي شأنه المأمور به ذلك ففي ذلك الفدية، والظاهر كما قال المحب الطبري التحريم في بقية شعور الوجه كحاجب وشارب وعنفقة.
وخرج بما ذكر سائر البدن ورأس أقرع وأصلع وذقن أمرد، فلا يحرم دهنها بما لا طيب فيه لانه لا يقصد به تزيينها بخلاف الرأس المحلوق يحرم دهنه بذلك لتأثيره في تحسين شعره الذي ينبت بعده (و) حرم به على كل (إزالة شعره) من رأسه وغيره (أو ظفره) من يد أو رجل قال تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقيس بما في الآية الباقي بجامع الترفه والمراد من ذلك الجنس الصادق بالواحدة فأكثر وببعضها (إلا لعذر) بكثرة قمل أو بتداو لجراحة أو بتأذ كأن تأذى بشعر نبت بعينه أو غطاها أو بكسر ظفره، فلا تحرم الازالة بل ولا تلزمه الفدية في التأذي بما ذكر كما لا تلزم المغمى عليه والمجنون والصبي غير المميز، (وفي) إزالة (شعرة) واحدة (أو ظفر) واحد أو بعض شئ منهما (مد) من طعام (و) في
(إثنين) من كل منهما (مدان) لعسر تبعيض الدم، فعدل إلى الطعام لان الشرع عدل الحيوان به في جزاء الصيد وغيره والشعرة الواحدة بل بعضها هي النهاية في القلة، والمد أقل ما وجب في

(1/262)


الكفارات فقوبلت به وذكر حكم الظفر في هذه وفي العذر من زيادتي هذا (إن اختار دما) فإن اختار الطعام ففي واحد منهما صاع وفي إثنين صاعان أو الصوم ففي واحد صوم يوم وفي إثنين صوم يومين، والتقييد بهذا من زيادتي، (وفي) إزالة (ثلاثة) فأكثر من كل منهما ولو بعذر (ولاء) من زيادتي بأن يتحد المكان والزمان عرفا (فدية) أما في الحلق بعذر فلآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه أي فحلق شعر رأسه ففدية، وأما بغيره فبالاولى وقيس بالحلق غيره وسيأتي أن هذه الفدية مخيرة والشعر يصدق بالثلاث وقيس بها الاظفار، ولا يعتبر جميعه بالاجماع ولو حلق شعر رأسه ولو مع شعر باقي بدنه ولاء لزمه فدية واحدة لانه يعد فعلا واحدا والفدية على المحلوق ولو بلا إذن منه إن أطاق الامتناع منه لتفريطه فيما عليه حفظه، ولاضافة الفعل إليه فيما إذا أذن للحالق أو سكت بدليل الحنث به ولانهما وإن اشتركا في الحرمة في هذه فقد انفرد المحلوق بالترفة.
ولا يشكل هذا بقولهم المباشر مقدم على الآمر لان ذاك محله إذا لم يعد نفعه على الآمر بخلاف ما إذا عاد، كما لو غصب شاة وأمر قصابا بذبحها لم يضمنها إلا الغاصب، (و) حرم به على كل (وطئ) بشروطه التي أشرت إليها فيما مر، قال تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي فلا ترفثوا ولا تفسقوا والرفث مفسر بالجماع (ومقدماته بشهوة) كما في الاعتكاف وهذا من زيادتي، وعليه دم لكنه يسقط عنه إن جامع عقبه لدخوله في بدنة الجماع، وكالمقدمات استمناؤه بعضوه كيده لكن إنما يلزمه الدم إن أنزل (ويفسد به) أي بالوطئ المذكور من غير الخنثى (حج) للنهي عنه في الآية والاصل في النهي اقتضاء الفساد (قبل التحللين) لا بينهما كسائر المحرمات (و) تفسد به (عمرة) بقيد زدته بقولي (مفردة) كالحج وغير المفردة تابعة للحج صحة وفسادا، (وتجب به) أي بالوطئ المفسد (بدنة)
بصفة الاضحية وإن كان النسك نفلا (على الرجل) روى ذلك مالك في الموطأ عن جمع من الصحابة ولا مخالف لهم والبدنة المرادة الواحدة من الابل ذكرا كان أو أنثى، فإن عجز فبقرة فإن عجز فسبع شياه، ثم يقوم البدنة ويتصدق بقيمتها طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما وخرج بزيادتي على الرجل والمرأة، فلا شئ عليهما غير الاثم (و) يجب به (مضى في فاسدهما) أي الحج والعمرة لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وغير النسك من العبادات لا يتم فاسده للخروج منه بالفساد (و) يجب عليه (إعادة فورا) وإن كان نسكه نفلا لانه وإن كان وقته موسعا تضيق عليه بالشروع فيه، والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا أي واجب الاتمام كالفرض بخلاف غيره

(1/263)


من النفل، فإن كان الفاسد عمرة فإعادتها فورا ظاهر أو حجا فيتصور في سنة الفساد بأن يحصر بعد الجماع أو قبله، ويتعذر المضي فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باق فإن لم يحصر أعاد من قابل وعبر الاصل وغيره هنا، وفيما يأتي بالقضاء وهو محمول على معناه اللغوي لانه وقع في وقته كالصلاة إذا فسدت وأعيدت في وقتها وتقع الاعادة عن الفاسد ويتأدي بها ما كان يتأدى بالاداء لولا الفساد من فرض الاسلام أو غيره، ولو أفسدها بوطئ لزمه بدنه إيضا لا إعادة عنها بل عن الاصل ويلزمه أن يحرم في الاعادة مما أحرم منه في الاداء من ميقات أو قبله، فإن كان جاوز الميقات ولو غير مريد للنسك لزمه في الاعادة الاحرام منه، نعم إن كان سلك فيها غير طريق الاداء أحرم من قدر مسافة الاحرام في الاداء إن لم يكن جاوز فيه الميقات غير محرم وإلا أحرم من قدر مسافة الميقات، ولا يلزمه أن يحرم في مثل الزمن الذي أحرم فيه بالاداء (و) حرم به (تعرض) ولو بوضع يد بشراء أو وديعة أو غيرهما (ل) - كل صيد (مأكول برى وحشي)، قال تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما أي أخذه مستأنسا كان أو لا مملوكا أو لا بخلاف غير المأكول، وإن كان بريا وحشيا فلا يحرم التعرض
له بل منه ما فيه أذى كنمر ونسر فيسن قتله ومنه ما فيه نفع وضرر كفهد وصقر، فلا يسن قتله لنفعه ولا يكره قتله لضره ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان ورخمة فيكره قتله، وبخلاف البحري وإن كان البحر في الحرم وهو ما لا يعيش إلا في البحر وما يعيش فيه وفي البر كالبري، وبخلاف الانسي وإن توحش لان الاصل حله ولا معارض (و) لكل (متولد منه) أي من المأكول المذكور (ومن غيره) احتياطا ويصدق غيره عقلا بغير المأكول من بحري أو بري وحشي أو إنسى، وبالمأكول من بحري أو إنسي كمتولد من ضبع وضفدع أو ذئب أو حمار إنسي، وكمتولد من ضبع وحوت أو شاة بخلاف المتولد من حمار وفرس أهليين ومن ذئب وشاة ونحو ذلك لا يحرم التعرض له (كحلال) ولو كافرا تعرض لذلك، وهما أو أحدهما أو الآلة كلا أو بعضا (بحرم) فإنه يحرم لخبر الصحيحين، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرام بحرمة الله تعالى لا يعضد شجره ولا ينفر صيده.
وقيس بمكة باقي الحرم نعم لا يحرم عليه فيه التعرض لصيد مملوك لانه صيد حل وتعبير بالتعرض له الشامل للتعرض لجزئه كشعره وبيضه، أي غير مذر ولو بإعانته غيره، أعم من تعبيري باصطياده وأما المذر فلا يحرم التعرض له ولا يضمن إلا أن يكون بيض نعام (فإن تلف) ما تعرض له من ذلك (ضمنه) بما يأتي.
قال تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقيس بالمحرم الحلال المذكور بجامع حرمة التعرض وتعبيري بالتلف أعم من تعبيره بالاتلاف، فيضمن كل من

(1/264)


المحرم والحلال في غير ما استثنى فيه ما تلف في يده ولو وديعة كالغاصب لحرمة إمساكه، ولو أحرم من في ملكه صيد زال ملكه عنه ولزمه إرساله وإن تحلل ولا يمكن المحرم من صيده ويلزمه إرساله وما أخذه من الصيد بشراء لا يملكه لعدم صحة شرائه ويلزمه رده إلى مالكه، ويقاس بالمحرم الحلال المذكور في عدم ملكه ما يصيده ثم لا فرق في الضمان بين العامل والخاطئ والجاهل والناسى للاحرام والمتعمد في الآية خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم
له نعم لو صال عليه صيد فقتله أو جن فقتل صيدا أو عم الجراد الطريق ولم يجد بدا من وطئه فوطئه، فمات أو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم أو خلص صيدا من فم سبع مثلا وأخذه ليداويه أو يتعهده فمات في يده فلا ضمان، ثم الصيد ضربان ماله مثل في الصورة تقريبا فيضمن به وما لا مثل له فيضمن بالقيمة إن لم يكن فيه نقل.
ومن الاول ما فيه نقل بعضه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعضه عن السلف كما بينته في شرح الروض فيتبع، (ففي نعامة) ذكر وأنثى (بدنة) كذلك لا بقرة ولا شياه (و) في (واحد من بقر وحش وحماره بقرة و) في (ظبي تيس) هذا من زيادتي، (و) في (ظبية عنز) وهي أنثى المعز التي تم لها سنة (و) في (غزال معز صغير)، ففي الذكر جدي وفي الانثى عناق وقولي وظبية إلى آخره أولى من قوله وفي الغزال عنز، لان الغزال ولد الظبية إلى طلوع قرنيه ثم هو بعد ذلك ظبي أو ظبية، (و) في (أرنب) ذكر أو أنثى (عناق) وهي أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، ذكره النووي في تحريره وغيره (و) في (يربوع) وسيأتي تفسيره وتفسير الارنب في الاطعمة (ووبر) باسكان الباء أي في كل منهما (جفرة) وهي أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والذكر جفر سمي به لانه جفر جنباه أي عظما لكن يجب كما قاله الشيخان أن يكون المراد بالجفرة هنا ما دون العناق، إذ الارنب خير من اليربوع وذكر الوبر من زيادتي، وهو جمع وبرة وهي دويبة أصغر من السنور كحلاء اللون لا ذنب لها، ذكره الجوهري (و) في (حمام) وهو ماعب وهدر كيمام (شاة) بحكم الصحابة وهذا من زيادتي، (وما لا نقل فيه) من الصيد (يحكم بمثله) من النعم (عدلان)، قال تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم) ويعتبر كما في الروضة كأصلها كونهما فقيهين فطنين واعتبار ذلك على سبيل الوجوب لكن الفقه محمول على الفقه الخاص بما يحكم به هنا وما في المجموع من أن الفقه مستحب محمول على زيادته ويجزي فداء الذكر بالانثى وعكسه والمعيب بالمعيب إن اتحد جنس العيب (كقيمة ما لا مثل له منه) أي مما لا نقل فيه كجراد وعصافير، فإنه يحكم به عدلان عملا بالاصل في المتقومات، وقد حكمت الصحابة بها في الجراد وكلام الاصل لا
يفيد هذا إلا بعناية وخرج بزيادتي منه ما لا مثل له مما فيه نقل كالحمام فيتبع فيه النقل كما مر

(1/265)


(وحرم) ولو على حلال (تعرض) بقطع أو قلع (لنا بت حرمى مما لا يستنبت) بالبناء للمفعول أي لا يستنبته الناس بأن ينبت بنفسه (ومن شجر)، وإن استنبت لقوله في الخبر السابق ولا يعضد شجره أي لا يقطع ولا يختلى خلاه وهو بالقصر الحشيش الرطب أي لا ينزع بقلع ولا قطع، وقيس بما ذكر في الخبر غيره مما ذكر وخرج بالنابت اليابس فيجوز التعرض له نعم الحشيش منه يحرم قلعه إن لم يمت لا قطعه وبالحرمى ثابت الحل فيجوز التعرض له ولو بعد غرسه في الحرم بخلاف عكسه عملا بالاصل فيهما، وبما لا يستنبت من غير الشجر ما يستنبت منه كبر وشعير فلمالكه التعرض له وقولي ومن شجر أولى من قوله والمستنبت كيغره (لا أخذه) أي النابت المذكور قطعا أو قلعا (ل) - علف (بهائم و) لا (لدواء) فلا يحرم للحاجة إليه كالاذخر الآتي بيانه، وفي معنى الدواء ما يتغذى به كرجلة وبقلة ويمتنع أخذه لبيعه ولو لمن يعلف به دوابه (ولا أخذ إذخر) بذال معجمة لما في الخبر السابق قال العباس: يا رسول الله إلا الاذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال (صلى الله عليه وسلم): إلا الاذخر.
ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقفونها به فوق الخشب والقين الحداد (و) لا أخذ (مؤذ) كشجر ذي شوك ويجوز أخذ ورق الشجر بلا خبط وأخذ ثمره وعود سمواك ونحوه، وتعبيري بالمؤذي أولى من تعبيره بالشوك، (ويضمن) أي النابت المذكور (به) أي بالتعرض له قياسا على الصيد بجامع المنع من الاتلاف لحرمة الحرم، (ففي شجرة كبيرة) عرفا (بقرة و) في (ما قاربت سبعها شاة) رواه الشافعي عن ابن الزبير ومثله لا يقال إلا بتوقيف ولان الشاة من البقرة سبعها سواء أخلفت الشجرة أم لا بخلاف نظيره في الحشيش كما يأتي، قال في الروضة كأصلها والبدنة في معنى البقرة ثم إن شاء ذبح ذلك وتصدق به على مساكين الحرم أو أعطاهم بقيمته طعاما أو صام لكل مد يوما.
وقولي وما قاربت سبعها أولى من قوله والصغيرة، فإنها لو صغرت جدا فالواجب
القيمة كما في الحشيش الرطب إن لم يخلف وإلا فلا ضمان كما في سن غير المثغور (وحرم المدينة ووج) بالرفع وهو من زيادتي، واد بالطائف (كحرم مكة في حرمة) التعرض لصيدهما ونابتهما.
روى الشيخان خبر إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها لا يقطع شجرها زاد مسلم ولا يصاد صيدها وفي خبر أبي داود بإسناد صحيح لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، وروى أبو داود والترمذي خبر ألا إن صيدوج وعضاهه حرام محرم واللابتان الحرتان تثنية لابة وهي أرض ذات حجارة سود وهما شرقي المدينة وغربيها فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها عير وثور طولا (فقط) أي دون ضمانهما لان محلهما ليس محلا للنسك، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وصيد المدينة حرام ولا يضمن (وفي) جزاء صيد (مثلي ذبح مثله وتصدق به على مساكين الحرم) الشاملين لفقرائه

(1/266)


لان كلا منهما يشمل الآخر عند الانفراد وذلك بأن يفرق لحمه وما يتبعه عليهم أو يملكهم جملته مذبوحا (أو إعطاؤهم بقيمته) أي بقدر قيمة مثله (طعاما) يجزئ في الفطرة، وهذا أعم من قوله يقوم المثل دراهم ويشتري بها طعاما لهم، (أو صوم) حيث كان (لكل مد يوما) قال تعالى: (هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) ولم يعتبروا في الصوم كونه في الحرم لانه لا غرض للمساكين فيه، لكنه في الحرم أولى لشرفه، (و) في جزاء صيد (غير مثلي) مما لا نقل فيه (تصدق) عليهم (بقيمته) أي بقدرها (طعاما أو صوم) لكل مد يوما كالمثلى، أما ما فيه نقل فظاهر أنه كالمثلى كما أن المثلى قد يكون كغير المثلى كالحامل فإنها تضمن بحامل ولا تذبح بل تقوم، (فإن انكسر مد) في القسمين (صام يوما) لان الصوم لا يتبعض وهذا من زيادتي والعبرة في قيمة غير المثلى بمحل الاتلاف وزمانه قياسا على كل متلف متقوم، وفي قيمة مثل المثلى بمكة زمن إرادة تقويمه لانها محل ذبحه لو أريد، قال في الروضة كأصلها وهل يعتبر في العدول إلى الطعام سعره بمحل الاتلاف أو بمكة احتمالان للامام، والظاهر منهما الثاني
(وفي فدية) ارتكاب (ما يحرم) ويضمن أي ما من شأنه ذلك (غير مفسد وصيد ونابت) كحلق وقلم وتطيب وجماع ثان، أو بين التحللين (ذبح) لما يجزئ أضحية ويفعل فيه ما مر، وإطلاقي للذبح أولى من تقييده له بشاة (أو تصدق بثلاثة آصع) بالمد جمع صاع (لستة مساكين)، لكل مسكين نصف صاع وأصل آصع أصوع أبدل من واوه همزة مضمومة وقدمت على الصاد ونقلت ضمتها إليها وقلبت هي ألفا، (أو صوم ثلاثة أيام) قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) فحلق (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وروى الشيخان أنه (صلى الله عليه و سلم) قال لكعب بن عجرة: أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال: نعم قال: أنسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين، والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع، وقيس بالحلق وبالمعذور غيرهما، وتعبيري بما يحرم أعم من تعبيره بالحلق وخرج بزيادتي غير مفسد وصيد ونابت الثلاثة وتقدم حكمها.
و الحاصل أن دم المفسد كدم الاحصار دم ترتيب وتعديل بمعنى أن الشارع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، وأن دم الصيد والنابت دم تخيير وتعديل وأن دم ما نحن فيه دم تخيير وتقدير بمعنى أن الشارع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص، (ودم ترك مأمور) كإحرام من الميقات ومبيت بمزدلفة ليلة النحر (كدم تمتع) في أنه إن عجز عنه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لاشتراك موجبيهما في ترك مأمور، إذ الموجب لدم التمتع ترك الاحرام من الميقات كما مر وهذا هو الاصح في الروضة كأصلها وغيره تبعا للاكثرين، فهو دم ترتيب وتقدير وما في الاصل من أنه إذا عجز تصدق بقيمة الشاة

(1/267)


طعاما فإن عجز صام لكل مد يوما ضعيف، والدم عليه دم ترتيب وتعديل (وكذا) أي وكدم التمتع (دم فوات) للحج وسيأتي في الباب الآتي وجوبه مع الاعادة، (ويذبحه في حجة الاعادة) لا في عام الفوات كما أمر بذلك عمر رضي الله عنه رواه مالك و سيأتي بطوله في الباب الآتي، (ودم الجبران لا يختص) ذبحه (بزمن) لان الاصل عدم التخصيص ولم يرد ما يخالفه
لكنه يسن أيام التضحية وينبغي كما قال السبكي وغيره وجوب المبادرة إليه إذا حرم السبب كما في الكفارة، فيحمل ما أطلقوه هنا على الاجزاء.
أما الجواز فأحالوه على ما قرروه في الكفارة، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب، لشموله دم التمتع والقران وغيرهما كالحلق بعذر وترك الجمع بين الليل والنهار في الموقف، (و يختص) ذبحه (بالحرم) حيث لا حصر قال تعالى هديا بالغ الكعبة، فلو ذبح خارجه لم يعتد به (و) يختص (صرفه كبدله) من طعام (بمساكينه) أي الحرم القاطنين والطارئين والصرف إلى القاطنين أفضل، وقولي وصرفه أعم من قوله و صرف لحمه، وقولي كبد له من زيادتي، وتجب النية عند الصرف ذكره في الروضة عن الروياني (وأفضل بقعة) من الحرم (لذبح معتمر) بقيد زدته بقولي (غير قارن) بأن كان مفردا أو مريد تمتع (المروة و) لذبح (حاج) بأن كان مريد إفراد أو قارنا أو متمتعا ولو عن دم تمتعه (منى)، لانهما محل تحللهما (وكذا الهدي) أي حكم الهدي الذي ساقه المعتمر المذكور والحاج تقربا (مكانا) في الاختصاص والافضلية، (ووقته) أي ذبح هذا الهدى (وقت أضحية) ما لم يعين غيره قياسا عليها فلو أخر ذبحه عن أيام التشريق فإن كان واجبا ذبحه قضاء وإلا فقد فات، فإن ذبحه كانت شاة لحم ومعلوم أن الواجب يجب صرفه إلى مساكين الحرم وأنه لا بد في وقوع النفل موقعه من صرفه إليهم أما هدي الجبران فلا يختص بزمن كما مر وكذا إذا عين لهدي التقرب غير وقت الاضحية.
باب الاحصار يقال حصره وأحصره لكن الاشهر الاول في حصر العدو والثاني في حصر المرض ونحوه، (والفوات) للحج وما يذكر معهما وفوات الحج بفوات وقوف عرفة (لمحصر) عن إتمام أركان حج أو عمرة بأن منعه عنه عدو مسلم أو كافر من جميع

(1/268)


الطرق (تحلل) بما يأتي، قال تعالى: (فإن أحصر تم) أي وأردتم التحلل (فما استيسر من
الهدى) وفي الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) تحلل بالحديبية لما صده المشركون وكان محرما بالعمرة فنحر، ثم حلق وقال لاصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا وسواء أحصر الكل أم البعض منع من الرجوع أيضا أم لا، ثم إن كان الوقت واسعا فالافضل تأخير التحلل وإلا بأن كان في حج فالافضل تعجيله، نعم قال الماوردي إن تيقن زوال الحصر في الحج في مدة يمكن إدراكه بعدها أو في العمرة في مدة ثلاثة أيام، امتنع التحلل ولو تمكن من المضي بقتال أو بذل مال لم يلزمه ذلك وإن قل، إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء النسك (كنحو مريض) من فاقد نفقة وضال طريق ونحوهما.
إن (شرطه) أي التحلل بالعذر في إحرامه أي أنه يتحلل إذا مرض مثلا فله التحلل بسببه لما روى الشيخان عن عائشة قالت: دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ضباعة بنت الزبير فقال لها: أردت الحج ؟ فقالت: والله ما أجدني إلا وجعة فقال: حجي واشترطي وقولي أللهم محلي حيث حبستني.
وقيس بالحج العمرة ولو قال إذا مرضت فأنا حلال صار حلالا بنفس المرض من غير تحلل، فإن لم يشرطه فليس له تحلل بسبب ذلك لانه لا يفيد زوال العذر بخلاف التحلل بالاحصار، بل يصبر حتى يزول عذره فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة ونحو من زيادتي، ويحصل التحلل لمن ذكر ولم يمكنه عمل عمرة (بذبح) لما يجزئ أضحية (حيث عذر) بإحصار أو نحو مرض (فحلق) لما مر مع آية ولا تحلقوا رؤوسكم (بنيته) أي التحلل (فيهما) لاحتمالهما لغير التحلل (وبشرط ذبح من نحو مريض)، فإن لم يشرطه تحلل بالنية والحلق فقط فإن أمكنه الوقوف أتى به قبل التحلل بذلك وذكر الترتيب بين الذبح والحلق مع قرن النية بهما ومع ذكر ما يتحلل به نحو المريض ومحل تحلله من زيادتي، وإطلاقي للذبح أولى من تقييده له بشاة وما لزم المعذور من الدماء أو ساقه من الهدايا يذبحه حيث عذر أيضا، (فإن عجز) عن الدم (فطعام) يجب حيث عذر (بقيمته) للدم مع الحلق والنية (فإن) عجز وجب (صوم) حيث شاء (لكل مد يوما) مع ذينك كما في الدم الواجب بالافساد (وله) إذا انتقل إلى الصوم (تحلل حالا) بحلق بنية التحلل فيه فلا يتوقف التحلل على الصوم كما يتوقف على الاطعام لطول زمنه
فتعظم المشقة في الصبر على الاحرام إلى فراغه (ولو أحرم رقيق) ولو مكاتبا (أو زوجة بلا إذن) فيما أحرم به (فلمالك أمره) من سيد أو زوج (تحليله) بأن يأمره بالتحلل لان تقريرهما على إحرامهما يعطل عليه منافعهما التي يستحقها فلهما التحلل حينئذ فيحلق الرقيق وينوي التحلل وتتحلل الزوجة الحرة بما يتحلل به المحصر فعلم أن احرامهما بغير إذنه صحيح فإن لم يتحلالا فله استيفاء منفعته منهما والاثم عليهما وإن أحرما بإذنه فليس له تحليلهما وسواء في ذلك الحج والعمرة وإن فرضه الاصل في

(1/269)


الحج في إحرام الزوجة ولو أذن لهما في العمرة فحجا فله تحليلهما بخلاف عكسه وليس له تحليل رجعية ولا بائن بل له حبسهما للعدة والمبعض كالرقيق إلا أن تكون مهايأة ويقع نسكه نوبته فليس للسيد تحليله فإطلاقهم أنه كالرقيق جرى على الغالب (ولا إعادة على محصر) تحلل لعدم وروده، ولان الفوات نشأ عن الاحصار الذي لا صنع له فيه، نعم إن سلك طريقا آخر مساويا للاول أو صابر إحرامه، غير متوقع زوال الاحصار ففاته الوقوف فعليه الاعادة (فإن كان) نسكه (فرضا ففي ذمته إن استقر) عليه كحجة الاسلام بعد السنة الاولى من سني الامكان، وكالاعادة والنذر كما لو شرع في صلاة فرض ولم يتمها تبقى في ذمته (وإلا) أي وإن لم يستقر كحجة الاسلام في السنة الاولى من سني الامكان (اعتبرت استطاعة بعد) أي بعد زوال الحصر إن وجدت وجب وإلا فلا، (و على من فاته وقوف) بعرفة (تحلل) لان استدامته الاحرام كابتدائه وابتداؤه حينئذ لا يجوز، وذكر وجوب التحلل من زيادتي، ويحصل (بعمل عمرة) بأن يطوف ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف قدوم ويحلق فإن لم يمكنه عمل عمرة تحلل بما مر في الحصر، (و) عليه (دم) وتقدم أنه كدم التمتع (وإعادة) فورا للحج الذي فاته بفوات الوقوف تطوعا كان أو فرضا كما في الافساد، والاصل في ذلك ما رواه مالك في موطئه بإسناد صحيح أن هبار بن الاسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العد وكنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة.
فقال له عمر: اذهب إلى مكة فطف
بالبيت أنت ومن معك واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا واهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وأشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكروه وإنما تجب الاعادة في فوات لم ينشأ عن حصر فإن نشأ عنه بأن أحصر فسلك طريقا آخر أطول أو أصعب من الاول أو صابر الاحرام متوقعا زوال الحصر ففاته، وتحلل بعمل عمرة فلا إعادة عليه كما في الروضة كأصلها لانه بذل ما في وسعه كمن أحصر مطلقا.

(1/270)


كتاب البيع يطلق البيع على قسيم الشراء، وهو تمليك بثمن على وجه مخصوص، والشراء تمليك بذلك وعلى العقد المركب منهما وهو المراد بالترجمة وهو لغة مقابلة شئ بشئ.
وشرعا مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، والاصل فيه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: (وأحل الله البيع).
وأخبار كخبر سئل النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الكسب أطيب ؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة، رواه الحاكم وصححه (أركانه) كما في المجموع ثلاثة وهي في الحقيقة ستة (عاقد) بائع ومشتر (ومعقود عليه) مثمن وثمن (وصيغة ولو كناية)، وسماها الرافعي شروطا وكلام الاصل يميل إليه فإنه صرح بشرطية الصيغة التي هي الاصل وسكت عن الآخرين والصيغة (إيجاب) وهو ما يدل على التمليك السابق دلالة ظاهرة (كبعتك وملكتك واشتر مني) كذا بكذا، ولو مع إن شئت وإن تقدم على الايجاب (وكجعلته لك بكذا) ناويا البيع (وقبول) وهو ما يدل على التملك السابق كذلك.
(كاشتريت وتملكت وقبلت وإن تقدم) على الايجاب (كبعني) بكذا لان البيع منوط بالرضا، لخبر ابن حبان في صحيحه إنما البيع عن تراض والرضا خفي فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ فلا بيع بمعاطاة ويرد كل ما أخذه بها أو بدله إن تلف، وقيل ينعقد بها في كل ما يعد فيه بيعا كخبز ولحم بخلاف غيره كالدواب والعقار.
واختاره النووي والتصريح باشتر مني
من زيادتي، ويستثنى من صحته بالكناية بيع الوكيل المشروط عليه الاشهاد فيه فلا يصح بها لان الشهود لا يطلعون على النية فإن توفرت القرائن عليه قال الغزالي، فالظاهر انعقاده ولو كتب إلى غائب ببيع أو غيره صح، ويشترط قبول المكتوب إليه عند وقوفه على الكتاب ويمتد خيار مجلسه ما دام في مجلس القبول ويمتد خيار الكاتب إلى انقطاع خيار المكتوب إليه، فلو كتب إلى حاضر فوجهان المختار منهما تبعا للسبكي الصحة واعتبار الصيغة جار حتى في بيع متولي الطرفين كبيع ماله من طفله.
وفي البيع الضمني لكن تقديرا كأن قال أعتق عبدك عني بكذا ففعل فإنه يعتق عن الطالب ويلزمه العوض.
كما سيأتي في الكفارة فكأنه قال بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه (وشرط فيهما) أي في الايجاب والقبول ولو بكتابة أو إشارة أخرس كما سيأتي حكمهما في كتاب الطلاق، (أن لا يتخللهما كلام أجنبي) عن العقد ممن يريد أن يتسم العقد ولو يسيرا لان فيه إعراضا عن القبول بخلاف اليسير في الخلع، ويفرق بأن فيه من جانب الزوج شائبة تعليق ومن جانب الزوجة شائبة جعالة، وكل منهما محتمل للجهالة بخلاف البيع وهذا

(1/271)


بالنسبة لليسير من زيادتي، (و) أن (لا) يتخللهما (سكوت طويل) وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول بخلاف اليسير، وأن لا يتغير الاول قبل الثاني وأن يتلفظ بحيث يسمعه من بقربه وإن لم يسمعه صاحبه وبقاء الاهلية إلى وجود الشق الآخر، وأن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته قبل قبوله لم ينعقد نعم لو قبل وكيله في حياته قال ابن الرفعة يظهر صحته بناء على الاصح من وقوع الملك ابتداء للموكل قلت والاقرب خلافه كما بينته في شرح البهجة وغيره، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله وأن لا يطول الفصل بين لفظيهما، (وأن يتوافقا) أي الايجاب والقبول (معنى فلو أوجب بألف مكسرة فقبل بصحيحة) أو عكسه المفهوم بالاولى أو قبل نصفه بخمسمائة (لم يصح) ولو قبل نصفه بخمسمائة ونصفه
بخمسمائة صح عند المتولي، إذ لا مخالفة بذكر مقتضى الاطلاق ونظر فيه الرافعي بأنه عدد الصفقة قال في المجموع.
والامر كما قال الرافعي لكن الظاهر الصحة وقضية كلامهم البطلان فيما لو قبل بألف وخمسمائة وهو ما جزم به الرافعي في بابي الوكالة والخلع، وفي المجموع أنه الظاهر واستغربا ما نقلاه عن فتاوى القفال من الصحة (وعدم تعليق) لا يقتضيه العقد بخلاف ما يقتضيه كما مر، (و) عدم (تأقيت) وهما من زيادتي، فلو قال إن مات أبي فقد بعتك هذا بكذا أو بعته بكذا شهرا لم يصح، (و) شرط (في العاقد) بائعا أو مشتريا (إطلاق تصرف) فلا يصح عقد صبي ومجنون ومن حجر عليه بسفه، وتعبيري بإطلاق التصرف أولى من تعبيره بالرشد، وإنما صح بيع العبد من نفسه لان مقصوده العتق (وعدم إكراه بغير حق) فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق لعدم رضاه، قال تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) و يصح بحق كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء دين أو شراء مال أسلم إليه فيه فأكرهه الحاكم عليه ولو باع مال غيره بإكراهه له عليه صح كنظيره في الطلاق، لانه أبلغ في الاذن (وإسلام من يشتري له) ولو بوكالة (مصحف أو نحوه) ككتب حديث أو ككتب علم فيها آثار السلف (أو مسلم أو مرتد لا يعتق عليه) لما في ملك الكافر للمصحف ونحوه من الاهانة وللمسلم من الاذلال، وقد قال الله تعالى: (و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولبقاء علقة الاسلام في المرتد بخلاف من يعتق عليه كأبيه أو ابنه فيصح لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه وقولي أو نحوه مع حكم المرتد من زيادتي.
وصرح به في المجموع بمسألة المرتد (وعدم حرابة من يشتري له عدة حرب) كسيف ورمح ونشاب وترس ودرع وخيل، فلا

(1/272)


يصح شراؤه لحربي لانه يستعين به على قتالنا بخلاف الذمي أي في دارنا، فإنه في قبضتنا وبخلاف غير عدة الحربي ولو مما يتأتى منه كالحديد إذ لا يتعين جعله عدة حرب، وتعبيري بها أعم من تعبيره بالسلاح، وشراء البعض من ذلك كشراء الكل و سائر التملكات كالشراء
ويصح بكراهة أكتراء الذمي مسلما على عمل يعمله بنفسه، لكنه يؤمر بإزالة الملك عن منافعه وبلا كراهة ارتهانه، ويكره للمسلم بيع المصحف وشراؤه ذكر ذلك في المجموع (و) شرط (في المعقود عليه) مثمنا أو ثمنا خمسة أمور، أحدها (طهر) له (أو إمكان) لطهره (بغسل فلا يصح بيع نجس) ككلب وخمر وغيرهما مما هو نجس العين وإن أمكن طهره بالاستحالة كجلد ميتة لانه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن ثمن الكلب وقال: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير.
رواهما الشيخان والمعنى في المذكورات نجاسة عينها فألحق بها باقي نجس العين، وتعبيري بالمعقود عليه أعم من تعبيره بالمبيع، وقولي بغسل من زيادتي، (ولا) بيع (متنجس لا يمكن طهره ولو دهنا) تنجس لانه في معنى نجس العين ولا أثر لامكان طهر الماء القليل بالمكاثرة لانه كالخمر يمكن طهره بالتخلل، (و) ثانيها (نفع) به شرعا (ولو ماء وترابا بمعدنهما)، ولا يقدح فيه إمكان تحصيل مثلهما بلا تعب ولا مؤنة وسواء أكان النفع حالا أم مآلا كجحش صغير، (فلا يصح بيع حشرات لا تنفع) وهي صغار دواب الارض كحية وعقرب وفأرة وخنفساء.
إذ لا نقع فيها يقابل بالمال وإن ذكر لها منافع في الخواص بخلاف ما ينفع منها كضب لمنفعة أكله، وعلق لمنفعة امتصاص الدم (و) لا بيع (سباع لا تنفع) كأسد وذئب ونمر، وما في اقتناء الملوك لها من الهيبة والسياسه ليس من المنافع المعتبرة بخلاف ما ينفع منها كضبع للاكل وفهد للصيد وفيل للقتال، (و) لا بيع (نحو حبتي بر) كحبتي شعير لان ذلك لا يعد مالا وإن عد بضمه إلى غيره، ونحو من زيادتي، (وآلة لهو) محرمة كطنبور ومزمار (وإن تمول رضاضها) أي مكسرها إذ لا نفع بها شرعا ولا يقدح فيه نفع متوقع برضاضها، لانها بهيئتها لا يقصد منها غير المعصية ويصح بيع إناء ذهب أو فضة (و) ثالثها (قدرة تسلمه) في بيع غير ضمني ليوثق بحصول العوض، وتعبيري بذلك أولى مما عبر به، (فلا يصح بيع نحو ضال) كأبق ومغصوب وبعير ند (لمن لا يقدر على رده) لعجزه عن تسلمه حالا بخلاف بيعه لقادر على ذلك، نعم إن احتاج فيه إلى مؤنة ففي المطلب ينبغي
المنع، وتعبيري بذلك أولى من اقتصار الاصل على الضال والآبق والمغصوب، (ولا) بيع (جزء معين ينقص فصله قيمته) أو قيمة الباقي كجزء إناء أو ثوب نفيس ينقص فصله ما ذكر

(1/273)


للعجز عن تسلم ذلك شرعا لان التسلم فيه لا يمكن إلا بالكسر أو القطع، وفيه نقص وتضييع مال بخلاف ما لا ينقص فصله ما ذكر كجزء غليظ كرباس وذراع معين من الارض، لانتفاء المحذور ووجهه في الثانية حصول التمييز في الارض بين النصيبين بالعلامة من غير ضرر، قال الرافعي: ولك أن تقول قد تتضيق مرافق الارض بالعلامة وتنقص القيمة فليكن الحكم في الارض على التفصيل في الثوب.
وأجيب بأن النقص فيها يمكن تداركه بخلافه في الثوب وبه يجاب عما اعترض به من صحة بيع أحد زوجي خف مع نقص القيمة بالتفريق، وتعبيري بجزء أعم من تعبيره بنصف، قال في المجموع وطريق من أراد شراء ذراع من ثوب حيث قلنا بمنعه أن يواطئ صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء ثم يشتريه، فيصح بلا خلاف، أما بيع الجزء الشائع من ذلك فيصح ويصير مشتركا (و) لا بيع (مرهون على ما يأتي) في بابه من شرط كون البيع بعد القبض وبغير إذن المرتهن للعجز عن تسلمه شرعا، فقولي على ما يأتي أولى من قوله بغير إذن مرتهنه، (و) لا بيع (جان تعلق برقبته مال) بقيد زدته (قبل اختيار فداء) لتعلق حق المجني عليه به كما في المرهون، وأولى لان الجناية تقدم على الرهن بخلاف ما إذا تعلق بها أو بجزئها قود لانه يرجى سلامته بالعفو، وبخلاف ما إذا تعلق المال بذمته كأن اشترى شيئا فيها بغير إذن سيده وأتلفه أو تعلق بكسبه كأن تزوج وتعلقت نفقة زوجته وكسوتها بكسبه لان البيع إنما يرد على الرقبة ولا تعلق لرب الدين بها بخلاف ما بعد اختيار الفداء، فيصح ولا يشكل بصحة الرجوع عن الاختيار لان مانع الصحة زال بانتقال الحق لذمة السيد وإن لم يلزمها ما دام الجاني في ملكه، وإذا صح البيع بعد اختيار الفداء لزمه المال الذي يفديه به فيجبر على أدائه فإن أداه فذاك وإلا فسخ البيع وبيع في الجناية.
(و) رابعها (ولاية) للعاقد عليه (فلا يصح عقد فضولي) وإن أجازه المالك لعدم ولايته على المعقود عليه، (ويصح بيع مال غيره) ظاهرا (إن بان) بعد البيع أنه (له) كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا لتبين أنه ملكه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.
(و) خامسها (علم) للعاقدين به عينا وقدرا وصفة على ما يأتي بيانه حذرا من الغرر، لما روى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع الغرر (ويصح بيع صاع من صبرة وإن جهلت صيعانها) لعلمها بقدر المبيع مع تساوي الاجزاء، فلا غرر وينزل المبيع مع العلم بصيعانها على الاشاعة فإذا علم أنها عشرة آصع فالمبيع عشرها ولو تلف بعضها تلف بقدرة من المبيع ومع الجهل بها على صاع منها وللبائع تسليمه من أسفلها وإن لم يكن مرئيا لان رؤية ظاهرها كرؤية كلها كما يأتي، ولو لم يبق منها غيره تعين (و) بيع (صبرة كذلك) أي وإن جهلت صيعانها (كل

(1/274)


صاع بدرهم) بنصب كل ولا يضر في مجهولة الصيعان الجهل بجملة الثمن لانه معلوم بالتفصيل، وكذا لو قال بعتك هذه الارض أو الدار أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم (و) بيع صبرة (مجهولة الصيعان بمائة درهم كل صاع بدرهم إن خرجت مائة) وإلا فلا يصح لتعذر الجمع بين جملة الثمن وتفصيله، (لا بيع لاحد ثوبين) مثلا مبهما (ولا) بيع (بإحداهما) وإن تساوت قيمتهما (أو بمل ء ذا البيت برا أو بزنة ذي الحصاة ذهبا) ومل ء البيت وزنة الحصاة مجهولان (أو بألف دراهم ودنانير) لجهل بعين المبيع في الاولى وبعين الثمن في الثانية وهي من زيادتي، وبقدره في الباقي فإن عين البر كأن قال بعتك مل ء ذا البيت من ذا البر صح لامكان الاخذ قبل تلفه فلا غرر، وقد بسطت الكلام عليه في غير هذا الكتاب (ولو باع بنقد) مثلا (وثم نقد غالب تعين) لان الظاهر إرادتهما له نعم لو غلب المكسر وتفاوتت قيمته اشترط التعيين، نقله الشيخان عن البيان وأقراه (أو نقدان مثلا) ولو صحيحا ومكسرا (ولا غالب اشترط تعيين) لفظا لاحدهما ليعلم بقيد زدته بقولي (إن اختلفت قيمتهما) فإن استوت لم يشترط تعيين، ويسلم المشتري ما شاء منهما (ولا بيع غائب) بأن لم يره العاقدان أو أحدهما
وإن وصف بصفة السلم للغرر ولان الخبر ليس كالعيان، (وتكفي معاينة عوض) عن العلم بقدره اكتفاء بالتخمين.
المصحوب بها فلو قال بعتك بهذه الصبرة وهي مجهولة صح البيع لكن يكره لانه قد يوقع في الندم ولا يكره شراء مجهول الذرع كما في التتمة.
ويفرق بأن الصبرة لا تعرف تخمينا غالبا لتراكم بعضها على بعض بخلاف المذروع (و) تكفي (رؤية قبل عقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقته) أي العقد، وذلك بأن يغلب عدم تغيره كأرض وإناء وحديد أو يحتمل التغير وعدمه سواء كحيوان نظرا للغالب في الاولى ولاصل بقاء المرئي بحاله في الثانية، بخلاف ما يغلب تغيره كأطعمة يسرع فسادها نظرا للغالب ويشترط كونه ذاكرا للاوصاف عند العقد كما قاله الماوردي وغيره، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (و) تكفي (رؤية بعض مبيع) إن (دل على باقيه كظاهر صبرة نحو بر) كشعير ونحوه مما لا يختلف أجزاؤه غالبا بخلاف صبرة بطيخ ورمان وسفرجل ونحوها ونحو بر من زيادتي، (و) مثل (أنموذج) ضم الهمزة والميم وفتح المعجمة (لمتماثل) أي متساوي الاجزاء كالحبوب، ولا بد من إدخال الانموذج في البيع وإن لم يخلطه بالباقي كما أوضحته في شرح الروض (أو) لم يدل على باقيه بل (كان صوانا) بكسر الصاد وضمها (للباقي لبقائه كقشر رمان وبيض) وخشكنان، (وقشرة سفلى لجوز أو لون) فتكفي رؤيته لان صلاح باطنه في إبقائه فيه وإن لم يدل

(1/275)


هو عليه بخلاف جوز القطن وجلد الكتاب ونحوهما، فقولي لبقائه أولى من قوله خلقه وخرج بالسفلى وهي التي تكسر حالة الاكل العليا لانها ليست من مصالح ما في باطنه نعم إن لم تنعقد السفلى كفت رؤية العليا، لان الجميع مأكول ويجوز بيع قصب السكر في قشره الاعلى كما نقله الماوردي وجزم به ابن الرفعة لان قشره الاسفل كباطنه لانه قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد، ويتسامح في فقاع الكوز فلا يشترط رؤية شئ منه، كما صححه في الروضة وغيره لان بقاءه فيه من مصلحته (وتعتبر رؤية) لغير ما مر (تليق) به فيعتبر في الدار رؤية البيوت والسقوف و السطوح
والجدران والمستحم والبالوعة، وفي البستان رؤية الاشجار والجدران و مسايل الماء، وفي العبد والامة رؤية ما عدا العورة، وفي الدابة رؤية كلها لا رؤية لسانهم ولا أسنانهم، وفي الثوب نشره ليرى الجميع ورؤية وجهي ما يختلف منه كديباج منقش وبساط بخلاف ما لا يختلف ككرباس فيكفي رؤية أحدهما، وفي الكتب والورق البياض والمصحف رؤية جميع الاوراق.
(وصح سلم أعمى) وإن عمي قبل تمييزه أي أن يسلم أو يسلم إليه، بقيد زدته بقولي (بعوض في ذمته) يعين في المجلس ويوكل من يقبض عنه أو يقبض له رأس مال السلم والمسلم فيه لان السلم يعتمد الوصف لا الرؤية، أما غيره مما يعتمد الرؤية كبيع وإجارة ورهن فلا يصح منه وإن قلنا بصحة بيع الغائب وسبيله أن يوكل فيه وله أن يشتري نفسه ويؤجرها لانه لا يجهلها ولو كان رأى قبل العمى شيئا مما لا يتغير قبل عقده صح عقده عليه كالبصير.
باب الربا بالقصر وألفه بدل من واو ويكتب بهما و بالياء وهو لغة الزيادة وشرعا عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما.
والاصل في تحريمه قبل الاجماع آيات كآية وأحل الله البيع وأخبار كخبر مسلم لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده، وهو ثلاثة أنواع ربا الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، وربا اليد وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، وربا النساء وهو البيع لاجل.
والقصد بهذا الباب بيع الربوي وما يعتبر فيه زيادة على ما مر (إنما يحرم) الربا (في نقد) أي ذهب وفضة ولو غير مضروبين كحلي وتبر، بخلاف العروض كفلوس.
وإن راجت وذلك لعلة الثمنية الغالبة، ويعبر عنها أيضا بجوهرية الاثمان غالبا وهي منتفية عن العروض (و) في (ما قصد لطعم) بضم الطاء مصدر طعم بكسر العين أي

(1/276)


أكل، وذلك بأن يكون أظهر مقاصده الطعم وإن لم يؤكل إلا نادرا كالبلوط (تقوتا أو تفكها أو تداويا) كما تؤخذ الثلاثة من الخبر الآتي فإنه نص فيه على البر والشعير و المقصود منهما
التقوت، فألحق بهما ما في معناهما كالفول والارز والذرة وعلى التمر والمقصود منه التفكه والتأدم، فألحق به في معناه كالزبيب والتين وعلى الملح والمقصود منه الاصلاح فألحق به ما في معناه من الادوية كالسقمونيا و الزعفران.
وخرج بقصد ما لا يقصد تناوله مما يؤكل كالجلود والعظم الرخو فلا ربا فيه، والطعم ظاهر في إرادة مطعوم الآدميين وإن شاركهم فيه البهائم كثيرا فخرج ما اختص به الجن كالعظم، أو البهائم كالحشيش والتبن والنوى، فلا ربا في شئ من ذلك.
هذا ما دلت عليه نصوص الشافعي وأصحابه وبه صرح جمع وقضيته أن ما اشترك فيه الآدميون والبهائم ربوي وإن كان أكل البهائم له أغلب، فقول الماوردي بالنسبة لهذه الحكم فيما اشتركا فيه للاغلب محمول على ما قصد لطعم البهائم كعلف رطب قد تأكله الآدميون لحاجة كما مثل هو به، والتفكه يشمل التأدم والتحلي بحلواء وإنما لم يذكروا الدواء فيما يتناوله الطعام في الايمان لانه لا يتناوله في العرف المبنية هي عليه، (فإذا بيع ربوي بجنسه) كبر ببر وذهب بذهب (شرط) في صحة البيع ثلاثة أمور (حلول وتقابض قبل تفرق) ولو بعد إجازة للعقد (ومماثلة يقينا) خرج به ما لو باع ربويا بجنسه جزافا فلا يصح وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة البيع والجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة نعم لو باع صبرة بر مثلا بأخرى مكايلة أو صبرة دراهم بأخرى موازنة صح إن تساويا وإلا فلا أو علما تماثلهما ثم تبايعا جزافا صح ولا يحتاج في قبضهما إلى كيل ولا وزن، والمراد بالتقابض ما يعم القبض حتى لو كان العوض معينا كفى الاستقلال بالقبض، ويكفي قبض مأذون العاقد وهما بالمجلس وكذا قبض وارثه بعد موته بالمجلس ولو تقابضا البعض صح فيه فقط.
وتعتبر المماثلة (بكيل في مكيل غالب عادة الحجاز في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وبوزن في موزونه) أي موزون غالبها لظهور أنه (صلى الله عليه وسلم) اطلع على ذلك وأقره فلو أحدث الناس خلافه فلا اعتبار به (وفي غير ذلك) بأن جهل حاله أو لم يكن في عهده أو كان ولم يكن بالحجاز، أو استعمل الكيل والوزن فيه سواء أو لم يستعملا فيه يعتبر (بوزن إن كان) المبيع (أكبر) جرما (من تمر) كجوز وبيض، إذ لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر جرما منه وهذا من زيادتي (وإلا) بأن
كان مثله كاللوز أو دونه (فبعادة بلد البيع) حالة البيع، وهذا أعم من قوله وما جهل يراعى فيه عادة بلد البيع فعلم أن المكيل لا يباع بعضه ببعض وزنا وأن الموزون لا يباع بعضه ببعض كيلا، ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا ولا مع الاستواء في الوزن التفاوت كيلا، والاصل في الشروط السابقة خبر مسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاجناس

(1/277)


فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة قال الرافعي، ومن لازمه الحلول أي غالبا (و) إذا بيع ربوي (ب) - ربوي (غير جنسه واتحدا علة) كبر بشعير وذهب بفضة (شرط حلول وتقابض) قبل التفرق لا مماثلة، (كأدقة أصول مختلفة الجنس وخلولها وأدهانها ولحومها وألبانها) وبيوضها فيجوز فيها التفاضل ويشترط فيها الحلول والتقابض.
لانها أجناس كأصولها فيجوز بيع دقيق البر بدقيق الشعير وخل التمر بخل العنب متفاضلين، وخرج بمختلفة الجنس متحدته كأدقة أنواع البر فهي جنس واحد وبما تقرر علم أنه لو بيع طعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير طعام بغير طعام وليسا نقدين لم يشترط شئ من الثلاثة.
(وتعتبر المماثلة) في التمر والحب واللحم (في غير العرايا) الآتي بيانها في باب الاصول والثمار (بجفاف) لها إذ به يحصل الكمال (فلا يباع) في غيرها من المذكورات (رطب برطب) بفتح الراءين، (ولا بجاف) وإن لم يكن لها جفاف كقثاء وعنب لا يتزبب للجهل الآن بالمماثلة وقت الجفاف، والاصل في ذلك أنه (صلى الله عليه وسلم) سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس ؟.
فقالوا: نعم.
فهي عن ذلك رواه الترمذي وغيره وصححه، فيه إشارة إلى أن المماثلة تعتبر عند الجفاف وألحق بالرطب فيما ذكر طري اللحم فلا يباع بطريه ولا بقديده من جنسه، ويباع قد يده بقديده بلا عظم ولا ملح يظهر في الوزن ولا يعتبر في الثمر والحب تناهي جفافهما بخلاف اللحم لانه موزون يظهر أثره.
ويستثنى مما ذكر الزيتون فإنه لا جفاف له ويجوز بيع بعضه ببعض كما جزم به الغزالي وغيره
(تنبيه) نزع نوى التمر والزبيب يبطل كما لهما بخلاف مفلق المشمش ونحوه، ويمتنع بيع ببر مبلول وإن جف (ولا تكفي)، أي المماثلة، (فيما يتخذ من حب) كدقيق وخبز فلا يباع بعضه ببعض ولا حبه به للجهل بالمماثلة بتفاوت الدقيق في النعومة، والخبز في تأثير النار، ويجوز بيع ذلك بالنخالة لانها ليست ربوية (إلا في دهن وكسب صرف) أي خالص من دهنه كدهن سمسم وكسبه، فتكفي المماثلة فيهما (وتكفي) أي المماثلة (في العنب والرطب عصيرا أو خلا) لان ما ذكر حالات كمال فعلم أنه قد يكون للشئ حالتا كمال فأكثر فيجوز بيع كل من دهن السمسم وكسبه ببعضه، وبيع كلمن عصير أو خل العنب أو الرطب ببعضه كما يجوز بيع كل من السمسم والزبيب والتمر ببعضه بخلاف خل الزبيب أو التمر، لان فيه ماء فيمتنع العلم بالمماثلة وكعصير العنب والرطب عصير سائر الفواكه، كعصير الرمان وقصب السكر.
والمعيار في الدهن والخل والعصير الكيل، وتعبيري بما يتخد من حب أعم من تعبيره بالدقيق والسويق والخبز وذكر الكسب وعصير الرطب وخله من زيادتي،

(1/278)


(وتعتبر) أي المماثلة (في لبن لبنا) بحاله (أو سمنا أو مخيضا صرفا) أي خالصا من الماء ونحوه فيجوز بيع بعض اللبن ببعض كيلا، سواء فيه الحليب وغيره ما لم يغل بالنار كما يعلم مما يأتي ولا يبالي بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزنا.
ويجوز بيع بعض السمن ببعض وزنا إن كان جامدا، وكيلا إن كان مائعا، وهذا ما جزم به البغوي واستحسنه في الشرح الصغير، قال الشيخان وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون المنصوص منهما الوزن.
وبه جزم ابن المقري في الروض لكنه صحح في تمشيته التوسط وبيع بعض المخيض الصرف ببعض.
أما المشوب بماء أو نحوه فلا يجوز بيعه بمثله ولا بخالص للجهل بالمماثلة (فلا تكفي) المماثلة (في باقي أحواله كجبن) وأقط ومصل وزبد، لانها لا تخلو عن مخالطة شئ، فالجبن يخالطه الانفحة والاقط يخالطه الملح والمصل يخالطه الدقيق والزبد لا يخلو عن
قليل مخيض، فلا تتحقق فيها المماثلة فلا يباع بعض كل منها ببعض ولا يباع الزبد بالسمن ولا اللبن بما يتخذ منه كسمن ومخيض.
س (ولا) تكفي (فيما أثرت فيه النار بنحو طبخ) كقلي وشي وعقد كلحم ودبس وسكر فلا يباع بعضه ببعض للجهل بالمماثلة باختلاف تأثير النار قوة وضعفا، وخرج بنحو الطبخ الماء المغلي فيباع بمثله صرح به الامام، وتعبيري بذلك أعم مما عبر به.
(ولا يضر تأثير تمييز) ولو بنار (كعسل وسمن) ميزا بها عن الشمع واللبن فيباع بعض كل منهما ببعض حينئذ لان نار التمييز لطيفة، أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة.
(وإذا جمع عقد جنسا ربويا من الجانبين) وليس تابعا بالاضافة إلى المقصود.
(واختلف المبيع) جنسا أو نوعا أو صفة منهما أو من أحدهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين أو نوعين أو صفتين اشتمل الآخر عليهما أو على أحدهما فقط.
(كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين أو درهمين) وكمد عجوة وثوب بمثلهما أو بمدين.

(1/279)


(وكجيد وردئ) متميزين (بمثلهما أو بأحدهما) وقيمة الردئ دون قيمة الجيد كما هو الغالب (فباطل) لخبر مسلم عن فضالة بن عبيد قال: أتي النبي (صلى الله عليه وسلم) بقلادة فيها خرز وذهب تباع بتسعة دنانير فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن وفي رواية: لا تباع حتى تفصل ولان قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في الآخر عليهما اعتبار بالقيمة كما في بيع شقص مشفوع وسيف بألف وقيمة الشقص مائة والسيف خمسون، فإن الشفيع يأخذ الشقص بثلثي الثمن، والتوزيع هما يؤدي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة، ففي بيع مد ودرهم بمدين إن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر أو أقل منه لزمت المفاضلة أو مثله لزم الجهل بالمماثلة، فلو كانت قيمته درهمين فالمد ثلثا طرفه فيقابله ثلثا المدينة أو نصف درهم فالمد ثلث طرفه فيقابله ثلث المدينة فتلزم المفاضلة أو مثله، فالمماثلة مجهولة لانها تعتمد التقويم وهو تخمين قد يخطئ، وتعدد العقد هنا بتعدد
البائع أو المشتري كاتحاده بخلاف تعدده بتفصيل العقد، بأن جعل في بيع مد ودرهم بمثلهما المد في مقابلة المد أو الدرهم، والدرهم في مقابلة الدرهم أو المد، ولو لم يشتمل أحد جانبي العقد على شئ مما اشتمل عليه الآخر كبيع دينار ودرهم بصاع بر وصاع شعير أو بصاعي بر أو شعير وبيع دينار صحيح واخر مكثر بصاع تمر برمي وصاع معقلي أو بصاعين برني أو معقلي جاز، فلهذا زدت جنسا لئلا يرد ذلك، وعبرت بالمبيع بدل تعبيره بالجنس

(1/280)


الظاهر تقديره بجنس الربوي لئلا يرد بيع نحو درهم وثوب بمثلهما فإنه يمتنع مع خروجه عن الضابط، لان جنس الربوي لم يختلف بخلاف جنس المبيع، وقولي ربويا من الجانبين أي ولو كان الربوي ضمنا من جانب واحد كبيع سمسم بدهنه فيبطل لوجود الدهن في جانب حقيقة، وفي اخر ضمنا بخلاف ما كان من الجانبين كبيع سمسم بسمسم فيصح، أما إذا كان الربوي تابعا بالاضافة إلى المقصود كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها فيصح كما أوضحته في شرح الروض وغيره.
واعلم أنه لا يضر اختلاط أحد النوعين بحبات يسيرة من الآخر بحيث لو ميز عنها لم يظهر في المكيال ولا أحد الجنسين بحبات من الآخر بحيث لا يقصد إخراجها.
(كبيع نحو لحم بحيوان) ولو غير جنسه أو غير مأكول كأن بيع لحم بقر ببقر أو إبل أو حمار فإنه باطل للنهي عن ذلك رواه الترمذي مسندا وأبو داود مرسلا، وللنهي عن بيع الشاة باللحم رواه الحاكم والبيهقي وصحح إسناده، وزدت نحو لادخال الالية والطحال والقلب والكلية والرئة والكبد والشحم والسنام والجلد المأكول قبل دبغه إن كان مما يؤكل غالبا.
باب فيما نهى عنه من البيوع و غيرها كالنجس.
والنهي عنها قد يقتضي بطلانها وهو المراد هنا وقد لا يقتضيه وسيأتي.
نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن عسب الفحل) رواه البخاري، (وهو ضرابه) أي طروقه للانثى (ويقال
ماؤه) وعليهما يقدر في الخبر مضاف ليصح النهي أي عن بدل عسب الفحل من أجرة ضرابه أو ثمن مائه، أي بذل ذلك وأخذه (فتحرم أجرته) للضراب (وثمن مائه) عملا بالاصل في النهي من التحريم والمعنى فيه أن ماء الفحل ليس بمتقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وضرابه

(1/281)


لتعلقه باختياره غير مقدور عليه للمالك.
ولمالك الانثى أن يعطي مالك الفحل شيئا هدية وإعارته للضراب محبوبة (وعن) بيع (حبل الحبلة) بفتح المهملة والموحدة رواه الشيخان، (وهو نتاج النتاج بأن يبيعه) أي نتاج النتاج (أو) يبيع شيئا (بثمن إليه) أي إلى نتاج النتاج أي إلى أن تلد هذه الدابة ويلد ولدها فولد ولدها نتاج النتاج، وهو بكسر النون مصدر بمعنى المفعول كما أن حبل في حبل الحبلة كذلك والحبلة جمع حابل كفاسق وفسقة، ولا يقال حبل لغير الآدمي إلا مجازا.
وعدم صحة البيع في ذلك على التفسير الاول لانه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وعلى الثاني لانه إلى أجل مجهول، (و) عن بيع (الملاقيح) جمع ملقوحة وهي لغة جنين الناقة خاصة وشرعا أعم من ذلك كما يؤخذ من قولي (وهي ما في البطون) من الاجنة، (و) عن بيع (المضامين) جمع مضمون كمجانين جمع مجنون أو مضمان كمفاتيح ومفتاح (وهي ما في الاصلاب) للفحول من الماء روى النهي عن بيعهما مالك مرسلا والبزار مسندا وعدم صحة بيعهما من حيث المعنى لما علم مما مر، (و) عن بيع (الملامسة) رواه الشيخان (بأن يلمس) بضم الميم وكسرها (ثوبا لم يره) لكونه مطويا أو في ظلمة فهو أعم من قوله مطويا (ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه) اكتفاء بلمسه عن رؤيته، (أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه) اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو يبيعه شيئا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس وغيره (و) عن بيع (المنابذة) بالمعجمة رواه الشيخان (بأن يجعلا النبذ بيعا) اكتفاء به عن الصيغة، فيقول أحدهما أنبذ إليك ثوبي بعشرة فيأخذه الآخر أو يقول بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته إليك لزم البيع وانقطع الخيار وعدم الصحة فيه وفيما قبله لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط الفاسد.
(و) عن بيع (الحصاة) رواه مسلم (بأن يقول بعتك من هذه الاثواب ما تقع) هذه الحصاة (عليه أو) يقول (بعتك ولك) مثلا (الخيار إلى رميها أو يجعلا) أي المتبايعان (الرمي بيعا) وعدم الصحة فيه للجهل بالمبيع أو بزمن الخيار أو لعدم الصيغة، (و) عن بيع (العربون) رواه أبو داود وغيره وهو بفتح العين والراء وبضم العين وإسكان الراء، ويقال العربان بضم العين وإسكان الراء (بأن يشتري سلعة ويعطيه نقدا) مثلا (ليكون من الثمن إن رضيها وإلا فهبة) بالنصب وعدم صحته لاشتماله على شرط الرد والهبة إن لم يرض السلعة (و) عن (تفريق) ولو باقالة أو رد بعيب أو سفر، (لا بنحو وصية وعتق) كوقف (بين أمة) وإن رضيت

(1/282)


(وفرعها) ولو مجنونا (حتى يميز) لخبر من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، حسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم، والاب وإن علا كالام فإن اجتمعا حرم التفريق بينه وبينها وحل بينه وبين الاب والجدة في هذا كالاب، وإذا اجتمع الاب والجدة للام فهما سواء فيباع الولد مع أيهما كان ولو كان أحدهما حرا أو مالك أحدهما غير مالك الآخر لم يحرم التفريق، وكذا لو فرق بينهما بعد التمييز لكنه يكره، أما سائر المحارم فلا يحرم التفريق بينه وبينهم.
والجد للام ألحقه المتولي بالجد للاب والماوردي بسائر المحارم وقولي لا بنحو وصية وعتق من زيادتي، (فإن فرق) بينهما (بنحو بيع) كهبة وقسمة وقرض (بطل) العقد للعجز عن التسليم شرعا بالمنع من التفريق، وتعبيري بنحو بيع أعم من تعبيره ببيع أو هبة (و) عن (بيعتين في بيعة) رواه الترمذي وغيره وقال حسن صحيح (كبعتك) هذا (بألف نقدا أو بألفين لسنة، فخذه بأيهما شئت أو شاء وعدم الصحة فيه للجهل بالعوض (و) عن (بيع وشرط) رواه عبد الحق في أحكامه (كبيع بشرط بيع) كبعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا (أو قرض) كبعتك عبدي بألف بشرط أن تقرضني مائة، والمعنى في ذلك أنه جعل الالف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فيبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض
التوزيع عليه وعلى الباقي فيبطل البيع.
(وكبيعه زرعا أو ثوبا بشرط أن يحصده) بضم الصاد وكسرها (أو يخيطه) لاشتمال البيع على شرط عمل فيما لا يملكه المشتري بعد وذلك فاسد (وصح بشرط خيار أو براءة من عيب أو قطع ثمر) وسيأتي الكلام عليها في محالها (و) بشرط (أجل ورهن وكفيل معلومين لعوض) من مبيع أو ثمن (في ذمته) للحاجة إليها في معاملة من لا يرضى إلا بها، وقال تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) أي معين (فاكتبوه) ولا بد من كون الرهن غير المبيع فإن شرط رهنه بالثمن بطل البيع لاشتماله على شرط رهن ما لم يملكه بعد، والعلم في الرهن بالمشاهدة أو بالوصف بصفات السلم وفي الكفيل بالمشاهدة أو بالاسم والنسب ولا يكفي الوصف كموسر ثقة وبحث الرافعي أن الاكتفاء به أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله وسكت عليه النووي.
وتعبيري بالعوض أعم من تعبيره بالثمن، وخرج بقيد في ذمة المعين كما لو قال بعتك بهذه الدراهم على أن تسلمها لي وقت كذا أو ترهن بها كذا أو ترهن بها كذا أو يضمنك بها فلان، فإن العقد بهذا الشرط باطل لانه رفق شرع لتحصيل الحق والمعين حاصل فشرط كل من الثلاثة معه واقع في غير ما شرع له وأما صحة ضمان العوض المعين فمشروط بقبضه كما سيأتي في محله، ويشترط في الاجل أن لا يبعد

(1/283)


بقاء الدنيا إليه فلا يصح التأجيل بنحو ألف سنة.
وفي تعبيري بمعلومين تغليب العاقل على غيره فهو أولى من عكسه الذي عبر فيه بقوله معينات (و) بشرط (إشهاد) لقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) (وإن لم يعين الشهود) إذ لا يتفاوت الغرض فيهم لان الحق يثبت بأي عدول كانوا بخلاف الرهن والكفيل (وبفوت رهن) بموت المشروط رهنه أو بإعتاقه أو كتابته أو امتناع من رهنه أو نحوها وكفوته وعدم إقباضه وتعيبه قبل قبضه وظهور عيب قديم به ولو بعد قبضه (أو إشهاد) وهو من زيادتي، (أو كفالة خير) من شرط له ذلك لفوت المشروط نعم لو عين في الاشهاد شهودا
وماتوا أو امتنعوا فلا خيار لان غيرهم يقوم مقامهم، وتعبيري بالفوت أعم مما عبر به (كشرط وصف يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة) من آدمي وغيره (حاملا أو ذات لبن) في صحة البيع والشرط، وثبوت الخيار بالفوت ووجه الصحة أن هذا الشرط يتعلق بمصلحة العقد و خرج بقصد وصف لا يقصد كزنا وسرقة فلا خيار بفوته، (و) صح (بشرط مقتضاه كقبض ورد بعيب أو) بشرط (ما لا غرض فيه ك) - شرط (أن لا يأكل إلا كذا) كهريسة والشرط في الاولى صحيح لانه تأكيد وتنبيه على ما اعتبره الشارع، وفي الثانية ملغى لانه لا يورث تنازعا غالبا (أو) بشرط (إعتاقه) أي الرقيق المبيع (منجزا) بقيد زدته بقولي (مطلقا أو عن مشتر) فيصح البيع والشرط لتشوف الشارع إلى العتق (ولبائع) كغيره، فيما يظهر (مطالبة) للمشتري (به) وإن قلنا الحق فيه ليس له بل لله تعالى وهو الاصح كالملتزم بالنذر لانه لزم باشتراطه وخرج بما ذكر بيعه بشرط الولاء ولو مع العتق لغير المشتري، أو بشرط تدبيره أو كتابته أو إعتاقه معلقا أو منجزا عن غير مشتر من بائع أو أجنبي فلا يصح، أما في الاولى فلمخالفته ما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق، وأما في الاخيرة فلانه ليس في معنى ما ورد به خبر بريرة المشهور، وأما في البقية فلانه لم يحصل في واحد منها ما يتشوف إليه الشارع من العتق الناجز.
ولا يصح بيعه لمن يعتق عليه بشرط إعتاقه لتعذر الوفاء به فإنه يعتق قبل إعتاقه كذا نقله الرافعي عن القاضي وأقره قال في المجموع وفيه نظر ويحتمل أن يصح، ويكون ذلك توكيدا للمعنى (ولا يصح بيع دابة) من آدمي وغيره (وحملها) لجعله الحمل المجهول مبيعا بخلاف بيعها بشرط كونها حاملا لانه جعل فيه الحاملية وصفا تابعا (أو) بيع (أحدهما) أما بيعها دون حملها فلانه لا يجوز إفراده بالعقد، فلا يستثنى كأعضاء الحيوان وأما عكسه فلما علم مما مر في بيع الملاقيح (كبيع حامل بحر) فلا يصح لانه لا يدخل في البيع فكأنه استثنى واستشكل

(1/284)


بصحة بيع الدار المؤجرة فإنه صحيح مع أن المنفعة لا تدخل فكأنه استثناها، ويجاب بأن الحمل أشد اتصالا من المنفعة بدليل جواز إفرادها بالعقد بخلافه فصح استثناؤها شرعا دونه
(ويدخل حمل دابة) مملوك لمالكها (في بيعها مطلقا) عن ذكره معها ثبوتا ونفيا تبعا لها، فإن لم يكن مملوكا لمالكها لم يصح البيع.
فصل فيما نهى عنه من البيوع نهيا لا يقتضي بطلانها وما يذكر معها (من المنهى) عنه (ما لا يبطل بالنهي) عنه لمعنى اقترن به لا لذاته أو لازمه (كبيع حاضر لباد) بأن (قدم) البادي (بما تعم حاجة)، أي حاجة أهل البلد (إليه) كالطعام وإن لم يظهر ببيعه سعة بالبلد لقلته أو لعموم وجوده ورخص السعر أو لكبر البلد (ليبيعه حالا فيقول الحاضر اتركه لابيعه تدريجا) أي شيئا فشيئا (بأغلى) من بيعه حالا فيجيبه لذلك لخبر الصحيحين لا يبع حاضر لباد زاد مسلم دعو الناس يرزق الله بعضهم من بعض، والمعنى في النهي عن ذلك ما يؤدي إليه من التضييق على الناس بخلاف ما لو بدأه البادي بذلك بأن قال له اتركه عندك لتبيعه تدريجا أو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه إلا نادرا أو عمت وقصد البادي بيعه تدريجا فسأله الحاضر أن يفوضه إليه، أو قصد بيعه حالا فقال له اتركه عندي لابيعه، كذلك فلا يحرم لانه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الاضرار به والنهي في ذلك، وفيما يأتي في بقية الفصل للتحريم فيأثم بارتكابه العالم به ويصح البيع لما مر قال في الروضة قال القفال والاثم على البلدي دون البدوي، ولا خيار للمشتري انتهى.
والبادي ساكن البادية والحاضر ساكن الحاضرة وهي المدن والقرى والريف وهو أرض فيها زرع وخصب، وذلك خلاف البادية والنسبة إليها بدوي وإلى الحاضرة حضري والتعبير بالحاضر والبادي جرى على الغالب والمراد أي شخص كان، ولا يتقيد ذلك بكون القادم غريبا ولا بكون المتاع عند الحاضر وإن قيد بهما الاصل (وتلقي ركبان) بأن (اشترى) شخص (منهم بغير طلبهم) هو من زيادتي (متاعا قبل قدومهم) البلد مثلا (ومعرفتهم بالسعر) المشعر ذلك بأنه اشترى بدون السعر المقتضي ذلك للغبن وإن لم يقصد التلقي، كأن خرج لنحو صيد فرآهم واشترى منهم وما عبرت به أعم مما
عبر به، (وخيروا) فورا (إن عرفوا الغبن) لخبر الصحيحين لا تلقوا الركبان للبيع.
وفي رواية للبخاري لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الاسواق فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار، أما

(1/285)


كونه على الفور فقياسا على خيار العيب والمعنى في ذلك احتمال غبنهم سواء أخبر المشترى كاذبا أم لم يخبر فإن اشتراه منهم بطلبهم أو بغير طلبهم لكن بعد قدومهم أو قبله وبعد معرفتهم بالسعر أو قبلها واشتراه به أو بأكثر فلا تحريم لانتفاء التغرير ولا خيار لانتفاء المعنى السابق ولو لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر، وعاد إلى ما باعوا به فهل يستمر الخيار وجهان منشؤهما اعتبار الابتداء أو الانتهاء.
وكلام الشاشي يقتضي عدم استمراره والاوجه استمراره وهو ظاهر الخبر، ومال إليه الاسنوي في شرح المنهاج والركبان جمع راكب والتعبير به جرى على الغالب والمراد القادم ولو واحدا أو ماشيا (وسوم على سوام) أي سوم غيره لخبر الصحيحين، لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي والمعنى فيه الايذاء.
وذكر الرجل والاخ ليس للتقييد بل الاول لانه الغالب والثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله فغيرهما مثلهما وإنما يحرم ذلك (بعد تقرر ثمن) بالتراضي به صريحا بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه استرده لاشتريه منك بأكثر وخرج بالتقرر ما يطاف به على من يزيد فيه فلا يحرم ذلك (وبيع على بيع) أي بيع غيره زمن خيار بغير إذن له كأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثل المبيع بأقل من ثمنه أو خيرا منه تمثل ثمنه أو أقل، (وشراء على شراء) أي شراء غيره (زمن خيار) أي خيار مجلس أو شرط أو عيب فهو أعم من قوله قبل لزمه (بغير إذن) له من ذلك الغير كأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه بأكثر من ثمنه لخبر الصحيحين: لا يبع بعضكم على بيع بعض.
زاد النسائي حتى يبتاع أو يذر وفي معناه الشراء على الشراء، والمعنى في ذلك الايذاء فقولي زمن خيار إلى آخره قيد في المسألتين وخرج بزمن الخيار وهو من زيادتي في الثانية ما لو وقع ذلك في
غيره، وبزيادتي بغير إذن ما لو أذن البائع في البيع على بيعه أو المشتري في الشراء على شرائه فلا تحريم (ونجش) للنهي عنه رواه الشيخان، (بأن يزيد في ثمن) للسلعة المعروضة للبيع لا للرغبة في شرائها بل (ليغر) غيره فيشتريها ولو كان التغرير بالزيادة ليساوي الثمن القيمة، والمعنى في تحريمه الايذاء (ولا خيار) للمشتري لتفريطه (وبيع نحو رطب) كعنب (لمتخذه مسكرا) بأن يعلم منه ذلك أو يظنه فإن شك فيه أو توهمه منه فالبيع له مكروه، وإنما حرم أو كره لانه سبب لمعصية محققة أو مظنونة أو لمعصية مشكوك فيها أو متوهمة، وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله وبيع الرطب والعنب لعاصر الخمر.

(1/286)


فصل في تفريق الصفقة وتعددها.
وتفريقها ثلاثة أقسام لانه إما في الابتداء أو في الدوام أو في اختلاف الاحكام، وقد بينتها بهذا الترتيب فقلت لو (باع) في صفقة واحدة (حلا وحرما) كخل وخمر أو عبده وحر أو عبده وعبد غيره أو مشترك بغير إذن الغير والشريك (صح) البيع (في الحل) من الخل وعبده وحصته من المشترك وبطل في غيره إعطاء لكل منهما حكمه، وقيل يبطل فيهما، قال الربيع وإليه رجع الشافعي آخرا فلو أذن له شريكه في البيع صح بيع الجميع بخلاف ما لو أذن مالك العبد فإنه لا يصح بيع العبدين للجهل بما يخص كلا منهما عند العقد (بحصته من المسمى باعتبار قيمتهما)، سواء أعلم الحال أم جهل.
وأجاز البيع لان الثمن في مقابلتهما ويقدر الخمر خلا والحر رقيقا، فإذا كانت قيمتهما ثلاثمائة والمسمى مائة وخمسين وقيمة المملوك مائة فحصته من المسمى خمسون، وخرج بباع ما لو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه وما لو أجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين فيبطل في الجميع، ويستثنى من الصحة ما لو فاضل في الربوي أو زاد في خيار الشرط أو في العرايا على القدر الجائز فيبطل في الجميع.
وظاهر
أن محل الصحة إذا كان الحرام معلوما ليتأتى التقسيط (وخير) فورا (مشتر جهل) الحال بين الفسخ والاجازة لتبعيض الصفقة عليه، فإن علم الحال فلا خيار له كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه.
أما البائع فلا خيار له وإن لم يجب له إلا الحصة لتعديه حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه (أو) باع (نحو عبديه فتلف أحدهما قبل قبضه) انفسخ البيع فيه كما هو معلوم و (لم ينفسخ في الآخر) وإن لم يقبضه (بل يتخير مشتر) بين الفسخ والاجازة، (فإن أجاز فبالحصة) من المسمى باعتبار قيمتهما لان الثمن قد توزع عليهما في الابتداء.
ونحو من زيادتي (ولو جمع) عقد (عقدين لازمين أو جائزين) وإن اختلف حكمهما (كإجارة وبيع أو)

(1/287)


إجارة (وسلم أو شركة وقراض صحا ووزع المسمى على قيمتها)، أي قيمة المؤجر من حيث الاجرة وقيمة المبيع أو المسلم فيه ولا يؤثر ما قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ المحوجين إلى التوزيع المستلزم للجهل عند العقد بما يخص كلا منهما من العوض، لانه لا محظور في ذلك ألا ترى أنه يجوز بيع ثوب وشقص من دار في صفقة وإن اختلفا في الشفعة واحتيج إلى التوزيع المستلزم لما ذكر وحذفت قوله مختلفي الحكم لانه ليس بقيد لان غيرهما كذلك في الحكم، وقد مثلت له من زيادتي بالشركة والقراض وخرج بزيادتي لازمين أو جائزين ما لو كان أحدهما لازما والآخر جائزا كبيع وجعالة فإنه لا يصح لا يمكن الجمع بينهما، وبيان اختلاف الاحكام فيما اختلفت أحكامه مما ذكر أن الاجارة تقتضي التأقيت والبيع والسلم يقتضيان عدمه والسلم يقتضي قبض رأس المال في المجلس بخلاف غيره (ويتعدد) أي العقد (بتفصيل ثمن) كبعتك ذا بكذا وذا بكذا فيقبل فيهما وله رد أحدهما بالعيب، (وبتعدد عاقد) موجب أو قابل كبعناك ذا بكذا فيقبل منهما وله رد نصيب أحدهما بالعيب وكبعتكما ذا بكذا فيقبلان، ولاحدهما رد نصيبه بالعيب (ولو كان) العاقد (وكيلا) بقيد زدته بقولي (لا في رهن وشفعة) فالعبرة في اتحاد الصفقة وتعددها في غيرها بالوكيل لتعلق
أحكام العقد به كرؤية المبيع وثبوت خيار المجلس ولو خرج ما اشتراه من وكيل اثنين أو من وكيلي واحد معيبا، فله رد نصيب أحدهما في الصورة الثانية دون الاولى ولو خرج ما اشتراه وكيل اثنين أو وكيلا واحد معيبا.
فللموكل الواحد رد نصيب أحدهما وليس لاحد الموكلين رد نصيبه، أما في الرهن والشفعة فالعبرة بالموكل لا بالوكيل اعتبارا باتحاد الدين والملك وعدمه، فلو وكل إثنان واحدا في رهن عبدهما عند زيد بماله عليهما من الدين ثم قضى أحدهما دينه انفك نصيبه، وتعبيري بالعاقد أعم من تعبيره بالبائع والمشتري.

(1/288)


باب الخيار هو شامل لخيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب، وستأتي الثلاثة (يثبت خيار مجلس في كل بيع وإن استعقب عتقا) كشراء بعضه بناء على الاصح من أن الملك في زمن خيار المتبايعين موقوف فلا يحكم بعتقه حتى يلزم العقد، وذلك (كربوي وسلم) وتولية وتشريك وصلح معاوضة على غير منفعة أو دم عمد وهبة بثواب خلافا لظاهر ما في الاصل، قال (صلى الله عليه وسلم): البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر.
رواه الشيخان.
ويقول قال في المجموع منصوب بأو بتقدير إلا أن أو إلى أن كان معطوفا لجزمه، فقال أو يقل (لا) في (بيع عبد منه و) لا (بيع ضمني) لان مقصودهما العتق (و) لا في (قسمة غير ردو) لا في (حوالة) وإن جعلا بيعا لعدم تبادرهما فيه، وقولي لا بيع إلى آخره من زيادتي وخرج بما ذكر غير البيع كإبراء وصلح حطيطة ونكاح وهبة بلا ثواب وشفعة ومساقاة وصداق وشركة وقراض ورهن وكتابة وإجارة ولو في الذمة فلا خيار فيها لانها لا تسمى بيعا.
والخبر إنما ورد في البيع ولان المنفعة في الاجارة تفوت بمضي الزمن فألزمنا العقد لئلا يتلف جزء من المعقود عليه لا في مقابلة العوض، وخالف القفال وطائفة فقالوا بثبوت الخيار في الواردة على الذمة كالسلم.
ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة (وسقط خيار من اختار لزومه) أي البيع منهما كأن يقولا اخترنا لزومه أو أمضيناه أو
ألزمناه أو أجزناه فيسقط خيارهما، أو من أحدهما كأن يقول اخترت لزومه فيسقط خياره ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا نعم لو كان المبيع ممن يعتق عليه سقط خياره حينئذ أيضا للحكم بعتق المبيع، ولو قال أحدهما للآخر اختر أو خيرتك سقط خياره لتضمنه الرضا للزوم وبقي خيار الآخر ولو اختار أحدهما لزوم البيع والآخر فسخه قدم الفسخ وإن تأخر عن الاجازة لان إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ دون الاجارة لاصالتها.
(و) سقط خيار (كل) منهما (بفرقة بدن) منهما أو من أحدهما عن مجلس العقد للخبر السابق (عرفا) فما يعده الناس فرقة يلزمه به العقد ومالا فلا، فإن كانا في دار صغيرة فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها أو يصعد سطحها أو كبيرة، فبأن ينتقل أحدهما من صحنها إلى صفتها أو بيت من بيوتها أو في صحراء أو سوق فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا (طوعا) من زيادتي، فمن اختار أو فارق مكرها لم ينقطع خياره وإن لم يسد فمه في الثانية فإن لم يخرج معه الآخر فيها بطل خياره إلا أن منع من الخروج معه ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كالهارب وإن لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول مع كون الهارب فارق مختارا وإذا ثبت خيار المجلس

(1/289)


(فيبقى ولو طال مكثهما أو تماشيا منازل) وإن زادت المدة على ثلاثة أيام للخبر السابق (ولو مات) العاقد (أو جن) أو أغمي عليه في المجلس (انتقل) الخيار (لوارثه أو وليه) من حاكم أو غيره كخيار الشرط والعيب، وفي معنى من ذكر موكل العاقد وسيده ويفعل الولي ما فيه المصلحة من الفسخ والاجازة فإن كانا في المجلس فظاهر أو غائبين عنه وبلغهما الخبر امتد الخيار لهما امتداد مجلس بلوغ الخبر (وحلف نافي) فرقة أو فسخ قبلها) أي قبل الفرقة بأن جاء معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر فيصدق النافي لموافقته الاصل وذكر التحليف من زيادتي.
فصل في خيار الشرط.
(لهما) أي للعاقدين وهذا أولى من قوله ولاحدهما (شرط خيار.
لهما أو لاحدهما سواء

(1/290)


أشرطا إيقاع أثره منهما أم من أحدهما أم من أجنبي كالعبد المبيع، وسواء أشرطا ذلك من واحد أم من اثنين مثلا ولو على أن يوقعه أحدهما لاحد الشارطين والآخر للآخر وليس لشارطه، للاجنبي خيار إلا أن يموت الاجنبي في زمن الخيار وليس لوكيل أحدهما شرطه للآخر، ولا لاجنبي بغير إذن موكله وله شرطه لموكله ولنفسه (في) كل (ما) أي بيع (فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق) فيه المبيع فلا يجوز شرطه (لمشتر) للمنافاة وهذا من زيادتي، (أو) في (ربوي وسلم) فلا يجوز شرطه فيهما لاحد لاشتراط القبض فيهما في المجلس و ما شرط فيه ذلك لا يحتمل الاجل فأولى أن لا يحتمل الخيار لانه أعظم غررا منه لمنعه الملك ولزومه، واستثنى النووي مع ذلك ما يخاف فساده مدة الخيار فلا يجوز شرطه لاحد وهو ظاهر واستثنى الجوري المصراة فقال لا يجوز اشتراط خيار الثلاث فيها للبائع لانه يمنع الحلب وتركه مضر بالبهيمة، حكاه عنه في المطلب، وإنما يجوز شرطه (مدة معلومة) متصلة بالشرط متوالية (ثلاثة) من الايام (فأقل) بخلاف ما لو أطلق أو قدر بمدة مجهولة أو زائدة على الثلاثة وذلك لخبر الصحيحين عن ابن عمر قال ذكر رجل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه يخدع في البيع فقال له: من بايعت فقل لا خلابة رواه البيهقي بإسناد حسن بلفظ إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال.
وفي رواية للدارقطني عن عمر فجعل له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عهدة ثلاثة أيام.
وخلابة بكسر المعجمة بالموحدة: الغبن والخديعة قال في الروضة كأصلها اشتهر في الشرع أن قوله لا خلابة عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثة أيام، والواقعة في الخبر الاشتراط من المشتري وقيس به الاشتراط من البائع ويصدق ذلك بالاشتراط منهما معا وبكل حال لا بد من اجتماعهما عليه كما عرف مما مر، وتحسب المدة المشروطة (من) حين (الشرط) للخيار سواء أشرط في العقد أم في مجلسه، فهذا أعم من قوله من العقد ولو شرط في العقد من الغد بطل العقد وإلا لادى إلى جوازه بعد
لزومه، ولو شرط لاحد العاقدين يوم وللآخر يومان أو ثلاثة جاز

(1/291)


(والملك) في المبيع مع توابعه من فوائده كنفوذ عتق وحل وطئ (فيها) أي في مدة الخيار (لمن انفرد بخيار) من بائع ومشتر (وإلا) بأن كان الخيار لهما (فموقوف فإن تم البيع بان أنه) أي الملك فيما ذكر (لمشتر من) حين (العقد وإلا فلبائع).
وكأنه لم يخرج عن ملكه ولا فرق فيه بين خيار الشرط وخيار المجلس وكونه لاحدهما بأن يختار الآخر لزوم العقد وحيث حكم بملك المبيع لاحدهما حكم بملك الثمن للآخر وحيث وقف وقف ملك الثمن، وتعبيري بالملك لشموله ملك المبيع وتوابعه أولى من تعبيره بملك المبيع (ويحصل الفسخ) للعقد في مدة الخيار (بنحو فسخت) البيع كرفعته واسترجعت المبيع (والاجارة) فيها (بنحو أجزت) البيع كأمضيته أو لزمته، (والتصرف) فيها (كوطئ وإعتاق وبيع وإجارة وتزويج ووقف) للمبيع (من بائع) والخيار له أولهما (فسخ) للمبيع لاشعاره بعدم البقاء عليه.
وصح ذلك عنه أيضا لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له، (ومن مشتر) والخيار له أولهما (إجازة) للشراء لاشعاره بالبقاء عليه والاعتاق نافذ منه إن كان الخيار له أو أذن له البائع، وغير نافذ إن كان للبائع وموقوف إن كان لهما ولم يأذن له البائع.
ووطؤه حلال إن كان الخيار له وإلا فحرام، وقول الاسنوي أنه حلال إن أذن له البائع مبنى على أن مجرد الاذن في التصرف إجازة، وهو بحث للنووي والمنقول خلافه والبقية صحيحة إن كان الخيار له أو أذن له البائع وإلا فلا وظاهر أن الوطئ إنما يكون فسخا أو إجازة إذا كان الموطوء أنثى لا ذكرا ولا خنثى، فإن بانت أنوثته ولو بإخباره تعلق الحكم بذلك الوطئ وتعبيري بالتصرف مع تمثيلي بما ذكر أعم مما عبر به (لا عرض) للمبيع (على بيع وأذن فيه) في مدة الخيار فليسا فسخا ولا إجازة للبيع لعدم إشعارهما من البائع بعدم البقاء عليه ومن المشتري بالبقاء عليه لاحتمالهما في التردد في الفسخ في والاجازة، وتعبيري بالاذن لشموله الاذن للمشتري ليبيع عن نفسه أعم من تعبيره بالتوكيل.
فصل في خيار العيب وما يذكر معه.
(لمشتر) بقيد زدته بقولي (جاهل) بما يأتي (خيار بتغرير فعلي وهو حرام) للتدليس والضرر (كتصرية) لحيوان ولو غير مأكول، وهي أن يترك حلبه قصدا مدة قبل بيعه ليوهم

(1/292)


المشتري كثرة اللبن، والاصل في تحريمها خبر الصحيحين لا تصروا الابل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك أي بعد النهي فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.
وقيس بالابل والغنم غيرهما بجامع التدليس وتصروا بوزن تزكوا من صرى الماء في الحوض جمعه فلو لم يقصد التصرية لنسيان أو نحوه ففي ثبوت الخيار وجهان في الشرحين والروضة، أحدهما المنع وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير لعدم التدليس وأصحهما عند القاضي والبغوي ثبوته لحصول الضرر، ورجحه الاذرعي وقال أنه قضية نص الام (وتحمير وجه وتسويد شعر وتجعيده) الدال على قوة البدن وهو ما فيه التواء وانقباض لا مفلفل السودان (وحبس ماء قناة أو) ماء (رحى أرسل) كل منهما (عند البيع) وتعبيري بالتغرير الفعلي مع تمثيلي له بما ذكر أعم مما عبر به (لا لطخ ثوبه) أي الرقيق (بمداد) تخييلا لكتابته فأخلف، فلا خيار فيه إذ ليس فيه كبير غرر لتقصير المشتري بعدم امتحانه والسؤال عنه (وبظهور عيب) بقيد زدته بقولي (باق) بأن لم يزل قبل الفسخ (ينقص) بفتح الياء وضم القاف أفضح من ضم الياء وكسر القاف المشددة، (العين نقصا يفوت به غرض صحيح أو) تنقص (قيمتها وغلب في جنسها) أي العين (عدمه)، إذ الغالب في الاعيان السلامة وخرج بالقيد الاول ما لو زال العيب قبل الفسخ وبالثاني قطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا فلا خيار بهما، وبالثالث ما لا يغلب فيه ما ذكر كقلع سن في الكبر وثيوبة في أوانها في الامة فلا خيار به وإن نقصت القيمة به وذلك (كخصاء) بالمد لحيوان لنقصه المفوت للغرض من الفحل، فإنه يصلح لما لا يصلح له الخصي وإن زادت
قيمته باعتبار آخر رقيقا كان الحيوان أو بهيمة فقولي كخصاء أعم من قوله كخصاء رقيق (وجماح) منه بالكسر أي امتناعه على راكبه، (وعض) ورمح لنقص القيمة بذلك (وزنا وسرقة وإباق) من رقيق أي بكل منها وإن لم تتكرر تاب عنه أو لم يتب لذلك ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا خلافا للهروي في الصغير، (وبخر) منه وهو الناشئ من تغير المعدة لما مر ذكرا كان أو أنثى.
أما تغير الفم لقلح الاسنان فلا لزواله بالتنظيف (وصنان) منه إن خالف العادة بأن يكون مستحكما لما مر ذكرا كان أو أنثى أما الصنان لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فلا، (وبول) منه (بفراش) إن خالف العادة بأن اعتاده في غير أوانه لما مر ذكرا كان أو أنثى، فقولي من زيادتي (إن خالف العادة) راجع للمسألتين سواء (أحدث) العيب (قبل القبض) للمبيع بأن قارن العقد أم حدث بعده قبل القبض لان المبيع حينئذ من ضمان البائع (أو) حدث (بعده) أي القبض (واستند لسبب متقدم) على

(1/293)


القبض (كقطعة) أي المبيع العبد أو الامة (بجناية سابقة) على القبض جهلها المشترى، لانه لتقدم سببه كالمتقدم فإن كان عالما به فلا خيار له ولا أرش (ويضمنه) أي المبيع (البائع) بجميع الثمن (بقتله بردة) مثلا (سابقة) على قبضه جهلها المشتري.
لان قتله لتقدم سببه كالمتقدم فينفسخ البيع فيه قبيل القتل فإن كان المشتري عالما بها فلا شئ له (لا بموته بمرض سابق) على قبض جهله المشتري، فلا يضمنه البائع لان المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت فلم يحصل بالسابق وللمشتري أرش المرض وهو ما بين قيمة المبيع صحيحا ومريضا من الثمن فإن كان المشتري عالما به فلا شئ له.
ويتفرع على مسألتي الردة والمرض مؤنة التجهيز فهي على البائع في تلك وعلى المشتري في هذه (ولو باع) حيوانا أو غيره) (بشرط براءته من العيوب) في المبيع، (برئ عن عيب باطن بحيوان موجود) فيه (حال العقد جهله) بخلاف غير العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب في غير الحيوان ولا فيه لكن حدث بعد البيع وقبل القبض مطلقا لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا
عند العقد، ولا عن عيب ظاهر في الحيوان علمه البائع أولا، ولا عن عيب باطن في الحيوان علمه والاصل في ذلك ما رواه البيهقي وصححه أن ابن عمر باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة فقال له المشتري به داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى أن يحلف وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة، دل قضاء عثمان على البراءة في صورة الحيوان المذكورة وقد وافق اجتهاده فيها اجتهاد الشافعي رضي الله عنه وقال: الحيوان يتغذى في الصحة والسقم وتحول طباعه فقلما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، أي فيحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من الخفي دون ما يعلمه مطلقا في حيوان أو غيره، لتلبيسه فيه وما لا يعلمه من الظاهر فيهما لندرة خفائه عليه أو من الخفي في غير الحيوان كالجوز واللوز، إذ الغالب عدم تغيره بخلاف الحيوان والبيع مع الشرط المذكور صحيح مطلقا كما علم من باب المناهي لانه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة من العيوب (ولو شرط البراءة عما يحدث) منها قبل القبض ولو مع الموجود منها (لم يصح) الشرط لانه إسقاط للشئ قبل ثبوته، فلا يبرأ من ذلك ولو شرط البراءة عن عيب عينه فإن كان مما لا يعاين كزنا أو سرقة أو إباق برئ منه لان ذكرها إعلام بها، وإن كان مما يعاين كبرص فإن أراه إياه فكذلك وإلا فلا يبرأ منه لتفاوت الاغراض باختلاف قدر محله (ولو تلف بعد قبضه) أي

(1/294)


المشتري (مبيع) بقيد زدته بقولي (غير ربوي بيع بجنسه) حسيا كان التلف أو شرعيا، كأن أعتقه أو وقفه أو استولد الامة (ثم علم عيبا به فله أرش) لتعذر الرد بفوات المبيع وسمي المأخوذ أرشا لتعلقه بالارش وهو الخصومة، فلو اشترى من يعتق عليه أو غيره بشرط العتق وأعتقه ثم علم بعيبه استحق الارش كما رجحه السبكي من وجهين لا ترجيح فيهما في الروضة كأصلها.
أما الربوي المذكور كحلي ذهب بيع بوزنه ذهبا فبان معيبا بعد تلفه فلا أرش فيه وإلا لنقص الثمن فيصير الباقي منه مقابلا بأكثر منه وذلك ربا (وهو) أي الارش (جزء من ثمنه) أي المبيع
(بنسبته إليه) أي نسبة الجزء إلى الثمن، (كنسبة ما نقص العيب من القيمة لو كان) المبيع (سليما إليها) فلو كانت قيمته بلا عيب مائة وبه تسعين فنسبة النقص إلى القيمة عشر فالارش عشر الثمن وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لان المبيع مضمون على البائع بالثمن، فيكون جزؤه مضمونا عليه بجزء من الثمن فإن كان قبضه رد جزأه وإلا سقط عن المشتري طلبه (ولو رده) المشتري بعيب (وقد تلف الثمن) حسا أو شرعا، كأن أعتقه أو تعلق به حق لازم كرهن وشفعة (أخذ بدله) من مثل أو قيمة.
(ويعتبر أقل قيمتهما) أي المبيع والثمن المتقومين (من) وقت (بيع إلى) وقت (قبض) لان قيمتهما إن كانت وقت البيع أقل فالزيادة في

(1/295)


المبيع حدثت في ملك المشتري، وفي الثمن حدثت في ملك البائع أو كانت وقت القبض أو بين الوقتين أقل فالنقص في المبيع من ضمان البائع وفي الثمن من ضمان المشتري فلا يدخل في التقويم، وذكر ذلك في الثمن من زيادتي (ولو ملكه) أي المبيع (غيره) بعوض أو بدونه (فعلم) هو (عيبا فلا أرش) له لانه قد يعود له (فإن عاد) برد بعيب أو غيره كإقالة وهبة وشراء (فله رده) لزوال المانع وكتمليكه رهنه وغصبه ونحوهما، (والرد) بالعيب ولو بتصرية (فوري) فيبطل بالتأخير بلا عذر.
وأما خبر مسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام لاحالة نقص اللبن قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو غير ذلك، ويعتبر الفور (عادة فلا يضر نحو صلاة وأكل دخل وقتهما) كقضاء حاجته، وتكميل لذلك أو لليل وقيد ابن الرفعة كون الليل عذرا بكلفة السير فيه وأفهمه كلام المتولي ولا بأس بلبس ثوبه وإغلاق بابه ولا يكلف العدو في المشي والركض في الركوب ليرد، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به، وظاهر أن الكلام في بيع الاعيان بخلاف ما في الذمة لان المقبوض عنه لا يملك إلا بالرضا، ولانه غير معقود عليه ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب عهده بالاسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وبجهل فوريته إن خفي عليه (فيرده) أي المشتري (ولو بوكيله) على البائع أو موكله أو وكيله أو وليه أو وارثه، فتعبيري بما ذكر أعم
مما عبر به (أو يرفع الامر لحاكم) ليفصله إن كان بالبلد ويرد عليه (وهو آكد) في الرد (في حاضر) بالبلد مما يرد عليه لانه ربما أحوجه إلى الرفع.
(وواجب في غائب) عنها بأن يدعي رافع الامر شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه ثم ظهر العيب وأنه فسخ البيع ويقيم البينة

(1/296)


بذلك ويحلفه أن الامر جرى كذلك ويحكم بالرد على البائع الغائب، ويبقى الثمن دينا عليه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويقضي الدين من مال الغائب فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه، ولا ينافي ذلك ما ذكره الشيخان في باب المبيع قبل القبض عن صاحب التتمة وأقراه أن للمشتري بعد فسخه بالعيب حبس البيع إلى استرجاع ثمنه من البائع لان القاضي ليس بخصم فيؤمن بخلاف البائع (وعليه) أي المشتري (إشهاد) لعدلين أو عدل (بفسخ في طريقه) إلى المردود عليه أو حاكم (أو) حال (توكيله أو عذره) كمرض وغيبة عن بلد المردود عليه وخوف من عدو، وقد عجز عن التوكيل في الثلاث وعن المضي إلى المردود عليه والرفع إلى الحاكم أيضا في الغيبة احتياطا ولان الترك يؤذن بالاعراض، وقولي أو توكيله أو عذر من زيادتي (فإن عجز) عن الاشهاد بالفسخ (لم يلزمه تلفظ به) أي بالفسخ إذ يبعد لزومه من غير سامع فيؤخره إلى أن يأتي به عند المردود عليه أو الحاكم (و) عليه (ترك استعمال لا) ترك (ركوب ما عسر سوقه وقوده) فلو علم العيب وهو راكب فاستدامه فكابتدائه بخلاف ما لو علم عيب الثوب في الطريق وهو لابسه لا يلزم نزعه لانه غير معهود.
وقال الاسنوي ويتعين تصويره في ذوي الهيئات ومثله النزول عن الدابة انتهى.
(فلو استخدم رقيقا) كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب (أو ترك على دابة سرجا أو إكافا) بكسر الهمزة أشهر من ضمها وهو ما تحت البرذعة، وقيل نفسها وقيل ما فوقها (فلا رد ولا أرش) لاشعار ذلك بالرضا بالعيب بخلاف ترك نحو لجام (ولو حدث عنده عيب) واطلع على عيب قديم (سقط الرد
القهري) لاضراره بالبائع (ثم إن رضي به) أي بالعيب (البائع رده عليه) المشتري بلا أرش للحادث، (أو قنع به) بلا أرش للقديم (وإلا) أي وإن لم يرض به البائع (فإن اتفقا) بقيد زدته بقولي (في غير الربوي) السابق (على فسخ أو إجازة مع أرش) للحادث أو القديم بأن يغرم المشتري للبائع أرش الحادث ويفسخ أو يغرم البائع للمشتري أرش القديم ولا يفسخ فذاك ظاهر (وإلا) بأن طلب أحدهما الفسخ مع أرش الحادث والآخر الاجازة مع أرش القديم (أجيب طالبها)، سواء أكان الطالب المشتري أم البائع لما فيه من تقرير العقد.
أما الربوي فيتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث (وعليه) أي المشتري (إعلام بائع فورا بالحادث) مع القديم ليختار ما تقدم من أخذ المبيع أو تركه أو إعطاء الارش (فإن أخر) إعلامه (بلا عذر فلا رد) له به (ولا أرش) منه لاشعار

(1/297)


التأخير بالرضا به نعم لو كان الحادث قريب الزوال غالبا كرمد وحمى عذر على أحد قولين في انتظار زواله ليرد المبيع سالما من الحادث، وهذا ما جزم به في الانوار وقد يؤخذ من كلام الشرح الصغير ترجيح المنع ولو زال الحادث قبل علمه بالقديم فله الرد أو بعد اخد أرش القديم أو قبله بعد القضاء بالارش فلا رد، ولو تراضيا بغير قضاء فله الرد ولو زال القديم قبل أخد أرشه لم يأخذه أو بعد أخذه رده (ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض نعام وجوز وتقوير بطيخ)، بكسر الباء أشهر من فتحها (مدود بعضه) بكسر الواو، (رد) ما ذكر بالعيب القديم (ولا أرش) عليه للحادث لانه معذور فيه والتقييد في البيض بالنعام وفي المدود بالبعض من زيادتي.
وخرج بالاول بيض غير النعام فلا رد لتبين بطلان البيع لوروده على غير متقوم وبالثاني المدود كله فكذلك، فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه كتقوير بطيخ حامض يمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه وكتقوير كبير يستغنى عنه بصغير سقط الرد القهري كسائر العيوب الحادثة، (وليرد مع المصراة المأكولة صاع تمر) بدل اللبن المحلوب (وإن قل اللبن) لخبر الصحيحين
السابق، وإن اشتراها بصاع أو أقل أو ردها بعيب آخر هذا (إن لم يتفقا على) رد (غير الصاع) من اللبن أو غيره سواء أتلف اللبن أم لا بخلاف ما إذا لم تحلب أو اتفقا على الرد، وتعبيري بذلك أعم وأولى مما عبر به.
والعبرة في التمر بالمتوسط من تمر البلد فإن فقد فقيمته بأقرب بلد التمر إليه.
وقيل بالمدينة الشريفة وعلى نقله عن الماوردي اقتصر في الروضة كأصلها وعلى مقتضاه جريت في شرح البهجة الكبير والماوردي لم يرجح شيئا بل حكى الوجهين بلا ترجيح.
قال السبكي وغيره والاول أصح أخذا من كلام الشافعي ثم العبرة بقيمته وقت الرد وخرج بالمأكولة غيرها كأمة وأتان فلا يرد معهما شيئا لان لبن الامة لا يعتاض عنه غالبا ولبن الاتان نجس، أما رد غير المصراة بعد الحلب فكالمصراة على كلام ذكرته في شرح الروض (فروع) (لا يرد) قهرا (بعيب بعض ما بيع صفقة) و إن لم ينقص البعض برده، فلو اشترى عبدين معيبين أو سليما ومعيبا صفقة فليس له رد أحدهما قهرا لما فيه من تفريق الصفقة وله ردهما لانتفاء ذلك، فعلم أن له رد البعض فيما إذا تعددت الصفقة بتعدد البائع أو المشتري أو بتفصيل الثمن وأنه لا رد إن لم تتعدد فيما لا ينقص بالتبعيض كالحبوب وهو ما اقتضاه كلام ابن المقري وغيره من وجهين أطلقهما في الروضة كأصلها، وأما نصه في الام والبويطي على

(1/298)


جواز ذلك فمحمول على تراضي المتعاقدين به، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بعبدين (ولو اختلفا في قدم عيب) يمكن حدوثه (حلف بائع) فيصدق لموافقته للاصل من استمرار العقد وإنما حلف لاحتمال صدق المشتري نعم لو ادعى قدم عيبين فأقر البائع بقدم أحدهما، وادعى حدوث الآخر فالمصدق المشتري بيمينه لان الرد ثبت بإقرار البائع بأحدهما فلا يبطل بالشك ويحلف (كجوابه) على القاعدة الآتية في كتاب الدعوى والبينات، فإن قال في جوابه ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره أو لا يلزمني قبوله أو ما أقبضته وبه هذا العيب أو ما أقبضته إلا سليما من العيب حلف على ذلك ليطابق الحلف الجواب ولا يكلف في الاولين
التعرض لعدم العيب وقت القبض لجواز أن يكون المشتري علم الغيب ورضي به ولو نطق البائع بذلك كلف البينة عليه.
ولا يكفي في الجواب والحلف ما علمت به هذا العيب عندي وله الحلف على البت اعتمادا على ظاهر السلامة إذا لم يعلم أو يظن خلافه وتصديقه فيما ذكر بالنسبة لمنع الرد لا لتغريم أرش، فلو حلف ثم جرى فسخ بتحالف فطالب بأرش الحادث لم يجب إليه لان يمينه وإن صلحت للدفع عنه لا تصلح لشغل ذمة المشتري بل للمشتري أن يحلف الآن أنه ليس بحادث كما في الوسيط تبعا للقاضي والامام، فإن لم يمكن حدوث العيب عند المشتري كشين الشجة المندملة والبيع أمس صدق المشتري بلا يمين ولو لم يمكن تقدمه كجرح طري، والبيع والقبض من سنة صدق البائع بلا يمين (وزيادة) في المبيع أو الثمن (متصلة كسمن) وتعلم صنعة وكبر شجرة (تتبعه) في الرد إذ لا يمكن إفرادها (كحمل قارن بيعا فإنه يتبع أمه في الرد وإن انفصل إن كان له الرد بأن تنقص أمه بالولادة أو كان جاهلا بالحمل وذلك بناء على أن الحمل يعلم ويقابل بقسط من الثمن، فإن نقصت بها وكان عالما بالحمل لم يردها بل له الارش كما علم مما مر، وخرج بالمقارن الحادث في ملك المشتري فلا يتبع في الرد بل هو له يأخذه إذا انفصل (و) زيادة (منفصلة كولد وأجرة) وثمرة (لا تمنع ردا) بالعيب عملا بمقتضى العيب نعم ولد الامة الذي لم يميز يمنع الرد لحرمة التفريق بينهما كما مر في باب المناهي، (كاستخدام) للمبيع من مشتر أو غيره أو للثمن من بائع أو غيره (ووطئ) بغير زنا منها قبل القبض أو بعده فإنهما لا يمنعان الرد (وهي) أي الزيادة المنفصلة (لمن حدثت في ملكه) من مشتر أو بائع وإن رد قبل القبض لانها فرع ملكه ولان الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله، وتعبيري بذلك أعم من قوله للمشتري (وزوال بكارة) للامة المبيعة من مشتر أو غيره ولو بوثبة فهو أعم من قوله، وافتضاض البكر (عيب) بها فإن حدث بعد قبضها ولم يستند لسبب متقدم جهله المشتري منع الرد أو

(1/299)


قبله فإن كان من المشتري فلا رد له بالعيب واستقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها، فإن قبضها لزمه الثمن بكماله وإن تلفت قبل قبضها لزمه قدر النقص من الثمن أو إن كان من غيره وأجاز هو البيع فله الرد بالعيب، ثم إن كان زوالها من البائع أو بآفة أو بزواج سابق فهدر أو من أجنبي فعليه الارش إن زالت بلا وطئ أو بوطئ زنا منها وإلا لزمه مهر بكر مثلها بلا إفراد أرش، ويكون للمشتري لكنه إن رد بالعيب سقط منه قدر الارش للبائع وما ذكر من وجوب مهر بكر هنا لا يخالف ما في الغصب والديات من وجوب مهر ثبت وأرش بكارة لان ملك المالك هنا ضعيف فلا يحتمل شيئين بخلافه ثم ولهذا لم يفرقوا ثم بين الحرة والامة ولا ما في آخر البيوع المنهى عنها في المبيعة بيعا فاسدا من وجوب مهر بكر وأرش لوجود العقد المختلف في حصول الملك به ثم كما في النكاح الفاسد بخلافه فيما ذكر.
باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده والتصرف في ماله تحت يد غيره مع ما يتعلق بهما (المبيع قبل قبضه من ضمان بائع) بمعنى انفساخ البيع أو إتلاف بائع وثبوت الخيار بتعيبه أو تعيب بائع أو أجنبي وبإتلاف أجنبي كما يأتي (وإن أبرأه) منه (مشتر) لانه إبراء عما لم يجب، (فإن تلف) بآفة (أو أتلفه بائع انفسخ) البيع لتعذر قبضه فيسقط الثمن عن المشتري وينتقل الملك في المبيع للبائع قبيل التلف وكالتلف وقوع درة في بحر وانفلات طير أو صيد متوحش وانقلاب العصير خمرا واختلاط متقوم بآخر ولم يتميز.
أما غصب المبيع إو إباقة أو جحد البائع له فمثبت للخيار وأما غرق الارض أو وقوع صخرة عليها لا يمكن رفعها فرجح الشيخان هنا أنه تعيب، وفي الاجارة أنه تلف والفرق لائح (وإتلاف مشتر) له بغير حق (قبض) له (وإن جهل) أنه المبيع كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفا للغاصب ولو جاهلا بأنه طعامه، فإن الغاصب يبرأ بذلك أما إتلافه له بحق كصيال وقود وكردة، والمشتري الامام فليس بقبض وفي معنى إتلافه ما لو اشترى أمة فأحبلها أبوه وما لو اشترى السيد من مكاتبه أو الوارث من مورثه شيئا ثم عجز المكاتب أو مات المورث (وخير) مشتر (بإتلاف أجنبي) بين
الاجارة والفسخ لفوات غرضه في العين، (فإن أجاز) البيع (غرمه) البدل (أو فسخ البائع) إياه فلا ينفسخ البيع بإتلاف الاجنبي لقيام البدل مقام المبيع، وهذا الخيار على التراخي كما اقتضاه كلام القفال لكن نظر فيه القاضي وإتلاف أعجمي وغير مميز بأمر غيرهما كإتلافه ومحل الخيار في غير الربوي، وفيما إذا كان

(1/300)


الاجنبي أهلا للالتزام ولم يكن إتلافه بحق وإلا فينفسخ البيع (ولو تعيب) المبيع بآفة قبل قبضه (أو عيبه بائع فرضيه) مشتر) فيهما (أو عيبه مشتر أخذه بالثمن) ولا أرش لقدرته على الفسخ في الاولين، وحصول العيب بفعله في الثالثة (أو) عيبه (أجنبي) أهل للالتزام بغير حق (خير المشتري) بين الاجازة والفسخ، (فإن أجاز) البيع (وقبض) المبيع (غرمه الارش) وإن فسخ غرمه البائع إياه وخرج بزيادتي وقبض ما لو أجاز ولم يقبض، فلا تغريم لجواز تلفه فينفسخ البيع والمراد بالارش في الرقيق ما يأتي في الديات وفي غيره ما نقص من قيمته، ففي يد الرقيق نصف قيمته لا ما نقص منها (ولا يصح تصرف ولو مع بائع بنحو بيع ورهن) كهبة وكتابة وإجارة (فيما لم يقبض وضمن بعقد) كمبيع وثمن وصداق معينات للنهي عن بيع المبيع قبل قبضه في الصحيحين وغيرهما، ولضعف الملك ومحل منع بيع المبيع أو الثمن من البائع أو المشتري إذا لم يكن بعين المقابل أو بمثله إن تلف أو كان في الذمة، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع فيصح ومحل منع رهنه منه إذا رهن بالمقابل وكان له حق الحبس، وإلا جاز على الاصح المنصوص (ويصح) تصرف فيه (بنحو إعتاق ووصية) كإيلاد وتدبير وتزويج ووقف وقسمة وإباحة طعام للفقراء اشتراه جزافا لتشوف الشارع إلى العتق ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق و يكون به المشتري قابضا وفي معناه البقية لكن لا يكون قابضا بالوصية ولا بالتدبير ولا بالتزويج ولا بالقسمة ولا بإباحة الطعام للفقراء إن لم يقبضوه ولا يجوز إعتاقه على مال ولا عن كفارة الغير.
ولم يذكروا لذلك قاعدة، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره، (وله تصرف فيما له بيد غيره مما لا يضمن بعقد كوديعة) و قراض مرهون بعد انفكاكه
وموروث كان للمورث تصرف فيه، وباق بيد وليه بعد رشده (ومأخوذ بسوم) وهو ما يأخذه من يريد الشراء ليتأمله أيعجبه أم لا ومعاد مملوك بفسخ لتمام الملك في المذكورات، ومحله في المملوك بفسخ بعد رد ثمنه لمشتريه وإلا فلا يصح بيعه لان له حبسه إلى استرداد الثمن ولو اكترى صباغا أو قصارا لعمل في ثوب وسلمه، فليس له تصرف فيه قبل العمل وكذا بعده إن لم يكن سلم الاجرة، وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به، (وصح استبدال ولو في صلح عن دين غير مثمن) بقيد زدته بقولي (بغير دين) كثمن في الذمة ودين (قرض وإتلاف) لخبر ابن عمر كنت أبيع الابل بالدنانير وآخد مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسألته عن ذلك فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ.
رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم، والثمن النقد فإن لم يكن أو كانا نقدين فهو ما اتصلت به الباء والمثمن مقابله أما الدين المثمن كالمسلم فيه فلا يصح استبداله بما لا يضمن

(1/301)


إقالة لعدم استقراره، فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ والفسخ.
ولان عينه تقصد بخلاف الثمن المذكور ونحوه وتعبيري بالمثمن وبدين الاتلاف أعم من تعبيره بالمسلم فيه وبقيمة المتلف (كبيعه) أي الدين غير المثمن (لغير من هو) (عليه) بغير دين (كأن باع) لعمرو (مائة له على زيد بمائة)، فإنه صحيح كما رجحه في الروضة هنا وفي أصلها آخر الخلع كبيعه ممن هو عليه وهو الاستبدال السابق.
ورجح في الاصل البطلان لعجزه عن تسليمه والاول محكي عن النص واختاره السبكي، قال ابن الرفعة: ويشترط كون المديون مليئا مقرا وأن يكون الدين حالا مستقرا.
(وشرط) لكل من الاستبدال وبيع الدين لغير من هو عليه (في متفقي علة الربا) كدراهم عن دنانير أو عكسه (قبض) للبدل في الاول وللعوضين في الثاني (في المجلس) حذرا من الربا، فلا يشترط تعيين ذلك في العقد كما لو تصارفا في الذمة (و) شرط (في غيرهما) أي غير متفقي علة الربا كثوب عن دراهم (تعيين) لذلك (فيه) أي في المجلس (فقط) أي لا قبضه فيه كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس، وهذا مقتضى
كلام الاكثرين في بيع الدين لغير من هو عليه، وبه صرح ابن الصباغ وإطلاق الشيخين كالبغوي اشتراط القبض فيه محمول على متفقي علة الربا وخرج بغير دين فيما ذكر الدين أي الثابت قبل، كأن استبدل عن دينه دينا آخرا أو كان لهما دينان على ثالث فباع أحدهما الآخر دينه بدينه فلا يصح سواء اتحد الجنس أم لا للنهي عن بيع الكالئ بالكالئ رواه الحاكم وقال على شرط مسلم وفسر ببيع الدين بالدين كما ورد التصريح به في رواية البيهقي والتصريح باشتراط التعيين في غير الصلح من زيادتي ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز عكسه، وكأن صاحب المؤجل عجله (وقبض غير منقول) من أرض وضياع وشجر وثمرة مبيعة عليها قبل أوان الجذاذ، فتعبيري بذلك أعم من قوله وقبض العقار (بتخليته لمشتر) بأن يمكنه من البائع ويسلمه المفتاح (وتفريغه من متاع غيره) أي غير المشتري نظرا للعرف في ذلك لعدم ما يضبطه شرعا أو لغة، فإن جمع الامتعة التي في الدار المبيعة بمحل منها وخلى بين المشتري وبينها فما سوى المحل مقبوض، فإن نقل الامتعة منه إلى محل آخر صار قابضا للجملة، وتعبيري بمتاع غيره أولى من تعبيره بأمتعة البائع (و) قبض (منقول) من سفينة أو حيوان أو غيرها (بنقله) مع تفريغ السفينة المشحونة بالامتعة نظرا للعرف فيه.
وروى الشيخان عن ابن عمر كنا نشتري الطعام جزافا فنهانا رسول لله (صلى الله عليه وسلم) أن نبيعه حتى ننقله وقيس بالطعام غيره، هذا إن نقله (لما) أي لحيز (لا يختص بائع به) كشارع أو دار للمشتري (أو) يختص به لكن نقله (بإذنه) في النقل للقبض (فيكون) مع حصول القبض به (معيرا له) أي للحيز الذي أذن في النقل إليه للقبض،

(1/302)


فإن لم يأذن إلا في النقل لم يحصل القبض المفيد للتصرف وإن حصل لضمان اليد ولا يكون معيرا للحيز وكنقلة بإذنه نقله إلى متاع مملوك له أو معار في حيز يختص البائع به قاله القاضي ويمكن دخوله في قولي ما لا يختص بائع به لصدقه بالمتاع فإن كان المنقول خفيفا فقبضه بتناوله باليد ووضع البائع المبيع بين يدي المشتري قبض، نعم إن وضعه بغير أمره
فخرج مستحقا لم يضمنه وقبض الجزء الشائع بقبض الجميع والزائد أمانة بيد القابض (وشرط في غائب) عن محل العقد مع إذن البائع في القبض إن كان له حق الحبس (مضى زمن يمكن فيه قبضه) بأن يمكن فيه المضي إليه والنقل في المنقول والتخلية والتفريغ في غيره، لان الحضور الذي كنا نوجبه لولا المشقة لا يتأتى إلا بهذا الزمن فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن بقي اعتبار الزمن نعم إن كان المبيع بيد غير المشتري اشترط نقله أو تخليته أيضا، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله يمكن فيه المضي إليه فإن كان المبيع حاضرا منقولا أو غيره ولا أمتعة فيه لغير المشتري وهو بيده اعتبر في قبضه مضى زمن يمكن فيه النقل أو التخلية، ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع إلا إن كان له حق الحبس، هذا كله فيما بيع بلا تقدير بكيل أو غيره فإن بيع بتقدير فسيأتي، وشرط في المقبوض كونه مرئيا للقابض وإلا فكالبيع كما نقله الزركشي عن الامام.
(فروع) (له) أي المشتري (استقلال بقبض) للمبيع (إن كان الثمن مؤجلا) وإن حل (أو) كان حالا كله أو بعضه و (سلم الحال) لمستحقه، فإن لم يسلمه بأن لم يسلم شيئا منه أو سلم بعضه لم يستقل بقبضه فإن استقل به لزمه رده لان البائع يستحق حبسه ولا ينفذ تصرفه فيه لكنه يدخل في ضمانه ليطالب به إن خرج مستحقا وليستقر ثمنه عليه، وقولي أو سلم الحال أولى من قوله أو سلمه أي الثمن، (وشرط في قبض ما بيع مقدرا مع ما مر نحو ذرع) بإعجام الذال من كيل ووزن وعد بأن بيع ذرعا إن كان يذرع، أو وكيلا إن كان يكال، أو وزنا إن كان يوزن، أو عدا إن كان يعد، والاصل في ذلك خبر مسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله دل على أنه لا يحصل فيه القبض إلا بالكيل، مثاله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم أو بعتكها بعشرة على أنها عشرة آصع ثم إن اتفقا على كيال مثلا فذاك وإلا نصب الحاكم أمينا يتولاه فلو قبض ما ذكر جزافا لم يصح القبض، لكن يدخل المقبوض في ضمانه (ولو كان له) أي لبكر (طعام) مثلا (مقدر على زيد) كعشرة آصع (ولعمرو عليه مثله فليكتل لنفسه) من زيد (ثم) يكتل (لعمرو) ليكون القبض والاقباض صحيحين.
(ويكفي استدامته في) نحو (المكيال)
هذا من زيادتي (فلو قال) بكر لعمرة (اقبض منه) أي من زيد (مالي عليه لك ففعل فسد القبض)

(1/303)


بقيد زدته بقولي (له) لاتحاد القابض والمقبض وما قبضه مضمون عليه ولا يلزمه رده لدافعه بل يقبله المقبوض له للقابض، وأما قبضه لبكر فصحيح تبرأ به ذمة زيد لاذنه في القبض منه، (ولكل) من العاقدين بثمن معين أو في الذمة وهو حال (حبس عوضه حتى يقبض مقابلة إن خاف فوته) بهرب أو غيره، وهذا أعم من قوله وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه لما في إجباره على تسليم عوضه قبل قبضه مقابلة حينئذ من الضرر الظاهر، (وإلا) بأن لم يحف فوته (فإن تنازعا) في الابتداء بالتسليم، فقال كل منهما لا أسلم عوضي حتى يسلمني عوضه (أجبرا) بإلزام الحاكم كلا منهما بإحضار عوضه إليه أو إلى عدل، فإذا فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشتري يبدأ بأيهما شاء هذا (إن عين الثمن) كالمبيع، (وإلا) بأن كان في الذمة (فبائع) يجبر على الابتداء بالتسليم لرضاه يتعلق حقه بالذمة، (فإذا أسلم) بإجبار أو بدونه (أجبر مشتر) على تسليمه (إن حضر الثمن) مجلس العقد (وإلا فإن أعسر) به (فلبائع فسخ) بالفلس وأخذ المبيع بشرط حجر الحاكم كما سيأتي في بابه، (أو أيسر فإن لم يكن ماله بمسافة قصر حجر عليه في أمواله) كلها (حتى يسلم) الثمن لئلا يتصرف فيها بما يبطل حق البائع (وإلا) بأن كان ماله بمسافة قصر (فلبائع فسخ).
وأخذ المبيع لتعذر تحصيل الثمن كالافلاس به فلا يكلف الصبر إلا إحضار المال لتضرره بذلك (فإن صبر) إلى إحضاره (فالحجر) يضرب على المشتري في أمواله لما مر ومحل الحجر في هذا وما قبله إذا لم يكن محجورا عليه بفلس وإلا فلا حجر أما الثمن المؤجل فليس للبائع حبس المبيع به لرضاه بتأخيره ولو حل قبل التسليم فلا حبس له أيضا.
باب التولية أصلها تقليد العمل ثم استعملت فيما يأتي (والاشراك) مصدر أشركه أي صيره شريكا، (والمرابحة) من الربح وهو الزيادة، (والمحاطة) من الحط وهو النقص وذكرها في الترجمة من
زيادتي لو (قال مشتر لغيره) من عالم بثمن ما اشتراه أو جاهل به وعلم به قبل قبوله كما يعلم ذلك مما يأتي (وليتك) هذا (العقد فقبل) كقوله قبلته أو توليته (فهو بيع بالثمن الاول) أي بمثله في المثلى، وبقيمته في العرض مع ذكره وبه مطلقا بأن انتقل إليه (وإن لم يذكر) أي الثمن في

(1/304)


عقد التولية، فيشترط فيها ما عدا ذكره من شروط البيع حتى علم المتعاقدين.
ويثبت لها جميع أحكامه حتى الشفعة في شقص مشفوع عفا عنه الشفيع في العقد الاول (ولو حط عنه) أي عن المولى (كله) أي كل الثمن (بعد لزوم تولية أو بعضه) ولو بعد التولية (انحط عن المتولي) لان خاصة التولية التنزيل على الثمن الاول، وخرج بزيادتي كله بعد لزوم تولية ما لو حط كله قبل لزومها سواء أحط قبلها أم بعدها وقبل لزومها فلا تصح التولية لانها حينئذ بيع بلا ثمن سواء في ذلك الحط من البائع أو وارثه أو وكيله.
ومن اقتصر على البائع جرى على الغالب (وإشراك) في المشتري (ببعض مبين كتولية) في شرطها وحكمها كقوله أشركتك فيه بالنصف، فيلزمه نصف مثل الثمن فإن قال أشركتك في النصف كان له الربع إلا أن يقول بنصف الثمن فيتعين النصف كما صرح به النووي في نكته، فلو لم يبين البعض كقوله أشركتك في شئ منه لم يصح للجهل بالمبيع، (فلو أطلق) الاشراك (صح) العقد (مناصفة) بينهما كما لو أقر بشئ لزيد وعمرو وقضية كلام كثير أنه لا يشترط ذكر العقد لكن قال الامام وغيره، يشترط ذكره بأن يقول أشركتك في بيع هذا أو في هذا العقد، ولا يكفي أشركتك في هذا ونقله صاحب الانوار وأقره وعليه أشركتك في هذا كناية (وصح بيع مرابحة كبعت) أي كقول من اشترى شيئا بمائة لغيره بعتك (بما اشتريت) أي بمثله (وربح درهم لكل) أو في كل (عشرة أو ربح ده يازده) هو بالفارسية بمعنى ما قبله، فكأنه قال بمائة وعشرة فيقبله المخاطب وده اسم لعشر ويازده اسم لاحد عشر.
(و) صح بيع (محاطة) وتسمى مواضعه (كبعت) أي كقول من ذكر لغيره بعتك (بما اشتريت وحط ده يازده) فيقبل (ويحط من كل أحد عشر واحد) كما أن الربح في المرابحة واحد من أحد عشر
(ويدخل في بعت بما اشتريت ثمنه) الذي استقر عليه العقد (فقط) وذلك صادق بما فيه حط عما عقد به العقد أو زيادة عليه في زمن خيار المجلس أو الشرط، (و) يدخل في بعت (بما قام على ثمنه ومؤن استرباح) أي طلب الربح فيه (كأجرة كيال) للثمن المكيل (ودلال) للثمن المنادي عليه إلى أن اشترى به المبيع (وحارس وقصار وقيمة صبغ) للمبيع في الثلاثة وكأجرة جمال وختان ومكان وتطيين دار، وكعلف زائد على المعتاد للتسمين وكأجرة طبيب إن اشتراه مريضا، وخرج بمؤن الاسترباح مؤن استيفاء الملك كمؤنة حيوان فلا تدخل ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستوفاة من المبيع (لا أجرة عمله) ولا أجرة (عمل متطوع به) فلا تدخل لان عمله وما تطوع به غيره لم يقم عليه وإنما قام عليه ما بذله وطريقه أن يقول بعتكه

(1/305)


بكذا وأجرة عملي أو عمل المتطوع عني هي كذا، وربح كذا وفي معنى أجرة عمله أجرة مستحقة بملك أو غيره كمكتري (وليعلما) أي المتبايعان وجوبا (ثمنه) أي المبيع في نحو بعت بما اشتريت (أو ما قام به) في بعت بما قام علي فلو جهله أحدهما لم يصح المبيع، (وليصدق بائع) وجوبا (في إخباره) بقدر ما استقر عليه العقد أو ما قام به المبيع عليه وبصفته كصحة وتكسير وخلوص وغش وبقدر أجل وبشراء بعرض قيمته كذا وبعيب حادث وقديم وإن اقتصر الاصل على الحادث وبغبن وشراء من موليه وبأنه اشتراه بدين من مماطل أو معسر إن كان البائع كذلك، لان المشتري يعتمد أمانته فيما يخبر به من ذلك لاعتماد نظره فيخبر مصادقا بذلك.
ولان الاغراض تختلف بذلك لان الاجل يقابله قسط من الثمن والعرض يشدد في البيع به فوق ما يشدد في البيع بالنقد والعيب الحادث، تنقص القيمة به عما كان حين شرائه واختلاف الغرض بالقديم وبالبقية ظاهر، فلو ترك الاخبار بشئ من ذلك فالبيع صحيح لكن للمشتري الخيار لتدليس البائع عليه بترك ما وجب عليه، وستأتي الاشارة إلى ذلك وإطلاقي الاخبار أولى من تقييده بما قال (فلو أخبر) بأنه اشتراه (بمائه) وباعه ومرابحة أي بما اشتراه وربح درهم لكل عشرة كما مر
(فبان) أنه اشتراه (بأقل) بحجة أو إقرار (سقط الزائد وربحه) لكذبه (ولا خيار) بذلك لهما، أما البائع فلتدليسه وأما المشتري وهو ما اقتصر عليه الاصل فلانه إذا رضي بالاكثر فبالاقل أولى.
(أو) أخبر بمائة (فأخبر) ثانيا (بأزيد وزعم غلطا) في إخباره أولا بالنقص (فإن صدقه) المشتري (صح) (البيع) كما لو غلط بالزيادة، ولا تثبت له الزيادة وله الخيار لا للمشتري (وإلا) بأن كذبه المشتري (فإن لم يبين) أي البائع (لغلطه) وجها (محتملا) بفتح الميم (لم يقبل قوله ولا بينته) إن أقامها عليه لتكذيب قوله الاول لهما، (وإلا) بأن بين لغلطه وجها محتملا كقوله راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره أو جاءني كتاب مزور من وكيلي أن الثمن كذا (سمعت) أي بينته بأن الثمن أزيد، وقيل لا تسمع لتكذيب قوله الاول لها قال في المطلب وهذا هو المشهور في المذهب والمنصوص عليه (وله تحليف مشتر فيهما) أي فيما إذا لم يبين، وما إذا بين (أنه لا يعرف) ذلك لانه قد يقر عند عرض اليمين عليه فإن حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل عن اليمين ردت على البائع بناء على أن اليمين المردودة كالاقرار، وهو الاظهر فيحلف أن ثمنه الازيد وللمشتري الخيار حينئذ بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين فسخه، قال في الروضة وأصلها كذا أطلقوه ومقتضى قولنا في أن اليمين المردودة كالاقرار أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق أي فلا خيار للمشتري قال في الانوار وهو الحق قال وما ذكراه من إطلاقهم غير مسلم فإن المتولي والامام والغزالي أوردوا أنه كالتصديق.

(1/306)


باب بيع (الاصول) وهي الشجر والارض (و) بيع (الثمار) جمع ثمر جمع ثمرة مع ما يأتي (يدخل في بيع أرض أو ساحة أو بقعة أو عرصة) مطلقا (لا في رهنها ما فيها من بناء وشجر وأصول بقل يجز) مرة بعد أخرى، (أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى)، ولو بقيت أصوله دون سنتين خلافا لما يوهمه كلام الاصل فالاول (كقت) بمثناة وهو علف البهائم، ويسمى بالقرط والرطبة
و الفصفصة بكسر الفاءين بالمهملتين والقضب بمعجمة وقيل بمهملة، ونعناع، (و) الثاني نحو (بنفسج) ونرجس وقثاء وبطيخ، وذلك لان هذه المذكورات للثبات والدوام في الارض فتتبعها في البيع بخلاف رهنها لا يدخل فيه شئ من ذلك، و الفرق أن البيع قوي ينقل الملك فيستتبع بخلاف الرهن ويؤخذ منه أن جميع ما ينقل الملك من نحو هبة ووقف كالبيع، وأن ما لا ينقله من نحو إقرار وعارية كالرهن، ومن التعليل السابق تقييد الشجر بالرطب فيخرج اليابس وبه صرح ابن الرفعة وغيره تفقها، وهو قياس ما يأتي من أن الشجرة لا تتناول غصنا يابسا، وعلى دخول أصل البقل في البيع فكل من الثمرة والجذة الظاهرتين عند البيع للبائع فليشترط عليه قطعها لانها تزيد ويشتبه المبيع بغيره سواء أبلغ ما ظهر أوان الجذ أم لا قال في التتمة إلا القصب الفارسي فلا يكلف قطعه إلا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به، وسكت عليه الشيخان وللسبكي فيه نظر ذكرته مع الجواب عنه في شرح الروض، وقولي أو عرصة من زيادتي، وعلم مما تقرر أن ما يؤخذ دفعة واحدة كبروجزر وفجل لا يدخله فيما ذكر لانه ليس للثبات والدوام فهو كالمنقولات في الدار، (وخير مشتر في بيع أرض فيها زرع لا يدخل) فيها (إن جهله وتضرر) به لتأخير انتفاعه بالارض فإن علمه أو لم يتضرر به كأن تركه البائع له وعليه القبول أو قال أفرغ الارض وقصر زمن التفريغ، بحيث لا يقابل بأجرة فلا خيار له لانتفاء ضرره.
وقولي وتضرر مع التصريح بلا يدخل من زيادتي (وصح قبضها مشغولة) بالزرع فتدخل في ضمان المشتري بالتخلية لوجود التسليم في عين المبيع، وفارق نظيره في الامتعة المشحونة بها الدار المبيعة حيث تمنع من قبضها بأن تفريغ الدار متأت في الحال بخلاف الارض (ولا أجرة له مدة بقائه)، أي الزرع لانه رضي بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو ابتاع دارا مشحونة بأمتعة لا أجرة له مدة التفريغ، ويبقى ذلك إلى أوان الحصاد أو القلع نعم إن شرط القلع فأخر وجبت الاجرة لتركه الوفاء الواجب عليه وبما ذكر علم ما صرح به الاصل أنه يصح بيع الارض مشغولة بما ذكر كما لو

(1/307)


باع دارا مشحونة بأمتعة، (وبذر) بذال معجمة (كنابته) فدخل في بيع الارض بذر ما يدخل فيها دون بذر مالا يدخل فيها.
وخير المشتري إن جهله وتضرر به وصح قبضها مشغولة به ولا أجرة له مدة بقائه (ولو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد ببيع) كبر لم يرد كأن يكون في سنبله (بطل) البيع (في الجميع) للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع، نعم إن دخل فيها عند الاطلاق بأن كان دائم النبات صح البيع في الكل وكان ذكره تأكيدا كما قاله المتولي وغيره وإن فرضوه في البذر واستشكل فيما إذا لم يره قبل البيع ببيع الجارية مع حملها، ويجاب بأن الحمل غير متحقق الوجود بخلاف ما هنا فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الحمل (ويدخل في بيعها) أي الارض (حجارة ثابتة فيها) مخلوقة كانت أو مبنية لانها من أجزاءها، وقولي ثابتة أعم من قوله مخلوقة (لا مدفونة) فيها كالكنوز فلا تدخل فيها كبيع دار فيها أمتعة، (وخير مشتر إن جهل) الحال (وضر قلعها ولم يتركها له بائع) ضر تركها أولا (أو) تركها له و (ضر تركها) لوجود الضرر.
وقولي ولم يتركها إلى آخره من زيادتي (وإلا) إن علم الحال أو جهله ولم يضر قلعها أو تركها له البائع ولم يضر تركها (فلا) خيار له لعلمه بالحال في الاولى، وانتفاء الضرر في الباقي نعم إن علم بها وجهل ضرر قلعها أو ضرر تركها وكان لا يزول بالقلع فله الخيار كما صرح به الشيخان في الاولى والمتولي في الثانية، (وعلى بائع) حينئذ (تفريغ) للارض من الحجارة بأن يقلعها وينقلها منها، (وتسوية) للحفر الحاصلة بالقلع قال في المطلب بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة مكانه أي وإن لم يستو، وذكر التسوية فيما إذا علم المشتري أو لم يضر القلع من زيادتي، (وكذا) عليه (أجرة) مثل (مدة التفريغ) الواقع (بعد قبض) لا قبله (حيث خير مشتر) لان التفريغ المفوت للمنفعة مدته جناية من البائع وهي مضمونة عليه بعد القبض لا قبله، قال البلقيني، فلو باع البائع الاحجار بطريقه فهل يحل المشتري محل البائع أو تلزمه الاجرة مطلقا لانه أجنبي عن البيع لم أقف فيه على نقل، والاصح الثاني فإن لم يخير فلا أجرة له وإن طالت مدة التفريغ
ولو بعد القبض، وكلزوم الاجرة لزوم الارش لو بقي في الارض بعد التسوية عيب بها قاله الشيخان، واستبعده السبكي، وتعبيري بالتفريغ أولى من تعبيره بالنقل (ويدخل في بيع بستان وقرية أرض وشجر وبناء فيهما) لثباتها لا مزارع حولهما لانها ليست منهما (و) يدخل في بيع (دار هذه) الثلاثة أي الارض والشجر والبناء التي فيها حتى

(1/308)


حمامها (ومثبت فيها للبقاء وتابع له) أي للمثبت (كأبواب منصوبة لا مقلوعة (وحلقها) بفتح الحاء، وإغلاقها المثبتة (وإجانات) بكسر الهمزة وتشديد الجيم ما يغسل فيها (ورف وسلم) بفتح اللام (مثبتات)، أي الاجانات والرف والسلم (وحجري رحى) الاعلى والاسفل المثبت و (مفتاح غلق مثبت) وبئر ماء نعم الماء الحاصل فيها لا يدخل بل لا يصح البيع إلا بشرط دخوله وإلا اختلط ماء المشتري بماء البائع وانفسخ البيع.
وذكر دخول شجر القرية والدار مع تقييد الاجابات بالاثبات من زيادتي (لا منقول كدلو وبكرة) بفتح الكاف وإسكانها مفرد بكر بفتحها (وسرير) وحمام خشب، فلا يدخل في بيع الدار لان اسمها لا يتناولها (و) يدخل (في) بيع (دابة نعلها) لاتصاله بها إلا أن يكون من نحو فضة كبرة البعير (لا) في بيع (رقيق) عبد أو أمة (ثبابه) وإن كانت ساترة العورة، فلا تدخل كما لا يدخل سرج الدابة في بيعها (و) يدخل (في) بيع (شجرة) بقيد زدته بقولي، (رطبة) ولو مع الارض بالتصريح أو تبعا (أغصانها الرطبة وورقها) ولو يابسا أو ورق توت مطلقا، كان البيع أو بشرط قلع أو قطع أو إبقاء لان ذلك يعد منها بخلاف أغصانها اليابسة، لا تدخل في بيعها لان العادة فيها القطع كالثمرة (وكذا) تدخل في (عروقها) ولو يابسة بقيد زدته بقولي (إن لم يشترط قطع) وإلا فلا تدخل عملا بالشرط (لا مغرسها) بكسر الراء أي موضع غرسها فلا يدخل في بيعها لان اسمها لا يتناولها، (و) لكن المشتري (ينتفع به ما بقيت) أي الشجرة تبعا لها (ولو أطلق بيع) شجرة (يابسة لزم مشتريها قلعها) للعادة، فلو شرط قلعها أو قطعها لزم الوفاء به أو بقاؤها بطل البيع.
وبما تقرر علم أن بيع الشجرة اليابسة يدخل فيه أغصانها وورقها
مطلقا وعروقها إن أطلق أو شرط القلع، وأن المشتري لا ينتفع بمغرسها (وثمرة شجر) هو أعم من قوله نخل (مبيع إن شرطت لاحدهما) أي المتبايعين (ف) - هي (له) عملا بالشرط ظهرت الثمرة أم لا (وإلا) بأن سكت عن شرطها لواحدة منهما (فإن ظهر) منها (شئ) بتأبر في ثمرة نخل أو بدونه في ثمرة لا نور لها كتوت أو لها نور وتناثر كمشمش (فهي) كلها (لبائع) كما في ظهور كلها المفهوم بالاولى ولعسر إفراد المشاركة (وإلا) بأن لم يكن ظهور بالوجه المذكور (ف) - هي كلها (لمشتر) لما مر.
ولخبر الصحيحين من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع وقيس بما فيه غيره ومفهومه أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشرطها البائع، وكونها في الاول للبائع صادق بأن تشترط له أو يسكت عن ذلك وكونها في الثاني للمشتري وصادق بمثل ذلك وألحق تأبير بعضها تأبير كلها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر والتأبير ويسمى التلقيح وتشقيق طلع الاناث وذر طلع الذكور

(1/309)


فيه ليجئ رطبها أجود مما لم يؤبر، والمراد هنا تشقق الطلع مطلقا ليشمل ما تأبر بنفسه وطلع الذكور والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه وينبث ريح الذكور إليه وقد لا يؤبر شئ ويتشقق الكل وحكمه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود، (وإنما تكون) أي الثمرة كلها فيما ذكر (لبائع إن اتحد حمل وبستان وجنس وعقد وإلا) بأن تعدد الحمل في العام غالبا كتين وورد أو اختلف شئ من البقية بأن اشترى في عقد بساتين من نخل مثلا أو نخلا وعنبا في بستان واحد أو في عقدين نخلا مثلا والظاهر من ذلك في إحداهما وغيره في الاخر، (فلكل) من الظاهر وغيره (حكمه) للبائع وغيره للمشتري لانقطاع التبعية واختلاف زمن الظهور باختلاف ذلك وانتفاء عسر الافراد بخلاف اختلاف النوع نعم لو باع نخلة وبقي ثمر هاله ثم خرج طلع آخر فإنه للبائع كما صرح به الشيخان قالا لانه من ثمرة العام.
قلت وإلحاقا للنادر بالاعم الاغلب واعلم أنهما سويا بين العنب و التين في حكمه السابق نقلا عن التهذيب توقفا فيه ولي بهما أسوة في التوقف في العنب، ولهذا لم
يذكره الروياني وغيره مع التين وهو الموافق للواقع من أنه لا يحمل في العام مرتين ولعل العنب نوعان نوع يحمل مرة ونوع يحمل مرتين وذكر حكم ظهور البعض في غير النخل مع ذكر اتحاد الحمل والجنس من زيادتي، (وإذا بقيت ثمرة له) أي للبائع بشرط أو غيره كما مر (فإن شرط قطعها لزمها وإلا) بأن شرط الابقاء أو أطلق (فله تركها إليه) أي إلى القطع أي زمنه للعادة، وإذا جاء زمن الجذاذ لم يمكن من أخذ الثمرة على التدريج ولا من تأخيرها إلى نهاية النضج، ولو كانت من نوع يعتاد قطعه قبل النضج كلف القطع على العادة ولو تعذر سقي الثمرة لانقطاع الماء وعظم ضرر الشجر بإبقائها فليس له إبقاؤها وكذا لو أصابها آفة ولا فائدة في تركها على أحد قولين أطلقهما الشيخان وإليه ميل ابن الرفعة.
(ولكل) من المتبايعين في الابقاء (سقي) إن (لم يضر الآخر) وهذا أعم من قوله إن انتفع به شجر وثمر (وإن ضرهما حرم إلا برضاهما) لان الحق لهما لا يعدوهما (أو) ضر (أحدهما وتنازعا) أي المتبايعان في السقي (فسخ) العقد أي فسخه الحاكم لتعذر إمضائه إلا بإضرار بأحدهما فإن سامح المتضرر فلا فسخ، كما فهم من قولي وتنازعا وصرح به الاصل إيضاحا لانه متى سامح المتضرر فلا منازعة، (ولو امتص ثمر رطوبة شجر لزم البائع قطع) للثمر (أو سقي) للشجر دفعا لضرر المشتري.

(1/310)


فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما (جاز بيع ثمر إن بدا صلاحه) وسيأتي تفسيره (مطلقا) أي من غير شرط (وبشرط قطعه أو إبقائه) لخبر الشيخين، واللفظ لمسلم لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه أي فيجوز بعد بدوه وهو صادق بكل من الاحوال الثلاثة والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعدة غالبا وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت متلفه الثمن وبه يشعر قوله (صلى الله عليه وسلم): أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل
أحدكم مال أخيه (وإلا) أي وإن لم يبد صلاحه (فإن بيع وحده) (أي دون أصله (لم يجز) للخبر المذكور (إلا بشرط قطعه)، فيجوز إجماعا بشروطه السابقة في البيع من كونه مرئيا منتفعا به إلى غير ذلك (وإن كان أصله لمشتر) فيجب شرط القطع لعموم الخبر والمعنى (لكن لا يلزمه وفاء) به في هذه إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن أصله، على أنه صحح في الروضة في باب المساقاة صحة بيعه له بلا شرط لانهما يحتمعان في ملك شخص واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا ولو باع ثمرة على شجرة مقطوعة لم يجب شرط القطع لانها لا تبقى عليها فيصير كشرط القطع (أو) بيع الثمر (مع أصله) بغير تفصيل (جاز لا بشرط قطعه) لانه تابع للاصل وهو غير متعرض للعاهة أما بيعه بشرط قطعه فلا يجوز لما فيه من الحجر عليه في ملكه.
وفارق جواز بيعه لمالك أصله بشرط قطعه بوجود التبعية هنا لشمول العقد لهما وانتفائها ثم فإن فصل كبعتك الاصل بدينار والثمرة بنصفه لم يصح بيع الثمرة إلا بشرط القطع لانتفاء التبعية، وتعبيري بالاصل أعم من تعبيره بالشجر لشموله بيع البطيخ نحوه وإن خالف الامام والغزالي حيث قالا بوجوب شرط القطع مطلقا في البطيخ ونحوه لتعرض أصله للعاهة.
(وجاز بيع زرع) ولو بقلا (بالاوجه السابقة) في الثمرة وباشتراط القلع كما يعلم مما يأتي (إن بدا صلاحه وإلا ف) - يجوز بيعه (مع أرضه أو بشرط قطعه) كنظيره في الثمر (أو قلعه) لا مطلقا ولو بشرط إبقاءه.
وتعبيري بالاوجه السابقة وببدو الصلاح أعم مما عبر به وعدم اشتراط القطع أو القلع في بيع بقل بدا صلاحه صرح به ابن الرفعة ناقلا له عن القاضي والماوردي، وظاهر نص الام وحمل إطلاق من أطلق كالاصل اشتراط ذلك في بيع الزرع الاخضر على ما لم يبد صلاحه، وقولي أو قلعه من زيادتي وظاهر مما مر في الثمر أنه لا يجوز بيع الزرع مع الارض بشرط القطع أو القلع ومما مر في البيع أنه لا يصح بيع حب مستتر في سنبلة الذي ليس من مصالحه، وأنه لا يضركم لا يزال إلا لاكل وأن ماله كمان يصح بيعه

(1/311)


في الكم الاسفل دون الاعلى (وبدو صلاح ما مر) من ثمر وغيره (بلوغه صفة يطلب فيها غالبا)
وعلامته في الثمر المأكول والمتلون أخذه في حمرة أو سواد أو صفرة كبلح عناب ومشمش وإجاص بكسر الهمزة وتشديد الجيم، وفي غير المتلون منه كالعنب الابيض لينه وتمويهه وهو صفاؤه وجريان الماء فيه وفي نحو القثاء إن تجنى غالبا للاكل وفي الزرع اشتداده بأن يتهيأ لما هو المقصود منه، وفي الورد انفتاحه، فتعبيري بما ذكر المأخود من الروضة كأصلها أعم وأولى من قوله ويبدو صلح الثمر ظهور مبادي النضج والحلاوة فيما لا يتلون، وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السواد (وبدو صلاح بعضه) وإن قل (كظهوره) فيصح بيع كله من غير شرط القطع أن اتحد بستان وجنس وعقد، وإلا فلكل حكمه فيشترط القطع فيما لم يبد صلاحه دون ما بدا صلاحه، وتعبيري بما ذكر لافادته الشرط المذكور أولى مما عبر به (وعلى بائع ما بدا صلاحه) من ثمر وغيره وأبقى (سقيه ما بقي) قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به ويسلم من التلف والفساد لان السقي من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل، فلو شرط على المشتري بطل البيع لانه خلاف قضيته وبما تقرر علم أن ذلك محله عند استحقاق المشتري الابقاء فلو بيع بشرط القطع لم يلزم البائع السقي بعد التخلية (ويتصرف) فيه (مشتريه ويدخل في ضمانه بعد تخلية) وإن لم يشرط قطعه لحصول قبضه بها.
وأما خبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) أمر بوضع الجوائح فمحمول على الندب وبما ذكر علم ما صرح به الاصل أنه لو اشترى ثمرا أو زرعا قبل بدو صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك كان أولى بكونه من ضمانه مما لم يشرط قطعه بعد بدو صلاحه لتفريطه بترك القطع المشروط، أما قبل التخلية فلا يتصرف فيه المشتري وهو من ضمان البائع كنظائره (فلو تلف بترك سقي) من البائع قبل التخلية أو بعدها (انفسخ) البيع وهذا من زيادتي، (أو تعيب به خير مشتر) بين الفسخ والاجازة إن كانت الجائحة من ضمانه لان الشرع ألزم البائع التنمية بالسقي، فالتلف و التعييب بتركه كالتلف والتعييب قبل القبض (ولا يصح بيع ما) هو أعم من قوله ثمر (يغلب) تلاحقه و (اختلاط حادثه بموجوده) وإن بدا صلاحه (كتين وقثاء) وبطيخ لعدم القدرة على تسليمه (إلا بشرط قطعه) عند خوف
الاختلاط فيصح البيع لزوال المحذور ويصح فيما لا يغلب اختلاطه بيعه مطلقا وبشرط قطعه أو إبقاءه كما مر، (فإن وقع اختلاط فيه) هو من زيادتي (أو فيما لا يغلب) اختلاطه (قبل تخلية) سواء أندر وعليه اقتصر الاصل أم تساوى الامران أم جهل الحال (خير مشتر) دفعا لضرر عنه (إن لم يسمح له) به (بائع) بهبة أو إعراض، وإلا فلا خيار له لزوال المحذور وكلام الاصل

(1/312)


كالروضة وأصلها يقتضي تخيير المشتري أولا حتى يجوز له المبادرة بالفسخ، فإن بادر البائع وسمح سقط خياره قال في المطلب وهو مخالف لنص الشافعي والاصحاب على أن الخيار للبائع أولا رجحه السبكي، وكلامي ظاهر في الاول ويحتمل الثاني بمعنى أن المشتري يخير إن سأل البائع ليسمح له فلم يسمح وخرج بزيادتي قبل التخلية ما لو وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر، وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أولهما ؟ فيه أوجه وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني (ولا يصح بيع بر في سنبله ب (- بر (صاف) من التبن (وهو المحاقلة ولا) بيع (رطب على نخل بتمر وهو المزابنة) للنهي عنهما في الصحيحين، ولعدم العلم بالمماثلة فيهما.
ولان المقصود من المبيع في الحاقلة مستور بما ليس من صلاحه وهي مأخوذ من الحقل جمع حقلة وهي الساحة التي يرزع فيها سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله والمزابنة من الزبن وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن خلافه فيتدافعان.
وفائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر (ورخص في) بيع (العرايا) جمع عرية وهي ما يفردها مالكها للاكل لانها عريت عن حكم جميع البستان (وهي بيع رطب أو عنب على شجر خرصا ولو لاغنياء بتمر أو زبيب كيلا)، لانه (صلى الله عليه وسلم) أرخص فيها في الرطب رواه الشيخان وقيس به العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه، وظاهر الخبر التسوية بين الفقراء والاغنياء ومما ورد مما ظاهره تخصيص ذلك بالفقراء ضعيف وبتقدير صحته فما ذكر فيه حكمة المشروعية ثم قد يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع وكالرطب البسر بعد بدو
صلاحه لان الحاجة إليه كهي إلى الرطب ذكره الماوردي والروياني، قيل ومثله الحصرم ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لانه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما وقولي خرصا من زيادتي، ودخل بقولي كيلا ما لو باع ذلك بتمر أو زبيب على شجر كيلا بخلاف ما لو باعه به خرصا فتقييد الاصل كغيره بالارض جرى على الغالب، وإن فهم بعضهم أنها قيد معتبر فرتب عليه المنع في ذلك مطلقا، ولهذا لم يقيد بها في الروضة وأصلها ومحل الرخصة (فيما دون خمسة أو سق) بتقدير الجفاف بمثله، روى الشيخان أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود بن الحصين أحد رواته فأخذ الشافعي بالاقل في أظهر قوليه، وظاهر أن محل الرخصة فيها إذا لم يتعلق بها حق الزكاة بأن كان الموجودون خمسة أوسق أو خرص على المالك أما ما زاد على ما دونها فلا يجوز فيه ذلك (فإن زاد) على ما دونها (في صفقات) كل منها دون خمسة أوسق (جاز) سواء أتعددت الصفقة بتعدد العقد أم بتعدد المشتري أم البائع.

(1/313)


(وشرط) في صحة بيع العرايا (تقابض) في المجلس لانه بيع مطعوم (بتسليم تمر أو زبيب) كيلا (وتخلية في شجر) ومعلوم أنه لا بد من المماثلة فإن تلف الرطب أو العنب فذاك، وإن جفف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر فالعقد باطل، وخرج بالرطب والعنب سائر الثمار كالجوز واللوز والمشمش لانها متفرقة مستورة بالاوراق فلا يتأتى الخرص فيها وقولي أو زبيب من زيادتي، ولهذا عبرت بشجر بدل تعبيره بنخل.
باب الاختلاف في كيفية العقد هذا أعم من تعبيره باختلاف المتبايعين وكذا تعبيري بالعقد والعوض فيما يأتي أعم من تعبيره بالبيع والثمن، والمبيع له (اختلف مالكا أمر عقد) من مالكين أو نائبيهما أو وارثيهما أو أحدهما ونائب لآخر أو أحدهما ووارثه أو نائب أحدهما ووارث الآخر (في صفة عقد
معاوضة وقد صح كقدر عوض) من نحو مبيع أو ثمن، ومدعي المشتري مثلا في المبيع أكثر أو البائع مثلا في الثمن أكثر (أو جنسه) كذهب أو فضة والتصريح به من زيادتي، (أو صفته) كصحاح ومكسرة (أو أجل أو قدر) كشهر أو شهرين (ولا بينة) لاحدهما (أو) لكل منهما بنية و (تعارضتا) بأن لم تؤرخا بتاريخين وهو من زيادتي (تحالفا) (وخرج بزيادتي (غالبا) مسائل منها ما لو اختلفا في ذلك بعد القبض مع الاقالة أو التلف أو في عين نحو المبيع والثمن معا فلا تحالف بل يحلف مدعي النقص في الاولى بشقيها لانه غارم وكل منهما على نفي دعوى صاحبه في الثانية على الاصل.
وعدلت عن قوله إذا اتفقا على صحة البيع إلى قولي وقد صح لان الشرط وجود الصحة لا الاتفاق عليها، ففي الروضة كأصلها لو قال بعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر حلف البائع على نفي سبب الفساد ثم يتحالفان (فيحلف كل) منهما (يمينا) واحدة (تجمع نفيا) لقول صاحبه (وإثباتا) لقوله فيقول البائع مثلا: والله ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا.
ويقول المشتري: والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا.
أما حلف كل منهما فلخبر مسلم اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه كما أنه مدع وأما أنه في يمين واحدة فلان الدعوى واحدة، ومنفي كل منهما في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات ولانها أقرب لفصل الخصومة.
وظاهر أن الوارث إنما يحلف على نفي العلم (ويبدأ) في اليمين (بنفي) لانه الاصل فيها (وبائع) مثلا لان جانبه أقوى لان المبيع يعود

(1/314)


إليه بعد الفسخ المترتب على التحالف، ولان ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشترى على المبيع لا يتم إلا بالقبض فمحل ذلك إذا كان المبيع معينا والثمن في الذمة ففي العكس يبدأ بالمشتري وفيما إذا كانا معينين أو في الدمة يستويان فيتخير الحاكم بأن يجتهد في البداءة بأيهما (ندبا) لا وجوبا لحصول المقصود بكل منهما وهذا من زيادتي، (ثم) بعد تحالفهما (إن أعرضا) عن الخصومة (أو تراضيا) بما قاله أحدهما فظاهر بقاء العقد به في الثانية والاعراض
عنهما في الاولى وهو من زيادتي، (وإلا فإن سمح أحدهما) للآخر بما ادعاه (أجبر الآخر) وهذا من زيادتي، (وإلا فسخاه أو أحدهما أو الحاكم) أي لكل منهم فسخه لانه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الفسخ بالعيب، لكنهم اقتصروا في الكتابة على فسخ الحاكم وفصلوا فيه بين قبض ما ادعاه السيد من النجوم وعدم قبضه، وسيأتي بيان ذلك في الكتابة (ثم) بعد الفسخ (يرد مبيع) مثلا (بزيادة) له (متصلة وأرش عيب) فيه إن تعيب وهو ما نقص من قيمته كما يضمن كله بها وذكر الزيادة المتصلة من زيادتي (فإن تلف) حسا أو شرعا كأن مات أو أوقفه أو باعه أو كاتبه (رد مثله) إن كان مثليا وهذا من زيادتي، (أو قيمته حين تلف) حسا أو شرعا إن كان متقوما وإن رهنه فللبائع قيمته أو انتظار فكاكه أو آجره فله أخذه ولا ينزعه من يد المكتري حتى تنقضي المدة والمسمى للمشتري وعليه للبائع أجرة مثل ما بقي منها واعتبرت قيمة المتقوم حين تلفه لا حين قبضه ولا حين العقد لان الفسخ برفع العقد من حينه لا من أصله، وهو أولى بذلك من المستام والمعار لانه ليس مقبوضا بعقد (ولو) ادعى) أحدهما (بيعا الآخر هبة)، كأن قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه (حلف كل) منهما (على نفي دعوى الآخر ثم يرده) لزوما (مدعيها) أي الهبة (بزوائده) المتصلة والمنفصلة إذ لا ملك له فيه ظاهرا وإنما لم يتحالفا لانهما لم يتفقا على عقد كما علم ذلك من أول الباب، وإنما ذكرها ليرتب عليه رد الزوائد فإنه قد يخفى (أو) ادعى أحدهما (صحته) أي البيع (والآخر فساده) كأن ادعى اشتماله على شرط فاسد (حلف مدعيها) أي الصحة فيصدق لان الظاهر معه، وخرج بزيادتي (غالبا) مسائل منها ما لو باع ذراعا من أرض معلومة الذرعان ثم ادعى إرادة ذراع معين ليفسد البيع وادعى المشتري شيوعه فيصدق البائع بيمينه وما لو اختلفا هل وقع الصلح على الانكار أو الاعتراف فيصدق مدعي الانكار لانه الغالب، (ولو رد) المشتري (مبيعا معينا) هو أولى من تعبيره بالعبد (معيبا فأنكر البائع أنه المبيع حلف) البائع فيصدق لان الاصل مضى العقد على السلامة، فإن كان المبيع في الذمة ولو

(1/315)


مسلما فيه بأن يقبض المشتري ولو مسلما المؤدي عما في الذمة ثم يأتي بمعيب فيقول البائع ولو مسلما إليه ليس هذا المقبوض فيحلف المشتري أن هذا هو المقبوض، لان الاصل بقاء شغل ذمة البائع ويجئ مثل ذلك في الثمن فيحلف المشتري في المعين والبائع فيما في الذمة وذكر التحليف من زيادتي.
باب في معاملة الرقيق عبدا كان أو أمة فتعبيري به فيما يأتي أولى من تعبيره بالعبد وإن قال ابن حزم لفظ العبد يتناول الامة (الرقيق) تصرفاته ثلاثة أقسام: ما لا ينفذ وإن أذن فيه السيد كالولايات والشهادات، وما ينفذ بغير إذنه كالعبادات والطلاق والخلع، وما يتوقف على إذنه كالبيع والاجارة وهو ما ذكرته بقولي (لا يصح تصرفه في مالي)، هو أولى من اقتصاره على الشراء والاقتراض (بغير إذن سيده) فيه (وإن سكت عليه) لانه محجور عليه لحق سيده (فيرد) أي المبيع أو نحوه سواء أكان بيد سيده (لمالكه) لانه لم يخرج عن ملكه، ولو أدى الثمن من مال سيده استرد أيضا (فإن تلف في يده) أي يد الرقيق (ضمنه في ذمته) لانه ثبت برضا مستحقه ولم يأذن السيد فيه، (أو) تلف في (يد سيده ضمن المالك أيهما شاء) لوضع يدهما عليه بغير حق، (و) لكن (الرقيق إنما يطالب بعد عتق) له أو لبعضه لانه لا مال له قبل ذلك (وإن أذن له) سيده (في تجارة تصرف بحسب إذنه) بفتح السين أي بقدره فإن أذن له في نوع أو وقت أو مكان لم يتجاوزه ويستفيد بالاذن فيها ما هو من توابعها كنشر وطي وحمل متاع إلى حانوت ورد بعيب ومخاصمة في عهدة، (وإن أبق) فإنه يتصرف بحسب إذنه له ولا ينعزل بذلك لانه معصية فلا توجب الحجر وله التصرف في البلدة التي أبق إليها إلا إن خص سيده الاذن بغيرها.
وظاهر أن شرط صحة تصرف الرقيق بالاذن كونه بحيث يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا (وليس له) بالاذن فيها (نكاح ولا تبرع ولا تصرف في نفسه) رقبة ومنفعة، ولا في كسبه (ولا إذن) لرقيقه أو غيره
(في تجارة) لانها لا تتناول شيئا منها ولا ينفق على نفسه من مال التجارة، وتعبيري بالتبرع والتصرف أعم من تعبيره بالتصدق والاجارة (و لا يعامل سيده) ببيع وشراء وإجارة وغيرها لان تصرفه لسيده بخلاف المكاتب.
و سيأتي في الاقرار صحة إقراره بديون معاملة وغيرها (ومن

(1/316)


عرف رقه لم يعامله) أي لم يجز أن يعامله (حتى يعلم الاذن بسماع سيده أو بينه أو شيوع) بين الناس حفظا لماله، قال السبكي وينبغي جوازه بحبر عدل واحد لحصول الظن به وإن كان لا يكفي عند الحاكم، كما لا يكفي سماعه من السيد ولا الشيوع، وخرج بما ذكر قول الرقيق أنا مأذون لي فلا يكفي في جواز معاملته لانه متهم (ولو تلف في يد مأذون) له (ثمن سلعة باعها فاستحقت) أي فخرجت مستحقة (رجع عليه مشتر ببدله) أي ثمنها لانه المباشر للعقد، فتتعلق به العهدة فقول الاصل ببدلها أي بدل ثمنها (وله مطالبة السيد به كما يطالب بثمن ما اشتراه الرقيق) وإن كان بيد الرقيق وفاء لان العقد له فكأنه العاقد، (ولا يتعلق دين تجارته برقبته) لانه ثبت برضا مستحقه (ولا بذمة سيده) وإن أعتقه أو باعه لانه المباشر للعقد (بل) يتعلق (بمال تجارته) أصلا وربحا (وبكسبه) باصطياد ونحوه بقيد زدته بقولي (قبل حجر)، فيؤدي منهما لاقتضاء العرف والاذن ذلك، ثم إن بقي بعد الاداء شئ من الدين يكون في ذمة الرقيق إلى أن يعتق فيطالب به ولا ينافي ما ذكر من أن ذلك لا يتعلق بذمة السيد مطالبته به، إذ لا يلزم من المطالبة بشئ ثبوته في الذمة بدليل مطالبة القريب بنفقة قريبه والموسر بنفقة المضطر والمراد أنه يطالب ليؤدي مما في يد الرقيق لا من غيره ولو مما كسبه الرقيق بعد الحجر عليه.
وفائدة مطالبة السيد بذلك إذا لم يكن في يد الرقيق وفاء احتمال أنه يؤديه لان له به علقة في الجملة وإن لم يلزم ذمته فإن أداه برئت ذمة الرقيق وإلا فلا، (ولا يملك) الرقيق (ولو بتمليك) من سيده أو غيره لانه ليس أهلا للملك وإضافة الملك إليه في خبر الصحيحين من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع للاختصاص لا للملك، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ولا يملك بتمليك سيده.

(1/317)


كتاب السلم ويقال له السلف.
والاصل فيه قبل الاجماع آية: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) فسرها ابن عباس بالسلم وخبر الصحيحين من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (هو بيع) شئ (موصوف في ذمة بلفظ سلم) لانه بلفظ البيع لا سلم على ما صححه الشيخان، لكن نقل الاسنوي فيه اضطرابا وقال الفتوى على ترجيح أنه سلم وعزاه للنص وغيره واختاره السبكي وغيره والتحقيق أنه بيع نظرا للفظ سلم نظرا للمعنى فلا منافاة بين النص وغيره، لكن الاحكام تابعة للمعنى الموافق للنص حتى يمتنع الاستبدال فيه كما مر وفاقا للجمهور خلافا لما في الروضة كأصلها.
ويدل لذلك ما ذكروه في إجارة الذمة من أنها إجارة ويمتنع فيها الاستبدال نظرا للمعنى، ثم محل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم وإلا وقع سلما كما جزم به الشيخان في تفريق الصفقة، (فلو أسلم في معين) كأن قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فقبل (لم ينعقد) سلما لانتفاء الدينية ولا بيعا لاختلال اللفظ لان لفظ السلم يقتضي الدينية، وهذا جرى على القاعدة من ترجيح اعتبار اللفظ وقد يرجحون اعتبار المعنى إذا قوي كترجيحهم في الهبة بثواب معلوم انعقادها بيعا، (وشرط له مع شروط البيع) غير الرؤية سبعة (أمور أحدها) وهو من زيادتي (حلول رأس مال) كالربا، (و) ثانيها (تسليمه) بالمجلس قبل التفرق إذ لو تأخر لكان ذلك في معنى بيع الكالئ للكالئ إن كان رأس المال في الذمة ولان السلم عقد غرر جوز للحاجة فلا يضم إليه غرر آخر، ولو كان رأس المال منفعة فيشترط تسليمها بالمجلس (وتسليمها) بتسليم العين وإن كان المعتبر في السلم القبض الحقيقي كما سيأتي لان ذلك هو الممكن في قبضه لانها تابعة للعين، (فلو أطلق) رأس المال في العقد كأسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا (ثم) عين و (سلم فيه) أي في المجلس (صح) لوجود الشرط (كما لو أودعه) فيه المسلم إليه (بعد قبضه المسلم) أو رده إليه عن دين فإنه يصح خلافا للروياني في الثانية، لان تصرف أحد
العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك (لا إن أحيل به) من المسلم فلا يصح السلم (وإن قبض فيه) أي قبضه المحتال وهو المسلم إليه في المجلس لان بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة

(1/318)


المحال عليه، فهو يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم نعم إن قبضه من المحال عليه أو من المسلم إليه بعد قبضه بإذنه وسلمه إليه في المجلس صح ولو أحيل على رأس المال من المسلم إليه وتفرقا فبل التسليم لم يصح السلم وإن جعلنا الحوالة قبضا لان المعتبر هنا القبض الحقيقي و لهذا لا يكفي فيه الابراء فإن أذن المسلم إليه للمسلم في التسليم إلى المحتال ففعل في المجلس صح وكان وكيلا عنه في القبض.
وعلم مما ذكرته أولا ما صرح به الاصل من أن رؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره (ومتى فسخ) السلم بمقتضى له (وهو) أي رأس المال (باق رد) بعينه (وإن عين في المجلس) لا في العقد لانه عين مال السلم فإن كان تالفا رد بدله من مثل أو قيمة.
(و) ثالثها (بيان محل) بفتح الحاء أي مكان (التسليم) للمسلم فيه (إن أسلم في مؤجل بمحل لا يصلح له) أي للتسليم (أو لحمله) أي المسلم فيه (مؤنة) لتفاوت الاغراض فيما يراد من الامكنة في ذلك، أما إذا أسلم في حال أو مؤجل لكن بمحل يصلح للتسليم ولا مؤنة لحمله فلا يشترط فيه ذلك ويتعين محل العقد للتسليم وإن عينا غيره تعين، والمراد بمحل العقد تلك المحلة لا ذلك المحل بعينه ولو عينا محلا فخرج عن صلاحية التسليم تعين أقرب محل صالح على الاقيس في الروضة وقولي في مؤجل من زيادتي، (وصح) السلم (حالا ومؤجلا) بأن يصرح بهما أما المؤجل فبالنص والاجماع، وأما الحال فبالاولى لبعده عن الغرر ولا ينقص بالكتابة لان الاجل فيها إنما وجب لعدم قدرة الرقيق والحلول ينافي ذلك والتأجيل يكون (بأجل يعرفانه) أي يعرفه العاقدان (أو عدلان) غيرهما، أو عدد تواتر ولو من كفار (كإلى عيد أو جمادى ويحمل على الاول) الذي يليه في العيدين أو جماديين لتحقق الاسم به وخرج بذلك المجهول كإلى الحصاد أو في شهر كذا، فلا يصح وقولي يعرفانه أو عدلان أولى
من قوله، ويشترط العلم بالاجل (ومطلقه) إي السلم بأن يطلق عن الحلول والتأجيل (حال) كالثمن في البيع المطلق (وإن عينا شهورا ولو غير عربية) كالفرس والروم (صح) لانها معلومة مضبوطة (ومطلقها هلالية) لانها عرف الشرع وذلك بأن يقع العقد أولها (فإن انكسر شهر) منها بأن وقع العقد في أثنائه (حسب الباقي) بعده (بالاهلة وتمم الاول ثلاثين) مما بعدها، ولا يلغى المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الاجل عن العقد نعم لو وقع العقد في اليوم الاخير من الشهر اكتفى بالاشهر بعده بالاهلة وإن نقص بعضها ولا يتمم اليوم مما بعدها وإن نقص آخرها لانها مضت عربية كوامل ويتمم من الاخير إن كمل.
(و) رابعها (قدرة على تسليم) للمسلم فيه (عند وجوبه) وذلك في المسلم الحال بالعقد

(1/319)


وفي المؤجل بحلول الاجل فلو أسلم في منقطع عند الحلول كالرطب في الشتاء لم يصح وهذا الشرط في الحقيقة من شروط البيع وإنما صرح به هنا مع الاغتناء عنه بقولي مع شروط لبيع ليرتب عليه ما يأتي ولان المقصود بيان محل القدرة وهو حالة وجوب التسليم، وهي تارة تقترن بالعقد لكون السلم حالا، وتارة تتأخر عنه لكونه مؤجلا كما تقرر بخلاف البيع للمعين، فإن المعتبر اقتران القدرة فيه بالعقد مطلقا، وخرج بزيادتي (بلا مشقة عظيمة) ما لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كبير من الباكورة فإنه لا يصح كما قال الشيخان إنه الاقرب إلى كلام الاكثر (ولو) كان المسلم فيه يوجد (بمحل) آخر فيصح إن (اعتيد نقله) منه (لبيع) فإن لم يعتد نقله له بأن نقل له نادرا أو لم ينقل له أصلا أو اعتيد نقله لغير البيع كالهدية لم يصح السلم فيه لعدم القدرة عليه، (فلو أسلم فيما يعز) وجوده إما لقلته (كصيد بمحل عزة) أي بمحل وجوده فيه.
(و) إما لاستقصاء وصفه الذي لا بد منه في المسلم فيه مثل (لؤلؤ كبار وياقوت و) إما لندرة اجتماعه مع الصفات مثل (أمة وأختها أو ولدها لم يصح) لانتفاء الوثوق بتسليمه في الاولى، ولندرة اجتماعه مع الصفات المشروطة ذكرها في الاخيرتين.
وخرج بالكبار الصغار فيجوز السلم فيها كيلا ووزنا وهي ما تطلب للتداوي والكبار
ما تطلب للتزين قال الماوردي، ويجوز السلم في البلور بخلاف العقيق لاختلاف أحجاره (أو) أسلم (فيما يعم فانقطع) كله أو بعضه (في محله) بكسر الحاء أي وقت حلوله (خير) على التراخي بين فسخه والصبر حتى يوجد فيطالب به فإن أجاز ثم بدا له أن يفسخ مكن من الفسخ ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط على الاصح في الروضة، وعلم من تخييره أنه لا ينفسخ السلم بذلك بخلاف تلف المبيع لان المسلم فيه يتعلق بالذمة (لا قبل انقطاعه فيه) أي في المحل وإن علمه قبله أي فلا خيار له قبله إذا لم يجئ وقت وجوب التسليم.
(و) خامسها (علم بقدر) له (كيلا) فيما يكال (أو نحوه) من وزن فيما يوزن وعد فيما يعد وذرع فيما يذرع للخبر السابق مع قياس ما ليس فيه على ما فيه، ومعلوم أنه لو أسلم في مذروع معدود كبسط اعتبر مع الذرع العد (وصح نحو جوز) مما جرمه كجرمه فأقل أي سلمه (بوزن) وإن كان في نوع يكثر اختلافه بغلظ قشره ورقتها وخلافا للامام وإن تبعه الرافعي وكذا النووي في غير شرح الوسيط (و) صح (موزون) أي سلمه (بكيل) بقيد زدته بقولي (يعد) أي الكيل (فيه ضابطا) لان المقصود معرفة المقدار كدقيق وما صغر جرمه كجوز ولوز وإن كان في نوع يكثر اختلافه بما مر بخلاف ما لا يعد الكيل فيه ضابطا كفتات مسك وعنبر لان للقدر اليسير منه مالية كثيرة، والكيل لا يعد ضابطا فيه وكبطيخ وباذنجان ورمان ونحوها مما كبر جرمه فيتعين فيه الوزن فلا يكفي فيه الكيل لانه يتجافى في الميكال ولا العد لكثرة التفاوت

(1/320)


فيه والجمع فيه بين العد والوزن لكل واحد مفسد لما يأتي بل لا يجوز السلم في البطيخة ونحوها لانه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها فيورث عزة الوجود وقولي يعد فيه ضابطا أولى مما ذكره (و) صح (مكيل) أي سلمه (بوزن) لما مر (لا بهما) أي الكيل والوزن معا، فلو أسلم في مائة صاع بر على أن وزنها كذا لم يصح لان ذلك يعز وجوده (ووجب في لبن) بكسر الباء وهو الطوب غير المحرق (عد وسن) معه (وزن)، فيقول مثلا: ألف لبنة وزن كل واحدة كذا لانه يضرب عن اختيار فلا يعز وجوده والامر في وزنه على التقريب لكن يشترط أنه
يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف وذكر سن الوزن من زيادتي، (وفسد) السلم ولو حالا (بتعيين نحو مكيال) من ميزان وذراع وصنجة (غير معتاد) ككوز لانه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيؤدي إلى التنازع بخلاف ما لو قال بعتك مل ء هذا الكوز من هذه الصبرة فإنه يصح لعدم الغرر فإن كان معتادا لم يفسد السلم ويلغو تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها ويقوم مثل المعين مقامه فلو شرطا أن لا يبدل بطل السلم ونحو من زيادتي.
(و) فسد أيضا بتعيين (قدر من ثمر قرية قليل) لانه قد ينقطع فلا يحصل منه شئ لا من ثمر قرية كثير لانه لا ينقطع غالبا، وتعبيري بالقليل والكثير في الثمر أولى من تعبيره بهما في القرية إذا الثمر قد يكثر في الصغيرة دون الكبيرة.
(و) سادسها (معرفة أوصاف) للمسلم فيه أي معرفتها للعاقدين وعدلين (يظهر بها اختلاف غرض وليس الاصل عدمها)، فإن فقدت لم يصح السلم لان البيع لا يحتمل جهل المعقود عليه وهو عين فلان لا يحتمله وهو دين أولى وخرج بالقيد الاول ما يتسامح بإهمال ذكره كالكحل والسمن في الرقيق وبالثاني وهو من زيادتي كون الرقيق قويا على العمل أو كاتبا مثلا فإنه وصف يظهر به اختلاف غرض مع أنه لا يجب التعرض له لان الاصل عدمه.
(و) سابعها (ذكرها في العقد بلغة يعرفانها) أي يعرفها العاقدان (وعدلان) غيرهما ليرجع إليهما عند تنازع العاقدين، فلو جهلاها أو أحدهما أو غيرهما لم يصح العقد وهذا بخلاف ما مر في الاجل من الاكتفاء بمعرفتهما أو معرفة عدلين غيرهما، لان الجهل ثم راجع إلى الاجل وهنا إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل ثم ما لا يحتمل هنا وليس المراد هنا، وثم عدلين معينين إذ لو كان كذلك لم يجز لاحتمال أن يموتا أو أحدهما أو يغيبا في وقت المحل فيتعذر معرفتها بل المراد أن يوجد أبدا في الغالب ممن يعرفها عدلان أو أكثر، وتعبيري بعدلين أولى من تعبيره بغير العاقدين (لا) ذكر (جودة ورداءة) فيما يسلم فيه فلا يشترط ذكر شئ منهما (ومطلقه) أي المسلم فيه بأن لم يقيد بشئ منهما (جيد) للعرف، وينزل على أقل درجاته وكذا لو شرط شئ منهما حيث يجوز ولو شرط ردئ نوع أو أردأ جاز لانضباطهما وطلب أردأ
من المحضر عناد بخلاف ما لو شرط ردئ عيب لعدم انضباطه أو أجوده، لان أقصاه غير

(1/321)


معلوم إذا تقرر ذلك (فيصح) السلم (في منضبط وإن اختلط) بعضه ببعض مقصود أو غيره (كعتابي وخز) من الثياب الاول مركب من قطن وحرير، والثاني من أبريسم ووبر أو صوف وهما مقصود أركانهما.
(وشهد) بفتح الشين وضمها على الاشهر مركب من عسل وشمعة خلقة فهو شبيه بالتمر وفيه النوى (وجبن وأقط) كل منهما فيه مع اللبن المقصود الملح والانفحة من مصالحه، (وخل تمر أو زبيب) هو يحصل من اختلاطهما بالماء الذي هو قوامه فشهدوا ما بعده معطوفان على مجرور الكاف لا مجرور في (لا فيما لا ينضبط مقصوده كهريسة ومعجون وغالية) هي مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور، كذا في الروضة كأصلها.
وفي تحرير النووي ذكر الدهن مع الاولين فقط (وخف مركب) لاشتماله على ظهارة وبطانة وحشو، والعبارة لا تفي بذكر أقدارها وأوضاعها وخرج بزيادتي مركب المفرد فيصح السلم فيه إن كان جديدا، أو اتخذ من غير جلد وإلا امتنع وهذا ما حرره السبكي وغيره لكنهم أطلقوا الصحة في غير الجلد، ويشهد لما قلته صحته السلم في الثياب المخيطة الجديدة دون الملبوسة (وترياق مخلوط)، فإن كان مفردا جاز السلم فيه وهو بتاء مثناة أو دال مهملة أو طاء كذلك مكسورات ومضمومات، ففيه ست لغات ويقال دراق وطراق (ورؤوس حيوان) لانها تجمع أجناسا مقصودة ولا تنضبط بالوصف ومعظمها العظم وهو غير مقصود (ولا فيما تأثير ناره غير منضبط) هو أولى مما عبر به، فلا يصح السلم في خبز ومطبوخ ومشوي لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط بخلاف ما ينضبط تأثير ناره كالعسل المصفى بها، والسكر والفانيد والدبس واللبا فيصح السلم فيها كما مال إلى ترجيحه النووي في الروضة وصرح بتصحيحه في تصحيح التنبيه في كل ما دخلته نار لطيفة، ومثل بالمذكورات غير العسل لكن كلام الرافعي يميل إلى المنع كما في الربا وبه جزم صاحب الانوار.
واعتمده الاسنوي ويؤيد الاول صحة السلم في الآجر كما
صححه الشيخان، وعليه يفرق بين البابين بضيق باب الربا (ولا) في (مختلف) أجزاؤه (كبرمة) أي قدر (وكوز وطس) بفتح الطاء وكسرها ويقال فيه طست (وقمقم ومنارة) بفتح الميم (وطنجير) بكسر الطاء الدست وفتحها النووي، وقال الحريري فتحها من لحن الناس (معمولة) كل منهم لتعذر ضبطها وخرج بمعمولة المصبوبة في قالب فيصح السلم فيها كما شمله الكلام الآتي، (وجلد) لاختلاف الاجزاء في الرقة والغلظ نعم يصح السلم في قطع منه مدبوغة وزنا، (ويصح) السلم (فيما صب منها) أي المذكورات أي من أصلها المذاب (في قالب) بفتح اللام أفصح من كسرها (و) يصح في

(1/322)


(أسطال) مربعة أو مدورة فإطلاقي لها عن تقييدها بالمربعة مع تأخيرها عما صب منها في قالب أولى مما صنعه، ويصح السلم في دراهم ودنانير بغيرهما لا بمثلهما ولا في أحدهما بالآخر حالا كان أو مؤجلا (وشرط في) السلم في (رقيق ذكر نوعه كتركي) أو حبشي فإن اختلف صنف النوع وجب ذكره كخطابي أو رومي.
(و) ذكر (لونه) إن اختلف كأبيض أو أسود (مع وصفه) كأن يصف بياضه بسمرة أو شقرة وسواده بصفاء أو كدورة فإن لم يختلف لون الرقيق كالزنج لم يجب ذكره، (و) ذكر (سنه) كابن ست أو سبع أو محتلم (و) ذكر (قده طولا أو غيره) من قصر أو ربعة (تقريبا) في الوصف، والسن والقد حتى لو شرط كونه ابن سبع سنين مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندوره ويعتمد قول الرقيق في الاحتلام، وكذا في السن إن كان بالغا وإلا فقول سيده لمن ولد في الاسلام، وإلا فقول النخاسين أي الدلالين بظنونهم وقولي أو غيره أولى من قوله وقصرا (و) ذكر (ذكورته أو أنوثته) وثيوبة أو بكارة (لا) ذكر (كحل) بفتح الكاف والحاء وهو أن يعلو جفون العينين سواد من غير اكتحال (وسمن) في الامة (ونحوهما) كملاحة ودعج وهو شدة سواد العين مع سعتها، وتكلثم وجه وهو استدارته لتسامح الناس بإهمالها.
(و) شرط (في ماشية) من إبل وبقر وغنم وخيل وبغال وحمير، فهو أعم من قوله في الابل والخيل
والبغال والحمير ذكر (تلك) أي الامور المذكورة في الرقيق من نوع كقوله من نعم بلد كذا أو نعم بني فلان ولون وذكورة أو أنوثة وسن كابن مخاض أو ابن لبون (إلا وصفا) للون (وقدا) فلا يشترط ذكرهما والتصريح بهذا الاستثناء من زيادتي، ونقل الرافعي اتفاق الاصحاب عليه في الثانية لكن جزم ابن المقري فيها بالاشتراط وسبقه إليه الماوردي قال وليس للاخلال به وجه، ويسن في غير الابل ذكر الشبيه كمحجل وأغر ولطيم وهو ما سألت غرته في أحد شقي وجهه، ولا يجوز السلم في أبلق لعدم انضباطه.
(و) شرط (في طير) وسمك ولحمهما (نوع وجثة) كبرا أو صغرا أي ذكر هذه الامور وكذا ذكورة وأنوثة إن أمكن التمييز واختلف بهما الغرض، وإن عرف السن ذكره أيضا ويذكر في الطير لونه إن لم يرد للاكل.
وفي السمك أنه نهري أو بحري طري أو مالح (وفي لحم غير صيد وطير) قديد أو طري مملح أو غيره، أن يذكر (نوع) كلحم بقر عراب أو جواميس أو لحم ضأن أو معز، (وذكر خصي رضيع معلوف جذع أو ضدها) أي أنثى فحل فطيم راع ثني.
ولا يكفي في المعلوف العلف مرة أو مرات بل لا بد أن ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم قاله الامام وأقره الشيخان وقولي جذع من زيادتي، (من فخذ) بإعجاب الذال (أو غيرها) ككتف

(1/323)


أو جنب من سمين أو هزيل كما في الروضة كأصلها عن العراقيين، وتعبيري بغيرها أعم من قوله أو كتف أو جنب وخرج بزيادتي غير صيد وطير لحمهما، فيذكر في لحم الصيد غير السمك ما ذكر في غيره إن أمكن وأنه صيد سهم أو أحبولة جارحة، وأنها كلب أو فهد وفي لحم الطير والسمك ما مر، وتعبيري بالنوع أولى مما عبر به.
(ويقبل عظم) للحم (معتاد) لانه بمنزلة النوى من التمر فإن شرط نزعه جاز ولم يجب قبوله ويجب أيضا قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم كجلد الجدي والسمك، ولا يجب قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمك إلا أن يكون عليه لحم فيجب قبوله نص عليه في الام ونص في البويطي على أنه لا يجب قول رأس السمك، (و)
شرط (في ثوب) أن يذكر (جنسه) كقطن أو كتان (ونوعه) وهو من زيادتي، وبلده الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض.
وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس (وطوله وعرضه وكذا غلظه وصفاقته ونعومته أو ضدها) من دقة ورقة وخشونة والغلظ والدقة صفتان للغزل والصفاقة والرقة صفتان للنسج، والاولى منهما انضمام بعض الخيوط إلى بعض والثانية عدم ذلك (ومطلقة) أي الثوب عن القصر وعدمه (خام) دون مقصور، لان القصر صفة زائدة (وصح) السلم (في مقصور) لان القصر وصف مقصود (و) في (مصبوغ قبل نسجه) كالبد لا مصبوغ بعده لان الصبغ بعده يسد الفرج، فلا تظهر معه الصفاقة بخلاف ما قبله.
وصح في قميص وسراويل جديدين ولو مغسولين إن ضبطا طولا وعرضا وسعة وضيقا، بخلاف الملبوس مغسولا كان أو غيره.
لانه لا ينضبط، (و) شرط (في تمر أو زبيب) هو من زيادتي (أو حب) كبر وشعير أن يذكر (نوعه كبرني أو معقلي، (ولونه) كأحمر أو أبيض (وبلده) كمدني أو مكي (وجرمه) كبرا أو صغرا (وعتقه) بضم العين (وحداثته).
ولا يجب تقدير مدة عتقه قال الماوردي ويبين أن الجفاف على النخل أو بعد الجذاذ، وشرط في الرطب والعنب ما ذكر إلا العتق والحداثة (وفي عسل) أي عسل نحل وهو المراد عند الاطلاق أن يذكر (مكانه) كجبلي أو بلدي، ويبين بلده كحجازي أو مصري (زمانه) كصيفي أو خريفي (ولونه) كأبيض أو أصفر، لتفاوت الغرض بذلك قال الماوردي، ويبين مرعاه وقوته أو رقته لاعتقه أو حداثته كما صرح به الاصل لانه لا يختلف الغرض فيه بذلك بخلاف ما قبله.

(1/324)


فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عن وقت أدائه ومكانه.
(صح أن يؤدي عن مسلم فيه أجود أو أردأ منه (صفة ويجب قبول الاجود) لان الامتناع منه
عناد ولان الجودة صفة لا يمكن فصلها، فهي تابعة بخلاف ما لو أسلم إليه في خشبة عشر أذرع فجاء بها أحد عشر ذراعا أما الاردأ فلا يجب قبوله وإن كان أجود من وجه آخر لانه ليس حقه مع تضرره به.
وخرج بما ذكر أداء غير جنسه أو نوعه عنه كبر عن شعير وتمر معقلي عن تمر برني فلا يصح لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه كما مر ويجب تسليم البر ونحوه نقيا من مدر وتراب ونحوهما.
فإن كان فيه قليل من ذلك وقد أسلم كيلا جاز أو وزنا فلا، وما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وبالعكس، ويجب تسليم التمر جافا والرطب غير مشدخ (ولو عجل) المسلم إليه مسلما فيه (مؤجلا فلم يقبله) المسلم (لغرض صحيح ككونه) هو أولى من قوله بأن كان (حيوانا) فيحتاج إلى علف، أو كونه تمرا أو لحما يريد أكلهما عند المحل طريا (أو) كون الوقت (وقت نهب) فيخشى ضياعه) (لم يجبر) على قبوله، وإن كان للمؤدي غرض لما مر فإن لم يكن له غرض صحيح في عدم قبوله أجبر على قوله سوء أكان للمؤدي غرض صحيح في التعجيل كفك رهن أو ضمان أو مجرد براءة لذمته، وعليه اقتصر الاصل كالروضة وأصلها أم لا كما اقتضاه كلام الروض وهو أوجه لان عدم قبوله له تعنت، فإن أصر على عدم قبوله أخذه الحاكم له ولو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله أو لغرضها أجبر على القبول أو الابراء.
وقد يقال بالتخيير في المؤجل و الحال المحضر في غير مكان التسليم أيضا وعليه جرى صاحب الانوار في الثاني و الذي يقتضيه كلام الروضة وأصلها الاجبار فيهما على القبول فقط وعليه يفرق بأن المسلم في مسألتنا استحق التسليم فيها لوجود زمانه ومكانه، فامتناعه منه محض عناد فضيق عليه بطلب الابراء بخلاف ذينك (ولو ظفر) المسلم (به) أي بالمسلم إليه (بعد المحل) بكسر الحاء (في غير محل التسليم) بفتحها أي مكانه المعين بالشرط أو العقد وطالبه بالمسلم فيه (ولنقله) من محل التسليم إلى محل الظفر (مؤنة) ولم يتحملها المسلم عن المسلم إليه (لم يلزم أداء) لتضرر المسلم إليه بذلك، (ولا يطالبه بقيمته) ولو للحيلولة لامتناع الاعتياض عنه كما مر، فله الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه.
أما إذا لم يكن لنقله مؤنة أو تحملها المسلم فيلزم
المسلم إليه الاداء، (وإن امتنع) المسلم (من قبوله ثم) أي في غير محل التسليم وقد أحضر فيه

(1/325)


وكان امتناعه (لغرض) صحيح كأن كان لنقله منه إلى محل التسليم مؤنة ولم يتحملها المسلم إليه، أو كان الموضع مخوفا (لم يجبر) على قبوله لتضرره بذلك، فإن لم يكن له غرض صحيح أجبر على قبوله إن كان للمؤدى غرض صحيح لتحصل براءة الذمة ولو اتفق كون رأس مال المسلم بصفة المسلم فيه فأحضره، وجب قبوله وتعبيري بغرض أعم مما عبر به.
فصل في القرض.
يطلق اسما بمعنى الشئ المقرض ومصدرا بمعنى الاقراض ويسمى سلفا (الاقراض) هو تمليك الشئ على أن يرد مثله (سنة) لان فيه إعانة على كشف كربة، وأركانه أركان البيع كما يعلم مما يأتي ويحصل (بإيجاب) صريحا كان (كأقرضتك هذا) أو أسلفتكه أو ملكتكه بمثله، (أو) كناية (كخذه بمثله وقبول) كالبيع نعم القرض الحكمي كالانفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري، لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، وأفاد قولي كأقرضتك أنه لا حصر لصيغ الايجاب فيما ذكره بقوله، وصيغته أقرضتك الخ (وشرط مقرض) بكسر الراء (اختيار) فلا يصح إقراض مكره كسائر عقوده وهذا من زيادتي، (وأهلية تبرع) فيما يقرضه لان في الاقراض تبرعا، فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة لانه ليس أهلا للتبرع فيه نعم للقاضي إقراض مال محجوره بلا ضرورة إن كان المقترض أمينا موسرا، خلافا للسبكي لكثرة أشغاله وله إقراض مال المفلس أيضا حينئذ إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة ليجتمع المال.
وشرط المقترض اختيار وأهلية معاملة (وإنما يقرض ما يسلم فيه) معينا أو موصوفا لصحة ثبوته في الذمة بخلاف ما لا يسلم فيه لان ما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله، نعم يجوز إقراض نصف عقار فأقل وإقراض الخبز وزنا لعموم الحاجة إليه، وفي الكافي يجوز عددا (إلا أمة تحل لمقترض) فلا يجوز إقراضها له ولو غير مشتهاة، وإن جاز السلم فيها لانه عقد جائز يثبت فيه الرد و الاسترداد وربما يطؤها المقترض ثم يردها، فيشبه إعارة الاماء للوطئ بخلاف من لا يحل له وطؤها لمحرمية أو
تمجس أو نحوه، فيجوز إقراضها نعم المتجه كما قال الاسنوي وغيره المنع في نحو أخت الزوجة وعمتها.
وقد ذكرت حكم كون الخنثى مقترضا أو مقرضا بفتح الراء في شرح الروض واستثنى مع الامة الرؤية لاختلافها بالحموضة، (وملك) الشئ المقرض (بقبضه) وإن لم يتصرف فيه كالموهوب (ولمقرض رجوع) فيه إن (لم يبطل به حق لازم) وإن وجده مؤجرا أو معلقا عنقه بصفة أو خرج عن ملكه ثم عاد كما في أكثر نظائره ولان له تغريم بدله عند الفوات فالمطالبة به أولى، فإن بطل به حق لازم كأن

(1/326)


وجده مرهونا أو مكاتبا أو معلقا برقبته أرش جناية فلا رجوع فيه، فإن وجد زائدا زيادة منفصلة رجع فيه دونها أو ناقصا رجع فيه مع الارش أو أخذ مثله سليما، وبما تقرر علم أن تعبيري بما ذكر أولى من قوله ما دام باقيا بحاله.
(ويرد) المقترض المثلي (مثلا) لانه أقرب إلى الحق (ولمتقوم مثلا صورة) لخبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) اقترض بكرا ورد رباعيا وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء.
(وأداؤه) أي الشئ المقرض (صفة ومكانا كمسلم فيه) أي كأدائه وهذا من زيادتي، فلا يجب قبول الردئ عن الجيد ولا قبول المثل في غير محل الاقراض إن كان له غرض صحيح كأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المقترض، أو كان الموضع مخوفا ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الاقراض إلا إذا لم يكن لنقله مؤنة أو له مؤنة ويتحملها المقرض (لكن له مطالبته في غير محل الاقراض بقيمة ماله) أي لنقله (مؤنة) ولم يتحملها المقرض لجواز الاعتياض عنه بخلاف نظيره في السلم، وبخلاف ما لا مؤنة لنقله أوله مؤنة وتحملها المقرض وتعتبر قيمته (بمحل الاقراض) لانه محل التملك (وقت المطالبة) لانه وقت استحقاقها وهذا من زيادتي.
وإذا أخذ قيمته فهي للفيصولة لا للحيلولة حتى لو اجتمعا بمحل الاقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل، ولا للمقترض استردادها ودفع المثل (وفسد) أي الاقراض (بشرط جر نفعا للمقرض كرد زيادة) في القدر أو الصفة كرد صحيح عن مكسر، (وكأجل لغرض) صحيح (كزمن نهب) بقيد زدته تبعا للشرحين والروضة بقولي
(والمقترض ملئ) لقول فضالة بن عبيد رضي الله عنه كل قرض جر منفعة فهو ربا و المعنى فيه أن موضوع القرض الارفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته وجعل شرط جر النفع للمقرض ضابطا للفساد مع جعل ما بعده أمثلة له أولى من اقتصاره على الامثلة، (فلو رد أزيد) قدرا أو صفة (بلا شرط فحسن) لما في خبر مسلم السابق إن خياركم أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذ ذلك، (أو شرط) أن يرد (أنقص) قدرا أو صفة كرد مكسر عن صحيح (أو أن يقرضه غيره أو أجلا بلا غرض) صحيح أو به، والمقترض غير ملئ (لغا الشرط فقط) أي لا العقد لان ما جره من المنفعة ليس للمقرض بل للمقترض أو لهما والمقترض معسر والعقد عقد إرفاق فكأنه زاد في الارفاق ووعده وعدا حسنا واستشكل ذلك بأن مثله يفسد الرهن كما سيأتي.
ويجاب بقوة داعي القرض لانه سنة بخلاف الرهن، وتعبيري بأنقص أعم من قوله مكسرا عن صحيح (وصح) الاقراض (بشرط رهن وكفيل وإشهاد) لانها توثيقات لا منافع زائدة فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ على قياس ما ذكر في اشتراطها في البيع وإن كان له الرجوع بلا شرط كما مر وذكر الاشهاد من زيادتي.

(1/327)


كتاب الرهن هو لغة الثبوت ومنه الحالة الراهنة وشرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: (فرهان مقبوضة) قال القاضي معناه فارهنوا واقبضوا لانه مصدر جعل جزاء للشرط بالفاء فجرى مجرى الامر كقوله تعالى: (فتحرير رقبة) و خبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لاهله.
والوثائق بالحقوق ثلاثة شهادة ورهن وضمان كما مر قبيل الباب، فالشهادة لخوف الجحد والآخر أن لخوف الافلاس، (أركانه) أربعة (غاقد ومرهون ومرهون به وصيغة وشرط فيها) أي في الصيغة (ما) مر فيها (في البيع) وقد مر بيانه في بابه وهذا من زيادتي (فإن شرط فيه) أي في الرهن (مقتضاه
كتقدم مرتهن به) أي بالمرهون عند تزاحم الغرماء (أو) شرط فيه (مصلحة له كإشهاد) به (أو ما لا غرض فيه) كأن يأكل العبد بالمرهون كذا، (صح) العقد ولغا الشرط الاخير (لا) إن شرط (ما يضر أحدهما) أي المرتهن والراهن (كأن لا يباع) عند المحل، والتمثيل بهذا من زيادتي.
(وكشرط منفعته) أي المرهون (للمرتهن أو) شرط (أن تحدث زوائده) كثمر الشجرة ونتاج الشاة (مرهونة)، فلا يصح الرهن في الثلاث لاخلال الشرط بالغرض منه في الاولى ولتغير قضية العقد في الثانية ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة، فإن قدرت المنفعة في الثانية والرهن مشروط في بيع فهو بيع وإجارة وهو جائز (و) شرط (في العاقد) من راهن ومرتهن (ما) مر (في المقرض) من الاختيار وهو من زيادتي، وأهلية التبرع (فلا) يرهن مكره ولا يرتهن كسائر عقوده ولا (يرهن ولي) أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما أو أمينه (مال محجوره) من صبي ومجنون وسفيه، فهو أعم من تعبيره بالصبي والمجنون (ولا يرتهن له إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة) فيجوز له الرهن والارتهان فيهما دون غيرهما مثالهما للضرورة، أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفى مما ينتظر من غلة أو حلول دين أو إنفاق متاع كاسد وأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا، لضرورة نهب أو نحوه ومثالهما للغبطة أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين، وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة بغبطة كما سيجئ في باب الحجر.
وإذا رهن فلا يرهن إلا من أمين آمن

(1/328)


وبما تقرر علم أن تعبيري بما يتضمن أهلية التبرع أولى من تعبيرة بمطلق التصرف الذي فرع عليه قوله، فلا يرهن الولي لانهم صرحوا بأنه مطلق التصرف في مال محجوره غير أنه لا يتبرع به.
وكالولي فيما ذكر المكاتب و العبد المأذون له إن أعطي مالا أو ربح (و) شرط (في المرهون كونه عينا) يصح بيعها فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه لانه غير مقدور على تسليمه، ولا رهن منفعة كأن يرهن سكنى داره مدة لان المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد، (ولو) كان (مشاعا)
فيصح رهنه من الشريك وغيره ويقبض بتسليم كله كما في البيع فيكون بالتخلية في غير المنقول، وبالنقل في المنقول، ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك فأن أبى الاذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض، وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما (أو) كان (أمة دون ولدها) الذي يحرم التفريق بينها وبينه (أو عكسه) أي كان المرهون ولدها دونها (ويباعان) معا حذرا من التفريق بينهما المنهى عنه (عند الحاجة) إلى توفية الدين من ثمن المرهون، (ويقوم المرهون) منهما موصوفا بكونه حاضنا أو محضونا (ثم) يقوم (مع الآخر فالزائد) على قيمته (قيمة الآخر ويوزع الثمن عليهما) بتلك النسبة، فإذا كانت قيمة المرهون مائة وقيمته مع الآخر مائة وخمسين فالنسبة بالاثلاث فيتعلق حق المرتهن بثلثي الثمن والتقويم في صورة العكس من زيادتي، (ورهن جان و مرتد كبيعهما) وتقدم في البيع، أنه لا يصح بيع الجاني المتعلق برقبته مال بخلاف المتعلق بها قود أو بذمته مال وفي الخيار أنه يصح بيع المرتد، وإذا صح رهن الجاني لا يكون به مختارا للفداء بخلاف بيعه على وجه لان محل الجناية باق في الرهن بخلافه في البيع، (ورهن مدبر) أي معلق عتقه بموت سيده (ومعلق عتقه بصفة لم يعلم الحلول) للدين (قبلها) بأن علم حلوله بعدها أو معها أو احتمل الامران فقط أو مع سبقه أو احتمل حلوله قبلها وبعدها أو معها (باطل) لفوات الغرض من الرهن في بعضها وللغرر في الباقي وإن كان الدين حالا في مسألة المدبر لانها لا تسلم من الغرر بموت السيد فجأة، فإن علم في مسألة المعلق بصفة الحلول قبلها أو كان الدين حالا صح رهنه.
وكذا في الصور المذكورة إن شرط بيعه قبل وجود الصفة كما قاله ابن أبي عصرون في المرشد فيما يصدق الاحتمالات غير الاخير و مثله البقية بل أولى وبما تقرر أن تعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بصفة يمكن سبقها حلول الدين لاقتضاء تعبيره الصحة في صورتي العلم بالمقارنة واحتمال المقارنة والتأخر هذا وقد قال في الروضة القوي في الدليل صحة رهن المدبر اه.
واستشكل الفرق بينه وبين المعلق عتقه بصفة بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة على الاصح فليصحح رهنها كما قاله البلقيني أو يمنع كما

(1/329)


مال إليه السبكي وقال إنه مقتضى إطلاق النصوص اه ويمكن الفرق بأن العتق في المدبر آكد منه في المعلق بصفة، بدليل أنهم اختلفوا في جواز بيعه دون المعلق بصفة وعلم بما تقرر عدم صحة رهن ما لا يباع كمكاتب وأم ولد وموقوف (وصح رهن ما يسرع فساده إن أمكن تجفيفه) كرطب وعنب يتجففان، (أو رهن بحال أو مؤجل يحل قبل فساده ولو احتمالا) بأن لم يعلم أنه يحل قبل الفساد أو بعده لان الاصل عدم فساده قبل الحلول واستشكلت صورة الاحتمال بما مر من عدم رهن المعلق عتقه بصفة يحتمل سبقها الحلول وتأخرها عنه، ويمكن الفرق بقوة العتق وتشوف الشارع إليه (أو) يحل بعد فساده أو معه لكن (شرط بيعه) عند إشرافه على الفساد (وجعل ثمنه رهنا) مكانه، واغتفر هنا شرط جعل ثمنه رهنا للحاجة، فلا يشكل بما يأتي من أن الاذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح، (وجفف في الاولى) بقيد زدته بقولي (إن رهن بمؤجل لا يحل قبل فساده) ومؤنة تجفيفه على مالكه المجفف له كما قاله ابن الرفعة (وبيع) وجوبا (في غيرها عند خوفه) أي فساده حفظا للوثيقة وعملا بالشرط (ويكون في الاخيرة ويجعل في غيرها ثمنه رهنا) مكانه.
وذكر البيع فيما خرج بقيد الاولى مع قولي في الاخيرة، ويجعل في غيرها من زيادتي وقولي ثمنه تنازعه يكون ويجعل وفهم مما ذكر أنه لو شرط منع بيعه قبل الفساد أو أطلق لم يصح لمنافاة الشرط لمقصود التوثيق في الاولى، وأما في الثانية فلانه لا يمكن استيفاء الحق من المرهون عند المحل والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن وهذا ما صرح الاصل بتصحيحه فيها وعزاه الرافعي في الشرح الكبير إلى تصحيح العراقيين، ومقابله يصح ويباع عند تعرضه للفساد لان الظاهر أنه لا يقصد إتلاف ماله وعزاه في الشرح الصغير إلى تصحيح الاكثرين.
وقال الاسنوي إن الفتوى عليه (ولا يضر طرو ما عرضه له) أي الفساد قبل الحلول (كبر ابتل) وإن تعذر تجفيفه لان الدوام أقوى من الابتداء بل يجبر الراهن عند تعذر تجفيفه على بيعه وجعل ثمنه رهنا مكانه
(وصح رهن معار بإذن) من مالكه، لان المقصود التوثقة وهي حاصلة به (وتعلق به) لا بذمة المعير (الدين فيشترط ذكر جنسه) أي الدين (وقدره وصفته) كحلول وتأجيل وصحة وتكسير (ومرتهن) لاختلاف الاغراض بذلك وإذا عين شيئا من ذلك لم يجز مخالفته نعم لو عين قدرا فرهن بدونه جاز (وبعد قبضه) أي المرتهن المعار لا رجوع فيه لمالكه وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى أما قبله فله الرجوع فيه لعدم لزومه ولا ضمان على الراهن (لو

(1/330)


تلف) المعار في يد المرتهن لان الحق لم يسقط عن ذمته ولا على المرتهن لانه أمين (وبيع) المعار (بمراجعة مالكه في) دين (حال) ابتداء أو بعد تأجيله، (ثم رجع) أي المالك على الراهن (بثمنه) الذي بيع به سواء أبيع بقيمته أم بأكثر أم بأقل بقدر يتغابن الناس بمثله (و) شرط (في المرهون به) ليصح الرهن (كونه دينا) ولو منفعة فلا يصح الرهن بعين ولا بمنفعتها ولو مضمونة كمغصوبة ومعارة لانها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع وفارق صحة ضمانها لترد وإن اشتركا في التوثق بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف إلى ضرر بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون (معلوما) للعاقدين قدرا وصفة هو من زيادتي، فلا يصح الرهن بدين مجهول كضمانه (ثابتا) أي موجودا فلا يصح بما سيثبت بقرض أو غيره لانه وثيقة حق، فلا يقدم على الحق كالشهادة (لازما ولو مآلا) كالثمن بعد اللزوم أو قبله فلا يصح بنجوم كتابة لان الرهن للتوثق والمكاتب له الفسخ متى شاء فيسقط به النجوم فلا معنى لتوثيقها، ولا بجعل جعالة قبل الفراغ من العمل وإن شرع فيه لان لهما فسخها فيسقط به الجعل وإن لزم الجاعل بفسخه وحده أجرة مثل العمل، (وصح مزج رهن بنحو بيع) كقرض (إن توسط طرف رهن وتأخر) الطرف (الآخر) كقوله: بعتك هذا بكذا أو أقرضتك كذا وارتهنت به عبدك، فيقول الآخر: ابتعت أو اقترضت ورهنت، لان شرط الرهن في ذلك جائز فمزجه أولى لان التوثق فيه آكد لانه قد لا يفي بالشرط.
واغتفر تقدم أحد طرفيه على ثبوت الدين لحاجة التوثق قال القاضي في صورة
البيع، ويقدر وجوب الثمن وانعقاد الرهن عقبه كما لو قال: أعتق عبدك عني على كذا فأعتقه عنه فإنه يقدر الملك له ثم يعتق عليه لاقتضاء العتق تقدم الملك، وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره (و) صح (زيادة رهن) على رهن (بدين) واحد لانه زيادة توثقة فهو كما لو رهنهما به معا (لا عكسه)، أي زيادة دين على دين برهن واحد وإن وفى بهما فلا يصح كما لا يصح رهنه عند غير المرتهن وفارق ما قبله بأن هذا شغل مشغول وذاك شغل فارغ نعم يجوز بالعكس فيما لو جنى المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون رهنا بالدين والفداء، وفيما لو أنفق المرتهن عليه بشرطه ليكون رهنا بالدين والنفقة (ولا يلزم) الراهن (إلا بقبضه) بما مر في باب المبيع قبل قبضه من ضمان بائع (بإذن) من الراهن (أو إقباض) منه من زيادتي.
ومعلوم أن محل ذلك إذا لم يعرض مانع فلو أذن أو أقبض فجن أو أغمي عليه لم يجز قبضه، واللزوم إنما هو في حق الراهن والقبض والاذن أو الاقباض إنما يكون (ممن يصح عقده) للرهن فلا يصح شئ منها من غير كصبي ومجنون ومحجور سفه ومكره، (وله) أي للعاقد (إنابة غيره) فيه كالعقد (لا) إنابة (مقبض) من راهن أو نائبه لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض، فلو

(1/331)


أذن الراهن لغيره في الاقباض امتنعت إنابته في القبض بخلاف ما لو أذن له في الرهن فقط، فتعبيري بالمقبض أولى من تعبيره بالراهن (و) لا إنابة (رقيقه) أي المقبض ولو كان رقيقه مأذونا له لان يده كيده (إلا مكاتبه) فتصح إنابته لاستقلاله باليد والتصرف كالاجنبي ومثله مبعض بينه وبين سيده مهايأة ووقعت الانابة في نوبته (ولا يلزم رهن ما بيد غيره منه) كمودع ومغصوب ومعار (إلا بمضي زمن إمكان قبضه) أي المرهون، (وإذنه) أي الراهن (فيه) أي في قبضه لان اليد كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه.
والمراد بمضي ذلك مضيه من الاذن (ويبرأ به عن ضمان يد إيداعه لا ارتهانه) لان الايداع ائتمان ينافي الضمان والارتهان توثق لا ينافيه فإنه لو تعدى في المرهون صار ضامنا مع بقاء الرهن بحاله، ولو تعدى في الوديعة ارتفع كونها وديعة وفي
معنى ارتهانه إقراضه وتزوجه وإجارته وتوكيله وإبراؤه عن ضمانه، و تعبيري في هذه والتي قبلها بما ذكر أعم مما عبر به (ويحصل رجوعه) عن الرهن قبل قبضه (بتصرف يزيل ملكا كهبة مقبوضة) لزوال محل الرهن، (وبرهن كذلك) أي مقبوض لتعلق حق الغير وتقييدهما بالقبض هو ما جزم به الشيخان وقضيته أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا وهو موافق لتخريج الربيع، لكن نقل السبكي وغيره عن النص والاصحاب أنه رجوع وصوبه الاذرعي وهو الموافق لنظيره في الوصية وعلى الاول يفرق بينهما بأن الوصية لم يوجد فيها قبول فلم يعتبر في الرجوع عنها القبض بخلاف الرهن، (وكتابة وتدبير وإحبال) لان مقصودها العتق وهو مناف للرهن (لا بوطئ وتزويج) لعدم منافاتهما له، (وموت عاقد) من راهن أو مرتهن (وجنونه) وإغمائه لان مصيرة إلى اللزوم فلا يرتفع بذلك كالبيع في زمن الخيار، فيقوم في الموت ورثة الراهن والمرتهن مقامها في الاقباض والقبض وفي غيره من ينظر في أمر المجنون والمغمى عليه (وتخمر) العصير كتخمره بعد قبضه المفهوم بالاولى، ولان حكم الرهن وإن ارتفع بالتخمر عاد بانقلاب الخمر خلا (وإباق) لرقيق إلحاقا له بالتخمر (وليس لراهن مقبض رهن) لئلا يزاحم المرتهن (و) لا (وطئ) لخوف الاحبال فيمن تحبل وحسما للباب في غيرها، (و) لا (تصرف يزيل ملكا) كوقف لانه يزيل الرهن (أو ينقصه كتزويج) وكإجارة والدين حال أو يحل قبل انقضاء مدتها لان ذلك ينقص القيمة ويقلل الرغبة، فإن كان الدين يحل بعد مدة الاجارة أو مع فراغها جازت الاجارة، ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه كما سيأتي،

(1/332)


(ولا ينفذ) بمعجمة شئ من هذه التصرفات لضرر المرتهن به (إلا إعتاق موسر وإيلاده) فينفذان تشبيها لهما بسراية إعتاق أحد الشريكين نصيبه إلى نصيب الآخر لقوة العتق حالا أو مآلا مع بقاء حق الوثيقة بغرم القيمة كما يأتي، نعم لا ينفذ إعتاقه عن كفارة غيره والمراد بالموسر الموسر بقيمة المرهون، فإن أيسر ببعضها نفذ فيما أيسر بقيمته (ويغرم فيمته وقت
إعتاقه وإحباله) وتكون (رهنا) مكانه بغير عقد لقيامها مقامه.
وقبل الغرم ينبغي أن يحكم بأنها مرهونة كالارش في ذمة الجاني وخرج بالموسر المعسر فلا ينفذ منه إعتاق ولا إيلاد وذكر الغرم في الايلاد من زيادتي، (والولد) الحاصل من وطئ الراهن (حر) نسيب ولا يغرم قيمته ولا حد ولا مهر عليه لكن يغرم أرش البكارة ويكون رهنا، (وإذا لم ينفذا) أي الاعتاق والايلاد (فانفك) الرهن من غير بيع (نفذ الايلاد) لا الاعتاق لان الاعتاق قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغا والايلاد فعل لا يمكن رده وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير، فإذا زال الحق ثبت حكمه فإن انفك ببيع لم ينفذ الايلاد إلا أن ملك الامة (فلو ماتت بالولادة) وهو معسر حال الايلاد ثم أيسر (عرم قيمتها) وقت الاحبال وكانت (رهنا) مكانها لانه تسبب في إهلاكها بالاحبال بغير استحقاق، (ولو علق) عتق المرهون (بصفة فوجدت قبل الفك) للرهن (فكإعتاق) فينفذ العتق من الموسر ويترتب عليه ما مر فيه لان التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز (وإلا) بأن وجدت بعد الفك أو معه وهو من زيادتي (نفذ) العتق من موسر وغيره إذ لا يبطل بذلك حق المرتهن، (وله) أي للراهن (انتفاع) بالمرهون (لا ينقصه كركوب وسكنى) لخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا (لابناء وغرس) لانهما ينقصان قيمة الارض، نعم لو كان الدين مؤجلا وقال أنا أقلع عند الاجل فله ذلك وحكم البناء والغرس مع ما قبلهما، وإن علم مما مر أعيد ليبنى عليه ما يأتي (فإن فعل) ذلك (لم يقلع قبل الحلول) لاجل (بل) يقلع (بعده إن لم تف الارض) أي قيمتها (بالدين وزادت به) أي بقلع ذلك ولم يأذن الراهن في بيعه مع الارض ولم يحجر عليه لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة، فإن وفت الارض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه لم يقلع بل يباع مع الارض ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص على البناء والغراس، (ثم إن أمكن بلا استرداد) للمرهون (انتفاع يريده) الراهن منه كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة (لم يسترد) لان اليد للمرتهن كما سيأتي وقولي يريده من زيادتي، (وإلا) أي وإن لم يمكن الانتفاع بلا استرداد (فيسترد) كأن يكون دارا يسكنها أو دابة
يركبها أو عبدا يخدمه ويرد الدابة والعبد إلى المرتهن ليلا وشرط استرداده الامة أمن غشيانها

(1/333)


ككونه محرما لها أو ثقة وله أهل (ويشهد) عليه المرتهن بالاسترداد للانتفاع شاهدين في كل استرداده (إن اتهمه)، فإن وثق به فلا حاجة إلى الاشهاد (وله بإذن مرتهن ما منعناه) من تصرف وانتفاع فيحل الوطئ، فإن لم يحبل فالرهن بحاله وإن أحبل أو أعتق أو باع نفذت وبطل الرهن (لا بيعه بشرط تعجيل مؤجل) من ثمنه وعليه اقتصر الاصل أو غيره (أو) بشرط (رهن ثمنه)، وإن كان الدين حالا فلا يصح البيع لفساد الاذن بفساد الشرط ووجهوا فساد الشرط في الثانية بجهالة الثمن عند الاذن (وله) أي للمرتهن (رجوع) عن الاذن (قبل تصرف راهن) كما للموكل الرجوع قبل تصرف الوكيل وله الرجوع أيضا بعد تصرفه بهبة أو رهن بلا قبض ويوطئ بلا إحبال (فإن تصرف بعده) أي بعد رجوعه ولو جاهلا به (لغا) تصرفه كتصرف وكيل عزله موكله.
فصل فيما يترتب على لزوم الرهن (إذا لزم) الرهن (فاليد) في المرهون (للمرتهن) لانها الركن الاعظم في التوثق، وخرج بزيادتي (غالبا) ما لو رهن رقيقا مسلما أو مصحفا من كافر أو سلاحا من حربي فيوضع عند من له تملكه وما لو رهن أمة فإن كانت صغيرة لا تشتهى أو كان المرتهن محرما أو ثقة من امرأة أو ممسوح أو من أجنبي عنده حليلته أو محرمة، أو امرأتان ثقتان وضعت عنده وإلا فعند محرم لها أو ثقة ممن مر والخنثى كالامة لكن لا يوضع عند امرأة أجنبية وتقدم أن اليد تزال للانتفاع (ولهما) أي الراهن والمرتهن (شرط وضعه) أي المرهون (عند ثالث أو اثنين) مثلا لان كلا منهما قد لا يثق بالآخر وكما يتولى الواحد الحفظ يتولى القبض أيضا كما اقتضاه كلام ابن الرفعة، (ولا ينفرد) في صورتي الاثنين (أحدهما بحفظه) كنظيره في الوكالة والوصية فيجعلانه في حرز لهما فإن انفرد أحدهما بحفظه ضمن نصفه أو سلم أحدهما إلى الآخر ضمنا معا النصف
(إلا بإذن) من العاقدين فيجوز الانفراد، وتعبيري كالروضة وأصلها بثالث أولى من تعبيره بعدل فإن الفاسق كالعدل في ذلك لكن محله فيمن يتصرف لنفسه التصرف التام أما غيره كولي ووكيل وقيم ومأذون له وعامل قراض ومكاتب حيث يجوز لهم ذلك، فلا بد من عدالة من يوضع المرهون عنده ذكره الاذرعي

(1/334)


(وينقل ممن هو) أي المرهون (بيده) من مرتهن أو ثالث وإن لم يتغير حاله إلى آخر (باتفاقهما) عليه (وإن تغير حاله) بموته أو فسقه أو زيادة فسقه وعجز عن حفظه أو حدوث عداوة بينه وبين أحدهما (وتشاحا) فيه (وضعه حاكم عند عدل) يراه قطعا للنزاع، وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله ولو مات العدل أو فسق جعلاه حيث يتفقان وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل (ويبيعه الراهن) ولو بنائبه (بإذن مرتهن) ولو بنائبه (للحاجة) أي عندها بأن حل الدين ولم يوف وإنما احتيج إلى إذن المرتهن لان له فيه حقا (ويقدم) أي المرتهن (بثمنه) على سائر الغرماء لان حقه متعلق به وبالذمة، وحقهم متعلق بالذمة فقط، (فإن أبى) المرتهن (الاذن قال له الحاكم ائذن) في بيعه (أو أبرئ) دفعا لضرر الراهن (أو) أبى (الراهن بيعه ألزمه الحاكم به) أي ببيعه (أو بوفاء) بحبس أو غيره، (فإن أصر) أحدهما على الاباء (باعه الحاكم) عليه وقضى الدين من ثمنه (ولمرتهن بيعه) في الدين (بإذن راهن وحضرته) بخلافه في غيبته لانه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الاستعجال وتر ك النظر في الغيبة دون الحضور، نعم إن كان الدين مؤجلا أو قال بعه بكذا صح البيع لانتفاء التهمة (وللثالث بيعه) عند المحل (إن شرطاه وإن لم يراجع الراهن) في البيع، لان الاصل دوام الاذن أما المرتهن فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا فربما أمهل أو أبرأ.
وقال الامام لا خلاف أنه لا يراجع لان غرضه توفية الحق والمعتمد الاول لان إذنه في البيع قبل القبض لا يصح بخلاف الراهن وينعزل الثالث بعزل الراهن لا المرتهن لانه وكيله في البيع وإذن المرتهن شرط في صحته ويكون بيع الثالث له (بثمن مثله حالا من نقد بلده) كالوكيل، فإن أخل
بشئ منها لم يصح البيع لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس لانهم يتسامحون فيه وفي معنى الثالث الراهن والمرتهن كما بحثه الاسنوي، ولو رأى الحاكم بيعه بجنس الدين من غير نقد البلد جاز (فإن زاد) في الثمن (راغب قبل لزومه) أي البيع واستقرت الزيادة (فليبعه) بالزائد، وإن لم يفسخ البيع الاول ويكون الثاني فسخا له (وإلا) أي وإن لم يبعه بعد تمكنه من بيعه (انفسخ) وهذا من زيادتي، ولو رجع الراغب عن الزيادة بعد التمكن من بيعه اشترط بيع جديد.
وقولي فليبعه أولى من قوله فليفسخ وليبعه فإنه قد يفسخ فيرجع الراغب فإن زيد بعد اللزوم فلا أثر للزيادة (والثمن عنده من ضمان الراهن) حتى يقبضه المرتهن لانه ملكه، والثالث أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك، فإن ادعى الثالث تلفه صدق بيمينه أو تسليمه إلى المرتهن فأنكر صدق بيمينه فإذا حلف أخذ حقه من الراهن ورجع الراهن على الثالث وإن كان أذن له في التسليم،

(1/335)


(فإن تلف) الثمن (في يده ثم استحق المرهون رجع المشتري عليه أو على الراهن والقرار عليه) فيرجع الثالث الغارم عليه، فإن كان الآذن له في البيع الحاكم لنحو غيبة الراهن أو موته رجع المشتري في مال الراهن، ولا يكون الثالث طريقا في الضمان لانه نائب الحاكم وهو لا يضمن ولو تلف الثمن في يده بتفريط فمقتضى تصوير الامام قصر الضمان عليه قال السبكي، وهو الاقرب وإن اقتضى إطلاق غيره خلافه وفي معنى الثالث فيما ذكر المرتهن (وعليه) أي الراهن المالك (مؤنة مرهون) كنفقة رقيق وكسوته وعلف دابة وأجرة سقي أشجار، وجذاذ ثمار وتجفيفها ورد آبق ومكان حفظ، فيجبره عليها لحق المرتهن (ولا يمنع) الراهن (من مصلحته) أي المرهون (كفصد وحجم) ومعالجة بأدوية عند الحاجة إليها حفظا لملكه ولا يجبر عليها (وهو أمانة بيد المرتهن) لخبر الراهن من راهنه أي من ضمانه، رواه ابن حبان والحاكم وقال على شرط الشيخين فلا يسقط بتلفه شئ من دينه كموت الكفيل بجامع التوثق ولا يضمنه المرتهن إلا إذا تعدى فيه أو امتنع من رده بعد البراءة من الدين
(وأصل فاسد كل عقد) صدر (من رشيد كصحيحه في ضمان) وعدمه لانه إن اقتضى صحيحه الضمان ففاسدة أولى، أو عدمه ففاسدة كذلك لان واضع اليد أثبتها بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا فالمقبوض بفاسد بيع أو إعارة مضمون وبفاسد رهن أو هبة غير مضمون، وخرج بزيادتي من رشيد ما لو صدر من غيره ما لا يقتضي صحيحه الضمان فإنه مضمون ونبهت بزيادتي أصل تبعا للاصحاب على أنه قد يخرج عن ذلك مسائل فمن الاول ما لو قال قارضتك على أن الربح كله لي فهو قراض فاسد ولا يستحق العامل أجرة، وما لو قال ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا يستحق العامل أجرة وما لو صدر عقد الذمة من غير الامام فهو فاسد ولا جزية فيه على الذمي، ومن الثاني الشركة فإنه يضمن كل من الشريكين عمل الآخر مع صحتها ويضمنه مع فسادها وما لو صدر الرهن أو الاجارة من متعد كغاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه، وإن كان القرار على المتعدي مع أنه لا ضمان في صحيح الرهن والاجارة (وشرط كونه) أي المرهون (مبيعا له عند محل) بكسر الحاء أي وقت الحلول (مفسد) لرهن لتأقيته وللبيع لتعليقه، (وهو) أي المرهون بهذا الشرط (قبله) أي قبل المحل (أمانة) لانه مقبوض بحكم الرهن الفاسد وبعده مضمون لانه مقبوض بحكم الشراء الفاسد فإن قال رهنتك، وإذا لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك فسد البيع قال السبكي لا الرهن فيما يظهر لانه لم يشترط فيه شيئا.
وكلام الروياني يقتضيه (وحلف) أي المرتهن فيصدق (في دعوى تلف) لم يذكر سببه كالمكتري فإن ذكر سببه

(1/336)


ففيه التفصيل الآتي في الوديعة، والمراد أنه لا يضمن وإلا فالمتعدي كالغاصب يصدق بيمينه في ذلك (لا) في دعوى (رد) إلى الراهن لانه قبضه لغرض نفسه كالمستعير (ولو وطئ) المرتهن المرهونة بشبهة أو بدونها (لزمه مهر إن عذرت) كأن أكرهها، أو جهلت التحريم كأعجمية لا تعقل (ثم إن كان) وطؤه (بلا شبهة) منه (حد) لانه زان (ولا يقبل دعواه جهلا)
بتحريم الوطئ، (والولد رقيق غير نسيب وإلا) بأن كان وطؤه بشبهة منه كأن جهل تحريمه وأذن له فيه الراهن أو قرب إسلامه أو نشأ بعيدا عن العلماء، (فلا) أي فلا يحد ويقبل دعواه الجهل بيمينه والولد حر نسيب لا حق به للشبهة (وعليه قيمة الولد لمالكها) لتفويته الرق عليه، وقولي ولو وطئ إلى آخره أعم مما ذكره (ولو أتلف مرهون فبدله) ولو قبل قبضه (رهن) مكانه بغير عقد، ويجعل بعد قبضه في يد من كان الاصل في يده من المرتهن أو الثالث، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله ولو أتلف المرهون وقبض بدله صار رهنا لما عرفت أنه يكون رهنا قبل قبضه وإن كان دينا كما رجحه في الروضة، لان الدين إنما يمتنع رهنه ابتداء (والخصم فيه) أي في البدل (المالك) راهنا كان أو معيرا للمرهون لانه المالك للرقبة والمنفعة بخلاف المرتهن وإن تعلق حقه بما في الذمة، وله إذا خاصم المالك حضور خصومته لتعلق حقه بالبدل، وتعبيري في الموضعين بالمالك أولى من تعبيره بالراهن (فلو وجب قصاص) في المرهون المتلف (واقتص) أي المالك له أو عفا بلا مال (فات الرهن) فيما جنى عليه لفوات محله بلا بدل، (أو) وجب (مال) بعفوه عن قصاص بمال أو كون الجناية خطأ أو شبه عمد أو عمدا يوجب ما لا لعدم المكافأة مثلا، وتعبيري بذلك أعم من قوله فإن وجب مال بعفوه أو بجناية خطأ (لم يصح عفوه عنه) لحق المرتهن (ولا) يصح (إبراء المرتهن الجاني) لانه ليس بمالك ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة، (وسرى رهن إلى زيادة) في المرهون (متصلة) كسمن وكبر شجرة إذ لا يمكن انفصالها بخلاف المنفصلة كثمرة وولد وبيض لانتفاء ذلك ولانه عقد لا يزيل الملك فلا يسري إليها كالاجارة.
(ودخل في رهن حامل حملها) بناء على أن الحمل يعلم فهو رهن بخلاف رهن الحائل لا يتبعها حملها الحادث فليس برهن بناء على ذلك، ويتعذر بيعها حاملا لان استثناء الحمل متعذر، وتوزيع الثمن على الام أو الحمل كذلك لان الحمل لا تعرف قيمته قال الاسنوي كذا أطلقه الرافعي، لكن نص في الام على أن الراهن لو سأل أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن كان له ذلك

(1/337)


(ولو جني مرهون على أجنبي قدم به) على المرتهن لان حقه متعين في الرقبة بخلاف حق المرتهن لتعلقه بها وبالذمة، (فإن اقتص) منه المستحق (أو بيع له) أي لحقه بأن أوجبت الجناية مالا أو عفا على مال (فات الرهن) فيما اقتص فيه أو بيع لفوات محله، نعم إن وجبت قيمته كأن كان تحت يد غاصب لم يفت الرهن بل تكون قيمته رهنا مكانه، فلو عاد المبيع إلى ملك الرهن لم يكن رهنا (كما لو تلف) المرهون بآفة سماوية (أو جني على سيده فاقتص) منه المستحق فيفوت الرهن لذلك (لا إن وجد)، والجناية على غير أجنبي (سبب) وجوب (مال) كأن عفا عليه أو كان القتل خطأ فلا يفوت الرهن، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بعفا على مال (وإن قتل مرهون مرهونا لسيده عند آخر فاقتص) منه السيد (فات الرهنان) لفوات محلهما (وإن وجب مال) كأن قتل خطأ أو عفى على مال (تعلق به) أي بالمال (حق مرتهن القتيل) والمال متعلق برقبة القاتل (فيباع) بقيد زدته بقولي (إن لم تزد قيمته على الواجب) بالقتل (وثمنه) إن لم يزد على الواجب (رهن) وإلا فقدر الواجب منه لا أنه يصير نفسه رهنا لان حق المرتهن في ماليته لا في عينه ولانه قد يرغب فيه بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بها، فإن زادت قيمة القاتل على الواجب بيع قدره وحكم ثمنه ما مر فإن تعذر بيع بعضه أو نقص به بيع الكل وصار الزائد رهنا عند مرتهن القاتل، ولو اتفق الراهن والمرتهن على النقل فعل أو الراهن ومرتهن القتيل فنقل الشيخان عن الامام أنه ليس لمرتهن القاتل طلب البيع ثم قالا ومقتضى التوجيه بتوقع زيادة راغب أن له ذلك، (فإن كانا) أي القاتل والقتيل (مرهونين بدين) واحد عند شخص فأكثر (أو بدينين عند شخص فإن اقتص سيد) من القاتل (فأتت الوثيقة وإلا) بأن لم يقتص منه بل وجب مال متعلق برقبته، (نقصت) أي الوثيقة (في الاولى وتنقل في الثانية لغرض) أي فائدة للمرتهن بأن يباع القاتل ويصير ثمنه رهنا مكان القتيل فإن لم يكن في نقلها غرض لم تنقل، فلو كان أحد الدينين حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما أطول أجلا من الآخر فللمرتهن التوثق بثمن القاتل لدين القتيل، فإن كان حالا فالفائدة استيفاؤه من ثمن القاتل في
الحال أو مؤجلا فقد توثق ويطالب بالحال وإن اتفق الدينان قدرا وحلولا وتأجيلا.
وقيمة القتيل أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها لم تنقل الوثيقة لعدم الفائدة وإن كانت قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل وذكر فوات الوثيقة في الصورتين مع الاطلاق عن التقييد في الاولى في النقص بشخص من زيادتي، (وينفك) الرهن (بفسخ مرتهن) ولو بدون الراهن لان الحق له وهو جائز من جهته

(1/338)


(وببراءة من الدين) بأداء أو إبراء أو حوالة أو غيرها (لا) ببراءة من (بعضه فلا ينفك شئ) من المرهون كحق حبس المبيع وعتق المكاتب، ولانه وثيقة لجميع أجزاء الدين كالشهادة (إلا إن تعدد عقد أو مستحق) للدين (أو مدين أو مالك معار رهن) فينفك بعضه بالقسط كأن رهن بعض عبد بدين وباقيه بآخر ثم برئ من أحدهما أو رهن عبدا من اثنين بدينيهما عليه ثم برئ من دين أحدهما، أو رهن إثنان من واحد بدينه عليهما ثم برئ أحدهما مما عليه أو رهن عبدا استعاره من اثنين ليرهنه ثم أدى نصف الدين، وقصد فكاك نصف العبد أو أطلق ثم جعله عنه وذكر تعدد المستحق ومالك المعار من زيادتي.
فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به.
لو (اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في رهن تبرع) أي أصله كأن قال رهنتني كذا فأنكر (أو قدره) أي الرهن بمعنى المرهون كأن قال رهنتني الارض بشجرها فقال بل وحدها، (أو عينه) كهذا العبد فقال بل الثوب (أو قدر مرهون) كألفين فقال بل بألف وهذان من زيادتي (حلف راهن) وإن كان المرهون بيد المرتهن لان الاصل عدم ما يدعيه المرتهن، وخرج برهن التبرع الرهن المشروط في بيع بأن اختلفا في اشتراطه فيه أو اتفقا عليه، واختلفا في شئ مما مر غير الاولى فيتحالفان فيه كسائر صور البيع إذا اختلفا فيه (ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمائة وأقبضاه وصدقه أحدهما فنصيبه رهن بخمسين) مؤاخذة له بإقراره.
(وحلف المكذب) لما مر
(وتقبل شهادة المصدق عليه) لخلوها عن التهمة فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي ثبت رهن الجميع، وقولي وأقبضاه من زيادتي (ولو اختلفا في قبضه) أي المرهون (وهو بيد راهن أو) بيد (مرتهن وقال الراهن غصبته أو أقبضته عن جهة أخرى) كإعارة وإجارة وإيداع (حلف) لان الاصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض عن الرهن بخلاف ما لو كان بيد المرتهن، ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه عنه لكنه قال إنك لم تقبضه عنه أو رجعت عن الاذن فيحلف المرتهن (ولو أقر)

(1/339)


الراهن ولو في مجلس الحكم بعد الدعوى عليه (بقبضه) أي بقبض المرتهن المرهون، (ثم قال إن لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه) أي المرتهن أنه قبض المرهون (وإن لم يذكر) أي الراهن لاقراره (تأويلا) كقوله ظننت حصول القبض بالقول أو شهدت على رسم القبالة لانا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقيق ما فيها، (ولو اختلفا في جناية) عبد (مرهون أو قال الراهن جنى قبل قبض حلف منكر) على نفي العلم بالجناية إلا أن ينكرها الراهن في الاولى فعلى البت لان الاصل عدمها وبقاء الرهن في الاولى وصيانة لحق المرتهن في الثانية، وإذا بيع للدين في الاولى فلا شئ للمقر له ولا يلزم تسليم الثمن إلى المرتهن المقر (وإذا حلف) أي المنكر (في الثانية غرم الراهن) للمجني عليه (الاقل من قيمته) أي المرهون (والارش) كما في جناية أم الولد لامتناع البيع (ولو نكل) المنكر فيهما (حلف المجني عليه) لان الحق له لا المقر لانه لم يدع لنفسه شيئا، (ثم) إذا حلف المجني عليه (بيع) العبد (للجناية) لثبوتها باليمين المردودة (إن استغرقت) أي الجناية قيمته وإلا بيع منه بقدرها ولا يكون الباقي رهنا إن كانت الجناية قبل القبض، لان اليمين المردودة كالبينة أو كالاقرار بأنه كان جانيا في الابتداء فلا يصح رهن شئ منه، وقولي ولو نكل إلى آخره من زيادتي في الاولى وإن استغرقت من زيادتي في الثانية،
(ولو أذن) أي المرتهن (في بيع مرهون فبيع ثم) بعد بيعه (قال رجعت قبله وقال الراهن بعده حلف المرتهن) لان الاصل عدم رجوعه في الوقت الذي يدعيه، والاصل عدم بيع الراهن في الوقت الذي يدعيه فيتعارضان ويبقى أن الاصل استمرار الرهن وذكر التحليف في هذه والتي بعدها من زيادتي (كمن عليه دينان بأحدهما وثيقة) كرهن (فأدى أحدهما ونوى دينها) أي الوثيقة، فإنه يحلف فهو مصدق على المستحق القائل إنه أدى عن الدين الآخر سواء اختلفا في نية ذلك أم في لفظه، لان المؤدى أعرف بقصده وكيفية أدائه (وإن أطلق) بأن لم ينو شيئا (جعله عما شاء) منهما كما في زكاة المالين الحاضر والغائب فإن جعله عنهما قسط عليهما بالسوية بالقسط كما أوضحته في شرح الروض وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ألفان بأحدهما رهن.

(1/340)


فصل في تعلق الدين بالتركة (من مات وعليه دين) مستغرق أو غيره لله تعالى أو لآدمي (تعلق بتركته كمرهون) وإن انتقلت إلى الوارث مع وجود الدين كما يأتي، لان ذلك أحوط للميت وأقرب لبراءة ذمته ويستوي في حكم التصرف الدين المستغرق وغيره فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسرا كالمرهون، سواء أعلم الوارث الدين أم لا، لان ما تعلق بالحقوق لا يختلف بذلك، نعم لو أدى بعض الورثة من الدين بقسط ما ورث انفك نصيبه كما في تعدد الراهن بخلاف ما لو رهن المورث عينا ثم مات فلا ينفك شئ منها إلا بأداء الجميع، والفرق أن الرهن الوضعي أقوى من الشرعي (ولا يمنع) تعلق الدين بها (إرثا) إذ ليس في الارث المفيد للملك أكثر من تعلق الدين بالموروث تعلق رهن أو أرش، وذلك لا يمنع الملك في المرهون والعبد الجاني وتقديم الدين على الارث لاخراجه من أصل التركة في قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين لا يمنع ذلك، (فلا يتعلق) أي الدين
(بزوائدها) أي التركة ككسب ونتاج لانها حدثت في ملك الوارث (وللوارث إمساكها بالاقل من قيمتها والدين) حتى لو كان الدين أكثر من التركة.
وقال الوارث أنا آخذها بقيمتها وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أجيب الوارث لان الظاهر أنها لا تزيد على القيمة، وهذه الصورة واردة على قول الاصل للوارث إمساكها وقضاء الدين من ماله (ولو تصرف و لا دين فظهر دين) بنحو رد مبيع بعيب تلف ثمنه، (ولم يسقط) أي الدين بأداء أو إبراء أو نحوه (فسخ) التصرف فعلم أنه لم يبن فساده لانه كان جائزا له ظاهرا وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به، أما لو كان ثم دين خفي ثم ظهر بعد تصرفه فهو فاسد كما مرت الاشارة إليه.

(1/341)


كتاب التفليس هو لغة النداء على المفلس وشهره بصفة الافلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الاموال.
وشرعا جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله.
والاصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح إسناده أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وسلم): ليس لكم إلا ذلك (من عليه دين آدمي لازم حال زائد على ماله حجر عليه) في ماله إن استقل (أو على وليه) في مال موليه إن لم يستقل (وجوبا) فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري كنذر مطلق وكفارة لم يعص بسببها، ولا بدين غير لازم كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه ولا بمؤجل لانه لا يطالب به، ولا بدين مساو لماله أو ناقص عنه فلا يجب الحجر في شئ من ذلك، نعم لو طلبه الغرماء في المساوي أو الناقص بعد الامتناع من الاداء وجب لكنه ليس بحجر فلس بل حجر غريب.
والمراد بماله ماله العيني أو الديني الذي يتيسر الاداء منه بخلاف المنافع والمغصوب والغائب ونحوهما.
وقولي آدمي لازم مع قولي أو على وليه وجوبا من زيادتي، وإنما يحجر على من ذكر (بطلبه) ولو بوكيله لان له فيه غرضا ظاهرا، (أو طلب غرمائه) ولو بنوابهم كأوليائهم لان الحجر لحقهم (أو) طلب (بعضهم ودينه كذلك) أي لازم إلى آخره، فإن
كان لغريمه ولي خاص ولم يطلب حجر عليه الحاكم (وسن) له (إشهاد على حجره) أي المفلس مع النداء عليه ليحذر الناس معاملته، والتصريح بالسن من زيادتي (ولا يحل) دين (مؤجل بحجر) بحال بخلاف الموت لان الذمة خربت بالموت دون الحجر، (وبه) أي وبالحجر عليه بطلب أو بدونه (يتعلق حق الغرماء بماله) كالرهن عينا كان أو دينا أو منفعة فلا تزاحمهم فيه الديون الحادثة (ولا يصح تصرفه فيه بما يضرهم كوقف وهبة ولا) يصح (بيعه) ولو لغرمائه بدينهم بغير إذن القاضي لان الحجر يثبت على العموم، ومن الجائز أن يكون له غريم آخر وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى المقيد بما مر كزكاة ونذر وكفارة، فلا يتعلق بمال المفلس كما جزم به في الروضة كأصلها في الايمان وبتصرفه فيه تصرفه في غيره كتصرفه بيعا وشراء في ذمته، فيثبت المبيع والثمن فيهما وكنكاحه وطلاقه وخلعه إن صدر من زوج واقتصاصه وإسقاطه القصاص ورده بعيب أو إقالة إن كان بغبطة إذ لا

(1/342)


ضرر على الغرماء بذلك (ويصح إقراره) في حقهم (بغبن أو جناية) ولو بعد الحجر (أو بدين أسند وجوبه لما قبل الحجر).
كما يصح في حقه، وكإقرار المريض بدين يزاحم به الغرماء فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا بغيرها، أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده لم يقبل إقراره في حقهم فلا يزاحمهم المقر له في الثلاث لتقصيره بمعاملته له في الاولى، ولتنزيله على أقل المراتب وهو دين المعاملة في الثانية.
ولان الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن في الثالثة وقيدها في الروضة بما إذا تعذرت مراجعة المقر قال فإن أمكنت فينبغي أن يراجع لانه يقبل إقراره انتهى، ويتجه مثله في الثانية (تنبيه) أفتى ابن الصلاح بأنه لو أقر بدين وجب بعد الحجر واعترف بقدرته على وفائه قبل وبطل ثبوت إعساره أي لان قدرته على وفائه شرعا تستلزم قدرته على وفاء بقية الديون، (ويتعدى الحجر لما حدث بعده بكسب كاصطياد) وهذا أعم من قوله حدث بعده باصطياد (ووصية وشراء) نظرا لمقصود الحجر المقتضى شموله للحادث أيضا، نعم إن وهب له بعضه أو
أوصى له به وتم العقد فإنه يعتق عليه ولا تعلق للغرماء به، (ولبائع) إن (جهل) الحال الفسخ والتعلق بماله كما سيأتي و (أن يزاحم) الغرماء بثمنه وإن وجد ماله بخلاف العالم لتقصيره.
فصل فيما يفعل المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما (يبادر قاض ببيع ماله) بقدر الحاجة لئلا يطول زمن الحجر ولا يفرط في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس ولو مركوبه ومسكنه وخادمة) وإن احتاجها لمنصبه أو لغيره لانه يسهل تحصيلها بأجرة، فإن تعذر فعلى المسلمين والتصريح بذكر المركوب من زيادتي (بحضرته) بنفسه أو نائبه (مع غرمائه) بأنفسهم أو نوابهم لانه أطيب للقلوب ولانه يبين ما في ماله من العيب، فلا يرد وهم قد يزيدون في الثمن (في سوقه) لان طالبيه فيه أكثر (وقسم ثمنه) بين غرمائه (ندبا) في الجميع وهو من زيادتي فإن كان لنقل المال إلى السوق مؤنة ورأى القاضي استدعاء أهله إليه جاز قال الماوردي وابن الرفعة ولا بد في البيع من ثبوت كونه ملكه وحكى فيه السبكي وجهين ورجح الاكتفاء باليد ويؤيد الاول أن الشركاء لو طلبوا من الحاكم قسمة شئ بأيديهم لم يجبهم حتى يثبت ملكهم (بثمن مثله حالا من نقد بلد محله)، أي

(1/343)


البيع لانه أسرع إلى قضاء الحق (وجوبا) في ذلك وهو من زيادتي، نعم أن رأى القاضي البيع بمثل ديون الغرماء أو رضوا مع المفلس بثمن مؤجل أو بغير نقد المحل جاز (وليقدم) في البيع (ما يخاف فساده) لئلا يضيع، (فما تعلق به حق) كمرهون وهذا من زيادتي (فحيوانا) لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك (فمنقولا فعقارا) بفتح العين أشهر من ضمها لان المنقول يخشى عليه السرقة ونحوها بخلاف العقار، وقال السبكي الاحسن تقديم ما تعلق به حق ثم غيره ويقدم منهما ما يخاف فساده قال الاذرعي، والظاهر أن الترتيب في غير ما يخاف فساده وغير الحيوان مندوب لا واجب (ثم إن كان النقد) الذي بيع به (غير دينهم) جنسا أو نوعا (اشترى) لهم (إن لم يرضوا
بالنقد) لانه واجبهم، (وإلا) بأن رضوا به (صرف لهم إلا في نحو سلم) مما يمتنع الاعتياض فيه كمبيع في الذمة فلا يجوز صرفه لهم ونحو من زيادتي (ولا يسلم) القاضي (مبيعا قبل قبض ثمنه) احتياطا لانه يتصرف عن غيره، فإن خالف ضمن كذا في الروضة وأصلها.
وينبغي كما قاله السبكي أن محله إذا فعله جاهلا أو معتقدا تحريمه فإن فعله باجتهاد أو تقليد صحيح فلا ضمان (وما قبض قسمه بين الغرماء) بنسبة ديونهم على التدريج لتبرأ منه ذمة المفلس ويصل إليه المستحق، بل إن طلب الغرماء القسمة وجبت (فإن عسر) قسمه لقلته وكثرة الديون (أخر) قسمة ليجتمع ما يسهل قسمه، فإن أبو التأخير بل طلبوا قسمه ففي النهاية يجيبهم ونقله السبكي عن العراقيين، وقال الشيخان الظاهر خلافه ونقله غيرهما عن الماوردي وغيره قال السبكي بل الظاهر ما في النهاية لان الحق لهم فلا يجوز التأخير عند الطلب إلا أن تظهر مصلحة في التأخير، ولعل هذا مراد الشيخين (ولا يكلفون) عند القسمة (إثبات أن) هو أعم من قوله بينة بأن (لا غريم غيرهم) لان الحجر يشتهر ولو كان ثم غريب لظهر وطلب حقه، (فلو قسم فظهر غريم أو حدث دين سبق سببه الحجر) كأن استحق مبيع مفلس قبل حجره وثمنه المقبوض تالف (شارك) الغريم في الصورتين الغرماء (بالحصة) فلا تنقص القسمة لحصول المقصود بذلك مع وجود المسوغ ظاهرا وفارق نقضها فيما لو ظهر بعد قسمة التركة وارث بأن حق الوارث في عين المال بخلاف حق الغريم فإنه في قيمته، فلو قسم مال المفلس وهو خمسة عشر على غريمين لاحدهما عشرون وللآخر عشرة وأخذ الاول عشرة والثاني خمسة ثم ظهر غريم له ثلاثون رجع على كل منهما بنصف ما أخذه هذا إذا أيسر الغرماء كلهم، فلو أعسر بعضهم جعل كالمعدوم وشارك الغريم الباقين فإن أيسر رجعوا عليه بالحصة كما أوضحته في شرح الروض، وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على ما مثلت به في الشرح

(1/344)


(ولو استحق مبيع قاض) وثمنه المقبوض تالف (قدم مشتر) ببدل ثمنه إذ لو حاصص
الغرماء به لادى إلى رغبة الناس عن شراء مال المفلس، أما غير التالف فيرد (ويمون) أي القاضي من مال المفلس (ممونه) من نفسه وزوجاته اللاتي نكحهن قبل الحجر ومماليكه كأمهات أولاده وأقاربه وإن حدثوا بعده، وتعبيري بذلك أعم من قوله ينفق على من عليه نفقته (حتى يمضي يوم قسم ماله بليلته) التي بعده أو ليلة قسم ماله بيومها الذي بعدها ما لم يتعلق به حق آخر كرهن وجناية، وذلك لخبر ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وينفق عليهم يوما بيوم نفقة المعسرين ويكسوهم بالمعروف وإنما استمر ذلك إلى القسم لانه موسر ما لم يزل ملكه، وقولي بليلته من زيادتي (إلا أن يغتني بكسب) لائق به فلا يمونه منه ويصرف كسبه إلى ذلك إلا أن يفضل منه شئ فيرد إلى المال وإن نقص كمل منه فإن قصر ولم يكتسب فقضية كلامهم أنه يمونه من ماله.
واختاره الاسنوي وقضية كلام المتولي خلافه واختاره السبكي (ويترك) من ماله (لممونه دست ثوب لائق) به من قميص وسراويل وعمامة وكذا ما يلبس تحتها فيما يظهر ومداس وخف وطيلسان ودراعة فوق القميص، ويزاد في الشتاء جبة أو نحوها والمرأة مقنعة وغيرها مما يليق بها ولا يترك له فرش وبسط لكن يسامح باللبد والحصير القليل القيمة، ولو كان يلبس قبل الافلاس فوق ما يليق به رد إلى اللائق أو دونه تقتيرا لم يزد عليه ويترك للعالم كتبه قاله العبادي وابن الاستاذ وقال تفقها يترك للجندي المرتزق خيله وسلاحه المحتاج إليهما بخلاف المتطوع بالجهاد، وكل ما يترك للمفلس إن لم يوجد في ماله اشترى له (ويلزم بعد القسم إجارة أم ولده وموقوف) هو أعم من قوله والارض الموقوفة (عليه لبقية دين) لان منفعة المال مال كالعين بدليل أنها تضمن بالغصب فليصرف بدل منفعتها للدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة قال الشيخان وقضيته إدامة الحجر إلى البراءة وهو كالمستبعد (لا كسبه و) لا (إجارة نفسه) فلا يلزمانه لبقية الدين، قال تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) حكم بأنظاره ولم يأمره بالكسب نعم يلزمه الكسب لدين عصى بسببه كما نقله ابن الصلاح عن محمد بن الفضل القراوي، (وإن أنكر غرماؤه) أي المدين (إعساره فإن لم يعرف له مال حلف) فيصدق لان الاصل العدم (وإلا) بأن عرف له مال
كان لزمه بشراء أو قرض (لزمه بينة) بإعساره، ويحلف معها بطلب الخصم وتغني عن بينة الاعسار بينة تلف المال، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بلزوم الدين في معاملة مال إذ المعاملة ليست شرطا، وشرط بينة إعساره كونها (تخبر باطنه) بطول جواره وكثرة مخالطته فإن الاموال تخفى فإن عرف القاضي أن الشاهد بهذه الصفة فذاك، وإلا فله اعتماد قوله إنه بها (وتشهد أنه معسر لا يملك إلا ما يبقى لممونه) فتقيد النفي ولا تمحضه كقولها لا يملك شيئا لانه كذب، (وإذا ثبت) أي إعساره عند القاضي (أمهل) حتى يوسر فلا بحبس ولا يلزم للآية

(1/345)


السابقة بخلاف من لم يثبت إعساره نعم لا يحبس الوالد للولد ولا المكاتب للنجوم ولا من وقعت على عينه إجارة للدين إذا تعذر عمله في الحبس، بل يقدم حق المكتري (والعاجز عنها) أي عن بينة إعساره (يوكل القاضي) به (من يبحث عنه) أي عن حاله (فإذا ظن إعساره بقرائن إضاقة) من أضاق الرجل أي ذهب ماله (شهد به) لئلا يتخلد في الحبس.
فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه (له فسخ معاوضة محضة لم تقع بعد حجر عليه)، بأن وقعت قبل الحجر أو بعده وجهله فيرجع إلى ما له ولو بلا قاض (فورا) كخيار العيب بجامع دفع الضرر إن وجد ماله في ملك غريمه، ولو تخلل ملك غيره وإن صحح في الروضة خلافه وأوهمه كلام الاصل (ولم يتعلق به حق لازم والعوض حال) أصالة أو عرضا ولو بعد الحجر (وتعذر حصوله بالافلاس) لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء وقياسا على خيار المسلم بانقطاع المسلم فيه، وعلى المكتري بانهدام الدار بجامع تعذر استيفاء الحق ولو قبض بعض العوض فسخ فيما يقابل بعضه الآخر كما سيأتي، وخرج بالمعاوضة الهبة ونحوها، وبالمحضة غيرها كالنكاح والخلع والصلح عن دم، لانها ليست في معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض في الهبة ونحوها، ولتعذر استيفائه في البقية نعم للزوجة بإعسار زوجها بالمهر أو النفقة
فسخ النكاح كما سيأتي في بابه لكن لا يختص ذلك بالحجر، وخرج بالبقية ما لو وقعت المعاوضة بعد حجر علمه لتقصيره، ولان الافلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم وعدمه وما لو تراخى عن العلم لتقصيره وما لو خرج المال عن ملكه حسا أو شرعا كتلف وبيع ووقف، وما لو تعلق حق لازم لثالث كرهن مقبوض وجناية وكتابة لانه كالخارج عن ملكه بخلاف تدبيره وإجارته ونحوهما لانها لا تمنع البيع، فيأخذه في الاجارة مسلوب المنفعة أو يضارب فإن خرج عن ملكه وعاد بمعاوضة ولم يقبض الثاني العوض أيضا فهل يقدم الاول أو الثاني أو يرجع كل منهما إلى النصف فيه أوجه، لم يرجح الشيخان منها شيئا ورجح ابن الرفعة منها الثاني وبه جزم الماوردي وغيره لان المال في حقه باق في سلطنة الغريم وفي حق الاول زال

(1/346)


ثم عاد وخرج ما لو كان العوض مؤجلا حال الرجوع وما لو لم يتعذر حصوله بالافلاس كأن كان به رهن يفي به أو ضمان على مقر ولو بلا إذن، أو أشتري شيئا بعين ولم يسلمها وهو ظاهر فيطالب في الاخيرة بالعين، وكانقطاع جنس العوض أو هرب موسر أو امتناعه من دفعه لجواز الاستبدال عنه في الاولى وإمكان الاستيفاء بالسلطان في غيرها، فإن فرض عجز فنادر لا عبرة به، والتصريح بمحضة وبقولي ولم يتعلق به حق لازم بالشروط في مسألة الجهل من زيادتي، (وإن قدمه الغرماء بالعوض) فله الفسخ في التقديم من المنة وقد يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما يأخذه.
ويحصل الفسخ (بنحو فسخت العقد) كنقضته أو رفعته والتصريح بهذا من زيادتي (لا بوطئ وتصرف) كإعتاق وبيع ووقف كما في الهبة للفرع فتعبيري بتصرف أعم من اقتصاره على الاعتاق والبيع، (ولو تعيب) مبيع مثلا (بجناية بائع) بقيد زدته بقولي (بعد قبض أو) بجناية (أجنبي أخذه وضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة) إليها الذي استحقه المفلس، فلو كانت قيمته سليما مائة ومعيبا تسعين رجع بعشر الثمن (وإلا) بأن تعيب بآفة سماوية أو بجناية بائع قبل قبض أو بجناية مبيع أو مشتر كتزويجه له عبدا كان أو أمة (أخذه) ناقصا، (أو ضارب بثمنه) كما في تعيب المبيع في يد البائع فإن المشتري يأخذه ناقصا أو يتركه (وله أخذ بعضه) سواء أتلف الباقي أم لا
(ويضارب بحصة الباقي فإن كان) قد (قبض بعض الثمن أخذ) من ماله (ما يقابل باقيه) أي باقي الثمن، ويكون ما قبضه في مقابله غير المأخوذ كما لو رهن عبدين بمائة وتلف أحدهما وقد قبض خمسين، فالباقي مرهون بالباقي وقولي وإلا إلى آخره أعم مما ذكره، (والزيادة المتصلة) كسمن وتعلم صنعة بلا معلم (لبائع) فيرجع فيها مع الاصل (والمنفصلة) كثمرة وولد حدثا بعد البيع (لمشتر) فلا يرجع فيها البائع من الاصل (فإن كانت) أي الزيادة المنفصلة (ولد أمة لم يميز) هو أولى من قوله، فإن كان الولد صغيرا (ولم يبذل) بمعجمة (البائع قيمته بيعا) معا حذرا من التفريق الممنوع منه، (وأخذ حصة الام) من الثمن فإن بذلها أخذهما (ولو وجد) للمبيع (حمل أو ثمر لم يظهر عند بيع أو رجوع) بأن كان الحمل متصلا والثمر مستترا عند البيع دون الرجوع أو عكسه (أخذه) بناء في الحمل في الاولى على أنه يعلم في البقية في الاصل، لان ذلك يتبع في المبيع، فكذا في الرجوع ويفرق بينه وبين نظيره في الرهن بأن الرهن ضعيف بخلاف الفسخ لنقله الملك وفي الرد بعيب ورجوع الوالد في هبته بأن سبب الفسخ هنا نشأ ممن أخذ منه بخلافه، ثم والتصريح بحكم عدم ظهور الثمن عند الرجوع من زيادتي

(1/347)


(ولو غرس) الارض المبيعة له (أو بنى) فيإها (فإن اتفق هو وغرماؤه على قلعه) أي الغراس أو البناء (قلعوا) لان الحق لهم لا يعدوهم، وليس للبائع أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس أو البناء ليتملكه مع الارض وإذا قلع وجب تسوية الحفر من مال المفلس، وإن حدث في الارض نقص بالقلع وجب أرشه من ماله.
قال الشيخ أبو حامد يضارب البائع به وفي المهذب والتهذيب والكفاية أنه يقدم به لانه لتخليص ماله وهو الاوجه، (أو) اتفقوا على (عدمه) أي القلع (تملكه) أي تملك البائع الغراس أو البناء (بقيمته أو قلعه وغرم أرش نقصه) لان مال المفلس مبيع كله والضرر يندفع بكل منهما، فأجيب البائع لما طلبه منهما بخلاف ما لو زرعها المشتري وأخذها البائع لا يتمكن من ذلك لان للزرع أمدا ينتظر فسهل احتماله
بخلاف الغلااس والبناء فإن اختلفوا عمل بالمصلحة وبما ذكر علم أنه ليس للبائع أخذ الارض وإبقاء الغراس والبناء للمفلس ولو بلا أجرة، وبه صرح الاصل لنقص قيمتهما بلا أرض فيحصل له الضرر والرجوع، إنما شرع لدفع الضرر ولا يزال الضرر بالضرر (ولو كان) المبيع له (مثليا كبر فخلطه بمثله أو بأردأ) منه (رجع) البائع (بقدره من المخلوط) ويكون في الاردإ مسامحا ينقصه كنقص العيب (أو) خلطه (بأجود) منه (فلا) يرجع البائع في المخلوط حذرا من ضرر المفلس، ويضارب بالثمن نعم إن كان الاجود قليلا جدا كقدر تفاوت الكيلين فالاوجه القطع بالرجوع، كما قاله الامام وأقره الشيخان.
وتعبيري بالمثل أعم من تعبيره بالحنطة (ولو طحنه) أي الحب المبيع له (أو قصره) أي الثوب المبيع له (أو صبغه بصبغة) أو تعلم العبد صنعة بمعلم ثم حجر عليه (وزادت قيمته) بالصنعة، (فالمفلس شريك بالزيادة) سواء أبيع المبيع وعليه اقتصر الاصل في الاوليين أم أخذه البائع، فلو كانت قيمته في الاوليين خمسة وبلغت بذلك ستة فللمفلس سدس الثمن في صورة البيع وسدس القيمة في صورة الاخذ، وفارق نظيره في سمن الدابة بعلفه بأن الطحن أو القصارة منسوب إليه بخلاف السمن فهو محض صنع الله تعالى إذ العلف يوجد كثيرا ولا يحصل السمن ولو كانت قيمته في الثالثة أربعة دراهم والصبغ درهمين وصارت قيمة الثوب مصبوغا ستة دراهم أو خمسة أو ثمانية فللمفلس ثلث الثمن أو القيمة أو خمس ذلك أو نصفه والنقص في الثانية على الصبغ كما علم لانه هالك في الثوب و الثوب قائم بحاله، وهل نقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس أو نقول يشتركان فيهما بحسب قيمتهما لتعذر التمييز وجهان، رجح منهما ابن المقري الاول قال السبكي ويشهد للثاني نص الشافعي في نظير المسألة من الغصب، فإن لم تزد قيمته بذلك فلا شئ للبائع وإن نقصت ولا للمفلس (أو) صبغه (بصبغ اشتراه منه) أيضا، (أو من آخر) وصبغه به ثم حجر عليه (فإن لم تزد قيمتهما على) قيمة (الثوب) غير مصبوغ كأن صارت قيمته

(1/348)


ثلاثة أو أربعة، (فالصبغ مفقود) يضارب بثمنه صاحبه وصاحب الثوب واجد له فيرجع فيه ولا
شئ له وإن نقصت قيمته كما مر، (وإلا) بأن زادت قيمتهما على قيمته (أخذ البائع مبيعه) من الثوب أو الصبغ سواء أساوت قيمتها بعد الصبغ قيمتهما قبله أم نقصت عنها أم زادت عليها كأن صارت قيمتهما ستة أو خمسة أو ثمانية، (لكن المفلس شريك) لهما فيما إذا اشترى الصبغ من آخر ولبائع الثوب فيما إذا اشتراه منه (بالزيادة على قيمتهما) فله في الاخيرة ربع ثمن الثوب أو قيمته مصبوغا، وذكر أخذ البائع المبيع في الثانية فيما لو اشترى الصبغ من آخر مع ذكر كون المفلس شريكا فيما لو اشترى الصبغ من بائع الثوب من زيادتي، وهذا كله فيما إذا زادت القيمة بسبب الصنعة كما هو المتبادر من العبارة وتقدمت الاشارة إليه فإن زادت بارتفاع السوق فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته.
باب الحجر هو لغة المنع وشرعا من التصرفات المالية.
والاصل فيه آية (وابتلوا اليتامى) وآية * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) وفسر الشافعي السفيه بالمبذر والضعيف بالصبي وبالكبير المختل والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله.
والحجر نوعان نوع شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء والراهن للمرتهن في المرهون والمريض للورثه في ثلثي ماله، والعبد لسيده والمكاتب لسيده ولله تعالى والمرتد للمسلمين ولها أبواب تقدم بعضها وبعضها يأتي.
ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه وهو الحجر (بجنون وصبا وسفه فالجنون يسلب العبارة) كعبارة المعاملة والدين كالبيع والاسلام (والولاية) كولاية النكاح والايصاء والايتام بخلاف الافعال، فيعتبر منها التملك باحتطاب ونحوه والاتلاف فينفذ منه الاستيلاء ويثبت النسب بزناه ويغرم ما أتلفه ويستمر سلبه ذلك (إلى إفاقة) منه فينفك بلا فك قاض بلا خلاف، (والصبا) القائم بذكر أو أنثى ولو مميزا (كذلك) أي يسلب العبارة والولاية (إلا ما استثنى) من عبارة من مميز وإذن في دخول وإيصال هدية من مميز مأمون، وقولي كذلك إلى آخره من زيادتي، ويستمر سلبه لما ذكر (إلى بلوغ) فينفك بلا قاض لانه حجر ثبت بلا قاض فلا يتوقف زوال على فك قاض كحجر الجنون وعبر الاصل ككثير
ببلوغه رشيدا، قال الشيخان: وليس اختلافا محققا بل من عبر بالثاني أراد الاطلاق الكلي ومن عبر بالاول أراد حجر الصبا، وهذا أولى لان الصبا سبب مستقل بالحجر وكذا التبذير

(1/349)


وأحكامها متغايرة ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي انتهى، ومن ثم عبرت بالاول والبلوغ يحصل إما (بكمال خمس عشرة سنة) قمرية تحديدية لخبر ابن عمر رضي الله عنه، عرضت على النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني، بلغت وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين، وابتداؤهما من انفصال جميع الولد (أو إمناء) لآية: (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم) و الحلم الاحتلام وهو لغة ما يراه النائم، والمراد به هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع أو غيره، (وإمكانه) أي وقت إمكان الامناء (كمال تسع سنين) قمرية بالاستقراء، والظاهر أنها تقريبية كما في الحيض (أو حيض) في حق أنثى بالاجماع (وحبل أنثى أمارة) أي علامة على بلوغها بالامناء فليس بلوغا لانه مسبوق بالانزال فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر وشئ، وذكر كونه أمارة من زيادتي ولو أمنى الخنثى من ذكره وحاض من فرجه حكم ببلوغه وأن وجد أحدهما فلا عند الجمهور.
وجعله الامام بلوغا فإن ظهر خلافه غير قال الشيخان وهو الحق وقال المتولي إن تكرر فنعم، وإلا فلا قال النووي، وهو حسن غريب (كنبت عانة كافر) بقيد زدته بقولي (خشنة)، فإنه أمارة على بلوغه لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي.
رواه ابن حبان والحاكم والترمذي وقال: حسن صحيح وأفاد كونه أمارة أنه ليس بلوغا حقيقة ولهذا لم يحتلم وشهد عدلان بأن عمره دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالانبات قاله الماوردي، وقضيته أنه أمارة للبلوغ بالسن.
وحكى ابن الرفعة فيه وجهين أحدهما هذا وثانيهما أنه أمارة البلوغ بالاحتلام، قال الاسنوي ويتجه أنه أمارة على
البلوغ بأحدهما وإنما يكون أمارة في حق الخنثى إذا كان على فرجيه، قاله الماوردي، وخرج بالكافر المسلم لسهولة مراجعة آبائه وأقاربه المسلمين ولانه متهم بالانبات فربما تعجله بدواء دفعا للحجر وتشوفا للولاية بخلاف الكافر فإنه يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية، وهذا جرى على الاصل والغالب وإلا فالانثى والخنثى والطفل الذي تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين بموت أو غيره حكمهم كذلك، وألحق بالكافر من جهل إسلامه ووقت إمكان نبات العانة وقت إمكان الاحتلام.
ويجوز النظر إلى منبت عانة من احتجنا إلى معرفة بلوغه بها للضرورة كما يعلم من كتاب النكاح، وخرج بالعانة غيرها كشعر الابط واللحية وثقل الصوت ونهود الثدي، (فإن بلغ رشيد أعطى ماله) لزوال المانع، (والرشد) ابتداء (صلاح دين ومال) حتى من

(1/350)


كافر كما فسر به آية: (فإن آنستم منهم رشدا) (بأن لا يفعل) في الاول (محرما يبطل عدالة) من كبيرة أو إصرارا على صغيرة ولم تغلب طاعاته، (ولا يبذر) في الثاني (بأن يضيع مالا باحتمال غبن فاحش في معاملة) وهو مالا يحتمل غالبا كما سيأتي في الوكالة بخلاف اليسير كبيع ما يساوي عشرة بتسعة (أو رميه) وإن قل (في بحر) أو نحوه (أو صرفه) وإن قل (في محرم لا) صرفه في (خير) كصدقة (و) لا في (نحو ملابس ومطاعم) كهدايا وشراء إماء كثيرة للتمتع، وإن لم يلق بحاله لان المال يتخذ لينتفع ويلتذ به وقضيته أنه ليس بحرام وهو كذلك نعم إن صرفه في ذلك بطريق الاقتراض له ولم يكن له ما يوفي به فحرام ونحو من زيادتي، (ويختبر رشده) أي الصبي في الدين والمال ليعرف رشده وعدم رشده (قبل بلوغه) لآية: (وابتلوا اليتامى) واليتيم إنما يقع على غير البالغ (فوق مرة) بحيث يظن رشده لامرة لانه قد يصيب قيها اتفاقا.
أما في الدين فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه بالواجبات واجتنابه المحظورات والشبهات، وأما في المال فيختلف بمراتب الناس (ف) - يختبر (ولد تاجر بمماكسة) أي مشاحة (في معاملة)، ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد (ثم) إذا أريد العقد (يعقد
وليه) يختبر ولد (زراع بزراعة ونفقة عليها) أي لزراعة بأن ينفق على القوام بمصالح الزرع كالحرث والحصد والحفظ، (والمرأة بأمر غزل وصون نحو أطعمة) كقماش (عن نحو هرة) كفأرة، كل ذلك ونحوه على العادة في مثله ونحو الاولى من زيادتي ويختبر الخنثى بما يختبر به الذكر والانثى، (فلو فسق بعد) أي بعد بلوغه رشيدا (فلا حجر) عليه لان الاولين لم يحجروا على الفسقة (أو بذر) بعد ذلك (حجر عليه القاضي) لا غيره، وفارق ما قبله بأن التبذير يتحقق به تضييع المال بخلاف الفسق (وهو وليه) وتقييد الحجر بالقاضي من زيادتي، (أو جن) بعد ذلك (فوليه وليه في صغر) وسيأتي بيانه والفرق أن التبذير لكونه سفها محل نظر واجتهاد فلا يعود الحجر عليه بغير قاض بخلاف الجنون (كمن بلغ غير رشيد) بجنون، أو سفه باختلال صلاح الدين أو المال فإن وليه وليه في الصغر فيتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل بلوغه لمفهوم آية: (فإن آنستم منهم رشدا) والايناس هو العلم، ويسمى من بلغ سفيها ولم يحجر عليه بالسفيه المهمل وهو محجور عليه شرعا لا حسا، والتصريح بأن وليه وليه في الصغر من زيادتي (ولا يصح من محجور سفه) شرعا أو حسا (إقرار بنكاح)، كما لا يصح منه إنشاؤه وهذا

(1/351)


من زيادتي (أو بدين أو إتلاف مال) قبل الحجر أو بعده نعم يصح إقراره في الباطن فيغرم بعد فك الحجر إن كان صادقا فيه، (ولا) يصح منه (تصرف مالي) غير ما يذكر في أبوابه (كبيع) ولو بغبطة أو بإذن الولي، (ولا يضمن ما قبضه من رشيد بإذنه) أو باقباضه المفهوم بالاولى (وتلف) ولو بإتلافه له في غير أمانة (قبل طلب)، وإن جهل حاله من عامله لتقصيره في البحث عن حاله بخلاف ما لو قبضه من غير رشيد أو من رشيد بغير إذنه وإقباضه أو تلف بعد طلبه والامتناع من رده أو أتلفه في أمانة كوديعة نعم كالرشيد من سفه بعد رشده ولم يحجر عليه القاضي وسفيه أذن له وليه في قبض دين له على غيره والتقييد بالرشيد وبالاذن بقبل
الطلب من زيادتي، وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الشراء والاقتراض.
(ويصح إقراره ب) - موجب (عقوبة) كحد وقود وإن عفى عنه على مال لعدم تعلقه بالمال ولانتفاء التهمة ولزوم المال في العفو يتعلق باختيار غيره لا بإقرار فيقطع في السرقة ولا يلزمه المال كالعبد، وتعبيري بالعقوبة أعم من تعبيره بالحد والقصاص، (و) يصح (نفيه نسبا) لما ولدته حليلته بلعان في الزوجة وبحلفه في الامة فتعبيري بذلك أعم من تقييده باللعان ويصح استلحاقه النسب، وينفق على الولد المستلحق من بيت المال وسيعلم صحة نكاحه بإذن وليه وطلاقه وخلعه وظهاره وإيلائه من أبوابها.
(و) تصح (عبادته بدنية) كانت (أو مالية واجبة لكن لا يدفع المال) من زكاة وغيرها (بلا إذن) من وليه (ولا تعيين) منه للمدفوع إليه لانه تصرف مالي.
أما المالية المندوبة كصدقة التطوع فلا تصح منه، وتقييدي المالية بالواجبة مع قولي بلا إذن ولا تعيين من زيادتي، وتعبيري بدفع المال أعم من تعبيره بتفرقة الزكاة، (وإذا سافر لنسك واجب) ولو بنذر أحرم به أو ليحرم به (فقد مر) حكمه في الحج وهو أن يصحب وليه بنفسه أو نائبه ما يكفيه في طريقه، وتعبيري بنسك أعم من تعبيره بحج (أو) سافر لنسك (تطوع وزادت مؤنة سفره) لاتمام نسكه أو إتيانه به (على نفقته المعهودة) حضرا (فلوليه منعه) من الاتمام أو الاتيان (إن لم يكن) له (في طريقه كسب قدر الزيادة) للمؤنة وإلا فلا يمنعه، (وهو) فيما إذا منعه وقد أحرم (كمحصر) فيتحلل بصوم وحلق لا بمال لانه ممنوع منه كما مر في باب الاحصار ولو أحرم بتطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه فهو كالواجب ذكره في الروضة وأصلها في الحج.

(1/352)


فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله.
(ولي صبي أب فأبوه) وإن علا كولاية النكاح، ويكتفي بعدالتهما الظاهرة لوفور شفقما،
ولا يشترط إسلامهما إلا أن يكون الولد مسلما إذ الكافر يلي ولده الكافر لكن إن ترافعوا إلينا لم نقرهم ونلي نحن أمرهم بخلاف ولاية النكاح، لان المقصود بولاية المال الامانة وهي في المسلمين أقوى، والمقصود بولاية النكاح الموالاة وهي في الكافر أقوى، (فوصي) عمن تأخر موته منهما.
وسيأتي في الوصية أن شرط الوصي العدالة الباطنة (فقاض) بنفسه أو أمينه لخبر: السلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه، والمراد قاضي بلد الصبي فإن كان ببلد وما له بآخر فولي ماله قاضي بلد المال بالنظر لتصرفه فيه بالحفظ والتعهد وفعل ما فيه المصلحة إذا أشرف على الهلاك كبيعه وإجارته، أما بالنظر لاستنمائه فالولاية عليه لقاضي بلد الصبي كما أوضحته قبيل كتاب القسمة من شرح الروض، ووقع للاسنوي عزو ما يخالف ذلك إلى الروضة وأصلها فاحذره، وخرج بمن ذكر غيرهم كالام والاقارب بلا وصاية فلا ولاية لكن للعصبة الانفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية لانه قليل فسومح به، قاله في المجموع في إحرام الولي عن الصبي ومثله المجنون ومن بلغ سفيها (ويتصرف) له الولي (بمصلحة) حتما لقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) فيشتري له العقار وهو أولى من التجارة إذا حصل من ريعه الكفاية (ولو) كان لصرفه (نسيئة) أي بأجل بحسب العرف (وبعرض)، فمن مصالحه أن يكون فيه ربح وأن يكون معامل الولي ثقة، ومن مصالح النسيئة أن يكون بزيادة أو لخوف عليه من نحو نهب وأن يكون المعامل مليئا ثقة، (وأخذ شفعة) فيترك الاخذ عند عدم المصلحة فيه وإن عدمت في الترك أيضا، وهذه لا يفيدها كلام الاصل (ويشهد) حتما (في بيعه نسيئة ويرتهن) كذلك بالثمن رهنا وافيا.
وقال ابن الرفعة يرتهن إن رآه مصلحة كما في إقراض ماله وفرق غيره بينهما بما بينته في شرح الروض، ويستثنى من وجوب الارتهان مالو باع مال ولده من نفسه تسيئة، (ويبني عقاره) هو أعم من تعبيره بدوره (بطين وآجر) أي طوب محرق لا بجبس بدل الطين لكثرة مؤنته، ولا بلبن بدل الآجر لقلة بقائه، وشرط ابن الصباغ في بنائه العقار أن يساوي ما صرف عليه (ولا يبيعه) أي عقاره إذ
لاحظ له فيه ومثله آنية القنية كما في الكفاية عن البندنيجى (إلا لحاجة) كنفقة وكسوة بأن لم تف غلته بهما، (أو غبطة ظاهرة) بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك

(1/353)


الثمن أو خيرا منه بكله، قال ابن الرفعة وما عدا العقار وآنية القنية أي ما عدا مال التجارة لا يباع أيضا إلا لحاجة أو غبطة لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل لائق بخلافهما، (ويزكي ماله ويمونه بمعروف) حتما فيهما، وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالانفاق (فإن ادعى بعد كماله) ببلوغ ورشد فهو أولى من قوله بعد بلوغه (بيعا) أو أخذا بشفعة، (بلا مصلحة على وصي أو أمين) للقاضي (حلف) أي المدعي (أو) ادعى ذلك على (أب أو أبيه حلفا) فالمعتبر قولهما لانهما غير متهمين بخلاف الوصي، والامين ودعواه على المشتري من الولي كهي على الولي، أما القاضي فيقبل قوله بلا تحليف ولو بعد عزله كما اعتمده السبكي آخرا لانه عند تصرفه نائب الشرع.
باب الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة وهو لغة قطع النزاع وشرعا عقد يحصل به ذلك، وهو أنواع: صلح بين المسلمين والمشركين، وصلح بين الامام والبغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وصلح في المعاملة والدين وهو المراد والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى (والصلح خير) وخبر الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا رواه ابن حبان وصححه، والكفار كالمسلمين وإنما خصهم الذكر لانقيادهم إلى الاحكام غالبا.
ولفظه يتعدى للمتروك بمن وعن وللمأخوذ بعلى والباء (شرطه) أي الصلح (بلفظه سبق خصومه) لان لفظه يقتضيه، فلو قال من غير سبقها صالحني عن دارك بكذا لم يصح نعم هو كناية في البيع كما قاله الشيخان، (وهو) أي الصلح قسمان أحدهما (يجري بين متداعيين فإن كان على إقرار) وفي معناه الحجة (وجرى من عين مدعاة على غيرها) عينا كان أو دينا أو منفعة أو انتفاء أو طلاقا أو غيرها، فهو أعم من قوله
على عين أو منفعة، كأن ادعى عليه دارا أو حصة منها فأقر له بها وصالحه منها على معين من نحو عبد أو ثوب أو على دين أو ثوب موصوف بصفات السلم (ف) - هو (بيع) للمدعاة من المدعي لغريمه، (أو إجارة) لها بغيرها منه لغريمه أو لغيرها بها من غريمه له (أو غيرهما) كجعالة وإعارة وسلم وخلع كأن صالحته منها على أن يطلقها طلقة، (أو) جرى على (بعضها) أي العين المدعاة (فهبة للباقي) منها لذي اليد فيصح بلفظ الصلح كصالحتك من الدار على

(1/354)


بعضها، كما يصح بلفظ الهبة لا بلفظ البيع لعدم الثمن (فتثبت أحكامها) أي البيع والاجارة والهبة وغيرها مما ذكر لانواع الصلح، (أو) جرى (من دين غير) مثمن (على غيره) هو أولى من قوله على عين، (فقد مر) حكمه في باب المبيع قبل قبضه وهو أنهما إن اتفقا في علة الربا اشترط قبض العوض في المجلس وإلا فلا لكن إن كان العوض دينا اشترط تعيينه في المجلس (أو) من دين (على بعضه فابراء عن باقيه) كصالحتك عن الالف الذي لي عليك على خمسمائة لصدق حد الابراء عليه، ويسمى هو والصلح على بعض العين صلح حطيطة وما عداهما غير صلح الاعارة صلح معاوضة (وصح بلفظ نحو إبراء) كحط وإسقاط ووضع كأبرأتك من خمسمائة من الالف الذي لي عليك أو حططتها أو أسقطتها أو وضعتها عنك وصالحتك على الباقي.
ولا يشترط في ذلك القبول بخلاف العقد بلفظ الصلح ولا يصلح هذا بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين، (أو) جرى (من حال على مؤجل مثله) جنسا وقدرا وصفة (أو عكس) أي من مؤجل على حال مثله كذلك (لغا) الصلح فلا يلزم الاجل في الاول ولا الاسقاط في الثاني، لانهما وعد من الدائن والمدين (وصح تعجيل) للمؤجل لصدور الايفاء والاستيفاء من أهلهما (إلا إن ظن صحة) للصلح فلا يصح التعجيل، فيسترد ما دفعه كما نبه عليه ابن الرفعة وغيره وإن وقع فيه اضطراب وهذا من زيادتي، (أو) صالح (من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة) لان الحاق الاجل وعد لا يلزم بخلاف اسقاط بعض الدين (أو عكس)
بأن صالح عن عشرة مؤجلة على خمسة حالة (لغا) الصلح لانه ترك الخمسة في مقابلة حلول الباقي وهو لا يحل، فلا يصح الترك (أو كان) الصلح (على غير اقرار) من انكار أو سكوت

(1/355)


وذكر السكوت من زيادتي، (لغا) الصلح كأن ادعى عليه دار فأنكر أو سكت ثم تصالحا عليها أو على بعضها أو على غير ذلك كثوب أو دين لانه في الصلح على غير المدعي به صلح محرم للحلال إن كان المدعي صادقا لتحريم المدعى به أو بعضه عليه، أو محلل للحرام إن كان كاذبا بأخذه ما لا يستحقه ويلحق بذلك الصلح على المدعى به أو بعضه فقول المنهاج إن جرى على نفس المدعي صحيح وإن لم يكن في المحرر ولا غيره من كتب الشيخين، والقول بأنه لا يستقيم لان على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن على المتروك مردود بأن ذلك جرى على الغالب وبأن المدعي المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للانكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين، وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الصلح على المدعى به أو بعضه، (و) قولي (صالحني عما تدعيه) هو أعم من قوله عن الدار التي تدعيها (ليس إقرارا) لانه قد يريد به قطع الخصومة (و) القسم الثاني من الصلح (يجري بين مدع وأجنبي فإن صالح) الاجنبي (عن عين وقال) له (وكلني الغريم) في الصلح معك عنها (وهو مقر لك) بها (أو هي

(1/356)


لك) وصالح لموكله صح الصلح عن الموكل وصارت العين ملكا له إن كان الاجنبي صادقا في دعواه الوكالة، وإلا فهو شراء فضولي وخرج بالعين الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ويصح بغيره ولو بلا إذن إن قال الاجنبي ما مر أو قال عند عدم الاذن وهو مبطل في عدم اقراره فصالحني عنه بكذا من مالي، إذ لا يتعذر قضاء دين الغير بغير إذنه، وبقوله وقال وكلني الغريم العين مع عدم قوله ذلك فلا يصح لتعذر تمليك الغير عينا بغير إذنه وبقوله وهو مقر لك أو وهي لك العين مع عدم قوله ذلك الصادق بقوله وهو مبطل في عدم إقراره فلا يصح لما
مر في الصلح على غير إقرار، (وإن صالح) الاجنبي (عنها) أي عن العين (لنفسه) بعين ما له أو بدين في ذمته (صح) الصلح له وإن لم تجر خصومة، لان الصلح ترتب على دعوى وجواب هذا (إن قال وهو مقر) لك أو وهي لك (وإلا فشراء مغصوب) فإن قدر ولو في ظنه على انتزاعه صح وإلا فلا، هذا (إن قال وهو مبطل) في عدم إقراره (وإلا) بأن قال هو محق أو لا أعلم ماله أو لم يزد على صالحني بكذا (لغا) الصلح لعدم الاعتراف للمدعي بالملك، وخرج بالعين الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ويصح بغيره إن قال وهو مقر لك أو وهو لك أو وهو مبطل بناء على ما مر من صحة بيع الدين لغير من عليه، وتقييدي بالعين في الموضعين مع قولي وهي لك من زيادتي.

(1/357)


فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة (الطريق النافذ) بمعجمة ويعبر عنه بالشارع وقيل بينه وبين الطريق اجتماع و افتراق لانه يختص بالبنيان ولا يكون إلا نافذا والطريق يكون ببنيان وصحراء ونافذا وغير نافذ ويذكر ويؤنث (لا يتصرف فيه) بالبناء للمفعول (ببناء) كمصطبة أو غيرها (أو غرس) لشجرة وإن لم يضر ذلك، لان شغل المكان بذلك مانع من الطروق وقد تزدحم المارة فيصطكون به، وتعبيري ببناء أعم من تعبيره ببناء دكة (ولا بما يضر مارا) في مروره لانه حق له، (فلا يخرج فيه مسلم جناحا) أي روشنا (أو ساباطا) أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما (إلا إذا لم يظلم) الموضع (ورفعه بحيث يمر تحته منتصب وعليه) أي على رأسه (حمولة) بضم الحاء (عالية و) يمر تحته (راكب ومحمل) بفتح الميم الاولى وكسر الثانية (بكنيسة)، وتقدم بيانها في الحج (على بعير إن كان ممر فرسان) في الراكب (وقوافل) في المحمل، لان ذلك قد يتفق وقولي مسلم ولم يظلم

(1/358)


مع قولي وعليه حمولة عالية ومع التصريح براكب من زيادتي، وخرج بالمسلم غيره فيمتنع عليه إخراج ذلك في شارعنا مطلقا وإن جاز له استطراقه لانه كإعلاء بنائه على بنائنا أو أبلغ، (وغير النافذ الخالي عن نحو مسجد) كرباط وبئر موقوفين على جهة عامة (يحرم إخراج) لشئ مما ذكر (إليه) وإن لم يضر (لغير أهله ولبعضهم بلا إذن) منهم في الاولى، ومن باقيهم ممن بابه أبعد عن رأسه من محل المخرج أو مقابله في الثانية فلو أرادوا الرجوع بعد الاخراج بالاذن قال في المطلب فيشبه منع قلعه لانه وضع بحق ومنع ابقائه بأجرة لان الهواء لا أجرة له، ويعتبر إذن المكتري إن تضرر كما في الكفاية، وقولي بلا إذن أعم من قوله إلا برضا الباقين (كفتح باب أبعد من رأسه) من بابه القديم سواء أتطرق من القديم أم لا، (أو) باب (أقرب) إلى رأسه (مع تطرق من القديم) فيحرم بغير إذن باقيهم ممن بابه أبعد من القديم في الاولى ومما يفتح كمقابله في الثانية لتضررهم، ووجه التضرر في الثانية أن زيادة الباب تورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدواب فيتضررون به بخلاف من بابه أقرب من القديم أو مقابله في الاولى على ما في الروضة أو أقرب مما يفتح في الثانية.
وبخلاف ما إذا لم يتطرق من القديم لانه نقص حقه ولو كان بابه آخر الدرب فأراد تقديمه وجعل الباقي دهليزا لداره جاز (وجاز صلح بمال على فتحه) لانه انتفاع بالارض ثم إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو جزء شائع من الدرب، وخرج بزيادتي الخالي عن نحو مسجد ما لو كان به ذلك فلا يجوز الاخراج ولا الفتح بقيده السابق عند الاضرار وإن أذن الباقون، ولا الصلح بمال على إخراج أو فتح باب لان الحق في الاستطراق لجميع المسلمين (لا) صلح بمال (على إخراج) لجناح أو ساباط (في نافذ أو غيره) وإن صالح عليه الامام ولم يضر المار لان الهواء لا يفرد بالعقد وإنما يتبع القرار.
وما لا يضر في الطريق يستحق الانسان فعله بلا عوض كالمرور وذكر غير النافذ مع التقييد بالمال في نافذ من زيادتي (وأهله) أي غير النافذ (من نفذ بابه إليه) لا من لاصقه جداره من غير نفوذ باب إليه (وتخصيص شركة كل) منهم (بما بين بابه ورأس غير النافذ) لانه محل تردده، (ولغيرهم فتح
باب إليه) أي غير النافذ لاستضاءة وغيرها سواء أسمره أم لا لان له رفع جميع الجدار فبعضه أولى.
وقيل يمتنع فتحه لان الباب يشعر بثبت حق الاستطراق قال في الروضة وهو أفقه، وتعبيري بما ذكر أولى من قول الاصل وله فتحه إذا سمره (لا) فتحه (لتطرق) بغير إذنهم لتضررهم بمرور الفاتح أو بمرورهم عليه ولهم بعد الفتح بإذنهم الرجوع متى شاؤوا ولا غرم عليهم، (ولمالك فتح كوات) بفتح الكاف أشهر من ضمها أي طاقات لاستضاءة وغيرها بل له

(1/359)


إزالة بعض الجدار وجعل شباك مكانه (و) فتح باب بين داريه وإن كانتا تفتحان إلى دربين أو درب وشارع لانه تصرف مصادف للملك فهو كما لو أزال الحائط بينهما وجعلهما دارا واحدة وترك بابيهما بحالهما، (والجدار) الكائن (بين مالكين) لبناءين (إن اختص به أحدهما منع الآخر ما يضر) الجدار (كوضع خشب أو بناء عليه) أو فتح كوة وغرز وتد فيه كغير الجدار.
ولخبر الدار قطني والحاكم باسناد صحيح لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (فلو رضي المالك) بوضع خشب أو بناء عليه (مجانا) أي بلا عوض (فاعارة) له الرجوع فيها قبل الوضع عليه وبعده كسائر العواري (فإن رجع بعد وضع) لذلك (أبقاه بأجرة أو رفعه بأرش) لنقصه كما لو أعار أرضا للبناء، قال الرافعي ولا تجئ الخصلة الثالثة فيمن أعار أرضا للبناء وهي التملك بالقيمة لان الارض أصل فاستتبع (أو) رضي بوضعه (بعوض فإن أجر العلو) من الجدار (للوضع) عليه (فإجارة) تصح بغير تقدير مدة وتتأبد للحاجة (أو باعه لذلك) أي للوضع عليه (أو) باع (حق الوضع) عليه (فهو عقد مشوب ببيع وإجارة) لانه عقد على منفعة تتأبد فإذا وضع، (مستحق الوضع (لم يرفعه مالك الجدار لا مجانا ولا مع اعطاء أرش لانه مستحق الدوام، وتعبيري فيما ذكر بالوضع أعم من تعبيره بالبناء (ولو انهدم) الجدار قبل وضع المستحق أو بعده (فأعاده) مالكه (فللمستحق الوضع) بتلك الآلة وبمثلها لانه استحقه، وهذا أعم من قوله فللمشتري إعادة البناء فإن لم يعده لم يطالب بشئ نعم أن انهدم بهدم
طولب هادمه بقيمة حق الوضع للحيلولة مع الارش إن كان المستحق وضع، (ومتى رضي ب) - وضع (بناء عليه) بعوض أو بغيره (شرط بيان محله) جهة وطولا وعرضا فهو أولى مما عبر به (و) بيان (سمكه) بفتح السين أي ارتفاعه (وصفته) ككونه مجوفا أولا مبنيا بحجر أو طوب، (وصفة سقف) محمول (عليه) ككونه خشبا أو أزجا أي عقدا لان الغرض يختلف بذلك.
وظاهر أن رؤية الآلة تغني عن وصفها (أو) رضي ببناء (على أرض) له (كفي الاول) أي بيان محل البناء، ولم يجب ذكر سمكه وصفته وصفة السقف لان الارض تحمل كل شئ (وإن اشتركا فيه) أي في الجدار بينهما (منع كل) منهما (ما يضر) الجدار كغرز وتد وفتح كوة (بلا رضا) كسائر الاملاك المشتركة، (فله) أي لكل منهما (كأجنبي أن يستند ويسند إليه ما لا

(1/360)


يضر) لعدم المضايقة فيه فإن منع أحد الشريكين الآخر منه لم يمتنع على الاصح في الروضة (ولا يلزم شريكا عمارة) لتضرره بتكليفها.
(ويمنع إعادة منهدم بنقضه) المشترك بكسر النون وبضمها لانه تصرف في ملك غيره بغير إذنه (لا) إعادته (بآلة بنفسه) فلا يمنع منها لان له غرضا في الوصول إلى حقه ولا يضر الاشتراك في الاس فإن له حقا في الحمل عليه (والمعاد) بآلة نفسه (ملكه) يضع عليه ما شاء وله نقضه وإن قال له الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي من القيمة لم تلزمه إجابته كابتداء العمارة (ولو أعاداه بنقضه فمشترك) كما كان، فلو شرطا زيادة لاحدهما لم يصح لانه شرط عوض من غير معوض (أو) أعاده (أحدهما) بنقضه وبآلة نفسه ليكون للآخر فيما أعيد بها جزء (وشرط له الآخر) الآذن له في ذلك (زيادة) تكون في مقابلة عمله في نصيب الآخر في الاولى وفي مقابلة ذلك مع جزء من آلته في الثانية (جاز)، فإن شرط له في الاولى سدس النقض كان له ثلثاه أو سدس العرصة فثلثاها أو سدسهما فثلثاهما، وفي الثانية سدس العرصة في مقابلة عمله وثلث آلته كان له ثلثاهما قال الامام في الاولى هذا فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال فإن شرطه بعد البناء لم يصح فإن الاعيان لا تؤجل ولان سدس الجدار قبل
شخوصه معدوم، ويأتي مثله في العرصة وثلث الآلة (وله صلح بمال على إجراء ماء غير غسالة في ملك غيره) أرضا أو سطحا (أو إلقاء ثلج في أرضه) أي أرض غيره كأن يصالحه على أن يجري ماء المطر من سطحه إلى سطح جاره لينزل الطريق، أو أن يجري ماء النهر في أرض غيره ليصل ألى أرضه، أو أن يلقي الثلج من سطحه إلى أرض غيره وهذا الصلح في معنى الاجارة يصح بلفظها ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر لانه لا يمكن معرفته، لكن يشترط بيان موضع الاجراء وطوله وعرضه وعمقه ومعرفة قدر السطح الذي ينحدر منه الماء والسطح الذي ينحدر إليه مع معرفة قوته وضعفه، وتقييدي بغير الغسالة في الاولى وبالارض في الثانية من زيادتي، فخرج بهما الصلح بمال على إجراء ماء الغسالة وإلقاء ماء الثلج على السطح فلا يصح لان الحاجة لا تدعو إليه، وفي الثانية ضرر ظاهر (ولو تنازعا جدارا أو سقفا بين ملكيهما فإن علم أنه بني مع بناء أحدهما) كأن دخل نصف لبنات كل منهما في الآخر أو كان السقف أزجا (فله اليد) لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له بالجدار أو السقف إلا أن تقوم بينة بخلافه كما سيأتي، وفي معنى العلم

(1/361)


بذلك ما لو بنى ما ذكر على خشبة طرفها في بناء أحدهما أو كان على تربيع بناء أحدهما سمكا وطولا دون الآخر، (وإلا) أي إن لم يعلم ذلك بأن انفصل عن بنائهما أو اتصل به ولم يمكن احداثه أو ببناء أحدهما وأمكن إحداثه عنهما، أو كان له على الجدار خشب (فلهما) أي اليد لعدم المرجح، (فإن أقام أحدهما بينة) أنه له (أو حلف) ونكل الآخر (قضى له) به (وإلا) بأن أن أقام كل منهما بينة أو حلف الآخر على النصف الذي يسلم إليه، وإن كان ادعى الجميع أو نكل عن اليمين (جعل بينهما) بظاهر اليد فينتفع كل به مما يليه على العادة ويبقى الخشب الموجود على الجدار بحاله لاحتمال أنه وضع بحق.
وتتضح مسألة الحلف بما ذكروه في الدعاوي والبينات أنه إن حلف من بدأ القاضي بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الاول اليمين المردودة ليقضي له
بالجميع، وإن نكل الاول ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه ويمين الاثبات للنصف الذي ادعاه هو، فهل يكفيه الآن يمين واحدة يجمع فيها الاثبات والنفي أو لا بد من يمين للنفي وأخرى للاثبات وجهان اصحهما الاول فيحلف إن الجميع له لا حق لصاحبه فيه أو يقول لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي.
باب الحوالة هي بفتح الحاء أفصح من كسرها، لغة التحول والانتقال وشرعا عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة وتطلق على انتقاله من ذمة إلى أخرى، والاصل فيها قبل الاجماع خبر الصحيحين مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم عل ملئ فليتبع بإسكان التاء أي فليحتل كما رواه البيهقي، (أركانها) ستة (محيل ومحتال ومحال عليه ودينان) دين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه (وصيغة) وكلها تؤخذ مما يأتي.
(وشرط لها) أي للحوالة أي لصحتها (رضا الاولين) أي المحيل والمحتال بلفظ أو ما في معناه مما يأتي في الضمان لانهما العاقدان، فهي بيع دين بدين جوز للحاجة لا رضا المحال عليه لانه محل الحق، فلصاحبه أن يستوفيه بغيره.
(و) شرط (ثبوت الدينين) ولو متقومين فلا تصح ممن لا دين عليه ولا على من لا دين عليه وإن رضي لعدم الاعتياض، إذ ليس على المحيل شئ يجعل منه عوضا ولا على المحال عليه شئ يجعل عوضا عن حق المحتال، وتصريحي باشتراط ثبوت الدينين المفيد للصورتين المذكورتين أولى من اقتصاره على الثانية وإن فهم منها الاولى بالاولى، (وصحة اعتياض عنهما) اللازم لها لزومها ولو مآلا وهو ما اقتصر عليه الاصل (كثمن) بعد اللزوم أو

(1/362)


قبله، فتصح الحوالة به وعليه لا بما لا يعتاض عنه ولا عليه كدين السلم ودين الجعالة قبل الفراغ.
(وتصح) الحوالة (بنجم كتابة) للزومه من جهة السيد والمحال عليه مع صحة الاعتياض
عنه كما سيأتي بخلاف الحوالة عليه، لان للمكاتب إسقاطه متى شاء لعدم لزومه من جهته، (و) شرط (علم بالدينين) الدين المحال به والمحال عليه (قدرا) كعشرة (وصفة) وجنسا كما فهم بالاولى كذهب وفضة وحلول وأجل وصحة وكسر وجودة ورداءة، (وتساويهما) في الواقع وعند العاقدين (كذلك) أي قدرا وصفة وجنسا لان الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات وأنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة، فاعتبر فيها الارتفاق والعلم بما ذكر كما في القرض، فلا تصح مع الجهل بما يحال به أو عليه كأبل الدية ولا مع اختلافهما قدرا أو صفة أو جنسا ولا مع الجهل بتساويهما، فعلم أنه لو كان لبكر على زيد خمسة ولزيد على عمرو عشرة فأحال زيد بكرا بخمسة منها صح، ولو كان بأحد الدينين برهن أو ضامن لم يؤثر ولم ينتقل الدين بصفة التوثق بل يسقط التوثق، ويفارق عدم سقوطه بانتقاله للوارث خليفة المورث فيما ثبت له من الحقوق بخلاف غيره، (ويبرأ بها) أي بالحوالة (محيل) عن دين المحتال (ويسقط دينه) عن المحال عليه، (ويلزم دين محتال محالا عليه) أي يصير نظيره في ذمته (فإن تعذر أخذه) منه بفلس أو غيره كجحد وموت (لم يرجع على محيل) كما لو أخذ عوضا عن الدين وتلف في يده (وإن شرط يساره) أي المحال عليه (أو جهله) فإنه لا يرجع على المحيل كمن اشترى شيئا هو مغبون فيه.
ولا عبرة بالشرط المذكور لانه مقصر بترك الفحص ولو شرط الرجوع عند التعذر بشئ مما ذكر لم تصح الحوالة (ولو فسخ بيع) بعيب أو غيره كإقالة وتحالف، فهو أعم من قوله بعيب (وقد أحال مشتر) بائعا (بثمن بطلت) أي الحوالة لارتفاع الثمن بانفساخ البيع وفرقوا بينه وبين ما لو أحالها بصداقها ثم انفسخ النكاح حيث لا تبطل الحوالة بأن الصداق أثبت من غيره، (لا) إن أحال (بائع به) على المشتري فلا تبطل الحوالة لتعلق الحق بثالث بخلافه في الاولى سواء أقبض المحتال المال أم لا، فإن كان قبضه رجع المشتري على البائع وإلا فهل له الرجوع عليه في الحال أو لا يرجع ألا بعد القبض وجهان أصحهما الثاني (ولو أحال البائع بثمن رقيق) على المشتري (فاتفق البيعان والمحتال على حريته) مثلا، (أو ثبتت ببينة) شهدت حسبة أو أقامها
الرقيق أو من لم يصرح قبل ممن ذكر بالملك (لم تصح الحوالة) لعدم صحة البيع فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه كما كان، (فإن كذبهما المحتال) في الحرية (ولا بينة) بها

(1/363)


(فلكل) منهما (تحليفه على نفي العلم) بها (وبقيت) أي الحوالة، فيأخذ المال من المشتري ويرجع المشتري على البائع المحيل لانه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة وإن قال ظلمني المحتال بما أخذه (ولو اختلفا) أي المدين والدائن في أنه (هل وكل أو أحال) بأن قال المدين وكلتك لتقبض لي فقال الدائن بل أحلتني، أو قال المدين أردت بأحلتك الوكالة فقال الدائن بل أردت الحوالة أو قال: أحلتك فقال: بل وكلتني أو قال الدائن: أردت بأحلتك الوكالة فقال: بل أردت الحوالة (حلف منكر الحوالة) فيصدق المدين في الاوليين والدائن في الاخريين لان الاصل بقاء الحقين والاخيرة من الاخريين من زيادتي (لا مع اتفاق) منهما (على لفظها) أي الحوالة (ولم يحتمل) لفظها (وكالة).
كقوله أحلتك بالمائة التي لك علي على عمرو فلا يحلف منكر الحوالة، لان هذا لا يحتمل إلا حقيقتها فيحلف مدعيها وهذه من زيادتي، وحيث حلف المدين اندفعت الحوالة وبإنكار الدائن الوكالة انعزل فليس له قبض وإن كان قبض المال قبل الحلف برئ الدافع له لانه وكيل أو محتال، ووجب تسليمه للحالف وحقه عليه باق وحيث حلف الدائن اندفعت الحوالة ويأخذ حقه من المدين ويرجع به المدين على المحال عليه كما اختاره ابن كج وغيره.
باب الضمان وهو لغة الالتزام، وشرعا يقال لالتزام دين ثابت في ذمة الغير أو إحضار عين مضمونة أو بدن من يستحق حضوره ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك ويسمى الملتزم لذلك ضامنا وزعيما وكفيلا وغير ذلك كما بينته في شرح الروض وغيره، والاصل في ذلك قبل الاجماع أخبار كخبر الزعيم غارم رواه الترمذي، وحسنه وابن حبان وصححه وخبر الحاكم بإسناد
صحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) تحمل عن رجل عشرة دنانير (أركانه) في ضمان الذمة خمسة (مضمون عنه و) مضمون (له و) مضمون (فيه وصيغة وضامن وشرط فيه) أي الضامن (أهلية تبرع) هو أولى من تعبيره بالرشد، (واختيار) هو من زيادتي، فيصح الضمان من سكران وسفيه لم يحجر عليه ومحجور فلس كشرائه في الذمة وإن لم يطالب إلا بعد فك الحجر لا من صبي ومجنون ومحجوز سفه ومريض مرض الموت عليه دين مستغرق ومكره ولو بإكراه سيده.
(وصح ضمان رقيق) مكاتب أو غيره (بإذن سيده) لا بغير

(1/364)


إذنه كنكاحه (لاله) من زيادتي، أي لاضمانه لسيده لان ما يؤدي منه ملكه ويؤخذ منه صحة ضمان المكاتب لسيده وكالرقيق المبعض إن لم تكن مهايأة أو كانت، وضمن في نوبة السيد (فإن عين للاداء جهة) ككسبه ومال تجارة بيده فذاك، (وإلا) بأن اقتصر على الاذن له في الضمان (فمما يكسب بعد إذن) في الضمان (ومما بيد مأذون) له في تجارة كما في المهر وإن اعتبر ثم كسبه بعد النكاح لا بعد الاذن فيه.
والفرق أن مؤن النكاح إنما تجب بعده وما يضمن ثابت قبل الضمان فلو كان عليه ديون، فإن حجر عليه القاضي لم يؤد مما بيده وإلا فلا يؤدي إلا مما فضل عنها، (و) شرط (في المضمون له) وهو الدائن (معرفته) أي معرفة الضامن عينه لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا.
وأفتى ابن الصلاح بأن معرفة وكيله كمعرفته وابن عبد السلام وغيره بخلافه، وهو الاوجه (لارضاه) لان الضمان محض التزام لم يوضع على قواعد المعاقدات، (ولا) رضا (المضمون عنه) وهو المدين (و) لا (معرفته) لجواز التبرع بأداء دين غيره بغير أذنه ومعرفته فيصح ضمان ميت لم يعرفه الضامن.
(و) شرط (في المضمون فيه) وهو الدين ولو منفعة (ثبوته) ولو باعتراف الضامن فلا يصح الضمان قبل ثبوته كنفقة الغد لانه وثيقة له فلا يسبقه كالشهادة، وبذلك علم شرط المضمون عنه وهو كونه مدينا (وصح ضمان درك) ويسمى ضمان عهدة (بعد قبض ما يضمن كأن ضمن لمشتر الثمن أو لبائع المبيع إن
خرج مقابله مستحقا أو معيبا) ورد (أو ناقصا لنقص صفة) شرطت، (أو صنجة) بفتح الصاد ورد وذلك للحاجة إليه، وما وجه به القول ببطلانه من أنه ضمان ما لم يجب أجيب عنه بأنه إن خرج المقابل كما ذكر تبين وجوب رد المضمون.
ولا يصح قبل قبض المضمون لانه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع أو المشتري، ومسألة ضمان المبيع مع نقص الصفة من زيادتي، وقولي كأن أولى من قوله وهو أن لشموله ما لو ضمن بعض الثمن أو المبيع إن خرج مقابله مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص ما ذكر، (و) شرط فيه أيضا (لزومه ولو مآلا كثمن) بعد لزومه أو قبله، فيصح ضمانه في مدة الخيار لانه آيل إلى اللزوم بنفسه وشرط قبوله لان يتبرع به فيخرج القود وحد القذف ونحوهما، وخرج باللازم غيره كدين جعالة ونجم كتابة فلا يصح ضمانه (وعلم) للضامن (به) جنسا وقدرا وصفة وعينا فلا يصح ضمان مجهول بشئ منها لانه إثبات مال في الذمة بعقد، فأشبه البيع ونحوه سواء المستقر وغيره كدين السلم وثمن المبيع قبل قبض المبيع (إلا في أبل دية)، فيصح ضمانها مع الجهل بصفتها لانها معلومة السن والعدد ولانه قد اغتفر ذلك في إثباتها في ذمة الجاني، فيغتفر في الضمان ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد (كإبراء) في أنه يشترط فيه العلم بالمبرأ منه فلا يصح من مجهول بناء

(1/365)


على أنه تمليك المدين ما في ذمته، فيشترط علمهما به إلا في إبل الدية فيصح الابراء منها مع الجهل بصفتها لما مر.
(ولو ضمن) كأن قال ضمنت ممالك على زيد (من درهم إلى عشرة صح) لانتفاء الغرر بذكر الغاية (في تسعة) إدخالا للطرف الاول فقط، لانه مبدأ الالتزام (كإقرار ونحوه) كإبراء ونذر، فإن كلا منهما يصح في مثل ذلك في تسعة، وقولي ونحوه من زيادتي، ومسألة الاقرار ذكرها الاصل في بابه، (وتصح كفالة عين مضمونة) بغصب أو غيره أي كفالة ردها إلى مالكها وهذه من زيادتي، (وبدن غائب) ولو بمسافة قصر (و) بدن (من يستحق حضوره مجلس حكم) عند الاستعداء (لحق لله) تعالى، مالي أو لحق لآدمي ولو عقوبة للحاجة إلى ذلك
بخلاف عقوبة الله تعالى وذكر الضابط من زيادتي، وإنما تصح كفالة بدن من ذكر (بإذنه) ولو بنائبه وإلا لفات مقصودها من إحضاره لانه لا يلزمه الحضور مع الكفيل حينئذ (ولو) كان من ذكر (صبيا ومجنونا) بإذن وليهما، لانه قد يستحق إحضارهما لاقامة الشهادة على صورتهما في الاتلاف وغيره.
ويطالب الكفيل وليهما، بإحضارهما عند الحاجة إليه (ومحبوسا) وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال، كما يجوز للمعسر ضمان المال (وميتا) قبل دفنه (ليشهد على صورته) إذا تحمل الشهادة عليه كذلك ولم يعرف اسمه ونسبه قال في المطلب، ويظهر اشتراط إذن الوارث إذا اشترطنا إذن المكفول وظاهر أن محله فيمن يعتبر إذنه وإلا فالمعتبر إذن وليه، (فإن كفل) بفتح الفاء أفصح من كسرها (بدن ما عليه مال شرط لزومه لا علم به) لعدم لزومه للكفيل، وكالبدن الجزء الشائع كثلثه والجزء الذي لا يعيش بدونه كرأسه.
(ثم إن عين محل تسليم) في الكفالة فذاك وإلا أي وإن لم يعينه (فمحلها) يتعين كما في السلم فيهما (ويبرأ كفيل بتسليمه) أي المكفول (فيه) أي في محل التسليم المذكور وإن لم يطالب به لقيامه بما لزمه (بلا حائل) كمتغلب يمنع المكفول له منه، فمع وجود الحائل لا يبرأ الكفيل فإن أتى به في غير محل التسليم لم يلزم المستحق القبول إن كان له غرض في الامتناع وإلا فالظاهر كما قال الشيخان لزوم القبول، فإن امتنع رفعه إلى حاكم يقبض عليه فإن فقد أشهد شاهدين أنه سلمه (كتسليمه نفسه عن) جهة (كفيل) فإن الكفيل يبرأ به حيث لا حائل كما يبرأ الضامن بأداء الاصيل، فلا يكفي مجرد حصوله ولا تسليمه نفسه مع وجود حائل والتقييد في هذه بعدم الحائل من زيادتي، ولو سلمه أجنبي عن جهة الكفيل برئ إن كان بإذنه أو قبله الدائن

(1/366)


(فإن غاب لزمه إحضاره إن أمكن) بأن عرف محله وأمن من الطريق ولا حائل ولو كان بمسافة القصر، فإن لم يكن ذلك لم يلومه إحضاره لعجزه، وتعبيري بأن أمكن أولى من تعبيره بما
ذكره، (ويمهل مدته) أي مدة إحضاره بأن يمهل مدة ذهابه وإيابه على العادة وظاهر أنه إن كان السفر طويلا أمهل مدة إقامة المسافر وهي ثلاثة أيام غير يومي الدخزل والخروج، (ثم إن) مضت المدة المذكورة و (لم يحضره حبس) إلى أن يتعذر احضار المكفول بموت أو غيره أو يوفي الدين، فإن وفاه ثم حضر المكفول قال الاسنوي فالمتجه أن له الاسترداد (ولا يطالب كفيل بمال) ولا عقوبة كما فهم بالاولى وإن فات التسليم بموت أو غيره لانه لم يلتزمه، وهذا أعم وأولى من قوله أذا مات ودفن لا يطالب الكفيل بالمال (ولو شرط أنه يغرمه) أي المال ولو مع قوله وأن فات التسليم للمكفول (لم تصح) الكفالة، لان ذلك خلاف مقتضاها (و) شرط (في الصيغة) للضمان والكفالة (لفظ) صريح أو كناية (يشعر بإلتزام) لان الرضا لا يعرف إلا به، وفي معناه الكتابة مع نية وإشارة أخرس مفهمة (كضمنت دينك عليه) أي على فلان (أو تحملته أو تقلدته أو تكفلت ببدنه وأنا بالمال) المعهود (أو بإحضار الشخص) المعهود (ضامن أو كفيل) أو زعيم وكلها صرائح بخلاف دين فلان إلي ونحوه.
وأما ما لا يشعر بإلتزام نحو أؤدي المال أو أحضر الشخص وخلا عن قرينة فليس بضمان بل وعد، (ولا يصحان) أي الضمان والكفالة (بشرط براءة أصيل) لمخالفته مقتضاهما والتصريح بالثانية من زيادتي، (ولا بتعليق) نحو إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على فلان أو كفلت بدنه، (ولا توقيت) نحو أنا ضامن ما على فلان أو كفيل ببدنه إلى شهر فإذا مضى برئت وهذه بالنسبة للضمان من زيادتي (ولو كفل) بدن غيره (وأجل احضارا) له (ب) - أجل (معلوم صح) للحاجة، نحو أنا كفيل بفلان أحضره بعد شهر (كضمان حالا مؤجلا به) أي بأجل معلوم فإنه يصح، ويثبت الاجل في حق الضامن، (وعكسه) أي ضمان المؤجل حالا وذلك لان الضمان تبرع فيحتمل فيه اختلاف الدينين في الصفة للحاجة، (ولا يلزم) الضامن (تعجيل) للمضمون وإن إلتزمه حالا كما لو التزمه الاصيل ولو ضمن المؤجل إلى شهر مؤجلا إلى شهرين فهو كضمان الحال مؤجلا أو عكسه، فكضمان المؤجل حالا (ولمستحق) للدين سواء أكان هو المضمون له أم وارثه (مطالبة ضامن وأصيل) بالدين بأن يطالبهما جميعا أو يطالب أيهما شاء بالجميع أو يطالب أحدهما ببعضه بباقيه، أما
الضامن فلخبر الزعيم غارم، وأما الاصيل فلان الدين باق عليه (ولو برئ) أي الاصيل من الدين بأداء أو إبراء أو غير ذلك فهو أعم من قوله ولو أبرأ الاصيل (برئ ضامن) منه لسقوطه

(1/367)


(ولا عكس في إبراء) أي ولو برئ الضامن بإبراء لم يبرأ الاصيل لانه اسقاط للوثيقة فلا يسقط به الدين كفك الرهن، بخلاف ما لو برئ بغير إبراء كأداء (ولو مات أحدهما) والدين مؤجل (حل عليه) لان ذمته خربت دون الحي فلا يحل عليه لانه قد يرتفق بالاجل، فإن كان الميت الاصيل فللضامن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته أو إبرائه هو لان التركة قد تهلك فلا يجد مرجعا إذا غرم وإن كان الميت الضامن وأخذ المستحق الدين من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه الاذن في الضمان قبل حلول الاجل.
(ولضامن بإذن مطالبة أصيل بتخليصه بأداء إن طولب) كما أنه يغرمه إن غرم بخلاف ما إذا لم يطالب لانه لم يتوجه إليه خطاب و لم يغرم شيئا ولا يحبس الاصيل، وإن حبس ولا يرسم عليه (و) له إذا غرم من غير سهم الغارمين.
(رجوع عليه) أي على الاصيل وإن لم يأذن في الاداء لانه أذن له في سببه بخلاف ما لو أذن له في الاداء دون الضمان لا رجوع له لان الاداء سببه الضمان ولم يأذن فيه نعم إن أذن في الاداء بشرط الرجوع رجع ولو ادعى على زيد وغائب ألفا وهما متضامنان بالاذن وأقام بذلك بينة وأخذ الالف من زيد فإن لم يكذب البينة رجع على الغائب بنصفها وإلا فلا، لانه مظلوم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه، ويقوم مقام الاذن والضمان أداء الاب والجد دين محجورهما بنية الرجوع كما قاله القفال وغيره (ولو صالح عن الدين) المضمون (بما دونه) كأن صالح عن مائه ببعضها أو بثبوت قيمته دونها (لم يرجع إلا بما غرم)، لانه الذي بذله نعم لو ضمن ذمي لذمي دينا على مسلم ثم تصالحا على خمر لم يرجع، وإن قلنا بالمرجوح وهو سقوط الدين لتعلقها بالمسلم ولا قيمة للخمر عنده، وحوالة الضامن المضمون له كالاداء في ثبوت الرجوع وعدمه كما في الروضة وأصلها، وخرج بصالح ما لو باعه الثوب بمائة أو بالمائة المضمونة فإنه يرجع بها لا بقيمة الثوب وتعبيري بما دونه أعم مما عبر به.
(ومن أدى دين غيره بإذن ولا ضمان رجع) وإن لم يشرط الرجوع للعرف بخلاف ما إذا أداه بلا أذن، لانه متبرع وفارق ما لو وضع طعامه في فم مضطر بلا إذن قهرا أو وهو مغمى عليه حيث يرجع عليه لان عليه استنقاذ مهجته، (ثم إنما يرجع مؤد) ولو ضامنا (إذا أشهد بأداء ولو رجلا ليحلف معه) لان ذلك حجة وإن بان فسق الشاهد (أو أدى بحضرة مدين) ولو مع تكذيب الدائن لعلم المدين بالاداء وهو مقصر بترك الاشهاد (أو) في غيبته، لكن (صدقة دائن) لسقوط الطلب باقراره الذي هو أقوى من البينة أما إذا أدى في غيبته بلا إشهاد ولم يصدقه الدائن فلا رجوع له وإن صدقه المدين لانه لم ينتفع بأدائه لبقاء طلب الحق وذكر هذه والتي قبلها بالنسبة للمؤدي بلا ضمان من زيادتي، ولو أذن المدين للمؤدي في ترك الاشهاد فتركه وصدق على الاداء رجع.

(1/368)


كتاب الشركة بكسر الشين وإسكان الراء وبفتح الشين مع كسر الراء و إسكانها وهي لغة الاختلاط، وشرعا ثبوت الحق في شئ لاثنين فأكثر على جهة الشيوع، هذا والاولى أن يقال هي عقد يقتضي ثبوت ذلك، والاصل فيها قبل الاجماع خبر السائب بن يزيد أنه كان شريك النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل المبعث و افتخر بشركته بعد المبعث، وخبر يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما، رواهما أبو داود والحاكم وصحح إسنادهما، (هي) أنواع أربعة (شركة أبدان بأن يشتركا) أي إثنان (ليكون بينهما كسبهما) ببدنهما متساويا كان أو متفاوتا مع اتفاق الحرفة كخياطين أو اختلافهما كخياط ورفاء، (و) شركة (مفاوضة) بفتح الواو من تفاوضا في الحديث شرعا فيه جميعا وذلك بأن يشتركا (ليكون بينهما كسبهما) ببدنهما أو مالهما متساويا كان أو متفاوتا، (وعليهما ما يغرم) بسبب غصب أو غيره.
(و) شركة (وجوه) بأن يشتركا (ليكون بينهما) بتساو أو تفاوت (ربح ما يشتريانه) بمؤجل أو حال (لهما) ثم يبيعانه، وتعبيري بذلك أعم مما عبر به.
(و) شركة (عنان) بكسر العين على المشهور من عن الشئ ظهر أو من عنان الدابة (وهي الصحيحة) دون الثلاثة الباقية فباطلة لانها
شركة في غير مال كالشركة في احتطاب واصطياد ولكثرة الغرر فيها لاسيما شركة المفاوضة نعم إن نويا يالمفاوضة وفيهما مال شركة العنان صحت (وأركانها) أي شركة العنان خمسة: (عاقدان ومعقود عليه وعمل وصيغة وشرط فيها)، أي الصيغة (لفظ) صريح أو كناية (يشعر بإذن) وفي معناه ما مر في الضمان والمعنى بإذن لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما (في تجارة) فلا يكفي فيه اشتركنا لقصور اللفظ عنه لاحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة، وتعبيري بالتجارة أولى من تعبيره بالتصرف، (و) شرط (في العاقدين أهلية توكيل وتوكل) لان كلا منهما وكيل عن الآخر فإن كان أحدهما هو المتصرف اشترط فيه أهلية التوكل وفي الآخر أهلية التوكيل فقط حتى يجوز كونه أعمى كما قاله في المطلب، (وفي المعقود عليه كونه مثليا) نقدا أو غيره ولو دراهم مغشوشة

(1/369)


استمر في البلد رواجها فلا تصح في متقوم غير ما يأتي إذ لا يتحقق فيه ما ذكر بقولي (خلط) بعضه ببعض (قبل عقد بحيث لا يتميز) ليتحقق معنى الشركة، فلا يكفي الخلط بعد العقد ولو بمجلسه فيعاد العقد ولا خلط لا يمنع التمييز كخلط دراهم بدنانير أو مكسرة بصحاح وقولي قبل عقد من زيادتي، (أو) كونه (مشاعا) ولو متقوما كأن ورثاه أو اشترياه أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر كنصف بنصف أو ثلث بثلثين لان المقصود بالخلط حاصل بل ذلك أبلغ من الخلط، وظاهر أنه لا بد أن يكون الاذن بعد القبض فيما اشترياه والتقابض فيما بعده (لا تساو) للمالين قدرا فلا يشترط إذ لا محذور في تفاوتهما إذ الربح والخسر على قدرهما.
(ولا علم بنسبة) أي بقدرها بينهما أهو النصف أم غيره (عند عقد) إذ أمكن معرفتها بعد بمراحعة حساب أو غيره فلهما التصرف قبل العلم لان الحق لا يعدوهما فإن لم يمكن معرفتهما بعد لم يصح العقد فالشرط العلم بالنسبة ولو بعد العقد، فلو جهلا القدر وعلما النسبة كأن وضع أحدهما دراهم في كفة ميزان ووضع الآخر مقابلهما مثلها وخلطا صحت.
(و) شرط (في العمل مصلحة بحال ونقد بلد) نظرا للعرف (فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد)
ولا يبيع نسيئة ولا بغير نقد بلد البيع ولا يتصرف بغبن فاحش (ولا يسافر به ولا يبضعه) بضم أوله وسكون ثانيه أي يدفعه لمن يعمل فيه متبرعا (بلا إذن) في الجميع، فإن سافر به أو أبضعه بلا إذن ضمن أو باع بشئ من البقية بلا إذن صح في نصيبه فقط وانفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشتري والشريك، وتعبيري بمصلحة أولى من قوله بلا ضرر لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل مع راغب بزيادة، ومن قول المحرر بغبطة لاقتضائه المنع من شراء ما يتوقع ربحه إذ الغبطة إنما هي تصرف فيما فيه ربح عاجل له بال، (ولكل) من الشريكين (فسخها) أي الشركة متى شاء كالوكالة، (وينعزلان) عن التصرف (بما ينعزل به الوكيل) كموت أحدهما وجنونه وإغمائه وغيرها مما يأتي في الوكالة واستثنى في البحر إغماء لا يسقط به فرض صلاة فلا فسخ به لانه خفيف، قاله ابن الرفعة، وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله وينعزلان بفسخهما وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وإغمائه لا عازل فلا ينعزل (بعزله للآخر) فيتصرف في نصيب المعزول، فإن أراد الآخر عزله فليعزله (والربح والخسر بقدر المالين) باعتبار القيمة لا الاجزاء، (وإن) تفاوت الشريكان في العمل أو (شرطا خلافه) بأن شرطا التساوي فيهما مع التفاوت في المال أو عكسه، أو شرطاهما بقدر العملين عملا بقضية الشركة (وتفسد) أي الشركة (به) أي بشرط خلافه لمخالفة ذلك موضوعها (فلكل) منهما (على الآخر أجرة عمله له) كما في القراض الفاسد نعم لو تساويا

(1/370)


في المال، وشرطا الاقل للاكثر عملا لم يرجع بالزائد لانه عمل متبرعا (ونفذ التصرف) منهما للاذن (والشريك كمودع) في أنه أمين، فيصدق بيمينه في الرد إلى شريكه وفي الخسر والتلف، ويأتي هنا في دعوى التلف ما يأتي، ثم وسيأتي بيانه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به، (وحلف) الشريك فيصدق (في) قوله (إشتريته) لي أو للشركة (أو أن ما بيدي لي أو للشركة) لانه أعلم بقصده في الاولى وعملا باليد في الثانية بقسميها، (لا في) قوله (اقتسمنا وصار) ما بيدي (لي) مع قول الآخر لا بل هو مشترك فالمصدق المنكر لان الاصل عدم القسمة وذكر
التحليف من زيادتي.

(1/371)


كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها لغة التفويض والحفظ، وشرعا تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته، والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: (فابعثوا حكما من أهله) الآية وخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) بعث السعاة لاخذ الزكاة والحاجة داعية إليها فهي جائزة، بل قال القاضي وغيره إنها مندوب إليها لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) (أركانها) أربعة (موكل ووكيل وموكل فيه وصيغة وشرط في الموكل صحة مباشرته الموكل فيه)، وهو التصرف المأذون فيه وإلا فلا يصح توكيله لانه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه فبنائبه أولى (غالبا) وهو ننظيره الآتي أولى مما عبر به وخرج به ما استثنى من الطرد كظافر بحقه، فلا يوكل في كسر الباب وأخذ حقه وكوكيل قادر وعبد مأذون له وسفيه مأذون له في نكاح، ومن العكس كالاعمى يوكل في تصرف وإن لم تصح مباشرته له بالضرورة وهذا مذكور في الاصل، وكمحرم يوكل حلالا في النكاح بعد التحلل أو يطلق، وكمحرم يوكله حلال في التوكيل فيه (فيصح توكيل ولي) عن نفسه أو موليه في حق موليه من صبي ومجنون وسفيه، كأب وجد في التزويج والمال، ووصي وقيم في المال.
فعلم أنه لا يصح توكيل صبي ومجنون ومغمى عليه، وأنه يصح توكيل السفيه بما يستقبل به من التصرف، وأنه لا يصح توكيل المرأة في نكاح ولا المحرم فيه في غير ما مر لعدم صحة مباشرتهما له ولو أذنت لوليها بصيغة التوكيل، كوكلتك في تزويجي، صح كما في البيان عن النص وصوبه في الروضة، وتعبيري بما ذكر أعم من قوله توكيل الولي في حق الطفل.
(و) شرط (في الوكيل صحة مباشرته التصرف) المأذون فيه (لنفسه)، وإلا فلا يصح توكله لانه إذا لم يقدر على التصرف لنفسه فلغيره أولى، فلا يصح توكيل صبي ومجنون ومغمى عليه ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم ليعقده في إحرامه.
وخرج بقولي (غالبا) ما استثنى
كالمرأة فتتوكل في طلاق غيرها، والسفيه والعبد وهو مذكور في الاصل فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي و السيد لا في إيجابه، والصبي المأمون فيتوكل في الاذن في دخول وإيصال هدية وإن لم تصح مباشرته له بلا إذن وهو مذكور في الاصل، (و) شرط فيه (تعيينه) فلو قال لاثنين وكلت أحدكما في كذا لم يصح وهذا من زيادتي نعم لو قال وكلتك في بيع كذا مثلا، وكل مسلم صح فيما يظهر وعليه العمل.

(1/372)


(و) شرط (في الموكل فيه أن يملكه الموكل) حين التوكيل (فلا يصح) التوكيل (في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها)، لانه إذا لم يباشر ذلك بنفسه فكيف يستنيب غيره (إلا تبعا) من زيادتي، فيصح التوكيل ببيع ما لا يملكه تبعا للمملوك، كما نقل عن الشيخ أبي حامد وغيره، وببيع عين يملكها وأن يشتري له بثمنها كذا على الاشهر في المطلب، وقياس ذلك صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته.
ونقل ابن الصلاح أنه يصح التوكيل ببيع ثمرة شجرة قبل إثمارها ويوجه بأنه مالك لاصلها (وأن يقبل نيابة فيصح) التوكيل (في) كل (عقد) كبيع وهبة، (و) كل (فسخ) كإقالة ورد بعيب (وقبض وإقباض) لدين وعليه اقتصر الاصل، أو لعين مضمونة وغير مضمونة على ما جزم به في الانوار قال: لكن إقباضها لغير مالكها بغير إذنه مضمن والقرار على الثاني، وقال المتولي وغيره: لا يصح التوكيل في إقباضها إذ ليس له دفعها لغير مالكها.
وقضية كلام الجوري أنه يصح إن وكل أحدا من عياله للعرف (وخصومة) من دعوى وجواب رضي الخصم أم لا، (وتملك مباح) كإحياء واصطياد لان ذلك أحد أسباب الملك كالشراء، فيملكه الموكل إذا قصده الوكيل له (واستيفاء عقوبة) لآدمي وعليه اقتصر الاصل أو لله كقود وحد قذف و حد زنا وشرب ولو في غيبة الموكل، (لا) في (إقرار) أي لا يصح التوكيل فيه بأن يقول لغيره وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل: أقررت عنه بكذا أو جعلته مقرا بكذا لانه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة، لكن الموكل يكون مقرا بالتوكيل على الاصح في الروضة لاشعاره بثبوت الحق عليه، (و) لا في
(التقاط) كما في الاغتنام تغليبا لشائبة الولاية على شائبة الاكتساب، وهذا من زيادتي (و) لا في (عبادة) كصلاة وطهارة حدث، لان مباشرها مقصود بعينه ابتلاء (إلا في نسك) من حج أو عمرة، ويندرج فيه توابعه كركعتي الطواف (ودفع نحو زكاة) ككفارة، (وذبح نحو أضحية) كعقيقة لما ذكر في أبوابها، وتعبيري بالنسك أعم من تعبيره بالحج ونحو في الموضعين من زيادتي، (ولا) في (شهادة) إلحاقا لها بالعبادة لاعتبار لفظها مع عدم توقفها على قبول وهذا غير تحملها الجائز باسترعاء أو نحو كما سيأتي بيانه، (و) لا في (نحو ظهار) كقتل وقذف لان حكمها يختص بمرتكبها ولان المغلب في الظهار معنى اليمين لتعلقه بألفاظ و خصائص كاليمين وصورته أن يقول أنت على موكلي كظهر أمه أو جعلت موكلي مظاهرا منك، (و) لا في نحو (يمين) كإيلاء ولعان ونذر وتدبير وتعليق طلاق وعتق إلحاقا لليمين بالعبادة لتعلق حكمها بتعظيم الله تعالى إن كانت بالله، وفي معناها البقية ونحو من زيادتي.
(وأن يكون) الموكل فيه (معلوما ولو بوجه ك) - وكلتك في (بيع أموالي وعتق أرقائي) وإن

(1/373)


لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة لقلة الغرر فيه (لا) في (نحو كل أموري) ككل قليل وكثير أو فوضت إليك كل شئ أو بيع بعض مالي لان في ذلك غررا عظيما لا ضرورة إلى احتماله، بخلاف ما لو قال أبرئ فلانا عن شئ من مالي فيصح ويبرئه عن أقل شئ منه، صرح به المتولي وغيره، وقضية كلامهم عدم الصحة في نحو كل أموري وإن كان تابعا لمعين وقد يفرق بينه وبين ما زدته فيما مر لان التابع ثم معين بخلافه هنا، لكن الاوفق بما مر من الصحة في قولي وكلتك في بيع كذا وكل مسلم صحة ذلك وهو الظاهر.
(و يجب في) توكيله في (شراء عبد بيان نوعه) كتركي وهندي وبيان صنفه إن اختلف النوع اختلافا ظاهرا، (و) في شراء (دار بيان محلة) أي الحارة (وسكة) بكسر السين أي الزقاق تقليلا للغرر، وبيان البلد يؤخذ من بيان المحلة (لا) بيان (ثمن) في المسألتين، فلا يجب لان غرض الموكل قد يتعلق بواحد من ذلك نفيسا كان أو خسيسا ثم محل بيان ما ذكر إذا لم يقصد التجارة
وإلا فلا يجب بيان شئ من ذلك، بل يكفي اشتر بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيته مصلحة (و) شرط (في الصيغة لفظ موكل) ولو بنائبه (يشعر برضاه)، وفي معناه ما مر في الضمان (كوكلتك) في كذا (أو بع) كذا كسائر العقود، والاول إيجاب والثاني قائم مقامه، أما الوكيل فلا يشترط قبوله لفظا أو نحوه إلحاقا للتوكيل بالاباحة أما قبوله معنى وهو عدم رد الوكالة فلا بد منه، فلو رد فقال لا أقبل أو لا أفعل بطلت ولا يشترط في القبول هنا الفور ولا المجلس (وصح تأقيتها) أي الوكالة نحو وكلتك في كذا إلى رجب وهذا من زيادتي (و) صح (تعليق) لتصرف نحو وكلتك الآن في بيع كذا ولا تبعه حتى يجئ رجب لانه إنما علق التصرف فليس له بيعه قبل مجيئه (لا) تعليق (لها) نحو إذا جاء رجب فقد وكلتك في كذا فلا يصح كسائر العقود لكن ينفذ تصرفه بعد وجود المعلق عليه للاذن فيه.
(ولا) تعليق (لعزل) لفساده كتعليق الوكالة (ولو قال وكلتك) في كذا، (ومتى عزلتك فأنت وكيلي صحت) حالا لان الاذن قد وجد منجزا (فإن عزله لم يصر وكيلا) لفساد التعليق (ونفذ تصرفه) لما مر وهذا من زيادتي.
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع بأجل وما يذكر معهما (الوكيل بالبيع مطلقا) أي توكيلا غير مقيد بشئ، (كالشريك) فيما مر (فلا يبيع بثمن مثل

(1/374)


وثم راغب بأزيد) ولا يبيع نسيئة ولا بغير نقد بلد البيع نعم إن سافر بما وكل في بيعه إلى بلد بلا إذن وباعه فيها اعتبر نقد بلد حقه أن يبيع فيها به، (و) لا (بغبن فاحش) بأن لا يحتمل غالبا بخلاف اليسير وهو ما يحتمل غالبا فيغتفر فبيع ما يساوي عشرة بتسعة محتمل وبثمانية غير محتمل، وقولي كالشريك إلى آخره أولى مما عبر به (فلو خالف) فباع على أحد هذه الانواع (وسلم) المبيع (ضمن) قيمته يوم التسليم، ولو مثليا لتعديه بتسليمه ببيع فاسد فيسترده إن بقي وله بيعه بالاذن السابق، ولا يضمن ثمنه وإن تلف المبيع غرم الموكل بدله من شاء من الوكيل والمشتري والقرار عليه ثم على ما فهم من أنه يلزمه البيع بنقد البلد لو كان بالبلد نقد إن لزمه
البيع بأغلبهما، فإن استويا في المعاملة باع بأنفعهما للموكل فإن استويا تخير بينهما، فإن باع بهما قال الامام فيه تردد للاصحاب والمذهب الجواز (ولو وكله ليبيع مؤجلا صح) وإن أطلق الاجل (وحمل مطلق أجل على عرف) في المبيع بين الناس، فإن لم يكن عرف راعي الوكيل الانفع للموكل ويشترط الاشهاد وحيث قدر الاجل اتبع الوكيل ما قدره الموكل، فإن باع بحال أو نقص عن الاجل كأن باع إلى شهر ما قال الموكل بعه إلى شهرين صح البيع إن لم ينهه الموكل ولم يكن عليه فيه ضرر كنقص ثمن أو خوف أو مؤنة حفظ.
وينبغي كما قال الاسنوي حمله على ما إذا لم يعين المشتري وإلا فلا يصح لظهور قصد المحاباة، كما يؤخذ مما يأتي في تقدير الثمن (فرع) لو قال لوكيله بع هذا بكم شئت فله بيعه بغبن فاحش لا بنسيئة ولا بغير نقد البلد أو بما شئت أو بما تراه فله بيعه بغير نقد البلد لا بغبن وإلا بنسيئة أو بكيف شئت فله بيعه بنسيئة لا بغبن فاحش ولا بغير نقد البلد أو بما عزوهان، فله بيعه بعرض وغبن لا بنسيئة.
(ولا يبيع) الوكيل بالبيع (لنفسه وموليه) وإن أذن له في ذلك لانه متهم في ذلك بخلاف غيرهما كأبيه وولده الرشيد، وتعبيري بموليه أعم من قوله وولده الصغير (وله قبض ثمن) بقيد زدته بقولي (حال ثم يسلم المبيع) المعين إن تسلمه لانهما من مقضيات البيع، (فإن سلم) المبيع (قبله) أي قبل قبض الثمن (ضمن) قيمته و إن كان الثمن أكثر منها، فإذا غرمها ثم قبض الثمن دفعه إلى الموكل واسترد ما غرم، أما الثمن المؤجل فله فيه تسليم المبيع وليس له قبض الثمن إذا حل إلا بإذن جديد.
(وليس لوكيل بشراء شراء معيب) لاقتضاء الاطلاق عرفا السليم، (فإن اشتراه) بثمن في الذمة أو بعين مال الموكل فهو أعم من قوله فإن اشتراه في الذمة (جاهلا) بعيبه، (وقع) الشراء (للموكل) وإن لم يساو المبيع الثمن كما لو اشتراه بنفسه جاهلا ولتمكنه من التدارك بالرد بلا ضرر عليه فيه، مع أن الوكيل لا ينسب إلى

(1/375)


مخالفة لجهله والضرر لا حق به (ولكل) منهما، (والشراء) للمعيب بثمن (في الذمة رده)
بالعيب، أما الموكل فلانه المالك، وأما الوكيل فلانه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل فيتعذر الرد لانه فوري ويقع الشراء له فيتضرر به (لا إن رضي) به (موكل أو اشترى بعين ماله فلا يرد وكيل) بخلاف العكس في الاولى، وهذا من زيادتي.
وخرج بجهله لعيب ما لو علمه فإن اشتراه بعين مال الموكل لم يصح الشراء، أو في الذمة وقع له لا للموكل وإن ساوى المبيع الثمن.
(ولوكيل توكيل بلا إذن فيما لا يتأتى منه) لكونه لا يليق به أو كونه عاجزا عنه عملا بالعرف لان التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه، فلا يوكل العاجز إلا في القدر الذي عجز عنه، ولا يوكل الوكيل فيما ذكر عن نفسه بل عن موكله ولو وكله فيما يطيقه فعجز عنه لمرض أو غيره لم يوكل فيه.
وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله وهو كما قال الاسنوي ظاهر، أما ما يتأتى منه فلا يصح التوكيل فيه إلا لعياله على ما اقتضاه كلام الجوري (وإذا وكل بإذنه فالثاني وكيل الموكل فلا يعزله الوكيل) وإن فسق لان الموكل أذن له في التوكيل لا في العزل سواء قال وكل عني أو أطلق، (فإن قال وكل عنك) ففعل (ف) - الثاني (وكيل الوكيل) لانه مقتضى الاذن (فينعزل بعزل) من أحد الثلاثة، (وانعزال) بما ينعزل به الوكيل وسيأتي بيانه في فصل الوكالة جائزة، فتعبيري بذلك أعم من قوله بعزله وانعزاله، (وحيث جاز له) أي للوكيل (توكيل فليوكل) وجوبا (أمينا) رعاية لمصلحة الموكل (إلا إن عين له) الموكل المالك (غيره أي غير أمين فيتبع تعيينه لان الحق له.
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها: لو (أمره ببيع لمعين) من الناس (أو به) أي بمعين من الاموال، والتصريح به من زيادتي (أو فيه) أي في معين من زمان أو مكان نحو بع لزيد بالدينار الذي بيده في يوم كذا في سوق كذا، (تعين) ذلك وإن لم يتعلق به غرض عملا بالاذن، فلو باع لوكيل المعين لم يصح كما في الروضة عن البيان وفي غيرها عن الاصحاب، وقياسه عدم الصحة فيما لو قال بع من وكيل

(1/376)


زيد فباع من زيد وإنما يتعين المكان إذا لم يقدر الثمن أو نهاه عن غيره، وإلا جاز البيع به في غيره كما نقله في الروضة عن جمع وأقره.
(فلو أمره) بالبيع (بمائة لم يبع بأقل) منها وإن قل (ولا بأزيد) منها (إن نهاه) عن الزيادة للمخالفة (أو عين مشتريا) لانه ربما قصد إرفاقه والثانية من زيادتي، فإن لم ينهه ولم يعين المشتري فله البيع بأزيد.
لانه حصل غرضه و زاد خيرا ولا مانع بل إن كان ثم راغب بزيادة لم يجز البيع بدونه كما مر، فلو وجده في زمن الخيار لزمه الفسخ، فإن لم يفعل انفسخ البيع (أو) أمره (بشراء شاة موصوفة) بما مر في التوكيل بشراء عبد (بدينار فاشترى به شاتين بالصفة وساوته إحداهما) وإن لم تساوه الاخرى (وقع للموكل) لانه حصل غرضه وزاد خيرا و إن لم تساوه واحدة منهما لم يقع له، وإن زادت قيمتهما على الدينار لفوات ما وكل فيه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به، (ومتى خالفه في بيع ماله) كأن أمره ببيع عبد فباع آخر، (أو) في (شراء بعينه) كأن أمره بشراء ثوب بهذا الدينار فاشتراه بآخر، أو أمره بالشراء في الذمة فاشترى بالعين (لغا) أي التصرف لان الموكل لم يأذن فيه ولانه في الاخيرة من الثانية قد يقصد شراء ما وكل فيه على وجه يسلم له وإن تلف المعين، (أو) خالف في (شراء في ذمة) كأن أمره بشراء ثوب بخمسة فاشتراه بعشرة، أو أمره بالشراء بعين هذا الدينار فاشترى في الذمة (وقع) الشراء (للوكيل وإن سمي الموكل) بقلبه أو لفظه، و لغت التسمية للمخالفة في الاذن، ولانه في الثانية أمره بعقد ينفسخ بتلف المعين فأتى بما لا ينفسخ بتلفه ويطالب بغيره.
ولو قال اشتر بهذا الدينار كذا لم يتعين الشراء بعينه بل يتخير بين الشراء بعينه، وفي الذمة (ولا يصح إيجاب يبعت موكلك) وإن لم يخالف الاذن إذ لم يجر بين المتبايعين مخاطبة (والوكيل) ولو بجعل (أمين)، فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل لانه ائتمنه بخلاف دعوى الرد على غير الموكل كرسوله، (فإن تعدى) كأن ركب الدابة أو لبس الثوب (ضمن) كسائر الامناء (ولا ينعزل) بالتعدي لان
الوكالة إذن في التصرف والامانة حكم يترتب عليها ولا يلزم من ارتفاعه بطلان الاذن بخلاف الوديعة لانها محض ائتمان، فإن باع وسلم المبيع زال الضمان عنه ولا يضمن الثمن ولو رد المبيع بعيب عليه عاد الضمان، (وأحكام عقده) أي الوكيل (كرؤية) للمبيع (ومفارقة مجلس وتقابض فيه تتعلق به) لا بالموكل لانه العاقد حقيقة حتى إن له الفسخ بالخيار، وإن أجاز الموكل (ولبائع مطالبته) أي الوكيل كالموكل (بثمن إن قبضه) من الموكل سواء اشترى بعينه أم

(1/377)


في الذمة، (وإلا) بأن لم يقبضه منه (فلا) يطالبه (إن كان معينا) لانه ليس في يده، (وإلا) بأن كان في الذمة (طالبه) به (إن لم يعترف بوكالته) بأن أنكرها أو قال لا أعرفها، (وإلا) بأن اعترف بها (طالب كلا) منهما به.
(والوكيل كضامن) والموكل كأصيل فإذا غرم رجع بما غرمه على الموكل (ولو تلف ثمن قبضه واستحق مبيع طالبه مشتر) ببدل الثمن سواء اعترف المشتري بالوكالة أم لا، (والقرار عى الموكل) فيرجع عليه الوكيل بما غرمه لانه غره، و بذلك علم ما صرح به الاصل أن للمشتري مطالبة الموكل ابتداء وإطلاقي تلف الثمن الذي بنصه أولى من تقييد الاصل له بكونه في يده.
فصل في حكم الوكالة و ارتفاعها وغيرهما (الوكالة) ولو بجعل (جائزة) أي غير لازمة من جانب الموكل والوكيل، (فترتفع حالا) أي من غير توقف على علم الغائب منهما بسبب ارتفاعها (بعزل أحدهما) بأن يعزل الوكيل نفسه أو يعزله الموكل سواء كان بلفظ العزل أم لا، كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو رفعتها (وبتعمده إنكارها بلا غرض) له فيه بخلاف إنكاره لها نسيانا، أو لغرض كإخفائها من ظالم وذكر إنكار الموكل من زيادتي، (وبزوال شرطه) السابق أول الباب، فينعزل بطرو رق وحجر بسفه أو فلس عما لا ينفذ ممن اتصف بها، فتعبيري بذلك أعم من اقتصار الاصل على الموت والجنون والاغماء (و) بزوال (ملك موكل) عن محل التصرف أو منفعته كبيع ووقف لزوال الولاية
وإيجار ما وكل في بيعه، ومثله تزويجه ورهنه مع قبض لاشعارها بالندم على التصرف بخلاف نحو العرض على البيع، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بخروج محل التصرف عن ملك الموكل (ولو اختلفا فيها) أي في أصلها، كأن قال وكلتني في كذا فأنكره أو صفتها كأن قال وكلتني في البيع نسيئة، أو بالشراء بعشرين فقال بل نقدا أو بعشرة (أو قال) الوكيل (قبل تسليمه) للبيع أو بعده بحق) وهو من زيادتي كأن سلمه، وقد أذن له الموكل في تسليمه قبل قبض الثمن (قبضت الثمن وتلف أو قال أتيت بالتصرف) المأذون فيه من بيع أو غيره (فأنكر

(1/378)


الموكل) القبض أو الاتيان بالتصرف.
(حلف) الموكل فيصدق لان الاصل عدم الاذن فيما قاله الوكيل في الاولى بقسميها وبقاء حقه في الثانية وعدم التصرف في الثالثة، نعم لو قال فيها قضيت الدين مثلا وصدقه المستحق صدق الوكيل بيمينه، أما لو كان التسليم بغير حق بأن كان الثمن حالا ولم يأذن له في التسليم قبل قبضه وقال بعد التسليم قبضت الثمن وتلف وأنكر الموكل، فالمصدق الوكيل لان الموكل يدعى خيانته بتسليمه المبيع قبل القبض، والاصل عدمها، (ولو اشترى أمة بعشرين) دينارا مثلا (وزعم أن الموكل أمره) بذلك (فقال بل) أذنت (بعشرة وحلف) على ذلك، (فإن اشتراها بعين مال الموكل وسماه في عقد) بأن قال اشتريتها لفلان والمال له (بطل) الشراء لانه شراء بمال الغير بغير إذنه، (أو) سماه (بعده) بأن قال ذلك (أو اشتراها في ذمة وسماه كما مر)، أي في العقد أو بعده، (وصدقه البائع) فيما سماه في الصورتين (فكذلك) يبطل لاتفاقهما على أن الشراء للمسمى.
وقد ثبت بيمينه أنه لم يأذن فيها بالثمن المذكور وكالتصديق الحجة (وإلا) بأن لم يسمه فيما ذكر بل نواه مطلقا أو سماه فيه، والشراء في الذمة أو بعد العقد والشراء بعين مال الموكل وكذبه البائع أو سكت (وقع) الشراء (للوكيل) ظاهرا، ولغت التسمية وسلم الثمن المعين للبائع وغرم بدله للموكل (وحلف البائع على نفي العلم) بالوكالة، ويكون المال للموكل (إن كذبه أو سكت وقد اشتراها بالعين
وسماه بعد العقد).
وذكر حلف البائع في الثانية مع ذكر وقوع الشراء بالعين للوكيل فيما لو سماه بعد العقد مع سكوت البائع أو لم يسمه من زيادتي، (وسن لقاض حينئذ) أي حين وقع الشراء للوكيل (رفق بالبائع في هذه) أي في مسألة حلفه، (و) رفق (بالموكل مطلقا ليبيعاها للوكيل ولو بتعليق) كأن يقول له البائع إن لم يكن موكلك أمرك بشراء الامة بعشرين، فقد بعتكها بها.
ويقول الموكل إن كنت أمرتك بشراء الامة إلى آخره فيقبل هو لتحل له باطنا ويغتفر هذا التعليق في البيع بتقدير كذب الوكيل وصدقه للضرورة، فإن لم يجب من رفق به إلى ما ذكر أو لم يسأله القاضي فإن كان الوكيل كاذبا لم يحل له تصرف في الامة بوطئ ولا غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل لبطلانه باطنا، وإن كان في الذمة حل ذلك لصحته باطنا أيضا وإن كان صادقا فهي للموكل باطنا وعليه للوكيل الثمن وهو لا يؤديه، وقد ظفر الوكيل بغير جنس حقه وهو الامة فله بيعها وأخذ حقه من ثمنها وذكر المتولي كما في الروضة وأصلها أن له ذلك أيضا فيما إذا كان كاذبا والشراء بعين مال الموكل لتعذر رجوعه على البائع بحلفه، وذكر سن الرفق بالبائع من زيادتي،

(1/379)


(ولو قال قضيت الدين فأنكر مستحقه حلف) (مستحقه فيصدق لان الاصل عدم قضائه ولان الموكل لو ادعى القضاء لم يصدق ولا يصدق الوكيل على الموكل في ذلك إلا بحجة لانه وكله في الدفع إلى من لم يأتمنه، فكان من حقه الاشهاد عليه كما علم من قولي فيما مر أو قال أتيت بالتصرف إلى آخره ومحله إذا لم يكن ذلك بحضرته وإلا صدق الوكيل لنسبة التقصير حيئنذ للموكل بتركه الاشهاد، وهذا بخلاف ما لو وكله بقبض حقه من زيد فادعى زيد دفعه له وصدقه الموكل وأنكره الوكيل، فإنه يصدق على موكله وسيأتي في الوصية أن قيم اليتيم ووصيه لا يقبل دعواهما دفع المال إليه بعد رشده.
(ولمن لا يصدق في أداء) كمستعير وغاصب ومدين (تأخيره لاشهاد به) أي بالاداء لانه لا يكتفي فيه بيمينه بخلاف من يصدق فيه كوكيل ووديع، (ومن ادعى أنه وكيل بقبض ما على زيد
لم يجب دفعه له إلا ببينة) بوكالته لاحتمال إنكار الموكل لها (و) لكن (يجوز) دفعه (إن صدقه) في دعواه لانه محق عنده، (أو) ادعى (أنه محتال به أو) أنه (وارث له) أو وصي أو موصى له منه (وصدقه وجب) دفعه له لاعترافه بانتقال المال إليه، ومثل ما على زيد في غير مسألة المحتال ما عنده لكنه لا يجوز له دفع العين لمدعي الوكالة بلا بينة وإن صدقه لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولهذا التفصيل حذفت عند وعين من كلام الاصل.

(1/380)


كتاب الاقرار هو لغة الاثبات من قر الشئ أي ثبت، وشرعا إخبار الشخص بحق عليه ويسمى اعترافا أيضا، والاصل فيه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) وفسرت شهاد ة المرء على نفسه بالاقرار وأخبار كخبر الصحيحين اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، والقياس جوازه لانا إذا قبلنا الشهادة بالاقرار فلان نقبل الاقرار أولى.
(أركانه) أربعة (مقر ومقر له و) مقر (به وصيغة وشرط فيها) أي في الصيغة (لفظ يشعر بالتزام) بحق، وفي معناه ما مر في الضمان (كقوله لزيد علي أو عندي كذا) وخرج بزيادتي علي أو عندي ما لو حذفه فلا يكون إقرار إلا إن كان المقر به معينا كهذا الثوب فيكون إقرار (وعلي أو في ذمتي للدين) لانه المفهوم من ذلك وهذا عند الاطلاق لما سيأتي أنه يقبل التفسير في علي بالوديعة، ومثل علي قبلي كما في التهذيب ونص عليه في الام (ومعي أو عندي للعين)، فلو ادعى أنها وديعة وأنها تلفت أو أنه ردها صدق بيمينه وتعبيري بأو في الموضعين أولى من تعبيره بالواو فيهما، (وجواب لي عليك ألف أو أليس لي عليك ألف ببلى أو نعم أو صدقت أو أنا مقربه أو نحوها) كأبرأتني منه أو قبضه، (إقرار) لانه المفهوم من ذلك (كجواب اقض الالف لي عليك بنعم أو) بقوله (أقضي غدا أو أمهلني أو حتى أفتح الكيس أو أجد) أي المفتاح مثلا (أو نحوها)، كابعث من يأخذه أو اقعد حتى تأخذه
فإنه إقرار (لا) جواب ذلك (بزنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك أو أنا مقر أو أقر به أو نحوها)، كهي صحاح أو رومية فليس إقرارا بالالف بل ما عدا الخامس والسادس ليس إقرارا أصلا لانه يذكر للاستهزاء، والخامس محتمل للاقرار لغير الالف كوحدانية الله سبحانه و تعالى، والسادس للوعد بالاقرار به بعد بخلاف لا أنكر ما تدعيه فإنه إقرار، و قولي وجواب إلى آخره أعم مما ذكره.

(1/381)


(و) شرط في (المقر إطلاق تصرف واختيار) ولو من كافر أو فاسق، (فلا يصح) إقرار (من صبي ومجنون) ومغمى عليه (ومكره) بغير حق كسائر عقودهم، (فإن ادعى) الصبي (بلوغا بإمناء) هو أعم من تعبيره باحتلام (ممكن)، بأن استكمل تسع سنين كما مر في الحجر (صدق) في ذلك، (ولا يحلف) عليه، وإن فرض ذلك في خصومة ببطلان تصرفه مثلا لان ذلك لا يعرف إلا منه ولانه إن كان صادقا فلا حاجة إلى يمين، وإلا فلا فائدة فيها لان يمين الصبي غير منعقدة، وإذا لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع فيه ببلوغه قال الامام فالظاهر أيضا أنه لا يحلف لانتهاء الخصومة وكالامناء في ذلك الحيض، (أو) ادعاه (بسن كلف بينة) عليه وإن كان غريبا لامكانها، (والسفيه والمفلس مر حكمهما) أي حكم إقرارهما في بابي الحجر والمفلس (وقبل إقرار رقيق بموجب عقوبة) بكسر الجيم كقتل وزنا وسرقة لبعده عن التهمة فيه فإن كل نفس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الايلام ويضمن مال السرقة في ذمته تالفا كان أو باقيا في يده أو يد سيده إذا لم يصدقه فيها، ولو أقر بموجب قود وعفى عنه على مال تعلق برقبته ولو كذبه سيده (و) قبل إقراره (بدين جناية) وإن أوجبت عقوبة كجناية خطأ وإتلاف مال عمدا أو خطأ، (ويتعلق بذمته فقط) أي دون رقبته (إن لم يصدقه سيده) في ذلك بأن كذبه أو سكت فهو أعم من تعبيره بكذبه، فيتبع به إذا عتق وإذا صدقه تعلق برقبته فيباع فيه إلا أن يفديه السيد بأقل الامرين من قيمته وقدر الدين.
وإذا بيع وبقي شئ من الدين لا يتبع به إذا عتق، وتعبيري بما ذكر من قوله لا توجب عقوبة،
(وقبل) الاقرار (عليه) أي على سيده (بدين) معاملة (تجارة أذن له فيها) ويؤدي من كسبه وما بيده كما مر في بابه وتعبيري بتجارة أولى من تعبيره بمعاملة وخرج بها إقراره بما لا يتعلق بها كالقرض فلا يقبل على السيد ولو أقر بعد حجر السيد عليه بدين معاملة أضافه إلى حال الاذن لم يقبل إضافة لعجزه عن الانشاء، فلو أطلق الاقرار بالدين لم ينزل على دين التجارة وهو ظاهر إن تعذر مراجعته كنظيره في إقرار المفلس، وإن لم يكن مأذونا له في التجارة لم يقبل إقراره على سيده فيتعلق ما أقر به بذمته فيتبع به بعد عتقه صدقه السيد أو كذبه هذا كله في غير المكاتب.
أما المكاتب فيصح إقراره مطلقا كالحر (و) قبل (إقرار مريض ولو لوارث) بدين وعين لانه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها العاصي، فالظاهر أنه لا يقر إلا بتحقيق (ولا يقدم) فيما لو أقر في صحته بدين وفي مرضه لآخر بآخر أو أقر في أحدهما بدين وأقر وارثه بآخر (إقرار صحة) على إقرار مرض، (ولا) إقرار (مورث) على إقرار وارث، بل يتساويان كما لو أقر بهما في الصحة والمرض، وإقرار وارثه كإقراره فكأنه

(1/382)


أقر بالدينين، (و) شرط (في المقر له أهلية استحقاق) للمقر به لان الاقرار بدونه كذب (فلا يصح إقرار لدابة) لانها ليست أهلا لذلك (فإن قال) علي (بسببها لفلان) كذا (صح) حملا على أنه جنى عليها أو اكتراها واستعملها تعديا، وتعبيري بفلان أعم من تعبيره بمالكها مع أنه لو لم يذكر شيئا منها صح، وعمل ببيانه كصحة الاقرار (كحمل هند وإن أسند لجهة لا تمكن في حقه)، كقوله أقر ضنيه أو باعني به شيئا ويلغو الاسناد المذكور، وهذا ما صححه الرافعي في شرحيه وقواه السبكي.
وما وقع في الاصل واستدرك في الروضة على الرافعي من أنه لغو فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في صفة فهو لغو وهو كما قال صاحب الانوار والاذرعي وغيرهما وهم بل الضمير في فهو للاسناد بقرينة كلام الشرحين وأما الاقرار فصحيح (و) شرط فيه أيضا (عدم تكذيبه) للمقر فلو كذبه في إقراره له بمال ترك في يد المقر لان يده تشعر بالملك ظاهرا، وسقط إقراره بمعاوضة الانكار حتى لو
رجع بعد التكذيب قبل رجوعه سواء أقال غلطت في الاقرار أم تعمدت الكذب.
ولو رجع المقر له عن التكذيب لم يقبل فلا يعطي إلا بإقرار جديد وشرط أيضا كون المقر له معينا تعيينا يتوقع معه طلب كما أشرت إليه كالاصل بالتعبير بهند، فلو قال علي مال لرجل من أهل البلد لم يصح بخلاف ما لو قال علي مال لاحد هؤلاء الثلاثة مثلا، (و) شرط (في المقر به أن لا يكون) ملكا (للمقر) حين يقر (فقوله داري أو ديني) الذي لي عليك (لعمرو لغو)، لان الاضافة إليه تقتضي الملك له فينافي الاقرار لغيره إذ هو إخبار بحق سابق عليه ويحمل كلامه على الوعد بالهبة، قال البغوي، فإن أراد به الاقرار قبل منه ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار لانه قد يسكن ويلبس ملك غيره، (لا) قوله (هذا لفلان وكان) ملكا (لي إلى أن أقررت) به فليس لغوا اعتبارا بأوله، وكذا لو عكس فقال هذا ملكي هذا لفلان إذ غايته أنه إقرار بعد إنكار صرح به الامام وغيره بخلاف داري التي هي ملكي لفلان، (وأن يكون بيده ولو مآلا) ليسلم بالاقرار للمقر له حينئذ، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها عمل بمقتضى إقراره بأن يسلم للمقر له حينئذ، (فلو أقر بحرية شخص) بيد غيره (ثم اشتراه حكم بها) فترفع يده عنه مؤاخذة له بإقراره السابق (وكان اشتراؤه افتداء) له (من جهته) لاعترافه بحريته المانعة من شرائه، (وبيعا من جهة البائع فله) لا للمشتري (الخيار) أي خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب، فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالخيارين، وسواء أقال في صيغة إقراره هو حر الاصل أم أعتقه هو أو غيره، وإن أوهم الاصل تخصيص كون ذلك بيعا من جهة البائع بالشق الثاني

(1/383)


(وصح) الاقرار (بمجهول) كشئ أو كذا، فيطلب من المقر تفسيره (فلو قال) له (علي شئ أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة) لمريض (ورد سلام ونجس لا يقتنى) كخنزير سواءا كان مالا، وإن لم يتمول كفلس وحبة بر أم لا كقود وحق شفعة وحد قذف وزبل لصدق كل منها بالشئ مع كونه محترما، فتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به، أما تفسيره بشئ من الثلاثة
المذكورة فلا يقبل لبعد فهمها في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بها نعم، يقبل تفسير الحق بالاولين منها وخرج بعلي عندي فيقبل تفسيره بنجس لا يقتني لا بما قبله (ولو أقر بمال وإن وصفه بنحو عظم) كقوله مال عظيم أو كبير أو كثير (قبل تفسيره بما قل منه) أي من المال وإن لم يتمول كحبة بر ويكون وصفه بالعظم ونحوه من حيث إثم غاصبه وكفر مستحله.
قال الشافعي: أصل ما أبني عليه الاقرار أن ألزم اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة (وبمستولدة) لانها ينتفع بها وتؤجر وإن كانت لاتباع.
وخرج بمنه تفسير ذلك بالنجس وإن حل اقتناؤه كجلد فلا يقبل إذ لا يصدق عليه اسم المال، (ولو قال) له علي أو عندي (شئ شئ أو كذا كذا لزمه شئ) لان الثاني تأكيد، (أو) قال (شئ وشئ أو كذا فشيئان) يلزمانه لاقتضاء العطف المغايرة، (أو) قال (كذا درهم برفع) بدلا أو عطف بيان (أو نصب) تمييزا (أوجر) لحنا (أو سكون) وقفا (أو كذا كذا درهم بها) أي بالاحوال الاربعة، (أو) قال (كذا وكذا درهم بلا نصب فدرهم) يلزمه لان كذا مبهم وقد فسره بدرهم في الاولى والثانية، وتختص الثانية باحتمال التأكيد والدرهم في الثالثة لا يصلح للتمييز (أو به) أي بالنصب بأن قال كذا وكذا درهما (فدرهمان) يلزمانه لان التمييز وصف في المعنى فيعود إلى الجميع ومسألة السكون من زيادتي، (أو) قال (ألف ودرهم قبل تفسير الالف بغير الدرهم) كألف فلس لان العطف للزيادة لا للتفسير، نعم لو قال ألف ودرهم فضة كان الالف أيضا فضة للعادة قاله القاضي بخلاف ما لو قال له على ألف وقفيز حنطة، فإن الالف مبهمة إذ لا يقال ألف حنطة، ولو قال له علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما أو تنوين الاول فقط فيما يظهر فله تفسير الالف بما لا تنقص قيمته عن درهم وكأنه قال مما قيمته الالف منه درهم، (أو) قال (خمسة وعشرون درهما فالكل دراهم) لما مر أن التمييز وصف، (أو) قال (الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن أو معشوشة فإن كانت دراهم البلد) الذي أقر فيه (كذلك)

(1/384)


أي ناقصة الوزن أو مغشوشة، (أو) لم تكن كذلك بأن كانت تامة أو خالصة (ووصله) أي قوله المذكور بالاقرار (قبل) قوله فيهما وإن فصله عنه في الاولى حملا على نقد البلد فيها وكالاستثناء في الثانية ولو فسر الدراهم بغير سكة البلد أو بجنس ردئ قبل ويخالف البيع لان الغالب في المعاملة قصد ما يروج في البلد، الاقرار إخبار بحق سابق (أو) قال له علي (درهم في عشرة فإذا أراد معية) أي معناها (فأحد عشر) درهما تلزمه لورود في بمعنى مع كما في قوله تعالى: (ادخلوا في أمم) أي معهم.
(أو) أراد (حسابا) بقيد زدته بقولي (عرفه فعشرة) لانها موجبة (وإلا) بأن أراد ظرفا أو حسابا لم يعرفه أو أطلق (فدرهم) يلزمه لانه المتيقن.
فصل في بيان أنواع الاقرار مع بيان صحة الاستثناء (لو قال عندي سيف) في ظرف (أو خف في ظرف أو عبد عليه ثوب لم يلزمه الظرف والثوب) أخذ باليقين، (أو عكسه) بأن قال له عندي ظرف فيه سيف أو فيه خف أو ثوب على عبد وهو من زيادتي، (لزمه) أي الظرف في الاوليين والثوب في الاخيرة (فقط) لذلك (أو) له عندي (دابة بسرجها أو ثوب مطرز) بتشديد الراء (لزمه الكل) لان الباء بمعنى مع والطراز جزء من الثوب، (أو) قال له (في ميراث أبي ألف فإقرار أبيه بدين أو) قال له في (ميراثي من أبي) ألف (فوعد هبة) إن لم يرد به إقرار، لانه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل لغيره جزءا منه وذلك لا يكون إلا هبة بخلافه فيما قبلها، (أو) قال له (علي درهم درهم لزمه درهم) ولو كرره ألف مرة، (أو) درهم (ودرهم فدرهمان) يلزمانه لما مر في كذا وكذا وكذا، (أو) درهم (ودرهم ودرهم فثلاثة) تلزمه (إلا إن نوى بالثالث تأكيد الثاني فدرهمان) يلزمانه فشمل المستثنى منه ما لو نوى بالثاني أو بالثالث استئنافا أن تأكيد الاول أو أطلق، فيلزمه الثلاثة عملا بنيته في الاولى وبظاهر اللفظ في الثالثة ولامتناع التأكيد في الثانية لزيادة المؤكد على المؤكد بالعاطف و للفاصل في التأكيد بالثالث،
(ومتى أقر بمبهم كثوب) وشئ (وطولب ببيانه) ولم تمكن معرفته بغير مراجعته (فأبى

(1/385)


حبس) حتى يبين لامتناعه من أداء الواجب عليه، فإن مات قبل البيان طولب به الوارث ووقف جميع التركة، فإن أمكن معرفته بغير مراجعته كقوله له على زنة هذه الصنجة أو قدر ما باع به فلان فرسه لم يحبس (ولو بين) بما يقبل (وكذبه المقر له) في أنه حقه (فليبين) أي المقر له جنس حقه وقدره وصفته، (وليدع به ويحلف المقر على نفيه)، ثم إن كان ما بين به من جنس المدعى به كأن بين بمائة درهم وادعى المقر له بمائتي درهم، فإن صدقه على إرادة المائة ثبتت وحلف المقر على نفي الزيادة، وإن كذبه بأن قال له بل أردت مائتين حلف أنه لم يردهما وأنه لا يلزمه إلا مائة وإن لم يكن من جنسه، كأن بين بمائة درهم فادعى بخمسين دينارا فإن صدقه على إرادة المائة أو كذبه في إرادتها بأن قال له إنما أردت الخمسين ووافقه على أن المائة عليه ثبتت لاتفاقهما عليها، وإن لم يوافقه عليها فيهما بطل الاقرار بها وكان في الصور الاربع مدعيا للخمسين فيحلف المقر على نفيها في الاربع، وعلى نفي إرادتها أيضا في صورتي التكذيب وذكر التحليف من زيادتي.
(ولو أقر) له (بألف) مرة (وبألف) مرة أخرى (فألف) تلزمه فقط لان الاقرار إخبار وتعدده لا يقتضي تعدد المخبر به، (ولو اختلف قدر) كأن أقر بألف ثم بخمسمائة أو عكس (فالاكثر) يلزمه فقط لجواز الاقرار ببعض الشئ بعد الاقرار بكله أو قبله، (فلو تعذر جمع) بين الاقرارين كأن وصف القدرين بصفتين كصحاح ومكسرة، أو أسندهما إلى جهتين كبيع وقرض أو قال قبضت يوم السبت عشرة ثم قال قبضت يوم الاحد عشرة (لزماه) أي القدران، فلو قيد أحدهما وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد.
(ولو قال له على ألف قضيته أو لا تلزم أو من ثمن نحو خمر) مما لا قيمة له كزبل (لزمه) الالف عملا بأول كلامه بخلاف ما لو قال له من ثمن خمر على ألف لم يلزمه شئ كما في الروضة وأصلها، وتعبيري بنحو خمر أعم من تعبيره بخمر أو كلب، (أو) قال له علي ألف (من ثمن عبد لم أقبضه قبل) قوله لم أقبضه لانه لا يرفع
ما قبله سواء أقاله متصلا به أم منفصلا عنه، ولا يلزمه تسليم الالف إلا بعد قبض العبد بخلاف قوله من ثمن عبد لا يقبل إلا متصلا، (أو علق) الاقرار كقوله له على ألف إن شاء الله أو إن شاء زيد، أو إذا جاء رأس الشهر ونوى التعليق قبل فراغ الصيغة كما يؤخذ مما يأتي في الاستثناء (فلا شئ) عليه لانه لم يجزم بالاقرار، وتعبيري بذلك أعم من قوله، ولو قال إن شاء الله لم يلزمه شئ (وحلف مقر) فيصدق بيمينه.
(في) قوله له (علي أو عندي أو معي ألف وفسره) ولو منفصلا (بوديعة فقال) المقر له (لي عليك ألف آخر) دينا وهو الذي أردته بإقرارك فيحلف أنه

(1/386)


ليس له عليه ألف آخر وإنه لم يرد بإقراره إلا هذه، ولا ينافيه ذكر على التي للوجوب لاحتمال إرادة الوجوب في حفظ الوديعة.
(و) حلف (في دعواه تلفا أو ردا) له كاثنين (بعده) أي بعد تفسيره المذكور، لان ذلك شأن الوديعة بخلافهما قبله لان التألف والمردود لا يكونان عليه ولا عنده ولا معه، والتقييد بالبعدية في عندي ومعي من زيادتي.
(و) حلف (مقر له في قوله) أي المقر له على ألف (في ذمتي أو دينا) وفسره بوديعة فقال لي عليك ألف آخر فيحلف أن له عليه ألفا آخر لان العين لا تكون في الذمة ولا دينا (ولو أقر ببيع أو هبة وقبض فيها فادعى) هو أولى من قوله ثم ادعى (فساده لم يقبل) في دعواه فساده، وإن قال أقررت لظني الصحة لان الاسم عند الاطلاق يحمل على الصحيح (وله تحليف المقر له) أنه لم يكن فاسدا، (فإن نكل) عن الحلف (حلف المقر) أنه كان فاسدا (وبطل)، أي البيع أو الهبة، لان اليمين المردودة كالاقرار وكالبينة وكل منهما يفيد صدق المقر، وقولي وبطل أولى من قوله وبرئ، (أو قال هذا لزيد بل لعمرو أو غصبته من زيد بل من عمرو سلم لزيد وغرم) المقر (بدله لعمرو)، لانه حال بينه وبينه بالاقرار الاول، و تعبيري بذلك أعم مما عبر به.
ولو قال غصبته من زيد والملك فيه لعمرو سلم لزيد لانه اعترف له باليد ولا يغرم لعمرو شيئا لجواز أن يكون الملك فيه لعمرو، ويكون في يد زيد بإجارة أو غيرها وكيل
ثم كما في الوسيط في باب الشك في الطلاق ومثلها الفاء.
(وصح استثناء) لوروده في الكتاب والسنة وكلام العرب إن (نواه قبل فراغ الاقرار) لان الكلام إنما يعتبر بتمامه فلا يشترط من أوله ولا يكفي بعد الفراغ وإلا لزم رفع الاقرار بعد لزومه وهذا من زيادتي، (واتصل) بالمستثنى منه عرفا فلا يضر سكتة تنفس وعي وتذكر وانقطاع صوت بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرا، (ولم يستغرق) أي المستثني المستثنى منه، فإن استغرقه نحو له على عشرة إلا عشرة لم يصح فيلزمه عشرة.
(ولا يجمع) مفرق (في استغراق) لا في المستثنى منه ولا في المستثني ولا فيهما، وهذا من زيادتي، فلو قال له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما لزمه ثلاثة دراهم، ولو قال ثلاثة إلا درهمين ودرهما لزمه درهم لان المستثنى إذا لم يجمع مفرقه لم يلغ إلا ما يحصل به الاستغراق وهو درهم، فيبقى الدرهمان مستثنين.
ولو قال له على ثلاثة دراهم إلا درهما ودرهما ودرهما لزمه درهم لان الاستغراق إنما حصل بالاخير.
ولو قال له على ثلاثة دراهم إلا درهما درهما لزمه درهم لجواز الجمع هنا إذ لا استغراق، (وهو) أي الاستثناء (من إثبات نفي وعكسه) أي من نفي إثبات كما ذكرهما في الطلاق،

(1/387)


(فلو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة)، لان المعنى إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة، ومن طرق بيانه أيضا أن يجمع كل من المثبت والمنفي ويسقط المنفي منه والباقي هو المقربه فالعشرة والثمانية في المثال مثبتان ومجموعهما ثمانية عشر، والتسعة منفية فإذا أسقطتها من الثمانية عشر بقي تسعة وهو المقربه.
ولو قال ليس له علي شئ إلا خمسة لزمته وليس له علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه شئ لان عشرة إلا خمسة هو خمسة، فكأنه قال ليس له علي خمسة (وصح) الاستثناء (من غير جنسه) أي المستثنى منه.
ويسمى استثناء منقطعا (كألف درهم إلا ثوبا إن بين بثوب قيمته دون ألف) فإن بين بثوب قيمته ألف فالبيان لغو، ويبطل الاستثناء لانه بين ما أراده به فكأنه تلفظ به
(وصح) الاستثناء (من معين) كغيره (كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هؤلاء العبيد له إلا واحدا وحلف في بيانه) أي الواحد لانه أعرف بمراده حتى لو ماتوا بقتل أو بدونه إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه أنه الذي أراد بالاستثناء لاحتمال ما ادعاه.
فصل في الاقرار والنسب لو (أقر) من يصح إقراره (بنسب فإن ألحقه بنفسه) كأن قال هذا ابني (شرط) فيه (إمكان) بأن لا يكذبه الحس والشرع بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه، وبأن لا يكون معروف النسب بغيره (وتصديق مستلحق) بفتح الحاء (أهل له) أي للتصديق، بأن يكون حيا غير صبي ومجنون، لان له حقا في نسبه، فإن لم يصدقه بأن كذبه وعليه اقتصر الاصل أو سكت لم يثبت نسبه إلا ببينة.
فإن لم تكن بينة حلفه فإن حلف سقطت دعواه، وإن نكل حلف المدعي وثبت نسبه ولو تصادقا ثم رجعا لم يسقط النسب كما قاله الشيخ أبو حامد وصححه جمع.
وقال ابن أبي هريرة يسقط وشرط أيضا أن لا يكون المستلحق منفيا بلعان عن فراش نكاح صحيح، فإن كان كذلك لم يصح لغير النافي استلحاقه، وخرج بالاهل غيره كصبي وميت ولو كبيرا فلا يشترط تصديقه بل لو بلغ الصبي بعد استلحاقه فكذب المستلحق له لم يبطل نسبه كما صرح به الاصل، لان النسب يحتاط له، فلا يبطل بعد ثبوته وقضية ثبوت نسبه منه بما ذكر أنه يرثه وإن استلحقه ميتا، وبه صرح الاصل، ولا نظر إلى التهمة لان الارث فرع النسب وقد ثبت (ولو استلحق اثنان أهلا) للتصديق هو أولى من قوله بالغا (لحق من صدقه) منهما، فإن لم يصدق واحدا منهما أو صدقهما عرض على القائف كما

(1/388)


سيأتي قبيل كتاب الاعتاق، وخرج بالاهل غيره وسيأتي في اللقيط (فرع) لو استلحق شخص عبده غيره أو عتيقه لم يلحقه إن كان صغيرا أو مجنونا، محافظة على حق الولاء للسيد، وإلا لحقه إن صدقه (وأمته إن كانت فراشا) له أو لزوج (فولدها لصاحبه) أي الفراش، وإن لم يستلحقه لخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: الولد للفراش، (وإلا
فإن قال هذا ولدي) ولو مع قوله ولدته في ملكي (ثبت نسبه) بشرطه (لا إيلاد) منها لاحتمال أنه أحبلها بنكاح أو شبهة ثم ملكها، (أو) قال هذا ولدي (وعلقت به في ملكي ثبتا) أي النسب والايلاد لانقطاع الاحتمال، (وإن ألحقه) أي النسب (بغيره) ممن يتعدى النسب منه إليه (كهذا أخي أو عمي شرط) فيه (مع ما مر كون الملحق به رجلا) من زيادتي كالاب والجد بخلاف المرأة لان استلحاقها لا يقبل كما سيأتي، فبالاولى استلحاق وارثها وكونه (ميتا) بخلاف الحي ولو مجنونا لاستحالة ثبوت نسب الاصل مع وجوده بإقرار غيره، (وإن نفاه) الميت فيجوز إلحاقه به بعد نفيه له كما لو استلحقه هو بعد أن نفاه بلعان أو غيره.
(وكون المقر لا ولاء عليه) هذا من زيادتي، فلو أقر من عليه ولاء بأب أو أخ لم يقبل لتضرر من له الولاء بذلك، بخلاف ما لو ألحق النسب بنفسه كأن أقر بابن لانه لا يمكن ثبوت نسبه منه ولم يقر إلا ببينة، ونحو الاب والاخ يمكن ثبوت نسبه من جهة أبيه (وكونه وارثا) ولو عاما بخلاف غيره كقاتل ورقيق (حائزا) لتركة الملحق به واحدا كان أو أكثر كابنين أقرا بثالث، فيثبت نسبه ويرث منهما ويرثان منه، (فلو أقر أحد حائزين بثالث دون الآخر) بأن أنكر أو سكت (لم يشارك المقر) في حصته، بقيد زدته بقولي (ظاهرا) لعدم ثبوت نسبه، أما باطنا فيشاركه فيها فإن كان المقر صادقا فعليه أن يشاركه فيها بثلثها، فقول الاصل إن المستلحق لا يرث ولا يشارك المقر في حصته محمول على ما ذكرته إذ لو أقر حائزا بأخ ورث وشاركه ظاهرا، (فإن مات الآخر) الذي لم يقر (ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب) لان جميع الميراث صار له، (أو) أقر (ابن حائز بأخ) مجهول (فأنكر) الاخ المجهول (نسبه) أي المقر، (لم يؤثر) فيه إنكاره لانه لو أثر فيه لبطل نسب المجهول الثابت بقول المقر فإنه لم يثبت بقول المقر إلا لكونه حائزا، ولو بطل نسب المجهول لثبت نسب المقر وذلك دور حكمي، (ولو أقر بمن يحجبه كأخ أقر بابن) للميت (ثبت النسب) للابن لان الوارث الحائز في الظاهر قد استلحقه (لا الارث) له للدور الحكمي، و هو أن يلزم من إثبات الشئ نفيه، وهنا يلزم من إرث الابن عدم إرثه فإنه لو ورث لحجب الاخ فيخرج عن كونه وارثا فلم يصح إقراره.

(1/389)


كتاب العارية بتشديد الياء وقد تخفف وهي اسم لما يعار ولعقدها من عار إذا ذهب وجاء بسرعة، وقيل من التعاور وهو التناوب.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: (ويمنعون الماعون) فسره جمهور المفسرين بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، وخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) استعار فرسا من أبي طلحة فركبه والحاجة داعية إليها وهي مستحبة، وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حر أو برد وقد تحرم كإعارة الامة من أجنبي، وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر كما سيأتي.
(أركانها) أربعة (مستعير ومعار وصيغة ومعير وشرط فيه ما) مر (في مقرض) من اختيار وهو من زيادتي، وصحة تبرع لان الاعارة تبرع بإباحة المنفعة، فلا تصح من مكره وصبي ومجنون ومكاتب بغير إذن سيده ومحجور سفه وفلس (وملكه المنفعة) وإن لم يكن مالكا للعين، لان الاعارة إنما ترد على المنفعة دون العين (كمكتر لا مستعير) لانه غير مالك للمنفعة وإنما أبيح له الانتفاع، فلا يملك نقل الاباحة.
كما أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له، فإن أعار بإذن المالك صح، وهو باق على إعارته إن لم يسم الثاني.
(و) شرط (في المستعير تعيين وإطلاق تصرف) وهما من زيادتي، فلا يصح لغير معين كأن قال أعرت أحدكما ولا لبهيمة ولا لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد وليهم إذا لم تكن العارية مضمنة كأن استعار من مستأجر، (وله) أي للمستعير (إنابة من استوفى له) المنفعة لان الانتفاع راجع إليه.
(و) شرط (في المعار انتفاع) به بأن يستفيد المستعير منفعته وهو الاكثر، أو عينا منه كما لو استعار شاة مثلا ليأخذ درها ونسلها، أو شجرة ليأخذ ثمرها، فلا يعار ما لا ينتفع به كحمار زمن (مباح) فلا تصح إعارة ما يحرم الانتفاع به، كآلة لهو وفرس وسلاح لحربي وكأمة مشتهاة لخدمة رجل غير نحو محرم لها ممن يحرم نظره إليها لخوف الفتنة، أما غير المشتهاة لصغر أو قبح فصحح في الروضة صحة إعارتها، وفي الشرح الصغير منعها، وقال الاسنوي المتجه الصحة في الصغيرة
دون القبيحة اهو كالقبيحة الكبيرة غير المشتهاة والخنثى يحتاط فيه معارا ومستعيرا، وتعبيري بمباح أولى من قوله ويجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو محرم.
وشرط فيه أن يكون الانتفاع به (مع بقائه)، فلا يعار المطعوم ونحون، لان الانتفاع به إنما هو باستهلاكه، فانتفى المعنى المقصود

(1/390)


من الاعارة.
وبما ذكر علم أنه لا يشترط تعيين المعار، فلو قال أعرني دابة فقال خذ ما شئت من دوابي صحت، (وتكره) كراهة تنزيه (استعارة وإعارة فرع أصله لخدمة و) استعارة وإعارة (كافر مسلما) صيانة لهما عن الاذلال، والاولى مع ذكر كراهة الاستعارة في الثانية من زيادتي، فإن قصد باستعارة أصله للخدمة ترفعه فلا كراهة، بل يستحب كما قال القاضي أبو الطيب وغيره، وكذا لا تكره إعارة الاصل نفسه لفرعه ولا استعارة فرعه وإياه منه، (و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بالاذن في الانتفاع كأعرتك، أو بطلبه كأعرني مع لفظ الآخر أو فعله) وإن تأخر أحدهما عن الآخر كما في الاباحة وفي معنى اللفظ ما مر في الضمان، (و) قوله (أعرتكه) أي فرسي مثلا (لتعلفه) بعلفك (أو لتعيرني فرسك إجارة) لا إعارة نظرا إلى المعنى (فاسدة) لجهالة المدة والعوض، فيجب فيها أجرة المثل بعد القبض.
ومضى زمن لمثله أجرة ولا تضمن العين كما يعلم ذلك من كتاب الاجارة، وقضية التعليل أنه لو قال أعرتكه شهرا من الآن لتعلفه كل يوم بدرهم أو لتعيرني فرسك هذا شهرا من الآن، كانت إجارة صحيحة (ومؤنة رده) أي المعار (على مستعير) من مالك أو من نحو مكتران رد عليه، فإن رد على المالك فالمؤنة عليه كما لو رد عليه المكتري وخرج بمؤنة رده مؤنته، فتلزم المالك لانها من حقوق الملك وخالف القاضي فقال إنها على المستعير (فإن تلف) كله أو بعضه عند المستعير (لا باستعمال مأذون) فيه ولو بلا تقصير (ضمنه) بدلا أو رشا لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه، رواه أبو داوود والحاكم وصححه على شرط البخاري، ويضمن التالف بالقيمة وإن كان مثليا كخشب وحجر على ما جزم به في
الانوار واقتضاه كلام جمع وقال ابن أبي عصرون يضمن المثلى بالمثل، وجرى عليه السبكي وهو الاوجه.
أما تلفه بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان للاذن فيه (لا مستعير من نحو مكتر) كموصي له بمنفعة، فلا ضمان عليه لانه نائبه وهو لا يضمن، فكذا هو بخلاف المستعير من مستأجر إجارة فاسدة لان معيره ضامن كما جزم به البغوي، وعلله بأنه فعل ما ليس له، قال والقرار على المستعير ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه بل في سقوط الضمان بما تناوله الاذن فقط، ونحو من زيادتي، (كتالف في شغل مالك) تحت يد غيره كأن تسلم منه دابته ليروضها له، أو ليقضي له عليها حاجة فإنه لا ضمان عليه لانه نائبه، (وله) أي للمستعير (انتفاع مأذون) فيه (ومثله) و دونه المفهوم بالاولى (ضررا إلا إن نهاه)

(1/391)


المعير عن غير ما عينه، فلا يفعله اتباعا لنهيه، (ف) - المستعير (لزراعة بر) بلا نهي (يزرعه وشعيرا) وفولا لا نحو ذرة لان ضررهما في الارض دون ضرر البر وضرر نحو الذرة فوقه (لا عكسه) أي والمستعير لزراعة شعير أو فول لا يزرع برا لما علم.
(و) المستعير (لبناء أو غرس يزرع لا عكسه) أي والمستعير لزراعة لا يبنى ولا يغرس لان ضررهما أكثر، (و) المستعير (لبناء لا يغرس وعكسه) أي والمستعير لغرس لا يبنى لاختلاف جنس الضرر، إذ ضرر البناء في ظاهر الارض أكثر، وضرر الغراس في باطنها أكثر لانتشار عروقه (وإن أطلق الزراعة) أي الاذن فيها أو عممه فيها (صح) عقد الاعارة، (وزرع) المستعير (ما شاء) لاطلاق اللفظ، قال الشيخان في الاولى ولو قيل لا يزرع إلا أقل الانواع ضررا لكان مذهبا.
وقال الاذرعي يزرع ما اعتيد زرعه هناك ولو نادرا ومنع البلقيني بحث الشيخين لان المطلقات إنما تنزل على الاقل إذا كانت بحيث لو صرح به لصح، وهنا ليس كذلك لانه لا يوقف على حد أقل الانواع ضررا، فيؤدي إلى النزاع.
والعقود تصان عن ذلك (لا) إن أطلق (إعارة) شئ (متعدد جهة) كأرض تصلح للزراعة وغيرها فلا يصح العقد (بل يعين) جهة المنفعة من زرع أو غيره، (أو يعمم) الانتفاع كقوله انتفع به كيف شئت أو افعل به ما بدا
لك.
وينتفع في الشق الثاني وهو من زيادتي بما شاء، كما في الاجارة.
وقيل بما هو العادة ثم وبه جزم به ابن المقري، فإن لم تصلح إلا لجهة واحدة كبساط لا يصلح إلا للفراش، لم يحتج في إعارته إلى تعيين جهة المنفعة، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره.
(تتمة) لو استعار للبناء أو للغراس لم يكن له ذلك إلا مرة واحدة، فلو قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد، إلا إذا صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى.
فصل في بيان أن العارية غير لازمة وفيما للمعير وعليه بعد الرد في عارية الارض وغير ذلك، (لكل) من المعير والمستعير (رجوع) في العارية مطلقة كانت أو مؤقتة، فهي جائزة من الطرفين، فتنفسخ بما تنفسخ به الوكالة من موت أحدهما وغيره، لكن (بشرط في بعض) من الصور (كدفن) لميت، (ف) - إنه (إنما يرجع) بعد الحفر (قبل المواراة) له ولو بعد الوضع في القبر وإن اقتضى كلام الشرح الصغير خلافه (أو بعد اندراس) لاثره إلا عجب الذنب محافظة على

(1/392)


حرمته وصورته في الثانية إذا أذن في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية، وإذا رجع قبل المواراة غرم لولي الميت مؤنة حفرة ولا يلزم المستعير الطم.
وكطرح مال في سفينة باللجة فإنه إنما يرجع بعد أن تصل إلى الشط، وبذلك علم أن تعبيري بما ذكر أعم وأولى مما ذكره، (وإن أعار لبناء أو غرس ولو إلى مدة ثم رجع) بعد أن بنى المستعير أو غرس (فإن شرط) عليه (قلعه) أي البناء أو الغراس، هو أعم من قوله شرط القلع مجانا (لزمه) قلعه عملا بالشرط كما في تسوية الارض، فإن امتنع قلعه المعير، (وإلا) أي وإن لم يشرط القلع (فإن اختاره) المستعير (قلع مجانا ولزمه تسوية الارض)، لانه قلع باختياره، ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع ردها إلى ما كانت عليه، وظاهر أن محل ايجاب التسوية في الحفر الحاصلة بالقلع دون الحاصلة بالبناء أو الغرس لحدوثها بالاستعمال نبه عليه السبكي وغيره، (وإلا) أي وإن لم يختر
قلعه (خير معير بين) ثلاث خصال من (تملكه) بعقد (بقيمته) مستحق القلع حين التملك (وقلعه ب) - ضمان (أرش) لنقصه، وهو قد التفاوت بين قيمته قائما ومقلوعا (وتبقيته بأجرة) كنظائره من الشفعة وغيرها وفاقا للامام الغزالي وصاحبي الحاوي الصغير والانوار وغيرهم، ولمقتضى كلام الروضة وأصلها في الصلح وغيره خلافا لما فيهما هنا من تخصيص التخيير بالاوليين، ولما في المنهاج وأصله من تخصيصه بالاخيرتين.
وإذا اختار ماله اختياره لزم المستعير موافقته، فإن أبي كلف تفريغ الارض مجانا ومحل ما ذكر إذا كان في القلع نقص وكان المعير غير شريك ولم يكن على الغراس ثمر، لم يبد صلاحه، وإلا فيتعين القلع في الاول والتبقية بأجرة المثل في الثاني وتأخير التخيير إلى بعد الجذاذ، وكما في الزرع في الثالث لان له أمدا ينتظر، وفيما لو وقف البناء أو الغراس أو الارض كلام ذكرته في شرح الروض، (فإن لم يختر) أي المعير شيئا مما مر (تركا حتى يختار أحدهما) ما له اختياره لتنقطع الخصومة، فليس المعير أن يقلع مجانا وإن لم يعطه المستعير أجرة لتقصيره بترك الاختيار، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله حتى يختارا.
(ولمعير) زمن الترك (دخولها) أي الارض (وانتفاع بها) لانها ملكه وله استظلال بالبناء والغراس، (ولمستعير دخولها لاصلاح) بترميم بناء وسقي غراس وغيرهما صيانة لملكه عن الضياع، نعم إن تعطل نفعها على مالكها بدخوله لم يمكن من دخولها إلا بأجرة، أما دخوله لها لغير ذلك كتنزه فممتنع عليه، (ولكل) منهما مجتمعين ومنفردين (بيع ملكه) ممن شاء كسائر أملاكه حتى لو باعا ملكيهما بثمن واحد صح للضرورة ووزع الثمن عليهما.
ولا يؤثر في بيع المستعير تمكن المعير من تملكه ماله كتمكن الشفيع من تملك الشقص، وللمشتري الخيار إن جهل وله حكم من باعه

(1/393)


معير ومستعير فيما مر لهما، (وإذا رجع قبل إدراك زرع) بقيد زدته بقولي (لم يعتد قلعه) قبل إدراكه ونقص (لزمه تبقيته إليه) أي إلى قلعه، لان له أمدا ينتظر بخلاف البناء والغراس (بأجرة) لان الاباحة انقطعت بالرجوع، فإن اعتيد قلعه قبل إدراكه أو لم ينقص أجير على قلعه
(ولو عين مدة ولم يدرك فيها التقصير) من المستعير إما بتأخير الزراعة وعليه اقتصر الاصل أو بها كأن علا الارض سيل أو ثلج أو نحوه مما لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد زواله، وهو لا يدرك في المدة (قلع) أي المعير (مجانا) بخلاف ما إذا تأخر إدراكه لا لتقصيره بل لنحو حر أو برد أو مطر، (كما لو حمل نحو سيل) كهواء (بذرا) بمعجمة (إلى أرضه فنبت) فيها فيقلعه مجانا لانه لم يأذن فيه، فعلم أنه باق على ملك مالكه ومحله إذا لم يعرض عنه وإلا فقد صار ملكا لمالك الارض، ويلزم مالك البذر إن قلع باختياره تسوية الحفر الحاصلة بالقلع دون الاجرة للمدة التي قبل القلع، كما جزم به ابن الرفعة لعدم الفعل منه ونحو من زيادتي، (ولو قال من بيده عين) كدابة وأرض (أعرتني فقال) له (مالكها بل آجرتك أو غصبتني) بقيد زدته بقولي، (ومضت مدة لها أجرة صدق) أي المالك كما لو أكل الطعام غيره وقال كنت أبحته لي وأنكر المالك، ولانه إنما يؤذن في الانتفاع غالبا بمقابل في الاولى والاصل عدم الاذن في الثانية، والتصديق يكون بيمينه إن بقيت العين فيحلف أنه ما أعاره وأنه آجره أو غصبه وله أجرة المثل، فإن تلفت في الاولى بغير الاستعمال فمدعى الاعارة مقر بالقيمة لمنكر لها يدعى الاجرة، فيعطي الاجرة بلا يمين إلا إذا زادت على القيمة فيحلف للزائد، أما إذا لم تمض مدة لها أجرة والعين باقية فيصدق من بيده العين بيمينه في الاولى ولا معنى لهذا الاختلاف في الثانية، أو العين تالفة في الاولى فهو مقر بالقيمة لمنكرها، (فإن تلفت) العين قبل ردها (في الثانية) بغير الاستعمال وإن لم تمض مدة لها أجرة (أخذ) منه (قيمة وقت تلف بلا يمين) لانه مقر له بها، إذ المعار يضمن بقيمته وقت تلفه والمغصوب بأقصى قيمة من وقت غصبه إلى وقت تلفه كما سيأتي في بابه، (فإن كانت) قيمته وقت تلفه (دون أقصى قيمه حلف) وجوبا (للزائد) أنه يستحقه لان عريمه ينكره ويحلف للاجرة مطلقا إن مضت مدة لها أجرة.

(1/394)


كتاب الغصب الاصل في تحريمه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)
لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل.
وأخبار كخبر إن دماءكم و أموالكم وأعراضكم عليكم حرام رواه الشيخان، (وهو) لغة أخذ الشئ ظلما.
وقيل أخذه ظلما جهارا وشرعا (استيلاء على حق غير) ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق أو غير مال ككلب نافع وزبل (بلا حق) كما عبر به في الروضة، بدل قوله كالرافعي عدوانا، فدخل فيه ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه غصب و إن لم يكن فيه إثم.
وقول الرافعي إن الثابت في هذه حكم الغصب لا حقيقته ممنوع وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الاثم مطلقا وليس مرادا وإن كان غالبا، والغصب (كركوبه دابة غيره وجلوسه عل فراشه) وإن لم ينقلهما، ولم يقصد الاستيلاء (وإزعاجه) له (عن داره) بأن أخرجه منها وإن لم يدخلها ولم يقصد الاستيلاء (ودخوله لها) وليس المالك فيها (بقصد الاستيلاء) عليها وإن كان ضعيفا، (فإن كان المالك فيها ولم يزعجه فغاصب لنصفها) لاستيلائه مع المالك عليها هذا (إن عد مستوليا) على مالكها فإن لم يعد مستوليا عليه لضعفه فلا يكون غاصبا لشئ منها، وكذا لو دخلها لا بقصد الاستيلاء كأن دخلها ينظر هل تصلح له أو ليتخذ مثلها (ولو منع المالك بيتا منها) دون باقيها (فغاصب له فقط)، أي دون باقيها لقصده الاستيلاء عليه، (وعلى الغاصب رد) للمغصوب وإن لم يكن متمولا سواء أكان مالا كحبة بر، أم لا ككلب نافع وزبل وخمر محترمة لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه، (وضمان متمول تلف) بآفة أو إتلاف بخلاف غير المتمول كحبة بر وكلب وزبل فلا ضمان فيه، وكذا لو كان التالف غير محترم كمرتد وصائل، أو الغاصب غير أهل للضمان كحربي، والتقييد بالمتمول هنا وفيما يأتي من زيادتي.
واستطردوا هنا مسائل يقع فيها الضمان بلا غصب بمباشره أو سبب فتبعتهم كالاصل بقولي (كما لو أتلفه)، أي أتلف شخص متمولا (بيد مالكه أن فتح زقا مطروحا) على أرض (فخرج ما فيه بالفتح) وتلف (أو منصوبا فسقط به

(1/395)


وخرج ما فيه) بذلك وتلف، (أو) فتح (بابا عن غير مميز كطير) وعبد مجنون وهذا أعم
وأولى من قوله ولو فتح قفصا عن طائر إلى آخره (فذهب حالا)، وإن لم يهيجه فإنه يضمنه لان الاتلاف فعله.
وخروج ذلك المؤدي إلى ضياعه ناشئ عن فعله بخلاف ما لو كان المتلف غير متمول سواء أكان مالا كحبة برأم لا، ككلب وزبل ومنه غير المحترم وما لو كان الفاعل غير أهل للضمان نظير ما مر، وبخلاف ما لو كان في الزق المطروح أو المنصوب جامدا، وخرج بتقريب نار إليه فالضمان على المقرب.
وبخلاف ما لو سقط الزق بعروض ريح أو نحوه، فخرج ما فيه وفرق بينه وبين ما لو طلعت عليه الشمس فأذابته، وخرج حيث يضمنه الفاتح بأن طلوع الشمس محقق، فقد يقصده الفاتح.
ولا كذلك الريح وبخلاف ما لو مكث غير المميز ثم ذهب، فلا يضمنه الفاتح لان ضياعه لم ينشأ عن فعله لان ذهابه بعد مكثه يشعر باختياره.
(وضمن آخذ مغصوب) من الغاصب، وإن جهل الغصب وكانت يده أمينة تبعا لاصله والجهل وإن أسقط الاثم لا يسقط الضمان نعم لا ضمان على الحاكم ونائبه إذا أخذه لمصلحة، ولا على من انتزعه ليرده على مالكه إن كان الغاصب حربيا أو عبدا للمغصوب منه، ولا على من تزوج المغصوبة من الغاصب جاهلا بالحال، (والقرار عليه) أي على آخذه (إن تلف عنده) كغاصب من غاصب فيطالب بكل ما يطالب به الاول، ولا يرجع على الاول إن غرم عليه الاول إن غرم إلا إذا كانت القيمة في يد الاول أكثر فيطالب بالزائد الاول فقط، (إلا إن جهل) الحال (ويده) في أصلها (أمينة بلا اتهاب كوديعة) و قراض (فعكسه) أي فالقرار على الغاصب لا عليه لان يده نائبة عن يد الغاصب، فإن غرم الغاصب لم يرجع عليه وإن غرم هو رجع على الغاصب ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه، وخرج بزيادتي بلا اتهاب المتهب، فالقرار عليه و إن كانت يده أمينة لانه أخذ للتملك (ومتى أتلف) الآخذ من الغاصب (فالقرار عليه وإن) كانت يده أمينة أو (حمله الغاصب عليه لا لغرضه) أي الغاصب، (كأن قدم له طعاما) مغصوبا (فأكله)، لان المباشرة مقدمة على السبب، لكن إن قال له هو ملكي وغرم لم يرجع على المتلف لاعترافه أن ظالمه غيره.
وقولي لا لغرضه أعم مما
عبر به، وخرج به ما لو كان لغرضه كأن أمره بذبح الشاة وقطع الثوب ففعل جاهلا، فالقرار على الغاصب (فلو قدمه) الغاصب (لمالكه فأكله برئ) ولو كان المغصوب رقيقا فقال الغاصب لمالكه أعتقه فأعتقه جاهلا، نفذ العتق وبرئ الغاصب.

(1/396)


فصل في بيان حكم الغصب وما يضمن به المغصوب وغيره (يضمن مغصوب متقوم تلف) بإتلاف أو بدونه حيوانا كان أو غيره ولو مكاتبا ومستولدة (بأقصى قيمة من) حين (غصب إلى) حين (تلف)، وإن زاد على دية الحر لتوجه الرد عليه حال الزيادة فيضمن الزائد، والعبرة في ذلك بنقد مكان التلف إن لم ينقله وإلا فيتجه كما في الكفاية اعتبار نقد أكثر الامكنة الآتي بيانها، (و) يضمن (أبعاضه بما نقص منه) أي من الاقصى (إلا إن تلفت) بأن أتلفها الغاصب أو غيره (من رقيق ولها) أرش (مقدر من حر) كيد ورجل، (ف) - يضمن (بأكثر الامرين) مما نقص، والمقدر، ففي يده أكثر الامرين مما نقص ونصف قيمته لاجتماع الشبهين، فلو نقص بقطعها ثلثا قيمته لزماه النصف بالقطع والسدس بالغصب نعم إن قطعها المالك ضمن الغاصب الزائد على النصف فقط، وتعبيري بأقصى قيمه في الحيوان وبأكثر الامرين في الرقيق أولى من تعبيره في الاول بالقيمة وفي الثاني بالقدر، فإذا تلفت الابعاض من الرقيق وليس مغصوبا وجب المقدر فقط كما سيأتي في آخر كتاب الديات.
(و) يضمن مغصوب (مثلى) تلف (وهو ما حصره كيل أو وزن وجاز سلمه) أي السلم فيه، (كماء) لم يغل (وتراب ونحاس)، بضم النون أشهر من كسرها، كما مر (ومسك وقطن) وإن لم ينزع حبه (ودقيق) ونخالة كما قاله ابن الصلاح (بمثله) أي يضمن بمثله لآية: (فمن اعتدى عليكم) ولانه أقرب إلى التالف وما عدا ذلك متقوم كالمذروع والمعدود، وما لا يجوز السلم فيه كمعجون وغالية ومعيب وأورد على التعريف البر المختلط بشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه مع أن الواجب فيه المثل لانه أقرب إلى التالف فيخرج القدر
المحقق منهما ويجاب بأن إيجاب رد مثله كونه مثليا كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض، وبأن امتناع السلم في جملته لا يوجب امتناعه في جزأيه الباقيين بحالهما، ورد المثل إنما هو بالنظر إليهما والسلم فيهما جائز ويضمن المثلى بمثله (في أي مكان حل به المثلى) ولو تلف في مكان نقل إليه، لانه كان مطالبا برده في أي مكان حل به، وإنما يضمن المثلى بمثله إذا بقي له قيمة، فلو أتلف ماء بمفازة مثلا ثم اجتمعا عند نهر وجبت قيمته بالمفازة، ولو صار المثلى متقوما أو مثليا كجعل الدقيق خبزا والسمسم شيرجا والشاة لحما ثم تلف ضمن بمثله، إلا أن يكون الآخر أكثر قيمة فيضمن به في الثاني وبقيمته في الآخرين.
والمالك في الثاني مخير بين المثلين أما لو صار المتقوم متقوما كإناء نحاس صيغ منه حلي فيجب فيه أقصى القيم كما يؤخذ مما مر،

(1/397)


(فإن فقد) المثل حسا أو شرعا كأن لم يوجد بمكان الغصب ولا حواليه أو وجد بأكثر من ثمن مثله، (ف) - يضمن (بأقصى قيم المكان) الذي حل به المثلى (من) حين (غصب إلى) حين (فقد) للمثل، لان وجود المثل كبقاء العين في لزوم تسليمه فلزمه ذلك كما في المتقوم، ولا نظر إلى ما بعد الفقد كما لا نظر إلى ما بعد تلف المتقوم.
وصورة المسألة إذا لم يكن المثل مفقودا عند التلف كما صوره المحرر وإلا ضمن بالاكثر من الغصب إلى التلف، و تعبيري في هذا وفيما قبله أعم مما عبر به (ولو نقل المغصوب) ولو متقوما لمكان آخر (طولب برده) إلى مكانه (وبأقصى قيمه) من الغصب إلى المطالبة (للحيلولة) بينه وبين مالكه إن كان بمسافة بعيدة، وإلا فلا يطالب إلا بالرد، قاله الماوردي.
قال الاذرعي وهذا قد يظهر فيما إذا لم يخف هرب الغاصب أو تواريه وإلا فالاوجه عدم التفرقة بين المسافتين، ومعنى كون القيمة للحيلولة إنه إذا رد إليه المغصوب ردها إن بقيت وإلا فبدلها لانه إنما أخذها للحيلولة.
و الصحيح أنه ملكها ملك قرض، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره، (ولو تلف المثلى فله مطالبته بمثله في غير المكان) الذي حل به المثلى (إن لم يكن لنقله مؤنة) كنقد يسير (وأمن) الطريق إذ لاضرر على واحد منهما حينئذ.
(وإلا بأن كان لنقله مؤنة
أو خاف الطريق (فبأقصى قيم المكان) الذي حل به المثلى فيطالب للفيصولة سواء أنقل من مكان الغصب أم لا، فلا يطالب بالمثل ولا للغاصب تكليفه قبول المثل لما في ذلك من الضرر، وقولي وأمن من زيادتي، وتعبيري بما ذكر أولى مما ذكره، ومعنى كون القيمة للفيصولة أنه إذا غرمها ثم اجتمعا في المكان المذكور ليس للمالك ردها وطلب المثل ولا للآخر استرداد القيمة وبدل المثل، (ويضمن متقوم أتلف بلا غصب بقيمته وقت تلف) لانه بعده معدوم.
وضمان الزائد في المغصوب إنما كان بالغصب ولم يوجد هنا ولو أتلف عبدا مغنيا لزمه تمام أو قيمتها أو أمة مغنية لم يلزمه ما زاد على قيمته بسبب الغناء على النص المختار في الروضة، لان استماعه منها محرم عند خوف الفتنة.
وقضيته أن العبد الامرد كذلك (فإن تلف بسراية جناية فبالاقصى) من الجنابة إلى التلف يضمن لانا إذا اعتبرنا الاقصى في الغصب ففي نفس الاتلاف أولى، (ولا يراق مسكر على ذمي لم يظهره) بنحو شرب أو بيع أو هبة لانه مقرر على الانتفاع به فإن أظهره بشئ من ذلك ولو لمثله أريق عليه لتعديه، وإطلاقي إظهاره موافق لما في الجزية، فتقييد الاصل كالروضة وأصلها بالشرب والبيع جرى على الغالب (ويرد) المسكر المذكور (عليه) لاقراره عليه، فإن تلف فلا ضمان لعدم المالية كما علم مما مر، (كمحترم)، أي

(1/398)


كما يجب رد مسكر محترم (على مسلم) إذا غصب منه لان له إمساكه ليصير خلا بخلاف غير المحترم، وفسر الشيخان هنا الخمرة المحترمة بما عصر لا بقصد الخمرية وفي الرهن بما عصر بقصد الخلية، وتعبيري فيما ذكر بالمسكر أعم من تعبيره بالخمر، (ولا شئ في إبطال أصنام وآلات لهو) كطنبور لانها محرمة الاستعمال ولا حرمة لصنعتها، (وتفصيل) في إبطالها (بلا كسر) لزوال الاثم بذلك، (فإن عجز) عن تفصيلها (أبطلها كف تيسر) إبطالها بكسر أو غيره، ولا يجوز إحراقها إذا لم يتعين طريقا لان رضاضها متمول محترم فمن أحرقها لزمه قيمتها مكسورة بالحد المشروع، ومن جاوزه بغير إحراق لزمه التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد
المشروع وقيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به.
ويشترك في جواز إزالة المنكر الرجل والمرأة والخنثى ولو أرقاء أو فسقة، والصبي المميز ويثاب عليها كما يثاب البالغ وإنما تجب على قادر غير صبي ومجنون، (ويضمن في غصب منفعة ما يؤجر) كدار ودابة بتقويتها و فواتها كأن يسكن الدار أو يركب الدابة، أو لم يفعل ذلك لان المنافع متقومة كالاعيان سواء أكان مع ذلك أرش نقص أم لا.
ويضمن بأجرة مثله سليما قبل النقص ومعيبا بعده، فإن تفاوتت الاجرة في المدة ضمنت كل مدة بما يقابلها أو كان للمغصوب صنائع وجب أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها وإلا فأجرة الجميع كخياطة وحراسة وتعليم قرآن، (إلا حرا فبتفويت) تضمن منفعته بأن يقهره على عمل نعم إن قهر عليه مرتدا فلا أجرة له إن مات مرتدا، أما فواتها كأن يحبس حرا فلا يضمنها به لان الحر لا يدخل تحت اليد، (كبضع ونحو مسجد) كشارع ورباط فتضمن منفعتها بالتفويت بأن يطأ البضع فيضمن بمهر المثل كما سيأتي، وكأن يشغل المسجد ونحوه بأمتعة لا بالفوات كأن يحبس امرأة ويمنع الناس المسجد ونحوه بلا إشغال بأمتعة، لان ذلك لا يدخل تحت اليد.
وخرج بما يؤجر ما لا يؤجر أي ما لا تصح إجارته لكونه غير مال ككلب وخنزير، أو لكونه محرما كآلات لهو أو لغير ذلك كالحبوب، فلا تضمن منفعته إذ لا أجرة له، وقولي ونحو مسجد من زيادتي.
فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان ما ينقص به المغصوب وما يذكر معها، (يحلف غاصب) فيصدق (في تلفه) أي المغصوب إن ادعاه وأنكره المالك لانه قد يكون

(1/399)


صادقا ويعجز عن البينة، فلو لم نصدقه لتخلد الحبس عليه فيغرم بعد حلفه بدله من مثل أو قيمة لمالكه لانه عجز عن الوصول إليه بيمين الغاصب.
(و) في (قيمته) بعد اتفاقهما على تلفه أو بعد حلف الغاصب عليه، (و) في (ثياب رقيق) مغصوب كأن قال هي لي، وقال المالك بل هي لي، (و) في (عيب خلقي) به كأن قال كان أعمى أو أعرج خلقة، وقال المالك بل
حدث عندك وذلك لان الاصل براءته من الزيادة في الاولى من هذه الثلاثة، وعدم ما يدعيه المالك في الثالثة، ولثبوت يده في الثانية على العبد وما عليه.
وخرج بالخلقي الحادث كأن قال بعد تلف المغصوب كان أقطع أو سارقا وأنكر المالك فيصدق المالك بيمينه لان الاصل السلامة من ذلك، فإن قال ذلك بعد رده فالمصدق الغاصب لان الاصل براءته من الزيادة، (ولو رده ناقص قيمة) لرخص (فلا شئ) عليه لبقائه بحاله، (ولو غصب ثوبا قيمته عشرة فصارت برخص درهما ثم بلبس) مثلا (نصفه) أي نصف درهم (رده)، وأجرته (مع خمسة) وهي قسط التالف من أقصى قيمه وهو العشرة، (أو تلف) بآفة أو إتلاف (أحد خفين) أي فردي خف (مغصوبا) وحده أو مع الباقي (وقيمتهما عشرة وقيمة الباقي درهمان لزمه ثمانية) خمسة قيمة التالف وثلاثة أرش التفريق الحاصل بذلك، (كما لو أتلفه) أي أحدهما (بيد مالكه) والقيمة لهما وللباقي ما ذكر فيلزمه ثمانية، (ولو حدث) بالمغصوب (نقص يسري لتلف كان) هو أولى من قوله بأن (جعل البر هريسة) أو الدقيق عصيدة (فكتالف) لاشرافه على التلف، فيضمن بدله من مثل أو قيمة.
وهل يملكه الغاصب إتماما للتشبيه بالتلف أو يبقى للمالك لئلا يقطع الظلم حقه وجهان، رجح منهما ابن يونس الاول وهو مقتضى كلام الامام، وصححه السبكي وإن كان المختار عنده ما استحسنه في الشرح الصغير، ونسبه الامام إلى النص من أن المالك يتخير بين جعله كالتالف وبين أخذه مع أرش عيب سار أي شأنه السراية وهو أكثر من أرش عيب واقف، (ولو جنى) رقيق (معصوب فتعلق برقبته مال فداه الغاصب) وجوبا لحصول الجناية في يده (بالاقل من قيمته والمال) الذي وجب بالجناية، (فإن تلف) الجاني (في يده) أي الغاصب (غرمه المالك) أقصى قيمته.
(وللمجنى عليه أخذ حقه مما أخذه المالك) لانه بدل الرقبة، (ثم يرجع) المالك بما أخذه منه (على الغاصب) لانه أخذ بجناية في يده، وأفاد الترتيب بثم أنه لو طلب منه المالك الارش قبل أن يأخذ منه المجني عليه القيمة لم يجب إليه، وبه صرح الامام لاحتمال الابراء، نعم له مطالبته بالاداء كما يطالب به الضامن المضمون، ذكره ابن الرفعة.
وبما تقرر علم ما

(1/400)


صرح به الاصل أن للمجني عليه أخذ حقه من الغاصب (كما لو رد) الجاني لمالكه (فبيع في الجناية) فيرجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب لما مر، (ولو غصب أرضا فنقل ترابها) بكشطه عن وجهها أو حفرها (رده) إن بقي (أو مثله) إن تلف (كما كان) قبل النقل، من انبساط أو غيره (بطلب) من مالكها (أو لغرضه) أي الغاصب، وإن منعه المالك من الرد كأن دخل الارض نقص يرتفع بالرد أو نقل التراب إلى مكان وأراد تفريغه منه، فإن لم يكن طلب ولا غرض لم يرد لانه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ولا غرض، فلو لم يكن له غرض سوى دفع الضمان بتعثر بالحفيرة أو بنقص الارض ومنعه المالك من الطم فيهما وأبرأه من الضمان في الثانية، امتنع عليه الطم واندفع عنه الضمان، ولو رد التراب ومنعه المالك من بسطه لم يبسطه وإن كان في الاصل مبسوطا.
وما ذكر من أنه يرد التراب إلى مكانه إذا لم يدخل الارض نقص محله إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد، فإن تيسر قال الامان لا يرده إلا بإذن (وعليه أجرة مدة رد) للتراب إلى مكانه وإن كان آتيا بواجب كما تلزمه أجرة ما قبله (مع أرش نقص) في الارض بعد الرد إن كان (ولو غصب دهنا) كزيت (وأغلاه فنقصت عينه) دون قيمته (رده وغرم الذاهب) بأن يرد مثله ولا ينجبر نقصه بزيادة قيمته، لان له مقدارا وهو المثل فأوجبناه كما لو خصي عبدا فزادت قيمته، فإنه يضمن قيمته (أو) نقصت (قيمته) دون عينه (لزمه أرش أوهما) أي أو نقصت العين والقيمة معا (غرم الذاهب).
ورد الباقي (مع أرش نقصه) إن نقصت قيمته كما لو كان صاعا

(1/401)


يساوي درهما، فرجع بإغلائه إلى نصف صاع يساوي أقل من نصف درهم، فإن لم تنقص قيمة الباقي فلا أرش وإن لم ينقص واحد منهما فلا شئ غير الرد.
ولو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته لم يضمن مثل الذاهب، لان الذاهب منه مائية لا قيمة لها والذاهب من الدهن دهن متقوم (ولا يجبر سمن) طار (نقص هزال) حصل قبله كأن غصب بقرة سمينة
فهزلت، ثم سمنت عنده لان السمن الثاني غير الاول، (ويجبر نسيان صيغة) عنده (تذكرها) عنده، قال ابن الرفعة، أو عند المالك لانه لا يعد متجددا عرفا (لا تعلم) صنعة (أخرى) فلا يجبر نسيان تلك لاختلاف الاغراض، (ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل رده) للمالك لانه عين ماله (مع أرش) لنقصه بأن كانت قيمته أنقص من قيمة العصير لحصوله في يده، فإن لم ينقص عن قيمته فلا شئ عليه غير الرد فإن تخمر ولم يتخلل رد مثله من العصير ولزم الغاصب الاراقة، قال الشيخان ولو جعلت المحترمة بيد المالك محترمة بيد الغاصب لكان جائزا أو ما قالاه متجه (أو) غصب (خمرا فتخللت أو جلد فدبغه ردهما) للمغصوب منه، لانهما فرع ما اختص به فيضمنهما الغاصب.
فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها (زيادة المغصوب إن كانت أثرا كقاصرة) لثوب (وطحن) لبر (فلا شئ لغاصب) بسببها

(1/402)


لتعديه بها وبهذا فارق المفلس حيث يشارك البائع كما مر، (و أزالها إن أمكن) زوالها كأن صاغ حليا أو ضرب النحاس إناء (بطلب) من المالك (أو لغرضه) أي الغاصب كأن يكون ضربه دراهم بغير إذن السلطان أو غير عياره فيخاف التغرير، وقولي أو لغرضه من زيادتي.
(ولزمه) مع أجرة المثل (أرش نقص) لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل النقص بها أم بإزالتها، وظاهر أنه لو لم يكن له غرض في الازالة سوى عدم لزوم الارش ومنعه المالك منها وأبرأه منه امتنعت عليه وسقط عنه الارش، وخرج بما ذكر ما لو انتفى الطلب والغرض فيمتنع عليه الازالة، فإن أزال لزمه الارش وما لو وجد أحدهما وكان النقص لما زاد على قيمته قبل الزيادة بسببها فلا يلزمه أرش النقص، (أو) كانت زيادته (عينا كبناء وغراس كلف القلع) لها من الارض وإعادتها كما كانت (والارش) لنقصها إن نقصت مع أجرة المثل، وقولي والارش من زيادتي.
(وإن صبغ) الغاصب (الثوب بصبغه وأمكن فصله كلفه) أي الفصل كما في البناء والغرس، وظاهر أن المالك إذا رضي بالبقاء في المسألتين لا يكلف الغاصب ذلك بل يجوز له (وإلا) أي وإن لم يمكن فصله (فإن نقصت قيمته لزمه أرش) للنقص لحصوله بفعله (أو زادت) قيمته بالصبغ (اشتركا) في الثوب بالنسبة، فإذا كانت قيمته قبل الصبغ عشرة وبعده خمسة عشر فلصاحبه الثلثان وللغاصب الثلث، وإن كانت قيمة صبغه قبل استعماله عشرة وإن صبغه تمويها فلا شئ له، وليس المراد اشتراكهما على جهة الشيوع بل أحدهما بثوبه والآخر بصبغه كما ذكره جمع من الاصحاب.
قال الاسنوي: ومن فوائده أنه لو زادت قيمة أحدهما فاز به صاحبه.
قال في الروضة كأصلها أطلق الجمهور المسألة، وفي الشامل والتتمة إن نقص لانخفاض سعر الثياب فالنقص على الثوب أو سعر الصبغ أو بسبب الصنعة، فعلى الصبغ وإن زاد سعر أحدهما بارتفاعه فالزيادة لصاحبه أو بسبب الصنعة فهي بينهما، فيمكن تنزيل الاطلاق عليه انتهى.
وحكى ابن الرفعة هذا التفصيل عن القاضيين حسين وأبي الطيب وغيره عن البندنيجي وسليم وخرج بصبغة صبغ غيره، فإن كان صبغ الثالث فالحكم كذلك أو صبغ مالك الثوب فلا يأتي فيه الاشتراك، وبزيادة قيمته ونقصها ما لو لم تزد قيمته ولم تنقص، فلا شئ للغاصب ولا عليه (ولو خلط مغصوبا بغيره وأمكن تمييزه) منه كبر أبيض بأحمر أو بشعير (لزمه) تمييزه وإن شق عليه، (وإلا) أي وإن لم يمكن تمييزه كزيت بزيت أو بشيرج (فكتالف) سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ، فللمالك تغريمه (وله) أي للغاصب (أن يعطيه منه) أي من المخلوط (إن

(1/403)


خلطه) أي المغصوب (بمثله أو بأجود) دون الاردأ إلا أن يرضى به ولا أرش له، وقولي وله إلى آخره من زيادتي.
(ولو غصب خشبة) مثلا (وبنى عليها وأدرجها في سفينة ولم تعفن ولم يخف) من إخراجها، (تلف معصوم) من نفس أو مال أو غيرهما (كلف إخراجها) وردها إلى مالكها وأرش نقصا إن نقصت مع أجرة المثل، فإن عفنت بحيث لو أخرجت منها لم يكن لها
قيمة فهي كالتالفة، أو خيف من إخراجها ما ذكر كأن كانت أسفل السفينة وهي في لجة البحر فيصبر المالك إلى أن يزول الخوف، كأن تصل السفينة إلى الشط ويأخذ القيمة للحيلولة.
وخرج بالمعصوم غير المعصوم كالحربي وماله والتقييد بلم تعفن في الصورتين، و بلم يخف تلف معصوم في الاولى من زيادتي.
(ولو وطئ) الغاصب أمة (مغصوبة حد ران منهما) بأن كان عالما بالتحريم مختارا أو مدعيا جهله، وبعد إسلامه ونشأ قريبا من العلماء (ووجب مهر) على الواطئ ولو زانيا (إن لم تكن زانية) وإلا فلا مهر إذ لا مهر لبغي، وكالزانية مرتدة ماتت على ردتها ولو كانت بكرا لزمه أرش بكارة مع مهر ثيب (ووطئ مشتر منه أي من الغاصب (كوطئه) في الحد والمهر وأرش البكارة، فيحد الزاني ويجب على الواطئ المهر إن لم تكن زانية، وأرش البكارة (وإن أحلبها) أي الغاصب أو المشتري منه (بزنا فالولد رقيق) للسيد (غير نسيب) لانه من زنا، (أو بغيره فحر نسيب) للشبهة (وعليه قيمته) لتفويته رقه بظنه (وقت انفصاله حيا) للسيد لان التقويم قبله غير ممكن.
(ويرجع) المشتري (على الغاصب بها) لانه غره بالبيع له، وخرج بزيادتي حيا ما لو انفصل ميتا فإن انفصل بلا جناية فلا قيمة عليه أو بجناية، فعلى الجاني ضمانه وللمالك تضمين الغاصب والمشتري منه، ويقال مثل ذلك في الرقيق المنفصل ميتا بجناية وفي ضمان الغاصب بلا جناية وجهان: أحدهما وهو الاوجه نعم لثبوت اليد عليه تبعا لامه ومثله المشتري منه ويضمنه بقيمته وقت انفصاله لو كان حيا، ويضمنه الجاني بعشر قيمة أمه كما يضمن الجنين الحر بغرة عبد أو أمة، كما يعلم ذلك مما يأتي في كتاب الجناية، فتضمين المالك للغاصب وللمشتري منه بذلك وسيأتي ثم إن بدل الجنين المجني عليه تحمله العاقلة، وقولي ولو وطئ إلى آخره أولى مما عبر به (و) يرجع عليه أيضا (بأرش نقص بنائه وغراسه) إذا قلعهما المالك لانه غره بالبيع (لا بغرم ما تلف) عنده (أو تعيب) من المغصوب (عنده) أي المشتري، فلا يرجع به إذا أغرمه للمالك على الغاصب لان الشراء عقد ضمان، وإنما يرجع عليه بالثمن (أو) بغرم (منفعة
استوفاها) كالسكني والركوب والوطئ، لانه استوفى مقابله بخلاف غرم منفعة لم يستوفها لانه

(1/404)


لم يتلفها ولا التزم ضمانها.
(وكل ما لو غرمه) المشتري (رجع به) على الغاصب كقيمة الولد وأجرة المنفعة الفائتة تحت يده (لو غرمه الغاصب) ابتداء (لم يرجع به) على المشتري (وما لا فيرجع) أي وكل ما لو غرمه المشتري لا يرجع به على الغاصب كأجرة منفعة استوفاها لو غرمه الغاصب ابتداء رجع به على المشتري، نعم لو غرم قيمة العين وقت الغصب لكونها أكثر لم يرجع بالزائد على الاكثر من قيمته وقت قبض المشتري إلى التلف، لانه لم يدخل في ضمان المشتري، ولذلك لا يطالب به ابتداء كذا استثنى هذا ولا يستثنى لان المشتري لا يغرم الزائد فلا يصدق به الضابط المذكور، (و) كل (من انبنت) بنون فموحدة فنون (يده على غاصب فكمشتر) في الضابط المذكور في الرجوع وعدمه.

(1/405)


كتاب الشفعة بإسكان الفاء، وحكى ضمها وهي لغة الضم وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض.
والاصل فيها خبر البخاري عن جابر رضي الله عنه قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وفي رواية له في أرض أو ربع أو حائط والمعنى فيه دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه، والربع المنزل والحائط والبستان.
(أركانها) ثلاثة (آخذ ومأخوذ منه ومأخوذ) والصيغة إنما تجب في التملك كما سيأتي، (وشرط فيه) أي في المأخوذ (أن يكون أرضا بتابعها) كشجر وتمر غير مؤبر، وبناء وتوابعه من أبواب وغيرها (غير نحو ممر) كمجرى نهر (لا غنى عنه)، فلا شفعة في بيت على سقف ولو مشتركا ولا في شجر أفرد بالبيع أو بيع مع مغرسه فقط، ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية، ولا في نحو ممر دار لا غنى عنه فلو باع داره وله شريك في ممرها
الذي لا غنى عنه فلا شفعة فيه حذرا من الاضرار بالمشتري بخلاف ما لو كان له عنه غنى بأن كان للدار ممر آخر وأمكنه إحداث ممر لها إلى شارع أو نحوه، وتعبيري بغير إلى آخره أعم مما عبر به.
(وإن يملك بعوض كمبيع ومهر وعرض خلع وصلح دم) فلا شفعة فيما لم يملك وإن جرى سبب ملكه كالجعل قبل الفراغ من العمل، ولا فيما ملك بغير عوض كإرث ووصية وهبة بلا ثواب وقيد الاصل الملك باللزوم وهو مضر، أو لا حاجة إليه لثبوت الشفعة في مدة خيار المشتري كما سيأتي، وعدم ثبوتها في مدة خيار البائع أو خيارهما كما سيأتي لعدم الملك الطارئ لا لعدم اللزوم.
(وأن لا يبطل نفعه المقصود) منه (لو قسم) بأن يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها (كطاحون وحمام)، بقيد زدته بقولي (كبيرين) وذلك لان علة ثبوت الشفعة في المنقسم كما مر دفع ضرر مؤنة القسمة والحاجة إلى إفراد الحصة الصائرة للشريك بالمرافق، وهذا الضرر حاصل قبل البيع ومن حق الراغب فيه من الشريكين أن يخلص صاحبه منه بالبيع له، فلما باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه بخلاف ما

(1/406)


يبطل نفعه المقصود منه لو قسم كطاحون وحمام صغيرين، وبذلك علم أن الشفعة تثبت لمالك عشر دار صغيرة إن باع شريكه بقيتها لا عكسه لان الاول يجبر على القسمة دون الثاني، (و) شرط في الآخذ كونه شريكا) ولو مكاتبا أو غير عاقل كمسجد له شقص لم يوقف فباع شريكه يأخذ له الناظر بالشفعة فلا شفعة لغير شريك كجار (و) شرط في المأخوذ منه (تأخر سبب ملكه عن سبب ملك الآخذ)، فلو باع أحد شريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الآخر نصيبه في زمن الخيار بيع بت، فالشفعة للمشتري الاول أن لم يشفع بائعه لتقدم سبب ملكه على سبب ملك الثاني، لا الثاني وإن تأخر عن ملكه ملك الاول لتأخر سبب ملكه عن سبب ملك الاول.
وكذا لو باعا مرتبا بشرط الخيار لهما دون المشتري سواء أجازا معا أم أحدهما قبل الآخر بخلاف ما لو اشترى اثنان دارا أو بعضهما معا، فلا شفعة لاحدهما على الآخر لعدم السبق.
وبما
تقرر علم أن تعبيري بسبب الملك أولى من تعبيره كغيره بالملك (فلو ثبت) هو أعم من قوله شرط في البيع (خيار)، أي خيار مجلس، أو شرط (لبائع) ولو مع المشتري (لم تثبت) أي الشفعة (إلا بعد لزوم) البيع لئلا ينقطع خيار البائع وليحصل الملك، (أو) ثبت (لمشتر فقط) في المبيع (ثبتت) أي الشفعة إذ لا حق لغيره في الخيار، (ولا يرد) المشتري المبيع (بعيب) به إن (رضي به الشفيع) لان حق الشفيع سابق عليه لثبوته بالبيع ولان غرض المشتري وصوله إلى الثمن وهو حاصل بأخذ الشفيع (ولو كان لمشتر حصة) في أرض كأن كانت بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه لاحد صاحبيه (اشترك مع الشفيع) في المبيع بقدر حصته لاستوائهما في الشركة، فيأخذ الشفيع في المثال السدس لا جميع المبيع كما لو كان المشتري أجنبيا.
(ولا يشترط في ثبوتها) أي الشفعة وهو مراد الاصل كغيره بقوله ولا يشترط في التملك (حكم) بها من حاكم لثبوتها بالنص، (ولا حضور ثمن) كالبيع (ولا) حضور (مشتر) ولا رضاه كالرد بعيب، (وشرط في تملك بها رؤية شفيع الشقص) وعلمه بالثمن كم يعلم مما يأتي كالمشتري وليس للمشتري منعه من رؤيته.
(و) شرط فيه أيضا (لفظ يشعر به) أي بالتملك وفي معناه ما مر في الضمان (كتملكت أو أخذت بالشفعة مع قبض مشتر الثمن) كقبض البيع حتى لو امتنع المشتري من قبضه، خلى الشفيع بينهما أو رفع الامر إلى حاكم، (أو) مع (رضاه بذمة) أي بكون الثمن في ذمة (شفيع ولا ربا أو) مع (حكم له بها) أي بالشفعة إذا حضر مجلسه و أثبت حقه فيها وطلبه.
وخرج بزيادتي ولا ربا ما لو كان بالمبيع صفائح ذهب أو فضة، والثمن من الآخر لم يكف الرضا بكون الثمن في الذمة بل يعتبر التقابض كما هو معلوم من باب الربا،

(1/407)


وخرج بالثلاثة المذكورة الاشهاد بالشفعة، فلا يملك به وإن لم يرجع فيه في الروضة شيئا وإذا تملكه بغير الاول من الثلاثة لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن، فإذا لم يحضر الثمن وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فإن لم يحضر فيها فسخ القاضي تملكه.
فصل فيما يؤخذ به الشقص المشفوع وفي الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما: (يأخذ) أي الشفيع الشقص (في) عوض (مثلي) كنقد وحب (بمثله) إن تيسر وإلا فبقيمته (و) في (متقوم) كعبد وثوب (بقيمته) كما في الغصب، وتعتبر قيمته (وقت العقد) من بيع ونكاح وخلع وغيرها، لانه وقت ثبوت الشفعة ولان ما زاد زاد في ملك المأخوذ منه، وبذلك علم أن المأخوذ به في النكاح والخلع مهر المثل ويجب في المتعة متعة مثلها لا مهر مثلها أنها الواجبة بالفراق والشقص عوض عنها، ولو اختلفا في قدر القيمة صدق المأخوذ منه بيمينه قاله الروياني، (وخير) أي الشفيع (في) عوض (مؤجل بين تعجيل) له (مع أخذ حالا و) بين (صبر إلى المحل) بكسر الحاء أي الحلول (ثم أخذ) وإن حل المؤجل بموت المأخوذ منه دفعا للضرر من الجانبين لانه لو جوز له الاخذ بالمؤجل أضر بالمأخوذ منه لاختلاف الذمم وإن ألزم بالاخذ حالا بنظيره من الحال أضر بالشفيع، لان الاجل يقابله قسط من الثمن وعلم بذلك أن المأخوذ منه لو رضي بذمة الشفيع لم يخير وهو الاصح، وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الشراء والنكاح والخلع، (ولو بيع) مثلا (شقص وغيره) كثوب (أخذه) أي الشقص (بحصته) أي بقدرها (من الثمن) باعتبار القيمة وقت البيع وقول الاصل من القيمة سبق قلم، فلو كان الثمن مائتين وقيمة الشقص ثمانين وقيمة المضموم إليه عشرين أخذ الشقص بأربعة أخماس الثمن ولا خيار للمشتري بتفريق الصفقة عليه لدخوله عالما بالحال، وبهذا فارق ما مر في البيع من امتناع إفراد المعيب بالرد (ويمتنع أخذ بجهل ثمن) كأن اشترى بجزاف وتلف الثمن أو كان غائبا ولم يعلم قدره فيهما، فتعبيري بالجهل أعم مما عبر به، (فإن ادعى علم مشتر بقدره ولم يعينه لم تسمع) دعواه لانه لم يدع حقا له (وحلف مشتر في جهله به) أي بقدره، وقد ادعى الشفيع قدرا (و) في (قدره و) في (عدم الشركة و) في عدم (الشراء) والتحليف في غير الاولى من زيادتي، فيحلف في الاولى والثالثة على نفي علمه بذلك كما يعلم مما يأتي في الدعوى والبينات لان الاصل عدم علمه بالقدر وعدم الشركة، ولا

(1/408)


يحلف في الاولى أنه اشتراه بثمن مجهول لانه قد يعلمه بعد الشراء ويحلف في الثانية أن هذا قدر الثمن لانه أعلم بما باشره، وفي الرابعة أنه ما اشتراه لان الاصل عدمه (فإن أقر البائع) فيها (بالبيع) والمشفوع بيده أو بيد المشتري وقال إنه وديعة له أو عارية أي أو نحوهما (ثبتت الشفعة)، لان إقراره يتضمن ثبوت حق المشتري وحق الشفيع، فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري كعكسه (وسلم الثمن له) أي للبائع (إن لم يقر بقبضه) من المشتري، لانه تلقى الملك منه (وإلا) بأن أقر بقبضه منه (ترك بيد الشفيع) كنظيره فيما مر في الاقرار.
(وإذا استحق) أي الثمن أي ظهر مستحقا بعد الاخذ بالشفعة، (فإن كان معينا) كأن اشترى بهذه المائة (بطل البيع والشفعة) لعدم الملك، (وإلا) بأن اشتراه بثمن في الذمة ودفع عما فيها فخرج المدفوع مستحقا (أبدل) المدفوع (وبقيا) أي البيع والشفعة.
ولو خرج رديئا تخير البائع بين الرضا به والاستبدال، فإن رضي به لم يلزم المشتري الرضا بمثله بل يأخذ من الشفيع الجيد كذا قاله البغوي.
قال النووي وفيه احتمال ظاهر، قال البلقيني ما قاله البغوي جار على قوله فيما إذا ظهر العبد الذي باع به البائع معيبا ورضي به، أن على الشفيع قيمته سليما لانه الذي اقتضاه العقد.
وقال الامام إنه غلط وإنما عليه قيمته معيبا حكاهما في الروضة قال فالتغليظ بالمثلى أولى قال، والصواب في كلتا المسألتين ذكر وجهين وإلا صح منهما اعتبار ما ظهر، وبهذا جزم ابن المقري في المعيب (وإن دفع الشفيع مستحقا لم تبطل) شفعته، (وإن علم) أنه مستحق لانه لم يقصر في الطلب والاخذ سواء أخذ بمعين أم لا فإن كان معينا في العقد احتاج تملكا جديدا، وكخروج ما ذكر مستحقا خروجه نحاسا (ولمشتر تصرف في الشقص) لانه ملكه، (ولشفيع فسخه بأخذ) للشقص سواء كان فيه شفعة كبيع أم لا كوقف وهبة لان حقه سابق على هذا التصرف، (و) له (أخذ بما فيه شفعة) من التصرف كبيع لذلك ولانه ربما كان العوض فيه أقل أو من جنس هو أيسر عليه، (ولو استحقها) أي الشفعة (جمع أخذوا بقدر الحصص) لان الشفعة من مرافق الملك فتتقدر بقدره ككسب الرقيق، وهذا ما صححه الشيخان، ككثير وقيل يأخذون بعدد الرؤوس واعتمده جمع
من المتأخرين.
وقال الاسنوي إن الاول خلاف مذهب الشافعي (ولو باع أحد شريكين بعض) هو أعم من قوله نصف (حصته لرجل ثم باقيها لآخر فالشفعة في) البعض (الاول للشريك القديم) لانفراده بالحق، (فإن عفا) عنه (شاركه المشتري الاولى في) البعض (الثاني) لانه صار شريكا مثله قبل البيع الثاني، فإن لم يعف عنه بل أخذه لم يشاركه فيه لزوال ملكه، (ولو عفا

(1/409)


أحد شفيعين) عن حقه أو بعضه (سقط حقه) كالقود (وأخذ الآخر الكل أو تركه) فلا يقتصر على حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري (أو حضر) أحدهما وغاب الآخر (أخر) الاخذ (إلى حضور الغائب) لعذره في أن لا يأخذ ما يؤخذ منه (وأخذ الكل فإذا حضر الغائب شاركه) فيه لان ألحق لهما فليس للحاضر الاقتصار على حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري لو لم يأخذ الغائب، وما استوفاه الحاضر من المنافع كالاجرة والثمرة لا يزاحمه فيه الغائب.
(وتتعدد الشفعة بتعدد الصفقة أو الشقص) وهو من زيادتي، فلو اشترى اثنان من واحد شقصا أو اشتراه واحد من اثنين فللشفيع أخذ نصيب أحدهما وحده لانتفاء تبعيض الصفقة على المشتري أو واحد شقصين من دارين فللشفيع أخذ أحدهما لانه لا يفضي إلي تبعيض شئ واحد في صفقة واحدة، (وطلبها) إي الشفعة (كرد بعيب) في أنه فوري وما يتبعه لانها حق ثبت لدفع الضرر فيبادر عادة ولو بوكيله بعد علمه بالبيع مثلا بالطلب، أو يرفع الامر إلى الحاكم فلا يضر نحو صلاة وأكل دخل وقتهما، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (لا في إشهاد) على الطلب (في طريقه أو) حال (توكيله) فلا يلزمه الاشهاد والتصريح بهذا من زيادتي.
ويفارق نظيره في الرد بالعيب بأن تسلط الشفيع على الاخذ بالشفعة أقوى من تسلط المشتري على الرد بالعيب، وبأن الاشهاد ثم على الفسخ وهو المقصود وهنا على الطلب وهو وسيلة للمقصود ويغتفر في الوسائل لا يغتفر في المقاصد، (فيلزمه لعذر) كمرض وغيبة عن بلد المشتري وقد عجز عن مضيه إليه، والرفع إلى الحاكم (توكيل ف) - إن عجز عنه لزمه (إشهاد) وله تأخير الطلب لانتظار إدراك الزرع وحصاده، (فإن ترك مقدوره منهما) أي من التوكيل والاشهاد (أو أخر لتكذيبه ثقة) ولو عبدا أو امرأة
(أخبره بالبيع) مثلا (أو باع حصته ولو جاهلا بالشفعة أو) باع (بعضها عالما) بالشفعة (بطل حقه) لتقصيره في الاوليين والرابعة.
ولزوال سبب الشفعة في الثالثة وخرج بالثقة في الثانية غيره لان خبره غير مقبول، وبالعالم في الرابعة وهو من زيادتي الجاهل لعذره، وكالثقة عدد التواتر ولو من فسقة أو كفار قال ابن الرفعة وكل ذلك في الظاهر أما في الباطن فالعبرة بما يقع في نفسه من صدق وضده ولو من فاسق كما قاله الماوردي، (وكذا) يبطل حقه (لو أخبر بالبيع بقدر فترك فبان بأكثر)، لانه إذا لم يرغب فيه بالاقل فبالاكثر أولى، (لا) إن بان (بدونه أو لقي المشتري فسلم عليه أو بارك له في صفقته)، فلا يبطل حقه لان الترك لخبر تبين كذبه بالزيادة في الاولى، والسلام سنة قبل الكلام في الثانية، وقد يدعو بالبركة ليأخذ صفقة مباركة في الثالثة، وتعبيري بقدر وبدونه أعم من تعبيره بألف وبخمسمائة.

(1/410)


كتاب القراض القراض مشتق من القرض وهو القطع، سمي بذلك لان المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعة من الربح، ويسمى أيضا مضاربة كما صرح به الاصل ومقارضة والاصل فيه الاجماع والحاجة.
واحتج له الماوردي بقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) وبأنه (صلى الله عليه وسلم) ضارب لخديجة بمالها إلى الشأم وأنفذت معه عبدها ميسرة.
والقراض أخذا مما يأتي توكيل مالك بجعل ماله ببلد آخر ليتجر فيه والربح مشترك بينهما، وهذا أولى من قول الاصل القراض أن يدفع إليه مالا إلى آخره.
(أركانه) ستة (مالك وعامل وعمل وربح وصيغة ومال، وشرط فيه) أي في المال (كونه نقدا) دراهم أو دنانير (خالصا معلوما) جنسا وقدرا وصفة معينا بيد عامل، فلا يصح على عرض ولو فلوسا وتبرا وحليا ومنفعة لان في القراض إغرارا إذ العمل فيه غير مضبوط والربح غير موثوق به، وإنما جوز للحاجة فاختص بما يروج بكل حال وتسهل التجارة به (و) لا على نقد (مغشوش) ولو رائجا لانتفاء خلوصه نعم إن كان غشه مستهلكا جاز، قاله الجرجاني،
(و) لا على (مجهول) جنسا أو قدرا أو صفة ولا على غير معين كأن قارضه على ما في الذمة من دين أو غيره نعم لو قارضه على نقد في ذمته ثم عينه في المجلس صح، خلافا للبغوي، وكأن قارضه على إحدى صرتين ولو متساويتين نعم لو علم في المجلس عينه صح، بخلاف ما لو علم فيه جنسه وقدره وصفته لا يصح على الاشبه في المطلب (ولا) يصح (بشرط كونه) أي المال (بيد غيره) أي غير العامل كالمالك ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل، لانه قد لا يجده عند الحاجة.
وتعبيري بغيره أعم من تعبيره بالمالك، (و) شرط (في المالك ما) شرط (في موكل وفي العامل ما) شرط (في وكيل) لان القراض توكيل وتوكل فيجوز أن يكون المالك أعمى دون العامل، ولا يجوز أن يكون أحدهما سفيها ولا صبيا ولا مجنونا.
ولوليهم أن يقارض لهم (وأن يستقل) أي العامل (بالعمل) ليتمكن من العمل متى شاء، فلا يصح شرط عمل غيره معه لان انقسام العمل يقتضي انقسام اليد.
ويصح شرط إعانة مملوك المالك له في العمل ولا يد للمملوك لانه مال فجعل

(1/411)


عمله تبعا للمال.
ولان ذلك لا يمنع استقلال العامل وشرطه أن يكون معلوما برؤية أو وصف وإن شرطت نفقته عليه جاز، (و) شرط (في العمل كونه تجارة وأن لا يضيقه) أي العمل (على العامل فلا يصح على شراء بر يطحنه ويخبزه)، أو غزل ينسجه (ويبيعه) لان الطحن وما معه أعمال لا تسمى تجارة بل هي أعمال مضبوضة يستأجر عليها ولا يحتاج إلى القراض عليها المشتمل على جهالة العوضين للحاجة، (و) لا على (شراء) متاع (معين) كقولة ولا تشتر إلا هذه السلعة، (و) لا على شراء نوع (نادر) يعز وجوده كقوله ولا تشتر إلا الخيل البلق، (و) لا على (معاملة شخص) معين كقوله ولا تبع إلا لزيد ولا تشتر إلا منه، (ولا إن أقت) بمدة كسنة سواء أسكت أم منعه التصرف أم البيع بعدها أم الشراء، لان المتاع والمدة المعينين قد لا يربح فيهما والنادر قد لا يجده، والشخص المعين قد لا يتأتى من جهته ربح في بيع أو شراء، (فإن منعه الشراء فقط بعد مدة) كقوله ولا تشتر بعد سنة (صح) لحصول الاسترباح
بالبيع الذي له فعله بعدها، ومحله كما قال الامام أن تكون المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف نحو ساعة، وعلم من امتناع التأقيت امتناع التعليق لان التأقيت أسهل منه بدليل احتماله في الاجارة والمساقاة، ويمتنع أيضا تعليق التصرف بخلاف الوكالة لمنافاته غرض الربح، وتعبيري بما ذكرته أولى من تعبيره بما ذكر.
(و) شرط (في الربح كونه لهما و) كونه (معلوما) لهما (بجزئية) كنصف وثلث (فلا يصح) القراض (على أن لاحدهما) معينا أو مبهما (الربح) أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما، والمشروط لمملوك أحدهما كالمشروط له فيصح معه في الثانية دون الاولى (أو) على أن لاحدهما (شركة أو نصيبا فيه) للجهل بحصة العامل، (أو) على أن لاحدهما (عشرة أو ربح صنف) لعدم العلم بالجزئية ولانه قد لا يربح غير العشرة أو غير ربح ذلك الصنف فيفوز أحدهما بجميع الربح، (أو) على (أن للمالك النصف) مثلا لان الربح فائدة رأس المال فهو للمالك، إلا ما ينسب منه للعامل ولم ينسب له شئ منه بخلاف ما لو قال على أن للعامل النصف مثلا فيصح ويكون الباقي للمالك لانه بين ما للعامل والباقي للمالك بحكم الاصل، (وصح في) قوله (قارضتك والربح بيننا وكان نصفين) كما لو قال هذه الدار بين زيد وعمرو، (و) شرط (في الصيغة ما) مر فيها (في البيع) بجامع أن كلا منهما عقد معاوضة (كقارضتك) أو عاملتك في كذا على أن الربح بيننا فيقبل العامل لفظا، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله يشترط إيجاب وقبول.

(1/412)


فصل في أحكام القراض لو (قارض العامل آخر) ولو بإذن المالك (ليشاركه في عمل وربح لم يصح)، لان القراض على خلاف القياس وموضوعه أن يعقده المالك والعامل فلا يعدل إلا أن يعقده عاملان فإن قارضه بالاذن لينفرد بالربح والعمل صح كما لو قارضه المالك بنفسه أو بلا إذن فلا.
(وتصرف الثاني بغير إذن المالك غصب) فيضمن ما تصرف فيه، (فإن اشترى بعين مال القراض لم يصح)
شراؤه لانه فضولي، (أو في ذمة) له (فالربح) كله (للاول) من العاملين لان الثاني وكيل عنه، (وعليه للثاني أجرته) لانه لم يعمل مجانا فإن عمل مجانا كأن قال له الاول وكل الربح لي فلا أجرة له، وظاهر أخذا مما يأتي أن الثاني إذا اشترى في الذمة ونوى نفسه فالربح له ولا أجرة له على الاول.
(ويجوز تعدد كل) من المالك والعامل، فللمالك أن يقارض اثنين متفاضلا ومتساويا في المشروط لهما من الربح كأن يشرط لاحدهما نصف الربح وللآخر الربع أو يشرط لهما النصف بالسوية سواء أشرط على كل منهما مراجعة الآخر أم لا.
ولمالكين أن يقارضا واحدا ويكون الربح بعد نصيب العامل بينهما بحسب المال، فإذا شرط للعامل نصف الربح ومال أحدهما مائتان ومال الآخر مائة اقتسما النصف الآخر أثلاثا، فإن شرطا غير ما تقتضيه النسبة فسد العقد كما علم من قولي فيما مر كونه لهما لما فيه من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل، (وإذا فسد قراض صح تصرف العامل) للاذن فيه (والربح) كله (للمالك) لانه نماء ملكه (وعليه) له (إن لم يقل والربح لي أجرته) أي أجرة مثله أنه لم يعمل مجانا وقد فاته المسمى، وكذا إذا علم الفساد كما يؤخذ من التعليل، فإن قال ذلك فلا شئ عليه له لرضاه بالعمل مجانا، وظاهر أنه إذا اشترى في الذمة ونوى نفسه فالربح له لانه نماء ملكه ولا أجره له على المالك.
(ويتصرف) العامل (ولو بعرض) لانه طريق الاسترباح (بمصلحة) لان العامل في الحقيقة وكيل (لا بغبن فاحش) في بيع أو شراء، والتقييد بفاحش من زيادتي، (ولا نسيئة) في ذلك (بلا إذن) في الغبن.
والنسيئة أما بالاذن فيجوز ويأتي في تقدير الاجل وإطلاقه في البيع ما مر في الوكيل، ويجب الاشهاد في البيع نسيئة فإن تركه ضمن، ووجه منع الشراء نسيئة أنه كما قال الرافعي قد يتلف رأس المال فتبقى العهدة متعلقة بالمالك.
(ولكل) من المالك والعامل

(1/413)


(رد بعيب إن فقدت مصلحة الابقاء) ولو مع فقد مصلحة الرد أو رضى الآخر بالعيب لان لكل منهما حقا في المال، فإن وجدت مصلحة الابقاء امتنع الرد، وتعبيري بذلك أعم وأولى من
قوله رد بعيب تقتضيه مصلحة، (فإن اختلفا) فيه فأراده أحدهما وأباه الآخر (عمل بالمصلحة) في ذلك لان كلا منهما له حق، فإن استوى الحال في الرد والابقاء ففي الطلب يرجع إلى العامل.
(ولا يعامل) العامل (المالك) كأن يبيعه شيئا من مال القراض لان المال له، (ولا يشتري بأكثر من مال القراض) رأس مال وربحا ولا بغير جنسه لان المالك لم يأذن فيه، وتعبيري بذلك أولى من تعبيره برأس المال.
(ولا) يشتري (زوج المالك) ذكرا كان أو أنثى (ولا من يعتق عليه) لكونه بعضه أو أقر هو بحريته أو كان أمة مستولدة له وبيعت لكونها مرهونة (بلا إذن) منه في الثلاث، أما بإذنه فيجوز، (فإن فعل) ذلك بغير إذنه (لم يصح) الشراء في غير الاولى ولا في الزائد فيها لانه لم يأذن فيه، ولتضرره بانفساخ النكاح وتفويت المال في غيرها، (إلا إن اشترى في ذمته فيقع له) أي للعامل وإن صرح بالسفارة فعلم أنه إذا اشتراه بعين مال القراض لا يصح، وخرج بزوج المالك ومن يعتق عليه زوج العامل ومن يعتق عليه فله شراؤهما للقراض، وإن ظهر ربح ولا ينفسخ نكاحه ولا يعتق عليه كالوكيل يشتري زوجه ومن يعتق عليه لموكله، (ولا يسافر بالمال بلا إذن) لما فيه من الخطر والتعريض للتلف، فلو سافر به ضمنه أما بالاذن فيجوز لكن لا يجوز في البحر إلا بنص عليه، (ولا يمون) هو أعم من قوله ولا ينفق (منه نفسه) حضرا ولا سفرا لان له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر، فلو شرط المؤنة في العقد فسد (وعليه فعل ما يعتاد) فعله (كطي ثوب ووزن خفيف كذهب) ومسك عملا بالعادة، (وله اكتراء لغيره) أي غير ما عليه فعله من مال القراض ولو فعله بنفسه فلا أجرة له، وما يلزمه فعله لو اكترى من فعله فالاجرة في ماله.
(ويملك) العامل (حصته) من الربح (بقسمة) لا بظهور لانه لو ملكها بالظهور لكان شريكا في المال فيكون النقص الحادث بعد ذلك محسوبا عليهما وليس كذلك، لكنه إنما يستقر ملكه بالقسمة إن نض رأس المال وفسخ العقد حتى لو حصل بعد القسمة فقط أن نقص جبر بالربح المقسوم، و يملكها ويستقر ملكه أيضا بنضوض المال والفسخ بلا قسمة كما بينته في شرح الروض،
(وللمالك ما حصل من مال قراض كثمر ونتاج وكسب ومهر) وغيرها من سائر الزوائد العينية الحاصلة بغير تصرف العامل، لانه ليس من فوائد التجارة، و تعبيري بما ذكر أعم مما عبر

(1/414)


به (ويجبر بالربح ونقص) حصل (برخص أو عيب حدث) لاقتضاء العرف ذلك والثانية من زيادتي، (أو) ب (- تلف بعضه) بآفة سماوية أو جناية وتعذر أخذ بدله (بعد تصرف) من العامل ببيع أو شراء قياسا على ما مر، فإن تلف بذلك قبله فلا يجبر به بل يحسب من رأس المال لان العقد لم يتأكد بالعمل، فإن أخذ بدل ذلك استمر القراض فيه ولكل منهما المخاصمة إن كان في المال ربح وإلا فللما لك فقط، وخرج بتلف بعضه تلف فإن القراض يرتفع سواء أكان التلف بآفة بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبي، لكن يستقر نصيب العامل من الربح في الثانية ويبقى القراض في البدل إن قبضة المالك وسلمه له أو أخذه في الرابعة، وبحث الشيخان في الثالثة بعد نقلهما ما ذكر فيها عن الامام أن العامل كالاجنبي، وبه صرح المتولي وفرق الاول بأن للعامل الفسخ فجعل إتلافه فسخا كالمالك بخلاف الاجنبي.
فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما: (لكل) منهما (فسخه) متى شاء، (وينفسخ بما تنفسخ به الوكالة) كموت أحدهما وجنونه وإغمائه لما مر أنه توكيل وتوكل، وكذا باسترجاع المال بخلاف استرجاع الموكل ما وكل في بيعه، (ثم) بعد الفسخ أو الانفساخ (يلزم العامل استيفاء) للدين لانه ليس في قبضته (ورد قدر رأس المال لمثله) بأن ينضض على صفته، وإن كان قد باعه بنقد على غير صفته أو لم يكن ربح لانه في عهدته رد رأس المال كما أخذه، هذا إن طلب المالك الاستيفاء أو التنضيض وإلا فلا يلزمه ذلك، إلا أن يكون لمحجور عليه وحظه فيه وخرج برأس المال الزائد عليه، فلا يلزمه تنضيضه كعرض اشترك فيه اثنان لا يكلف واحد منهما بيعه، وتعبيري بما ذكر أعم وأولى مما عبر به.
(ولو أخذ المالك بعضه قبل) ظهور (ربح وخسر رجع رأس المال للباقي) بعد المأخوذ
لانه لم يترك في يده غيره فصار كما لو أعطاه له ابتداء، (أو) أخذ بعضه (بعد) ظهور (ربح فالمأخوذ ربح ورأس مال) على النسبة الحاصلة له من مجموعهما فلا يجبر بالربح خسر يقع بعده، (مثاله المال مائة والربح عشرون وأخذ عشرين فسدسها) وهو ثلاثة وثلث (من الربح) لان الربح سدس المال (فيستقر للعامل المشروط) له (منه) وهو واحد وثلثان إن شرط له نصف الربح حتى لو عاد ما بيده إلى ثمانين لم يسقط ما استقر له فعلم أن باقي المأخوذ وهو ستة

(1/415)


عشر وثلثان من رأس المال، فيعود إلى ثلاثة وثمانين وثلث، هذا إن أخذ بغير رضا العامل أو برضاه.
وصرحا بالاشاعة أو أطلقا فإن قصد الاخذ من رأس المال اختص به أو من الربح فكذلك لكن يملك العامل مما بيده قدر حصته على الاشاعة، نبه على ذلك في المطلب، (أو) أخذ بعضه (بعد) ظهور (خسر فالخسر موزع على المأخوذ والباقي) فلا يلزم جبر حصة المأخوذ لو ربح بعد (مثاله المال مائة والخسر عشرون وأخذ عشرين فحصتها) من الخسر (ربع الخسر) فكأنه أخذ خمسة وعشرين فيعود رأس المال إلى خمسة وسبعين.
حتى لو بلغ ثمانين لم يأخذ المالك الجميع بل تقسم الخمسة بينهما نصفين إن شرطا المناصفة (وحلف عامل في عدم ربح و) في (قدره) فيصدق في ذلك لموافقته فيما نفاه للاصل، (و) في (شراء له) أي للعامل وإن كان رابحا (أو لقراض) وإن كان خاسرا لانه مأمون، (وفي) قوله (لم تنهني عن شراء كذا) لان الاصل عدم النهي، (و) في (قدر رأس المال) لان الاصل عدم دفع الزائد على ما قاله، (و) في (دعوى تلف) لانه مأمون فإن ذكر سببه فهو على التفصيل الآتي في الوديعة ولو تلف المال فادعى المالك أنه قرض والعامل وأنه قراض فالمصدق العامل بيمينه، كما أفتى به ابن الصلاح تبعا للبغوي، لان الاصل عدم الضمان ولو أقاما بينتين ففي المقدم منهما وجهان في الروضة بلا ترجيح أوجههما تقديم بينة المالك لان معها زيادة علم، (و) في دعوى (رد) للمال على المالك لان ائتمنه كالمودع بخلاف نظيره في المرتهن والمستأجر، لانهما قبضا العين لمنفعة نفسهما، والعامل قبضها لمنفعة المالك وانتفاعه بالعمل.
(ولو اختلفا في) القدر (المشروط له) كأن قال شرطت لي النصف فقال المالك بل الثلث (تحالفا)، كاختلاف البائعين في قدر الثمن، (وله) أي للعامل بعد الفسخ (أجرة) لعمله وللمالك الربح، كما يؤخذ ذلك من باب الاختلاف في كيفية العقد، ولو اختلفا في جنس رأس المال صدق العامل بيمينه أو في أنه وكيل، أو مقارض صدق المالك بيمينه ولا أجرة عليه للعامل.

(1/416)


كتاب المساقاة مأخوذ من السقي المحتاج إليه فيها غالبا لانه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة، والاصل فيها قبل الاجماع خبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) عامل أهل خيبر وفي رواية دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع، والمعنى فيها أن مالك الاشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك أشجارا فيحتاج ذلك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل، ولو اكترى المالك لزمته الاجرة في الحال وقد لا يحصل له شئ من الثمار ويتهاون العامل، فدعت الحاجة إلى تجويزها وهي أخذا مما يأتي معاملة الشخص غيره على شجر ليتعهده بسقي وغيره، والثمرة لهما (أركانها) ستة، (عاقدان) مالك وعامل (وعمل وثمر وصيغة ومورد وشرط فيه) أي في المورد (كونه نخلا أو عنبا مرئيا معينا بيد عامل مغروسا لم يبد صلاح ثمره) سواء أظهر أم لا، فلا تصح على غير نخل وعنب استقلالا كتين وتفاح ومشمش وصنوبر وبطيخ، لانه ينمو بغير تعهد أو يخلو عن العوض مع أنه ليس في معنى النخل، ولا على غير مرئي ولا على مبهم كأحد البساتين كما في سائر عقود المعاوضة، ولا على كونه بيد غير العامل كأن جعل بيده ويد المالك كما في القراض ولا على ودي يغرسه ويتعهده والثمرة بينهما كما لو سلمه بذرا ليزرعه ولان الغرس ليس من عمل المساقاة فضمه إليه يفسدها، ولا على ما بدا صلاح ثمره لفوات معظم الاعمال وقولي مرئيا معينا من زيادتي، (و) شرط (في العاقدين مما مر) فيهما (في القراض) وتقدم بيانه ثم (وشريك مالك كأجنبي) فتصح مساقاته له إن شرط له زيادة على
حصته كما يؤخذ مما يأتي، (و) شرط (في العمل أن لا يشرط على العاقد ما ليس عليه) فلو شرط ذلك (كأن شرط على العامل أن يبني جدارا) لحديقة (أو على المالك) هو من زيادتي (تنقية النهر) لم يصح العقد لانه شرط عقد في عقد، ولانه في الاول استئجار بعوض مجهول (وأن يقدر) أي العمل (بزمن معلوم يثمر فيه الشجر غالبا) كسنة أو أكثر كالاجارة، فلا تصح مؤبدة ولا مطلقة ولا مؤقتة بإدراك الثمر للجهل بوقته، فإنه يتقدم تارة ويتأخر أخرى ولا مؤقتة

(1/417)


بزمن لا يثمر في الشجر غالبا لخلو المساقاة عن العوض، ولا أجرة للعامل إن علم أو ظن أنه لا يثمر في ذلك الزمن وإن استوى الاحتمالان أو جهل الحال فله أجرته لانه عمل طامعا وإن كانت المساقاة باطلة.
(و) شرط (في الثمر ما) مر (في الربح) من كونه لهما وكونه لهما وكونه معلوما بالجزئية وتقدم بيان ذلك ثم (ولمساقي في ذمته أن يساقي غيره) بخلاف المساقي على عينه كما في الاجير وهذا من زيادتي (و) شرط (في الصيغة ما) مر فيها (في البيع) غير عدم التأقيت بقرينة ما مر آنفا وهذا من زيادتي، (كساقيتك) أو عاملتك على هذا على أن الثمرة بيننا فيقبل العامل، وقولي كساقيتك أعم مما عبر به (لا تفصيل أعمال بناحية بها عرف غالب) في العمل، بقيد زدته بقولي (عرفاه) أي العاقدان فلا يشترط، فإن لم يكن فيها عرف غالب أو كان ولم يعرفاه اشترط، (ويحمل المطلق عليه) أي على العرف الغالب الذي عرفاه في ناحيته (وعلى العامل) عند الاطلاق (ما يحتاجه الثمر) لصلاحه وتنميته (مما يتكرر) من العمل (كل سنة كسقي وتنقية نهر) أي مجرى الماء من طين ونحوه، (وإصلاح أجاجين) يقف فيها الماء حول الشجر ليشربه شبهت بإجانات الغسيل جمع إجانة، (وتلقيح) للنخل، (وتنحية حشيش وقضبان مضرة) بالشجر، (وتعريش) للعنب (جرت به عادة)، وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفعه عليها، (وحفظ الثمر) على الشجرة وفي البيدر عن السرقة والشمس والطيور بأن يجعل كل عنقود في وعاء يهيئه المالك كقوصرة (وجذاذه) أي
قطعه (وتجفيفه)، فإن كلا من الثلاثة على العامل وإن لم تجربه عادة، وتقييد الروضة كأصلها تصحيح وجوب التخفيف على العامل بجريان العادة به أو شرطه ليس بجيد إذ النافي لوجوبه لاتسعه مخالفة العادة، أو الشرط فمحل التصحيح إنما هو انتفائهما، وظاهر أنه لو جرت عادة بأن شيئا من ذلك على المالك اتبعت (وعلى المالك ما يقصد به حفظ الاصل) أي أصل الثمر وهو الشجر، (ولا يتكرر كل سنة كبناء حيطان) للبستان (وحفر نهر) له وإصلاح ما انهار من النهر لاقتضاء العرف ذلك، وعليه أيضا الاعيان وإن تكررت كل سنة كطلع التلقيح، (ويملك العامل حصته) من الثمر (بالظهور) له إن عقد قبل ظهوره وهذا من زيادتي، وفارق القراض حيث لا يملك فيه الربح إلا بالقسمة أو ما ألحق بها كما مر بأن الربح وقاية لرأس المال والثمر ليس وقاية للشجر، أما إذا عقد بعد ظهوره فيملكها بالعقد.

(1/418)


فصل في بيان أن المساقاة لازمة وحكم هرب العامل، والمزارعة، والمخابرة (هي) أي المساقاة (لازمة) كالاجارة، (فلو هرب العامل) أو عجز بمرض أو نحوه قبل الفراغ من العمل ولو قبل الشروع فيه (وتبرع غيره) من مالك أو غيره (بالعمل) بنفسه أو بماله، فتعبيري بذلك أعم من قوله وأتمه المالك تبرعا (بقي حق العامل)، لان العقد لا ينفسخ بذلك كما لا ينفسخ بصريح الفسخ (وإلا) أي وإن لم يتبرع غيره ورفع الامر إلى الحاكم (اكترى الحاكم عليه من يعمل) بعد ثبوت المساقاة، وهرب العامل مثلا وتعذر إحضاره من ماله إن كان له مال وإلا اكترى بمؤجل إن تأتي نعم إن كانت المساقاة على العين فالذي جزم به صاحب المعين اليمني والنسائي واستظهره غيرهما أنه لا يكتري عليه لتمكن المالك من الفسخ، (ثم) إن تعذر اكتراؤه (اقترض) عليه من المالك أو غيره ويوفي من نصيبه من الثمر، (ثم) إن تعذر اقتراضه (عمل المالك) بنفسه، وهذا مع ثم اقترض والاشهاد الآتي على العمل من زيادتي، (أو أنفق بإشهاد) بذلك (شرط فيه رجوعا) بأجرة عمله أو بما أنفقه فإن لم يشهد
كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الاشهاد لانه عذر نادر، فإن عجز عن العمل والانفاق ولم تظهر الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة عمله وإن ظهرت فلا فسخ وهي لهما، وقولي شرط فيه رجوعا أولى من قوله إن أراد الرجوع (ولو مات المساقي في ذمته) قبل تمام عمله (وخلف تركة عمل وارثه) إما (منها) بأن يكتري عليه لانه حق واجب على مورثه، (أو من ماله أو بنفسه) ويسلم له المشروط فلا يجبر على الانفاق من التركة ولا يلزم المالك تمكينه من العمل بنفسه إلا إذا كان أمينا عارفا بالاعمال، فإن لم تكن تركة فللوارث العمل ولا يلزمه، وخرج بزيادتي في ذمته المساقي على عينه فتنفسخ بموته كالاجير المعين ولا تنفسخ المساقاة بموت المالك بل تستمر و يأخذ العامل نصيبه، (وبخيانة عامل) فيها (اكترى) عليه (من ماله مشرف) إلى أن يتم العمل (فإن لم يتحفظ به فعامل) بكتري على الخائن من ماله نعم إن كانت المساقاة على العين فظاهر أنه لا يكتري عليه وهو قياس ما مر من اكتراء الحاكم عليه إذا هرب وقد نبه عليه الاذرعي، وقولي من ماله من زيادتي في المشرف، (ولو استحق الثمر) أي خرج مستحقا كأن أوصى به (فله) أي للعامل حيث جهل الحال (على معامله أجرة) لعمله كمن اكترى من يعمل فيما غصبه عملا،

(1/419)


(ولا تصح مخابرة ولو تبعا) للمساقاة (وهي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل) للنهي عنها في خبر الصحيحين، وتعبيري بالمعاملة تبعا للمحرر أولى من تعبير الاصل بالعمل، (ولا مزارعة وهي كذلك) أي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها.
(و) لكن البذر من المالك) للنهي عنها في خبر مسلم، (فلو كان بين الشجر) نخلا كان أو عنبا فهو أولى من قوله بين النخيل (بياض)، أي أرض لا زرع فيها ولا شجر وإن كثر البياض (صحت) المزارعة عليه (مع المساقاة) على الشجر تبعا للحاجة إلى ذلك، وعليه يحمل خبر الصحيحين السابق أول الباب هذا، إن (اتحد عقد و) اتحد (عامل) بأن يكون عامل المزارعة هو عامل المساقاة وإن تعدد لان عدم الاتحاد في كل منهما يخرج المزارعة عن كونها تابعة،
(وعسر) هذا هو المراد بقول الروضة وأصلها وتعذر (إفراد الشجر بالسقي) فإن تيسر ذلك لم تجز المزارعة لعدم الحاجة، (وقدمت المساقاة) على الزارعة لتحصل التبعية (وإن تفاوت الجزءان المشروطان) من الثمر والزرع، كأن شرط للعامل نصف الثمر وربع الزرع فإن المزارعة تصح تبعا.
ومتى فقد شرط من الشروط المذكورة لم تصح المزارعة وإنما لم تصح المخابرة تبعا كالمزارعة لعدم ورودها كذلك، واختار النووي من جهة الدليل صحة كل منهما مطلقا تبعا لابن المنذر وغيره قال والاحاديث مؤولة، على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى والمذهب ما تقرر ويجاب عن الدليل المجوز لهما بحمله في المزارعة على جوازها تبعا أو بالطريق الآتي، وفي المخابرة على جوازها بالطريق الآتي، وكالبياض فيما ذكر زرع لم يبد صلاحه كما اقتضاه كلام الروضة كأصلها، (فإن أفردت المزارعة فالمغل للمالك) لانه المالك للبذر (وعليه للعامل أجرة عمله وآلاته) الشاملة لدوابه لبطلان العقد، وعمله لا يحبط سواء أسلم الزرع أم تلف بآفة أو غيرها أخذا من نظيره في القراض الفاسد، وإن كان المنقول عن المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا تلف الزرع بآفة أنه لا شئ للعامل لانه لم يحصل للمالك شئ، وصوبه النووي ويفرق بأن العامل هنا أشبه به في القراض من الشريك، على أن الرافعي قال في كلام المتولي لا يخفى عدوله عن القياس الظاهر (وطريق جعل الغلة لهما) في إفراد المزارعة (ولا أجرة كأن يكتريه) أي المالك العامل (بنصفي البذر ومنفعة الارض) شائعين (أو بنصفه) أي البذر (ويعيره نصف الارض) شائعين (ليزرع) له (باقيه) أي البذر (في باقيها) أي الارض فيكون لكل منهما نصف المغل شائعا لان العامل استحق من منفعتها بقدر نصيبه من الزرع، والمالك من منفعته

(1/420)


بقدر نصيبه من ذلك.
وأفادت زيادتي كاف كأن أن طرق ذلك لا تنحصر فيما ذكر إذ منها أن يقرض المالك العامل نصف البذر ويؤجره نصف الارض بنصف عمله ونصف منافع آلاته، ومنها أن يعيره نصف الارض والبذر منهما لكن البذر في هذا ليس كله من المالك وإن أفردت
المخابرة، فالمغل للعامل وعليه لمالك الارض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة لهما، ولا أجرة كأن يكتري العامل نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته، أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع.

(1/421)


كتاب الاجارة بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها من آجره بالمد يؤجره إيجار أو يقال أجره بالقصر يأجره بضم الجيم وكسرها أجرا وهي لغة اسم للاجرة وشرعا تمليك منفعة بعوض بشروط تأتي.
والاصل فيها قبل الاجماع آية: (فإن أرضعن لكم) وجه الدلالة أن الارضاع بلا عقد تبرع لا يوجب أجرة وأنما يوجبها ظاهرا العقد فتعين وخبر البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) والصديق رضي الله عنه استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الاريقط وخبر مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة والمعنى فيها أن الحاجة داعية إليها إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت لذلك كما جوز بيع الاعيان (أركانها) أربعة (صيغة وأجرة ومنفعة وعاقد) من مكر ومكتر (وشرط فيه) أي في العاقد (ما) مر فيه (في البيع) وتقدم بيانه ثم لكن لا يشترط هنا إسلام المكتري لمسلم كما قدمته ثم مع زيادة وتصح إجارة السفيه نفسه لما لا يقصد من عمله كالحج قاله الماوردي والروياني لان له أن يتبرع به ولا يصح اكتراء العبد نفسه من سيده وإن صح شراؤه نفسه منه كما أفتى به النووي (و) شرط (في الصيغة ما) مر فيها (فيه) أي في البيع (غير عدم التأقيت كأجرتك) أو أكريتك (هذا أو منافعه أو ملكتكها سنة بكذا) فيقبل المكتري (لا بعتكها) أي منافعه سنة بكذا لان لفظ البيع وضع لتمليك العين فلا يستعمل في المنفعة كما لا يستعمل لفظ الاجارة في البيع لكن ينبغي أن يكون كناية وكلفظ البيع لفظ الشراء وهو ظاهر.
وسنة فيما ذكر ليس مفعولا فيه لاجر مثلا لانه إنشاء وزمنه يسير بل لمقدر أي أجرتكه وانتفع به سنة كما قيل في قوله تعالى: (فأماته الله مائة عام) أن التقدير وألبثه مائة عام وتعبيري بما ذكر
أعم مما عبر به (وترد) الاجارة (على عين كإجارة معين) من عقار ورقيق ونحوهما (كاكتريتك لكذا) سنة وإجارة العقار لا تكون إلا على العين (وعلى ذمة كإجارة موصوف) من دابة ونحوها لحمل مثلا (وإلزام ذمته عملا) كخياطة وبناء ومورد الاجارة المنفعة لا العين على الاصح سواء أوردت على العين أم على الذمة.
قال الشيخان والخلاف لفظي، وأورد الاسنوي له فوائد.

(1/422)


(و) شرط (في الاجرة ما) مر (في الثمن) فيشترط كونها معلومة جنسا وقدرا وصفة إلا أن تكون معينة فتكفي رؤيتها.
(فلا تصح) إجارة دار أو دابة (بعمارة وعلف) بسكون اللام وفتحها وهو بالفتح ما يعلف به للجهل في ذلك، فإن ذكر معلوما وأذن له خارج العقد في صرفه في العمارة أو العلف صحت، قال ابن الرفعة: ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض لوقوعه ضمنا.
(ولا لسلخ) لشاة (بجلد) لها (و) لا (طحن) لبر مثلا (ببعض دقيق) منه كثلثه للجهل بثخانة الجلد ومقدار الدقيق، ولعدم القدرة على الاجرة حالا، وفي معنى الدقيق النخالة.
(وتصح) إجارة امرأة مثلا (ببعض دقيق حالا لارضاع باقيه) للعلم بالاجرة والعمل المكتري له إنما وقع في ملك غير المكتري تبعا، بخلاف ما لو اكتراها ببعضه بعد الفطام لارضاع باقيه للجهل بالاجرة إذ ذاك، وبخلاف ما لو اكتراها لارضاع كله ببعضه حالا أو بعد الفطام لوقوع العمل في ملك غير المكتري قصدا فيهما، وللجهل بالاجرة في الثاني هكذا أفهم هذا المقام، وقد بسطت الكلام عليه في شرح الروض، وتعبيري بإرضاع باقيه أولى من تعبيره بإرضاع رقيقه.
(وهي) أي الاجرة (في إجارة ذمة كرأس مال سلم) لانها سلم في المنافع فيجب قبضها في المجلس ولا يبرأ منها ولا يستبدل عنها ولا يحال بها ولا عليها ولا تؤجل وإن عقدت بغير لفظ السلم، فتعبيري بذلك أعم من قوله: ويشترط في إجارة الذمة تسليم الاجرة في المجلس.
(و) هي (في إجارة عين كثمن) فلا يجب قبضها في المجلس مطلقا، ويجوز إن كانت في الذمة الابراء منها والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها وتأجيلها وتعجل إن كانت كذلك وأطلقت
وتملك بالعقد مطلقا.
(لكن ملكها) يكون ملكا (مراعى) بمعنى أنه كلما مضى زمن على السلامة بان أن المؤجر استقر ملكه من الاجرة على ما يقابل ذلك إن قبض المكتري العين أو عرضت عليه فامتنع.
(فلا تستقر كلها إلا بمضي المدة) سواء انتفع المكتري أم لا لتلف المنفعة تحت يده، وقولي كثمن إلى أخره أولى مما عبر به.
(ويستقر في) إجارة (فاسدة أجرة مثل بما يستقر به مسمى في صحيحه) سواء أكانت مثل المسمى أم أقل أم أكثر وخرج بزيادتي (غالبا) التخلية في العقار والوضع بين يدي المكتري والعرض عليه وامتناعه من القبض إلى انقضاء المدة، فلا تستقر بها الاجرة في الفاسدة ويستقر بها المسمى في الصحيحة.
(و) شرط (في المنفعة كونها متقومة) أي لها قيمة (معلومة) عينا وقدرا وصفة (مقدورة التسلم) حسا وشرعا (واقعة للمكتري لا تتضمن استيفاء عين قصدا) بأن لا يتضمنه العقد.
(فلا يصح اكتراء شخص لما لا يتعب) ككلمة لا تتعب وإن روجت السلعة إذ لا قيمة له.
(و) لا

(1/423)


اكتراء (نقد) أي دراهم أو دنانير ولو للتزين.
(و) لا (كلب) ولو لصيد لان منافعهما لا تقابل بمال وبذله في مقابلتهما تبذير.
(و) لا (مجهول) كأحد العبدين وكثوب (و) لا (آبق و) لا (مغصوب) لغير من هو بيده ولا يقدر على نزعه عقب العقد.
(و) لا (أعمى لحفظ) أي حفظ ما يحتاج إلى نظر والاجارة على عينه.
(و) لا (أرض لزراعة لا ماء لها دائم ولا غالب يكفيها) كمطر معتاد وماء ثلج مجتمع يغلب حصوله (ولا) شخص (لقلع سن صحيحة) لغير قود (ولا حائض) أو نفساء (مسلمة لخدمة مسجد و) لا (حرة) منكوحة (بغير إذن زوجها) والاجارة عينية فيهما وذلك لعدم القدرة على تسلم المنفعة حسا وشرعا أو أحدهما بخلاف اكتراء أعمى لغير ما ذكر، واكتراء أرض لها ماء دائم أو غالب يكفيها، واكتراء شخص لقلع سن وجعة أو صحيحة لقود، واكتراء حائض ذمية لخدمة مسجد إن أمنت التلويث، واكتراء أمة ولو منكوحة بغير إذن زوجها أو حرة ولو منكوحة بإذنه لوجود الاذن في هذه، ولعدم اشتغال الامة بزوجها جميع الليل والنهار في التي قبلها، والتقييد بالمسلمة وبالحرة من زيادتي.
(ولا) اكتراء (لعبادة تجب فيها نية) لها أو لمتعلقها (ولم تقبل نيابة) كالصلوات وإمامتها لان المنفعة لم تقع في ذلك للمكتري بل للمكري.
(ولا) اكتراء (مسلم) ولو رقيقا (لنحو جهاد) مما لا ينضبط كالقضاء والتدريس والاعادة إلا في مسائل معينة لتعذر ضبط ذلك ولانه في الجهاد إذا حضر الصف تعين عليه، بخلاف عبادة لا يجب فيها نية وليست نحو جهاد كأذان وتجهيز ميت وتعليم قرآن فيصح الاكتراء لها، نعم لا يصح الاكتراء لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله الماوردي، ومثله زيارة سائر ما تسن زيارته، وبخلاف عبادة تجب فيها نية، وتقبل النيابة كحج وعمرة وزكاة وكفارة فيصح الاكتراء لها كما علم من أبوابها، وقولي فيها نية أولى من قوله لها نية، وقولي ولم تقبل نيابة أولى من قوله إلا حج وتفرقة زكاة، ونحو من زيادتي.
(ولا) اكتراء (بستان لثمره) لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة قصدا بخلافها تبعا كما في الاكتراء للارضاع وسيأتي، وهذا خرج بقولي: لا تتضمن استيفاء عين قصدا، والتصريح بكل منهما من زيادتي.
(وصح تأجيلها) أي المنفعة (في إجارة ذمة) كألزمت ذمتك حمل كذا إلى مكة غرة شهر كذا كالسلم المؤجل.
(لا) في إجارة (عين) فلا يصح الاكتراء لمنفعة قابلة كإجارة دار سنة أولها من الغد كبيع العين على أن يسلمها غدا.
(و) لكن (صح كراؤها لمالك منفعتها مدة تلي مدته) لاتصال المدتين، فدخل في ذلك ما لو أجرها لزيد مدة فأجرها زيد لعمرو تلك المدة فيصح إيجارها مدة تليها من عمر ولانه

(1/424)


المالك لمنفعتها لا من زيد خلافا للقفال، وكلام الاصل يوافقه، فتعبيري بمالك المنفعة أولى من تعبيره بالمستأجر.
(و) صح (كراء العقب) أي النوب (بأن يؤجر دابة لرجل ليركبها بعض الطريق) أي والمؤجر يركبها البعض الآخر تناوبا (أو) يؤجرها (رجلين ليركب كل) منهما (زمنا) تناوبا (ويبين البعضين) في الصورتين إن لم تكن عادة ثم يقتسم المكتري والمكري في الاولى أو المكتريان في الثانية الركوب على الوجه المبين أو المعتاد كفرسخ وفرسخ ويوم ويوم، وليس لاحدهما طلب الركوب ثلاثة والمشي ثلاثة للمشقة، وصح ذلك مع اشتماله على إيجار زمن
مستقبل لان التأخير الواقع فيه من ضرورة القسمة، فإن لم يبين البعضين ولا عادة كأن قال المكري: اركبها زمنا ويركبها المكتري زمنا لم يصح، ولو أجرها لاثنين وسكت عن التعاقب صح إن احتملت ركوبهما جميعا وإلا فيرجع للمهايأة قاله المتولي، فإن تنازعا فيمن يركب أولا أقرع بينهما، وكذا يصح إيجار الشخص نفسه ليحج عن غيره إجارة عين قبل وقت الحج إن لم يتأت الاتيان به من بلد العقد إلا بالسير قبله وكان بحيث يتهيأ للخروج عقبه، وإيجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن يسير لا يقابل بأجرة.
(وتقدر) المنفعة (بزمن كسكنى) لدار مثلا (وتعليم) لقرآن مثلا (سنة وبمحل عمل) وهو المراد بقو له بعمل (كركوب) لدابة (إلى مكة وتعليم معين) من قرآن أو غيره كسورة طه.
(وخياطة ذا الثوب) فلو قال: لتخيط لي ثوبا لم يصح بل يشترط أن يبين ما يريد من الثوب من قميص أو غيره، وأن يبين نوع الخياطة أهي رومية أم فارسية إلا أن تطرد عادة بنوع فيحمل المطلق عليه (لا بهما) أي بالزمن ومحل العمل (كاكتريتك لتخيطه النهار) لان العمل قد يتقدم وقد يتأخر، نعم إن قصد التقدير بالمحل وذكر النهار للتعجيل فينبغي أن يصح، ويصح أيضا فيما إذا كان الثوب صغيرا مما يفرغ عادة في دون النهار كما ذكره السبكي وغيره، بل نص عليه الشافعي في البويطي وقال: إنه أفضل من عدم ذكر الزمن.
(ويبين في بناء) أي في اكتراء شخص للبناء على محل أرضا كان أو غيرها (محله وقدره) طولا وعرضا وارتفاعا (وصفته) من كونه منضدا أو مجوفا أو مسما بحجر أو لبن أو آجر أو غيره.
(إن قدر بمحل) للعمل لاختلاف الغرض بذلك، فإن قدر بزمن لم يحتج إلى بيان غير الصفة، وذكر بعضهم ما يخالف ذلك فاحذره، ولو اكترى محلا للبناء عليه اشترط بيان الامور المذكورة أيضا إن كان على غير أرض كسقف وإلا فغير الارتفاع والصفة لان الارض تحمل كل شئ بخلاف غيرها، وتعبيري بالصفة أعم من تعبيره بما يبنى به، وظاهر أن محل ذلك فيما يبني به إذا لم يكن حاضرا وإلا فمشاهدته كافية عن وصفه.
(و) يبين (في أرض صالحة لبناء وزراعة وغراس أحدها) المكتري له منها لان ضررها اللاحق للارض مختلف (ولو بدون) بيان

(1/425)


(إفراده) كأن يقول: أجرتكها للزراعة فيصح ويزرع ما شاء لان ضرر اختلاف الزرع يسير، وتعبيري بما ذكر سالم مما أوهمه كلامه من اشتراط بيان إفراد البناء و الغراس.
(ولو قال لتنتفع بها ما شئت أو إن شئت فازرع أو اغرس صح) ويصنع في الاولى ما شاء وفي الثانية ما شاء من زرع أو غرس لرضا المؤجر به.
(وشرط في إجارة دابة لركوب) إجارة عين أو ذمة (معرفة الراكب وما يركب عليه) من نحو محمل وقتب وسرج (و) الحالة أنه (لم يطرد) فيه (عرف) وفحش تفاوته (وهو) أي ما يركب عليه (له) أي للراكب (و) معرفة (معاليق) كسفرة وقدر وصحن وإبريق (شرط حملها برؤية) للثلاثة (أو وصف تام) لها (مع وزن الاخيرين) فإن اطرد فيما يركب عليه عرف أو لم يكن للراكب فلا حاجة إلى معرفته، ويحمل في الاولى على العرف ويركبه المؤجر في الثانية على ما يلزمه مما يأتي، وقولي ولم يطرد عرف مع اعتبار الوزن في الاخيرين من زيادتي.
(فإن لم يشرط) حمل المعاليق (لم يستحق) ببنائه مع شرط للمفعول أي حملها لاختلاف الناس فيه.
(و) شرط (في إجارة) دابة إجارة (عين) لركوب أو حمل مع قدرتها على ذلك (رؤية الدابة) كما في البيع.
(و) شرط (في) إجارتها إجارة (ذمة لركوب ذكر جنس) لها كإبل أو خيل.
(ونوع) كبخاتي أو عراب (وذكروة أو أنوثة وصفة سير) لها من كونها مهملجة أو بحرا أو قطوفا لان الاغراض تختلف بذلك، ووجهه في الثالثة أن الذكر أقوى والانثى أسهل والاخيرة من زيادتي.
(و) شرط (فيهما) أي في إجارة العين والذمة (له) أي للركوب (ذكر قدر سرى) وهو السير ليلا وهذا من زيادتي.
(أو) قدر (تأويب) وهو السير نهارا (حيث لم يطرد عرف) فإن اطرد عرف حمل ذلك عليه فإن شرط خلافه اتبع.
(و) شرط في إجارة العين والذمة (لحمل رؤية محمول) إن حضر (أو امتحانه بيد) كذلك كأن كان بظرف أو حجر أو في ظلمة تخمينا لوزنه (أو تقديره) حضر أو غاب بكيل في مكيل ووزن في موزون أو مكيل، والتقدير بالوزن
في كل شئ أولى وأخصر.
(وذكر جنس مكيل) لاختلاف تأثيره في الدابة كما في الملح والذرة، وخرج بزيادتي مكيل الموزون فلا يشترط ذكر جنسه، فلو قال: أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل ولو بدون مما شئت صح ويكون رضا منه بأضر الاجناس، ولو قال: عشرة أقفزة مما شئت فالمفهوم من كلام أبي الفرج السرخسي أنه لا يغني عن ذكر الجنس لاختلاف الاجناس

(1/426)


في الثقل مع الاستواء في الكيل، قال الرافعي: لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الاجناس كما جعل في الوزن رضا بأضر الاجناس، قال في الروضة: الصواب قول السرخسي والفرق ظاهر بأن اختلاف التأثير بعد الاستواء في الوزن يسير بخلاف الكيل، وأين ثقل الملح من ثقل الذرة ؟ (و) شرط (في) إجارة (ذمة لحمل نحو زجاج) كخزف (ذكر جنس دابة وصفتها) صيانة له وفي معنى ذلك كما قال القاضي أن يكون بالطريق وحل أو طين، أما لحمل غيره فلا يشترط ذلك بخلاف ما مر في إجارة الذمة للركوب لان المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المشروط فلا يختلف الغرض بحال حامله.
(وتصح) الاجارة (لحضانة ولارضاع ولا يتبع أحدهما الآخر) في الاجارة لافراد كل منهما بالعقد.
(و) تصح (لهما) معا ولا يقدر ذلك بالمحل بل بالزمن، ويجب تعيين الرضيع بالرؤية لاختلاف الغرض باختلاف حاله، وتعيين محل الارضاع من بيت المكتري، أو بيت المرضعة لاختلاف الغرض بذلك، فهو في بيتها أسهل عليها، وببيته أشد وثوقا به.
(فإن انقطع اللبن) في الاجارة لهما (انفسخ) العقد (في الارضاع) دون الحضانة عملا بتفريق الصفقة ولان كلا منهما مقصود فيسقط قسط الارضاع من الاجرة.
(والحضانة) الكبرى (تربية صبي) أي جنسه الصادق بالذكر وغيره (بما يصلحه) كتعهده بغسل جسده وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها مما يحتاجه، والارضاع ويسمى الحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه في حجرها مثلا الثدي وتعصره عند الحاجة والمستحق بالاجارة المنفعة واللبن تبع.
فصل فيما يجب بالمعنى الآتي على المكري والمكتري لعقار أو دابة (عليه) أي على المكري (تسليم مفتاح دار) معها (لمكتر وعمارتها) كبناء وتطيين سطح ووضع باب وميزاب وإصلاح منكسر.
(وكنس ثلج سطحها) ليتمكن من الانتفاع بها، وسواء في وجوب تسليم المفتاح الابتداء والدوام حتى لو ضاع من المكتري وجب على المكري تجديده، والمراد بالمفتاح مفتاح الغلق المثبت، أما غيره فلا يجب تسليمه بل ولا قفله كسائر المنقولات، قال ابن الرفعة: وما قالوه في ثلج السطح محله في دار لا ينتفع ساكنها بسطحها

(1/427)


كما لو كانت جملونات وإلا فيظهر أنه كالعرصة وسيأتي حكمها، وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه بل إنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار كما بينته بقولي.
(فإن بادر) وفعل ما عليه فذاك (وإلا فلمكتر خيار) إن نقصت المنفعة لتضرره بنقصها، نعم إن كان الخلل مقارنا للعقد وعلم به فلا خيار له كما جزم به في أصل الروضة، وذكر الخيار في غير العمارة من زيادتي.
(وعليه) أي على المكتري (تنظيف عرصتها) أي الدار (من ثلج وكناسة) أما الكناسة وهي ما يسقط من القشور والطعام ونحوهما فلحصولها بفعله، وأما الثلج فللتسامح بنقله عرفا، قال في الروضة فيه: وليس المراد أنه يلزم المكتري نقله بل المراد أنه لا يلزم المؤجر، وكذا التراب المجتمع بهبوب الرياح لا يلزم واحدا منهما انتهى.
(وعلى مكر دابة لركوب) في إجارة عين أو ذمة عند الاطلاق (إكاف) وهو ما تحت البرذعة كما مر مع ضبطه في خيار العيب.
(وبرذعة) بفتح الباء والذال معجمة ومهملة.
(وحزام وثفر) بمثلثة (وبرة) بضم الباء وتخفيف الراء حلقة تجعل في أنف البعير.
(وخطام) بكسر الخاء المعجمة أي زمام يجعل في الحلقة وذلك لانه لا يتمكن من الركوب بدونها.
(وعلى مكتر محمل) وتقدم في الصلح ضبطه.
(ومظلة) يظلل بها على المحمل.
(ووطاء وغطاء) بكسر
أولهما والوطاء ما يفرش في المحمل ليجلس عليه.
(و توابعها) كالحبل الذي يشد به المحمل على الجمل أو أحد المحملين إلى الآخر و هما على الارض.
(ويتبع في نحو سرج وحبر وكحل) كقتب وخيط وصبغ وطلع (وعرف مطرد) في محل الاجارة لانه لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة، فمن اطرد في حقه من العاقدين شئ من ذلك فهو عليه، فإن لم يكن عرف أو اختلف العرف في محل الاجارة وجب البيان، ولا يخالف ما ذكر في السرج ما مر في البرذعة من أنها على المكري لان العرف اطرد فيها فوجد أنها عليه، فإن اضطرب العرف وجب البيان، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره.
(وعلى مكر في إجارة ذمة ظرف محمول وتعهد دابة وإعانة راكب محتاج) الاعانة (في ركوبه) لها (ونزوله) عنها ويراعى العرف في كيفية الاعانة فينيخ البعير للمرأة والضعيف بمرض أو شيخوخة ويقرب الدابة من مرتفع ليسهل عليه الركوب.
(و) عليه (رفع حمل وحطه وشد محمل) ولو بأن يشد أحد المحملين إلى الآخر وهما على الارض.
(وحله) لاقتضاء العرف ذلك، أما في إجارة العين فليس عليه شئ من ذلك.

(1/428)


فصل في بيان غاية الزمن الذي تقدر المنفعة به تقريبا مع ما يذكر معها (تصح الاجارة مدة تبقى فيها العين) المؤجرة (غالبا) فيؤجر الرقيق والدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين على ما يليق به والارض مائة سنة أو أكثر.
(وجاز إبدال مستوف ومستوفى به كمحمول) من طعام وغيره، فإن شرط عدم إبدال المحمول اتبع.
(و) مستوفى (فيه) كأن اكترى دابة لركوب في طريق إلى قرية (بمثلها) أي بمثل المستوفي والمستوفى به والمستوفى فيه أو بدون مثلها المفهوم بالاولى، أما الاول فكما لو أكرى ما اكتراه لغيره، وأما الثاني والثالث فلانهما طريقان للاستيفاء كالراكب لا معقود عليهما، والتقييد بالمثل في الثانية مع ذكر الثالثة من زيادتي، فلا يبدل شئ من ذلك بما فوقه فلا يسكن غير حداد
وقصار حدادا أو قصارا لزيادة الضرر بدقهما، والاستيفاء يكون بالمعروف فيلبس الثوب نهارا وليلا إلى النوم فلا ينام فيه ليلا ويجوز النوم فيه نهارا وقت القيلولة، نعم عليه نزع الاعلى في غير وقت التجمل.
(لا) إبدال (مستوفى منه) كدابة فلا يجوز لانه إما معقود عليه أو متعين بالقبض (إلا في إجارة ذمة فيجب) إبداله (لتلف أو تعيب ويجوز مع سلامة) منهما (برضا مكتر) لان الحق له، والتصريح بوجوب الابدال في التالف وجوازه في السالم مع تقييده برضا المكتري من زيادتي.
(والمكتري أمين) على العين المكتراه لانه لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها وهذا أعم من قوله: ويد المكتري على الدابة والثوب يد أمانة.
(ولو بعد المدة) أي مدة الاجارة إن قدرت بزمن أو مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحمل عمل استصحابا لما كان كالوديع.
(كأجير) فإنه أمين ولو بعد المدة.
(فلا ضمان) على واحد منهما، فلو اكترى دابة ولم ينتفع بها فتلفت أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف لم يضمن سواء انفرد الاجير باليد أم لا، كأن قعد المكتري معه حتى يعمل أو أحضره منزله ليعمل كعامل القراض.
(إلا بتقصير كأن ترك الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب) كانهدام سقف اصطبلها عليها (في وقت ولو انتفع بها) فيه عادة (سلمت وكأن ضربها أو نخعها) باللجام (فوق عادة) فيهما (أو أركبها أثقل منه أو أسكنه) أي ما اكتراه (حدادا أو قصارا) دق وليس هو كذلك (أو حملها) أي الدابة (مائة رطل شعير بدل

(1/429)


مائة) رطل (برأ وعكسه أو) حملها (عشرة أقفزة بر بدل) عشرة أقفزة (شعير) فيضمن العين أي يصير ضامنا لها لتعديه.
(لا عكسه) بأن حملها عشرة أقفزة شعير بدل عشرة أقفزة بر لخفة الشعير مع استوائهما في الحجم، وكأن أسرف الخباز في الوقود حتى احترق الخبز.
(ولا أجرة لعمل) كخلق رأس وخياطة ثوب (بلا شرطها) أي الاجرة، وإن عرف بذلك العمل بها لعدم التزامها مع صرف العامل منفعته بخلاف داخل الحمام بلا إذن فإنه استوفى منفعة الحمام بسكونه، وبخلاف عامل المساقاة إذا عمل ما ليس عليه بإذن المالك فإنه يستحق الاجرة للاذن
في أصل العمل المقابل بعوض.
(ولو اكترى) دابة (لحمل قدر) كمائة رطل (فحمل زائدا) لا يتسامح به كمائة وعشرة (لزمه أجرة مثله) أي الزائد لتعديه بذلك، وتعبيري في هذه والتي قبلها بما ذكر أعم مما عبر به.
(وإن تلفت) بذلك أو بغيره فهو أولى من قوله: تلفت بذلك (ضمنها إن لم يكن صاحبها معها) لانه صار غاصبا لها بتحميل الزائد.
(وإلا) بأن كان معها (ضمن قسط الزائد إن تلفت بالحمل) مؤاخذة له بقدر الجناية.
(كما لو سلم) المكتري (ذلك للمكري فحمله جاهلا) بالزائد بأن أخبره بأنه مائة كاذبا فتلفت الدابة به فإنه يضمن مع أجرة الزائد قسطه لانه ملجأ إلى الحمل شرعا فلو حملها عالما بالزائد وقال له المكتري: احمل هذا الزائد قال المتولي: فكمستعير له وإن لم يقل له شيئا فحكمه كما في قولي (ولو وزن المكري وحمل فلا أجرة للزائد) لعدم الاذن في نقله (ولا ضمان) للدابة إن تلفت بذلك سواء أغلط المكري أم لا، وسواء أجهل المكتري الزائد أم علمه وسكت لانه لم يتعد ولا يد له ولو تلف الزائد ضمنه المكري.
(ولو قطع ثوبا وخاطه قباء وقال بذا أمرتني فقال) المالك: (بل) أمرتك بقطعه (قميصا حلف المالك) فيصدق كما لو اختلفا في أصل الاذن فيحلف إنه ما أذن له في قطعه قباء.
(ولا أجرة) عليه إذا حلف.
(وله) على الخياط (أرش) لنقص الثوب لان القطع بلا إذن موجب للضمان، وفيه وجهان في الروضة كأصلها بلا ترجيح أحدهما: أنه ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا وصححه ابن أبي عصرون وغيره لانه أثبت بيمينه أنه لم يأذن في قطعه قباء.
والثاني: ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء، واختاره السبكي وقال: لا يتجه غيره لان أصل القطع مأذون فيه، وعلى هذا لو لم يكن بينهما تفاوت أو كان مقطوعا قباء أكثر قيمة فلا شئ عليه.

(1/430)


فصل فيما يقتضي الانفساخ والخيار في الاجارة وما لا يقتضيهما
(تنفسخ) الاجارة (بتلف مستوفى منه معين) في العقد حسا كان التلف كدابة وأجير معينين ماتا ودار انهدمت، أو شرعا كامرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة فحاضت فيها (في) زمان (مستقبل) لفوات محل المنفعة فيه لا في ماض بعد القبض بعد إذا كان لمثله أجرة لاستقراره به، فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل، فلو كانت مدة الاجارة سنة ومضى نصفها وأجرة مثله مثلا أجرة النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه، وإن كان بالعكس فثلثه، وخرج بالمستوفي منه غيره مما مر وبالمعين عما في الذمة، فإن تلفهما لا يوجب انفساخا بل يبدلان كما مر (و) تنفسخ (بحبس غير مكتر له) أي للمعين (مدة حبسه إن قدرت بمدة) سواء أحبسه المكري أم غيره كغاصب لفوات المنفعة قبل القبض، وذكر حكم غير المكري من زيادتي، وقولي بتلف مستوفى منه معين مع قولي له مدة حبسه أعم مما عبر به في التلف والحبس، ومن تقييده الحبس بمضي مدة الاجارة، وخرج بالتقدير بالمدة التقدير بالمحل كأن أجر دابة لركوبها إلى مكان وحبست مدة إمكان السير إليه فلا تنفسخ إذ لم يتعذر استيفاء المنفعة.
(لا بموت عاقد من حيث إنه عاقد) للزومها كالبيع سواءا كانت إجارة عين أم ذمة، وتعبيري بالحيثية أولى مما عبر به وخرج بها ما لو مات نحو البطن الاول أو الموصى له بمنفعة شئ مدة حياته بعد إيجاره والنظر في الاول لكل بطن في حصته مدة استحقاقه فتنفسخ بموته الاجارة لا لكونه موت عاقد بل لفوات شرط الواقف أو الموصي حينئذ فإنه لم يثبت له الحق إلا مدة حياته، وكذا لو أجره الناظر ولوحا كما للبطن الثاني فمات البطن الاول لانتقال المنافع إليه والشخص لا يستحق لنفسه على نفسه شيئا، وكذا لو أجر من يعتق بموته كمستولدته ثم مات لاستحقاقه العتق قبل إجارته.
(ولا ببلوغ بغير سن) أي باحتلام أو غيره كأن أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ فيها

(1/431)


بغيره لان وليه بنى تصرفه فيه على المصلحة فلزم، فلو كانت المدة يبلغ فيها بالسن لم تصح الاجارة فيما بعد البلوغ به، نعم إن بلغ سفيها صحت فيه، وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به.
(ولا بزيادة أجرة ولا بظهور طالب بها) أي بالزيادة عليها ولو كانت إجارة عين وقف لجريانها بالغبطة في وقتها كما لو باع مال موليه ثم زادت القيمة أو ظهر طالب بالزيادة عليها، وهاتان ذكرهما الاصل في كتاب الوقف وإن صورهما بإجارة الموقوف.
(ولا بإعتاق رقيق) كما في البلوغ بغير السن.
(ولا يرجع) على سيده (بأجرة) لما بعد العتق لانه تصرف فيه حالة ملكه، فأشبه ما لو زوج أمته واستقر مهرها بالدخول ثم أعتقها لا ترجع عليه بشئ وخرج بإعتاقه عتقه كأن علق عتقه بصفة ثم آجره فوجدت الصفة فتنفسخ الاجارة لاستحقاقه العتق قبلها.
(ولا خيار) لاحد في هذه المنفيات لان ما ذكر فيها لا يؤثر في المنفعة ولا في العقد، نعم إن مات المكري في إجارة ذمة ولم يخلف وفاء وامتنع وارثه من الايفاء فللمكتري الخيار، وذكر هذا في غير الاعتاق من زيادتي.
(ولا) تنفسخ (ببيع) العين (المؤجرة) للمكتري أو لغيره ولو بغير إذن المكتري، ولا يؤثر طر وملك الرقبة وإن تبعته المنافع لولا ملكها أولا، كما لو ملك ثمرة غير مؤبرة ثم اشترى الشجرة لا يؤثر طر وملكها في ملك الثمرة وإن دخلت في الشراء لولا ملكها أولا.
(ولا بعذر) في غير المعقود عليه (كتعذر وقود حمام) على مكتريه بفتح الواو ما يوقد به وبضمها المصدر.
(وسفر) لمكتر دارا مثلا.
(ومرض) لمكتر دابة ليسافر عليها.
(وهلاك زرع) ولو بجائحة كشدة حر أو برد أو سيل لان كلا منهما لا يؤثر في المعقود عليه، ولهذا لا يحط للجائحة شئ من الاجرة كما صرح به الاصل.
(وخير) المكتري (في إجارة عين بعيب) يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت الاجرة.
(كانقطاع ماء أرض اكتريت لزراعة وعيب دابة) مؤثر (وغصب وإباق) للشئ المكتري، فإن بادر المكري إلى إزالة ذلك كسوق ماء إلى الارض وانتزاع المغصوب ورد الآبق قبل مضي مدة لمثلها أجرة سقط خيار المكتري، وتنفسخ الاجارة شيئا فشيئا في الاخيرتين إن قدرت بزمن وإلا فلا تنفسخ، وقولي بعيب مع جعل المذكورات أمثلة له أولى من اقتصاره عليها، وخرج بالتقييد بإجارة العين وهو من زيادتي في الاخيرتين إجارة الذمة فلا خيار فيها بذلك بل على المكري الابدال كما مر، فإن امتنع اكترى الحاكم عليه، وبانقطاع ماء الارض نحو غرقها بماء
ولم يتوقع انحساره عنها مدة الاجارة فتنفسخ به كانهدام الدار والخيار فيما ذكر على التراخي لان سببه تعذر قبض المنفعة وذلك يتكرر بتكرر الزمن.
(ولو أكرى جمالا) ولو في ذمة (وسلمها وهرب) فلا انفساخ ولا خيار بل إن شاء تبرع

(1/432)


بمؤنتها أو (مونها القاضي من مال مكر ثم) إن لم يجد له مالا ولا فضل فيها (اقترض) عليه القاضي ودفع ما اقترضه لثقة من المكتري أو غيره.
(ثم) إن تعذر الاقتراض أو لم يره القاضي (باع منها قدر مؤنتها وله أن يأذن لمكتر في مؤنتها) من ماله (ليرجع) للضرورة ويصدق بيمينه في قدرها عادة، ويدخل في مؤنتها مؤنة من يتعهدها ولو هرب مكريها بها، فإن كانت الاجارة في الذمة اكترى القاضي عليه من ماله، فإن لم يجد له مالا اقترض عليه القاضي واكترى، فإن تعذر الاكتراء عليه فللمكتري الفسخ، وإن كانت إجارة عين فله الفسخ كما لو ندت الدابة، وتعبيري بثم الثانية هو الموافق لما في الروضة وأصلها بخلاف تعبيره بالواو.

(1/433)


كتاب إحياء الموات وما يذكر معه.
والاصل فيه قبل الاجماع أخبار كخبر: من عمر أرضا ليست لاحد فهو أحق بها رواه البخاري وخبر: من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ومأ أكلت العوافي أي طلاب الرزق منها فهو له صدقة رواه النسائي وغيره وصححه ابن حبان وهو سنة لذلك، والموات أخذ مما يأتي أرض لم تعمر في الاسلام ولم تكن حريم عامر.
(ما لم يعمر إن كان ببلادنا ملكه مسلم) ولو غير مكلف (بإحياء ولو بحرم) أذن فيه الامام أم لا بخلاف الكافر وإن أذن فيه الامام لانه كالاستعلاء وهو ممتنع عليه بدارنا كما سيأتي، وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد بدارنا، وقولي ملكه أولى من قوله تملكه لايهامه اشتراط التكليف وليس مرادا.
(لا عرفة ومزدلفة ومنى) لتعلق حق الوقوف بالاول والمبيت بالاخيرين، قال الزركشي: وينبغي إلحاق المحصب بذلك لانه يسن للحجيج
المبيت به.
(أو) كان (ببلاد كفار ملكه كافر به) أي بالاحياء لانه من حقوقهم ولا ضرر علينا فيه.
(وكذا) يملكه (مسلم) بإحيائه (إن لم يذبونا) بكسر المعجمة وضمها أي يدفعونا (عنه) بخلاف ما يذبونا عنه أي وقد صولحوا على أن الارض لهم.
(وما عمر) وإن كان الآن خرابا فهو (لمالكه) مسلما كان أو كافرا.
(فإن جهل) مالكه (والعمارة إسلامية فمال ضائع) الامر فيه إلى رأي الامام في حفظه أو بيعه وحفظ ثمنه أو اقتراضه على بيت المال إلى ظهور مالكه.
(أو جاهلية فيملك بإحياء) كالركاز نعم إن كان ببلادهم وذبونا عنه وقد صولحوا على أنه لهم فظاهر أنا لا نملكه بإحياء (ولا يملك به) أي بالاحياء (حريم عامر) لانه مملوك لمالك العامر تبعا له.
(وهو) أي حريم العامر (ما يحتاج إليه لتمام انتفاع) بالعامر (ف) - الحريم (لقرية) محياة (ناد) وهو مجتمع القوم للحديث (ومرتكض) لخيل أو نحوها فهو أعم من قوله: ومرتكض الخيل.
(ومناخ إبل) بضم الميم أي الموضع الذي تناخ فيه.
(ومطرح رماد) وسرجين (ونحوها) كمراح غنم وملعب صبيان.
(و) الحريم (لبئر استقاء) محياة (موضع نازح) منها (و) موضع (دولاب) بضم الدال

(1/434)


أشهر من فتحها إن كان الاستقاء به وهو يطلق على ما يستقي بالنازح وما يستقي به بالدابة.
(ونحوهما) كالموضع الذي يصب فيه النازح الماء، ومتردد الدابة إن كان الاستقاء بها، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج من مصب الماء ونحوه، وقولي ونحوهما أعم مما عبر به.
(و) الحريم لبئر (قناة) محياة (ما لو حفر فيه نقص ماؤها أو خيف انهيارها) أي سقوطها، ويختلف ذلك بصلابة الارض ورخاوتها، ولا يحتاج إلى موضع نازح ولا غيره مما مر في بئر الاستقاء.
(و) الحريم (لدار ممر وفناء) لجدرانها وهو من زيادتي.
(ومطرح نحو رماد) ككناسة وثلج وحذفت من حريم البئر والدار قوله في الموات لانه لا يكون إلا فيه أي بجواره كما يؤخذ من قولي كالاصل.
(ولا حريم لدار محفوفة بدور) بأن أحييت كلها معا لان ما يجعل حريما لها ليس بالاولى من جعله حريما لاخرى.
(ويتصرف كل) من الملاك (في ملكه بعادة) وإن أدى إلى ضرر جاره
أو إتلاف ماله، كمن حفر حريما الاخرى.
(ويتصرف كل) من الملاك (في ملكه بعادة) وإن أدى إلى ضرر جاره أو إتلاف ماله، كمن حفر بئر ماء أوحش فاختل به جدار جاره أو تغير بما في الحش ماء بئره.
(فإن جاوزها) أي العادة فيما ذكر (ضمن) بما جاوز فيه كأن دق دقا عنيفا أزعج الابنية أو حبس الماء في ملكه فانتشرت النداوة إلى جدار جاره.
(وله أن يتخذه) أي ملكه ولو بحوانيت بزازين (حماما وإصطبلا) وطاحونة (وحانوت حداد إن أحكم جدرانه) أي كل منها بما يليق بمقصوده لان ذلك لا يضر الملك وإن ضر المالك بنحو رائحة كريهة.
(ويختلف الاحياء ب) حسب (الغرض) منه (ف) - يعتبر (في مسكن تحويط) للبقعة بآجر أو لبن أو طين أو ألواح خشب أو قصب بحسب العادة.
(ونصب باب وسقف بعض) من البقعة ليتهيأ للسكنى.
(وفي زريبة) للدواب وغيرها كثمار وغلال (الاولان) أي التحويط ونصب الباب لا السقف عملا بالعادة، ولا يكفي التحويط بنصب سعف أو أحجار من غير بناء وإطلاق الزريبة أولى من تقييده لها بالدواب.
(وفي مزرعة) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها.
(جمع نحو تراب) كقصب وحجر وشوك (وحولها) لينفصل المحيا عن غيره، ونحو من زيادتي.
(وتسويتها) بضم منخفض وكسح مستعل ويعتبر حرثها إن لم تزرع إلا به، فإن لم يتيسر إلا بما يساق إليها فلا بد منه لتتهيأ للزراعة.
(وتهيئة ماء) لها بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة (إن لم يكفها مطر) معتاد وإلا فلا حاجة إلى تهيئة ماء، فلا تعتبر الزراعة لانها استيفاء منفعة وهو خارج عن الاحياء.
(وفي بستان تحويط ولو بجمع تراب) حول أرضه (وتهيئة ماء) له بحسب (عادة) فيهما وهو في الثانية من زيادتي.
(وغرس) ليقع على

(1/435)


الارض اسم البستان، وبهذا فارق اعتبار الزرع في المزرعة، ويكفي غرس بعضه كما صححه في البسيط، قال الاذرعي: والوجه اعتبار غرس يسمى به بستانا، وكلام الاصل قد يقتضي اشتراط الجمع بين التحويط وجمع التراب وليس مرادا.
(ومن شرع في إحياء ما يقدر عليه) أي على إحيائه ولم يزد على كفايته (أو نصب عليه علامة) كنصب أحجار أو غرز خشب أو جمع تراب فتعبيري
بالعلامة أولى من قوله: أو علم على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشب.
(أو قطعه له إمام) أو استولى عليه من موات بلاد الكفار.
(فمتحجر) لذلك القدر (وهو أحق به) أي مستحق له دون غيره لخبر أبي داود: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له أي اختصاصا لا ملكا.
(و) لكن (لو أحياه آخر ملكه) وإن كان ظالما لانه حقق الملك كما لو اشترى على سوم غيره فعلم أن الاول لا يصح بيعه له، أما ما لا يقدر على إحيائه أو زاد على كفايته فلغيره أن يحيي الزائد قاله المتولي، وقال غيره، لا يصح تحجره لان ذلك القدر غير متعين، قال في الروضة قول المتولي أقوى.
(ولو طالت) عرفا (مدة تحجره) بلا عذر ولم يحيي (قال له الامام: أحي أو اترك) ما حجرته لان في ترك إحيائه إضرارا بالمسلمين.
(فإن استمهل) بعذر (أمهل مدة قريبة) ليستعد فيها للعمارة يقدرها الامام برأيه، فإذا مضت ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه.
(ولامام) ولو بنائبه (أن يحمى لنحو نعم جزية) كضالة ونعم صدقة وفئ وضعيف عن النجعة أي الابعاد في الذهاب.
(مواتا) لرعيها فيه وذلك بأن يمنع الناس من رعيها ولم يضر بهم لانه (صلى الله عليه وسلم) حمى النقيع بالنون لخيل المسلمين رواه ابن حبان، و خرج بالامام الآحاد وبنحو نعم جزية وهو أعم مما عبر به ما لو حمى لنفسه فلا يجوز لان ذلك من خصائصه (صلى الله عليه وسلم) وإن لم يقع، وعليه يحمل خبر البخاري، لا حمى إلا الله ولرسوله ولو وقع كان لمصالح المسلمين أيضا، لان ما كان مصلحة له كان مصلحة لهم، وليس للامام أن يحمي الماء المعد لشرب نحو نعم الجزية.
(و) له أن (ينقض حماه لمصلحة) أي عندها بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى، وله نقض حمى غيره أيضا لمصلحة إلا حمى النبي (صلى الله عليه وسلم) فلا يغير بحال.
فصل في بيان حكم المنافع المشتركة (منفعة الشارع) الاصلية (مرور) فيه (وكذا جلوس) ووقوف ولو بغير إذن الامام (لنحو

(1/436)


حرفة) كاستراحة وانتظار رفيق (إن لم يضيق) على المارة فيه عملا بما عليه الناس بلا إنكار،
ولا يؤخذ على ذلك عوض، وفي ارتفاق الذمي بالشارع بجلوس ونحوه وجهان رجح منهما السبكي وغيره ثبوته.
(وله) أي للجالس فيه (تظليل) لمقعده (بما لا يضر) المارة مما ينقل معه من نحو ثوب وبارية بالتشديد وهي منسوج قصب كالحصير لجريان العادة به.
(وقدم سابق) إلى مقعد لخبر أبي داود السابق.
(ثم) إن لم يكن سابق كأن جاء اثنان إليه معا (أقرع) بينهما إذ لا مزية لاحدهما على الآخر، نعم إن كان أحدهما مسلما فهو أحق به.
(ومن سبق إلى محل منه لحرفة وفارقه ليعود) إليه (ولم تطل مفارقته بحيث انقطع) عنه (ألافه) لمعاملة أو لنحوها (فحقه باق) لخبر مسلم: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ولان الغرض من تعين الموضع أن يعرف به فيعامل، فإن فارقه لا ليعود بل لتركه الحرفة أو المحل أو فارقة ليعود وطالت مفارقته بحيث انقطع ألافه بطل حقه لاعراضه عنه، وإن ترك فيه متاعة أو كان جلوسه فيه بإقطاع الامام أو فارقه بعذر كسفر أو مرض، والظاهر أن مفارقته لا بقصد عود ولا عدمه كمفارقته بقصد عود، ولو جلس لاستراحة أو نحوها بطل حقه بمفارقته، ومتى لم يبطل حقه فلغيره القعود فيه مدة غيبته ولو لمعاملة.
(أو) سبق إلى محل (من مسجد لنحو إفتاء) كإقراء قرآن أو حديث أو علم متعلق بالشرع أو سماع درس بين يدي مدرس (فكمحترف) فيما مر من التفصيل، وتعبيري بنحو إفتاء إعم مما عبر به.
(أو) سبق إلى محل منه (لصلاة وفارقه بعذر) كقضاء حاجة أو تجديد وضوء أو إجابة داع (ليعود) إليه (فحقه باق في تلك الصلاة) وإن لم يترك متاعه فيه لخبر مسلم السابق، نعم إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف فالوجه سد الصف مكانه لحاجة إتمام الصفوف ذكره الاذرعي وغيره، أما بالنسبة إلى غير تلك الصلاة فلا حق له فيه، وخرج بما ذكر ما لو فارقه بلا عذر أو به لا ليعود فيبطل حقه مطلقا وما لو لم يفارق المحل فهو أحق به حتى لو استمر إلى وقت صلاة أخرى فحقه باق لخبر أبي داود السابق، وإنما لم يستمر حقه مع المفارقة كمقاعد الشوارع لان غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد.
بخلاف الصلاة ببقاع المسجد.
(أو) سبق إلى محل (من نحو رباط) مسبل كخانقاه وفيه شرط
من يدخله.
(وخرج) منه (لحاجة) ولم تطل غيبته كشراء طعام ودخول حمام (فحقه باق) وإن لم يترك فيه متاعه أو لم يأذن له الامام لخبر مسلم السابق، بخلاف ما لو خرج لغير حاجة أو لحاجة وطالت غيبته فيبطل حقه.

(1/437)


فصل في بيان حكم الاعيان المشتركة المستفادة من الارض (المعدن) بمعنى ما يستخرج منها نوعان: ظاهر وباطن، فالمعدن (الظاهر ما خرج بلا علاج) وإنما العلاج في تحصيله (كنفط) بكسر النون أفصح من فتحها: ما يرمى به.
(وكبريت) بكسر أوله (وقار) أي زفت.
(وموميا) بضم أوله بمد ويقصر وهو شئ يلقيه البحر إلى الساحل فيجمد ويصير كالقار.
(وبرام) بكسر أوله: حجر يعمل منه القدور.
(و) المعدن (الباطن بخلافه) أي بخلاف الظاهر فهو ما لا يخرج إلا بعلاج.
(كذهب وفضة وحديد) ولقطعة ذهب مثلا أظهرها السيل حكم المعدن الظاهر.
(ولا يملك ظاهر) بقيد زدته بقولي: (علمه) أي من يحيي (بإحياء) كما عليه السلف والخلف.
(ولا الباطن بحفر) لانه يشبه الموات وهو إنما يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب.
(ولا يثبت في ظاهر اختصاص بتحجر) بل هو مشترك بين الناس كالماء الجاري والكلا والحطب.
(ولا) يثبت فيه (إقطاع) لخبر ورد فيه، فليس للامام إقطاع سمك بركة ولا حشيش أرض ولا حطبها بخلاف الباطن فيثبت فيه ما ذكر لاحتياجه إلى علاج.
(فإن ضاقا) أي المعدنان عن اثنين مثلا جاء (قدم سابق) إلى بقعتيهما (إن علم وإلا) أي وإن لم يعلم السابق (أقرع) بينهما فيقدم من خرجت قرعته، وتقديم من ذكر يكون (بقدر حاجته) بأن يأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله، فإن طلب زيادة عليها أزعج لان عكوفه عليه كالتحجر، وذكر عدم الملك بالاحياء وعدم الاختصاص بالتحجر وحكم الضيق من زيادتي في الباطن، وقولي وإلا أعم من قوله: فلو جاء معا.
(ومن أحيا مواتا فظهر به أحدهما ملكه) لانه من أجزاء الارض وقد ملكها بالاحياء
وخرج بظهوره مالو علمه قبل الاحياء، فإنه إنما يملك المعدن الباطن دون الظاهر كما رجحه ابن الرفعة وغيره وأقر النووي عليه صاحب التنبيه، أما بقعتهما فلا يملكها بإحيائها مع علمه بها لفساد قصده لان المعدن لا يتخذ دارا ولا بستانا ولا مزرعة أو نحوها، وقولي أحدهما أولى من تعبيره بالمعدن الباطن، وبعضهم قرر كلام الاصل بما لا ينبغي فاحذره.
(والماء المباح) كالنهر والوادي والسيل (يستوي الناس فيه) بأن يأخذ كل منهم ما يشاء منه لخبر: الناس شركاء في ثلاثة: في الماء والكلا والنار رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
(فإن أراد قوم سقي أرضهم منه)

(1/438)


أي من الماء المباح.
(فضاق) الماء عنهم وبعضهم أحيا أو لا.
(سقي الاول) فالاول فيحبس كل منهم الماء (إلى) أن يبلغ (الكعبين) لانه (صلى الله عليه وسلم) قضى بذلك، رواه أبو داود بإسناد حسن والحاكم وصححه على شرط الشيخين.
(ويفرد كل من مرتفع ومنخفض بسقي) بأن يسقى أحدهما حتى يبلغ الكعبين ثم يسد ثم يسقى الآخر وخرج بضاق ما إذا كان يفي الجميع فيسقي من شاء منهم متى شاء، وتعبير بالاول أولى من تعبيره بالاعلى، ومن عبر بالاقرب جرى على الغالب من أن من أحيا بقعة يحرص على قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء، ومن هنا يقدم الاقرب إلى النهر إن أحيوا دفعة أو جهل السابق ولا يبعد القول بالاقراع ذكره الاذرعي.
(وما أخذ منه) أي من الماء المباح بيد أو ظرف كإناء أو حوض مسدود فهو أعم من قوله في إناء (ملك) كالاحتطاب والاحتشاش ولورده إلى محله لم يصر شريكا به وخرج بأخذ الماء المباح الداخل في نهر حفره فإنه باق على إباحته، لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل في ملكه.
(وحافر بئر بموات لارتفاقه) بها (أولى بمائها حتى يرتحل) لخبر مسلم السابق، فإذا ارتحل صار كغيره وإن عاد إليها كما لو حفرها بقصد ارتفاق المارة أو لا بقصد شئ فإنه فيها كغيره كما فهم ذلك من زيادتي ضمير لارتفاقه.
(و) حافرها بموات (لتملك أو بملكه مالك لمائها) لانه نماء ملكه كالثمرة واللبن.
(وعليه بذل ما فضل عنه) أي عن حاجته مجانا وإن ملكه
(لحيوان) محترم لم يجد صاحبه ماء مباحا وثم كلا مباح يرعى، ولم يحز الفاضل في إناء لحرمة الروح، والمراد بالبذل تمكين صاحب الحيوان لا الاستسقاء له، ودخل في حاجته حاجته لماشيته وزرعه، نعم لا يشترط في وجوب بذل الفاضل لعطش آدمي محترم كونه فاضلا عنهما، وخرج بالحيوان غيره كالزرع فلا يجب سقيه.
(والقناة المشتركة) بين جماعة (يقسم ماؤها) عند ضيقه بينهم (مهايأة) كأن يسقي كل منهم يوما أو بعضهم يوما وبعضهم أكثر بحسب حصته ولكل منهم الرجوع عن المهايأة متى شاء.
(أو ب) - نصب (خشبة بعرضه) أي الماء (مثقبة بقدر حصصهم) من القناة فإن جهل فبقدرها من الارض لان الظاهر أن الشركة بحسب الملك، ويجوز أن تكون الثقب متساوية مع تفاوت الحصص بأن يأخذ صاحب الثلث مثلا ثقبة والآخر ثقبتين ويسوق كل واحد نصيبه إلى أرضه.

(1/439)


كتاب الوقف هو لغة الحبس وشرعا حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح، والاصل فيه خبر مسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له بعد موته والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف.
(أركانه) أربعة: (موقوف وموقوف عليه وصيغة وواقف، وشرط فيه) أي في الواقف (كونه مختارا) والتصريح به من زيادتي (أهل تبرع) فيصح من كافر ولو لمسجد، ومن مبعض لا من مكره ومكاتب ومحجور عليه بفلس أو غيره ولو بمباشرة وليه.
(و) شرط (في الموقوف كونه عينا معينة) ولو مغصوبة أو غير مرئية (مملوكة) للواقف، نعم يصح وقف الامام من بيت المال (تنقل) أي تقبل النقل من ملك شخص إلى ملك آخر.
(وتفيد لا بفوتها نفعا مباحا مقصودا) هما من زيادتي، وسواء كان النفع في الحال أم لا كوقف عبد وجحش صغيرين، وسواء أكان عقارا أم منقولا (كمشاع) ولو مسجدا وكمدبر ومعلق عتقه بصفة قال في الروضة
كأصلها: ويعتقان بوجود الصفة ويبطل الوقف بعتقهما بناء على أن الملك في الوقف لله تعالى أو للواقف.
(وبناء وغراس) وضعا (بأرض بحق) فلا يصح وقف منفعة لانها ليست بعين ولا ما في الذمة ولا أحد عبديه لعدم تعينهما ولا مالا يملك للواقف، كمكتري وموصي بمنفعته له وحر وكلب ولو معلما ولا مستولدة ومكاتب لانهما لا يقبلان النقل، ولا آلة لهو ولا دراهم للزينة لان آلة اللهو محرمة، والزينة غير مقصودة ولا مالا يفيد نفعا كزمن لا يرجى برؤه ولا مالا يفيد إلا بفوته كطعام وريحان غير مزروع لان نفعه في فوته ومقصود الوقف الدوام بخلاف ما يدوم كمسك وعنبر وريحان مزروع.
(و) شرط (في الموقوف عليه إن لم يتعين) بأن كان جهة (عدم كونه معصية فيصح) الوقف (على فقراء و) على (أغنياء) وإن لم تظهر فيهم قربة نظرا إلى أن الوقف تمليك كالوصية (لا) على (معصية كعمارة كنيسة) للتعبد ولو ترميما لانه إعانة على معصية وإن أقروا على

(1/440)


الترميم، بخلاف كنيسة ينزلها المارة أو موقوفه على قوم يسكنونها، ويستثنى من صحة الوقف على الجهة المذكورة ما صرح به المتولي من أنه لا يصح الوقف على الوحوش والطيور المباحة وأقره الشيخان، وقال الغزالي: يصح الوقف على حمام مكة.
(و) شرط فيه (إن تعين) ولو جماعة (مع ما مر) أي من عدم كونه معصية وهو من زيادتي.
(إمكان تمليكه) للموقوف من الواقف لان الوقف تمليك للمنفعة.
(فيصح) الوقف (على ذمي) إلا أن يظهر فيه قصد المعصية كأن كان خادم كنيسة للتعبد (لا) على (جنين وبهيمة) نعم يصح الوقف على علفها وعليها إن قصد به مالكها لانه وقف عليه.
(و) لا على (نفسه) أي الواقف لتعذر تمليك الانسان ملكه لانه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل.
ومن الوقف على نفسه أن يشرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به، وأما قول عثمان رضي الله عنه في وقفه بئر رومة دلوي فيها كدلاء المسلمين فليس على سبيل الشرط بل إخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه والشرب من بئر وقفها.
(و) لا على (عبد لنفسه) أي نفس العبد لتعذر تملكه.
(فإن أطلق) الوقف عليه (ف) - هو
وقف (على سيده) أي يحمل عليه ليصح أو لا يصح.
واعلم أنه يصح الوقف على الارقاء الموقوفين على خدمة الكعبة ونحوها لان القصد الجهة فهو كالوقف على علف الدواب في سبيل الله (و) لا على (مرتد وحربي) لانهما لا دوام لهما مع كفرهما والوقف صدقة دائمة.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بالمراد) كالعتق بل أولى وفي معناه ما مر في الضمان (صريحه كوقفت وسبلت وحبست) كذا على كذا (وتصدقت) بكذا على كذا (صدقه محرمة) أو مؤبدة (أو موقوفة أو لا تباع أو لا توهب وجعلته) أي هذا المكان (مسجدا) لكثرة استعمال بعضها واشتهاره فيه وانصراف بعضها عن التمليك المحض الذي اشتهر استعماله فيه، وقوله كغيره ولا توهب الواو محمول على التأكيد وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره وجزم به ابن الرفعة ولهذا عبر بأو.
(وكنايته كحرمت وأبدلت) هذا للفقراء لان كلا منهما لا يستعمل مستقلا وإنما يؤكد به كما مر فلم يكن صريحا بل كناية لاحتماله.
(وكتصدقت) به (مع إضافته لجهة عامة) كالفقراء بخلاف المضاف إلى معين ولو جماعة فإنه صريح في التمليك المحض فلا ينصرف إلى الوقف بنيته فلا يكون كناية فيه، وألحق الماوردي باللفظ أيضا ما لو بنى مسجدا بنيته بموات قال الاسنوي: وقياسه إجراؤه في نحو المسجد كمدرسة ورباط، وكلام الرافعي في إحياء الموات في مسألة حفر البئر فيه يدل له.
(وشرط له) أي للوقف (تأبيد) فلا يصح توقيته كوقفته على زيد سنة.
(وتنجيز) فلا يصح تعليقه كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر كما في البيع فيهما، نعم يصح تعليقه بالموت

(1/441)


كوقفت داري بعد موتي على الفقراء، قال الشيخان: وكأنه وصية لقول القفال: أنه لو عرضها للبيع كان رجوعا، قال ابن الرفعة: وينبغي صحته أيضا إذا ضاهى التحرير كجعلته مسجدا إذا جاء رمضان.
(وإلزام) فلا يصح بشرط خيار في إبقاء الوقف والرجوع فيه ببيع أو غيره، ولا بشرط تغيير شئ من شروطه نظرا إلى أنه قربة كالعتق، وعلم من جعلي الموقوف عليه ركنا ما صرح به الاصل من أن الوقف لا يصح بمجرد قوله: وقفت كذا لعدم بيان المصرف فهو كبعت
كذا من غير ذكر مشتر، ولانه لو قال: وقفت على جماعة لم يصح لجهالة المصرف، فكذا إذا لم يذكره وأولى وفارق ما لو قال: أوصيت بثلث مالي فإنه يصح ويصرف للفقراء بأن غالب الوصايا للفقراء فيحمل الاطلاق عليه بخلاف الوقف.
(لا قبول) فلا يشترط.
(ولو من معين) نظرا إلى أنه قربة وما ذكر في المعين هو المنقول عن الاكثرين واختاره في الروضة في السرقة، ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي، وقال الاذرعي وغيره: إنه المذهب، وقيل: يشترط من المعين نظرا إلى أنه تمليك وهو ما رجحه الاصل.
(فإن رد المعين بطل حقه) سواء أشرطنا قبوله أم لا، نعم لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث لزم ولم يبطل حقه برده كما نقله الشيخان في باب الوصايا عن الامام.
(ولا يصح منقطع أول كوقفته على من سيولد لي) ثم الفقراء لانقطاع أوله وخرج بالاول منقطع الوسط كوقفته على أولادي، ثم رجل أو ثم العبد لنفسه ثم الفقراء منقطع الآخر كوقفته على أولادي ثم أولادهم فإنهما يصحان.
(ولو انقرضوا) أي الموقوف عليهم (في منقطع آخر فمصرفه الفقير الاقرب رحما) لا إرثا (للواقف حينئذ) أي حين الانقراض لما فيه من صلة الرحم، ومثله ما إذا لم تعرف أرباب الوقف، وذكر اعتبار الفقير وقرب الرحم من زيادتي.
فيقدم ابن البنت على ابن العم، فإن فقدت أقاربه الفقراء أو كان الواقف الامام ووقف من بيت المال صرف الريع إلى مصالح المسلمين.
وقال جماعة: إلى الفقراء والمساكين.
ولو انقرض الاول في منقطع الوسط فمصرفه كذلك إلا إن كان الوسط لا يعرف أمد انقطاعه كرجل في المثال السابق فيه فمصرفه من ذكر بعده لا الفقير الاقرب للواقف.
(ولو وقف على اثنين) معينين (ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه للآخر) لا للفقراء لانه أقرب إلى غرض الواقف ولان شرط لانتقال إليهم انقراضهما جميعا ولم يوجد والصرف إلى من ذكره الواقف أولى.
(ولو شرط) الواقف (شيئا) يقصد كشرط أن لا يؤجر أو أن يفضل أحد أو يسوي أو اختصاص نحو مسجد كمدرسة ورباط بطائفة كشافعية (اتبع) شرطه رعاية لغرضه وعملا بشرطه، وتعبيري بذلك أعم مما عبر به.

(1/442)


فصل في أحكام الوقف اللفظية (الواو) العاطفة (للتسوية) بين المتعاطفات (كوقفت) هذا (على أولادي وأولاد أولادي وإن زاد) على ذلك (ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن) إذ المزيد للتعميم في النسل، وقيل: المزيد فيه بطنا بعد بطن للترتيب، ونقل عن الاكثرين وصححه السبكي تبعا لابن يونس قال: وعليه هو للترتيب بين البطنين فقط، فينتقل بانقراض الثاني لمصرف آخر إن ذكره الواقف وإلا فمنقطع الآخر.
(وثم والاعلى فالاعلى والاول فالاول) والاقرب فالاقرب كل منهما (للترتيب) ثم إن ذكر معه في البطنين ما تناسلوا أو نحوه لم يختص الترتيب بهما والا اختص، وينتقل الوقف بانقراض الثاني لمصرف آخر إن ذكره وإلا فمنقطع الآخر.
(ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد) لصدق الاسم بهم (إلا إن قال على من ينتسب إلي منهم) فلا يدخل أولاد البنات فيمن ذكر نظرا للقيد المذكور أي إن كان الواقف رجلا فإن كانت امرأة دخلوا فيه بجعل الانتساب فيها لغويا لا شرعيا، فالتقييد فيها البيان الواقع لا للاخراج (لا فروع أولاد) فلا يدخلون (فيهم) أي في الاولاد إذ يصح أن يقال في فرع ولد الشخص ليس ولده نعم إن لم يكن إلا فروعهم استحقوا كمنقطع الآخر.
(والمولى يشمل الاعلى) وهو من له الولاء (والاسفل) وهو من عليه الولاء، فلو اجتمعا اشتركا لتناول اسمه لهما، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالمعتق والمعتق.
(والصفة والاستثناء يلحقان المتعاطفات) أي كلا منها (ب) - حرف (مشرك) كالواو والفاء وثم بقيد زدته بقولي: (لم يتخللها كلام طويل) لان الاصل اشتراكها في جميع المتعلقات سواء أتقدما عليها أم تأخرا أم توسطا، كوقفت هذا على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي، أو على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين، أو على أولادي المحتاجين وأحفادي، أو على من ذكر إلا من يفسق منهم والحاجة هنا معتبرة بجواز أخذ الزكاة كما أفتى به القفال، فإن تخلل المتعاطفات ما ذكر
كوقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الانثيين والا فنصيبه لمن في درجته، فإذا انقرضوا صرف إلى إخوتي.
المحتاجين أو إلى من يفسق منهم اختص ذلك بالمعطوف الاخير، وتعبيري بالمتعاطفات أعم من تعبيره بالجمل، وإلحاق الصفة المتوسطة بغيرها من زيادتي وهو المعتمد المنقول، خلاف ما اختاره صاحب جمع الجوامع من

(1/443)


أنها تختص بما قبلها، وقد بينت ذلك في حاشيتي على شرحه وغيرها، وعلم من تعبيره بمشرك أن ذلك لا يتقيد بالواو وإن وقع التقييد بها في الاصل في الصفة المتأخرة والاستثناء تبعا للامام في غير البرهان، فقد صرح هو فيه بأن مذهب الشافعي العود إلى الجميع وإن كان العطف بثم وقد نقله عنه الزركشي ثم قال: والمختار أنه لا يتقيد بالواو بل الضابط وجود عاطف جامع بالوضع كالواو والفاء وثم بخلاف بل ولكن وغيرهما، وقد صرح بذلك ابن القشيري في الاصول، وقال السبكي: الظاهر أنه لا فرق بين العطف بالواو وثم.
فصل في أحكام الوقف المعنوية (الموقوف ملك الله) تعالى أي ينفك عن اختصاص الآدمي كالعتق فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه.
(وفوائده) أي الحادثة بعد الوقف (كأجرة وثمرة) وأغصان خلافه (وولد ومهر) بوطئ أو نكاح (ملك للموقوف عليه) يتصرف فيها تصرف الملاك لان ذلك هو المقصود من الوقف فيستوفي منافعه بنفسه وبغيره وبإعارة وإجارة من ناظره، فإن وقف عليه ليسكنه لم يسكنه غيره وقد يتوقف في منع إعارته، ومعلوم أن ملكه للولد في غير الحر أما الحر فله قيمته على الواطئ، ولا يطأ الموقوفة إلا زوج، والمزوج لها الحاكم بإذن الموقوف عليه ولا يزوجها له ولا للواقف.
(ويختص) الموقوف عليه (بجلد بهيمة) موقوفة (ماتت) لانه أولى به من غيره.
(فإن اندبغ عاد وقفا) هذا من زيادتي.
(ولا تملك قيمة رقيق) مثلا موقوف (أتلف بل يشتري الحاكم بها مثله ثم) إن تعذر اشترى (بعضه ويقفه مكانه) رعاية لغرض الواقف من
استمرار الثواب، ولو اشترى ببعض قيمته رقيقا ففي كون الفاضل للواقف أو للموقوف عليه وجهان قال في الروضة: هما ضعيفان والمختار شراء شقص، ورجحه البلقيني قال: ولا يرد عليه ما لو أوصى أن يشتري بشئ ثلاث رقاب فوجدنا به رقبتين وفضل ما لا يمكن شراء رقبة به فإن الاصح صرفه للوارث لتعذر الرقبة المصرح بها ثم بخلاف ما هنا، وذكر الحاكم من زيادتي، وقدم في ذلك على الناظر والموقوف عليه لان الوقف ملك لله تعالى كما مر، وتعبيري بمثله إلى آخره أولى مما عبر به.
(ولا يباع موقوف وإن خرب) كشجرة جفت ومسجد انهدم وتعذرت إعادته وحصره الموقوفة البالية وجذوعه المنكسرة إدامة للوقف في عينه، ولانه يمكن الانتفاع به كصلاة

(1/444)


واعتكاف في أرض المسجد وطبخ جص أو آجر له بحصره وجذوعه، وما ذكرته فيهما بصفتهما المذكورة هو ما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الجرجاني والبغوي والروياني وغيرهم وبه أفتيت، وصحح الشيخان تبعا للامام أنه يجوز بيعهما لئلا يضيعا ويشتري بثمنهما مثلهما، والقول به يؤدي إلى موافقة القائلين بالاستبدال، أما الحصر الموهوبة أو المشتراة للمسجد من غير وقف لها فتباع للحاجة، وغلة وقفه عند تعذر إعادته حالا قال الماوردي: تصرف للفقراء والمساكين والمتولي لاقرب المساجد إليه، والروياني هو كمنقطع الآخر، والامام تحفظ لتوقع عوده، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.
فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته (إن شرط واقف النظر) لنفسه أو غيره (اتبع) شرطه كما علم مما مر لخبر البيهقي: المسلمون عند شروطهم (وإلا) بأن لم يشرطه لاحد (ف) - هو (للقاضي) بناء على أن الملك في الموقوف لله تعالى.
(وشرط الناظر عدالة وكفاية) أي قوة وهداية للتصرف فيما هو ناظر عليه لان نظره ولاية على الغير، فاعتبر فيه ذلك كالوصي والقيم، ولو فسق الناظر ثم عاد عدلا عادت
ولايته إن كانت له بشرط الواقف وإلا فلا كما أفتى به النووي، وإن اقتضى كلام الامام عدم عودها وذلك لقوته إذ ليس لاحد عزله ولا الاستبدال به و العارض مانع من تصرفه لا سالب لولايته.
(ووظيفته عمارة وإجارة وحفظ أصل وغلة وجمعها وقسمتها) على مستحقيها وذكر حفظ الاصل والغلة من زيادتي، وهذا إذا أطلق النظر له أو فوض جميع هذه الامور.
(فإن فوض له بعضها لم يتعده) كالوكيل ولو فوض لاثنين لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه.
(ولواقف ناظر عزل من ولاه) النظر عنه (ونصب غيره) مكانه كما في الوكيل، بخلاف ما إذا لم يكن ناظرا كأن شرط النظر لغيره حال الوقف فليس له ذلك لانه لا نظر له حينئذ، ولو عزل هذا الغير نفسه لم ينصب بدله إلا الحاكم، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.

(1/445)


كتاب الهبة تقال لما يعم الصدقة والهدية ولما يقابلهما، وقد استعملت الاول في تعريفها والثاني في أركانها وسيأتي ذلك، والاصل فيها على الاول قبل الاجماع قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (1) وقوله: (وآتي المال على حبه) (2) الآية، و أخبار كخبر الترمذي الآتي في الكلام على الرجوع فيها وخبر الصحيحين: لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها.
(هي) أي الهبة بالمعنى الاول (تمليك تطوع في حياة) فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف، وبالتطوع غيره كالبيع والزكاة والنذر والكفارة، فتعبيري به أولى من قوله: بلا عوض وبزيادتي في حياة الوصية لان التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت.
(فإن ملك لاحتياج أو لثواب آخرة) هو أولى من قوله محتاجا لثواب الآخرة.
(فصدقة) أيضا (أو نقله للمتهب إكراما) له (فهدية) أيضا فكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس وكلها مسنونة وأفضلها الصدقة، والهبة المرادة عند الاطلاق مقابل الصدقة والهدية ومنها قولي: (وأركانها) أي الهبة بالمعنى الثاني المراد عند الاطلاق ثلاثة: (صيغة وعاقد وموهوب، وشرط فيها) أي في هذه
الثلاثة (ما) مر في نظيرها (في البيع) ومنه عدم التعليق والتأقيت فذكره من زيادتي (لكن تصح هبة نحو حبتي بر) ولا يصح بيعه كما مر (لا) هبة (موصوف) في الذمة كما أشار إليه الرافعي في الصلح ويصح بيعه وهذا من زيادتي، وخرج بهذه الهبة الهدية، وصرح بها الاصل والصدقة فلا يعتبر فيهما صيغة بل يكفي فيهما بعث وقبض.
(و) شرط (في الواهب أهلية تبرع) هذا من زيادتي فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده ولا من ولي.
(وهبة الدين) المستقر (للمدين إبراء) فلا يحتاج إلى قبول اعتبارا بالمعنى.
(ولغيره) هبة (صحيحة) كما صححه جمع تبعا للنص وهو نظير ما مر في بيعه بل أولى وصحح الاصل بطلانها نظير ما مر له في بيعه وما تقرر هو في هبة غير المنافع، أما هبتها ففيها وجهان: أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهبت منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي، والثاني أنها تمليك بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة وهو ما رجحه ابن

(1/446)


الرفعة والسبكي وغيرهما.
(وتصح بعمري ورقبى) فالعمري: (كأعمرتك هذا) أي جعلته لك عمرك.
(وإن زاد فإذا مت عادلي) ولغا الشرط لخبر الصحيحين: العمرى ميراث لاهلها (و) الرقبى ك (- أرقبتكه أو جعلته لك رقبي) أي إن مت قبل عادلي وإن مت قبلك استقر لك ولغا الشرط لخبر أبي داود: لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم فإن سبيله الميراث، والرقبي من الرقوب فكل منهما يرقب موت الآخر.
(وشرط في ملك موهوب) بالهبة المطلقة (قبض بإذن) فيه من واهب (أو إقباض منه) وإن تراخى القبض عن العقد أو كان الموهوب بيد المتهب وتقدم بيان القبض إلا أنه لا يكفي هنا الاتلاف وإن أذن فيه الواهب ولا الوضع بين يديه بلا إذن لانه غير مستحق القبض كقبض الوديعة فاعتبر تحقيقه بخلاف المبيع (فلو مات أحدهما قبله) أي قبل القبض (خلفه وارثه) فلا ينفسخ العقد بموت أحدهما لانه يئول إلى اللزوم بخلاف الشركة والوكالة، و التصريح بالاقباض
من زيادتي (وكره) لمعط (تفضيل في عطية بعضه) من فرع أو أصل وإن بعد سواء الذكر وغيره لئلا يفضي ذلك إلى العقوق والشحناء وللنهي عنه والامر بتركه في الفرع كما في الصحيحين، قال في الروضة: قال الدارمي: فإن فضل الاصل فليفضل الام، ومحل كراهة التفضيل عند الاستواء في الحاجة أو عدمها كما قاله ابن الرفعة، والتصريح بذكر الكراهة مع إفادة حكم التفضيل في الاصل من زيادتي.
(ولاصل رجوع فيما أعطاه) لفرعه لخبر: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده رواه الترمذي والحاكم وصححاه، وقيس بالولد كل من له ولادة.
(بزيادته المتصلة) كسمن وتعلم صنعة وحمل قارن العطية وإن انفصل بناء على أن الحمل يعلم بخلاف المنفصلة كولد وكسب، وكذا حمل حادث لحدوثه على ملك فرعه، ولو نقص رجع فيه من غير أرش النقص وإنما يرجع فيما أعطاه لقرعه.
(إن بقي في سلطنته فيمتنع) الرجوع (بزوالها) سواء أزالت بزوال ملكه أم لا، كأن حجر عليه بفلس أو تعلق أرش جناية من أعطيه برقبته أو كاتبه أو استولد الامة، وسواء أعاد الملك إليه أم لا، لان ملكه الآن غير مستفاد منه حتى يزيله بالرجوع فيه، بخلاف ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر ثم تخلل فإن له الرجوع لبقاء السلطنة، وبذلك عرفت حكمة التعبير ببقاء السلطنة دون بقاء الملك.
(لا بنحو رهنه وهبته قبل قبض) فيهما كتعليق عتقه وتدبيره والوصية به وتزويجه وزراعته وإجارته لبقاء سلطنته

(1/447)


بخلافهما بعد القبض، وخرج بالاصل غيره كالاخ والعم فلا رجوع له فيما أعطاه لظاهر الخبر السابق.
(ويحصل) الرجوع (بنحو رجعت فيه أو رددته إلى ملكي) كنقضت الهبة و أبطلتها وفسختها (لا بنحو بيع وإعتاق ووطئ) كهبة ووقف لكمال ملك الفرع بدليل نفوذ تصرفه فلا يزول ملكه، إلا بنحو ما ذكر، وتعبيري بنحو إلى آخره في المواضع الثلاثة أعم مما عبر به.
(والهبة إن أطلقت) بأن لم تقيد بثواب ولا بعدمه (فلا ثواب) فيها (وإن كانت لاعلى) من الواهب لان اللفظ لا يقتضيه.
(أو قيدت بثواب مجهول) كثوب (فباطلة) لتعذر تصحيحها بيعا
لجهالة العوض وهبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه.
(أو) قيدت (بمعلوم فبيع) نظرا إلى المعنى.
(وظرف الهبة إن لم يتعد رده كقوصرة تمر) بتشديد الراء وعاؤه الذي يكنز فيه من خوص (هبة) أيضا (وإلا فلا) يكون هبة عملا بالعادة.
(و) إذا لم يكن هبة (حرم استعماله) لانه انتفاع بملك غيره بغير إذنه وهو حينئذ أمانة.
(إلا في أكلها) أي الهبة (منه إن اعتيد) فيجوز أكلها منه حينئذ ويكون عارية، وتعبيري بالهبة أعم من تعبيره بالهدية.

(1/448)


كتاب اللقطة هي بضم اللام وفتح القاف وإسكانها لغة الشئ الملقوط، وشرعا ما وجد من حق محترم غير محرز لا يعرف الواجد مستحقه.
والاصل فيها قبل الاجماع خبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل عن لقطة الذهب أو الورق فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها.
وسأله عن ضالة الابل فقال: مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
وسأله عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب.
وأركانها: لقط وملقوط ولاقط وهي تعلم مما يأتي، وفي اللقط معنى الامانة والولاية من حيث إن الملتقط أمين فيما لقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل، وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف والغالب منهما الثاني.
(سن لقط لواثق بأمانته) لما فيه من البربل يكره تركه.
(و) سن (إشهاد به) مع تعريف شئ من اللقطة كما في الوديعة فلا يجب إذ لم يؤمر به في خبر زيد ولا خبر أبي بن كعب، وحملوا الامر بالاشهاد في خبر أبي داود: من التقط لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب على الندب جمعا بين الاخبار، وقد يقال الامر به في هذا الخبر زيادة ثقة فيؤخذ به، وخرج بالواثق بأمانته غيره فلا يسن له لقط، والتصريح بسن الاشهاد من زيادتي.
(وكره) اللقط (لفاسق) لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة (فيصح) اللقط (منه كمرتد) أي كما يصح
من مرتد.
(وكافر معصوم لا بدار حرب) لا مسلم بها كاحتطابهم واصطيادهم.
(و تنزع اللقطة) منهم وتسلم (لعدل) لانهم ليسوا من أهل الحفظ لعدم أمانتهم.
(ويضم لهم مشرف في التعريف) فإن تم التعريف تملكوا، وذكر صحة لقط المرتد مع النزع منه ومن الكافر ومع ضم مشرف لهما من زيادتي، وتعبيري بالكافر المعصوم أعم من تعبيره بالذمي.
(و) يصح (من صبي ومجنون وينزعها) أي اللقطة منهما (وليهما ويعرفها ويتملكها لهما) إن رآه (حيث يقترض) أي يجوز الاقتراض (لهما) لان التملك في معنى الاقتراض فإن لم يرد حفظها أو سلمها للقاضي.
(فإن قصر في نزعها) منهما (فتلفت) ولو بإتلافهما (ضمن) ثم

(1/449)


يعرف التالف فإن لم يقصر فلا ضمان، وذكر المجنون من زيادتي وكالصبي والمجنون السفيه إلا أنه يصح تعريفه دونهما (لا من رقيق) بقيد زدته بقولي: (بلا إذن) أي لا يصح اللقطة منه بغير إذن سيده وإن التقطه له لانه ليس أهلا للملك ولا للولاية، ولانه يعرض سيده للمطالبة ببدل اللقطة لوقوع الملك له فعلم أنه لا يعتد بتعريفه.
(فلو أخذت منه كان) الاخذ (لقطا) لآخذها سيدا كان أو أجنبيا فهو أعم من تعبيره بأخذ السيد ولو أقرها في يده سيده واستحفظه عليها ليعرفها وهو أمين جاز، فإن لم يكن أمينا فهو متعد بالاقرار فكأنه أخذها منه وردها إليه.
(ويصح) اللقط (من مكاتب كتابة صحيحة) لانه مستقل بالملك والتصرف بخلاف المكاتب كتابة فاسدة.
(و) من (مبعض) لانه كالحر في الملك والتصرف والذمة.
(ولقطته له ولسيده) من غير مهايأة فيعرفانها ويتملكانها بحسب الرق والحرية كشخصين التقطا.
(وفي مهايأة) أي مناوبة (لذي نوبة كباقي الاكساب) كوصية وهبة وركاز.
(والمؤن) كأجرة طبيب وحجام وثمن دواء فالاكساب لمن حصلت في نوبته والمؤن على من وجد سببها في نوبته.
(إلا أرش جناية) منه فليس على من وجدت الجناية في نوبته وحده بل يشتركان فيه لانه يتعلق بالرقبة وهي مشتركة، والجناية عليه كالجناية منه كما بحثه الرزركشي، وكلامي كالاصل يشملها.
فصل
في بيان حكم لقط الحيوان وغيره مع بيان تعريفهما (الحيوان المملوك الممتنع من صغار السباع) كذئب ونمر وفهد بقوة أو طيران (كبعير وظبي وحمام يجوز لقطه) من مفازة وعمران زمن أمن أو نهب لحفظ أو تملك لئلا يأخذه خائن فيضيع.
(إلا من مفازة) وهي المهلكة سميت بذلك على القلب تفاؤلا بالفوز (آمنة) فلا يجوز لقطه (لتملك) لانه مصون بالامتناع من أكثر السباع مستغن بالرعي إلى أن يجده صاحبه لتطلبه له ولان طروق الناس فيها لا يعم، فمن أخذه للتملك ضمنه ويبرأ من الضمنان بدفعه إلى القاضي لا برده إلى موضعه، وخرج بزيادتي آمنة ما لو لقطه من مفازة زمن نهب فيجوز لقطه للتملك كما شمله المستثنى منه لانه حينئذ يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.
(وما لا يمتنع منها) أي من صغار السباع (كشاة) وعجل (يجوز لقطه مطلقا) أي من مفازة وعمران زمن أمن أو نهب لحفظ أو تملك صيانة له عن الخونة والسباع.
(فإن

(1/450)


لقطه لتملك) من مفازة أو عمران (عرفه ثم تملكه أو باعه) بإذن الحاكم إن وجده (وحفظ ثمنه ثم عرفه ثم تملك ثمنه) وتعبيري بثم في الموضعين الاولين أولى من تعبيره بالواو.
(أو تملك الملقوط من مفازة حالا وأكله غرم قيمته) إن ظهر مالكه، ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الامام، وذكر التملك فيها من زيادتي، وخرج بالمفازة العمران فليس له فيه هذه الخصلة لسهولة البيع فيه بخلاف المفازة فقد لا يجد فيها من يشتري ويشق النقل إليه، والخصلة الاولى من الثلاث عند استوائها في الاحظية أولى من الثانية والثانية أولى من الثالثة، وزاد الماوردي خصلة رابعة وهي أن يتملكه في الحال ليستبقيه حيا لدر أو نسل قال: لانه لما استباح تملكه مع استهلاكه فأولى أن يستبيح تملكه مع استبقائه، ولو كان الحيون غير مأكول كالجحش ففيه الخصلتان الاوليان ولا يجوز تملكه في الحال، وإذا أمسك اللاقط الحيوان وتبرع بالانفاق عليه فذاك، وإن أراد الرجوع فلينفق بإذن الحاكم فإن لم يجده أشهد.
(وله لقط رقيق) عبدا كان أو أمة (غير مميز أو) مميز (زمن نهب) بخلاف زمن الامن لانه
يستدل فيه على سيده فيصل إليه وله هنا الخصلتان الاوليان، ومحل ذلك في الامة إذا لقطها للحفظ أو للتملك ولم تحل له كمجوسية ومحرم بخلاف من تحل له لان تملك اللقطة كالاقتراض كما مر، وينفق على الرقيق مدة الحفظ من كسبه، فإن لم يكن له كسب فعلى ما مر آنفا في غير الرقيق، وإذا بيع ثم ظهر المالك وقال كنت أعتقته قبل قوله وحكم بفساد البيع، وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد وإن قيدت الامة بما مر.
(و) له لقط (غير مال) ككلب (لاختصاص أو حفظ) وقولي أو زمن إلى آخره من زيادتي (و) له لقط (غير حيوان) كمأكول وثياب ونقود (فإن تسارع فساده كهريسة) ورطب لا يتتمر (فله) الخصلتان (الاخيرتان) وهما أن يبيعه بإذن الحاكم إن وجده ثم يعرفه ليتملك ثمنه أو يتملكه حالا ويأكله.
(وإن وجده بعمران) وجب التعريف للمأكول في العمران بعد أكله وفي المفازه قال الامام الظاهر: أنه لا يجب لانه لا فائدة فيه وصححه في الشرح الصغير، قال الاذرعي: لكن الذي يفهمه إطلاق الجمهور أنه يجب أيضا، قال: ولعل مراد الامام أنها لا تعرف بالصحراء لا مطلقا.
(وإن بقي) ما يتسارع فساده (بعلاج كرطب يتتمر وبيعه أغبط باعه) بإذن الحاكم إن وجده (وإلا) أي وإن لم يكن بيعه أغبط بأن كان تجفيفه أغبط أو استوى الامران.
(باع بعضه لعلاج باقيه إن لم يتبرع به) أي بعلاجه أي لم يتبرع به الواجد أو غيره وخالف الحيوان حيث يباع كله لتكرر نفقته فيستوعبه، والمراد بالعمران الشارع والمساجد ونحوها لانها مع الموات محال اللقطة، وقولي إن لم يتبرع

(1/451)


به من زيادتي في استواء الامرين، وإطلاقي للتبرع أولى من تقييده له بالواجد.
(ومن أخذ لقطة لا لخيانة) بأن لقطها لحفظ أو تملك أو اختصاص أو لم يقصد خيانة ولا غيرها أو قصد أحدهما ونسيه والثلاثة الاخيرة من زيادتي.
(فأمين ما لم يتملك) أو يختص بعد التعريف لاذن الشارع له في ذلك.
(وإن قصدها) أي الخيانة بعد أخذها فإنه أمين كالمودع وهذه من زيادتي في لقطها لغير حفظ.
(ويجب تعريفها وإن لقطها لحفظ) لئلا يكون كتمها مفوتا للحق على صاحبه، وما ذكرته من وجوب تعريف ما لقط للحفظ هو ما اختاره في الروضة وصححه في
شرح مسلم، واقتصر في الاصل على نقل عدم وجوبه عن الاكثر قالوا: لان التعريف إنما يجب لتحقق شرط التملك، فإن بدا له أن يتملكها أو يختص بها أو لقطها للتملك أو للاختصاص وجب تعريفها جزما، ويمتنع التعريف على من غلب على ظنه أن سلطانا يأخذها بل تكون أمانة بيده أبدا كما في نكت النووي وغيرها، وفيها أنه يمتنع الاشهاد عليها أيضا حينئذ.
(أو) أخذها (لها) أي للخيانة (فضامن) كما في الوديعة (وليس له) بعد ذلك (تعريفها لتملك) أو اختصاص لخيانته.
(ولو دفع لقطة لقاض لزمه قبولها) وإن لقطها لتملك حفظا لها على مالكها بخلاف الوديعة لا يلزمه قبولها لقدرته على ردها على مالكها وقد التزم الحفظ له وهذا من زيادتي في لقطها لغير حفظ.
(ويعرف) بفتح الياء اللاقط وجوبا على ما قاله ابن الرفعة وندبا على ما قاله الاذرعي وغيره.
(جنسها) أذهب هي أم فضة أم ثياب ؟ (وصفتها) أهروية أم مروية ؟ (وقدرها) بوزن أو عد أو كيل أو ذرع.
(وعفاصها) أي وعاءها من جلد أو خرقة أو غيرهما.
(و وكاءها) أي خيطها المشدودة به وذلك لخبر زيد السابق وقيس بما فيه غيره و ليعرف صدق واصفها.
(ثم يعرفها) بالتشديد (في نحو سوق) كأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات في بلد اللقط أو قريته فإن كان بصحراء ففي مقصده، ولا يكلف العدول إلى أقرب البلاد إلى موضعه من الصحراء وإن جازت به قافلة تتبعها وعرف ولا يعرف في المساجد قال الشاشي: إلا في المسجد الحرام.
(سنة ولو متفرقة على العادة) إن كانت غير حقيرة ولو من الاختصاصات لخبر زيد السابق وقيس بما فيه غيره فيعرفها.
(أو لا كل يوم) مرتين (طرفيه) أسبوعا (ثم) كل يوم مرة (طرفه) أسبوعا أو أسبوعين.
(ثم كل أسبوع) مرة أو مرتين.
(ثم كل شهر) كذلك بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى، وشرط الامام في الاكتفاء بالسنة المتفرقة أن يبين في التعريف زمن وجدان اللقطة.
(ويذكر) ندبا اللاقط ولو بنائبه (بعض أوصافها) في التعريف فلا يستوعبها لئلا يعتمدها

(1/452)


الكاذب، فإن استوعبها ضمن لانه قد يرفعه إلى من يلزم الدفع بالصفات.
(ويعرف حقير) بقيد زدته بقولي: (لا يعرض عنه غالبا) متمولا كان أو مختصا ولا يتقدر بشئ بل هو ما يغلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا (إلى أن يظن إعراض فاقده عنه غالبا) هو أولى مما عبر به، ويختلف ذلك باختلاف المال، أما ما يعرض عنه غالبا كبرة وزبيبة وزيل يسير فلا يعرف بل يستبد به واجده.
(وعليه مؤنة تعريف إن قصد تملكا) ولو بعد لقطه للحفظ أو مطلقا فهو أعم من قوله: إن أخذ لتملك.
(وإن لم يتملك) لوجوب التعريف عليه وهذا في مطلق التصرف فغيره إن رأى وليه تملك اللقطة له لم يصرف مؤنة تعريفها من ماله بل يرفع الامر للحاكم ليبيع جزءا منها وكالتملك الاختصاص كقصده لقطه للخيانة.
(وإلا) أي وإن لم يقصد التملك كأن لقط لحفظ وعليه اقتصر الاصل أو أطلق ولم يقصد تملكا أو اختصاصا.
(ف) - مؤنة التعريف (على بيت مال أو) على (مالك) بأن يرتبها الحاكم في بيت المال أو يقترضها على المالك من اللاقط أو غيره أو يأمره بصرفها ليرجع على المالك أو يبيع بعضها إن رآه كما في هرب الجمال، والاخيران من زيادتي، وإنما لم تلزم اللاقط لان الحفظ فيه للمالك فقط.
(وإذا عرفها) ولو لغير تملك (لم يملكها إلا بلفظ) أو ما في معناه (كتملكت) لانه تملك مال ببدل فافتقر إلى ذلك كالتملك بشراء، و بحث ابن الرفعة في لقطة لا تملك كخمر وكلب أنه لا بد فيها مما يدل على نقل الاختصاص، وإطلاقي تعريفها يشمل ما يعرف سنة وما يعرف دونها بخلاف تقييد الاصل له بالسنة.
(فإن تملك) - ها (فظهر المالك ولم يرض ببدلها) ولا تعلق بها حق لازم يمنع بيعها (لزمه ردها) له للخبر السابق.
(بزيادتها المتصلة) و كذا المنفصلة إن حدثت قبل التملك تبعا للقطة وهذه من زيادتي.
(وبأرش نقص) لعيب حدث بعد التملك كما يضمنها كلها بتلفها، وللمالك الرجوع إلى بدلها سليمة، ولو أراد اللاقط الرد بالارش وأراد المالك الرجوع إلى البدل أجيب اللاقط.
(فإن تلفت) حسا أو شرعا بعد التملك (غرم مثلها) إن كانت مثلية (أو قيمتها) إن كانت متقومة (وقت تملك) لانه وقت دخولها في ضمانه.
(ولا تدفع) اللقطة (لمدع) لها (بلا وصف ولا حجة) إلا أن يعلم اللاقط أنها له فيلزمه دفعها له.
(وإن وصفها) له (وظن صدقه جاز) دفعها له عملا بظنه بل يسن، نعم إن تعدد الواصف لم تدفع لاحد إلا بحجة.
(فإن دفع) - ها له بالوصف (فثبتت لآخر) بحجة (حولت له) عملا بالحجة.
(فإن تلفت) عند الواصف (فله) أي للمالك (تضمين كل) من اللاقط والمدفوع له.
(والقرار على المدفوع له) لحصول التلف عنده فيرجع اللاقط بما غرمه عليه إن لم يقر له

(1/453)


بالملك، فإن أقر لم يرجع مؤاخذة له بإقراره، أما إذا لم يظن صدقه فلا يجوز الدفع له، ومحل تضمين اللاقط إذا دفع بنفسه لا إن ألزمه به الحاكم.
(ولا يحل لقط حرم مكة إلا لحفظ) فلا يحل إن لقط لتملك أو أطلق، والثانية من زيادتي.
(ويجب تعريف) لما لقطه فيه للحفظ لخبر: إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية للبخاري: لا تحل لقطته إلا لمنشد أي لمعرف، والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك، فلا تظهر فائدة التخصيص، وتلزم اللاقط الاقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم، والسر في ذلك أن الله تعالى جعل الحرم مثابة للناس يعودون إليه، فربما يعود مالكها أو نائبه، وخرج بزيادتي مكة حرم المدينة فهو كسائر البلاد في حكم اللقطة.

(1/454)


كتاب اللقيط ويمسى ملقوطا ومنبوذا ودعيا.
والاصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى: (وافعلوا الخير) (1) وقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى) وأركان اللقط الشرعي لقط ولقيط ولاقط وكلها تعلم مما يأتي.
(لقطه) أي اللقيط (فرض كفاية) لقوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (3) ولانه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، وفارق اللقطة حيث لا يجب لقطها بأن المغلب فيها الاكتساب والنفس تميل إليه، فاستغنى بذلك عن الوجوب
كالنكاح والوطئ فيه.
(ويجب إشهاد عليه) أي على اللقط وإن كان اللاقط ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه، وفارق الاشهاد عليه الاشهاد على لقط اللقطة بأن الغرض منها المال، والاشهاد في التصرف المالي مستحب، ومن اللقيط حفظ حريته ونسبه فوجب الاشهاد كما في النكاح، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط.
(وعلى ما مع اللقيط) تبعا له ولئلا يتملكه، فلو ترك الاشهاد لم تثبت له ولاية الحضانة وجاز نزعه منه قاله في الوسيط، وإنما يجب الاشهاد فيما ذكر على لاقط بنفسه، أما من سلمه له الحاكم فالاشهاد مستحب قاله الماوردي وغيره.
(واللقيط صغير أو مجنون منبوذ لا كافل له) معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد، و قولي وعلى ما إلى آخره من زيادتي (واللاقط حر رشيد عدل) ولو مستورا (فلو لقطه غيره) ممن به رق ولو مكاتبا أو كفر أو صبا أو جنون أو فسق أو سفه (لم يصح) فينزع اللقيط منه لان حق الحضانة ولاية وليس من أهلها.
(لكن لكافر لقط كافر) لما بينهما من الموالاة.
(فإن أذن لرقيقه غير المكاتب) في لقطه (أو أقره) عليه (فهو اللاقط) ورقيقه نائب عنه في الاخذ والتربية إذ يده كيده بخلاف المكاتب لاستقلاله، فلا يكون السيد هو اللاقط بل ولا هو أيضا كما علم مما مر، فإن قال له السيد: التقط لي فالسيد هو اللاقط والمبعض كالرقيق إلا إذا لقط في نوبته فلا يصح كما قاله الروياني، والتقييد بغير المكاتب من زيادتي (ولو ازدحم أهلان) للقط على لقيط (قبل أخذه) بأن قال كل منهما أنا آخذه (عين الحاكم من يراه) ولومن غيرهما إذ لا حق لواحد

(1/455)


منهما قبل أخذه (أو بعده) أي بعد أخذه (قدم سابق) لسبقه باللقط لا يثبت السبق بالوقوف على رأسه بغير أخذه.
(وإن لقطاه معا فغني) يقدم (على فقير) لانه قد يواسيه بماله.
(وعدل) باطنا (على مستور) احتياطا للقيط.
(ثم) إن استويا في الصفات و تشاحا (أقرع) بينهما إذ لا مرجح لاحدهما على الآخر، ولو ترك أحدهما حقه قبل القرعة انفرد به الآخر، وليس لمن خرجت القرعة له ترك حقه للآخر، كما ليس للمنفرد نقل حقه إلى غيره، ولا يقدم مسلم على كافر في
كافر ولا رجل على امرأة.
(وله) أي للاقط (نقله من بادية لقرية و) نقله (منهما) أي من بادية وقرية أي من كل منهما (لبلد) لانه أرفق به (لا عكسه) أي لانقله من قرية لبادية أو من بلد لقرية أو بادية لخشونة عيشهما وفوات العلم بالدين والصنعة فيهما، نعم له نقله من بلد أو من قرية لبادية قريبة يسهل المراد منها على النص وقول الجمهور.
(و) له نقله (من كل) من بادية وقرية وبلد (لمثله) لانتفاء ذلك لا لما دونه، وذكر حكم القرية جوازا ومنعا مع جواز نقل البلدي له من بادية لمثلها من زيادتي، ومحل جواز نقله إذا أمن الطريق والمقصد وتواصلت الاخبار و اختبرت أمانة اللاقط.
(ومؤنته) هو أعم من قوله ونفقته (في ماله العام كوقف على اللقطاء) أو الوصية لهم (أو الخاص) وهو ما اختص به.
(كثياب عليه) ملفوفة عليه أو ملبوسة له أو مغطى بها.
(أو تحته) مفروشة (ودنانير كذلك) أي عليه أو تحته ولو منثورة.
(ودار هو فيها وحده) وحصته منها إن كان معه فيها غيره لان له يدا واختصاصا كالبالغ، والاصل الحرية ما لم يعرف غيرها، وقولي وحده من زيادتي (لا مال مدفون) ولو تحته أو كان فيه أو مع اللقيط رقعة مكتوب فيها أنه له كالمكلف، نعم إن حكم بأن المكان له فهو له مع المكان.
(و) لا مال (موضوع بقربه) كالبعيد عنه بخلاف الموضوع بقرب المكلف لان له رعاية.
(ثم) إن لم يعرف له مال عام ولا خاص ولو محكوما بكفره بأن وجد ببلد كفر ليس بها مسلم فمؤنته (في بيت مال) من سهم المصالح.
(ثم) إن لم يكن فيه مال أو كان ثم ما هو أهم (يقترض عليه حاكم) وهذا من زيادتي.
(ثم) إن عسر الاقتراض وجبت (على موسرينا) أي المسلمين (قرضا) بالقاف عليه إن كان حرا والا فعلى سيده، والمعنى على جهة القرض فالنصب بنزع الخافض، والتقييد باليسار من زيادتي.
(وللاقطه استقلال بحفظ ماله) كحفظه (وإنما يمونه منه بإذن حاكم) لان ولاية المال لا تثبت لغير أب وجد من الاقارب فالاجنبي أولى.
(ثم) إن لم يجده مانه (بإشهاد) وهذا من زيادتي فإن مانه بدون ذلك ضمن.

(1/456)


فصل في الحكم بإسلام اللقيط وغيره بتبعية أو بكفرهما كذلك (اللقيط مسلم) تبعا للدار وما ألحق بها.
(وإن استلحقه كافر) هو أولى من قوله ذمي (بلا بينة) بنسبه هذا.
(إن وجد بمحل) ولو بدار كفر (به مسلم) يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا أو مجتازا تغليبا للاسلام ولانه قد حكم بإسلامه، فلا يغير بمجرد دعوى الاستلحاق.
(و) لكن (لا يكفي اجتيازه بدار كفر) بخلافه بدارنا لحرمتها ولو نفاه المسلم قبل في نفي نسبه لا نفي إسلامه، أما إذا استلحقه الكافر ببينة أو وجدا للقيط بمحل منسوب للكفار ليس به مسلم فهو كافر.
(ويحكم بإسلام غير لقيط صبي أو مجنون تبعا لاحد أصوله) بأن يكون أحد أصوله ولو من قبل الام مسلما وقت العلوق به أو بعده قبل بلوغ أو إفاقة وإن كان ميتا والاقرب منه حيا كافرا تغليبا للاسلام.
(و) تبعا (لسابيه المسلم) ولو غير مكلف (إن لم يكن معه) في السبي (أحدهم) أي أحد أصوله لانه صار تحت ولايته، فإن كان معه فيه أحدهم لم يتبع السابي لان تبعية أحدهم أقوى، ومعنى كون أحدهم معه كما في الروضة أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة لا أنهما في ملك رجل وخرج بالمسلم الكافر فلا يحكم بإسلام مسبيه وإن كان بدارنا لان الدار لا تؤثر فيه ولا في أولاده فكيف تؤثر في مسبيه ؟ نعم هو على دين سابيه كما قاله الماوردي وغيره.
ولو سباه مسلم وكافر فهو مسلم، وخرج بالتبعية إسلامه استقلالا فلا يصح كسائر عقوده، وفارق صحة عباداته بأنها يتنفل بها فتقع منه نفلا بخلاف الاسلام، وإنما صح إسلام علي رضي الله عنه في صغره لان الاحكام كما قال البيهقي إنما تعلقت بالبلوغ بعد الهجرة في عام الخندق، أما قبلها فهي منوطة بالتمييز، وكان على مميزا حين أسلم.
(فإن كفر بعد كماله) بالبلوغ أو الافاقة (فيهما) أي في هاتين التبعيتين (فمرتد) لسبق الحكم بإسلامه، وخرج بفيهما ما لو كمل في تبعية الدار وكفر فإنه كافر أصلي لا مرتد لبنائه على ظاهرها، فإذا أعرب عن نفسه بالكفر تبينا خلاف ما ظنناه وهذا معنى قولهم تبعية الدار ضعيفة، نعم إن
تمحض المسلمون بالدار لم يقر على كفره قطعا قاله الماوردي وأقره ابن الرفعة، وذكر حكم المجنون مطلقا مع ذكر حكم الصبي فيما لو كفر بعد بلوغه بالنسبة لتبعية السابي من زيادتي، وتعبيري بأحد أصوله أولى من تعبيره بأحد أبويه.

(1/457)


فصل في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه (اللقيط حر) وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لان غالب الناس أحرار.
(إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك) كإرث وشراء فلا يكفي مطلق الملك لانا لا نأمن أن يعتمد الشاهد ظاهر اليد، وفارق غيره كثوب ودار بأن أمر الرق خطر فاحتيط فيه، وبأن المال مملوك فلا تغير دعواه وصفه بخلاف اللقيط لانه حر ظاهرا.
(أو يقربه) بعد كماله (ولم يكذبه المقر له) هو أولى من قوله: فصدقه.
(ولم يسبق إقراره) بعد كماله (بحرية) فيحكم برقه في الصورتين، وإن سبق منه تصرف يقتضيها كبيع ونكاح، نعم إن وجد بدار حرب لا مسلم فيها ولا ذمي فرقيق كسائر صبيانهم ونسائهم قاله البلقيني وكلامهم يقتضيه، أما إذا أقربه لمكذبه أو سبق أقراره بالحرية فلا يقبل إقراره بالرق وإن عاد المكذب وصدقه لانه لما كذبه حكم بحريته بالاصل فلا يعود رقيقا.
(ولا يقبل إقراره به) أي بالرق (في تصرف ماض مضر بغيره) بخلافه في مستقبل وإن أضر بغيره وماض لا يضر بغيره.
(فلو لزمه دين فأقر برق وبيده مال قضى منه) ولا يجعل للمقر له بالرق إلا ما فضل عن الدين فإن بقي من الدين شئ اتبع به بعد عتقه، أما التصرف الماضي المضر به فيقبل إقراره بالنسبة إليه، ولو كان اللقيط امرأة متزوجة ولو ممن لا يحل له نكاح الامة وأقرت بالرق لم ينفسخ نكاحها وتسلم لزوجها ليلا ونهارا ويسافر بها زوجها بغير إذن سيدها وولدها قبل إقرارها حر وبعده رقيق، وتعتد بثلاثة أقراء للطلاق وشهرين وخمسة أيام للموت، وحذفت من الاصل هنا حكم ما لو ادعى رق صغير بيده جهل لقطه لذكره له في الدعوى والبينات، وسيأتي بيناه ثم مع زيادة.
(ولو استلحق نحو صغير) هو أعم من قوله: ولو استلحق اللقيط (رجل) ولو كافرا أو عبدا أو غير لاقط.
(لحقه) بشروطه السابقة في الاقرار لانه أقر له بحق فأشبه ما لو أقر له بمال له، ولامكان حصوله منه بنكاح أو وطئ شبهة، لكن لا يسلم للعبد باشتغاله بخدمة سيده ولا نفقة عليه إذ لا مال له أما المرأة إذا استلحقته فلا يلحقها خلية كانت أو لا إذ يمكنها إقامة البينة على ولادتها بالمشاهدة بخلاف الرجل.
(أو) استلحقه (اثنان قدم ببينة) لا بإسلام وحرية فلا يقدم أحد بشئ منهما لان كل من اتصف بشئ منهما أو من ضدهما أهل لو انفرد فلا بد من مرجح.
(ف) - إن لم تكن بينة أو تعارضت بينتان قدم (بسبق استلحاق) من أحدهما (مع يد) له (من غير لقط) لثبوت النسب منه معتضدا باليد، فاليد عاضدة لا مرجحة لانها لا تثبت النسب

(1/458)


بخلاف الملك، أما يد اللقط فلا عبرة بها حتى لو استلحق اللاقط اللقيط ثم ادعاه آخر عرض على القائف كما يعلم مما يأتي، ولو أقام اثنان بينتين مؤرختين بتاريخين فلا ترجيح، وقولي بسبق إلى آخره من زيادتي.
(ف) - إن لم يكن سبق بقيده السابق قدم (بقائف) وجد وسيأتي بيانه آخر كتاب الدعوى.
(فإن عدم) أي القائف أي لم يوجد بدون مسافة قصر (أو) وجد ولكن (تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما انتسب بعد كماله لمن يميل طبعه إليه) منهما أو من ثالث بحكم الجبلة لا بمجرد التشهي، فإن امتنع من الانتساب عنادا حبس وعليهما المؤنة مدة الانتظار، فإذا انتسب إلى حدهما رجع الآخر عليه بما مان إن مان بإذن الحاكم، وإن انتسب إلى ثالث وصدقه لحقه ولو لم يمل طبعه إلى أحد وقف الامر إلى انتسابه، ثم بعد انتسابه متى ألحقه القائف بغيره بطل الانتساب لان إلحاقه حجة أو حكم، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.

(1/459)


كتاب الجعالة بتثليث الجيم واقتصر جماعة على كسرها وآخرون على كسرها وفتحها وهي كالجعل،
والجعيلة لغة اسم لما يجعل للانسان على فعل شئ، وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين.
والاصل فيها قبل الاجماع خبر الذي رقاه الصحابي بالفاتحة على قطيع من الغنم كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وهو الراقي كما رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، والقطيع ثلاثون رأسا من الغنم، وأيضا الحاجة قد تدعو إليها فجازت كالمضاربة والاجارة.
(أركانها) أربعة: (عمل وجعل وصيغة وعاقد، وشرط فيه اختيار وإطلاق تصرف ملتزم) ولو غير المالك فلا يصح التزام مكره وصبي ومجنون ومحجور سفه.
(وعلم عامل) ولو مبهما (بالالتزام) فلو قال: إن رده زيد فله كذا فرده غير عالم بذلك أو من رد آبقي فله كذا فرده من لم يعلم ذلك لم يستحق شيئا.
(وأهلية عمل عامل معين) فيصح ممن هو أهل لذلك ولو عبدا وصبيا ومجنونا ومحجور سفه ولو بلا إذن، بخلاف صغير لا يقدر على العمل لان منفعته معدومة كاستئجار أعمى للحفظ.
(و) شرط (في العمل كلفة وعدم تعيينه) فلا جعل فيما لا كلفة فيه كأن قال: من دلني على مالي فله كذا فدله والمال بيد غيره ولا كلفة ولا فيما تعين عليه كأن قال: من رد مالي فله كذا فرده من هو بيده وتعين عليه الرد لنحو غصب وإن كان فيه كلفة لان ما لا كلفة فيه وما تعين عليه شرعا لا يقابلان بعوض، وما لا يتعين شامل للواجب على الكفاية كمن حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره فإنه جائز كما نقله النووي في فتاويه.
(و) عدم (تأقيته) لان تأقيته قد يفوت الغرض فيفسده، وسواء كان العمل الذي يصح العقد عليه معلوما أم مجهولا عسر علمه للحاجة كما في عمل القراض بل أولى، فإن لم يعسر علمه اعتبر ضبطه إذ لا حاجة إلى احتمال الجهل، ففي بناء حائط يذكر موضعه وطوله وعرضه وارتفاعه وما يبني به، وفي الخياطة يعتبر وصفها ووصف الثوب وأكثر ما ذكر من زيادتي.
(و) شرط (في الجعل ما) مر (في الثمن) هو أولى مما ذكره، فما لا يصح ثمنا لجهل أو

(1/460)


نجاسة أو غيرهما يفسد العقد كالبيع ولانه مع الجهل لا حاجة إلى احتماله كالاجارة بخلافه في العمل والعامل، ولانه لا يكاد أحد يرغب في العمل مع جهله بالجعل فلا يحصل مقصود العقد، ويستثنى من ذلك مسألة العلج وستأتي في الجهاد، وما لو وصف الجعل بما يفيد العلم وإن لم يصح كونه ثمنا لان البيع لازم فاحتيط له بخلاف الجعالة.
(وللعامل في) جعل (فاسد يقصد أجرة) كالاجارة الفاسدة بخلاف ما لا يقصد كالدم، وتعبيري بما ذكر أعم وأولى مما عبر به.
(و) شرط (في الصيغة لفظ) أو ما في معناه مما مر في الضمان.
(من طرف الملتزم يدل على إذنه في العمل بجعل) لانها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب كالاجارة بخلاف طرف العامل لا يشترط له صيغة.
(فلو عمل) أحد (بقول أجنبي قال زيد: من رد عبدي فله كذا وكان كاذبا فلا شئ له) لعدم الالتزام فإن كان صادقا فله على زيد ما التزمه إن كان المخبر ثقة وإلا فهو كما لو رد عبد زيد غير عالم بإذنه والتزامه، وفي ذلك إشكال ذكرته مع جوابه في شرح الروض.
(ولمن رده من أقرب) من المكان المعين (قسطه) من الجعل فإن رده من أبعد منه فلا زيادة له لعدم التزامها أو من مثله من جهة أخرى فله كل الجعل كما صححه الخوارزمي لحصول الغرض، ويؤيده جواز ذلك في إجارة ولم يطلع السبكي على ذلك فبحث أن الاولى عدم استحقاقه، وكذا الاذرعي لكنه رجع عنه ومال، إلى استحقاقه.
(ولو رده اثنان) مثلا معينين كانا أولا (فلهما الجعل) بالسوية (إلا إن عين أحدهما) فقط (فله كله) أي الجعل (إن قصد الآخر اعانته) فقط (وإلا) بأن قصد الآخر العمل لنفسه أو للملتزم أو لهما أو لنفسه والعامل أو للعامل و الملتزم أو للجميع أو لم يقصد شيئا، فقولي وإلا أعم من قوله وإن قصد العمل للمالك.
(ف) - للمعين (قسطه) وهو في المثال نصف الجعل في الصور الثلاث الاول والاخيرة وثلاثة أرباعه في الرابعة والخامسة وثلثاه في السادسة.
(ولا شئ للآخر) حينئذ لعدم الالتزام له.
(وقبل فراغ) من العمل الصادق ذلك بما قبل الشروع فيه.
(للملتزم تغيير) بزيادة أو نقص في الجعل أو العمل كما في البيع في زمن الخيار، وتعبيري هنا وفيما يأتي بالملتزم أعم من تعبيره بالمالك، وحكم التغيير في العمل من زيادتي (فإن كان)
التغيير (بعد شروع) في العمل (أو) قبله و (عمل) العامل (جاهلا) بذلك (فله أجرة) أي أجرة مثله لان النداء الثاني فسخ للاول، والفسخ من الملتزم في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل، وألحق به فسخه بالتغيير قبل العمل المذكور، فإن عمل في هذه عالما بذلك فله المسمى الثاني ويستثنى من الاول ما لو علم المسمى الثاني فقط فله منه قسط ما عمله بعد علمه فيما يظهر، وإن أفهم كلام بعضهم أن له بذلك كل المسمى الثاني، وقولي أو عمل

(1/461)


جاهلا من زيادتي.
(ولكل) منهما (فسخ) للجعالة لانها عقد جائز من الطرفين كالقراض والشركة.
(وللعامل أجرة) أي أجرة مثله (إن فسخ الملتزم) ولو بإعتاق الرقيق (بعد شروع) في العمل كما في القراض، واستشكل لزوم أجرة المثل بما لو مات الملتزم في أثناء المدة حيث تنفسخ، ويجب القسط من المسمى، وأي فرق بين الفسخ والانفساخ، ويجاب بأن الملتزم ثم لم يتسبب في إسقاط المسمى والعامل ثم تمم العمل بعد الانفساخ ولم يمنعه الملتزم منه بخلافه هنا.
(وإلا) بأن فسخ أحدهما قبل الشروع أو العامل بعده.
(فلا شئ) له وإن وقع العمل مسلما كأن شرط له جعلا في مقابلة بناء حائط فبنى بعضه بحضرته لانه لم يعمل شيئا في الاولى وفسخ ولم يحصل غرض الملتزم في الثانية، نعم إن فسخ فيها لزيادة الملتزم في العمل فله الاجرة.
(كما لو تلف مردوده) هو أعم من قوله مات الآبق.
(أو هرب قبل وصوله) لمالكه فإنه لا شئ له لانه لم يرده، وكذا تلف سائر محال الاعمال، نعم إن وقع العمل مسلما وظهر أثره على المحل استحق الاجرة كما أوضحته في شرح البهجة وغيره.
(ولا يحبسه لاستيفاء) للجعل لانه إنما يستحقه بالتسليم ولا للمؤنة أيضا كما شمله كلامي، بخلاف قول الاصل لقبض الجعل.
(وحلف ملتزم أنكر شرط جعل أوردا) فيصدق لان الاصل عدمه، فإن اختلفا بعد استحقاق في قدر جعل أو قدر مردود تحالفا، وللعامل أجرة المثل كما علم من باب الاختلاف في كيفية العقد وكتاب القراض، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تم الجزء الاول ويليه الثاني: وأوله: كتاب الفرائض

(1/462)