فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط العلمية

فتح الوهاب - زكريا الأنصاري ج 2
فتح الوهاب زكريا الأنصاري ج 2

(2/)


فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب تأليف شيخ الاسلام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الانصاري المتوفي سنة 926 ه ومعه الرسائل الذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية للسيد مصطفى به حنفي الذهبي الشافعي تنبيه: وضعنا في أعلى الصفحات متن منهج الطلاب وضعنا تحته مباشرة نص فتح الوهاب مفصولا بخط ووضعنا في أسف الصفحات نص الرسائل الذهبية الجزء الثاني منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

(2/1)


جميع الحقوق محفوظة جميع حقوق الملكية الادبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكومبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيا.
الطبعة الاولى 1418 ه - 1998 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان العنوان رمل الظريف شارع البحتري - بناية ملكارت تلفون وفاكس: 364398 - 366135 - 602133 (961 1)..صندوق بريد: 9424 - 11 بيروت - لبنان

(2/2)


بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفرائض أي مسائل قسمة المواريث، جمع فريضة، بمعنى مفروضة: أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها.
والفرض لغة التقدير.
وشرعا هنا نصيب مقدر شرعا لموارث.
والاصل فيه قبل الاجماع آيات المواريث والاخبار كخبر الصحيحين ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الاصحاب إلى ثلاثة علوم: علم الفتوى وعلم النسب وعلم الحساب (يبدأ من تركة ميت) وجوبا (بما) أي بحق (تعلق بعين) منها لا بحجر، والعين التي تعلق بها حق (كزكاة) أي كمال وجبت فيه لانه كالمرهون بها (وجان) لتعلق أرش الجناية برقبته.
(ومرهون) لتعلق دين المرتهن به (وما) أي ومبيع (مات مشتريه مفلسا) بثمنه، ولم يتعلق به حق لازم ككتابة لتعلق حق فسخ البائع به سواء أحجر عليه قبل موته أم لا أما تعلق حق الغرماء بالاموال بالحجر فلا يبدأ فيه بحقهم بل بمؤن التجهيز كما نقله في الروضة عن الاصحاب في الفلس، (فبمؤن تجهيز ممونه) من نفسه وغيره فهو أعم من قوله بمؤنة تجهيزه (بمعروف) بحسب يساره وإعساره، ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره، وهذا
من زيادتي (فب) - قضاء (دينه) المطلق الذي لزمه لوجوبه عليه (ف) - بتنفيذ (وصيته) وما ألحق بها كعتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت (من ثلث باق) وقدمت على الارث لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * وتقديما لمصلحة الميت كما في الحياة ومن للابتداء فتدخل الوصايا بالثلث وببعضه (والباقي) من تركته من حيث التسلط عليه بالتصرف لورثته) على ما يأتي بيانه.
وللارث أربعة أسباب لانه إما (بقرابة) خاصة (أو نكاح أو ولاء أو إسلام) أي جهته، فتصرف التركة أو

(2/3)


باقيها كما سيأتي لبيت المال إرثا للمسلمين عصوبة لخبر أبي داود وغيره أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه وهو (صلى الله عليه وسلم) لا يرث شيئا لنفسه بل يصرفه للمسلمين، ولانهم يعقلون عن الميت كالعصبة من القرابة ويجوز تخصيص طائفة منهم بذلك وصرفه لمن ولد أو أسلم أو عتق بعد موته أو لمن أوصى له لا لقاتله وقد أوضحت ذلك في شرح الروض، وللارث أيضا شروط ذكرها ابن الهائم في فصوله وبينتها في شرحيها وله موانع تأتي (والمجمع على إرثه من الذكور) بالاختصار (عشرة) وبالبسط خمسة عشر (ابن وابنه وإن نزل وأب وأبوه وإن علا وأخ مطلقا) أي لابوين أو لاب أو لام (وعم وابنه وابن أخ لغير أم) أي لابوين أو لاب في الثلاثة وإن بعدوا (وزوج وذو ولاء و) المجمع على إرثه (من الاناث) بالاختصار (سبع) وبالبسط عشر (بنت وبنت ابن وإن نزل) أي الابن، (وأم وجدة) أم أب وأم أم وإن علتا، (وأخت) مطلقا (وزوجة وذات ولاء).
وتعبيري بذو ولاء وذات ولاء أعم من تعبيره بالمعتق والمعتقة، (فلو اجتمع الذكور فالوارث أب وابن وزوج) لان غيرهم محجوب بغير الزوج ومسألتهم من إثني عشر ثلاثة للزوج وإثنان للاب والباقي للابن، (أو) اجتمع (الاناث ف) - الوارث (بنت وبنت ابن وأم وأخت لابوين وزوجة) وسقطت الجدة بالام وذات الولاء بالاخت المذكورة كما سقط بها الاخت للاب وبالبنت الاخت للام.
ومسألتهن من أربعة وعشرين ثلاثة للزوجة وإثنا عشر للبنت وأربعة لكل من بنت الابن والام والباقي للاخت،
(أو) اجتمع (الممكن) اجتماعه (منهما) أي من الصنفين (ف) - الوارث (أبوان) أي أب وأم (وابن وبنت وأحد زوجين)، أي الذكر إن كان الميت أنثى والانثى إن كان الميت ذكرا.
والمسألة الاولى أصلها من إثني عشر وتصح من ستة وثلاثين، والثانية من أربعة وعشرين وتصح من اثنين وسبعين (فلو لم يستغرقوا) أي الورثة من الصنفين التركة (صرفت كلها) إن فقدوا كلهم (أو باقيها) إن وجد بعضهم وهو ذو فرض (لبيت) ال (- مال) إرثا (إن انتظم) أمره بأن يكون الامام عادلا، (وإلا) أي وإن لم ينتظم (رد ما فضل) عن الورثة (على ذوي فروض غير زوجين بنسبتها)، أي فروض من يرد عليه ففي بنت وأم يبقى بعد إخراج فرضيهما سهمان من ستة للام ربعهما نصف سهم فتصح المسألة من إثني عشر إن اعتبر مخرج النصف، ومن أربعة وعشرين إن اعتبر مخرج الربع وهو الموافق للقاعدة، وترجع بالاختصار على التقديرين إلى أربعة للبنت ثلاثة وللام واحد وفي بنت وأم وزوج يبقى بعد إخراج فروضهم سهم من إثني عشر ثلاثة أرباعه

(2/4)


للبنت وربعه للام، فتصح المسألة من ثمانية وأربعين وترجع بالاختصار إلى ستة عشر، للزوج أربعة، وللبنت تسعة وللام ثلاثة، وفي بنت وأم وزوجة يبقى بعد إخراج فروضهن خمسة من أربعة وعشرين للام ربعها سهم وربع فتصح المسألة من ستة وتسعين.
وترجع بالاختصار إلى اثنين وثلاثين للزوجة أربعة وللبنت أحد وعشرون وللام سبعة، ولو كان ذو الفرض واحدا كبنت رد عليها الباقي أو جماعة من صنف واحد كبنات فالباقي بينهن بالسوية والرد ضد العول الآتي لانه زيادة في قدر السهام ونقص من عددها والعول نقص من قدرها وزيادة في عددها، (ثم) إن لم يوجد أحد من ذوي الفروض الذين يرد عليهم ورث (ذوو أرحام) وهم بقية الاقارب (وهم) أحد عشر صنفا (جد وجدة ساقطان) كأبي أم وأم أبي أم وإن عليا، وهذان صنف (وأولاد بنات) لصلب أو لابن من ذكور وإناث.
(وبنات إخوة) لابوين أو لاب أو لام (وأولاد أخوات) كذلك، (وبنو إخوة لام وعم لام) أي أخو الاب لامه (وبنات أعمام) لابوين
أو لاب أو لام (وعمات) بالرفع (وأخوال وخالات ومدلون بهم) أي بما عد الاول إذا لم يبق في الاول من يدلي به.
ومن انفرد منهم حاز جميع المال ذكرا كان أو أنثى، وفي كيفية توريثهم مذهبان أحدهما وهو الاصح مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل منهم منزلة من يدلي به.
والثاني مذهب أهل القرابة وهو تقديم الاقرب منهم إلى الميت ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على الاول بينهما أرباعا وعلى الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الكتاب، هذا كله إذا وجد أحد من ذوي الارحام، وإلا فحكمه ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه إذا جارت الملوك في مال المصالح وظفر به أحد يعرف المصارف أخذه وصرفه فيها كما يصرفه الامام العادل وهو مأجور على ذلك قال والظاهر وجوبه.
فصل في بيان الفروض وذويها: (الفروض) بمعنى الانصباء المقدرة (في كتاب الله) تعالى للورثة ستة بعول، وبدونه ويعبر عنها بعبارات أخصرها الربع والثلث، وضعف كل ونصفه.
فأحد الفروض (نصف) وبدأت به كالجمهور، لانه أكبر كسر مفرد وهو لخمسة (لزوج ليس لزوجته فرع وارث) بالقرابة الخاصة قال تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) *.
وولد الابن وإن نزل كالولد إجماعا أو لفظ الولد يشمله بناء على إعمال اللفظ في حقيقته، ومجازه وعدم فرعها

(2/5)


المذكور بأن لا يكون لها فرع.
أولها فرع غير وارث كرقيق أو وارث بعموم القرابة لا بخصوصها، كفرع بنت وقولي.
وارث هنا وفيما يأتي في الباب من زيادتي (ولبنت وبنت ابن وأخت لغير أم) أي لابوين أو لاب (منفردات) عمن يأتي.
قال تعالى في البنت: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) *.
ويأتي في بنت الابن ما مر في ولد الابن.
وقال في الاخت: * (وله أخت فلها نصف ما ترك) *..والمراد الاخت لابوين أو لاب دون الاخت لام، لان لها السدس للآية الآتية، وخرج بمنفردات ما لو اجتمعن مع معصبهن أو أخواتهن، أو
اجتمع بعضهن مع بعض كما سيأتي بيانه.
(و) ثانيها (ربع) وهو لاثنين (لزوج لزوجته فرع وارث) بالقرابة الخاصة ذكرا كان أو غيره سواء أكان منه أيضا أم لا.
قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) *.
وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها، لان فيه ذكوره، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت.
(ولزوجة) فأكثر (ليس لزوجها ذلك) أي فرع وارث بالقرابة الخاصة.
قال تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) *.
(و) ثالثها (ثمن) وهو (لها) أي لزوجة، فأكثر (معه) أي مع فرع زوجها الوارث سواء أكان منها أيضا أم لا.
قال تعالى: * (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن) *.
والزوجان يتوارثان ولو في عدة طلاق رجعي.
(و) رابعها (ثلثان) وهو لاربع (لصنف تعدد ممن فرضه نصف) أي لثنتين.
فأكثر من البنات أو بنات الابن أو الاخوات لابوين أو لاب إذا انفردن عمن يعصبهن، أو يحجبهن حرمانا أو نقصانا.
قال تعالى في البنات: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) *.
وبنات الابن كالبنات كما مر، والبنتان وبنتا الابن مقيستان على الاختين.
وقال في الاختين: فأكثر * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * نزلت في سبع أخوات لجابر حين مرض وسأل عن إرثهن منه فدل على أن المراد الاختان فأكثر.
(و) خامسها (ثلث) وهو لاثنين (لام ليس لميتها فرع وارث ولا عدد من إخوة وأخوات).
قال تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس) * [ النساء: 11 ] والمراد بهم إثنان، فأكثر إجماعا قبل إظهار ابن عباس الخلاف وسيأتي أنه إذا كان مع الام أب وأحد الزوجين، ففرضها ثلث الباقي (ولعدد) إثنين فأكثر (من ولدها) أي الام يستوي فيه الذكر وغيره.
قال تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) *.
والمراد أولاد الام بدليل قراءة ابن مسعود وغيره.
* (وله أخ أو أخت من أم) * والقراءة الشاذة كالخبر على الصحيح.
(وقد يفرض) أي الثلث (لجد مع إخوة) على ما سيأتي بيانه في فصله وبه يكون

(2/6)


الثلث لثلاثة وإن لم يكن الثالث في كتاب الله.
(و) سادسها (سدس) وهو لسبعة (لاب وجد لميتهما فرع وارث) قال تعالى: * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) *.
والجد كالاب لما مر في الولد.
والمراد جد لم يدل بأنثى وإلا فلا يرث بخصوص القرابة لانه من ذوي الارحام كما مر.
(ولام لميتها ذلك) أي فرع وارث (أو عدد من إخوة وأخوات) إثنان فأكثر لما مر (ولجدة) فأكثر لام أو لاب لانه (صلى الله عليه وسلم) أعطى الجدة السدس.
رواه أبو داود وغيره.
وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما، رواه الحاكم.
وقال صحيح على شرط الشيخين هذا إن (لم تدل بذكر بين أنثيين).
فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة لانها من ذوي الارحام كما مر.
فالوارث من الجدات كل جدة أدلت بمحض الاناث أو الذكور أو الاناث إلى الذكور كأم أم الام وأم أبي الاب وأم أم الاب.
(ولبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى) منها لقضائه (صلى الله عليه وسلم) بذلك في بنت ابن مع بنت.
رواه البخاري، وقيس بما فيه غيره.
وقولي فأكثر مع أو بنت ابن أعلى من زيادتي هنا (ولاخت فأكثر لاب مع أخت لابوين) كما في بنت الابن فأكثر مع البنت (ولواحد من ولد أم) ذكر كان أو غيره لما مر، فأصحاب الفروض ثلاثة عشر أربعة من الذكور والزوج والاب والجد والاخ للام وتسعة من الاناث الام والجدتان والزوجة والاخت للام وذوات النصف الاربع، وعلم من هنا.
ومما يأتي أن المراد بهم من يرث بالفرص، وإن كان يرث بالتعصيب أيضا.
فصل في الحجب حرمانا بالشخص أو بالاستغراق، والحجب لغة المنع، وشرعا منع من قام به سبب الارث بالكلية، أو من أوفر حظية.
ويسمى الاول حجب حرمان وهو قسمان: حجب بالشخص أو بالاستغراق، وحجب بالوصف.
وسيأتي والثاني حجب نقصان وقد مر.
(لا يحجب أبوان وزوجان وولد) ذكرا كان أو غيره عن الارث (بأحد) إجماعا، وضابطهم
كل من أدلى إلى الميت بنفسه إلا المعتق والمعتقة.
(بل) يحجب غيرهم فيحجب (ابن ابن بابن) سواء كان أباه أم عمه (أو ابن ابن أقرب منه.
و) يحجب (جد) أبوأب وإن علا (بمتوسط بينه وبين الميت)، كالاب وأبيه (و) يحجب (أخ لابوين بأب وابن وابنه) وإن نزل إجماعا (و) يحجب أخ (لاب بهؤلاء) الثلاثة (وأخ لابوين) وبأخت لابوين معها بنت ابن كما

(2/7)


سيأتي.
(و) يحجب (أخ لام بأب وجد وفرع وارث) وإن نزل ذكرا كان أو غيره.
(و) يحجب (ابن أخ لابوين بأب وجد) أبيه وإن علا (وابن وابنه).
وإن نزل (وأخ لابوين و) أخ (لاب) لانه أقرب منه.
(و) يحجب ابن أخ (لاب بهؤلاء) الستة (وابن أخ لابوين) لانه أقوى منه.
ويحجب ابن ابن أخ لابوين بابن أخ لاب لانه أقرب منه.
(و) يحجب (عم لابوين بهؤلاء) السبعة، (وابن أخ لاب) لذلك، (و) يحجب عم (لاب بهؤلاء) الثمانية (وعم لابوين) لانه أقوى منه، (و) يحجب (ابن عم لابوين بهؤلاء) التسعة (وعم لاب) لانه أقرب منه، (و) يحجب ابن عم (و) لاب بهؤلاء) العشرة (وابن عم لابوين) لانه أقوى منه ويحجب ابن ابن عم لابوين بابن عم لاب.
(فإن قلت): كل من العم لابوين ولاب يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم جده، مع أن ابن عم الميت، وإن نزل يحجب عم أبيه وابن عم أبيه وإن نزل يحجب عم جده.
(قلت)، المراد بقرينة السياق عم الميت، لا عم أبيه ولا عم جده (و) تحجب (بنات ابن بابن أو بنتين إن لم يعصبن) بنحو أخ أو ابن عم فإن عصبن به أخذن معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب (و) تحجب (جدة لام بأم) لانها تدلي بها.
(و) تحجب جدة (لاب بأب) لانها تدلي به (وأم) بالاجماع، ولان إرثها بالامومة والام أقرب منها.
(و) تحجب (بعدى كل جهة بقرباها) كأم أم وأم أم أم وكأم أب وأم أم أب.
(و) تحجب (بعدى جهة أب بقربى جهة أم)، كأم أم وأم أم أب، كما أن أم الاب تحجب بالام (لا العكس)، أي لا تحجب بعدي جهة الام بقربي جهة الاب كأم أب وأم أم أم، بل يشتركان في السدس لان الاب، لا يحجب الجدة من جهة الام، فالجدة التي تدلي به أولى (وأخت) من كل الجهات (كأخ) فيما يحجب
به فتحجب الاخت لابوين بالاب والابن وابن الابن، ولاب بهؤلاء وأخ لابوين ولام بأب وجد وفرع وارث نعم.
الاخ لابوين أو لاب لا تسقط بالفروض المستغرقة بخلاف الاخ كما يؤخذ مما يأتي.
(و) تحجب (أخوات لاب بأختين لابوين) كما في بنات الابن مع البنات، فإن كان معهن أخ عصبهن كما سيأتي.
ويحجبن أيضا بأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن كما سيأتي.
(و) تحجب (عصبة) ممن يحجب (باستغراق ذوي فروض) للتركة كزوج وأم وأخ منها، وعم، فالعم محجوب بالاستغراق.
(و) يحجب (من له ولاء) ذكرا كان أو غيره (بعصبة نسب) لانها أقوى منه، (والعصبة) ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كما قاله المطرزي وغيره: (من لا مقدر له من الورثة) ويدخل فيه من يرث بالفرض والتعصيب كالاب والجد من جهة التعصيب.

(2/8)


وتعبيري بالورثة أعم من تعبيره بالمجمع على توريثهم، (فيرث التركة) إن لم يكن معه ذو فرض، ولم ينتظم في صورة ذوي الارحام بيت المال، (أو ما فضل عن الفرض)، إن كان معه ذو فرض.
ولم ينتظم في تلك الصورة بيت المال وكان ذو الفرض فيها أحد الزوجين، ويسقط عند الاستغراق إلا إذا انقلب إلى الفرض كالشقيق في المشتركة كما سيأتي.
ويصدق قولي فيرث التركة بالعصبة بنفسه وبنفسه وغيره معا، وما بعده بذلك وبالعصبة مع غيره وتعبيري هنا وفيما يأتي بالتركة أعم من تعبيره بالمال.
فصل في كيفية إرث الاولاد وأولاد الابن انفرادا واجتماعا (لابن فأكثر التركة) إجماعا (ولبنت فأكثر ما مر) في الفروض، من أن للبنت النصف وللاكثر الثلثين.
وذكر هنا تتميما للاقسام، وتوطئة لقولي: (ولو اجتمعا)، أي البنون والبنات (ف) التركة لهم (للذكر مثل حظ الانثيين) قال تعالى: * (يوصيكم الله في أولا دكم للذكر مثل حظ الانثيين) *.
قيل: وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الانثى من الجهاد وغيره، (وولد الابن) وإن نزل (كالولد) فيما ذكر إجماعا.
(فلو اجتمعا والولد ذكر) أو ذكر معه
أنثى كما فهم بالاولى (حجب ولد الابن) إجماعا (أو أنثى) وإن تعددت (فله) أي الولد الابن (ما زاد على فرضها) من نصف أو ثلثين، إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا بقرينة ما يأتي.
(ويعصب الذكر) في الثانية (من في درجته) كأخته وبنت عمه، (وكذا من فوقه) كعمته وبنت عم أبيه (إن لم يكن لها سدس)، وإلا فلا يعصبها.
(فإن كان) ولد الابن (أنثى) وإن تعددت (فلها مع بنت سدس) كما مر، تكملة الثلثين.
(ولا شئ لها مع أكثر منها) كما مر بالاجماع، (وكذا كل طبقتين منهم) أي من ولد الابن فولد ابن الابن مع ولد الابن كولد الابن مع الولد فيما تقرر وهكذا.
فصل في كيفية إرث الاب والجد وإرث الام في حالة (الاب يرث بفرض مع) وجود (فرع ذكر وإرث).
وفرضه السدس كما مر، ومعلوم أنه

(2/9)


كغيره ممن له فرض يرث به في العول وعدمه إذا لم يفضل أكثر منه، كأن يكون معه بنتان وأم أو بنتان وأم وزوج.
(و) يرث (بتعصيب مع فقد فرع وارث)، فإن كان معه وارث آخر كزوج أخذ الباقي بعده، وإلا أخذ الجميع.
(و) يرث (بهما) أي بالفرض والتعصيب (مع فرع أنثى وارث) فله السدس فرضا، والباقي بعد فرضيهما يأخذه بالتعصيب، (ولام) ثلث أو سدس كما مر في الفروض.
ولها (مع أب وأحد زوجين ثلث باق) بعد الزوج أو الزوجة لا ثلث الجميع، ليأخذ الاب مثلي ما تأخذه الام.
واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الادب، في موافقة قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) *.
وإلا فما تأخذه الام في الاولى سدس، وفي الثانية ربع، والاولى من ستة، والثانية من أربعة.
وتلقبان بالغراوين لشهرتهما تشبيهما لهما بالكوكب الاغر، وبالعمريتين لقضاء عمر رضي الله عنه فيهما بما ذكر وبالغريبتين لغرابتهما (وجد لاب كأب) في أحكامه..(إلا أنه لا يرد الام لثلث باق) في هاتين المسئلتين لانه لا يساويها في الدرجة بخلاف الاب.
(ولا يسقط ولد غير أم) أي ولد أبوين أو أب، بل يقاسمه كما سيأتي بخلاف الاب، فإنه يسقطه كما مر.
(ولا) يسقط (أم أب) لانها لم تدل به بخلافها في
الاب، وإن تساويا في أن كلا منهما يسقط أم نفسه.
فصل في إرث الحواشي (ولد أبوين) ذكرا كان أو أنثى، يرث (كولد) فللذكر الواحد فأكثر جميع التركة وللانثى النصف، وللانثيين.
فأكثر الثلثان وللذكر مثل حظ الانثيين عند اجتماع الذكور والاناث (وولد أب كولد أبوين) في أحكامه.
قال تعالى فيهما: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت) * [ النساء: 176 ] الآية.
(إلا في المشركة) بفتح الراء المشددة، وقد تكسر وتسمى الحمارية، والحجرية واليمية والمنبرية.
(وهي زوج وأم وولدا أم وأخ لابوين فيشارك الاخ) لابوين ولو مع من يساويه من الاخوة والاخوات، (ولدي الام) في فرضهما لاشتراكه معهما في ولادة الام لهم.
وأصل المسألة من ستة، فإذا لم يكن مع الاخ من يساويه، فثلثها منكسر عليهم.
ولا وفق فيضرب عددهم في الستة، فتصح من ثمانية عشر.
والجدة فيها كالام حكما.
(ولو كان) الاخ أخا (لاب سقط) لعدم ولادته من الام المقتضية للمشاركة وأسقط من معه من أخواته المساويات له.
ويسمى الاخ المشئوم ولو كان بدل الاخ أخت لابوين أو لاب فرض لها النصف أو أكثر فالثلثان، وأعيلت

(2/10)


المسألة ولو كان بدله خنثى صحت المسألة من ثمانية عشر نظير ما مر ستة للزوج، وإثنان للام، وأربعة لولدي الام، وإثنان للخنثى.
وتوقف أربعة.
فإن بان ذكرا رد على الزوج ثلاثة، وعلى الام واحد أو أنثى أخذها.
(واجتماع الصنفين) أي ولد الابوين وولد الاب (كاجتماع الولد ولد الابن) فإن كان ولد الابوين ذكرا أو ذكرا معه أنثى حجب ولد الاب أو أنثى.
وإن تعددت فله ما زاد على فرضها، فإن كان أنثى فلها مع شقيقة سدس، ولا شئ لها مع أكثر (إلا أن الاخت لا يعصبها إلا أخوها)، أي فلا يعصبها ابن أخيها بخلاف بنت الابن يعصبها من في درجتها ومن هو أنزل منها كما مر.
فلو ترك شخص أختين لابوين وأختا لاب وابن أخ لاب فللاختين الثلثان والباقي لابن الاخ ولا يعصب الاخت (وأخت لغير أم) أي لابوين أو لاب (مع بنت أو بنت ابن فأكثر
عصبة) كالاخ، (فتسقط أخت لابوين) اجتمعت (مع بنت) أو بنت ابن (ولد أب).
روى البخاري أن ابن مسعود سئل عن بنت وبنت ابن وأخت فقال: لاقضين فيها بما قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللاخت وتعبيري بولد الاب أعم من تعبيره بالاخوات (وابن أخ لغير أم كأبيه) اجتماعا وانفرادا.
ففي الانفراد يستغرق التركة، وفي الاجتماع يسقط ابن الاخ لاب بابن الاخ لابوين.
(لكن) يخالفه في أنه (لا يرد الام) من الثلث (للسدس ولا يرث مع الجد ولا يعصب أخته) بخلاف أبيه في الجميع كما مر (ويسقط في المشركة) بخلاف أبيه الشقيق كما مر (وعم لغير أم) أي لابوين أو لاب (كأخ كذلك) أي لغير الام اجتماعا وانفرادا.
فمن انفرد منهما أخذ كل التركة، وإذا اجتمعا سقط العم لاب بالعم لابوين، (وكذا باقي عصبة نسب) كبني العم وبني بنيه وبني بني الاخوة.
فصل في الارث بالولاء.
(من لا عصبة بنسب فتركته أو الفاضل) منها عن الفرض (لمعتقه) بالاجماع.
(ف) - إن فقد المعتق فهو (لعصبته بنفسه) في النسب كابنه وأخيه، بخلاف عصبته بغيره أو مع غيره كبنته وأخته مع معصبهما.
وكأخته مع بنته لانهما ليستا عصبة بنفسهما.
وتعتبر أقرب عصبات المعتق وقت

(2/11)


موت العتيق، فلو ما ت المعتق عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابن ثم مات العتيق فولاؤه لابن المعتق دون ابن ابنه.
وترتيبهم (كترتيبهم في نسب)، فيقدم ابن المعتق ثم ابن ابنه وإن نزل ثم أبوه ثم جده وإن علا وهكذا.
(لكن يقدم أخو معتق وابن أخيه على جده) بخلافه في النسب، فإن الجد يشارك الاخ ويسقط ابن الاخ كما مر.
ولو كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لام قدم هنا لتمحض الاخوة للترجيح.
وكذا يقدم العم وابنه على أبي الجد هنا بخلافه في النسب، (ف) - إن فقدت عصبة نسب المعتق فما ذكر (لمعتق المعتق فعصبته كذلك) أي كما في عصبة المعتق، ثم معتق معتق المعتق وهكذا، ثم بيت المال فلو اشترت بنت أباها فعتق عليها ثم اشترى الاب
عبدا وأعتقه ثم مات الاب عنها وعن ابن ثم مات عتيقه عنهما فميراثه للابن دون البنت لانه عصبة معتق من النسب بنفسه والبنت معتقه المعتق والاول أقوى وتسمى هذه مسألة القضاة لما قيل إنه أخطأ فيها أربعمائة قاض غير المتفقهة، حيث جعلوا الميراث للبنت، (ولا ترث امرأة بولاء إلا عتيقها أو منتميا إليه بنسب) كابنه.
وإن نزل (أو ولاء) كعتيقه فإنها ترثه بالولاء ويشركها فيه الرجل ويزيد عليها بكونه عصبة معتق من نسب بنفسه، كما علم أكثر ذلك مما مر.
وسيأتي بيان انجرار الولاء في فصله.
فصل في بيان ميراث الجد والاخوة.
(لجد) اجتمع (مع ولد أبوين أو) ولد (أب بلاذي فرض الاكثر من ثلث ومقاسمة كأخ).
أما الثلث فلان له مع الام مثلي ما لها غالبا، والاخوة لا ينقصونها عن السدس فلا ينقصونه عن مثليه.
وأما المقاسمة فلانه كالاخ في إدلائه بالاب، وإنما أخذ الاكثر لانه قد اجتمع فيه جهتا الفرض والتعصيب فأخذ بأكثرهما.
فإذا كان معه أخوان وأخت فالثلث أكثر أو أخ وأخت فالمقاسمة أكثر وضابطه أن الاخوة والاخوات إن كانوا مثليه وذلك في ثلاث صور أخوان أربع أخوات أخ وأختان استوى له الثلث والمقاسمة ويعبر الفرضيون فيه بالثلث لانه أسهل وإن كانوا دون مثليه وذلك في خمس صور أخ أخت أختان ثلاث أخوات أخ وأخت فالمقاسمة أكثر أو فوقهما، فالثلث أكثر ولا تنحصر صوره، (و) له مع من ذكر (به) أي بذي فرض (الاكثر من سدس وثلث باق) بعد فرض (ومقاسمة) بعده ففي بنتين وجد وأخوين وأخت السدس أكثر وفي زوجة وأم وجد وأخوين وأخت ثلث الباقي أكثر وفي بنت وجد وأخ وأخت المقاسمة

(2/12)


أكثر.
ولمعرفة الاكثر من الثلاثة ضابط ذكرته في شرح الروض وغيره هذا إن بقي أكثر من السدس، (فإن لم يبق أكثر من سدس) بأن لم يبق شئ كبنتين وأم وزوج مع جد وإخوة أو بقي سدس كبنتين وأم مع جد وإخوة أو بقي دونه كبنتين وزوج مع جد وإخوة (أخذه) أي السدس، (ولو عائلا)، كله أو بعضه كما علم لانه ذو فرض فيرجع إليه عند الضرورة (وسقطت الاخوة)
لاستغراق ذوي الفروض التركة (وكذا) للجد ما ذكر (معهما) أي مع ولد الابوين وولد الاب (ويعد) حينئذ أي يحسب (ولد الابوين عليه ولد الاب في القسمة)، فإن كان ولد الابوين ذكرا أي أو ذكرا أو أنثى أو أنثى معها بنت أو بنت ابن كما علما (سقط ولد الاب) لانهم يقولون للجد: كلانا إليك سواء فنرحمك بأخوتنا ونأخذ حصتهم كما يأخذ الاب ما نقصه إخوة الام منها مثاله جد وأخ لابوين وأخ وأخت لاب، (وإلا) أي وإن لم يكن ولد الابوين من ذكر (فتأخذ الواحدة) منهن مع ما خصها بالقسمة (إلى النصف و) تأخذ (من فوقها) مع ما خصهن بالقسمة (إلى الثلثين) إن وجد ذلك.
ففي جد وشقيقتين وأخ لاب المسألة من ثلاثة أو من ستة، للجد الثلث والباقي وهو الثلثان للشقيقتين، وسقط الاخ للاب وفي جد وشقيقتين وأخت لاب المسألة من خمسة للجد إثنان يبقى للشقيقتين ثلاثة وهي دون الثلثين فيقتصران عليها (ولا يفضل عنهما) أي عن الثلثين (شئ) لان للجد الثلث فأكثر كما عرف آنفا، (وقد يفضل عن النصف) شئ (فيكون لولد الاب) كجد وأخت لابوين وأخ وأختين لاب للجد الثلث، فأكثر كما عرف آنفا.
(وقد يفضل عن النصف) شئ (فيكون لولد الاب) كجد وأخت لابوين وأخ وأختين لاب للجد الثلث وللاخت النصف والباقي لاولاد الاب وهو واحد من ستة على أربعة فتضرب الاربعة في الستة، فتصح المسألة من أربعة وعشرين.
ولا يفرض لاخت مع جد إلا في الاكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لغير أم) أي لابوين أو لاب، (فللزوج نصف، وللام ثلث وللجد سدس وللاخت نصف فتعول) المسألة من ستة إلى تسعة، (ثم يقسم الجد والاخت نصيبهما)، وهما أربعة (أثلاثا) له الثلثان، ولها الثلث فيضرب مخرجه في تسعة، فتصح المسألة من سبعة وعشرين للام ستة وللزوج تسعة وللجد ثمانية وللاخت أربعة.
وإنما فرض لها معه ولم يعصبها فيما بقي لنقصه بتعصيبها فيه عن السدس فرضه، ولو كان بدل الاخت أخ سقط أو أختان فللام السدس ولهما السدس الباقي وسميت أكدرية لتكديرها على زيد مذهبه لمخالفتها القواعد.
وقيل لتكدر أقوال الصحابة فيها وقيل لان سائلها كان اسمه أكدر وقيل غير ذلك كما ذكرته في شرح الفصول.

(2/13)


فصل في موانع الارث وما يذكر معها (الكافران يتوارثان).
وإن اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو مجوسي ووثني لان الملل في البطلان كالملة الواحدة.
قال تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) *.
وقال: * (لكم دينكم ولي دين) * (لا حربي وغيره)، كذمي ومعاهد لانقطاع الموالاة بينهما.
وقولي وغيره أعم من قوله وذمي (ولا مسلم وكافر) وإن أسلم قبل قسمة التركة لذلك.
ولخبر الصحيحين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (ولا متوارثان ماتا بنحو عرق) كهدم وحريق (ولم يعلم أسبقهما) موتا سواء أعلم سبق أم لا لان من شرط الارث تحقيق حياة الوارث بعد موت المورث وهو هنا منتف.
فلو علم أسبقهما ونسي وقف الميراث إلى البيان أو الصلح وتعبيري بنحو عرق أعم من تعبيره بغرق أو هدم أو غربة.
(ولا يرث نحو مرتد) كيهودي تنصر أحدا إذ ليس بينه وبين أحد موالاة في الدين لانه ترك دينا يقر عليه ولا يقر على دينه الذي انتقل إليه، (ولا يورث) لذلك.
لكن لو قطع شخص طرف مسلم فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة ومثله حد القذف ونحو من زيادتي.
وكذا (كزنديق) وهو من لا يتدين بدين فلا يرث ولا يورث لذلك (ومن به رق) ولد مدبرا أو مكاتبا فلا يرث ولا يورث لنقصه ولانه لو ورث لملك واللازم باطل (إلا مبعضا فيورث) ما ملكه بحريته لتمام ملكه عليه ولا شئ لسيده منه لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية، واستثنى أيضا كافر له أمان جنى عليه حال حريته وأمانه ثم نقض الامان فسبي واسترق وحصل الموت بالسراية حال رقه فإن قدر الدية لورثته.
(ولا يرث قاتل) من مقتوله (وإن لم يضمن) بقتله لخبر الترمذي وغيره بسند صحيح.
ليس للقاتل شئ أي من الميراث ولتهمة استعجال قتله في بعض الصور وسدا للباب في الباقي ولان الارث للموالاة والقتل قطعها.
وأما المقتول فقد يرث القاتل بأن يجرحه ويضربه ثم يموت هو قبله، ومن الموانع الدور الحكمي وهو أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه
كأخ أقر بابن للميت فيثبت نسب الابن ولا يرث كما مر في الاقرار وأما استبهام تاريخ الموت المذكور فمنهم من عده مانعا ومنهم من منع لما يأتي.
وقد قال ابن الهائم في شرح كفايته الموانع الحقيقية أربعة: القتل والرق واختلاف الدين والدور الحكمي وما زاد عليها فتسميته مانعا.
مجاز، والاوجه ما قاله في غيره أنها ستة هذه الاربعة والردة واختلاف العهد، وأن ما زاد عليها مجاز لان انتفاء الارث معه لا لانه مانع بل لانتفاء الشرط كما في جهل التاريخ أو السبب

(2/14)


كما في انتفاء النسب.
(ومن فقد) بأن انقطع خبره (وقف ماله حتى تقوم بينة بموته أو يحكم قاض به بمضي مدة) من ولادته (ولا يعيش فوقها ظنا فيعطي ماله من يرثه حينئد) أي حين قيام البينة أو الحكم فإن مات قبل ذلك ولو بلحظة لم يرث منه شيئا لجواز موته فيها وهذا عند إطلاقهما الموت، فإن أسنده إلى وقت سابق لكونه سبق بمدة فينبغي أن يعطي من يرثه ذلك الوقت وإن سبقهما ولعله مرادهم نبه على ذلك السبكي في الحكم، ومثله البينة بل أولى.
وتعبيري بحينئذ أعم من تعبير الاصل بوقت الحكم (ولو مات من يرثه) المفقود قبل قيام البينة والحكم بموته (وقفت حصته) حتى يتبين حاله (وعمل في) حق (الحاضر بالاسوأ) فمن يسقط منهم بحياة المفقود أو موته لا يعطى شيئا حتى يتبين حاله، ومن ينقص حقه منهم بذلك يقدر في حقه ذلك، ومن لا يختلف نصيبه بهما يعطاه، ففي زوج وعم وأخ لاب مفقود يعطى الزوج نصفه ويؤخر العم، وفي جد وأخ لابوين وأخ لاب مفقود يقدر في حق الجد حياته فيأخذ الثلث، وفي حق الاخ لابوين موته فيأخذ النصف ويبقى السدس إن تبين موته فللجد أو حياته فللاخ.
(ولو خلف حملا يرث) لا محالة بعد انفصاله بأن كان منه (أو قد يرث) بأن كان من غيره كحمل أخيه لابيه فإنه إن كان ذكرا ورث أو أنثى فلا.
(عمل باليقين فيه وفي غيره) قبل انفصاله.
(فإن لم يكن وارث سواه) أي الحمل (أو كان) ثم (من) أي وارث (قد يحجبه) الحمل (أو) كان ثم من لا يحجبه (ولا مقدر له كولد وقف المتروك) إلى انفصاله احتياطا ولانه حصر للحمل.
(أو له مقدر أعطيه عائلا إن
أمكن عول كزوجة حامل وأبوين) لها ثمن ولهما سدسان عائلات لاحتمال أن الحمل بنتان فتعول المسألة من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية لان عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى، فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا ومضى في خطبته.
(وإنما يرث) الحمل (إن انفصل حيا) حياة مستقرة (وعلم وجوده عند الموت) بأن ولدته لاقل من أكثر مدة الحمل ولم تكن حليلة، فإن كانت حليلة فبأن تلد لدون ستة أشهر وإلا فلا يرث إلا إن اعترف الورثة بوجوده عند الموت.
(والمشكل) وهو من له آلتا الرجال والنساء أو ثقبة تقوم مقامهما (إن لم يختلف إرثه) بذكورة وأنوثة (كولد أم) ومعتق (أخذه وإلا) أي وإن اختلف إرثه بهما (عمل باليقين فيه وفي غيره ويوقف ما شك فيه) حتى يتبين الحال أو يقع الصلح، ففي زوج وأب وولد خنثى للزوج

(2/15)


الربع وللاب السدس وللخنثى النصف ويوقف الباقي بينه وبين الاب.
(ومن جمع جهتي فرض وتعصيب كزوج هو ابن عم ورث بهما) لانهما سببان مختلفان فيستغرق المال.
إن انفرد (لا كبنت هي أخت لاب بأن يطأ) شخص بشبهة أو مجوسي في نكاح (بنته فتلد بنتا) وتموت عنها (ف) - ترث (بالبنوة) فقط لا بها وبالاخوة لانهما قرابتان يورث بكل منهما بالفرض منفردين فيورث بأقواهما مجتمعين لا بهما، كالاخت لابوين لا ترث النصف بأخوة الاب والسدس بأخوة الام.
وقولي لاب مع التصريح بالتصوير من زيادتي (أو) جمع (جهتي فرض ف) - يرث (بأقواهما) فقط والقوة (بأن تحجب إحداهما الاخرى كبنت هي أخت لام بأن يطأ) من ذكر (أمه فتلد بنتا) فترث منه بالبنوة دون الاخوة (أو) بأن (لا تحجب) إحداهما دون الاخرى (كأم خي أخت لاب بأن يطأ) من ذكره (بنته فتلد بنتا) فترث والدتها منها بالامومة دون الاخوة لان الام لا تحجب بخلاف الاخت.
(أو) بأن (تكون) إحداهما (أقل حجبا) من الاخرى (كأم أم هي أخت) لاب (بأن يطأ) من ذكر (بنته الثانية فتلد ولدا) فالاولى أم أمه وأخته لابيه فترث منه بالجدودة
دون الاخوة لان الجدة أم الام إنما تحجبها الام والاخت يحجبها جمع كما مر.
(ولو زاد أحد عاصبين) في درجة (بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لام) بأن يتعاقب أخوان على امرأة فتلد لكل منهما ابنا ولاحدهما ابن من غيرها فابناه ابنا عم الابن الآخر وأحدهما أخوة لامه (لم يقدم) على الآخر.
(ولو حجبته بنت عن فرضه) لان إخوة الام إن لم تحجب فلها فرض وإلا صارت بالحجب كأنها لم تكن فلم يرجح بها على التقديرين.
فصل في أصول المسائل وبيان ما يعود منها (إن كانت الورثة عصبات قسم المتروك) هو أعم من قوله: قسم المال (بينهم) بالسوية (إن تمحضوا ذكورا) كثلاثة بنين (أو إناثا) كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية بينهن (فإن اجتمعا) أي الصنفان من نسب (قدر الذكر أنثيين) ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة للابن اثنان وللبنت واحد (وأصل المسألة عدد رؤوسهم) بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه

(2/16)


أنثى (وإن كان فيها ذو فرض) كنصف (أو فرضين متماثلي المخرج) كنصفين (فأصلها منه) أي من المخرج والمخرج أقل عدد يصح منه الكسر (فمخرج النصف اثنان والثلث) والثلثين (ثلاثة والربع أربعة والسدس ستة والثمن ثمانية) لان أقل عدد له نصف صحيح اثنان وكذا البقية، وكلها مأخوذة من أسماء الاعداد إلا النصف فإنه من التناصف، فكأن المقتسمين تناصفا واقتسما بالسوية، ولو أخذ من اسم العدد لقيل له ثني بالضم كما في غيره من ثلث وربع وغيرهما (أو مختلفيه) أي المخرج (فإن تداخل مخرجاهما بأن فني الاكثر بالاقل مرتين فأكثر فأصلها) أي المسألة (أكثرها كسدس وثلث) في مسألة أم وولديها وأخ لغير أم فهي من ستة (أو توافقا بأن لم يفنهما إلا عدد ثالث فأصلها حاصل من ضرب وفق أحدهما في كامل الآخر كسدس وثمن) في مسألة أم وزوجة وابن فأصلها أربعة وعشرون حاصل ضرب وفق أحدهما وهو نصف الستة أو الثمانية في الآخر.
(والمتداخلان متوافقان ولا عكس) أي ليس كل متوافقين متداخلين فالثلاثة والستة
متداخلان ومتوافقان بالثلث والاربعة والستة متوافقان من غير تداخل، والمراد بالتوافق هنا مطلق التوافق الصادق بالتماثل والتداخل والتوافق لا التوافق الذي هو قسيم التداخل كما أوضحته في شرحي الفصول وغيرهما.
(أو تباينا بأن لم يفنهما إلا واحد) ولا يسمى في علم الحساب عددا (فأصلها حاصل ضرب أحدهما في الآخر كثلث وربع) في مسألة أم وزوجة وأخ لغير أم فأصلها اثنا عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة.
(فالاصول) عند المتقدمين وهي مخارج الفروض سبعة (اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون) وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والاخوة ثمانية عشر وستة وثلاثين، فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم وإنما كانت من ثمانية عشر لان أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو هذا العدد، والثاني كزوجة وأم وجد وسبعة أخوة لغير أم وإنما كانت من ستة وثلاثين لان أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو هذا العدد، والمتقدمون يجعلون ذلك تصحيحا لا تأصيلا.
قال في الروضة: وطريق المتأخرين هو المختار الاصح الجاري على القاعدة، وقد بسطت الكلام على ذلك في منهج الوصول إلى تحرير الفصول (وتعول منها) ثلاثة (الستة لعشرة وترا وشفعا) فتعول أربع مرات إلى سبعة كزوج وأختين

(2/17)


لغير أم للزوج ثلاثة ولكل أخت اثنان فعلت بسدسها ونقص من كل واحد سبع ما نطق له به، وإلى ثمانية كهؤلاء وأم لها السدس واحد فعالت بثلثها، وكزوج وأخت لغير أم وأم وتسمى المباهلة من البهل وهو اللعن، ولما قضى فيها عمر بذلك خالفه ابن عباس بعد موته فجعل للزوج النصف وللام الثلث وللاخت ما بقي ولا عول فقيل له: الناس على خلاف رأيك فقال: فإن شاؤوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
فمسيت المباهلة لذلك.
وإلى تسعة كالمثل بهم أولا للعول إلى ثمانية وأخ لام له السدس واحد فعالت بنصفها، وإلى عشرة كهؤلاء وأخ آخر لام فعالت بثلثيها وتسمى هذه الشريحية لانها لما رفعت للقاضي شريح جعلها من عشرة، وتسمى أم الفروخ بالخاء
المعجمة وبالجيم لكثرة سهامها العائلة ولكثرة الاناث فيها.
(والاثنا عشر لسبعة عشر وترا) فتعول ثلاث مرات إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم للزوجة ثلاثة وللام اثنان ولكل أخت أربعة وإلى خمسة عشر كهؤلاء وأخ لام له السدس اثنان وإلى سبعة عشر كهؤلاء وأخ آخر لام له اثنان.
(والاربعة والعشرون) وتعول عولة واحدة وترا بثمنها.
(لسبعة وعشرين) كبنتين وأبوين وزوجة للبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، وتقدم تسميتها منبرية، وإنما أعالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والصايا إذ ضاق المال عن قدر حصصهم.
فرع: في تصحيح المسائل ومعرفة أنصباء الورثة من المصحح (إن انقسمت سهامها) أي المسألة (من أصلها عليهم) أي على الورثة (فذاك) ظاهر كزوج وثلاثة بنين هي من أربعة لكل منهم واحد (أو انكسرت على صنف) منهم سهامه (فإن باينته ضرب في المسألة بعولها) إن عالت (عدده) مثاله بلا عول زوج وأخوان لغير أم هي من اثنين للزوج واحد يبقى واحد لا تصح قسمته على الاخوين ولا موافقة فتضرب عددهما في أصل المسألة فتصح من أربعة: ومثاله بالعول زوج وخمس أخوات لغير أم هي من ستة وتعول إلى سبعة وتصح بضرب خمسة في سبعة فتصح من خمسة وثلاثين (وإلا) بأن وافتقه (فوفقه) يضرب فيها (فما بلغ صحت منه) مثاله بلا عول أم وأربعة أعمام لغير أم هي من ثلاثة للام واحد يبقى اثنان ويوافقان عدد الاعمام بالنصف فيضرب نصفه اثنان في ثلاثة فتصح من ستة ومثاله بالعول: زوج وأبوان وست بنات هي بعولها من خمسة عشر وتصح من خمسة وأربعين.
(أو) انكسرت على (صنفين) سهامهما (فمن وافقت سهامه) منهما أو من أحدهما (عدده رد) العدد (لوفقه ومن لا) بان باينت سهامه عدده (ترك) العدد بحاله.
وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره.

(2/18)


(ثم إن تماثل عدداهما) برد كل منهما إلى وفقه أو ببقائه على حاله أو برد أحدهما وبقاء الآخر (ضرب فيها) أي في المسألة بعولها إن عالت (أحدهما) أي العددين المتماثلين (أو تداخلا) أي عدداهما (فأكثرهما) يضرب فيها (أو توافقا فحاصل ضرب وفق أحدهما في الآخر)
يضرب فيها (أو تباينا فحاصل ضرب أحدهما في الآخر) يضرب فيها فما بلغ الضرب في كل منها صحت منه المسألة.
وحاصل ذلك أن بين سهام الصنفين وعددهما توافقا وتباينا وتوافقا في أحدهما وتباينا في الآخر وإن بين عدديهما تمائلا وتداخلا وتوافقا وتباينا.
والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر فعليك بالتمثيل لها ولنمثل لبعضها فنقول: أم وستة أخوة لام وثنتا عشرة أختا لغير أم هي من ستة وتعول إلى سبعة للاخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فترد إلى ثلاث وللاخوات أربعة نوافق عددهن بالرفع فترد إلى ثلاثة، وتضرب إحدى الثلاثتين في سبعة تبلغ إحدى وعشرين ومنه تصح.
ثلاثة بنات وثلاثة إخوة لغير أم هي من ثلاثة والعددان متماثلان يضرب أحدهما ثلاثة في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح، ست بنات وثلاثة أخوة لغير أم يرد عدد البنات إلى ثلاثة ويضرب إحدى الثلاثتين في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح.
(ويقاس بهذا) المذكور كله (الانكسار على ثلاثة) من الاصناف كجدتين وثلاثة إخوة لام وعمين أصلها ستة وتصح من ستة وثلاثين.
(و) على (أربعة) كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة وعمين أصلها اثنا عشر، وتصح من اثنين وسبعين (ولا يزيد) الانكسار في غير الولاء بالاستقراء على أربعة لان الورثة في الفريضة لا يزيدون على خمسة أصناف كما علم مما مر في اجتماع من يرث من الذكور والاناث، ومنها الاب والام والزوج ولا تعدد فيهم (فإذا أريد) بعد تصحيح المسألة (معرفة نصيب كل صنف من مبلغ المسألة ضرب نصيبه من أصلها فيما ضرب فيها فما بلغ) الضرب (فهو نصيبه يقسم على عدده) ففي جدتين وثلاثن أخوات لغير أم وعم هي من ستة، وتصح بضرب ستة فيها من ستة وثلاثين للجدتين واحد في ستة بستة لكل جدة ثلاثة وللاخوات أربعة في ستة بأربعة وعشرين لكل أخت ثمانية وللعم واحد في ستة بستة.
فرع في المناسخات وهي نوع من تصحيح المسائل وهي لغة مفاعلة من النسخ وهو الازلة أو النقل واصطلاحا أن يموت أحد الورثة قبل القسمة.
لو (مات) شخص (عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة فإن لم يرثه غير الباقين) من ورثة الاول (وارثهم منه ك) - ارثهم (من
الاول جعل) الحال بالنظر إلى الحساب (كأن الثاني لم يكن) من ورثة الاول وقسم المتروك بين

(2/19)


الباقين (كإخوة وأخوات) لغير أم (مات بعضهم عن الباقين) منهم (وإلا) أي وإن ورثة غير الباقين كأن شركهم غيرهم أو ورثة الباقون ولم يكن إرثهم منه كإرثهم من الاول بأن اختلف قدر استحقاقهم (فصحح مسألة كل) منهما (فإن انقسم نصيب الثاني) من مسألة الاول (على مسألته) فذاك ظاهر كزوج وأختين لغير أم ماتت إحداهما عن الاخرى، وعن بنت المسألة الاولى من ستة وتعول إلى سبعة والثانية من اثنين ونصيب ميتها من الاولى اثنان منقسم عليها (وإلا) أي وإن لم ينقسم نصيب الثاني من الاولى على مسألته.
(فإن توافقا ضرب في الاولى وفق مسألته وإلا) بأن تباينا (فكلها) فما بلغ صحتا منه (ومن له شئ من) المسألة (الاولى أخذه مضروبا) فيما ضرب فيها من وفق الثانية أو كلها (ومن له شئ من الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني) من الاولى (أو) في (وفقه) إن كان بين مسألته ونصيبه وفق مثال الوفق جدتان وثلاث أخوات متفرقات ماتت الاخت للام عن أخت لام وهي الاخت لابوين في الاولى، وعن أختين لابوين وعن أم أم وهي إحدى الجدتين في الاول المسألة الاولى من ستة وتصح من اثني عشر والثانية من ستة ونصيب ميتها من الاولى اثنان يوافقان مسألته بالنصف فيضرب نصفها في الاولى يبلغ ستة وثلاثين لكل حدة من الاولى سهم في ثلاثة بثلاثة، وللوارثة في الثانية سهم منها في واحد بواحد، وللاخت للابوين في الاولى ستة منها في ثلاثة بثمانية عشر، ولها من الثاني سهم في واحد بواحد، وللاخت للاب في الاولى سهمان في ثلاثة بستة، وللاختين للابوين في الثانية أربعة منها في واحد بأربعة، ومثال عدم الوفق زوجة وثلاث بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة وهم الباقون من الاولى المسألة الاولى من ثمانية والثانية تصح من ثمانية عشر ونصيب ميتها من الاولى سهم لا يوافق مسألته فتضرب في الاولى تبلغ مائة وأربعة وأربعين للزوجة من الاولى سهم في ثمانية عشر بثمانية عشر ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة ولكل ابن من الاولى سهمان في ثمانية
عشر بستة وثلاثين ومن الثانية خمسة في واحد بخمسة، وما صحت منه المسألتان صار كمسألة أولى، فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في مسألة الثاني وهكذا.

(2/20)


كتاب الوصية الشاملة للايصاء هي لغة الايصال من وصى الشئ بكذا وصله به لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه، وشرعا لا بمعنى الايصاء تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكما كالتبرع المنجز في مرض الموت.
أو الملحق به، والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * وأخبار كخبر الصحيحين ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده.
(أركانها) لا بمعنى الايصاء (موصى له و) موصى (به وصيغة وموص وشرط فيه تكليف وحرية واختيار) ولو كافرا حربيا أو غيره أو محجور سفه أو فلس لصحة عبارتهم واحتياجهم للثواب.
(فلا تصح) الوصية (بدونها) أي الصفات المذكورة، فلا تصح من صبي ومجنون ومغمى عليه ورقيق ولو مكاتبا ومكره كسائر العقود، ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه والسكران كالمكلف، وقيد الاختيار من زيادتي (و) شرط (في الموصى له) حالة كونه (مطلقا) أي سواء أكان جهة أم غيرها (عدم معصية) في الوصية له (و) حالة كونه (غير جهة كونه معلوما أهلا للملك) واشتراط الاولين في غير الجهة من زيادتي (فلا تصح) لكافر بمسلم لكونها معصية ولا (لحمل سيحدث) لعدم وجوده (ولا لاحد هذين الرجلين) للجهل به، نعم إن قال أعطوا هذا لاحد هذين صح كما لو قال لوكيله: بعه لاحد.
هذين (ولا لميت) لانه ليس أهلا للملك (ولا لدابة) لذلك (إلا إن فسر) الوصية لها (بعلفها) بسكون اللام وفتحها أي بالصرف فيه تصح لان علفها على مالكها فهو المقصود بالوصية فيشترط قبوله، ويتعين الصرف إلى جهة الدابة رعاية لغرض الموصي ولا يسلم علفها للمالك بل يصرفه الوصي، فإن لم يكن
فالقاضي ولو بنائبه.
(ولا) تصح (لعمارة كنيسة) من كافر أو غيره للتعبد فيها ولو كانت العمارة ترميما بخلاف كنيسة تنزلها المارة ولو كفارا أو موقوفة على قوم يسكنونها، ولا تصح لاهل الحرب ولا لاهل الردة

(2/21)


(وتصح لعمارة مسجد ومصالحه ومطلقا وتحمل) عند الاطلاق (عليهما) عملا بالعرف، فإن قال: أردت تمليكه فقيل تبطل الوصية وبحث الرافعي صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا قال النووي: هذا هو الافقه الارجح.
و) تصح (لكافر) ولو حربيا ومرتدا (وقاتل) بحق أو بغيره كالصدقة عليهما والهبة لهما، وصورتها في القاتل أن يوصي لرجل فيقتله ومنه قتل سيد الموصي له الموصي لان الوصية لرقيق وصية لسيده كما سيأتي، أما لو أوصى لمن يرتد أو يحارب أو يقتله أو يقتل غيره عدوانا فلا تصح لانها معصية.
(ولحمل أن انفصل حيا) حياة مستقرة (لدون ستة أشهر منها) أي من الوصية للعلم بأنه كان موجودا عندها.
(أو) لاكثر منه و (لاربع سنين فأقل) منها (ولم تكن المرأة فراشا) لزوج أو سيد أمكن كون الحمل منه لان الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة.
وفي تقدير الزنا إساءة ظن، نعم لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية كما نقل عن الاستاد أبي منصور، فإن كانت فراشا له أو انفصل لاكثر من أربع سنين لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه معها أو بعدها في الاولى ولعدم وجوده عندها في الثانية.
واعلم أن ثاني التوأمين تابع للاول مطلقا وأن ما ذكرته من إلحاق الستة بما فوقها هو ما في الاصل وغيره تبعا للنص، لكن صوب الاسنوي إلحاقها بما دونها معللا له بأنه لا بد من تقدير لحظة الوطئ كما ذكروه في محال أخر ويرد بأن اللحظة إنما اعتبرت جريا على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة وإلا فالعبرة بالمقارنة فالستة ملحقة على هذا بما فوقها كما قالوه هنا، وعلى الاول بما دونها كما قالوه في المحال الاخر، وبذلك علم أن كلا صحيح وأن التصويب سهو (ووارث) خاص حتى بعين قدر حصته (إن أجاز باقي الورثة) المطلقين التصرف
وسواء أزاد على الثلث أم لا لخبر البيهقي بإسناد صالح: لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة أما إذا لم يجيزوا فلا تنفذ الوصية، فإن أوصى لوارث عام كأن كان وارثه بيت المال فالوصية بالثلث فأقل صحيحة دون ما زاد كما سيأتي مع زيادة (والعبرة بإرثهم وقت الموت) لجواز موتهم قبل موت الموصي فيكونون ورثة (وبردهم وإجازتهم بعده) لعدم تحقق استحقاقهم قبل موته.
(ولا تصح) الوصية (لوارث بقدر حصته) لانه يستحقه بلا وصية، وإنما صحت بعين هي قدر حصته كما مر لاختلاف الاغراض في الاعيان.
(والوصية لرقيق وصية لسيده) أي تحمل عليها لتصح ويقبلها الرقيق دون السيد لان الخطاب معه ولا يفتقر إلى إذن السيد.
وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد (فإن عتق قبل موته) أي الموصي (فله) الوصية لانه وقت القبول حر (و) شرط (في الموصى به كونه مباحا

(2/22)


ينقل) أي يقبل النقل من شخص إلى آخر (فتصح) الوصية (بحمل إن انفصل حيا أو) ميتا (مضمونا) بأن كان ولد أمة وجنى عليه (وعلم وجوده عندها) أي الوصية وخرج بزيادتي أو مضمونا ولد البهيمة إذا انفصل ميتا بجناية فإن الوصية تبطل، وما يغرمه الجاني للوارث لان ما وجب في ولدها بدل ما نقص منها، وما وجب في ولد الامة بدله ويصح القبول هنا وفيما مر قبل الوضع بناء على أن الحمل يعلم (وبثمر وحمل ولو) كان الحمل والثمر (معدومين) كما في الاجارة والمساقاة.
(وبمبهم) هو أعم من قوله: وبأحد عبديه لان الوصية تحتمل الجهالة ويعينه الوارث (وبنجس يقتنى ككلب قابل للتعليم) هو أولى من قوله معلم أوصى به لمن يحل له اقتناؤه.
(وزبل وخمر محترمة) لثبوت الاختصاص فيها بخلاف الكلب الذي لا يقبل التعليم والخنزير والخمرة غير المحترمة، وخرج بالمباح نحو مزمار وصنم، وبزيادتي ينقل ما لا ينقل كقود وحد قذف، نعم إن أوصى بهما لمن هما عليه صحت.
(ولو أوصى من له كلاب) تقتنى (بكلب) منها (أو) أوصى بها (وله متمول) لم يوص بثلثه (صحت) أي الوصية وإن قل المتمول في الثانية لانه خير منها إذ لا قيمة لها، إما إذا أوصى من
لا كلب يقتنى بكلب فلا تصح الوصية لان الكلب يتعذر شراؤه ولا يلزم الوارث اتهابه، ولو أوصى بكلابه وليس له غيرها أو أوصى بثلث المتمول دفع ثلثها عددا لا قيمة إذ لا قيمة لها.
وتعبيري بمتمول أعم من تعبيره بمال.
(أو) أوصى (من له طبل لهو) وهو ما يضرب به المخنثون وسطه ضيق وطرفاه واسعان (وطبل حل) كطبل حرب يضرب به للتهويل وطبل حجيج يضرب للاعلان بالنزول والارتحال (بطبل حمل على الثاني) لان الموصي يقصد الثواب وهو لا يحصل بالحرام (وتلغو) الوصية (بالاول) أي بطبل اللهو (إلا إن صلح للثاني) أي طبل الحل بهيئته أو مع تغيير يبقى معه اسم الطبل.
وقولي للثاني أعم من قوله لحرب أو حجيج لتناوله طبل الباز ونحوه.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بها) أي بالوصية وفي معناه ما مر في الضمان (صريحه) إيجابا (كأوصيت له بكذا أو أعطوه له أو هوله) أو وهبته له (بعد موتي) في الثلاثة.
وقولي كأوصيت إلى آخره أعم مما عبر به (وكنايته كهوله من مالي) وإن أشعر كلام الاصل بأنه صريح، ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية أما قوله هو له فقط فإقرار لا وصية كما علم من بابه (وتلزم) أي الوصية (بموت) لكن (مع قبول بعده ولو بتراخ في) موصى له (معين) وإن تعدد فلا

(2/23)


يصح القبول قبل الموت لان للموصي أن يرجع في وصيته، ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم ولا تجب التسوية بينهم وإنما لم يشترط الفور في القبول لانه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالايجاب وظاهر أنه لا حاجة للقبول فيما لو كان الموصى به اعتاقا كان قال اعتقوا عني فلانا بعد موتي بخلاف ما لو أوصى له برقبته فإنه يحتاج إلى ذلك لاقتضاء الصيغة له (والرد) للوصية (بعد موت) لا قبله ولا معه كالقبول (فإن مات) الموصى له (بعد موت الموصي) بأن مات قبله أو معه (بطلت) وصيته لانها ليست بلازمة ولا آيلة إلى اللزوم (أو بعده) قبل القبول والرد (خلفه وارثه) فيهما فإن كان
الوارث بيت المال فالقابل والراد هو الامام وقولي لا بعده وخلفه أعم من تعبيره بما ذكره (وملك الموصى له) العين للموصى به الذي ليس بإعتاق بعد موت الموصي وقبل القبول (موقوف إن قبل بأن أنه ملكه بالموت) وإن رد بأن أنه للوارث (وتتبعه) في الوقف (الفوائد) الحاصلة من الموصى به كثمرة وكسب (والمؤنة) ولو فطرة (ويطالب موصى له) أي يطالبه الوارث أو الرقيق الموصى به أو القائم مقامهما من ولي ووصي (بها) أي المؤنة (أن توقف في قبول ورد) فإن أراد الخلاص رد أما أوصى بإعتاق رقيق فالملك فيه للوارث إلى إعتاقه فالمؤنة عليه وتعبيري بالفوائد والمؤنة أعم من تعبيره بما ذكره.
فصل في الوصية بزائد على الثلث وفي حكم اجتماع تبرعات مخصوصة (ينبغي أن لا يوصى بزائد على الثلث) والاحسن أن ينقص منه شيئا لخبر الصحيحين الثلث والثلث كثير والزيادة عليه قال المتولي وغير مكروهة والقاضي وغيره محرمة (فتبطل) أي الوصية بالزائد (فيه أن رده وارث خاص مطلق التصرف لانه حقه فإن لم يكن وارث خاص بطلت في الزائد لان الحق للمسلمين ولا مجيز أو كان وهو غير مطلق التصرف فالظاهر أنه إن توقعت أهليته وقف الامر إليها وإلا بطلت وعليه يحمل ما أفتى به السبكي من البطلان (وإن أجاز ف) (- إجازته تنفيذ للوصية بالزائد (ويعتبر المال) الموصى بثلثه مثلا (وقت الموت) لا وقت الوصية لان الوصية تمليك بعد الموت فلا أوصى برقيق ولا رقيق له ملك عند الموت رقيقا تعلقت الوصية به ولو زاد ماله تعلقت الوصية به والمعتبر ثلث المال الفاضل عن

(2/24)


الدين (ويعتبر من الثلث) الذي يوصى به (عتق علق بالموت) ولو مع غيره (وتبرع نجز في مرضه كوقف وهبة) ولو اختلف الوارث والمتهب هل الهبة في الصحة أو المرض صدق المتهب بيمينه لان العين في يده ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث أيضا أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال وكذا أم ولد نجد عتقها في مرض موته (وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت وعجز الثلث) عنها (فإن تمحضت عقتا) كأن قال
إذا مت فأنتم أحرار أو فسالم وبكر وغانم أحرار (أقرع) بينهم فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل شقص (وإلا) بإن تمحضت غير عتق كأن أوصى لزيد بمائة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين ولم يرتب أو اجتمع العتق وغيره كأن أوصى بعتق سالم وقيمته مائة ولزيد بمائة ولم يرتب وثلث ماله فيهما مائة (قسط الثلث) على الجميع باعتبار القيمة أو المقدار في الاولى وعلى العتق وغيره باعتبارها فقط أو مع المقدار في الثانية ففي مثال الاولى يعطى زيد خمسين وكل من عمرو وبكر خمسة وعشرين وفي مثال الثانية يعتق من سالم نصفه ولزيد خمسون نعم لو دبر عبده وقيمته مائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة قدم عتق المدبر على الوصية له (ك) - تبرعات (منجزة) فإنه إن تمحض العتق كعتق عبيد أقرع حذرا من التشقيص في الجميع أو تمحض غيره كإبراء جمع أو اجتمعا كأن تصدق واحد من وكلاء ووقف آخر وعتق آخر قسط الثلث مثل ما مر هذا إذا لم تترتب المعلقة والمنجزة (فإن ترتبتا) كأن قال أعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما أو أعطوا زيدا مائة ثم عمرا مائة أو أعتقوا سالما ثم أعطوا زيدا مائة أو أعتق ثم تصدق ثم وقف (قدم الاول) منها (فالاول إلى) تمام (الثلث) ويوقف ما بقي على إجازة الوارث ولو كان بعضها منجزوا بعضها معلقا بالموت قدم المنجز لانه يفيد الملك حالا ولازم لا يمكن الرجوع فيه وذكر الترتيب في المعلقة بالموت من زيادتي (ولو قال إن أعتقت غانما فسالم حرفأ عتق غانما في مرض موته تعين) لعتق بقيد زدته بقولي (إن خرج وحده من الثلث) وإلا إقراع لاحتمال أن تخرج القرعة بالحرية لسالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم فإن لم يخرج من الثلث عتق بقسطه أو خرج مع سالم أو بعضه منه عتقا في الاول وغانم وبعض سالم في الثاني (ولو أوصى بحاضر هو ثلث ماله) وباقية غائب (لم يتسلط موصى له على شئ منه حالا) لان تسلطه متوقف على تسلط الوارث على مثلي ما تسلط عليه والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر لاحتمال سلامة الغائب.
(فرع) لو أوصى بالثلث وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين، وكلما نض من الدين شئ دفع له ثلثه.

(2/25)


فصل في بيان المرض المخوف والملحق به، المقتضى كل منهما الحجر في التبرع الزائد على الثلث.
لو (تبرع في مرض مخوف)، أي يخاف منه الموت (ومات) فيه ولو بنحو غرق أو هدم، (لم ينفذ) منه (ما زاد على ثلث)، لانه محجور عليه في الزائد بخلاف ما إذا برئ منه فإنه ينفذ لتبين عدم الحجر (أو) في مرض (غير مخوف فمات ولم يحمل) موته (على فجأة)، كإسهال يوم أو يومين.
(فكذا) أي لم ينفذ ما زاد على الثلث لانه حينئذ مخوف لاتصال الموت به.
فإن حمل عليها كأن مات وبه جرب أو وجع ضرس أو عين نفذ.
(وإن شك فيه) أي في أنه مخوف، (لم يثبت إلا بطبيبين مقبولي الشهادة)، لانه يتعلق به حق آدمي ولا يثبت بنسوة ولا برجل وامرأتين إلا أن يكون المرض علة باطنة بامرأة لا يطلع عليها الرجال غالبا، فيثبت بمن ذكر (ومن المخوف قولنج) بضم القاف وفتح اللام وكسرها، وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الامعاء فلا ينزل ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك.
(وذات جنب) وسماها الشافعي رضي الله عنه ذات الخاصرة، وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد تنفتح في الجنب.
ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها ضيق النفس والسعال والحمى اللازمة (ورعاف دائم) بتثليث الراء لانه يسقط القوة بخلاف غير الدائم، (وإسهال متتابع) لانه ينشف رطوبات البدن أو غير متتابع كإسهال يوم أو يومين ولكن خرج غير مستحيل بأن يتخرق البطن، فلا يمكنه الامساك (أو) خرج (بوجع)، ويسمى الزحير (أو) خرج (بدم) من عضو شريف ككبد بخلاف دم البواسير.
واعتبار الاسهال في الثلاثة من زيادتي (ودق) بكسر الدال، وهو داء يصيب القلب ولا تمتد معه الحياة غالبا.
(وابتداء فالج) وهو استرخاء أحد شقي البدن طولا، وسببه غلبة الرطوبة والبلغم.
فإذا هاج ربما أطفأ الحرارة الغريزية وأهلك بخلاف دوامه ويطلق الفالج أيضا على استرخاء، أي عضو كان وهو المراد هنا.
(وحمى مطبقة) بكسر الباء أشهر من فتحها، أي لازمة (أو غيرها) كالورد وهي التي تأتي
كل يوم، والغب هي التي تأتي يوما وتقلع يوما، والثلث وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما، وحمى الاخوين وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين.
(إلا الربع).
وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، فليست مخوفة لان المحموم بها يأخذ قوة في يومي الاقلاع، والحمى اليسيرة ليست مخوفة بحال والربع والورد والغب والثلث بكسر أولها، (و) منه (أسر من اعتاد القتل)

(2/26)


للاسرى مسلما كان أو كافرا.
فتعبيري بذلك أولى من تعبيره بأسر كفار (والتحام قتال بين متكافئين) أو قريبي التكافؤ، سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم مسلما وكافرا.
(وتقديم لقتل) هو أعم من قوله لقصاص أو رجم (واضطراب ريح في) حق (راكب سفينة) في بحر أو نهر عظيم، (وطلق) بسبب ولادة و (وبقاء مشيمة)، وهي التي تسميها النساء الخلاص، لان هذه الاحوال تستعقب الهلاك غالبا.
فإن انفصلت المشيمة فلا خوف إن لم يحصل بالولادة جراحة أو ضربان شديد.
فصل في أحكام لفظية للموصى به وللموصى له، (يتناول شاة وبعير) من جنسهما (غير سخلة) في الاولى (و) غير (فصيل) في الثانية، فيتناول كل منهما صغير الجثة وكبيرها، والمعيب والسليم، والذكر والانثى، والخنثى ضأنا ومعزا في الاولى.
وبخاتي وعرابا في الثانية.
لصدق اسمهما بذلك.
والهاء في الشاة للوحد أم السخلة وهي الذكر والانثى من الضأن والمعز ما لم يبلغ سنة، والفصيل وهو ولد الناقة إذ فصل عنها فلا يتناولهما الشاة والبعير لصغر سنهما.
فلو وصف الشاة والبعير بما يعين الكبيرة أو الانثى أو غيرها، اعتبر وتعبيري بما ذكر في البعير أولى من تعبيره بتناول الناقة.
ويتناول جمل وناقة بنحاتي بتشديد الياء وتخفيفها وعرابا لما مر (لا أحدهما الآخر)، أي لا يتناول الجمل الناقة ولا العكس، لان الجمل للذكر والناقة للانثى.
(ولا) تتناول (بقرة ثور أو عكسه)، لان البقرة للانثى والثور للذكر، ولا يخالفه قول النووي في تحريره إن البقرة تقع على الذكر والانثى باتفاق أهل اللغة، لان وقوعها عليه لم يشتهر عرفا، وإن أوقعها عليه الاصحاب في
الزكاة (ويتناول دابة) في العرف (فرسا وبغلا وحمارا) لاشتهارها فيها عرفا.
فلو قال دابة للكر والفر أو القتال اختصت بالفرس أو للحمل فبالبغل أو الحمار.
فإن اعتيد الحمل على البراذين، دخلت قال المتولي فإن اعتيد الحمل على الجمال أو البقر، أعطي منها وقواه النووي وضعفه الرافعي، وإن اعتيد القتال على الفيلة وقد قال دابة للقتال دخلت فيما يظهر (و) يتناول (رقيق صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها)، أي كبيرا وذكرا وخنثى وسليما ومسلما لصدق اسمه بذلك.
(ولو أوصى بشاة من غنمه ولا غنم له) عند موته، (لغت) وصيته إذ لا غنم له،

(2/27)


(أو) بشاة (من ماله)، ولا غنم له عند موته (اشتريت له) شاة ولو معيبة، فإن كان له غنم في الصورة الاولى أعطى شاة منها أو في الثانية جاز أن يعطي شاة على غير صفة غنمه.
(تنبيه) لو قال اشتروا له شاة مثلا، لم يشتر له معيبة، كما لو قال لوكيله اشتر لي شاة (أو) أوصى (بأحد أرقائه فتلفوا) حسا أو شرعا بقتل أو غيره (قبل موته بطلت) وصيته.
وإن كان القتل مضمنا إذ لا رقيق له، (وإن بقي واحد تعين) للوصية فليس للوارث أن يمسكه ويدفع قيمة ثالث وإن تلفوا بعد موته يضمن ولو قبل القبول صرف الوارث قيمة من شاء منهم، وصورتها أن يوصي بأحد أرقائه الموجودين.
فلو أوصى بأحد أرقائه فتلفوا إلا واحد لم يتعين حتى لو ملك غيره، فللوارث أن يعطي من الحادث وقولي فتلفوا أعم من قوله فماتوا أو قتلوا (أو بإعتاق رقاب فثلاث) منها يعتقن لانه أقل عدد يقع عليه اسم الجمع.
(فإن عجز ثلثه عنهن لم يشتر شقص) لانه ليس برقبة، بل يشتري نفيسة أو نفيستان (فإن فضل عن) شراء (نفيسة أو نفيستين شئ فلورثته).
وتبطل الوصية فيه كما لو لم يوجد إلا ما يشترى به شقص.
وقولي نفيسة من زيادتي، (أو) أوصى (بصرف ثلثه للعتق اشترى شقص).
أي يجوز شراؤه بلا خلاف، سواء أقدر على التكميل أم لا.
لكن التكميل أولى وفاقا للسبكي (أو) أوصى (لحملها) بكذا (ف) - هو (لمن انفصل) منها (حيا) فلو أتت بحيين فلهما ذلك بالسوية ولا يفضل الذكر على
الانثى لاطلاق حملها عليهما أو أتت بحي وميت، فللحي ذلك كله لان الميت كالعدم.
(ولو قال إن كان حملك ذكرا أو قال) إن كان (أنثى فله كذا فولدتهما) أي ولدت ذكرا وأنثى (لغت) وصيته، لان حملها جميعه ليس بذكر ولا أنثى، فإن ولدت في الاولى ذكرين.
وفي الثانية أنثيين قسم بينهما، (أو) قال: إن كان (ببطنك ذكر) فله كذا (فولدتهما) أي ولدت ذكرا وأنثى (فللذكر) لانه وجد ببطنها وزيادة الانثى لا تضر، (أو) ولدت (ذكرين أعطاه) أي الموصى به (الوارث من شاء منهما) كما لو أبهم الموصى به يرجع فيه إلى بيانه، ولو قال إن ولدت ذكرا فله مائتان أو أنثى فلها مائة فولدت خنثى دفع إليه الاقل كما في الروضة كأصلها (أو) أوصى بشئ (لجيرانه ف () - يصرف ذلك الشئ (لاربعين دارا من كل جانب) من جوانب داره الاربعة لخبر في ذلك، رواه البيهقي وغيره.
ويقسم الموصى به على عدد الدور لا على عدد سكانها.
قال السبكي: وينبغي أن يقسم حصة كل دار على عدد سكانها، ولو كان للموصي داران صرف إلى جيران أكثرهما سكنى فإن استويا فإلى جيرانهما (أو) أوصى (للعلماء ف) - يصرف (لاصحاب علوم الشرع من تفسير) وهو معرفة معاني

(2/28)


كتاب الله تعالى وما أريد به.
(وحديث) وهو علم يعرف به حال الراوي والمروي وصحيحه وسقيمه وعليله وليس من علمائه من اقتصر على مجرد السماع (وفقه).
وتقدم تعريفه أول الكتاب وخرج بما ذكر العالم بغير ذلك كمقرئ ومتكلم ومعبر وطبيب وأديب، وهو المشتغل بعلم الادب كالنحو والصرف والعروض (أو) أوصى (للفقراء دخل المساكين وعكسه) لوقوع اسم كل منهما على الآخر عند الانفراد، فما أوصى به لاحدهما يجوز دفعه للآخر، (أو) أوصى (لهما شرك) بينهما (نصفين) كما في الزكاة بخلاف ما لو أوصى به لبني زيد وبني عمرو، فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف، (أو) أوصى (لجمع معين غير منحصر كالعلوية) وهم المنسوبون لعلي رضي الله عنه، (صحت ويكفي ثلاثة من كل) من العلماء والفقراء والمساكين والجمع المذكور لانها أقل الجمع.
(وله التفضيل) بين آحاد الثلاثة فأكثر ولو
عين فقراء بلدة ولا فقير بها لم تصح الوصية وذكر الاكتفاء بثلاثة في مسألة العلماء مع ذكر التفضيل فيها.
وفي مسألة الجمع من زيادتي (أو) أوصى (لزيد والفقراء ف) - هو (كأحدهم) في جواز إعطائه أقل متمول لانه ألحقه بهم في الاضافة.
(لكن لا يحرم) كما يحرم أحدهم لعدم وجوب استيعابهم للنص عليه، وإن كان غنيا (أو) أوصى بشئ (لاقارب زيد ف) - هو (لكل قريب) مسلما كان أو كافرا فقيرا أو غنيا وارثا أو غيره، (من أولاد أقرب جد ينسب زيد أو وأمه له ويعد) أي الجد، (قبيلة) فلا يدخل أولاد جد فوقه ولا أولاد من في درجته.
فلو أوصى لاقارب حسني لم يدخل أولاد من فوقه ولا أولاد حسيني بالتصغير.
وإن كان كل منهما أولاد علي (إلا أبوين وولدا) لا يدخلون في الاقارب لانهم لا يسمون أقارب عرفا، ويدخل الاجداد والاحفاد كما صححاه في الشرحين والروضة.
فتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بالاصل والفرع ويدخل في وصية العرب قريب الام كما في وصية العجم، وقد شمله المستثنى منه وهو ما صححه في الروضة كأصلها.
وقيل لا يدخل لان العرب لا يفتخرون بقرابة الام وصححه الاصل، (أو) أوصى (لاقرب أقاربه ف) - هو (لذرية)، وإن نزلت ولو من أولاد البنات (قربى فقربى) فيقدم ولد الولد على ولد ولد الولد، (فأبوه فأخوة) ولو من أم (فبنوتها) من زيادتي، أي بنوة الاخوة (فجدودة) من قبل الاب أو الام القربى فالقربى نظرا في الذرية إلى قوة إرثها وعصوبتها في الجملة وفي الاخوة إلى قوة البنوة فيها في الجملة، وتقدم أخوة الابوين على أخوة الاب.
ثم بعد من ذكر العمومة والخؤولة ثم بنوتهما لكن قال في الكفاية يقدم العم والعمة على أبي

(2/29)


الجد والخال والخالة على جد الام وجدتها انتهى.
وكالعم في ذلك ابنه كما في الولاء والتصريح بتقديم الابوة على الاخوة من زيادتي.
وتعبيري بأخوة وجدودة أعم من تعبيره بأخ وجد (ولا يرجح بذكورة ووراثة) فيستوي أب وأم وابن وبنت وأخ وأخت لاستوائهم في القرب، ويقدم ولد بنت على ابن ابن ابن لان الاول أقرب، (أو) أوصى (لاقارب نفسه) أو
لاقرب أقارب نفسه (لم تدخل ورثته) إذ لا يوصى لهم عادة فيختص بالوصية الباقون.
فصل في أحكام معنوية للموصى به ما بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه (تصح) الوصية (بمنافع) كما تصح بالاعيان مؤبدة ومؤقتة ومطلقة، والاطلاق يقتضي التأبيد (فيدخل) فيها (كسب معتاد) كاحتطاب واحتشاش واصطياد وأجرة حرفة بخلاف النادر كهبة ولقطة لانه لا يقصد بالوصية، (ومهر) بنكاح أو غيره لانه من نماء الرقبة كالكسب وهذا ما صححه الاصل ونقله في الروضة كأصلها عن العراقيين والبغوي.
قال الاسنوي وهو الراجح نقلا، وقيل إنه ملك للورثة، لانه بدل منفعة البضع وهي لا يوصى بها، فلا يستحق بدلها بالوصية.
قال في الروضة كأصلها وهو الاشبه (والولد) الذي أتت به الموصي بمنفعتها أمة كانت أو غيرها، وكانت حاملا به عند الوصية أو حملت به بعد موت الموصي، (كأمه) في أن منفعته للموصى له ورقبته للمالك لانه جزء منها.
(وعلى مالك) للرقبة (مؤنة موصى بمنفعته) ولو فطرة، أو كانت الوصية مؤبدة لانه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاق أو غيره.
وتعبيري بالمالك أعم من تعبيره بالوارث لشموله ما لو أوصى بمنفعته لشخص وبرقبته لاخر، فإن مؤنته على الآخر.
وتعبير بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة، (وله إعتاقه) لانه مالك لرقبته لكن لا يعتقه عن الكفارة ولا يكاتبه لعجزه عن الكسب، وإذا أعتقه تبقى الوصية بحالها.
(و) له (بيعه لموصى له) مطلقا (وكذا لغيره إن أقت) الموصي المنفعة (ب) - مدة (معلومة) كما قيد بها ابن الرفعة وغيره بخلاف ما إذا أبدها صريحا أو ضمنا أو قيدها بمدة مجهولة لا يصح بيعه لغير الموصى له إذ لا فائدة له فيه ظاهرة.
نعم إن اجتمعا على البيع من ثالث فالقياس الصحة وقولي بمعلومة من زيادتي، (وتعتبر قيمته كلها) أي قيمته بمنفعته (من الثلث إن أبد) المنفعة لانه حال بين الوارث وبينها، فإذا كانت قيمته بمنفعته مائة وبدونها عشرة اعتبر من الثلث مائة (وإلا) بأن أقتها بمدة معلومة (حسب منه) أي من الثلث (ما نقص) منها في تقويمه مسلوب المنفعة تلك المدة فإذا كانت قيمته بمنفعته مائة وبدونها تلك المدة ثمانين، فالوصية بعشرين، (وتصح) الوصية (بحج) ولو نفلا بناء على دخول النيابة

(2/30)


فيه.
(ويحج) عنه (من ميقاته) عملا بتقييده إن قيده وحملا على المعهود شرعا إن أطلق (إلا إن قيد بأبعد) منه هو أولى من تعبيره ببلده، (ف) - يحج (منه) عملا بتقييده ومحله إذا وسعه الثلث، وإلا فمن حيث أمكن.
وهذا من زيادتي في حج الفرض (وحجة الاسلام من رأس المال) كغيرها من الديون (إلا إن قيد بالثلث فمنه) عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا.
فإن لم يف بالحج من الميقات ما يخصه كمل من رأس المال، وكحجة الاسلام كل واجب بأصل الشرع كعمرة وزكاة.
فإن كان نذرا فإن وقع في الصحة فكذلك أو في المرض فمن الثلث.
(ولغيره) من وارث وغيره (أن يحج عنه فرضا) من غير التركة (بغير إذنه) كقضاء الدين بخلاف حج النفل لا يفعله عنه بغير إذنه لعدم وجوبه.
وقيل للوارث فعله بغير إذنه ولغيره فعله بإذن الوارث، وكحج الفرض فيما ذكر عمرة الفرض وأداء الزكاة والدين.
وقولي ولغيره أعم من قوله، ولاجنبي وقولي فرضا من زيادتي (ويؤدي وارث عنه) من التركة وجوبا ومن ماله جوازا، وإن كان ثم تركه (كفارة مالية) مرتبة ومخيرة بإعتاق وبغيره.
وإن سهل التكفير بغير الاعتاق في المخيرة لانه نائبه شرعا.
(وكذا) يؤديها (غيره) أي غير الوارث، (من ماله بغير إعتاق) من طعام وكسوة كقضاء الدين بخلاف الاعتاق لاجتماع بعد العبادة عن النيابة، وبعد الولاء للميت.
ولا ينافي ذلك ما في الروضة كأصلها في الايمان من تصحيح الوقوع عنه في المرتبة لانهما بنياه على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق.
(وينفعه) أي الميت من وارث وغيره (صدقة ودعاء) بالاجماع وغيره.
وأما قوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) *، فعام مخصوص بذلك.
وقيل منسوخ، وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع به المتصدق والداعي.
أما القراءة فقال النووي في شرح مسلم المشهور من مذهب الشافعي، أنه لا يصل ثوابها إلى الميت.
وقال بعض أصحابنا يصل وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة وصوم وقراءة وغيرها وما قاله من مشهور المذهب محمول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو ثواب قراءته، له أو نواه.
ولم
يدع بل قال السبكي الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك وقد ذكرته في شرح الروض.
فصل في الرجوع عن الوصية (له) أي للموصى (رجوع) عن وصيته وعن بعضها، (بنحو نقضت) - ها كأبطلتها ورجعت فيها

(2/31)


ورفعتها ورددتها.
(و) بنحو قوله (هذا لوارثي) مشيرا إلى الموصى به، لانه لا يكون لوارثه إلا إذا انقطع تعلق الموصى له عنه.
(و) بنحو (بيع ورهن وكتابة) لما وصى به، (ولو بلا قبول لظهور صرفه بذلك عن جهة الوصية.
وتعبيري بنحو إلى آخره أعم مما عبر به، (وبوصية بذلك)، أي بنحو ما ذكر.
(وتوكيل به وعرض عليه) لان كلا منها توصل إلى ما يحصل به الرجوع، وذكر التوكيل والعرض في غير البيع من زيادتي (وخلطه برامعينا) وصى به ببر مثله أو أجود أو أردأ منه، لانه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم.
(و) خلطه (صبرة وصى بصاع منها بأجود) منها، لانه أحدث زيادة لم تتناولها الوصية بخلاف ما لو خلطها بمثلها، لانه لا زيادة أو بأردأ منها لانه كالتعصيب (وطحنه برا)، وصى به (وبذره له وعجنه دقيقا)، وصى به (وغزله قطنا)، وصى به (ونسجه غزلا)، وصى به (وقطعه ثوبا)، وصى به (قميصا وبنائه وغرسه) بأرض وصى به لظهور كل منها في الصرف عن جهة الوصية، بخلاف زرعه بها.
وخرج بإضافتي ما ذكر إلى ضمير الموصي ما لو حصل ذلك بغير إذنه فليس رجوعا.
(فرع) إنكار الموصي الوصية ليس رجوعا إن كان لغرض كما يؤخذ من كلام الرافعي وعليه يحمل إطلاقه في باب التدبير أنه ليس رجوعا ولو وصى بثلث ماله ثم تصرف في جميعه بما يزيل الملك لم يكن رجوعا لان المعتبر ثلث ماله عند الموت لا عند الوصية ولو وصى لزيد بمعين ثم وصى به لعمرو فليس رجوعا بل يكون بينهما نصفين ولو وصى به لثالث كان بينهم أثلاثا وهكذا وهكذا.
فصل: في الايصاء
وهو إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت، يقال أوصيت لفلان بكذا، وأوصيت إليه ووصيته إذا جعلته وصيا وقد أوصى ابن مسعود رضي الله عنه فكتب وصيتي إلى الله تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله رواه البيهقي بإسناد حسن (أركانه) أربعة (موص ووصي وموصى فيه وصيغة وشرط في الموصي بقضاء حق) كدين وتنفيذ وصية ورد وديعة وعارية ومظلمة (ما مر) في الموصي بمال أول الباب وقد مر بيانه.
وهذا أولى من قوله ويصح الايصاء في قضاء الدين وتنفيذ الوصية.
من كل حر مكلف (و) شرط في الموصي (بأمر نحو طفل) كمجنون ومحجور سفه (معه) أي مع ما مر (ولاية عليه

(2/32)


ابتداء) من الشرع، لا بتفويض فلا يصح الايصاء ممن فقد شيئا من ذلك كصبي ومجنون ومكره ومن به رق وأم وعم ووصي لم يؤذن له فيه، ونحو مع ابتداء من زيادتي.
(و) شرط (في الوصي عند الموت عدالة) ولو ظاهرة، (وكفاية) في التصرف الموصى به، (وحرية وإسلام في مسلم وعدم عداوة) منه للمولى عليه، (و) عدم (جهالة) فلا يصح الايصاء ممن فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق ومجهول، ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لسفه أو هرم، أو غير لعدم الاهلية في بعضهم، وللتهمة في الباقي.
ويصح الايصاء إلى كافر معصوم عدل في دينه على كافر.
وقولي: عند الموت مع ذكر عدم العداوة والجهالة من زيادتي، واعتبرت الشروط عندا لموت لا عند الايصاء، ولا بينهما، لانه وقت التسلط على القبول، حتى لو أوصى إلى من خلا عن الشروط أو بعضها، كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح.
(ولا يضر عمى) لان الاعمى متمكن من التوكيل فيما لا يمكن منه، (و) لا (أنوثة) لما في سنن أبي داود أن عمر أوصى إلى حفصة.
(والام أولى) من غيرها إذا حصلت الشروط فيها عند الموت لوفور شفقتها، وخروجا من خلاف الاصطخري.
فإنه يرى أنها تلي بعد الاب والجد، (وينعزل ولي) من أب وجد ووصي وقاض وقيمة (بفسق لا إمام)، لتعلق المصالح الكلية
بولايته.
وتعبير بالولي أعم مما عبر به.
(و) شرط (في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا) بقيد زدته بقولي: (مباحا، فلا يصح) الايصاء (في تزويج)، لان غير الاب والجد لا يزوج الصغير والصغيرة، (و) لا في (معصية) كبناء كنيسة لمنافاتها له لكونه قربة (و) شرط (في الصيغة إيجاب بلفظ يشعر به) أي بالايصاء، وفي معناه ما مر في الضمان: (كأوصيت) إليك، (أو فوضت إليك أو جعلتك وصيا ولو).
كان الايجاب (مؤقتا ومعلقا) كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي لانه يحتمل الجهالات والاخطار.
(وقبول كوكالة) فيكتفي بالعمل.
وقولي: كوكالة من زيادتي، ويكون القبول (بعد الموت) متى شاء كما في الوصية بمال (مع بيان ما يوصى فيه).
فلو اقتصر على أوصيت إليك مثلا لغا (وسن إيصاء بأمر نحو طفل) كمجنون (وبقضاء نحو حق) إن (لم يعجز عنه حالا أو) عجز و (به شهود) استباقا للخيرات، فإن عجز عنه حالا ولا شهود به وجب الايصاء مسارعة لبراءة ذمته، وإطلاق الاصل سن الايصاء بما ذكره منزل على هذا التفصيل.
فإن لم يوص بها نصب القاضي من يقوم بها ونحو من زيادتي.
وتعبيري بحق أعم مما عبر به

(2/33)


(ولا يصح) أي الايصاء من أب (على نحو طفل والجد بصفة الولاية) عليه، لان ولايته ثابتة شرعا.
وخرج بزيادتي على نحو طفل نصب وصي في قضاء الحقوق فصحيح.
(ولو أوصى اثنين) ولو مرتبا وقبلا (لم ينفرد واحد) منهما بالتصرف (إلا بإذنه) له في الانفراد، فله الانفراد عملا بالاذن.
نعم له الانفراد برد الحقوق وتنفيذ وصية معينة وقضاء دين في التركة جنسه.
وإن لم يأذن له لكن نازع الشيخان في جواز الاقدام عليه.
(ولكل) من الموصي والوصي (رجوع) عن الايصاء متى شاء لانه عقد جائز كالوكالة.
قال في الروضة إلا أن يتعين الوصي أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره، فليس له الرجوع.
(وصدق بيمينه ولي) وصيا كان أو قيما أو غيره (في إنفاق على موليه) بقيد زدته، بقولي (لائق) بالحال، (لا في دفع المال) إليه بعد كماله، فلا يصدق بل الصدق موليه بيمينه، إذ لا تعسر إقامة البينة
عليه بخلاف الانفاق.
وقولي بيمينه من زيادتي.
وتعبيري بالولي وبموليه أعم من تعبيره بالوصي والطفل.

(2/34)


كتاب الوديعة تقال على الايداع وعلى العين المودعة من ودع الشئ يدع إذا سكن لانها ساكنة عند الوديع، وقيل من قولهم فلان في دعة، أي راحة لانها في راحة الوديع ومراعاته.
والاصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) *.
وخبر أد الامانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك رواه الترمذي.
وقال حسن غريب والحاكم.
وقال على شرط مسلم، ولان بالناس حاجة بل ضرورة إليها (أركانها) أي الوديعة بمعنى الا يداع أربعة.
(وديعة) بمعنى العين المودعة (وصيغة ومودع ووديع، وشرط فيهما) أي في المودع والوديع (ما) مر (في موكل ووكيل)، لان الايداع استنابة في الحفظ.
(فلو أودعه نحو صبي) كمجنون ومحجور سفه (ضمن) ما أخذه منه، لانه وضع يده عليه بغير إذن معتبر.
ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى ولي أمره نعم إن أخذه منه حسبة خوفا على تلفه في يده أو أتلفه مودعه لم يضمنه.
(وفي عكسه) بأن أودع شخص نحو صبي (إنما يضمن بإتلاف) منه لانه لم يسلطه على إتلافه، فلا يضمنه بتلفه عنده إذ لا يلزم الحفظ.
وظاهر أن ضمان المتلف إنما يكون في متمول، (و) شرط (في الوديعة كونها محترمة) ولو نجسا ككلب ينفع، ونحو حبة بر بخلاف غير المحترمة ككلب لا ينفع، وآلة لهو، وهذا من زيادتي.
(و) شرط (في الصيغة ما) مر (في وكالة) فيشترط اللفظ من جانب المودع وعدم الرد من جانب الوديع، فيكفي قبضه.
ولا يكفي الوضع بين يديه مع السكوت، نعم لو قال الوديع أودعنيه مثلا، فدفعه له ساكتا فيشبه أن يكفي ذلك كالعارية.
وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما نبه عليه الزركشي.
والايجاب إما صريح (كأودعتك هذا أو استحفظتكه أو) كناية مع النية، (كخذه فان عجز) من يراد الايداع عنده (عن حفظها) أي الوديعة، (حرم) عليه (أخذها) لانه يعرضها
للتلف.
(أو) قدر عليه و (لم يثق بأمانته) فيها (كره) له أخذها خشية الخيانة فيها.
قال ابن الرفعة إلا أن يعلم بحاله المالك فلا يحرم ولا يكره والايداع صحيح، والوديعة أمانة.
وإن قلنا بالتحريم وأثر التحريم مقصور على الاثم، (وإلا) بأن قدر على حفظها ووثق بأمانته فيها.

(2/35)


(سن) له أخذها بقيد، زدته بقولي (إن لم يتعين) له أخذها لخبر مسلم والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
فإن تعين بأن لم يكن ثم غيره وجب عليه أخذها، لكن لا يجبر على إتلاف منفعته ومنفعة حرزه مجانا (وترتفع) الوديعة أي ينتهي حكمها، (بموت أحدهما وجنونه وإغمائه) وحجر سفه عليه (واسترداد) من المودع، (ورد) من الوديع كالوكالة (وأصلها أمانة) بمعنى أن الامانة متأصلة فيها لا تبع كالرهن، سواء أكانت بجعل أم لا لقوله تعالى: * (ما على المحسنين من سبيل) * والوديع محسن في الجملة وقد تضمن بعوارض كأن ينقلها من محلة أو دار أخرى دونها حرزا.
وإن لم ينهه المودع عن نقلها لانه عرضها للتلف، نعم إن نقلها يظن أنها ملكه، ولم ينتفع بها لم يضمن.
وخرج بما ذكر ما لو نقلها إلى مثل ذلك حرزا أو إلى أحرز، أو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة، أو خان واحد ولم ينهه المودع، فإنه لا ضمان وإن كان البيت الاول أحرز، (وكان يودعها) غيره ولو قاضيا (بلا إذن) من المودع، (ولا عذر) له، لان المودع لم يرض بذلك بخلاف ما لو أودعها غيره لعذر كمرض وسفر، (وله استعانة بمن يحملها لحرز) أو يعلفها أو يسقيها المفهوم ذلك بالاولى، لان العادة جرت بذلك.
(وعليه لعذر كإرادة سفر) ومرض مخوف وحريق في البقعة وإشراف الحرز على الخراب، ولم يجد غيره (ردها لمالكها أو وكيله.
ف) - إن فقدهما ردها (لقاض) وعليه أخذها.
(ف) - إن فقده ردها (لامين) ولا يكلف تأخير السفر.
وتعبيري بالعذر أعم مما عبر به، وعطفي الامين في المرض ا لمخوف بالفاء أولى من عطفه له بأو، (ويغني عن الاخيرين وصية) بها (إليهما فهو مخير عند فقد الاولين بين ردها للقاضي.
والوصية بها إليه عند فقد القاضي بين ردها للامين والوصية بها إليه.
والمراد
بالوصية بها الاعلام بها والامر بردها مع وصفها بما تتميز به.
أو الاشارة لعينها ومع ذلك يجب الاشهاد كما في الرافعي عن الغزالي.
(فإن لم يفعل) أي لم يردها، ولم يوص بها لمن ذكر كما ذكر (ضمن.
إن تمكن) من ردها أو الايصاء بها سافر بها أم لا لانه عرضها للفوات، إذا الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه وحرز السفر دون حرز الحضر، بخلاف ما إذا لم يتمكن كأن مات فجأة أو قتل غيلة أو سافر بها لعجزه عن ذلك.
ومحل ذلك في غير القاضي.
أما القاضي إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته، فلا يضمنه.
وإن لم يوص به لانه أمين الشرع بخلاف سائر الامناء، ولعموم ولايته، قاله ابن الصلاح قال وإنما يضمن إذا فرط.
قال السبكي وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا، وإن مات عن مرض وهو الوجه.
وقد أوضحته في شرح

(2/36)


الروض، (وكأن يدفنها بموضع ويسافر ولم يعلم بها أمينا يراقبها) لانه عرضها للضياع، بخلاف ما إذا أعلم بها أمينا يراقبها.
وإن لم يسكن الموضع لان إعلامه بمنزلة إيداعه.
فشرطه فقد القاضي وكلام الاصل يقتضي اشتراط السكنى.
وليس مرادا (وكأن لا يدفع متلفاتها كترك تهوية ثياب صوف أو) ترك (لبسها عند حاجتها) لذلك، وقد علمها لان الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه (أو) ترك (علف دابة) بسكون اللام لانه واجب عليه، لانه من الحفظ (لا إن نهاه) عن التهوية واللبس والعلف فلا يضمن، كما لو قال أتلف الثياب والدابة ففعل لكنه يعصى في مسألة الدابة لحرمة الروح والتصريح، بقولي لا إن نهاه من زيادتي في الاولين.
(فإن أعطاه) المالك (علفا) بفتح اللام، (علفها منه وإراجعه أو وكيله) ليعلفها أو يستردها، (ف) - إن فقدهما راجع (القاضي) ليقترض على المالك أو يؤجرها ويصرف الاجرة في مؤنتها، أو يبيع جزءا منها كما في علف اللقطة، (وكأن تلفت بمخالفة) حفظ (مأمور به، كقوله لا ترقد على ا لصندوق)، الذي فيه الوديعة (فرقد وانكسر به)، أي بثقله (وتلف ما فيه به) أي بانكساره لمخالفته المؤدية للتلف (لا) إن تلف (بغيره) كسرقة، فلا يضمن لان رقاده عليه زيادة في الحفظ والاحتياط.
نعم إن كان الصندوق في
صحراء فسرقت من جانبه ضمن إن سرقت من جانب لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه.
(ولا إن نهاه عن قفلين)، كأن قال له لا تقفل عليه إلا قفلا واحدا (فأقفلهما)، أو نهاه عن قفل فأقفل، فلا يضمن لذلك.
(ولو أعطاه دراهم بسوق وقال احفظها في البيت فأخر بلا عذر، أو) قال (اربطها) بكسر الباء أشهر من ضمها، في (كمك أو لم يبين كيفية حفظ فأمسكها) بيده، (بلا ربط فيه) أي في كمه (فضاعت بنحو غفلة) كنوم (ضمن) لتفريطه، (لا بأخذ غاصب) لان اليد أحرز بالنسبة إليه.
(ولا بجعلها بجيبه) بدلا عن الربط في كمه، لانه أحرز من الكم إلا إن كان الجيب واسعا غير مزرور فيضمن لسهولة تناولها باليد منه (أو) قال (اجعلها بجيبك ضمن يربطها) في كمه لتركه الاحرز، أما إذا أمسكها مع الربط في الكم فلا يضمن لانه بالغ في الحفظ أو امتثل قوله اربطها في كمك فإن جعل الخيط خارجا فضاعت بأخذ طراز ضمن أو باسترسال فلا وإن جعله داخلا انعكس الحكم.
وهذا كله إذا لم يرجع إلى بيته وإلا فليحرزها فيه.

(2/37)


(وكأن يضيعها كأن) هو أولى من قوله بأن (يضعها في غير حرز مثلها)، أو ينساها (أو يدل عليها) معينا محلها.
(ظالما) هو أعم من قوله سارقا أو من يصادر المالك (أو يسلمها له) أي لظالم ولو (مكرها ويرجع) هو إذا غرم (عليه) أي على الظالم، لان إقرار الضمان عليه لانه المستولي على المال عدوانا.
ولو أخذها الظالم قهرا فلا ضمان على الوديع.
(وكأن ينتفع بها كلبس وركوب لا لعذر)، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبسه لدفع دود وركوبه لجماح (وكأن يأخذها) من محلها (لينتفع بها) وإن لم ينتفع لتعديه بذلك، نعم إن أخذها لذلك ظانا أنها ملكه، ولم ينتفع بها لم يضمنها للعذر مع عدم الانتفاع ولو أخذ بعضها لينتفع به ثم يرده أو بدله ضمنه فقط.
(لا إن نوى الاخذ) لذلك ولم يأخذ لانه لم يحدث فعلا، بخلاف ما لو نواه فإنه يضمن (وكأن يخلطها بمال ولم تتميز بسهولة عنه بنحو سكة (ولو) خلطها بمال (للمودع) بخلاف ما إذا تميزت بسهولة، ولم تنقص بالخلط (وكأن يجحدها أو يؤخر تخليتها)،
أي التخلية بينها وبين مالكها، (بلا عذر بعد طلب مالكها) لها بخلاف، ما لو جحدها أو أخر تخليتها بلا طلب من مالكها.
وإن كان الجحد وتأخير التخلية بحضرته لان إخفاءها أبلغ في حفظها وبخلاف ما لو جحدها بعذر من دفع ظالم عن مالكها، وما لو أخر التخلية بعذر كصلاة وخرج بتخليتها حملها إليه فلا يلزمه والتقييد بعدم العذر في الجحود من زيادتي.
(ومتى خان لم يبرأ) وإن رجع (إلا بإيداع) ثان من المالك، كأن يقول استأمنتك عليها، فيبرأ لرضا المالك بسقوط الضمان، (وحلف) الوديع فيصدق (في) دعوى، (ردها على مؤتمنه) وإن أشهد عليه بها عند الدفع، لانه ائتمنه وخرج بدعواه الرد على مؤتمنه، ما لو ادعى ردها على وارث مؤتمنه أو ادعى وارثه الرد على المودع، أو أودع عند سفره أمينا فادعى الامين الرد على المالك فلا يصدق في ذلك بل عليه البينة.
(و) حلف (في) دعوى (تلقيها مطلقا أو بسبب خفي كسرقة أو) بسبب (ظاهر كحريق) وبرد ونهب (عرف دون عمومه) لاحتمال ما ادعاه، (فإن عرف عمومه أيضا ولم يتهم فلا) يحلف بل يصدق بلا يمين، لاحتمال ما ادعاه مع قرينة العموم وخرج بزيادتي.
ولم يتهم ما لو اتهم فيحلف وجوبا بخلاف نظيره من الزكاة، فإنه يحلف ندبا كما مر ثم عملا بالاصل في البابين، (وإن جهل) السبب الظاهر (طولب ببينة) بوجوده، (ثم يحلف أنها تلفت به) لاحتمال أنها لم تتلف به، فإن نكل عن اليمين، حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق و التصديق المذكور، يجري في كل أمين كوكيل.
وشريك إلا المرتهن والمستأجر فيصدقان في التلف، لا في الرد بل التصديق بالتلف، يجري في غير الامين لكنه يغرم البدل.

(2/38)


كتاب قسم الفئ والغنيمة القسم بفتح القاف مصدر بمعنى القسمة، والفئ مصدر فاء إذا رجع ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا والغنيمة فعيلة، بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح والمشهور، تغايرهما كما يؤخذ من العطف.
وقيل كل منهما يطلق على الآخر إذا أفرد فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين.
وقيل الفئ يطلق على الغنيمة دون العكس، والاصل في الباب
آية: * (ما أفاء الله على رسوله) *.
ولم تحل الغنائم لاحد قبل الاسلام بل كانت الانبياء إذا غنموا مالا جمعوه، فتأتي نار من السماء، تأخذه ثم أحلت للنبي (صلى الله عليه وسلم).
وكانت في صدر الاسلام له خاصة لانه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة، بل أعظم ثم نسخ ذلك واستقر الامر على ما يأتي (الفئ نحو مال)، ككلب ينفع فهو أعم من قوله مال (حصل) لنا (من كفار) مما هو لهم (بلا إيجاف) أي إسراع خيل أو إبل أو بغال أو سفن أو رجالة أو نحوها، فهو أولى من قوله إيجاف خيل وركاب لما عرف ولدفع إيراد أن المأخود من دارهم سرقة أو لقطة غنيمة لا فئ.
مع أن كلامه يقتضي أنه فئ فتأمل.
لكن قد يرد ما أهداه الكافر لنا في غير الحرب، فإنه ليس بفئ، كما أنه ليس بغنيمة مع صدق تعريف الفئ عليه (كجزية وعشر تجارة وما جلوا) أي تفرقوا، (عنه)، ولو لغير خوف كضر أصابهم، وإن أوهم كلام الاصل خلافه (تركة مرتد وكافر معصوم) هو أعم من قوله ذمي، (لا وارث له).
وكذا الفاضل عن وارث له غير حائز، (فيخمس) خمسة أخماس.
للآية السابقة وإن لم يكن فيها تخميس فإنه مذكور في آية الغنيمة فحمل المطلق على المقيد.
وكان (صلى الله عليه وسلم) يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسه، ولكل من الاربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس.
وأما بعده فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالحنا، ومن الاخماس الاربعة للمرتزقة كما تضمنه قولي (وخمسه) أي الفئ لخمسة (لمصالحنا) دون مصالحهم، (كثغور) أي سدها.
(وقضاة وعلماء) بعلوم تتعلق بمصالحنا، كتفسير وقراءة.
والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر، أما قضاته وهم الذين يحكمون لاهل الفئ في مغزاهم فيرزقون من الاخماس الاربعة لا من خمس الخمس.
كما قاله الماوردي وغيره (يقدم)

(2/39)


وجوبا (الاهم) فالاهم، (ولبني هاشم و) بني (المطلب) وهم المرادون بذي القربى في الآية، لاقتصاره (صلى الله عليه وسلم) في القسم عليهم، مع سؤال غيرهم من بني عميهم نوفل وعبد شمس له.
ولقوله أما بنو هاشم وبنو المطلب فشئ واحد وشبك بين أصابعه.
رواهما البخاري، فيعطون (ولو
أغنياء) للخبرين السابقين ولانه (صلى الله عليه وسلم) أعطى العباس وكان غنيا (ويفضل الذكر) على الانثى (كالارث) فله سهمان، ولها سهم لانها عطية من الله تعالى تستحق بقرابة الاب كالارث سواء الصغير والكبير، والعبرة بالانتساب إلى الآباء فلا يعطى أولاد البنات من بني هاشم والمطلب شيئا لانه (صلى الله عليه وسلم) لم يعط الزبير وعثمان، مع أن أم كل منهما كانت هاشمية (ولليتامى) للآية (الفقراء) لان لفظ اليتيم يشعر بالحاجة (منا) لانه مال أو نحوه أخذ من الكفار فاختص بنا كسهم المصالح (واليتيم صغير) ولو أنثى لخبر لا يتم بعد احتلام.
رواه أبو داود وحسنه النووي لكن ضعفه غيره (لا أب له) وإن كان له جد واليتيم في البهائم من فقد أمه وفي الطيور من فقد أباه وأمه، ومن فقد أمه فقط من الآدميين يقال له منقطع (وللمساكين) الصادقين بالفقراء (ولابن السبيل) أي الطريق، (الفقير منا ذ) كورا كانوا أو إناثا للآية مع ما مر آنفا وسيأتي بيان الصنفين وبيان الفقير في الباب الآتي.
ويجوز أن يجمع للمساكين بين الكفارة وسهمهم، من الزكاة والخمس فيكون لهم ثلاثة أموال، وإن اجتمع في أحدهم يتم ومسكنة أعطى باليتيم فقط لانه وصف لازم والمسكنة زائلة وللامام التسوية والتفضيل بينهم بحسب الحاجة وقولي: منامع الفقير من زيادتي.
(ويعم الامام) ولو بنائبه الاصناف (الاربعة الاخيرة)، بالاعطاء وجوبا لعموم الآية.
فلا يخص الحاضر بموضع حصول الفئ ولا من في كل ناحية منهم بالحاصل فيها، نعم لو كان الحاصل لا يسد مسدا بالتعميم قدم الاحوج ولا يعم للضرورة، ومن فقد من الاربعة صرف نصيبه للباقين منهم، (والاخماس الاربعة للمرتزقة) وهم المرصدون للجهاد بتعيين الامام لهم لعمل الاولين به، بخلاف المتطوعة، فلا يعطون من الفئ، بل من الزكاة عكس المرتزقة، كما سيأتي.
ويشرك المرتزقة في ذلك قضاتهم كما مر، وأئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم (فيعطى) الامام وجوبا (كلا) من المرتزقة وهؤلاء (بقدر حاجة ممونه) من نفسه، وغيرها كزوجاته، ليتفرغ للجهاد ويراعى في الحاجة الزمان والمكان والرخص والغلاء.
وعادة الشخص مروءة وضدها.
ويزاد إن زادت حاجته بزيادة ولد أو حدوث زوجة فأكثر، ومن لا عبد له يعطى من العبيد ما يحتاجه للقتال معه أو لخدمته إن كان
ممن يخدم ويعطي مؤنته ومن يقاتل فارسا، ولا فرس له يعطى من الخيل ما يحتاجه للقتال ويعطى مؤنته بخلاف الزوجات يعطى لهن مطلقا لانحصارهن في أربع، ثم يدفع إليه لزوجته وولده الملك فيه لهما حاصل من الفئ، وقيل يملكه هو ويصير إليهما من جهته.

(2/40)


(فإن مات أعطى) الامام (أصوله وزوجاته وبناته إلى أن يستغنوا) بنحو نكاح أو إرث، (وبنيه إلى أن يستقلوا) بكسب أو قدره على الغزو، فمن أحب إثبات اسمه في الديوان، أثبت وإلا قطع وذكر حكم الاصول من زيادتي.
وتعبيري بزوجات وبالاستغناء فيهن، وفي البنات أولى من تعبيره بالزوجة، وبالنكاح فيها، وبالاستقلال في البنات أولى من تعبيره بالزوجة، وبالنكاح فيها، وبالاستقلال في البنات كالبنين.
(وسن أن يضع ديوانا) بكسر الدال أشهر من فتحها، وهو الدفتر الذي يثبت فيه أسماء المرتزقة وأول من وضعه عمر رضي الله عنه، (و) أن (ينصب لكل جمع) منهم (عريفا)، يجمعهم عند الحاجة إليهم، والعريف فعيل بمعنى فاعل، وهو الذي يعرف مناقب القوم، (و) أن (يقدم) منهم (إثباتا) للاسم، (وإعطاء) للمال أو نحوه (قريشا)، لشرفهم بالنبي (صلى الله عليه وسلم).
ولخبر قدموا قريشا، رواه الشافعي بلاغا، وابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسموا قريشا، لتقرشهم وهو تجمعهم.
وقيل لشدتهم وهم ولد النضر بن كنانة أحد أجداده (صلى الله عليه وسلم).
(و) أن (يقدم منهم بني هاشم) جده الثاني (و) بني (المطلب) شقيق هاشم، لتسويته (صلى الله عليه وسلم) بينهما في القسم كما مر، (ف) - بني (عبد شمس) شقيق هاشم أيضا، (ف) - بني (نوفل) أخي هاشم لابيه عبد مناف بن قصي، (ف) - بني (عبد العزى) بن قصي، لانهم أصهاره (صلى الله عليه وسلم).
فإن زوجته خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى (فسائر البطون) أي باقيها (الاقرب) فالاقرب (إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقدم منهم بعد بني عبد العزى بني عبد الدار بن قصي ثم بني زهرة بن كلاب ثم بني تيم.
وهكذا، (ف) - بعد قريش (الانصار) الاوس والخزرج، لآثارهم الحميدة في الاسلام، (فسائر العرب) أي باقيهم، قال الرافعي كذا رتبوه وحمله السرخسي على من هم أبعد من الانصار، أما من هو أقرب منهم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقدم، وفي الحاوي يقدم بعد الانصار مضر،
فربيعة فولد عدنان فقحطان (فالعجم)، لان العرب أقرب منهم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفيهما زيادة تطلب من شرح الروض.
وذكر السن في المسائل المذكورة من زيادتي (ولا يثبت في الديوان من لا يصلح للغزو)، كأعمى وزمن وفاقد يد، وإنما يثبت الرجل المسلم المكلف الحر الصالح البصير للغزو، فيجوز إثبات الاخرس والاصم والاعرج إن كان فارسا.
(ومن مرض) منهم بجنون أو غيره (فكصحيح) فيعطى بقدر حاجة ممونه حيا وميتا، بتفصيله السابق.
(وإن لم يرج برؤه) لئلا يرغب الناس عن الجهاد، ويشتغلوا بالكسب.
وقولي: فكصحيح أعم وأولى مما ذكره، (ويمحى) اسم (من لم يرج برؤه) إن أعطى إذ لا فائدة في إبقاءه، وهذا من زيادتي.
(وما فضل عنهم) أي عن المرتزقة، أي عن حاجتهم (وزع عليهم بقدر

(2/41)


مؤنتهم)، لانه لهم فلو كان لواحد منهم نصف، ولآخر ثلث أعطاهم من الفاضل، بهذه النسبة (وله) أي للامام.
(صرف بعضه) أي الفاضل، (في ثغور وسلاح وخيل ونحوها)، (ولانه) معونة لهم.
والغرض من هذا أن الامام لا يبقى في بيت المال شيئا من الفئ، ما وجد له مصرفا.
فإن لم يجد ابتدأ بناء رباطات ومساجد على حسب رأيه.
(و) له (وقف عقار فئ أو بيعه وقسم غلته) في الوقف، (أو ثمنه) في البيع بحسب ما يراه، (كذلك) أي كقسم المنقول أربعة أخماسه للمرتزقة، وخمسه للمصالح والاصناف الاربعة سواء وله أيضا قسمه المنقول كما شمله الكلام السابق، أوائل الباب.
لكن خمس الخمس الذي للمصالح لا سبيل إلى قسمته، وما ذكرته من التخيير هو ما في الروضة كأصلها واقتصر الاصل على الوقف.
فصل في الغنيمة وما يتبعها.
(الغنيمة نحو مال) هو أعم من قوله مال (حصل) لنا (من الحربيين) مما هو لهم، (بإيجاف) أي إسراع لشئ مما مر.
حتى ما حصل بسرقة أو التقاط كما مر.
وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين، ولو قبل شهر السلاح أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة بخلاف المتروك بسبب حصولنا في دراهم وضرب معسكرنا فيهم.
وتعبيري بالحربيين هنا وفيما يأتي أولى من
تعبيره بالكفار، (فيقدم) منها (السلب لمن ركب غررا) بقيد زدته، بقولي (منا).
حرا كان أو عبدا صبيا أو بالغا ذكرا أو أنثى وخنثى (بإزالة منعة حربي) بفتح النون، أشهر من إسكانها، أي قوته (في الحرب)، كأن يقتله أو يعميه أو يقطع يديه أو رجليه أو يده ورجله أو يأسره.
وإن من عليه الامام أو أرقه وفداه بخلاف ما لو رماه من حصن أو صف أو قتله غافلا أو أسيرا أو بعد انهزام الحربيين، فلا سلب له لانتفاء ركوب الغرر المذكور.
والاصل في ذلك خبر من قتل قتيلان، فله سلبه، رواه الشيخان.
(وهو) أي السلب (ما معه) أي الحربي الذي أزيلت منعته، من ثياب كخف) وطيلسان (وران) براء ونون وهو خف بلا قدم (ومن سوار) وطوق، (ومنطق)، وهي ما يشد بها الوسط (وخاتم ونفقة) معه بكيسها إلا المخلفة في رحله، (وجنيبة) تقاد (معه) ولو بين يديه، لانها إنما تقاد معه ليركبها عند الحاجة بخلاف التي تحمل عليها أثقاله، فلو تعددت الجنائب اختار واحدة منها، لان كلا منها جنيبة من أزال منعته (وآلة حرب كدرع

(2/42)


ومركوب وآلته)، كسرج ولجام ومقود ومهماز.
وقولي وآلته أعم من قوله وسرج ولجام (لا حقيبة) مشدودة على الفرس بما فيها من نقد وغيره، لانها ليست من لباسه ولا من حليه ولا مشدودة على بدنه.
واختار السبكي أنه يأخذها بما فيها (ثم) بعد السلب (تخرج المؤن) أي مؤن نحو الحفظ، ونقل المال إن لم يوجد متطوع به للحاجة إليه (ثم يخمس الباقي) من الغنيمة، بعد السلب والمؤن (وخمسة كخمس الفئ)، فيقسم بين أهله كما مر في الفئ لآية: * (واعلموا إنما غنمتم من شئ) *.
فيجعل ذلك خمسة أقسام متساوية ويؤخذ خمس رقاع، ويكتب على واحدة لله أو للمصالح وعلى أربع للغانمين، ثم تدرج في بنادق متساوية.
ويخرج لكل خمس رقعة فما خرج لله أو المصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة، وهي التي تقدمت في الفئ ويقسم ما للغانمين قبل قسمة هذا الخمس.
لكن بعد إفرازه بقرعة كما عرف (والنفل) بفتح الفاء أشهر من إسكانها، (وهو زيادة يدفعها الامام باجتهاده) في قدرها بقدر الفعل المقابل لها، (لمن ظهر منه) في الحرب
(أمر محمود) كمبارزة، وحسن إقدام (أو يشترطها) باجتهاده (لمن يفعل ما ينكي الحربيين) كهجوم على قلعة ودلالة عليها وحفظ مكمن وتجسس حال يكون (من مال المصالح الذي سيغنم في هذا القتال أو الحاصل عنده) في بيت المال.
فإن كان مما سيغنم فيذكر في النوع الثاني جزءا كربع وثلث وتحتمل فيه الجهالة للحاجة، وإن كان من الحاصل عنده شرط كونه معلوما.
والنوع الاول من النفل من زيادتي (والاخماس الاربعة) عقارها ومنقولها (للغانمين) أخذا من الآية: حيث اقتصر فيها بعد الاضافة إليهم، على إخراج الخمس، (وهم من حضر القتال ولو في أثنائه)، أو كان ممن لا يسهم له (بنيته) أي القتال، (وإن لم يقاتل أو) حضر (لا بنيته وقاتل كأجير لحفظ أمتعة وتاجر ومحترف) لشهوده القتال في الاولى، ولقتاله في الثانية وألحق بهما جاسوس وكمين ومن أخر منهم ليحرس العسكر من هجوم العدو، ولا شئ لمن حضر بعد انقضائه ولو قيل حيازه، المال ولا لمن حضره، وانهزم غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة.
ولم يعد قبل انقضائه فإن عاد، استحق من المحوز بعد عوده فقط، ومثله من حضر في الاثناء ولا لمخذل ومرجف، وإن حضر بنية القتال (ولو مات بعد انقضائه ولو قبل الحيازة) لمال (فحقة لوارثه)، لان الغنيمة تستحق بالانقضاء وإن لم تكن حيازة بخلاف من مات قبل انقضائه لا شئ له لما مر.
وفارق موت فرسه بأن الفارس متبوع والفرس تابع (ولراجل سهم ولفارس ثلاثة) سهمان للفرس وسهم له للاتباع

(2/43)


رواه الشيخان.
(ولا يعطى) وإن كان معه فرسان (لا لفرس واحد فيه نفع) لما روى الشافعي وغيره أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يعط الزبير إلا لفرس واحد وكان معه يوم حنين أفراس عربيا أو غيره كبرذون وهو من أبواه عجميان وهجين، وهو من أبوه عربي، وأمه عجمية.
ومقرف بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء وهو من أبوه عجمي وأمه عربية فلا يعطى لغير فرس كبعير، وفيل وبغل وحمار، لانها لا تصلح للحرب صلاحية الخيل له بالكر والفر اللذين يحصل بهما النصرة، نعم
يرضخ لها ورضخ الفيل، أمثر من رضخ البغل ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار.
ولا يعطى لفرس لا نفع فيه كمهزول وكسير وهرم، وفارق الشيخ الهرم، بأن الشيخ ينتفع برأيه ودعائه نعم يرضخ له (ويرضخ منها) أي من الاخماس الاربعة، (لعبد وصبي ومجنون وامرأة وخنثى حضروا) القتال، وفيهم نفع وإن لم يأذن السيد والولي والزوج (ولكافر معصوم) هو أعم من قوله ولذمي، (حضر بلا أجرة وبإذن الامام) للاتباع في غير المجنون والخنثى وقياسا فيهما.
فإن حضر الكافر بغير إذن الامام لم يرضخ لانه متهم بموالاة أهل دينه بل يعزره إن رأى ذلك أو بإذنه بأجرة فله الاجرة فقط.
والتصريح بحكم المجنون والخنثى من زيادتي ويرضح أيضا لاعمى وزمن وفاقد أطراف وتاجر ومحترف حضر أو لم يقاتلا (والرضخ دون سهم) وإن كانوا فرسانا، (يجتهد لامام في قدرة) بقدر ما يرى ويفاوت بين أهله بقدر نفعهم فيرجع المقاتل، ومن قتاله أكثر.
والفارس على الراجل والمرأة التتداوي الجرحى وتسقي العطاش، على التي تحفظ الرحال.
وإنما كان الرضخ من الاخماس الاربعة، لانه سهم من الغنيمة مستحق بالحضور، إلا أنه ناقص فكان من الاخماس الاربعة المختصة بالغانمين الذين حضروا الوقعة.

(2/44)


كتاب قسم الزكاة مع بيان حكم صدقة التطوع والاصل في الاول آية: * (إنما الصدقات للفقراء) * وأضاف فيها الصدقات إلى الاصناف الاربعة بلام الملك وإلى الاربعة الاخيرة، بفي الظرفية للاشعار بإطلاق الملك في الاربعة الاولى وتقييده في الاخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها، استرجع بخلافه في الاولى على ما يأتي (هي) أي الزكاة لثمانية: (لفقير) وهو (من لا مال له ولا كسب لائق) به (يقع) جميعهما أو مجموعهما، (موقعا من كفايته) مطعما وملبسا ومسكنا وغيرها، مما لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال ممونه.
كمن يحتاج إلى عشرة، ولا يملك أولا يكسب إلا درهمين أو ثلاثة وسواء أكان ما يملكه نصابا أم أقل أم أكثر، (ولو غير زمن ومتعفف) عن
المسألة لقوله تعالى: * (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) *، أي غير السائل، ولظاهر الاخبار (ولمسكين) وهو (من له ذلك) أي مال أو كسب لائق به يقع موقعا من كفايته، (ولا يكفيه) كمن يملك أو يكسب سبعة أو ثمانية ولا يكفيه إلا عشرة.
والمراد أنه لا يكفيه العمر الغالب، وقيل سنة وخرج بلائق كسب لا يليق به، فهو كمن لا كسب له (ويمنع فقر الشخص ومسكنته) والتصريح بها من زيادتي، (كفايته بنفقة قريب أو زوج) لانه غير محتاج كمكتسب كل يوم قدر كفايته، (واشتغاله بنوافل) والكسب يمنعه منها (لا) اشتغاله (بعلم شرعي) يتأتى منه تحصيله (والكسب يمنعه) منه لانه فرض كفاية، وقولي شرعي من زيادتي.
(ولا مسكنه وخادمه وثياب وكتب) له (يحتاجها) وذكر الخادم والكتب مع التقييد بالاحتياج من زيادتي.
(و) لا (مال له غائب بمرحلتين أو مؤجل) فيعطي ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله، أو يحل الاجل، لانه الآن فقير أو مسكين، (ولعامل) على الزكاة (كساع) يجبيها (وكاتب) يكتب ما أعطاه أرباب الاموال (وقاسم وحاشر) يجمعهم أو يجمع ذوي السهمان والاصل اقتصر على أولهما، وقولي كساع أولى من قوله، ساع إلى آخره، لان العامل لا ينحصر فيما ذكره، إذ منه العريف والحاسب وأما أجرة الحافظ للاموال والراعي بعد قبض الامام ففي جملة السهمان لا في سهم العامل والكيال والوزان والعداد إن ميزوا الزكاة من المال، فأجرتهم

(2/45)


على المالك لا من سهم العامل أو ميزوا بين أنصباء المستحقين فهي من سهم العامل وما ذكر أولا محله إذا فرق الامام الزكاة ولم يجعل للعامل جعلا من بيت المال فإن فرقها المالك، أو جعل الامام للعامل ذلك سقط سهم العامل كما سيأتي، (لا قاض ووال)، فلا حق لهما في الزكاة، بل رزقهما في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة.
إن لم يتطوعا بالعمل لان عملهما عام، (ولمؤلفة) إن قسم الامام واحتيج لهم وهم أربعة، (ضعيف إسلام أو شريف) في قومه (يتوقع) بإعطائه (إسلام غيره أو كاف) لنا (شر من يليه من كفار أو ما نعي زكاة) وهذا في مؤلفة
المسلمين كما يعلم مما يأتي وفي كلامي هنا إشارة إليه.
أما مؤلفة الكفار: وهم من يرجى إسلامه أو يخاف شره فلا يعطون من زكاة ولا غيرها، لان الله تعالى أعز الاسلام، وأهله، وأغنى عن التأليف، وقولي أو كاف إلى آخره من زيادتي.
(ولرقاب) وهم (مكاتبون)، كتابة صحيحة بقيد زدته بقولي، (لغير مزك) فيعطون ولو بغير إذن ساداتهم أو قبل حلول النجوم ما يعينهم على العتق، إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم، أما مكاتب المزكي فلا يعطي من زكاته شيئا لعود الفائدة إليه مع كونه ملكه، (ولغارم) وهو ثلاثة: (من تداين لنفسه في مباح) طاعة كان أولا، وإن صرفه في معصية وقد عرف قصد الاباحة، (أو) في (غيره) أي المباح كخمر، (وتاب) وظن صدقه في توبته وإن قصرت المدة، (أو صرفه في مباح).
فيعطي (مع الحاجة) بأن يحل الدين، ولا يقدر على وفائه، بخلاف ما لو تداين لمعصية، وصرفه فيها ولم يتب.
وما لو لم يحتج فلا يعطى.
وقولي أو صرفه في مباح من زيادتي.
(أو) تداين (لاصلاح ذات البين)، أي الحال بين القوم.
كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل، لم يظهر قاتله فتحمل الدية تسكينا للفتنة فيعطى (ولو غنيا) إذ لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة، (أو) تداين (لضمان) فيعطى (أن أعسر مع الاصيل)، وإن لم يكن متبرعا بالضمان (أو) أعسر (وحده وكان متبرعا) بالضمان.
بخلاف ما إذا ضمن بالاذن، والثالث من زيادتي (ولسبيل الله) وهو (غاز متطوعا) بالجهاد، فيعطى (ولو غنيا) إعانة له على الغزو، وبخلاف المرتزق الذي له حق في الفئ فلا يعطى من الزكاة.
وإن لم يوجد ما يصرف له من الفئ وعلى أغنياء المسلمين إعانته حينئذ، (ولابن سبيل) وهو (منشئ سفر) من بلد مال الزكاة، (أو مجتاز) به في سفره (إن احتاج ولا معصية) بسفره سواء أكان طاعة كسفر حج، وزيارة أم

(2/46)


مباحا كسفر تجارة، وطلب آبق ونزهة.
فإن كان معه ما يحتاجه في سفره، ولو بوجدان مقرض أو كان سفر معصية، لم يعط وألحق به سفر لا لغرض صحيح كسفر الهائم (وشرط آخذ) للزكاة
من هذه الثمانية (حرية) هو من زيادتي، فلا حق فيها لمن به رق غير مكاتب (وإسلام) فلا حق فيها لكافر لخبر الصحيحين صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفارا مستأجرين من سهم العامل لان ذلك أجرة لا زكاة، (وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا) فلا تحل لهما قال (صلى الله عليه وسلم)، إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم.
وقال: لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا ولا غسالة الايدي إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم.
رواه الطبراني (ولا مولى لهما) فلا تحل له لخبر القوم منهم صححه الترمذي وغيره.
فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها، (من علم الدافع) لها من إمام وعليه اقتصر الاصل أو غيره، (حاله) من استحقاق الزكاة وعدمه.
(عمل بعلمه) فيصرف لمن علم استحقاقه دون غيره وإن لم يطلبها منه، وإن أفهم كلام الاصل اشتراط طلبها منه (ومن لا) يعلم الدافع حاله (فإن ادعى ضعف إسلام صدق) بلا يمين ولا بينة وإن اتهم لعسر إقامتها، (أو) ادعى (فقرا أو مسكنة فكذا) يصدق بلا يمين، ولا بينة وإن اتهم لذلك (إلا إن ادعى عيالا أو) ادعى (تلف مال عرف) أنه (له فيكلف بينة) لسهولتها (كعامل ومكاتب وغارم وبقية المؤلفة)، فإنهم يكلفون بينة بالعمل والكتابة والغرم والشرف وكفاية الشر لذلك وذكر المؤلفة بأقسامها من زيادتي، (وصدق غاز وابن سبيل) بلا يمين ولا بينة لما مر.
(فإن تخلفا) عما إخذا لاجله (استرد) منهما ما أخذاه لانتفاء صفة استحقاقهما، فإن خرجا ورجعا وفضل شئ لم يسترد من الغازي، إن قتر على نفسه أو كان يسيرا، وإلا استرد ويسترد من ابن السبيل مطلقا، ومثله المكاتب إذا عتق ما أخذه والغارم، إذا برئ واستغنى بذلك.
(والبينة) هنا (إخبار عدلين أو عدل وامرأتين) فلا يحتاج إلى دعوى عند قاض، وإنكار واستشهاد.
وذكر العدل وامرأتين من زيادتي، (ويغني عنها) أي البينة (استفاضة) بين الناس

(2/47)


لحصول الظن بها.
(وتصديق دائن) في الغارم، (وسيد) في المكاتب، (ويعطي فقير ومسكين) إذا لم يحسنا الكسب، بحرفة ولا تجارة.
(كفاية عمر غالب فيشتريان به) أي بما أعطياه (عقارا يستغلانه) بأن يشتري كل منهما به عقارا يستغله ويستغني به عن الزكاة.
وظاهر أن للامام أن يشتري له ذلك كما في الغازي، ومن يحسن الكسب بحرفة يعطي ما يشتري به آلاتها أو بتجارة يعطي ما يشتري به مما يحسن التجارة فيه، ما يفي ربحه بكفايته غالبا فالبقلي يكتفي بخمسة دراهم، والباقلاني بعشرة والفاكهي بعشرين، والخباز بخمسين، والبقال بمائة، والعطار بألف والبزاز بألفين والصيرفي بخمسة آلاف والجوهري بعشرة آلاف والبقلي بموحدة من يبيع البقول.
والباقلاني من يبيع الباقلا، والبقال بموحدة الفامي بالفاء وهو من يبيع الحبوب.
قيل أو الزيت.
قال الزركشي ومن جعله بالنون فقد صحفه فإن ذاك يسمى النقلي لا النقال، (و) يعطى (مكاتب وغارم) لغير إصلاح ذات البين بقرينة ما مر، (ما عجزا عنه) من وفاء دينهما ويعطي ابن سبيل ما يوصله مقصده بكسر الصاد أو ماله إن كان له في طريقه مال فلا يعطى مؤنة إيابه، إن لم يقصده وهو ظاهر ولا مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر.
(و) يعطى (غاز حاجته) في غزوه نفقة له، وكسوة له ولعياله وقيمة سلاح وقيمة فرس إن كان يقاتل فرسا، (ذهابا وإيابا وإقامة) وإن طالت لان اسمه لا يزول بذلك بخلاف ابن السبيل، (ويملكه) فلا يسترد منه إلا ما فضل على ما مر.
وللامام أن يكترى له السلاح والفرس وأن يعيرهما، له مما اشتراه ووقفه فإن له أن يشتريهما من هذا السهم ويقفهما في سبيل الله، (ويهيأ له مركوب) غير الذي يقاتل عليه، (إن لم يطق المشي أو طال سفره) بخلاف ما لو قصر وهو قوي.
(وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما) بنفسه بخلاف ما لو اعتاد مثله حملهما ويسترد ما هيئ له إذا رجع كما يشير إليه التعبير بيهيأ، (كابن سبيل) فإنه يهيأ له ما مر في الغازي بشرطه.
ويسترد منه إذا رجع.
والمؤلفة يعطيها الامام أو المالك ما يراه، والعامل يعطي أجره، مثله فإن زاد سهمه عليها رد الفاضل على بقية الاصناف، وإن نقص كمل من مال الزكاة أو من مال المصالح،
(ومن فيه صفتا استحقاق) للزكاة كفقير غارم، (يأخذ بإحداهما) لا بالاخرى أيضا، لان عطف بعض المستحقين على بعض في الآية، يقتضي التغاير وتعبيري بيأخذ أولى من تعبيره بيعطي، لان الخيار في ذلك للآخذ لا للامام، أو المالك كما جزم به في الروضة، وأصلها أما من فيه صفتا استحقاق الفئ أي وإحداهما الغزو كغاز هاشمي فيعطى بهما.

(2/48)


فصل في حكم استيعاب الاصناف والتسوية بينهم وما يتبعهما، (يجب تعميم الاصناف) الثمانية في القسم (إن أمكن).
بأن قسم الامام ولو بنائبه ووجدوا لظاهر.
الآية سواء في ذلك زكاة الفطر وزكاة المال.
(وإلا) أي وإن لم يكن بأن قسم المالك إذ لا عامل أو الامام ووجد بعضهم كأن جعل عاملا بأجرة من بيت المال، (ف) - تعميم (من وجد) منهم لان المعدوم لا سهم له فإن لم يوجد أحد منهم حفظت الزكاة، حتى يوجدوا أو بعضهم.
(وعلى الامام تعميم الآحاد) أي آحاد كل صنف من الزكوات الحاصلة عنده، إذ لا يتعذر عليه ذلك، (وكذا المالك) عليه التعميم (إن انحصروا) أي الآحاد (بالبلد) بأن سهل عادة ضبطهم، ومعرفة عددهم (ووفى) بهم (المال) فإن أخل أحدهما بصنف، ضمن لكن الامام إنما يضمن من مال الصدقات، لا من ماله والتصريح، بوجوب تعميم الآحاد من زيادتي (وإلا) بأن لم ينحصروا أو انحصروا ولم يف بهم المال (وجب إعطاء ثلاثة).
فأكثر من كل صنف لذكره، في الآية بصيغة الجمع، وهو المراد بفي سبيل الله، وابن السبيل الذي هو للجنس، ولا عامل في قسم المالك الذي الكلام فيه، ويجوز حيث كان أن يكون واحدا إن حصلت به الكفاية كما يستغني عنه فيما مر.
(وتجب التسوية بين الاصناف) غير العامل ولو زادت حاجة بعضهم، ولم يفضل شئ عن كفاية بعض آخر، كما يعلم مما يأتي سواء أقسم الامام أو المالك، (لا بين آحاد الصنف) فيجوز تفضيل بعضهم على بعض.
(إلا إن يقسم الامام وتتساوى الحاجات) فتجب التسوية لان عليه التعميم فعليه التسوية، بخلاف المالك، إذ لم ينحصروا أو لم يف بهم المال، وبهذا جزم
الاصل ونقله في الروضة كأصلها عن التتمة لكن تعقبه فيها، بأنه خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية، (ولا يجوز للمالك) أي يحرم عليه ولا يجزيه (نقل زكاة) من بلد وجوبها مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر فيه المستحقون ليصرفها إليهم، لما في خبر الصحيحين صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، نعم لو وقع تشقيص كعشرين شاة ببلد، وعشرين بآخر، فله إخراج شاة بأحدهما مع الكراهة ولو حال الحول والمال ببادية فرقت الزكاة بأقرب البلاد إليه، (فإن عدمت) في بلد وجوبها (الاصناف أو فضل عنهم شئ وجب نقل) لها أو الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إليه (وإن عدم بعضهم أو فضل عنه شئ) بأن وجدوا كلهم وفضل عن كفاية بعضهم شئ وكذا إن وجد بعضهم وفضل عن كفاية بعضه شئ

(2/49)


(رد) نصيب البعض أو الفاضل عنه أو عن بعضه (على الباقين إن نقص نصيبهم).
عن كفايتهم فلا ينقل إلى غيرهم، لانحصار الاستحقاق فيهم، فإن لم ينقص نصيبهم نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد.
ومسئلتا الفضل مع تقييد الباقين بنقص نصيبهم من زيادتي، وخرج بزيادتي للمالك الامام فله ولو بنائبه نقلها، مطلقا ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا، (وشرط العامل أهلية الشهادات) أي مسلم مكلف عدل، ذكر إلى غير ذلك، مما ذكر في بابها (وفقه زكاة) بأن يعرف ما يؤخذ ومن يأخذ لان ذلك ولاية شرعية، فافتقرت لهذه الامور كالقضاء هذا (إن لم يعين له ما يؤخذ ومن يؤخذ)، وإلا فلا يشترط فقه ولا حرية وكذا ذكورة فيما يظهر.
وقولي أهلية الشهادات أولى من اقتصاره على الحرية والعدالة، وتقدم ما يؤخذ منه شرط أن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا، ولا مولى لهما ولا مرتزقا.
(وسن) للامام (أن يعلم شهرا لاخذها) أي الزكاة، ليتهيأ أرباب الاموال لدفعها والمستحقون لاخذها، وسن أن يكون المحرم لانه أول السنة الشرعية، وذلك فيما يعتبر فيه الحول المختلف في حق الناس، بخلاف ما لا يعتبر فيه كالزروع والثمار، فلا يسن فيه ذلك بل يبعث العامل وقت الوجوب، وقته في المثالين اشتداد الحب.
وإدراك الثمار.
وذلك لا يختلف في الناحية
الواحدة كثير اختلاف، ثم بعث العامل لاخذ الزكوات، واجب على الامام والتصريح بالسن من زيادتي.
(و) أن (يسم نعم زكاة وفئ) للاتباع في بعضها، رواه الشيخان.
وقياس الباقي عليه، وفيه فائدة تمييزها عن عيرها وأن يردها واجدها إن شردت أو ضلت (في محل) بقيدين زدتهما بقولي (صلب ظاهر) للناس (لا يكثر شعره) ليكون أظهر للرائي وأهون على النعم.
والاولى في الغنم آذانها وفي الابل والبقر أفخاذها، ويكون وسم الغنم ألطف، وفوقه البقر وفوقه الابل أما نعم غير الزكاة والفئ فوسمه مباح لا مندوب ولا مكروه.
قاله في المجموع والخيل والبغال والحمير والفيلة كالنعم في الوسم وكالابل والبقر في محله، ويبقى النظر في أيها ألطف وسما، (وحرم) الوسم (في الوجه) للنهي عنه، ولانه (صلى الله عليه وسلم) مر عليه حمار.
قد وسم في وجهه.
فقال لعن الله الذي وسمه.
رواهما مسلم والوسم في نعم الزكاة زكاة أو صدقة وطهرة أو لله وهو أبرك وأولى وفي نعم الجزية، من الفئ جزية أو صغار وفي نعم بقية الفئ فئ.

(2/50)


فصل في صدقة التطوع وهي المرادة عند الاطلاق غالبا، كما في قولي (الصدقة سنة) مؤكدة لما ورد فيها من الكتاب والسنة.
وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من آخذهاأنه يصرفها في معصية، (وتحل لغني) بمال أو كسب ولو لذي قربى لا للنبي (صلى الله عليه وسلم).
ففي الصحيحين تصدق الليلة على غني، ويكره له التعرض لاخذها ويستحب له التنزه عنها بل يحرم عليه أخذها، إن أظهر الفاقة أو سأل بل يحرم سؤاله أيضا (وكافر) ففي الصحيحين في كل كبد، رطبة أجر (ودفعها سرا وفي رمضان ولنحو قريب) كزوجة وصديق (فجار) أقرب فأقرب (أفضل) من دفعها جهرا.
وفي غير رمضان ولغير نحو قريب وغير جار، لما ورد في ذلك من الكتاب والسنة.
ونحو من زيادتي.
وتعبيري في الجار بالفاء أولى من تعبيره فيه بالواو، ليفيد أن الصدقة على نحو القريب
وإن بعدت داره، أي بعدا لا يمنع نقل الزكاة أفضل من الصدقة على الجار الاجنبي، وسواء في الجار القريب ألزمت الدافع مؤنته أم لا كما صرح به في المجموع، عن الاصحاب.
أما الزكاة فإظهارها أفضل بالاجماع كما في المجموع، وخصه الماوردي بالمال الظاهر، أما الباطن: فإخفاء زكاته أفضل ويسن الاكثار من الصدقة في رمضان، وأمام الحاجات وعند كسوف ومرض وسفر وحج وجهاد، وفي أزمنة وأمكنة فاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد ومكة والمدينة (وتحرم) الصدقة (بما يحتاجه) منفقة وغيرها، (لممونه) من نفسه أو غيره وهو أعم من قوله، لنفقة من تلزمه نفقته، (أو لدين لا يظن له وفاء) لو تصدق به، لان الواجب مقدم على المسنون.
فإن ظن وفاء من جهة أخرى فلا بأس بالتصدق به.
قال في المجموع وقد يستحب، وخرج بالصدقة الضيافة فلا يشترط في جوازها، كونها فاضلة عن مؤنة ممونه، كما في المجموع خلافا لما في شرح مسلم.
وما ذكرته من تحريم الصدقة بما يحتاجه لنفسه، هو ما صححه في المجموع، ونقله في الروضة عن كثيرين محله.
فيمن لم يصبر أخذا من جواب المجموع عن حديث الانصاري وامرأته اللذين نزل فيهما قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * الآية.
فما صححه في الروضة من أنها لا تحرم محله، فيمن صبر.
وعلى الاول يحمل ما في التيمم، من حرمه إيثار عطشان عطشانا آخر بالماء.
وعلى الثاني يحمل ما في الاطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، (وتسن بما فضل عن حاجته) لنفسه وممونه يومه وليلته وفصل كسوته ووفاء دينه، (إن صبر) على الاضافة (وإلا كره) كما في المهذب وغيره.
والتصريح بالكراهة من زيادتي وعلى

(2/51)


هذا التفصيل، حملت الاخبار المختلفة الظاهر كخبر خير الصدقة، ماكان عن ظهر غني أي غنى النفس وصبرها على الفقر.
رواه أبو داود وصححه الحاكم وخبر إن أبا بكر تصدق بجميع ماله، رواه الترمذي وصححه.
أما الصدقة ببعض ما فضل عن حاجته فمسنون مطلقا إلا
أن يكون قدرا يقارب الجميع فالاوجه جريان التفصيل السابق فيه والله أعلم.

(2/52)


كتاب النكاح هو لغة الضم والوطئ وشرعا عقد يتضمن إباحة وطئ بلفظ إنكاح أو نحوه، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطئ على الصحيح، وإنما حمل على الوطئ في قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لخبر حتى تذوقي عسيلته.
والاصل فيه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وأخبار كخبر تناكحوا تكثروا.
رواه الشافعي بلاغا.
(سن) أي النكاح بمعنى التزوج (لتائق له) بتوقانه للوطئ (إن وجد أهبته) من مهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه تحصينا لدينه سواء أكان مشتغلا بالعبادة أم لا (وإلا) بأن فقد أهبته (فتركه أولى وكسر) إرشادا (توقانه بصوم) لخبر يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع لتوقانه والباءة بالمد مؤن النكاح فإن لم ينكسر بالصوم لا يكسره الكافور ونحوه بل يتزوج (وكره) النكاح (لغيره) أي غير التائق له لعلة أو غيرها (إن فقدها) أي أهبته (أو) وجدها (وكان به علة كهرم) وتعنين لانتفاء حاجته مع التزام فاقد الاهبة ما لا يقدر عليه، وخطر القيام بواجبه فيمن عداه (وإلا)، بأن وجدها ولا علة به (فتخل لعبادة أفضل) من النكاح إن كان متعبدا اهتماما بها (فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل) من تركه لئلا تفضي به البطالة إلى الفواحش.
وتعبيري بالتخلي للعبادة، أولى من تعبيره بالعبادة لانها عبارة الجمهور، ولانها التي تصلح للخلافية فيه بيننا وبين الحنفية، إذ من المعلوم أن العبادة من النكاح قطعا.
(فرع) نص في الام، وغيرها على أن المرأة التائقة يسن لها النكاح وفي معناها المحتاجة إلى النفقة، والخائفة من اقتحام الفجرة، ويوافقه ما في التنبيه من أن من جاز لها النكاح إن كانت محتاجة إليه استحب لها النكاح وإلا كره فما قيل إنه يستحب لها ذلك مطلقا مردود،
(وسن بكر).
لخبر الصحيحين: عن جابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك، (إلا لعذر) من زيادتي كضعف آلته عن الافتضاض أو احتياجه لمن يقوم على عياله، ومنه ما اتفق لجابر، فإنه لما قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) ما تقدم اعتذر له، فقال إن أبي قتل يوم أحد ترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء، مثلهن ولكن امرأة تمشطهن، وتقوم عليهن، فقال (صلى الله عليه وسلم)، أصبت (دينة)

(2/53)


لا فاسقة (جميلة ولود)، من زيادتي وذلك لخبر الصحيحين، تنكح المرأة لاربع، لمالها ولجمالها ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك أي افتقرتا، إن لم تفعل وخبر تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الامم يوم القيامة، رواه أبو داود والحاكم وصح إسناده، ويعرف كون البكر ولودا بأقاربها (نسيبة).
أي طيبة الاصل، لخبر تخير والنطفكم، رواه الحاكم وصححه بل تكره بنت الزنا، وبنت الفاسق، قال الاذرعي ويشبه أن يلحق بهما اللقيطة ومن لا يعرف لها أب (غير ذات قرابة قريبة).
بأن تكون أجنبية أو ذات قرابة بعيدة لضعف الشهوة في القريبة، فيجئ الولد نحيفا، والبعيدة أولى من الاجنبية.
لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يسن له أن لا يتزوج من عشيرته، لان الغالب حينئذ على الولد الحمق فيحمل نصه على عشيرته الادنين (و) سن (نظر كل) من المرأة والرجل (للآخر بعد قصده نكاحه قبل خطبته غير عورة) في الصلاة، وإن لم يؤذن له فيه أو خيف منه الفتنة للحاجة إليه فينظر الرجل من الحرة الوجه والكفين وممن بها رق ما عدا ما بين سرة وركبة، كما صرح به ابن الرفعة في الامة.
وقال: إنه مفهوم كلامهم وهما ينظرانه منه، فتعبيري بما ذكر أخذا من كلام الرافعي، وغيره أولى من تعبير الاصل كغيره بالوجه والكفين.
واحتج لذلك بقوله (صلى الله عليه وسلم) للمغيرة وقد خطب امرأة انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أي أن تدوم بينكما المودة والالفة، رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وقيس بما فيه عكسه.
وإنما اعتبر ذلك بعد القصد لانه لا حاجة إليه قبله.
ومراده
بخطب في الخبر عزم على خطبتها، لخبر أبي داود وغيره، إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها، وأما اعتباره قبل الخطبة فلانه لو كان بعدها لربما أعرض عن منظوره فيؤذيه، وإنما لم يشترط الاذن في النظر اكتفاء بإذن الشارع، ولئلا يتزين المنظور إليه فيفوت غرض الناظر.
فإن قلت، لم فرقتم بين الحرة والامة هنا مع التسوية بينهما في نظر الفحل، للاجنبية على قول النووي.
قلت لان النظر هنا مأمور به وإن خيفت الفتنة فأنيط بغير العورة وهناك منهي عنه لخوف الفتنة، فتعدى منه إلى ما يخاف منه الفتنة وإن لم يكن عورة بدليل حرمة النظر إلى وجه الحرة، ويديها على ما يأتي.
(وله) أي لكل منهما (تكريره) أي النظر عند حاجته، إليه لتتبين هيئة منظوره فلا يندم بعد نكاحه عليه.
وذكر حكم نظرها إليه من زيادتي.
(وحرم نظر نحو فحل كبير) كمجبوب وخصي (ولو مراهقا شيئا) وإن أبين كشعر (من) امرأة (كبيرة أجنبية ولو أمة)، وأمن الفتنة لان النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة.
فاللائق بمحاسن الشرع سد الباب والاعراض عن تفاصيل الاحوال، كالخلوة بها ومعنى حرمته في المراهق أنه

(2/54)


يحرم على وليه تمكينه منه كما يحرم عليها أن تتكشف له لظهوره على العورات بخلاف طفل لم يظهر عليها.
قال تعالى: * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) *.
والمراد بالكبيرة غير صغيرة لا تشتهى (وله بلا شهوة) ولو مكاتبا على النص (نظر سيدته وهما عفيفان ومحرمه خلا ما بين سرة وركبة) قال تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ابائهن) * الآية.
والزينة مفسرة بما عدا ذلك (كعكسه) أي ما ذكر في هذه، والتي قبلها فيحرم على المرأة الكبيرة، ولو مراهقة نظر شئ من نحو فحل أجنبي كبير ولو عبدا.
قال تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) *.
ولها بلا شهوة أن تنظر من عبدها، وهما عفيفان ومن محرمها خلا ما بين سرة وركبة لما عرف.
وقولي نحو وبلا شهوة مع التقييد بالعفة.
وذكر حكم نظر سيده العبد له من زيادتي.
وما ذكرته من تحريم نظر الفحل إلى وجه المرأة وكفيها وعكسه عند أمن الفتة هو ما صححه الاصل والذي في الروضة كأصلها
عن أكثر الاصحاب، حله (وحل بلا شهوة نظر لصغيرة) لا تشتهي (خلا فرج) لانها ليست في مظنة شهوة.
أما الفرج فيحرم نظره وقطع القاضي بحله عملا بالعرف، وعلى الاول استثنى ابن القطان الام زمن الرضاع والتربية للضرورة، أما فرج الصغير فيحل النظر إليه ما لم يميز كما صححه المتولي، وجزم به غيره ونقله السبكي عن الاصحاب، (ونظر ممسوح) وهو ذاهب الذكر والانثيين بحيث لم يبق له شهوة (لاجنبية وعكسه) أي ونظر أجنبية لممسوح (و) نظر (رجل لرجل و) نظر (امرأة لامرأة كنظر لمحرم) فيحل بلا شهوة، ما عدا ما بين سرة وركبة لما عرف (وحرم نظر كافر لمسلمة) لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * والكافرة ليست من نساء المؤمنات، ولانها ربما تحكيها للكافر، فلا تدخل الحمام معها نعم.
يجوز أن ترى منها ما يبدو عند المهنة على الاشبه في الروضة كأصلها.
لكن الاوجه ما صرح به القاضي وغيره أنها معها كالاجنبي كما أوضحته في شرح الروض.
وتعبيري بكافرة أعم من تعبيره بذمية، وهذا كله في كافرة غير مملوكة للمسلمة، ولا محرم لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها كما علم من عموم ما مر.
وأما نظر المسلمة للكافر فمقتضى كلامهم جوازه.
قال الزركشي، وفيه توقف (و) حرم (نظر أمرد جميل) ولا محرمية ولا ملك ولو بلا شهوة (أو) غير جميل (بشهوة) بأن ينظر إليه فيلتذ به.
وتعبيري بذلك أولى مما عبر به (لا نظر لحاجة كمعاملة) ببيع أو غيره (وشهادة) تحملا وأداء، (وتعليم) لما يجب أو يسن فينظر في المعاملة إلى الوجه فقط وفي الشهادة إلى ما يحتاج إليه من وجه وغيره وفي إرادة شراء رقيق ما عدا ما بين السرة والركبة، كما مر في محله هذا كله.
إن لم يخف فتنة.
وإلا فإن لم يتعين ذلك لم ينظر وإلا نظر

(2/55)


وضبط نفسه، والخلوة في جميع ذلك كله كالنظر (وحيث) أولى من قوله ومتى (حرم نظر حرم مس) لانه أبلغ منه في اللذة.
بدليل أنه لو مس فأنزل بطل صومه ولو نظر فأنزل لم يبطل فيحرم على الرجل ذلك فخذ الرجل بلا حائل وقد يحرم المس دون النظر كغمز الرجل ساق
محرمة أو رجلها وعكسها بلا حاجة فيحرم مع جواز النظر إلى ذلك، (ويباحان لعلاج كفصد) وحجم (بشرطه) وهو اتحاد الجنس أو فقده مع حضور نحو محرم، وفقد مسلم في حق مسلم والمعالج كافر.
فلا تعالج امرأة رجلا مع وجود رجل يعالج ولا عكسه ولا رجل امرأة ولا عكسه عند الفقد إلا بحضرة نحو محرم ولا كافر أو كافرة مسلما أو مسلمة مع وجود مسلم أو مسلمة يعالجان وقولي بشرطه من زيادتي (ولحليل امرأة) من زوج وسيد (نظر كل بدنها) حتى دبرها خلافا للدارمي في الدبر (بلا مانع له) أي للنظر لكل بدنها، لانها محل تمتعه لكن يكره نظر الفرج (كعكسه) فلها النظر إلى كل بدنة بلا مانع، لكن يكره نظر الفرج، وقولي بلا إلى آخره، من زيادتي وخرج بعدم المانع ما لو اعتدت عن شبهة، أو زوجت الامة أو كوتبت أو كانت وثنية أو نحوها ممن يحرم التمتع بها، فيحرم نظر ما بين سرة وركبة، وتعبيري بالحليل أعم من تعبيره بالزوج.
(فرع) المشكل يحتاط في نظره والنظر إليه فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة كما صححه في الروضة وأصلها.
فصل في الخطبة بكسر الخاء وهي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة (تحل خطبة خلية عن نكاح وعدة) تعريضا وتصريحا وتحرم خطبة المنكوحة كذلك إجماعا فيهما (و) يحل (تعريض لمعتدة غير رجعية) بأن تكون معتدة عن وفاة، أو شبهة أو فراق بائن بطلاق، أو فسخ، أو انفساخ، لعدم سلطنة الزوج عليها قال تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) *، وهي واردة في عدة الوفاة أما التصريح لها فحرام إجماعا وأما الرجعية، فلا يحل التعريض، لها كالتصريح لانها في حكم الزوجة، والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح، كأريد أن أنكحك أو إذا انقضت عدتك نكحتك، والتعريض ما يحتمل الرغبة في النكاح، وغيرها نحو من يجد مثلك أو إذا حللت فآذنيني (كجواب) من زيادتي أي كما يحل جواب الخطبة المذكورة من المرأة، أو ممن يلي نكاحها

(2/56)


فجواب الخطبة كالخطبة، حلا وحرما وهذا كله في غير صاحب العدة أما هو فيحل له التصريح والتعريض، إن حل له نكاحها وإلا فلا، (ويحرم على عالم خطبة على خطبة جائزة ممن صرح بإجابته إلا بأعراض).
بإذن أو غيره من الخاطب أو المجيب لخبر الشيخين واللفظ للبخاري، لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب والمعنى فيه ما فيه من الايذاء سواء، أكان الاول مسلما أم كافرا، محترما وذكر الاخ في الخبر جرى على الغالب ولانه أسرع امتثالا، وسكوت البكر غير المجبرة، ملحق بالصريح.
وقولي على عالم أي بالخطبة وبالاجابة وبصراحتها وبحرمة خطبة على خطبة، من ذكر وخرج بما ذكر ما إذا لم تكن خطبة، أو لم يجب الخاطب الاول، أو أجيب تعريضا مطلقا أو تصريحا، ولم يعلم الثاني بالخطبة أو علم بها ولم يعلم بالاجابة أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح أو علم كونها بالصريح، ولم يعلم بالحرمة أو علم بها وحصل إعراض ممن ذكر، أو كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا تحرم خطبته، إذ لا حق للاول في الاخيرة ولسقوط حقه في التي قبلها، والاصل الاباحة في البقية ويعتبر في التحريم أن تكون الاجابة من المرأة إن كانت غير مجبرة، ومن وليها المجبر إن كانت مجبرة ومنها مع الولي إن كان الخاطب غير كف ء.
ومن السيد إن كانت أمة غير مكاتبة ومنه مع الامة إن كانت مكاتبة ومع المبعضة إن كانت غير مجبرة، وإلا فمع وليها ومن السلطان إن كانت مجنونة بالغة ولا أب، ولا جد وقولي على عالم مع جائزة من زيادتي.
وتعبيري بإعراض أعم من تعبيره، بإذن (ويجب) كما عبر به في الاذكار وغيره (ذكر عيوب من أريد اجتماع عليه) لمناكحة أو نحوها كمعاملة وأخذ علم، (لمريده) ليحذر بذلا للنصيحة سواء استشير الذاكر، فيه أم لا.
فتعبيري بما ذكر أولى وأعم من قوله، ومن استشير في خاطب ذكر مساويه بصدق، (فإن اندفع بدونه) بأن لم يحتج إلى ذكرها، أو احتيج إلى ذكر بعضها (حرم) ذكر شئ منها في الاول وشئ من البعض الآخر.
في الثاني وهذا من زيادتي.
(وسن خطبة) بضم الخاء (قبل خطبة) بكسرها (و) أخرى (قبل عقد)، لخبر أبي داود وغيره، كل أمر ذي بال، وفي رواية كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أي عن البركة، فيحمد الله الخاطب ويصلي على النبي (صلى الله عليه وسلم).
ويوصي بتقوى الله تعالى، ثم يقول: جئتكم خاطبا كريمتكم أو فتاتكم، ويخطب الولي كذلك.
ثم يقول: لست بمرغوب عنك أو نحو ذلك.
وتحصل السنة بالخطبة قبل العقد من الولي أو الزوج أو أجنبي، (ولو أوجب ولي) العقد (فخطب زوج خطبة قصيرة) عرفا (فقبل صح) العقد مع الخطبة الفاصلة، بين الايجاب والقبول لانها مقدمة القبول فلا تقطع الولاء كالاقامة، وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع (لكنها لا تسن) بل يسن تركها كما صرح به ابن

(2/57)


يونس، لكن النووي في الروضة تابع الرافعي في أنها تسن، وجعلا في النكاح أربع خطب خطبة من الخاطب وأخرى من المجيب للخطبة وخطبتان للعقد واحدة قبل الايجاب وأخرى قبل القبول، أما إذا طالت الخطبة التي قبل القبول أو فصل كلام أجنبي عن العقد بأن لم يتعلق به ولو يسيرا فلا يصح العقد لاشعاره بالاعراض.
فصل في أركان النكاح وغيرها (أركانه) خمسة (زوج وزوجة وولي وشاهدان وصيغة وشرط فيها) أي في صيغته (ما) شرط (في) صيغة (البيع) وقد مر، بيانه ومنه عدم التعليق والتأقيت فلو بشر بولد ولم يتيقن صدق المبشر، فقال: إن كان أنثى فقد زوجتكها فقبل أو نكح إلى شهر لم يصح كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد احتياط وللنهي عن نكاح المتعة في خبر الصحيحين، سمي بذلك، لان الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح.
وتعبيري بما ذكر أولى من اقتصاره على عدم التعليق والتأقيت، (ولفظ) ما يشتق من (تزويج أو أنكاح ولو بعجمية) يفهم معناها العاقدان والشاهدان، وإن أحسن العاقدان العربية اعتبارا بالمعنى فلا يصح بغير ذلك كلفظ بيع، وتمليك وهبة لخبر مسلم.
اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله (وصح) النكاح (بتقدم قبول) على إيجاب لحصول المقصود (وبزوجني)
من قبل الزوج، (وبتزوجها) من قبل الولي.
(مع) قول الآخر عقبه (زوجتك) في الاول (أو تزوجت) - ها في الثاني لوجود الاستدعاء الجازم الدال على الرضى (لا بكناية)، بقيد زدته بقولي (في الصيغة)، كأحللتك بنتي فلا يصح بها النكاح بخلاف البيع.
إذ لا بد فيها من النية والشهود ركن في النكاح كما مر ولا اطلاع لهم على النية.
أما الكناية في المعقود عليه، كما لو قال زوجتك بنتي فقبل ونويا معينة فيصح النكاح بها (ولا بقبلت) في قبول لانتفاء التصريح، فيه بأحد اللفظين ونيته لا تفيد، فلا بد أن يقول قبلت نكاحها أو تزويجها، أو النكاح أو التزويج أو رضيت نكاحها، على ما حكاه ابن هبيرة عن إجماع الائمة الاربعة وأيده الزركشي بنص في البويطي (ولا) يصح (نكاح شغار) للنهي عنه في خبر الصحيحين، (كزوجتكها) هو أعم من قوله وهو زوجتكها أي بنتي (على أن تزوجني بنتك وبضع كل) منهما (صداق الاخرى فيقبل) ذلك.
وهذا التفسير مأخوذ من آخر الخبر المحتمل، لان يكون من تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) وأن يكون من تفسير ابن عمر الراوي أو من تفسير نافع الراوي عنه وهو ما صرح به البخاري فيرجع إليه.

(2/58)


والمعنى البطلان به التشريك في البضع حيث جعل مورد النكاح امرأة وصداقا، لاخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين وقيل غير ذلك، (وكذا) لا يصح (لو سميا معه) أي مع البضع (ما لا)، كأن قال وبضع كل واحدة وألف صداق الاخرى (فإن لم يجعل البضع صداقا) بأن سكت عن ذلك (صح) نكاح كل منهما لانتفاء التشريك المذكور ولانه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد وهو لا يفسد النكاح ولكل واحدة مهر المثل لفساد المسمى، (و) شرط (في الزوج حل واختيار وتعيين وعلم بحل المرأة له) فلا يصح نكاح محرم ولو بوكيله لخبر مسلم، لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا مكره وغير معين كالبيع ولا من جهل حلها له احتياطا لعقد النكاح، (وفي الزوجة حل وتعيين وخلو مما مر) أي من نكاح وعدة فلا يصح نكاح محرمة للخبر السابق، ولا إحدى امرأتين للابهام ولا منكوحة ولا معتدة.
من غيره
لتعلق حق الغير بها واشتراط غير الحل فيها وفي الزوج من زيادتي.
(وفي الولي اختيار) وهو من زيادتي (وفقد مانع) من عدم ذكورة ومن إحرام ورق وصبا وغيرها مما يأتي في موانع الولاية فلا يصح النكاح من مكره وامرأة وخنثى ومحرم وصبي ومجنون وغيرهم ممن يأتي مع بعضها ثم (وفي الشاهدين ما) يأتي (في الشهادات) هو أعم مما ذكره (وعدم تعين) لهما أو لاحدهما (للولاية) وهو من زيادتي، فلا يصح النكاح بحضرة من انتفى فيه شرط من ذلك، كأن عقد بحضرة عبدين أو امرأتين أو فاسقتين أو أصمين، أو أعميين أو خنثيين نعم، إن بانا ذكرين صح ولا بحضرة متعين للولاية، فلو وكل الاب، أو الاخ، المنفرد في النكاح، وحضر مع آخر لم يصح، وإن اجتمع فيه شروط الشهادة لانه ولي عاقد فلا يكون شاهدا كالزوج ووكيله نائبه ولا يعتبر إحضار الشاهدين بل يكفي حضورهما كما شمله إطلاق المتن.
ودليل اعتبارهما مع الولي خبر ابن حبان لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك، فهو باطل.
والمعنى في اشتراطهما الاحتياط للابضاع وصيانة الانكحة عن الجحود (وصح) النكاح ظاهرا وباطنا، (بابني الزوجين) أي ابني كل منهما أو ابن أحدهما وابن الآخر (وعدويهما) إي كذلك لثبوت النكاح بهما في الجملة.
(و) صح (ظاهرا) التقييد به تبعا للسبكي وغيره من زيادتي، (بمستوري عدالة) وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا لانه يجري بين أوساط الناس والعوالم، ولو اعتبر فيه العدالة الباطنة لاحتاجوا إلى معرفتها ليحضروا من هو متصف بها فيطول الامر عليهم ويشق (لا) بمستوري (إسلام وحرية) وهما من لا يعرف إسلامهما وحريتهما ولو مع ظهورهما بالدار وذلك بأن يكونا بموضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والاحرار بالارقاء ولا غالب أو يكونا ظاهري الاسلام والحرية بالدار بل لا بد من

(2/59)


معرفة حالهما فيهما باطنا لسهولة الوقوف على ذلك بخلاف العدالة والفسق، وكمستوري الاسلام مستورا البلوغ (ويتبين بطلانه)، أي النكاح (بحجة فيه) أي في النكاح من بينة أو علم حاكم فهو أعم
وأولى من قوله ببينة (أو بإقرار الزوجين في حقهما)، بما يمنع صحته كفسق الشاهد، ووقوعه في الردة لوجود المانع، وخرج بزيادتي في حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على عدم شرط فلا يقبل إقرارهما للتهمة فلا تحل إلا بمحلل كما في الكافي للخوارزمي.
قال: ولو أقاما عليه بينة لم تسمع.
قال السبكي، وهو صحيح: إذا أرادا نكاحا جديدا كما فرضه، فلو أراد التخلص من المهر أو أرادت بعد الدخول مهر المثل، أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها.
وقلت وهو داخل في قولي في حقهما (لا) بإقرار (الشاهدين بما يمنع صحته) أي النكاح، فلا يؤثر في إبطاله كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما ولان الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما على الزوجين، (فإن أقر الزوج) دون الزوجة (به فسخ) النكاح لاعترافه بما يتبين به بطلان نكاحه، (وعليه المهر إن دخل) بها (وإلا فنصفه) إذ لا يقبل قوله عليها في المهر.
وقولي فسخ هو المراد بقوله فرق بينهما فهي، فرقة فسخ لا طلاق فلا تنقص عدد الطلاق، كما لو أقرا بالرضاع.
وتعبيري بما يمنع صحته أعم من تعبيره بالفسق، (أو) أقرت (الزوجة) دون الزوج (بخلل في ولي أو شاهد) كفسق (حلف فيصدق، لان العصمة بيده وهي تريد رفعها والاصل بقاؤها وهذه من زيادتي.
فإن طلقت قبل دخول فلا مهر لانكارها أو بعده، فلها أقل الامرين من المسمى.
ومهر المثل وخرج بالخلل فيمن ذكر غيره، كما لو قالت الزوجة وقع العقد بغير ولي ولا شهود.
وقال الزوج بل بهما فتحلف هي كما نقله ابن الرفعة عن الذخائر والزركشي عن النص لاصل العقد، (وسن إشهاد على رضا من يعتبر رضاها) بالنكاح بأن كانت غير مجبرة احتياطا ليؤمن إنكارها.
وإنما لم يشترط لان رضاها ليس من نفس النكاح المعبر فيه الاشهاد، وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو بينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه وقضية التقييد بمن يعتبر رضاها أنه لا يسن الاشهاد على رضا المجبرة.
وقال الاذرعي ينبغي أنه يسن أيضا خروجا من خلاف من يعتبر رضاها.
فصل في عاقد النكاح وما يذكر معه (لا تعقد امرأة نكاحا) ولو بإذن إيجابا كان أو قبولا لا لنفسها ولا لغيرها إذ لا يليق

(2/60)


بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء، وعدم ذكره أصلا وتقدم خبر لا نكاح إلا بولي.
وروى ابن ماجه خبر لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين، ومثلها الخنثى لكن لو زوج أخته مثلا فبان رجلا صح ذكره ابن المسلم وخرج بلا تعقد ما لو وكلها رجل في أنها توكل آخر في تزويج موليته.
أو قال وليها وكلي عني من يزوجك أو أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح (ويقبل إقرار مكلفة به لمصدقها)، وإن كذبها وليها.
لان النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما كالبيع وغيره ولا بد من تفصيلها لاقرار فتقول زوجني منه وليي بحضور عدلين ورضاي إن كانت ممن يعتبر رضاها وهذا في إقرارها المبتدأ فلا يتنافي ما سيأتي في الدعاوى من أنه يكفي إقرارها المطلق فإن ذلك محله في إقرارها الواقع في جواب الدعوى، ولو كان أحدهما رقيقا اشترط مع ذلك تصديق سيده ولو أقرت لرجل ووليها لآخر عمل بالاسبق فإن أقرا معا فلا نكاح ذكره البلقيني في تصحيحه.
وقولي لمصدقها من زيادتي، وكالمكلفة السكرانة (و) يقبل إقرار (مجبر) من أب أو جد أو سيد على موليته (به) أي بالنكاح لقدرته على إنشائه بخلاف غيره لتوقفه على رضاها، (ولاب) وإن علا (تزويج بكر بلا إذن) منها (بشرطه) بأن يزوجها وليس بينهما عداوة ظاهرة بمهر مثلها من نقد البلد من كف ء لها موسر به كبيرة كانت أو صغيرة عاقلة، أو مجنونة لكمال شفقته.
ولخبر الدارقطني الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها، وقولي بشرطه من زيادتي (وسن له استئذانها مكلفة)، تطييبا لخاطرها وعليه حمل خبر مسلم.
والبكر يستأمرها أبوها بخلاف غيره فإنه يعتبر في تزويجه لها استئذانها كما سيأتي، وقوله مكلفة من زيادتي ومثلها السكرانة (وسكوتها) بقيد زدته بقولي، (بعده) أي بعد استئذانها (إذن) للاب وغيره ما لم تكن قريبة ظاهرة في المنع كصياح وضرب خد لخبر مسلم، وإذنها سكوتها وهذا بالنسبة للتزويج.
لا لقدر المهر، وكونه من غير نقد البلد (ولا يزوج ولي) من أب
أو غيره عاقلة.
(ثيبا) وهي من زالت بكارتها (بوطئ) بقيد زدته بقولي.
(في قبلها) ولو حراما أو نائمة (ولا غير أب) وسيد من ذي ولاء وسلطان ومن بحاشية نسب كأخ وعم (بكرا) عاقلة، (إلا بإذنهما) ولو بلفظ الوكالة، (بالغتين) لخبر الدارقطني السابق.
وخبر لا تنكحوا الايامى حتى تستأمروهن، رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، أما من خلقت بلا بكارة أو زالت بكارتها بغير ما ذكر كسقطة وأصبع وحدة حيض ووطئ في دبرها، فهي في ذلك كالبكر لانها لم تمارس الرجال بالوطئ في محل البكارة، وهي على غباوتها وحيائها وبما تقرر، علم أنه لا تزوج صغيرة عاقلة ثيب إذ لا إذن لها وأن غير الاب لا يزوج صغيرة بحال، لانه إنما يزوج بالاذن ولا إذن للصغيرة

(2/61)


(وأحق الاولياء) بالتزويج (أب فأبوه) وإن علا لان لكل منهما ولادة، وعصوبة فقدموا على من ليس لهم إلا عصوبة ويقدم الاقرب منهم فالاقرب (فسائر العصبة المجمع على إرثهم) من نسب وولاء، (كإرثهم) أي كترتيب إرثهم فيقدم أخ لابوين ثم لاب ثم ابن أخ لابوين ثم لاب، وإن سفل ثم عم ثم ابن عم كذلك نعم لو كان أحد العصبة أخا لام أو كان معتقا واستويا عصوبة قدم ثم معتق ثم عصبته بحق الولاء كترتيب إرثهم وتقدم بيانه في بابه (فالسلطان) فيزوج من في محل ولايته بالولاية العامة، (ولا يزوج ابن) أمه وإن علت (ببنوة) لانه لا مشاركة بينه وبينها في النسب فلا يعتني بدفع العار عنه بل يزوجها بنحو بنوة عم كولاء وقضاء ولا تضره البنوة، لانها غير مقتضية لا مانعة (ويزوج عتيقة امرأة حية)، فقد ولي عتيقتها نسبا (من يزوجها) بالولاية عليها تبعا لولايته على معتقتها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الاولياء ولا يزوجها ابن المعتقة.
وما استثنى من طرد ذلك وهو ما لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة حيث لا يزوجها ومن عكسه ما لو كانت المعتقة مسلمة ووليها والعتيقة كافرين حيث يزوحها معلوم من اختلاف الدين الآتي في الفصل بعده.
(وإن لم ترض) المعتقة إذ لا ولاية لها (فإذا ماتت زوج)
العتيقة (من له الولاء) من عصباتها فيقدم ابنها على أبيها، (ويزوج السلطان) زيادة على ما مر.
(إذا غاب) الولي (الاقرب) نسبا أو ولاء (مرحلتين أو أحرم أو عضل) أي منع دون ثلاث مرات، (مكلفة دعت إلى كف ء) ولو بدون مهر مثل من تزويجها به نيابة عنه لبقائه على الولاية، ولان التزويج في الاخيرة حق عليه.
فإذا امتنع منه وفاه الحاكم بخلاف ما إذا دعت إلى غير كف ء، لان له حقا في الكفاءة، ويؤخذ من التعليل أنها لو دعته إلى مجبوب أو عنين، فامتنع الولي كان عاضلا، وهو كذلك إذ لا حق له في التمتع، وكذا لو دعته إلى كف ء، فقال لا أزوجك إلا ممن هو أكفأ منه ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج كما في سائر الحقوق، ومن خطبة الكف ء لها ومن تعيينها له، ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء ودعت إلى أحدهم، وخرج بالمرحلتين من غاب دونهما، فلا يزوج السلطان إلا بإذنه نعم إن تعذر الوصول إليه لخوف.
جاز له أن يزوج بغير إذنه.
قاله الروياني أما لو عضل ثلاث مرات فأكثر فقد فسق فيزوج الابعد لا السلطان كما سيأتي، (ولو عينت كفؤا فللمجبر تعيين) كف ء (آخر) لانه أكمل نظرا منها.
أما غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا فليس له تزويجها من غير من عينته، فتعبيري بالمجبر أولى من تعبيره بالاب.

(2/62)


فصل في موانع ولاية النكاح (يمنع الولاية رق) ولو في مبعض لنفسه.
فتعبيري بذلك أعم من قوله لا ولاية لرقيق نعم لو ملك المبعض أمة زوجها.
كما قاله البلقيني بناء على الاصح من أنه يزوج بالملك لا بالولاية، خلافا لما أفتى به البغوي (وصبا) لسلبه العبارة (وجنون) ولو متقطعا لذلك، وتغليبا لزمن الجنون المتقطع، فيزوج الابعد في زمن جنون الاقرب دون إفاقته، وخالف في الشرح الصغير.
فقال: الاشبه أن المتقطع لا يزيل الولاية كالاغماء، ولو قصر زمن الافاقة جدا فهو كالعدم.
كما قاله الامام (وفسق غير الامام) الاعظم، ولو بعضل ثلاث مرات، أو أسره لانه نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية، كالرق فيزوج الابعد وقيل لا يمنعها، وعليه جماعات، لان الفسقة لم
يمنعوا من التزويج، في عصر الاولين.
وخرج بزيادتي غير الامام الامام الاعظم فلا يمنع فسقه ولايته بناء على الصحيح، من أنه لا ينعزل بالفسق، فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه.
(وحجر سفه) بأن بلغ غير رشيد، أو بذر بعد رشده ثم حجر عليه، لانه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره.
وقضية كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه لا يعتبر الحجر، وجزم به ابن أبي هريرة، ورحجه القاضي مجلى وابن الرفعة واختاره السبكي.
أما حجر الفلس فلا يمنع الولاية لكمال نظره، والحجر عليه لحق الغرماء لا لنقص فيه (واختلال نظر) بهرم أو غيره كخبل وكثرة أسقام لعجزه عن البحث عن أحوال الازواج ومعرفة الكف ء منهم، واقتصاري على ما ذكر أولى من تقييده.
بهرم أو خبل (واختلاف دين) لانتفاء الموالاة، فلا يلي كافر مسلمة ولو كانت عتيقة كافرة كما مر.
ولا مسلم كافرة نعم لولي السيد تزويج أمته الكافرة كالسيد الآتي بيان حكمه، وللقاضي تزويج الكافرة عند تعذر الولي الخاص، كما علم مما مر.
ويلي كافر لم يرتكب محظورا في دينه كافرة ولو كانت عتيقة مسلمة كما مر.
أو اختلف اعتقادهما فيلي اليهودي النصرانية والنصراني اليهودية كالارث، ولقوله تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) *.
(وينقلها) أي الولاية، (كل) من المذكورات (لابعد) ولو في باب الولاء حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير، وأخ كبير كانت الولاية للاخ خلافا لمن قال إنها للحاكم وذكر انتقالها بالفسق واختلاف الدين من زيادتي، (لاعمى) فلا ينقلها لحصول المقصود معه من البحث عن الاكفاء، ومعرفتهم بالسماع (و) لا (إغماء بل ينتظر زواله) وإن دام أياما لقرب مدته، (ولا إحرام) بنسك لكنه يمنع الصحة كما مر.
فلا يزوج الابعد بل السلطان كما مر، (ولا

(2/63)


يعقد وكيل محرم) من ولي أو زوج، (ولو) كان الوكيل (حلالا) لانه سفير محض، فكأن العاقد الموكل والوكيل لا ينعزل بإحرام موكله، فيعقد بعد التحلل.
ولو أحرم السلطان أو القاضي
فلخلفائه، أن يعقدوا الانكحة كما جزم به الخفاف، وصححه الروياني وغيره لان تصرفهم بالولاية لا بالوكالة، (ولمجبر توكيل بتزويج موليته وإن لم تأذن ولم يعين) في التوكيل، (زوج) أو اختلفت الاغراض باختلاف الازواج، لان شفقة الولي تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بحسن نظره، واختباره.
(وعلى الوكيل) حيث لم يعين له زوج (احتياط) فلا يصح تزويجه غير كف ء، ولا كفؤا مع طلب أكفأ منه، (كغيره) أي غير المجبر، بأن لم يكن أبا ولا جدا أو كانت موليته ثيبا.
فله أن يوكل بتزويجها وإن لم تأذن في التوكيل، ولم يعين زوج وعلى الوكيل الاحتياط، (إن لم تنهه) عن توكيل (وأذنت) له (في تزويج وعين من عينته)، إن عينت والقيد الاخير من زيادتي، فإن نهته عن التوكيل أو لم تأذن له في التزويج، أو لم يعين في التوكيل من عينته لم يصح التوكيل.
أما في الاولى فلانها إنما تزوج بالاذن ولم تأذن في تزويج الوكيل بل نهت عنه، وأما في الثانية فلانه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ، فكيف يوكل غيره فيه.
وأما في الثالثة فلان الاذن المطلق مع أن المطلوب معين فا سد فعلم من الاولى أنه إنما يوكل فيما إذا قالت له زوجني ووكل بتزويجي أو زوجني أو وكل بتزويجي وله تزويجها في هذه بنفسه إذ يبعد منعه مما له التوكيل فيه فإن نهته عن التزويج، فيها بنفسه لم يصح الاذن، لانها منعت الولي.
وردت التزويج إلى الوكيل الاجنبي، فأشبه الاذن له ابتداء.
(وليقل وكيل ولي) لزوج (زوجتك بنت فلان)، فيقبل (و) ليقل (ولي لوكيل زوج زوجت بنتي فلانا فيقول) وكيله (قبلت نكاحها له)، فإن ترك لفظة له لم يصح النكاح.
وإن نوى موكله لانه الشهود لا اطلاع لهم على النية ومحل الاكتفاء بما ذكر في الاولى إذا علم الشهود والزوج الوكالة.
وفي الثانية إذا علمها الشهود والولي وإلا فيحتاج الوكيل إلى التصريح فيهما بها (وعلى أب) وإن علا (تزويج ذي جنون مطبق) من ذكر أو أنثى (بكبر لحاجة) إليه بظهور، أمارات التوقان أو بتوقع الشفاء عند إشارة عدلين من الاطباء أو باحتياجه للخدمة، وليس في محارمه من يقوم بها.
ومؤنة النكاح أخف من مؤنة شراء أمة أو باحتياج لانثى لمهر، أو نفقة
فإن تقطع جنونهما لم يزوجا حتى يفيقا، ويأذنا.
ومعلوم أن ذلك في غير البكر.
ويشترط وقوع العقد حال الافاقة وخرج بما ذكر العاقل والصغير، وإن احتاج لخدمة وذو جنون لا حاجة له إلى نكاح، فلا يلزم تزويجهم وإن جاز في بعض ذلك.
كما سيأتي في الفصل الاخير.
وتعبيري

(2/64)


بالاب أولى من تعبيره بالمجبر لان الحكم منوط به، وإن لم يكن مجبرا.
وقولي مطبق مع التصريح بالحاجة في الانثى، وعدم التقييد بظهورها في الذكر من زيادتي، (و) على (ولي) أصلا كان أو غيره تعين أو لم يتعين كأخوة (إجابة من سألته تزويجا) تحصينا لها، ولئلا يتواكلوا فيما إذا لم يتعين فلا يعفونها (وإذا اجتمع أولياء في درجة وأذنت لكل) منهم (سن) أن يزوجها أفقههم بباب النكاح، لانه أعم بشرائطه (فأورعهم) لانه أشفق وأحرص على طلب الحظ، (فأسنهم) لزيادة تجربته (برضاهم) أي يرضا باقيهم لتجتمع الآراء ولا يتشوش بعضهم باستئثار البعض.
ومعلوم أن المعتقين ثم عصبتهم يجب اجتماعهم في العقد، ولو بوكالة نعم يكفي واحد من عصبة من تعددت عصبته مع عصبة الباقي، وخرج بإذنها لكل ما لو أذنت لاحدهم، فلا يزوجها غيره وما لو قالت لهم زوجوني فيشترط اجتماعهم، وذكر الاورع والترتيب من زيادتي.
(فإن تشاحوا) بأن قال كل منهم أنا الذي أزوج (واتحد خاطب أقرع)، بينهم وجوبا قطعا للنزاع فمن خرجت قرعته زوج ولا تنتقل الولاية للسلطان وأما خبر فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له فمحمول على العضل بأن قال كل لا أزوج (فلو زوج) - ها (مفضول) صفة أو قرعة، فهو أعم من قول الاصل غير من خرجت قرعته (صح) تزويجه للاذن فيه.
وفائدة القرعة قطع النزاع بينهم لا نفي ولاية من لم تخرج له وخرج بزيادتي، واتحد خاطب ما إذا تعدد فإنها إنما تزوج ممن ترضاه فإن رضيتهما أمر الحاكم بتزويج أصلحهما كما في الروضة، وأصلها عن البغوي وغيره وجزم به في الشرح الصغير (أو) زوجها (أحدهم زيدا وآخر عمرا) وكانا كفؤين أو أسقطوا الكفاءة، (وعرف سابق ولم ينس فهو الصحيح)، وإن دخل بها المسبوق
(أو نسي وجب توقف حتى يتبين) الحال.
فلا يحل لواحد منهما وطؤها ولا لثالث نكاحها قبل أن يطلقاها، أو يموتا أو يطلق أحدهما ويموت الآخر.
وتنقضي عدتها (وإلا) بأن وقعا معا أو عرف سبق، ولم يتعين سابق أو جهل السبق والمعية (بطلا) لتعذر إمضاء واحد منهما لعدم تعين السابق في السبق المحقق، أو المحتمل ولتدافعهما في المعية المحققة أو المحتملة إذ ليس أحدهما أولى من الآخر، مع امتناع الجمع بينهما ومحله في الثانية إذا لم ترج معرفته، وإلا ففي الذخائر يجب التوقف.
(فلو ادعى كل) من الزوجين عليها (علمها بسبق نكاحه سمعت) دعواه بناء على الجديد.
وهو قبول إقرارها بالنكاح.
وتسمع أيضا على الولي المجبر لصحة إقراره به بخلاف دعوى أحد

(2/65)


الزوجين على الآخر، ذلك لا تسمع (فإن أنكرت حلفت) لكل منهما يمينا أنها لم تعلم سبق نكاحه، (أو أقرت لاحدهما ثبت نكاحه وللآخر تحليفها) بناء على أنه لو قال هذا لزيد بل لعمر ويغرم لعمرو فتسمع دعواه عليها وله تحليفها، رجاء أن تقر فيغرمها مهر المثل وإن لم تحصل له الزوجية (ولجد تولي طرفي) عقد في (تزويج بنت ابنه ابن ابنه الآخر) لقوة ولايته، (ولا يزوج نحو ابن عم) كمعتق وعصبته (نفسه ولو بوكالة) بأن يتولى هو أو وكيلاه الطرفين أو أحدهما ووكيله الآخر، إذ ليس له قوة الجدودة حتى يتولى الطرفين (فيزوجه مساويه، ف) - إن فقد من في درجته زوجه (قاض) بولايته العامة (و) يزوج (قاضيا آخر) ولو خليفته، لان خليفته يزوج بالولاية بخلاف الوكيل، ولو قالت لابن عمها زوجني من نفسك جاز للقاضي تزويجها منه.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله من فوقه، من الولاة أو خليفته لشموله من يماثله.
فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح لا لصحته، بل لانها حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها (لو زوجها غير كف ء برضاها ولي منفردا أو أقرب)، كأب وأخ (أو بعض) أولياء (مستوين) كإخوة وأعمام (رضي باقوهم صح) لتركهم حقهم بخلاف ما إذا لم يرضوا وخرج بالاقرب
والمستوين الابعد، فلا يصح تزويجه ولا يمنع عدم رضاه صحة تزويج من ذكر فلا يعتبر رضاه إذ لا حق له الآن في التزويج (لا) إن زوجها له (حاكم) فلا يصح لما فيه من ترك الاحتياط ممن هو كالنائب (وخصال الكفاءة) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمسة (سلامة من عيب نكاح) كجنون وجذام وبرص، وسيأتي في بابه فغير السليم منه ليس كفؤا للسليمة منه لان النفس تعاف صحبة من به ذلك ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة، وإن اتفقا وما بها أكثر لان الانسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.
والكلام على عمومه بالنسبة للمرأة.
أما بالنسبة للولي فيعتبر في حقه الجنون والجذام والبرص لا الجب والعنة، (وحرية فمن مسه أو) مس (أبا) له (أقرب رق ليس كف ء سليمة) من ذلك، لانها تعير به وتتضرر فيما إذا كان به رق بأنه لا ينفق عليها، إلا نفقة المعسرين، فالرقيق ليس كف ء عتيقة، ولا مبعضة وخرج بالآباء الامهات، فلا يؤثر فيهن مس الرق قال في الروضة وهو المفهوم من كلام الاصحاب وبه صرح صاحب البيان.
فقال ومن ولدته رقيقة كف ء لمن ولدته عربية، لانه يتبع الاب في النسب.
وقولي أو أبا أقرب من زيادتي.

(2/66)


(ونسب ولو في العجم) لانه من المفاخر كأن ينسب الشخص إلى من يشرف به بالنظر إلى مقابل من تنسب المرأة إليه كالعرب، فإن الله فضلهم على غيرهم (فعجمي) أبا وإن كانت أمة عربية (ليس كف ء عربية) أبا وإن كانت أمها عجمية (ولا غير قرشي) من العرب كفؤا (لقرشية)، لخبر قدموا قريشا ولا تقدموها.
رواه الشافعي بلاغا.
(ولا غير هاشمي ومطلبي) كفؤا (لهما) لخبر مسلم، إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم وبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء.
كما استفيد من المتن لخبر البخاري نحن وبنو المطلب شئ، واحد نعم لو تزوج هاشمي أو مطلبي رقيقة بالشروط فأولدها بنتا فهي هاشمية أو مطلبية، رقيقة لمالك أمها وله تزويجها، من رقيق.
ودنئ النسب كما يقتضيه قول الشيخين للسيد تزويج أمته برقيق ودنئ النسب، واستشكله الاسنوي وصوب عدم تزويجها لهما مستندا في ذلك إلى ما صححاه، من أن بعض
الخصال لا يقابل ببعض.
وغير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض كما ذكره جماعة.
قال في الروضة وهو مقتضى كلام الاكثرين.
(وعفة) بدين وصلاح (فليس فاسق كف ء عفيفة)، وإنما يكافئها عفيف وإن لم يشتهر بالصلاح شهرتها.
به، والمبتدع ليس كف ء سنية ويعتبر إسلام الآباء.
فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الاسلام ومن له أبوان فيه ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه (وحرفة)، وهي صناعة يرتزق منها سميت بذلك لانه ينحرف إليها (فليس ذو حرفة دنيئة كف ء أرفع منه فنحو كناس وراع) كحجام وحارس وقيم حمام (ليس كف ء بنت خياط ولا هو) أي خياط (بنت تاجر و) بنت (بزاز ولاهما) أي تاجر وبزاز (بنت عالم (و) بنت (قاض) نظرا للعرف في ذلك.
فعلم أنه لا يعتبر في خصال الكفاءة، يسار لان المال غاد ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر، ولا سلامة من عيوب أخرى منفردة كعمي وقطع وتشه صورة، وإن اعتبرها الروياني ويعتبر في الحرفة والعفة الآباء أيضا كما في فتاوى البغوي، خلافا لما نقله الزركشي عنها، (ولا يقابل بعضها) أي خصال الكفاءة (ببعض) فلا تزوج سليمة من العيب، ودنيئة معيبا نسيبا ولا حرة فاسقة رقيقا عفيفا، ولا عربية فاسقة عجميا عفيفا، لما بالزوج في ذلك من النقص المانع من الكفاءة.
ولا ينجبر بما فيه من الفضيلة الزائدة عليها (وله) أي للاب (تزويج ابنه الصغير من لا تكافئه) بنسب، أو حرفة أو غيرهما، لان الزوج لا يعير باستفراش من لا تكافئه.
نعم يثبت له الخيار إذا بلغ (لا معيبة) لانه خلاف الغبطة، فلا يصح (ولا أمة) لانتفاء خوف الزنا المعتبر في جواز نكاحها.

(2/67)


فصل في تزويج المحجور عليه (لا يزوج مجنون إلا كبير لحاجة) كأن تظهر رغبته في النساء بدورانه، حولهن وتعلقه بهن ونحو ذلك، أو يتوقع الشفاء به بقول عدلين من الاطباء (ف) - يزوج (واحدة) لاندفاع الحاجة بها، وفي التقييد بالواحدة بحث للاسنوي ويزوجه أب ثم جد ثم حاكم دون سائر العصبات،
كولاية المال.
وتقدم أنه يلزم الاب تزويج مجنون محتاج للنكاح، فعلم أنه لا يزوج مجنون كبير غير محتاج لا صغير، لانه غير محتاج إليه في الحال، وبعد البلوغ لا يدري كيف يكون الامر بخلاف الصغير العاقل، إذ الظاهر حاجته إليه بعد البلوغ ولا مجال لحاجة تعهده وخدمته.
فإن للاجنبيات أن يقمن بهما، وقضية هذا أن ذلك في صغير لم يظهر على عورات النساء، أما غيره فيلحق بالبالغ في جواز تزويجه لحاجة الخدمة.
قاله الزركشي.
(ولاب) وإن علا لا غيره لكمال شفقته (تزويج صغير عاقل أكثر) منها، ولو أربعا لمصلحة إذ قد يكون في ذلك مصلحة وغبطة تظهر للولي فلا يزوج ممسوح (و) تزويج (مجنونة) ولو صغيرة وثيبا (لمصلحة) في تزويجها، ولو بلا حاجة إليه بخلاف المجنون كما مر، لان التزويج يفيدها المهر والنفقة، ويغرم المجنون.
وتقدم أنه يلزم الاب تزويج مجنونة محتاجة، والتقييد بالاب في الاولى مع التصريح، فيها بالمصلحة من زيادتي (فإن فقد) أي الاب (زوجها حاكم) كما يلي ما لها لكن بمراجعة أقاربها ندبا تطييبا لقلوبهم، ولانهم أعرف بمصلحتها (إن بلغت واحتاجت) للنكاح كأن تظهر علامات غلبة شهوتها أو يتوقع الشفاء بقول عدلين من الاطباء، فعلم أنه لا يزوجها في صغرها لعدم حاجتها ولا بعد بلوغها لمصلحة من كفاية نفقة وغيرها، وقد يقال قد تحتاج إلى الخدمة ولم تندفع حاجتها بغير الزوج فيزوجها لذلك.
(ومن حجر عليه لفلس صح نكاحه) لانه صحيح العبارة وله ذمة (ومؤنة) أي مؤنة نكاحه (في كسبه)، لا فيما معه لتعلق حق الغرماء بما في يده، فإن لم يكن له كسب ففي ذمته، (أو) حجر عليه (لسفه نكح واحدة لحاجة) إلى النكاح، لانه إنما يزوج لها وهي تندفع بواحدة (بإذن وليه أو قبل له وليه بإذنه بمهر مثل فأقل) فيهما، لانه حر مكلف صحيح العبارة والاذن وقولي واحدة لحاجة من زيادتي ولا يعتد بقوله في الحاجة، حتى تظهر أمارات الشهوة لانه قد يقصد إتلاف ماله.
والمزاد بوليه هنا الاب وإن علا ثم السلطان إن بلغ سفيها، وإلا فالسلطان فقط (فلو زاد) على مهر المثل (صح) النكاح (بمهر مثل) أي بقدره (من المسمى) ولغا الزائد،

(2/68)


وقال ابن الصباغ القياس إلغاء المسمى وثبوت مهر المثل أي في الذمة وأراد بالمقيس عليه نكاح الولي له وقد ذكره الاصل هنا.
وسيأتي في الصداق ويفرق بينهما بأن السفيه تصرف في ماله فقصر الالغاء على الزائد بخلاف الولي.
(ولو نكح غير من عينها له) وله (لم يصح) النكاح لمخالفته الاذن (وإن عين له قدرا) كألف، (لا امرأة نكح بالاقل منه ومن مهر المثل) فإن نكح امرأة بألف وهو مهر مثلها، أو أقل منه صح النكاح بالمسمى أو أكثر منه صح بمهر المثل ولغا الزائد أو نكحها بأكثر من ألف بطل إن كان الالف، أقل من مهر مثلها، وإلا صح بمهر المثل أو بأقل من ألف والالف مهر مثلها أقل.
فبالمسمى أو أكثر فبمهر المثل إن نكح، بأكثر منه وإلا فبالمسمى.
ولو قال انكح فلانة بألف وهو مهر مثلها أو أقل منه فنكحها به، أو بأقل منه صح النكاح بالمسمى أو بأكثر منه لغا الزائد في الاولى وبطل النكاح في الثانية.
أو وهو أكثر منه فالاذن باطل (أو أطلق) فقال تزوج (نكح) بمهر المثل (لائقة) به فإن نكحها بمهر مثلها، أو أقل صح النكاح بالمسمى أو بأكثر لغا الزائد، وإن نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح النكاح كما اختاره الامام وقطع به الغزالي لانتفاء المصلحة فيه، والاذن للسفيه لا يفيده جواز التوكيل.
ولو قال له انكح من شئت بما شئت لم يصح، لانه رفع للحجر بالكلية، ولو كان مطلاقا سرى أمة فإن تبرم بها أبدلت.
(ولو نكح بلا إذن لم يصح) فيفرق بينهما، (فإن وطئ فلا شئ) عليه (ظاهرا لرشيده) مختارة وإن لم تعلم سفهه للتفريط بترك البحث عنه، وخرج بالظاهر الباطن وبالرشيدة غيرها فيلزم فيهما مهر المثل.
كما نص عليه الشافعي في الاولى وأفتى به النووي في الثانية في السفيهة، ومثلها الصغيرة المجنونة، والقيدان من زيادتي.
وأما من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه الحاكم، فتصرفه نافذ وقد يقال: يأتي فيه حينئذ ما مر في سلب ولايته، (والعبد ينكح بإذن سيده) ولو أنثى لانه محجوره مطلقا، كان الاذن أو مقيدا بامرأة أو قبيلة أو بلد أو نحو ذلك، (بحسبه) أي بحسب إذنه فلا يعدل عما أذن له سيده فيه مراعاة لحقه فإن عدل عنه، لم يصح النكاح نعم لو قدر له مهر فزاد عليه، أو أطلق فزاد على مهر المثل فالزائد في ذمته، يطالب به إذا عتق كما
سيأتي.
ولو نكح امرأة بإذن ثم طلقها، لم ينكح ثانيا إلا بإذن جديد، (ولا يجبره عليه) سيده ولو صغيرا لانه لا يملك رفع النكاح بالطلاق، فلا يملك إثباته، (كعكسه) أي كما لا يجبر العبد سيده على تزويجه.
فلا يلزمه لما فيه من تشويش مقاصد الملك، وفوائده.
(وله إجبار أمته) على إنكاحها صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا أو ثيبا عاقلة أو مجنونة.
لان النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له، وبهذا فارقت العبد.
لكن لا يزوجها بغير كف ء بعيب أو غيره إلا برضاها بخلاف البيع، لانه لا يقصد به التمتع، وله تزويجها برقيق ودنئ النسب، لانها لا نسب لها، (لا) إجبار (مكاتبة ومبعضة).
لانهما في حقه كالاجنبيات، وهذا من

(2/69)


زيادتي.
(ولا) إجبار (أمة سيدها)، وإن حرمت عليه.
فلو طلبت منه تزويجها لم يلزمه، لانه ينقص قيمتها، ويفوت التمتع عليه، فيمن تحل له.
(وتزويجه) لها كائن (بملك)، لا بولاية، لانه يملك التمتع بها في الجملة، (فيزوج مسلم أمته الكافرة)، ولو غير كتابية، كما هو ظاهر نص الشافعي وصححه الشيخ أبو علي وجزم به شراح الحاوي، لان له بيعها وإجازتها، وعدم جواز التمتع بها لا يمنع ذلك كما في أمته المحرم، كأخته.
أما الكافر فلا يزوج أمته المسلمة لانه لا يملك التمتع ببضع مسلمة أصلا، (و) يزوج (فاسق) أمته.
(ومكاتب) أمته بإذن سيده.
(ولولي نكاح ومال) من أب، وإن علا وسلطان (تزويج أمة موليه) من ذي صغر، وجنون وسفه.
ولو أنثى بإذن ذي السفه، اكتسابا للمهر والنفقة بخلاف عبده لما فيه من انقطاع أكسابه عنه.
فللاب تزويجها إلا إن كان موليه صغيرة ثيبا عاقلة.
وللسلطان تزويجها لا إن كان صغيرا أو صغيرة، وليس لغيرهما ذلك مطلقا.
وتعبيري توليه، أعم من تعبيره بصبي.
والتقييد بولي النكاح والمال من زيادتي.
باب ما يحرم من النكاح عبر عنه في الروضة كأصلها بباب موانع النكاح، ومنها وإن لم يذكره الشيخان اختلاف الجنس، فلا يجوز للآدمي نكاح جنية، كما أفتى به ابن يونس وابن عبد السلام.
لكن جوزه
القمولي، والاصل في التحريم مع ما يأتي آية: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (تحرم أم) أي نكاحها، وكذا الباقي (وهي من ولدتك أو) ولدت (من ولدك) ذكرا، كان أو أنثى بواسطة، أو بغيرها.
وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليها نسبك بالولادة بواسطة أو بغيرها، (وبنت وهي من ولدتها أو) ولدت (من ولدها) ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أو بغيرها وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة بواسطة أو بغيرها (لا مخلوقة من) ماء (زناه) فلا تحرم عليه إذ لا حرمة لماء الزنا، نعم يكره خروجا من خلاف من حرمها عليه كالحنفية بخلاف ولدها من زناها، يحرم عليها لثبوت النسب، والارث بينهما كما صرح به الاصل، (وأخت) وهي من ولدها أبواك أو أحدهما (وبنت أخ و) بنت (أخت) بواسطة أو بغيرها، (وعمة وهي أخت ذكر ولدك) بواسطة أو بغيرها، (وخالة وهي أخت أنثى ولدتك) بواسطة أو بغيرها، (ويحرمن) أي هؤلاء السبع (بالرضاع) أيضا للآية: ولخبر الصحيحين يحرم من الرضاع، ما يحرم من الولادة.
وفي رواية من النسب وفي أخرى حرموا من الرضاعة، ما يحرم من النسب.

(2/70)


(فمرضعتك ومن أرضعتها أو ولدتها أو) ولدت (أبا من رضاع) وهو الفحل، (أو أرضعته) وهو من زيادتي (أو) أرضعت (من ولدك) بواسطة أو بغيرها، (أم رضاع وقس) بذلك (الباقي) من السبع المحرمة بالرضاع.
فالمرتضعة بلبنك أو بلبن كفروعك نسباء أو رضاعا وبنتها كذلك.
وإن سفلت بنت رضاع والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبا أو رضاعا أخت رضاع وكذا مولودة أحد أبويك رضاعا، وبنت ولد المرضعة.
والفحل نسبا ورضاعا وإن سفلت، ومن أرضعتها أختك أو ارتضعت بلبن أخيك وبنتها، نسبا أو رضاعا.
وإن سفلت وبنت ولد أرضعته أمك، أو ارتضع بلبن أبيك نسبا أو رضاعا، وإن سفلت بنت أخ أو أخت رضاع وأخت الفحل، أو أبيه أو أبي المرضعة بواسطة أو بغيرها، نسبا أو رضاعا عمة رضاع وأخت المرضعة أو أمها أو أم الفحل بواسطة أو بغيرها، نسبا أو رضاعا خالة رضاع.
(ولا تحرم) عليك (مرضعة أخيك أو أختك)، ولو كانت أم نسب حرمت عليك لانها أمك أو موطوءة أبيك.
وقولي أو أختك من زيادتي، (أو) مرضعة (نافلتك) وهو ولد الولد ولو كانت أم نسب حرمت عليك، لانها بنتك أو موطوءة ابنك.
(ولا أم مرضعة ولدك) (و) لا (بنتها) أي بنت المرضعة، ولو كانت المرضعة أم نسب كانت موطوءتك فتحرم عليك أمها، وبنتها.
فهذه الاربع يحرمن في النسب، لا في الرضاع فاستثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع، ما يحرم من النسب.
والمحققون كما في الروضة على أنها لا تستثني لعدم دخولها في القاعدة، لانهن إنما حرمن في النسب لمعنى لم يوجب فيهن في الرضاع، كما قررته ولهذا لم أستثنها كالاصل وزيد عليها أم العم والعمة وأم الخال والخالة وأخي الابن.
وصورة الاخيرة امرأة لها ابن ارتضع على امرأة أجنبية لها ابن.
فابن الثانية أخو ابن الاولى، ولا يحرم عليه نكاحها.
(ولا) يحرم عليك، (أخت أخيك) سواء كانت من نسب، كأن كان لزيد أخ لاب، وأخت لام فلاخيه لابيه نكاحها أم من رضاع، كأن ترضع امرأة زيد أو صغيرة أجنبية، منه فلاخيه لابيه نكاحها.
وسواء كانت الاخت أخيك لابيك لامه، كما مثلنا أو أخت أخيك لامك لابيه مثاله في النسب، أو يكون لابي أخيك بنت من غير أمك فلك نكاحها.
وفي الرضاع أن ترضع صغيرة بلبن أبي أخيك لامك فلك نكاحها.
(ويحرم) عليك بالمصاهرة، (زوجة ابنك أو أبيك وأم زوجتك) ولو قبل الدخول بهن، (وبنت مدخولتك) في الحياة ولو في الدبر بنسب أو رضاع بواسطة أو بغيرها.
قال تعالى: * (وحلائل أبنائكم) * وقوله: * (الذين من أصلابكم) *.
لبيان أن زوجة من تبناه لا تحرم عليه، وقال تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) *.
وقال: * (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) *.
وذكر

(2/71)


الحجور جرى على الغالب، فإن لم يدخل بالزوجة لم تحرم بنتها إلا أن تكون منفية بلعانه بخلاف أمها.
والفرق أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد، لترتيب أموره فحرمت
بالعقد ليسهل ذلك بخلاف بنتها.
واعلم أنه يعتبر في زوجتي الابن والاب وفي أم الزوجة عند عدم الدخول بهن أن يكون العقد صحيحا.
(ومن وطئ) في الحياة وهو واضح، (امرأة بملك أو شبهة منه) كأن ظنها زوجته أو أمته أو وطئ بفاسد نكاح (حرم عليها أمها وبنتها وحرمت على أبيه وابنه)، لان الوطئ بملك اليمين نازل منزلة عقد النكاح.
وبشبهة يثبت النسب والعدة، فيثبت التحريم سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا وخرج بما ذكر من وطئها بزنا، أو باشرها بلا وطئ فلا تحرم عليه أمها، ولابنتها ولا تحرم هي على أبيه وابنه لان ذلك لا يثبت نسبا ولا عدة، (ولو اختلطت) امرأة (محرمة) عليه (ب) - نسوة (غير محصورات)، بأن يعسر عدهن على الآحاد كألف امرأة، (نكح منهن) جواز وإلا لانسد عليه باب النكاح فإنه وإن سافر إلى محل آخر لم يأمن مسافرتها إلى ذلك المحل أيضا.
فعلم أنه لا ينكح الجميع.
وهل ينكح إلى أن تبقى واحدة، أو إلى أن يبقى عدد محصور.
حكى الروياني عن والده فيه احتمالين، وقال الاقيس عندي الثاني لكن رجح في الروضة الاول، في نظيره من الاواني.
ويفرق بأن ذلك يكفي فيه الظن بدليل صحة الطهر والصلاة، بمظنون الطهارة وحل تناوله مع القدرة على متيقنها، بخلاف النكاح.
وخرج بما ذكر ما لو اختلطت بمحصورات كعشرين، فلا ينكح منهن شيئا تغليبا للتحريم.
ولو اختلطت زوجته بأجنبيات، لم يجز له وطئ واحدة منهن مطلقا، ولو باجتهاد إذ لا دخل للاجتهاد في ذلك.
ولان الوطئ إنما يباح بالعقد، لا بالاجتهاد.
وتعبيري بمحرمة أعم من تعبيره كغيره بمحرم، لشموله المحرمة، بنسب ورضاع ومصاهرة ولعان ونفي وتوثن وغيرها.
(ويقطع النكاح تحريم مؤبد كوطئ زوجة ابنه) ووطئ الزوج أم زوجته أم بنتها (بشبهة) فينفسخ به نكاحها، كما يمنع انعقاده ابتداء سواء كانت الموطوءة محرما للواطئ قبل العقد عليها، كبنت أخيه أم لا ولا يغتر بما نقل عن بعضهم من تقييد ذلك بالشق الثاني، (وحرم) ابتداء ودواما (جمع امرأتين بينهما نسب أو رضاع.
لو فرضت إحداهما ذكرا حرم تناكحهما كامرأة وأختها أو خالتها)، بواسطة أو بغيرها.
قال تعالى: * (وأن تجمعوا بين الاختين) *.
وقال (صلى الله عليه وسلم): لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها، لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى.
رواه أبو داود وغيره وقال الترمذي حسن صحيح.
وذكر الضابط المذكور مع جعل ما بعده مثالا له أولى

(2/72)


مما عبر به وخرج بالنسب والرضاع.
المرأة وأمتها فيجوز جمعهما وإن حرم تناكحهما، لو فرضت إحداهما ذكرا، والمصاهرة فيجوز الجمع بين امرأة وأم زوجها أو بنت زوجها، وإن حرم تناكحهما.
ولو فرضت إحداهما ذكرا (فإن جمع) بينهما (بعقد بطل) فيهما إذ لا أولوية لاحداهما على الاخرى، (أو بعقدين فكتزوج) للمرأة (من اثنين).
فإن عرفت السابقة ولم تنس بطل الثاني، أو نسيت وجب التوقف حتى يتبين وإن وقعا معا أو عرف سبق، ولم تتعين سابقة ولم يرج معرفتها أو جهل السبق.
والمعية بطلا، وبذلك علم أن تعبيري بذلك أولى من قوله أو مرتبا فالثاني (وله تملكهما) أي من حرم جمعهما، (فإن وطئ إحداهما) ولو في دبرها، (حرمت الاخرى حتى يحرم الاولى بإزالة ملك)، ولو لبعضها (أو بنكاح أو كتابة) إذ لا جمع حينئذ بخلاف غيرها كحيض ورهن وإحرام وردة، لانها لا تزيل الملك ولا الاستحقاق.
فلو عادت الاولى.
كأن ردت بعيب قبل وطئ الاخرى فله وطئ، أيتهما شاء بعد استبراء العائدة، أو بعد وطئها حرمت العائدة، حتى يحرم الاخرى.
ويشترط أن تكون كل منهما مباحة على انفرادها، فلو كانت إحداهما مجوسية أو نحوها كمحرم فوطئها جاز له وطئ الاخرى، نعم لو ملك أما وبنتها فوطئ إحداهما حرمت الاخرى، مؤبدا كما علم مما مر.
(ولو ملكها ونكح الاخرى) معا أو مرتبا، فهو أعم من قوله ولو ملكها ثم نكح أختها أو عكس (حلت الاخرى دونها) أي دون المملوكة، ولو موطوءة لان الاباحة بالنكاح أقوى منها بالملك إذ يتعلق به الطلاق والظهار والايلاء وغيرها.
فلا يندفع بالاضعف بل يدفعه (و) يحل (لحر أربع) فقط لآية: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) *.
ولقوله (صلى الله عليه وسلم) لغيلان وقد أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعا وفارق سائرهن.
رواه
ابن حبان والحاكم وغيرهما وصححوه.
(ولغيره) عبدا كان أو مبعضا فهو أعم من قوله وللعبد (ثنتان) فقط، لاجماع الصحابة على أن العبد لا ينكح أكثر منهما، ومثله المبعض ولانه على النصف من الحر.
وتقدم أنه قد تتعين الواحدة للحر وذلك في سفيه، ونحوه مما يتوقف نكاحه على الحاجة.
(فلو زاد) من ذكر بأن زاد حر على أربع وغيره على ثنتين، (في عقد) واحد (بطل) العقد في الجميع، إذ لا يمكن الجمع ولا أولوية لاحداهن على الباقيات، نعم إن كان فيهن من يحرم جمعه كأختين وهي خمس أو ست في حر أو ثلاث أو أربع في غيره، اختص البطلان بهما (أو) في (عقدين فكما مر) في الجمع بين الاختين، ونحوهما فتعبيري بذلك وبزاد أولى من قوله فإن نكح خمسا معا بطلن أو مرتبا.
فالخامسة (وتحل نحو أخت) كخالة (وزائدة) هي أعم من قوله وخامسة والتصريح بنحو من زيادتي (في عدة بائن) لانها أجنبية لا في عدة

(2/73)


رجعية، لانها في حكم الزوجة.
(وإذا طلق حر ثلاثا أو غيره) هو أولى من قوله أو العبد (ثنتين لم تحل له حتى يغيب بقبلها مع افتضاض) لبكر، (حشفة ممكن وطؤها أو قدرها) من فاقدها (في نكاح صحيح مع انتشار) للذكر وإن ضعف انتشاره أو لم ينزل أو كان الوطئ بحائل أو في حيض أو إحرام أو نحو لقوله تعالى: * (فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * مع خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني.
فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب.
فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
والمراد بها عند اللغويين اللذة الحاصلة بالوطئ وعند الشافعي وجمهور الفقهاء الوطئ نفسه اكتفاء بالمظنة سمي بها ذلك تشبيها له بالغسل بجامع اللذة، وقيس بالحر غيره.
بجامع استيفاء ما يملكه من الطلاق.
وخرج بقبلها دبرها، وبالافتضاض وهو من زيادتي عدمه.
وإن غابت الحشفة كما في الغوراء، وبالحشفة ما دونها وإدخال المني وبممكن وطؤه الطفل
وبالنكاح الصحيح النكاح الفاسد، والوطئ بملك اليمين وبالشبهة الزنا.
فلا يكفي ذلك كما لا يحصل به التحصين، ولانه تعالى علق الحل بالنكاح.
وهو إنما يتناول الصحيح وبانتشار الذكر ما إذا لم ينتشر لشلل.
أو غيره، لانتفاء حصول ذوق العسيلة المذكورة في الخبر.
ويشترط عدم اختلال النكاح، فلا يكفي وطئ رجعية ولا وطئ في حال ردة أحدهما، وإن راجعها أو رجع إلى الاسلام وذلك بأن استدخلت ماءه أو وطئها في الدبر قبل الطلاق أو الردة، والحكمة في اشتراط التحليل التنفير من استيفاء ما يملكه من الطلاق، وسيأتي في الصداق أنه لو نكح بشرط أنه إذا وطئ طلق أو بانت منه، أو فلا نكاح بينهما بطل النكاح، ولو نكح بلا شرط وفي عزمه أن يطلق إذا وطئ كره، وصح العقد وحلت بوطئه.
فصل فيما يمنع النكاح من الرق (لا ينكح) أي الشخص رجلا كان أو امرأة، (من يملكه أو بعضه) إذ لا يجتمع ملك ونكاح لما يأتي، (فلو طرأ ملك تام) فيهما (على نكاح انفسخ) النكاح، لان أحكامهما متناقضة.
أما في الاولى فلان نفقة الزوجة تقتضي التمليك، وكونها ملكه يقتضي عدمه.
لانها لا تملك ولو ملكها لملك نفسه.
وأما في الثانية وهي مع تام من زيادتي، فلانها تطالبه بالسفر إلى الشرق، لانه عبدها.
وهو يطالبها بالسفر معه إلى الغرب، لانها زوجته.
وإذا دعاها إلى الفراش بحق النكاح

(2/74)


بعثته في أشغالها بحق الملك، وإذا تعذر الجمع بينهما بطل الاضعف وثبت الاقوى وهو الملك لانه يملك به الرقبة والمنفعة.
والنكاح لا يملك به إلا ضرب من المنفعة وخرج بتام ما لو ابتاعها بشرط الخيار له، ثم فسخ لم ينفسخ نكاحه كما نقله في المجموع عن قول الروياني أنه ظاهر المذهب، وكذا لو ابتاعته كذلك.
(ولا) ينكح (حرمن بها رق لغيره) ولو مبعضة (إلا) بثلاثة شروط، وإن عم الثالث الحر وغيره واختص بالمسلم أحدها (بعجزه عمن تصلح لتمتع) ولو كتابية أو أمة بأن لا يكون تحته شئ من ذلك، ولا قادرا عليه كأن يكون تحته من لا تصلح للتمتع كصغيرة لا تحتمل الوطئ
أو رتقاء أو برصاء أو هرمة أو مجنونة، لانها لا تغنيه فهي كالمعدومة.
ولآية: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات) *.
بخلاف ما إذا كان تحته من تصلح للتمتع، أو قادرا عليها لاستغنائه حينئذ عن إرقاق الولد أو بعضه.
ولمفهوم الآية.
والمراد بالمحصنات الحرائر وقوله: المؤمنات، جرى على الغالب من أن المؤمن إنما يرغب في المؤمنة.
وتعبيري بمن تصلح أعم من تعبيره بحرة.
وسواءا أكان العجز حسيا وهو ظاهر أو شرعيا (كأن ظهرت) عليه (مشقة في سفره لغائبة أو خاف زنا مدته)، أي مدة سفره إليها وضبط الامام المشقة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى الاسراف ومجاوزة الحد، (أو وجد حرة بمؤجل) وهو فاقد للمهر، لانه قد يعجز عنه عند حلوله (أو بلا مهر) كذلك لوجوب مهرها عليه بالوطئ، (أو بأكثر من مهر مثل) وإن قدر عليه كما لا يجب شراء ماء الطهر بأكثر من ثمن مثله، وهذه والتي قبلها من زيادتي (لا) إن وجدها (بدونه) أي بدون مهر المثل، وهو واجده فلا تحل له من ذكرت لقدرته على نكاح حرة.
(و) ثانيها (بخوفه زنا) بأن تغلب شهوته، وتضعف تقواه بخلاف من ضعفت شهوته، أو قوي تقواه قال تعالى: * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * أي الزنا، وأصله المشقة سمي به الزنا لانه سببها بالحد في الدنيا، والعقوبة في الآخرة.
والمراد بالعنت عمومه لا خصوصه، حتى لو خاف العنت من أمه بعينها لقوة ميله إليها لم ينكحها، إذا كان واجدا للطول كذا في بحر الروياني.
والوجه ترك التقييد بوجود الطول لانه يقتضي جواز نكاحها عند فقط الطول، فيفوت اعتبار عموم العنت مع أن وجود الطول كاف في المنع من نكاحها، وبهذا الشرط علم أن الحر لا ينكح أمتين كما علم من الاول أيضا.
(و) ثالثها (بإسلامها لمسلم) حر أو غيره كما مر، فلا تحل له أمة.
كتابية أما الحر فلقوله تعالى: * (فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) *.
وأما غير الحر فلان المانع من نكاحها كفرها فساوى الحر كالمرتدة والمجوسية، وفي جواز نكاح أمة مع تيسر مبعضة

(2/75)


تردد للامام لان إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله.
وعلى تعليل المنع اقتصر الشيخان.
قال الزركشي وهو الراجح: وأما غير المسلم من حر وغيره كتابيين فتحل له أمة كتابية لاستوائهما في الدين، ولا بد في حل نكاح الحر الكتابي الامة الكتابية من أن يخاف زنا، ويفقد الحرة كما فهمه السبكي من كلامهم.
واعلم أنه لا يحل للحر مطلقا نكاح أمة ولده ولا أمة مكاتبة كما سيأتي في الاعفاف ولا أمة موقوفة عليه، ولا موصى له بخدمتها (وطر ويسار أو نكاح حرة لا يفسخ الامة) أي نكاحها لقوة الدوام، (ولو جمعهما حر) حلت له الامة أم لا (بعقد) كأن يقول لمن قال له زوجتك بنتي وأمتي قبلت نكاحهما، (صح في الحرة) تفريقا للصفقة دون الامة لانتفاء شروط نكاحها ولانها كما لا تدخل على الحرة، لا تقارنها وليس هذا كنكاح الاختين، لان نكاح الحرة أقوى من نكاح الامة كما علم والاختان ليس في نكاحهما أقوى فبطل نكاحهما معا.
ما لو جمعهما من به رق في عقد فيصح فيهما إلا أن تكون الامة كتابية وهو مسلم فكالحر.
فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه (لا يحل) لمسلم (نكاح كافرة) ولو مجوسية وإن كان لها شبهة كتاب، (إلا كتابية خالصة) ذمية كانت أو حربية، فيحل نكاحها.
قال تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * وقال: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) *.
أي حل لكم، (بكره) لانه يخاف من الميل إليها الفتنة في الدين والحربية أشد كراهة لانها ليست تحت قهرنا وللخوف من إرقاق الولد حيث لم يعلم أنه ولد مسلم، وخرج بخالصة المتولدة من كتابي.
ونحو وثنية فتحرم كعكسه تغليبا للتحريم (والكتابية يهودية أو نصرانية) لا متمسكة بزبور داود ونحوه كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم الصلاة، والسلام فلا تحل لمسلم قيل، لان لك لم ينزل بنظم يدرس، ويتلى وإنما أوحى إليهم معانيه، وقيل لانه حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع وفرق القفال بين الكتابية وغيرها، بأن فيها نقصا واحدا وهو كفرها وغيرها فيها نقصان الكفر وفساد الدين
(وشرطه) أي حل نكاح الكتابية الخالصة (في إسرائيلية)، نسبة إلى إسرائيل.
وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ما زدته بقولي: (أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه) وهي بعثة عيسى أو نبينا، وذلك بأن علم دخوله فيه قبلها أو شك

(2/76)


وإن علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين عيسى وموسى لشرف نسبهم، بخلاف ما إذا علم دخوله فيه بعدها لسقوط، فضيلته بها (و) في (غيرها) أي غير الاسرائيلية، (أن يعلم ذلك) أي دخول أول آبائها في ذلك الدين (قبلها) أي قبل بعثة تنسخه (ولو بعد تحريفه إن تجنبوا المحرف)، وإن أفهم كلام الاصل المنع بعد التحريف، مطلقا لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا بخلاف، ما إذا علم دخوله فيه بعدها.
وبعد تحريفه أو بعدها وقبل تحريفه أو عكسه ولم يتجنبوا المحرف أو شك لسقوط فضيلته بالنسخ أو بالتحريف المذكور في غير الاخيرة وأخذا بالاغلظ فيها (وهي) أي الكتابية الخالصة (كمسلمة في نحو نفقة) ككسوة وقسم وطلاق بجامع الزوجية المقتضية لذلك.
(فله إجبارها) كالمسلمة (على غسل من حدث أكبر) كحيض وجنابة.
ويغتفر عدم النية منها للضرورة كما في المسلمة المجنونة.
(و) على (تنظيف) بغسل وسخ من نجس ونحوه، وباستحداد ونحوه (و) على (ترك تناول خبيث) كخنزير وبصل ومسكر ونحوه، لتوقف التمتع أو كماله على ذلك.
وتعبيري بنحو نفقة وتنظف وتناول خبيث أعم من تعبيره بنفقة، وقسم وطلاق وبغسل ما نجس من أعضائها، وبأكل خنزير.
(وتحرم سامرية خالفت اليهود وصابئية، خالفت النصارى في أصل دينهم أو شك) في مخالفتها لهم فيه وإن وافقتهم في الفروع بخلاف ما إذا خالفتهم في الفروع فقط، لانها مبتدعة فهي كمبتدعة أهل الاسلام نعم إن كفرتها اليهود والنصارى، حرمت كما نقله في الروضة، كأصلها عن الامام والسامرة طائفة من اليهود والصابئة طائفة من النصارى.
وقولي أوشك من زيادتي.
وإطلاق الصابئة على من قلنا هو المراد وتطلق أيضا على قوم هم أقدم من النصارى
يعبدون الكواكب السبعة ويضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار وهؤلاء لا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم ولا يقرون بالجزية.
ولا ينافي ذلك قول الرافعي في صابئة النصارى المخالفة لهم في الاصول إنها تعبد الكواكب السبعة إلى آخر ما مر لجواز موافقتهم في ذلك للاقدمين مع موافقتهم في الفروع للنصارى وهم مع الموجود في زمنهم من الاقدمين سبب في استفتاء القاهر الفقهاء على عباد الكواكب فأفتى الاصطخري بقتلهم، (ومن انتقل من دين لآخر تعين) عليه (إسلام) وإن كان كل منهما يقر أهله عليه لانه أقر ببطلان ما انتقل عنه وكان مقرا، ببطلان ما انتقل إليه.
فإن أبى الاسلام ألحق بمأمنه إن كان له أمان ثم هو حربي إن ظفرنا به قتلناه.
(فلو كان) المنتقل (امرأة)، كأن تنصرت يهودية (لم تحل لمسلم) كالمرتدة.
(فإن كانت) أي المنتقلة (منكوحة فكمرتدة) تحته فيما يأتي.
وخرج بالمسلم الكافر فإنه إن كان يرى نكاح المنتقلة حلت له وإلا

(2/77)


فكالمسلم (ولا تحل مرتدة) لاحد لا من المسلمين، لانها كافرة لا تقر، ولا من الكفار لبقاء علقة الاسلام فيها (وردة) من الزوجين، أو أحدهما (قبل دخول).
وما في معناه من استدخال مني (تنجز فرقة) بينهما لعدم تأكد النكاح بالدخول، أو ما في معناه، (وبعده) توقفها (فإن جمعهما إسلام في العدة دام نكاح) بينهما، لتأكده بما ذكر (وإلا فالفرقة) بينهما حاصلة (من) حين (الردة) منهما أو من أحدهما، (وحرم وطئ) في مدة التوقف.
لتزلزل ملك النكاح بالردة (ولا حد) فيه لشبهة بقاء النكاح، بل فيه تعزير، وتجب العدة منه كما لو طلق زوجته رجعيا ثم وطئها في العدة.
باب نكاح المشرك وهو الكافر على أي ملة كان وقد يطلق على مقابل الكتابي، كما في قوله تعالى: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) *.
لو (أسلم) أي المشرك ولو غير كتابي كوثني ومجوسي (على) حرة (كتابية) بقيد زدته بقولي، (تحل) له ابتداء (دام نكاحه) لجواز نكاح المسلم لها، (أو على حرة (غيرها) كوثنية
وكتابية لا تحل له ابتداء، (وتخلفت) عنه بأن لم تسلم معه.
وتعبيري بغيرها أعم من تعبيره بوثنية أو مجوسية، (أو أسلمت) زوجته (وتخلف فكردة) وتقدم حكمها، قبيل الباب أي فإن كان ذلك قبل الدخول، وما في معناه تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم الآخر في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من الاسلام.
والفرقة فيما ذكر فرقة فسخ لا فرقة طلاق لانهما مغلوبان عليها، (أو أسلما معا) قبل الدخول أو بعد، (دام) نكاحهما لخبر صحيح فيه ولتساويهما في الاسلام المناسب للتقرير بخلاف ما لو ارتدا معا كما مر.
(والمعية) في الاسلام (بآخر لفظ) لان به يحصل الاسلام لا بأوله، ولا بأثنائه وسواء، فيما ذكر أكان الاسلام استقلالا أو تبعية.
لكن لو أسلمت المرأة مع أب الطفل أو عقبه قبل الدخول بطل النكاح، كما قاله البغوي لتقدم إسلامها في الاولى لان إسلام الطفل عقب إسلام أبيه وإسلامها في الثانية متأخر.
فإنه قولي.
وإسلام الطفل حكمي، (وحيث دام) النكاح (لا تضر مقارنته لمفسد زائل عند الاسلام) بشرط زدته بقولي، (ولم يعتقدوا فساده) تخفيفا بسبب الاسلام، بخلاف ما إذا لم يزل المفسد عند الاسلام.
أو زال عنده واعتقدوا فساده، ومن الاول ما لو نكح حرة وأمة وأسلموا إذ المفسد وهو عدم الحاجة لنكاح الامة، لم يزل عند الاسلام

(2/78)


المنزل منزلة الابتداء، كما يعلم مما يأتي فلا حاجة للاحتراز عنه.
بقوله: وكانت بحيث تحل له الآن (فيقر على نكاح بلا ولي وشهود وفي عدة) للغير (تنقضي عند إسلام) لانتفاء المفسد عنده بخلاف غير المنقضية، فلا يقر على النكاح فيها لبقاء المفسد.
(و) يقر على نكاح (مؤقت) إن (اعتقدوه مؤبدا) كصحيح، اعتقدوا فساده.
ويكون ذكر الوقت لغوا بخلاف ما إذا اعتقدوه مؤقتا فإذا وجد الاسلام وقد بقي من الوقت شئ لا يقر على نكاحه، (كنكاح طرأت عليه عدة شبهة وأسلما فيها) فيقر عليه، لانها لا ترفع النكاح.
(أو) نكاح (أسلم فيه أحدهما ثم أحرم) بنسك (ثم أسلم الآخر) في العدة، (والاول محرم) فيقر عليه لان الاحرام لا يؤثر في دوام النكاح، فلا يختص الحكم بما اقتصر عليه الاصل من التصوير، بما إذا أسلم الزوج ثم أحرم ثم
أسلمت الزوجة، (لا) على (نكاح محرم) كبنته وأمه وزوجة أبيه، أو ابنه للزوم المفسد له.
(ونكاح الكفار صحيح) أي محكوم بصحته، وإن لم يسلموا رخصة.
ولقوله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) *.
وقوله تعالى: * (وقالت امرأة فرعون) *.
ولانهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا، (فلو طلق ثلاثا ثم أسلما لم تحل) له (إلا بمحلل) كما في أنكحتنا، (ولمقررة) على نكاح (مسمى صحيح).
والمسمى (الفاسد) كخمر (إن قبضته كله قبل إسلام فلا شئ) لها لانفصال الامر، بينهما وما انفصل حالة الكفر، لا يتبع نعم لها مهر المثل، إن كان المسمى مسلما أسروه، لانه الفساد فيه لحق المسلم وفي نحو الخمر لحق الله تعالى، ولانا نقرهم حال الكفر على نحو الخمر.
دون المسلم.
وألحق بالمسلم في ذلك عبده ومكاتبه وأم ولده، بل يلحق به سائر ما يختص به المسلم والكافر المعصوم، (أو) قبضت قبل الاسلام (بعضه فلها قسط ما بقي من مهر المثل).
وليس لها قبض ما بقي من المسمى (وإلا) أي وإن لم تقبض منه شيئا قبل الاسلام، (ف) - لها (مهر مثل) لانها لم ترض إلا بالمهر، والمطالبة في الاسلام بالمسمى الفاسد ممتنعة، فرجع إلى مهر المثل كما لو نكح المسلم بفاسد ومحل استحقاقها له.
بل وللمسمى الصحيح فيما لو كانت حربية، إذا لم يمنعها من ذلك زوجها قاصدا تملكه والغلبة عليه.
وإلا سقط حكاه الفوراني وغيره عن النص.
وجرى عليه الاذرعي وغيره.
(ومندفعة بإسلام منها أو منه (بعد دخول) بأن أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر في العدة، (كمقررة) فيما ذكر فهو أعم من اقتصاره على أن لها المسمى الصحيح، (أو) بإسلام (قبله) فإن كان (منه ف) - لها (نصف) أي نصف المسمى، في المسمى الصحيح ونصف مهر المثل في المسمى الفاسد، (أو منها فلا شئ) لها، لان الفراق من

(2/79)


جهتها (ولو ترافع إلينا) في نكاح أو غيره، (ذميان أو مسلم وذمي أو معاهد أو هو) أي معاهد، (وذمي وجب علينا (الحكم) بينهم بلا خلاف في غير الاولى.
والاخيرة.
وأما فيهما فلقوله تعالى: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) * وهذا ناسخ لقوله: * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما نعم لو ترافعوا إلينا في شرب
خمر لم نحدهم، وإن رضوا بحكمنا لانهم لا يعتقدون تحريمه.
قاله الرافعي في باب حد الزنا، والاخيرتان من زيادتي (ونقرهم) أي الكفار فيما ترافعوا فيه إلينا، (على ما نقر) هم عليه (لو أسلموا ونبطل ما لا نقر) هم عليه لو أسلموا فلو ترافعوا إلينا في نكاح بلا ولي وشهود، أو في عدة هي منقضية عند الترافع أقررناه بخلاف ما إذا كانت باقية وبخلاف نكاح محرم.
فصل في حكم من زاد على العدد الشرعي.
من زوجات الكافر بعد إسلامه، لو (أسلم) كافر (على أكثر من مباح له) كأن أسلم حر على أكثر من أربع حرائر أو غيره على أكثر من ثنتين، (أسلمن معه) قبل الدخول أو بعده (أو) أسلمن بعد إسلامه، (في عدة) وهي من حين إسلامه أو أسلم بعد إسلامهن فيها، (أو كن كتابيات لزمه) حالة كونه، (أهلا) للاختيار ولو سكران (اختيار مباحة واندفع) نكاح (من زاد) منهن عليه.
والاصل في ذلك أن غيلان أسلم، وتحته عشر نسوة.
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) له أمسك أربعا.
وفارق سائرهن صححه ابن حبان والحاكم وسواء أنكحهن معا أم مرتبا وله إمساك الاخيرات إذا نكحهن مرتبا وإذا مات بعضهن، فله اختيار الميتات ويرث منهن وذلك لترك الاستفصال في الخبر.
وتعبيري بما ذكر شامل لغير الحر كما تقرر بخلاف عبارته.
وخرج بزيادتي أهلا غيره، كأن أسلم تبعا فلا يلزمه ولا وليه اختيار قبل أهليته بل ولا يصح منهما ذلك (أو أسلم) منهن، (ومعه قبل دخول أو) بعد إسلامه (في عدة مباح) فقط ولم يكن تحته كتابية (تعين) للنكاح.
واندفع نكاح من زاد، وإن أسلم بعد العدة لتأخر إسلامه عن إسلام الزوج قبل الدخول أو عن العدة أما لو أسلم المباح معه بعد الدخول فلا يتعين إن أسلم من زاد أو بعضه في العدة أو كان كتابية، وإلا تعين وكذا لو أسلم المباح ثم أسلم الزوج في العدة (أو) أسلم (على أم وبنتها) حالة كونهما (كتابيتين أو) غير كتابيتين.
و (أسلمتا، فإن دخل بهما أو بالام) فقط (حرمتا أبدا) البنت بالدخول على الام

(2/80)


والام بالعقد على البنت بناء على صحة أنكحتهم (وإلا) بأن لم يدخل بواحدة منهما، أو دخل بالبنت فقط (فالام) دون البنت تحرم أبدا بالعقد على البنت بناء على ما مر.
(أو) أسلم على (أمة أسلمت معه) قبل الدخول أو بعده (أو) أسلمت بعد إسلامه (في عدة) أو أسلم بعد إسلامها فيها (أقر) النكاح (إن حلت له حينئذ) أي حين اجتماع الاسلامين، كأن كان عبدا أو معسرا خائف العنت.
لانه إذا حل له نكاح الامة أقر على نكاحها، فإن تخلفت عن إسلامه أو هو عن إسلامها فبما ذكر أو لم تحل له اندفعت (أو) أسلم حر على (إماء أسلمن كما مر) أي معه قبل دخول أو بعده، أو أسلمن بعد إسلامه في عدة أو أسلم بعد إسلامهن فيها (اختار) منهن (أمة) إن (حلت له حين اجتماع إسلامهما)، لانه إذا حل له نكاح الامة حل له اختيارها.
فإن لم تحل له حينئذ اندفعت فلو أسلم على ثلاث إماء فأسلمت واحدة وهي تحل له.
ثم الثانية وهي لا تحل له، ثم الثالثة وهي تحل له، اندفعت الثانية وتخير بين الاولى والثالثة.
فتعبيري بما ذكر أولى من قوله عند اجتماع إسلامه وإسلامهن.
وظاهر أنه لو لم يوجد الحل إلا في واحدة تعينت، أما غير الحر فله اختيار اثنتين (أو) أسلم حر على (حرة) تصلح للتمتع، (وإماء وأسلمن) أي الحرة والاماء (كما مر) أي معه قبل الدخول أو بعده وأسلمن بعد إسلامه في عدة أو أسلم بعد إسلامهن فيها، (تعينت) أي الحرة للنكاح، لانه يمتنع نكاح الامة لمن تحته حرة تصلح فيمتنع اختيارها، (وإن أصرت) أي الحرة حتى انقضت عدتها (اختار أمة) إن حلت له كما لو لم تكن حرة لتبين أنها بانت بإسلامه، (ولو أسلمت) أي الحرة (وعتقن) أي الاماء (ثم أسلمن في عدة فكحرائر) أصليات فيختار ممن ذكرن أربعا.
أما إذا تأخر عتقهن عن إسلامهن فحكم الاماء باق فتتعين الحرة إن صلحت، وإلا اختار واحدة منهن بشرطه.
والظاهر أن مقارنة العتق لاسلامهن كتقدمه عليه (والاختيار) أي ألفاظه الدالة عليه صريحا، (كاخترت نكاحك أو ثبته أو) كناية (كاخترتك) أو (أمسكتك) أو ثبتك بلا تعرض للنكاح وذكر الكاف من زيادتي.
وكررت إشارة إلى الفرق بين الصريح والكناية، ولو اختار الفسخ فيما زاد على المباح.
تعين المباح للنكاح، وإن لم يأت فيه بصيغة اختيار (كطلاق) صريح أو كناية، ولو معلقا فإنه اختيار للمطلقة
لانه إنما يخاطب به المنكوحة.
فإذا أطلق الحر أربعا انقطع نكاحهن بالطلاق، واندفعت الباقيات بالشرع (لا فراق) بغير نية طلاق، لانه اختيار للفسخ فلا يكون اختيارا للنكاح (و) لا (وطئ)، لان الاختيار إما كابتداء النكاح أو كاستدامته وكل منهما لا يحصل إلا بالقول وذكر هذين من

(2/81)


زيادتي، (و) لا (ظهار وإيلاء) فليس باختيار، لان الظهار محرم والايلاء حلف على الامتناع من الوطئ، وكل منهما بالاجنبية أليق منه بالمنكوحة ولا يعلق اختيار ولا فسخ (كقوله، إن دخلت الدار فقد اخترت نكاحك أو فسخت نكاحك لانه مأمور بالتعيين.
والمعلق من ذلك ليس بتعيين بخلاف تعليق الطلاق وإن كان اختيارا كما مر، لان الاختيار به ضمني والضمني يغتفر فيه ما لا يغتفر في المستقل.
فإن نوى بالفسخ الطلاق صح تعليقه لانه حينئذ طلاق، والطلاق يصح تعليقه كما مر (وله) أي للزوج حرا كان أو غيره (حصر اختيار في أكثر من مباح) له إذ يخف به الابهام ويندفع نكاح من زاد وتعبيري بذلك أعم من قوله في خمس (وعليه تعيين) لمباح منهن (و) عليه (مؤنة) للموقوفات، (حتى يختار) منهن مباحة لانهن محبوسات بسبب النكاح.
وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة (فإن تركه) أي الاختيار أو التعيين، (حبس) إلى أن يأتي به.
(فإن أصر عزر) بضرب أو غيره مما يراه الامام، وهذا من زيادتي (فإن مات قبله) أي قبل الاتيان به (اعتدت حامل بوضع) وإن كانت ذات أقراء (وغيرها بأربعة أشهر وعشر) احتياطا (إلا موطوءة ذات أقراء فبالاكثر منهما) أي من أربعة أشهر، وعشر ومن الاقراء لان كلا منهن يحتمل أن تكون زوجة، بأن تختار فتعتد عدة الوفاة، وأن لا تكون زوجة بأن تفارق فلا تعتد عدة الوفاة، فاحتيط بما ذكر فإن مضت الاقراء الثلاثة قبل تمام أربعة أشهر، وعشر أتمتها وابتداؤها من الموت.
وإن مضت الاربعة والعشر قبل تمام الاقراء، أتمت الاقراء وابتداؤها من إسلامهما إن أسلما معا وإلا فمن إسلام السابق منهما.
فقولي وغيرها شامل لذات أشهر ولذات أقراء غير موطوءة
(ووقف) لهن (إرث زوجات) من ربع أو ثمن بعول أو دونه بقيد زدته بقولي (علم) أي إرثهن (لصلح) لعدم العلم بعين مستحقه.
فيقسم الموقوف بينهن بحسب اصطلاحهن من تساو أو تفاوت لان الحق لهن إلا أن يكون فيهن محجور عليها لصغر أو جنون أو سفه، فيمتنع بدون حصتها من عددهن.
لانه خلاف الحظ.
أما إذا لم يعلم إرثهن كان أسلم على ثمان كتابيات، وأسلم معه أربع منهن ومات قبل الاختيار.
فلا وقف لجواز أن يختار الكتابيات، بل تقسم التركة على باقي الورثة.
وأما قبل الاصطلاح فلا يعطين شيئا إلا أن يطلب منهن من يعلم إرثه، فلو كن خمسا فطلبت واحدة لم تعط، وكذا أربع من ثمان فلو طلب خمس منهن دفع إليهن ربع الموقوف، لان فيهن زوجة أو ست فنصفه لان فيهن زوجتين أو سبع فثلاثة أرباعه ولهن قسمة ما أخذنه.
والتصرف فيه ولا ينقطع به تمام حقهن.

(2/82)


فصل في حكم مؤنة الزوجة إن أسلمت أو ارتدت مع زوجها، أتخلف أحدهما عن الآخر.
لو (أسلما معا) قبل دخول أو بعده (أو) أسلمت (هي بعد دخول قبله أو دونه، استمرت المؤنة) لاستمرار النكاح في الاولين، ولاتيان الزوجة في الثالثة بالواجب عليها فلا يسقط به مؤنتها، وإن حدث منها مانع التمتع، كما لو فعلت الواجب عليها من صلاة أو صوم، بخلاف ما لو أسلم قبلها أو دونها.
وكانت غير كتابية، لنشوزها بالتخلف (كأن ارتد دونها) فإن مؤنتها، مستمرة لانها لم تحدث شيئا.
وهو الذي أحدث الردة، بخلاف ما لو ارتدت دونه أو ارتدا معا وإن أسلمت في العدة فلا مؤنة لها لنشوزها بالردة وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة.
باب الخيار في النكاح (والاعفاف ونكاح الرقيق) وما يذكر معها (يثبت خيار لكل) من الزوجين، بما وجده بالآخر.
وإن حدث بعد العقد والدخول مما ذكرته بقولي (بجنون) ولو متقطعا وهو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء القوة، والحركة في
الاعضاء.
(ومستحكم جذام) وهو علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر.
(و) مستحكم (برص) وهو بياض شديد مبقع وذلك لفوات كمال التمتع، (وإن تماثلا) أي الزوجان في العيب لان الانسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.
نعم المجنونان يتعذر الخيار لهما لانتفاء الاختيار وذكر الاستحكام من زيادتي.
(و) يثبت خيار (لوليها) أي الزوجة، (بكل منها) أي من الثلاثة، (إن قارن عقدا) وإن رضيت لانه يعبر بذلك ما إذا حدث بعد العقد لانه لا يعير به وبخلاف الجب.
والعنة الآتيين لذلك ولاختصاص الضرر بها (ولزوج برتقها وبقرنها) بفتح رائه أرجح من إسكانها، وهما انسداد محل الجماح منها في الاول بلحم.
وفي الثاني بعظم وقيل بلحم، وذلك لفوات التمتع المقصود من النكاح (ولها بجبة) أي قطع ذكره أو بعضه، بحيث لم يبق منه قدر حشفته ولو بفعلها أو بعد وطئ (وبعنته) أي عجزه عن الوطئ في القبل وهو غير صبي ومجنون (قبل وطئ) لحصول الضرر بهما.
وقياسا فيما إذا جبت ذكره على المكتري إذا خرب الدار المكتراة بخلاف المشتري إذا عيب المبيع قبل القبض لانه قابض لحقه.
أما بعد الوطئ فلا خيار لها بالعنة لانها مع رجاء زوالها عرفت قدرته على الوطئ،

(2/83)


ووصلت إلى حقها منه بخلاف الجب (ولا خيار) لهم (بغير ذلك) كخنوثة واضحة، واستحاضة وقروح سياله وضيق منفذ على كلام ذكرته فيه في شرح البهجة وغيره لانها ليست في معنى ما ذكر.
نعم نقل الشيخان عن الماوردي ثبوته فيما إذا وجدها مستأجرة العين وأقراه.
وتعبيري بما ذكر أولى من اقتصاره على نفي الخيار بالخنوثة الواضحة، أما الخنوثة المشكلة فلا يصح معها نكاح كما مر.
ولو علم العيب بعد زواله أو بعد الموت فلا خيار، (فإن فسخ) بعيبه أو عيبها (قبل وطئ فلا مهر) لارتفاع النكاح الخالي عن الوطئ بالفسخ سواء، أقارن العيب أم حدث بعده (أو) فسخ (بعده بحادث بعده فمسمى) يجب لتقرره بالوطئ، (وإلا) بأن فسخ بعده أو معه بمقارن للعقد أو حادث بين العقد والوطئ، أو فسخ بعده بحادث معه (فمهر مثل) يجب، لانه تمتع بمعيبة على خلاف ما ظنه من السلامة.
فكأن العقد
جرى بلا تسمية.
ولان قضية الفسخ رجوع كل منهما إلى عين حقه، أو إلى بدله إن تلف فيرجع الزوج إلى عين حقه وهو المسمى.
والزوجة إلى بدل حقها وهو مهر مثلها لفوات حقها بالدخول، وذكر حكم المعيتين من زيادتي (ولو انفسخ بردة بعده) أي بعد وطئ بأن لم يجمعهما إسلام في العدة، (فمسمى) لتقره بالوطئ (ولا يرجع زوج) بغرمه من مسمى، ومهر مثل (على من غره) من ولي وزوجة، بأن سكت عن العيب، وكانت أظهرت له أن الزوج عرفه أو عقدت بنفسها وحكم بصحته حاكم لئلا يجمع بين العوض والمعوض.
(وشرط) في الفسخ بعنة وغيرها مما مر (رفع لقاض) لانه مجتهد فيه كالفسخ بالاعسار، (وتثبت عنته) أي الزوج (بإقراره) عند القاضي أو عند شاهدين وشهدا به عنده (وبيمين ردت عليها) لامكان اطلاعها عليها بالقرائن، ولا يتصور ثبوتها بالبينة لانه لا اطلاع للشهود عليها، (ثم) بعد ثبوتها (ضرب له قاض سنة) كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه رواه الشافعي، وغيره وتابعه العلماء عليه، وقالوا تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشتاء أو برودة فتزول في الصيف أو يبوسة فتزول في الربيع أو رطوبة فتزول في الخريف، فإذا مضت السنة ولم يطأ علمنا أنه عجز خلقي حرا، كان الزوج أو عبدا مسلما أو كافرا (بطلبها)، أي الزوجة.
لان الحق لها فلو سكتت لجهل أو دهشة فلا بأس بتنبيهها ويكفي في طلبها قولها أني طالبة حقي على موجب الشرع، وإن جهلت الحكم على التفصيل (وبعدها) أي السنة (ترفعه له) أي للقاضي (فإن قال وطئت) في السنة أو بعدها (وهي ثيب) ولم تصدقه (حلف) إنه وطئ كما ذكر ولا يطالب بوطئ وخرج بزيادتي.
وهي ثيب ما لو كانت بكرا فتحلف إنه لم يطأ (فإن نكل) عن اليمين (حلفت) كغيرها (فإن حلفت) إنه ما وطئ (أو أقر) هو

(2/84)


بذلك (فسخت) بقيد زدته بقولي (بعد قول القاضي ثبتت عنته) أو ثبت حق الفسخ كما فهم بالاولى، (ولو اعتزلته) ولو بعذر كحبس (أو مرضت المدة) كلها (لم تحسب)، لان عدم الوطئ
حينئذ يضاف إليها فتستأنف سنة أخرى بخلاف ما لو وقع مثل ذلك للزوج فيها فإنها تحسب عليه ولو وقع لها ذلك في بعض السنة وزال قال الشيخان: فالقياس استئناف سنة أخرى أو ينتظر مضي مثل ذلك الفصل من السنة الاخرى، قال ابن الرفعة وفيه نظر لاستلزامه الاستئناف أيضا، لان ذلك الفصل إنما يأتي من سنة أخرى قال: فلعل المراد أنه لا يمتنع انعزالها عنه في غير ذلك الفصل من قابل بخلاف الاستئناف (ولو شرط في أحدهما وصف) لا يمنع صحة النكاح كمالا، كان كجمال وبكارة وحرية أو نقصا كضدها أو لا ولا كبياض وسمرة (فأخلف) ببنائه للمفعول أو المشروط (صح النكاح)، لان تبدل الصفة ليس كتبدل العين.
فإن البيع لا يفسد بخلف الشرط مع تأثره بالشروط الفاسدة.
فالنكاح أولى (ولكل) من الزوجين (خيار)، فله فسخ ولو بلا قاض (إن بان) أي الموصوف (دون ما شرط) كأن شرط أنها حرة فبانت أمة وهو حر يحل له نكاح الامة وقد أذن سيدها في نكاحها، أو أنه حر فبان عبدا وهي حرة.
وقد أذن له سيده في نكاحه لخلف الشرط وللتغرير (لا إن بان) في غير العيب بقرينة ما مر، (مثله) أي مثل الوصف.
أو فوقه المفهوم بالاولى لتكافئهما في الاولى، ولافضليته، في الثانية، وهذا من زيادتي وهو حسن وإن اقتضى كلام الاصل خلافه.
وكلام الروضة خلاف بعضه أما إذا بان فوق ما شرط فلا خيار (أو ظنه) أي كل منهما الآخر (بوصف) غير السلامة من العيب (فلم يكن) كأن ظنها مسلمة أو حرة فبانت كتابية أو أمة تحل له أو ظننته كفؤا فأذنت فيه فبان فسقه أو رقه، أو دناءة نسبه أو حرفته للتقصير بترك البحث.
والشرط بخلاف ما لو بان عيبه، لان الغالب ثم السلامة وليس الغالب هنا الكفاءة.
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره وما ذكره من أن لها خيارا فيما لو بان عبدا، تبع فيه الماوردي والمنصوص في الام وغيرها خلافه.
قال البلقيني وهو المعتمد والصواب (وحكم مهر ورجوع به) على غار بعد الفسخ بخلف الشرط (كعيب) أي كحكمهما فيما مر في الفسخ بالعيب فإن كان الفسخ قبل وطئ فلا مهر أو بعده أو معه فمهر مثل لا يرجع بغرمه على الغار، وكالمهر هنا، وثم النفقة والكسوة والسكنى في العدة (و) التغرير (المؤثر) في
الفسخ بخلف الشرط (تغرير) واقع (في عقد) كقوله: زوجتك هذه المسلمة أو البكر أو الحرة، لان الشرط إنما يؤثر في العقد إذا ذكر فيه بخلاف ما إذا سبق العقد أما المؤثر في الرجوع بقيمة الولد فيكفي فيه تقدمه على العقد مطلقا، أخذا من كلام الغزالي في الرجوع بالمهر على قول أو متصلا به، مع قصد الترغيب في النكاح.
أخذا من كلام الامام في ذلك.
وقد بسطت

(2/85)


الكلام على ذلك في شرح الروض.
وتوهم بعضهم اتحاد التغريرين فجعل المتصل بالعقد قبله كالمذكور فيه، في أنه مؤثر في الفسخ.
فاحذره (ولو غر بحرية) لامة (انعقد ولده) منها (قبل علمه) بأنها أمة، (حرا) لظنه حريتها حين علوقها به حرا، كان أو عبدا فسخ العقد أو أجازه إذا ثبت الخيار، (وعليه قيمته لسيدها) لانه فوت عليه رقه التابع لرقها بظنه حريتها، فتستقر في ذمته.
وتعتبر قيمته وقت الولادة لانه أول أوقات إمكان تقويمه وخرج بقبل علمه الولد الحادث بعده فهو رقيق.
وظاهر أن المغرور لو كان عبدا لسيدها لا شئ عليه، لان السيد لا يثبت له على عبده مال (لا إن غره) سيدها، كأن كان اسمها حرة أو كان راهنا لها وهو معسر، وأذن له المرتهن في تزويجها.
أو محجورا عليه بفلس وأذن له الغرماء فلا شئ له، لانه المتلف لحقه وهذا من زيادتي، فقوله: إنه لا يتصور منه تغرير أي لانه إذا قال زوجتك هذه الحرة، أو نحوه عتقت ممنوع (أو انفصل) الولد (ميتا بلا جناية) فلا شئ فيه، لان حياته غير متيقنة بخلاف ما لو انفصل ميتا بجناية، ففيه لانعقاده حرا غرة لوارثه على عاقلة الجاني، أجنبيا كان أو سيد الامة.
أو المغرور فإن كان عبدا تعلقت الغرة برقبته، ويضمنه المغرور لسيد الامة لتفويته رقه بعشر قيمتها، لانه الذي يضمن به الجنين الرقيق وليس للسيد إلا ما يضمن به الرقيق والغرة عبد أو أمة ولا يتصور أن يرث من الغرة في مسألتنا، مع الاب الحر غير الجاني.
إلا أم الام الحرة (ورجع) بقيمته (على غار) له (إن غرمها) لانه الموقع له في غرامتها، وهو لم يدخل في العقد على أن يغرمها بخلاف المهر.
وخرج بزيادتي إن غرمها ما لو لم يغرمها فلا رجوع له كالضامن،
(فإن كان) أي التغرير (من وكيل سيدها) في التزويج والفوات فيه بخلف الشرط تارة والظن أخرى، (أو منها) والفوات فيه بخلف الظن فقط (تعلق الغرم بذمة) للوكيل، أولها فيطالب الوكيل به حالا.
والامة غير المكاتبة بعد عتقها فلا يتعلق الغرم بكسبها، ولا برقبتها وإن كان التغرير منهما فعلى كل منهما نصف الغرم.
والتصريح بتعلقه بذمة الوكيل من زيادتي، (ومن عتقت تحت من به رق) (ولو مبعضا) (تخيرت) هي لا سيدها في الفسخ، ولو بلا قاض قبل وطئ وبعده، لانها تعير بمن فيه رق.
والاصل في ذلك أن بريرة عتقت فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان زوجها عبدا، فاختارت نفسها رواه مسلم.
وخرج بذلك من عتق بعضها أو كوتبت، أو علق عتقها بصفة أو عتقت معه.
أو تحت حر ومن عتق.
وتحته من بها رق فلا خيار لها ولا له لان معتمد الخيار الخبر، وليس شئ من ذلك في معنى ما فيه لبقاء النقص في غير الثلاث الاخيرة، وللتساوي في أولييها ولانه إذا عتق لا يعير باستفراش الناقصة، ويمكنه التخلص بالطلاق في الاخيرة (لا إن

(2/86)


عتق) قبل فسخه أو معه (أو لزم دور) كمن أعتقها مريض قبل الوطئ وهي لا تخرج من الثلث إلا بالصداق، فلا تتخير فيهما وهاتان من زيادتي.
(وخيار ما مر) في الباب (فوري) كخيار العيب في المبيع، ولا ينافيه ضرب المدة في العنة لانها إنما تتحقق بعد المدة، فمن أخر بعد ثبوت حقه سقط خياره.
نعم إن كان أحدهما صبيا أو مجنونا آخر خياره إلى كماله أو طلقها زوجها رجعيا أو تخلف إسلام فلها التأخير.
وعلم من اعتبار الفورية أن الزوجة لو رضيت بعنته أو أجلت حقها بعد مضي المدة، سقط حقها وهذا بخلاف النفقة إذا أعسر بها الزوج ورضيت به، فإن لها الفسخ لتجدد الضرر.
وكذا في الايلاء وذكر فورية خيار الخلف في غير العيب، من زيادتي.
(وتحلف) العتيقة فتصدق بيمينها إذا أرادت الفسخ بعد تأخيره، (في جهل عتق) لها إن (أمكن) لنحو غيبة معتقها عنها، وإلا حلف الزوج (أو) جهل (خيار به) أي بعتقها (أو) جهل (فور)، لان ثبوت الخيار به وكونه فوريا خفيان لا يعرفهما، إلا الخواص وما ذكر في الاخيرة وهي من زيادتي نظير ما في العيب والاخذ بالشفعة، ونفي الولد وغيرها وقيل لا تصدق فيها،
لان الغالب أن من علم أصل ثبوت الخيار.
علم أنه على الفور، وقيل تصدق بيمينها إن كانت قريبة عهد بالاسلام، أو نشأت بعيدة عن العلماء وإلا فلا، ورد ذلك بأن كون الخيار على الفور، مما أشكل على العلماء.
فعلى هذه المرأة أولى (وحكم مهر) بعد الفسخ بعتقها (كعيب) أي كحكمه فيما مر في الفسخ بالعيب فإن فسخت قبل الوطئ فلا مهر، لان الفسخ من جهتها وليس لسيدها منعها منه لتضررها بتركه أو فسخت بعده بعتق بعده، فالمسمى لتقرره بالوطئ أو بعتق قبله أو معه كأن لم تعلم به إلا بعد الوطئ، أو فسخت معه بعتق قبله فمهر المثل لا المسمى لتقدم سبب الفسخ على الوطئ، أو مقارنته له وذكر حكم المعيتين من زيادتي.
فصل في الاعفاف (لزم) عرفا (موسرا) ولو أنثى (أقرب) اتحد أو تعدد (فوارثا) إن استووا قربا، (إعفاف أصل ذكر) ولو لام أو كافرا (حر معصوم عاجز عنه أظهر حاجته له) وإن لم يخف زنا، أو كان تحته

(2/87)


نحو صغيرة أو عجوز شوهاء.
وذلك لانه من حاجاته المهمة كالنفقة والكسوة، ولان تركه المعرض للزنا ليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها فلا يلزم معسرا إعفاف أصل ولا موسرا إعفاف غير أصل، ولا أصل غير ذكر ولا غير حر ولا غير معصوم ولا قادر على إعفاف نفسه، ولو بسرية ومن كسبه ولا من لم يظهر حاجته.
وذكر الموسر والترتيب بين الاقرب والوارث مع قولي وحر معصوم من زيادتي.
وتعبيري بالعجز عن إعفافه أولى من تعبيره بعاقد مهر، وتعرف حاجته له (بقوله بلا يمين) لان تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته، لكن لا يحل له طلب الاعفاف إلا إذا صدقت شهوته بأن يضر به التعزب.
ويشق عليه الصبر قال الاذرعي وغيره، فلو كان ظاهر حالة يكذبه كذي فالج شديد أو استرخاء ففيه نظر، ويشبه أن لا تجب إجابته أو يقال يحلف هنا لمخالفة حاله دعواه.
وتعبيري بأظهر حاجته موافق لعبارة المحرر والشرحين، بخلاف تعبير الاصل.
والروضة بظهرت حاجته وإعفافه (بأن يهئ له مستمتعا) بفتح التاء، كأن يعطيه أمة أو ثمنها أو مهر حرة أو يقول له انكح وأعطيكه أو
ينكحها له بإذنه ويمهر عنه (وعليه مؤنتها) أي المستمتع بها، لانها من تتمة الاعفاف (والتعيين بغير اتفاق على مهر أو ثمن له) لا للاصل (لكن لا يعين) له (من لا تعفه) كقبيحة.
فليس للاصل تعين نكاح أو تسر دون الآخر ولا رفيعة بجمال أو شرف أو نحوه، لان الغرض دفع الحاجة وهي تندفع بغير ذلك، فإن اتفقا على مهر أو ثمن فالتعيين للاصل لانه أعرف بغرضه في قضاء شهوته، ولا ضرر فيه على الفرع.
أو ثمن إلى آخره من زيادتي (وعليه تجديد) لاعفافه (إن ماتت) أي المستمتع بها، (أو انفسخ) النكاح ولو بفسخه هو أعم مما ذكره (أو طلق) زوجته (أو أعتق) أمته (بعذر) كنشوز وريبة لبقاء حقه وعدم تقصيره كما لو دفع إليه نفقة فسرقت منه بخلاف ما لو طلق أو أعتق بلا عذر، ولا يجب تجديد في رجعي إلا بعد انقضاء العدة.
وظاهر أن التجديد بالانفساخ بردة خاص بردتها فإن كان مطلاقا سراه أمة وسأل القاضي الحجر عليه في الاعتاق.
وقولي أو عتق من زيادتي (ومن له أصلان وضاق ماله) عن إعفافهما (قدم عصبة)، وإن بعد فيقدم أبو أبي أب على أبي أم (ف) - إن استويا عصوبة أو عدمها قدم (أقرب) فيقدم أبوأب على أبيه وأبو أم على أبيه.
(ف) - إن استوبا قربا بأن كانا من جهة الام كأبي أبي أم وأبي أم أم، (يقرع) بينهما لتعذر التوزيع.
وقولي ومن إلى آخره من زيادتي.
(وحرم) على أصل (وطئ أمة فرعه) لانها ليست زوجته ولا مملوكته، (وثبت به مهر) لفرعه وإن وطئ بطوعها بقيد زدته، بقولي: (إن لم تصر به أم ولد أو) صارت و (تأخر إنزال عن

(2/88)


تغييب) للحشفة كما هو الغالب وإلا فلا يجب لتقدم الانزال على موجبه واقترانه به (لا حد) لان له في مال فرعه شبهة الاعفاف الذي هو من جنس ما فعله.
فوجب عليه المهر وانتفى عنه الحد وإن كانت أم ولد لفرعه يلزمه التعزير لارتكابه محرما لا حد فيه ولا كفارة.
(وولده) منها (حر نسيب) مطلقا للشبهة (وتصير أم ولد له) ولو معسرا (إن كان حرا ولم تكن أم ولد لفرعه) لذلك، ويقدر انتقال الملك فيها إليه قبيل العلوق ليسقط ماؤه في ملكه صيانة لحرمته،
فإن كان غير حر أو كانت أم ولد لفرع لم تصر أم ولد له لان غير الحر لا يملك أو لا يثبت إيلاده لامته فأمة فرعه أولى.
وأم الولد لا تقبل النقل.
وقولي إن كان حرا من زيادتي (وعليه) مع المهر (قيمتها) لفرعه لصيرورتها أم ولد له (لا قيمة ولد) لانتقال الملك في أمة قبيل العلوق (و) حرم عليه (نكاحها) أي أمة فرعه، بقيد زدته بقولي: (إن كان حرا) لانها لماله في مال فرعه من شبهة الاعفاف والنفقة وغيرهما كالمشتركة بخلاف غير الحر، (لكن لو ملك) فرع (زوجة أصله لم ينفسخ) نكاحه وإن لم تحل له الامة حين الملك، لانه يغتفر في الدوام لقوته ما لا يغتفر في الابتداء.
(وحرم) على الشخص (نكاح أمة مكاتبة) لماله في ماله ورقبته من شبهة الملك بتعجيزه نفسه (فإن ملك مكاتب زوجة سيده انفسخ) النكاح، كما لو ملكها سيده بخلاف نظيره في الفرع فإن تعلق السيد بمال مكاتبه أشد من تعلق الاصل بمال فرعه، وبخلاف ما لو ملك مكاتب بعض سيده حيث لا يعتق عليه، لان الملك قد يجتمع مع البعضية بخلاف النكاح والملك لا يجتمعان.
فصل في نكاح الرقيق (لا يضمن سيد بإذنه في نكاح عبده مهرا و) لا (مؤنة) وإن شرط في إذنه ضمانا، لانه يلتزمهما وضمان ما لم يجب باطل.
وتعبيري هنا وفيما يأتي بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة، (وهما) مع أنهما في ذمته (في كسبه) المعتاد كاحتطاب.
والنادر كهبة لانهما من لوازم النكاح وكسب العبد أقرب شئ يصرف إليهما، والاذن له في النكاح إذن له في صرف مؤنة من كسبه الحادث (بعد وجوب دفعهما) وهو في مهر المفوضة بوطئ أو فرض صحيح.
وفي مهر غيرها الحال بالنكاح والمؤجل بالحلول وفي غير المهر بالتمكين كما يأتي في محله بخلاف، كسبه قبله لعدم الموجب، مع أن الاذن لم يتناوله.
وفارق ضمانه حيث اعتبر فيه كسبه الحادث بعد

(2/89)


الاذن فيه، وإن لم يوجد المأذون فيه وهو الضمان، لان المضمون ثم ثابت حالة الاذن بخلافه هنا.
وتعبيري بذلك أولى من قوله بعد النك
(وفي مال تجارة أذن له فيها) ربحا، ورأس مال لان ذلك دين لزمه بعقد مأذون فيه كدين التجارة، سواء أحصل قبل وجوب الدفع أم بعده (ثم) إن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له فهما (في ذمته) فقط (كزائد على مقدر) له، (ومهر) وجب (بوطئ) منه (برضا مالكة أمرها في نكاح فاسد لم يأذن فيه) سيده فإنهما يكونان في ذمته فقط كالفرض للزوم ذلك برضا مستحقه، وقولي كزائد على مقدور وبرضا مالكة أمرها ولم يأذن فيه من زيادتي.
وخرج بالقيد الثاني المكرهة والنائمة والصغيرة والمجنونة والامة والمحجورة بسفه فيتعلق المهر فيها برقبته، بالثالث ما لو أذن له سيده في نكاح فاسد فيتعلق بكسبه ومال تجارته كما لو نكح بإذنه نكاحا صحيحا بمسمى فاسد.
وظاهر أن رضا سيد الامة كرضا مالكة أمرها (وعليه تخليته) حضرا وعليه اقتصر الاصل، وسفرا (ليلا) من وقت العادة (لتمتع) لانه محله (ويستخدمه نهارا إن تحملهما) أي المهر والمؤنة، (والاخلاء لكسبهما أو دفع الاقل منهما ومن أجرة مثل) لمدة عدم التخلية.
أما أصل اللزوم فلما مر من أن إذنه له في النكاح إذن له في صرف مؤنه من كسبه، فإذا فوته طولب بها من سائر أمواله كما في بيع الجاني، حيث صححناه.
وأولى وأما لزوم الاقل فكما في فداء الجاني بأقل الامرين من قيمته، وأرش الجناية.
ولان أجرته إن زادت كان له أخذ الزيادة أو نقصت لم يلزمه الاتمام وقيل يلزمانه وإن زاد على أجرة المثل بخلاف مالو استخدمه أو حبسه أجنبي لا يلزمه إلا أجرة المثل اتفاقا.
إذ لم يوجد منه إلا تفويت المنفعة والسيد سبق منه الاذن المقتضي لالتزام ما وجب في الكسب.
وما ذكر من التخلية ليلا.
والاستخدام نهارا جرى على الغالب، فلو كان معاش السيد ليلا كحراسة كان الامر بالعكس قاله الماوردي.
وقولي أو دفع أعم مما ذكره لتقييده له بالاستخدام (وله سفر به وبأمته المزوجة).
وإن فوت التمتع لانه مالك الرقبة فيقدم حقه، نعم إن كان أحدهما مرهونا أو مستأجرا أو مكاتبا لم يسافر به ولزوجها صحبتها) في السفر ليتمتع بها ليلا، وليس لسيدها منعه من السفر، وإلزامه به لنيفق عليها، (ولسيد غير مكاتبة استخدامها) ولو بنائبه (نهارا ويسلمها لزوجها ليلا) من وقت العادة،
لانه يملك منفعتي استخدامها والتمتع بها وقد نقل الثانية للزوج فبقي له الاخرى، ليستوفيها في النهار دون الليل لانه محل الاستراحة والتمتع (ولا مؤنة عليه) أي على زوجها، (إذا) أي حين

(2/90)


استخدامها لانتفاء التمكين التام.
(ولا يلزمه أن يخلو) بها (ببيت بدار سيدها) أخلاه له، لان الحياء والمروءة يمنعانه من دخول داره فلا مؤنة عليه.
والتقييد بغير المكاتبة من زيادتي.
(ولو قتل أمته أو قتلت نفسها قبل وطئ) فيهما (سقط مهرها) الواجب له تفويته محله قبل تسليمه و تفويتها كتفويته بخلاف ما لو قتلها زوجها، أو أجنبي أو قتلت الحرة نفسها، أو قتلها زوجها أو أجنبي أو ماتتا ولو قبل وطئ فلا يسقط المهر.
وفارق حكم قتلها نفسها حكم قتل الامة نفسها قبل الوطئ، بأنها كالمسلمة للزوج بالعقد إذ له منعها من السفر بخلاف الامة (ولو باعها) قبل وطئ أو بعده، (فالمهر) المسمى أو بدله إن كان فاسدا بعد الوطئ (أو نصفه) بفرقة قبله (له) كما لو لم يبعها ولانه وجب بالعقد الواقع، في ملكه.
(إن وجب في ملكه) من زيادتي.
فإن وجب في ملك المشتري فهو له بأن كان النكاح تعويضا أو فاسدا، ووقع الوطئ فيهما أو الفرض أو الموت في الاول، بعد البيع.
(ولو زوج أمته عبده) بقيد زدته بقولي: (ولا كتابة فلا مهر) لانه لا يثبت له على عبده دين، فلا حاجة إلى تسميته بخلاف ما لو كان ثم كتابة فيهما، أو في أحدهما إذ المكاتب كالاجنبي.

(2/91)


كتاب الصداق هو بفتح الصاد ويجوز كسرها ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت، بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود سمي بذلك لاشعاره بصدق رغبة باذلة في النكاح، الذي هو الاصل في إيجابه.
ويقال له أيضا مهر وغيره كما بينته في شرح الروض وغيره.
وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد والمهر ما وجب بغيره، والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * وقوله (صلى الله عليه وسلم): لمريد التزويج التمس ولو خاتما من حديد.
رواه الشيخان.
(سن ذكره في العقد وكره إخلاؤه عنه) أي عن ذكره لان (صلى الله عليه وسلم) لم يخل نكاحا عنه، ولئلا

(2/92)


يشبه نكاح الواهبة، نفسها له (صلى الله عليه وسلم).
نعم لو زوج عبده أمته ولا كتابة لم يسن ذكره لا فائدة فيه.
وقد يجب لعارض كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف، وذكر كراهة الاخلاء من زيادتي.
(وما صح) كونه (ثمنا صح) كونه (صداقا) وإن قل لكونه عوضا، فإن عقد بما لا يتمول ولا يقابل بمتمول كنواة وحصاة وترك شفعة.
وحد قذف فسدت التسمية لخروجه عن العوضية، ولو أصدق عينا فهي من ضمانه قبل قبضها ضمان عقد) لا ضمان يد وإن طالبته بالتسليم فامتنع كالمبيع بيد البائع، (فليس لزوجة) قبل قبضها (تصرف فيها) ببيع ولا غيره.
وتعبيري بذلك أولى من قوله بعه (ولو تلفت بيده) بآفة سماوية، (أو أتلفها هو وجب مهر مثل) لانفساخ عقد الصداق بالتلف، (أو) أتلفتها (هي) وهي رشيدة (فقابضة) لحقها (أو) أتلفها (أجنبي) يضمن بالاتلاف (أو تعيبت لا بها) أي لا بتعييبها كعبد عمي أو نسي حرفته، (تخيرت) بين فسخ الصداق وإجازته كما في البيع في جميع ذلك.
(فإن فسخت ف) - لها (مهر مثل) على الزوج ويرجع هو على الاجنبي في صورته بالبدل (وإلا) أي وإن لم تفسخه (غرمت الاجنبي) في صورة البدل.
وليس لها مطالبة الزوج (ولا شئ) لها (في تعييبها) بقيد زدته بقولي، (بغيره) أي بغير الاجنبي كما إذا رضي المشتري بعيب المبيع و خرج بزيادتي لا بها، ما لو تعيبت بها فلا تتخير كما في البيع.
(أو) أصدق (عينين) هو أعم من قوله عبدين (فتلفت واحدة) منهما بآفة، أو بإتلاف الزوج (قبل قبضها انفسخ) عقد الصداق.
(فيها)، لا في الباقية عملا بتفريق الصفقة.
(وتخيرت فإن فسخت ف (- لها (مهر مثل وإلا ف (- لها مع الباقية (حصة التالفة منه) أي من مهر المثل وإن أتلفتها الزوجة فقابضة لقسطها، أو أجنبي تخيرت كما علما مما مر.
(ولا يضمن) الزوج (منافع فائتة بيده ولو باستيفائه) لها بركوب أو غيره، (أو امتناعه من تسليم) الصداق (بعد طلب) له ممن له الطلب كنظيره في المبيع، (ولها حبس نفسها لتقبض
غير مؤجل) من مهر معين أو حال (ملكته بنكاح) كما في البائع.
فخرج ما لو كان مؤجلا فلا حبس لها، وإن حل قبل تسليمها نفسها له لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول لرضاها بالتأجيل، كما في البيع.
وما لو زوج أم ولده فعلقت بموته أو أعتقها أو باعها بعد أن زوجها لانه ملك للوارث أو المعتق أو البائع.
لا لها وما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها لانها إنما ملكته بالوصية، لا بالنكاح.
وقولي: ملكته بنكاح من زيادتي.
والحبس في الصغيرة والمجنون

(2/93)


لوليهما وفي الامة لسيدها أو لوليه، (ولو تنازعا) أي الزوجان (في البداءة) بالتسليم.
بأن قال لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك، وقالت لا أسلمها حتى تسلمه.
(أجبرا فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر بتمكين) لنفسها (فإذا مكنت أعطاه) أي العدل المهر (لها) وإن لم يأتها الزوج قال الامام فلو هم بالوطئ بعد الاعطاء، فامتنعت فالوجه استرداده.
(ولو بادرت فمكنت طالبته) بالمهر (فإن لم يطأ امتنعت) حتى يسلم المهر، وإن وطئها طائعة فليس لها الامتناع.
بخلاف ما إذا وطئها مكرهة أو صغيرة أو مجنونة لعدم الاعتداد بتسليمهن، (ولو بادر فسلم) المهر (فلتمكن) أي يلزمها التمكين إذا طلبه (فإن امتنعت) ولو بلا عذر (لم يسترد) لتبرعه بالمبادرة (وتمهل) وجوبا (لنحو تنظف) كاستحداد (بطلب) منها أو من وليها (ما يراه قاض من ثلاثة أيام فأقل)، لان الغرض من ذلك يحصل فيها.
فلا تجوز مجاوزتها وخرج بنحو التنظف والجهاز والسمن ونحوهما فلا تمهل لها، وكذا انقطاع حيض ونفاس، لان مدتهما قد تطول.
ويتأتى التمتع معهما بغير الوطئ كما في الرتقاء (ولا طاقة وطئ) في صغيرة ومريضة وذات هزال عارض لتضررهن به.
والتصريح بهذا من زيادتي.
(وكره) للولي أو الزوجة (تسليم) أي تسليمها للزوج (قبلها) أي الاطاقة في الصور الثلاث لما مر.
وإن قال الزوج: لا أقربها حتى يزول المانع لانه قد لا يفي بذلك، وذكر الكراهة في ذات الهزال مع التصريح بها في الاخريين من زيادتي وبها صرح في الروضة كأصلها في الصغيرة، ومثلها الاخريان (وتقرر) المهر على الزوج (بوطئ وإن حرم) كوقوعه في حيض أو دبر لاستيفاء مقابلة
(وبموت) لاحدهما قبل وطئ ولو بقتل في نكاح صحيح لانتهاء العقد به.
وتقدم أن قتل السيد أمته وقتلها نفسها يسقطان المهر، ولو أعتق مريض أمة لا يملك غيرها وتزوجها وأجازت الورثة العتق.
استمر النكاح ولا مهر.
والمراد بتقرر المهر الامن من سقوطه كله بالفسخ أو شطره بالطلاق، وخرج بالوطئ والموت وغيرهما، كاستدخال مائة وخلوة ومباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا الشطر لآية: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *.
أي تجامعوهن.
فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه.
لو (نكحهابما لا يملكه) كخمر وحر ودم ومغصوب (وجب مهر مثل) لفساد الصداق

(2/94)


بانتفاء كونه مالا أو مملوكا للزوج سواء أكان جاهلا بذلك أم عالما به (أو) نكحها (به) أي بما لا يملكه (وبغيره بطل فيه) أي فيما لا يملكه (فقط) أي دون غيره عملا بتفريق الصفقة، (وتتخير) هي بين فسخ الصداق وإبقائه.
(فإن فسخته فمهر مثل) يجب لها (وإلا) أي وإن لم تفسخه فلها مع المملوك حصة غيره منه أي من مهر مثل بحسب قيمتها فإذا كانت مائة مثلا بالسوية بينهما (فلها عن غير المملوك نصف مهر المثل.
وتعبيري بما لا يملكه أعم مما ذكره (وفي) قوله (زوجتك بنتي وبعتك ثوبا بهذا العبد صح كل) من النكاح والمهر والبيع عملا بجمع الصفقة بين مختلفي الحكم إذ بعض العبد صداق وبعضه ثمن مبيع (ووزع العبد على) قيمة (الثوب ومهر مثل).
فإذا كان مهر المثل ألفا وقيمة الثوب خمسمائة، فثلث العبد عن الثوب وثلثاه صداق يرجع الزوج في نصفه إذا طلق قبل الدخول (ولو نكح لموليه) هو أعم من قوله لطفل (بفوق مهر مثل من ماله) أي مال موليه ومهر مثلها يليق به، (أو أنكح بنتا لا رشيدة) كصغيرة ومجنونة (أو رشيدة، بكرا بلا إذن بدونه) أي بدون مهر المثل.
(أو عينت له قدرا فنقص عنه أو أطلقت فنقص عن مهر مثل أو نكح بألف على أن لابيها أو) على (أن يعطيه ألفا أو شرط في مهر خيارا أو في نكاح ما يخالف مقتضاه،
ولم يخل بمقصوده الاصلي كأن لا يتزوج عليها) أو لا نفقة لها، (صح النكاح) لانه لا يتأثر بفساد العوض.
ولا بفساد شرط مثل ذلك (بمهر مثل) لفساد المسمى بالشرط في صوره، وبانتفاء الحظ والمصلحة في الثلاثة الاول، وبالمخالعة في صورتي النقص.
ووجهها في ثانيتهما أن النكاح بالاذن المطلق محمول على مهر المثل، وقد نقص عنه ووجه فساده في الاخيرة مخالفة الشرط لمقتضى النكاح، وفي التي قبلها أن المهر لم يتمحض عوضا بل فيه معنى النحلة، فلا يليق به الخيار وفي السادسة والسابعة أن الالف إن لم يكن من المهر فهو شرط عقد في عقد، وإلا فقد جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزوجة، فيفسد كما في البيع ولا يسري فساده إلى النكاح لاستقلاله.
وخرج بزيادتي في الاولى من ماله، ما لو كان ذلك من مال الولي فيصح بالمسمى عن أحد احتمالي الامام وجزم به الحاوي الصغير تبعا لجماعة.
وصححه البلقيني واختاره الاذرعي حذرا من إضرار موليه بلزوم مهر المثل في ماله.
ويفسد على احتماله الآخر لانه يتضمن دخوله في ملك موليه (أو أخل به) أي بمقصوده الاصلي، (كشرط محتملة وطئ عدمه) أو أنه إذا وطئ طلق أو

(2/95)


بانت منه أو فلا نكاح بينهما (أو شرط فيه خيار بطل النكاح) للاخلال به بما ذكر، ولمنافاة الخيار لزوم النكاح.
وخرج بتقييدي شرط عدم الوطئ بكونه منها، وباحتمالها للوطئ ما لو شرط الزوج، أن لا يطأ فلا يبطل النكاح، لان الوطئ حقه فله تركه بخلافه فيها كما رجحه في الروضة، كأصلها تبعا للجمهور.
وقال في البحر إن مذهب الشافعي وصححه النووي تصحيحه، وجزم به الحاوي وغيره وما لو لم تحتمل الوطئ أبدا أو حالا إذا شرطت أن لا يطأ أبدا أو حتى تحتمل، فإنه يصح لانه قضية العقد صرح به البغوي في فتاويه.
(أو) شرط فيه (ما يوافق مقتضاه) كأن ينفق عليها أو يقسم لها (أو مالا) يخالف مقتضاه، (ولا) يوافقه بأن لم يتعلق به غرض، كأن لا تأكل إلا كذا (لم يؤثر) في نكاح ولا مهر لانتفاء فائدته، (ولو نكح نسوة بمهر) واحد (فلكل) منهن (مهر مثل) لفساد المهر للجهل، بما يخص كلا منهن في الحال كما لو باع
عبيد جمع بثمن واحد.
نعم لو زوج أمتيه بمهر صح المسمى لاتحاد مالكه (ولو ذكروا مهرا سرا وأكثر) منه (جهرا لزم ما عقد به) اعتبار بالعقد، فلو عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين تجملا لزم ألف أو اتفقوا على ألف سرا ثم عقدوا جهرا بألفين، لزم ألفان، وعلى هاتين الحالتين حمل نص الشافعي في موضع على أن المهر مهر السر وفي آخر على أنه مهر العلانية.
فصل في التفويض مع ما يذكر معه وهو لغة رد الامر إلى الغير، وشرعا رد أمر المهر إلى الولي أو غيره أو البضع إلى الولي أو الزوج، فهو قسمان تفويض مهر، كقولها للولي: زوجني بما شئت أو شاء فلان وتفويض بضع وهو المراد هنا.
وسميت المرأة مفوضة بكسر الواو لتفويض أمرها إلى الولي بلا مهر، وبفتحها لان الولي فوض أمرها إلى الزوج، قال في البحر والفتح أفصح (صح تفويض رشيدة ب) - قولها لوليها (زوجني بلا مهر فزوج لا بمهر مثل) بأن نفي المهر أو سكت أو زوج بدون مهر مثل أو بغير نقد البلد، كما في الحاوي.
(كسيد زوج) أمته غير المكاتبة (بلا مهر.
بأن نفي المهر أو سكت بخلاف غير الرشيدة، لان التفويض تبرع لكن يستفيد به الولي من السفيهة الاذن في تزويجها، وبخلاف ما لو سكتت عنه الرشيدة، لان النكاح يعقد غالبا بمهر فيحمل الاذن على العادة.
فكأنها قالت زوجني بمهر وبه صرح في الشرح الصغير، وبخلاف ما لو زوج بمهر المثل من نقد البلد وبخلاف ما لو زوج السيد أمته المذكورة بمهر ولو دون مهر مثلها.
فيجب المسمى فيهما.
وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره

(2/96)


(ووجب بوطئ أو موت) لاحدهما (مهر مثل)، لان الوطئ لا يباح بالاباحة لما فيه من حق الله تعالى.
نعم لو نكح في الكفر مفوضة ثم أسلما، واعتقادهم أن لا مهر لمفوضة بحال ثم وطئ فلا شئ لها لانه استحق وطأ بلا مهر فأشبه ما لو زوج أمته عبده ثم أعتقهما، أو أحدهما أو باعهما ثم وطئها الزوج والموت كالوطئ في تقرير المسمى.
فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض.
وقد روى أبو داود وغيره أن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر، فمات
زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمهر نسائها وبالميراث وقال الترمذي حسن صحيح، وبما ذكر علم أن المهر لا يجب بالعقد إذ لو وجب به لتشطر بالطلاق قبل الدخول، كالمسمى.
وقد دل القرآن على أنه لا يجب إلا المتعة ويعتبر مهر المثل (حال عقد) لانه المقتضى للوجوب بالوطئ أو بالموت، وهذا في مسألة الوطئ ما صححه في الاصل، والشرح الصغير ونقله الرافعي في سراية العتق، عن اعتبار الاكثرين.
لكن صحح في أصل الروضة، أن المعتبر فيه أكثر مهر من العقد إلى الوطئ لان البضع دخل بالعقد في ضمانه واقترن به الاتلاف، فوجب الاكثر كالمقبوض بشراء فاسد.
واعتبار حال العقد في الموت من زيادتي (ولها) أي المفوضة (قبل وطئ طلب فرض مهر وحبس نفسها له)، أي للفرض لتكون على بصيرة من تسليم نفسها (و) حبس نفسها (لتسليم مفروض) غير مؤجل، كالمسمى ابتداء (وهو) أي المفروض (ما رضيا به) ولو مؤجلا أو فوق مهر، أو جاهلين بقدره كالمسمى ابتداء، ولان المفروض ليس بدلا عن مهر المثل ليشترط العلم به.
بل الواجب أحدهما (فلو امتنع) الزوج (منه) أي من فرضه (أو تنازعا فيه) أي في قدر ما يفرض (فرض قاض مهر مثل) إن (علمه) حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
إلا بتفاوت يسير يحتمل عادة أو بتفاوت المؤجل، إن كان مهر المثل مؤجلا (حالا من نقد بلد) لها وإن رضيت بغيره كما في قيم المتلفات لان منصبه، الالزام فلا يليق به خلاف ذلك ولا يتوقف لزوم ما يفرضه على رضاهما به، فإنه حكم منه (ولا يصح فرض أجنبي) ولو من ماله لانه خلاف ما يقتضيه العقد، (ومفروض صحيح كمسمى) فيتشطر بطلاق قبل وطئ بخلاف ما لو طلق قبل فرض ووطئ فلا يتشطر، وبخلاف الفروض المفاسد كخمر فلا يؤثر في التشطير إذا طلق قبل الوطئ بخلاف الفاسد المسمى في العقد، (ومهر المثل ما يرغب به في مثلها) عادة (من) نساء (عصباتها) وإن متن، وهن المنسوبات إلى من تنسب هي إليه كالاخت وبنت الاخ والعمة وبنت العم دون الام والجدة والخالة، وتعتبر (القربى فالقربى) منهن (فتقدم أخت لابوين فلاب فبنت أخ) فبنت ابنه وإن سفل

(2/97)


(فعمة كذلك) أي لابوين، فلاب فبنت عم كذلك (فإن تعذر معرفته) أي معرفة ما يرغب به في مثلها من نساء العصبات بأن فقدن، أو لم ينكحن أو جهل مهرهن (فرحم) لها يعتبر مهرها بهن.
والمراد بهن هنا قرابات الام لا المذكورات في الفرائض، لان أمهات الام يعتبرن هنا (كجدة وخالة) تقدم الجهة القربى منهن على غيرها وتقدم القربى من الجهة الواحدة كالجدة على غيرها.
واعتبر الماوردي الام فالاخت لها قبل الجدة فإن تعذرن، اعتبرت بمثلها من الاجنبيات.
وتعتبر العربية بعربية مثلها والامة بأمة مثلها والعتيقة بعتيقة مثلها وينظر إلى شرف سيد هما و خسته ولو كانت نساء العصبة ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها، (ويعتبر ما يختلف به غرض كسن وعقل) ويسار وبكارة وثيوبة وجمال وعفة وعلم وفصاحة، (فإن اختصت) عنهن (بفضل أو نقص) مما ذكر (فرض.
مهر (لائق.
بالحال (وتعتبر مسامحة من واحدة لنقص نسب يفتر رغبة) هذا من زيادتي.
أما مسامحتها لا لذلك فلا يعتبر اعتبارا بالغالب وعليه يحمل قوله ولو سامحت واحدة لم تجب موافقتها، (و) تعتبر مسامحة (منهن) كلهن أو غالبهن (لنحو عشيرة) كشريف فلو جرت عادتهن بمسامحة من ذكر دون غيره خففنا مهر هذه في حقه دون غيره.
ونحو من زيادتي.
(وفي وطئ شبهة) كنكاح فاسد ووطئ أب أمة ولده أو شريك المشتركة أو سيد مكاتبته (مهر مثل) دون حد وأرش بكارة، (وقته) أي وقت وطئ الشبهة، نظرا إلى وقت الاتلاف، لا وقت العقد في النكاح الفاسد، لانه لا حرمة للعقد الفاسد (ولا يتعدد) أي المهر، (بتعدده) أي الوطئ (إن اتحدت) أي الشبهة.
(ولم يؤد) أي المهر (قبل تعدد وطئ) كأن تعدد في نكاح لشمول الشبهة لجميع الوطآت، (بل يعتبر أعلى أحوال) للوطئ فيجب مهر تلك الحالة، لانه لو لم يقع إلا الوطأة فيها لوجب ذلك المهر فالوطآت الزائدة إذا لم تقتض زيادة لا توجب نقصا.
وخرج بالشبهة تعدد الوطئ بدونها كوطئ مكره لامرأة أو نحوه كوطئ نائمة بلا شبهة وباتحادها تعددها فيتعدد المهر بهما إذ الموجب له
الاتلاف وقد تعدد بلا شبهة في الاول، وبدون اتحادها في الثاني كأن وطئ امرأة مرة بنكاح فاسد وفرق بينهما ثم مرة أخرى بنكاح آخر فاسد، أو وطئها يظنها زوجته ثم علم الواقع ثم ظنها مرة أخرى زوجته فوطئها، وبزيادتي.
ولم يؤد قبل تعدد وطئ ما لو أدى قبل تعدد المهر، فيتعدد.
قاله الماوردي، وبما تقرر علم أن العبرة في عدم تعدد المهر باتحاد الشبهة، لا باتحاد جنسها المفهوم من كلام الاصل.

(2/98)


فصل فيما يسقط المهر وما ينصفه وما يذكر معهما (الفراق) في الحياة، (قبل وطئ بسببها كفسخ بعيب) منها أو منه وكإسلامها، ولو بتبعية أحد أبويها.
وردتها وإرضاعها زوجة له صغيرة وملكها له (يسقط المهر) المسمى ابتداء والمفروض بعد ومهر المثل لان الفراق من جهتها (ومالا) يكون بسببها (كطلاق) بائن ولو باختيارها، كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت (وإسلامه وردته) وحده أو معها (ولعانه) وإرضاع أمه لها، وهي صغيرة أو أمها له وهو صغير وملكه لها (ينصفه) أي المهر.
أما في الطلاق فلآية: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *.
وأما في الباقي فبالقياس عليه وتنصيفه بعود نصفه إليه أي الزوج إن كان المؤدي للمهر الزوج أو وليه من أب أو جد وإلا فيعود إلى المؤدي بذلك الفراق الذي ليست بسببها وإن لم يختره أي عوده لظاهر الآية السابقة (فلو زاد) المهر (بعده) أي بعد الفراق (فله) كل الزيادة، أو نصفها لحدوثه في ملكه متصلة كانت أو منفصلة ولو نقص بعد الفراق وكان بعد قبضه فله كل الارش، أو نصفه أو قبل قبضه.
فكذلك إن نقصه أجنبي أو الزوجة وإلا فلا أرش.
وتعبيري فيما ذكر وفيما يأتي بالفراق أعم من تعبيره بالطلاق، (ولو فارق) لا بسببها (بعد تلفه) أي المهر بعد قبضه (ف (- له (نصف بدله) من مثل في مثلي.
وقيمة في متقوم.
والتعبير بنصف القيمة في المتقوم.
قال الامام: فيه تساهل وإنما هو قيمة النصف وهي أقل من ذلك، وقد تكلمت في شرح الروض على ذلك وذكرت أن
الشافعي والجمهور عبروا بكل العبارتين، وأن هذا منهم يدل على أن مؤادهما عندهم واحد بأن يراد بنصف القيمة نصف قيمة كل من النصفين منفردا لا منضما إلى الآخر.
فيرجع بقيمة النصف أو بأن يراد بقيمة النصف قيمته منضما لا منفردا.
فيرجع بنصف القيمة وهو ما صوبه في الروضة هنا رعاية للزوج كما روعيت الزوجة في ثبوت الخيار لها فيما يأتي.
(أو) بعد (تعيبه بعد قبضه فإن قنع به) الزوج أخذه بلا أرش (وإلا فنصف بدله) هو أعم من قوله فنصف قيمته (سليما) دفعا للضرر عنه، (أو) بعد تعيبه (قبله) أي قبل قبضه ورضيت به (فله نصفه) ناقصا (بلا أرش) لانه نقص.
وهو من ضمانة (وبنصفه) أي الارش (إن عيبه أجنبي) لانه بدل الفائت، وإن لم تأخذه الزوجة بل عفت عنه وإن أوهم كلام الاصل خلافه (أو) فارق ولو بسببها بعد (زيادة منفصلة) كولد ولبن وكسب، (فهي لها) سواء أحصلت في يدها أم في يده فيرجع في

(2/99)


الاصل أو نصفه دونها.
وظاهر أنه إن كانت الزيادة ولد أمة لم يميز عدل عن الامة، أو نصفها إلى القيمة لحرمة التفريق (أو) فارق لا بسبب مقارن بعد زيادة (متصلة)، كسمن وتعلم صنعة (خيرت) فيها (فإن شحت) فيها وكان الفراق لا بسببها (فنصف قيمة) للمهر (بلا زيادة) بأن تقوم بغيرها، (وإن سمحت) بها (لزمه قبول) لها وليس له طلب قيمة (أو) فارق لا بسببها بعد (زيادة و نقص ككبر عبد و) كبر (نخلة وحمل) من أمة أو بهيمة (وتعلم صنعة مع برص) والنقص في العبد الكبير قيمة، بأنه لا يدخل على النساء ويعرف الغوائل ولا يقبل التأديب والرياضة وفي النخلة بأن ثمرتها تقل وفي الامة والبهيمة بضعفهما حالا وخطر الولادة في الامة، ورداءة اللحم في المأكولة.
والزيادة في العبد بأنه أقوى على الشدائد والاسفار وأحفظ لما يستحفظه وفي النخلة بكثرة الحطب، وفي الامة والبهيمة بتوقع الولد (فإن رضيا بنصف العين) فذاك (وإلا فنصف قيمتها) خالية عن الزيادة والنقص.
ولا تجبر هي على دفع نصف العين للزيادة ولا هو على قبوله للنقص (وزرع أرض نقص) لانه يستوفي قوتها (وحرثها زيادة) لانه يهيؤها للزرع المعدة له (وطلع نخل) لم يؤبر عند الفراق (زيادة متصلة) فتمنع الزوج الرجوع
القهري.
فإن رضيت الزوجة بأخذ الزوج نصف النخل مع الطلع أجبر عليه، (وإن فارق وعليه ثمر مؤبر) بأن تشقق طلعه (لم يلزمها قطعه) ليرجع هو إلى نصف النخل لانه حدث في ملكها فتمكن من إبقائه إلى الجذاذ (فإن قطع) ثمره، أو قالت له ارجع وأنا أقطعه عن النخل (ف) - له (نصف النخل) إن لم يمتد زمن القطع ولم يحدث به نقص في النخل بانكسار سعف أو أغصان.
(ولو رضي بنفسه وتبقية الثمر إلى جذاذه أجبرت) لانه لا ضرر عليها فيه (ويصير النخل بيدهما) كسائر الاملاك المشتركة، ولو رضيت به) أي بما ذكر من أخذه نصف النخل وتبقية الثمر إلى جذاذه (فله امتناع) منه (وقيمة) أي طلبها، لان حقه ناجز في العين أو القيمة فلا يؤخر إلا برضاه (ومتى ثبت خيار) لاحدهما لنقص أو زيادة أولهما لاجتماع الامرين (ملك) الزوج (نصفه باختيار) من المخير منهما بأن يتفقا أو من أحدهما.
وهذا الخيار على التراخي كخيار الرجوع في الهبة، لكن إذا طالبها الزوج كلفت الاختيار ولا يعين الزوج في طلبه عينا ولا قيمة لان التعيين يناقض تفويض الامر إليها، بل يطالبها بحقه عندها ذكره في الروضة كأصلها (ومتى رجع بقيمة) لزيادة أو نقص أولهما أو زوال ملك (اعتبر الاقل من) وقت (إصداق إلى) وقت قبض لان الزيادة على قيمة وقت الاصداق حادثة في ملكها لا تعلق للزوج بها.
والنقص عنها

(2/100)


قبل القبض من ضمانه فلا رجوع به عليها، وما عبرت به هو ما في التنبيه وغيره.
وهو الموافق للتعليل ولما مر في المبيع والثمن والذي عبر به الاصل كالروضة وأصلها الاقل من يومي الاصداق والقبض، (ولو أصدق تعليمها) قرآنا أو غيره بنفسه (وفارق قبله تعذر) تعليمها.
قال الرافعي وغيره: لانها صارت محرمة عليه، ولا يؤمن الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة لو جوزنا التعليم من وراء حجاب من غير خلوة، وليس سماع الحديث كذلك فإنا لم نجوزه لضاع وللتعليم بدل يعدل إليه انتهى، وفرق بينهما وبين الاجنبية بأن كلا من الزوجين قد تعلقت آماله بالآخر
وحصل بينهما نوع ود.
فقويت التهمة فامتنع التعليم لقرب الفتنة، بخلاف الاجنبية فإن قوة الوحشة بينهما اقتضت جواز التعليم.
وحمل السبكي وغيره التعليم الذي يبيح النظر على التعليم الواجب كقراءة الفاتحة، فما هنا محله في غير الواجب وأفهم تعليلهم السابق أنها لو لم تحرم الخلوة بها كأن كانت صغيرة لا تشتهى، أو صارت محرما له برضاع أو نكحها ثانيا، لم يتعذر التعليم وبه جزم البلقيني ولو أصدقها تعليم آيات يسيرة يمكن تعليمها في مجلس بحضور محرم من وراء حجاب.
لم يتعذر التعليم، كما نقله السبكي عن النهاية.
وصوبه وخرج بتعليمها تعليم عبدها وتعليم ولدها الواجب عليها تعليمه.
فلا يتعذر التعليم.
(فتعبيري بذلك أولى من قوله تعليم قرآن (ووجب) بتعذر التعليم (مهر مثل.
إن فارق بعد وطئ، (أو نصفه) إن فارق لا بسببها قبله.
ولو فارق بعد التعليم.
وقبل الوطئ رجع عليها بنصف أجرة التعليم أما لو أصدق التعليم في ذمته، وفارق قبله فلا يتعذر التعليم بل يستأجر نحو امرأة أو محرم، يعلمها الكل إن فارق بعد الوطئ، والنصف إن فارق قبله (ولو فارق) لا بسببها قبل وطئ وبعد قبض صداق (وقد زال ملكها عنه كأن وهبته) وأقبضته (له فله نصف بدله) من مثل أو قيمة لانه إذا تعذر الرجوع إلى المستحق، فبدله ولانه في المثال ملكه قبل الفراق من غير جهته (فإن عاد) قبل الفراق إلى ملكها (تعلق) الزوج (بالعين) لوجودها في ملك الزوجة.
وفارق عدم تعلق الوالد بها في نظيره من الهبة لولده بأن حق الوالد انقطع بزوال ملك الولد وحق الزوج لم ينقطع بدليل رجوعه إلى البدل (ولو وهبته.
وأقبضته (النصف فله نصف الباقي وربع بدل كله) لان الهبة، وردت على مطلق النصف فيشيع فيما أخرجته وما أبقته (ولو كان) الصداق (دينا فأبرأته) منه ولو بهبته له ثم فارق قبل وطئ (لم يرجع) عليها بشئ بخلاف هبة العين.
والفرق أنها في الدين لم تأخذ منه مالا ولم تتحصل على شئ بخلافها في هبة العين، (وليس لولي عفو عن مهر) لموليته

(2/101)


كسائر ديونها وحقوقها والذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي
بيده عقدة النكاح) *، هو الزوج لتمكنه من رفعها بالفرقة فيعفو عن حقه ليسلم لها كل المهر لا الولي إذ لم يبق بعد العقد عقدة.
فصل في المتعة، وهي مال يجب على الزوج دفعه لامرأته لمفارقته إياها بشروط.
كما قلت: يجب عليه (لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط) بأن وجب لها جميع المهر أو كانت مفوضة لم توطأ ولم يفرض لها شئ صحيح (متعة بفراق).
أما في الاولى فلعموم * (للمطلقات متاع بالمعروف) *.
وخصوص فتعالين أمتعكن ولان المهر في مقابلة منفعة بضعها.
وقد استوفاها الزوج فتجب للايحاش متعة وأما في الثانية فلقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) *، ولان المفوضة لم يحصل لها شئ فيجب لها متعة للايحاش بخلاف من وجب لها النصف فلا متعة لها، لانه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للايحاش.
ولانه تعالى لم يجعل لها سواه بقوله: فنصف ما فرضتم، هذا إن كان الفراق) لا بسببها أو بسببهما أو ملكه) لها كردته وإسلامه ولعانه وتعليقه طلاقها بفعلها ففعلت ووطئ أبيه أو ابنه لها بشبهة (أو موت) لهما أو لاحدهما فإن كان بسببها كملكها له.
وردتها وإسلامها وفسخه بعيبه وفسخع بعيبها أو بسببهما كردتهما معا أو بملكه لها بشراء أو غيره، أو بموت فلا متعة لها وطئها أم لا وكذا لو سبيا معا والزوج صغير أو مجنون وذلك لانتفاء الايحاش ولانها في صورة موته وحده متفجعة، لا مستوحشة.
ولا فرق في وجوب المتعة بين المسلم والذمي والحر والعبد والمسلمة والذمية والحرة، والامة وهي لسيد الامة وفي كسب العبد.
وقولي أو بسببهما إلى آخره من زيادتي، والواجب فيها ما يتراضى الزوجان عليه (وسن أن لا تنقص عن ثلاثين درهما) أو ما قيمته ذلك، وأن لا تبلغ نصف المهر وعبر جماعة بأن لا تزاد على خادم فلا حد للواجب.
وقيل هو أقل ما يتمول وإذا تراضيا بشئ فذاك (فإن تنازعا) في قدرها (قدرها قاض) باجتهاده (ب) - قدر (حالهما) من يساره وإعساره ونسبها
وصفاتها ولقوله تعالى: * (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا با لمعروف) *.

(2/102)


فصل في التحالف إذا وقع اختلاف في المهر المسمى.
لو (اختلفا) أي الزوجان (أو وارثاهما أو وارث أحدهما والآخر في قدر مسمى)، كأن قالت: نكحتني بألف فقال: بخمسمائة.
(أو) في (صفته) الشاملة لجنسه كأن قالت: بألف دينار.
فقال: بألف درهم أو قالت: بألف صحيحة فقال بألف مكسرة (أو) في (تسمية) كأن ادعت تسمية قدر، فأنكرها الزوج ليكون الواجب مهر المثل أو ادعى تسمية فأنكرتها والمسمى أكثر من مهر المثل في الاولى.
وأقل منه في الثانية ولا بينة لواحد منهما، أو لكل منهما بينة وتعارضتا (تحالفا) كما في البيع في كيفية اليمين، ومن يبدأ به لكن يبدأ هنا بالزوج لقوة جانبه بعد التحالف لبقاء البضع له سواء اختلفا قبل الوطئ أم بعده فيحلفان على البت إلا الوارث في النفي.
فيحلف على نفي العلم على القاعدة في الحلف على فعل الغير (كزوج ادعى مهر مثل وولي صغيرة أو مجنونة) ادعى (زيادة)، فإنهما عليه يتحالفان كما مر.
فلو كملت الصغيرة أو المجنونة قبل حلف الولي حلفت دونه ولو اختلف الزوج وولي البكر البالغة العاقلة حلفت دون الولي (ثم) بعد التحالف (يفسخ المسمى) على ما مر في البيع في أنهما يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم ولا ينفسخ بالتحالف، (ويجب مهر مثل) وإن زاد على ما ادعته الزوجة أما إذا ادعى الزوج دون مهر المثل، أو فوقه فلا تحالف ويرجع في الاولى إلى مهر المثل، لان نكاح من ذكرت بدون مهر المثل يقتضيه.
وفي الثانية إلى قول الزوج لان التحالف فيها يقتضي الرجوع إلى مهر المثل، وتعبيري باختلافهما في التسمية أعم من قوله ولو ادعت تسمية فأنكرها تحالفا.
وتقييدي دعوى الزوج بمهر المثل، والولي بزيادة من زيادتي (ولو ادعت نكاحا ومهر مثل) بأن لم تجر تسمية صحيحة، (فأقر بالنكاح فقط) أي دون المهر بأن أنكره أو سكت عنه وذلك بأن نفى في العقد أو لم يذكر فيه (كلف بيانا) للمهر، لان النكاح يقتضيه (فإن ذكر قدرا وزادت) عليه (تحالفا) وهو اختلاف في قدر مهر المثل.
(أو
أصر) على أنكاره (حلفت) يمين الرد أنها تستحق عليه مهر مثلها، (وقضى لها) به (ولو أثبتت) بإقراره أو ببينة أو بيمينها بعد نكوله، (أنه نكحها أمس بألف واليوم بألف) وطالبته بألفين (لزماه) لامكان صحة العقدين، كأن يتخللهما خلع ولا حاجة إلى التعرض له، ولا للوطئ في الدعوى) (فإن قال لم أطأ) فيهما أو في أحدهما صدق بيمينه لموافقته للاصل وتشطر ما ذكر من

(2/103)


الالفين أو من أحدهما لان ذلك فائدة تصديقه (أو) قال (كان الثاني تجديدا) للاول، لا عقدا ثانيا (لم يصدق) لانه خلاف الظاهر نعم له تحليفها على نفي ذلك لامكانه.
فصل في الوليمة، من الولم وهو الاجتماع وهي تقع على كل طعام يتخذ لسرور حادث من عرس وإملاك أو غيرهما لكن استعمالها مطلقة في العرس، أشهر وفي غيره.
تقيد فيقال وليمة ختان أو غيره (الوليمة) لعرس وغيره (سنة) لثبوتها عنه (صلى الله عليه وسلم) قولا وفعلا فقد أولم على بعض نسائه بمدين من شعير وعلى صفية بتمر وسمن وأقط.
وقال لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج أولم ولو بشاة رواهم البخاري.
والامر في الاخير للندب قياسا على الاضحية.
وسائر الولائم وأقلها للمتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه.
والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه.
وبأي شئ أولم من الطعام جاز (والاجابة لعرس) بضم العين مع ضم الراء وإسكانها والمراد الاجابة لوليمة الدخول، (فرض عين ولغيره سنة) لخبر الصحيحين.
إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر مسلم شر الطعام طعام الوليمة تدعى لها الاغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله قالوا والمراد وليمة العرس لانها المعهودة، وحمل خبر أبي داود إذ دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره على الندب في وليمة غير العرس وأخذ جماعة بظاهره وذكر حكم وليمة غير العرس من زيادتي.
وإنما تجب الاجابة أو تسن (بشروط منها إسلام داع ومدعو) فينتفي طلب الاجابة مع الكافر لانتفاء المودة
معه.
نعم تسن لمسلم دعاه ذمي لكن سنها له دون سنها له في دعوة مسلم (وعموم) للدعوة، بأن لا يخص بها الاغنياء ولا غيرهم بل يعم عند تمكنه عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته، وإن كانوا كلهم أغنياء لخبر شر الطعام.
فالشرط أن لا يظهر منه قصد التخصيص (وأن يدعو معينا) بنفسه، (أو نائبه بخلاف ما لو قال ليحضر من شاء أو نحوه (و) أن يدعوه (لعرس في اليوم الاول) فلو أولم ثلاثة أيام فأكثر لم تجب الاجابة إلا في الاول.
(وتسن لهما) أي للعرس وغيره (في الثاني) لكن دون سنها في اليوم الاول في غير العرس، (ثم تكره) فيما بعده ففي أبي داود وغيره أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: الوليمة في اليوم الاول حق وفي الثاني معروف وفي الثالث رياء وسمعة) *، (وأن لا يدعوه لنحو خوف) منه كطمع في جاهه فإن دعاه لشئ من

(2/104)


ذلك لم تلزمه الاجابة، (و) أن (لا يعذر كأن لا يدعوه آخر) فإن دعاه آخر قدم الاسبق ثم الاقرب رحما ثم دارا ثم يقرع، (و) كأن (لا يكون ثم من يتأذى به أو تقبح مجالسته) كالاراذل فإن كان ثم شئ من ذلك انتفى عنه طلب الاجابة لما فيه من التأذي أو الغضاضة، (ولا) ثم (منكر) ولو عند المدعو فقط (كفرش محرمة) لكونها حريرا والوليمة للرجال أو كونها مغصوبة أو نحو ذلك.
(وصور حيوان مرفوعة) كأن كانت على سقف أو جدار أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة هذا.
(إن لم يزل) أي المنكر (به) أي بالمدعو وإلا وجبت أو سنت إجابته إجابة للدعوة وإزالة للمنكر.
وخرج بما ذكر صور حيوان مبسوطة، كأن كانت على بساط يداس أو مخاد يتكأ عليها أو مرفوعة، لكن قطع رأسها وصور شجر وشمس وقمر فلا تمنع طلب الاجابة فإن ما يداس منها ويطرح مهان مبتذل وغيره لا يشبه حيوانا فيه روح بخلاف صور الحيوان المرفوعة، فإنها تشبه الاصنام.
وقولي منها ما ذكر الشرط الاول والثالث وسن الاجابة في اليوم لثاني من زيادتي، وتعبيري بعموم وبمحرمة أعم وأولى من تعبيره.
بأن لا يخص الاغنياء وبحرير.
وتعبيري بأن لا يعذر مع التمثيل له بما بعده أولى، من اقتصاره على ما بعده إذ لا ينحصر الحكم
فيه إذ مثله أن لا يكون المدعو قاضيا ولا معذورا بما يرخص في ترك الجماعة أو نحو ذلك كأن يكون الداعي أكثر ماله حرام، (وحرم تصوير حيوان) ولو على أرض.
قال المتولي ولو بلا رأس لخبر البخاري: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور.
ويستنثى لعب البنات لان عائشة كانت تلعب بها عنده (صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم وحكمته تدريبهن أمر التربية (ولا تسقط إجابة بصوم) لخبر مسلم: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل أي فليدع بدليل رواية فليدع بالبركة وإذا دعي وهو صائم فلا يكره أن يقول إني صائم (فإن شق على داع صوم نفل) من المدعو (فالفطر أفضل) من إتمام الصوم، وإلا فالاتمام أفضل.
أما صوم الفرض فلا يجوز الخروج منه ولو موسعا كنذر مطلق ويسن للمفطر الاكل، وقيل يجب وصححه النووي في شرح مسلم.
وأقله لقمة (ولضيف أكل مما قدم له بلا لفظ.
من مضيفه اكتفاء بالقرينة العرفية، كما في الشرب من السقايات في الطرق (إلا أن ينتظر) الداعي (غيره) فلا يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا.
وهذا من زيادتي وخرج بالاكل مما قدم له غيره فلا يأكل من غير ما قدم له، ولا يتصرف في ما قدم له بغير أكل لانه المأذون فيه عرفا فلا يطعم منه سائلا ولا هرة وله أن يلقم منه غيره من الاضياف، إلا أن يفاضل المضيف طعامهما فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه (وله أخذ

(2/105)


ما يعلم رضاه به) لا، إن شك قال الغزالي وإذا علم رضاه ينبغي له مراعاة النصف مع الرفقة فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طوع لا عن حياء.
وأما التطفل وهو حضور لدعوة بغير إذن فحرام إلا أن يعلم رضا رب الطعام لصداقة أو مودة، وصرح جماعة منهم الماوردي بتحريم الزيادة على قدر الشبع ولا تضمن قال ابن عبد السلام وإنما حرمت لانها مؤذية للمزاج (وحل نثر نحو سكر) كدنانير ودراهم، ولوز وجوز وتمر، (في إملاك) على المرأة للنكاح (و) في (ختان) وفي سائر الولائم، فيما يظهر عملا بالعرف وذكر الختان من زيادتي.
(و) حل (التقاطه) لذلك (وتركهما) أي نثر ذلك والتقاطه (أولى)، لان الثاني يشبه النهب في.
والاول تسبب
إلى ما يشبهها نعم إن عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط، لم يكن الترك أولى وذكر أولوية ترك النثر من زيادتي.
ويكره أخذ النثار من الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذه أو التقطه أو بسط حجره له فوقع فيه ملكه.
وإن لم يبسط حجره لم يملكه، لانه لم يوجد منه قصد تملك ولا فعل نعم هو أولى من غيره ولو أخذه غيره لم يملكه، ولو سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه أو قام فسقط بطل اختصاصه به ولو نقضه فهو كما لو وقع على الارض.

(2/106)


كتاب القسم بفتح القاف (والنشوز) وهو الخروج عن الطاعة (يجب قسم لزوجات) ولو كن إماء، فلا دخل لاماء غير زوجات فيه وإن كن مستولدات.
قال تعالى: * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * أشعر ذلك بأنه لا يجب العدل الذي هو فائدة القسم في ملك اليمين، فلا يجب القسم فيه لكنه يسن كي لا يحقد بعض الاماء على بعض هذا إن (بات عند بعضهن) بقرعة أو غيرها.
وسيأتي وجوبها لذلك (فيلزمه) لمن بقي) منهن (ولو قام بهن عذر كمرض وحيض) ورتق وقرن وإحرام، لان المقصود الانس لا الوطئ وذلك بأن يبيت عند من بقي منهن تسوية بينهن ولا تجب التسوية بينهن في التمتع بوطئ وغيره لكنها تسن واستثنى من استحقاق المريضة القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن استحقت النفقة صرح به الماوردي (لا) إن قام بهن (نشوز) وإن لم يحصل به إثم كمجنونة فمن خرجت عطاعة زوجها كأن خرجت من مسكنه بغير إذن أو لم تفتح له الباب ليدخل أو لم تمكنه من نفسها لا تستحق قسما كما لا تستحق نفقة وإذا عادت للطاعة لا تستحق قضاء والذي عليه القسم كل زوج عاقل أو سكران ولو مراهقا أو سفيها فإن جار المراهق فالاثم على وليه.
وفي معنى الناشزة المعتدة والصغيرة التي لا تطيق الوطئ (وله إعراض عنهن) بأن لا يبيت عندهن لان المبيت حقه فله تركه
(وسن أن لا يعطلهن) بأن يبيت عندهن، ويحصنهن (كواحدة) ليس تحته غيرها فله الاعراض عنها.
ويسن أن لا يعطلها وأدنى درجاتها أن لا يخليها كل أربع ليال عن ليلة اعتبارا بمن له أربع زوجات.
والتصريح، بالسن في الواحدة من زيادتي (والاولى له أن يدور عليهن) اقتداء به (صلى الله عليه وسلم) وصونا لهن عن الخروج فعلم أن له أن يدعوهن لمسكنه إن انفرد بمسكن (وليس له أن يدعوهن لمسكن إحداهن) إلا برضاهن كما زدته بعد في هذه، لما فيه من المشقة عليهن وتفضيلها عليهن ومن الجمع بين ضرات بمسكن واحد بغير رضاهن (ولا) أن (يجمعهن) ولا زوجة وسرية كما في البحر وغيره (بمسكن إلا برضاهن) لان جمعهن فيه مع تباغضهن يولد كثرة المخاصمة وتشويش العشرة، فإن رضين به جاز لكن يكره وطئ إحداهن

(2/107)


بحضرة البقية، لانه بعيد عن المروءة ولا يلزمها الاجابة إليه ولو كان في دار حجر أو سفل وعلو جاز إسكانهن من غير رضاهن إن تميزت المرافق ولاقت المساكن بهن (ولا) أن (يدعو بعضا لمسكنه ويمضي لبعض) آخر لما فيه من التخصيص الموحش (إلا به) أي برضاهن (أو بقرعة) وهما من زيادتي، (أو غرض) كقرب مسكن من مضى إليها دون الاخرى أو خوف عليها دون الاخرى كأن تكون شابة.
والاخرى عجوزا فله ذلك للمشقة عليه في مضيه للبعيدة ولخوفه على الشابة ويلزم من دعاها الاجابة فإن أبت بطل حقها (والاصل) في القسم لمن عمله نهارا (الليل) لانه وقت السكون (والنهار) قبله أو بعده وهو أولا (تبع) لانه وقت المعاش.
قال تعالى: * (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) *.
وقال: * (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) *.
(و) الاصل في القسم (لمن عمله ليلا) كحارس (النهار) لانه وقت سكونه والليل تبع، لانه وقت معاشه (ولمسافر وقت نزوله) ليلا كان أو نهارا.
لانه وقت خلوته وهذا من زيادتي.
(وله) أي للزوج (دخول في أصل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة) لا لغيرها (كمرضها المخوف) ولو ظنا.
قال الغزالي أو احتمالا فيجوز دخوله ليتبين الحال لعذر، (و) له دخوله (في غيره.
أي غير الاصل وهو التبع (لحاجة) ولو غير ضرورية (كوضع) أو أخذ (متاع) وتسليم نفقة (وله تمتع بغير وطئ فيه.
أي في دخوله في غير الاصل أما بوطئ فيحرم لقول عائشة: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس أي وطئ.
رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده (ولا يطيل) حيث دخل (مكثه فإن أطاله قضى) كما في المهذب وغيره.
وقضية كلام الاصل كالروضة وأصلها خلافه فيما إذا دخل في الاصل وقد يحمل الاول، على ما إذا أطال فوق الحاجة.
والثاني على خلافه فيهما فإن لم يطل مكثه فلا قضاء وإن وقع وطئ لم يقضه، وإن طال المكث لتعلقه بالنشاط (كدخوله بلا سبب) أي تعديا، فإنه يقضي إن طال مكثه ويعصي بذلك وهذا الشرط من زيادتي (ولا تجب تسوية في إقامة في غير أصل) لتبعيته للاصل.
وتعبيري بالاصل وغيره أعم من تعبيره بالليل والنهار (وأقل.
نوب (قسم) وأفضله لمن عمله نهارا (ليلة) فيجوز ببعضها، ولا بها وببعض أخرى لما في التبعيض من تشويش العيش.
وأما إن أفضله ليلة فلقرب العهد به من كلهن (ولا يجاوز ثلاثا) بغير رضاهن لما في الزيادة عليها من طول العهد بهن، (وليقرع) وجوبا عند عدم إذنهن (للابتداء) بواحدة منهن

(2/108)


فإذا خرجت القرعة لواحدة بدأ بها وبعد تمام نوبتها يقرع بين الباقيات ثم بين الاخريين فإذا تمت النوب راعى الترتيب فلا يحتاج إلى إعادة القرعة، ولو بدأ بواحدة بلا قرعة فقد ظلم ويقرع بين الثلاث فإذا تمت أقرع للابتداء (وليسو) بينهن وجوبا في قدر نوبهن حتى بين المسلمة والذمية (لكن لحرة مثلا غيرها) ممن فيها رق كما رواه الدارقطني عن علي في الامة، ولا يعرف له مخالف.
ويقاس بها المبعضة فللحرة ليلتان ولغيرها ليلة، ولا يجوز لها أربع أو ثلاث ولغيرها ليلتان أو ليلة ونصف.
وإنما تستحق غير الحرة القسم إذا استحقت النفقة، بأن كانت مسلمة للزوج ليلا ونهارا كالحرة.
وتعبيري بغيرها أعم من تعبيره بالامة (ولجديدة بكر) بمعناها المتقدم في استئذانها، (سبع و)
لجديدة (ثيب ثلاث ولاء بلا قضاء) للاخريات فيهما لخبر ابن حبان في صحيحه: سبع للبكر وثلاث للثيب، وفي الصحيحين عن أنس من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم، والعدد المذكور واجب على الزوج لتزول الحشمة بينهما، ولهذا سوى بين الحرة وغيرها لان ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرق والحرية، كمدة العنة والايلاء وزيد للبكر لان حياءها أكثر، وقولي ولاء من زيادتي.
واعتبر لان الحشمة لا تزول بالمفرق (وسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء) للاخريات (وسبع به) أي بقضاء لهن كما فعل (صلى الله عليه وسلم) بأم سلمة رضي الله عنها حيث قال لها: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن.
وإن شئت ثلثت عندك ودرت أي بالقسم الاول بلا قضاء وإلا لقال وثلثت عندهن كما قال وسبعت عندهن، رواه مالك.
وكذا مسلم بمعناه (ولا قسم لمن سافرت لا معه بلا إذن) منه ولو لغرضه (أو به) (لا لغرضه) هو أعم مما ذكره كحج وعمرة وتجارة بخلاف سفرها معه ولو بلا إذن إن لم ينهها أو لا معه لكن بإذنه لغرضه فيقضي لها ما فاتها (ومن سافر لنقلة لا يصحب بعضهن).
ولو بقرعة (ولا يخلفهن) حذرا من الاضرار، بل ينقلهن أو يطلقهن أو ينقل بعضا ويطلق الباقي، فإن سافر ببعضهن ولو بقرعة قضى للمتخلفات.
وقولي ولا يخلفهن من زيادتي (أو) سافر ولو سفرا قصيرا (لغيرها) أي لغير نقله سفرا (مباحا حل) له (ذلك)، أي أن يصحب بعضهن، وأن يخلفهن لكن (بقرعة في الاولى) للاتباع رواه الشيخان (وقضى مدة الاقامة) بقيد زدته بقولي (إن ساكن) فيها (مصحوبته) بخلاف ما إذا لم يساكنها.
وهو ظاهر وبخلاف مدة سفره ذهابا وإيابا إذ لم ينقل أنه (صلى الله عليه وسلم) قضى بعد عوده فصار سقوط القضاء من رخص السفر، ولان المصحوبة معه وإن فازت بصحبته فقد تعبت بالسفر ومشاقه وخرج بزيادتي، مباحا غيره فلا يحل له أن يسافر بواحدة منهن فيه مطلقا، فإن سافر بها لزمه القضاء

(2/109)


للمتخلفات.
والمراد بالاقامة ما مر في باب القصر فتحصل عند وصوله مقصده بنيتها عنده أو
قبله بشرطه، فإن أقام في مقصده أو غيره بلا نية وزاد على مدة المسافرين قضى الزائد (ومن وهبت حقها) من القسم لمن يأتي (فللزوج رد) بأن لا يرضى بذلك، لان التمتع بها حقه فلا يلزمه تركه (فإن رضي به ووهبته لمعينة) منهن (بات عندها)، وإن لم ترض بذلك (ليلتيهما) كل ليلة في وقتها متصلتين كانتا أو منفصلتين، كما فعل (صلى الله عليه وسلم) لما وهبت سودة نوبتها لعائشة كما في الصحيحين.
فلا يوالي المنفصلتين لئلا يتأخر حق التي بينهما، ولان الواهبة قد ترجع بين الليلتين والولاء يفوت حق الرجوع عليها لكن قيده ابن الرفعة أخذا من التعليل بما إذا تأخرت ليلة الواهبة.
فإن تقدمت وأراد تأخيرها جاز.
قال ابن النقيب وكذا لو تأخرت فأخر ليلة الموهوبة إليها برضاها تمسكا بهذا التعليل، وهذه الهبة ليست على قواعد الهبات، ولهذا لا يشترط رضا الموهوب لها بل يكفي رضا الزوج، لان الحق مشترك بينه وبين الواهبة (أو) وهبته (لهن أو أسقطته)، والثاني من زيادتي (سوى) بين الباقيات فيه، ولا يخصص به بعضهن فتجعل الواهبة كالمعدومة (أو) وهبته (له فله تخصيص) لواحدة بنوبة الواهبة، لا يجوز للواهبة أن تأخذ بحقها عوضا فإن أخذته لزمها رده، واستحقت القضاء وللواهبة الرجوع متى شاءت ومتى فات قبل علم الزوج به لا يقضى.
فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين وهو إما من أحدهما أو منهما.
فلو (ظهر أمارة نشوزها) قولا كأن تجيبه بكلام خشن، بعد أن كان بلين أو فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وجه (وعظ) - ها بلا هجر وضرب.
فلعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر والوعظ، كأن يقول لها اتقي الله في الحق الواجب لي عليك.
واحذري العقوبة ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم (أو علم) نشوزها (وعظ) - ها (وهجر) ها (في مضجع وضرب) - ها وإن لم يتكرر النشوز (إن أفاد) الضرب.
قال الله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) *.
والخوف فيه بمعنى العلم كما في قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * وتقييد الضرب بالافادة من زيادتي فلا يضرب إذا لم يفد كما لا يضرب ضربا مبرحا ولا
وجها ومهالك ومع ذلك فالاولى العفو وخرج بالمضجع الهجر في الكلام، فلا يجوز فوق ثلاثة أيام ويجوز فيها للخبر الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث لكن هذا كما قال جمع محمول على ما إذا قصد بهجرها ردها لحظ نفسه فإن قصد به ردها عن

(2/110)


المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم ولعل هذا مرادهم إذ النشوز حينئذ عذر شرعي.
والهجر في الكلام له جائز مطلقا ومنه هجره (صلى الله عليه وسلم) كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه ففيه احتمالان في المطلب قال والذي يقوي في ظني أن القول قوله، لان الشرع جعله وليا في ذلك (فلو منعها حقا كقسم) ونفقة (ألزمه قاض وفاءه) كسائر المستحقين من أداء الحقوق (أو أذاها) بشتم أو نحوه، (بلا سبب نهاه) عن ذلك وإنما لم يعزره لان إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزير عليها يورث وحشة بينهما، فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما (ثم) إن عاد إليه (عزره) بما يراه إن طلبته أو ادعى كل) منهما (تعدي صاحبه) عليه (منع) القاضي (الظالم) منهما (بخبر ثقة) خبير بهما من عوده إلى ظلمه، فإن لم يمتنع أحال بينهما إلى أن يرجعا عن حالهما، (فإن اشتد شقاق) بينهما بأن داما على التساب والتضارب (بعث) القاضي وجوبا (لكل) منهما (حكما برضاهما وسن) كونهما (من أهلهما) لينظرا في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمهما بها، ومعرفة ما عندهم في ذلك ويصلحا بينهما أو يفرقا إن عسر الاصلاح، على ما يأتي لآية وإن خفتم شقاق بينهما فإن اختلف رأي الحكمين بعث القاضي آخرين ليجتمعا على شئ.
والتصريح بسن كونهما من أهل الزوجين من زيادتي، واعتبر رضاهما لان الحكمين وكيلان كما قلت (وهما وكيلان لهما) لا حاكمان من جهة الحاكم لان الحال قد يؤدي إلى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما، (فيوكل) هو (حكمه بطلاق أو خلع وتوكل هي حكمها ببذل) للعوض (وقبول) للطلاق به ويفرقان بينهما.
إن رأياه صوابا فإن لم يرضيا ببعثهما ولم يتفقا
على شئ أدب الحاكم الظالم واستوفى للمظلوم حقه، ولا يكفي حكم واحد ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء، إلى المقصود من بعثهما له وإنما اشترط فيهما ذلك، مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم، كما في أمينه ويسن كونهما ذكرين.

(2/111)


كتاب الخلع بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لان كلا من الزوجين لباس الآخر، قال تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه، والاصل فيه قبل الاجماع آية: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) *.
والامر به في خبر البخاري في امرأة ثابت بن قيس.
بقوله له: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة، (هو فرقة) ولو بلفظ مفاداة (بعوض) مقصود راجع (لجهة زوج).
هذا القيد من زيادتي فيشمل ذلك رجوع العوض للزوج ولسيده، وما لو خالعت بما ثبت لها عليه من قود أو غيره.
فهو أعم من قول الروضة كأصلها.
يأخذه الزوج (وأركانه) خمسة (ملتزم) لعوض (وبضع وعوض وصيغة وزوج وشرط فيه صحة طلاقه، فيصح من عبد ومحجور) عليه (بسفه) ولو بلا إذن ومن سكران لا من صبي ومجنون

(2/112)


ومكره كما سيأتي.
(ويدفع عوض لمالك أمرهما) من سيد وولي أولهما بإذنه ليبرأ الدافع منه، نعم إن قيد أحدهما الطلاق بالدفع له كأن قال إن دفعت لي كذا لم تطلق إلا بالدفع إليه وتبرأ به وخرج بمالك أمرهما المكاتب، فيدفع العوض له ولو بلا إذن لانه مستقل ومثله المبعض المهايأ إذا خالع في نوبته (و) شرط (في الملتزم) قابلا كان أو ملتمسا فهو أعم من تعبيره.
بالقابل، (إطلاق تصرف مالي) بأن يكون غير محجور عليه لان التصرف المالي هو المقصود من الخلع، (فلو اختلعت أمة) ولو مكاتبة (بلا إذن سيد) لها (بعين) من مال أو غيره لسيد أو غيره فهو أعم من قوله عين ماله، (بانت بمهر مثل في ذمتها) لفساد العوض بانتفاء الاذن فيه (أو
بدين) في ذمتها (فبه) أي بالدين (تبين) ثم ما ثبت في ذمتها إنما تطلب به بعد العتق واليسار.
(أو) اختلعت (بإذنه فإن أطلقه) أي الاذن (وجب مهر مثل في نحو كسبها) مما في يدها من مال تجارة مأذون لها فيها.
(وإن قدر) لها (دينا) في ذمتها كدينار تعلق) المقدر (بذلك) أي بما ذكر من كسبها ونحوه فإن لم يكن لها فيما ذكر كسب ولا نحوه ثبت المال في ذمتها، ونحو من زيادتي، (أو عين عينا له) أي من ماله (تعينت) للعوض فلو زادت على ما قدره أو عينه، أو على مهر المثل في صورة الاطلاق.
طولبت بالزائد بعد العتق واليسار (أو) اختلعت (محجورة بسفه طلقت رجعيا) ولغا ذكر المال.
وإن أذن الولي فيه لانها ليست من أهل التزامه وليس لوليها

(2/113)


صرف مالها إلى مثل ذلك.
(وظاهر أن ذلك بعد الدخول وإلا فيقع بائنا بلا مال وصرح به النووي في نكته، ولو خالعها فلم تقبل لم يقع طلاق كما فهم مما ذكر وصرح به الاصل، إلا أن ينويه ولم يضمر التباس قبولها فيقع رجعيا، كما سيأتي والتقييد بالحجر من زيادتي.
(أو) اختلعت (مريضة مرض موت صح) لان لها التصرف في مالها، (وحسب من الثلث زائد على مهر مثل) بخلاف مهر المثل وأقل منه فمن رأس المال، لان التبرع إنما هو بالزائد (و) شرط (في البضع ملك زوج له فيصح) الخلع (في رجعية) لانها كالزوجة في كثير من الاحكام، لا في بائن إذ لا فائد فيه.
والخلع بعد الوطئ أو ما في معناه في ردة أو إسلام أحد الزوجين الوثنيين أو نحوهما، موقوف.
(و) شرط (في العوض صحة إصداقه فلو خالعها بفاسد يقصد) كمجهول وخمر وميتة ومؤجل بمجهول (بانت) لوقوعه بعوض، (بمهر مثل)، لانه المراد عند فساد العوض كما في فساد الصداق (أو) بفاسد (لا يقصد) كدم وحشرات، (فرجعي) لان مثل ذلك لا يقصد بحال فكأنه لم يطمع في شئ بخلاف الميتة، لانها قد تقصد للضرورة وللجوارح وتعبيري بفاسد أعم من تعبيره بمجهول وخمر.
وقولي يقصد مع قولي أولا إلى آخره من زيادتي، ولو خالع بمعلوم ومجهول فسد ووجب مهر المثل أو بصحيح وفاسد معلوم صح في الصحيح،
ووجب في الفاسدة ما يقابله من مهر المثل ولو خالع بما في كفها، ولم يكن فيها شئ بانت

(2/114)


بمهر المثل وإنما تطلق في الخلع بمجهول إذا لم يعلق أو علق بإعطائه وأمكن مع الجهل فلو قال إن أبرأتني من دينك فأنت طالق فأبرأته منه وهو مجهول لم تطلق لعدم وجود الصفة، واستثنى من وجوب مهر المثل بالخلع بخمر خلع الكفار به إذا وقع الاسلام بعد قبضه كما في المهر.
وخرج بزيادتي ضمير خالعها خلعه مع الاجنبي بذلك فيقع رجعيا (ولهما) أي للزوجين (توكيل) في الخلع (فلو قدر) الزوج (لوكيله مالا فنقص) عنه أو خالع بغير الجنس (لم تطلق) للمخالفة كما في البيع بخلاف ما لو اقتصر أو زاد عليه ولو من غير جنسه، لانه أتى بالمأذون فيه وزاد في الثانية خيرا، (أو أطلق) التوكيل (فنقص) الوكيل (عن مهر مثل بانت به) أي بمهر المثل كما لو خالع بفاسد وفارقت ما قبلها بصريح مخالفة الزوج في تلك دون هذه هذا ما نص عليه، الشافعي وصححه في أصل الروضة وتصحيح التنبيه ونقله الرافعي عن العراقيين والروياني.
وفي المهمات أن الفتوى عليه والذي صححه الاصل.
وقال الرافعي كأنه أقوى توجيها أنها لا تطلق كما في البيع بدون ثمن المثل، أما إذا خالع بمهر المثل أو أكثر فيصح لانه أتى بمقتضى مطلق الخلع، وزاد في الثانية خيرا كما يحمل إطلاق التوكيل في البيع على ثمن المثل، (أو قدرت) أي الزوجة لوكيلها (مالا فزاد عليه وأضاف الخلع لها) بأن قال من مالها بوكالتها (بانت بمهر مثل عليها) لفساد المسمى، (أو) أضافه (له) بأن قال من مالي (لزمه مسماه) لانه خلع أجنبي (أو أطلق) الخلع، أي لم يضفه لها ولا له (فكذا) يلزمه مسماه، لان صرف اللفظ المطلق إليه ممكن فكأنه افتداها بما سمته.
وزيادة من عنده (و) إذا غرم (رجع) عليها (بما سمت) هذا ما في الروضة، كأصلها فقول الاصل فعليها ما سمت وعليه الزيادة نظر فيه إلى استقرار الضمان، أما إذا اقتصر على ما قدرته أو نقص عنه فينفذ به، وإن أطلقت التوكيل لم يزد الوكيل على مهر المثل فإن زاد عليه فكما لو زاد على المقدر
(وصح) من كل من الزوجين (توكيل كافر) ولو في خلع مسلمة، كالمسلم ولصحة خلعه

(2/115)


في العدة، ممن أسلمت تحته ثم أسلم فيها (وامرأة) لاستقلالها بالاختلاع، ولان لها تطليق نفسها بقوله لها طلقي نفسك، وذلك إما تمليك للطلاق أو توكيل به فإن كان توكيلا فذاك أو تمليكا، فمن جاز تمليكه الشئ جاز توكيله فيه (وعبد) وإن لم يأذن السيد كما لو خالع لنفسه.
وتعبيري بصح إلى آخره أعم مما عبر به (و) صح (من زوج توكيل محجور) عليه (بسفه)، وإن لم يأذن الولي إذ لا يتعلق بوكيل الزوج في الخلع عهدة بخلاف وكيل الزوجة فلا يصح أن يكون سفيها، وإن أذن له الولي إلا إذا أضاف المال إليها فتبين ويلزمها إذ لا ضرر عليه في ذلك، فإن أطلق وقع الطلاق رجعيا كاختلاع السفيهة وإذا وكلت عبدا فأضاف المال إليها، فهي المطالبة به وإن أطلق ولم يأذن السيد له في الوكالة طولب بالمال بعد العتق وإذا غرمه رجع عليها به إن قصد الرجوع وإن أذن له فيها تعلق المال بكسبه ونحوه فإذا أدى من ذلك رجع به عليها (ولا يوكله) أي المحجور، عليه بسفه الزوج (بقبض) العوض لعدم أهليته لذلك فإن وكله، وقبض ففي التتمة أن الملتزم يبرأ والموكل مضيع لماله، وأقره الشيخان وحمله السبكي على عوض معين أو غير معين وعلق الطلاق بدفعه فإن كان في الذمة لم يصح القبض، لان ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا تلف كان على الملتزم وبقي حق الزوج في ذمته، (ولو وكلا) أي الزوجان (واحدا تولى طرفا) مع أحد الزوجين أو وكيله، (فقط) أي دون الطرف الآخر، فلا يتولى الطرفين كما في البيع وغيره.
(و) شرط (في الصيغة ما) مر فيها (في البيع) على ما يأتي (و) لكن (لا يضر) هنا (تخلل كلام يسير) وتقدم الفرق بينهما، ثم بخلاف الكثير ممن يطلب منه الجواب لاشعاره بالاعراض، (وصريح خلع وكنايته صريح طلاق وكنايته) وسيأتيان في بابه.
وهذا أعم مما عبر به (ومنها) أي من كنايته (فسخ وبيع) كأن يقول فسخت نكاحك بألف أو بعتك نفسك بألف، فتقبل فيحتاج في وقوعه إلى النية (ومن صريحه مشتق مفاداة) لورود القرآن به قال تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * (و) مشتق (خلع) لشيوعه عرفا واستعمالا للطلاق مع ورود معناه في القرآن، (فلو جرى) أحدهما
(بلا) ذكر (عوض) معها بقيد زدته بقولي (بنية التماس قبول) كأن قال خالعتك أو فاديتك أو

(2/116)


افتديتك، ونوى التماس قبولها فقبلت (فمهر مثل) يجب لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض فيرجع عند الاطلاق، إلى مهر المثل لانه المراد كالخلع بمجهول فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا كما لو كان معه والعوض فاسد كما مر.
ولو نفى العوض فقال لها خالعتك بلا عوض وقع رجعيا إن قبلت، ونوى التماس قبولها وكذا لو أطلق فقال خالعتك، ولم ينو التماس قبولها وإن قبلت وظاهر أن محل ذلك إذا نوى الطلاق فمحل صراحته بغير ذكر مال إذا قبلت ونوى التماس قبولها (وإذا بدأ) الزوج (ب) - صيغة (معاوضة كطلقتك بألف فمعاوضة)، لاخذه عوضا في مقابلة ما يخرجه عن ملكه (بشوب تعليق) لتوقف وقوع الطلاق فيه على القبول.
(فله رجوع قبل قبولها) نظرا لجهة المعاوضة (ولو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين أو عكسه)، كطلقتك بألفين فقبلت بألف (أو) طلقتك (ثلاثا بألف فقبلت واحدة بثلثه) أي الالف (فلغو) كما في البيع.
(أو) قبلت في الاخيرة واحدة (بألف فثلاث به) أي بألف تقع، لان الزوج يستقل بالطلاق.
والزوجة إنما يعتبر قبولها بسبب المال وقد وافقته في قدره (أو ب) - دأ بصيغة (تعليق) في إثبات (كمتى) أو متى ما أو أي و (قت أعطيتني) كذا فأنت طالق (فتعليق) لاقتضاء الصيغة له (فلا رجوع له) قبل الاعطاء كالتعليق الخالي، عن العوض (ولا يشترط) فيه (قبول) لفظا، لان صيغته لا تقتضيه.
(وكذا) لا يشترط (إعطاء فورا) لذلك (إلا في نحو إن وإذا) مما يقتضي الفور في الاثبات، مع عوض.
أما في ذلك نحو إن أو إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق فيشترط الفور، لانه مقتضى اللفظ مع العوض، وإنما ترك هذا الاقتضاء في نحو متى لصراحته، في جواز التأخير فإذا مضى زمن يمكن فيه الاعطاء ولم تعط لم تطلق، وقيد المتولي الفورية بالحرة فلا يشترط في الامة لانه لا يدلها، ولا ملك وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح الروض.
وقضية التعليل إلحاق المبعضة والمكاتبة بالحرة وهو ظاهر ونحو من زيادتي (أو بدأت) أي
الزوجة (بطلب طلاق) كطلقني بكذا، أو إن طلقتني فلك علي كذا (فأجاب) - ها الزوج (فمعاوضة)

(2/117)


من جانبها لملكها البضع بعوض (بشوب جعالة) لان مقابل ما بذلته وهو الطلاق يستقل به الزوج كالعامل في الجعالة، (فلها رجوع قبله) أي قبل جوابه لان ذلك حكم المعاوضات والجعالات (ولو طلبت ثلاثا) يملكها عليها (ألف فوحد) أي فطلق طلقة واحدة سواء أقال بثلثه وهو ما اقتصر عليه الاصل أم سكت عنه (فثلثه) يلزم تغليبا لشوب الجعالة، فإنه لو قال فيها رد عبيدي الثلاثة ولك ألف فرد واحدا استحق ثلث الالف أما إذا كان لا يملك الثلاث، فسيأتي (وراجع) في خلع (إن شرط رجعة) لانها تخالف مقصوده، فلو قال طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة فرجعي ولا مال لان شرطي المال والرجعة يتنافيان فيتساقطان ويبقى مجرد الطلاق وقضيته ثبوت الرجعة بخلاف ما لو خالعها بدينار على أنه متى شاء رده وله الرجعة فإنه لا رجعة له ويقع بائنا بمهر المثل لرضاه بسقوطها هنا ومتى سقطت لا تعود (ولو قالت) له (طلقني بكذا فارتدا أو أحدهما فأجاب) - ها الزوج نظر (إن كان) الارتداد (قبل وطئ أو) بعده و (أصر) المرتد على ردته، (حتى انقضت عدة بانت بالردة ولاما) ولا طلاق لانقطاع النكاح بالردة، (وإلا) بأن أسلم المرتد في العدة.
(طلقت ب) أي المال المسمى وتحسب العدة من حين الطلاق.
وعلم من التعبير بالفاء اعتبار التعقيب فلو تراخت الردة، أو الجواب اختلت الصيغة، أو أجاب قبل الردة أو معها طلقت ووجب المال، وذكر ارتدادهما معا وارتداد الزوج وحده من زيادتي.

(2/118)


فصل في الالفاظ الملزمة للعوض.
لو (قال طلقتك بكذا) كألف (أو على أن لي عليك كذا فقبلت بانت به) لدخول باء العوض عليه في الاول، وعلي في الثاني للشرط فجعل كونه عليها شرطا.
وقولي فقبلت يفيد
تعقيب القبول بخلاف قوله فإذا قبلت بانت.
(كما) تبين به (في) قوله (طلقتك وعليك أو ولي عليك، كذا وسبق طلبها) للطلاق (به) لتوافقهما عليه، ولانه لو اقتصر على طلقتك كان كذلك، فالزائد عليه إن لم يكن مؤكدا لم يكن مانعا فإن قصد ابتداء الكلام لا الجواب وقع رجعيا.
والقول قوله فيه بيمينه قاله الامام (أو) لم يسبق طلبها لذلك به و (قال أردت) به (الالزام فصدقته وقبلت)، ويكون المعنى وعليك لي كذا عوضا فإن لم تصدقه وقبلت وقع بائنا وحلفت أنها لا تعلم، أنه أراد ذلك ولا مال، وإن لم تقبل لم يقع شئ إن صدقته وإلا وقع رجعيا ولا تحلف وقولي وقبلت من زيادتي وكتصديقها له تكذيبها له مع حلفه يمين الرد (وإن لم يقله) أي أردت الالزام (فرجعي) قبلت أم لا ولا مال لانه لم يذكر عوضا ولا شرطا بل جملة معطوفة، على الطلاق فلا يتأثر بها الطلاق وتلغو في نفسها، وهذا بخلاف ما إذا قالت طلقني، وعلي أو ولك علي ألف فإنها تبين بالالف.
والفرق أن الزوجة يتعلق بها التزام المال فيحمل اللفظ منها على الالتزام، والزوج ينفرد بالطلاق، فإذا لم يأت بصيغة معاوضة حمل اللفظ منه على ما ينفرد به وفي تقييد المتولي ما هنا بما إذا لم يشع عرفا استعمال ذلك في الالزام كلام ذكرته في شرح الروض (أو) قال (أن أو متى ضمنت لي ألفا فأنت طالق فضمنته) أي الالف (أو أكثر ولو بتراخ في متى بانت بألف) وتقدم الفرق بين إن ومتى ولا يكفي قبلت ولا شئت ولا ضمانها أقل مما ذكره لان المعلق عليه الضمان بقدر ولم يوجد.
وأما ضمان الاكثر فوجد فيه ضمان الاقل وزيادة بخلاف ما مر في طلقتك بألف فزادت فإنه لغو لانها صيغة معاوضة، يشترط فيها توافق الايجاب والقبول ثم الزائد يلغو ضمانه وإذا قبض فهو أمانة عنده (كطلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فطلقت وضمنت.
(فإنها تبين بألف سواء أقدمت الطلاق على الضمان أم أخرته عنه بخلاف ما لو اقتصرت على أحدهما، فلا بينونة ولا مال لانتفاء الموافقة.
وليس المراد بالضمان هنا الضمان المحتاج إلى أصيل، فذاك عقد مستقل

(2/119)


مذكور في بابه ولا التزام المبتدأ لان ذاك لا يصح إلا بالنذر بل المراد التزام بقبول على سبيل
العوض، فلذلك لزم لانه في ضمن عقد (أو علق بإعطاء مال فوضعته بين يديه) بنية الدفع عن جهة التعليق، وتمكن من قبضه وإن امتنع منه (بانت) لان تمكينها إياه من القبض إعطاء منها وهو بالامتناع من القبض مفوت لحقه (فيملكه) أي ما وضعته بين يديه وإن لم يتلفظ بشئ ولم يقبضه، لان التعليق يقتضي وقوع الطلاق عند الاعطاء لا يمكن إيقاعه مجانا مع قصد العوض، وقد ملكت زوجته بضعها فيملك الآخر العوض عنه وكوضعه بين يديه، ما لو قالت لوكيلها سلمه إليه ففعل بحضورها وكالاعطاء الايتاء والمجئ، (كأن علق بنحو إقباض) كقوله إن أقبضتني أو دفعت لي كذا (واقترن به ما يدل على الاعطاء) كقوله وجعلته لي أو لاصرفه في حاجتي فأقبضته له، ولو بالوضع بين يديه فإن حكمه كذلك لانه حينئذ يقصد به ما يقصد بالاعطاء، وخرج بالتقييد بهذا ما إذا لم يقترن بما ذكر ذلك فكسائر التعليقات فلا يشترط فور ولا يملك المقبوض، ويقع الطلاق رجعيا، لان الاقباض لا يقتضي التمليك بخلاف الاعطاء، ألا ترى أنه إذا قيل أعطاه عطية فهم منه التمليك وإذا قيل أقبضته لم يفهم منه ذلك، وعلى هذا الخارج اقتصر الاصل (وأخذه بيده منها ولو مكرهة) عليه (شرط في) قوله (إن قبضت) منك كذا فلا يكفي الوضع بين يديه (ويقع) الطلاق (رجعيا)، وهذا ما في الروضة وأصلها فذكر الاصل له في مسألة الاقباض سبق قلم ولا يمنع الاخذ كرها فيها من وقوع الطلاق لوجود الصفة بخلافه في التعليق الاعطاء، المقتضي للتمليك لانها لم تعط (ولو علق) الطلاق (بإعطاء عبد) ووصفه، (بصفة سلم أو دونها) بأن لم يستوفها (فأعطت لا بها) أي لا بالصفة التي وصفها (لم تطلق) لعدم وجود الصفة (أو بها طلقت به في الاولى وبمهر مثل في الثانية) لفساد العوض فيها، بعدم استيفاء صفة السلم.
والثانية من زيادتي (فإن بان معيبا في الاولى فله رده) العيب (ومهر مثل) وليس له أن يطالب بعبد بتلك الصفة سليم لوقوع الطلاق بالمعطي، بخلاف غير التعليق، كما لو قال طلقتك على عبد صفته كذا فقبلت وأعطته عبدا بتلك الصفة معيبا له رده.
والمطالبة بعبد سليم لان الطلاق وقع قبل الاعطاء، بالقبول على

(2/120)


عبد في الذمة (أو) علقه بإعطاء عبد (بلا صفة طلقت بعبد) بأي صفة كان (إن صح بيعها له وله مهر مثل) بدل المعطي، لتعذر ملكه له لانه مجهول عند التعليق والمجهول لا يصلح عوضا، فإن لم يصح بيعها له كمغصوب ومكاتب ومشترك ومرهون لم تطلق بإعطائه، لان الاعطاء يقتضي التمليك كما مر.
ولا يمكن تمليك ما لا يصح بيعه.
وتعبيري بذلك أعم من قوله إلا مغصوبا ولو علق بإعطاء هذا العبد المغصوب أو الحر أو نحوه، فأعطته بانت بمهر المثل كما لو علق بخمر (ولو طلبت بألف ثلاثة.
وهو إنما يملك دونها) من طلقة أو طلقتين (فطلق ما يملكه فله ألف)، وإن جهلت الحال لانه حصل بما أتى به مقصود الثلاث وهو الحرمة الكبرى، وشمول الحكم لملك طلقتين من زيادتي.
(أو) طلبت به (طلقة فطلق) طلقة فأكثر (به) أي بألف (أو مطلقا وقع به) كالجعالة وهذا من زيادتي (أو) طلق (بمائة وقع بها) لرضاه بها مع أنه يستقل بإيقاعه مجانا، فببعض العوض أولى والفرق بينها، وبين ما لو قال أنت طالق بألف فقبلت بمائة ظاهر (أو) طلبت به (طلاقا غدا.
فطلق غدا أو قبله بانت) لانه حصل مقصودها، وزاد بتعجيله في الثانية.
(بمهر مثل) لان هذا الخلع دخله شرط تأخير الطلاق منها وهو فاسد لا يعتد به فيسقط من العوض ما يقابله وهو مجهول فيكون الباقي مجهولا.
والمجهول يتعين الرجوع فيه إلى مهر المثل ولو قصد ابتداء الطلاق وقع رجعيا فإن اتهمته حلف كما قال ابن الرفعة ولو طلقها بعد الغد وقع رجعيا، لانه خالف قولها فكان مبتدئا، فإن ذكر مالا فلابد من القبول (ولو قال إن دخلت) الدار (فأنت طالق بألف فقبلت ودخلت طلقت) لوجود الصفة مع القبول (به) أي بالالف كما في الطلاق المنجز، ولا يتوقف وجوبه على الطلاق، بل يجب تسليمه في الحال، لان الاعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال، والمعوض تأخر بالتراضي لوقوعه في التعليق، بخلاف المنجز يجب فيه تقارن العوضين في الملك، (واختلاع أجنبي) من ولي لها

(2/121)


وغيره، وإن كرهته (كاختلاعها) فيما مر، لفظا وحكما على ما مر فهو من جانب الزوج ابتدا بصيغة معاوضة، بشوب تعليق ومن جانت الاجنبي، ابتداء معاوضة بشوب جعالة.
فإذا قال الزوج للاجنبي طلقت امرأتي على ألف في ذمتك، فقبل أو قال الاجنبي للزوج طلق امرأتك على ألف في ذمتي، فأجابه بانت بالمسمى، والتزامه المال فداء لها، كالتزام المال لعتق السيد عبده، وقد يكون له في ذلك، غرض صحيح كتخليصها ممن يسئ العشرة بها، ويمنعها حقوقها (ولوكيلها) في الاختلاع، (أن يختلع له) كما له أن يختلع لها، بأن يصرح بالاستقلال أو الوكالة.
أو ينوي ذلك.
فإن لم يصرح ولم ينو.
قال الغزالي وقع لها لعود منفعته إليها (ولاجنبي توكيلها) لتختلع عنه، (فتتخير) هي أيضا بين اختلاعها له، واختلاعها لها، بأن تصرح أو تنوي كما مر.
فإن أطلقت وقع لها على قياس ما مر عن الغزالي، وحيث صرح بالوكالة عنها أو عن الاجنبي، فالزوج يطالب الموكل، ولا يطالب المباشر، ثم يرجع هو على الموكل، حيث نوى الخلع له أو أطلق وكيلها، (فإن اختلع) الاجنبي (بماله فذاك) واضح، (أو بمالها وصرح بوكالة) منها (كاذبا أو بولاية) عليها (لم تطلق) لانه ليس بولي في ذلك، ولا وكيل فيه.
والطلاق مربوط بالمال ولم يلتزمه أحد (أو) صرح (باستقلال فخلع بمغصوب)، لانه بالتصرف المذكور في مالها غاصب له، فيقع الطلاق بائنا ويلزمه مهر المثل، وإن أطلق بأن لم يصرح بشئ من ذلك، فإن لم يصرح بأنه من مالها فخلع بمغصوب بذلك، وإلا فرجعي إذ ليس له التصرف في مالها، بما ذكر وإن كان وليا لها فأشبه خلع السفيهة.

(2/122)


فصل في الاختلاف في الخلع أو في عوضه.
لو (ادعت خلعا فأنكر حلف) فيصدق، إذ الاصل عدمه، فإن أقامت به بينة رجلين عمل بها، ولا مال لانه ينكره إلا أن يعود ويعترف بالخلع، فيستحقه.
قاله الماوردي (أو ادعاه) أي الخلع (فأنكرت) بأن قالت، لم تطلقني أو طلقتني مجانا (بانت) بقوله (ولا عوض) عليها، إذ الاصل عدمه فتحلف على نفيه، ولها نفقة العدة فإن أقام بينة به أو شاهدا وحلف معه ثبت
المال، كما قاله في البيان وكذا لو اعترفت بعد يمينها، بما ادعاه.
قاله الماوردي، وقولي فأنكرت أعم من قوله، فقالت مجانا، لما تقرر (ولو اختلفا في عدد طلاق)، كقولها سألتك ثلاث طلقات بألف، فأجبتني فقال: واحدة بألف، فأجبتك (أو) في (صفة عوضه) كدراهم ودنانير أو صحاح ومكسرة سواء اختلفا في التلفظ بذلك، أم في إرادته، كأن خالع بألف وقال أردنا دنانير.
فقالت دراهم (أو قدره) كقوله، خالعتك بمائتين.
فقالت بمائة (ولا بينة) لواحد، منهما أو لكل منهما بينة، وتعارضتا (تحالفا) كالمتبايعين في كيفية الحلف.
ومن يبدأ به (ويجب) لبينونتها، (بفسخ) العوض منهما أو من أحدهما أو الحاكم، (مهر مثل) وإن كان أكثر مما ادعاه، لانه المراد.
فإن كان لاحدهما بينة عمل بها، وذكر حكم الاختلاف في عدد الطلاق.
مع قولي بفسخ من زيادتي.
وتعبيري بالصفة أولى من تعبيره بالجنس، والقول في عدد الطلاق الواقع في مسألته، قول الزوج بيمينه، (ولو خالع بألف) مثلا (ونويا نوعا) من نوعين بالبلد، (لزم) إلحاقا للمنوي، بالملفوظ فإن لم ينويا شيئا حمل على الغالب، إن كان وإلا لزم مهر المثل.

(2/123)


كتاب الطلاق هو لغة حل القيد وشرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه.
والاصل فيه قبل الاجماع الكتاب كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *.
والسنة كخبر: ليس شئ من الحلال أبغض، إلى الله تعالى من الطلاق.
رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصححه.
(أركانه) خمسة (صيغة ومحل وولاية وقصد ومطلق وشرط فيه) أي في المطلق ولو بالتعليق (تكليف) فلا يصح من غير مكلف، لخبر رفع القلم عن ثلاثة (إلا سكران)، فيصح منه مع أنه غير مكلف، كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم، في كتب الاصول، تغليظا عليه، ولان صحته من قبيل ربط الاحكام بالاسباب، كما قاله الغزالي في المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * الذي استند إليه الجويني وغيره في
تكليف السكران، بأن المراد به من هو في أوائل السكر، وهو المنتشي لبقاء عقله.
وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم، الذي هو شرط التكليف.
والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه، ونكاحه ونحوهما من زال عقله بما أثم به من شراب أو دواء ويرجع في حده إلى العرف، فإذا انتهى تغير الشارب إلى حالة يقع عليه اسم السكران، عرفا فهو محل الكلام، وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سره المكتوم (واختيار فلا يصح من مكره وإن لم يور)، لاطلاق خبر: لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود، والحاكم على شرط مسلم والتورية كأن ينوي غير زوجته، أو ينوي بالطلاق حل الوثاق أو بطلقت الاخبار كاذبا، (وشرط الاكراه قدرة مكره) بكسر الراء على تحقيق ما هدد به بولاية أو تغلب عاجلا ظلما وعجز مكره بفتح الراء (عن دفعه) بهرب وغيره، كاستغاثة بغيره (وظنه) أنه (إن امتنع) من فعل ما أكره عليه، (حققه) أي ما هدد به (ويحصل) الاكراه، (بتخويف بمحذور كضرب شديد) أو حبس أو إتلاف مال.
ويختلف ذلك باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فلا يحصل الاكراه بالتخويف بالعقوبة الآجلة، كقوله لاضربنك غدا، ولا بالتخويف بالمستحق كقوله لمن له عليه

(2/124)


قصاص طلقها، وإلا اقتصصت منك وهذان خرجا بما زدته بقولي، عاجلا ظلما، (فإن ظهر) من المكر (قرينة اختيار) منه للطلاق، (كأن) هو أولى من قوله، بأن (أكره على ثلاث) من الطلقات، (أو) على (صريح أو تعليق، أو) على أن يقول (طلقت، أو) على (طلاق مبهمة) وهو من زيادتي (فخالف) بأن وحد أو ثنى أو كنى أو نجز أو صرح أو طلق معينة، (وقع) الطلاق بل لو وافق المكره، ونوى الطلاق وقع لاختياره.
وكذا لو قال طلق زوجتي وإلا قتلتك.
(و) شرط (في الصيغة ما يدل على فراق صريحا، أو كنابة فيقع بصريحه) وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق، (بلا نية) لايقاع الطلاق فلا ينافيه ما يأتي من اعتبار قصد لفظ الطلاق، لمعناه (وهو) أي صريحه مع مشتق المفاداة.
والخلع.
(مشتق طلاق وفراق وسراح) بفتح السين لاشتهارها في معنى الطلاق، وورودها في القرآن مع تكرر بعضها فيه وإلحاق ما لم يتكرر منها
بما تكرر، (وترجمته) أي مشتق ما ذكر بعجمية أو غيرها، لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية، عند أهلها ويفرق بينهما وبين عدم صراحة، نحو: أنت علي حرام عند النووي، بأنها موضوعة للطلاق بخصوصه، بخلاف ذاك وإن اشتهر فيه ك (- طلقتك) وفارقتك وسرحتك، (أنت طالق أنت مطلقة) بفتح الطاء، (يا طالق و) يقع (بكنايته) وهي ما تحتمل الطلاق وغيره، (بنية مقترنة بأولها) وإن عزبت في آخرها بخلاف عكسه، إذ انعطافها على ما مضى بعيد بخلاف استصحاب ما وجد ووقع في الاصل تصحيح اشتراط اقترانها بجميعها.
وفي أصل الروضة تصحيح الاكتفاء، بذلك كله (كأطلقتك أنت طلاق أنت مطلقة) بإسكان الطاء، (خلية برية) من الزوج، (بتة) أي مقطوعة الوصلة، وتنكير البتة جوزه الفراء، والاكثر على أنه لا يستعمل إلا معرفا باللام، (بتلة) أي متروكة النكاح، (بائن) أي مفارقة (حلال الله على حرام) وإن اشتهر بالطلاق خلافا للرافعي في قوله: إنه صريح ذلك لما مر، (اعتدى استبرئي رحمك) أي لاني طلقتك، سواء في ذلك المدخول بها وغيرها (الحقي) بكسر أوله وفتح ثالثه.
وقيل عكسه (بأهلك) أي لاني طلقتك (حبلك على غاربك) أي خليت سبيلك، كما يخلى البعير في الصحراء وزمامه غلى غاربه.
وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العنق ليرعى كيف شاء (لا أنده سربك) أي لا أهتم بشأنك.
والسرب بفتح السين وسكون الراء الابل، وما يرعى من المال وأنده أزجر (اعزبي) بمهلة، ثم زاي أي من الزوج.
(اغربي) بمعجمة ثم راء، أي صيري غربية بلا زوج، (دعيني) أي اتركيني لاني طلقتك (ودعيني) لذلك

(2/125)


(أشركتك مع فلانة، وقد طلقت) منه أو من غيره ونحوها، كتجردي أي من الزوج وتزودي اخرجي سافري لاني طلقتك (وكأنا طالق أو بائن ونوى طلاقها) لان عليه حجرا من جهتها، حيث لا ينكح معها أختها ولا أربعا فصح حمل إضافة الطلاق إليه، على حل السبب المقتضي لهذا الحجر مع النية.
فاللفظ من حيث إضافته إلى غير محله كناية بخلاف قوله لعبده أنا منك حر ليس كناية.
كما يأتي، لان الطلاق يحل النكاح وهو مشترك بين الزوجين والعتق يحل الرق
وهو مختص بالعبد، فإن لم ينو طلاقها، لم يقع سواء نوى أصل الطلاق أم طلاق نفسه، أم لم ينو طلاقا.
وقولي أنا طالق هو ما صرح به الدارمي، واقتضاه كلام القاضي، ومثله أنا بائن فقول الاصل أنا منك طالق، أو بائن مثال، لكنه يوهم خلاف ذلك (لا استبرئي رحمي منك) أو أنا معتد منك، فليس كناية فلا يقع به الطلاق، وإن نواه لاستحالته في حقه (والاعتاق) أي صريحه، وكنايته (كناية طلاق وعكسه) لاشتراكهما في إزالة الملك، فلو قال لزوجته أعتقتك أو لا ملك لي عليك ونوى الطلاق طلقت، أو قال لعبده طلقتك أو أبنتك، ونوى العتق عتق ويستثنى من العكس قوله لعبده، اعتد أو استبرئ رحمك وقوله له أو لامته أنا منك حر، أو أعتقت نفسي (وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه) وإن اشتركا في إفادة التحريم لان تنفيذ كل منهما في موضوعه ممكن.
فلا يعدل عنه إلى غيره على القاعدة، من أن ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه، لا يكون كناية في غيره.
(ولو قال أنت علي حرام أو حرمتك ونوى طلاقا)، وإن تعدد (أو ظهارا وقع) المنوي، لان كلا منهما يقتضي التحريم.
فجاز أن يكني عنه بالحرام (أو نواهما) معا أو مرتبا، (تخير) وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعا، لان الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه (إلا) بأن نوى تحريم عينها، أو نحوها كوطئها أو فرجها أو رأسها، أو لم ينو شيئا (فلا تحرم عليه)، لان الاعيان وما ألحق بها لا توصف بذلك، (وعليه كفارة يمين كما لو قاله لامته) فإنها لا تحرم عليه وعليه كفارة يمين أخذا من قصة مارية لما قال (صلى الله عليه وسلم) هي علي حرام نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * إلى قوله: * (قد فرض الله لكم تحلة إيمانكم) * أي أوجب عليكم كفارة، ككفارة إيمانكم لكن لا كفارة في محرمة كرجعية وأخت بخلاف الحائض والنفساء والصائمة.
وفي وجوبها في زوجة وحرمة، أو معتدة، عن شبهة أو أمة معتدة أو مرتدة أو مجوسية أو مزوجة.
وجهان أوجههما لا، فإن نوى في مسألة الامة عتقا ثبت، كما علم مما مر، أو طلاقا أو ظهارا لغا إذ لا مجال له في الامة،

(2/126)


(ولو حرم غير ما مر) كأن قال هذا الثوب حرام على، (فلغو) لانه غير قادر على تحريمه، بخلاف الزوجة، فإنه قادر على تحريمهما بالطلاق.
والاعتاق (كإشارة ناطق بطلاق) كأن قالت له طلقني، فأشار بيده أن اذهبي فإنها لغو، لان عدوله إليها عن العبارة يفهم أنه غير قاصد للطلاق، وإن قصده بها فهي لا تقصد للافهام إلا نادرا، ولا هي موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للافهام كالعبارة، (ويعتد بإشارة أخرس) وإن قدر على الكتابة، في طلاق وغيره كبيع ونكاح وإقرار ودعوى، وعتق للضرورة، (لا في صلاة) فلا تبطل بها (و) لا في (شهادة) فلا تصح بها (و) لافي (حنث) فلا يحصل بها في الحلف على عدم الكلام.
وقولي لا في صلاة إلى آخره من زيادتي فعلم أن إطلاقي ما قبله أولى من تقييده له بالعقود والحلول، (فإن فهمها كل أحد فصريحه وإلا) بأن اختص بفهمها فظنون (فكناية) تحتاج إلى نية.
وتعبيري بفهمها أعم من قوله فهم طلاقه (ومنها) أي الكناية (كتابة) من ناطق أو أخرس، وإن اقتصر الاصل على الناطق، فإن نوى بها الطلاق وقع لانها طريق في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية.
ويعتبر في الاخرس، كما قال المتولي: أن يكتب مع لفظ الطلاق إني قصدت الطلاق، (فلو كتب) الزوج (إذا بلغك كتابي فأنت طالق طلقت ببلوغه) لها رعاية للشرط (أو) كتب (إذا قرأت كتابي) فأنت طالق، (فقرأته أو فهمته) مطالعة، وإن لم تتلفظ بشئ منه (طلقت) رعاية للشرط في الاولى.
ولحصول المقصود في الثانية وهي من زيادتي.
ونقل الامام اتفاق علمائنا عليها (وكذا إن قرئ عليها وهي أمية وعلم) أي الزوج، (حالها) لان القراءة في حق الامي، محمولة على الاطلاع، على ما في الكتاب وقد وجد بخلاف ما إذا كانت غير أمية، لانتفاء الشرط المقدور عليه، وبخلاف ما إذا لم يعلم حالها على الاقرب في الروضة، وأصلها.
وقولي وعلم حالها من زيادتي.
(و) شرط (في المحل كونه زوجة) ولو رجعية كما سيأتي، (فتطلق بإضافته) أي الطلاق (لها) لانها محله حقيقة، (أو لجزئها المتصل بها كربع ويد وشعر وظفر ودم) وسن بطريق السراية من الجزء إلى الباقي، كما في العتق، ووجه كون الدم جزءا أن به قوام البدن، وخرج بجزئها إضافة الطلاق لفضلتها
كريقها ومنيها ولبنها وعرقها، كأن قال ريقك أو منيك أو لبنك أو عرقك طالق، فلا يقع لانها ليست أجزاء فإنها غير متصلة اتصال خلقة بخلاف ما مر، وبالمتصل بها ما لو قال لمقطوعة يمين مثلا، وإن التصقت بمحلها يمينك طالق، فلا يقع لفقدان الجزء الذي يسري منه الطلاق إلى الباقي كما في العتق.

(2/127)


(و) شرط (في الولاية) أي على المحل (كون المحل ملكا للمطلق فلا يقع ولو معلقا على أجنبية كبائن)، فلو قال لها أنت طالق أو إن نكحتك أو إن دخلت الدار فأنت طالق، أو كل امرأة أنكحها فهي طالق، لم تطلق على زوجها ولا بنكاحها، ولا بدخولها الدار بعد نكاحها، لانتفاء الولاية من القائل على المحل وقد قال (صلى الله عليه وسلم) لا طلاق إلا بعد نكاح.
رواه الترمذي وصححه (وصح) الطلاق (في رجعية) لبقاء الولاية عليها بملك، الرجعة.
(و) صح (تعليق عبد ثالثة كإن عتقت أو) إن (دخلت) الدار (فأنت طالق ثلاثا فيقعن إذا عتق أو دخلت بعد عتقه) وإن لم يكن مالكا للثالثة، حال التعليق لانه يملك أصل النكاح.
وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية وقد وجدت، (ولو علقه بصفة فبانت ثم نكحها ووجدت لم يقع) لانحلال اليمين بالصفة، إن وجدت في البينونة وإلا فلارتفاع النكاح الذي علق فيه.
وتعبيري بصفة أعم من تعبيره بدخول.
(ولحر) طلقات (ثلاث) لانه (صلى الله عليه وسلم) سئل عن قوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * فأين الثالثة فقال أو تسريح بإحسان (ولغيره) ولو مكاتبا ومبعضا، (ثنتان) فقط، لان ذلك روى في العبد الملحق به المبعض عن عثمان وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهما من الصحابة رواه الشافعي.
سواء أكانت الزوجة في كل منهما حرة أم لا.
وتعبيري بغيره أعم من تعبيره بالعبد (فمن طلق) منهما (دون ماله) من الطلقات.
هذا أولى من قوله ولو طلق دون الثلاث، (وراجع أو جدد ولو بعد زوج عادت) له (ببقيته) أي ببقية ماله، دخل بها الزوج أم لا لان ما وقع من الطلاق، لم يحوج إلى زوج آخر.
فالنكاح الثاني والدخول فيه لا يهدمانه كوطئ
السيد أمته المطلقة.
أما من طلق ماله فتعود إليه بماله، لان دخول الثاني بها أفاد حلها للاول، ولا يمكن بناء العقد الثاني على الاول لاستغراقه فكان نكاحا مفتتحا بأحكامه، (ويقع) الطلاق (في مرض موته) كما يقع في صحته (ويتوارثان) أي الزوج وزوجته، (في عدة) طلاق (رجعي) لبقاء آثار الزوجية بلحوق الطلاق لها كما مر.
وصحة الايلاء والظهار واللعان منها كما سيأتي في الرجعة، وبوجوب النفقة لها كما سيأتي في بابها بخلاف البائن، فلا يتوارثان في عدته لانقطاع الزوجية.
(و) شرط (في القصد) أي للطلاق (قصد لفظ طلاق لمعناه) بأن يقصد استعماله فيه، (فلا يقع) ممن طلب من قوم شيئا فلم يعطوه، فقال طلقتكم وفيهم زوجته ولم يعلم بها خلافا للامام ولا (ممن حكى طلاق غيره) كقوله، قال فلان زوجتي طالق وهذا أولى من تمثيله بطلاق النائم، لان حكمه علم من اشتراط التكليف فيما مر.
(ولا ممن جهل معناه وإن

(2/128)


نواه ولا ممن سبق لسانه به) لانتفاء القصد إليه، وما جهل معناه لا يصح قصده، ثم قصد المعنى إنما يعتبر ظاهرا، عند عروض ما يصرف الطلاق عن معناه، لا مطلقا كما يعلم ذلك من قولي كغيري، (ولا يصدق ظاهرا) في دعواه ما يمنع الطلاق لتعلق حق الغير به (إلا بقرينة كقوله لمن اسمها طالق يا طالق ولم يقصد طلاقا) فلا تطلق حملا، على النداء لقربه.
فإن قصد الطلاق طلقت.
(و) كقوله (لمن اسمها طارق) أو طالب أو طالع) (يا طالق وقال أردت نداء فالتف الحرف)، فإنه يصدق فلا تطلق لظهور القرينة، فإن لم يقل ذلك طلقت، وكقوله طلقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك (ولو خاطبها بطلاق)، مثلا (هازلا (بأن قصد اللفظ دون معناه (أو لاعبا) بأن لم يقصد شيئا كأن تقول له في معرض الاستهزاء أو الدلال، طلقني فيقول طلقتك (أو ظنها أجنبية)، لكونها في ظلمة أو من وراء حجاب أو زوجها له، وليه أو وكيله ولم يعلم بذلك أو نحوها، (وقع) الطلاق لقصده إياه وإيقاعه في محله، وفي الحديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة، وقيس بالثلاث غيرها من سائر
التصرفات، وإنما خصت بالذكر لتعلقها بالابضاع المختصة، بمزيد الاعتناء، ولا يدين لانه لم يصرف اللفظ إلى غير معناه.
فصل في تفويض الطلاق للزوجة.
والاصل فيه الاجماع واحتجوا له أيضا، بأنه (صلى الله عليه وسلم) خير نساءه بين المقام معه، وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا) * إلى آخره (تفويض طلاقها المنجز) بالرفع، (إليها ولو بكناية) كأن يقول لها طلقي أو أبيني نفسك إن شئت (تمليك) للطلاق، لانه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله ملكتك طلاقك بخلاف المعلق، كقوله إذا جاء رمضان فطلقي نفسك لا يصح، لان التمليك لا يعلق (فيشترط) لوقوعه (تطليقها ولو بكناية فورا) لان تطليقها نفسها متضمن للقبول، فلو أخرته بقدر ما ينقطع به القبول عن الايجاب، لم يقع الطلاق (وله رجوع) عن التفويض (قبله) أي قبل تطليقها كسائر العقود، (فإن قال) لها (طلقي) نفسك (بألف فطلقت بانت به) أي بالالف وهو تمليك بعوض

(2/129)


كالبيع.
وإن لم يذكر عوضا فهو كالهبة (أو) قال (طلقي) نفسك (ونوى عددا فطلقت ونوته أو) نوت (غيره) بأن نوت، دونه أو فوقه (فما توافقا فيه) يقع، لان اللفظ في الاولى يحتمل العدد وقد نوياه، وما نوته في الدون أو نواه في الفوق.
هو المتفق عليه منهما (وإلا) بأن لم ينويا أو أحدهما (فواحدة) لان صريح الطلاق كناية في العدد، وقد انتفت نيته منهما أو من أحدهما.
وتعبيري بالعدد أعم من تعبيره بالثلاث، وأفاد تعبيري بغيره وهو من زيادتي.
أنه لو نوى ثلاثا و نوت ثنتين، وقعتا واقتصار الاصل على قوله، وإلا فواحدة يفهم خلافه، (أو) قال (طلقي) نفسك (ثلاثا فوحدت أو عكسه) أي قال طلقي نفسك واحدة فثلثت (فواحدة) لانها الموقع في الاولى، والمأذون فيه في الثانية، ولها في الاولى بعد أن وحدت وإن راجعها الزوج أن تطلق ثانية وثالثة عل الفور، ولو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت طلقت ولم تذكر عددا ولا نوتة
وقع الثلاث.
فصل في تعدد الطلاق بنية العدد فيه وما يذكر معه.
لو (نوى عددا بصريح كأنت طالق واحدة) بنصب أو رفع أو جر أو سكون (أو كناية كأنت واحدة) كذلك (وقع) المنوي عملا بما نواه من احتمال اللفظ له وحملا للتوحد على التفرد عن الزوج بالعدد المنوي لقربه من اللفظ سواء المدخول بها وغيرها، وما ذكرته في أنت طالق واحدة بالنصب، هو ما صححه في أصل الروضة.
والذي صححه الاصل وقوع واحدة عملا بظاهر اللفظ (ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاث فماتت قبل تمام طالق لم يقع) لخروجها عن محل، الطلاق قبل تمام لفظه (أو بعده) ولو قبل ثلاثا، (فثلاث) لتضمن إرادته المذكورة القصد الثلاث وقد تم معه لفظ الطلاق، في حياتها (وفي موطوءة.
لو قال أنت طالق وكرر طالقا ثلاثا) ولو بدون أنت فهو أعم من قوله، وإن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق.
(وتخلل فصل) بينها بسكتة فوق سكتة التنفس، ونحوها (أو لم يؤكد) بأن استأنف أو أطلق (أو أكد

(2/130)


الاول بالثالث فثلاث) عملا بقصده وبظاهر اللفظ ولتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد في الثالثة.
فإن قال في الاولى أردت التأكيد لم يقبل ويدين، (أو) أكده (بالآخرين فوالحدة) لان التأكيد في الكلام معهود في جميع اللغات، (أو) أكده (بالثاني) مع الاستئناف بالثالث أو الاطلاق (أو) أكد (الثاني) مع الاستئناف به أو الاطلاق (بالثالث فثنتان)، (عملا بقصده وذكر حكم الاطلاق في هاتين من زيادتي.
(وصح في) المكرر بعطف نحو (أنت طالق وطالق وطالق تأكيد ثان بثالث) لتساويهما، (لا) تأكيد (أول بغيره) أي بالثاني أو بالثالث، أو بهما لاختصاص غيره بواو العطف الموجب للتغاير، (ولو قال) أنت طالق (طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة أو طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة فثنتان)، يقعان متعاقبتين المنجزة أولا، ثم المضمنة في الصورتين الاوليين.
وبالعكس في الاخريين (وفي غيرها) أي غير الموطوءة يقع بما ذكر من المكرر، والمقيد بالقبلية أو البعدية (طلقة مطلقا) عن التقييد
بشئ مما مر.
لانها تبين بالواقع أو لا فلا يقع بما عداه شئ، (ولو قال لزوجته) موطوءة كانت أو لا (فإن دخلت) الدار (فأنت طالق وطالق قد خلت فثنتان) معا، لانهما جميعا معلقتان بالدخول ولا ترتيب بينهما، (ك) - قوله لها (أنت طالق طلقة من طلقة أو معها طلقة أو في طلقة وأراد مع) طلقة، فإنه يقع ثنتان معا ولفظه في تستعمل بمعنى مع كما في قوله تعالى: * (ادخلوا في أمم) * (وإلا) بأن أراد بطلقة في طلقة ظرفا أو حسابا أو أطلق (فواحدة) لانها مقتضى الظرف

(2/131)


وموجب الحساب والمحقق في الاطلاق، (ولو قال) لها أنت طالق (طلقة في طلقتين وقصد معية فثلاث) لانها موجبها (أو حسابا عرفه فثنتان) لانهما موجبة، (وإلا) بأن قصد ظرفا أو حسابا جهله، وإن قصد معناه عند أهله أو أطلق (فواحدة) لانها موجبة في غير الاطلاق.
والمحقق في الاطلاق ولا يؤثر القصد مع الجهل لان ما جهل لا يصح قصده كما مر، (أو) قال أنت طالق (بعض طلقة أو نصف طلقتين أو نصف طلقة في نصف طلقة أو نصف وثلث طلقة أو نصفي طلقة ولم يرد) في غير الاولى، (كل جزء من طلقة فطلقة) لما مر آنفا، ولان الطلاق لا يتبعض، ووقع في نسخ من الاصل في الثالثة نصف طلقة في طلقة، وهو سهو فإنه في هذه يقع عند قصد المعية ثنتان، على أن الاسنوي والبلقيني بحثا في نصف طلقة أنه يقع ثنتان أيضا عند قصد المعية، لان التقدير نصف طلقة مع نصف طلقة، فهو كما لو قال نصف طلقة ونصف طلقة ويرد بأنا لا نسلم، أنه لو قال: هذا المقدر يقع ثنتان.
وإنما وقعتا في نصف طلقة، ونصف طلقة لتكرر طلقة مع العطف، المقتضي للتغاير بخلاف مع فإنها إنما تقتضي المصاحبة، وهي صادقة بمصاحبة نصف طلقة لنصفها.
فإن أراد فيها كالتي قبلها واللتين بعدها كل جزء من طلقة وقع ثنتان عملا بإرادته.
وقولي ولم يرد كل جزء من طلقة من زيادتي فيها وفي التي قبلها والتي بعدها، (أو) قال أنت طالق (ثلاثة أنصاف طلقة أو نصف طلقة وثلث طلقة فثنتان) نظرا في الاولى إلى زيادة النصف الثالث على الطلقة فيحسب من أخرى، وفي الثانية إلى تكرر لفظ طلقة مع العطف (أو) قال (لاربع أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثا أو أربعا وقع على كل) منهن (طلقة)
لان ما ذكر إذا وزع عليهن خص كلا منهن طلقة أو بعضها فتكمل، (فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن وقع) على كل منهن (في ثنتين ثنتان و) في (ثلاث وأربع ثلاث) عملا بقصده، وعند الاطلاق لا يحمل اللفظ على هذا التقدير لبعده عن الفهم (فإن قصد) بعليكن أو بينكن (بعضهن.
أي فلانة وفلانة مثلا (دين) فيقبل باطنا لا ظاهرا، لان ظاهر اللفظ يقتضي تشريكهن وإن قصد التفاوت بينهن كأن قال قصدت هذه بطلقتين وتوزيع الباقي على الباقيات قبل مطلقا.

(2/132)


فصل في الاستثناء (يصح استثناء) في الطلاق كغيره، (بشرطه السابق) في كتاب الاقرار وهو أن ينويه قبل الفراغ من المستثنى منه، وألا ينفصل بفوق نحو سكتة تنفس، وأن لا يستغرق وأن لا يجمع المفرق في الاستغراق، (فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة فواحدة) تقع لا ثلاث بناء على أنه لا يجمع المفرق في المستثنى منه.
ولا في المستثنى ولا فيهما كما مر.
وفي الاقرار فيلغو قوله، وواحدة لحصول الاستغراق بها (أو) قال أنت طالق (ثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث) لا ثنتان، بناء على ما ذكر فتكون الواحدة مستثناة من الواحدة فيلغو الاستثناء.
وتقدم في الاقرار أن الاستثناء من الاثبات نفي وعكسه (و) لهذا (لو قال) أنت طالق (ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة أو ثلاثا إلا ثلاثا إلا ثنتين أو خمسا إلا ثلاثا فثنتان).
والمعنى في الاول مثلا ثلاثا تقع إلا ثنتين تقعان إلا واحدة تقع فالمستثنى الثاني مستثنى من الاول، فيكون المستثنى في الحقيقة واحدة، (أو) قال أنت طالق (ثلاثا إلا نصف طلقة فثلاث) تكميلا للنصف الباقي بعد الاستثناء، (ولو عقب طلاقه) المنجز أو المعلق كأنت طالق، أو أنت طالق إن دخلت الدار (بإن شاء الله) أي طلاقك (أو إن لم يشأ الله) أي طلاقك (أو إلا أن يشاء الله) أي طلاقك، (وقصد تعليقه) بالمشيئة أو بعدمها (منع انعقاده)، لان المعلق عليه من مشيئة الله أو عدمها غير معلوم، ولان الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى محال ولو قال: أنت طالق إن شاء الله أو لم يشأ الله.
طلقت.
قاله العبادي وخرج بقصد التعليق، ما لو سبق ذلك إلى لسانه لتعوده به أو قصد به التبرك، أو أن كل
شئ بمشيئة الله تعالى، أو لم يعلم هل قصد التعليق أو لا أو أطلق فإنها تطلق وإن كان وضع ذلك للتعليق لانتفاء قصده كما أن الاستثناء موضوع للاخراج، ولا بد من قصده (ك) - ما يمنع التعقيب بذلك انعقاد (كل عقد وحل) كعتق منجزأ ومعلق ويمين ونذر وبيع وفسخ وصلاة،

(2/133)


(ولو قال يا طالق إن شاء الله وقع) نظرا لصورة النداء المشعر بحصول الطلاق حالته.
والحاصل لا يعلق بخلاف أنت طالق، فإنه كما قال الرافعي قد يستعمل عند القرب منه، وتوقع الحصول كما يقال للقريب من الوصول أنت واصل، وللمريض المتوقع شفاؤه قريبا أنت صحيح فينتظم الاستثناء في مثله، ولو قال أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله وقع طلقة، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين من اسمها طالق وغيره لكن جزم القاضي فيمن اسمها ذلك بأنه لا يقع.
فصل في الشك في الطلاق.
لو (شك في) وقوع (طلاق) منه منجز أو معلق كأن شك في وجود الصفة المعلق بها، (فلا) يحكم بوقوعه، لان الاصل عدم الطلاق وبقاء النكاح، (أو في عدد) كأن طلق وشك هل طلق واحدة أو أكثر (فالاقل) يأخذ به، لان الاصل عدم الزائد عليه (ولا يخفى الورع) فيما ذكر بأن يحتاط فيه لخبر دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
رواه الترمذي وصححه.
فإن كان الشك في أصل الطلاق الرجعي، راجع ليتيقن الحل أو البائن بدون ثلاث جدد النكاح، أو بثلاث أمسك عنها وطلقها، لتحل لغيره يقينا وإن كان الشك في العدد أخذ بالاكثر.
فإن شك في وقوع طلقتين أو ثلاث لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره، (ولو علق اثنان بنقيضين) كأن قال أحدهما إن كان ذا الطائر غرابا، فزوجتي طالق.
وقال الآخر: إن لم يكنه فزوجتي طالق (وجهل) الحال (فلا) يحكم بطلاق أحد منهما، لانه لو انفرد بما قاله لم يحكم بوقوع طلاقه فتعليق الآخر لا يغير حكمه، (أو) علق (واحد بهما لزوجتيه طلقت إحداهما) لوجود إحدى الصفتين، (ولزمه) مع اعتزاله عنهما، إلى تبين الحال لاشتباه المباحة بغيرها.
(بحث) عن
الطائر (وبيان) لزوجتيه إن أمكن أن يتضح له حال الطائر بعلامة فيه، يعرفها لتعلم المطلقة من

(2/134)


غيرها، فإن لم يكن لم يلزمه بحث ولا بيان (أو) علق بهما (لزوجته وعبده) كأن قال إن كان ذا الطائر غرابا فزوجتي طالق وإلا فعبدي حر وجهل الحال (منع منهما لزوال ملكه عن أحدهما، فلا يتمتع بالزوجة ولا يستخدم العبد ولا يتصرف فيه (إلى بيان) لتوقعه وعليه، مؤنتهما إليه، ويأتي مثله في مسألة الزوجتين (فإن مات) قبل بيانه (لم يقبل بيان وارثه) بقيد زدته بقولي، (إن اتهم) بأن بين الحنث في الزوجة فإنه متهم بإسقاط إرثها وإرقاق العبد (بل يقرع) بينهما فلعل القرعة تخرج على العبد، فإنها مؤثرة في العتق دون الطلاق، (فإن قرع) أي العبد أي خرجت القرعة عليه (عتق) بأن كان التعليق في الصحة أو في مرض الموت، وخرج من الثلث أو أجاز الوارث.
وترث الزوجة إلا إذا ادعت طلاقا بائنا (أو قرعت) أي الزوجة أي خرجت القرعة عليها (بقي الاشكال) إذ لا أثر للقرعة في الطلاق كما مر، والورع أن تترك الميراث أما إذا لم يتهم بأن بين الحنث في العبد، فيقبل بيانه لانه إنما أضر بنفسه (ولو طلق إحدى زوجتيه بعينها) كأن خاطبها بطلاق وحدها، أو نواها بقوله إحدا كما طالق (وجهلها) كأن نسيها أو كانت حال الطلاق في ظلمة، فهو أولى من قوله ثم جهلها (وقف) وجوبا الامر، من قربان وغيره.
(حتى يعلم) - ها (ولا يطالب ببيان) لها، (إن صدقتاه في جهله) بها لان الحق لهما فإن كذبتاه، وبادرت واحدة، وقالت أنا المطلقة لم يكفه في الجواب، نسيت أو لا أدري لانه الذي ورط نفسه بل يحلف أنه لم يطلقها، فإن نكل حلفت وقضى بطلاقها (ولو قال لزوجته وأجنبية إحدا كما طالق وقصد الاجنبية)، بأن قال قصدتها (قبل) قوله

(2/135)


(بيمينه) لاحتمال اللفظ لذلك.
وقولي بيمينه من زيادتي.
(لا إن قال زينب طالق) واسم زوجته زينب، (وقصد أجنبية) اسمها زينب فلا يقبل قوله ظاهرا، لانه خلاف الظاهر، (أو) قال (لزوجتيه
إحداكما طالق وقع) فلا يتوقف وقوعه على تعيين أو بيان، ولهذا منع منهما قبل ذلك (ووجب فورا) بقيد زدته بقولي، (في) طلاق (بائن تعيينها إن أبهم) - ها في طلاقه (وبيانها إن عين) - ها فيه لتعرف المطلقة منهما فإن أخر ذلك بلا عذر عصى فإن امتنع عزر، (و) وجب (اعتزالهما) لالتباس المباحة بغيرها، (ومؤنتهما) هو أعم من قوله ونفقتهما لحبسهما عنده حبس الزوجات (إلى تعيين أو بيان)، وإذا عين أو بين لا يسترد المصروف إلى المطلقة، لذلك.
أما الطلاق الرجعي فلا يجب فيه ذلك فورا لان الرجعية زوجة (والوطئ) لاحداهما (ليس تعيينا ولا بيانا) للطلاق في غيرها لاحتمال أن يطأ المطلقة، ولان ملك النكاح لا يحصل بالفعل ابتداء فلا يتدارك به ولذلك لا تحصل الرجعة بالوطئ، فتبقى المطالبة بالتعيين والبيان فلو عين الطلاق، في موطوءته لزمه المهر، وإن بين فيها.
وهي

(2/136)


بائن لزمه الحد والمهر، (ولو قال في بيانه أردت) للطلاق (هذه فبيان أو) أردت (هذه وهذه أو هذه بل هذه) أو هذه مع هذه أو هذه هذه (طلقتا ظاهرا)، لاقراره بطلاقهما بما قاله، ورجوعه بذكر بل عن الاقرار بطلاق الاولى لا يقبل.
وخرج بزيادتي ظاهرا الباطن.
فالمطلقة فيمن نواها فقط كما قاله الامام قال فإن نواهما جميعا فالوجه أنهما لا يطلقان أذ لا وجه لحمل إحدا كما عليهما جميعا ولو قال أردت هذه ثم هذه أو هذه فهذه حكم بطلاق الاولى فقط لفصل الثانية بالترتيب، أو قال أردت هذه أو هذه استمر الابهام وخرج ببيانه ما لو قال في تعيينه شيئا من ذلك فإنه يحكم بطلاق الاولى فقط، لان التعيين إنشاء اختيار لا إخبار عن سابق وليس له إلا اختيار واحدة فيلغو ذكر اختيار غيرها، (ولو ماتتا أو إحداهما قبل ذلك) أي قبل تعيين المطلق أو بيانه (بقيت مطالبته) به (لبيان) حكم (الارث)، وإن كانت إحداهما كتابية والاخرى والزوج مسلمين فيوقف من تركة كل منهما أو إحداهما نصيب زوج، إن توارثا فإذا عين أو بين لم يرث من المطلقة إن كان الطلاق بائنا ويرث من الاخرى، (ولو مات) قبل تعيينه أو بيانه ولو قبل موتهما أو موت إحداهما (قبل بيان وارثه لا تعيينه)، لان البيان إخبار يمكن وقوف الوارث
عليه، بخبر أو قرينة والتعيين اختيار شهوة فلا يخلفه الوارث فيه، فلو كانت إحداهما كتابية والاخرى والزوج مسلمين وأبهمت المطلقة فلا إرث.

(2/137)


(فصل) في بيان الطلاق السني وغيره، وفيه اصطلاحان: أحدهما وهو المشهور ينقسم إلى سني وبدعي ولا ولا وجريت عليه.
و ثانيهما ينقسم إلى سني وبدعي، وجرى عليه الاصل وفسر قائله السني السني بالجائز والبدعي بالحرام وقسم جماعة الطلاق إلى واجب، كطلاق المولى ومندوب كطلاق غير مستقيمة الحال، كسيئة الخلق ومكروه كمستقيمة الحال، وحرام كطلاق البدعة وأشار الامام إلى المباح بطلاق من لا تهواه ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها، وعلى الاول (طلاق موطوءة) ولو في دبر، (تعتد بأقراء سني إن ابتدأتها) أي الاقراء (عقبه) أي الطلاق، بأن كانت حائلا من زنا، وهي تحيض وطلقها مع آخر نحو حيض أو في طهر قبل آخره أو علق طلاقها بمضي بعضه أو بآخر نحو حيض، (ولم يطأها في طهر طلق) - ها (فيه أو علق) طلاقها (بمضي بعضه ولا) وطئها (في نحيض قبله ولا في نحو حيض طلق مع آخره أو علق به) أي بآخره، وذلك لاستعقابه الشروع في العدة، وعدم الندم فيمن ذكرت.
وقد قال تعالى: * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة، وفي الصحيحين أن ابن عمر طلق امرأته، وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تطهر فإن شاء أمسكها وأن شاء طلقها قبل أن يجامع، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء واختلف في علة الغاية بتأخير الطلاق إلى الطهر الثاني وإن لم يكن شرطا فقيل لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، لو طلق قي الطهر الاول حتى قيل إنه يندب الوطئ فيه وإن كان الاصح طلاقه، وقيل عقوبة وتغليظ (وإلا) بأن كانت حاملا من زنا، وهي لا تحيض من شبهة أو علق طلاقها بمضي بعض نحو حيض أو بآخر طهر، أو طلقها مع آخره أو في نحو حيض قبله أو في نحو حيض قبل
آخره أو وطئها في طهر طلقها فيه أو علق طلاقها بمضي بعضه، أو وطئها في نحو حيض قبله أو في نحو حيض طلق مع آخره أو علق به (فبدعى)، وإن سألته طلاقا بلا عوض أو اختلعها أجنبي، وذلك لمخالفته فيما إذا طلقها في حيض، قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) *.
وزمن الحيض لا يحسب من العدة، ومثله النفاس وزمن حمل زنا، لا حيض فيه وزمن حمل شبهة

(2/138)


وآخر طهر علق به الطلاق، أو طلق معه.
والمعنى في ذلك تضررها بطول مدة التربص، ولادائه فيما بقي إلى الندم عند ظهور الحمل، فإن الانسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر، هو والولد وألحقوا الوطئ في الحيض بالوطئ في الطهر، لاحتمال العلوق فيه وكون بقيته مما دفعته الطبيعة أولا وتهيأ للخروج، وألحقوا الوطئ في الدبر بالوطئ في القبل لثبوت النسب ووجوب العدة بهما واستدخال المني كالوطئ، وقولي أو علق بمضي بعضه مع نحو الاولى، ومع قولي ولا في نحو حيض طلق مع آخره، أو علق به ومع أشياء أخر من زيادتي.
ومن البدعي ما لو قسم لاحدى زوجتيه، ثم طلق الاخرى قبل المبيت عندها، فإنه يأثم كما ذكره الشيخان.
ويستثنى من الطلاق في زمن البدعة طلاق المولى، إذا طولب به.
وطلاق القاضي عليه وطلاق الحكمين في الشقاق، فليس ببدعي كما أنه ليس بسني.
(وطلاق غيرها) أي غير الموطوءة المذكورة بأن لم توطأ أو كانت صغيرة أو آيسة أو حاملا منه، (وخلع زوجة في) زمن (بدعة بعوض منها لا) سني (ولا) بدعى لانتفاء ما مر في السني، وفي البدعى، ولان افتداء المختلعة يقتضي حاجتها إلى الخلاص بالفراق، ورضاها بطول التربص، وأخذه العوض يؤكد داعية الفراق، ويبعد احتمال الندم.
والحامل وإن تضررت بالطول في بعض الصور فقد استعقب الطلاق شروعها في العدة، فلا ندم.
ومن هذا القسم طلاق المتحيرة، لانه لم يقع في طهر محقق ولا في حيض محقق، (والبدعي حرام) للنهي عنه والعبرة في الطلاق المنجز بوقته وفي المعلق بوقت وجود الصفة إلا إذا جهل وقوعه في زمن البدعة.
فالطلاق وإن كان بدعيا، لا إثم فيه (وسن لفاعله) إذا لم يستوف عدد الطلاق (رجعة)
لخبر عمر السابق، وفي رواية فيه مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا قبل أن يمسها إن أراد ويقاس بما فيه صور البدعي، وسن الرجعة ينتهي بزوال زمن البدعة (ولو قال أنت طالق لسنة أو طلقة حسنة أو أحسن طلاق أو أجمله، أو أنت طالق لبدعة أو طلقته قبيحة أو أقبح طلاق أو أفحشه (وهي في) حال (سنة) في الاربع الاول، (أو) في حال (بدعة) في الاربع الاخر، (طلقت) في الحال (وإلا) أي وإن لم تكن إذ ذاك في حال سنة في الاربع الاول ولا بدعة في الاربع الاخر، (فبالصفة) تطلق كسائر صور التعليق فإن نوى بما قاله تغليظا عليه بأن كانت في حال بدعة في الاربع الاول، أو سنة في الاربع الاخر ونوى الوقوع في الحال لان طلاقها في الاربع الاول حسن لسوء خلقها مثلا.
وفي الاربع الاخر قبيح لحسن خلقها مثلا وقع في الحال هذا كله إذا قاله لمن يكون طلاقها سنيا أو بدعيا.
فلو قاله لمن لا يتصف طلاقها بذلك وقع في الحال مطلقا ويلغو ذكر السنة والبدعة، (أو)

(2/139)


قال أنت طالق (طلقة سنية بدعية أو حسنة قبيحة وقع حالا) ويلغو ذكر الصفتين لتضادهما.
نعم إن فسر كل صفة بمعنى كالحسن من حيث الوقت والقبح، من حيث العدد قبل وإن تأخر الوقوع، لان ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخر الوقوع نقله الشيخان عن السرخسي وأقراه.
(وجاز جمع الطلقات) ولو دفعة لانتفاء المحرم له، والاولى له تركه بأن يفرقهن على الاقراء أو الاشهر ليتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم.
قال الزركشي واللام في الطلقات للعهد الشرعي، وهي الثلاث فلو طلق أربعا قال الروياني عزر وظاهر كلام ابن الرفعة أنه يأثم انتهى، (ولو قال) لموطوء أنت طالق (ثلاثا أو ثلاثا لسنة وفسر) ها (بتفريقها على أقراء) بأن قال أوقعت في كل قرء طلقة (قبل ممن يعتقد تحريم الجمع) للثلاث دفعة كمالكي لموافقة تفسيره لاعتقاده، (ودين غيره) أي وكل دينه فيما نواه فلا يقبل ظاهرا لمخالفته، مقتضى اللفظ وقوع الطلاق دفعة قي الحال في الاولى.
وفي الثانية إن كان طلاق المرأة فيه
سنيا وحين تطهر إن كان بدعيا ويعمل بما نواه باطنا إن كان صادقا بأن يراجعها ويطلبها ولها تمكينه إن ظنت صدقه بقرينة وإن ظنت كذبه، فلا وإن استوى الامر إن كره لها تمكينه.
وفي الثانية قال الشافعي رضي الله عنه له الطلب وعليها الهرب، (و) دين (من قال أنت طالق وقال أردت إن دخلت) الدار مثلا (أو إن شاء زيد) أي طلاقك بخلاف إن شاء الله، لانه يرفع حكم الطلاق وما قبله يخصصه بحال دون حال (و) دين (من قال نسائي طوالق أو كل امرأة لي طالق، وقال أردت بعضهن فيعمل بما أراده باطنا (ومع قرينة كأن) هو أولى من قوله بأن (خاصمته) زوجة له، (فقالت) له (تزوجت) على (فقال) منكرا لهذا (ذلك) أي نسائي طوالق أو كل امرأة لي طالق، وقال أردت غير المخاصمة يقبل ذلك منه رعاية للقرينة.
(فصل) في تعليق الطلاق بالاوقات وما يذكر معه لو (قال أنت طالق في شهر كذا أو) في (غرته أو أوله أو رأسه (وقع) الطلاق (بأول جزء منه)، وهو أول جزء من ليلته الاولى ووجه في شهر كذا بأن المعنى إذا جاء شهر كذا ومجيئه

(2/140)


يتحقق بمجئ أول جزء منه (أو) في (نهاره) أي شهر كذا (أو أول يوم منه فبفجر أوله) أي أول يوم منه على قياس ما مر، في (آخره) أو سلخه (فباخر جزء منه) يقع لانه السابق إلى الفهم دون أول النصف الآخر.
(ولو قال ليلا إذا مضى يوم) فأنت طالق (فبغروب شمس غده) تطلق إذ به يتحقق مضي اليوم، (أو) قاله (نهار فبمثل وقته من غده) تطلق، لان اليوم حقيقته في جميعه متواصلا أو متفرقا (أو) قال أذا مضى (اليوم) فأنت طالق، (وقاله نهارا فبغروب شمسه) تطلق وإن بقي منه حال التعليق لحظة، لانه عرفه فينصرف إلى اليوم الذي هو فيه، (أو) قاله (ليلا لغا) أي لا يقع به شئ إذ لا نهار حتى يحمل على المعهود، (كشهر وسنة) في حالتي التنكير والتعريف.
فيقع في أنت طالق إذا مضى شهر أو سنة بمضي شهر كامل أو سنة كاملة.
وفي أنت طالق إذا مضى الشهر أو السنة بمضي فيقع في الشهر بأول الشهر القابل وفي السنة بأول المحرم من السنة القابلة.
ومعلوم عدم تأتي الالغاء هنا أما
لو قال أنت طالق اليوم بالنصب، أو بغيره فيقع حالا ليلا كان أو نهارا لانه أوقعه، وسمى الزمان في الاولى بغير اسمه فلغت التسمية، (أو) قال (أنت طالق أمس وقع حالا) سواء أقصد وقوعه حالا مستند إلى أمس وعليه اقتصر الاصل أم قصد إيقاعه أمس، أم أطلق أو مات أو جن أو خرس قبل التفسير، ولا إشارة له مفهمة ولغا قصد الاستناد إلى أمس لاستحالته، (فإن قصد) بذلك (طلاقا في نكاح آخر وعرف أو) قصد (أنه طلق أمس وهي الآن معتدة حلف) فيصدق في ذلك عملا بالظاهر، وتكون عدتها في الثانية من أمس إن صدقته وإلا فمن وقت الاقرار فإن لم يعرف الطلاق المذكور في الاولى، لم يصدق وحكم بوقوع الطلاق حالا كما في الشرح الصغير.
ونقله الامام والبغوي عن الاصحاب، ثم ذكر الامام احتمالا جرى عليه في الروضة، تبعا لنسخ الرافعي السقيمة وهو أنه ينبغي أن يصدق لاحتماله (وللتعليق أدوات كمن وإن وإذا ومتى ومتى وما) بزيادة ما، (وكلما وأي) من نحو الدار من زوجاتي فهي طالق، وأي وقت دخلت الدار فأنت طالق.
وتعبيري بذلك أولى من قوله، وأدوات التعليق من إلى آخره، إذ الادوات غير محصورة في المذكورات، إذ منها ومهما وما وإذما وأياما وأين (ولا يقتضين) أي أدوات التعليق بالوضع (فورا) في المعلق عليه، (في مثبت) كالدخول (بلا عوض) أما به فيشترط الفور في بعضها للمعاوضة، نحو إن ضمنت أو أعطيت بخلاف نحو متى وأي (و) بلا (تعليق بمشيئتها) على ما يأتي بيانه في الفصل الآتي، (ولا) يقتضين (تكرارا) في المعلق عليه (إلا كلما) فتقتضيه وسيأتي التعليق بالمنفي

(2/141)


(فلو قال إذا طلقتك) أو أوقعت عليك طلاقي، (فأنت طالق فنجز) طلاقها (أو علق) - ه (بصفة فوجدت فطلقتان) تقعان (في موطوءة) واحدة بالتطليق بالتنجيز أو التعليق بصفة وجدت وأخرى بالتعليق به، (أو) قال (كلما وقع طلاقي) عليك فأنت طالق (فطلق فثلاث فيها) أي في موطوءة واحدة بالتنجيز وثنتان بالتعليق بكلما أو واحدة بوقوع المنجزة، وأخرى بوقوع هذه الواحدة (وطلقة في غيرها) أي غير الموطوءة في المسألتين، لانها تبين بالمنجزة فلا يقع المعلق بعدها (أو) قال وتحته أربع وله عبيد (إن طلقت واحدة) منهن (فعبد) من عبيدي، (حر وإن)
طلقت (ثنتين) منهن (فعبدان) من عبيدي حران، (وإن) طلقت (ثلاثا) منهن (فثلاثة) من عبيدي أحرار (وإن) طلقت (أربعا) منهن (فأربعة) من عبيدي أحرار (فطلق أربعا) معا أو مرتبا (عتق) من عبيده (عشرة) مبهمة واحد بطلاق الاولى واثنان بطلاق الثانية وثلاثة بطلاق الثالثة وأربع بطلاق الرابعة.
ومجموع ذلك عشرة وعليه تعيينهم ولو عطف المعلق بثم أو بالفاء بدل الواو لم يعتق إلا ثلاثة إذ بطلاق الاولى يعتق عبد فإذا طلق الثانية لم يعتق شئ لا بصفة الواحدة ولا بصفة الثنتين، فإذا طلق الثالثة صدقت بصفة الثنتين، ولا يتصور بعد ذلك وجود ثلاثة ولا أربعة وكان سائر أدوات التعليق غير كلما (ولو علق بكلما) ولو في التعليقين الاولين فقط، (فخمسة عشر) عبدا لاقتضائها التكرار فيعتق واحد بطلاق الاولى، وثلاثة بطلاق الثانية، لانه صدق به طلاق واحدة وطلاق ثنتين وأربعة بطلاق الثالثة، لانه صدق به طلاق واحدة وطلاق ثلاث وسبعة بطلاق الرابعة، لانه به طلاق واحدة وطلاق ثنتين غير الاوليين وطلاق أربع.
ولو قال كلما صليت ركعة فعبمن عبيدي حر وهكذا إلى عشرة عتق سبعة وثمانون.
وإن علق بغير كلما فخمس وخمسو (ويقتضين) أي الادوات، (فورا في منفى إلا إن) فلا تقتضيه (فلو قال) أنت طالق (إن لم تدخلي) الدار، (لم يقع) أي الطلاق (إلا باليأس) من الدخول كأن ماتت قبله فيحكم بالوقوع قبيل الموت بخلاف ما لو علق بغير إن كإذا فإنه يقع الطلاق بمضي زمن يمكن فيه الدخول من وفت التعليق، ولم تدخل والفرق أن إن حرف شرط لا اشعار له بالزمان وإذا ظرف زمان، كمتى في التناول للاوقات، فإذا قيل متى ألقاك صح أن تقول متى شئت أو أذا شئت ولا يصح إن شئت، فقوله إن لم تدخلي الدار معناه، إن فاتك دخولها وفواته باليأس وقوله إذا لم تدخلي الدار فأنت طالق معناه أي وقت فاتك الدخول فيقع الطلاق بمضي زمن يمكن فيه الدخول، ولم تدخل فلو قال: أردت بإذا ما يراد بإن قبل باطنا، وكذا ظاهرا في الاصح، (أو) قال أنت طالق (إن دخلت) الدار (أو أن لم تدخلي بالفتح) للهمزة (وقع) الطلاق (حالا)، لان المعنى للدخول أو لعدمه

(2/142)


بتقدير لام التعليل، كما في قوله تعالى: * (أن كان ذا مال وبنين) * وسواء كان فيما علل به صادقا أم كاذبا، هذا (أن عرف نحوا وإلا) بأن لم يعرفه (فتعليق) لان الظاهر قصده له وهو لا يميز بين إن وأن ولو قال أنت طالق، إذ طلقتك أو أن طلقتك بالفتح، حكم بوقوع طلقتين واحدة بإقراره وأخرى بايقاعه في الحال، لان المعنى أنت طالق لاني طلقتك.
(فصل) في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما لو (علق) الطلاق (بحمل) كقوله إن كنت حاملا فأنت طالق، (فإن ظهر) أي الحمل بها بأن ادعته وصدقها الزوج أو شهد به رجلان بناء على أن الحمل يعلم (أو) لم يظهر بها حمل لكن (ولدته لدون ستة أشهر من التعليق أو) لاكثر منه، و (لاربع سنين فأقل) منه (ولم توطأ وطئا يمكن كون الحمل منه) بأن لم توطأ مع التعليق، ولا بعده أو وطئت حينئذ وطئا لا يمكن كون الحمل منه كأن ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ، (بان وقوعه) من التعليق لتبين الحمل من حينئذ، ولهذا حكمنا بثبوت النسب (وإلا) بأن ولدته لاكثر من أربع سنين أو لدونه، وفوق دون ستة أشهر ووطئت من زوج أو غيره وطئا يمكن كون الحمل منه (فلا) طلاق لتبين انتفاء الحمل في الاولى إذ أكثر مدته أربع سنين ولاحتمال كون الحمل من ذلك الوطئ في الثانية.
والاصل بقاء النكاح والتمتع بالوطئ وغيره فيهما جائز، لان الاصل عدم الحمل وبقاء النكاح لكن يسن له اجتنابها حتى يستبرئها احتياط، (ولو قال إن كنت حاملا بذكر فطلقة) أي فأنت طالق طلقة (و) إن كنت حاملا (بأنثى فطلقتين فولدتهما) معا أو مرتبا وكان بينهما دون ستة أشهر (فثلاث) تقع لتبين وجود الصفتين، وإن ولدت ذكرا فأكثر فطلقة أو أنثى فأكثر فطلقتان أو خنثى فطلقة ووقفت أخرى لتبين حاله، وتنقضي العدة في الصور المذكورة بالولادة، (أو) قال (إن كان حملك) أو ما في بطنك (ذكرا فطلقة إلى آخره) أي وإن كان أنثى فطلقتين فولدتهما (فلغو) أي فلا طلاق، لان قضية اللفظ كون جميع الحمل أو ما في بطنها ذكرا أو أنثى فإن ولدت ذكرين أو أنثنين وقع الطلاق.
وتعبيري في هذه والتي قبلها بالواو أولى من تعبيره بأو (أو) قال (إن ولدت) فأنت طالق (فولدت اثنين
مرتبا طلقت بالاول) أي بخروجه كله لوجود الصفة، (وانقضت عدتها بالثاني) سواء أكان من حمل الاول بأن كان بين وضعيها دون ستة أشهر أم من حمل آخر بأن وطئها بعد ولادة الاول، وأتت بالثاني لاربع سنين فأقل وخرج بمرتبا ما لو ولدتهما معا فإنها وإن طلقت واحدة لا

(2/143)


تنقضي العدة بهما، ولا بواحد منهما بل تشرع في العدة من وضعهما (أو) قال (كلما ولدت) فأنت طالق (فولدت ثلاثة مرتبا وقع بالاولين طلقتان وانقضت عدتها بالثالث) ولا تقع به طلقة ثالثة، إذ به يتم انفصال الحمل الذي تنقضي به العدة فلا يقارنه طلاق.
وخرج بالتصريح بزيادتي مرتبا ما لو ولدتهم معا فتطلق ثلاثا إن وى ولدا أو إلا فواحدة وتعتد بالاقراء، فإن ولدت أربعا مرتبا وقع ثلاث بولادة ثلاث وتنقضي عدتها بالرابع.
(أو) قال (لاربع) حوامل كلما ولدت واحدة منكن (فصواحبها طوالق فولدت معا طلقن ثلاثا ثلاثا) لان لكل منهن ثلاث صواحب فيقع بولادتها على كل من الثلاث طلقة ولا يقع بها على نفسها شئ ويعتددن جميعا بالاقراء وصواحب جمع صاحبة كضاربة، وضوارب وقولي كالاصل ثلاثا الثاني دافع لاحتمال إرادة طلاق المجموع ثلاثا، (أو) ولدن (مرتبا طلقت الرابعة ثلاثا) بولادة كل من صواحبها الثلاث طلقة، وانقضت عدتها بولادتها (كالاولى فإنها) تطلق ثلاثا بولادة كل من صواحبها طلقة، (إن بقيت عدتها) عند ولادة الرابعة.
(و) طلقت (الثانية طلقة) بولادة الاولى (والثالثة طلقتين) بولادة الاولى، والثانية (وانقضت عدتهما) أي الثانية والثالثة (بولادتهما) أي إن لم يتأخر ثاني توأميهما إلى ولادة الرابعة، وإلا طلقتا ثلاثا ثلاثا، والاولى تعتد بالاقراء ولا تستأنف عدة للطلقة الثانية، والثالثة بل تبني على ما مضى من عدتها وشرط انقضاء العدة بوضع الولد لحوقه بالزوج كما يعرف من محله، (أو) ولدن (ثنتان معا ثم ثنتان معا وعدة الاوليين باقية طلقتا) أي الاوليان (ثلاثا ثلاثا) أي طلق كل منهما ثلاثا بولادة كل من صواحبها الثلاث طلقة (والاخريان طلقتين طلقتين) أي طلق كل منهما طلقتين بولادة الاوليين، ولا يقع عليها بولادة الاخرى شئ وتنقضي عدتهما بولادتهما وخرج بزيادتي وعدة
الاوليين باقية ما لو لم تبق إلى ولادة الاخريين فإنه لا يقع على من انقضت عدتها إلا طلقة واحدة، وإن ولدت ثلاث معا ثم الرابعة طلب كل منهن ثلاثا وإن ولدت واحدة ثم ثلاث معا طلقت الاولى ثلاثا وكل من الباقيات طلقة، وإن ولدت ثنتان مرتبا ثم ثنتان معا طلقت الاولى ثلاثا والثانية طلقة والاخريان طلقتين طلقتين.
وإن ولدت ثنتان معا ثم ثنتان مرتبا طلق كل من الاوليين والرابعة ثلاثا، والثالثة طلقتين وإن ولدت واحدة ثم ثنتان معا ثم واحدة طلق كل من الاولى والرابعة ثلاثا وكل من الثانية والثالثة طلقة وتبين كل منهما بولادتهما، (أو) قال (إن حضت) فأنت طالق (طلقت بأول حيض مقبل) فلو علق في حال حيضها، لم تطلق حتى تطهر، ثم تشرع في الحيض فإن انقطع الدم قبل يوم وليلة، تبين أن الطلاق لم يقع

(2/144)


(أو) إن حضت (حيضة) فأنت طالق، (فبتمامها مقبلة) تطلق لانه قضية اللفظ وهذه والتي قبلها من زيادتي.
(وحلفت على حيضها المعلق به طلاقها وإن خالفت عادتها بأن ادعته، فأنكره الزوج فتصدق فيه لانها أعرف منه به وتعسر إقامة البينة عليه فإن الدم وإن شوهد لا يعرف إنه حيض لجواز كونه دم استحاضة، بخلاف حيض غيرها وهو ظاهر وبخلاف حيضها المعلق، به طلاق ضراتها كما يعلم مما يأتي أيضا إذ لو صدقت فيه بيمينها لزم الحكم للانسان بيمين غيره، وهو ممتنع فيصدق الزوج جريا على الاصل في تصديق المنكر، بيمينه (لا) على (ولادتها) المعلق بها الطلاق، بأن قالت ولدت وأنكر الزوج، وقال هذا الولد مستعار لامكان إقامة البينة عليها (أو) قال لزوجتيه (إن حضتما فأنتما طالقان فادعتاه وكذبهما حلف)، فلا طلاق لان طلاق كل منهما معلق بحيضهما، ولم يثبت وإن صدقهما طلقتا، (أو) كذب (واحدة) فقط (طلقت) فقط إن حلفت أنها حاضت لثبوت حيضها بيمينها وحيض ضرتها بتصديق الزوج لها والمصدقة لا يثبت في حقها حيض ضرتها بيمينها لان اليمين لا تؤثر في حق غير الحالف كما مر، فلم تطلق (أو) قال (إن أو متى) مثلا (طلقتك أو ظاهرت منك أو اليت أو لاعنت أو فسحت)
النكاح بعيبك مثلا، (فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد المعلق به) من التطليق أو غيره (وقع المنجز) دون المعلق، لانه لو وقع لم يقع المنجز لاستحالة وقوعه على غير زوجة وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق، لانه مشروط به فوقوعه محال بخلاف وقوع المنجز إذ قد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب كما لو علق عتق سالم بعتق غانم ثم أعتق غانما في مرض موته ولا يفي ثلث ماله إلا بأحدهما لا يقرع بينهما بل يتعين عتق غانم وشبه هذا بما لو أقر الاخ بابن الميت يثبت النسب دون الارث أو قال إن وطئتك وطئا (مباحا فأنت طالق قبله، ثم وطئ لم يقع) طلاق لانه لو وقع لخرج الوطئ عن كونه مباحا، وخروجه عن ذلك محال وسواء أذكر ثلاثا أم لا، (أو علق بمشيئتها خطابا اشترطت) أي مشيئتها (فورا) بأن تأتي بها في مجلس التواجب، لتضمن ذلك تمليكها الطلاق، كطلقي نفسك وهذا (في غير نحو متى)، أما فيه فلا يشترط الفورو التقييد بهذا من زيادتي هنا.
وإن ذكر الاصل حكم إن في الفصل السابق أما لو علقه بمشيئتها غيبة، كأن قال زوجتي طالق إن شاءت وإن كانت حاضرة أو بمشيئة غيرها كأن قال له إن شئت فزوجتي طالق فلا يشترط المشيئة فورا لانتفاء التمليك في الثانية، وبعده في الاولى.
بانتفاء الخطاب فيه، (ويقع) الطلاق ظاهرا وباطنا (بقول المعلق بمشيئته) من زوجة أو غيرها (شئت)

(2/145)


حالة كونه، (غير صبي ومجنون ولو) سكران أو (كارها) بقلبه إذ لا يقصد التعليق بما في الباطن لخفائه، بل اللفظ الدال عليه.
وقد وجد، أما مشيئة الصبي والمجنون المعلق بها الطلاق فلا يقع بها إذ لا اعتبار بقولهما في التصرفات.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (ولا رجوع لمعلق) قبل المشيئة نظرا إلى أنه تعليق الظاهر وإن تضمن تمليكا، كما لا يرجع في التعليق بالاعطاء قبله وإن كان معاوضة (ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء زيد طلقة فشاءها) ولو في أكثر منها (لم تطلق) نظرا إلى أن المعنى إلا أن يشاءها فلا تطلقين، كما لو قال إلا أن يدخل زيد الدار فدخلها، ولو قال أردت بالاستثناء وقوع طلقة إذا شاءها وقعت طلقة أو أردت عدم وقوعها إذا شاءها،
فطلقتان لانه غلظ على نفسه (كما) لا تطلق فيما (لو علقه بفعله) كدخوله الدار (أو بفعل من يبالي بتعليقه) بأن يشق عليه حنثه لصداقة أو نحوها (وقصد) المعلق (إعلامه به) وإن لم يعلم المبالي بالتعليق، (ففعل) المعلق بفعله من نفسه أو غيره (ناسيا) للتعليق (أو) ذاكرا له (مكرها) على الفعل (أو) مختارا (جاهلا) بأنه المعلق عليه.
وهذه من زيادتي وذلك لخبر ابن ماجه

(2/146)


وصححه ابن حبان والحاكم.
إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أي لا يؤاخذهم بها، ما لم يدل على خلافه كضمان المتلف، فالفعل معها كلا فعل فإن لم يبال بتعليقه كالسلطان والحجيج أو كان يبالي به.
ولم يقصد المعلق إعلامه طلقت بفعله، لان الغرض حينئذ مجرد التعليق بالفعل، من غير أن ينضم إليه قصد إعلامه به الذي قد يعبر عنه بقصد منعه من الفعل، وإفادة طلاقها فيما إذا لم يقصد إعلامه به، وعلم به المبالي من زيادتي.
وكذا عدم طلاقها فيما إذا قصد إعلامه به، وهو مفهوم كلام الروضة.
وأصلها وكلام الاصل مؤول هذا كله كما رأيت إذا حلف على فعل مستقبل، أما لو حلف على نفي شئ وقع جاهلا به أو ناسيا له كما لو حلف أن زيدا اليس في الدار وكان فيها ولم يعلم به أو علمه ونسي فلا طلاق وإن قصد أن الامر كذلك في الواقع، خلافا لابن الصلاح وقد أوضحته في شرح الروض.
(فصل) في الاشارة للطلاق بالاصابع وفي غيرها لو (قال) لزوجته (أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد إلا مع نيته) عند قوله طالق، ولا اعتبار بالاشارة هنا ولا بقوله أنت هكذا وأشار بما ذكر (أو) مع قوله (هكذا) وإن لم ينو عددا فتطلق في أصبعين طلقتين، وفي ثلاث ثلاثا، لان ذلك صريح فيه.
ولا بد أن تكون

(2/147)


الاشارة مفهمة لذلك نقله في الروضة.
عن الامام وأقره (فإن قال أردت) بالاشارة بالثلاث الاصبعين (المقبوضتين حلف) فيصدق في ذلك فلا يقع أكثر من طلقتين لاحتمال ذلك، لا إن
قال أردت إحداهما لان الاشارة مع اللفظ صريحة في العدد كما مر فلا يقبل خلافها (ولو علق عبد طلقتيه بصفة و) علق (سيده حريته بها) كأن قال لزوجته إذا مات سيدي، فأنت طالق طلقتين وقال سيده له إذا مت فأنت حر، (فعتق بها) أي بالصفة وهي في المثال موت سيده، بأن خرج من ثلث ماله أو أجاز الوارث (لم تحرم) عليه، فله الرجعة في العدة.
وتجديد النكاح بعد انقضائها قبل زوج آخر.
ومعلوم أن الطلاق والعتق وقعا معا، لكن غلب العتق لتشوف الشارع إليه فكأنه تقدم كما لو أوصى بمستولدته أو مدبره حيث تصح الوصية مع ما ذكر فإن لم يخرج العبد من الثلث ولم يجز الوارث.
بقي رق ما زاد عليه.
وحرمت عليه لانه المبعض كالقن في عدد الطلاق كما مر.
وتحرم عليه أيضا إن لم يعتق بتلك الصفة بل بأخرى متأخرة.
كأن قال أنت طالق طلقتين في آخر جزء من حياة سيدي.
وقال سيده إذا مت فأنت حر ثم مات سيده.
وتعبيري بالصفة أعم من تعبيره بموت السيد (ولو نادى زوجة) له (فأجابته أخرى فقال) لها، (أنت طالق وظنها المناداة) أو غيرها المفهوم بالاولى، ولم يقصد فيهما طلق المناداة (لانها خوطبت بالطلاق (لا المناداة) لانها لم تخاطب به، ولا قصد طلاقها وظن خطابها به لا يقتضي وقوعه، عليه فإن قصد طلاقها طلقت مع الاخرى، (ولو علق بغير كلما بأكل رمانة وبنصف) كأن قال إن أكلت رمانة فأنت طالق، وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق، (فأكلت رمانة فطلقتان) لوجود الصفتين بأكلها، فإن علق بكلما فثلاث، لانها أكلت رمانة مرة ونصف رمانة مرتين.
وقولي بغير كلما من زيادتي (والحلف) بالطلاق أو غيره فهو أعم من قوله.
والحلف بالطلاق (ما تعلق به حث) على فعل، (أو منع) منه لنفسه أو غيره (أو تحقيق خبر) ذكره الحالف، أو غيره ليظهر صدق المخبر فيه، (فإذا قال إن حلفت بطلاق فأنت طالق ثم قال إن لم تخرجي أو إن خرجت، أو إن لم يكن الامر كما قلت فأنت طالق وقع المعلق بالحلف)، لان ما قاله حلف بأقسامه السابقة، (لا إن قال) بعد التعليق بالحلف، (إذا طلعت الشمس أو جاء الحاج) فأنت طالق، فلا يقع المعلق بالحلف، لانه ليس بحث ولا منع ولا تحقيق خبر (ويقع الآخر بصفته) من الخروج، أو عدمه أو عدم كون

(2/148)


الامر، كما قاله وهي في العدة أو من طلوع الشمس، أو مجئ الحاج (ولو قيل له استخبارا أطلقتها) أي زوجتك، (فقال نعم فإقرار به) أي بالطلاق فإن كان كذبا، فهي زوجته في الباطن، (فإن قال أردت) طلاقا (ماضيا وراجعت) بعده (حلف) فيصدق في ذلك.
وإن قال بدل قوله وراجعت وبانت وجددت نكاحها فكما مر، فيما لو قال أنت طالق أمس، وفسر بذلك (أو قيل) له (ذلك التماسا لانشاء فقال نعم) أو نحوها مما يرادفها كجير وأجل، (فصريح) فيقع حالا لان نعم أو نحوها قائم مقام طلقتها.
المراد لذكره في السؤال ولو جهل حال السؤال، قال الزركشي فالظاهر أنه استخبار.
(فصل) في أنواع من تعليق الطلاق لو (علق) - ه (بأكل رمانة أو رغيف) كأن قال إن أكلت هذه الرمانة أو هذا الرغيف أو رمانة أو رغيفا، فأنت طالق (فبقي) من ذلك بعد أكلها له (حبة أو لبابة) لم يقع الطلاق كما سيأتي لانه يصدق أنها لم تأكل الرمانة أو الرغيف، نعم قال الامام إن بقي فتات يدق مدركه بأن لا يكون له موقع فلا أثر له في بر ولا حنث نظرا للعرف، (أو) علقه (ببلعها تمرة بفيها وبرميها ثم بإمساكها)، كأن قال إن بلعتها فأنت طالق، وإن رميتها فأنت طالق، وإن أمسكتها فأنت طالق، (فبادرت) مع فراغه من التعاليق (بأكل بعض) منها (أو رميه) لم يقع اتباعا للفظ بخلاف، ما لو تقدمت يمين الامساك أو توسطت أو أخرت الزوجة، أكل البعض أو رميه، فلا تخلص بذلك لحصول الامساك.
وقولي وبرميها مع قولي، أو رميه أولى من قوله ثم برميها مع قوله ورمى بعض إذ لا يشترط تأخير التعليق برميها عن التعليق بابتلاعها ولا الجمع بين أكل بعضها أو رمي بعضها (أو) علقه، (بعدم تمييز نواه عن نواها) المختلطين، كأن قال إن لم تميزي نواي عن نواك فأنت طالق، (ففرقته) بأن جعلت كل نواة وحدها (أو) بعدم (صدقها في تهمة سرقة)، كأن قال وقد اتهمها بها إن لم تصدقيني فأنت طالق (فقالت سرقت ما سرقت أو) بعدم (إخبارها بعدد حب) كأن قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة، فأنت طالق (فذكرت ما) أي عددا (لا تنقص عنه ثم واحدا واحدا إلى ما لا يزيد عليه، كأن تذكر مائة ثم تزيد واحدا واحدا فتقول مائة وواحد مائة واثنان، وهكذا حتى تبلغ ما يعلم أنها لا تزيد عليه

(2/149)


(أو) لعدم (إخبار كل من ثلاث) من زوجاته، (بعدد ركعات الفرائض) كأن قال لهن من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الفرائض اليوم، والليلة فهي طالق (فقالت واحدة سبع عشرة) أي في الغالب، (وأخرى خمس عشرة) أي ليوم الجمعة (وثالثة إحدى عشر) أي لمسافر (ولم يقصد تعيينا في) هذه المسائل، (الاربع لم يقع) طلاق اتباعا للفظ في الاولى، ولصدق المخاطبة في أحد الاخبارين في الثانية ولاخبارها بعدد الحب، في الثالثة ولصدقهن فيما ذكرن من العدد في الرابعة بخلاف ما إذا قصد تعيينا فلا يخلص بذلك.
والتقييد بعدم قصد التعيين في الرابعة من زيادتي، (أو) علقه (بنحو حين) كزمان كأن قال أنت طالق إلى حين أو زمان أو بعد حين أو زمان (وقع بمضي لحظة) لصدق الحين، والزمان بها وإلى بمعنى بعد، وفارق ذلك والله لاقضين حقك إلى حيث لا يحنث بمضي لحظة، بأن الطلاق إنشاء ولاقضين وعد فيرجع فيه إليه (أو) علقه (برؤية زيد أو لمسه أو قذفه تناوله) التعليق (حيا وميتا).
أما في الرؤية واللمس فظاهر، وأما في القذف فلان قذف الميت كقذف الحي، في الاثم والحكم ويكفي رؤية بعض البدن، ولمسه ولا يكفي رؤية الشعر، والظفر والسن ولا لمسها (لا بضربه) المعلق به الطلاق فلا يتناوله التعليق ميتا، لان القصد في التعليق بالضرب الايلام، والميت لا يحس بالضرب حتى يتألم به، (ولو خاطبته بمكروه كيا سفيه يا خسيس فقال) لها (إن كنت كذا) أي سفيها وخسيسا، (فأنت طالق فإن قصد) بذلك (مكافأتها) بإسماع ما تكره، أي إغاظتها بالطلاق كما أغاظته بما يكرهه، (وقع) حالا وإن لم يكن سفيها أو خسيسا، (وإلا) بأن قصد تعليقا أو أطلق (فتعليق) فلا يقع إلا بوجود الصفة نظرا لوضع اللفظ، (والسفيه من به مناف لاطلاق التصرف)، كأن يبلغ مبذرا يضع المال في غير وجهه الجائز (والخسيس من باع دينه بدنياه)، بأن يتركه باشتغاله بها قال الشيخان (ويشبه أنه من يتعاطى غير لائق به بخلا) بما يليق به لا زهدا ولا تواضعا، وأخس الاخساء من باع دينه بدنيا غيره، (والبخيل من لا يؤدي زكاة أو لا يقري ضيفا) هذا من زيادتي.

(2/150)


كتاب الرجعة هي لغة المدة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق بائن في العدة كما يؤخذ مما سيأتي.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة إن أرادوا إصلاحا أي رجعة وقوله: * (الطلاق مرتان) * الآية.
وقوله (صلى الله عليه وسلم) لعمر مره فليراجعها كما مر، (أركانها) ثلاثة (صيغة ومحل ومرتجع وشرط فيه) مع الاختيار المعلوم من كتاب النكاح، (أهلية نكاح بنفسه) وإن توقف على إذن فتصح رجعة سكران، وعبد وسفيه ومحرم لا مرتد وصبي ومجنون ومكره ووجه إدخال المحرم أنه أهل للنكاح.
وإنما الاحرام مانع ولهذا لو طلق من تحته حرة، وأمة الامة صحت رجعته لها مع أنه ليس أهلا لنكاحها، لانه أهل للنكاح في الجملة (فلولى من جن) وقد وقع عليه طلاق (رجعة حيث يزوجه) بأن يحتاج إليه كما مر.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بالمراد) وفي معناه ما مر في الضمان وذلك إما صريح (وهو رددتك إلي ورجعتك وارتجعتك وراجعتك وأمسكتك) لشهرتها في ذلك، وورودها في الكتاب والسنة وفي معناها سائر ما اشتق من مصادرها كأنت مراجعة وما كان بالعجمية.
وإن أحسن العربية ويسن في ذلك الاضافة كأن يقول إلي أو إلى نكاحي إلا رددتك، فإنه يشترط فيه ذلك كما علم (أو كناية كتزوجتك ونكحتك) لانهما صريحان في العقد، فلا يكونان صريحين في الرجعة، لان ما كان صريحا في شئ لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار، وعلم مما ذكر أن صرائح الرجعة منحصرة فيما ذكر وبه صرح في الروضة.
وأصلها بخلاف كنايتها (وتنجيز وعدم توقيت) فلو قال راجعتك إن شئت، فقالت شئت أو راجعتك شهرا لم تحصل الرجعة والثانية من زيادتي.
(وسن إشهاد) عليها خروجا من خلاف من أوجبه وإنما لم يجب لانها في حكم استدامة النكاح، السابق والامر به في آية: * (فإذا أبلغن أجلهن) *، محمول على الندب، كما في
قوله: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *، وإنما وجب الاشهاد على النكاح، لاثبات الفراش وهو

(2/151)


ثابت هنا، والتصريح بسن الاشهاد من زيادتي.
وبما تقرر علم أن الرجعة تحصل بفعل غير الكتابة، وإشارة الاخرس المفهمة، كوطئ ومقدماته وإن نوى به الرجعة لعدم دلالته عليها وكما لا يحصل به النكاح، ولان الوطئ يوجب العدة، فكيف يقطعها واستثنى منه وطئ الكافر ومقدماته، إذا كان ذلك عندهم رجعة وأسلموا أو ترافعوا إلينا، فنقرهم كما نقرهم على الانكحة الفاسدة بل أولى.
(و) شرط (في المحل كونه زوجة موطوءة) ولو في الدبر، (معينة) هو من زيادتي، (قابلة لحل مطلقة مجانا لم يستوف عدد طلاقها) فلا رجعة، بعد انقضاء عدتها لانها صارت أجنبية ولا قبل الوطئ، إذ لا عدة عليها وكالوطئ استدخال الماء ولا في مبهمة، كأن طلق إحدى زوجتيه مبهما ثم راجع المطلقة، قبل تعيينها إذ ليست الرجعة في احتمال الابهام كالطلاق لشبهها بالنكاح وهو لا يصح معه ولا في حال ردتها كما في حال ردته، وإن عاد المرتد إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها، لان مقصود الرجعة الاستدامة وما دام أحدهما مرتدا لا يجوز التمتع بها، ولا في فسخ، لان الفسخ إنما شرع لدفع الضرر فلا يليق به جواز الرجعة، ولا في طلاق بعوض لبيونتها كما مر، في باب الخلع، ولا في طلاق استوفى عدده لذلك ولئلا يبقى النكاح بلا طلاق، (وحلفت في انقضاء العدة بغير أشهر) من أقراء أو وضع إذا أنكره الزوج فتصدق في ذلك، (إن أمكن) وإن خالفت عادتها، لان النساء مؤتمنات على أرحامهن.
وخرج بانقضاء العدة غيره كنسب واستيلاد، فلا يقبل قولها إلا ببينة وبغير الاشهر انقضاؤها بالاشهر، وبالامكان ما إذا لم يمكن لصغر أو يأس أو غيره فيصدق بيمينه، (ويمكن) انقضاؤها (بوضع لتام بستة أشهر ولحظتين) لحظة، للوطئ ولحظة للوضع، (من) حين (إمكان اجتماعهما) بعد النكاح، هذا أولى من قوله من النكاح (ولمصور بمائة وعشرين) يوما (ولحظتين) من إمكان اجتماعهما، (ولمضغة بثمانين) يوما (ولحظتين) من إمكان اجتماعهما، وقد بينت أدلة ذلك في شرح
الروض.
(و) يمكن انقضاؤها (بإقراء لحرة طلقت في طهر سبق بحيض باثنين وثلاثين) يوما (ولحظتين) لحظة للقرء الاول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة وذلك بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيض لحظة، (وفي حيض بسبعة وأربعين) يوما (ولحظة) من حيض رابعة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض، ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة،

(2/152)


(ولغير حرة) من أمة أو مبعضة فهو أعم من قوله أو أمة، (طلقت في طهر سبق بحيض بستة عشر) يوما ولحظتين) بأن يطلقها، وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، (وفي حيض بأحد وثلاثين) يوما (ولحظة) بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر وتحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة.
فإن جهلت المطلقة أنها طلقت في حيض أو طهر حمل أمرها على الحيض للشك في انقضاء العدة والاصل بقاؤها قاله الصيمري وغيره وخرج بزيادتي سبق بحيض ما لو طلقت في طهر لم يسبقه حيض فأقل إمكان انقضاء الاقراء للحرة ثمانية وأربعون يوما، ولحظة لان الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء لكونه غير محتوش بدمين ولغيرها اثنان وثلاثون يوما ولحظة.
واعلم أن اللحظة الاخيرة في جميع صور انقضاء العدة بالاقراء لتبين تمام القرء الاخير، لا من العدة فلا رجعة فيها، وأن الطلاق في النفاس كهو في الحيض (ولو وطئ) الزوج (رجعة واستأنفت عدة) من الفراغ من وطئ (بلا حمل راجع فيما كان بقي) من عدة الطلاق، دون ما زاد عليها للوطئ فلو وطئها بعد مضي قرأين استأنفت للوطئ ثلاثة أقراء ودخل فيها ما بقي من عدة الطلاق، والقرء الاول واقع عن العدتين فيراجع فيه والاخيران متحمضان لعدة الوطئ فلا رجعة فيهما.
وتعبيري بعدة بلا حمل أعم من تعبيره بالاقراء لشمولها ما لو كانت تعتد بالاشهر، وخرج بقولي واستأنفت ما لو كانت حاملا وبقولي بلا حمل ما
لو أحبلها بالوطئ، فإنه يراجعها فيهما ما لم تضع لوقوع عدة الحمل عن الجهتين كالباقي من الاقراء أو الاشهر (وحرم) عله (تمتع بها) أي بالرجعية بوطئ وغيره، لانها مفارقة كالبائن (وعزر معتقد تحريمه) لاقدامه على معصية عنده، فلا حد عليه بوطئ لشبهة اختلاف العلماء في حصول الرجعة به، وذكر التعزير في غير الوطئ من زيادتي هنا، (وعليه بوطئ مهر مثل) وإن راجع بعده لانها في تحريم الوطئ، كالبائن فكذا في المهر بخلاف ما لو وطئ زوجته في الردة، ثم أسلم المرتد، لان الاسلام يزيل أثر الردة والرجعة لا تزيل أثر الطلاق (وصح ظهار وإيلاء ولعان) منها لبقاء الولاية عليها بملك الرجعة لكن لا حكم للاولين، حتى يراجع بعدهما كما سيأتيان في بابيهما.
وتقدم في الطلاق أنه يصح طلاقها وأنهما يتوارثان، والاصل كغيره جمع المسائل الخمس هنا وإن ذكروا وتينك في الطلاق أيضا للاشارة إلى قول الشافعي رضي الله تعالي عنه الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى أي آية المسائل الخمس المذكورة (ولو ادعى رجعة والعدة باقية) وأنكرت (حلف) فيصدق لقدرته على إنشائها (أو) أدعى رجعة فيها وهي (منقضية) بقيد زدته بقولي (ولم تنكح فإن اتفقا على وقت الانقضاء) كيوم الجمعة

(2/153)


وقال راجعت قبله فقالت بل بعده (حلفت) أنها لا تعلمه، راجع قبل يوم الجمعة فتصدق، لان الاصل عدم الرجعة إلى ما بعده (أو) على (وقت الرجعة) كيوم الجمعة، فقالت انقضت قبله وقال بل بعده (حلف) أنها ما انقضت قبل يوم الجمعة فيصدق، لان الاصل عدم انقضائها إلى ما بعده (وإلا) بأن لم يتفقا على وقت بل اقتصر على أن الرجعة سابقة، واقتصرت على أن الانقضاء سابق (حلف في سبق بالدعوى) أن مدعاه سابق وسقطت دعوى المسبوق لاستقرار الحكم، بقول السابق ولان الزوجة إن سبقت فقد اتفقا على الانقضاء.
واختلفا في الرجعة والاصل عدمها، وإن سبق الزوج فقد اتفقا على الرجعة، واختلفا في الانقضاء والاصل عدمه وقيده الرافعي في الشرح الكبير، عن جمع بما إذا تراخى كلامها عنه فإن اتصل به فهي المصدقة وقد أوضحته في شرح الروض، ثم ما تقرر هو ما في
الروضة وأصلها أيضا هنا لكن استشكل بأنهما ذكرا ما يخالفه في العدد فيما لو ولدت وطلقها، واختلفا في المتقدم منهما أنهما إن اتفقا على وقت أحدهما، فالعكس مما مر وإن لم يتفقا حلف الزوج مع أن المدرك واحد وهو التمسك بالاصل، ويجاب عن الشق الاول بأنه لا مخالفة فيه بل عمل بالاصل في الموضعين، وإن كان المصدق في أحدهما غيره في الآخر.
وعن الثاني بأنهما هنا اتفقا على انحلال العصمة قبل انقضاء العدة، وثم لم يتفقا عليه قبل الولادة فقوي فيه جانب الزوج هذا ولم يعتمد البلقيني السبق فقال لو قال الزوج راجعتك في العدة فأنكرت، فالقول قولها كما نص عليه في الام.
والمختصر وهو المعتمد في الفتوى وما نقله عن النص، لا يدل له لانه محمول على ما إذا لم يتراخ كلامها عن كلامه، وظاهر كلامهم كما قال الحضرمي إن سبق الدعوى أعم من سبقها، عند حاكم أو غيره وهو أوجه من قول ابن عجيل اليمني يشترط سبقهما عند حاكم، (فإن ادعيا معا حلفت) فتصدق، لان الانقضاء لا يعلم غالبا إلا منها أما إذا نكحت غيره ثم ادعى أنه راجعها في العدة، ولا بينة فتسمع دعواه لتحليفها.
فإن أقرت غرمت له مهر مثل للحيلولة بقي ما لو علما الترتيب دون السابق فيحلف الزوج، لان الاصل بقاء العدة وولاية الرجعة (كما لو طلق) دون ثلاث (وقال وطئت فلي رجعة وأنكرت) وطأه، فإنها تحلف أنه ما وطئها، لان الاصل عدم الوطئ (وهو) بدعواه وطأها (مقر لها بمهر) وهي لا تدعي، إلا نصفه (فإن قبضته فلا رجوع له) بشئ منه عمبإقراره (وإلا فلا تطالبه إلا بنصف) منه عملا بإنكارها، فلو أخذت النصف ثم اعترفت بوطئه فهل تأخذ النصف الآخر أو لا بد من إقرار جديد من الزوج فيه وجهان.
ومقتضى كلامهم في باب الاقرار ترجيح الثاني وذكر التحليف فيما لو ادعى رجعة، والعدة باقية وفيما لو سبق دعوى الزوج، وفيما لو ادعيا معا من زيادتي.
(ومتى أنكرتها) أي الرجعة (ثم اعترفت قبل) اعترافها كمن أنكر حقا، ثم اعترف به لان الرجعة حق الزوج واستشكله الامام بأن قولها الاول يقتضي تحريمها عليه فكيف يقبل منها نقيضه.

(2/154)


كتاب الايلاء
هو لغة الحلف وكان طلاقا في الجاهلية، فغير الشرع حكمه وخصه بما في آية: * (للذين يؤلون من نسائهم) * فهو شرعا حلف زوج على الامتناع من وطئ زوجته مطلقا، أو أكثر من أربعة أشهر كما يؤخذ مما يأتي.
والاصل فيه الآية السابقة وهو حرام للايذاء.
(أركانه) ستة (محلوف به و) محلوف (عليه ومدة وصيغة وزوجان وشرط فيهما تصور وطئ) من كل منهما، (وصحة طلاق) من الزوج وإن كان عبدا أو مريضا أو خصيا أو كافرا أو سكران، أو كانت الزوجة أمة أو مريضة أو صغيرة يتصور وطؤها فيما قدره من المدة، وقد بقي منها قدر مدة الايلاء فلا يصح من صبي ومجنون ومكره ولا ممن شل أوجب ذكره، ولم يبق منه قدر الحشفة لفوات قصد إيذاء الزوجة، بالامتناع من وطئها لامتناعه في نفسه ولا من غير زوج وإن نكح من حلف على امتناعه من وطئها بل ذلك منه محض يمين ولا يصح من رتقاء، وقرناء لما مر، في المشلول والمجبوب.
وتقدم في الرجعة صحة الايلاء من الرجعية فالمراد تصور الوطئ وإن توقف على رجعة (و) شرط (في المحلوف به كونه اسما أو صفة لله تعالى) كقوله والله أو والرحمن لا أطؤك (أو) كونه (التزام ما يلزم بنذر أو تعليق طلاق أو عتق ولم ينحل اليمين) فيه، (إلا بعد أربعة أشهر) كقوله إن وطئتك، فلله علي صلاة أو صوم أو حج أو عتق وإن وطئتك فضرتك طالق، أو فعبدي حر لانه يمتنع من الوطئ بما علقه به من التزام

(2/155)


القربة أو وقوع الطلاق أو العتق كما يمتنع منه بالحلف بالله تعالى وخرج بزيادتي، ولم تنحل إلى آخره ما إذا انحلت قبل ذلك كقوله وإن وطئتك فعلي صوم الشهر الفلاني، وهو ينقضي قبل مضي أربعة أشهر من اليمين فلا إيلاء.
وفي معنى الحلف الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي سنة، فإنه إيلاء كما سيأتي في بابه (و) شرط (في المحلوف عليه ترك وطئ شرعي) فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطئ ولا من وطئها في دبرها، وفي قبلها في نحو حيض أو إحرام ولو قال: والله لا أطؤك إلا في الدبر، فمول والتصريح بشرعي من زيادتي (و) شرط (في المدة زيادة) لها (على
أربعة أشهر بيمين) وذلك بأن يطلق كقوله، والله لا أطؤك أو يؤبد كقوله والله لا أطؤك أبدا أو يقيد بزيادة على الاربعة، كقوله والله لا أطؤك خمسة أشهر أو يقيد بمستبعد الحصول فيها كقوله: والله لا أطؤك حتى ينزل عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أو حتى أموت أو تموتي أو يموت فلان، فعلم أنه لو قال والله لا أطؤك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا أطؤك سنة كانا إيلاءين، فلها المطالبة في الشهر الخامس بموجب الايلاء الاول، ومن الفيئة أو الطلاق فإن طالبته فيه وفاء خرج عن موجبه، وبانقضاء الخامس تدخل مدة الايلاء الثاني، فلها المطالبة بعد أربعة أشهر منها بموجبه كما مر، فإن لم تطالب في الايلاء الاول حتى مضى الشهر الخامس منه، فلا تطالبه به لانحلاله، وكذا إذا لم تطالب في الثاني حتى مضت سنة.
وخرج بما ذكر ما لو قيد بالاربعة أو نقص عنها فلا يكون إيلاء، بل مجرد حلف وما لو زاد عليها بيمينين، كقوله: والله لا أطؤك أربعة أشهر، فإذا مضت فوالله لا أطؤك أربعة أشهر أخرى، فلا إيلاء إذ بعد مضي أربعة أشهر، لا يمكن المطالبة بموجب الايلاء الاول، لانحلاله ولا بالثاني إذ لم تمض المدة من انعقادها، وقيدت المدة بما ذكر، لان المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها، أو يقل.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر به) أي بالايلاء، وفي معناه ما مر في الضمان، وذلك إما (صريح كتغييب حشفة) هو أولى من قوله تغييب ذكر (بفرج ووطئ وجماع) ونيك، كقوله والله لا أغيب حشفتي بفرجك ولا أطؤك أو لا أجامعك أو لا أنيكك لاشتهارها في معنى

(2/156)


الوطئ، فإن قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع الاجتماع لم يقبل في الظاهر ويدين قال الاذرعي.
والظاهر أنه يدين أيضا فيما لو قال أردت بالفرج الدبر ولا تديين في النيك كما في التنبيه والحاوي (أو كناية كملامسة ومباضعة) ومباشرة وإتيان وغشيان، كقوله والله لا ألامسك أو لا أباضعك أو لا أباشرك أو لا آتيك أو لا أغشاك، فيفتقر إلى نية الوطئ لعدم اشتهارها فيه،
(ولو قال إن وطئتك فعبدي حر فزال ملكه عنه) بموت أو بيع لازم أو بغيره، (زال الايلاء) لانه لا يلزمه بالوطئ بعد ذلك شئ فلو عاد إلى ملكه لم يعد الايلاء، (أو) قال إن وطئتك فعبدي (حر عن ظهاري وكان) قد (ظاهر)، وعاد (فمول) لانه وإن لزمه عتق عن الظهار فعتق ذلك العبد، وتعجيل عتقه زيادة على موجب الظهار التزمها بالوطئ، فإذا وطئ في مدة الايلاء أو بعدها عتق العبد عن ظهاره، (وإلا) أي وإن لم يكن ظاهر (حكم بهما) أي بظهاره وإيلائه (ظاهرا) لا باطنا لاقراره بالظهار، وإذا وطئ عتق العبد عن الظهار (أو) قال إن وطئتك فعبدي حر (عن ظهاري إن ظاهرت فمول إن ظاهر) وإلا فلا لانه لا يلزمه شئ بالوطئ قبل الظهار لتعليق العتق بالظهار مع الوطئ فإذا ظاهر صار موليا وإذا وطئ في مدة الايلاء أو بعدها عتق العبد لوجود المعلق عليه، ولا يقع العتق عن الظهار اتفاقا لان اللفظ المفيد له عن سبق الظهار والعتق وإنما يقع عن الظهار بلفظ يوجد بعده.
قال الرافعي وتقدم في الطلاق أنه إذا عتق بشرطين بغير عطف، فإن تقدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما اعتبر في حصول المعلق وجود الشرط الثاني قبل الاول، وإن توسط بينهما كما صوروه هنا، فينبغي أن يراجع كما مر.
فإن أراد أنه إذا حصل الثاني تعلق بالاول، فلا يعتق العبد إذا تقدم الوطئ، أو أنه إذا حصل الاول تعلق بالثاني عتق انتهى.
فإن تعذرت مراجعته، أو قال ما أردت شيئا فالظاهر أنه لا إيلاء مطلقا، لكن الاوفق بما فسر به الآية: * (قل يا أيها الذين هادوا) *، من أن الشرط الاول شرط لجملة الثاني، وجزائه أن يكون موليا إن وطئ، ثم ظاهر وكتقدم الثاني على الاول فيما قاله الرافعي مقارنته له كما نبه عليه السبكي،

(2/157)


(أو) قال إن وطئتك (فضرتك طالق فمول) من المخاطبة (فإن وطئ) في مدة الايلاء أو بعدها.
(طلقت) أي الضرة لوجود المعلق عليه (وزال الايلاء) إذ لا يلزمه شئ بوطئها بعد.
(أو) قال (لاربع والله لا أطؤكن فمول من الرابعة إن وطئ ثلاثا) منهن في قبل أو دبر لحصول الحنث بوطئها، بخلاف ما إذا لم يطأ ثلاثا منهن، لان المعنى لا أطأ جميعكن فلا
يحنث بما دونهن (فلو مات بعضهن قبل وطئ زال الايلاء) لعدم الحنث بوطئ من بقي، ولا نظر إلى تصور الوطئ بعد الموت، لان اسم الوطئ، إنما ينطلق على ما في الحياة بخلاف موت بعضهن بعد وطئها، لا يؤثر (أو) قال لاربع والله (لا أطأ كلا منكن فمول من كل) منهن لحصول الحنث بوطئ كل واحدة وهذه من باب عموم السلب والتي قبلها من باب سلب العموم، وقضية ما ذكر أنه لو وطئ واحدة لا يزول الايلاء في الباقيات، وهو ما رجحه الامام لتضمن ذلك تخصيص كل منهن بالايلاء، والذي في الروضة والشرحين عن تصحيح الاكثرين أنه يزول فيهن كما لو قال لا أطأ واحدة منكن وفيه بحث للشيخين ذكرته مع الجواب عنه في شرح الروض ولو قال والله لا أطأ واحدة منكن فإن قصد الامتناع عن واحدة معينة، فمول منها فقط أو واحدة مبهمة عينها أو عن كل واحدة أو أطلق فمول منهن فلو وطئ واحدة حنث، وانحل الايلاء في الباقيات، (أو) قال (والله لا أطؤك سنة إلا مرة) مثلا (فمول إن وطئ وبقي) من السنة، (أكثر من) الاشهر (الاربعة) لحصول الحنث بالوطئ بعد ذلك بخلاف، ما لو بقي أربعة أشهر أو أقل فليس بمول بل حالف.

(2/158)


(فصل) في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره (يمهل) وجوبا المولي ولو (بلا قاض أربعة أشهر) إما (من الايلاء أو) من (زوال الردة والمانع الآتيين أو) من (رجعة) لرجعية، لا من الايلاء منها لاحتمال أن تبين، وإنما لم يحتج في الامهال إلى قاض لثبوته في الآية السابقة، بخلاف العنة لانها مجتهد فيها (ويقطع المدة) أي الاشهر الاربعة (ردة بعد دخول) ولو من أحدهما، وبعد المدة لارتفاع النكاح أو لاختلاله بها فلا يحسب زمنها من المدة، وإن أسلم المرتد في العدة وشمول الردة لما بعد المدة من زيادتي.
(ومانع وطئ بها) أي بالزوجة (حسي أو شرعي، غير نحو حيض) كنفاس، وذلك (كمرض وجنون ونشوز وتلبس بفرض نحو صوم) كاعتكاف وإحرام فرضين لامتناع الوطئ معه بمانع من قبلها، (وتستأنف المدة بزواله) أي القاطع ولا تبنى على ما مضى لانتفاء التوالي المعتبر في حصول
الاضرار أما غير المانع كصوم نفل والمانع القائم به مطلقا أو بها، وكان نحو حيض فلا يقطع المدة، لان الزوج متمكن من تحليلها ووطئها في الاولى، والمانع من قبله في الثانية ولعدم خلو المدة عن الحيض غالبا في الثالثة، وألحق به النفاس لمشاركته له في أكثر الاحكام والتصريح بأن المانع الشرعي يقطع المدة من زيادتي.
(فإن مضت) أي المدة (ولم يطأ ولا مانع بها) أي الزوجة (طالبته بفيئة) أي رجوع إلى الوطئ، الذي امتنع منه بالايلاء (ثم) إن لم يفئ طالبته (بطلاق) للآية السابقة.
(ولو تركت حقها) فإن لها مطالبته بذلك لتجدد الضرر، وليس لسيد الامة مطالبته لان التمتع حقها وينتظر بلوغ المراهقة، ولا تطالب وليها لذلك وما ذكرته من الترتيب بين مطالبتها بالفيئة.
والطلاق هو ما ذكره الرافعي تبعا لظاهر النص، وقضية كلام الاصل أنها الاصل أنها تردد الطلب بينهما، وهو الذي في الروضة كأصلها في موضع وصوب الزركشي وغيره الاول، (والفيئة) تحصل ب (- تغييب حشفة) أو قدرها من فاقدها (بقبل) فلا يكفي تغييب ما دونها به ولا تغييبها بدبر لان ذلك مع حرمة الثاني لا يحصل الغرض، ولا بد في البكر من إزالة بكارتها، كما نص عليه الشافعي وبعض

(2/159)


الاصحاب أما إذا كان بها مانع كحيض ومرض وصغر فلا مطالبة لها لامتناع الوطئ المطلوب حينئذ (وإن كان المانع به) أي الزوج (وهو طبيعي كمرض ف) - تطالبه (بفيئة لسان) بأن يقول إذا قدرت فئت، (ثم) إن لم يفئ طالبته (بطلاق) وهذه من زيادتي.
(أو شرعي كإحرام) وصوم واجب (ف) - تطالبه (بطلاق) لانه الذي يمكنه لحرمة الوطئ.
(فإن عصى بوطئ) ولو في الدبر، أي ولم يقيد إيلاءه به ولا بالقبل (لم يطالب) لانحلال اليمين، (فإن أباهما) أي الفيئة والطلاق (طلق عليه القاضي طلقة) نيابة عنه بسؤالها له، لا يقال سقوط المطالبة بالوطئ في الدبر ينافي عدم حصول الفيئة بالوطئ فيه، لانا نمنع ذلك إذ لا يلزم من سقوط المطالبة حصول الفيئة كما لو وطئ مكرها أو ناسيا (ويمهل) إذا استمهل (يوما) فأقل ليفئ فيه، لان مدة الايلاء مقدرة بأربعة أشهر، فلا يزاد عليها بأكثر من مدة التمكن من
الوطئ عادة كزوال نعاس وشبع وجوع وفراغ صيام (ولزمه بوطئه) في مدة إيلائه، (كفارة يمين) بقيد زدته بقولي: (إن حلف بالله) فإن حلف بالتزام ما يلزم فإن كان بقربه لزمه ما التزمه أو كفارة يمين كما سيأتي في باب النذر أو بتعليق طلاق أو عتق وقع بوجود الصفة

(2/160)


(كتاب الظهار) مأخوذ من الظهر لان صورته الاصلية أن يقول لزوجته أنت على كظهر أمي، وخصوا الظهر لانه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج وكان طلاقا في الجاهلية كالايلاء، فغير الشرع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي.
وحقيقته الشرعية تشبيه الزوج بزوجته في الحرمة بمحرمه ما يؤخذ مما يأتي.
والاصل فيه قبل الاجماع آية: * (والذين يظاهرون من نسائهم) *.
وهو حرام لقوله تعالى: * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) *.
(أركانه) أربعة (مظاهر ومظاهر منها ومشبه به وصيغة وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه) ولو عبدا أو كافرا أو خصيا أو مبجوبا أو سكران، فلا يصح من غير زوج وإن نكح من ظاهر منها ولا من صبي ومجنون ومكره.
فتعبيري بيصح طلاقه أولى مما عبر به (و) شرط (في المظاهر منها كونها زوجة) ولو أمة أو صغيرة أو مجنونة أو مريضة أو رتقاء أو قرناء أو كافرة أو رجعية لا أجنبية ولو مختلعة أو أمة كالطلاق، فلو قال لاجنبية إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي، أو قال السيد لامته أنت علي كظهر أمي لم يصح (و) شرط (في المشبه به كونه كل) أنثى محرم (أو جزء أنثى محرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (لم تكن حلا) للزوج كبنته وأخته من نسب، ومرضعة أبيه أو أمه وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته، بخلاف غير الانثى من ذكر وخنثى، لانه ليس محل التمتع وبخلاف أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم)، لان تحريمهن ليس للمحرمية بل لشرفه (صلى الله عليه وسلم) وبخلاف من كانت حلاله كزوجة ابنه، وملاعنته لطور تحرمها عليه.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر به) أي بالظهار وفي معناه ما مر في الضمان، وذلك إما
(صريح كأنت أو رأسك أو يدك) ولو بدون على (كظهر أمي أو كجسمها أو يدها) لاشتهارها في معنى ما ذكر، (أو كناية كأنت كأمي أو كعينها أو غيرها مما يذكر للكرامة) كرأسها وروحها

(2/161)


لاحتمالها الظهار وغيره، وتعبيري بذلك أعم مما عبر به (وصح توقيته) كأنت كظهر أمي يوما أو شهرا تغليبا لليمين، فأنت كظهر أمي خمسة أشهر ظهار مؤقت لذلك وإيلاء لامتناعه من وطئها، فوق أربعة أشهر، (و) صح (تعليقه) لانه يتعلق به التحريم كالطلاق والكفارة كاليمين، وكل منهما يقبل التعليق.
(فلو قال إن ظاهرت من ضرتك فأنت كظهر أمي فظاهر) منها، (فمظاهر منهما) عملا بمقتضى التنجيز والتعليق.
(أو) قال إن ظاهرت (من فلانة) فأنت كظهر أمي، (وفلانة أجنبية أو) إن ظاهرت، (من فلانة الاجنبية) فأنت كظهر أمي (فظاهر منها فمظاهر) من زوجته (إن نكحها) أي الاجنبية، (قبل) قبل ظهاره منها (أو أراد اللفظ) أي إن تلفظت بالظهار منها لوجود المعلق عليه، بخلاف ما إذا لم ينكحها قبل.
ولم يرد اللفظ لانتفاء المعلق عليه، وهو الظهار الشرعي (أو) قال إن ظاهرت (من فلانة وهي أجنبية) فأنت كظهر أمي، فظاهر منها قبل النكاح أو بعده (فلا) يكون ظهارا من زوجته لاستحالة اجتماع ما علق به ظهارها من ظهار فلانة وهي أجنبية (إلا إن أراده) أي اللفظ (وظاهر قبل نكاحها)، فمظاهر من زوجته وهذا من زيادتي، (أو) قال (أنت طالق كظهر أمي ونوى بالثاني معناه) ولو مع معنى الاول بأن نوى بالاول طلاقا أو أطلق وبالثاني ظهارا ولو مع الآخر أو نوى بكل منهما ظهارا ولو مع الطلاق، أو نوى بالاول غيرهما.
وبالثاني ظهارا ولو مع الطلاق (والطلاق) فيهما (رجعي وقعا) لصحة ظهار الرجعية مع صلاحية كظهر أمي، لان يكون كناية فيه فإنه إذا قصده قدرت كلمة الخطاب معه ويصير كأنه قال أنت طالق أنت كظهر أمي، (وإلا) بأن أطلق فيهما أو نوى بهما طلاقا أو ظهارا أو هما أو نوى بكل منهما الآخر أو الطلاق أو نواهما أو غيرهما، بالاول ونوى بالثاني طلاقا أو أطلق الثاني ونوى بالاول معناه أو
معنى الآخر أو معناهما أو غيرهما أو أطلق الاول، ونواه بالثاني أو نوى بهما أو بكل منهما أو بالثاني غيرهما، أو كان الطلاق بائنا: (فالطللاق) يقع لاتيانه بصريح لفظه (فقط) أي دون الظهار

(2/162)


لانتفاء الزوجية في الاخيرة، ولعدم استقلال لفظ الظهار مع عدم نيته بلفظه في غيرها.
ولفظ الطلاق لا ينصرف إلى الظهار وعكسه كما مر في الطلاق.
قال الرافعي فيما أذا نوى بكل الآخر ويمكن أن يقال إذا خرج كظهر أمي عن الصراحة، وقد نوى به الطلاق يقع به طلقة أخرى إن كانت الاولى رجعية وهو صحيح إن نوى به طلاقا غير الذي أوقعه، وكلامهم فيما إذا لم ينوبه ذلك فلا منافا.
ومسألة نيته بكل منهما الظهار أو الطلاق مع مسألة إطلاقه لاحدهما ومسألة نيته غيرهما من زيادتي.
(فصل) في أحكام الظهار من وجوب كفارة وتحريم تمتع وما يذكر معها يجب (على مظاهر عاد كفارة وإن فارق) - ها بعد بطلاق أو غيره، للآية السابقة والعود في) ظهار غير مؤقت من غير رجعية أن يمسكها بعده أي بعد ظهار مع علمه بوجود الصفة في المعلق (زمن إمكان فرقة)، ولم يفارق لان العود للقول مخالفته يقال قال فلان قولا ثم عاد له وعاد فيه أي خالفه، ونقضه وهو قريب من قولهم عاد في هبته.
ومقصود الظهار وصف المرأة بالتحريم وإمساكها يخالفه، وهل وجبت الكفارة بالظهار والعود أو بالظهار والعود شرط أو بالعود لانه الجزء الاخير أوجه.
والاوجه منها الاول (فلو اتصل به) أي بظهاره (جنونه) أو إغماؤه (أو فرقة) بموت أو فسخ من أحدهما بمقتضيه كعيب بأحدهما، ولعانه لها وقد سبق القذف والمرافعة للقاضي ظهاره أو بانفساخ كردة قبل دخول وملكه لها، وعكسه أو بطلاق بائن أو رجعي ولم يراجع (فلا عود) لتعذر الفراق في الاوليين وفوات الامساك في فرقة الموت وانتفائه في البقية.
(و) العود في ظهار غير مؤقت (من رجعية) سواء أطلقها عقب الظهار أم قبله (أن يراجع ولو ارتد متصلا) بالظهار بعد الدخول، (ثم أسلم) في العدة (فلا عود بإسلام بل بعده)، والفرق أن الرجعة إمساك في ذلك النكاح والاسلام بعد الردة تبديل للدين الباطل بالحق،
والحل تابع له فلا يحصل به إمساك وإنما يحصل بعده.
(و) العود (في) ظهار (مؤقت) يحصل

(2/163)


(بمعيب حشفة) أو قدرها من فاقدها (في المدة)، لا بإمساك لحصول المخالفة لما قاله به دون الامساك لاحتمال أن ينتظر به الحل بعد المدة، (ويجب) في العود به وإن حل (نزع) لما غيبه كما لو قال إن وطئتك فأنت طالق لحرمة الوطئ قبل التكفير أو انقضاء المدة واستمرار الوطئ وطئ.
(وحرم قبل تكفير أو مضي) مدة تمتع حرم بحيض)، فيحرم التمتع بوطئ وغيره بما بين السرة والركبة فقط، لان الظهار معنى لا يحل بالملك كالحيض ولانه تعالى أوجب التكفير في الآية، قبل التماس حيث قال في الاعتاق والصوم * (من قبل أن يتماسا) * ويقدر مثله في الاطعام حملا للمطلق على المقيد.
وروى أبو داود وغيره أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لرجل ظاهر من امرأته، وواقعها لا تقر بها حتى تكفر وكالتكفير مضى مدة المؤقت لانتهائه بها كما تقرر وحمل التماس هنا لشبه الظهار بالحيض على التمتع بما بين السرة والركبة كما تقرر ومن حمله على الوطئ ألحق به التمتع بغيره فيما بينهما وبه جزم القاضي ونقل الرافعي ترجيحه عن الامام ورجحه في الشرح الصغير بخلافه فيما عدا ذلك فيجوز وعليه يحمل إطلاق الاصل تبعا للاكثرين تصحيح جواز التمتع.
والملحق المذكور مع قولي أو مضي مؤقت من زيادتي، (ولو ظاهر من أربع بكلمة) كأنتن كظهر أمي، فمظاهر منهن لوجود لفظه الصريح (فإن أمسكهن فأربع كفارات) لوجود سببها (أو) ظاهر منهن (بأربع) من كلمات ولو متوالية (فعائد من غير أخيرة).
أما في المتوالية فلامساك كل منهن زمن ظهار من وليتها فيه، وأما في غيرها فظاهر فإن أمسك الرابعة فأربع كفارات وإلا فثلاث، (أو كرر) لفظ الظهار (في امرأة) تكرارا (متصلا تعدد) الظهار (إن قصد استئنافا) فيعتدد بعدد المستأنف أما إذا قصد تأكيدا أو أطلق فلا يتعدد بخلاف ما لو أطلق في الطلاق لفوته بازالة الملك.
ومسألة الاطلاق من زيادتي فلو قصد بالبعض تأكيدا وبالبعض استئنافا أعطى كل منهما حكمه وخرج بالمتصل المنفصل، فإنه يتعدد الظهار فيه مطلقا (وهو) أي المظاهر (به) أي بالاستئناف (عائد) بكل مرة استأنفها للامساك زمنها.

(2/164)


(كتاب الكفارة) من الكفر وهو الستر لانها تستر الذنب ومنه الكافر لانه يستر الحق، (تجب نيتها) بأن ينوي الاعتاق أو الصوم أو الاطعام أو الكسوة عن الكفارة، لتتميز عن غيرها كنذر فلا يكفي الاعتاق أو الصوم أو الكسوة أو الاطعام الواجب عليه، وإن لم يكن عليه غيرها وبذلك علم أنه لا يجب اقترانها بشئ من ذلك بل يجوز تقديمها وهو ما نقله في المجموع في باب قسم الصدقات في الاصحاب، وصححه بل صوبه، وقال إنه ظاهر النص لكنه صحح تبعا للرافعي هنا أنه يجب اقترانها به في غير الصوم، إذا قدمها وجب قرنها بعزل المال كما في الزكاة وعلم أيضا أنه لا يجب تعيينها بأن يقيد بظهار أو غيره، فلو كان عليه كفارتا قتل وظهار وأعتق أو صام بنية كفارة وقع عن إحداهما.
وإنما لم يشترط تعيينها في النية بخلاف الصلاة لانها في معظم خصالها نازعة إلى الغرامات، فاكتفى فيها بأصل النية، فإن عين فيها وأخطأ كأن نوى كفارة قتل، وليس عليه إلا كفارة ظهار لم تجزه.
والكافر كالمسلم في الاعتاق والاطعام والكسوة إلا أن نيته للتمييز لا للتقرب، ويمكن ملكه رقبة مؤمنة كأن يسلم عبده أو عبد مورثه فيملكه، أو يقول لمسلم أعتق عبدك عن كفارتي فيجيبه.
وأما الصوم فلا يصح منه لتمحضه قربة، ولا ينتقل عنه إلى الاطعام لقدرته عليه بالاسلام وإذا لم يملك وهو مظاهر موسر رقبة مؤمنة لا يحل له وطئ لذلك فيتركه، أو يقال له أسلم ثم أعتق وعلم أيضا أنه لا يجب نية الفرض لانها لا تكون إلا فرضا.
(وهي) أي الكفارة، (مخيرة في يمين وستأتي) في الايمان ومنها إيلاء ولعان وإن لم يكن فيه كفارة، ونذر لجاج كما هي معروفة في محالها (ومرتبة في ظهار وجماع) في نهار رمضان (وقتل وخصالها) أي كفارة الثلاثة ثلاث اعتاق ثم صوم ثم اطعام على ما بينتها، بقولي (إعتاق رقبة مؤمنة) فلا تجزئ كافرة قال تعالى في كفارة القتل: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * وألحق بها غيرها قياسا عليها بجامع حرمة سببيهما من القتل.
والجماع في رمضان والظهار أو
حملا للمطلق على المقيد كما في حمل المطلق في قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *، على المقيد في قوله تعالى: * (واشهدوا ذوي عدل منكم) *،

(2/165)


(بلا عوض) فإن كان بعوض كأنت حر عم كفارتي، إن أعطيتني أو اعطاني زيد كذا لم يجر عنها، لانه لم يجرد الاعتاق لها بل ضم إليها قصد العوض، (و) بلا (عيب يخل بعمل) إخلالا بينا، لان المقصود من إعتاق الرقيق تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الاحرار من العبادات وغيرها، وذلك إنما يحصل بقدرته على القيام بكفايته وإلا صار كلا على نفسه أو غيره، (فيجزئ صغير) ولو ابن يوم لاطلاق الآية، ولانه يرجى كبره فهو كالمريض يرجى برؤه.
وفارق الغرة حيث لا يجزئ فيها الصغير لانها حق آدمي ولان غرة الشئ خياره.
(وأقرع وأعرج يمكنه تباع مشي) بأن يكون عرجه غير شديد، (وأعور) لم يضعف عوره بصر عينه السليمة ضعفا يخل بالعمل (وأصم) وأخرس، يفهم الاشارة وتفهم عنه، (وأخشم وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه) لان فقد ذلك لا يخل بالعمل بخلاف فاقد أصابع يديه، (لا) فاقد (رجل أو خنصر وبنصر من يد أو أنملتين من كل منهما) وهذا من زيادتي.
(أو) فاقد أنملتين (من إصبع غيرهما أو) فاقد (أنملة إبهام) لاخلال كل من الصفات المذكورة بالعمل، وعلم بذلك أنه لا يجزئ زمن ولا فاقد يد ولا فاقد أصابعها ولا فاقد أصبع من إبهام وسبابة ووسطى، وأنه يجزئ فاقد خنصر من يد وبنصر من الاخرى، وفاقد أنملة من غير الابهام فلم فقدت أنامله العليا من الاصابع الاربع أجزأه ولا يجزئ الجنين، وإن انفصل لدون ستة أشهر من الاعتاق لانه لا يعطى حكم الحي.
(ولا مريض لا يرجى) برؤه (ولم يبرأ) كذي سل وهرم، بخلاف من يرجى برؤه ومن لا يرجى برؤه إذا برئ.
أما في الاولى فلوجود الرجاء عند الاعتاق، وأما في الثانية فلان المنع كان بناء على ظن وقد بان خلافه بخلاف ما لو أعتق أعمى فأبصر، فإنه لا يجزئ.
والفرق تحقق اليأس في العمى وعود البصر نعمة جديدة بخلاف المرض (ولا مجنون إفاقته أقل) من
جنونه تغليبا للاكثر، بخلاف مجنون إفاقته أكثر أو استوى فيه الامر أن فيجزئ (ويجزئ معلق) عتقه (بصفة) كمدبر، بأن ينجز عتقه بنية الكفارة، أو يعلقه كذلك بصفة أخرى وتوجد قبل الاولى، وذلك لنفوذ تصرفه فيه كما لو كان غير معلق عتقه بصفة، ويشترط كونه عند التعليق بصفة الاجزاء فلو قال لعبده الكافر إذا سلمت فأنت حر عن كفارتي، فإسلم لم يجز (ونصفا رقيقين) أعتقهما عن كفارته و (باقيهما) أو باقي أحدهما، كما استظهره الزركشي وغيره (حر) معسرا كان المعتق أو موسرا (أو) رقيق لكن (سرى) إليه العتق بأن كان الباقي له أو لغيره وهو موسر، بخلاف ما إذا كان معسرا.
والفرق أنه حصل مقصود العتق من التخلص من الرق في الاول دون الثاني، وهذه من زيادتي.

(2/166)


(ورقيقاه) إذا أعتقهما (عن كفارتيه) سواء أصرح بالتشقيص كأن قال عن كل من الكفارتين نصف ذا ونصف ذا وهو ما اقتصر عليه الاصل، أم أطلق كما صرح به الامام ويقع العتق مشقصا في الاولى وغير مشقص في الثانية، وذلك لحصول المقصود من إعتاق الرقيقين عن الكفارتين بذلك (لاجعل العتق المعلق كفارة) عند وجود الصفة، كأن يقول لرقيقه إن دخلت الدار فأنت حر، ثم يقول ثانيا إن دخلتا فأنت حر عن كفارتي ثم يدخلها فلا يجزئ عن كفارته لانه مستحق العتق بالتعليق الاول فيقع عنه، (ولا مستحق عتق) فلا تجزئ أم ولد ولا صحيح كتابة لان عتقهما مستحق بالايلاد والكتابة، فيقع عنهما دون الكفارة بخلاف فاسد الكتابة فيجزئ عتقه عن الكفارة ولا من يعتق عليه بتملكه بأن يكون أصلا أو فرعا فلو تملكه بنية كفارة لم يجزه، لان عتقه مستحق بجهة القرابة فلا ينصرف عنها إلى الكفارة، ولا مشتري بشرط العتق لان عتقه مستحق بالشرط.
ولما ذكروا حكم الاعتاق عن الكفارة بعوض ثم استطردوا ذكر حكمه في غيرها، تبعتهم كالاصل في ذلك فقلت (وإعتاق بمال كخلع) أي فهو من جانب المالك معاوضة يشوبها تعليق، ومن جانب المستدعي معاوضة تشوبها جعالة، (فلو قال) لغيره (أعتق أم ولدك أو عبدك) ولو مع قوله عنك (بكذا فأعتق) أي فورا
(نفذ) الاعتاق (به) لالتزامه إياه، وكان ذلك افتداء من المستدعي، كاختلاع الاجنبي (أو) قال (أعتقه) أي عبدك، (عنى بكذا ففعل ملكه الطالب به ثم عتق عنه) لتضمن ذلك البيع، لتوقف العتق على الملك، فكأنه قال بعينه بكذا وأعتقه عني وقد أجابه فيعتق عنه بعد ملكه له أما لو قال أعتق أو ولدك عني بكذا ففعل فإن الاعتاق ينفذ عن السيد لا عن الطالب، ولا عوض (وإنما يلزم الاعتاق) عن الكفارة، (من ملك رقيقا أو ثمنه فاضلا عن كفاية ممونه) من نفسه وغيره نفقة وكسوة وسكنى ونحوها إذ لا يلحقه بصرف ذلك إلى الكفارة ضرر شديد وإنما يفوته نوع رفاهية.
قال الرافعي وسكتوا عن تقدير مدة ذلك، ويجوز أن تقدر بالعمر الغالب وأن تقدر بسنة وصوب في الروضة منهما، الثاني وقضية ذلك أنه لا نقل فيها مع أن منقول الجمهور الاول وجزم البغوي في فتاويه بالثاني على قياس ما صنع في الزكاة، إما من لا يملك ذلك كمن ملك رقيقا هو محتاج إلى خدمته لمرض أو كبر أو ضخامة مانعة من خدمة نفسه أو منصب يأبى أن يخدم نفسه، فهو في حقه كالمعدوم (فلا يلزمه بيع ضيعة) أي عقار (ورأس مال) لتجارة (وماشية لا يفضل دخلها) من غلة الضيعة.
وربح مال التجارة وفوائد الماشية من نتاج أو غيره (عن تلك) أي كفاية ممونه، لتحصيل رقيق يعتقه لحاجته إليها بل يعدل إلى الصوم فإن فضل دخلها عن تلك لزمه بيعها، وذكر الماشية من زيادتي.

(2/167)


(ولا) بيع (مسكن ورقيق نفيسين ألفهما) لعسر مفارقة المألوف، ونفاستهما بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه ورقيقا يعتقه وبثمن الرقيق رقيقا يخدمه، ورقيقا يعتقه.
فإن لم يألفهما وجب بيعهما لتحصيل عبد يعتقه، (ولا) يلزمه (شراء بغبن) كأن وجد رقيقا لا يبيعه مالكه إلا بأكثر من ثمن مثله ولا يعدل إلى الصوم بل عليه الصبر إلى أن يجده بثمن المثل، (فإن عجز) المكفر عن إعتاق حسا أو شرعا (وقت أداء) للكفارة (صام شهرين ولاء) عن كفارته، فالرقيق لا يكفر إلا بالصوم لانه معسر إذ لا يملك شيئا ولسيده منعه من الصوم أن أضربه إلا في كفارة الظهار لتضرره بدوام التحريم، وإنما اعتبر العجز وقت الاداء لا وقت الوجوب قياسا
على سائر العبادات، وتكفيه نية صوم الكفارة (وإن لم ينوه) أي الولاء لانه هيئة في العبادة.
والهيئة لا يجب التعرض لها في النية (فإن إنكسر) الشهر (الاول)، بأن ابتدأ بالصوم في أثنائه (أتمه من الثالث ثلاثين) لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال، (وينقطع الولاء بفوات يوم ولو بعذر) كمرض أو سفر، فيجب الاستئناف ولو كان الفائت اليوم الاخير، أو اليوم الذي نسبت النية له للآية (لا) بفوته (بنحو حيض وجنون) من نفاس وإغماء مستغرق لمنافاة كل منها للصوم، ولان الحيض لا تخلو عن ذات الاقراء في الشهرين غالبا، وألحق به النفاس والتأخير إلى سن اليأس فيه خطر.
وتعبيري بالعذر أعم من تعبيره بالمرض ونحو من زيادتي.
وذكر أوصاف الرقبة ومعتقها والصوم من زيادتي في كفارة الجماع (فإن عجز) عن صوم أو ولاء (لمرض يدوم شهرين ظنا) أي بالظن المستفاد من العادة في مثله أو من قول الاطباء وهذا ما صححه في الروضة.
ويؤخذ منه حكم المرض الذي لا يرجى زواله الذي اقتصر عليه الاصل، (أو لمشقة شديدة) تلحقه بالصوم أو بولائه، (ولو) كانت المشقة (بشبق) وهو شدة الغلمة أي شدة الوطئ، (أو خوف زيادة مرض ملك في) كفارة (ظهار وجماع ستين مسكينا أهل زكاة مدا مدا) للآية السابقة، وإنما لم يجز ترك صوم رمضان بعذر الشبق، لانه لا بدل له.
والمسكين شامل للفقير كعكسه كما تقرر في قسم الزكاة واختير التعبير بالمسكين تأسيا بالكتاب العزيز وخرج بأهل زكاة غيره فلا يجزئ دفعها لكافر ولا لهاشمي ومطلبي ولا لمواليهما، ولا لمن تلزمه مؤنته ولا لرقيق لانها حق الله تعالى، فاعتبر فيها صفات الزكاة.
فتعبيري بذلك أولى من قوله لا كافرا ولا هاشميا ومطلبيا.
ومن اقتصاره في كفارة الجماع على العيال، وأما خبر فأطعمه أهلك السابق في الصوم فمؤول كما بينته في شرح الروض وغيره.
وتعبيري بملك أولى من قوله كفر بإطعام لاخراج ما لو غداهم أو عشاهم بذلك فإنه لا يكفي وتكريري مدامن زيادتي، ليخرج ما لو فاوت بينهم فإنه لا يكفي.
أما

(2/168)


كفارة القتل فلا تمليك فيها اقتصارا على الوارد فيها من الاعتاق، ثم الصوم والمطلق إنما
يحمل على المقيد، في الاوصاف دون الاصول كما حمل مطلق اليد في التيمم على تقييدها بالمرافق في الوضوء، ولم يحمل ترك الرأس والرجلين فيه على ذكرهما في الوضوء وتمليك ما ذكر يكون (من جنس فطرة) كبر وشعير وأقط ولبن فلا يجزئ، لحم ودقيق وسويق وهذا مع قولي مدا مدا من زيادتي، في كفارة الجماع.
(فإن عجز) عن جميع حصال الكفارة (لم تسقط) أي الكفارة عنه، بل هي باقية في ذمته إلى أن يقدر على شئ منها، لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر الاعرابي أن يكفر بما دفعه له مع إخباره بعجزه، فدل على أنها باقية في الذمة حينئذ (فإذا قدر على خصلة) من خصالها، (فعلها) ولا يتبعض العتق ولا الصوم بخلاف الاطعام، حتى لو وجد بعض مد أخرجه لانه لا بدل له وبقي الباقي في ذمته وقولي فإن عجز إلى آخره من زيادتي في كفارة غير الجماع.

(2/169)


(كتاب اللعان والقذف) بمعجمة وهو لغة الرمي وشرعا الرمي بالزنا في معرض التعيير وذكره في الترجمة من زيادتي، واللعان لغة مصدر لا عن وقد يستعمل جمعا للعن وهو الطرد والابعاد وشرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد كما سيأتي وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن، ولان كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بينهما أبدا والاصل فيه قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * الآيات وسبب نزولها ذكرته في شرح الروض وغيره.
(صريحه) أي صريح القذف وهو ما اشتهر فيه (كزنيت) ولو مع قوله في الجبل، (ويا زاني ويا زانية وزنى ذكرك أو فرجك) أو بدنك وإن كسر التاء والكاف في خطاب الرجل أو فتحهما في خطاب المرأة وقال للرجل يا زانية وللمرأة يا زاني، لان اللحن في ذلك لا يمنع الفهم ولا يدفع العار (وكرمي بإيلاج حشفة) أو قدرها من فاقدها، (بفرج محرم) بأن وصف الايلاج فيه بالتحريم (أو) بإيلاج ذلك ب (- دبر) فإن لم يصف الاول بتحريم فليس بصريح لصدقه بالحلال
بخلاف الثاني سواء أخوطب بذلك رجل أو إمرأة، كأن يقال له أو لجت في فرج محرم أو دبر أو أولج في دبرك ولها أولج في فرجك المحرم أو دبرك فإن ادعى ما ليس زنا كأن قال أردت إيلاجه في فرج حليلته الحائض أو المحرمة صدق بيمينه، (و) كقوله (لخنثى زنا فرجاك) فإن ذكر أحدهما فكناية وهذا من زيادتي، (و) كقوله (لولد غيره لست ابن فلان) هو صريح في قذف أم المخاطب (إلا لمنفي بلعان) بقيد زدته بقولي.
(ولم يستلحق) أي لم يستلحقه النافي فليس صريحا بل كناية، فيسأل فإن قال أردت تصديق النافي في نسبة أمه إلى الزنا فقاذف لها أو أردت أن النافي نفاه أو انتفى نسبه منه شرعا، أو أنه لا يشبهه خلقا أو خلقا صدق بيمينه.
ويعزر للايذاء أما لو قاله لمنفي بعد استلحاقه فصريح إلا أن يدعي احتمالا ممكنا كقوله لم يكن ابنه حين نفاه فيصدق بيمينه.
(وكنايته كزنأت وزنأت في الجبل) بالهمز فيهما لان الزن ء هو الصعود بخلاف زنأت في البيت بالهمز، فصريح لانه لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت، ونحوه زاد في الروضة وأن

(2/170)


هذا كلام البغوي وأن غيره قال إن لم يكن للبيت درج يصعد إليه فيها فصريح قطعا، وإن كان فوجهان انتهى وأوجههما أنه كناية (و) كقوله لغيره، (زنى يدك) أو رجلك (أو يا فاجر) أو يا فاسق أو يا فاجرة أو يا فاسقة (وأنت تحبين الخلوة أو لم أجدك بكرا) سواء أقاله لزوجته أم لغيرها، وإن أوهم كلام الاصل كغيره تخصيصه بالزوجة في الاخيرة، قال الزركشي ويشبه أنها مصورة بمن لم يعلم لها تقدم افتضاض مباح فإن علم فلا صريح ولا كناية (ولعربي يا نبطي) نسبة للانباط قوم ينزلون البطائح بين العراقين سموا بذلك لاستنباطهم الماء من الارض أي إخراجه منها.
والقذف فيه إن أراده لام المخاطب حيث نسبه إلى غير من ينسب إليهم، ويحتمل أنه لا يريد أنه يشبههم في السير والاخلاق وتعبيري بالعربي أعم من تعبيره بالقرشي، (ولولده لست ابني) بخلافه في ولد غيره كما مر، لان الاب لاحتياجه إلى تأديب ولده يحمل ما قاله على التأديب بخلاف الاجنبي، ويسأل فإن قال أردت أنه من رنا فقاذف لامه، أو
أنه لا يشبهني خلقا أو خلقا فيصدق بيمينه، (وتعريضه كيا ابن الحلال وأنا لست بزان ليس قذفا) وإن نواه لان النية، إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي ولا احتمال له هنا وما يفهم ويتخيل منه فهو أثر قرائن الاحوال، فاللفظ الذي يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية، وإلا فتعريض (وقوله) لغيره (زنيت بك إقرار بزنا) على نفسه، (وقذف) للمخاطب (ولو قال لزوجته يا زانية فقالت) جوابا (زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذف)، لها لاتيانه بلفظ القذف الصريح (وكانية) في قذفه لاحتمال أن يريد إثبات الزنا فتكون في الاولى، مقرة به وقاذفه للزوج ويسقط بإقرارها حد القذف عنه، ويعزر وتكون في الثانية قاذفة فقط والمعنى أنت زان وزناك أكثر مما نسبتني إليه وأن تريد نفي الزنا أي لم يطأني غيرك ووطؤك بنكاح، فإن كنت زانية فأنت زان أيضا، أو أزنى مني فلا تكون قاذفة وتصدق في إرادتها ذلك بيمينها (أو) قالت جوابا أو ابتداء (زنيت وأنت أزنى مني فمقرة) بالزنا، (وقاذفة) له ويسقط باقرارها حد القذف عنه (ومن قذف محصنا حد) لآية: * (والذين يرمون المحصنات) * (أو غيره عزر) لانه أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة سواء أكان، المقذوف فيهما زوجة أم لا وسيأتي بيان الحد وشرطه في بابه وبيان التعزير في آخر الاشربة، (والمحصن مكلف) ومثله السكران (حر مسلم عفيف عن زنا ووطئ محرم مملوكة) له ووطئ (دبر حليلة) له بأن لم يطأ أو وطئ وطأ غير ما ذكر بخلاف من زنى أو وطئ، حليلته في دبرها أو محرما مملوكة له كأخته أو عمته من

(2/171)


نسب أو رضاع فليس بمحصن.
أما الاول فظاهر وأما الباقي فلانه أفحش منه وبذلك علم أن العفة لا تبطل بوطئه زوجته، في عدة شبهة أو في حيض أو نفاس أو أمته المزوجة أو المعتدة أو أمة ولده أو منكوحة بلا ولي أو شهود وإن كان حراما لانتفاء ما ذكر ولقيام الملك في الاولى والثانية بأقسامهما، وقولي ودبر حليلة من زيادتي، (فإن فعل) شيئا من ذلك بأن وطئ وطأ يسقط العفة لم يعد محصنا وإن تاب وحسن حاله (ولم يحد قاذفه)، لان العرض إذا انحزم
بذلك لم تنسد ثلمته سواء أقذفه بذلك الزنا مثلا أم بزنا آخر أم أطلق، (أو ارتد حد) قاذفه.
والفرق أن الزنا مثلا يكتم ما أمكن فظهوره يدل على سبق مثله غالبا، والردة عقيدة والعقيدة لا تخفى غالبا فاظهارها يدل على سبق الاخفاء غالبا وتعبيري بفعل أعم من تعبيره بزنى (ويرث موجب قذف) بفتح الجيم من حد وتعزير، (كل الورثة) حتى الزوجان، لان ذلك حق آدمي لتوقف استيفائه على مطالبة الآدمي به وحق الادمي شأنه ذلك، ولو كان المقذوف رقيقا، ومات قبل استيفاء التعزير استوفاه سيده، (ويسقط بعفو) عنه منهم أو من المقذوف بأن قذف حيا ثم عفا قبل موته وبإرث القاذف له، (ولو عفا بعضهم) عنه أو عن بعضه (فللباقي كله) أي استيفاء كله لانه الحق ثبت لكل منهم كولاية التزويج، وحق الشفعة.
وفارق القود حيث يسقط كله بعفو بعضهم بأن للقود بدلا يعدل إليه وهو الدية بخلاف موجب القذف، ولان موجبه ثبت لكل منهم بدلا والقود ثبت لكل منهم مبعضا ولذلك صرح الماوردي، بأن لبعضهم أن ينفرد بطلبه الكل واستيفائه سواء أحضر الباقون وكملوا أم لا وتعبيري بالموجب أعم من تعبيره بالحد.
(فصل) في قذف الزوج زوجته (له قذف زوجة) له (علم زناها) بأن رآها بعينه، (أو ظنه) ظنا (مؤكدا كشياع زناها بزيد مع قرينة كأن رآهما بخلوة) ورآها تخرج من عنده فلا يكفي مجرد الشياع، لانه قد يشيعه عدو لها أو له أو من طمع فيها فلم يظفر بشئ ولا مجرد القرينة كالقرينة المذكورة، لانه ربما دخل بيتها لخوف أو سرقة أو طمع وإنما جاز له القذف، حينئذ المرتب عليه اللعان الذي يخلص به من الحد لاحتياجه إلى الانتقام منها لتلطيخها فراشه، ولا يكاد يساعده على ذلك بينة أو إقرار، والاولى أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها هذا كله حيث لاولد، (فإن أتت بولد علم أو ظن) ظنا مؤكدا (أنه ليس منه) مع إمكان كونه منه ظاهرا (بأن لم يطأها أو لدون ستة أشهر) من وطئ التي

(2/172)


هي أقل مدة الحمل ولاكثر منها من العقد، (أو لفوق أربع سنين من وطئ) التي هي أكثر مدة
الحمل.
وفي معنى الوطئ استدخال المني (أو لما بينهما) أي بين دون ستة أشهر، وفوق أربع سنين (منه ومن زنا بعد استبراء بحيضة لزمه نفيه) لان تركه، يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي، من هو منه، وهو في الاخيرة ما صححه في أصل الروضة والذي صححه في الاصل كالشرح الصغير فيها حل النفي لكن الاولى له أن لا ينفيه، لان الحامل قد تحيض وطريق نفيه اللعان المسبوق بالقذف فيلزمان أيضا، وإنما يلزمه قذفها إذا علم زناها أو ظنه كما مر، في جوازه وإلا فلا يقذفها لجواز أن يكون الولد من وطئ شبهة أو زوج قبله، (وإلا) أي وإن لم يعلم ولم يظن أنه ليس منه بأن ولدته لدون ستة أشهر من الزنا، أو لفوقه ودون فوق أربع سنين منه، ومن الوطئ بلا استبراء، وكذا من الوطئ معه، ولم يعلم ولم يظن زناها أو ولدته لفوق أربع سنين من الزنا، ودونه وفوق دون ستة أشهر من الوطئ، (حرم) نفيه رعاية للفراش.
ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه، وإنما اعتبرت المدة فيما ذكر من الزنا لا من الاستبراء لانه مستند اللعان.
فإذا ولدته لدون ستة أشهر منه، ولاكثر من دونها من الاستبراء تبينا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه فلا يجوز النفي، رعاية للفراش وما ذكرته من حرمة النفي مع الاستبراء المقيد بما مر.
ومن اعتبار المدة من الوطئ والزنا هو ما صححه في الروضة، رادا بالثاني على من اعتبر المدة من الاستبراء والذي صححه الاصل حل النفي، واعتبار المدة من الاستبراء (مع قذف ولعان) فيحرمان، وإن علم زناها.
وقال الامام القياس جوازهما انتقاما منها، كما لم يكن ولد وعارضوه، بأن الولد يتضرر بنسبة أمه إلى الزنا وإثباته عليها باللعان، لانه يعير بذلك وتطلق فيه الالسنة، فلا يحتمل هذا الضرر لغرض الانتقام والفراق ممكن بالطلاق، وظاهر أن وطئ الشبهة كالزنا في لزوم النفي، وحرمته مع القذف واللعان (كما لو) وطئ و (عزل) فإنه يحرم به ما ذكر رعاية للفراش، ولان الماء قد يسبق إلى الرحم من غير أن يحس به وفي كلامي زيادات يعرفها الناظر فيه مع كلام الاصل.
(فصل) في كيفية اللعان وشرطه وثمرته والاصل فيه الآيات السابقة وأركانه ثلاثة لفظ وقذف سابق عليه، وزوج يصح طلاقه كما
يعلم مما يأتي.
(لعانه) أي الزوج (قوله أربعا) من المرات، (أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به

(2/173)


هذه من الزنا) أي زوجته، (وخامسة) من كلمات لعانه (أن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين فيه) أي فيما رميت به هذه من الزنا، هذا إن حضرت (فإن غابت ميزها) عن غيرها باسمها ورفع نسبها وكررت كلمات الشهادة لتأكيد الامر.
ولانها أقيمت من الزوج مقام أربعة شهود من غيره ليقام عليها الحد، وهو في الحقيقة إيمان.
وأما الكلمة الخامسة فمؤكدة لمفاد الاربع (وإن نفى ولدا قال في كل) من الكلمات الخمس، (وأن ولدها أو هذا الولد) إن حضر (من زنا) وإن لم يقل ليس مني حملا للفظ الزنا على حقيقته وهذا ما صححه في أصل الروضة، كالشرح الصغير وعن الاكثرين لا بد منه لاحتمال أن يعتقد أن الوطئ بشبهة زنا وهو قضية كلام الاصل.
وأما الاقتصار عليه فلا يكفي لاحتمال أن يريد أنه لا يشبهه خلقا وخلقا ولو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات إن احتاج في نفيه إلى إعادة اللعان، ولا تحتاج المرأة إلى إعادة لعانها.
(ولعانها قولها بعده) أربعا (أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الونا، وخامسة) من كلمات لعانها (أن غضب الله على إن كان من الصادقين فيه) أي فيما رماني به من الزنا للآيات السابقات.
وتشير إليه في الحضور وتميزه في الغيبة كما في جانبها في الكلمات الخمس، ولا تحتاج إلى ذكر الولد، لان لعانها لا يؤثر فيه.
وخص اللعن بجانبه والغضب بجانبها لان جريمة الزنا أقبح من جريمة القذف، ولذلك تفاوت الحدان، ولا ريب أن غضب الله أغلظ من لعنته فخصت المرأة بالتزام أغلظ العقوبتين هذا كله أن كان قذف ولم تثبته عليه ببينة وإلا بأن كان اللعان لنفي ولد كأن احتمل كونه من وطئ شبهة أو أثبت قذفه ببينة قال في الاول فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي، وأن هذا الولد من تلك الاصابة إلى آخر كلمات اللعان، وفي الثاني فيما أثبت على من رميى إياها بالزنا إلى آخره ولا تلاعن
على المرأة في الاول إذ لا حد عليها بهذا اللعان حتى يسقط بلعانها وأفاد لفظ بعده اشتراط تأخر لعانها عن لعانه، لان لعانها لاسقاط العقوبة.
وإنما تجب العقوبة عليها بلعانه أولا فلا حاجة بها إلى أن تلاعن قبله وأفاد لفظ خامسة اشتراط تأخر لفظي اللعن والغضب عن الكلمات لما يأتي ولان المعنى إن كان من الكاذبين في الشهادات الاربع، فوجب تقديمها، وأفاد تفسير اللعان بما ذكر ما صرح به الاصل، من أنه لا يبدل لفظ شهادة أو غضب أو لعن بغيره، كأن يقال أحلف أو أقسم بالله اتباعا لنظم الآيات السابقة.
وكالولد فيما ذكر الحمل.

(2/174)


(وشرط ولاء الكلمات) الخمس هذا من زيادتي، فيؤثر الفصل، الطويل أما الولاء بين لعان الزوجين فلا يشترط كما صرح به الدارمي، (وتلقين قاض له) أي اللعان، أي لكلماته، فيقول له، قل كذا، ولها قولي كذا، فلا يصح اللعان بغير تلقين كسائر الايمان.
وظاهر أن السيد في ذلك كالقاضي لان له أن يتولى لعان رقيقه، (وصح) اللعان (بغير عربية)، وإن عرفها، لان اللعان يمين أو شهادة وهما في اللغات سواء.
فإن لم يحسن القاضي غيرها، وجب مترجمان.
(و) صح (من) شخص (أخرس بإشارة مفهمة، أو كتابة) كسائر تصرفاته، وليس ذلك كالشهادة منه لضرورته إليه دونها، لان الناطقين يقومون بها، ولان المغلب في اللعان معنى اليمين دون الشهادة، (كقذف) من زيادتي.
فيصح بغير عربية، ومن أخرس بأشارة مفهمة أو كتابة، لما ذكر.
فإن لم يكن له واحدة منهما، لم يصح قذفه ولا لعانه كسائر تصرفاته لتعذر الوقوف على ما يريد.
(وسن تغليظ) اللعان كتغليظ اليمين، بتعديد أسماء الله تعالى.
لكن لا تغليظ على من لا ينتحل دينا كالزنديق والدهري.
ويغلظ (بزمان وهو بعد) صلاة (عصر)، لان اليمين الفاجرة حينئذ أغلظ عقوبة لخبر جاء فيه في الصحيحين، (و) بعد صلاة (عصر) يوم (جمعة أولى) إن اتفق ذلك، أو أمهل، (و) لان ساعة الاجابة فيه عند بعضهم.
وهما يدعوان في الخامسة باللعن والغضب.
وإطلاق العصر مع ذكر أولوية عصر الجمعة من زيادتي، (ومكان وهو أشرف بلده) أي اللعان، (فبمكة بين الركن) الاسود (والمقام) أي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو المسمى بالحطيم.
(وبإيلياء) أي بيت المقدس (عند الصخرة، وبغيرهما) من المدينة وغيرها (على المنبر) بالجامع.
وتعبيري بعلى هو الموافق لما صححه في أصل الروضة من أنهما يصعدان المنبر بخلاف تعبير الاصل، بغد وبباب مسجد لمسلم به حدث أكبر) لحرمة مكثه فيه.
ويخرج القاضي أو نائبه إليه بخلاف الكافر، فيغلظ عليه بما يأتي، فإن أريد لعانه في المسجد غير المسجد الحرام مكن منه، وإن كان به حدث أكبر أو من في نحو الحيض تلويث المسجد.
وتعبيري بذلك موف بالغرض بخلاف قوله، وحائض بباب مسجد (وببيعة وكنيسة وبيت نار لاهلها) وهم النصارى في الاول، واليهود في الثاني.
والمجوس في الثالث.
لانهم يعظمونها كتعظيمنا المسجد، ويحضرها القاضي أو نائبه كغيرها مما مر، لان المقصود تعظيم الواقعة وزجر الكاذب عن الكذب.
واليمين في الموضع الذي يعظمه الحالف أغلظ، وتجوز مراعاة اعتقادهم لشبهة الكتاب كما روعي في قبول الجزية، (لا) بيت (صنم

(2/175)


لوثني)، لانه لا أصل له في الحرمة، ولان دخوله معصية بخلاف دخول البيع والكنائس وبيت النار.
واعتقادهم فيه غير مرعى، فيلاعن بينهم في مجلس حكمه وصورته أن يدخلوا دارنا بأمان، أو هدنة ويترافعوا إلينا.
والتغليظ في حق الكفار بالزمان معتبر بأشرف الاوقات عندهم، كما ذكره الماوردي.
(وجمع) أي وبحضرة جمع من أعيان البلد (أقله أربعة)، لثبوت الزنا بهم ويعتبر كونهم ممن يعرف لغة المتلاعنين وكونهم من أهل الشهادة.
(و) سن (أن يعظمهما قاض) ولو بنائبه كأن يقول إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ويقرأ عليهما: * (إن الذين يشترون بعهد الله) * الآية.
(و) أن (يبالغ) في الوعظ (قبل الخامسة)، فيقول له اتق الله فإن الخامسة موجبة للعن ويقول لها مثل ذلك بلفظ الغضب، لعلهما ينزجران ويتركان فإن أبيا لقنهما الخامسة.
(و) أن (يتلاعنا من قيام) ليراهما الناس ويشتهر أمرهما وتجلس هي وقت لعانه وهو
وقت لعانها (وشرطه) أي الملاعن (زوج يصح طلاقه) على ما يأتي.
(ولو) سكران وذميا ورقيقا ومحدودا في قذف، ولو (مرتدا بعد وطئ) أو استدخال مني فيصح لعانه، وإن قذف في الردة وأصر عليها في العدة، لتبين وقوعه في النكاح فيما إذا لم يصر، وكما لو قذفها زوجها ثم أبانها فيما إذا قذفها قبل الردة، وأصر وكما لو أبانها ثم قذفها بزنا مضاف إلى حال النكاح فيما إذا قذفها في الردة وأصر وثم ولد، (لا إن أصر في ردة ولا ولد) ثم فلا يصح لعانه، لتبين الفرقة من حين الردة مع وقوع القذف فيها ولا ولد.
ويلاعن ولو مع إمكان بينة بزناها) لانه حجة كالبينة، وصدنا عن الاخذ بظاهر قوله تعالى: * (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * من اشتراط تعذر البينة الاجماع فالآية مؤولة بأن يقال: فإن لم يرغب في البينة فيلاعن، كقوله: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) *، على أن هذا القيد خرج على سبب وسبب الآية كان الزوج فيه فاقدا للبينة.
وشرط العمل بالمفهوم: أن لا يخرج القيد على سبب فيلاعن مطلقا (لنفي ولد وإن عفت عن عقوبة) لقذف.
(وبانت) منه بطلاق أو غيره لحاجته إلى ذلك، (ولدفعها) أي العقوبة بطلب لها من الزوجة أو الزاني، كما يعلم مما يأتي (وإن بانت ولا ولد) لحاجته إلى إظهار الصدق، والانتقام منها (إلا تعزير تأديب) لكذب معلوم، كقذف طفلة لا توطأ أو لصدق ظاهر كقذف كبيرة ثبت زناها ببينة أو إقرار أو لعان منه مع امتناعها منه.
فلا يلاعن فيهما لدفعه.
أما في الاولى فلتيقن كذبه فلا يمكن من الحلف على أنه صادق فيعزر لا للقذف لانه كاذب فيه قطعا، فلم يلحق بها عارا بل منعا له من الايذاء وللخوض في الباطل.
وأما في الثانية: فلان اللعان لاظهار الصدق، وهو ظاهر فلا معنى له، ولان التعزير فيه للسب والايذاء، فأشبه التعزير بقذف صغيرة لا توطأ.
والتعزير في غير ذلك وهو من

(2/176)


جملة المستثنى منه يقال له تعزير تكذيب، أن كان لكذب ظاهر كقذف ذمية وأمة وصغيرة توطأ ولا يستوفى هذا التعزير إلا بطلب المقذوفة، حتى لو كانت صغيرة أو مجنونة اعتبر طلبها بعد
كمالها.
وتعزير التأديب في الطفلة المذكورة يستوفيه القاضي منعا للقاذف مما مر وفي غيرها لا يستوفى إلا بطلب الغير.
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله إلا تعزير تأديب لكذب (فلو ثبت زناها) ببينة أو إقرار (أو عفت عن العقوبة، أو لم تطلب) أي العقوبة، (أو جنت بعد قذفه ولا ولد) في الصور الاربع (فلا لعان) لعدم الحاجة إليه، لانتفاء طلب العقوبة في الاخيرتين، وسقوطها في البقية.
فإن كان تم ولد فله اللعان لنفيه كما عرف.
وتعبيري هنا وفيما يأتي بالعقوبة الشاملة للتعزير، أعم من تعبيره بالحد.
(ويتعلق بلعانه انفساخ) ظاهرا وباطنا كالرضاع.
وتعبيري بذلك أولى من تعبيره بفرقة، (وحرمة مؤبدة) وإن أكذب نفسه لخبر البيهقي: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
(وانتفاء نسب نفاه) بلعانه حيث كان ولد لما في الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) فرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة.
(وسقوط عقوبة) من حد أو تعزير (عنه لها وللزاني) بقيد زدته بقولي: (إن سماه فيه) أي في لعانه، للآيات السابقة في الاولى، وقياسا عليها في الثانية.
(و) سقوط (حصانتها في حقه) لان اللعان في حقه، كالبينة (إن لم تلاعن) فإن لاعنت لم تسقط حصانتها في حقه إن قذفها بغير ذلك الزنا لا إن قذفها به، أو أطلق.
وخرج بقولي في حقه حصانتها في حق غيره فلا تسقط.
وقولي وحصانتها إلى آخره من زيادتي.
()
a يتعلق بلعانه أيضا (وجوب عقوبة زناها) عليها ولو ذمية لما مر، ولقوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب) * (ولها لعان لدفعها) أي العقوبة الثابتة بلعانه، فإن أثبتها ببينة فليس لها أن تلاعن لدفعها، لان اللعان حجة ضعيفة فلا تقاوم البينة (وإنما ينفى به) أي بلعانه ولدا (ممكنا) كونه (منه ولو ميتا)، لان نسبه لا ينقطع بالموت بل يقال هذا الميت ولد فلان، (وإلا) أي وإن لم يمكن كونه منه (كأن ولدته لستة أشهر) فأقل (من العقد) لانتفاء زمن الوطئ والوضع، (أو) لاكثر منها بزمنهما و (طلق بمجلسه) أي مجلس العقد أو كان الزوج ممسوحا لانتفاء إمكان الوطئ، أو نكح وهو بالمشرق وهي بالمغرب لانتفاء إمكان اجتماعهما، (فلا يلاعن لنفيه) لانتفاء إمكان كونه منه، فهو منفي عنه بلا لعان، هذا إن كان الولد تاما وإلا فالمعتبر مضي المدة المذكورة في الرجعة، (والنفي فوري) كالرد بعيب
يجامع الضرر بالامساك (إلا لعذر) كأن بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح أو حضرته الصلاة فقدمها أو كان جائعا فأكل أو مريضا أو محبوسا، ولم يمكنه إعلام القاضي بذلك أو لم يجده

(2/177)


فأخر فلا يبطل حقه إن (تعسر) عليه (فيه إشهاد) بأنه باق على النفي وإلا بطل حقه كما لو أخر بلا عذر، فيلحقه الولد وهذا القيد من زيادتي.
(وله نفي حمل وانتظار وضعه) بقيد زدته بقولي (لتحققه)، أي لتحقق كونه ولدا، إذ ما يتوهم حملا قد يكون ريحا فينفيه بعد وضعه بخلاف انتظار وضعه لرجاء موته.
فلو قال: علمته ولدا وأخرت رجاء وضعه ميتا، فاكفي اللعان بطل حقه من النفي لتفريطه، (فإن) أخر و (قال جهلت الوضع وأمكن) جهله (حلف) فيصدق، لان الظاهر يوافقه بخلاف ما إذا لم يمكن كأن غاب.
واستفيض الوضع وانتشر، ولو ادعى جهل النفي أو الفورية وقرب إسلامه أو نشأ بعيدا عن العلماء، أو كان عاميا صدق بيمينه (لا) نفي (أحد توأمين بأن لم يتخلل بينهما ستة أشهر)، بأن ولدا معا أو تخلل بين وضعيهما دون ستة أشهر لان الله سبحانه وتعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في الرحم ولد من ماء رجل وولد من ماء آخر، لان الرحم إذا اشتمل على المني استد فمه فلا يتأتى قبوله مني آخر، فالتوأمان من ماء رجل واحد في حمل واحد فلا يتبعضان لحوقا ولا انتفاء فلو نفي أحدهما باللعان ثم ولدت الثاني فسكت عن نفيه لحقه الاول مع الثاني ولم يعكس لقوة اللحوق على النفي، لانه معمول به بعد النفي، ولا كذلك النفي بعد الاستلحاق، ولان الولد يلحق بغير استلحاق عند إمكان كونه منه، ولا ينتفي عنه عند إمكان كونه من غيره إلا بالنفي أما إذا كان بين وضعي الولدين ستة أشهر فأكثر فهما حملان يصح نفي أحدهما.
وما وقع في الوسيط من أنه إذا كان بينهما ستة أشهر فتوأمان جرى على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة، كما يؤخذ مما قدمته في الوصية.
(ولو هنئ بولد) كأن قيل له متعت بولدك أو جعله الله لك ولدا صالحا، (فأجاب بما يتضمن إقرارا كآمين أو نعم، لم ينف) بخلاف ما إذا أجاب بما لا يتضمن إقرارا كقوله: جزاك
الله خيرا أو بارك عليك، لان الظاهر أنه قصد مكافأة الدعاء بالدعاء، (ولو بانت) منه (ثم قذفها) فإن قذفها (بزنا مطلق أو مضاف لما بعد النكاح، لا عن لنفي ولد) يمكن كونه منه كما في صلب النكاح، وتسقط عقوبة القذف عنه بلعانه، ويجب به على البائن عقوبة الزنا المضاف إلى بعد النكاح بخلاف المطلق ويسقط بلعانها.
فإن لم يكن ولد يمكن كونه منه فلا لعان كالاجنبي، ولانه لا ضرورة إلى القذف حينئذ (وإلا) بأن قذفها بزنا مضاف إلى ما قبل نكاحه، وهو ما اقتصر عليه الاصل أو إلى ما بعد البينونة (فلا لعان) سواء أكان ثم ولد لتقصيره إذ كان حقه أن يطلق القذف أو يضفيه إلى ما بعد النكاح أم لا، إذ لا ضرورة إلى القذف (و) لكن (له إنشاؤه) أي القذف المطلق أو المضاف إلى بعد النكاح (ويلاعن لنفيه) أي الولد بل يلزمه ذلك إن علم أو ظن أنه ليس منه، وتسقط عقوبة القذف عنه بلعانه فإن لم ينش عوقب.

(2/178)


(كتاب العدد) جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها عليه غالبا، وهي مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد أو لتفجعها على زوج كما سيأتي.
والاصل فيها قبل الاجماع الآيات الآتية وشرعت صيانة للانساب وتحصينا لها من الاختلاط، (تجب عدة بوطئ شبهة أو بفرقة زوج حي) بطلاق أو فسخ أو انفساخ بلعان أو رضاع أو غيره، (دخل منيه المحترم أو وطئ) في فرج (ولو في دبر) بخلاف ما إذا لم يكن دخول مني ولا وطئ ولو بعد خلوة.
قال تعالى: * (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة) *.
وإنما وجبت بدخول منيه لانه كالوطئ بل أولى، لانه أقرب إلى العلوق من مجرد الوطئ.
وخرج بزيادتي المحترم غيره، بأن ينزل الزوج منيه بزنا فتدخله الزوجة فرجها (أو تيقن براءة رحم) كمما في صغير أو صغيرة، فإن العدة تجب لعموم الادلة ولان الانزال الذي به العلوق خفي يعسر تتبعه، فأعرض الشرع عنه، واكتفى بسببه وهو الوطئ أو إدخال المني كما اكتفى في الترخص بالسفر وأعرض عن المشقة، (فعدة حرة تحيض ثلاثة أقراء) ولو جلبت
الحيض فيها بدواء.
قال تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * (ولو مستحاضة) غير متحيرة فتعتد بإقرائها المردودة هي إليها من عادة، وتمييز وأقل حيض كما مرت في بابه.
(والقرء) المراد به هنا (طهر بين دمين) أي دم حيضين أو حيض ونفاس أو نفاسين، أخذا من قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * أي في زمنها، وهو زمن الطهر، لان الطلاق في الحيض حرام كما مر.
وزمن العدة يعقب زمن الطلاق، والقرء بالفتح والضم مشترك بين الطهر والحيض ومن إطلاقه على الحيض ما في خبر النسائي وغيره، تترك الصلاة أيام أقرائها وقيل حقيقة في الطهر مجاز في الحيض.
وقيل: عكسه ويجمع على أقراء وقروء وأقرؤ، (فإن طلقت طاهرا) وقد بقي من زمن الطهر شئ (انقضت) عدتها (بطعن في حيضة ثالثة) لحصول الاقراء الثلاثة بذلك بأن يحسب ما بقي من الطهر الذي طلقت فيه قرءا وطئ فيه أم لا ولا بعد في تسمية قرأين، وبعض الثالث ثلاثة قروء.
كما فسر قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) *.

(2/179)


بشوال وذي القعدة وبعض ذي الحجة، (أو) طلقت (حائضا) وإن لم يبق من زمن الحيض شئ (ففي رابعة) أي فتنقضي عدتها بالطعن في حيضة رابعة، لتوقف حصول الاقراء الثلاثة على ذلك.
وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل يتبين به انقضاؤها كما مر في الطلاق.
وخرج بالطهر بين دمين طهر من لم تحض ولم تنفس فلا يحسب قرءا (و) عدة حرة (متحيرة) ولو متقطعة الدم بقيد زدته بقولي.
(طلقت أول شهر) كأن علق الطلاق به (ثلاثة أشهر) هلالية (حالا) لا بعد اليأس، لاشتمال كل شهر على طهر وحيض غالبا مع عظم مشقة الصبر إلى سن اليأس.
أما لو طلقت في أثنائه فإن بقي منه أكثر من خمسة عشر يوما حسب قرءا لاشتماله على طهر لا محالة، فتكمل بعده بشهرين هلاليين، وإن بقي منه خمسة عشر يوما فأقل، لم يحسب قرءا لاحتمال أنه حيض فتعتد بعده بثلاثة أشهر هلالية.
(و) عدة (غير حرة) تحيض ولو مبعضة أو مستحاضة غير متحيرة، (قراءن) لانها على النصف من الحرة في
كثير من الاحكام، وإنما كملت القرء الثاني لتعذر تبعيضه كالطلاق، إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله.
فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم، (فإن عتقت في عدة رجعية فكحرة) فتكمل ثلاثة أقراء، لان الرجعية كالزوجة في أكثر الاحكام، فكأنها عتقت قبل الطلاق بخلاف ما إذا اعتقت في عدة بينونة، لانها كالاجنبية، فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة، (و) عدة غير حرة (متحيرة بشرطها) السابق، وهو أن تطلق أول شهر (شهران) فإن طلقت في أثنائه والباقي أكثر من خمسة عشر حسب قرءا فتكمل بعده بشهر هلالي وإلا لم يحسب قرءا فتعتد بعده بشهرين هلاليين على المعتمد خلافا للبارزي في اكتفائه بشهر ونصف وهذه من زيادتي.
(و) عدة (حرة لم تحض أو يئست) من الحيض (ثلاثة أشهر) هلالية، بأن انطبق الطلاق على أول الشهر.
قال تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) *.
أي فعدتهن كذلك.
(فإن طلقت في أثناء شهر كملته من الرابع ثلاثين) يوما سواء أكان الشهر تاما أم ناقصا، (و) عدة (غير حرة) لم تحض أو يئست (شهر ونصف) لانها على النصف من الحرة.
وتعبيري بغير حرة أعم من تعبيره بأمة.
(ومن انقطع دمها) من حرة أو غيرها (ولو بلا علة) تعرف (تصبر حتى تحيض) فتعتد بأقراء (أو تيأس) فبأشهر وإن طال صبرها، إنما شرعت للتي لم تحض، وللآيسة وهذه غيرهما.
(فلو حاضت من لم تحض) من حرة أو غيرها (أو) حاضت (آيسة) كذلك (فيها) أي في الاشهر، (فبأقراء) تعتد لانها الاصل في العدة.
وقد قدرت عليها قبل الفراغ من بدلها فتنتقل إليها كالمتيمم إذا وجد

(2/180)


الماء في أثناء التيمم، فإن حاضت بعدها الاولى لم يؤثر لان حيضها حينئذ لا يمنع صدق القول بأنها عند اعتدادها بالاشهر من اللائي لم يحضن، أو الثانية ففيها تفصيل ذكرته بقولي: (كآيسة حاضت بعدها ولم تنكح) زوجا آخر، فإنها تعتد بالاقراء لتبين أنها ليست آيسة فإن نكحت آخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها.
وللشروع في المقصود كما إذا قدر المتيمم على الماء بعد الشروع في الصلاة، وذكر حكم غير الحرة، فيمن
لم تحض من زيادتي.
(والمعتبر) في اليأس (يأس كل النساء) بحسب ما يبلغنا خبره لاطوف نساء العالم، ولا يأس عشيرتها فقط وإقصاه اثنان وستون سنة وقيل ستون وقيل خمسون.
(و) عدة (حامل وضعه) أي الحمل وإن لم يظهر إلا بعد عدة أقراء، أو أشهر لانهما يدلان على البراءة ظنا.
والحمل يدل عليها قطعا، (حتى ثاني توأمين) وتقدم بيانهما في الباب قال تعالى: * (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *.
فهو مخصص، لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *، ولان القصد من العدة براءة الرحم، وهي حاصلة بوضع الحمل.
(ولو) كان (ميتا أو مضغة تتصور) لو بقيت بأن أخبر بها قوابل لظهورها عندهن، كما لو كانت ظاهرة عند غيرهن أيضا لظهور يد أو أصبع أو ظفر أو غيرهما وذلك لحصول براءة الرحم بذلك بخلاف ما لو شككن في أنها لحم آدمي، وبخلاف العلقة لانها لا تسمى حملا ولا علم كونها أصل آدمي هذا (إن نسب) الحمل (إلى ذي عدة ولو احتمالا كمنفي بلعان) فلولا عن حاملا، ونفي الحمل انقضت عدتها بوضعه، وإن انتفى عنه ظاهر الامكان كونه منه فإن لم يمكن نسبته إليه لم تنقض بوضعه كأن مات وهو صبي أو ممسوح وامرأته حامل فلا تعتد بوضع الحمل، (ولو ارتابت) أي شكت وهي (في عدة في) وجود (حمل) لثقل وحركة تجدهما (لم تنكح) آخر (حتى تزول الريبة) فإن نكحت، بالنكاح باطل للتردد في انقضاء العدة، (أو) ارتابت (بعدها) أي بعد العدة (سن صبر) عن النكاح (لتزول) الريبة والتصريح بالسن من زيادتي (فإن نكحت) قبل زوالها (أو ارتابت بعد نكاح) لآخر، (لم يبطل) أي النكاح لانقضاء العدة ظاهرا (إلا أن تلد لدون ستة أشهر من إمكان علوق) بعد عقده، وهو أولى من قوله من عقده فيتبين بطلانه.
والولد للاول إن أمكن كونه منه بخلاف ما إذا ولدت لستة أشهر فأكثر، فالولد للثاني وإن أمكن كونه من الاول لان الفراش الثاني تأخر فهو أقوى، ولان النكاح الثاني قد صح ظاهرا فلو ألحقنا الولد بالاول لبطل النكاح لوقوعه في العدة، ولا سبيل إلى إبطال ما صح بالاحتمال، وكالثاني وطئ الشبهة بعد العدة فلو أتت بولد لستة أشهر فأكثر من الوطئ
لحق بالواطئ لانقطاع النكاح، والعدة عنه ظاهرا ذكره في الروضة وأصلها، (ولو فارقها) فراقا

(2/181)


بائنا أو رجعيا (فولدت لاربع سنين) فأقل من إمكان العلوق قبل الفراق، ولم تنكح آخر أو نكحت.
ولم يمكن كون الولد من الثاني بقرينة ما يأتي (لحقه) الولد بخلاف ما لو ولدت لاكثر منها، لان الحمل قد يبلغ أربع سنين وهو أكثر مدته كما استقرئ واعتباري للمدة في هذه من وقت إمكان العلوق قبل الفراق لا من الفراق الذي عبر به أكثر الاصحاب، هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما أطلقوه تساهل، والقويم ما قاله أبو منصور التميمي معترضا عليهم من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، وإلا لزادت مدة الحمل على أربع سنين.
ومرادهما بأنه قويم أنه أوضح مما قالوه، وإلا فما قالوه صحيح أيضا بأن يقال ليس مرادهم بالاربع فيها الاربع مع زمن الوطئ، والوضع التي هي مرادهم بأنها أكثر مدة الحمل، بل مرادهم الاربع بدون زمن الوضع قلا تلزم الزيادة المذكورة، وبهذا يجاب عما يورد من ذلك على نظيرها في الوصية، والطلاق.
(فإن نكحت بعد) انقضاء (عدتها فولدت لستة أشهر) فأكثر من إمكان العلوق بعد العقد (لحق الثاني)، وإن أمكن كونه من الاول لما مر فيما إذا ارتابت (ولو نكحت) آخر (فيها) أي في عدتها (فاسدا، وجهلها الثاني فولدت لامكان منه) دون الاول (لحقه) بأن ولدته لاكثر من أربع سنين من إمكان العلوق قبل الفراق، ولستة أشهر فأكثر من وطئه.
نعم إن كان طلاق الاول رجعيا، ففيه قولان في الشرحين والروضة بلا ترجيح، أحدهما كذلك، والثاني يعرض على القائف.
ونقله البلقيني عن نص الام، وقال هو الذي ينبغي الفتوى به (أو) لامكان (من الاول) دون الثاني (لحقه) بأن ولدته، لاربع سنين فأقل مما مر ولدون ستة أشهر من وطئ الثاني وانقضت عدته بوضعه ثم تعتد ثانيا للثاني كما يعلم من الفصل الآتي، (أو) لامكان (منهما عرض على قائف) ويرتب عليه حكمه، فإن ألحقه بأحدهما فحكمه ما مر فيه، أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو اشتبه عليه الامر أو لم يكن ثم قائف انتظر بلوغه وانتسابا بنفسه وإن ولدته لزمن لا يمكن كونه فيه من واحد منهما كأن ولدته لدون ستة أشهر من وطئ الثاني، ولاكثر من أربع
سنين مما مر لم يلحق واحدا منهما.
وخرج بالفاسد الصحيح وذلك في أنكحة الكفار، فإذا أمكن كون الولد من الزوجين لحق الثاني ولم يعرض على قائف، وبزيادتي وجهلها الثاني ما لو علمها فإن جهل التحريم وقرب عهده بالاسلام فكذلك، وإلا فهو زان.
(فصل) في تداخل عدتي امرأة لو (لزمها عدتا شخص من جنس) واحد (كأن) هو أولى من قوله بأن (طلق ثم وطئ في

(2/182)


عدة غير حمل) من أقراء أو أشهر، ولم تحبل من وطئه عالما، كان أو جاهلا بأنها المطلقة أو بالتحريم وقرب عهده بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء (لا عالما) بذلك (في بائن) لان وطأه لها زنا لا حرمة له (تداخلتا) أي عدتا الطلاق والوطئ، (فتبتدئ عدة) بأقراء أو أشهر (من) فراغ (وطئ) ويدخل فيها بقية عدة الطلاق، والبقية واقعة عن الجهتين (وله رجعة في البقية) في الطلاق الرجعي دون ما بعدها كما مر في الرجعة وهذا من زيادتي، (أو) من (جنسين كحمل وأقراء) كأن طلقها حائلا ثم وطئها في أقراء وأحبلها أو طلقها حاملا ثم وطئها قبل الوضع.
وهي ممن تحيض (فكذلك) أي فتتداخلان بأن تدخل الافراء في الحمل في المثال لاتحاد صاحبهما.
والاقراء إنما يعتد بها إذا كانت مظنة الدلالة على البراءة وقد انتفى ذلك هنا للعلم بإشغال الرحم.
وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح البهجة (فتنقضيان بوضعه) وهو واقع عن الجهتين (ويراجع قبله) في الطلاق الرجعي سواء أكان الحمل من الوطئ أم لا.
(أو) لزمها عدتا (شخصين كأن كانت في عدة زواج أو) وطئ (شبهة فوطئت) من آخر (بشبهة) كنكاح فاسد أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت (فلا تداخل) لتعدد المستحق، بل تعتد لكل منهما عدة كاملة.
(وتقدم عدة حمل) تقدم أو تأخر لان عدته لا تقبل التأخير، فإن كان من المطلق ثم وطئت بشبهة انقضت عدة الحمل بوضعه، ثم تعتد للشبهة بالاقراء، (ف) - إن لم يكن حمل فتقدم عدة (طلاق) على عدة الشبهة، وإن سبق وطئ الشبهة الطلاق لقوتها باستنادها إلى عقد جائز،
(وله رجعة فيها) سواء أكان ثم حمل أم لا لكنه لا يراجع وقت وطئ الشبهة لخروجها حينئذ عن عدته بكونها فراشا للوطئ، (و) له رجعة (قبلها) أي قبل عدة الطلاق بأن يكون ثم حمل من وطئ الشبهة، وإن راجع في النفاس، لان عدته لم تنقض وخرج بالرجعة التجديد فلا يجوز في عدة غيره، لانه ابتداء نكاح والرجعة شبيهة باستدامة النكاح وهذه، وكذا التي قبلها فيما إذا كان ثم حمل أو سبقت الشبهة من زياذتي.
(فإن راجع) فيها (ولا حمل انقطعت وشرعت في الاخرى) أي في عدة وطئ الشبهة بأن تستأنفها إن سبق الطلاق وطئ الشبهة، وتتمهاإن انعكس ذلك (ولا يتمتع بها حتى تقضيها) رعاية للعدة، فإن كان ثم حمل منه انقطعت العدة أيضا واعتدت للشبهة بعد الوضع والنفاس، وله التمتع بها إلى مضيهما، لانها زوجة ليست في عدة ولو راجع حاملا من وطئ شبهة، فليس له التمتع بها حتى تضع قاله في الروضة كأصلها.

(2/183)


(فصل) في حكم معاشرة المفارق المعتدة لو (عاشر مفارق) بوطئ أو غيره (رجعية في عدة أقراء أو أشهر لم تنقض) عدتها بخلاف البائن لقيام شبهة الفراش في الرجعية دون البائن، نعم إن عاشرها بوطئ شبهة فكالرجعية.
أما غير كالمفارق فإن كان سيدا فهو في أمته، كالفارق في الرجعية أو غيره فكالمفارق في البائن وخرج بما ذكر عدة الحمل، فتنقضي بوضعه مطلقا (ولا رجعة بعدهما) أي بعد الاقراء، والاشهر وإن لم تنقض بهما العدة احتياطا وفيه كلام ذكرته مع جوابه في شرح الروض وغيره (ويلحقها طلاق) إلى انقضاء عدة لذلك، (ولو نكح معتدة بظن صحة ووطئ انقطعت) عدتها (بوطئه) لحصول الفراش به بخلاف ما إذا لم يطأ، وإن عاشرها لانتفاء الفراش (ولو راجع حائلا أو حاملا فوضعت ثم طلقها استأنفت) عدة، (وإن لم يطأ) لعودها بالرجعية إلى النكاح الذي وطئت فيه ولو طلقها قبل الوضع انقضت عدتها به، وإن وطئ لاطلاق الآية (ولو نكح معتدته ثم وطئ ثم طلق استأنفت) عدة، لاجل الوطئ (ودخل فيها البقية) من العدة السابقة لانهما لواحد، ولو طلق قبل الوطئ بنت على ما سبق من العدة وأكملتها، ولا عدة لهذا الطلاق
لانه في نكاح جديد طلقها فيه قبل الوطئ، فلا يتعلق به عدة بخلاف ما مر في الرجعية.
(فصل) في عدة الوفاة وفي المفقود وفي الاحداد (تجب بوفاة الزوج عدة وهي) أي عدة الوفاة (لحرة حائل أو حامل من غيره كزوجة صبي) أو ممسوح، (ولو رجعية أو لم توطأ أربعة أشهر وعشرة) من الايام (بلياليها).
قال تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * أي عشر ليال بأيامها وسواء الصغيرة وذات الاقراء وغيرهما.
والآية محمولة على الغالب من الحرائر الحائلات، وألحق بهن الحاملات ممن ذكر.
وتعتبر الاشهر بالاهلة ما أمكن ويكمل المنكسر بالعدد كنظائره (ولغيرها)، ولو مبعضة (كذلك) أي حائل أو حامل ممن ذكر (نصفها) وهو شهران وخمسة أيام بلياليها، ويأتي في الانكسار ما مر وتعبيري بغيره وبغيرها أعم من

(2/184)


تعبيره بما ذكره، (ولحامل منه) أي من الزوج حرة كانت أو غيرها (ولو مجبوبا) بقي أنثياه (أو مسلولا) بقي ذكره (وضعه) أي الحمل، لقوله تعالى: * (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * فهو مقيد للآية السابقة.
وفارق المجبوب والمسلول الممسوح فإن المجبوب بقي فيه أوعية المني وقد يصل إلى الفرج بغير إيلاج، والمسلول بقي ذكره وقد يبالغ في الايلاج فيتلذذ وينزل ماء رقيقا بخلاف الممسوح (ولو طلق إحدى امرأتيه) معينة عنده أو مبهمة، (ومات قبل بيان) للمعينة (أو تعيين) للمبهمة، ولم يطأ واحدة منهما أو وطئ واحدة، وهي ذات أشهر مطلقا أو ذات أقراء في طلاق رجعي أو وطئهما، وهما ذواتا أشهر مطلقا أو ذواتا أقراء في رجعي بقرينة ما يأتي، (اعتدتا لوفاة) وإن احتمل أن لا يلزمها عدة في الاولى، وأن يلزمها عدة الطلاق في غيرها التي هي أقل من عدة الوفاة، في ذات الاشهر وفي ذات الاقراء بناء على الغالب، من أن كل شهر لا يخلو عن حيض وطهر للاحتياط في الجميع (لا في) طلاق (بائن)، ووطئهما أو إحداهما (فتعتد من وطئت وهي ذات أقراء بالاكثر من عدة وفاة منها) أي من وفاة.
(و) عدة (أقراء من طلاق)
لذلك، وتعتد غيرها لوفاة لما تقرر وذكر حكم وطئ إحداهما في الجميع من زيادتي ووجه اعتبار الاكثر من الطلاق في المبهمة، مع أن عدتها إنما تعتبر من التعيين، أنه لما أيس من التعيين اعتبر السبب وهو الطلاق وفيه كلام ذكرته في شرح الروض (والمفقود) بسفر أو غيره (لا تنكح زوجته حتى يثبت موته بما مر) في الفرائض، (أو طلاقه) بحجة فيه (ثم تعتد) كما لا يحكم بموته في قسمة ماله وعتق أم ولده حتى يثبت، ولان النكاح ثابت بيقين فلا يزال إلا بيقين.
وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره (فلو حكم بنكاحها قبل ثبوته نقض) الحكم لمخالفته القياس الجلي إذ لا يجوز أن يكون حيا في ماله، وميتا في حق زوجته (ولو نكحت) قبل ثبوته (وبان ميتا) قبل نكاحها بمقدار العدة (صح) النكاح لخلوه عن المانع في الواقع، فأشبه ما لو باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا (ويجب إحداد على معتدة وفاة) لخبر الصحيحين، لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، أي فإنه يحل لها الاحداد عليه أي يجب للاجماع على إرادته.
والتقييد بإيمان المرأة جرى على الغالب لان غيرها ممن لها أمان يلزمها الاحداد، وعلى ولي صغيرة ومجنونة منعهما مما يمنع منه غيرهما، (وسن لمفارقة) ولو رجعية، ولا يجب لانها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به أو بفسخ.

(2/185)


فالفسخ منها أو لمعنى فيها قلا يليق بها فيهما إيجاب الاحداد بخلاف المتوفي عنها زوجها وذكر سنه في الرجعية من زيادتي، وهو ما نقله في الروضة كأصلها عن أبي ثور عن الشافعي، ثم نقل عن بعض الاصحاب أن الاولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها، (وهو) أي الاحداد من أحد ويقال فيه الحداد من حد، وهو لغة المنع واصطلاحا (ترك لبس مصبوغ) بما يقصد (لزينة ولو) صبغ (قبل نسجه أو خشن) لخبر الصحيحين عن أم عطية كنا ننهي أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وأن نكتحل وأن نتطيب وأن نلبس ثوبا مصبوغا بخلاف غير المصبوغ ككتان وإبريسم لم تحدث فيه زينة كنقش، وبخلاف المصبوغ
لا لزينة بل لمصيبة أو احتمال وسخ كالاسود، الكحلي لانتفاء الزينة فيه وإن تردد المصبوغ بين الزينة وغيرها كالاخضر والازرق، فإن كان براق اصا في اللون حرم وإلا فلا (و) ترك (تحل بحب) يتحلى به كلؤلؤ (ومصوغ) من ذهب أو فضة أو غيرهما كنحاس، إن موه بهما أو كانت المرأة ممن تتحلى به (نهارا) كخلخال وسوار وخاتم لخبر أبي داود وغيره باسناد حسن المتوفي عنها، لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي، ولا تختضب ولا تكتحل.
والمشقة المصبوغة بالمشق بكسر الميم وهو المغرة بفتحها، ويقال طين أحمر يشبهها وخرج بالتحلي بما ذكر التحلي بغيره كنحاس ورصاص عاريين عما مر.
وبالنهار وهو من زيادتي التحلي بما ذكر ليلا، فجائز بلا كراهة لحاجة ومعها لغير حاجة.
(و) ترك (تطيب) في بدن وثوب وطعام وكحل ولو لغير محرم لخبر أم عطية السابق واستثنى استعمالها عند الطهر من الحيض والنفاس قليلا من قسط أو أظفار.
وهما نوعان من البخور كما ورد به الحديث في مسلم، وظاهر أنها إن احتاجت إلى تطيب جاز كالاكتحال.
وبه صرح الامام.
(و) ترك (اكتحال بكحل زينة) كإثمد ولو كانت سوداء وككحل أصفر، ولو كانت بيضاء، وإن لم يكن فيهما طيب لخبر أم عطية السابق، (إلا لحاجة) كرمد (ف) - تكتحل به (ليلا) وتمسحه نهارا ويجوز للضرورة نهارا، وذلك لخبر أبي داود أنه (صلى الله عليه وسلم) دخل على أو سلمة وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت في عنها صبرا فقال: ما هذا يا أم سلمة فقالت: هو صبر لاطيب فيه فقال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
والصبر بفتح الصاد وكسرها مع اسكان الباء وفتح الصاد وكسر الباء.
وخرج بكحل الزينة غيره كالتوتياء فجائز مطلقا إذ لا زينة فيه.
وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بإثمد وقولي قليلا من زيادتي.
(و) ترك (إسفيذاج) بذال معجمة وهو ما يتخذ من رصاص يطلى به الوجه (ودمام) بضم المهملة وكسرها وهي حمرة يورد بها الخد، (وخضاب ما ظهر) من البدن كالوجه واليدين والرجلين لا ما تحت الثياب (بنحو حناء) كورس وزعفران لخبر أبي داود السابق.
وقولي ما ظهر من زيادتي وهو ما في الروضة كأصلها

(2/186)


عن الروياني لكن صرح ابن يونس بأن ذلك في جميع البدن.
وفي معنى ما ذكر تطريف أصابعها وتصفيف طرتها وتجعيد شعر صدغيها، وتسويد الحاجب وتصفيره (وحل تجميل فراش) مما ترقد وتقعد عليه من مرتبة ونطع ووسادة ونحوها، (و) تجميل (أثاث) بمثلثتين وهو متاع البيت وذلك بأن تزين بيتها بالفراش والستور وغيرهما، لان الاحداد في البدن لا في الفراش والمكان، (و) حل (تنظيف) بغسل رأس وقلم ظفر وإزالة وسخ وامتشاط وحمام، واستحداد، لان جميع ذلك ليس من الزينة أي الداعية إلى الوطئ فلا ينافي إطلاق اسمها على ذلك في صلاة الجمعة (ولو تركت إحدادا أو سكنى) في كل المدة أو بعضها، وإن لم تبلغها وفاة زوجها إلا بعد المدة (انقضت) بمضيها (عدتها).
وإن عصت هي أو وليها بترك الواجب عند العلم بحرمته إذ العبرة في انقضائها بانقضاء المدة (ولها) أي للمرأة لا للرجل (إحداد على غير زوج) من قريب وسيد، (ثلاثة أيام فأقل) لا ما زاد عليها، وذلك مأخوذ من الحديثين السابقين أول المبحث.
(فصل) في سكنى المعتدة (تجب سكنى لمعتدة فرقة) بطلاق أو فسخ أو وفاة، لقوله تعالى في الطلاق: * (أسكنوهن من حيث سكنتم) *.
وقيس به الفسخ بأنواعه بجامع فرقة النكاح في الحياة، ولخبر فريعة بضم الفاء بنت مالك في الوفاة أن زوجها قتل، فسألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ترجع إلى أهلها وقالت إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه فأذن لها في الرجوع، قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا.
صححه الترمذي وغيره.
هذا حيث (تجب نفقتها) على الزوج (لو لم تفارق) فلا تجب سكنى لمن لا نفقة لها عليه من ناشزة، ولو في العدة وصغيرة لا تحتمل الوطئ وأمة لا تجب نفقتها كمالا تجب لمعتدة عن وطئ شبهة، ولو في نكاح فاسد، فتعبيري بذلك أعم من قوله إلا ناشزة وهو من زيادتي في معتدة فسخ أو وفاة، وحيث لا تجب سكنى لمعتدة.
فللزوج أو وارثه إسكانها، حفظا لما به، وعليها الاجابة وحيث لا تركة.
ولم يتبرع الوارث بالسكنى سن للسلطان.
إسكانها من بيت المال، وإنما وجبت السكنى
لمعتدة وفاة ومعتدة نحو طلاق بائن.
وهي حائل دون النفقة لانها لصيانة ماء الزوج وهي تحتاج إليها بعد الفرقة، كما تحتاج إليها قبلها.
والنفقة لسلطنته عليها، وقد انقطعت وإذا وجبت السكنى فإنما تجب (في مسكن) لائق بها، (كانت به عند الفرقة ولو) كان (من نحو شعر) كصوف محافظة على حفظ ماء الزوج.
نعم لو ارتحل أهلها وفي الباقين قوة وعدد تخيرت بين الاقامة

(2/187)


والارتحال كما يعلم مما يأتي في العذر لان مفارقة الاهل عسرة موحشة، ونحو من زيادتي.
(ولا تخرج) منه ولو رجعية، ولا تخرج هي منه ولو وافقها الزوج على خروجها منه بغير حاجة، لم يجز.
وعلى الحاكم المنع منه لان في العدة حقا لله سبحانه وتعالى وقد وجبت في ذلك المسكن قال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) *.
وما ذكرته في الرجعية، هو ما قالة الامام.
قال في المطلب ونص عليه في الام وفي الحاوي والمهذب وغيرهما من كتب العراقيين، أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لانها في حكم الزوجة، وبه جزم النووي في نكته.
قال السبكي: والاول أولى لاطلاق الآية، والاذرعي إنه المذهب المشهور والزركشي إنه الصواب، (إلا لعذر كشراء غير من لها نفقة) على المفارق (نحو طعام) كقطن وكتان (نهارا وغزلها ونحوه) كحديثها وتأنسها (عند جارتها ليلا إن) رجعت و (باتت ببيتها) للحاجة إلى ذلك، أما من بها نفقة كرجعية وحامل بائن فلا يخرجان لذلك، إلا بإذن الزوج كالزوجة إذ عليه القيام بكفايتهما نعم للثانية الخروج لغير تحصيل النفقة كشراء قطن وبيع غزل كما ذكره السبكي وغيره.
(وكخوف) على نفس أو مال من نحو هدم وغرق وفسقة مجاورين لها، وهذا أعم من قوله لخوف من هدم أو غرق أو على نفسها، (وشدة تأذيها بجيران أو عكسه) أي شدة تأذيهم بها للحاجة إلى ذلك بخلاف الاذى اليسير، إذ لا يخلو منه أحد ومن الجيران الاحماء وهم أقارب الزوج، نعم إن اشتد أذاها لهم أو عكسه وكانت الدار ضيقة نقلهم الزوج عنها، وخرج بالجيران ما لو طلقت ببيت أبويها وتأذت بهم أو هم بها فلا نقل، لان الوحشة لا تطول بينهما.
(ولو انتقلت لبلد أو مسكن بإذن) من الزوج (فوجبت عدة ولو قبل وصولها) إليه (اعتدت فيه) لانها مأمورة بالمقام فيه سواء أحولت الامتعة من الاول أم لا، (أو) انتقلت لذلك (بلا إذن ففي الاول) تعتد، وإن وجبت العدة بعد وصولها للثاني لعصيانها بذلك نعم إن أذن لها بعد انتقالها أن تقيم في الثاني، فكما لو انتقلت بالاذن (كما لو أذن) في الانتقال (فوجبت) أي العدة (قبل خروجها) فتعتد في الاول، لانه الذي وجبت فيه العدة (أو سافرت بإذن) لحاجتها أو لحاجته كحج وعمرة وتجارة واستحلال من مظلمة، ورد آبق أولا لحاجتهما كنزهة وزيارة (فوجبت في طريق فعودها أولى) من مضيها.
وإنما لم يلزمها العود، لان في قطع المسير مشقة ظاهرة وهي معتدة في سيرها مضت أو عادت.
(ويجب) أي عودها (بعد انقضاء حاجتها) إن سافرت لها (أو) بعد انقضاء (مدة الاذن)

(2/188)


إن قدر لها مدة (أو) مدة (إقامة المسافر) إن لم يقدر لها مدة في سفر غير حاجتها، لتعتد للبقية في الطريق أو بعضها فيه، وبعضها في الاول عملا بحسب الحاجة، (كوجوبها بعد وصولها) المقصد فإنه يجب عودها بعد ما ذكر.
وإطلاقي للسفر أولى من تقييده له بالحج والتجارة، لكن إن سافرت معه لحاجته لزمها العود، ولا تقيم بمحل الفرقة أكثر من مدة إقامة المسافر إن أمنت الطريق ووجدت الرفقة، لان سفرها كان بسفره فينقطع بزوال سلطانه، واغتفر لها مدة المسافر لانها خرجت بأهبة الزوج فلا تبطل عليها أهبة السفر، وذكر أولوية العود مع قولي أو مدة إلى آخره من زيادتي، (ولو خرجت) منه (فطلقها وقال ما أذنت في خروج أو) قال وقد قالت أذنت لي في نقلتي (أذنت لا لنقلة حلف) فيصدق لان الاصل عدم الاذن في الاولى، وعدم الاذن في النقلة في الثانية فيجب رجوعها في الحال إلى مسكنها وهذا بخلاف ما لو كان القائل في الثانية، وارث الزوج فإنها المصدقة بيمينها لانها أعرف بما جرى من الوارث والتصريح بالتحليف في الثانية من زيادتي.
(وإذا كان المسكن) ملكا (له يليق بها تعين) لان تعتد فيه لما مر، (وصح بيعه في عدة أشهر) كالمكتري لا في عدة حمل أو أقداء لان اخر المدة مجهول أو كان مستعارا أو مكتري وانقضت مدته أي المكتري (انتقلت) منه (إن امتنع المالك) من بقائهما بيد الزوج بأن رجع المعير، ولم يرض بإجارته المثل، وامتنع المكتري من تجديد بأجرة الاجارة بذلك وكامتناعه خروجه عن أهلية التبرع في المسكن بنحو جنون أو سفه، (أو) كان ملكا (لها تخيرت) بين الاستمرار فيه بإعارة أو أجارة والانتفال منه.
وهذا ما صححه في الروضة كأصلها إذ لا يلزمها بذله بإعارة ولا بإجارة.
فقول الاصل استمرت أي جوازا لئلا يخالف ذلك وإن أشعر كلامه بالوجوب (كما لو كان) المسكن (خسيسا) فتخير بين الاستمرار فيه، وطلب النقل إلى لائق بها (ويخير) هو (إن كان نفيسا) بين إبقائها فيه، ونقلها إلى مسكن لائق بها، ويتحرى المسكن الاقرب إلى المنقول عنه بحسب ما يمكن وظاهر كلامهم وجوبه واستبعده الغزالي، وتردد في الاستحباب (وليس له) ولو أعمى (مساكنتها ولا مداخلتها) في مسكن لما يقع فيهما من الخلوة بها، وهي حرام كالخلوة بأجنبية (إلا في دار واسعة مع مميز بصير محرم لها مطلقا) أي ذكرا كان

(2/189)


إو أنثى، (أو) مع مميز بصير محرم (له أنثى أو حليلة) من زوجة أو أمة (أو) في (دار بها نحو حجرة) كطبقة (وانفرد كل) منهما، (بواحدة بمرافقها كمطبخ ومستراح وممر وأغلق باب بينهما) أو سد وهو أولى فيجوز ذلك في الصورتين، ولو بلا محرم أو نحوه في الثانية لانتفاء المحذور فيه لكنه يكره لانه لا يؤمن معه النظر، ولا عبرة في الاولى بمجنون أو صغير لا يميز.
وتعبيري فيهما بما ذكر مع ما فيه من زيادات أولى من تعبيره بما ذكره، وظاهر أنه يعتبر في الحليلة كونها ثقة وأن غير المحرم ممن يباح نظره كامرأة أو ممسوح ثقتين كالمحرم فيما ذكر.
باب الاستبراء هو لغة طلب البراءة وشرعا التربص بالمرأة مدة بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوالا
لبراءة الرحم، أو تعبدا وهذا جرى على الاصل وإلا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك كأن وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته على أن حدوث ملك اليمين أو زواله ليس بشرط بل الشرط كما سيأتي حدوث حل التمتع به أوروم التزويج، ليوافق ما يأتي في المكاتبة، والمرتدة وتزويج موطوءته ونحوها، (يجب) الاستبراء لحل تمتع أو تزويج (بملك أمة) ولو معتدة ملكا لازما (بشراء أو غيره) كإرث ووصية وسبي ورد بعيب ولو بلا قبض وهبة بقبض.
(وإن تيقن براءة رحم) كصغيرة وآيسة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم ممن استبرأها بالنسبة لحل التمتع.
وذلك لقوله (صلى الله عليه وسلم) في سبايا أو طاس: ألا لا توطأ حامل حتى تضع.
ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة رواه أبو داود وغيره.
وصححه الحاكم على شرط مسلم وقاس الشافعي بالمسبية غيرها بجامع حدوث الملك وألحق من لم تحض أو أيست بمن تحيض في اعتبار قدر الحيض.
والطهر غالبا وهو شهر كما سيأتي.
وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره (ويجب) الاستبراء (بطلاق قبل وطئ) وهذه من زيادتي، (وبزوال كتابة) صحيحة بأن فسختها المكاتبة أو عجزها سيدها بعجزها عن النجوم (و) بزوال (ردة) منهما أن من أحدهما لعود ملك التمتع بعد زواله بالنكاح أو بالكتابة أو بالردة.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ويجب في مكاتبة عجزت، وكذا مرتدة (لا بحل) لها (من نحو صوم) كاعتكاف وإحرام ورهن وحيض ونفاس بعد حرمتها على السيد بذلك، لان حرمتها به لا تخل بالملك بخلاف النكاح والكتابة والردة، وتعبيري بذلك

(2/190)


أعم من قوله لا من حلت من صوم واعتكاف وإحرام (ولا بملكه زوجته) لانه لم يتجدد به حل، (بل يسن) لتمييز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين، فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ثم يعتق بالملك، وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أمة أم ولد.
(و) يجب الاستبراء (بزوال فراش) له (عن أمة) مستولدة كانت أولا (بعتقها) بإعتاق السيد أو بموته، بأن كانت مستولدة أو مدبرة، كما تجب العدة على المفارقة عن نكاح، فعلم أن الامة لو عتقت مزوجة أو معتدة عن زوج لا
استبراء عليها، لانها ليست فراشا للسيد.
ولان الاستبراء لحل التمتع أو التزويج، وهي مشغولة بحق الزوج بخلافها في عدة وطئ شبهة، لانها لم تصر بذلك فراشا لغير السيد، (ولو استبر أقبله) أي قبل العتق (مستولدة)، فإنه يجب عليها الاستبراء لما مر، (لا) إن استبرأ قبله (غيرها) أي غير مستولدة ممن زال عنها الفراش، فلا يجب الاستبراء فتزوج حالا إذ لا تشبه منكوحة بخلاف المستولدة، فإنها تشبهها.
فلا يعتد بالاستبراء الواقع قبل زوال فراشها، (وحرم قبل استبراء تزويج موطوءته) هو أولى من قوله موطوءة مستولدة كانت أولا حذرا من اختلاط الماءين.
أما غير موطوءته، فإن كانت غير موطوءة فله تزويجها مطلقا، أو موطوءة فله تزويجها ممن الماء منه، وكذا من غيره، إن كان الماء غير محترم أو استبرأها من انتقلت منه إليه، (لا تزوجها) مستولدة كانت أولا (أن أعتقها) فلا يحرم كما لا يحرم تزويجه المعتدة منه.
أما غير موطوءته فإن كانت غير موطوءة أو موطوءة غيره بزنا، أو استبرأها من انتقلت منه إليه فكذلك، والاحرم تزوجها قبل الاستبراء وإن أعتقها وذكر حكم غير المستولدة في هذه من زيادتي.
(وهو) أي الاستبراء لذات أقراء (حيضة) لما مر في الخبر، فلا يكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الاستبراء بخلاف بقية الطهر في العدة، لانها تستعقب الحيضة الدالة على البراءة.
وهنا تستعقب الطهر، ولا دلالة له عليها، وليس الاستبراء كالعدة حتى يعتبر الطهر لا الحيض، فإن الاقراء فيها متكررة فيعرف بتخلل الحيض البراءة، ولا تكرر هنا فيعتمد الحيض الدال عليها (ولذات أشهر) ممن لم تحض أو أيست (شهر) لانه بدل عن القرء حيضا وطهرا غالبا، (ولحامل غير معتدة بالوضع) كمسبية ومزوجة حاملين.
(وضعه) أي الحمل للخبر السابق، (ولو من زنا) أو مسبية لذلك، ولحصول البراءة بخلاف العدة لاختصاصها بالتأكيد بدليل اشتراط التكرر فيها دون كما مر، ولان فيها حق الزوج فلا يكتفي بوضع حمل غيره والاستبراء الحق فيه لله سبحانه وتعالى، فإن كانت معتدة بالوضع بأن ملكها معتدة عن زوج أو وطئ شبهة، أو عتقت حاملا منها، وهي فراش لسيدها لم تستبرئ بالوضع لتأخر الاستبراء عنه، (ولو ملك) بشراء أو غيره (نحو مجوسية) كوثنية أو مرتدة، (أو) نحو (مزوجة) من معتدة عن

(2/191)


زوج أو وطئ شبهة مع علمه بالحال، أو مع جهله وأجاز البيع (فجرى صورة استبراء) كأن حاضت (فزال مانعه) بأن أسلمت نحو المجوسية، أو طلقت المزوجة قبل الدخول أو بعده، وانقضت العدة أو انقضت عدة الزوج أو الشبهة، (لم يكف) ذلك للاستبراء لانه لا يستعقب حل التمتع الذي هو القصد في الاستبراء وتعبيري بما ذكر في الاولى أعم من قوله، ولو اشترى مجوسية فحاضت (وحرم قبل) تمام (استبراء في مسبية وطئ) دون غيره كقبلة ولمس ونظر بشهوة للخبر السابق.
ولما روى البيهقي أن ابن عمر قبل التي وقعت في سهمه من سبايا أو طاس قبل الاستبراء، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
(و) حرم (في غيرها تمتع) بوطئ كما في المسبية، وبغيره قياسا عليه.
وإنما حل في المسبية، لان غايتها أن تكون مستولدة حربي وذلك لا يمنع الملك أي فلا يحرم التمتع، وإنما حرم الوطئ للخبر السابق، وصيانة لمائه عن اختلاطه بماء الحربي لا لحرمة ماء الحربي، وما نص عليه الشافعي من حرمة التمتع بها بغير الوطئ، جوابه قوله إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد صح في حله الحديث حيث دل بمفهومه عليه، بل ودل أيضا عليه الاجماع السكوتي المأخوذ من قصة ابن عمر السابقة، (وتصدق) المملوكة بلا يمين، (في قولها حضت) لانه لا يعلم إلا منها غالبا، فللسيد وطؤها بعد طهرها وإنما لم تحلف لانها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف، (ولو منعته) الوطئ (فقال) لها (أخبرتني بالاستبراء حلف) فله بعد حلفه وطؤها بعد طهرها، لان الاستبراء مفوض إلى أمانته ولهذا لا يحال بينهما بخلاف من وطئت زوجته بشبهة يحال بينهما في عدة الشبهة، نعم عليها الامتناع من تمكينه إذا تحققت بقاء شئ من زمن الاستبراء، وإن أبحنا له في الظاهر وذكر التحليف من زيادتي، (ولا تصير) الامة (فراشا) لسيدها (إلا بوطئ) ويعلم بإقراره به، أو البينة عليه ومثله إدخال المني (فإذا ولدت للامكان منه لحقه، وإن) لم يعترف به أو (قال عزلت) لان الماء قد يسبقه إلى الرحم، وهو لا يحس به وهذا فائدة كونها فراشا بما ذكر فلا تصير فراشا بغيره كالملك.
والخلوة، ولا يلحقه ولدها وإن خلا بها بخلاف الزوجة، فإنها تكون فراشا بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للامكان من الخلوة بها لحقه، وإن لم يعترف بالوطئ.
والفرق أن مقصود النكاح التمتع والولد فاكتفى فيه بالامكان من الخلوة، وملك اليمين وقد يقصد به التجارة والاستخدام، فلا يكتفي فيه إلا بالامكان من الوطئ (لا إن نفاه وادعى استبراء) بعد الوطئ بحيضة مثلا بقيدين زدتهما بقولي، (وحلف ووضعته لستة أشهر) فأكثر (منه) أي من الاستبراء فيلحقه، لان الوطئ الذي هو المناط عارضه دعوى الاستبراء فبقي محض الامكان ولا تعويل عليه في ملك اليمين، وفارق ما لو طلق زوجته ومضت ثلاثة أقراء ثم أتت بولد يمكن كونه منه حيث يلحقه

(2/192)


بأن فراش النكاح أقوى من فراش التسري بدليل ثبوت النسب فيه بمجرد الامكان بخلافه في التسري إذ لا بد فيه من الاقرار بالوطئ أو البينة عليه، وقد عارض الوطئ هنا الاستبراء فلم يترتب عليه اللحوق كما تقرر وإنما حلف لاجل حق الولد أما إذا وضعته لاقل من ستة أشهر من الاستبراء فيلحقه للعلم بأنها كانت حاملا حينئذ، (فإن أنكرته) أي الاستبراء (حلف) ويكفي فيه (أن الولد ليس منه) فلا يجب التعرض للاستبراء كما في ولد الحرة، (ولو ادعت إيلادا فأنكر الوطئ لم يحلف)، وإن كان ثم ولد لان الحاصل عدم الوطئ.

(2/193)


(كتاب الرضاع) هو بفتح الراء وكسرها لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه.
وشرعا اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه والاصل في تحريمه قبل الاجماع، قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * وخبر الصحيحين يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتقدمت الحرمة به في باب ما يحرم من النكاح، والكلام هنا في بيان ما يحصل به مع ما يذكر معه (أركانه) ثلاثة، (رضيع ولبن ومرضع، وشرط فيه كونه آدمية حية) حياة مستقرة (بلغت) ولو
بكرا (سن حيض) أي تسع سنين قمرية تقريبية فلا يثبت تحريم بلبن رجل أو خنثى ما لتتضح أنوثته لانه لم يخلق لغذاء الولد، فأشبه سائر المائعات، ولان اللبن أثر الولادة وهي لا تتصور في الرجل والخنثى نعم يكره لهما نكاح من ارتضعت بلبنهما، كما نقله في الروضة كأصلها عن النص في لبن الرجل.
ومثله لبن الخنثى بأن بانت ذكورته ولا بلبن بهيمة حتى لو شرب منه ذكر، وأنثى لم يثبت بينهما أخوة لانه لا يصلح لغذاء الولد صلاحية لبن الآدميات، ولا بلبن جنية لان الرضاع يثبت النسب، والله قطع النسب بين الجن والانس، وهذا لا يخرج بتعبير الاصل بامرأة ولا بلبن من انتهت إلى حركة مذبوح لانها كالميتة ولا بلبن ميتة لانه من جثة منفكة عن الحل، والحرمة كالبهيمة ولا بلبن من لم تبلغ سن حيض، لانها لا تحتمل الولادة واللبن المحرم فرعها بخلاف ما إذا بلغته، لانه وإن لم يحكم ببلوغها فاحتمال البلوغ قائم.
والرضاع تلو النسب فاكتفى فيه بالاحتمال.
(و) شرط (في الرضيع كونه حيا) حياة مستقرة، فلا أثر لوصول اللبن إلى جوف غيره لخروجه عن التغذي، (و) كونه (لم يبلغ حولين) في ابتداء الخامسة، وإن بلغهما في أثنائها (يقينا) فلا أثر لذلك بعدهما ولا مع الشك في ذلك لخبر: لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين.
رواه الترمذي وحسنه ولخبر لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه البيهقي، وغيره ولآية: * (والوالدات يرضعن أولادهن) *.
وللشك في سبب التحريم في صورة الشك وما ورد مما يخالفه في قصة سالم فمخصوص به، ويقال منسوخ ويعتبران بالاهلة، فإن انكسر الشهر الاول كمل بالعدد من الخامس والعشرين، وابتداؤهما من وقت انفصال الولد بتمامه.
(و) شرط (في اللبن وصوله أو) وصول (ما حصل منه) من جبن أو غيره (جوفا) من معدة أو دماغ، والتصريح به من زيادتي.
(ولو اختلط) بغيره غالبا كان أو مغلوبا وإن تناول بعض

(2/194)


المخلوق (أو) كان (بإيجار) بأن يصب اللبن في الحلق، فيصل إلى معدته (أو إسعاط) بأن يصب اللبن في الانف فيصل إلى الدماغ، فإنه يحرم لحصول التغذي بذلك (أو بعد موت المرأة) لانفصاله منها، وهو محترم (لا) وصوله (بحقنة أو تقطير في نحو إذن) كقبل لانتفاء التغذي
بذلك، والثانية من زيادتي (وشرطه) أي الرضاع ليحرم (كونه خمسا) من المرات انفصالا ووصولا للبن (يقينا) فلا أثر لدونها، ولا مع الشك فيها كأن تناول من المخلوط ما لا يتحقق كون خالصه خمس مرات للشك في سبب التحريم.
وقد ورى مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهن فيما يقرأ من القرآن أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه، وقدم مفهوم هذا الخبر على مفهوم خبر مسلم أيضا لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان لاعتضاده بالاصل وهو عدم التحريم.
والحكمة في كون التحريم بخمس أن الحواس التي هي السبب الادراك خمس، (عرفا) أي ضبط الخمس بالعرف، (فلو قطع) الرضيع الرضاع (إعراضا) عن الثدي (أو قطعته) عليه المرضعة ثم عاد إليه فيهما (تعدد) الرضاع وإن لم يصل إلى الجوف منه إلا قطرة، والثانية من زيادتي (أو) قطعا (لنحو لهو) كتنفس ونوم خفيف وازدراد ما اجتمع في فمه (وعاد حالا أو تحول) ولو بتحويلها من ثدي (إلى ثديها الآخر) هو أولى من قوله إلى ثدي (أو قامت لشغل خفيف فعادت فلا) تعدد للعرف في ذلك، والاخيرة مع نحو من زيادتي (ولو حلب منها) لبن (دفعة وأوجره خمسا) أي في خمس مرات (أو عكسه) أي حلب منها في خمس مرات وأوجره دفعة (فرضعة) نظرا إلى انفصاله في المسألة الاولى، وإيجاره في الثانية بخلاف ما لو حلب من خمس نسوة في طرف وأوجره ولو دفعة فإنه يحسب من كل واحدة رضعة، (وتصير المرضعة أمه وذو اللبن أباه وتسري الحرمة) من الرضيع (إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما) نسبا ورضاعا (وإلى فروع الرضيع) كذلك، فتصير أولاده أحفادهما وآباؤهما أجداده وأمهاتهما جداته وأولادهما إخوته وأخواته وإخوة المرضعة وأخواتها أخواله وخالاته وأخوة ذي اللبن وأخواته أعمامه وعماته وخرج بفروع الرضيع أصوله وحواشيه فلا تسري الحرمة منه إليهما، ويفارقان أصول المرضعة وحواشيها بأن لبن المرضعة كالجزء من أصولها فسرى التحريم به إليهم وإلى الحواشي بخلافه في أصول الرضيع،
(ولو ارتضع من خمس لبنهن لرجل من كل رضعة) كخمس مستولدات له (صار ابنه)، لان

(2/195)


لبن الجميع منه (فيحرمن عليه) لانهن موطوءات أبيه ولا أمومة لهن من جهة الرضاع، (لا) إن ارتضع من (خمس بنات أو أخوات له) أي لرجل فلا حرمة بينه وبين الرضيع لانها لو ثبتت لكان الرجل جد الام أو خالا والجدودة للام، والخوؤلة إنما ثبتت بتوسط الامومة ولا أمومة (واللبن لمن لحقه ولد نزل) اللبن (به) سواء، أكان بنكاح أم ملك وهي من زيادتي أم وطئ شبهة بخلاف ما إذا كان بوطئ زنا إذ لا حرمة للبنه فلا يحرم على الزاني أن ينكح المرتضعة من ذلك اللبن، لكن تكره (ولو نفاه) أي نفى من لحقه الولد الولد (انتفى اللبن) النازل به حتى لو ارتضعت به صغيرة حلت للنافي، فلو استلحق الولد لحقه الرضيع أيضا (ولو وطئ واحد منكوحة أو إثنان امرأة بشبهة) فيهما (فولدت) ولدا، (فاللبن) النازل به (لمن لحقه الولد) إما بقائف بأن أمكن كونه منهما أو بغيره بأن انحصر الامكان في واحد منهما، أو لم يكن قائف أو لحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه الامر وانتسب لاحدهما بعد بلوغه، أو بعد إفاقته من نحو جنون، فالرضيع من ذلك اللبن ولد رضاع لمن لحقه الولد، لان اللبن تابع للولد فإن مات قبل الانتساب وله ولد قام مقامه أو أولاد وانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الاشكال، فإن ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما ذكر أو لم يكن له ولد انتسب الرضيع وحيث أمر بالانتساب لا يجبر عليه لكن يحرم عليه النكاح بنت أحدهما ونحوهما بخلاف الولد ومن يقوم مقامه، فإنهم يجبرون على الانتساب (ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه) وإن طالت المدة أو انقطع اللبن وعاد لعموم الادلة، ولانه لم يحدث ما يحال عليه (إلا بولادة من آخر فاللبن بعدها له) أي للآخر، فعلم أنه قبلها للاول.
وإن دخل وقت ظهور لبن حمل الآخر لان اللبن غذاء للولد لا للحمل، فيتبع المنفصل سواء أزاد اللبن على ما كان أم لا ويقال إن أقل مدة يحدث فيها اللبن للحمل أربعون يوما وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره.
(فصل) في طرو الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح.
لو كان (تحته صغيرة فأرضعتها من تحرم عليه بنتها) كأخته وأمه وزوجة أبيه بلبنه من

(2/196)


نسب أو رضاع وزوجة أخرى له بلبنه أو أمة موطوءة له ولو بلبن غيره (انفسخ نكاحه) منها صيرورتها محرما له كما صارت فهذه الامثلة، بنت أخته أو أخته أو بنت موطوءته ومن زوجته الاخرى، لانها صارت أم زوجته وتعبيري بما ذكر أعم من قوله فأرضعتها أمه أو أخته أو زوجة أخرى، (ولها) أي للصغيرة عليه (نصف مهرها) المسمى إن كان صحيحا، وإلا فنصف مهر مثلها لانه فراق قبل الوطئ، (وله على المرضعة) بقيد زدته بقولي: (إن لم يأذن) في إرضاعها (نصف مهر المثل) وإن أتلفت عليه كل البضع اعتبارا لما يجب عليه، (فإن ارتضعت من نائمة أو) مستيقظة (ساكتة فلا غرم) لها لان الانفساخ حصل بسببها وذلك يسقط المهر قبل الدخول ولا له على من ارتضعت هي منها لانها لم تصنع شيئا، وتغرم له المرضعة مهر مثل لزوجته الاخرى أو نصفه وقولي أو ساكتة من زيادتي وصرح به النووي ولا ينافيه قولهم إن التمكين من الرضاع كالارضاع لان المراد إنه كهو في التحريم، (أو) أرضعتها (أم كبيرة تحته) أيضا (انفسختا) أي نكاحهما لانهما صارتا أختين ولا سبيل إلى الجمع بينهما ولا أولوية لاحداهما على الاخرى (وله نكاح أيتهما) شاء لان المحرم عليه جمعهما، (أو) أرضعتها (بنتها) أي الكبيرة (حرمت الكبيرة أبدا) لانها صارت أم زوجته (والصغيرة ربيبة) فتحرم أبدا إلى وطئ الكبيرة لانها صارت بنت زوجته الموطوءة وإلا فلا تحرم.

(2/197)


(والغرم) للصغيرة والكبيرة في المسألتين (ما مر) فعليه لكل منهما نصف المسمى أو نصف مهر المثل وله على المرضعة إن لم يأذن نصف مهر مثلهما (لا إن وطئ الكبيرة فله لاجلها) على المرضعة (مهر مثل) كما وجب عليه لبنتها أو أمها المهر بكماله.
وقولي والغرم إلى آخره من زيادتي في المسألة الثانية (أو) أرضعتها (الكبيرة حرمت أبدا) لما مر، (وكذا الصغيرة إن ارتضعت بلبنه) لانها صارت بنته، (وإلا) أي وإن ارتضعت بلبن غيره (فربيبة) له
فإن وطئ الكبيرة حرمت عليه تلك أبدا وإلا فلا (وينفسخ) وإن لم تحرم لاجتماعها مع الام (كما لو أرضعت) أي الكبيرة (ثلاث صغائر تحته) معا أو مرتبا فتحرم الكبيرة أبدا وكذا الصغائر إن ارتضعن بلبنه وإلا فربيبات وينفسخن وإن لم يحر من سواء أرضعتهن معا بإيجارهن الرضعة الخامسة أو بإلقام ثدييها ثنتين، وإيجار الثالثة من لبنها لصيرورتهن أخوات ولاجتماعهن مع الام أم مرتبا فتنفسخ الاولى برضاعها لاجتماعها مع الام في النكاح والثانية والثالثة برضاع الثالثة لاجتماع كل منهما مع أختها في النكاح، وبه علم أنه لو ارتضعت ثنتان معا ثم الثالثة لم ينفسخ نكاح الثالثة، إن لم تحرم وحيث انفسخ نكاحهن فله تجديد نكاح من شاء منهن من غير جمع، (ولو أرضعت أجنبية زوجتيه) معا أو مرتبا ولو بعد طلاقهما الرجعي (انفسختا) وعلم مما مر أنها تحرم عليه أبدا دونهما، (ولو نكحت مطلقته صغيرا أرضعته بلبنه حرمت عليهما أبدا) لانها صارت زوجة ابن المطلق وأم الصغير وزوجة أبيه (فصل) في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما.
لو (أقرر جل أو امرأة بأن بينهما رضاعا محرما) كقوله هند بنتي أو أختي برضاع أو عكسه بقيد زدته بقولي: (وأمكن) ذلك بأن لم يكذبه حس (حرم تناكحهما) مؤاخذة لكل منهما بإقراره بخلاف ما إذا لم يمكن ذلك كأن قال فلانة بنتي وهي أسن منه، (أو) أقر بذلك (زوجان فرقا) أي فرق بينهما عملا بقولهما (ولها) المهر من مسمى أو (مهر مثل إن وطئها معذورة) كأن كانت جاهلة بالحال أو مكرهة، وإلا فلا يجب شئ وتعبيري بالمهر أعم من تعبيره بمهر مثل وقولي معذورة من زيادتي (أو ادعاه) أي الرضاع المحرم (فأنكرت انفسخ) النكاح مؤاخذة له بقوله (ولها) عليه (المهر) المسمى إن كان صحيحا، وإلا فمهر مثل (إن وطئ وإلا فنصفه) ولا يقبل قوله عليها وله تحليفها قبل الوطئ، وكذا بعده إن كان المسمى أكثر من مهر المثل، فإن نكلت حلف هو

(2/198)


ولزمه مهر المثل بعد الوطئ ولا شئ قبله.
وتعبيري بالمهر أعم من تعبيره بالمسمى (أو عكسه) بأن ادعت الرضاع فأنكره (حلف)، فيصدق (إن زوجت) منه (برضاها به) بأن عينته في إذنها،
(أو مكنته) من نفسها لتضمن ذلك الاقرار بحلة لها (وإلا) بأن زوجها مجبر أو أدنت ولم تعين أحدا، ولم تمكنه من نفسها فيهما (حلفت) فتصدق لاحتمال ما تدعيه ولم يسبق ما ينافيه فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح وقولي به أو مكنته مع تحليفها من زيادتي، (ولها) في الصور (مهر مثل بشرطه السابق) من أنه يطؤها معذورة وإلا فلا شئ لها عملا بقولها فيما تستحقه، نعم أن أخذت المسمى فليس له طلب رده لزعمه أنه له، والورع به فيما إذا ادعت الرضاع أن يطلقها طلقة لتحل لغيره إن كانت كاذبة وقولي بشرطه السابق أولى من قوله إن وطئ.
(وحلف منكر رضاع على نفي علمه) لانه ينفي فعل غيره ولا نظر إلى فعله في الارتضاع، لانه كان صغيرا (و) حلف (مدعيه على بت) لانه يثبته سواء فيهما الرجل والمرأة ولو نكل أحدهما عن اليمين وردت على الآخر حلف على البت (ويثبت هو) أي الرضاع (والاقرار به بما يأتي في الشهادات) من أن الرضاع يثبت برجلين، وبرجل وامرأتين وبأربع نسوة لاختصاص النساء بالاطلاع عليه غالبا كالولادة وأن الاقرار به لا يثبت إلا برجلين، لانه مما يطلع عليه الرجال غالبا (وتقبل شهادة مرضعة لم تطلب أجرة) للرضاع، (وإن ذكرت فعلها) كأن قالت أرضعتهما لانها غير متهمة في ذلك بخلاف نظيره في الولادة إذ يتعلق بها النفقة، والميراث وسقوط القود ولان الشهادة في الحقيقة شهادة على فعل الغير وهو الرضيع.
أما إذا طلبت الاجرة فلا تقبل شهادتها اتهامها بذلك، ولا يكفي في الشهادة أن يقال بينهما رضاع محرم لاختلاف المذاهب في شروط التحريم، كما علم ذلك من قولي.
(وشرط الشهادة ذكر وقت) للرضاع احترازا عما بعد الحولين في الرضيع وعما قبل تسع سنين في المرضعة، وعما بعد الموت فيهما (وعدد) للرضعات احترازا عما دون خمس، (وتفرقة) لها احترازا عن إطلاقها باعتبار مصاته أو تحوله من أحد ثدييها إلى الاخر وهذا من زيادتي وبه جزم في أصل الروضه تبعا للجمهور وإن بحث فيه الرافعي (ووصول لبن جوفه) احترازا عما لم يصله، (ويعرف) وصوله (بنظر حلب) بفتح اللام (وإيجار وازدراد أو قرائن كامتصاص من ثدي وحركة حلقه بعد علمه أنها ذات لبن)، أما قبل علمه بذلك فلا يحل له أن يشهد لان الاصل عدم اللبن ولا يكفي في أداء الشهادة ذكر القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة والاقرار بالرضاع لا يشترط فيه ذكر
الشروط المذكورة، لان المقر يحتاط فلا يقر إلا عن تحقيق.

(2/199)


(كتاب النفقات) وما يذكر معها وهي جمع نفقة من الانفاق وهو الاخراج وجمعت لاختلاف أنواعها من نفقة زوجة وقريب ومملوك، (يجب بفجر كل يوم على معسر فيه) أي في فجره، (وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة) ولو مكتسبا (و) على (من به رق) ولو مكاتبا ومبعضا ولو موسرين (لزوجته)، ولو ذمية أو أمة أو مريضة أو رفيعة (مد طعام).
وتفسيري للمعسر بما ذكر أولى من تفسيره له بمسكين الزكاة لاخراجه المكتسب كسبا يكفيه.
والمراد إدخاله.
وقولي ومن ربه رق من زيادتي، وإنما ألحق بالمعسر المكاتب والبعض الموسران لضعف ملك الاول، ونقص حال الثاني.
(و) على (متوسط) فيه (وهو من يرجع بتكليفه مدين معسرا مد ونصف و) على (موسر) فيه (وهو من لا يرجع) بذلك معسرا (مدان)، واحتجوا لاصل التفاوت بآية: لينفق ذو سعة من سعته.
واعتبروا النفقة بالكفارة بجامع أن كلا منهما مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة، وأكثر ما وجب في الكفارة لكل مسكين مدان وذلك في كفارة الاذى في الحج وأقل ما وجب فيها لكل مسكين مر وذلك كفارة اليمين والظهار ووقاع رمضان فأوجبوا على الموسر الاكثر، وعلى المعسر الاقل وعلى المتوسط ما بينهما كما تقرر وإنما لم تعتبر كفاية المرأة كنفقة القريب لانها تستحقها أيام مرضها وشبعها، وإنما وجب ذلك بفجر اليوم للحاجة إلى طحنه وعجنه وخبزه (من غالب قوت المحل) للزوجة من برأ وشعير أو تمر أو أقط أو غيرها، لانه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها، وقياسا على الفطرة والكفارة.
وتعبيري هنا وفيما يأتي بالمحل أعم من تعبيره بالبلد، (فإن اختلف) غالب قوت المحل أو قوته ولا غالب (فلائق به) أي بالزوج يجب ولا عبرة باقتياته أقل منه تزهدا أو بخلا.
(والمد مائة وأحد وسبعون درهما وثلاثة أسباع درهم) كما قاله
النووي خلافا للرافعي، في قوله: إنه مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم واختلافهم في ذلك مبني على اختلافهما في مقدار رطل بغداد وتقدم بيانه في باب زكاة النابت، (وعليه دفع

(2/200)


حب) سليم إن كان واجبه لانه أكمل نفعا كما في الكفارة فلا يكفي غيره كدقيق وخبز ومسوس لعدم صلاحيته لكل ما يصلح له الحب فلو طلبت غير الحب لم يلزمه ولو بذل غيره لم يلزمها قبوله (و) عليه (طحنه وعجنه وخبزه) وإن اعتادتها بنفسها للحاجة إليها، وفارق ذلك نظيره في الكفارة بأن الزوجة في حبسه وذكر العجن من زيادتي، (ولها اعتياض) عن ذلك بنحو دراهم ودنانير وثياب، لانه اعتياض عن طعام مستقر في الذمة لمعين كالاعتياض عن طعام مغصوب تلف سواء أكان الاعتياض من الزوج أم من غيره بناء على ما مر من جواز بيع الدين لغير من هو عليه، هذا (إن لم يكن) الاعتياض (ربا) كبر عن شعير.
فإن كان ربا كخبيز بر أو دقيقه عن بر لم يجز وهذا أولى من قوله إلا خبزا ودقيقا المحتاج إلى تقييده بكونه من الجنس.
وظاهر أنه لا يجوز الاعتياض عن النفقة المستقبلة، (وتسقط نفقتها بأكلها عنده) برضاها (كالعادة وهي رشيدة أو) غير رشيدة وقد (أذن وليها) في أكلها عنده لاكتفاء الزوجات به في الاعصار وجريان الناس عليه فيها، فإن كانت غير رشيدة وأكلت بغير إذن وليها لم تسقط بذلك نفقتها.
والزوج متطوع وخالف البلقيني فأفتى بسقوطها به.
وعلى الاول قال الاذرعي: والظاهر أن ذلك في الحرة، أما الامة إذا أوجبنا نفقتها فيشبه أن يكون المعتبر رضا السيد المطلق التصرف بذلك دون رضاها كالحرة المحجورة، وتعبيري بعنده أعم من تعبير الاصل بمعه، (ويجب لها) عليه (أدم غالب المحل) وإن لم تأكله كزيت وسمن وتمر) وخل إذ لا يتم العيش بدونه، (ويختلف) الواجب (بالفصول) فيجب في كل فصل ما يناسبه (و) يجب لها عليه (لحم يليق به) جنسا ويسارا وغيره، (كعادة المحل) قدرا ووقتا (ويقدرهما) أي الادم واللحم (قاض باجتهاده) عند التنازع إذ لا تقدير فيهما من جهة الشرع.
(ويفاوت) في قدرهما (بين الثلاثة) الموسر والمعسر والمتوسط، فينظر ما يحتاجه المد من
الادم فيفرضه على المعسر.
وضعفه على الموسر وما بينهما على المتوسط، وينظر في اللحم إلى عادة المحل من أسبوع أو غيره وما ذكره الشافعي من مكيلة زيت أو سمن أي أوقية تقريب، وما ذكر من رطل لحم في الاسبوع الذي حمل على المعسر وجعل باعتبار ذلك على الموسر رطلان وعلى المتوسط رطل ونصف وأن يكون ذلك يوم الجمعة لانه أولى بالتوسيع فيه محمول عند الاكثرين على ما كان في أيامه بمصر من قلة اللحم فيها ويزاد بعدها بحسب عادة المحل.
قال الشيخان ويشبه أن يقال لا يجب الادم في يوم اللحم ولم يتعرضوا له، ويحتمل أن يقال إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم يلزمه الادم أيضا ليكون أحدهما غداء، والآخر عشاء.
وذكر تقدير القاضي اللحم من زيادتي وبه صرح في البسيط،

(2/201)


(و) يجب لها (كسوة) بكسر الكاف وضمها قال تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) *، (تكفيها وتختلف كفايتها بطولها وقصرها وهزالها وسمنها وباختلاف المحال في الحر والبرد (من قميص وخمار ونحو سراويل) مما يقوم مقامه (و) نحو (مكعب) مما يداس فيه (ويزيد) على ذلك (في شتاء نحو جبة) كفروة.
فإن لم تكف واحدة زيد عليها كما بحثه الرافعي وصرح به الخوارزمي (بحسب عادة مثله) أي الزوج من قطن وكتان وحرير وصفاقة ونحوها، نعم لو اعتيد رقيق لا يستر بل يجب صفيق يقاربه.
ويفاوت في كيفية ذلك بين الموسر والمعسر والمتوسط، واعتبرت الكفاية في الكسوة دون النفقة لانها في الكسوة محققة بالرؤية بخلافها في النفقة، وظاهر أنه يجب لها توابع ما ذكر من تكة سراويل وكوفية للرأس وزر للقميص والجبة ونحوها ونحو في الموضعين من زيادتي، (و) يجب (لقعودها على معسر لبد في شتاء وحصير في صيف، (و) على (متوسط زلية) فيهما وهي بكسر الزاي وتشديد الياء: شئ مضروب صغير وقيل بساط صغير (و) على (موسر طنفسة) بكسر الطاء والفاء وبفتحهما وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء: بساط صغير ثخين له وبرة كبيرة وقيل كساء (في شتاء ونطع) بفتح النون وكسرها مع إسكان الطاء وفتحها (في
صيف تحتهما زلية أو حصير) لانهما لا يبسطان وحدهما، وهذا مع التفصيل فيما على الموسر وغيره في الشتاء والصيف من زيادتي.
(و) يجب (لنومها) على كل منهم مع التفاوت في الكيفية بينهم، (فراش) ترقد عليه كمضربة وثيرة أي لينة أو قطيفة وهي دثار مخمل (ومخدة) بكسر الميم (مع لحاف أو كساء في شتاء و) مع (رداء في صيف) وكل ذلك بحسب العادة، حتى قال الروياني وغيره لو كانوا لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره ولا يجب ذلك في كل سنة، وإنما يجدد وقت تجديده عادة.
وذكر الكساء مع قولي ورداء في صيف من زيادتي وكالشتاء فيما ذكر المحال الباردة، وكالصيف فيه المحال الحارة.
(و) يجب لها (آلة أكل وشرب وطبخ كقصعة) بفتح القاف (وكوز وجرة وقدر) ومغرفة من خزف أو حجر أو خشب.
(و) يجب لها (آلة تنظف كمشط ودهن) من زيت أو نحوه (وسدر) ونحوه (ونحو مرتك) بفتح الميم وكسرها (تعين لصنان) أي لدفعه.
وخرج بزيادتي تعين ما إذا لم يتعين كأن كان يندفع بماء وتراب فلا يجب (وأجرة حمام اعتيد) دخولا وقدرا كمرة في شهر أو أكثر بقدر العادة، فإن كانت المرأة ممن لا تعتاد دخوله لم يجب

(2/202)


(وثمن ماء غسل بسببه) أي الزوج كوطئه، وولادتها منه بخلاف الحيض والاحتلام لان الحاجة إليه في الاول من قبل الزوج بخلافها في الثاني، ويقاس بذلك ماء الوضوء فيفرق أن يكون بمسه وأن يكون بغيره (لا ما يزين) بفتح أوله (ككحل وخضاب)، فلا يجب فإن أراد الزينة به هيأه لها فتتزين به وجوبا (و) لا (دواء مرض وأجرة نحو طبيب) كحاجم وفاصد لان ذلك لحفظ البدن، وتعبيري بنحو طبيب أعم مما عبر به.
(و) يجب لها (مسكن يليق بها) عادة من دار أو حجرة أو غيرهما كالمعتدة بل أولى وإن لم يملكه كأن يكون مكتري أو معارا واعتبر بحالها بخلاف النفقة والكسوة حيث اعتبرتا بحاله لان المعتبر فيهما التمليك وفيه الامتاع كما سيأتي، ولانهما إذا لم يليقا بها يمكنها إبدالهما بلائق، فلا إضرار بخلاف المسكن فإنها
ملزمة بملازمته فاعتبر بحالها.
(و) يجب عليه ولو معسرا أو به رق إخدام حرة تخدم) أي بأن كان مثلها يخدم (عادة) بقيد زدته بقولي (في بيت أبيها) مثلا لا إن صارت كذلك في بيت زوجها لانه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها (بمن) أي بواحد (يحل نظره) ولو مكتري أو في صحبتها (لها) كحرة وأمة وصبي مميز غير مراهق، وممسوح ومحرم لها، ولا يخدمها بنفسه لانها تستحي منه غالبا.
وتعبير بذلك كصب الماء عليها وحمله إليها للمستحم أو للشرب أو نحو ذلك وتعبيري بما ذكر أعم وأولى مما ذكره.
أما غير الحرة فلا يجب إخدامها وإن كانت جميلة لنقصها (فيجب له إن صحبها) لخدمة (ما يليق به من دون ما للزوجة نوعا من غير كسوة) من نفقة وأدم وتوابعهما، (و) من (دونه جنسا ونوعا منها) أي من الكسوة.
والتصريح بالتقييد بدون ما ذكر من زيادتي.
(فله مد وثلث على موسر ومد على غيره) من متوسط ومعسر كالمخدومة في الاخير، لان النفس لا تقوم بدونه عالبا، واعتبارا بثلثي نفقة المخدومة في الاولين وقدر الادم بحسب الطعام وقدر الكسوة قميص ونحو مكعب.
وللذكر نحو قمع وللانثى مقنعة وخف ورداء لحاجتها إلى الخروج ولكل جبة في الشتاء لا سراويل وله ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة وكساء في الشتاء وبارية في الصيف ومخدة، وخرج بمن صحبها المكتري ومملوك الزوج فليس له إلا أجرته أو الانفاق عليه بالملك (لا آلة تنظف)، لان اللائق به أن يكون أشعث لئلا تمتد إليه الاعين (فإن كثر وسخ وتأذى بقمل وجب أن يرفه) بمن يزيله من نحو مشط ودهن، (و) يجب (إخدام من احتاجت لخدمة لنحو مرض) كهرم، وإن كانت ممن لا تخدم عادة وتخدم بمن ذكر وإن تعدد بقدر الحاجة (والمسكن والخادم) وهو من زيادتي يجب فيهما (إمتاع) لا تمليك

(2/203)


لما مر أنه لا يشترط كونهما ملكه (وغيرهما) من نفقة وأدم وكسوة وآلة تنظف وغيره (تمليك) ولو بلا صيغة كالكفارة.
فللزوجة الحرة التصرف فيه بأنواع التصرفات بخلاف غيرها ويملكها أيضا نفقة مصحوبها المملوك لها أو الحرة، ولها أن تتصرف في ذلك وتكفيه من مالها (فلو
قترت) أي ضيقت على نفسها في طعام أو غيره، (بما يضر) هما أو أحدهما أو الخادم فهذا أعم من قوله بما يضرها (منعها) من ذلك، (وتعطي الكسوة أو كل ستة أشهر) من كل سنة فابتداء إعطائها من وقت وجوبها.
وتعبيري بستة أشهر تبعا للروضة كأصلها، أولى من تعبيره بشتاء وصيف لما لا يخفى وما يبقى سنة.
فأكثر كالفرش والمشط يجدد في وقت تجديده عادة كما مر (فإن تلفت فيها) أي في الستة الاشهر، ولو بلا تقصير (لم تبدل أو ماتت) فيها (لم ترد أو لم تكس مدة فدين) عليه بناء في الثلاثة، على أن الكسوة تمليك لا إمتاع.
(فصل) في موجب المؤن ومسقطاتها (تجب المؤن) على ما مر (ولو على صغير) لا يمكنه وطئ، (لا لصغيرة) لا توطأ (بالتمكين) لا بالعقد لانه يوجب المهر والعقد لا يوجب عوضين مختلفين، وإنما لم تجب للصغيرة لتعذر الوطئ لمعنى فيها كالناشزة بخلاف الصغير إذ لا مانع من جهته، (والعبرة في) تمكين (مجنونة ومعصر بتمكين وليهما) لهما، لانه المخاطب بذلك نعم لو سلمت المعصر نفسها فتسلمها الزوج ونقلها إلى مسكنه وجبت المؤن.
ويكفي في التمكين أن تقول المكلفة أو السكرى أو ولي غيرها متى دفعت المهر مكنت (وحلف الزوج) عند الاختلاف في التمكين (على عدمه) فيصدق فيه، لانه الاصل والتحليف من زيادتي، (فإن عرضت عليه) بأن عرضت المكلفة أو السكرى نفسها عليه كأن بعثت إني مسلمة نفسي إليك أو عرض المجنونة أو المعصر وليهما عليه، ولو بالبعث إليه (وجبت) مؤنها (من) حين (بلوغ الخبر) له، (فإن غاب) الزوج عن بلدها ابتداء أو بعد تمكينها ثم نشوزها وقد رفعت الامر إلى القاضي، (وأظهرت) له (التسليم كتب القاضي لقاضي بلده ليعلمه) بالحال (فيجئ) لها حالا (ولو بنائبه) ليتسلمها، وتجب المؤن من حين التسليم إذ بذلك يحصل التمكين (فإن أبى) ذلك

(2/204)


(ومضى زمن) إمكان (وصوله) إليها (فرضها القاضي) في ماله وجعل كالمتسلم لها، لان المانع منه فإن جهل موضعه كتب القاضي لقضاة البلاد الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة ليطلب
وينادي باسمه، فإن لم يظهر فرضها القاضي في ماله الحاضر وإخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها لاحتمال موته أو طلاقه (وتسقط) مؤنها (بنشوز) أي خروج عن طاعة الزوج ولو في بعض اليوم، وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة والنشوز (كمنع تمتع) ولو بلمس (إلا لعذر كعبالة) فيه بفتح العين، وهي كبر الذكر بحيث لا تحتمله الزوجة (ومرض) بها (يضر معه الوطئ) وحيض ونفاس، فلا تسقط المؤن لانه إما عذر دائم، أو يطرأ ويزول وهي معذورة فيه.
وقد حصل التسليم الممكن ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه، (وكخروج) من مسكنها (بلا إذن) منه لان عليها حق الحبس في مقابلة وجوب المؤن، (إلا) خروجا (لعذر كخوف) من انهدام المسكن أو غيره، وكاستفتاء لم يغنها الزوج عن خروجها له وقولي لعذر أعم مما ذكره (ولنحو زيارة) لاهلها كعيادتهم (في غيبته و) تسقط (بسفر ولو بإذنه) لخروجها عن قبضته، وإقبالها عن شأن غيره (لا) إن كانت (معه) ولو في حاجتها، وبلا إذن (أو) لم تكن معه وسافرت (بإذنه لحاجته) ولو مع حاجة غيره فلا تسقط مؤنها فيهما لانه الذي أسقط حقه لغرضه في الثانية ولتمكينها له في الاولى، لكنها تعصى إذا خرجت معه بلا إذن إن منعها من الخروج فخرجت ولم يقدر على ردها سقطت مؤنها.
وكلام الاصل يفهم أن سفرها معه بغير إذنه يسقط النفقة مطلقا، وليس مرادا وكلامي أولا شامل لسفرها لحاجة ثالث بخلاف كلامه (كإحرامها) بحج أو عمرة أو مطلقا، (ولو بلا إذن ما لم تخرج) فلا تسقط به مؤنها لانها في قبضته وله تحليلها إن لم يأذن لها، فإن خرجت فمسافرة لحاجتها فتسقط مؤنها ما لم يكن معها، وتعبيري بما ذكر أولى من تقييده بحج أو عمرة (وله منعها نفلا مطلقا) من صوم وغيره وقطعه إن شرعت فيه لانه ليس بواجب وحقه واجب.
قال الاذرعي وقضية كلام الجمهور منعها من ذلك مطلقا، وقال الماوردي له منعها منه إذا أراد التمتع قال: وهو حسن متعين انتهى.
ويقاس به ما يأتي (و) له منعها (قضاء موسعا) من صوم وغيره بأن لم تتعد بفوته ولم يضق الوقت، لان حقه على الفور وهذا على التراخي (فإن أبت) بأن فعلته على خلاف منعه (فناشزة) لامتناعها من التمكين بما فعلته، وقولي: نفلا مطلقا، أولى من قوله صوم نفل ودخل
فيه صوم الاثنين والخميس ومثله صوم نذر منشأ بغير إذنه وخرج به النقل الراتب كسنة الظهر وصوم عرفة وعاشوراء وبالقضاء الاداء وبالموسع المضيق فليس له منعها شيئا منها لتأكد الراتبة، والاداء أول الوقت ولتعين المضيق أصالة (ولرجعية) حرة كانت أو أمة حائلا أو

(2/205)


حاملا (مؤن غير تنظف) من نفقة وكسوة وغيرهما لبقاء حبس الزوج عليها وسلطنته بخلاف مؤن تنظفها لامتناع الزوج عنها (فلو أنفق) مثلا (لظن حمل فأخلف) بأن بانت حائلا، (استرد ما) أنفقه (بعد) انقضاء (عدتها) لتبين خطأ الظن، وتصدق في قدر أقرائها بيمينها إن كذبها وإلا فلا يمين (ولا مؤنة) من نفقة وكسوة (لحائل بائن) ولو بفسخ أو وفاة لانتفاء سلطنة الزوج عليها.
(وتجب لحامل) لآية: * (وإن كن أولات حمل) * (لها) أي لنفسها بسبب الحمل لا للحمل لانها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته ولانها تجب على الموسر والمعسر ولو كانت له لما وجبت على المعسر (لا) لحامل معتدة (عن) وطئ (شبهة) ولو بنكاح فاسد، (و) لا عن (فسخ بمقارن) للعقد لانه يرفع العقد من أصله بخلاف الفسخ والانفساخ بعارض كردة ورضاع وهذه من زيادتي (و) لا عن (وفاة) لخبر: ليس للحامل المتوفي عنها زوجها نفقة، رواه الدارقطني باسناد صحيح ولانها بانت بالوفاة والقريب تسقط مؤنته بها وإنما لم تسقط فيما لو توفى بعد بينونتها لانها وجبت قبل الوفاة فاغتفر بقاؤها في الدوام، لانه أقوى من الابتداء ولما مر من أن البائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة وأما إسكانها فتقدم في العدد أنه واجب (ومؤنة عدة كمؤنة زوجة) في تقديرها ووجوبها يوما فيوما وغيرهما، لانها من توابع النكاح ولانها في الحقيقة مؤنة للزوجة لا للحمل كما مر، (ولا يجب دفعها) لها (إلا بظهور حمل) ليظهر سبب الوجوب ومثله اعتراف المفارق بالحمل وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة.
(فصل) في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة لو (أعسر) الزوج (مالا وكسبا لائقا به نفقة أو كسوة أو بمسكن) لزوجته (أو مهر

(2/206)


واجب قبل وطئ فإن صبرت) زوجته بها كأن أنفقت على نفسها من مالها (فغير المسكن دين) عليه فلا يسقط بمضي الزمن، بخلاف المسكن لما مر أنه امتاع (وإلا) بأن لم تصبر (فلها فسخ) بالطريق الآتي لوجود مقتضيه، وكما تفسخ بالجب والعنة بل هذا أولى، لان الصبر عن التمتع أسهل منه عن النفقة ونحوها (لا لامة بمهر) لانه محض حق سيدها.
أما المبعضة فليس لها ولا لسيدها الفسخ إلا بتوافقهما، كما اعتمده الاذرعي (ولا إن تبرع) بها (أب) وإن علا (لموليه أو سيد) عن عبده إذ يلزمهما قبول التبرع،.
ووجهه في الاولى أن المتبرع به يدخل في ملك المؤدى عنه ويكون الولي كأنه وهب وقبل له بخلاف غير الاب المذكور والسيد إذ لا يلزمها القبول لما فيه من تحمل المنة، نعم لو سلمها المتبرع للزوج ثم سلمها الزوج لها لم تنفسخ لانتفاء المنة عليها صرح به الخوارزمي في كافيه وخرج بالاقل اعساره بواجب الموسر أو المتوسط فلا فسخ به لان واجبه الآن واجب المعسر، وبالمذكورات إعساره بالادم لانه تابع، والنفس تقوم بدونه وبواجب المفوضة فلا تفسخ بالاعسار بالمهر قبل الفرض، وبقبل وطئ ما بعده لتلف المعوض فكان كعجز المشتري عن الثمن بعد قبل المبيع وتلفه، ولان تسليمها يشعر برضاها بذمته وشمل كلامهم ما لو أعسر ببعض المهر وهو كذلك، وإن قبضت بعضه كما صرح به الاذرعي وغيره.
لكن أفتى ابن الصلاح فيما لو قبضت بعضه بعدم الفسخ واعتمده الاسنوي وقد بينت وجهه مع زيادة في شرح الروض وغيره، وقولي لائقا به مع التقييد بالواجب وبغير المسكن ومع قولي ولا إلى آخره من زيادتي (فلا فسخ بامتناع غيره) موسرا أو متوسطا من الانفاق حضر أو غاب فهو أعم من قوله لا فسخ بمنع موسر، (إن لم ينقطع خبره) لانتفاء الاعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من تحصيل حقها بالحاكم، فإن انقطع خبره ولا مال له حاضر فلها الفسخ لان تعذر واجبها بانقطاع خبره كتعذره بالاعسار.
والتقييد بذلك من زيادتي (ولا بغيبة ماله دون مسافة قصر) لانه في حكم الحاضر (وكلف إحضاره) عاجلا أما إذا كان بمسافة قصر فأكثر فلها فسخ لتضررها

(2/207)


بالانتظار الطويل.
نعم لو قال أنا أحضره مدة الامهال، فالظاهر إجابته ذكره الاذرعي وغيره (ولا بغيبة من جهل حاله) يسارا وإعسار لعدم تحقق المقتضى والتصريح بهذا من زيادتي.
(ولا) فسخ (لولي) لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع للمرأة لا دخل للولي فيه، وينفق عليها من مالها فإن لم يكن لها مال فنفقتها على من عليه نفقتها قبل النكاح (ولا) فسخ (في غير مهر لسيد أمة)، وإن لم يرض بالاعسار لذلك وواجبها وإن كان ملكا له لكنه في الاصل لها ويتلقاه السيد من حيث إنها لا تملك (بل له) إن كانت غير صبية ومجنونة، (إلجاؤها إليه بأن يترك واجبها ويقول) لها (افسخي أو اصبري) على الجوع أو العري دفعا للضرر عنه.
أما في المهر فله الفسخ بالاعسار به لانه محض حقه كما مر.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (ولا) فسخ (قبل ثبوت إعساره) بإقراره أو ببينة (عند قاض)، فلا بد من الرفع إليه (فيمهله) ولو بدون طلبه (ثلاثة أيام) ليتحقق إعساره، وهي مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره، (ولها خروج فيها لتحصيل نفقة) مثلا بكسب أو سؤال وليس له منعها من ذلك لانتفاء الانفاق المقابل لحبسها، (وعليها رجوع) إلى مسكنها (ليلا) لانه وقت الدعة وليس لها منعه من التمتع (ثم) بعد الامهال، يفسخ القاضي، أو هي باذنه صبيحة الرابع).
نعم إن لم يكن في الناحية قاض، ولا محكم ففي الوسيط لا خلاف في استقلالها بالفسخ (فإن سلم نفقته فلا) فسخ لتبين زوال ما كان الفسخ لاجله ولو سلم بعد الثلاث نفقة يوم.
وتوافقا على جعلها مما مضى ففي الفسخ احتمالان في الشرحين والروضة بلا ترجيح وفي المطلب الراجح منعه.
(فإن أعسر) بعد أن سلم نفقة الرابع (بنفقة الخامس بنت) على المدة ولم تستأنفها وهذه من زيادتي.
(كما لو أيسر في الثالث) ثم أعسر في الرابع فإنها تبنى ولا تستأنف (ولو رضيت) قبل النكاح أو بعده (بإعسار فلها الفسخ)، لان الضرر يتجدد ولا أثر لقولها رضيت به أبدا لانه وعد لا يلزم الوفاء به.
(لا) إن رضيت بإعساره (بالمهر) فلا فسخ لان الضرر لا يتجدد.

(2/208)


(فصل) في مؤنة القريب (لزم موسرا ولو بكسب يليق به) ذكرا إو أنثى ولو مبعضا (بما يفضل عن مؤنة ممونه) من نفسه وغيره، وإن لم يفضل عن دينه (يومه وليلته كفاية أصل) له وإن علا ذكرا أو أنثى (وفرع) له وإن نزل كذلك إذا (لم يملكاها) أي الكفاية، وكانا حرين معصومين (وعجز الفرع عن كسب يليق) به (وإن اختلفا دينا) والاصل في الثاني قوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * كذا احتج به والاولى الاحتجاج بقوله تعالى: * (فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن) *، ووجهه أنه لما لزمت أجرة إرضاع الولد كانت كفايته ألزم وقيس بذلك الاول بحامع البعضية، بل هو أولى لان حرمة الاصل أعظم والفرع بالتعهد والخدمة أليق واحتج له أيضا بقوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه حسنا) *.
فإن لم يفضل عنها شئ فلا شئ عليه، لانه ليس من أهل المواساة.
وظاهر أنه لو كان الفاضل لا يكفي أصله أو فرعه لم يلزمه غيره وأنه لا يلزمه للمبعض منهما إلا بالقسط وبما ذكر علم

(2/209)


أنهما لو قدرا على كسب لائق بهما وجبت لاصل لا فرع لعظم حرمة الاصل، ولان فرعه مأمور بمصاحبته بالمعروف، وليس منها تكليفه الكسب مع كبر السن، وأنه يباع فيها ما يباع في الدين من عقار وغيره لشبهها به وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة، والثاني لا، لانه يشق ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له ورجح النووي في نظير من نفقة العبد الثاني فليرجح هنا، وقال الاذرعي: إنه الصحيح أو الصواب قال ولا ينبغي قصر ذلك على العقار.
وتعبيري بالمؤنة وبالكفاية وبالعجز أعم مما عبر به وقولي، وليلته ويليق من زيادتي (ولا تصير بفوتها دينا) عليه لانها مواساة لا يجب فيها تمليك (إلا باقتراض قاض) بنفسه أو مأذونه (لغيبة أو منع) فإنها حينئذ تصير دينا عليه، وعدلت عن تعبيره بفرض القاضي بالفاء إلى تعبيري باقتراضه بالقاف، لان الجمهور على أنها لا تصير دينا بفرضه خلافا للغزالي
في بعض كتبه وبذلك لا تصير دينا بإذنه في الاقتراض، خلافا لما وقع في الاصل (وعلى أمه أي الولد (إرضاعه اللبأ) بالهمز والقصر بأجرة وبدونها لانه لا يعيش غالبا إلا به، وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة (ثم) بعد إرضاعه اللبأ (إن انفردت هي أو أجنبية وجب إرضاعه) على الموجودة منهما (أو وجدتا لم تجبر هي) على إرضاعه وإن كانت في نكاح أبيه لقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * (فإن رغبت) في إرضاعه ولو بأجرة مثل أو كانت منكوحة أبيه، (فليس لابيه منعها) إرضاعه لانها أشفق على الولد من الاجنبية ولبنها له أصلح وأوفق وخرج بأبيه غيره كأن كانت منكوحة غير أبيه فله منعها (لا إن طلبت)

(2/210)


لارضاعه (فوق أجرة مثل أو تبرعت) بإرضاعه (أجنبية أو رضيت بأقل) من أجرة مثل (دونها) أي الام فله منعها من ذلك لقوله تعالى: * (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) *، ودونها من زيادتي (ومن استوى فرعاه) في قرب أو بعد أو إرث أو عدمه أو ذكورة أو أنوثة، (موناه) بالسوية بينهما وإن تفاوتا في اليسار أو أيسر أحدهما بمال والآخر بكسب، فإن غاب أحدهما أخذ قسطه من ماله فإن لم يكن له مال اقترض عليه فإن لم يكن أمر الحاكم الحاضر مثلا بالتموين بقصد الرجوع على الغائب أو علما له إذا وجده (ف) - إن اختلفا فكان أحدهما أقرب والآخر وارثا مون (الاقرب وإن كان إنثى غير وارث لان القرب أولى بالاعتبار من الارث، (ف) - إن استويا قربا مون (الوارث) لقوة قرابته (فإن تفاوتا) أي المتساويان في القرب (إرثا) كإبن وبنت (مونا سواء) لاشتراكهما في الارث وقيل يوزع بحسبه نظير ما رجحه النووي فيمن له أبوان وقلنا إن مؤنته عليهما وبه جزم في الانوار لكن منعه الزركشي، ورجح الاول ونقل تصحيحه عن الفوراني والخوارزمي وغيرهما ورجحه ابن المقري والترجيح من زيادتي.
(ومن له أبوان) أي أب وإن علا وأم (فعلى الاب) مؤنته صغيرا كان أو بالغا أما الصغير فلقوله تعالى: * (فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن) *، وأما البالغ فبالاستصحاب
(أو) له (أجداد وجدات ف) - على (الاقرب) مؤنته وإن لم يدل بعضهم ببعض، (أو) له (أصل وفرع ف) على (الفرع) وإن نزل مؤنته لانه أولى بالقيام بشأن أصله لعظم حرمته، (أو) له (محتاجون) منهما أو من أحدهما ولم يقدر على كفايتهم (قدم) بعد نفسه، ثم زوجته (الاقرب) فالاقرب.
(تتمة) لو كان له أب وأم وإبن قدم الابن الصغير ثم الام ثم الاب ثم الولد الكبير.

(2/211)


(فصل) في الحضانة.
وتنتهي في الصغير بالتمييز، وما بعده إلى البلوع تسمى كفالة كذا، قاله الماوردي وقال غيره تسمى حضانة أيضا (الحضانة) بفتح الحاء لغة الضم مأخوذة من الحضن بكسرها، وهو الجنب لضم الحاضنة الطفل إليه، وشرعا (تربية من لا يستقل) بأموره بما يصلحه ويقيه عما يضره ولو كبيرا مجنونا كأن يتعهد بغسل جسده وثيابه ودهنه وكحله وربط الصغير في المهد وتحريكه لينام (والاناث أليق بها) لانهن أشفق وأهدى إلى التربية، وأصبر على القيام بها (وأولاهن أم) لوفور شفقتها، (فأمهات لها وارثات) وإن علت الام تقدم (القربى فالقربى فأمهات أب كذلك) أي وارثات، وإن علا الاب تقدم القربى.
فالقربى وخرج بالوارثات غيرهن وهي من أدلت بذكر بين أنثيين كأم أبي أم لادلائها بمن لاحق له في الحضانة وقدمت أمهات الام على أمهات الاب لقوتهن في الارث فإنهن لا يسقطن بالاب بخلاف أمهاته ولان الولادة فيهن وفي أمهات الاب

(2/212)


مطنونة.
(فأخت) لانها أقرب من الخالة.
(فخالة) لانها تدلى بالام بخلاف من يأتي (فبنت أخت فبنت أخ) كالاخت مع الاخ والترتيب بينهما من زيادتي (فعمه) لان جهة الاخوة مقدمة على جهة العمومة وتقدم أخت وخالة وعمة لابوين عليهن لاب لزيادة قرابتهن، وتقديم الخالة والعمة لابوين عليهما لاب من زيادتي (وتقدم أخت وخالة وعمة لابوين عليهن لاب ولاب
عليهن لام) لقوة الجهة وفهم بالاولى أنهن إذا كن لابوين يقدمن عليهن لام.
(فرع) لو كان للمحضون بنت قدمت في الحضانة عند عدم الابوين على الجدات أو زوج يمكن تمتعه بها قدم ذكرا كان أو أنثى على كل الاقارب.
والمراد بتمتعه بها وطؤه لها فلا بد أن تطيقه وإلا فلا تسلم إليه كما مر في الصداق، وصرح به ابن الصلاح في فتاويه هنا (وتثبت) الحضانة (لانثى قريبة غير محرم) لم تدل بذكر غير وارث كما علم من التقييد بالوارثات فيما مر، (كبنت خالة) وبنت عمة وبنت عم لغير أم وإن كانت غير محرم لشفقتها بالقرابة وهدايتها إلى التربية بالانوثة بخلاف غير القريبة كالمعتقة وبخلاف من أدلت بذكر غير وارث كبنت خال، وبنت عم لام وكذا من أدلت بوارث أو بأنثى وكان المحضون ذكرا يشتهى (و) تثبت (لذكر قريب وارث) محرما كان كأخ أو غير محرم كإبن عن لوفور شفقته وقوة قرابته بالارث والولاية ويزيد المحرم بالمحرمية (بترتيب) ولاية (نكاح) هو أولى من قوله على ترتيب الارث، لانه الجد مقدم على الاخ هنا كما في النكاح بخلافه في الارث، (ولا تسلم مشتهاة لغير محرم) حذرا من الخلوة المحرمة (بل) تسلم (لثقة يعينها) هو كبنته، فلو فقد في الذكر الارث والمحرمية كإبن الخال وابن العمة أو الارث دون المحرمية كالخال والعم للام وأبي الام أو القرابة دون الارث كالعتق، فلا حضانة له لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة في الاخيرة ولضعفها في غيرها.
وذكر قريبة وقريب من زيادتي في غير المحرم، (ولو اجتمع ذكور وإناث فأم) تقدم (فأمهاتها) وإن علت (فأب فأمهاته) وإن علا لما مر.
(فالاقرب) فالاقرب (من الحواشي) ذكرا كان أو أنثى (ف) - إن استويا قربا قدمت (الانثى)، لان

(2/213)


الاناث أصبر وأبصر فتقدم أخت على أخ وبنت أخ على ابن أخ (ف) - إن استويا ذكورة، وأنوثة قدم (بقرعة) من خرجت قرعته على غيره.
والخنثى هنا كالذكر فلا يقدم على الذكر فلو ادعى الانوثة صدق بيمينه (ولا حضانة لغير حر) ولو مبعضا (و) غير (رشيد) من صبي وسفيه ومجنون، وإن تقطع جنونه إلا إذا كان يسيرا كيوم في سنة، (و) غير (أمين) لانها ولاية وليسوا
من أهلها.
نعم لو أسلمت أم ولد كافر فحضانته لها وإن كانت رقيقة ما لم تنكح لفراغها لان السيد ممنوع من قربانها وتعبيري بغير حر، ورشيد أعم من تعبيره برقيق ومجنون (و) غير (مسلم عليه) أي على مسلم لانه لا ولاية له عليه (و) لا (لذات لبن لم ترضع الولد) إذ في تكليف الاب مثلا استئجار من ترضعه عندها مع الاغتناء عنه عسر عليه، (و) لا (ناكحة غير أبيه) وإن رضي لانها مشغولة عنه بحق الزوج (إلا من له حق في حضانة) بقيد زدته بقولي (ورضي) فلها الحضانة.
وتعبيري بذلك أعم من قوله إلا عمه وابن أخيه (فإن زال المانع) من رق وعدم رشد وعدالة وغير مما ذكر (ثبت الحق) لمن زال عنه المانع هذا كله في ولد غير مميز (والمميز إن افترق أبواه) من النكاح وصلحا خير فإن اختار أحدهما (ف) - هو (عند من اختار منهما) لانه (صلى الله عليه وسلم) خير غلاما بين أبيه وأمه رواه الترمذي وحسنه والغلامة كالغلام (وخير) المميز (بين أم) وإن علت (وجد أو غيره من الحواشي) كأخ أو عم أو ابنه كالاب بجامع العصوبة (كأب) أي كما يخير بين أب (وأخت) لغير أب (أو خالة) كالام (وله بعد اختيار) لاحدهما (تحول للآخر) وإن تكرر منه ذلك لانه قد يظهر له الامر على خلاف ما ظنه أو بتغير حال من اختاره قبل نعم إن غلب على الظن أن سبب تكرره قلة تمييزه، ترك عند من يكون عنده قبل التمييز.
وقولي أو غيره من الحواشي أعم من قوله وكذا أخ أو عم لكن قيد في الروضة كأصلها تبعا للبغوي التخيير في مسألة ابن العم بالذكر.
والمعتمد خلافه وبه صرح الروياني وغيره، وأن كانت المشتهاة لا تسلم له كما مر.
(ولاب) مثلا إن (اختير منع أنثى) لا ذكر (زيارة أم) لتألف الصيانة وعدم البروز والام أولى منها بالخروج لزيارتها بخلاف الذكر لا يمنعه زيارتها لئلا يألف العقوق، ولانه ليس بعورة فهو أولى منها بالخروج وخرج بزيارة الام عيادتها فليس له المنع منها لشدة الحاجة إليها

(2/214)


(ولا يمنع أما زيارتهما) أي الذكر والانثى (على العادة) كيوم في أيام لا في كل يوم، ولا يمنعها من دخولها بيته وإذا زارت لا تطيل المكث (وهي أولى بتمريضهما عنده) لانها أشفق وأهدى
إليه.
وهذا (إن رضي) به (وإلا فعندها) ويعودهما ويحترز في الحالين عن الخلوة بها (وإن اختارها ذكر فعندها ليلا وعنده نهارا) ليعلمه الامور الدينية والدنيوية على ما يليق به لان ذلك من مصالحه، (أو) اختارتها (أنثى فعندها أبدا) أي ليلا ونهارا لاستواء الزمنين في حقها (ويزورها الاب على العادة) ولا يطلب إحضارها عنده، (وإن اختارهما) مميز (أقرع) بينهما ويكون عند من خرجت قرعته منهما (أو لم يختر) واحدا منهما، (فالام أولى) لان الحضانة لها ولم يختر غيرها وكالانثى فيما ذكر الخنثى، (ولو سافر أحدهما) أي أراد سفرا (لا لنقلة) كحج وتجارة ونزهة فهو أعم من قوله سفر حاجة (فالمقيم) أولى بالولد مميزا كان أو لا حتى يعود المسافر لخطر السفر طالت مدته أولا، ولو أراد كل منهما سفر حاجة فالام أولى على المختار في الروضة، (أولها) أي لنقلة (فالعصبة) من أب أو غيره ولو غير محرم أولى به من الام حفظا للنسب وإنما يكون أولى به فيما إذا كان هو المسافر (إن أمن خوفا) في طريقه ومقصده وإلا فالام أولى وقد علم مما مر أنه لا تسلم

(2/215)


مشتهاة لغير محرم كابن عم حذرا من الخلوة المحرمة بل لثقة ترافقه كبنته واقتصار الاصل على بنته مثال.
(فصل) في مؤنة المملوك وما معها.
(عليه) أي المالك (كفاية رقيقه غير مكاتبه) مؤنة من قوت وأدم وكسوة وماء طهارة وغيرها ولو كان أعمى زمنا أو أم ولد أو آبقا لخبر مسلم للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق ويقاس بما فيه غيره مما ذكر ولا شئ عليه للمكاتب، ولو كتابة فاسدة لاستقلاله بالكسب واستثناؤه من زيادتي واطلاقي الكفاية أولى من تقييده لها، بالنفقة والكسوة (من غالب عادة أرقاء البلد) من بر وشعير وزيت وقطن وصوف وكتان وغيرها لخبر الشافعي للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف قال والمعروف عندنا المعروف لمثله ببلده، ويراعى حال السيد في يساره واعساره فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسه، وتفضل ذات
الجمال على غيرها في المؤنة (فلا يكفي ستر عورة) له وأن لم يتأذ بحر أو برد لان ذلك يعد تحقيرا، وقولي (ببلادنا) من زيادتي ذكره الغزالي وغيره احترازا عن بلاد السودان ونحوها كما في المطلب.
(وسن أن يناوله مما يتنعم به) من طعام وأدم وكسوة للامر بذلك في الصحيحين المحمول على الندب كما سيأتي.
والاولى أن يجلسه معه للاكل فإن لم يفعل روغ له لقمة تسد مسدا لا صغيرة تثير الشهوة ولا تقضي النهمة ولو كان السيد يأكل ويلبس دون اللائق به المعتاد غالبا بخلا أو رياضة فليس له الاقتصار في رقيقه على ذلك، بل يلزمه زيه الغالب ولو تنعم بما فوق اللائق به ندب له أن يدفع إليه مثله ولا يلزمه بل له الاقتصار على الغالب كما علم، وقوله (صلى الله عليه وسلم) إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه.
قال الرافعي حملة الشافعي على الندب أو على الخطاب لقوم مطاعمهم وملابسهم متقاربة، أو على أنه جواب سائل علم حاله فأجاب بما اقتضاه الحال (وتسقط) كفاية الرقيق (بمضي الزمن) فلا تصير دينا إلا بما مر في مؤنة القريب، بجامع وجوب ما ذكر بالكفاية.
(ويبيع قاض فيها ماله) أو يؤجره إن امتنع منها ومن إزالة ملكه عن الرقيف بعد أمر له بأحدهما، أو غاب كما في مؤنة القريب وكيفيته أنه إن تيسر بيع ماله أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة فذاك وإن لم يتيسر كعقار استدان عليه إلى أن يجتمع ما يسهل البيع

(2/216)


أو الايجار له ثم باع أو أجر منه ما يفي به لما في بيعه أو إيجاره شيئا فشيئا من المشقة.
وعلى هذا يحمل كلام من أطلق أنه يباع بعد استدانة فإن لم يمكن بيع بعضه ولا إيجاره، وتعذرت الاستدانة باع جميعه أو آجره (فإن فقد) ماله (أمره) القاضي (بإيجاره أو بإزالة ملكه) عنه بنحو بيع أو إعتاق فإن لم يفعل باعه القاضي أو أجره عليه فإن تعذر فكفايته في بيت المال ثم على المسلمين فإن اقتصر على أمره بأحدهما قدم الايجار وذكر الامر بإيجاره من زيادتي
وتعبيري بإزالة ملكه أعم من قوله ببيعه أو إعتاقه.
وأما أم الولد فيخليها تكتسب وتمون نفسها فإن تعذرت مؤنتها بالكسب فهي في بيت المال، (وله إجبار أمته على إرضاع ولدها) منه أو من غيره لان لبنها ومنافعها له بخلاف الحرة (وكذا غيره) أي غير ولدها (إن فضل) عنه لبنها لذلك نعم إن لم يكن ولدها منه ولا مملوكه فله أن يرضعها من شاء وإن لم يفضل عن هذا الولد لبنها، لان إرضاعه على والده أو مالكه (و) له إجبارها (على فطمه قبل) مضي (حولين و) على (إرضاعه بعدهما إن لم يضر) أي الفطم أو الارضاع لانه في الاولى قد يريد التمتع بها وهي ملكه ولا ضرر في ذلك، وفي الثانية لبنها ومنافعها له ولا ضرر فإن حصل ضرر للولد أو للامة أولهما فلا إجبار وليس لها استقلال بفطم ولا ارضاع إذ لا حق لها في التربية.
وقولي إن لم يضر أعم من قوله في الاولى إن لم يضره وفي الثانية إن لم يضرها (ولحرة حق في تربيته فليس لاحدهما فطمه قبل) مضي (حولين و) لا (إرضاعه بعدهما إلا بتراض بلا ضرر) لان لكل منهما حقا في التربية، فلهما النقص عن الحولين والزيادة عليهما إذا لم يتضرر بهما الولد والام أو أحدهما وقولي بلا ضرر من زيادتي فيما إذا تراضيا على الارضاع، وأعم من تقييده له بالوالد فيما إذا تراضيا على الفطم وعلم مما ذكر أن لكل منهما فطمه بعدهما بغير رضا الآخر حيث لا تضرر بذلك لانهما مدة الرضاع التام (ولا يكلف مملوكه) من آدمي أو غيره من العمل (ما لا يطيقه) للخبر السابق، فليس له أن يكلفه عملا على الدوام يقدر عليه يوما أو يومين أو ثلاثة، ثم يعجز.
وله أن يكلفه الاعمال الشاقة بعض الاوقات وبه صرح الرافعي.
وتعبيري بمملوكه أعم من تعبيره برقيقه (ولمخارجة رقيقه) على ما يحتمله كسبه المباح الفاضل عن مؤنته إن جعلت من كسبه لخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) أعطى أبا طيبة لما حجمه صاعين أو صاعا من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه (بتراض) فليس لاحدهما إجبار الآخر عليها لانها عقد معاوضة فاعتبر فيها التراضي كالكتابة، (وهي صرب

(2/217)


خراج معلوم يؤديه) من كسبه (كل يوم أو نحوه) كأسبوع أو شهر بحسب ما يتفقان عليه
وقولي ضرب مع معلوم من زيادتي، وقولي أو نحوه أعم من قوله أو أسبوع (وعليه كفاية دوابه المحترمة) بعلفها أو سقيها أو بتخليتها للرعي.
وورود الماء إن ألفت ذلك لحرمة الروح بخلاف غير المحترمة كالفواسق.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله علف دوابه وسقيها والتقييد بالمحترمة من زيادتي، (فإن امتنع) من ذلك (وله مال) آخر (أجبر على كفاية أو إزالة ملك) هي أعم من قوله بيع (أو ذبح مأكول) منها صونا لها عن التلف (فإن امتنع) من ذلك (فعل الحاكم ما يراه) منه ويقتضيه الحال وهذا من قولي، وله مال من زيادتي فإن لم يكن له مال آخر أجبر على أحد الاخيرين أو الايجار فإن امتنع فعل الحاكم ما يراه مع ذلك، فإن تعذر فكفايتها من بيت المال ثم على المسلمين (ولا يحلب) من لبنها (ما يضر) ها أو ولدها وإنما يحلب ما يفضل عنه.
وقولي يضر أعم من قوله يضر ولدها (وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارته) لانتفاء حرمة الروح، ولان ذلك من جملة تنمية المال وهي ليست بواجبة وهذا بالنسبة لحق الله تعالى فلا ينافي وجوب ذلك في حق غيره كالاوقاف ومال المحجور عليه، وإذا لم تجب العمارة لا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره ويكره ترك سقي الزرع والشجر عند الامكان لما فيه من إضاعة المال كذا علله الشيخان.
قال الاسنوي وقضيته عدم تحريم إضاعة المال لكنهما صرحا في مواضع بتحريمها كإلقاء المتاع في البحر بلا خوف، فالصواب أن يقال بتحريمها إن كان سببها أعمالا كإلقاء المتاع في البحر وبعد تحريمها إن كان سببها ترك أعمال لانها قد تشق عليه، ومنه ترك سقي الاشجار المرهونة بتوافق العاقدين فإنه جائز خلافا للروياني والله أعلم.

(2/218)


(كتاب الجناية) الشاملة للجناية بالجارح وبغيره كسحر ومثقل فهي أعم من تعبيره بالجراح.
والاصل فيها آيات كآية: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص) * وأخبار كخبر الصحيحين لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني
والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة (هي) أي الجناية على البدن سواء أكانت مزهقة للروح أم غير مزهقة من قطع ونحوه ثلاثة، (عمد وشبهه وخطأ لانه) أي الجاني (إن لم يقصد عين من وقعت) أي الجناية (به) بأن لم يقصد الفعل كأن زلق فوقع على غيره، أو قصده وقصد عين شخص فأصاب غيره من الآدميين (فخطأ).
وتعبيري بذلك أولى من قوله فإن فقد قصد أحدهما فخطأ إلى آخره (أو قصدها) أي عين من وقعت الجناية به (بما يتلف غالبا) جارحا كان أولا (فعمد أو غيره) أي أو بما يتلف غير غالب بأن قصدها بما يتلف نادرا كغرز إبرة بغير مقتل ولم يظهر أثره أو بما يتلف لا غالبا ولا نادرا كضرب غير متوال في غير مقتل وشدة حر وبرد بسوط أو عصا خفيفين لمن يحتمل الضرب به فشبهه أي شبه عمد ويسمى أيضا خطأ عمد وعمد خطأ وخطأ شبه عمد (ولا قود إلا في عمد) بقيد زدته بقولي (ظلم) أي من حيث الاتلاف بخلاف غير الظلم كالقود وبخلاف الظلم لا من تلك الحيثية، بأن عدل عن الطريق المستحق في الاتلاف كأن استحق حز رقبته قودا فقده نصفين وذلك (كغرز إبرة بمقتل) كدماغ وعين وحلق وخاصرة فمات به لخطر الموضع وشدة تأثيره (أو غرزها (بغيره) أي بغير مقتل كألية وفخذ (وتألم حتى مات) لظهور أثر الجناية وسرايتها إلى الهلاك (فإن لم يظهر أثر ومات حالا فشبه عمد) لان مثله لا يقتل غالبا واقتصاري على التألم كاف كما صححه النووي في شرح الوسيط فلا حاجة لذكر التورم معه كما فعله في الاصل، (ولا أثر له) أي لغرزها (فيما لا يؤلم كجلدة عقب) فلا يجب بموته عنده قود ولا غيره لعلمنا بأنه لم يمت به.
والموت عقبه موافقة قدر فهو كمن ضرب بقلم أو ألقى عليه خرقة فمات، (ولو منعه طعاما إو شرابا) هو أولى من قوله،

(2/219)


والشراب (وطلبا) له (حتى مات فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد) لظهور قصد الاهلاك به وتختلف المدة باختلاف حال الممنوع قوة وضعفا والزمن حرا وبردا
ففقد الماء ليس كهو في البرد (وإلا) أي وإن لم تمض المدة المذكورة (فإن لم يسبق) منعه (ذلك) أي جوع أو عطش (فشبه عمد) لانه لا يقتل غالبا (وإن سبق وعلمه) المانع (فعمد) لما مر، (وإلا) بأن لم يعلمه (فنصف دية شبهه) أي شبه العمد، لان الهلاك حصل به وبما قبله وهذا مراد الاصل بقوله، وإلا فلا أي فليس بعمد (ويجب قود) أي قصاص (بسبب) كالمباشرة وسمى ذلك قودا لانهم يقودون الجاني بحبل وغيره، قاله الازهري (فيجب على مكره) بكسر الراء بغير حق بأن قال اقتل اقتل هذا أو قتلك، وإن ظنه المكره بفتحها صيدا أو كان مراهقا لانه قتله بما يقصد به الهلاك غالبا فأشبه ما لو رماه بسهم فقتله ولا يؤثر فيه جهل المكره لانه آلة مكرهة ولا صباه لان عمد الصبي عمد (لا إن كرهه على قتل نفسه) بأن قال اقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها، فلا قود لان ذلك ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به فكأنه اختاره قال في الشرح الصغير ويشبه أن يقال لو هدده بقتل يتضمن تعذيبا شديدا إن لم يقتل نفسه كان إكراها، (أو) على (قتل زيد أو عمرو) فقتلهما أو أحدهما فلا قود على المكره وإن كان آثما لان ذلك ليس إكراها حقيقة.
فالمأمور مختار للقتل فعليه القود (أو) على (صعود شجرة فزلق ومات) فلا قود لانه لا يقصد به القتل غالبا بل هو شبه عمدان كانت مما يزلق على مثلها غالبا وإلا فخطأ، (و) يجب (على مكره بفتح الراء أيضا لان الاكراه يولد داعية القتل في المكره غالبا ليدفع الهلاك عن نفسه وقد آثرها بالبقاء فهما شريكان في القتل.
(لا إن قال) شخص لآخر (اقتلني) سواء أقال معه وإلا قتلتك أم لا فلا قود بل هو هدر للاذن له في القتل (أو أكرهه على رمي صيد فأصاب رجلا فمات) فلا قود على واحد منهما لانهما لم يتعمدا قتله فإن وجبت دية بالقتل، إكراها كإن عفا عن القود عليها (وزعت) على المكره والمكره كالشريكين في القتل، (فإن اختص أحدهما بما يوجب قودا اقتص منه) دون الآخر فلو أكره حر عبدا أو عكسه على قتل عبد فقتله، فالقود على العبد أو أكره مكلف غيره أو عكسه على قتل ادمي فقتله فالقود على المكلف أو علم أحدهما، أنه آدمي وظنه الآخر صيدا.
فالقود
على العالم (و) يجب (على من ضيف بمسموم) بقيد زدته بقولي.
(يقتل غالبا غير مميز

(2/220)


فمات) سواء أقال إنه مسموم أم لا لانه ألجأه إلى ذلك (فإن ضيف به مميزا أو دسه في طعامه) أي طعام المميز (الغالب أكله منه وجهله فشبه عمد) فيلزم ديته ولا قود لتناوله الطعام باختياره، فإن علمه فلا شئ على المضيف أو الداس.
وتعبيري بالمميز وبغيره هو الموافق لبحث الشيخين ومنقول غيرهما بخلاف تعبيره بما ذكره، وتعبيري بشبه العمد الذي عبر به المحرر أولى من قوله فدية، وخرج بالطعام المذكور ما لو دس سما في طعام نفسه فأكل منه من يعتاد الدخول له أو في طعام من يندر أكله منه فأكله فمات فإنه هدر.
(و) يجب (على من ألقى غيره فيما) أي شئ (لا يمكنه التخلص منه) كنار وماء مغرق لا يمكنه التخلص منهما بعوم أو غير مغرق، وألقاه بهيئة لا يمكنه ذلك معها (وإن التقمه حوت) ولو قبل وصوله الماء، لان ذلك مهلك لمثله ولا نظر إلى الجهة التي هلك بها.
وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الماء والنار، (فإن أمكنه) أي التخلص بعوم أو غيره (ومنعه) منه (عارض) كموج وريح فهلك (فشبه عمد) ففيه دية (أو مكث) حتى مات (فهدر) لانه المهلك نفسه (أو النقمة حوت فعمد إن علم به وإلا فشبهه).
والتفصيل بين العلم وعدمه من زيادتي ولو ألقاه مكتوفا بالساحل، فزاد الماء وأغرقه فإن كان بموضع يعلم زيادة الماء فيه كالمد بالبصرة فعمد وإن كان قد يزيد وقد لا يزيد فشبه عمد أو كان بحيث لا يتوقع زيادة، فاتفق سيل نادر فخطأ، (ولو ترك) مجروح (علاج جرحه المهلك) فهلك (فقود) على جارحه، لان الجرح مهلك والبرء غير موثوق به لو عالج (ولو أمسكه) شخص ولو للقتل (أو ألقاه من) مكان (عال أو حفر بئرا) ولو عدوانا (فقتله) في الاوليين (أو رداء فيه) في الثالثة، (آخر فالقود على الآخر) أي القاتل أو المردي (فقط) أي دون الممسك أو الملقي أو الحافر لان المباشرة مقدمة على غيرها، مع أن الحافر لا قود عليه لو انفرد أيضا لان الحفر شرط.
(فصل) في الجناية من اثنين وما يذكر معها.
لو (وجد) بواحد (من إثنين معا فعلان مزهقان) للروح سواء أكانا مذففين أي مسرعين للقتل أم لا (كحز) للرقبة (وقد) للجثة (وكقطع عضوين) مات المقطوع به منهما (فقاتلان) فعليهما القود، وإن كان أحدهما مذففا دون الآخر فالمذفف هو القاتل (أو) وجدا منهما (مرتبا

(2/221)


ف) - القاتل (الاول إن أنهاه إلى حركة مذبوح بأن لم يبق) فيه (إبصار ونطق وحركة اختيار) لانه صيره إلى حالة الموت، (ويعزر الثاني) لهتكه حرمة ميت (وإلا) أي وإن لم ينهه الاول إلى حركة مذبوح (فإن ذفف) أي الثاني (كحز بعد جرح فهو القاتل وعلى الاول ضمان جرحه) قودا أو مالا (وإلا) أي وإن لم يذفف الثاني أيضا، ومات المجني عليه بالجنايتين كأن أجافاه أو قطع الاول يده من الكوع والثاني من المرفق (فقاتلان) بطريق السراية، (ولو قتل مريضا حركته حركة مذبوح ولو بضرب يقتله) دون الصحيح وإن جهل المرض (أو) قتل (من عهده أو ظنه عبدا أو كافرا غير حربي) ولو بدراهم مرتدا أو غيره (أو ظنه قاتل أبيه أو حربيا) بأن كان عليه زي الحربيين (بدارنا فأخلف)، أي فبان خلافه (لزمه قود) لوجود مقتضيه وجهله وعهده وظنه لا يبيح له الضرب أو القتل.
وفارق المريض المذكور من وصل إلى حركة مذبوح بجناية بأنه قد يعيش بخلاف ذاك (أو) قتل من ظنه حربيا (بدراهم أو صفهم) فأخلف (فهدر وإن لم يعهده حربيا لعذر الظاهر ثم، نعم إن قتله ذمي لم نستعن به لزمه القود وخرج بغير الحربي في مسألة العهد ما لو عهده حربيا فإن قتله بدارنا فلا قود أو بدارهم أو صفهم فهدر كما فهم مما مر وبعهده وظنه كفره ما لو انتفيا فإن عهد وظن إسلامه ولو بدراهم أو شك فيه وكان بدارنا لزمه قود أو بدارهم أو صفهم فهدر إن لم يعرف مكانه، وإلا فكقتله بدارنا والتقييد بالحربي في مسألة الاهدار مع قولي أو صفهم من زيادتي.
(فصل) في أركان القود في النفس (أركان القود في النفس) ثلاثة (قتيل وقاتل وقتل)، (وشرط فيه ما مر) من كونه عمدا ظلما فلا قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم كما مر بيانه، (وفي القتيل عصمة) بإيمان أو
أمان كعقد ذمة أو عهد لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) *.
الآية، وقوله: * (وإن أحد من المشركين استجارك) * الآية وهي معتبرة من الفعل إلى التلف، وسيأتي بيانه في الفصل الآتي (فيهدر حربي) ولو صبيا وامرأة وعبدا لقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (ومرتد) في حق معصوم لخبر من بدل دينه فاقتلوه (كزان

(2/222)


محصن قتله مسلم) معصوم لاستيفائه حدا الله تعالى سواء أثبت زناه باقراره أو ببينة (ومن عليه قود لقاتله لاستيفائه حقه، (و) شرط (في القاتل) أمران (التزام) للاحكام ولو من سكران أو ذمي أو مرتد (فلا قود على صبي ومجنون وحربي ولو قال وقت القتل صبيا وأمكن) صباه فيه (أو مجنونا وعهد) جنونه قبله (حلف) فيصدق لان الاصل بقاء الصبا والجنون سواء انقطع أم لا بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه (أو) قال (أنا صبي) الآن وأمكن (فلا قود) ولا يحلف أنه صبي لان التحليف لاثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه وسيأتي هذا في الدعوى والبينات مع زيادة (ومكافأة) أي مساواة (حال جناية) بأن لم يفضل قتيله باسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة، (فلا يقتل مسلم) ولو زانيا محصنا) (بكافر) ولو ذميا لخبر البخاري لا يقتل مسلم بكافر وأن ارتد المسلم لعدم المكافأة حال الجناية إذ العبرة في العقوبات بحالها (ويقتل ذو أمان بمسلم وبذي أمان وإن اختلفا دينا) كيهودي ونصراني، (أو أسلم القاتل ولو قبل موت الجريح) لتكافئهما حال الجناية (ويقتص في هذه) المسألة (إمام بطلب وارث) ولا يفوضه إلى الوارث حذرا من تسليط الكافر على المسلم، (ويقتل مرتد بغير حربي) لما مر.
وتعبيري هنا بذلك وفيما مر بكافر وذي أمان أعم من تعبيره هنا بذمي ومرتد وثم بذمي، (ولا) يقتل (حر بعيره) ولو مبعضا لعدم المكافأة (ولا مبعض بمثله وإن فاقه حرية) كأن كان نصفه حرا وربع القاتل حرا، إذ لا يقتل بجزء الحرية جزء الحرية وبجزء الرق جزء الرق لان الحرية شائعة فيهما بل يقتل جميعه بجميعه فيلزم قتل جزء حر بجزء رق وهو ممتنع
(ويقتل رقيق) ولو مدبرا ومكاتبا وأم ولد (برقيق وإن عتق القاتل) ولو قبل موت الجريح لتكافئهما بتشاركهما في المملوكية حال الجناية (لا مكاتب برقيقه) الذي ليس أصله كما لا يقتل الحر برقيقه وهذا من زيادتي.
فإن كان رقيقه أصله فالاصل في الروضة تبعا لنسخ أصلها السقيمة أنه لا يقتل به والاقوى في نسخه المعتمدة والشرح الصغير أنه يقتل به وقد يؤيد الاول بما يأتي من أن الفضيلة لا تجبر النقيصة.
(ولا قود بين رقيق مسلم وحر كافر) بأن قتل الاول الثاني أو عكسه لان المسلم لا يقتل بالكافر، ولا الحر بالرقيق ولا تجبر فضيلة كل منهما نقيصته، وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بعبد وذمى (ويقتل) فرع (بأصله) كغيره (لا) أصل (بفرعه) لخبر: لا يقاد للابن من أبيه صححه

(2/223)


الحاكم والبيهقي والبنت كالابن والام كالاب وكذا الاجداد والجدات وإن علوا من قبل الاب إو الام والمعنى فيه أن الوالد كان سببا في وجود الولد فلا يكون الولد سببا في عدمه وهل يقتل بولده المنفي بلعان وجهان في نسخ الروضة المعتمدة وأصلها عن المتولي.
قال الاذرعي والاشبه أنه يقتل به ما دام مصرا على النفي.
قلت وهو مقتضى كلام المتولي في موانع النكاح ووقع في نسخ الروضة السقيمة ما يقتضي تصحيح أنه لا يقتل به فاغتر بها الزركشي وغيره فعزوا تصحيحه إلى نقل الشيخين له عن المتولي (ولا) أصل (له) أي لاجل فرعه كأن قتل رقيقه أو زوجته أو عتيقه أو زوجة نفسه، وله منها ولد لانه إذا لم يقتل بجنايته على فرعه فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى، (ولو تداعيا مجهولا وقتله أحدهما فإن ألحق به فلا قود) عليه لما مر.
وإلا فعليه القود إن ألحق بالآخر أو بثالث.
وإن اقتضت عبارة الاصل عدمه في الثالث فإن ألحق بهما أو لم يلحق بأحد فلا قود حالا لان أحدهما أبوه وقد اشتبه الامر (ولو قتل أحد) أخوين (شقيقين حائزين الاب والآخر الام معا وكذا) إن قتلا (مرتبا ولا زوجية) بين الاب والام والمعية والترتيب بزهوق الروح (فلكل) منهما (قود) على الآخر لانه
قتل مورثه (وقدم في معية) محققة أو محتملة (بقرعة و) في (غيرها بسبق) للقتل وهذه من زيادتي.
نعم إن علم سبق دون عين السابق احتمل أن يقرع وأن يتوقف ألى البيان وكلامهم قد يقتضي الثاني، (فإن اقتص أحدهما ولو مبادرا) أي بغير قرعة أو سبق (فلوارث الآخر قتله) بناء على أن القاتل بحق لا يرث (أو) كان ثم (زوجية) بين الاب والام (فللاول) فقط القود لانه إذا سبق قتل الاب لم يرث منه قاتله ويرثه أخوه والام وأذا قتل الآخر الام ورثها الاول فتنتقل إليه حصتها من القود ويسقط باقيه.
ويستحق القود على أخيه ولو سبق قتل الام سقط القود عن قاتلها، واستحق قتل أخيه والتقييد بالشقيقين وبالحائزين من زيادتي.
(ويقتل شريك من امتنع قوده لمعنى فيه) لوجود مقتضى القتل وإن كان شريكا لمن ذكر، فيقتص من شريك قاتل نفسه بأن جرح شخص نفسه وجرحه غيره فمات منهما ومن شريك حربي في قتل مسلم وشريك أب في قتل الولد، وشريك دافع صائل وقاطع قودا أو حدا وعبد شارك حرا في قتل عبد وذمي شارك مسلما في قتل ذمي، وحر شارك حرا جرح عبدا فعتق بأن جرحه المشارك بعد عتقه فمات بسرايتهما وخرج بقولي لمعنى فيه شريك مخطئ أو شبه عمد فلا يقتص منه وإن حصل الزهوق بما يجب فيه القود وما لا يجب.
والفرق أن كلا من الخطأ وشبه العمد شبهه في الفعل أورث في فعل الشريك فيه شبهة في القود ولا شبهة في

(2/224)


العمد (لا قاتل غيره بجرحين عمد وغيره) من خطأ وشبه عمد (أو) بجرحين (مضمون وغيره) كمن جرح حربيا أو مرتدا ثم أسلم وجرحه ثانيا فمات بهما، فلا قود عليه تغليبا لمسقط القود.
وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره (ولو داوى جرحه بمذفف) أي قاتل سريعا، (فقاتل نفسه أو بما لا يقتل غالبا أو) بما يقتل غالبا و (جهل حاله فشبه عمد) فلا قود على جارحه في الثلاث، وإنما عليه ضمان جرحه.
والتصريح بالثانية من زيادتي، (فإن علمه) أعلم حاله (ف) - جارحه (شريك جارح نفسه) فعليه القود (ويقتل جمع بواحد) كأن القوة من عال في بحر أو جرحوه جراحات مجتمعة أو
متفرقة، وإن تفاوتت عددا أو فحشا لما روى الشافعي وغيره أن عمر قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة، وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ولم ينكر عليه فصار أجماعا.
والغيلة أن يخدع ويقتل بموضع لا يراه فيه أحد (ولولي عفو عن بعضهم بحصته من الدية باعتبار عددهم) في جراح ونحوه بقرينة ما يأتي وعن جميعهم بالدية فتوزع على عددهم، فعلى الواحد من العشرة عشرها.
وإن تفاوتت جراحاتهم عددا إو فحشا (ولو ضربوه بسياط) أو عصا خفيفة فقتلوه (وضرب كل) منهم (لا يقتل قتلوا إن تواطؤوا) أي توافقوا على ضربه، (وإلا) بأن وقع اتفاقا (فالدية) تجب عليهم (باعتبار) عدد (الضربات) وإنما لم يعتبر التواطؤ في الجراحات ونحوها، لان ذلك يقصد به الاهلاك بخلاف الضرب بنحو السوط، أما إذا كان ضرب كل منهم يقتل فيقتلون مطلقا وإذا آل الامر إلى الدية وزعت على الضربات بخلاف الجراحات ونحوها.
وقولي وإلا إلى آخره من زيادتي.
(ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم أو معا) بأن ماتوا في وقت واحد أو جهل أمر المعية والترتيب.
فالمراد المعية المحققة أو المحتملة (فبقرعة) بينهم فمن خرجت قرعته قتل به (وللباقين الديات) لانها جنايات لو كانت خطأ لم تتداخل فعند التعمد أولى فلو قتله) منهم (غير من ذكر) بأن قتله غير الاول في الاولى وغير من خرجت قرعته في الثانية فتعبيري بذلك أعم من قوله فلو قتله غير الاول (عصى ووقع قودا) لان حقه متعلق به (وللباقين الديات) لتعذر القود بغير اختيارهم.
وتعبيري بذلك أولى من قوله وللاول دية وهل المراد دية القتيل أو القاتل حكى المتولي فيه وجهين تظهر فائدتهما في اختلاف قدر الديتين فعلى الثاني منهما لو كان القتيل رجلا والقاتل امرأة وجب خمسون بعيرا في عكسه مائة والاقرب الوجه الاول كما دل عليه كلامهم في باب العفو عن القود ولو قتله أولياء القتلى جميعا وقع القتل عنهم

(2/225)


موزعا عليهم فيرجع كل منهم إلى ما يقتضيه التوزيع من الدية فإن كانوا ثلاثة حصل لكل منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية.
(فصل) في تغير حال المجروح لحرية أو عصمة أو إهدار أو بقدر المضمون به.
لو (جرح عبده أو حربيا أو مرتدا فعتق) العبد (وعصم) الحربي بإيمان أو أمان أو المرتد بإيمان (فمات) بالجرح (فهدر) أي لا شئ فيه اعتبارا بحال الجناية نعم عليه في قتل عبده كفارة كما سيأتي، (ولو رماه) أي العبد أو الحربي أو المرتد بسهم (فعتق وعصم) قبل إصابة السهم ثم مات بها (فدية خطأ) تجب اعتبارا بحالة الاصابة لانها حالة اتصال الجناية والرمي كالمقدمة التي يتوصل بها إلى الجناية، فعلم أنه لا قود بذلك لعدم المكافأة أول أجزاء الجناية وتعبيري بذلك أعم مما عبر به (ولو ارتد جريح ومات) سراية (فنفسه هدر) أي لا شئ فيها لانه لو قتله حينئذ مباشرة لم يلزمه شئ فالسراية أولى (ولوارثه) لولا الردة ولو معتقا (قود الجرح إن أوجبه) أي الجرح القود كموضحة وقطع يد عمدا ظلما اعتبارا بحال الجناية وكما لو لم يسر إنما كان القود للوارث لا للامام لانه للتشفي وهو له لا للامام (وإلا) أي وإن لم يوجب الجرح القود (ف) - الواجب (الاقل من أرشه ودية) للنفس لانه المتيقن فلو كان الجرح قطع يد وجب نصف الدية أو يديه ورجليه وجبت دية ويكون الواجب (فيئا) لا يأخذ الوارث منه شيئا.
وتعبيري بوارث أولى من تعبيره بقريبه المسلم وقولي فيئا من زيادتي (فإن أسلم) المرتد (فمات سراية فدية) كاملة تجب لوقوع الجرح والموت حال العصمة فلا قود وإن قصرت الردة لتخلل حالة الاهدار (كما لو جرح مسلم ذميا فأسلم أو حر عبدا) لغيره (فعتق ومات سراية) فإنه يجب فيه دية كاملة، لان الاعتبار في قدر الدية بحال استقرار الجناية لا قود لانه لم يقصد بالجناية من يكافئه (وديته) فالثانية (للسيد) ساوت قيمته أو نقصت عنها لانه استحقها بالجناية الواقعة في ملكه ولا يتعين حقه فيها بل للجاني العدول لقيمتها وإن كانت الدية موجودة فإذا أسلم الدراهم أجبر السيد على قبولها، وإن لم يكن له أن يطالبه إلا بالدية (فإن زادت) أي الدية (على قيمته فالزيادة لورثته) لانها وجبت بسبب الحرية هذا كله إذا لم يكن لجرحه أرش مقدر، وإلا فللسيد الاقل من أرشه والدية كما يعلم ذلك من قولي (ولو قطع) الحر (يد عبد فعتق ثم مات سراية فللسيد الاقل من الدية والارش)، أي أرش

(2/226)


اليد المقطوعة في ملكه لو اندمل القطع وهو نصف قيمته لا الاقل من الدية وقيمته، لان السراية لم تحصل في الرق حتى تعتبر في حق السيد.
(قاعدة): كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونا بتغير الحال في الانتهاء وإن كان مضمونا في الحالين اعتبر في قدر الضمان الانتهاء وفي القود الكفاءة من الفعل إلى الانتهاء.
(فصل) فيم يعتبر في قود الاطراف والجراحات والمعاني مع ما يأتي (كالنفس فيما مر) مما يعتبر لوجوب القود، ومن أنه يقاد من جمع بواحد وغير ذلك (غيرها) من طرف وغيره.
فتعبيري بذلك أعم مما عبر به (فيقطع) بالشروط السابقة (جمع) أي أيديهم (بيد تحاملوا عليها) دفعة بمحدد (فأبانوها) فإن لم يتحاملوا بأن تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع واحد من جانب وآخر من جانب حتى التقت الحديدتان، فلا قود على واحد منهما بل على كل منهما حكومة تليق بجنايته، وبحث الشيخان بلوغ مجموع الحكومتين دية اليد.
(والشجاج) في الرأس والوجه بكسر الشين جمع شجة بفتحها وهي جرح فيهما.
أما في غيرهما فيسمى جرحلاشجة عشر (حارصة) بمهملات وهي ما (تشق الجلد) قليلا نحو الخدش.
وتسمى الحرصة والحريصة والقاشرة (ودامية) بتخفيف الياء (تدميه) بضم التاء أي تشق بلا سيلان دم وإلا تسمى دامعة بعين مهملة وبهذا الاعتبار تكون الشجاج إحدى عشرة، (وباضعة) من البضع وهو القطع (تقطع اللحم) بعد الجلد (ومتلاحمة تغوص فيه) أي في اللحم.
(وسمحاق) بكسر السين (تصل جلدة العظم) أي التي بينه وبين اللحم وتسمى الجلدة به أيضا وكذا كل جلدة رقيقة، (وموضحة تصله) أي تصل العظم بعد خرق الجلدة، (وهاشمة تهشمه) أي العظم وإن لم توضحه (ومنقلة) بكسر القاف المشددة أفصح من فتحها (تنقله) من محل إلى آخره وإن لم توضحه وتهشمه، (ومأمومة) وتسمى آمة (تصل خريطة الدماغ) المحيطة به وهي أم الرأس، (ودامغة) بغين معجمة (تخرقها) أي خريطة الدماغ وتصل إليه وهي مذففة عند بعضهم، (ولا قود) في الشجاج (إلا في موضحة ولو) كانت (في باقي البدن) لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها.
(ويجب) القود (في قطع بعض نحو مارن) كأذن وشفة ولسان وحشفة
(وإن لم يبن) لذلك ويقدر المقطوع بالجزئية كالثلث والربع لا بالمساحة، والمارن مالان من الانف.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به

(2/227)


(وفي قطع من مفصل) بفتح الميم وكسر الصاد لانضباطه (حتى في أصل فخذ) وهو ما فوق الورك، (ومنكب) وهو مجموع ما بين العضد والكتف (إن أمكن) القود فيهما (بلا إجافة) بخلاف ما إذا لم يمكن إلا بإجافة لان الجوائف لا تنضبط.
(و) يجب (في فق ء عين) أي تعويرها بعين مهملة (وقطع أذن وجفن) بفتح الجيم (ومارن وشفة ولسان وذكر وأنثيين) أي بيضتين بقطع جلدتهما (وأليين) بفتح الهمزة أي اللحمان الناتئان بين الظهر والفخذ (وشفرين) بضم الشين حرفا الفرج لان لها نهايات مضبوطة (لا في كسر عظم) لعدم الوثوق بالمماثلة فيه (إلا سنا وأمكن) بأن تنشر بمنشار بقول أهل الخبرة ففي كسرها القود على النص، وجزم به الماوردي وغيره والاستثناء من زيادتي (وله) أي المجني عليه (قطع مفصل أسفل) محل (الكسر) ليحصل به استيفاء بعض حقه (فلو كسر عضده وأبانه) أي المكسور من اليد (قطع من المرفق أو) من (الكوع) ويسمى الكاع لعجزه عن محل الجناية فيهما ومسامحته ببعض حقه في الثانية، (وله حكومة الباقي) وهو المقطوع من العضد في الاولى والمقطوع منه مع الساعد في الثانية، لانه لم يأخذ عوضا عنه (ولو أوضح وهشم أو نقل أو ضح) المجني عليه لامكان القود في الموضحة، (وأخذ أرش الباقي) أي الهاشمة والمنقلة وهو خمسة أبعرة للهاشمة وعشرة للمنقلة لتعذر القود في الهشم.
والتنقيل المشتمل على الهشم غالبا ولو أوضح وأم أوضح وأخذ ما بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث لان في المأمومة ثلث الدية، كما سيأتي (ولو قطعه من كوعه لم يقطع شيئا من أصابعه) ولو أنملة لقدرته على محل الجناية.
فتعبيري بذلك أولى من قوله فليس له التقاط أصابعه (فإن التقاط أصابعه (فإن قطع عزر) لعدوله عن حقه (ولا غرم) عليه لانه يستحق إتلاف الجملة (وله قطع الكف) بعد القطع لانه من مستحقه، ويفارق ما
لو قطعه من نصف ساعده فلقط أصابعه لا يمكن من قطع كفه لانه ثم بالتمكين لا يصل إلى تمام حقه بخلافه هنا، (ويجب) القود (بإبطال) المعاني سراية من (بصر وسمع وبطش وذوق وشم وكلام) لان لها محال مضبوطة، ولاهل الخبرة طرق في إبطالها وذكر الكلام من زيادتي (فلو أوضحه أو لطمه لطمة تذهب ضوأه غالبا فذهب) ضوؤه (فعل به كفعله فإن ذهب)

(2/228)


فذاك (وإلا أذهبه بأخف ممكن كتقريب حديدة محماة) من حدقته أو وضع كافور فيها، ومحل ذلك أن يقول أهل الخبرة يمكن إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة وإلا فالواجب الارش ومحله في اللطمة فيما إذا ذهب بها من المجني عليه ضوء إحدى العينين أن لا يذهب بها من الجاني ضوء عينيه أو إحداهما مخالفة للمجني عليها أو مبهمة وإلا فلا يلطم حذرا من إذهاب ضوء عينيه أو المخالفة للمجني عليها بل يذهبه بالمعالجة.
فإن تعذرت فالارش (ولو قطع أصبعا فتأكل غيرها) من بقية الاصابع (فلا قود في المتأكل) وفارق إذهاب البصر ونحوه من المعاني بأن ذاك لا يباشر بالجناية بخلاف الاصبع ونحوه من الاجسام فيقصد بمحل البصر مثلا نفسه ولا يقصد بالاصبع مثلا غيرها فلو اقتص في الاصبع فسرى لغيرها لم تقع السراية قصاصا بل تجب على الجاني للاصابع الاربعة أربعة أخماس الدية.
(باب كيفية القود والاختلاف فيه ومستوفيه) مع ما يأتي (لا تؤخذ) هو لشموله أعم من قوله لا تقطع (يسار بيمين ولا شفة سفلى بعليا وعكسهما) أي يمين بيسار وشفة عليا بسفلى (ولا أنملة) بفتح الهمزة وضم الميم في الافصح (بأخرى) ولا أصبع بأخرى (ولا حادث) بعد الجناية (بموجود)، فلو قلع سنا ليس له مثلها فلا قود وإن نبت له مثلها بعد (ولا زائد بزائد أو أصلي دونه) كأن يكون لزائد الجاني ثلاثة مفاصل ولزائد المجني عليه أو أصليته مفصلان (أو) بزائد أو أصلي (بمحل آخر) كزائد بجنب خنصر بزائد بجنب إبهام أو بنصر أصلي ولا يد مستوية الاصابع والكف بيد أقصر من أختها
وذلك لانتفاء المساواة فيما ذكر المقصود في القود ولو تراضيا بأخذ ذلك لم يقع قودا ويؤخذ زائد بزائد وبأصلي ليسا دونه إن اتحدا محلا وقولي ولا حادث إلى آخره ما عدا حكم الزائد بالزائد بمحل آخر من زيادتي (ولا يضر) في القود بعد ما ذكر (تفاوت كبر وصغر وطول) وقصر (وقوة) وضعف في عضو أصلي أو زائد كما في النفس لان المماثلة في ذلك لا تكاد تتفق.
(والعبرة في) قود (موضحة بمساحة) فيقاس مثلها طولا وعرضا من رأس الشاج ويخط

(2/229)


عليه بنحو سواد أو حمرة وبوضح بنحو موسى، وإنما لم يعتبر ذلك بالجزئية لان الرأسين مثلا قد يختلفان صغرا وكبرا فيكون جزء أحدهما قدر جميع الآخر فيقع الحيف بخلاف الاطراف لان القود وجب فيها بالمماثلة بالجملة فلو اعتبرناها بالمساحة أدى إلى أخذ عضو ببعض آخر وهو ممتنع (ولا يضر تفاوت غلظ لحم وجلد) في قودها، ولو كان برأس الشاج شعير دون المشجوج ففي الروضة وأصلها عن نص الام أنه لا قود لما فيه من إتلاف شعر لم يتلفه الجاني.
وظاهر نص المختصر وجوبه وعزى للماوردي وحمل ابن الرفعة الاول على فساد منبت المشجوج والثاني على ما لو حلق الاذرعي وقضية نص الام أن الشعر الكثيف يجب إزالته ليسهل الاستيفاء ويبعد عن الغلط قال والتوجيه يشعر بأنها لا تجب إذا كان الواجب استيعاب الرأس (ولو أوضح رأسا ورأسه) أي الشاج (أصغر استوعب) إيضاحا، (ويؤخذ قسط) للباقي (من أرش الموضحة) لو ورع على جميعها، فإن كان الباقي قدر الثلث فلنتمم به ثلث أرشها فلا يكمل الايضاح من غير الرأس كالوجه والقفا لانه غير محل الجناية (أو) ورأسه (أكبر أخذ) منه (قدر حقه) فقط لحصول المماثلة (والخيرة في محله للجاني)، لان جميع رأسه محل الجناية وقيل للمجني عليه وصوبه الاذرعي وغيره، قالوا وهو الذي أورده العراقيون (أو) أوضح (ناصية وناصية أصغر كمل) عليها (من) باقي (رأسه) من أي محل كان، لان الرأس كله عضو واحد فلا فرق بين مقدمه وغيره، (ولو زاد) المقتص (في موضحته) على حقه (عمدا لزمه
قوده) أي الزائد، لكن إنما يقتص منه بعد اندمال موضحته (فإن وجب مال) بأن حصل بشبه عمد أو بخطأ بغير اضطراب الجاني أو عفا بمال، (فأرش كامل) يجب لمخالفة حكمه حكم الاصل، فإن كان الخطأ باضطراب الجاني فهدر.
فلو قال المقتص تولدت باضطرابك فأنكر ففي المصدق منهما وجهان.
قال البلقيني الارجح عندي تصديق المقتص منه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (ولو أوضحه جمع) بأن تحاملوا على آلة وجروها معا (أوضح من كل) منهم (مثلها) أي مثل موضحته لا قسطه منها فقط إذ ما من جزء إلا وكل منهم جان عليه فأشبه ما إذا اشتركوا في قطع عضو فلو آل الامر للدية وجب على كل واحد قسطه كما قطع به البغوي.
والماوردي لادية موضحة كاملة خلافا لما رجحه الامام ووقع في الروضة عز والاول للامام والثاني للبغوي، وهو خلاف ما في الرافعي وغيره.
(ويؤخذ) عضو (أشل) من ذكر أو يد أو غيرهما (بأشل مثله أو دونه) شللا وهما من زيادتي، (وبصحيح) هذا (إن أمن) من المأخوذ (نزف دم) بقول أهل الخبرة لانه مثل حقه أو دونه بخلاف ما إذا لم يؤمن من ذلك

(2/230)


بأن لم تنسد أفواه العروق بالجسم، فلا يؤخذ به وإن رضي الجاني حذرا من استيفاء النفس بالطرف.
(ويقنع به) أي بالاشل إذا أخذ بأشل دونه أو بصحيح فلا أرش للشلل لاستوائهما في الجرم وإن اختلفا في الصفة لانها لا تقابل بمال (لا عكسهما) أي لا يؤخذ أشل بأشل فوقه ولا صحيح بأشل (في غير أنف وأذن وسراية) كيد ورجل وجفن.
(وأن رضي الجاني) رعاية للمماثلة، كما لا يقتل حر بعبد وإن رضي وخرج بزيادتي في غير أنف وأذن وسراية الاشل من ذلك، وما لو سرى قطع الاشل للنفس فيؤخذ به ذلك لبقاء المنفعة من جمع الريح والصوت في الاولين، وكما في الموت بجائفة في الثالث (فلو فعل) أي أخذ ذلك بما ذكر بقيد زدته بقولي، (بلا إذن) من الجاني (فعليه ديته) ولو حكومة الاشل فلا يقع ما فعل قودا لانه غير مستحق (فلو سرى ف) - عليه (قود النفس) لتفويتها ظلما أما إذا أخذه بإذن الجاني فلا قودفي النفس، ولا دية في الطرف إن أطلق الاذن ويجعل
مستوفيا لحقه، فإن قال خذه قودا ففعل فقيل لا شئ عليه وهو مستوف بذلك حقه وقيل عليه ديته وله حكومة وقطع به البغوي.
كذا في الروضة كأصلها هنا (والشلل بطلان العمل)، وإن لم يزل الحس والحركة وهو شامل لشلل الذكر وغيره بخلاف قول الاصل والاشل منقبض لا ينبسط أو عكسه، فإنه وإن لزمه الاول لكنه قاصر على الذكر (ولا أثر لانتشار الذكر وعدمه) فيؤخذ ذكر فحل بذكر خصي وعنين إذ لا خلل في العضو وتعذر الانتشار لضعف في القلب أو الدماغ (ويؤخذ سليم بأعسم وأعرج) لذلك، والعسم بمهملتين مفتوحتين تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد قاله في الروضة كأصلها.
وقال ابن الصباغ هو ميل واعوجاج في الرسغ وقال الشيخ أبو حامد الاعسر وهو من بطشه بيساره أكثر.
(و) يؤخذ طرف (فاقد أظفار بسليمها) لانه دونه (لا عكسه) أي لا يؤخذ طرف سليم أظفاره بفاقدها لانه فوقه، (ولا أثر لتغيرها) أي الاظفار بنحو سواد أو خضرة وعليهما اقتصر الاصل فيؤخذ بطرفها الطرف السليم أظفاره منه، لان ذلك علة ومرض في العضو وذلك لا يؤثر في وجوب القود.
(و) يؤخذ (أنف شام بأخشم) أغير شام كعكسه المفهوم بالاولى، ولان الشم ليس في جرم الانف (وأذن سميع بأصم) كعكسه المفهوم بالاولى، ولان السمع لا يحل جرم الاذن (لا عين صحيحة بعمياء) ولو مع قيام صورتها (ولا لسان ناطق بأخرس) لان كلا منهما أكثر من حقه، ولان البصر والنطق في العين واللسان بخلاف السمع والشم كما مر، (وفي قلع سن) لم يبطل نفعها ولم يكن بها نقص ينقص به أرشها (قود) وإن نبتت من مثغور لقوله تعالى: * (والسن بالسن) *.
وعودها نعمة جديدة وفي القود بكسرها

(2/231)


تفصيل تقدم.
والاصل أطلق أنه لا قود فيه، (ولو قلع) شخص ولو غير مثغور (سن غير مثغور) ولو بالغا وهو الذي لم تسقط اسنانه الرواضع التي من شأنها السقوط (انتظر) حاله فلا قود ولا دية في الحال لانها تعود غالبا (فإن بان فساد منبتها) بأن سقطت البواقي وعدن دونها وقال أهل الخبرة فسد منبتها (وجب قود ولا يقتص له في صغره) بل يؤخر حتى يبلغ، فإن مات
قبل بلوغه اقتص وارثه في الحال أو أخذ الارش وإذا اقتص من غير مثغور لمثله وقد فسد منبت سنه.
فإن لم تعد سن الجاني فذاك وإلا قلعت ثانيا ولو قلع بالغ لم يثغر سن بالغ مثغور خير المجني عليه بين الارش.
والقود كما نقله الشيخان عن ابن كج وجزم به في الانوار وهو معلوم من صدر كلامي فلو اقتص وعادت سن الجاني لم تقلع ثانيا.
وفارقت ما قبلها بأن المجني عليه قد رضي بدون حقه فلا عود له وثم اقتص ليفسد منبت الجاني كما أفسد منبته، وقد تبين عدم فساده فكان له العود (ولو نقصت يده أصبعا فقطع) يدا (كاملة قطع وعليه أرش أصبع) لانه قطعها، ولم يستوف قودها وللمقطوع أن يأخذ دية اليد ولا يقطع (أو بالعكس) بأن قطع كامل ناقصة، (فللمقطوع مع حكومة خمس الكف دية أصابعه) الاربع (أو لقطها وحكومة منابتها) ولا حكومة لها في الحال الاول، لانها من جنس الدية فلا يبعد دخولها فيها بخلاف القود فإنه ليس من جنسها، وإنما وجبت حكومة خمس الكف لانه لم يستوف في مقابلته شئ يخيل اندراجه فيه (ولو قطع كفا بلا أصابع فلا قود) عليه (إلا أن تكون كفه مثلها) فعليه قود للمماثلة ولو عكس بأن قطع فاقد الاصابع كاملها قطع كفه، وأخذت دية الاصابع كما علم مما مر فيما لو قطع ناقص اليد أصبعا يدا كاملة (ولو شلت) بفتح الشين (أصبعاه فقطع كاملة لقط الاصابع (الثلاث) السليمة (وأخذ) مع حكومة منابتها المعلومة مما مر (دية أصبعين) وهو ظاهر (أو قطع يده وقنع بها) لانه لو عم الشلل جميع اليد وقطع قنبها ففي شلل البعض أولى.
(فصل) في اختلاف مستحق الدم والجاني لو (قد) مثلا (شخصا وزعم موته) والولي حياته (أو قطع يديه ورجليه فمات وزعم سراية، والولي اندمالا ممكنا أو سببا) آخر للموت بقيد زدته بقولي (عينه) أو لم يعينه (وأمكن

(2/232)


اندمال حلف الولي) لان الاصل بقاء الحياة في الاولى، وعدم السراية في الثانية، فيجب فيها ديتان وفي الاولى دية لا قود لانه يسقط بالشبهة وخرج بالممكن غيره لقصر زمنه كيوم ويومين
فيصدق الجاني في قوله بلا يمين (كما لو قطع يده فمات وزعم سببا) للموت غير القطع، ولم يمكن الاندمال (ولولي سراية) فإنه الذي يحلف سواء أعين الجاني السبب أم أبهمه، لان الاصل عدم وجود سبب آخر.
واستشكل ذلك بالصورة السابقة مع أن الاصل فيها أيضا عدم وجود سبب آخر.
وأجيب بأنه إنما صدق الولي ثم مع ما ذكر لان الجاني قد اشتغلت ذمته ظاهر ابديتين، ولم يتحقق وجود المسقط لاحداهما وهو السراية بإمكان الاحالة على السبب الذي ادعاه الولي فدعواه قد اعتضدت بالاصل وهو شغل ذمة الجاني، (ولو أزال طرفا ظاهرا) كيد ولسان (وزعم نقصه خلقة) كشلل أو فقد أصبع (حلف) بخلاف ما لو أزال طرفا باطنا كذكر وأنثيين أو ظاهرا وزعم حدوث نقصه، فلا يحلف بل يحلف المجني عليه.
والفرق عسر إقامة البينة في الباطن دون الظاهر، والاصل عدم حدوث نقصه، والمراد بالباطن ما يعتاد ستره مروءة وبالظاهر غيره (أو أوضح موضحتين ورفع الحاجز) بينهما، (وزعمه) أي الرفع (قبل اندماله) أي الايضاح ليقتصر على أرش واحد (حلف إن قصر زمن) بين الايضاح والرفع، لان الظاهر معه وذكر التحليف فيما عدا مسألة القد من زيادتي.
(وإلا) بأن طال الزمن (حلف الجريح) أنه بعد الاندمال، (وثبت) له (أرشان) باعتبار الموضحتين ورفع الحاجز بعد الاندمال الثابت بحلفه وذلك، لان حلفه دافع للنقص عن أرشين فلا يوجب زيادة.
(فصل) في مستحق القود ومستوفيه (القود) يثبت للورثة) العصبة وذوي الفروض بحسب إرثهم المال سواء أكان الارث بنسب أم بسبب كالزوجين والمعتق، (ويحبس جان) هو أعم من قوله القاتل ضبطا لحق المستحق (إلى كمال صبيهم) بالبلوغ (ومجنونهم) بالافاقة (وحضور غائبهم) أو إذنه لان القود للتشفي ولا يحصل باستيفاء غيرهم من ولي أو حاكم أو بقيتهم، فإن كان الصبي والمجنون فقيرين محتاجين للنفقة جاز لولي المجنون غير الوصي العفو على الدية دون ولي الصبي، لان له غاية تنتظر بخلاف المجنون وعلم بقولي ويحبس أنه لا يخلى بكفيل لانه قد يهرب فيفوت

(2/233)


الحق (ولا يستوفيه) أي القود (إلا واحد) منهم أو من غيرهم.
فليس لهم أن يجتمعوا على استيفائه لان فيه تعذيبا للمقتص منه ويؤخذ منه أن لهم ذلك إذا كان القود بنحو إغراق وبه صرح البلقيني وإنما يستوفيه الواحد (بتراض) منهم أو من باقيهم (أو بقرعة) بينهم إذا لم يتراضوا بل قال كل أنا أستوفيه بقيد زدته بقولي (مع إذن من الباقين في الاستيفاء بعدها فمن خرجت قرعته تولاه بإذن الباقين، (ولا يدخلها) أي القرعة (عاجز) عن الاستيفاء كشيخ وامرأة وهذا ما صححه الاكثرون كما في أصل الروضة، وصححه في الشرح الصغير.
ونص عليه في الام وصحح الاصل أنه يدخلها العاجز ويستنيب (فلو بدر أحدهم فقتله بعد عفو) منه أو من غيره (لزمه قود) وإن لم يعلم بالعفو إذ لا حق له في القتل، (أو قبله فلا) قود عليه لان له حقا في قتله (وللبقية) في المسألتين (قسط دية من تركة جان)، لان المبادرة فيما وراء حقه كالاجنبي.
ولوارث الجاني على المبادر قسط ما زاد على قدر حقه من الدية (ولا يستوفى) المستحق قودا في نفس أو غيرها (ألا بإذن إمام) ولو بنائبه لخطره واحتياجه إلى النظر لاختلاف العلماء في شروطه، وقد لا يعتبر الاذن كما في السيد، والقاتل في الحرابة والمستحق المضطر إو المنفرد بحيث لا يرى كما بحثه ابن عبد السلام (فإن استقل به المستحق عزر) لافتياته على الامام واعتد به (ويأذن) الامام (لاهل) لاستيفائه من مستحقيه (في نفس) لا غيرها من طرف ومعنى.
وأما غير الاهل كالشيخ والزمن والمرأة فلا يأذن له في الاستيفاء ويأذن له في الاستنابة، وإنما يأذن له في غير النفس لانه لا يؤمن من أن يزيد في الايلام بترديد الآلة فيسري (فإن أذن له في ضرب رقبة فأصاب غيرهما عمدا) بقوله (عزره) لتعديه (ولم يعزله لاهليته، وإن تعدى بفعله (أو أخطأ ممكنا) كأن ضرب كتفه أو رأسه مما يلي الرقبة (عزله) لان حاله يشعر بعجزه (لا) إن كان (ماهرا) فلا يعزله، وهذا مزيادتي (ولم يعزره) بقيد زدته بقولي (إن حلف) أنه أخطأ لعدم تعديه و خرج بممكنا ما لو ادعى خطأ غير ممكن كأن أصاب رجليه أو وسطه فإنه كالعمد فيما مر.
(وأجرة جلاد) بقيد زدته بقولي (لم يرزق من) مال (المصالح على جان) موسر، لانها مؤنة حق لزمه أداؤه والجلاد هو المنصوب لاستيفاء الحد.
والقود وصف بأغلب أوصافه (وله) أي للمستحق (قود فورا) إن أمكن، لان موجب القود الاتلاف فعجل كقيم المتلفات (وفي حرم) وإن التجأ إليه كقتل الحية والعقرب.
(و) في (حر وبرد ومرض) بخلاف نحو قطع السرقة مما هو من حقوق الله تعالى لبناء حق الآدمي على المضايقة، وحق الله على المسامحة.

(2/234)


(لا) في (مسجد) ولو في غير حرم بل يخرج منه ويقتص منه صيانة له وكذا لو التجأ إلى ملك شخص أو مقبرة وذكر حكم المسجد من زيادتي، (وتحبس ذات حمل ولو بتصديقها) فيه (في قود) في نفس أو غيرها (حتى ترضعه اللبأ ويستغني عنها) بامرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها أو فطمه بشرطه ومحل تصديقها أذا أمكن ذلك وإلا كأن كانت ايسة فلا تصدق (ومن قيل بشئ) من محدد إو غيره كغرق وحريق (قتل به) رعاية للمماثلة (أو بسيف) (و) لانه أسهل وأسرع.
وترجيج الاصل تعين السيف فيما لو قتله بنحو جائفة أو كسر عضد سبق قلم إذ التخيير هو المنقول عن النص، والجمهور وصوبه جماعة نعم لو قال أفعل به كفعله فإن لم يمت لم أقتله بل أعفو عنه لم يمكن لما فيه من التعذيب (إلا) إن قتل (بنحو سحر) مما يحرم فعله كلواط وإيجار خمر أو بول (ف) - لا يقتل به وإن كانت المماثلة به بل (بسيف) فقط نعم يقتل بمسموم إن قتل به كما شمله المستثنى منه.
وتعبيري بنحو سحر أعم من تعبيره بالسحر والخمر واللواط (ولو فعل به كفعله من نحو إجافة) كتجويع وكسر عضد (فلم يمت قتل بسيف) لما مر، ولا يزاد في الفعل المذكور حتى يموت وقيل يزاد فيه ورجحه الاصل في التجويع، (ولو قطع فسرى) القطع إلى النفس (حز الولي) رقبته تسهيلا عليه (أو قطع) للمماثلة (ثم حز) للسراية (أو انتظر) بعد القطع (السراية) لتكمل المماثلة (ولو اقتص مقطوع يد فمات سراية) وتساويا دية حز الولي) رقبة القاطع (أو عفا) عن جزها (بنصف دية) واليد المستوفاة مقابلة بالنصف
(ولو كان المقطوع يدين وعفا) الولي عن الحز (فلا شئ) به لانه استوفى ما يقابل الدية.
وخرج بزيادتي وتساويا دية ما لو لم يتساويا فيها كأن نقصت دية القاطع كامرأة قطعت يد رجل فاقتص ثم مات سراية، فالعفو بثلاثة أرباع الدية لانه استحق دية رجل سقط منها ما استوفاه وهو يد امرأة بربع دية رجل صححه في الورضة.
وأصلها في باب العفو (ولو مات جان) سراية (بقود يد) مثلا (فهدر) لانه قطع بحق (وإن ماتا) أي الجاني بالقود، والمجني عليه بالجناية (سراية معا أو سبق المجني عليه) الجاني موتا (فقد اقتص) بالقطع والسراية في مقابلتهما، (وإلا) بأن تأخر موت المجني عليه (فنصف دية) تجب في تركة الجاني إن تساويا دية، لان القود لا يسبق الجناية لان ذلك يكون كالمسلم فيه.
وهو ممتنع فلو كان ذلك في قطع يدين فلا شئ له

(2/235)


(ولو قال مستحق) قود (يمين) للجاني الحر العاقل (أخرجها فأخرج يسارا) سواء أكان عالما بها وبعدم إجزائها أم لا.
(وقصد إباحتها) فقطعها المستحق (فمهدرة) أي لا قود فيها ولا دية وإن لم يتلفظ بالاذن في القطع سواء أعلم القاطع أنها اليسار لا ويعزر في العلم (أو) قصد (جعلها عنه) أي عن اليمين (ظانا إجزاءها) عنها (أو أخرجها دهشا وظناها اليمين أو) ظن (القاطع الاجزاء فدية) تجب (لها) أي لليسار لانه لم يبذلها مجانا، فلا قود لها لتسليط مخرجها بجعلها عوضا في الاولى.
وللدهشة القريبة في مثل ذلك في الثانية بقسميها.
وثانيهما من زيادتي (ويبقى قود اليمين) في المسائل الثلاث، لانه لم يستوفه ولا عفا عنه لكنه يؤخر حتى تندمل يسراه (إلا في ظن القاطع الاجزاء) عنها فلا قود لها بل تجب لهادية، وهذا من زيادتي.
فإن قال القاطع وقد دهش المخرج ظننت أنه أباحها، وجب القود في اليسار وكذا لو قال، علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ عن اليمين أو دهشت.
(فصل) في موجب العمد والعفو (موجب العمد) في نفس وغيرها بفتح الجيم (قود) بفتح الواو أي قصاص (والدية) عند
سقوطه بعفو عنه عليها أو بغير عفو، (بدل) عنه على ما قاله الدارمي وجزم به الشيخان، والاوجه ما اقتضاه كلام الشافعي والاصحاب وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بدل ما جنى عليه وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة وليس كذلك، (فلو عفا) المستحق ولو محجور فلس أو سفه (عنه مجانا أو مطلقا) بأن لم يتعرض للدية (فلا شئ) لان المحجور عليه لا يكلف الاكتساب والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم (أو) عفا (عن الدية لغا) لانه عفو عما ليس مستحقا فهو فيها لغو كالمعدوم، (فإن اختارها) أي الدية (عقب عفوه مطلقا أو عفا عليها بعد عفوه عنها وجبت) فاختيارها في الاولى وهو من زيادتي كالعفو عليها ولما كان العفو عنها لغوا في الثانية صح العفو عليها وإن تراخى عنه (وإن لم يرض جان) بشئ من اختيار الدية أو العفو عليها، فإنها تجب لانه محكوم علبه.
فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه (ولو عفا) عن القود (على غير جنسها) أي الدية.
(أو) على (أكثر منها ثبت) المعفو عليه وسقط القود (إن قبل جان) ذلك (وإلا فلا) يثبت (ولا يسقط القود) لان ذلك اعتياض فتوقف على الاختيار، وهذا من زيادتي في الثانية

(2/236)


(ولو قطع أو قتل) شخص آخر (مالك أمره) ولو سكران أو سفيها (بإذنه فهدر) أي لا قود فيه ولا دية للاذن فيه وخرج بمالك أمره للعبد والصبي والمجنون.
فتعبيري به أولى من تعبيره بالرشيد (ولو قطع) بضم أوله أي عضوه وإن سرى القطع (فعفا عن قوده وأرشه) بلفظ وصية أو إبراء إو نحوه كإسقاط (صح) العفو عن قود العضو والسراية وعن أرش العضو إن خرج من الثلث، أو أجاز الوارث وإلا سقط منه قدر الثلث (لا) عن (أرش السراية) إلى نفس أو عضو بآخر بأن تأكل بالقطع فلا يصح العفو عنه، (وإن قال) مع عفوه عن ذلك ولو بغير لفظ الوصية.
(و) عفوت (عما يحدث) من الجناية لانه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلا يتناول غيرها، والعفو عما يحدث باطل لانه إبراء عما لم يجب (إلا إن عفا عنه) أي عما يحدث (بلفظ وصية) كأوصيت له بأرش هذه الجناية وبأرش ما يحدث منها فيصح ويسقط
أرش ما يحدث بالشرط السابق، والاستثناء من زيادتي (ومن له قود نفس بسراية) قطع (طرف فعفا عنها فلا قطع) له لان مستحقه القتل والقطع طريقه وقد عفا عن مستحقه.
وقال البلقيني المعتمد أن له القطع وصرح به في البسيط (أو) عفا (عن الطرف فله حز الرقبة) لاستحقاقه له، (ولو قطعه) المستحق (ثم عفا عن النفس) مجانا أو بعوض (فسرى القطع) إلى النفس (بان بطلان العفو) فتقع السراية قودا، لان السبب وجد قبله وترتب عليه مقتضاه فلم يؤثر فيه العفو، وفائدة بطلانه تظهر فيما لو عفا بعوض فإنه لا يلزم فإن لم يسر صح العفو فلا يلزم غرم لقطع العضو لانه قطع عضو من يباح له دمه فكان كما لو قطع يد مرتد والعفو إنما يؤثر فيما بقي لا فيما استوفى (ولو وكل) باستيفاء القود (ثم عفا) عنه (فاقتص الوكيل جاهلا) عفوه (فعليه دية) لورثة الجاني لانه بان أن قتله بغير حق، فعلم أنه لا قود عليه لعذره ولا دية على عاقلته (ولا يرجع بها) على عاف، لانه محسن بالعفو (ولو لزمها) أي امرأة (قود فنكحها به مستحقه جاز) لانه عوض مقصود (وسقط) القود لملكها قود نفسها (فإن فارق) - ها (قبل وطئ رجع بنصف أرش) لتلك الجناية لانه بدل ما وقع العقد به.

(2/237)


(كتاب الديات) جمع دية وهي المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها وهاؤها عوض من فاء الكلمة وهي مأخوذة من الودي وهو دفع الدية يقال وديت القتيل أوديه وديا.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية) *، وخبر الترمذي وغيره الآتي (دية حر مسلم) معصوم (مائة بعير) نعم إن قتله رقيق فالواجب أقل الامرين من قيمة القاتل والدية كما يعلم مما يأتي، (مثلثة في عمد وشبهه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبالفاء أي حاملا (بقول خبيرين) عدلين، وإن لم تبلغ خمس سنين لخبر الترمذي في العمد، وخبر أبي داوود في شبهه بذلك سواء أوجب العمد قودا
فعفا على الدية أو لم يوجبه كقتل الوالد ولده.
(ومخمسة في خطأ من بنات مخاض وبنات لبون وبني لبون وحقاق وجذعات) من كل منها عشرون لخبر الترمذي وغيره بذلك.
(إلا) إن وقع الخطأ (في حرم مكة) سواء أكان القاتل والمقتول فيه أم أحدهما، (أو) في (أشهر حرم) ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب (أو محرم رحم) بالاضافة كأم وأخت (فمثلثة) لعظم حرمة الثلاثة لما ورد فيها ولا يلحق بها حرم المدينة ولا الاحرام ولا رمضان ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة، ولا لقريب غير محرم كولد عم.
والاول بقسميه إن كان قريبا كبنت عم هي أخت من الرضاع أو أم زوجة وارد على قول الاصل أو محرما ذا رحم (ودية عمد على جان معجلة) كسائر أبدال المتلفات.
(و) دية (غيره) من شبه عمد وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) لجان (مؤجلة) لخبر الصحيحين عن أبي هريرة أن امرأتين اقتتلتا فحذفت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها أي القاتلة وقتلها شبه عمد فثبوت ذلك في الخطأ أولى.
والمعنى فيه أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون أولياء الدم أخذ حقهم فأبدل الشرع تلك النصرة ببذل المال وخص تحملهم بالخطأ وشبه العمد

(2/238)


لانهما مما يكثر لاسيما في متعاطي الاسلحة فحسنت إعانته لئلا يتضرر بما هو معذور فيه وأجلت الدية عليهم رفقا بهم (ولا يقبل) في إبل الدية (معيب) بما يثبت الرد في البيع، وإن كانت إبل الجاني معيبة (إلا برضا) به من المستحق لان حقه السالم من العيب في الذمة، (ومن لزمته) الدية من جان أو عاقلة (فمن إبله) تؤخذ (ف) - إن لم يكن له إبل أخذت من (غالب) إبل (محله) من بلد أو غيره (ف) - إن لم يكن في محله إبل أخذت من غالب إبل (أقرب محل) إلى محل الدافع فيلزمه نقلها، وبذلك علم ما صرح به الاصل أنه لا يعدل إلى نوع أو قيمة إلا بتراض.
لكن قال في البيان: كذا أطلقوه وليكن مبنيا على جواز الصلح عن إبل الدية أي والاصح منعه لجهالة صفتها وقضيته أن صفتها لو علمت صح الصلح وبه صرح الغزالي في
بسيطه وعليه جرى ابن الرفعة فيصح العدول حينئذ، وما تقرر من أنها إنما تؤخذ من غالب إبل محله عند عدم إبله هو ما في الاصل والمهذب والبيان وغيرها، والذي في الروضة ونقله أصلها عن التهذيب التخيير بينهما.
وظاهر ما تقرر أن إبله لو كانت معيبة أخذت الدية من غالب إبل محله.
قال الزركشي وغيره: وليس كذلك بل يتعين نوع إبله سليما.
كما قطع به الماوردي، ونص عليه في الام (وما عدم) منها كلا أو بعضا حسا أو شرعا بأن عدمت في المحل الذي يجب تحصيلها منه أو وجدت فيه بأكثر من ثمن المثل، أو بعدت وعظمت المؤنة والمشقة (فقيمته) وقت وجوب التسليم تلزم (من غالب نقد محل العدم) وقولي غالب من زيادتي، (ودية كتابي) معصوم كما علم مما مر (ثلث) دية (مسلم) نفسا وغيرها ويعتبر في ذلك حل منا كحته وإلا فديته دية مجوسي.
(و) دية (مجوسي ونحو وثني) كعابد شمس وقمر وزنديق وغيرهم ممن له عصمة كما علم مما مر، (ثلث خمسه) أي المسلم أي ديته كما قال به عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم وهذه أخس الديات ونحو من زيادتي.
(و) دية (أنثى وخنثى) حرين (نصف) دية (حر) نفسا ودونها روى البيهقي خبر دية المرأة نصف دية الرجل وألحق بنفسها ما دونها وبها الخنثى لان زيادته عليها مشكوك فيها، (ومن لم يبلغه إسلام) أي دعوة نبينا (صلى الله عليه وسلم) وقتل (وإن تمسك بما لم يبدل) من دين (فدية) أهل (دينه) ديته فإن كان كتابيا فدية كتابي أو مجوسيا فدية مجوسي لانه بذلك ثبت له نوع عصمة فألحق بالمؤمن من أهل دينه.
فإن جهل قدر دية أهل دينه.
قال ابن الرفعة: يجب أخس الديات لانه المتيقن (وإلا) بأن تمسك بما بدل من دين أو لم يتمسك بشئ بأن لم تبلغه دعوة نبي أصلا (فكمجوسي) ديته والمتولد بين مختلفي الدية يعتبر بأكثرهما دية سواء أكان أبا أم أما والتغليظ السابق بالتثليث يأتي في دية الكافر، ففي قتل كتابي عمدا أو شبهه عشر حقائق وعشر

(2/239)


جذعات وثلاث عشرة خلفة وثلث وفي قتله خطأ ستة وثلثان من كل من بنات مخاض وبنات
لبون وبني لبون وحقاق وجذعات وفي قتل مجوسي عمدا أو شبهه حقتان وجذعتان وخلفتان وثلثان، وفي قتله خطأ بعير وثلث من كل سن مر آنفا.
وعن المتولي وغيره استثناء الكافر المقتول في حرم مكة من التثليث.
(فصل) في موجب ما دون النفس من الجرح ونحوه.
يجب (في موضحة رأس أو وجه ولو) في العظم الناتئ خلف الاذن أو فيما تحت المقبل من اللحيين أو (صغرت والتحمت نصف عشر دية صاحبها) ففيها الكامل وهو الحر المسلم غير الجنين خمسة أبعرة لخبر في الموضحة خمس من الابل رواه الترمذي وحسنه وإنما لم يسقط بالالتحام لانها في مقابلة الجزء الذاهب، والالم الحاصل أما موضحة غير الرأس والوجه ففيها حكومة.
(و) في (هاشمة) نقلت أو (أوضحت) ولو بسراية (أو أحوجت له) أي للايضاح بشق لاخراج عظم أو تقويمه (عشر) من دية صاحبها ففيها لكامل عشرة أبعرة لما روي عن زيد بن ثابت أنه (صلى الله عليه وسلم) أوجب في الهاشمة عشرا من الابل رواه الدار قطني والبيهقي موقوفا على زيد.
(و) في هاشمة (بدونه) أي بدون ما ذكر (نصفه) أي نصف عشر دية صاحبها أخذا مما مر.
وقولي أو أحوجت له من زيادتي.
(و) في (منقلة) بإيضاح وهشم (هما) أي عشر دية صاحبها أخذا مما مر ونصفه ففيهما لكامل خمسة عشر بعيرا لخبر عمرو بن حزم بذلك رواه أبو داود.
(و) في (مأمومة ثلث دية) من دية صاحبها (كجائفة) لخبر عمرو بذلك أيضا وقيس بالمأمومة الدامغة (وهي) أي الجائفة (جرح ينفذ لجوف) بقيدين زدتهما بقولي (باطن محيل) للغذاء أو الدواء (أو طريق له) أي للمحيل (كبطن وصدر وثغرة نحر وجبين) أي كداخلها، فإن خرقت الامعاء ففيها مع ذلك حكومة وخرج بالباطن المذكور غيره كالفم والانف والعين وممر البول وداخل الفخذ (ولو أوضح) واحد (وهشم) في محل الايضاح (آخر ونقل) فيه (ثالث وأم) فيه (رابع فعلى كل) منهم نصف عشر (إلا الرابع فتمام الثلث) وهو عشر ونصفه وثلثه عليه.
وتعبيري في المذكورات بما ذكر أولى من اقتصاره على أرشها في الكامل وقولي وهشم
أولى من قوله فهشم،

(2/240)


(وفي الشجاج قبل موضحة) من حارصة وغيرها المتقدم بيانه (إن عرفت نسبتها منها) أي من الموضحة كباضعة قيست بموضحة فكان ما قطع منها ثلثا أو نصفا في عمق اللحم (الاكثر من حكومة وقسط من الموضحة) وهذا ما نقله في الروضة كأصلها عن الاصحاب.
والاصل اقتصر على وجوب قسط أرش الموضحة (وإلا) أي وإن لم تعرف نسبتها منها (فحكومة) لا تبلغ أرش موضحة كجرح سائر البدن، (ولو أوضح موضعين بينهما لحم وجلد أو انقسمت موضحة عمدا وغيره) من خطأ أو شبه عمد فهو أعم من قوله وخطأ (أو شملت) بكسر الميم أفصح من فتحها، (رأسا ووجها أو وسع موضحة غيره فموضحتان) لاختلاف الصور في الاولى.
والحكم في الثانية، والمحل في الثالثة، والفاعل في الرابعة إذ فعل الشخص لا يبنى على فعل غيره بخلاف ما لو وسعها الجاني، فهي موضحة واحدة كما لو أتى بها ابتداء كذلك ولو عاد الجاني في الاولى، فرفع الحاجز بينهما قبل الاندمال لزمه أرش واحد، وكذا لو تأكل الحاجز بينهما، لان الحاصل بسراية فعله منسوب إليه وخرج بينهما لحم وجلد ما لو بقي أحدهما فموضحة واحدة لان الجناية أتت على الموضع كله كاستيعابه بالايضاح، (والجائفة كموضحة) في التعدد وعدمه صورة وحكما ومحلا وفاعلا وفي غير ذلك كعدم سقوط الارش، بالالتحام وبذلك علم عدم تعددها فيما لو طعنه بسن له رأسان، والحاجز بينهما سليم (فلو نفذت) أي الجائفة (من جانب إلى آخر فجائفتان) لانه جرحه جرحين نافذين إلى الجوف.
(فصل) في موجب إبانة الاطراف والترجمة به من زيادتي (في) الجناية على (أذنين ولو بإيباس) لهما (دية) لخبر عمرو بن حزم وفي الاذن خمسون رواه الدار قطني، والبيهقي ولان أبطل منهما منفعة دفع الهوام بالاحساس فلو حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية أرش موضحة وسواء في ذلك السميع والاصم.
والمراد بالدية
هنا وفيما يأتي من نظائره دية من جنى عليه (و) في (بعض) منهما (قسطه) منها أن ما وجب فيه الدية وجب في بعضه قسطه منها، والبعض صادق بواحدة ففيها النصف وببعضها ويقدر بالمساحة (و) في إبانة (يابستين حكومة) كإبانة يد شلاء وجفن وأنف وشفة مستحشفات.
(و) في (كل عين نصف) من الدية لخبر عمرو بذلك رواه مالك (ولو) كانت العين (عين أحول)

(2/241)


وهو من في عينه خلل دون بصره، (وأعور) وهو فاقد بصر إحدى العينين (وأعمش) وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف بصره، (أو بها بياض لا ينقص ضوءا) لان المنفعة باقية بأعينهم، ولا نظر إلى مقدارها فصورة مسألة الاعور وقوع الجناية على عينه السليمة (فإن نقصه) أي الضوء، (فقسط) منه فيها (إن انضبط وإلا فحكومة) فيها، وفرق بينه وبين عين الاعمش، لان البياض نقص الضوء الذي كان في أصل الخلقة، وعين الاعمش لم ينقص ضوءها عما كان في الاصل.
قاله الرافعي ويؤخذ منه كما قاله الاذرعي وغيره إن العمش لو تولد من آفة أو جناية لا تكمل فيها الدية.
(و) في (كل جفن ربع) من الدية (ولو) كان (لاعمى) لان الجمال والمنفعة في كل منها ففي الاربعة الدية ويندرج فيها حكومة الاهداب.
(و) في (كل من طرفي مارن وحاجز) بينهما (ثلث) لذلك ففي المارن الدية، ويندرج فيها حكومة القصبة، (و) في (كل شفة) وهي في عرض الوجه إلى الشدقين وفي طوله إلى ما يستر اللثة، (نصف) ففي الشفتين الدية لخبر عمرو بذلك رواه النسائي وغيره، فإن كانت مشقوقة ففيها نصف ناقص قدر حكومة، (وفي لسان) لناطق (ولو لالكن وأرت وألثغ وطفل) وإن لم يظهر أثر نطقه، (دية) لخبر عمرو بذلك رواه أبو داود وغيره نعم إن بلغ أوان النطق أو التحريك ولم يظهر أثره ففيه حكومة، (و) في لسان (لاخرس حكومة) خلقيا كان الخرس أو عارضا كما في قطع يد شلاء.
هذا إن لم يذهب بقطعه الذوق وإلا فدية ولو أخذت دية اللسان فنبت لم تسترد.
وفارق عود المعاني كما سيأتي بأن ذهابها كان مظنونا وقطع اللسان محقق فالعائد غيره وهو نعمة جديدة.
(و) في (كل سن) أصلية تامة مثغورة (نصف عشر) ففي حر مسلم خمسة أبعرة لخبر عمرو بذلك رواه أبو داود وغيره، (وإن كسرها دون السنخ) بكسر المهملة وسكون النون وإعجام الخاء وهو أصلها المستتر باللحم، (أو عادت أو قلت حركتها أو نقصت منفعتها) ففيها نصف العشر لبقاء الجمال والمنفعة فيها والعود نعمة جديدة فإن قلع هو أو غيره السنخ بعد الكسر لزمه حكومة.
وتعبيري بنصف العشر أولى من اقتصاره على خمسة أبعرة لسن الكامل (فإن بطلت منفعتها فحكومة كزائدة) وهي الخارجة عن سمت الاسنان ففيها حكومة، (ولو قلعت الاسنان) كلها وهي ثنتان وثلاثون (فبحسابه وإن زادت على دية ففيها مائة وستون بعيرا.
وإن اتحد الجاني لظاهر خبر عمرو ولو زادت على ثنتين وثلاثين فهل تجب لما زاد حكومة، أو لكل سن منه أرش وجهان بلا ترجيح للشيخين.
وصحح صاحب الانوار الاول والقمولي

(2/242)


والبلقيني الثاني وهو الاوجه كما شمله كلام الجمهور، (ولو قلع سن غير مثغور) فلم تعد وقت العود (وبأن فساد منبتها فأرش) يجب كما يجب القود فلو مات قبل بيان الحال فلا أرش لان الظاهر عودها لو عاش، والاصل براءة الذمة نعم تجب له حكومة (وفي لحيين دية) كالاذنين ففي كل لحي نصف دية، (ولا يدخل فيهما) أي في ديتهما (أرش أسنان) لان كلا منهما مستقل وله بدل مقدر.
(و) في (كل يد روجل نصف) من الدية لخبر عمرو بذلك رواه النسائي وغيره (فإن قطع من فوق كف أو كعب فحكومة) تجب (أيضا) لانه ليس بتابع بخلاف الكف مع الاصابع، وفي اليد والرجل الشلاوين حكومة (و) في (كل أصبع عشر دية) من دية صاحبها ففي أصبع الكامل عشرة أبعرة لخبر عمرو بذلك رواه أبو داود وغيره.
(و) في (أنملة إبهام نصفه و) أنملة (غيرها ثلثه) عملا بتقسيط واجب الاصبع ولو زادت الاصابع أو الانامل على العدد الغالب مع التساوي أو نقصت قسط الواجب عليها.
وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على دية أصابع الكامل، وأناملها (و) في (حلمتيها) أي المرأة (ديتها) ففي كل واحدة وهي رأس الثدي نصف
لانه منفعة الارضاع بها كمنفعة اليد بالاصابع، ولا يزاد بقطع الثدي معها شئ وتدخل حكومته في ديتها.
(و) في (حلمة غيرها) من رجل وخنثى (حكومة) لانه إتلاف جمال فقط وذكر حكم الخنثى من زيادتي.
(و) في (كل من أنثيين) بقطع جلدتيهما (وأليين) وهما محل القعود (وشفرين) وهما حرفا فرج المرأة (وذكر ولو لصغير وعنين وسلخ جلد إن) لم ينبت بدله و (بقي) فيه (حياة مستقرة ثم مات بسبب من غير السالخ) كهدم أو منه واختلف الجنايتان عمدا وغيره (دية) لخبر عمرو بذلك في الذكر والانثيين.
رواه أبو داود وغيره.
وقياسا عليهما في الباقي فإن مات بسبب من السالخ ولم تختلف الجنايتان عمدا وغيره، فالواجب دية النفس.
وفي الذكر الاشل حكومة وقولي ثم مات إلى آخره أعم من قوله وحز غير السالخ رقبته، (وحشفة كذكر) ففيها دية لان معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها فما عداها منه تابع لها كالكف مع الاصابع (وفي بعضها قسطه منها) لا من الذكر، لان الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها، فإن اختل بقطعها مجرى البول فأكثر من قسط الدية وحكومة فساد المجرى ذكره في الروضة كأصلها (كبعض مارن وحلمة) ففيه قسطه منهما لا من الانف والثدي.

(2/243)


(فصل) في موجب إزالة المنافع (تجب دية في) إزالة (عقل) غريزي وهو ما يترتب عليه التكليف لخبر البيهقي بذلك نعم إن رجى عوده بقول أهل الخبرة في مدة يظن أنه يعيش إليها انتظر فإن مات قبل العود وجبت الدية كبصر وسمع وفي بعضه إن عرف قدره قسطه وإلا فحكومة.
أما العقل المكتسب وهو ما به حسن التصرف ففيه حكومة، ولا يزاد شئ على دية العقل إن زال بما لا أرش له كأن ضرب رأسه أو لطمه (فإن زال بماله أرش) مقدر أو غير مقدر (وجب مع ديته) وإن كان أحدهما أكثر لانها جناية أبطلت منفعة ليست في محل الجناية فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره فلو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات أو أوضحه في صدره فزال عقله فدية وحكومة (فإن ادعى) ولي المجني عليه (زواله) بالجناية، وأنكر الجاني (اختبر
في غفلاته فإن لم ينتظم قوله وفعله أعطى) الدية (بلا حلف) لان حلفه يثبت جنونه، والمجنون لا يحلف فإن اختلفا في جنون متقطع حلف زمن إفاقته، (وإلا) بأن انتظما (حلف جان) فيصدق لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة.
والتصريح بهذا من زيادتي.
والاختبار بأن يكرر ذلك إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه، ولو أخذت دية العقل أو غيره من بقية المعاني ثم عاد استردت.
(و) تجب دية (في) إزالة (سمع) لخبر البيهقي بذلك ولانه من المنافع المقصودة، ففي سمع كل من أذنيه نصف دية، (و) في إزالته (مع إذنيه ديتان) لان السمع ليس في الاذنين كما مر.
(ولو ادعى) المجني عليه (زواله) وأنكر الجاني (فانزعج لصياح) مثلا (في غفلة) كنوم (حلف جان) أن سمعه باق لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقا وذكر التحليف من زيادتي (وإلا) أي وإن لم ينزعج (فمدع) يحلف لاحتمال تجلده ويأخذ دية ولا بد في امتحانه من تكرر ذلك إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه ولو توقع عوده بعد مدة قدرها أهل الخبرة انتظر وشرط الامام أن لا يظن استغراقها العمر، وأقره الشيخان ويجئ مثله في توقع عود البصر وغيره (وإن نقص) السمع من الاذنين أو إحداهما (فقسطه) أي النقص من الدية (إن عرف) قدره بأن عرفه في الاولى أنه كان يسمع من موضع كذا، فصار يسمع من دونه وبأن تحشى في الثانية العليلة ويضبط منتهى سماع الاخرى، ثم يعكس فإن كان التفاوت نصفا وجب في الاولى نصف الدية.
وفي الثانية ربعها (وإلا) أي وإن لم يعرف قدره بالنسبة (فحكومة) فيه

(2/244)


(باجتهاد قاض) لا باعتبار سمع قرنه، فلو قال أنا أعلم قدر ما ذهب من سمعي.
قال الماوردي: صدق بيمينه لانه لا يعرف إلا من جهته (كشم) ففيه دية.
وفي شم كل منخر نصف دية ولو ادعى زواله فانبسط للطيب وعبس للخبيث حلف جان وإلا فمدع ويأخذ دية وإن نقص وعرف قدر الزائل فقسطه، وإلا فحكومة.
وذكر حكم دعوى الزوال والنقص فيه من زيادتي (وضوء) فهو كالسمع أيضا فيما مر.
(و)
لكن (لو فقأ عينه لم يزد) على الدية دية أخرى بخلاف إزالة أذنيه مع السمع لما مر.
(وإن ادعى زواله) أي الضوء وأنكر الجاني (سئل أهل خبرة) فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس، ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أو قائم بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إلى معرفته (ثم) إن لم يوجد أهل خبرة أو لم يبن لهم شئ (امتحن بتقريب نحو عقرب) كحديدة من عينه (بغتة) ونظر أينزعج أم لا فإن انزعج حلف الجاني وإلا فالمجني عليه وتقييد الامتحان بعدم ظهور شئ لهم هو ما حمل عليه البلقيني ما في الروضة وأصلها إذ فيهما نقل السؤاعن نص الام، وجماعة والامتحان عن جماعة، ورد الامر إلى خيرة الحاكم بينهما عن المتولي.
والاصل جرى على قول المتولي وطريق معرفة قدر النقص فيما لو نقص ضوء عين أن تعصب، ويوقف شخص في موضع يراه ويؤمر بأن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين، ويجب قسطه من الدية.
(و) تجب دية (في) إزالة (كلام) قال أهل الخبرة: لا يعود (وإن لم يحسن) صاحبه (بعض حروف) لانه من المنافع المقصودة، (لا) إن كان عدم إحسانه لذلك (بجناية) فلا دية فيه لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أزاله الجاني، الاول (وتوزع الدية (على ثمانية وعشرين حرفا عربية ففي) إزالة (بعضها قسطه) منها ففي إزالة نصفها نصف الدية، وفي كل حرف ربع سبعها، لان الكلام يتركب من جميعها هذا إن بقي في الباقي كلام مفهوم، وإلا وجب كمال الدية لان منفعة الكلام قد فاتت (ولو قطع نصف لسانه فزال ربع كلامه أو عكس) أي قطع ربع لسانه فزال نصف كلامه (فنصف دية) اعتبارا بأكثر الامرين المضمون كل منهما بالدية ولو قطع النصف فزال النصف فنصف دية وهو ظاهر، (و) تجب دية (في) إزالة (صوت) مع بقاء اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد لخبر زيد بن أسلم بذلك رواه البيهقي، (فإن زال معه حركة لسان) بأن عجز عن التقطيع والترديد (فديتان) لانهما منفعتان مقصودتان في كل منهما دية (و) تجب دية (في) إزالة (ذوق) كغيره من الحواس (وتدرك به حلاوة وحموضة ومرارة

(2/245)


وملوحة وعذوبة وتوزع) الدية (عليهن) فإذا زال إدراك واحدة منهن وجب خمس الدية (فإن نقص) الادراك عن إكمال الطعوم (فكسمع) في نقصه فإن عرف قدره فقسطه من الدية، وإلا فحكومة.
وذكر حكمه عند معرفة قدره من زيادتي.
(و) تجب دية (في) إزالة (مضغ) لانه المنفعة العظمى للاسنان، وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العينين فإن نقص فحكمه ما مر.
(و) في إزالة لذة (جماع) بكسر صلب ولو مع بقاء المني وسلامة الذكر (وقوة إمناء و) قوة (حبل) وقوة إحبال، لانها من المنافع المقصودة ولو أنكر الجاني زوال لذة الجماع صدق المجني عليه بيمينه لانه لا يعرف إلا منه (و) في (إفضائها) أي المرأة من زوج أو غيره بوطئ أو بغيره، (وهو رفع ما بين قبل ودبر) فإن لم يستمسك الغائط فحكومة مع الدية وقيل هو رفع ما بين مدخل ذكر ومخرج بول، وهو ما جزم به في الروضة كأصلها في باب خيار النكاح، فإن لم يستمسك البول فحكومة مع الدية.
فعلى التفسير الاول في الثاني حكومة، وعلى الثاني بالعكس.
وقال الماوردي: على الثاني تجب الدية في الاول من باب أولى وعلى الاول تجب في الثاني حكومة.
وصحح المتولي أن كلا منهما إفضاء موجب للدية، لان التمتع يختل بكل منهما ولان كلا منهما يمنع إمساك الخارج من أحد السبيلين، فلو أزال الحاجزين لزمه ديتان وخرج بإفضائها إفضاء الخنثى ففيه حكومة لا دية (فإن لم يمكن وطئ إلا به) أي بالافضاء (فليس لزوج وطؤها) لافضائه إلى الافضاء المحرم، ولا يلزمها تمكينه (ولو أزال) الزوج (بكارتها) ولو بلا ذكر (فلا شئ) عليه لانه مستحق لازالتها وإن أخطأ في طريق الاستيفاء بخشبة أو نحوها (أو) أزالها (غيره بغير ذكر فحكومة) نعم إن إزالتها بكر وجب القود (أو به) أي بذكر (وعذرت) بشبهة منها أو نحوها كإكراه أو جنون (فمهر مثل ثيب وحكومة) فإن كان بزنا بمطاوعتها وهي حرة فهدر (و) تجب دية (في) إزالة (بطش و) إزالة (مشي) بأن ضرب يديه فزال بطشه أو صلبه فزال مشيه لانهما من المنافع المقصودة (ونقص كل) منهما (ك) - نقص
(سمع) فيما مر فيه.
وفي تعبيري بما ذكر زيادة على قوله، وفي نفسها حكومة كما علم مما مر، (ولو كسر صلبه فزال مشيه وجماعه أو) مشيه (ومنيه فديتان)، لان كلا منهما مضمون بدية عند الانفراد فكذا عند الاجتماع.

(2/246)


(فرع) في اجتماع جنايات على أطراف ولطائف في شخص واحد لو (فعل ما يوجب ديات) من إزالة أطراف ولطائف (فمات منه) سراية (أو حزه الجاني قبل اندمال) من فعله (واتحد الحز والموجب عمدا أو غيره) من خطأ أو شبه عمد (فدية) للنفس ويدخل فيها ما عداها من الموجبات، لانه صار نفسا ودية النفس في صورة الحز وجبت قبل استقرار بدل ما عدا النفس، فيدخل فيها بدله كالسراية.
وقولي منه أولى من قوله سراية لافادته أنه لو مات من بعضه بعد اندمال البعض الآخر لا يدخل موجبه في الدية وخرج بما بعده ما لو حزه غير الجاني أو حزه الجاني لكن بعد الاندمال أو قبله واختلف الحز، والموجب بأن حزه عمدا وكان الموجب خطأ أو شبه عمدا أو عكسه أو حزه خطأ وكان الموجب شبه عمد أو عكسه فلا يدخل ما عدا النفس فيها لاختلاف الفاعل في الاولى والحكم في الثالثة واستقرار بدل ما عدا النفس قبل وجوب ديتها في الثانية.
(فصل) في الجناية التي لا تقدير لارشها والجناية على الرقيق (يحب حكومة فيما) يوجب مالا مما (لا مقدر فيه) من الدية ولا تعرف نسبته من مقدر فإن عرفت نسبته من مقدر بأن كان بقربه موضحة أو جائفة وجب الاكثر من قسطه وحكومة كما مر، (وهي جزء نسبته لدية نفس نسبة ما نقص) بالجناية (من قيمته) إليها (بعد البرء بفرضه رقيقا بصفاته) التي هو عليها إذ الحر لا قيمة له فلو كانت قيمته بلا جناية عشرة وبها تسعة فالنقص العشر فيجب عشر الدية.
وتقدر لحية امرأة أزيلت فسمنبتها لحية عبد كبير يتزين بها، (فإن لم يبق) بعد البرء (نقص) لا فيه ولا في قيمته (اعتبر أقرب نقص) فيه من حالات نقص قيمته (إلى البرء) فإن لم ينقص إلا حال سيلان الدم ارتقينا إليه، واعتبرنا القيمة والجراحة سائلة فإن لم
ينقص أصلا فقيل يعزر فقط إلحاقا للجرح باللطم والضرب للضرورة، وقيل يفرض القاضي شيئا باجتهاده ورجحه البلقيني (ولا تبلغ حكومة ماله) أرش (مقدر) كيد ورجل (مقدره) لئلا تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه.
فتنقص حكومة الانملة بجرحها أو قطع ظفرها عن ديتها وحكومة جرح الاصبع بطوله عن ديته.
(ولا) تبلغ حكومة (ما لا مقدر له) كفخذ وعضد (دية نفس) وإن بلغت أرش عضو مقدر أو زادت عليه (أو) دية (متبوعه) كأن قطع كفا بلا أصابع فلا تبلغ حكومتها دية الاصابع، (فإن بلغت) شيئا من الثلاث المذكورات (نقص قاض شيئا) منه (باجتهاده)، لئلا يلزم المحذور السابق وذكر هذا في الثانية، مع ذكر الثالثة من زيادتي.
قال الامام لا يكفي نقص أقل متمول، وكلام الماوردي يقتضي

(2/247)


اعتبار المتمول وإن قل (و) الجرح (المقدر) أرشه (كموضحة يتبعه الشين حواليه) ولا يفرد بحكومته لانه لو استوعب جميع موضعه بالايضاح لم يلزمه إلا أرش موضحة نعم إن تعدى شينها للقفا مثلا ففي استتباعه وجهان صصح منهما البارزي عدم استتباعه فهو مستثنى من الاستتباع كما استثنى منه ما لو أوضح جبينه فأزال حاجبه فإن عليه الاكثر من أرش موضحة، وحكومة الشين وإزالة الحاجب قاله المتولي وأقره الشيخان.
أما ما لا يتقدر أرشه فيفرد الشين حواليه بحكومة لضعف الحكومة عن الاستتباع بخلاف الدية، وتقدم في التيمم تفسير الشين، (وفي) إتلاف (نفس رقيق) ولو مدبرا ومكاتبا وأم ولد (قيمته) وإن زادت على دية الحر كسائر الاموال المتلفة، (وفي) إتلاف (غيرها) أي غير نفسه من الاطراف واللطائف (ما نقص) من قيمته سليما (إن لم يتقدر) ذلك الغير، (في حر) نعم وإن كان أكثر من أرش متبوعه أو مثله لم يجب كله بل يوجب القاضي حكومة باجتهاده لئلا يلزم المحذور السابق في الحر نقله البلقيني عن المتولي وقالا هو تفصيل لا بد منه وإطلاق من أطلق يحمل عليه، (وإلا) أي وإن تقدر في الحر كموضحة (فنسبته) أي فيجب مثل نسبته من الدية (من قيمته ففي) قطع يده نصف قيمته كما يجب فيها من
الحر نصف ديته وفي قطع (ذكره وأنثييه قيمتاه) كما يجب فيهما من الحر ديتان، نعم لو جنى عليه اثنان فقطع كل منهما يدا مثلا وجناية الثاني قبل اندمال الاولى ولم يمت منهما لزمه نصف ما وجب على الاول فلو كانت قيمته ألفا فصارت بالاولى ثمانمائة لزم الثاني مائتان وخمسون لا أربعمائة، لان الجناية الاولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة فكأن الاول انتقص نصفها.
(باب موجبات الدية) غير ما مر منها في البابين قبله (والعاقلة وجناية الرقيق والغرة والكفارة) للقتل بعطف الاربعة على موجبات وزيادة المتوسطين منها في الترجمة.
لو (صاح أو سل سلاحا فإن كان على غير قوي تمييز) لصبا أو جنون أو نوم أو ضعف عقل كائن (بطرف) مكان (عال) كسطح (فوقع) بذلك بأن ارتعد به (فمات) منه (فشبه عمد) فيضمن ما تلف بذلك (وإلا) بأن لم يمت منه أو كان على قوي تمييز أو غيره ولم يكن بطرف مكان عال بأن كان بأرض مستوية أو قريبة منها فوقع بذلك فمات (فهدر) لان موت

(2/248)


غير قوي التمييز في الاولى غير منسوب للفاعل وفيما عداها بمجرد ذلك في غاية البعد وعدم تماسك قوي التمييز بذلك خلاف الغالب من حاله، فيكون موتهما موافقة قدر.
فالحكم فيما ذكر منوط بالتمييز القوي وعدمه لا بالبلوغ أو المراهقة وعدمهما كما وقع في الاصل بل مفهوم كلامه في المميز متدافع وتعبيري بغير قوي تمييز وعال أعم من تعبيره بصبي لا يميز وسطح (كما لو وضع حرا) ولو غير مميز (بمسبعة) أي موضع السباع (فأكله سبع) فإنه هدر (وإن عجز عن تخليصه) منه لان ذلك ليس بإهلاك ولم يوجد ما يلجئ السبع إليه بل الغالب من حال السبع الفرار من الانسان بخلاف ما لو وضعه في زبية السبع وهو فيها أو ألقى السبع عليه فأكله فعليه القود وخرج بحر الرقيق فيضمنه بوضع اليد.
وتعبيري بالحر أولى من تعبيره بالصبي (ولو صاح على صيد فوقع) به (غير مميز من طرف) مكان (عال) بأن ارتعد به فمات منه
(فخطأ) لانه لم يقصده.
وتعبيري بذلك أولى مما عبر به (ولو ألقت) امرأة (جنينا) بانزعاجها (ببعث نحو سلطان إليها) أو إلى من عندها (ضمن) ببنائه للمفعول بالغرة كما سيأتي سواء أذكرت عنده بسوء أم لا خلافا لما يوهمه من أن ذكرها عنده بذلك شرط وخرج بألقت جنينا ما لو ماتت فزعا منه فلا ضمان لان مثله لا يفضى إلى الموت نعم لو ماتت بالالقاء ضمن عاقلته ديتها مع الغرة، لان الالقاء قد يحصل منه موت الام ونحو من زيادتي، (ولو تبع بنحو سلاح هاربا منه فرمى نفسه في مهلك كنار) وهذا أعم مما عبر به (عالما به) فهلك (لم يضمنه) لانه باشر إهلاك نفسه قصدا (أو جاهلا) به لعمى أو ظلمة أو غير ذلك، (أو انخسف به سقف) في طريقه فهلك (ضمنه) لالجائه إلى الهرب المفضي إلى الهلاك وذلك شبه عمد (كما لو علم) ولي أو غيره (صبيا العوم) فغرق (أو حفر بئرا عدوانا) كأن حفرها بملك غيره أو مشترك بلا إذن فيهما أو بطريق أو مسجد يضر حفرها فيه المارة، وإن أذن فيه الامام أو لا يضرها ولم يأذن فيه إمام، والحفر لغير مصلحة عامة فهلك بها غيره (أو) حفرها (بدهليزه) بكسر الدال (وسقط فيها من دعاه جاهلا بها) لنحو ظلمة أو تغطية لها فهلك، فإنه يضمن لتعديه بإهمال الصبي وبالحفر، وبالافتيات على الامام وبالتغرير.
وإذن الامام فيما يضر كلا إذن وذلك شبه عمد نعم إن انقطع التعدي كأن رضي المالك بإبقاء البئر أو ملكها المتعدي فلا ضمان أما حفرها بغير ما ذكر كأن حفرها بموات أو بملكه على العادة أو بملك غيره أو مشترك بإذن أو بطريق أو مسجد لا يضر المارة، وإذن الامام وإن حفرت لمصلحة

(2/249)


نفسه أو لم يأذن ولم ينه وحفرت لمصلحة عامة للمسلمين كالحفر للاستقاء أو لجمع ماء المطر أو حفرت بدهليزه وسقط فيها من لم يدعه أو من دعاه وكان عالما بها فلا ضمان لجوازه مع عدم التغرير والمصالح العامة، يغتفر لاجلها المضرات الخاصة نعم بحث الزركشي الضمان فيما لو حفرها بمسجد لمصلحة نفسه ولو بإذن الامام، وقولي جاهلا بها من زيادتي (ويضمن ما تلف بقمامات) بضم القاف أي كناسات (وقشور نحو بطيخ طرحت بطريق)
إلا أن يعلم بها إنسان ويمشي عليها قصدا فلا ضمان كما هو معلوم (أو) تلف (بجناح أو ميزاب) خارج (إلى الشارع) لان الارتفاق بالطريق والشارع مشروط بسلامة العاقبة (وإن جاز إخراجه) أالجناح أو الميزاب للحاجة، (فإن تلف بالخارج) منهما (فالضمان) به (أو به (وبالداخل فنصفه) لان التلف بالداخل غير مضمون فوزع عليه وعلى الخارج من غير نظر إلى وزن أو مساحة (كجدار بناه مائلا إلى شارع) أو ملك غيره بغير إذنه، فإن تلف به مضمون كالجناح ولا يبرأ ناصب الجناح أو الميزاب وباني الجدار من الضمان ببيع الدار لغيره في صورة الشارع ولغير المالك في صورة ملك غيره، حتى لو تلف بهما إنسان ضمنته عاقلة البائع كما نقله الشيخان عن البغوي وأقراه.
نعم إن كانت عاقلته يوم التلف غيرها يوم النصب أو البناء فالضمان عليه صرح به البغوي في تعليقه.
أما لو بناه مستويا فمال على شارع أو ملك غيره أو بناه مائلا إلى ملكه، وسقط وتلف به شئ حال سقوطه أو بعده فلا ضمان وإن أمكنه إصلاحه لان الميل في الاول لم يحصل بفعله وله في الثاني أن يبني في ملكه كيف شاء (ولو تعاقب سببا هلاك كأن حفر) واحد (بئرا) حفرا عدوانا (ووضع آخر حجرا) وضعا (عدوانا فعثر به إنسان ووقع بها) فهلك (فعلى الاول) من السببين يحال الهلاك وهو في هذا المثال الوضع لان العثور بما وضع هو الذي ألجأه إلى الوقوع فيها المهلك فوضع الحجر سبب أول للهلاك وحفر البئر سبب ثان له (فإن وضعه بحق) كأن وضعه في ملكه، (فالحافر) هو الضامن لانه المتعدي وللرافعي فيه بحث ذكرته مع جوابه في شرح الروض وغيره.
(ولو وضع) واحد (حجرا) في طريق (وآخران حجرا) بجنبه (فعثر بهما آخر فالضمان) له (أثلاث) بعدد الواضعين (أو وضع حجرا) في طريق (فعثر به غيره فدحرجه فعثر به آخر) فهلك (ضمنه المدحرج)، لان الحجر إنما حصل ثم بفعله (ولو عثر) ماش (بقاعد أو نائم أو واقف بطريق

(2/250)


اتسع وماتا أو أحدهما هدر عاثر) لنسبته إلى تقصير بخلاف المعثور به لا يهدر، وهذا ما في الروضة كالشرحين ووقع في الاصل أنه يهدر فلم يفرق بينهما، (فإن ضاق) الطريق (هدر قاعد
ونائم) لتقصيرهما لا عاثر بهما لعدم تقصيره، (وضمن واقف) لان الوقوف من مرافق الطريق لا عاثر به لتقصيره، نعم إن انحرف الواقف إلى الماشي فأصابه في انحرافه وماتا فكماشيين اصطدما، وحكمه يأتي على الاثر.
(فصل) فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه لو (اصطدم حران) ماشيان أو راكبان ولو صبيين أو مجنونين أو حاملين مقبلين كانا أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا فوقعا وماتا ودابتاهما (فعلى عاقلة من قصد) الاصطدام منهما أو من أحدهما (نصف دية مغلظة) لوارث الآخر، لان كلا منهما مات بفعله وفعل الآخر ففعله هدرفي حق نفسه مضمون في حق الآخر ضمان شبه عمد لا عمد، لان الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت، (و) على عاقلة (غيره) وهو من لم يقصد الاصطدام منهما أو من أحدهما لعمى أو غفلة أو ظلمة (نصفها مخففة وعلى كل) منهما إن لم يمت وهو من زيادتي، (أو في تركته) إن مات (نصف قيمة دابة الآخر).
وإن لم تكن مملوكة له لاشتراكهما في الاتلاف مع هدر فعل كل منهما في حق نفسه.
وظاهر مما يأتي في السفينتين أنه لو كان على الدابتين مال أجنبي لزم كلا منهما نصف الضمان أيضا لو كانت حركة إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لها مع قوة حركة الاخرى لم يتعلق بها حكم كغرز إبرة في جلد العقب مع الجراحات العظيمة، نقله الشيخان عن الامام وأقراه وجزم به ابن عبد السلام، ومثل ذلك يأتي في الماشيين كما قاله ابن الرفعة وغيره، (ومن أركب صبيين أو مجنونين تعديا ولو وليا) كأن أركبهما أجنبي بغير إذن الولي أو أركبهما الولي دابتين شرستين أو جموحتين (ضمنهما ودابتيهما)، والضمان الاول على عاقلته والثاني عليه نعم إن تعمدا الاصطدام.
ففي الوسيط يحتمل إحالة الهلاك عليهما بناء على أن عمدهما عمد واستحسنه الشيخان.
وفرضوه في الصبي ومثله المجنون.
فإن لم يتعد المركب فكما لو ركبا بأنفسهما.
والتقييد بالتعدي مع ذكر حكم الولي من زيادتي، (أو) اصطدم
(رقيقان) وماتا (فهدر) وإن تفاوتا قيمة لفوات محل تعلق الجناية، وإن مات أحدهما فنصف قيمته

(2/251)


في رقبة الحي نعم لو امتنع بيعهما كمستولدتين لزم سيد كل الاقل من قيمته، وأرش جنايته على الآخر وكذا لو كانا مغصوبين لزم الغاصب الاقل أيضا.
وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد (أو) اصطدام (سفينتان) لملاحين أو لاجنبي (فكدابتين) في حكمهما السابق، فإن كانتا في الثانية لاثنين فكل منهما مخير بين أخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه، ثم هو يرجع بنصفها على ملاح الآخر وبين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من ملاح الآخر.
(والملاحان) فيهما المجريان لهما (كراكبين) لدابتيهما في حكمهما السابق، نعم أن تعمدا الاصطدام بما يعد مفضيا للهلاك غالبا وجب نصف دية كل منهما في تركة الآخر لا على عاقلته، فإن لم يموتا وكان معهما ركاب وماتوا بذلك اقتص منهما الواحد بالقرعة وللباقين الدية، (فإن كان فيهما مال أجنبي لزم كلا) منهما (نصف الضمان) لتعديهما.
وظاهر أن الاجنبي يتخير بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين، ثم هو يرجع بنصفه على الآخر وبين أن يأخذ نصفه منه ونصفه من الآخر فإن كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتهما، هذا كله إذا كان الاصطدام بفعلهما أو بتقصيرهما كأن قصرا في الضبط مع إمكانه أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن أو لم يكملا عدتهما، أما إذا لم يكن شئ منهما كأن حصل الاصطدام بغلبة الرياح فلا ضمان بخلاف غلبة الدابتين الراكبين لان الضبط ممكن باللجام، (ولو أشرفت سفينة) فيها متاع وراكب (على غرق) وخيف غرقها بمتاعها (جاز طرح متاعها) كله في البحر لرجاء سلامتها، أو بعضه لرجاء سلامة الباقي، وقيد البلقيني الجواز بإذن المالك، وقد بسطت الكلام عليه في شرح الروض والبهجة (ووجب) طرحه كله أو بعضه وإن لم يأذن مالكه، (لرجاء نجاة راكب) محترم إذا خيف هلاكه، ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي روح وإلقاء الدواب لابقاء الادميين، وإذا اندفع الغرق بطرح بعض المتاع اقتصر عليه، (فإن طرح مال غيره بلا إذن) منه (ضمنه) كأكل المضطر طعام غيره بغير إذنه، (كما لو قال) لآخر
في سفينته (ألق متاعك) في البحر (وعلى ضمانه أو نحوه) كقوله على أني ضامنه أو على أني أضمنه فألقاه فيه.
(وخاف) القائل له (غرقا ولم يختص نفع الالقاء بالملقى) بأن اختص بالملتمس أو به، وبالملقي أو بأجنبي أو به أو بأحدهما أو عم الثلاثة فإنه يضمنه، وإن لم يكن له فيها شئ ولم تحصل النجاة، لانه التماس إتلاف لغرض صحيح بعوض فصار كقوله أعتق عبدك على كذا، فإن لم يخف غرقا أو اختص النفع بالملقي كأن قال من بالشط أو بزورق أو نحوه بقرب السفينة ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فألقاه أو اقتصر على قوله ألق متاعك لم يضمنه، لانه في الاول شبيه بمن التمس هدم دار غيره ففعل وفي الثانية أمر المالك بفعل واجب عليه ففعله لغرض لنفسه فلا يجب فيه عوض كما لو قال لمضطر كل طعامك وعلي ضمانه

(2/252)


فأكله.
وفي الثانية لم يلتزم شيئا وفارق ما لو قال لغيره أد ديني فأداه حيث يرجع به عليه بأن أداء الدين ينفعه قطعا، وإلقاء قد لا ينفعه (ولو قتل حجر منجنيق) بفتح الميم والجيم في الاشهر (أحد رماته) كأن عاد عليه (هدر قسطه على عاقلة الباقين الباقي) من ديته لانه مات بفعله، وفعلهم خطأ.
فإن كان واحدا من عشرة سقط عشر ديته ووجب على عاقلة كل من التسعة عشرها (أو) قتل (غيرهم بلا قصد) من الرماة (فخطأ) قتله لعدم قصدهم له (أو به) أي بقصد منهم (فعمد إن غلبت الاصابة) منهم بحذفهم لقصدهم معينا بما يقتل غالبا، فإن غلب عدمها أو استوى الامران فشبه عمد.
(فصل) في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمل وسموا عاقلة لعقلهم الابل بفناء دار المستحق ويقال لتحملهم عن الجاني العقل أي الدية ويقال لمنعهم عنه.
والعقل المنع ومنه سمي العقل عقلا لمنعه من الفواحش، (عاقلة جان عصيته) المجمع على إرثهم من النسب، لما في رواية في خبر الصحيحين السابق، أوائل كتاب الديات وأن العقل على عصبتها، (وقدم) منهم (أقرب) فأقرب فيوزع على
عدده الواجب من الدية آخر السنة، كما سيأتي (فإن بقي شئ) منه (فمن يليه) أي الاقرب يوزع الباقي عليه وهكذا والاقرب الاخوة ثم بنوهم وإن نزلوا ثم الاعمام ثم بنوهم كالارث (و) قدم (مدل بأبوين) على مدل بأب كالارث، (ف) - إن عدم عصبة النسب أو لم يف ما عليهم بالواجب في الجناية (فمعتق فعصبته) من النسب (فمعتقه فعصبته) كذلك وهكذا (فمعتق أبي الجاني فعصبته) كذلك (فمعتقه فعصبته) كذلك.
وتعبيري بالفاء آخرا أولى من تعبيره فيه بالواو (وهكذا) أي بعد معتق معتق الاب، وعصبته معتق الجد إلى حيث ينتهي ويوزع الواجب على المعتقين بقدر ملكهم لا بعدد رؤوسهم.
ويعقل المولي من جهة الام إذا لم يوجد عتق من جهة الآباء، ويتحمل أيضا بعد من ذكر الاخوة للام وذوو الارحام إن ورثناهم كما في الانوار ونقله في الثانية الشيخان عن المتولي وأقراه.
والظاهر أن تحمل الاخوة للام قبل ذوي الار حام للاجماع على توريثهم، (ولا يعقل بعض جان و) بعض (معتق) من أصل وفرع لما في رواية أبي داود في خبر

(2/253)


الصحيحين السابق أوائل كتاب الديات وبرأ الولد أي من العقل وقيس به غيره من الابعاض وببعض الجاني بعض المعتق (ولو) كان فرع الجانية (ابن ابن عمها) فلا يعقل عنها وإن كان يلي نكاحها، لان البنوة هنا مانعة وثم غير مقتضية لا مانعة، فإذا وجد مقتض زوج به، وذكر حكم بعض المعتق من زيادتي.
(وعتيقها) أي المرأة (تعقله عاقلتها) دونها لما يأتي أن المرأة لا تعقل.
(ومعتقون وكل من عصبة كل معتق كمعتق) فيما عليه كل سنة من نصف دينار أو ربعه، لان الولاء في الاولى لجميع المعتقين لا لكل منهم.
وفي الثانية لكل من العصبة، فلا يتوزع عليهم تورعه على الشركاء، لانه لا يورث بل يورث به.
(ولا يعقل عتيق) ولا عصبته من معتقة لانتفاء إرثه.
(ف) - إن عدم من ذكر أو لم يف ما عليه بما مر، ف (- بيت مال) يعقل (عن مسلم) الكل أو الباقي لانه يرثه بخلاف الكافر فماله فئ والواجب في ماله إن كان له أمان واستثنى من ذلك اللقيط فلا يعقل عن قاتله بيت المال إذ لا فائدة من أخذها منه لتعاد إليه.
(ف) - إن عدم
ذلك، أو لم يف ما ذكر فالكل أو الباقي (على جان) بناء على الاصح من أن الواجب ابتداء عليه، ثم تتحمله العاقلة وتعبيري بذلك أعم من قوله فكله على جان (وتؤجل) ولو من غير ضرب قاض (عليه) أي على الجاني (كعاقلة دية نفس كاملة) بإسلام وحرية وذكورة (ثلاث سنين في) آخر (كل سنة ثلث) من الدية وتأجيلها بالثلاث رواه البيهقي من قضاء عمر وعلي رضي الله عنهما وعزاه الشافعي، إلى قضاء النبي (صلى الله عليه وسلم) والظاهر تساوي الثلاث في القسمة وأن كل ثلث آخر سنته، وأجلت بالثلاث لكثرتها لا لانها بدل نفس، وتأجيلها عليه من زيادتي (و) تؤجل دية (كافر معصوم) ولو غير ذمي وإن عبر الاصل بالذمي (سنة) لانها قدر ثلث دية مسلم أو أقل.
(و) تؤجل (دية امرأة وخنثى) مسلمين (سنتين في) آخر (الاولى) منهما (ثلث) من دية نفس كاملة.
وذكر حكم الخنثى من زيادتي (وتحمل عاقلة رقيقا) أي الجناية عليه بقيمته لانها بدل نفس كالحر فإذا كانت قيمته قدر دية أو ديتين (ففي) آخر (كل سنة) يؤخذ منها (قدر ثلث) من دية نفس كاملة (ك) - واجب (غير نفس) من الاطراف وغيرها فإنه يؤجل في كل سنة قدر ثلث الدية بناء على الاصح من أن العاقلة تحمل بدلها كدية النفس، فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالاطراف (ولو قتل) رجلين (مسلمين) هو أولى من قوله رجلين (ففي ثلاث) لا ست من السنين تؤخذ ديتهما في كل سنة لكل ثلث دية (وأجل) واجب (نفس من) وقت (زهوق) لها بمزهق أو بسراية جرح، لانه مال يحل بانقضاء الاجل فكان ابتداء أجله من وقت وجوبه كسائر الديون المؤجلة.
(و) أجل واجب (غيرها من وقت (جناية) لان الوجوب تعلق بها، وإن كان لا يطالب ببدلها إلا بعد الاندمال نعم لو سرت جناية

(2/254)


من أصبع إلى كف مثلا، فأجل أرش الاصبع من قطعها والكف من سقوطها كما اختاره الامام والغزالي وغيرهما.
وجزم به الحاوي الصغير والانوار ورجحه البلقيني (ومن مات) من العاقلة (في أثناء سنة فلا شئ) عليه من واجبها بخلاف من مات بعدها.
(ويعقل كافر ذو أمان عن مثله) إن زادت مدته على مدة الاجل لاشتراكهما في الكفر، المقر
عليه وتعبيري بذلك أولى من قوله ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه (لا فقير)، ولو كسوبا فلا يعقل لان العقل مواساة والفقير ليس من أهلها (ورقيق) لان غير المكاتب من الارقاء لا ملك له والمكاتب ليس من أهل المواساة (وصبي ومجنون وامرأة وخنثى) وهما من زيادتي وذلك لان مبنى العقل على النصرة ولا نصرة بهم (ومسلم عن كافر وعكسه) إذ لا موالاة بينهما فلا نصرة (وعلى غني) من العاقلة وهو من (ملك آخر السنة فاضلا عن حاجته عشرين دينارا) أي قدرها (نصف دينار و) على (متوسط) وهو من (ملك) آخر السنة فاضلا عن حاجته (دونها) أي العشرين دينارا (وفوق ربعه) أي الدينار (ربعه) بمعنى مقدارهما لا عينهما، لان الابل هي الواجبة وما يؤخذ يصرف إليها، وللمستحق أن لا يأخذ غيرها، وإنما شرط كون الدون الفاضل عن حاجته فوق الربع لئلا يصير بدفعه فقيرا، وبما ذكر علم أن من أعسر آخرها لم يجب عليه شئ، وإن كان موسرا قبل أو أيسر بعد وأن من أعسر بعد أن كان موسرا آخرها، لم يسقط عنه شئ من واجبها ومن كان أولها رقيقا أو صبيا أو مجنونا أو كافرا وصار في آخرها بصفة الكمال لا يدخل في التوزيع في هذه السنة، ولا فيما بعدها لانه ليس من أهل النصرة في الابتداء بخلاف الفقير، وذكر ضابط الغني والمتوسط من زيادتي.
(فصل) في جناية الرقيق (مال جناية رقيق) ولو بعد العفو أو فداء من جناية أخرى (يتعلق برقبته) إذ لا يمكن إلزامه لسيده، لانه إضرار به مع براءته، ولا أن يقال في ذمته إلى عتقه لانه تفويت للضمان أو تأخير إلى مجهول وفيه ضرر ظاهر بخلاف معاملة غيره له لرضاه بذمته.
فالمتلعق برقبته طريق وسط في رعاية الجانبين (فقط) أي لا بذمته ولا بكسبه ولا بهما ولا بكل منهما أو بهما مع رقبته وإن أذن له سيده في الجناية وإلا لما تعلق برقبته كديون المعاملات حتى لو بقي شئ لا يتبع به بعد عتقه، نعم إن أقر الرقيق بالجناية ولم يصدقه سيده ولا بينة تعلق واجبها بذمته كما

(2/255)


مر في الاقرار أو اطلع سيده على لقطة في يده، وأقرها عنده أو أهمله وأعرض عنه فأتلفها أو
تلفت عنده تعلق المال برقبته وبسائر أموال السيد كما نبه عليه البلقيني.
ومعلوم مما مر في الرهن أن جناية غير المميز ولو بالغا بأمر سيده أو غيره على الآمر.
وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد (ولسيده) ولو بنائبه (بيعه لها) أي لاجلها بإذن المستحق، (و) له (فداؤه بالاقل من قيمته والارش) لان الاقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة، وهي بدلها أو الارش فهو الواجب.
وتعتبر قيمته (وقتها) أي وقت الجناية لانه وقت تعلقها هذا (إن منع) السيد (بيعه) وقتها، (ثم نقصت قيمته وإلا فوقت فداء) تعتبر قيمته، لان النقص قبله لا يلزم السيد بدليل ما لو مات الرقيق قبل اختيار الفداء.
وقولي وقتها إلى آخرها من زيادتي.
(ولو جنى) ثانيا مثلا (قبل فداء باعه فيهما) أي في جنايتيه، ووزع ثمنه عليهما (أو فداه بالاقل من قيمته والارشين ولو أتلفه) حسا أو شرعا كأن قتله أو عتقه أو باعه وصححناه، بأن كان المعتق موسرا والبائع مختارا للفداء (فداه) لزوما لمنعه بيعه بالاقل من قيمته.
والارش (كأم ولد) أي كما لو كان الجاني أم ولد فيلزمه فداؤها لذلك (بالاقل) من قيمتها وقت الجناية.
والارش (وجناياتها كواحدة) فيفديها بالاقل من قيمتها، والارش فيشترك الارش الزائد على القيمة فيها بالمحاصة، كأن تكون ألفين والقيمة ألفا وكأم الولد الموقوف، (ولو هرب) الجاني (أو مات برئ سيده) من علقته (إلا إن طلب) منه (فمنعه) فيصير مختارا لفدائه.
فالمستثنى منه صادق بأن لم يطلب منه أو طلب ولم يمنعه (ولو اختار فداء فله رجوع) عنه (وبيع) له إن لم تنقص قيمته وليس الوطئ اختيارا.
(فصل) في الغرة وتقدم دليلها في خبر أبي هريرة أوائل كتاب الديات.
تجب (في كل جنين) حر (انفصل أو ظهر) بخروج رأسه مثلا (ميتا) في الحالين (ولو لحما فيه صورة خفية بقول قوابل بجناية عل أمه الحية وهو معصوم) عند الجناية، وإن لم تكن أمه معصومة عندها (غرة) ففي جنينين غرتان وهكذا ولو من حاملين اصطدمتا، لكنهما إن كانتا

(2/256)


مستولدتين والجنينان من سيديهما سقط عن كل منهما نصف غرة جنين مستولدته لانه حقه إلا إذا كان للجنين جدة لام فلها السدس، فلا يسقط عنه إلا الربع والسدس.
فإن لم ينفصل ولم يظهر أو انفصل وظهر لحم لا صورة فيه، أو كانت أمه ميتة أو كان هو غير معصوم عند الجناية كجنين حربية من حربي، وإن أسلم أحدهما بعد الجناية فلا شئ فيه لعدم تحقق وجوده في الاوليين، وظهور موته بموتها في الثالثة، وعدم الاحترام في الرابعة.
والتصريح باعتبار وقوع الجناية على الحية مع التقييد بعصمة جنينها من زيادتي، وبذلك علم أن تقييدي له بها أولى من تقييد من قيد أمه بها لا يهام ذلك أنه لو جنى على حربية جنينها معصوم، حينئذ لا شئ فيه وليس كذلك.
(وإن انفصل حيا فإن مات عقبه) أي عقب انفصاله (أو دام ألمه فمات فدية) لانا تيقنا حياته وقد مات بالجناية، (وإلا) بأن بقي زمنا ولا ألم به ثم مات (فلا ضمان) فيه لانا لم نتحقق موته بالجناية (والغرة رقيق) ولو أمة (مميز بلا عيب مبيع) لان الغرة الخيار وغير المميز، والمعيب ليسا من الخيار.
واعتبر عدم عيب المبيع كإبل الدية لانه حق آدمي لوحظ فيه مقابلة ما فات من حقه فغلب فيه شائبة المالية، فأثر فيها كل ما يؤثر في المال.
وبذلك فارق الكفارة والاضحية، (و) بلا (هرم) فلا يجزئ رقيق هرم لعدم استقلاله بخلاف الكفارة، لان الوارد فيها لفظ الرقبة (يبلغ) أي الرقيق أي قيمته (عشر دية الام)، ففي الحر المسلم رقيق تبلغ قيمته خمس أبعرة كما روي عن عمر وعلي وزيد بن ثابت ولا مخالف لهم.
(وتفرض) أي الام (كأب دينا إن فضلها فيه) ففي جنين بين كتابية، ومسلم، تفرض الام مسلمة (ف) - إن فقد الرقيق حسا أو شرعا وجب (العشر) من دية الام (ف) - إن فقد العشر بفقد الابل وجب (قيمته) كما في إبل الدية وهذا مع ذكر الفرض من زيادتي والغرة (لورثة جنين) لانها دية نفس، وبما تقرر علم أن تعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على غرة المسلم والكتابي.
(وفي جنين رقيق عشر أقصى قيم أمه من جناية إلى إلقاء) أما وجوب العشر فعلى، وزان اعتبار الغرة في الحر بعشر دية، أمه المساوي لنصف عشر دية أبيه، وأما وجوب الاقصى، وهو
ما في أصل الروضة، فعلى وزان الغصب، والاصل اقتصر على اعتبار عشر القيمة يوم الجناية، (لسيده) لملكه إياه، وإن لم يكن مالكا لامه، فقولي لسيده أولى من قوله لسيدها، (وتقوم) الام (سليمة) سواء أكانت ناقصة والجنين سليم، أم بالعكس أما في الاولى فلسلامته.
وأما في الثانية، وهي من زيادتي، فلان نقصان الجنين قد يكون من أثر الجناية.
واللائق الاحتياط والتغليظ (والواجب) من الغرة وعشر الاقصى (على عاقلة) للجاني لخبر أبي هريرة السابق، ولانه لا

(2/257)


عمد في الجناية على الجنين، إذ لا يتحقق وجوده ولا حياته، حتى يقصد وبذلك علم أنه لو اصطدمت حاملان فألقتا جنينين لزم عاقلة كل منهما نصف غرتي جنينهما، لان الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينها لزم عاقلتها الغرة، كما لو جنت على حامل أخرى، فلا يهدر منها شئ بخلاف الدية لان الجنين أجنبي عنهما.
(فصل) في كفارة القتل والاصل فيها قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) *.
وقوله: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) *.
تجب (على غير حربي) لا أمان له (ولو صبيا ومجنونا ورقيقا ومعاهدا وشريكا ومرتدا كفارة بقتله).
ولو خطأ أو بتسبب أو شرط (معصوما عليه ولو معاهدا وجنينا) ومرتدا (وعبده ونفسه).
وإن لم يضمنهما لانها إنما تجب لحق الله تعالى.
لا لحق الآدمي.
وخرج بغير الحربي المذكور الحربي الذي لا أمان له.
فلا تلزمه الكفارة ومثله الجلاد القاتل بأمر الامام ظلما وهو جاهل بالحال لانه سيف الامام وآلة سياسته، وبالقتل غيره كالجراحات فلا كفارة فيه لورود النص بها في القتل دون غيره، كما تقرر وليس غيره في معناه وبالمعصوم عليه غيره كباغ قتله عادل وعكسه في القتال وصائل ومقتص منه ومرتد وحربي لا أمان له ولو امرأة أو صبيا أو مجنونا فلا كفارة في قتله وإنما حرم قتل هذه المرأة، وتالييها لان تحريمه ليس لحرمتهم بل لمصلحة المسلمين لئلا يفوتهم الارتفاق بهم وتقدم أن غير المميز لو قتل بأمر غيره ضمن آمره.
فالكفارة
عليه والكفارة على الصبي والمجنون في مالهما فيعتق الولي عنهما من مالهما والعبد يكفر بالصوم وبما تقرر علم أنه لو اصطدم شخصان فماتا لزم كلا منهما كفارتان واحدة لقتل نفسه، وواحدة لقتل الآخر وأنه لو اصطدمت حاملان فماتتا وألقتا جنينين، لزم كلا منهما أربع كفارات لاشتراكهما في إهلاك أربعة أنفس نفسيهما وجنينهما.
(باب دعوى الدم) أعني القتل بقرينة ما يأتي وعبر به عنه للزومه غالبا.
(والقسامة) بفتح القاف أي الايمان الآتي بيانها مأخوذة من القسم وهو اليمين.

(2/258)


(شرط لكل دعوى) بدم أو غيره كغصب وسرقة وإتلاف ستة شروط: أحدها (أن تكون معلومة) غالبا، بأن يفصل المدعي ما يدعيه، (ك) - قوله (قتله عمدا أو شبهه أو خطأ إفرادا أو شركة)، لان الاحكام تختلف باختلاف هذه الاحوال.
ويذكر عدد الشركاء إن أوجب القتل الدية نعم إن قال: أعلم أنهم لا يزيدون على عشر مثلا سمعت دعواه وطالب بحصة المدعى عليه.
فإن كان واحدا طالبه بعشر الدية، وقولي أو شبهه من زيادتي.
(فإن أطلق) ما يدعيه كقوله هذا قتل أبي (سن) للقاضي (استفصاله) عما ذكره لتصح بتفصيله دعواه.
وتعبيري بذلك أولى من قوله استفصله القاضي لانه يوهم وجوب الاستفصال، والاصح خلافه.
(و) ثانيها أن تكون (ملزمة) وهذا من زيادتي، فلا تسمع دعوى هبة شئ أو بيعه أو إقرار به حتى يقول المدعي وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع أو المقر التسليم إلى.
(و) ثالثها (أن يعين مدعي عليه) فلو قال قتله أحد هؤلاء لم تسمع دعواه لايهام المدعى عليه.
(و) رابعها وخامسها (أن يكون كل) من المدعي والمدعى عليه (غير حربي) لا أمان له (مكلفا) ومثله السكران كذمي ومعاهد ومحجور سفه، أو فلس لكن لا يقول السفيه في دعواه المال واستحق تسلمه بل ووليي يستحق تسلمه فلا تصح دعوى حربي لا أمان له وصبي ومجنون ولا دعوى عليهم.
وتعبيري بغير حربي لشموله المعاهد.
والمستأمن أولى من تعبيره بملتزم لاخراجه لهما.
(و) سادسها (أن لا تناقضها) دعوى
(أخرى فلو ادعى) على واحد (انفراده بقتل ثم) ادعى (على آخر) شركة أو انفرادا (لم تسمع) الدعوى (الثانية)، لان الاولى تكذبها نعم إن صدقه الآخر فهو مؤاخذ بإقراره وتسمع الدعوى عليه على الاصح في أصل الروضة، ولا يمكن من العود إلى الاولى لان الثانية تكذبها (أو) ادعى (عمدا) مثلا (وفسره بغيره عمل بتفسيره) فتلغى دعوى العمد لا دعوى القتل لانه قد يظن ما ليس بعمد عمدا فيعتمد تفسيره مستندا إلى دعواه القتل.
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله لم يبطل أصل الدعوى لايهامه بطلان التفسير (وإنما تثبت القسامة في قتل ولو لرقيق) لا في غيره كقطع طرف وإتلاف مال غير رقيق، لانها خلاف القياس فيقتصر فيها على مورد النص، وهو القتل ففي غيره القول قول المدعى عليه بيمينه مع اللوث وعدمه ويعتبر كون القتل (بمحل لوث) بمثلثة، (وهو) أي اللوث (قرينة تصدق المدعي) أي توقع في القلب صدقه (كأن) هو أولى من قوله بأن (وجد قتيل أو بعضه) وهو من زيادتي (في محلة) منفصلة عن بلد كبير، (أو) في (قرية صغيرة لاعدائه) في دين أو دنيا ولم يخالطهم غيرهم من غير أصدقاء القتيل وأهله، (أو تفرق عنه) جمع (محصورون) يتصور

(2/259)


اجتماعهم على قتله وإلا فلا قسامة.
نعم إن ادعى على عدد منهم محصورين مكن من الدعوى والقسامة.
وتعبيري بالمحصورين أولى من تعبيره بالجمع (أو أخبر) هو أولى من قوله شهد (بقتله) ولو قبل الدعوى (عدل أو عبدان أو امرأتان أو صبية أو فسقة أو كفار) وإن كانوا مجتمعين لان كلا منهم يفيد غلبة الظن، ولان اتفاق كل من الاصناف الاخيرة على الاخبار عن الشئ يكون غالبا عن حقيقة، واحتمال التواطؤ فيها كاحتمال الكذب في إخبار العدل.
وتعبيري بعبدين أو امرأتين هو ما في الروضة كأصلها وعليه يحمل تعبير الاصل بعبيد ونساء (ولو تقاتل) بالتاء الفوقية قبل اللام (صفان) بأن التحم قتال بينهما، ولو بأن وصل سلاح أحدهما للآخر (وانكشفت عن قتيل) من أحدهما، (فلوث في حق) الصف (الآخر) لان الغالب أن صفه لا يقتله.
(ولو ظهر لوث) في قتيل (فقال أحدا بنيه) مثلا (قتله زيد وكذبه الآخر ولو
فاسقا)، ولم يثبت اللوث بعدل (بطل) أي اللوث فلا يحلف المستحق لانخرام ظن القتل بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله، لان النفوس مجبولة على الانتقام من قاتل مورثها بخلاف ما إذا لم يكذبه بأن صدق أو سكت أو قال لا أعلم أنه قتله أو كذبه وثبت اللوث بعدل، (أو) قال أحدهما قتله زيد (ومجهول و) قال (الآخر) قتله (عمرو ومجهول حلف كل) منهما (على من عينه) إذ لا تكاذب منهما لاحتمال أن الذي أبهمه كل منهما من عينه الآخر، (وله) أي كل منهما (ربع دية) لاعترافه بأن الواجب نصفها وحصته منه نصفه.
(ولو أنكر مدعى عليه اللوث) في حقه كأن قال كنت عند القتل غائبا عنه أو لست أنا الذي رؤي معه السكين المتلطخ على رأسه (حلف) فيصدق لان الاصل براءة ذمته، وعلى المدعي البينة (ولو ظهر لوث بقتل مطلقا) عن التقييد بعمد وغيره، كأن أخبر عدل به بعد دعوى مفصلة (فلا قسامة) لانه لا يفيد مطالبة القاتل ولا العاقلة (وهي) أي القسامة (حلف مستحق بدل الدم ولو مكاتبا) بقتل رقيقه، فإن عجز قبل نكوله حلف السيد (أو مرتدا)، لان الحاصل بحلفه نوع اكتساب للمال فلا تمنع منه الردة كالاحتطاب، (وتأخيره ليسلم أولى) لانه لا يتورع عن اليمين الكاذبة ومن أوصى لام ولده مثلا بقيمة عبده إن قتل ثم مات حلف الوارث بعد دعواها وبهذا وبما مر من حلف السيد بعد عجز المكاتب، علم أن الحالف قد يكون غير مدع (خمسين يمينا ولو متفرقة) بجنون أو غيره لخبر الصحيحين بذلك المخصص لخبر البيهقي البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وجوز تفريقها نظرا إلى أنها حجة كالشهادة يجوز تفريقها.

(2/260)


(ولو مات) قبل تمامها (لم يبن وارثه) إذ لا يستحق أحد شيئا بيمين غيره بخلاف، ما إذا أقام شاهدا ثم مات فإن لوارثه أن يقيم شاهدا آخر، لان كلا شهادة مستقلة (وتوزع) الخمسون (على ورثته) اثنين فأكثر (بحسب الارث) غالبا قياسا لها على ما يثبت بها (ويجبر كسر) إن لم تنقسم صحيحة لان اليمين الواحدة، لا تتبعض فلو كانوا ثلاثة حلف كل منهم
سبعة عشر، (ولو نكل أحدهما) أي الوارثين (أو غاب حلفها) أي الخمسين (الآخر وأخذ حصته) لان الخمسين هي الحجة، (وله) في الثانية (صبر للغائب) حتى يحضر فيحلف معه ما يخصه، ولو حضر الغائب بعد حلفه حلف خمسا وعشرين كما لو كان حاضرا ولو قال الحاضر.
لا أحلف إلا قدر حصتي، لم يبطل حقه من القسامة.
فإذا حضر الغائب حلف معه حصته، ولو كان الوارث غير حائز حلف خمسين.
ففي زوجة وبنت تحلف الزوجة عشرا والبنت أربعين بجعل الايمان بينهما أخماسا، لان سهامهما خمسة.
وللزوجة منها واحد (ويمين مدعى عليه بلا لوث و) يمين (مردودة) من مدعى عليه.
(و) يمين (مع شاهد خمسون) لانها يمين دم، حتى لو تعدد المدعي عليه حلف كل خمسين، ولا توزع عليهم.
وفارق نظيره في المدعي بأن كلا منهم ينفي عن نفسه القتل كما ينفيه المنفرد، وكل من المدعين لا يثبت لنفسه ما يثبته المنفرد، (والواجب بالقسامة دية) على مدعي عليه في قتل عمد، وعلى عاقلته في قتل خطأ وشبه عمد كما علم مما مر.
فلا يجب بها قود لقوله (صلى الله عليه وسلم) في خبر البخاري: إما أن يدوا صاحبكم أو يؤذنوا بحرب من الله.
ولم يتعرض للقود، ولان القسامة حجة ضعيفة فلا توجب القود احتياطا لامر الدماء كالشاهد واليمين.
وأجيب عن قوله في الخبر أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم، أن التقدير بدل دم صاحبكم جمعا بين الدليلين، (ولو ادعى) قتلا (عمدا) مثلا (بلوث على ثلاثة حضر أحدهم)، وأنكر (حلف) المستحق (خمسين وأخذ) منه (ثلث دية فإن حضر آخر فكذا) أي فيحلف خمسين كالاول ويأخذ ثلث دية، (إن لم يكن ذكره في الايمان وإلا اكتفى بها) بناء على صحة القسامة في غيبة المدعي عليه، وهو الاصح كإقامة البينة.
(والثالث كالثاني) فيما مر فيه وهذا من زيادتي.
(ولا قسامة فيمن لا وارث له) خاصا لان تحليف عامة المسلمين غير ممكن لكن ينصب القاضي من يدعي على من ينسب إليه القتل ويحلفه.

(2/261)


(فصل)
فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة.
(إنما يثبت قتل بسحر بإقرار) به حقيقة أو حكما لا ببينة، لان الشاهد لا يعلم قصد الساحر.
ولا يشاهد تأثير السحر، نعم إن قال قتلته بكذا فشهد عدلان، بأنه يقتل غالبا أو نادرا، فيثبت ما شهدا به.
والاقرار أن يقول قتله بسحري فإن قال وسحري، يقتل غالبا فإقرار بالعمد ففيه القود أو يقتل نادرا فإقرار بشبه العمد، أو قال: أخطأت من اسم غيره إلى اسمه، فإقرار الخطأ ففيهما الدية على الساحر لا العاقلة إلا أن يصدقوه.
(و) إنما يثبت (موجب قود) بكسر الجيم من قتل بغير سحر أو جرح أو إزالة (به) أي بإقرار حقيقة أو حكما (أو ب) - شهادة (عدلين) به (و) إنما يثبت موجب (مال) من قتل بغير سحر أو جرح أو إزالة (بذلك) أي بإقرار به، أو شهادة عدلين به (أو برجل وامرأتين أو) برجل (ويمين).
وهذه المسائل من جملة ما يأتي في كتاب الشهادات، ذكرت هنا تبعا للشافعي رضي الله عنه، ويأتي ثم الكلام في صفات الشهود والمشهود به مستوفى.
وفي باب القضاء بيان أن القاضي يقضي بعلمه

(2/262)


(ولو عفا) المستحق (عن قود)، لم يثبت على مال (لم يقبل للمال الاخيران) أي رجل وامرأتان ورجل ويمين، لان العفو إنما يعتبر بعد ثبوت موجب القود ولا يثبت بمن ذكر (ك) - ما لا يقبلان ل (- أرش هشم بعد إيضاح)، لان الايضاح قبله الموجب للقود لا يثبت بهما نعم إن كان ذلك من جانبين أو من واحد في مرتين، ثبت أرش الهشم بذلك، وهو واضح والتصريح في هاتين بالرجل وباليمين من زيادتي (وليصرح) وجوبا (الشاهد بالاضافة) أي بإضافة التلف للفعل، (فلا يكفي) في ثبوت القتل (جرحه) بسيف، (فمات حتى يقول) فمات (منه أو فقتله) لاحتمال موته، إن لم يقل ذلك بسبب غير الجرح (وتثبت دامية ب) - قوله (ضربه فأدماه أو فأسال دمه) لا بقوله فسال دمه لاحتمال سيلانه بغير الضرب، (و) تثبت (موضحة ب) - قوله (أوضح رأسه)، لان المفهوم منه أوضح عظم رأسه فلا حاجة إلى التصريح به.
وهذا ما نص عليه في الام والمختصر ورجحه البلقيني وغيره وجزم به في الروضة كأصلها، ثم ذكر عدم الاكتفاء به
الذي صححه الاصل عن حكاية الامام والغزالي، ووجه بأن الموضحة من الايضاح وليس فيه تخصيص بعظم.
(ويجب لقود) أي لوجوبه في الموضحة (بيانها) محلا ومساحة وإن كان برأسه موضحة واحدة لجواز أنها كانت صغيرة فوسعها غير الجاني، وخرج بالقود الدية لانها لا تختلف باختلاف محل الموضحة، ومساحتها (وتقبل شهادته) أي الوارث ظاهرا عند القضاة (لمورثه) غير أصله وفرعه، كما يعلم من بابها (بجرح اندمل أو بمال) ولو (في مرض) لانتفاء التهمة بخلافها قبل اندمال جرحه، لانه لو مات مورثه كان الارش له فكأنه شهد لنفسه، وفارق قبولها بمال في المرض بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق إليه بخلاف المال، وبأنه إذا شهد له بالمال لا ينتفع به حال وجوبه بخلاف ما إذا شهد له بالجرح (لا شهادة عاقلة بفسق بينة جناية) قتل أو غيره (يحملونها) بأن تكون خطأ أو شبه عمد ويكونوا أهلا لتحملها وقت الشهادة ولو فقراء، فلا تقبل لانهم متهمون بدفع التحمل عن أنفسهم بخلاف بينة إقرار بذلك، أو بينة عمد.
وفارق عدم قبولها من الفقراء قبولها من الاباعاد، وفي الاقربين وفاء بالواجب، أن المال غاد ورائح، فالغني غير مستبعد فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد، فلا تتحقق فيه تهمة.
وتعبيري بالجناية أعم من تعبيره بالقتل، (ولو شهد اثنان على اثنين بقتله فشهدا به) أي بقتله (على الاولين) في المجلس مبادرة، (فإن صدق الولي) المدعي (الاولين) أي استمر على تصديقهما، (فقط حكم بهما) وسقطت

(2/263)


شهادة الآخرين للتهمة، ولان الولي كذبهما (وإلا) بأن صدق الآخرين أو الجميع أو كذب الجميع، (بطلتا) أي الشهادتان، وهو الظاهر في الثالث، ووجهه في الاول أن فيه تكذيب الاولين، وعداوة الآخرين لهما، وفي الثاني أن في تصديق كل فريق تكذيب الآخر (ولو أقر بعض ورثة بعفو بعض) منهم عن القود، وعينه أو لم يعنيه (سقط القود) لان لا يتبعض، وبالاقرار سقط حقه منه فسقط حق الباقي.
وللجميع الدية سواء عين العافي أم لا نعم، إن أطلق العافي العفو أو
عفا مجانا فلا حق له فيها.
(ولو اختلف شاهدان في زمان فعل) كقتل (أو مكانه أو آلته أو هيئته)، كأن قال أحدهما قتله بكرة والآخر عشية أو قتله في البيت، والآخر في السوق، أو قتله بسيف والآخر برمح أو قتله بالحز والآخر بالقد (لغت) شهادتهما، (ولا لوث) للتناقض فيها وخرج بزيادتي فعل الاقرار، فلو اختلفا زمنه أو غيره مما ذكر كأن شهد أحدهما بأنه أقر بالقتل يوم السبت، والآخر بأنه أقر به يوم الاحد، لم تلغ الشهادة لانه لا اختلاف في الفعل، ولا في صفته بل في الاقرار.
وهو غير مؤثر لجواز أنه أقر فيهما نعم إن عينا زمنا في مكانين متباعدين، بحيث لا يصل المسافر من أحدهما إلى الآخر في ذلك الزمن، كأن شهد أحدهما بأنه أقر بالقتل بمكة يوم كذا، والآخر بأنه أقر بقتله بمصر ذلك اليوم لغت شهادتهما.

(2/264)


(كتاب البغاة) جمع باغ سموا بذلك لمجاوزتهم الحد.
والاصل فيه آية: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * وليس فيها ذكر الخروج على الامام صريحا، لكنها تشمله لعمومها أو تقتضيه لانه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة.
فللبغي على الامام أولى.
(هم) مسلمون (مخالفو إمام) ولو جائرا بأن خرجوا عن طاعته بعدم انقيادهم له أو منع حق توجه عليهم كزكاة (بتأويل) لهم في ذلك (باطل ظنا وشوكة لهم)، وهي لا تحصل إلا بمطاع، وإن لم يكن إماما لهم (ويجب قتالهم) لاجماع الصحابة عليه وهذا مع قولي باطل ظنا من زيادتي.
وليسوا فسقة لانهم إنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه كتأويل الخارجين على علي رضي الله عنه بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه، ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم.
وتأويل بعض مانعي الزكاة من أبي بكر رضي الله عنه بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم، وهو النبي (صلى الله عليه وسلم).
فمن فقدت فيه الشروط المذكورة بأن خرجوا بلا تأويل كما نعي حق الشرع كالزكاة عنادا أو بتأويل يقطع ببطلانه كتأويل المرتدين أو
لم يكن لهم شوكة، بأن كانوا أفرادا يسهل الظفر بهم، أو ليس فيهم مطاع فليسوا بغاة لانتفاء حرمتهم، فيترتب على أفعالهم مقتضاها على تفصيل في ذي الشوكة يعلم مما يأتي حتى لو تأولوا بلا شوكة، وأتلفوا شيئا ضمنوه مطلقا كقاطع طريق.
(وأما الخوارج وهم قوم يكفرون مرتكب كبيرة ويتركون الجماعات فلا يقاتلون) ولا يفسقون، (ما لم يقاتلوا) بقيد زدته بقولي.
(وهم في قبضتنا) نعم إن تضررنا بهم تعرضنا لهم حتى يزول الضرر.
(وإلا) بأن قاتلوا أو لم يكونوا في قبضتنا، (قوتلوا ولا يجب قتل القاتل منهم) وإن كانوا كقطاع الطريق في شهر السلاح، لانهم لم يقصدوا إخافة الطريق.
وهذا ما في الروضة وأصلها عن الجمهور وفيهما عن البغوي، أن حكمهم حكم قطاع الطريق، وبه جزم الاصل فإن قيد بما إذا قصدوا إخافة الطريق فلا خلاف (وتقبل شهادة بغاة) لتأويلهم قال الشافعي إلا أن يكونوا ممن يشهدون لموافقيهم بتصديقهم كالخطابية، ولا يختص هذا بالبغاة كما يعلم مع زيادة من كتاب الشهادة (و) يقبل (قضاؤهم فيما يقبل) فيه (قضاؤنا) لذلك (إن

(2/265)


علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا)، وإلا فلا تقبل شهادتهم ولا قضاؤهم لانتفاء العدالة المشترطة في الشاهد والقاضي، وتقييد القبول بعلم ما ذكر مع قولي وأموالنا من زيادتي، وخرج بما يقبل فيه قضاؤنا غيره كأن حكموا بما يخالف النص أو الاجماع أو القياس الجلي فلا يقبل (ولو كتبوا بحكم أو سماع بينة فلنا تنفيذه) أي الحكم، لانه حكم أمضى والحاكم به من أهله.
(و) لنا (الحكم بها) أي ببينتهم لتعلقه برعايانا، نعم يندب لنا عدم التنفيذ والحكم استخفافا بهم.
(ويعتد بما استوفوه من عقوبة) حد أو تعزير (وخراج وزكاة وجزية) لما في عدم الاعتداد به من الاضرار بالرعية (و) يعتد (بما فرقوه من سهم المرتزقة على جندهم) لانهم من جند الاسلام ورعب الكفار قائم بهم.
(وحلف) الشخص ندبا إن اتهم كما مر في الزكاة لا وجوبا وإن صححه النووي في تصحيحه هنا (في) دعوى (دفع زكاة لهم) فيصدق لانه أمين
في أمور الدين، (لا) في دعوى دفع (خراج) فلا يصدق لانه أجرة (أو) دفع (جزية) لان الذمي غير مؤتمن فيما يدعيه علينا للعداوة الظاهرة.
(و) حلف وجوبا فيصدق (في عقوبة) أنها أقيمت عليه (إلا إن ثبت موجبها ببينة ولا أثر لها ببدنه) فلا يصدق فيها، لان الاصل عدم إقامتها ولا قرينة تدفعه فعلم أنه يصدق فيما أثر ببدنه للقرينة، وفي غيره إن ثبت موجبها بإقرار لانه يقبل رجوعه فيجعل إنكاره بقاء العقوبة عليه كالرجوع.
وتعبيري بالعقوبة في الموضعين أعم من تعبيره بالحد وذكر التحليف فيها من زيادتي.
(وما أتلفوه علينا أو عكسه) أي اتلفناه عليهم في حرب، أو غيرها (لضرورة حرب هدر) اقتداء بالسلف وترغيبا في الطاعة، ولانا مأمورون بالحرب فلا نضمن ما يتولد منها وهم إنما أتلفوا بتأويل بخلاف ذلك في غير الحرب، أو فيها لا لضرورتها فمضمون على الاصل في الاتلافات، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (كذي شوكة) مسلم (بلا تأويل) فيهدر ما أتلفه لضرورة حرب، لان سقوط الضمان عن الباغين لقطع الفتنة.
واجتماع الكلمة وهذا موجود هنا بخلاف ما يتلفه المتأول بلا شوكة، وبه صرح الاصل لانه كقاطع الطريق، وبخلاف ما تتلفه طائفة ارتدت ولهم شوكة، وإن تابوا وأسلموا لجنايتهم على الاسلام (ولا يقاتلهم الامام حتى يبعث) إليهم (أمينا فطنا ناصحا يسألهم ما ينقمون) أي يكرهون، (فإن ذكروا مظلمة) بكسر اللام وفتحها (أو شبهة أزالها) عنهم لان عليا بعث ابن عباس رضي الله عنهم إلى أهل النهروان

(2/266)


فرجع بعضهم إلى الطاعة.
(فإن أصروا) بعد الازالة (وعظهم) وأمرهم بالعود إلى الطاعة، لتكون كلمة أهل الدين واحدة (ثم) إن لم يتعظوا (أعلمهم بالمناظرة) وهذا من زيادتي (ثم) إن أصروا أعلمهم (بالقتال) لانه تعالى أمر بالاصلاح، ثم بالقتال، (فإن استمهلوا) فيه (فعل) باجتهاده (ما رآه مصلحة) من الامهال وعدمه فإن ظهر له أن استمهالهم للتأمل في إزالة الشبهة أمهلهم أو لاستلحاق مدد لم يمهلهم، (ولا يتبع) إذا وقع قتال (مدبرهم)، إن كان غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة قريبة، (ولا يقتل مثخنهم) بفتح الخاء من أثخنته الجراحة أضعفته،
(وأسيرهم) لخبر الحاكم والبيهقي بذلك.
فلو قتل واحد منهم فلا قود لشبهة أبي حنيفة ولو ولوا مجتمعين تحت راية زعيمهم أتبعوا (ولا يطلق) أسيرهم، (ولو) كان (صبيا أو إمرأة) أو عبدا (حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم) ولا يتوقع عودهم (إلا أن يطيع) أي الاسير (باختياره)، فيطلق قبل ذلك.
وهذا في الرجل الحر وكذا في الصبي والمرأة والعبد، إن كانوا مقاتلين وإلا أطلقوا بمجرد انقضاء الحرب.
(ويرد) لهم (بعد أمن غائلتهم) أي شرهم لعودهم إلى الطاعة أو تفرقهم وعدم توقع عودهم، (ما أخذ) منهم (ولا يستعمل) ما أخذ منهم في حرب أو غيره إلا لضرورة، كأن لم نجد ما ندفع به عنا إلا سلاحهم، أو ما نركبه عند الهزيمة إلا خيلهم، (ولا يقاتلون بما يعم كنار ومنجنيق) وهو آلة رمي الحجارة إلا لضرورة بأن قاتلوا به، فاحتيج إلى المقاتلة بمثله دفعا إو أحاطوا بنا واحتجنا في دفعهم إلى ذلك، (ولا يستعان عليهم بكافر) لانه يحرم تسليطه على المسلم (إلا لضرورة)، بأن كثروا وأحاطوا بنا.
فقولي إلا لضرورة راجع إلى الصور الثلاث كما تقرر وهو في الاخيرة من زيادتي، (ولا بمن يرى قتلهم مدبرين) لعداوة أو اعتقاد كالحنفي.
والامام لا يرى ذلك إبقاء عليهم فلو احتجنا للاستعانة به جاز إن كان فيه جراءة أو حسن إقدام وتمكنا من منعه لو اتبع منهزما (ولو آمنوا حربيين) بالمد، أي عقدوا لهم أمانا (ليعينوهم) علينا (نفذ) أمانهم (عليهم) لانهم أمنوهم من أنفسهم لا علينا لان الامان لترك قتال المسلمين، فلا ينعقد بشرط قتالهم، فلو أعانوهم وقالوا: ظننا أنه يجوز لنا أعانة بعضكم على بعض، أو أنهم المحقون ولنا إعانة المحق أو أنهم استعانوا بنا على كفار.
وأمكن صدقهم بلغناهم المأمن، وقاتلناهم كالبغاة (ولو أعانهم كفار معصومون) هو أعم من قوله أهل ذمة، (عالمون بتحريم قتالنا مختارون) فيه (انتقض عهدهم) كما لو انفردوا بالقتال (فإن قال ذميون) كنا مكرهين أو (ظننا) جواز

(2/267)


القتال إعانة أو ظننا (أنهم محقون) فيما فعلوه بقيد زدته بقولي (وأن لنا إعانة المحق) وأمكن صدقهم (فلا) ينتقض عهدهم لموافقتهم طائفة مسلمة مع عذرهم (ويقاتلون كبغاة) لانضمامهم
إليهم مع الامان فلا يتبع مدبرهم ولا يقتل مثخنهم، ولا أسيرهم وخرج بالذميين المعاهدون، والمؤمنون فينتقض عهدهم ولا يقبل عذرهم إلا في الاكراه ببينة وبقتالهم الضمان فلو أتلفوا علينا نفسا أو مالا ضمنوه.
(فصل) في شروط الامام الاعظم، وفي بيان طرق انعقاد الامامة، وهي فرض كفاية كالقضاء (شرط الامام كونه أهلا للقضاء) بأن يكون مسلما حرا مكلفا عدلا ذكرا مجتهدا ذا رآى وسمع وبصر ونطق لما يأتي في باب القضاء وفي عبارتي زيادة العدل (قرشيا) لخبر النسائي الائمة من قريش فإن فقد فكناني، ثم رجل من بني إسماعيل ثم عجمي على ما في التهذيب أو جر همي على ما في التتمة، ثم رجل من بني إسحاق (شجاعا) ليغزو بنفسه، ويعالج الجيوش ويقوي على فتح البلاد ويحمي البيضة، وتعتبر سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض، كما دخل في الشجاعة (وتنعقد الامامة) بثلاثة طرق: أحدها (ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء، ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم) فلا يعتبر فيها عدد بل لو تعلق الحل، والعقد بواحد مطاع كفت بيعته بحضرة شاهدين ولا تكفي بيعة العامة ويعتبر اتصاف المبايع (بصفة الشهود) من عدالة وغيرها لا اجتهاد وما في الروضة كأصلها من أنه يشترط كونه مجتهدا.
إن اتحد وأن يكون فيهم مجتهد إن تعدد مفرع على ضعيف، (و) ثانيها (باستخلاف الامام) من عينه في حياته، وكان أهلا للامامة حينئذ ليكون خليفة بعد موته، ويعبر عنه بعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما، ويشترط القبول في حياته (كجعله الامر) في الخلافة، (شورى) أي تشاورا (بين جمع).
فإنه كالاستخلاف لكن لواحد مبهم من جمع فيرتضون بعد موته، أو في حياته بإذنه أحدهم، كما جعل عمر رضي الله تعالى عنه الامر شورى بين ستة: علي والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة، فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه (و) ثالثها (باستيلاء) شخص (متغلب) على الامامة، (ولو غير أهل) لها كصبي وإمرأة، بأن قهر الناس بشوكته وجنده.
وذلك لينتظم شمل المسلمين وهذا أعم من تعبيره بالفاسق والجاهل.

(2/268)


(كتاب الردة) (هي) لغة الرجوع عن الشئ إلى غيره، وشرعا (قطع من يصح طلاقه الاسلام بكفر عزما)، ولو في قابل (أو قولا أو فعلا استهزاء) كان ذلك (أو عنادا أو اعتقادا) بخلاف ما لو اقترن به ما يخرجه عن الردة كاجتهاد، أو سبق لسان أو حكاية أو خوف، وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله لكن قال ابن عبد السلام إنه يعزر فلا يتقيد الاستهزاء، وما عطف عليه بالقول وإن أوهمه كلام الاصل، وذلك (كنفي الصانع) المأخوذ من قوله تعالى: * (صنع الله) * (أو) نفي (نبي أو تكذيبه أو جحد مجمع عليه) إثباتا أو نفيا بقيدين زدتهما بقولي.
(معلوم من الدين ضرورة بلا عذر) كركعة من الصلوات الخمس، وكصلاة سادسة بخلاف جحد مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص، ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت، وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالاسلام، أو تردد في كفر أو إلقاء مصحف بقاذورة أو سجود لمخلوق) كصنم وشمس.
فتعبيري بمخلوق أعم من قوله لصنم أو شمس (فتصح ردة سكران كإسلامه) بخلاف الصبي والمجنون والمكره.
(ولو ارتد فجن أمهل) احتياطا فلا يقتل في جنونه لانه قد يعقل ويعود للاسلام فإن قتل فيه هدر لانه مرتد، لكن يعزر قاتله لتفويته الاستتابة الواجبة.
(ويجب تفصيل شهادة بردة) لاختلاف الناس فيما يوجبها كما في الشهادة بالجرح والزنا والسرقة.
وجرى عليه في الروضة وأصلها في باب تعارض البينتين لكنهما صححا هنا في الاصل وغيره عدم الوجوب.
وقال الرافعي عن الامام أنه الظاهر، لان الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا على بصيرة، والاول هو المنقول وصححه جماعة منهم السبكي.
وقال الاسنوي: إنه المعروف عقلا ونقلا، قال وما نقل عن الامام بحث له (ولو ادعى) مدعي عليه بردة (إكراها وقد شهدت بينة بلفظ كفر أو فعله حلف) فيصدق ولو بلا قرينة، لانه لم يكذب الشهود والحزم أنه يجدد كلمة الاسلام وقولي أو فعله من زيادتي.
(و) شهدت (بردته فلا
تقبل) أي البينة لما مر.
وعلى ما في الاصل تقبل ولا يصدق مدعي الاكراه بلا قرينة لتكذيبه

(2/269)


الشهود، لان المكره لا يكون مرتدا أما بقرينة كأسر كفار فيصدق بيمينه.
وإنما حلف لاحتمال كونه مختارا (ولو قال أحد ابنين مسلمين مات أبي مرتدا فإن بين سبب ردته) كسجود لصنم، (فنصيبه فئ) لبيت المال (وإلا) بأن أطلق (استفصل) فإن ذكر ما هو ردة كان فيئا أو غيرها كقوله كان يشرب الخمر صرف إليه، وهذا هو الاظهر في أصل الروضه.
وما في الاصل من أن الاظهر أنه فئ أيضا ضعيف.
(وتجب استتابة مرتد) ذكرا أو غيره لانه كان محترما بالاسلام، وربما عرضت له شبهة فتزال والاستتابة، تكون (حالا) لان قتله المرتب عليها حد فلا يؤخر كسائر الحدود، نعم إن كان سكران سن التأخير إلى الصحو (فإن أصر قتل) لخبر البخاري، من بدل دينه فاقتلوه (أو أسلم صح) إسلامه وترك (ولو) كان (زندقيا) أو تكرر ذلك لآية: * (قل للذين كفروا) * وخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق، والزنديق من يخفي الكفر ويظهر الاسلام.
كما قاله الشيخان في هذا الباب وبابي صفة الائمة والفرائض أو من لا ينتحل دينا كما قالاه في اللعان، وصوبه في المهمات ثم (وفرعه) أي المرتد (إن انعقد قبلها) أي الردة (أو فيها وأحد أصوله مسلم فمسلم) تبعا، والاسلام يعلو (أو) أصوله (مرتدون فمرتد) تبعا لا مسلم ولا كافر أصلي فلا يسترق ولا يقتل حتى يبلغ، ويستتاب، فإن لم يتب قتل واختلف في الميت من أولاد الكفار قبل بلوغه والصحيح كما في المجموع في باب صلاة الاستسقاء تبعا للمحققين أنهم في الجنة والاكثرون على أنهم في النار وقيل على الاعراف، ولو كان أحد أبويه مرتدا والآخر كافرا أصليا فكافر أصلي قاله البغوي (وملكه) أي المرتد (موقوف) كبضع زوجته، (إن مات مرتدا بان زواله بالردة) وإلا فلا يزول (ويقضي منه دين لزمه قبلها) بإتلاف أو غيره، (و) بدل (ما أتلفه فيها) قياسا على ما لو تعدى بحفر بئر ومات ثم تلف بها شئ (ويمان منه ممونه) من نفسه وبعضه وماله وزوجاته، لانها حقوق متعلقة به فهو أعم مما عبر به (وتصرفه إن لم يحتمل الوقف) بأن لم يقبل التعليق
كبيع وهبة ورهن وكتابة (باطل) لعدم احتماله الوقف، (وإلا) أي وإن احتمله بأن قبل التعليق كعتق وتدبير ووصية، (فموقوف إن أسلم نفذ) بمعجمة تبينا وإلا فلا (ويجعل ماله عند عدل وأمته عند نحو محرم) كإمرأة ثقة احتياطا، وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بإمرأة ثقة (ويؤجر ماله) عقارا كان أو غيره.
صيانة له عن الضياع، (ويؤدي مكاتبه النجوم لقاض) حفظا لها ويعتق بذلك، وإنما لم يقبضها المرتد لان قبضه غير معتبر.

(2/270)


(كتاب) (الزنى) بالقصر لغة حجازية وبالمد لغة تميمية وهو ما ذكر في قولي (يجب الحد على ملتزم) ولو حكما للاحكام (عالم بتحريمه بايلاج حشفة) متصلة من حي (أو قدرها) من فاقدها (بفرج) قبل أو دبر من ذكر أو أنثى (محرم لعينه مشتهي طبعا بلا شبهة ولو مكتراة) للزنا (أو مبيحة) للوطئ (ومحرما) بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
(وإن) كان (تزوجها) وليس ما ذكر شبهة دارئة للحد (لا بغير إيلاج) لحشفته كمفاخذة ونحوها من مقدمات الوطئ (و) لا (بوطئ حليلته في نحو حيض وصوم) كنفاس وإحرام، لان التحريم لعارض.
(و) وطئها (في دبرو) وطئ (أمته المزوجة أو المعتدة أو المحرم) بنسب أو رضاع كأخته منهما وأمه من الرضاع أو مصاهرة كموطوءة أبيه وابنه لشبهة الملك المأخوذ من خبر ادرؤوا الحدود بالشبهات رواه الترمذي وصحح وقفه والحاكم وصحح اسناده، وظاهر كلامهم أن وطئ أمته المحرم في دبرها لا يوجب الحد، لكن قال ابن المقري أنه يوجبه كما نقله ابن الرفعة عن البحر المحيط، وسكت عليه قال الاذرعي: وقد ينازع فيه قلت الظاهر ما نقل ابن الرفعة، لان العلة في سقوط الحد بالوطئ في قبلها شبهة الملك المبيح في الجملة وهو في الجملة لم يبح دبرا قط.
وأما الزوجة والمملوكة الاجنبية فسائر جسدها مباح للوطئ فانتهض شبهة في الدبر، والوثنية كالمحرم ولا يعترض بالزوجة فإن تحريمها لعارض كالحيض انتهى، (أو وطئ بإكراه أو بتحليل عالم) كنكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة أو بلا شهود كمذهب مالك لشبهة الاكراه والخلاف (أو) وطئ (لميتة أو بهيمة)، لان فرجها غير مشتهي
طبعا بل ينفر منه الطبع فلا يحتاج إلى الزجر عنه ولا بوطئ صبي أو مجنون أو حربي ولو معاهدا، إلا أنه غير ملتزم للاحكام ولا بوطئ جاهل بالتحريم لقرب عهده بالاسلام، أو بعده عن العلماء لجهله.
وحكم الخنثى حكمه في الغسل.
وتعبيري بملتزم أولى من قوله وشرطه التكليف إلا السكران وقولي طبعا وفي دبر من زيادتي، وتعبيري بحشفة أو قدرها أولى من تعبيره بالذكر، وقولي في نحو حيض وصوم أعم من قوله في حيض وصوم وإحرام (والحد

(2/271)


لمحصن) رجلا كان أو إمرأة (رجم) حتى يموت لامره (صلى الله عليه وسلم) به في أخبار مسلم وغيره، نعم لا رجم على الموطوء في دبره بل حده كحد البكر، وإن أحصن إذ لا يتصور الايلاج في دبره على وجه مباح حتى يصير به محصنا والرجم (بمدر) أي طين مستحجر (وحجارة معتدلة) لا بحصيات خفيفة، لئلا يطول تعذيبه ولا بصخرات لئلا يذففه فيفوت التنكيل المقصود.
قال الماوردي: والاختيار أن يكون ما يرمى به مل ء الكف، وأن يتوقى الوجه ولا يربط ولا يقيد (ولو) كان الرجم (في مرض وحر وبرد مفرطين) لان النفس مستوفاة به (وسن حفر لامرأة) عند رجمها إلى صدرها إن (لم يثبت زناها بإقرار) بأن ثبت ببينة أو لعان لئلا تنكشف بخلاف ما إذا ثبت بالاقرار فيمكنها الهرب إن رجعت وبخلاف الرجل لا يحفر له وإن ثبت زناه بالبينة.
وأما ثبوت الحفر في قصة الغامدية مع أنها كانت مقرة، فبيان للجواز وذكر حكم اللعان من زيادتي.
(والمحصن مكلف) ومثله السكران (حر ولو كافرا وطئ أو وطئت) بذكر أصلي عامل (بقبل في نكاح صحيح ولو) في عدة شبهة أو حيض أو نحوه أو (بناقص)، كأن وطئ كامل بتكليف وحرية ناقصة أو عكسه، فالكامل محصن نظرا إلى حاله وإنما اعتبر الوطئ في نكاح صحيح لان به قضى الواطئ أو الموطوءة شهوته فحقه أن يمتنع عن الحرام واعتبر وقوعه حال الكمال لانه مختص بأكمل الجهات، وهو النكاح الصحيح فاعتبر حصوله من كامل حتى لا يرجم من وطئ وهو ناقص ثم زنى وهو كامل ويرجم من كان كاملا في الحالين وإن
تخللهما نقص كجنون ورق فالعبرة بالكمال في الحالين، وبما تقرر علم أنه لا إحصان بوطئ في ملك يمين ولا بوطئ شبهة أو نكاح فاسد كما في التحليل، وأنه لا إحصان لصبي ومجنون ومن به رق لانه صفة كمال فلا يحصل إلا من كامل، وأنه لا يعتبر الوطئ في حال عصمة حتى لو وطئ، وهو حربي ثم زنى، بعد أن عقدت له ذمة رجم.
وقولي أو وطئت من زيادتي.
(و) الحد (لبكر حر) من مكلف ولن ذميا، ومثله السكران رجلا كان أو إمرأة (مائة جلدة وتغريب عام) ولاء لآية: * (الزانية والزاني) * مع أخبار الصحيحين وغيرهما المزيد فيهما التغريب على الآية (لمسافة قصر)، لان المقصود إيحاشه بالبعد عن الاهل والوطن، (فأكثر) إن رآه الامام لان عمر غرب إلى الشام وعثمان إلى مصر وعليا إلى البصرة فلا يكفي تغريبه إلى ما دون مسافة القصر، إذ لا يتم الايحاش المذكور به، لان الاخبار تتواصل حينئذ ولا ترتيب بينه وبين الجلد، لكن تأخيره عن الجلد أولى، (ويجب تأخير الجلد لحر وبرد مفرطين) إلى اعتدال الوقت.
(ومرض إن رجى برؤه وإلا جلد بعثكال) بكسر العين أشهر من فتحها

(2/272)


وبالمثلثة أي عرجون (عليه مائة غصن ونحوه) كأطراف ثياب (مرة فإن كان) عليه (خمسون) غصنا (فمرتين) يجلد به (مع مس الاغصان له أو انكباس) لبعضها على بعض ليناله بعض الالم، فإن انتفى ذلك أو شك فيه لم يسقط الحد.
وفارق الايمان حيث لا يشترط فيها ألم بأنها مبنية على العرف، والضرب غير المؤلم يسمى ضربا، والحدود مبنية على الزجر، ولا يحصل إلا بالايلام.
(فإن برأ) بفتح الراء وكسرها بعد ضربه بذلك (أجزأه) الضرب به وقولي ونحوه من زيادتي، وسيأتي في الصيال أن الامام لو جلد في حر وبرد مفرطين ومرض يرجى برؤه لا ضمان عليه، وإن وجب تأخير الجلد عنها لانه تلف بواجب أقيم عليه، وفارق ما لو ختن الامام أقلف فيها فمات بأن الجلد ثبت أصلا وقدرا بالنص، والختان قدرا بالاجتهاد وما ذكرته من وجوب التأخير هو المذهب في الروضة.
وكلام الاصل يقتضي أنه سنة وبه جزم في الوجيز، (وتعيين الجهة للامام) فلو عين له جهة لم يعدل إلى غيرها، لانه اللائق بالزجر (ويغرب غريب
من بلد زناه لا لبلده ولا لدون المسافة منه) أي من بلده (و) يغرب (مسافر لغير مقصده) ويؤخر تغريب غير المستوطن، حتى يتوطن.
وقولي ولا لدون إلى آخره من زيادتي.
(فإن عاد) المغرب (لمحله) الاصلي أو الذي غرب منه (أو لدون المسافة منه جدد) التغريب معاملة له بنقيض قصده، وقولي أو لدون المسافة منه من زيادتي.
(فرع) زنى فيما غرب إليه غرب إلى غيره.
قال ابن كج والماوردي وغيرهما، ويدخل فيه بقية العام الاول (ولا تغرب إمرأة إلا بنحو محرم) كزوج وممسوح وإمرأة وبأمن (ولو بأجرة)، لانها مما يتم به الواجب كأجرة الجلاد ولانها من مؤن سفرها فإن لم يكن لها مال فعلى بيت المال، (فإن امتنع) من الخروج معها بأجرة (لم يجبر) كما في الحج، ولان في إجباره تعذيب من لم يذنب.
وقولي بنحو محرم أعم من قوله مع زوج أو محرم (و) الحد (لغير حر) ولو مبعضا فهو أعم من تعبيره بالعبد (نصف) حد (حر) فيجلد خمسين، ويغرب نصف عام، لقوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *.
ولا يبالي بضرر السيد في عقوبات الجرائم، بدليل أنه يقتل بردته ويحد بقذفه، وإن تضرر السيد نعم قال البلقيني لا حد على الرقيق الكافر، لانه لم يلتزم الاحكام بالذمة إذ لا جزية عليه فهو كالمعاهد والمعاهد لا يحد وتبعه الزركشي.
وهو مردود لقول الاصحاب للكافر أن يحد عبده الكافر، ولان الرقيق تابع لسيده فحكمه حكمه بخلاف المعاهد، ولانه لا يلزم من عدم التزام الجزية عدم الحد كما في المرأة الذمية، وظاهر أن ما مر ثم من اعتبار مسافة القصر وتأخير الجلد لما مر مع ما ذكر معه يأتي هنا.

(2/273)


(ويثبت) الزنا (بإقرار) حقيقي (ولو مرة) لانه (صلى الله عليه وسلم) رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما.
رواه مسلم وروى هو والبخاري خبر واغد يا أنيس إلى إمرأة هذه فإن اعترفت فارجمها علق الرجم على مجرد الاعتراف، وإنما كرره على ماعز في خبره لانه شك في عقله، ولهذا قال أبك جنون.
ويعتبر كون الاقرار مفصلا كالشهادة (أو بينة) لآية: * (واللاتي يأتين الفاحشة من
نسائكم) *.
وكذا بلعان الزوج في حق المرأة إلم تلاعن كما مر.
فلا يثبت بعلم القاضي فلا يستوفيه بعلمه، أما السيد فيستوفيه من رقيقه بعلمه لمصلحة تأديبه، (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عن ذلك (سقط) الحد لانه (صلى الله عليه وسلم) عرض لماعز بالرجوع بقوله لعلك قبلت لعلك لمست أبك جنون، (لا إن هرب أو قال لا تحدوني) فلا يسقط لوجود مثبته مع عدم تصريحه برجوعه، لكن يكف عنه في الحال فإن رجع فذاك وإلا حد وإن لم يكف عنه فمات فلا ضمان لانه (صلى الله عليه وسلم) لم يوجب عليهم في قصة ماعز شيئا.
أما الحد الثابت بالبينة فلا يسقط بالرجوع كما لا يسقط هو ولا الثابت بالاقرار بالتوبة، (ولو شهد أربعة) من الرجال (بزناها وأربع) من النسوة أو رجلان أو رجل وإمرأتان (بأنها عذراء) بمعجمة أي بكر سميت عذراء لتعذر وطئها وصعوبته (فلا حد) عليها للشبهة، لان الظاهر من حال العذراء أنها لم توطأ ولا على قاذفها القيام بالبينة بزناها لاحتمال أن العذرة زالت ثم عادت لترك المبالغة في الافتضاض ولا على الشهود لقوله تعالى: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) *.
وقولي فلا حد أعم من قوله لم تحد هي ولا قاذفها، وظاهر أنها أن كانت غوراء بحيث يمكن تغييب الحشفة مع بقاء البكارة حدت كما قاله البلقيني (ويستوفيه) أي الحد (الامام) ولو بناثبه (من حر) لما مر.
(ومكاتب) كالحر لاستقلاله (ومبعض) لجزئه الحر إذ لا ولاية للسيد عليه.
والعبد الموقوف كله أو بعضه وعبد بيت المال (وسن حضوره) أي الامام، ولو بنائبه استيفاء الحد سواء أثبت الزنا بالاقرار أم بالبينة ولا يجب لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر برجم ماعز، والغامدية ولم يحضر (كالشهود) فيسن حضورهم.
قالوا وحضور جمع أقلهم أربعة.
الظاهر أن محله إذا ثبت زناه بالاقرار أو بالبينة ولم تحضر (ويحد الرقيق) غير المكاتب (الامام) لعموم ولايته، (أو السيد) وهو أولى لانه أستر (ولو فاسقا) أو كافرا ورقيقه كافر (أو مكاتبا) لخبر أبي داود وغيره * (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) * نعم المحجور عليه بنحو سفه يقوم وليه ولو وصيا وقيما مقامه (فإن تنازعا) فيمن يحد (فالامام) أولى لما مر.
(ولسيده تعزيره) لحق الله تعالى ولحق غيره كما يؤدبه لحق نفسه، (وسماع بينة بعقوبته) أي
بموجبها بقيد زدته بقولي، (إن كان أهلا) لسماعها بأن كان رجلا عدلا عالما بصفات الشهود وأحكام العقوبة.

(2/274)


(كتاب) (حد القذف) تقدم بيان القذف في بابه (شرط له) أي لحده (في القاذف ما) مر، (في الزاني) من كونه ملتزما للاحكام عالما بالتحريم وهذا أولى مما عبر به (واختيار وعدم إذن) من المقذوف وهذا من زيادتي، (و) عدم (أصالة) فلا حد على من قذف غيره.
وهو حربي أو صبي أو مجنون أو جاهل بالتحريم قرب عهده بالاسلام أو بعد عن العلماء أو مكره أو بإذنه أو أصل له كما لا يقتل به.
(و) لكن (يعزر مميز) من صبي ومجنون لهما نوع تمييز للزجر والتأديب (وأصل) للايذاء والتصريح بهذا من زيادتي (وحد حر ثمانون) جلدة لآية: * (والذين يرمون المحصنات) * في الحر لقوله فيها ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إذ غيره لا تقبل شهادته، وإن لم يقذف ولاجماع الصحابة على ذلك.
(و) حد (غيره) ممن به رق ولو مبعضا فهو أعم من قوله.
والرقيق (أربعون) على النصف من الحر لاجماع الصحابة عليه.
والنظر في الحرية والرق إلى حالة القذف لانها وقت الوجوب فلا تتغير بالانتقال من أحدهما إلى الآخر، فلو قذف وهو حر ثم استرق حد ثمانين أو هو رقيق ثم عتق حد أربعين، ولو قذف غيره في خلوة لم يسمعه إلا الله والحفظة فليس بكبيرة موجبة للحد لخلوه عن مفسدة الايذاء ولا يعاقب في الآخرة إلا عقاب من كذب كذبا لا ضرر فيه.
قاله ابن عبد السلام.
(و) شرط له (في المقذوف إحصان وتقدم في) كتاب (اللعان) بقولي، والمحصن مكلف حر مسلم عفيف عن زنا ووطئ محرم مملوكة ودبر حليلة وتقدم شرحه، ثم (ولو شهد بزنا دون أربعة) من الرجال (أو) شهد به (نساء أو عبيد أو أهل ذمة) هو أولى من تعبيره بكفرة، (حدوا) لانهم في غير الاولى ليسوا من أهل الشهادة وحذرا في الاولى من الوقوع في أعراض الناس بصورة الشهاد، وخرج بالزنا الشهادة بالاقرار به فلا حد لانها لا تسمى قذفا (ولو
تقاذفا لم يتقاصا)، لان التقاص إنما يكون عند اتفاق الجنس.
والصفة والحدان لا يتفقان في الصفة لاختلاف القاذف، والمقذوف في الخلقة وفي القوة والضعف غالبا.
(ولو استقل مقذوف باستيفاء) للحد (لم يكف) ولو بإذن لان إقامة الحد من منصب الامام، نعم لسيد العبد القاذف له الاستيفاء منه، وكذا المقذوف البعيد عن السلطان وقد قدر على الاستيفاء بنفسه من غير

(2/275)


مجاوزة حد قاله الماوردي.
وأعلم أن حد القذف يسقط بأقامة البينة بزنا المقذوف، وبإقراره وبعفوه واللعان في حق الزوجة.
(خاتمة) إذا سب شخص آخر فللآخر أن يسبه بقدر ما سبه ولا يجوز سب أبيه ولا أمه، وإنما يسبه بما ليس كذبا ولا قذفا نحو يا أحمق يا ظالم، إذ لا يكاد أحد أن ينفك عن ذلك وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته، وبرئ الاول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء والاثم لحق الله تعالى.

(2/276)


(كتاب السرقة) بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها مع فتح السين وكسرها.
والاصل في القطع بها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وغيره مما يأتي (أركانها) أي السرقة الموجبة للقطع الآتي بيانه ثلاثة (سرقة وسارق ومسروق.
فالسرقة أخذ مال خفية من حرز مثله) هذا من زيادتي، (فلا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد) لنحو وديعة، لخبر ليس على المختلس والمنتهب والخائن.
قطع صححه الترمذي، والاولان يأخذان المال عيانا ويعتمد الاول الهرب، والثاني القوة والغلبة.
ويدفعان بالسلطان وغيره بخلاف السارق لاخذه خفية فيشرع قطعه زجرا.
(وشرط في السارق ما) مر (في القاذف) من كونه ملتزما للاحكام عالما بالتحريم مختارا من غير إذن وأصالة، وهذا أولى مما عبر به (فلا يقطع حربي ولو معاهدا و) لا (صبي ومجنون ومكره).
ومأذون له وأصل (وجاهل) بالتحريم قرب عهده
بالاسلام، أو بعد عن العلماء.
ويقطع مسلم وذمي بمال مسلم وذمي.
(و) شرط (في المسروق كونه ربع دينار خالصا أو قيمته) أي مقوما به مع وزنه إن كان ذهبا، روى مسلم خبر لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا، والبخاري خبر تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا، وخبر قطع النبي (صلى الله عليه وسلم) في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، وكانت مساوية لربع دينار، والدينار المثقال وتعتبر قيمة ما يساويه، حال السرقة سواء أكان دراهم أم لا.
وخرج بالخالص وما بعده مغشوش لم تبلغ قيمته ربع دينار خالصا فلا يقطع به.
والتقويم يعتبر بالمضروب، (فلا قطع بربع سبيكة أو حليا لا يساوي ربعا مضروبا) وإن ساواه غير مضروب نظرا إلى القيمة فيما هو كالعرض ولا بخاتم وزنه دون ربع وقيمته بالصنعة ربع نظرا إلى الوزن الذي لا بد منه في الذهب.
وقولي أو حليا من زيادتي.
(ولا بما نقص قبل إخراجه) من الحرز عن نصاب بأكل أو غيره كإحراق لانتفاء كون المخرج نصابا، (ولا بما دون نصابين اشتركا) أي إثنان (في إخراجه) لان كلا منهما لم يسرق نصابا (ولا بغير مال) ككلب وخنزير وخمر إذ لا

(2/277)


قيمة له (بل) يقطع (بثوب رث) بمثلثة (في جيبه تمام نصاب)، وأن (جهله) السارق لانه أخرج نصابا من حرزه بقصد السرقة، والجهل بجنسه لا يؤثر كالجهل بصفته.
(وبخمر بلغ إناؤه نصابا وبآلة لهو) كطنبور (بلغ مكسرها ذلك) لانه سرق نصابا من حرزه ولا نظر إلى أن ما في الاناء وما بعده مستحق الازالة، نعم إن قصد بإخراج ذلك إفساده فلا قطع، (وبنصاب ظنه فلوسا لا تساويه) لذلك ولا أثر لظنه (أو) بنصاب (انصب من وعاء بثقبه له) وإن أنصب شيئا فشيئا لذلك، (أو) بنصاب (أخرجه دفعتين) بأن تم في الثانية لذلك (فإن تخلل) بينهما (علم المالك وإعادة الحرز، فالثانية سرقة أخرى) فلا قطع فيها إن كان المخرج فيها دون نصاب بخلاف ما إذا لم يتخلل علم المالك، ولا إعادة الحرز أو تخلل أحدهما فقط سواء اشتهر هتك الحرز أم لا فيقطع إبقاء للحرز بالنسبة للاخذ، لان فعل الشخص يبنى على فعله.
لكن اعتمد البلقيني فيما إذا تخلل أحدهما فقط عدم القطع (وكونه) أي
المسروق ملكا (لغيره) أي السارق (فلا قطع بسرقة ماله) من يد غيره (ولو) مرهونا أو مكترى أو (ملكه قبل إخراجه) من الحرز بإرث وغيره، بل أو قبل الرفع إلى القاضي (ولا بما) إذا (ادعى ملكه) لاحتمال ما ادعاه فيكون شبهة، (ولا بماله فيه شركة) وإن قل نصيبه منه لان له في كل جزء حقا وذلك شبهة، ولا يقطع بما اتهبه ولو قبل قبضه لشبهة اختلاف الملك (ولو سرقا) أي إثنان، (وادعى أحدهما أنه) أي المسروق (له أولهما فكذبه الآخر) وأقر بأنه سرقة (قطع الآخر دونه) عملا بإقرارهما فإن صدقه أو عكست أو قال لا أدري لم يقطع كالمدعي لقيام الشبهة، (وكونه لا شبهة له فيه) لخبر ادرؤوا الحدود بالشبهات (فيقطع بأم ولد سرقها معذورة) بأن كانت مكرهة، أو غير مميزة كنائمة أو مجنونة أو أعجمية تعتقد وجوب طاعة الآمر لانها مملوكة مضمونة بالقيمة، وقولي معذورة أعم من قوله نائمة أو مجنونة (وبمال زوجه) المحرز عنه ذكرا كان أو أنثى لعموم الادلة، (وبنحو باب مسجد) كجذعه وساريته لانه يعد لتحصينه وعمارته لا لانتفاعنا به.
وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بباب مسجد وجذعه، (لا بحصره وقناديل تسرج) فيه وهو مسلم لانه ينتفع بها كانتفاعه ببيت المال، بخلاف الذمي وبخلاف القناديل التي لا تسرج فهي كباب المسجد، (ومال بيت مال وهو مسلم) وإن كان غنيا، لان له فيه حقا لان ذلك قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات والقناطر فينتفع بها الغني والفقير من المسلمين، لان ذلك مختص بهم بخلاف الذمي فيقطع بذلك.
ولا نظر إلى انفاق الامام عليه عند الحاجة، لانه إنما ينفق عليه

(2/278)


للضرورة وبشرط الضمان كما في الانفاق على المضطر، وانتفاعه بالرباطات والقناطر للتبعية من حيث إنه قاطن ببلاد الاسلام لا لاختصاصه بحق فيها.
وقولي وهو مسلم من زيادتي، وهو قيد في المسألتين كما تقرر (و) لا (مال صدقة و) لا (موقوف وهو مستحق) فيهما ككونه في الاولى فقيرا أو غارما لذات البين أو غازيا وفي الثانية أحد الموقوف عليهم للشبهة بخلاف ما إذا لم يكن مستحقا فيهما وعليه يحمل كلام الاصل في الثانية وتعبيري بمستحق أعم من تعبيره
بفقير (و) لا (مال بعضه) من أصل أو فرع، (أو سيده) أو أصل سيده أو فرعه لشبهة استحقاق نفقته عليهم (وكونه محرزا بلحاظ) له بكسر اللام (دائم أو حصانة) لموضعه (مع الحافظ) له (في بعض) من أفرادها، كما يعلم مما يأتي (عرفا، لان الحرز يختلف باختلاف الاموال والاحوال والاوقات، ولم يحده الشرع، ولا اللغة فرجع فيه إلى العرف كالقبض والاحياء ولا يقدح في دوام اللحاظ الفترات العارضة عادة، (فعرصة دار وصفتها حرز خسيس آنية وثياب).
أما نفيسهما فحرزه بيوت الدور والخانات والاسواق المنيعة (ومخزن حرز حلي ونقد) ونحوهما و التصريح بهذا من زيادتي.
(ونوم بنحو صحراء) كمسجد وشارع (على متاع أو توسده حرز) له ومحله في توسده فيما يعد التوسد حرزا له، وإلا كأن توسد كيسا فيه نقد أو جوهر، فلا يكون حرزا له كما ذكره الماوردي والروياني.
فتعبيري بنحو صحراء أعم من تعبيره بصحراء أو مسجد، (لا إن وضعه بقربه بلا ملاحظ قوي) بحيث يمنع السارق، بقوة أو استغاثة (أو انقلب عنه) ولو بقلب السارق فليس حرزا له بخلاف ما إذا كان في الاولى ملاحظ قوي ولا زحمة، أو كثر الملاحظون وذكر حكم الوضع بقربه في غير الصحراء من زيادتي.
(ودار منفصلة عن العمارة حرز بملاحظ قوي يقظان بها ولو مع فتح الباب أو نائم مع إغلاقه) على الاقوى في الروضة، والاقرب في الشرح الصغير وهو من زيادتي.
وإن اقتضى كلام الاصل خلافه فإن لم يكن بها أحد أو كان بها خصيف وهي بعيدة عن الغوث ولو مع إغلاق الباب أو بها نائم مع فتحه فليست حرزا وألحق بإغلاقه ما لو كان مردودا ونام خلفه بحيث لو فتحه لاصابه، وانتبه أو أمامه بحيث لو فتح لانتبه بصريره وما لو نام فيه وهو مفتوح.
(و) دار (متصلة) بالعمارة (حرز باغلاقه) أي الباب، (مع ملاحظ ولو نائما) أو ضعيفا (ومع غيبته زمن أمن نهارا) لا مع فتحه ونومه ليلا أو نهارا، أو يقظته لكن تغفله السارق ولا مع غيبته زمن خوف ولو نهارا أو زمن أمن ليلا، أو والباب مفتوح فليست حرزا.
ووجهه في اليقظان الذي

(2/279)


تغفله السارق تقصيره في المراقبة مع فتح الباب المعلوم ذلك من قولي هنا بإغلاقه، وفيما مر بلحاظ دائم (وخيمة وما فيها بصحراء لم تشد أطنابها ولم ترخ أذيالها كمتاع) موضوع (بقربه)، فيشترط في كون ذلك محرزا ملاحظة قوي.
(وإلا) بأن شدت أطنابها أو أرخيت أذيالها (فمحرزان) بذلك (مع حافظ قوي ولو نائما بقربها)، وقولي بقربها أولى من قوله فيها فلو شدت أطنابها ولم ترخ أذيالها فهي محرزة دون ما فيها، (وماشية) من إبل وخيل وبغال وحمير أو غيرها (بصحراء محرزة بحافظ يراها).
فإن لم ير بعضها فهو غير محرز، ولو تشاغل عنها بنوم أو غيره، ولم تكن مقيدة أو معقولة فغير محرزة.
(و) ماشية (بأبنية مغلقة) أبوابها متصلة (بعمارة محرزة بها ولو بلا حافظ) فإن كانت بأبنية مفتوحة اشترط حافظ مستيقظ.
(و) ماشية بأبنية مغلقة (ببرية محرزة بحافظ ولو نائما) فإن كانت بأبنية مفتوحة اشترط يقظته.
وشملت الابنية الاصطبل، فهو حرز للماشية بخلاف النقود والثياب.
و الفرق أن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه بخلاف النقود، ونحوها، فإنها مما يخفى ويسهل إخراجه.
(و) ماشية (يائرة محرزة بسائق يراها) وإن لم تكن مقطورة وفي معناها الراكب لآخرها.
(أو قائد) لها وفي معناه راكب لاولها (أكثر الالتفات لها) بحيث يراها.
(مع قطر إبل وبغال ولم يزد قطار) منهما (في عمران على سبعة) لدة الغالبة.
ووقع في الاصل وغيره تسعة قال ابن الصلاح: وهو تصحيف فإن لم ير بعضها فهو غير محرز كغير المقطور فإنها مع القائد غير محرزة لانها لا تسير معه غير مقطورة غالبا، وإن زاد على ما ذكر فالزائد محرز في الصحراء لا العمران عملا بالعادة هذا.
وقد قال البلقيني التقييد بالتسع أو بالسبع ليس بمعتمد وذكر الاذرعي والزركشي نحوه.
قال: والاشبه الرجوع في كل مكان إلى عرفه، وبه صرح صاحب الوافي ويقوم مقام الالتفات مرور الناس في الاسواق وغيرها، كما صرح به الامام.
أما غير الابل والبغال فلا يشترط في إحرازها سائرة قطرها وذكر حكم غير الابل في الصحراء، وفي السائرة مع قولي بسائق يراها وفي عمران من زيادتي.
(وكفن مشروع في قبر ببيت حصين أو مقبرة بعمران) ولو بطرفه (محرز) بالقبر للعادة،
ولعموم الامر بقطع السارق.
وفي خبر البيهقي من نبش قطعناه سواء أكان الكفن من مال الميت أم من غيره، ولو من بيت المال بخلاف ما إذا كان القبر بمضيعة، فالكفن غير محرز إذ لا خطر ولا انتهاز فرصة في أخذه وبخلاف الكفن غير المشروع، كالزائد على خمسة.
فالزائد أو

(2/280)


نحوه غير محرز في الثانية محرز في الاولى، وقولي مشروع من زيادتي، ولو وضع ميت على وجه الارض ونصب عليه حجارة كان كالقبر فيقطع سارق كفنه نقله الرافعي عن البغوي، قال النووي ينبغي أن لا يقطع إلا إذا تعذر الحفر لانه ليس بدفن، وبما يحثه صرح الماوردي ولو سرق الكفن حافظ البيت الذي فيه القبر، فمقتضى كلام الروضة وأصلها ترجيح عدم قطعه.
(فصل) فيما لا يمنع القطع وما يمنعه وما يكون حفظا لشخص دون آخر (يقطع مؤجر حرز ومعيره) بسرقتهما منه مال المكترى والمستعير المستحق وضعه فيه، لانهما مستحقان لمنافعه ومنها الاحراز بخلاف من أكتري أو استعار ساحة للزراعة فآوى فيها ماشية مثلا فلا قطع بذلك.
(لا من سرق مغصوبا)، لان مالكه لم يرض بإحرازه بحرز الغاصب (أو) سرق (من حرز مغصوب) ولو غير مالكه لانه ليس حرزا للغاصب (أو) سرق (مال من غصب منه شيئا ووضعه معه) أي مع ماله (في حرزه)، لان للسارق دخوله لاخذ ماله (ولو نقب) واحد (في ليلة وسرق في أخرى قطع) كما لو نقب في أول ليلة وسرق في أخرها، (إلا إن ظهر النقب) للطارقين إو للمالك فلا قطع لانتهاك الحرز فصار كما لو سرق غيره، وإنما قطع في نظيره مما لو أخرج النصاب دفعتين كما مر.
لانه ثم تمم السرقة وهنا ابتدأها، (ولو نقب) واحد (وأخرج غيره فلا قطع) على واحد منهما، لان الاول لم يسرق.
والثاني أخذ من غير حرز، نعم إن أمر الاول غير مميز بالاخراج قطع (كما لو وضعه في النقب) أو ناوله لآخر فيه، (فأخذه الآخر) فلا قطع على واحد منهما.
وإن تعاونا في النقب أو بلغ المال نصابين لان الداخل لم يخرجه من تمام الحرز، والخارج لم يأخذه منه بخلاف.
ما لو نقب ووضعه، أو ناوله للخارج خارج النقب فأخذه
الآخر فيقطع الداخل ولو نقبا وأخرجه أحدهما أو وضعه بقرب النقب فأخرجه الآخر قطع المخرج فقط لانه المخرج له من الحرز، (ولو رماه إلى خارج الحرز) ولو إلى حرز آخر، (أو أخرجه بماء جار) أو راكد وحركه كما فهم بالاولى.
(أو ريح هابة أو دابة سائرة) أو واقفة وسيرها كما فهم بالاولى، حتى خرجت به (قطع) لانه أخرجه من الحرز بما فعله بخلاف، ما إذا عرض جريان الماء وهبوب الريح، ولم يحرك الماء الراكد ولم يسير الدابة الواقفة (ولا يضمن حر بيد ولا يقطع سارقه ولو) كان (صغيرا معه مال يليق به) كقلادة فهو أولى

(2/281)


من تعبيره بقلادة، (أو) كان (نائما بعير فأخرجه) أي البعير (عن قافلة)، لانه ليس بمال.
والمال والبعير في يد الحر محرز به فإن كان لا يليق به قطع إن أخذ الصغير من حرز المال، وإلا فلا ذكره في الكفاية (فإن كان) النائم على البعير (رقيقا قطع) مخرجه عن القافلة، لانه مال وقد أخرجه من الحرز وكذا يقطع سارق الرقيق في غير ذلك، إن كان غير مميز أو مكرها نعم المكاتب كتابة صحيحة كالحر لاستقلاله وكذا المبعض، (كما لو نقل) مالا (من بيت مغلق إلى صحن دار أو) صحن (نحو خان) كرباط (بابهما مفتوح) بقيد زدته بقولي.
(لا بفعله)، فيقطع لانه أخرجه من حرزه إلى محل الضياع، بخلاف ما لو كان باب البيت مفتوحا، وباب الدار مثلا مغلقا، أو كانا مغلقين ففتحهما أمفتوحين، فلا قطع.
لانه في الاولين لم يخرجه من تمام الحرز، والمال في الثالثة غير محرز.
نعم إن كان السارق في صورة غلق البابين، أحد السكان المنفرد كل منهم ببيت قطع.
لان ما في الصحن ليس محرزا عنه.
وما ذكر في نحو الخان هو ما رجحه الاصل والشرح الصغير وحكاه في أصل الروضة، عن قطع البغوي والغزالي وغيرهما، والقطع مطلقا عن صاحب المهذب وغيره، لان الصحن ليس حرزا لصاحب البيت بل هو مشترك كسكة منسدة، وحكاه البلقيني عن نص الام والمختصر وعن الشيخ أبي حامد وأتباعه وحكاه الاذرعي والزركشي عن العراقيين، وبعض الخراسانيين قالا وهو المختار، وظاهر أن الدار المشتركة كنحو الخان في الخلاف المذكور ونحو من زيادتي.
(فصل) فيما تثبت به السرقة وما يقطع بها وما يذكر معهما (تثبت السرقة بيمين رد) من المدعي عليه على المدعي، لانها كالبينة أو كإقرار المدعى عليه وكل منهما تثبت به السرقة وقضيته أنه يقطع بها وهو ما رجحه الشيخان هنا لكنهما جزما في الدعاوى في الروضة، وأصلها بأنه لا يقطع بها لانه حق الله تعالى، وهو لا يثبت بها واعتمده البلقيني واحتج له بنص للشافعي.
وقال الاذرعي وغيره: أنه المذهب الذي أورده العراقيون، وبعض الخراسانيين (وبرجلين) كسائر العقوبات غير الزنا، (وبإقرار) من سارق مؤاخذة له بقوله (بتفصيل فيهما) أي في الشهادة، والاقرار بأن يبين السرقة و المسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيينه أو وصفه بخلاف ما إذا لم يبين ذلك لانه قد يظن غير السرقة الموجبة للقطع سرقة موجبة له، وذكر التفصيل في الاقرار من زيادتي.
(وقبل رجوع مقر) بقيد زدته بقولي (لقطع) كالزنا، بخلاف المال لا يقبل رجوعه فيه لانه حق آدمي (ومن أقر

(2/282)


ب) موجب (عقوبة لله) تعالى (فللقاضي تعريض برجوع) عن الاقرار، فلا يصرح به كأن يقول له ارجع عنه لقوله (صلى الله عليه وسلم): لما عز المقر بالزنا، لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت.
رواه البخاري ولمن أقر عنده بالسرقة، ما إخالك سرقت.
رواه أبو داود وغيره، وله التعريض بالانكار أيضا إذا لم تكن بينة (ولا قطع إلا بطلب) من مالك وهذا من زيادتي.
(فلو أقر بسرقة لغائب) أو صبي أو مجنون أو لسفيه فيما يظهر (لم يقطع حالا) لاحتمال أن يقر أنه كان له (أو) أقر (بزنا بأمته) أي الغائب سواء، أقال أنه أكرهها عليه أم لا (حد حالا) لان حد الزنا لا يتوقف على الطلب.
فتعبيري بذلك أعم من قوله أو أنه أكره أمة غائب على زنا، (ويثبت برجل وإمرأتين) أو به مع يمين (المال فقط)، أي دون القطع كما يثبت بذلك العصب المعلق عليه طلاق أو عتق دونهما، (وعلى السارق رد ما سرق) إن بقي (أو بدله) إن لم يبق لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
(وتقطع) بعد الطلب (يده اليمنى) قال تعالى:
* (فاقطعوا أيديهما) *.
وقرئ شاذا فاقطعوا أيمانهما والقراءة الشاذة كخبر الواحد في الاحتجاج بها كما مر ويكتفي بالقطع، (ولو) كانت (معيبة) كفاقدة الاصابع أو زائدتهما لعموم الآية.
ولان الغرض التنكيل بخلاف القود فإنه مبني على المماثلة كما مر.
(أو سرق مرارا) قبل قطعها لاتحاد السبب، كما لو زنى أو شرب مرارا يكتفي بحد واحد وكاليد اليمنى في ذلك غيرها كما هو ظاهر (فإن عاد) بعد قطع يمناه إلى السرقة، ثانيا (فرجله اليسرى) تقطع (و) إن عاد ثالثا قطعت (يده اليسرى و) إن عاد رابعا قطعت (رجله اليمنى).
روى الشافعي خبر السارق إن سرق فاقطعوا يده.
ثم أن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله وإنما قطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة عليه، فتضعف حركته كما في قطع الطريق (من كوع) في اليد للامر بفي خبر سارق رداء صفوان، (وكعب) في الرجل لفعل عمر رضي الله عنه كما رواه ابن المنذر وغيره.
(ثم) إن عاد خامسا (عزر) كما لو سقطت أطرافه أولا، ولا يقتل وما روى من أنه (صلى الله عليه وسلم) قتله منسوخ أو مؤول بقتله لاستحلال أو نحوه بل ضعفه الدار قطني وغيره.
(وسن غمس محل قطعه بدهن مغلي) بضم الميم لتنسد أفواه العروق وذكر سن ذلك من زيادتي وخصه الماوردي، بالحضري قال وأما البدوي فيحسم بالنار لانه عادتهم وقال في قاطع الطريق، وإذا قطع حسم بالزيت المغلي وبالنار بحسب العرف فيهما وذلك (لمصلحته) لانه حقه لا تتمة الحد لان الغرض منه دفع الهلاك عنه بنزف الدم فعلم أن للامام اهماله

(2/283)


(فمؤنته عليه) كأجرة الجلاد إلا أن ينصب الامام من يقيم الحدود ويرزقه من مال المصالح كما مر في فصل القود للورثة (ولو سرق قسقطت يمناه) مثلا بآفة أو جناية وإن أوهم كلام الاصل التقييد بالآفة (سقط القطع) لانه تعلق بعينها، وقد زالت بخلاف ما لو سقطت يسراه لا يسقط قطع يمناه لبقائها.
(باب) (قاطع الطريق)
الاصل فيه آية: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) *.
وقطع الطريق هو البروز لاخذ مال أو القتل أو إرعاب مكابرة اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث كما يعلم مما يأتي، ويثبت برجلين لا برجل وإمرأتين (هو) أي قاطع الطريق (ملتزم) للاحكام، ولسكران أو ذميا، وإن خالفه كلام الاصل.
والروضة وأصلها (مختار) من زيادتي.
(مخيف) للطريق (يقاوم من يبرز) هو (له) بأن يساويه أو يغلبه (بحيث يبعد) معه (غوث) لبعده عن العمارة أو ضعف في أهلها، وإن كان البارز واحدا أو أنثى أو بلا سلاح، وخرج بالقيود المذكورة أضدادها، فليس المتصف بها أو بشئ منها من حربي ولو معاهدا وصبي ومجنون ومكره ومختلس ومنتهب قاطع طريق، ولو دخل جمع بالليل دارا ومنعوا أهلها من الاستغاثة مع قوة السلطان وحضوره.
فقطاع.
وقيل مختلسون (فمن أعان القاطع أو أخاف الطريق بلا أخذ نصاب و) لا (قتل عزر) بحبس وغيره لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة وحبسه في غير بلده أولى حتى تظهر توبته ولزمه رد المال، أو بدله في صورة أخذه.
وتعبيري بنصاب أولى من تعبيره بمال.
(أو بأخذ نصاب) أي نصاب سرقة بقيدين زدتهما بقولي (بلا شبهة من حرز) مما مربيانه في السرقة، (قطعت) بطلب من المالك (يده اليمنى ورجله اليسرى فإن عاد) بعد قطعهما ثانيا (فعكسه) أي فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى للآية السابقة، وإنما قطع من خلاف لما مر في السرقة، وقطعت اليد اليمنى للمال كالسرقة وقيل للمحاربة والرجل قيل للمال والمجاهرة تنزيلا لذلك منزلة سرقة ثانية وقيل للمحاربة.
قال العمراني وهو أشبه (أو بقتل) لمعصوم يكافئه عمدا كما يعلم مما يأتي (قتل حتما) للآية، ولانه ضم إلى جنايته إخافة السبيل المقتضية زيادة العقوبة، ولا زيادة هنا إلا تحتم القتل فلا يسقط.
قال

(2/284)


البندنيجي: ومحل تحتمه إذا قتل لاخذ المال، وإلا فلا تحتم (أو) بقتله عمدا (وأخذ نصاب) بلا شبهة من حرز (قتل ثم صلب) بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه (ثلاثة) من الايام (حتما) زيادة في
التنكيل لزيادة الجريمة، فإن مات حتف أنفعه.
فعن الشافعي أنه لا يصلب إذ بالموت سقط القتل فسقط تابعه.
وبما تقرر فسر ابن عباس الآية، فقال: المعنى أن يقتلوا أن قتلوا أو يصلبوا مع ذلك إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أن اقتصروا على أخذ المال، أو ينفوا من الارض إن أرعبوا ولم يأخذوا.
فحمل كلمة أو على التنويع لا التخيير كما في قوله تعالى: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) *.
أي قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، وتقييدي بالنصاب مع قولي حتما من زيادتي، (ثم) بعد الثلاثة (ينزل) من محل الصلب (فإن خيف تغيره قبلها أنزل) حينئذ وهذا من زيادتي ويقام عليه الحد بمحل محاربته إذا شاهده من ينزجر به، فإن كان بمفازة ففي أقرب محل إليها بهذا الشرط، (والمغلب في قتله معنى القود) لا الحد، لان الاصل فيما اجتمع فيه حق الله تعالى، وحق آدمي تغليب حق الآدمي لبنائه على الضيق، ولانه لو قتل بلا محاربة ثبت له القود، فكيف يحبط حقه بقتله فيها، (فلا يقتل بغير كف ء) كولده (ولو مات) بغير قتل (فدية) تجب في تركته في الحر.
أما في الرقيق فتجب قيمته مطلقا، (ويقتل بواحد ممن قتلهم وللباقين ديات)، فإن قتلهم مرتبا قتل بالاول (ولو عفا وليه)، أي القتيل (بمال وجب) المال، (وقتل) القاتل (حدا) لتحتم قتله (وتراعى المماثلة) فيما قتل به كما مر بيانها في فصل القود للورثة.
(ولا يتحتم غير قتل وصلب) كأن قطع يده فاندمل، لان التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس، كالكفارة.
وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالجرح، (وتسقط) عنه (بتوبة قبل القدرة عليه) لا بعدها (عقوبة تخصه) من قطع يد ورجل وتحتم قتل، وصلب لآية: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) *.
فلا يسقط عنه ولا عن غيره بها قود ولا مال ولا باقي الحدود من حد زنا وسرقة وشرب خمر وقذف، لان العمومات الواردة فيها لم تفصل بين ما قبل التوبة وما بعدها بخلاف قاطع الطريق، ومحل عدم سقوط باقي الحدود بالتوبة في الظاهر.
أما بينه وبين الله سبحانه وتعالى فتسقط.
(فصل) في اجتماع عقوبات على واحد (من لزمه قتل وقطع) قودا.
(وحد قذف) لثلاثة (وطالبوه) بها (جلد) للقذف، وإن تأخر (ثم

(2/285)


أمهل) وجوبا حتى يبرأ، وإن قال مستحق القتل عجلوا القطع، وأنا أبادر بعده بالقتل لئلا يهلك بالموالاة فيفوت القتل قودا (ثم قطع ثم قتل بلا) وجوب (مهلة) بينهما لان النفس مستوفاة، (فإن أخر مستحق الجلد) حقه (صبر الآخران حتى يستوفي) حقه، وإن تقدم استحقاقهما لئلا يفوتا عليه حقه، (أو) أخر مستحق (القطع) حقه (صبر مستحق القتل) حتى يستوفي حقه لذلك، (فإن بادر وقتل عزر) لتعديه وكان مستوفيا لحقه، (ولمستحق القطع)، حينئذ (دية) لفوات استيفائه، وذكر التعزير من زيادتي، (أو) لزمه (عقوبات لله) تعالى كأن شرب وزنى بكرا وسرق وارتد (قدم الاخف) منها، فالاخف وجوبا لمحل الحق، وأخفها حد الشرب فيقام ثم يمهل وجوبا حتى يبرأ ثم يجلد للزنا ثم يمهل وجوبا، ثم يقطع ثم يقتل، وظاهر أن التغريب لا يسقط وأنه بين القطع والقتل، وأنه لو فات محل الحق بعقوبة من عقوباته كأن اجتمع عليه قتل ردة، ورجم فعل الامام يراه مصلحة وعليه ينزل قول القاضي في هذا المثال، بقتل بالردة وقول الماوردي والروياني يرجم، (أو) لزمه عقوبات الله تعالى (ولآدمي) كأن شرب وزنى وقذف وقطع وقتل، (قدم حقه إن لم يفوت حق الله) تعالى، (أو كانا قتلا) فيقدم حد قذف وقطع على حد شرب وزنا وقتل على حد زنا لمحصن تقديما لحق الآدمي بخلاف حد زنا البكر وحد الشرب فيقدمان على القتل لئلا يفوتا، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.

(2/286)


(كتاب) (الاشربة والتعازير) والاشربة جمع شراب بمعنى مشروب (كل شراب أسكر كثيره) من خمر أو غيره (حرم تناوله) وإن قل ولم يسكر لآية: * (إنما الخمر) * ولخبر الصحيحين كل شراب أسكر فهو حرام، وخبر مسلم: كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
(ولو كان) تناوله (لتداو أو عطش) ولم يجد غيره لعموم النهى عنه، (أو) كان (درديا) وهو ما يبقى أسفل إناء ما يسكر ثخينا (على ملتزم تحريمه مختار عالم به وبتحريمه ولا ضرورة وحد به) أي بتناول ذلك،
لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يحد في الخمر، رواه الشيخان، وصحح الحاكم خبر من شرب الخمر فاجلدوه وقيس به شرب النبيذ وإنما حرم القليل وحد به، وإن لم يسكر حسما لمادة الفساد كما حرم تقبيل الاجنبية والخلوة بها لافضائهما إلى الوطئ.
ودخل في التعريف السكران، وخرج بالقيود المذكورة فيه أضدادها فلا حد على من اتصف بشئ منها من صبي ومجنون وكافر ومكره وموجر وجاهل به، أو بتحريمه إن قرب إسلامه أو بعد عن العلماء.
ومن شرق بلقمة فأساغها به ولم يجد غيره، وإنما حد الحنفي بتناوله النبيذ وإن اعتقد حله لقوة أدلة تحريمه، ولان الطبع يدعو إليه فيحتاج إلى الزجر عنه، وخرج بالشراب غيره كبنج وحشيش مسكر فإنه وإن حرم تناوله خلافا لبعضهم لا يحد به، ولا ترد الخمرة المعقودة ولا الحشيش المذاب نظرا لاصليهما ويحد بما ذكر (وإن جهل الحد) به، لان حقه أن يمتنع منه (لا) بتناوله (لتداو أو عطش) فلا يحد به، وإن وجد غيره كما نقله الشيخان عن جماعة واختاره النووي في تصحيحه، وصححه الاذرعي وغيره لشبهة قصد التداوي وهذا من زيادتي.
وما نقله الامام عن الائمة المعتبرين من وجوب الحد بذلك ضعفه الرافعي في الشرح الصغير، (ولا) بتناوله حالة كونه (مستهلكا) بغيره كخبز عجن دقيقه به لاستهلاكه، (ولا) بتناوله (بحقن وسعوط) بفتح السين، لان الحد للزجر ولا حاجة فيهما إلى زجر (وحدحر أربعون) جلدة، ففي مسلم عن أنس رضي الله عنه كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين، وعن علي رضي الله عنه جلد النبي (صلى الله عليه وسلم) أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي (و) حد (غيره) ولو

(2/287)


مبعضا (عشرون) على النصف من الحر كنظائره.
وتعبيري بغيره أعم من تعبيره بالرقيق (ولاء)، كل من الاربعين والعشرين بحيث يحصل بها زجر وتنكيل فلا يفرق على الايام والساعات، لعدم الايلاء.
فإن حصل بها حينئذ إيلام قال الامام، فإن لم يتخلل ما يزول به الالم الاول كفي وإلا فلا ويحد الرجل قائما، والمرأة جالسة وتلف إمرأة أو نحوها عليها ثيابها، وكالمرأة
الخنثى فيما يظهر لكن يحتمل أن لا يختص بلف ثيابه المرأة، ونحوها ويحتمل تعيين المحرم ونحوه ويحصل الحد (بنحو سوط وأيد) كنعال وعصي معتدلة، وأطراف ثياب بعد فتلها حتى تشتد، (وللامام زيادة قدره) أي الحد عليه إن رآه فيبلغ الحر ثمانين، غيره أربعين كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه في الحر، ورآه علي رضي الله عنه قال لانه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد الافتراء ثمانون (وهي) أي زيادة قدر الحد عليه (تعازير) لا حد، وإلا لما جاز تركه واعترض بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه وأجيب بما أشرت إليه بتعازير، من أن ذلك لجنايات تولدت من الشارب، قال الرافعي وليس شافيا فإن الجناية لم تتحقق حتى يعزر والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر، فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها.
قال وفي قصة تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد وعليه، فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه، ويتعلق بعضه باجتهاد الامام.
وتعبيري بنحو سوط إلى آخره أولى مما عبر به الاصل.
(وحد بإقراره وبشهادة رجلين أنه شرب مسكرا) وإن لم يقل وهو عالم مختار، لان الاصل عدم الجهل والاكراه، وقولي أنه تنازعه المصدر ان قبله فلا يحد بريح مسكر ولا بسكر ولا بقئ لاحتمال الغلط أو الاكراه والحد يدرأ بالشبهة (وسوط العقوبة) من حد وتعزير فهو أعم من قوله، وسوط الحدود (بين قضيب) أي غصن (وعصا) غير معتدلة (ورطب ويابس) بأن يكون معتدل الجرم، والرطوبة للاتباع فلا يكون عصا غير معتدلة ولا رطب فيشق الجلد بثقله، ولا قضيبا ولا يابسا فلا يؤلم لخفته.
وفي خبر مرسل رواه مالك الامر بسوط بين الخلق والجديد وقيس بالسوط غيره (ويفرقه) أي السوط أو غيره من حيث العدد على الاعضاء، فلا يجمع على عضو واحد، (ويتقي المقاتل) كثغرة نحر وفرج، لان القصد ردعه لا قتله.
(والوجه) لخبر مسلم) إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه، ولانه مجمع المحاسن فيعظم أثر شينه وإنما لم يتق الرأس لانه مستور بالشعر غالبا، (ولا تشد يده) ولا يمد هو على الارض ليتمكن من الاتقاء بيديه، فلو وضعهما أو إحداهما على موضع عدل عنه الضارب إلى آخر، لانه يدل على شدة
ألمه بالضرب فيه ولا تجرد ثيابه بقيد زدته بقولي الخفيفة أما الثقيلة كجبة محشوة وفروة فتجرد نظرا لمقصود الحد

(2/288)


(ولا يحد في) حال (سكره) بل بعد الافاقة منه ليرتدع (ولا في مسجد) لخبر أبي داود، وغيره، لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث، (فإن فعل) أي حد في سكره أو في المسجد (أجزأ).
أما في الاول فلظاهر خبر البخاري أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) بسكران فإمر بضربه فمنا من ضربه بيده ومنا من ضربه بنعله ومنا من ضربه بثوبه.
ولفظ الشافعي فضربوه بالايدي والنعال وأطراف الثياب، وأما في الثاني فكالصلاة في دار مغصوبة، وقضيته تحريم ذلك وبه جزم البندنيجي، لكن الذي في الروضة كأصلها في باب آداب القضاء، إنه لا يحرم بل يكره ونص عليه في الام وقولي ولا في إلى آخره من زيادتي.
(فصل) (في التعزير) من العزر أي المنع وهو لغة التأديب وشرعا تأديب على ذنب لا حد فيه، ولا كفارة غالبا كما يؤخذ مما يأتي، والاصل فيه قبل الاجماع آية: * (واللاتي تخافون نشوزهن) *.
وفعله (صلى الله عليه وسلم) رواه الحاكم في صحيحه (عزر لمعصية لا حد فيها ولا كفارة)، سواء أكانت حقا لله تعالى أم لآدمي، كمباشرة أجنبية في غير الفرج وسب ليس بقذف، وتزوير وشهادة زور وضرب بغير حق بخلاف الزنا، لا يجابه الحد وبخلاف التمتع بطيب، ونحوه في الاحرام لايجابه الكفارة، وأشرت بزيادتي (غالبا) إلى أنه قد يشرع التعزير ولا معصية كمن يكتسب باللهو الذي لا معصية معه، وقد ينتفي مع انتفاء الحد والكفارة كما في صغيرة صدرت من ولي لله تعالى وكما في قطع شخص أطراف نفسه، وأنه قد يجتمع مع الحد كما في تكرر الردة وقد يجتمع مع الكفارة في الظهار واليمين الغموس وإفساد الصائم يوما من رمضان بجماع حليلته، ويحصل (بنحو حبس وضرب) غير مبرح كصفع ونفي وكشف رأس وتسويد وجه وصلب ثلاثة أيام فأقل، وتوبيخ بكلام لا
بحلق لحية (باجتهاد إمام) جنسا وقدرا إفرادا وجمعا وله في المتعلق بحق الله تعالى العفو إن رأى المصلحة، وتعبيري بذلك أعم من قوله بحبس أو ضرب أو صفع أو توبيخ، والصفع الضرب بجمع الكف أو ببسطها (ولينقصه) أي الامام التعزير وجوبا (عن أدنى حد المعزر) فينقص في تعزير الحر بالضرب عن أربعين، وبالحبس أو النفي عن سنة وفي تعزير غيره بالضرب عن عشرين وبالحبس أو النفي، عن نصف سنة لخبر من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين رواه البيهقي، وقال المحفوظ إرساله وكما يجب نقص الحكومة عن الدية، والرضخ عن السهم وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وجب أن ينقص في عبد عن عشرين، وحر عن أربعين

(2/289)


(وله) أي الامام (تعزير من عفا عنه مستحقة) أي التعزير لحق الله تعالى، وإن كان الامام لا يعزره بدون عفو قبل مطالبة المستحق له، أما من عفا عنه مستحق افلا يحده الامام ولا يعزره، لان التعزير يتعلق أصله بنظر الامام، فجاز أو لا يؤثر فيه إسقاط غيره بخلاف الحد.
(فرع) للاب وإن علا تعزير موليه بارتكابه ما لا يليق، قال الرافعي ويشبه أن تكون الام مع صبي تكفله كذلك، وللسيد تعزير رقيقه لحقه وحق الله وللزوج تعزير زوجته لحقه، كنشوز وللمعلم تعزير المتعلم منه.

(2/290)


(كتاب) (الصيال) هو الاستطالة والوثوب (وضمان الولاة و) ضمان (غيرهم و) حكم (الختن) وذكرهما في الترجمة من زيادتي، (له) أي للشخص (دفع صائل) مسلم وكافر وحر ورقيق ومكلف وغيره (على معصوم) من نفس وطرف ومنفعة وبضع ومقدماته كتقبيل ومعانقة ومال، وإن قل واختصاص كجلد ميتة سواء أكانت للدافع أم لغيره لآية: * (فمن اعتدى عليكم) *.
وخبر البخاري: انصر
أخاك ظالما أو مظلوما، والصائل ظالم فيمنع من ظلمه لان ذلك نصره، وخبر الترمذي وصححه من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد نعم لو صال مكرها على إتلاف مال غيره لم يجز دفعه بل يلزم المالك أن يقي روحه بماله، كما يناول المضطر طعامه، ولكل منهما دفع المكروه.
وقولي على معصوم أولى وأعم من قوله على نفس أو طرف أو بضع أو مال، (بل يجب) أي الدفع (في بضع و) في (نفس ولو مملوكة قصدها غير مسلم) يقيد زدته بقولي، (محقون الدم) بأن يكون كافرا أو بهيمة أو مسلما غير محقون الدم كزان محصن، فإن قصدها مسلم محقون الدم فلا يجب دفعه بل يجوز الاستسلام له، وشرط الوجوب في البضع وفي نفس غيره، أن لا يخاف الدافع على نفسه (فيهدر) أي الصائل ولو بهيمة فيما حصل فيه بالدفع من قتل وغيره، فلا يضمن بقود ولا دية ولا قيمة ولا كفارة لانه مأمور بقتاله، وفي ذلك مع ضمانه منافاة (لا جرة ساقطة) عليه مثلا كسرها، أي لا تهدر وإن كان دفعها واجبا أو لم تندفع عنه إلا بكسرها، إذ لا قصد لها ولا اختيار بخلاف البهيمة، نعم إن كانت موضوعة بمحل أو حال تضمن به كأن وضعت بروشن أو على معتدل لكنها مائلة هدرت (وليدفع) الصائل (بالاخف).
فالاخف (إن أمكن كهرب فزجر فاستغاثة فضرب بيد فبسوط فبعصا فقتل)، لان ذلك جوز للضرورة.
ولا ضرورة في الاثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالاخف، نعم لو التحم القتال بينهما واشتد الامر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب وفائدة الترتيب المذكور أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضمن ومحل

(2/291)


رعاية ذلك في غير الفاحشة، فلورآه قد أولج في أجنبية فله أن يبدأ بالقتل وإن اندفع بدونه فإنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالاناة، ومحله أيضا في المعصوم، أما غيره كحربي ومرتد فله قتله لعدم حرمته، أما إذا لم يمكن الدفع بالاخف كأن لم يجد إلا سكينا فيدفع بها، (ولو عضت يده) مثلا (خلصها بفك فم و) إن عجز عن فكه خلصها (بضربه فبسلها) أي اليد منه،
(فإن سقطت أسنانه)، والمعضوض معصوم أو حربي (هدرت) كنفسه وإن كان العاض مظلوما لان العض لا يجوز بحال قال ابن أبي عصرون إلا إذا لم يمكن التخلص إلا به فإن لم يمكنه التخلص إلا بإتلاف عضو كفق ء عينه وبعج بطنه فله ذلك كما علم مما مر، وبما تقرر علم أنه لا يجب تقديم الانذار بالقول وهو كذلك، (كأن رمى عين ناظر) ممنوع من النظر ولو إمرأة أو مراهقا (عمدا إليه) حالة كونه (مجردا) عما يستر عورته (أو إلى حرمته)، وإن كانت مستورة (في داره) ولو مكتراة أو مستعارة (من نحو ثقب) مما لا يعد فيه الرامي مقصرا كسطح ومنارة (بخفيف كحصاة وليس للناظر ثم محرم غير مجردة أو حليلة أو متاع فأعماه أو أصاب قرب عينه) فجرحه (فمات) فيهدر، (ولو لم ينذره) قبل رميه لخبر الصحيحين لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح، وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي فلا قود ولا دية، والمعنى فيه المنع من النظر، وإن كانت حرمته مستورة كما مر.
أو في منعطف لعموم الاخبار ولانه يريد سترها عن الاعين وإن كانت مستورة ولانه لا يدري متى تستر وتنكشف فيحسم باب النظر، وخرج بعين الناظر غيرها كأذن المستمع وبالعمد النظر اتفاقا أو خطأ وبالمجرد مستور العورة وبما قبله وبعده الناظر إلى غيره، وغير حرمته وبداره المسجد والشارع ونحوهما وبنحو الثقب الباب المفتوح والكوة الواسعة، والشباك الواسع العيون وبالخفيف أي إذا وجده الثقيل كحجر وسهم وبما بعده ما لو كان للناظر ثم محرم غير مجردة أو حليلة أو متاع، وبقرب عينه ما لو أصاب موضعا بعيدا عنها فلا يهدر في الجميع لتقصيره في الرمي حينئذ.
وقولي مجردا مع قولي غير مجردة أو متاع من زيادتي.
وتعبيري بنحو ثقب أعم من قوله كوة أو ثقب وبحليلة أعم من قوله زوجة وإنما قيد بغير المجردة لحرمة نظره إلى ما بين سرة وركبة محرمة فجاز رميه إذا كانت مجردة (والتعزير ممن يليه) أي التعزير كولي لموليه ووال لمن رفع إليه وزوج لزوجته ومعلم لمتعلم منه ولو بإذن الولي (مضمون) على العاقلة إذا حصل به هلاك، لانه مشروط بسلامة العاقبة إذا المقصود التأديب لا الهلاك فإذا حصل الهلاك تبين أنه جاوز الحد المشروط،
وظاهر أنه لا ضمان على معزر رقيقه ولا رقيق غيره بإذنه، ولا على من طلب منه التعزير باعترافه بما يقتضيه ولا على مكتر ضرب دابة مكتراة الضرب المعتاد لانها لا تتأدب إلا

(2/292)


بالضرب (لا الحد) من الامام، ولو في حر وبرد مفرطين ومرض يرجى برؤه فليس مضمونا لان الحق قتله (والزائد في حد) من حد شرب، وغيره كالزائد في حد الشرب على الاربعين في الحر، وعلى العشرين في غيره، (يضمن بقسطه) بالعدد فلو جلد في الشرب ثمانين فمات لزمه نصف الدية، أو في القذف إحدى وثمانين لزمه جزء من أحد وثمانين جزءا من الدية.
وتعبيري بما ذكر أولى من اقتصاره على حد الشرب والقذف، (ولمستقل) بأمر نفسه بأن كان حرا غير صبي ومجنون ولو سفيها (قطع غدة) منه، ولو بنائبه إزالة للشين بها وهي ما تخرج بين الجلد واللحم، هذا إن (لم يكن) قطعها (أخطر) من تركها بأن لم يكن خطر أو كان الترك أخطر أو الخطر فيه فقط أو تساوى الخطران بخلاف ما إذا كان القطع أخطر، وفهم منه بالاولى أنه لا قطع فيما إذا كان الخطر في القطع فقط، (ولاب وإن علا قطعها من صغير ومجنون) مع خطر فيه (إن زادخطر ترك) بخلاف غيره لعدم فراغه للنظر الدقيق المحتاج إليه القطع مع عدم الشفقة أو قلتها، وبخلاف ما لو تساوى الخطران أو زاد خطر القطع أو كان الخطر فيه فقط (ولوليهما) ولو سلطانا أو وصيا (علاج لا خطر فيه) وإن لم يكن في تركه خطر كقطع غدة لا خطر في قطعها وفصد وحجم إذ له ولاية ماله وصيانته عن التضييع، فصيانة بدنه أولى وليس لغيره ذلك.
وتعبيري بوليهما أولى من اقتصاره على الاب والجد والسلطان (فلو ماتا) أي الصغير والمجنون (بجائز) من هذا المذكور (فلا ضمان) لئلا يمتنع من ذلك فيتضرران (ولو فعل) أي الولي (بهما ما منع) منه فماتا به (فدية مغلظة في ماله) لتعديه ولا قود، وتعبيري بما ذكر أولى من اقتصاره على السلطان والصبي، (وما وجب بخطأ إمام) ولو في حكم أو حد كأن ضرب في حد الشرب ثمانين (فمات فعلى عاقلته) لا في بيت المال كغيره من الناس، ولو حد) شخصا (بشاهدين ليسا
أهلا) للشهادة ككافرين أو عبدين أو مراهقين أو امرأتين أو فاسقين فمات.
فتعبيري بذلك أعم من قوله ولو حده بشاهدين فبانا عبدين أو ذميين أو مراهقين، (فإن قصر) في البحث عن جالهما (فالضمان) بالقود أو بالمال (عليه) لان الهجوم على القتل ممنوع منه بالاجماع، (وإلا ف) - الضمان بالمال (على عاقلته) كالخطأ في غير الحد، (ولا رجوع) لها عليهما لانهما يزعمان أنهما صادقان (إلا على متجاهرين بفسق) فترجع عليهما لان الحكم بشهادتهما يشعر بتدليس منهما، وتغرير، والاستثناء من زيادتي، وبه صرح في الروضة وأصلها (ومن عالج) بنحو فصد هو أعم من قوله ومن حجم أو فصد (بإذن) ممن يعتبر إذنه، فأدى إلى التلف (لم يضمن) وإلا لم يفعله أحد (وفعل جلاد) من قتل أو جلد (بأمر إمام

(2/293)


كفعله) أي الامام، فالضمان قودا أو مالا عليه دون الجلاد لانه آلته ولا بد منه في السياسة فلو ضمناه لم يتول الجلد أحد.
(و) لكن (إن علم خطأه فالضمان على الجلاد إن لم يكرهه وإلا) بأن أكرهه (فعليهما ويجب ختن مكلف) ومثله السكران (مطيق) له (رجل بقطع) جميع (قلفته) بالضم وهي ما يغطي حشفته (وامرأة ب) قطع (جزء من بظرها) بفتح الموحدة وإسكان المعجمة، وهو لحمة بأعلى الفرج لقوله تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) *.
وكان من ملته الختن ففي الصحيحين وغيرهما أنه اختتن ولانه قطع جزءا لا يخلف فلا يكون إلا واجبا كقطع اليد والرجل بخلاف الصبي والمجنون ومن لا يطيقه لان الاولين ليسا من أهل الوجوب، والثالث يتضرر به وخرج بالرجل والمرأة الخنثى فلا يجب ختنه، بل لا يجوز على ما في الروضة والمجموع لان الجرح مع الاشكال ممنوع، وقولي مطيق من زيادتي.
وتعبيري بالمكلف أولى من تعبيره بالبلوغ، (وسن) تعجيله (لسابع ثاني) يوم (ولادة) لمن يراد ختنه، لانه (صلى الله عليه وسلم) ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما.
رواه البيهقي والحاكم وقال صحيح الاسناد: والمراد به ما قلنا لما يأتي فعلم مما ذكرته أن يوم الولادة لا يحسب من السبعة وهو ما صححه في الروضة، وفي المهمات أنه
المنصوص المفتى به لكن صحح النووي في شرح مسلم حسبانه منها وهو وإن وافق عبارة الاصل، وظاهر الحديث المذكور لكن المعتمد الاول لما مر أنه المنصوص ولقوله في الروضة والمجموع أن المستظهري نقله عن الاكثرين والفرق بينه وبين العقيقة ظاهر (ومن ختن) من ولي وغيره، (مطيقا) فمات (لم يضمنه ولي) ولو وصيا أو قيما إلحاقا للختن حينئذ بالعلاج ولانه لا بد منه، والتقديم أسهل من التأخير لما فيه من المصلحة، وخرج بالولي غيره فيضمن لتعديه بالمهلك أما غير المطيق فيضمنه من ختنه بالقود أو بالمال بشرطه لتعديه (ومؤنته) أي الختن هي أعم من قوله وأجرته (في مال مختون) لانه مصلحته فإن لم يكن له مال فعلى من عليه مؤنته.
(فصل) (فيما تتلفه الدواب) من (صحب دابة) ولو مستأجرا أو مستعيرا أو غاصبا (ضمن ما أتلفته) نفسا ومالا ليلا ونهار، سواء أكان سائقها أم راكبها أم قائدها، لانها في يده وعليه تعهدها وحفظها.
وأشرت

(2/294)


بزيادتي (غالبا) إلى أنه قد لا يضمن كأن أركبها أجنبي بغير إذن الولي صبيا أو مجنونا لا يضبطها مثلهما، أو نخسها إنسان بغير إذن من صحبها أو غلبت فاستقبلها إنسان فردها فأتلفت شيئا في انصرافها فالضمان على الاجنبي والناخس والراد ولو سقطت ميتة أو راكبها ميتا فتلف به شئ، لم يضمن ولو صحبها سائق وقائد است ويا في الضمان أو راكب معهما أو مع أحدهما ضمن الراكب فقط، (أو) ما (تلف ببولها أو روثها أو ركضها) ولو معتادا (بطريق) لان الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة كما في الجناح، والروشن وهذا ما جزم به في الروضة، وأصلها في باب محرمات الاحرام وهو المنقول عن نص الام والاصحاب، وجزم به في المجموع وفيه احتمال للامام بعدم الضمان لان الطريق لا تخلو منه.
والمنع منها لا سبيل إليه وعلى هذا الاحتمال جرى الاصل كالروضة، وأصلها هنا
(كمن حمل حطبا) ولو على دابة (فحك بناء فسقط أو تلف به) أي بالحطب (شئ في زحام) مطلقا، (أو في غيره والتالف مدبر أو أعمى أو) شئ (معهما ولم ينبههما) ولم يكن من غير الحامل جذب فإنه يضمنه لتقصيره بخلاف ما لو كان مقبلا بصيرا أو مدبرا أو أعمى ونبههما، فإن كان من غير الحامل جذب لم يضمن الحامل لهما غير النصف ومثله ما لو كان من غير الحامل جذب في الزحام، وفي معنى عدم تنبيههما ما لو كانا أصمين وفي معنى الاعمى معصوب العين لرمد أو نحوه.
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره (وإن كانت وحدها) ولو بصحراء (فأتلفت شيئا) كزرع ليلا أو نهارا (ضمنه ذو يد) إن (فرط) في ربطها أو إرسالها، كأن ربطها بطريق ولو واسعا أو أرسلها ولو نهارا لمرعى بوسط مزارع فأتلفتها، فإن لم يفرط كأن أرسلها لمرعى لم يتوسطها لم يضمن.
وتعبيري بما ذكر أضبط مما عبر به، وقولي ذو يد أولى من تعبيره بصاحب الدابة لايهام تخصيص ذلك بمالكها، وليس مرادا إذ المستعير، والمستأجر والمودع والمرتهن وعامل القراض والغاصب كالمالك (لا إن قصر مالكه) أي الشئ الذي أتلفته الدابة في هذه، وتلك كأن عرض الشئ مالكه لها أو وضعه في الطريق فيهما أو حضر وترك دفعها أو كان في محوط له باب وتركه مفتوحا في هذه، فلا ضمان لتفريط مالكه واستثنى من الدواب الطيور كحمام أرسله مالكه فكسر شيئا، أو التقط حبا لان العادة جرت بإرسالها ذكره في الروضة كأصلها عن ابن الصباغ، (وإتلاف) حيوان (عاد) كهرة عهد إتلافها (مضمن) لذي اليد ليلا ونهارا إن قصر في ربطه، لان هذا ينبغي أن يربط ويكف شره بخلاف ماءذا لم يكن عاديا.
وتعبيري بذلك أعم من قوله وهرة تتلف طيرا أو طعاما إن عهد ذلك منها ضمن مالكها.

(2/295)


(كتاب) (الجهاد) المتلقى تفسيره من سير النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزواته.
والاصل فيه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (كتب عليكم القتال) *.
* (وقاتلوا المشركين كافة) *.
وأخبار
كخبر الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله.
(هو بعد الهجرة) ولو في عهده (صلى الله عليه وسلم)، (والكفار ببلادهم كل عام) ولو مرة (فرض كفاية) لا فرض عين وإلا لتعطل المعاش، وقد قال تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) *.
الآية ذكر فضل المجاهدين على القاعدين ووعد كلا الحسنى، والعاصي لا يوعد بها وقال: * (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) *.
وأما أنه فرض في كل عام مرة أي أقل فرضه ذلك فكإحياء الكعبة، ولفعله (صلى الله عليه وسلم) له كل عام وتحصل الكفاية بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار مع إحكام الحصون، والخنادق وتقليد الامراء ذلك أو بأن يدخل الامام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم.
وخرج بزيادتي بعد الهجرة ما قبلها فكان الجهاد ممنوعا منه ثم بعدها أمر بقتال من قاتله ثم أبيح الابتداء به في غير الاشهر الحرم ثم أمر به مطلقا وشمول التقييد بكون الكفار ببلادهم، لعهده (صلى الله عليه وسلم) مع قولي كل عام من زيادتي.
وشأن فرض الكفاية أنه (إذا فعله من فيه كفاية سقط) عنه وعن الباقين وفروضها كثيرة.
(كقيام بحجج الدين) وهي البراهين على إثبات الصانع تعالى، وما يجب له من الصفات، ويمتنع عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك، (وبحل مشكله) ودفع الشبه (وبعلوم الشرع) من تفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها (بحيث يصلح للقضاء)، والافتاء للحاجة إليهما (وبأمر بمعروف ونهي عن منكر) أي الامر بواجبات الشرع والنهي عن محرماته، إذا لم يخف على نفسه أو ماله أو على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع ولا ينكر إلا ما يرى الفاعل تحريمه، (وإحياء الكعبة بحج وعمرة كل عام) فلا يكفي إحياؤها بأحدهما ولا بالاعتكاف والصلاة ونحوهما، إذ المقصود الاعظم ببناء الكعبة الحج والعمرة فكان بهما إحياؤها.
وتعبيري بحج وعمرة أوضح من تعبيره بالزيارة، (ودفع ضرر معصوم) من مسلم

(2/296)


وغيره ككسوة عار وإطعام جائع إذا لم يندفع ضررهما بنحو وصية ونذر ووقف وزكاة وبيت
مال من سهم المصالح وهذا في حق الاغنياء.
وتعبيري بالمعصوم أولى من تعبيره بالمسلمين (وما يتم به المعاش) الذي به قوام الدين والدنيا كبيع وشراء وحراثة (ورد سلام) من مسلم عاقل (على جماعة) من المسلمين المكلفين فيكفي من أحدها بخلافه على واحد فإنه فرض عين إلا إن كان المسلم أو المسلم عليه أنثى مشتهاة والآخر رجلا ولا محرمية بينهما أو نحوها فلا يجب الرد ثم إن سلم هو حرم عليها الردأو سلمت هي كره له الرد، وظاهر أن الخنثى مع المرأة كالرجل معها ومع الرجل كالمرأة معه.
ولا يجب الرد على فاسق ونحوه إذا كان في تركه زجر لهما، أو لغيرهما.
ويشترط أن يتصل الرد بالسلام اتصال القبول بالايجاب، (وابتداؤه) أي السلام على مسلم ليس بفاسق، ولا مبتدع (سنة) على الكفاية إن كان من جماعة، وإلا فسنة عين لخبر أبي داود بأسناد حسن إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام (لا على نحو قاضي حاجة وآكل) كنائم ومجامع، ومن بحمام يتنظف فلا يسن السلام عليه لان حاله لا يناسبه.
وتعبيري بذلك أعم من قوله لا على قاضي حاجة وآكل، ومن في حمام، واستثنى من الاكل ما بعد الابتلاع وقبل الوضع، فيسن السلام عليه ويؤخذ مما قدمته في الرد مع اختلاف الجنس، حكم الابتداء معه (ولا رد عليه) لو أتى به لعدم سنة، بل يكره لقاضي الحاجة والمجامع، (وإنما يجب الجهاد) فيما ذكر (على مسلم ذكر حر مستطيع) له (غير صبي ومجنون ولو) سكران، أو (خاف طريقا) فلا جهاد على صبي ومجنون لعدم أهليتهما له، ولا على كافر لانه غير مطالب به كما في الصلاة، ولا على أنثى وخنثى لضعفهما عن القتال غالبا ولا على من به رق، وإن أمره به سيده، كما في الحج لعدم أهليته له، ولا على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده ومن به عرج بين، وإن ركب أو مرض تعظم مشقته، وكعادم أهبة قتال من سلاح ومؤنة ومركوب في سفر قصر، فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته كما في الحج، وكمعذور بما يمنع وجوب الحج إلا خوف طريق من كفار أو لصوص مسلمين، فلا يمنع وجوب الجهاد لان مبناه على ركوب المخاوف.
والتقييد بالمسلم مع ذكر حكم الخنثى والمبعض والاعمى وفاقد معظم أصابع يده من زيادتي.
(وحرم سفرموسر) لجهاد أو غيره (بلا إذن رب دين حال) مسلما كان أو كافرا تقديما الفرض العين على غيره، فإن أناب من يؤديه عنه من ماله الحاضر، فلا تحريم، وخرج بزيادتي موسرا المعسر، وبالحال المؤجل، وإن قصر الاجل لعدم توجه المطالبة به قبل حلوله.
(و) حرم (جهاد ولد بلا إذن أصله المسلم)، وإن علا أو كان رقيقا، لانه فرض كفاية

(2/297)


وبر أصله فرض عين بخلاف أصله الكافر، فلا يجب استئذانه.
وتعبيري بأصله أولى من تعبيره بأبويه، (لا سفر تعلم فرض) ولو كفاية كطلب درجة الفتوى فلا يحرم عليه، وإن لم يأذن أصله ويعتبر رشده في فرض الكفاية (فإن أذن) أي أصله، أو رب الدين في الجهاد، (ثم رجع) بعد خروجه وعلم بالرجوع (وجب رجوعه أن لم يحضر الصف وإلا) بأن حضره (حرم انصرافه) لقوله تعالى: * (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) *.
ولقوله: * (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) *.
ولان الانصراف يشوش أمر القتال، ويشترط لوجوب الرجوع أيضا أو لا يخرج بجعل من السلطان كما نقله ابن الرفعة عن الماوردي، وعزى لنص الام وأن يأمن على نفسه وماله ولم تنكسر قلوب المسلمين، وإلا فلا يجب الرجوع.
فإن أمكنه عند الخوف أن يقيم في قرية بالطريق إلى أن يرجع الجيش فيرجع معهم لزمه، (وإن دخلوا) أي الكفار (بلدة لنا) مثلا (تعين) الجهاد (على أهلها) سواء أمكتأهبهم لقتال، أو لم يمكن لكن علم كل من قصد إنه إن أخذ قتل، أو لم يعلم أنه إن امتنع من الاستسلام قتل، أو لم تأمن المرأة فاحشة أن أخذت.
(و) على (من دون مسافة قصر منها) وإن كان في أهلها كفاية، لانه كالحاضر معهم فيجب ذلك على كل ممن ذكر، (حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن) من الاصل، ورب الدين والسيد ولو كفى، الاحرار (وعلى من بها) أي بمسافة القصر فيلزمه المضي إليهم عند الحاجة (بقدر كفاية) دفعا لهم، وإنقاذا من الهلكة فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد.
(وإذا لم يمكن) من قصد
(تأهب لقتال وجوز أسرا) وقتلا (فله استسلام) وقتال بقيد زدته بقولي: (إن علم أنه إن امتنع) منه (قتل وأمنت المرأة فاحشة) إن أخذت، (وإلا تعين) الجهاد كما مر.
فإن أمنت المرأة ذلك حالا لا بعد الاسر احتمل جواز استسلامها ثم تدفع إذا أريد منها ذلك ذكره في الروضة كأصلها، (ولو أسروا مسلما) وإن لم يدخلوا دارنا، (لزمنا نهوض لخلاصه إن رجي) بأن يكونوا قريبين منا كما يلزمنا في دخولهم دارنا دفعهم، لان حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار، فإن توغلوا في بلادهم، ولم يمكن التسارع إليهم تركناه للضرورة.

(2/298)


(فصل) فيما يكره من الغزو ومن يكره أو يحرم قتله من الكفار وما يجوز أو يسن فعله بهم، (كره غزو بلا إذن إمام) بنفسه أو نائبه، لانه أعرف بما فيه المصلحة، نعم أن عطل الغزو وأقبل هو وجنده على الدنيا أو غلب على الظن أنه إذا استؤذن لم يأذن أو كان الذهاب للاستئذان يفوت المقصود لم يكره.
والغزو لغة الطلب، لان الغازي يطلب إعلاء كلمة الله تعالى، (وسن) له (أن يؤمر على سرية) وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، (بعثها و) أن (يأخذ البيعة) عليهم (بالثبات) على الجهاد وعدم الفرار ويأمرهم بطاعة الامير ويوصيه بهم للاتباع (وله) لا لغيره (اكتراء كفار) لجهاد من خمس الخمس بشروطه الآتية، لانه لا يقع عنهم فأشبهوا الدواب واغتفر جهل العمل، لان المقصود القتال على ما يتفق ولان معاقدة الكفار يحتمل فيها ما لا يحتمل في معاقدة المسلمين، وإنما لم يجز لغير الامام أكتراؤهم لانه يحتاج إلى نظر واجتهاد لكون الجهاد من المصالح العامة، ويفارق أكتراءه في الاذان بأن الاجير ثم مسلم وهنا كافر لا يؤتمن وخرج بالكفار المسلمون فلا يجوز أكتراؤهم، للجهاد كما مر في الاجارة.
وتعبيري بكفار أولى من تعبيره بذمي (و) له (استعانة بهم) على كفار عند الحاجة إليها، (إن أمناهم) بأن يخالفوا معتقد العدو ويحسن رأيهم فينا، (وقاومنا الفريقين) ويفعل بالمستعان بهم ما يراه مصلحة من إفرادهم،
بجانب الجيش أو اختلاطهم به، بأن يفرقهم بيننا.
(و) له استعانة (بعبيد ومراهقين أقوياء بإذن مالك أمرهما) من السادة والاولياء، نعم إن كان العبيد موصى بمنفعتهم لبيت لمال، أو مكاتبين كتابة صحيحة لم يحتج إلى إذن السادة، وفي معنى العبيد المدين بإذن الغريم والولد بإذن الاصل.
وفي معنى المراهقين النساء الاقوياء بإذن مالك أمرهن (ولكل) من الامام وغيره (بذل أهبة) من سلاح وغيره من ماله أو من بيت المال في حق الامام لخبر الصحيحين، من جهز غازيا فقد غزا، وذكر الامن والمقاومة في الاكتراء ومالك الامر في المراهقين وغير الامام في بذل الاهبة من زيادتي.
(وكره) لغاز (قتل قريب) له من الكفار لما فيه من قطع الرحم (و) قتل قريب (محرم أشد) كراهة من قتل غيره، لان المحرم أعظم من غيره (إلا أن يسب الله) تعالى (أو نبيه) (صلى الله عليه وسلم) بأن يذكره بسوء فلا يكره قتله تقديما لحق الله تعالى وحق نبيه.
وتعبيري بذلك أعم من قوله إلا أن يسمعه يسب الله أو رسوله،

(2/299)


(وجاز قتال صبي ومجنون ومن به رق وأنثى وخنثى قاتلوا) فإن لم يقاتلوا حرم قتلهم للنهي في خبر الصحيحين عن قتل النساء والصبيان وإلحاق المجنون ومن به رق والخنثى بهما، وعلى هذا يحمل إطلاق الاصل حرمة قتلهم وكالقتال السب.
للاسلام أو المسلمين وذكر من به رق من زيادتي.
(و) جاز قتل (غيرهم) ولو راهبا وأجيرا وشيخا وأعمى وزمنا، وإن لم يكن فيهم قتال ولا رأى لعموم قوله تعالى: * (اقتلوا المشكرين) * (لا الرسل) فلا يجوز قتلهم لجريان السنة بذلك وهذا من زيادتي.
(و) جاز (حصار كفار) في بلاد وقلاع وغيرهما (وقتلهم بما يعم لا بحرم مكة) كإرسال ماء عليهم ورميهم بنار منجنيق.
(وتبييتهم في غفلة) أي الاغارة عليهم ليلا، (وإن كان فيهم مسلم) أو ذراريهم قال تعالى: * (وخذوهم واحصروهم) *.
وحاصر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أهل الطائف رواه الشيخان، ونصب عليهم المنجنيق رواه البيهقي.
وقيس به ما في معناه مما يعم الاهلاك به وخرج بزيادتي.
لا بحرم مكة ما لو كانوا به فلا يجوز حصارهم ولا قتلهم بما يعم، (و) جاز (رمي) كفار (متترسين في قتال بذراريهم)
بتشديد الياء وتخفيفها أي نسائهم وصبيانهم ومجانينهم وكذا بخناثاهم وعبيدهم (أو بآدمي محترم) كمسلم وذمي، (إن دعت إليه) فيهما (ضرورة)، بأن كانوا بحيث لو تركوا غلبونا كما يجوز نصب المنجنيق على القلعة، وإن كان يصيبهم ولئلا يتخذوا ذلك ذريعة إلى تعطيل الجهاد، أو حيلة على استبقاء القلاع لهم، وفي ذلك فساد عظيم ولان مفسدة الاعراض أكثر من مفسدة الاقدام، ولا يبعد احتمال قتل طائفة للدفع عن بيضة الاسلام ومراعاة الكليات، ونقصد قتل المشركين ونتوقى المحترمين بحسب الامكان، فإن لم تدع إليه فيهما ضرورة لم يجز رميهم لانه يؤدي إلى قتلهم بلا ضرورة، وقد نهينا عن قتله ورجح في الروضة في الاولى جواز رميهم، وعليه يفرق بينها وبين الثانية، بأن الآدمي المحترم محقون الدم لحرمة الدين والعهد، فلم يجز رميهم بلا ضرورة والذراري حقنوا لحق الغائمين فجاز رميهم بلا ضرورة.
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بالنساء والصبيان والمسلمين.
(وحرم انصراف من لزمه جهاد عصف إن قاومناهم) وإن زادوا على مثلينا، كمائة أقوياء عن مائتين وواحد ضعفاء لآية: * (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) *.
مع النظر للمعنى، والآية خبر بمعنى الامر أي لتصير مائة لمائتين، وعليها يحمل قوله تعالى: * (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) *.
وخرج بزيادتي من لزمه جهاد من لم يلزمه كمريض وامرأة بالصف ما لو لقي مسلم مشركين، فإنه يجوز انصرافه عنهما، وإن طلبهما ولم يطلباه وبما بعده ما إذا لم نقاومهم، وإن لم يزيدوا على مثلينا فيجوز الانصراف كمائة ضعفاء عن مائتين، إلا واحدا أقوياء.
فتعبيري بالمقاومة وعدمها أولى من تعبيره بزيادتهم على مثلينا وعدمها، (إلا متحرفا

(2/300)


لقتال) كمن ينصرف ليكمن في موضع ويهجم أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال، (أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها ولو بعيدة) قليلة أو كثيرة، فيجوز انصرافه لقوله تعالى: * (إلا متحرفا) * إلى آخره (وشاركا) أي المتحرف والمتحيز، (ما لم يبعد الجيش فيما غنم بعد مفارقته) كما يشاركانه فيما غنمه قبلها بجامع بقاء نصرتهما ونجدتهما فهما
كسرية قريبة تشارك الجيش فيما غنمه، بخلافهما إذا بعدا لفوات النصرة.
ومنهم من أطلق أن المتحرف يشارك وحمل على من لا يبعد، ولم يغب والجاسوس إذا بعثه الامام لينظر عدد المشركين وينقل أخبارهم يشارك الجيش فيما غنم في غيبته، لانه كان في مصلحتنا، وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف، وذكر مشاركة المتحرف فيما ذكر من زيادتي، وإطلاق النص عدم المشاركة محمول على من بعد أو غاب (ويجوز بلا كره)، وندب (لقوي) بأن عرف قوته من نفسه (أذن له إمام) ولو بنائبه (مبارزة) لكافر، لم يطلبها لاقراره (صلى الله عليه وسلم) عليها وهي ظهور إثنين من الصفين للقتال من البروز وهو الظهور، (فإن طلبها كافر سنت له) أي للقوي المأذون له للامر بها في خبر أبي داود، ولان في تركها حينئذ إضعافا لنا وتقوية لهم، (وإلا) بأن لم يطلبها أو طلبها وكان المبارز منا ضعيفا فيهما وإن أذن له الامام أو كان قويا فيهما ولم يأذن له الامام (كرهت).
أما في الاولين فلان الضعيف قد يحصل لنا به ضعف، وأما في الاخيرين فلان للامام نظرا في تعيين الابطال، وذكر الكراهة من زيادتي (وجاز) لنا (إتلاف لغير حيوان من أموالهم) كبناء وشجر وإن ظن حصوله لنا مغايظة لهم لقوله تعالى: * (ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار) *.
الآية، ولقوله: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) *.
ولخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) قطع نخل بني النضير وحرق عليهم بيوتهم فأنزل الله عليه: * (ما قطعتم من لينة) *.
الآية (فإن ظن حصوله لنا كره) إتلافه هو أولى من تعبيره بندب تركه حفظا لحق الغانمين، ولا يحرم لما مر (وحرم) إتلاف (لحيوان محترم) لحرمته وللنهي عن ذبح الحيوان لغير مأكله، (إلا لحاجة) كخيل يقاتلون عليها فيجوز إتلافها لدفعهم أو للظفر بهم، كما يجوز قتل الذراري عند التترس بهم بل أولى وكشئ غنمناه وخفنا رجوعه إليهم، وضرره لنا فيجوز إتلافه دفعا لضرره، أما غير المحترم كالخنزير فيجوز بل يسن إتلافه مطلقا.

(2/301)


(فصل) في حكم الاسر وما يؤخذ من أهل الحرب (ترق ذراري كفار) وخناثاهم (وعبيدهم) ولو مسلمين (بأسر) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بالاسر أرقاء لنا، ويكونون كسائر أموال الغنيمة الخمس لاهله والباقي للغانمين، لانه (صلى الله عليه وسلم) كان يقسم السبي كما يقسم المال.
والمراد برق العبيد استمراره لا تجدده، ومثلهم فيما ذكر المبعضون تغليبا لحقن الدم.
ودخل في الذراري زوجة المسلم والذمي الحربية والعتيق الصغير والمجنون الذمي فيرقون بالاسر كما في زوجة من أسلم، والمراد بزوجة الذمي التي لم تدخل تحت قدرتنا حين عقد الذمة له وما ذكرته في زوجة المسلم هو مقتضى ما في الروضة وأصلها، واعتمده البلقيني وغيره.
وخالف الاصل فصحح عدم جواز أسرها مع تصحيحه جوازه، في زوجة من أسلم (ويفعل الامام في) أسير (كامل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، (ولو عتيق ذمي الاحظ) للاسلام والمسلمين (من) أربع خصال (قتل) بضرب الرقبة (ومن) بتخلية سبيله (وفداء بأسرى) منا، وكذا من أهل الذمة فيما يظهر فمن اقتصر على قوله منا جرى على الغالب، (أو بمال وإرقاق) ولو لو ثني أو عربي أو بعض شخص للاتباع ويكون مال الفداء ورقابهم، إذا رقوا كسائر أموال الغنيمة، ويجوز فداء مشرك بمسلم أو أكثر ومشركين بمسلم.
(فإن خفي) عليه الاحظ في الحال (حبسه حتى يظهر) له الاحظ فيفعله، (وإسلام كافر بعد أسره يعصم دمه) من القتل لخبر الصحيحين، أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها.
(والخيار) باق (في الباقي) كما أن من عجز عن الاعتاق في كفارة اليمين يبقى خياره في الباقي، فإن كان إسلامه بعد اختيار الامام خصلة غير القتل تعينت (لكن إنما يفدى من له) في قومه (عز) ولو بعشيرة (يسلم به) دينا ونفسا، وهذا من زيادتي، (وقبله) أي وإسلامه قبل أسره (يعصم دمه وماله) للخبر السابق، (وفرعه الحر الصغير أو المجنون) عن السبي، ويحكم بإسلامه تبعا له،
والتقييد بالحر مع ذكر المجنون من زيادتي، وخرج بالحر المذكور ضده فلا يعصمه إسلام أبيه من السبي، (لا زوجته) فلا يعصمها من السبي بخلاف عتيقه، لان الولاء ألزم من النكاح لانه لا يقبل الرفع بخلاف النكاح، (فإن رقت) بأن سبيت ولو بعد الدخول، (انقطع نكاحه) حالا لامتناع

(2/302)


إمساك الامة الكافرة للنكاح، كما يمتنع ابتداء نكاحها، وفي تعبير الاصل باسترقت تسمح فإنها ترق بنفس السبي كما مر.
(كسبي زوجة حرة أو زوج حر ورق) بسبيه أو بإرقاقه فإنه ينقطع به النكاح لحدوث الرق، وبذلك علم أن نكاحهما ينقطع فيما لو سبيا، وكانا حرين وفيما لو كان أحدهما حرا، والآخر رقيقا ورق الزوج، بما مر سواء أسبيا أو أحدهما، وكان المسبي حرا وإن أوهم كلام الاصل خلافه، وأنه لا ينقطع فيما لو كانا رقيقين سواء أسبيا أم أحدهما، إذ لم يحدث رق.
وإنما انتقل الملك من شخص إلى آخر، وذلك لا يقطع النكاح كالبيع والهبة، والتقييد بالرق الحاصل بإرقاق الزوج الكامل من زيادتي، (ولا يرق عتيق مسلم) كما في عتيق من أسلم.
وتعبيري بيرق أولى من اقتصاره على الارقاق (وإذا رق) الحربي (وعليه دين لغير حربي) كمسلم وذمي (لم يسقط)، إذ لم يوجد ما يقتضي إسقاطه (فيقضي من ماله إن غنم بعد رقه)، وإن زال عنه ملكه بالرق قياسا للرق على الموت، فإن غنم قبل رقه أو معه لم يقض منه فإن لم يكن له مال، أو لم يقض منه بقي في ذمته إلى أن يعتق فيطالب به، وخرج بزيادتي لغير حربي الحربي كدين حربي على مثله، ورق من عليه الدين بل أورب الدين فيسقط ولو رق رب الدين، وهو على غير حربي لم يسقط، (ولو كان لحربي على مصله دين معاوضة) كبيع وقرض، (ثم عصم أحدهما) بإسلام أو أمان مع الآخر أو دونه (لم يسقط) لالتزامه بعقد وخرج بالمعاوضة دين الاتلاف ونحوه كالغصب فيسقط لعدم التزامه، ولان سبب الدين ليس عقدا يستدام، ولا يتقيد بعصمة المتلف.
وتقييد الروضة كأصلها به لبيان محل الخلاف وكالحربي مع مثله إذا عصم أحدهما الحربي مع
المعصوم، إذا عصم الحربي في حكمي المعاوضة والاتلاف.
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله، ولو افترض حربي من حربي إلى آخره، (وما أخذ منهم) أي من أهل الحرب (بلا رضا) من عقار أو غيره بسرقة وغيرها، (غنيمة) مخمسة إلا السلب خمسها لاهله والباقي للآخذ تنزيها لدخوله دارهم، وتغريره بنفسه منزلة القتال، والمراد بالعقار المملوك إذ الموات لا يملكونه، فكيف يتملك عليهم صرح به الجرجاني، وإطلاقي لما ذكر أولى من تقييده بأخذه من دار الحرب (وكذا ما وجد كلقطة) مما يظن أنه لهم فهو غنيمة لذلك، (فإن أمكن كونه لمسلم) بأن كان ثم مسلم (وجب تعريفه) لعموم الامر بتعريف اللقطة، ويعرفه سنة إلا أن يكون حقيرا كسائر اللقطات وبعد تعريفه يكون غنيمة (ولغانمين) ولو أغنياء أو بغير إذن الامام (لا لمن حقهم بعد) أي بعد انقضاء الحرب،

(2/303)


(تبسط) على سبيل الاباحة لا التمليك، (في غنيمة) قبل اختيار تملكها.
(بدار حرب) وإن لم يعز فيها ما يأتي، (و) في (العود) منها (إلى عمران غيرها) كدارنا ودار أهل الذمة.
فتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بدارهم أي الكفار وبعمران الاسلام، فإن كان الجهاد في دارنا وعز فيها ما يأتي قال القاضي فلنا التبسط أيضا (بما يعتاد أكله) للآدمي (عموما) كقوت، وأدم وفاكهة (وعلف) للدواب التي لا يغتني عنها في الحرب (شعير أو نحوه) كتبن وقول لخبر أبي داود والحاكم، وقال صحيح على شرط البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى.
قال: أصبنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخيبر طعاما فكان كل أحد منا يأخذ منه قدر كفايته.
وفي البخاري عن ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه.
والمعنى فيه عزته بدار الحرب غالبا لاحراز أهله له عنا فجعله الشارع مباحا، ولانه قد يفسد وقد يتعذر نقله وقد تزيد مؤنة نقله عليه، وإن كان معه طعام يكفيه لعموم الاخبار، (وذبح) لحيوان مأكول (لاكل) ولو لجلده لا لاخذ جلده وجعله سقاء أو خفا أو غيره ويجب رد جلده إن لم يؤكل معه.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وذبح مأكول للحمه،
وليكن التبسط (بقدر حاجة) فلو أخذ فوقها لزمه رده إن بقي أو بدله إن تلف وهذا من زيادتي، وخرج بما يعتاد أكله غيره كمركوب وملبوس وبعموما ما تندر الحاجة إليه كدواء وسكر وفانيد، فإن احتاج إليها مريض منهم أعطاه الامام قدر حاجته بقيمته أو يحسبه عليه من سهمه كما لو احتاج أحدهم إلى ما يتدفأ به من برد أما من لحقهم بعد انقضاء الحرب ولو قبل حيازة الغنيمة، فلا حق له في التبسط كما لا حق له في الغنيمة، ولانه معهم كغير الضيف مع الضيف وهذا مقتضى ما في الرافعي، ووقع في الاصل والروضة اعتبار بعدية حيازة الغنيمة أيضا، وقد يوجه بأنه يتسامح في التبسط ما لا يتسامح في الغنيمة، (ومن عاد إلى العمران) المذكور (لزمه رد ما بقي) مما يتبسط به (إلى الغنيمة) لزوال الحاجة، والمراد بالعمران ما يجد فيه حاجته مما ذكر بلا عزة، كما هو الغالب وإلا فلا أثر له في منع التبسط، (ولغانم حر أو مكاتب غير صبي ومجنون ولو) سكران أو (محجورا) عليه بفلس أو سفه (إعراض عن حقه) منها، ولو بعد إفرازه (قبل ملكه) له، لان المقصود الاعظم من الجهاد إعلاء كلمة الله تعالى والذب عن الملة والغنائم تابعة فمن أعرض عنها فقد جرد قصده للغرض الاعظم، وإنما صح إعراض المحجور عليه، لان الاعراض يمحض جهاده للآخرة فلا يمنع منه.
وما اقتضاه كلام الاصل من عدم صحة إعراض المحجور عليه لان الاعراض يمحض جهاده للآخرة فلا يمنع منه وما اقتضاه كلام الاصل من عدم صحة إعراض محجور السفه ونقله في الروضة كأصلها عن تفقه الامام، إنما فرعه الامام على القول بأن الغنائم تملك بمجرد الاغتنام،

(2/304)


كما صرح به الغزالي في بسيطه والمعتمد خلافه كما سيأتي.
وممن صحح صحة إعراضه الاسنوي والاذرعي وغيرهما، ورده بعضهم بما لا يجدي، وخرج بزيادتي التقييد بالحر أو المكاتب الرقيق غير المكاتب والمبعض فيما وقع في نوبة سيده، إن كانت مهايأة وفيما يقابل رقه، إن لم تكن وبما بعدها الصبي والمجنون، وهو ظاهر وما لو أعرض بعد ملكه عن حقه فلا يصح لاستقرار ملكه، كسائر الاملاك (وهو) أي ملكه (باختيار تملك) ولو بقبوله ما أفرز له ولو
عقارا.
وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بالقسمة، لان العبرة به لا بها كما بينه في الروضة كأصلها (لا لسالب) ولا (لذي قربى) ولو واحدا فلا يصح إعراضهما، لان السلب متعين لمستحقه كالوارث، وسهم ذوي القربى منحة أثبتها الله تعالى لهم بالقرابة بلا تعب وشهود، وقعت كالارث فليسوا كالغائمين الذين يقصدون بشهودهم محض الجهاد لاعلاء كلمة الله تعالى، وأما بقية أهل الخمس فلا يتصور إعراضها لعمومها، و (المعرض) عن حقه (كمعدوم) فيضم نصيبه إلى الغنيمة ويقسم بين الباقين وأهل الخمس (ومن مات) ولم يعرض (فحقه لوارثه) فله طلبه والاعراض عنه (ولو كان فيها) أي الغنيمة (كلب أو كلاب تنفع) لصيد أو ماشية أو غير ذلك، (وأراده بعضهم) أي بعض الغانمين أو أهل الخمس كما في الروضة، وأصلها (ولم ينازع) فيه (أعطيه وإلا) بأن نوزع فيه (قسمت) تلك الكلاب (إن أمكن) قسمتها عددا، (وإلا أقرع) بينهم فيها أما ما لا ينفع منها فلا يجوز اقتناؤه وقولهم عددا هو المنقول.
قال الرافعي وقد مر في الوصية أنه يعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة، وينظر إلى منافعها فيمكن أن يقال بمثله هنا.
(وسواد العراق) من إضافة الجنس إلى بعضه، إذا السواد أزيد من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا كما قاله الماوردي.
وسمي بذلك لخضرته بالاشجار والزروع، لان الخضرة تظهر من البعد سوادا (فتح) أي فتحه عمر رضي الله تعالى عنه (عنوة) بفتح العين أي قهرا (وقسم) بين الغانمين وأهل الخمس (ثم) بعد قسمته، واختيار التمليك (بذلوه) بالمعجمة أي أعطوه لعمر، (ووقف) دون أبنيته لما يأتي فيها أي وقفه عمر رضي الله عنه (علينا) وأجره لاهله إجارة مؤبدة للمصلحة الكلية فيمتنع لكونه وقفا بيعه ورهنه وهبته.
وظاهر أن البذل إنما يكون ممن يمكن بذله كالغانمين وذوي القربى إن انحصروا بخلاف بقية أهل الخمس فلا يحتاج الامام في وقف حقهم إلى بذل لان له أن يعمل في مثل ذلك ما فيه المصلحة لاهله (وخراجة أجرة) منجمة تؤدي كل سنة مثلا لمصالحنا فيقدم الاهم فالاهم، (وهو من) أول (عبادان) بموحدة مشددة (إلى) آخر (حديثة الموصل) بفتح الحاء والميم، (طولا ومن) أول

(2/305)


(القادسية إلى) آخر (حلوان) بضم الحاء (عرضا لكن ليس للبصرة) بفتح الباء أشهر من ضمها وكسرها وتسمى قبة الاسلام أو خزانة العرب (حكمه) أي حكم سواد العراق، وإن كانت داخلة في حده (إلا الفرات شرقي دجلتها) بكسر الدال وفتحها، (ونهر الصراة) بفتح الصاد (غربيها) أي الدجلة، وما عداهما من البصرة كان مواتا أحياه المسلمون بعد وتسميتها بما ذكر من زيادتي.
(وأبنيته) أي سواد العراق (يجوز بيعها) إذ لم ينكره أحد ولان وقفها يفضي إلى خرابها، (وفتحت مكة صلحا) لآية: * (ولو قاتلكم الذين كفروا) *.
يعني أهل مكة ولقوله تعالى: * (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) *.
ولخبر مسلم: من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.
(ومساكنها وأرضها المحياة ملك) يتصرف فيه كسائر الاملاك كما عليه السلف والخلف.
وفي الاخبار الصحيحة ما يدل لذلك وأما خبر مكة لا يباع رباعها، ولا تؤجر دورها فضعيف، وإن رواه الحاكم وفتحت مصر عنوة على الصحيح والشام فتحت مدنها صلحا، وأرضها عنوة.
كذا نقله الرافعي في كتاب الجزية عن الروياني، ورجح السبكي أن دمشق فتحت عنوة.
(فصل) في الامان مع الكفار.
العقود التي تفيدهم الامن ثلاثة أمان وجزية، وهدنة لانه إن تعلق بمحصور فالامان أو بغير محصور فإن كان إلى غاية.
فالهدنة وإلا فالجزية، وهما مختصان لامام بخلاف الامان وستعلم أحكام الثلاثة، والاصل في الامان آية: * (وإن أحد من المشركين استجارك) * [ التوبة: 6 ].
وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما أي نقض عهده فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (لمسلم مختار غير صبي ومجنون وأسير) ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها (أمان حربي
محصور غير أسير ونحو جاسوس) واحدا كان أو أكثر كأهل قرية صغيرة فلا يصح الامان من كافر لانه متهم ولا من مكره أو صغير أو مجنون كسائر عقودهم ولا من أسير أي مقيد أو محبوس لانه مقهور بأيديهم لا يعرف وجه المصلحة ولان الامان يقتضى أن يكون المؤمن آمنا وهذا ليس بآمن، أما أسير الدار وهو المطلق ببلادهم الممنوع من الخروج منها فيصح أمانه.

(2/306)


قال الماوردي وإنما يكون مؤمنه آمنا منا بدارهم لا غير، إلا أن يصرح بالامان في غيرها ولا أمان حربي غير محصور كأهل ناحية وبلد، لئلا ينسد الجهاد، قال الامام: ولو أمن مائة ألف منا مائة ألف منهم فكل واحد لم يؤمن إلا واحدا، لكن إذا ظهر الانسداد رد الجميع، قال الرافعي وهو ظاهر: أن أمنوهم دفعة فإن وقع مرتبا فينبغي صحة الاول، فالاول إلى ظهور الخلل.
واختاره النووي وقال إنه مراد الامام، ولا أمان أسير وأمنه غير الامام لانه بالاسر ثبت فيه حق لنا وقيده الماوردي بغير من أسره أما من أسره فيؤمنه إن كان باقيا في يده لم يقبضه الامام ولا أمان نحو جاسوس كطليعة للكفار لخبر: لا ضرر ولا ضرار.
قال الامام: وينبغي أن لا يستحق تبليغ المأمن.
وتعبيري بغير صبي ومجنون لشموله السكران أعم من تعبيره بمكلف، ومفهوم قولي غير أسير أو لا أعم من قوله.
ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم وغير أسير الثاني من زيادتي.
(أربعة أشهر فأقل) فلو أطلق الامان حمل عليها ويبلغ بعدها المأمن، ولو عقد على أزيد منها، ولا ضعف بنا بطل في الزائد فقط تفريقا للصفقة.
وأما الزائد لضعفنا المنوط بنظر الامام فكهو في الهدنة.
ومحل ذلك في الرجال أما النساء ومثلهن الخناثى فلا يتقيدن بمدة، لان الرجال إنما منعوا من سنة لئلا يترك الجهاد.
والمرأة والخنثى ليسا من أهله وإنما يصح الامان (بما يفيد مقصوده ولو رسالة) وإن كان الرسول كافرا (وإشارة) مفهمة ولو من ناطق وكتابة وتعليقا بغرر كقوله: إن جاء زيد فقد أمنتك لبناء الباب على التوسعة لحقن الدم، كما يفيده اللفظ صريحا أو كناية والصريح كأمنتك أو أجرتك وأنت في أماني.
والكناية كأنت على ما تحب
أو كن كيف شئت.
وإطلاقي الاشارة لشمولها الايجاب والقبول أولى من تقييده لها بالقبول (إن علم الكافر الامان) بأن بلغه ولم يرده، وإلا فلا فلو بدر مسلم فقتله جاز ولو كان هو الذي أمنه، ولا يشترط فيه القبول واشتراطه بحث للامام جرى عليه الشيخان كالغزالي.
(وليس لنا نبذه) أي الامان (بلا تهمة) لانه لازم من جانبنا، أما بالتهمة فينبذه الامام والمؤمن.
فتعبيري بلنا أولى من تعبيره بالامام، (ويدخل فيه) أي في الامان للحربي بدارنا (ماله وأهله) من ولده الصغير أو المجنون، وزوجته إن كانا (بدارنا) وكذا ما معه من مال غيره، ولو بلا شرط دخولهما (إن أمنه إمام) من زيادتي، فإن أمنه غيره لم يدخل أهله، ولا مالا يحتاجه من ماله إلا بشرط دخولهما، وعليه يحمل كلام الاصل (وكذا) يدخلان فيه إن كانا (بدارهم إن شرطه) أي الدخول (إمام) لا غيره.
والتقييد بالامام من زيادتي.
أما إذا كان الامان للحربي بدارهم، فقياس ما ذكر أن يقال: إن كان أهله وماله بدارهم دخلا ولو بلا شرط إن أمنه الامام، وإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا مالا يحتاجه من ماله إلا بالشرط، وإن كانا بدارنا دخلا إن شرطه الامام لا غيره،

(2/307)


(وسن لمسلم بدار كفر أمكنه إظهار دينه) لكونه مطاعا في قومه أو له عشيرة تحميه، ولم يخف فتنة في دينه بقيد زدته بقولي.
(ولم يرج ظهور إسلام) ثم (بمقامه هجرة) إلى دارنا لئلا يكيدوا له.
نعم إن قدر على الامتناع والاعتزال، ثم ولم يرج نصرة المسلمين بها حرمت عليه، لان محله دار إسلام فيحرم أن يصيره باعزاله عنه دار حرب.
(ووجبت) عليه (إن لم يمكنه) ذلك أو خاف فتنة في دينه (وأطاقها) أي الهجرة، لآية: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) *.
فإن لم يطقها فمعذور إلى أن يطيقها، أما إذا رجا ما ذكر.
فالافضل أن يقيم (كهرب أسير)، فإنه يجب عليه أن أطاقه ولم يمكنه إظهار دينه لخلوصه به من قهر الاسر، وتقييدي بعدم الامكان هو ما جزم به القمولي وغيره، وقال الزركشي: أنه قياس ما مر في الهجرة، لكنه قال قبله: سواء أمكنه إظهار دينه أم لا.
ونقله عن تصحيح الامام، (ولو أطلقوه بلا
شرط فله اغتيالهم) قتلا وسبيا وأخذا للمال، إذ لا أمان، وقتل الغيلة أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه كما مر.
(أو) أطلقوه (على أنهم في أمانه أو عكسه) أي أو أنه في أمانهم، (حرم) عليه اغتيالهم، لان أمان الشخص لغيره يوجب أن يكون الغير آمنا منه، وصورة العكس من زيادتي.
واستثنى منها في الام ما لو قالوا أمناك ولا أمان لنا عليك، (فإن تبعه أحد فصائل) فيدفعه بالاخف فالاخف، (أو) أطلقوه (على أن لا يخرج من دارهم) بقيد زدته بقولي.
(ولم يمكنه ما مر) أي إظهار دينه، (حرم وفاء) بالشرط، لان في ذلك ترك إقامة دينه فإن أمكنه إظهاره جاز له الوفاء، لان الهجرة حينئذ مندوبة أو جائزة لا واجبة، (ولامام) ولو بنائبه (معاقدة كافر) هو أعم من قوله علجا وهو الكافر الغليظ (بدل على قلعة كذا) بإسكان اللام وفتحها، (بأمة) مثلا (منها) للحاجة إلى ذلك معينة كانت الامة أو مبهمة رقيقة أو حرة، لانها ترق بالاسر والمبهمة يعينها الامام بخلاف ما لو لم تكن من القلعة كأن قال: لو لك من مالي أمة.
فلا يجوز على الاصل في المعاقدة على مجهول، (فإن فتحها) عنوة من عاقده (بدلالته وفيها الامة) المعينة أو المبهمة (حية ولم تسلم قبله) أي قبل إسلامه بأن لم تسلم أو أسلمت معه أو بعده (أعطيها) وإن لم يكن فيها غيرها، (أو أسلمت قبله وبعد العقد أو ماتت بعد الظفر) بها.
(ف) يعطى (قيمتها إلا) بأن لم تفتح أو فتحها غير من عاقده، ولو بدلالته أو فتحها من عاقده لا بدلالته أو بدلالته، وليس فيها الامة أو فيها الامة وقد ماتت قبل الظفر بها أو أسلمت قبل إسلامه، وقبل العقد وإن أسلم بعدها (فلا شئ له) لعدم وجود المعلق عليه الفتح بصفته، ووجوب

(2/308)


قيمتها فيما ذكر هو ما نقله في الروضة كأصلها عن الجمهور، ونص عليه في الام، وقيل: يجب أجر المثل، وصححه الاصل تبعا للامام.
قال الشيخان: ومحل الخلاف إذا كانت معينة، فإن كانت مبهمة ومات كل من فيها وأوجبنا البدل، فيجوز أن يقال: يرجع بأجرة المثل، قطعا لتعذر تقويم المجهول ويجوز أن يقال تسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت، أما إذا فتحت صلحا بدلالته ودخلت في الامان فإن لم يرضوا بتسليم أمة ولا الكافر الدال ببدلها، نبذ الصلح
وبلغوا المأمن، وإن رضوا بتسليمها ببدلها أعطوا بدلها من حيث يكون الرضخ، وخرج بالكافر المسلم فإنه وإن صحت معاقدته كما نقله في الروضة كأصلها عن العراقيين، واقتضى كلامه في باب الغنيمة تصحيحه يعطاها ان وجدت حية، وإن أسلمت فلو ماتت بعد الظفر فله قيمتها.
وتعيين القلعة مع تقييد الفتح بمن عاقد، وإسلام الامة بالقبلية والبعدية المذكورتين من زيادتي.

(2/309)


(كتاب) (الجزية) تطلق على العقد وعلى المال الملتزم به، وهي مأخوذة من المجازاة لكفنا عنهم.
وقيل من الجزاء بمعنى القضاء، قال تعالى: * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) *.
أي لا تقضي، والاصل لها قبل الاجماع آية: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) *.
وقد أخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) من مجوس هجر.
وقال سنوابهم سنة أهل الكتاب كما رواه البخاري ومن أهل نجران كما رواه أبو داود.
والمعنى في ذلك أن في أخذها معونة لنا وإهانة لهم، وربما يحملهم ذلك على الاسلام وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها والصغار بالتزام أحكامنا.
(أركانها) خمسة (عاقد ومعقود له ومكان ومال وصيغة وشرط فيها) أي في الصيغة (ما) مر في شرطها (في البيع)، من نحو اتصال القبول بالايجاب، وعدم صحتها مؤقتة أو معلقة، وذكر الجزية وقدرها كالثمن في البيع.
فتعبيري بذلك أفيد مما عبر به (وهي) أي الصيغة إيجابا، (كأقررتكم أو أذنت في إقامتكم بدارنا) مثلا (على أن تلتزموا كذا) جزية (وتنقادوا لحكمنا) الذي يعتقدون تحريمه كزنا وسرقة دون غيره، كشرب مسكر ونكاح مجوس محارم.
وذلك لان الجزية والانقياد كالعوض عن التقرير فيجب ذكرهما كالثمن في البيع، (و) قبولا نحو (قبلنا ورضينا) وعلم من اشتراط ذكر الانقياد أنه لا يشترط ذكر كف لسانهم عن الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وسلم) ودينه لان في ذكر الانقياد غنية عنه، ويستثنى من منع صحة التأقيت السابق ما لو قال أقررتكم مشئتم لان لهم نبذ العقد متى شاؤوا، فليس فيه إلا التصريح بمقتضى العقد بخلاف الهدنة، لا تصح بهذا اللفظ لانه يخرج عقدها عن موضوعه من كونه
مؤقتا إلى ما يحتمل تأبيده المنافي لمقتضاه (وصدق كافر) وجد في دارنا (في) قوله (دخلت لسماع كلام الله) تعالى (أو رسولا أو بأمان مسلم) فلا نتعرض له، لان قصد ذلك يؤمنه.
والغالب أن الحربي لا يدخل بلادنا إلا بأمان فإن اتهم حلف ندبا نعم أن ادعى ذلك بعد أسره لم يصدق إلا ببينة.
(و) شرط (في العقد كونه إماما) يعقد بنفسه أو نائبه فلا يصح عقدها من غيره، لانها من الامور الكلية فتحتاج إلى نظر واجتهاد لكن لا يغتال المعقود له بل يبلغ مأمنه (وعليه إجابة إذا طلبوا وأمن) بأن لم

(2/310)


يخف غائلتهم ومكيدتهم، فإن خاف ذلك كأن يكون الطالب جاسوسا يخاف شره لم يجبهم.
والاصل في ذلك خبر مسلم عن بريدة كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه إلى أن قال: فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوا فأقبل منهم، وكف عنهم، ويستثنى الاسير إذا طلب عقدها فلا يجب تقريره به.
وقولي وأمن أولى من قوله إلا جاسوسا يخافه.
(و) شرط (في المعقود له كونه متمسكا بكتاب) كتوراة وإنجيل وصحف إبراهيم وشيث وزبور داود سواء أكان المتمسك كتابيا، ولو من أحد أبويه بأن اختاره أم مجوسيا (لجد) له (أعلى لم نعلم) نحن (تمسكه به بعد نسخه) بأن علمنا تمسكه به قبل نسخه أو معه، أو شككنا في وقته ولو كان تمسكه به بعد التبديل فيه، وإن لم يجتنب المبدل منه وذلك للآية وخبر البخاري السابقين، وتغليبا لحقن الدم، أما إذا علمنا تمسك الجد به بعد نسخه كمن تهود بعد بعثة عيسى عليه أفضل الصلاة والسلام فلا تعقد الجزية لفرعه لتمسكه بدين سقطت حرمته، ولا لمن لا كتاب له ولا شبهة كعبدة الاوثان والشمس والملائكة وحكم السامرة والصائبة هنا كهو في النكاح، إلا أن يشكل أمرهم فيقرون بالجزية.
فتعبيري بما ذكر أعم وأولى من تعبيره بما ذكره (حرا غير صبي ومجنون) ولو سكران وزمنا وهرما وأعمى وراهبا وأجيرا وفقيرا، لان الجزية كأجرة الدار ولانها تؤخذ لحقن الدم.
فلا جزية على من به رق وأنثى وخنثى وصبي ومجنون لان كلا منهم محقون الدم والآية السابقة في الذكور.
وقد كتب عمر
رضي الله عنه إلى أمراء الاجناد أن لا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان.
رواه البيهقي بإسناد صحيح، فلو طلب الخنثى والمرأة عقد الذمة في الجزية أعلمهما الامام بأنه لا جزية عليهما، فإن رغبا في بذلها فهي هبة ولو بان خنثى المعقود له ذكرا طالبناه بجزية المدة الماضية عملا بما في نفس الامر، (وتلفق إفاقة جنون) أي أزمنتها إن (كثر) الجنون وأمكن تلفيقها، فإن بلغت سنة وجبت الجزية اعتبارا للازمنة المتفرقة بالمجتمعة وخرج بكثر ما لو قل زمن الجنون كساعة من شهر فلا أثر له، (ولو كمل) ببلوغ أو إفاقة أو عتق (عقد له إن التزم جزية) فلا يكفي بعقد متبوعه، (وإلا) أي وإن لم يلتزمها (بلغ المأمن) لانه كان في أمان متبوعه.
وتعبيري بكمل أعم من تعبيره ببلغ.
(و) شرط (في المكان قبوله) للتقرير (فيمنع كافر) ولو ذميا (إقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وطرفها) أي الثلاثة (وقراها) كالطائف لمكة وخيبر للمدينة.
روى البيهقي عن أبي عبيدة ابن الجراح آخر ما تكلم به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخرجوا اليهود من الحجاز وروى الشيخان خبر أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ومسلم خبر لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
والقصد منها الحجاز المشتملة عليه.
وتعبيري بالاقامة أعم من

(2/311)


تعبيره بالاستيطان (فلو دخله بلا إذن إمام أخرجه) منه لعدم إذنه له (وعزر عالما بالتحريم) بدخوله لجراءته بخلاف ما إذا جهله، (ولا يأذن له) في دخوله الحجاز غير حرم مكة، (إلا لمصلحة لنا كرسالة وتجارة فيها كبير حاجة وإلا) بأن لم يكن فيها كبير حاجة (فلا يأذن له إلا بشرط أخذ شئ منها) أي من متاعها كالعشر أو نصفه بحسب اجتهاد الامام، ولا يؤخذ في كل سنة إلا مرة واحدة كالجزية، (ولا يقيم) فيه بعد الاذن له في دخوله (إلا ثلاثة) من الايام غير يومي الدخول والخروج، لان الاكثر منها مدة الاقامة وهو ممنوع منها.
ثم والمراد في موضع واحد فلو أقام في موضع ثلاثة أيام ثم انتقل إلى آخر أي وبينهما مسافة القصر وهكذا فلا منع
(فإن مرض فيه وشق نقله) منه (أو خيف منه) موته أو زيادة مرضه.
وذكر الخوف من زيادتي (ترك) مراعاة لاعظم الضررين وإلا نقل رعاية لحرمة الدار.
وتقييدي الترك في المريض بمشقة نقله تبعت فيه الاصل، والحاوي وغيرهما وهو فقه حسن وإن خالف ما في الروضة وأصلها فالذي فيهما عن الامام أنه ينقل عظمت المشقة أولا وعن الجمهور أنه لا ينقل مطلقا وعليه اقتصر مختصر الروضة (فإن مات) فيه (وشق نقله) منه لتقطعه أو بعد المسافة من غير الحجاز أو نحو ذلك (دفن ثم) للضرورة نعم الحربي لا يجب دفنه وتغرى الكلاب عليه فإن تأذى الناس برائحته ووري أما إذا لم يشق نقله بأن سهل قبل تغيره فينقل، فإن دفن ترك (ولا يدخل حرم مكة) ولو لمصلحة لقوله تعالى: * (فلا يقربوا المسجد الحرام) *.
[ التوبة: 28 ] والمراد جميع الحرم لقوله تعالى: * (وإن خفتم عيلة) *.
أي فقرا يمنعهم من الحرم، وانقطاع ما كان لكم بقدومهم من المكاسب، فسوف يغنيكم الله من فضله.
ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد لا إلى المسجد نفسه.
والمعنى في ذلك أنهم أخرجوا النبي (صلى الله عليه وسلم) منه فعوقبوا بالمنع من دخوله بكل حال (فإن كان رسولا خرج له إمام بنفسه أو نائبه (يسمعه فإن مرض أو مات فيه نقل) منه، وإن خيف موته أو دفن أو أذن له الامام لتعديه، ولان المحل غير قابل لذلك بالاذن فلا يؤثر فيه الاذن.
نعم إن تهرى بعد دفنه ترك وليس حرم المدينة كحرم مكة فيما ذكر فيه لاختصاصه بالنسك وفيه خبر الشيخين لا يحج بعد العام مشرك.
وأما غير الحجاز فلكل كافر دخوله بأمان (و) شرط (في المال) عند قوتنا (كونه دينارا فأكثر كل سنة) عن كل واحد لقوله (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: خذ من كل حالم أي محتلم دينارا.
رواه أبو داود وغيره وصححه

(2/312)


ابن حبان والحاكم، (ولكن لا يعقد لسفيه بأكثر) من دينار احتياطا له سواء أعقد هو أم وليه وهذا من زيادتي.
(وسن) للامام (مما كسة غير فقير) أي مشاحته في قدر الجزية سواء أعقد بنفسه أم بوكيله،
حتى يزيد على دينار بل إذا أمكنه أن يعقد بأكثر منه لم يجز أن يعقد بدونه إلا لمصلحة وسن أن يفاوت بينهم، (فيعقد لمتوسط بدينار ولغني بأربعة) للخروج من خلاف أبي حنيفة، فإنه لا يجيزها إلا كذلك فيؤخذ من كل منهما آخر السنة ما عقد به إن وجد بصفته آخرها، لان العبرة بوقت الاخذ لا بوقت العقد نقله في أصل الروضة عن النص، فلو عقد بأكثر من دينار، وامتنع الكافر من بذل الزائد فناقض للعهد كما سيأتي، فيعلم منه أنه يلزمه ما التزم كمن اشترى شيئا بأكثر من ثمن مثله، (ولو أسلم أو مات أو جن أو حجر عليه) بفلس أو سفه بعد سنة (فجزيته كدين ادمي) فتقدم على الوصايا، والارث ويسوى بينها وبين دين الآدمي لانها مال معاوضة وبهذا فارقت الزكاة حيث تقدم عليهما، (أو) أسلم أو مات أو جن أو حجر عليه بفلس أو سفه (في أثنائها)، أي السنة (فقسط) من الجزية لما مضى كالاجرة.
وصورة ذلك في الميت أن يخلف وارثا خاصا مستغرقا، وإلا فماله أو الباقي بعد قسط الجزية فئ فتسقط الجزية في الاول، والباقي بعد القسط في الثاني.
وذكر مسألة الجنون والحجر من زيادتي.
(وتؤخذ الجزية) منه (برفق) كسائر الديون ويكفي في الصغار المذكور في آيتها أن يجري عليه الحكم بما لا يعتقد حله، كما فسره الاصحاب بذلك، وتقدمت الاشارة إليه وتفسيره بأن يجلس الآخذ ويقوم الكافر ويطاطئ رأسه ويحني ظهره، ويضع الجزية في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب لهزمتيه، وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والاذن من الجانبين، مردود بأن هذه الهيئة باطلة، ودعوى سنها أو وجوبها أشد بطلانا.
ولم ينقل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا أحدا من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها، (وسن) لامام (أن يشرط) بنفسه أو نائبه (على غير فقير) من غني ومتوسط (ضيافة من يمر به منا) بخلاف الفقير لانها تتكرر فلا تتيسر له، (زائدة على جزية)، لانها مبنية على الاباحة، والجزية على التمليك (ثلاثة أيام فأقل)، وإطلاقي ما ذكر أعم من تقييده ببلدهم، (ويذكر عدد ضيفان رجلا وخيلا) لانه أنفى للغرر وأقطع للنزاع بأن يشرط ذلك على كل منهم أو على المجموع كأن يقول وتضيفوا في كل سنة ألف مسلم، وهم يتوزعون فيما بينهم أو يتحمل بعضهم عن بعض، (و) يذكر (منزلهم ككنيسة وفاضل مسكن وجنس طعام وأدم) من
خبز وسمن وزيت ونحوها.
(وقدرهما لكل منا) ويفاوت بينهم في القدر لا في الصفة بحسب

(2/313)


تفاوت الجزية، ويذكر قدر أيام الضيافة في الحول كمائة يوم فيه، (و) يذكر (العلف) للدواب (لا جنسه و) لا (قدره) أي لا يشترط ذكرهما فيكفي الاطلاق ويحمل على تبن وحشيش وقت بحسب العادة (إلا الشعير) إن ذكره، (فيقدره) ولو كان لواحد دواب ولم يعين عددا منها لم يعلف له إلا واحدة على النص، وقولي لا جنسه إلى آخره من زيادتي.
والاصل في ذلك ما روى البيهقي أنه (صلى الله عليه وسلم) صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة رجل، وعلى ضيافة من يمر بهم من المسلمين.
وروى الشيخان خبر الضيافة ثلاثة أيام وليكن المنزل بحيث يدفع الحر والبرد، (وله إجابة من طلب) منه ولو أعجميا (أداء جزية) لا باسمها بل (باسم زكاة إن رآه) مصلحة، ويسقط عنه اسم الجزية، (و) له (تضعيفها) أي الزكاة (عليه) كما فعل عمر رضي الله عنه، ولم يخالفه أحد من الصحابة، وله أيضا تربيعها وتخميسها ونحوهما بحسب المصلحة (لا الجبران) لئلا يكثر التضعيف، ولانه على خلاف القياس فيقتصر فيه على مورد النص.
ففي خمسة أبعرة شاتان وخمسة وعشرين بنتا مخاض.
وفي المعشرات خمسها أو عشرها، وفي الركاز خمسان ولو ملك ستا وثلاثين بعيرا ليس فيها بنتا لبون، أخرج بنتي مخاض مع إعطاء الجبران أو حقتين مع أخذه فيعطى في النزول مع كل واحدة شاتين أو عشرين درهما، ويأخذ في الصعود مع كل واحدة مثل ذلك لكن الخيرة في ذلك هنا للامام لا للمالك كما نص عليه الشافعي.
(ولا يأخذ قسط بعض نصاب) كشاة من عشرين شاة ونصف شاة من عشرة، لان الاثر إنما ورد في تضعيف ما يلزم المسلم (ثم المأخوذ) منه مضعفا أو غير مضعف (جزية) فيصرف مصرفها، ولهذا قال عمر: هؤلاء حمقى أبوا الاسم ورضوا بالمعنى، ولا يؤخذ من مال من لا تلزمه الجزية كالمرأة والصبي ويزاد على الضعف إن لم يف بدينار عن كل واحد إلى أن يفي.
(فصل) في أحكام الجزية غير ما مر (لزمنا) بعقدها للكفار (الكف) عنهم مطلقا) عن التقييد بما يأتي بأن لا تتعرض لهم نفسا، ومالا وسائر ما يقرون عليه كخمر وخنزير، لم يظهر وهما لانهم إنما بذلوا الجزية لعصمتها.
وروى أبو داود خبر ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فإنا حجيجه يوم القيامة.
(والدفع) أي دفع المسلم وغيره فهو أعم من قوله، ودفع

(2/314)


أهل الحرب (عنهم) إن كانوا بدارنا أو بدار حرب فيها مسلم، (لا) إن كانوا (بدار حرب خلت عن مسلم) فلا يلزمنا الدفع عنهم إذ لا يلزمنا الدفع عنها بخلاف دارنا، (إلا إن شرط) الدفع عنهم (أو انفردوا بجوارنا) فيلزمنا ذلك لالتزامنا إياه في الاولى وإلحاقا في الثانية بنا في العصمة.
وقولي لا بدار إلى إلا إن شرط مع تقييد ما بعده بقولي بجوارنا من زيادتي.
(و) لزمنا (ضمان ما نتلفه عليهم نفسا ومالا) أي يضمنه المتلف لعصمتهم بخلاف الخمر ونحوها، (و) لزمنا (منعهم إحداث كنيسة ونحوها) كبيعة وصومعة للتعبد فيهما (و) لزمنا (هدمهما) ببلد أحدثناه كبغداد والقاهرة، أو أسلم أهله عليه كاليمن والمدينة، أو فتحناه عنوة كمصر وأصبهان أو صلحا مطلقا أو بشرط كونه لنا ولم يشرط إحداهما في مسألة المنع ولا إبقائهما في مسألة الهدم، لانه ملك لنا (لا ببلد فتحناه صلحا وشرط) كونه (لنا مع إحداثهما) في الاولى (أو إبقائهما) في الثانية، (أو) شرط كونه (لهم) ويؤدون خراجه فلا نمنعهم إحداثهما ولا نهدمهما، لانه ملكهم فيما إذا شرط لهم وكأنهم استثنوا إحداثهما أو إبقاءهما فيما إذا شرط لنا.
نعم لو وجدتا ببلد لم نعمل احداثهما به بعد إحداثه إو الاسلام عليه أو فتحه ولا وجودهما عندها لم نهدمهما لاحتمال أنهما كانتا في قرية أو برية فاتصلت بهما عمارتنا.
وقولي ونحوها من زيادتي.
وكذا مسألة الفتح صلحا مطلقا أو بشرط كون البلد لنا مع شرط إحداث ما ذكر وهو ما نقل الشيخان في الاخيرة عن الروياني، وغيره وأقراه وتوقف فيه
الاذرعي بل صرح الماوردي بالمنع، وحمل الزركشي عدمه على ما إذا دعت إليه ضرورة ومسألة الهدم ببلد أحدثناه أو أسلم أهله عليه من زيادتي.
(و) لزمنا (منعهم مساواة بناء لبناء جار مسلم) ورفعه عليه المفهوم الاولى، وإن رضي لحق الاسلام ولخبر الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ولئلا يطلعوا على عوراتنا، وللتمييز بين البناءين بخلاف ما إذا لم يكن لهم جار مسلم كأن انفردوا بقرية أو بعدوا عن بناء المسلم عرفا إذ المراد بالجار أهل محلته دون جميع البلد كما ذكره الجرجاني، واستظهره الزركشي.
(و) منعهم (ركوبا لخيل) لان فيه عزا واستثنى الجويني البراذين الخسيسة، وخرج بالخيل غيرها كالحمير والبغال ولو نفيسة، (و) ركوبا (بسرج أو ركب نحو حديد) كرصاص تمييزا لهم عنا بخلاف برذعة وركب خشب أو نحوه، ويؤمرون بالركوب عرضا، وقيل لهم الاستواء.
واستحسن الشيخان الفرق بين المسافة البعيدة والقريبة.
قال ابن كج وهذا في الذكور البالغين أي العقلاء ونحو من زيادتي.
(و) لزمنا (إلجاؤهم) بقيد زدته بقولي (لزحمتنا إلى أضيق طريق) بحيث لا يقعون في وهدة ولا يصدمهم جدار.
روى الشيخان خبر لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه فإن خلت الطرق عن

(2/315)


الزحمة فلا حرج.
(و) لزمنا (عدم توقيرهم و) عدم (تصديرهم بمجلس) بقيد زدته بقولي (به مسلم) إهانة لهم.
(و) لزمنا (أمرهم) أعني البالغين العقلاء منهم (بغيار) بكسر المعجمة وهو تغيير اللباس بأن يخيط فوق الثياب بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونه لونه ويلبس والاولى باليهودي الاصفر وبالنصراني الازرق أو الاكهب.
ويقال الرمادي وبالمجوسي الاحمر أو الاسود ويكتفي عن الخياطة بالعمامة كما عليه العمل الآن.
قال في الروضة كأصلها وبإلقاء منديل ونحوه، واستبعده ابن الرفعة (أو زنار) بضم الزاي، وهو خيط غليظ فيه ألوان يشد في الوسط (فوق الثياب) فجمع الغيار مع الزنار تأكيد ومبالغة في الشهرة والتمييز وهو المنقول عن عمر رضي الله عنه.
فتعبيري بأو أولى من تعبيره بالواو، والمرأة
تجعل زنارها تحت الازار مع ظهور شئ منه، ومثلها الخنثى فيما يظهر (و) لزمنا أمرهما ب (تمييزهم بنحو خاتم حديد) كخاتم رصاص وجلجل حديد أو رصاص في أعناقهم أو غيرها، (إن تجردوا) عن ثيابهم (بمكان) كحمام (به مسلم).
وتقييدي بالمسلم في غير الحمام من زيادتي، (و) لزمنا (منعهم إظهار منكر بيننا) كإسماعهم إيانا قولهم الله ثالث ثلاثة، واعتقادهم في عزير والمسيح عليهما الصلاة والسلام، وإظهار خمر وخنزير وناقوس وعيد لما فيه من إظهار شعائر الكفر بخلاف ما إذا أظهروها فيما بينهم كأن انفردوا في قرية، والناقوس ما يضربه النصارى لاوقات الصلوات، (فإن خالفوا) بأن أظهروا شيئا مما ذكر (عزروا)، وإن لم يشرط في العقد وهذا من زيادتي.
(ولم ينتقض عهدهم)، وإن شرط انتقاضه به لانهم يتدينون به (ولو قاتلونا) ولا شبهة لهم كما مر في البغاة، (أو أبوا جزية) بأن امتنعوا من بذل ما عقد به أو بعضه ولو زائدا على دينار، (أو إجراء حكمنا) عليهم (انتقض) عهدهم بذلك لمخالفته موضوع العقد، (ولو زنى ذمي بمسلمة ولو بنكاح) أي باسمه (أو دل أهل حرب على عورة) أي خلل (لنا) كضعف (أو دعا مسلما للكفر أو سب الله) تعالى (أو نبيا له) (صلى الله عليه وسلم).
وهو أعم من قوله رسول الله، (أو الاسلام أو القرآن بما لا يدينون به أو) فعل (نحوها) كقتل مسلم عمدا أو قذفه (انتقض عهده) به (إن شرط انتقاضه به)، وإلا فلا.
وهذا ما في الشرح الصغير وهو المنقول عن النص.
لكن صحح في أصل الروضة عدم الانتقاض به مطلقا، لانه لا يخل بمقصود العقد، وسواء انتقض عهده أم لا يقام عليه موجب ما فعله من حد أو تعزير، أما ما يدينون به كقولهم القرآن ليس من عند الله، وقولهم الله ثالث ثلاثة، فلا انتقاض به مطلقا كما مرت الاشارة

(2/316)


إليه.
وقولي بما لا يدينون به مع أو نحوها من زيادتي.
وكذا التصريح بسب الله تعالى (ومن انتقض عهده بقتال قتل) ولا يبلغ المأمن، لقوله تعالى: * (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) *.
ولانه لا وجه لابلاغه مأمنه مع نصبه القتال (أو بغيره)، بقيد زدته بقولي (ولم يسأل تجديد
عهده فللامام الخيرة فيه) من قتل، وإرقاق ومن وفداء، ولا يلزمه أن يلحقه بمأمنه لان كافر لا أمان له كالحربي ويفارق من أمنه صبي، حيث نلحقه بمأمنه إن ظن صحة أمانه بأن ذاك يعتقد لنفسه أمانا وهذا فعل باختياره ما أوجب الانتقاض، أما لو سأل تجديد عهد فتجب إجابته (فإن أسلم قبلها) أي الخيرة (تعين من) فيمتنع القتل، والارقاق والقداء لانه لم يحصل في يد الامام بالقهر وهذا أولى من قوله: امتنع الرق (ومن انتقض أمانه) الحاصل بجزية وغيرها (لم ينتقض أمان ذراريه) إذ لم يوجد منهم ناقض.
وتعبيري بذراريه أعم من تعبيره بالنساء أو الصبيان، (ومن نبذه) أي الامان (واختار دار الحرب بلغها) وهي مأمنه ليكون مع نبذه الجائز له خروجه بأمان كدخوله، ولانه لم يوجد منه خيانة ولا ما يوجب نقض عهده.

(2/317)


كتاب الهدنة من الهدون أي السكون وهي لغة المصالحة، وشرعا مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، وتسمى موادعة ومهادنة ومعاهدة ومسالمة.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) * الآية.
وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * ومهادنته (صلى الله عليه وسلم) قريشا عام الحديبية كما رواه الشيخان، وهي جائزة لا واجبة (إنما يعقدها لبعض) كفار (إقليم وإليه أو إمام) ولو بنائبه (ولغيره) من الكفار كلهم أو كفار إقليم كالهند والروم (إمام) ولو بنائبه، لانها من الامور العظام لما فيها من ترك الجهاد مطلقا، أو في جهة، ولانه لا بد فيها من رعاية مصلحتنا.
فاللائق تفويضها للامام مطلقا أو من فوض إليه الامام مصلحة الاقاليم فيما ذكر وما ذكر فيه هو ما في الاصل وغيره، وقضيته أن وإلي الاقليم لا يهادن جميع أهله وبه صرح الفوراني، لكن صرح العمراني بأن له ذلك.
وتعبيري بالبعض أولى من تعبير الاصل ببلدة، وإنما تعقد (لمصلحة) فلا يكفي انتفاء المفسدة قال تعالى: * (فلا تهنوا وتدعو إلى السلم وأنتم الاعلون) *.
والمصلحة (كضعفنا)
بقلة عدد وأهبة (أرجاء إسلام أو بذل جزية) ولو بلا ضعف فيهما، (فإن لم يكن) بنا (ضعف جازت ولو بلا عوض (إلى أربعة أشهر) الآية: * (فسيحوا في الارض) *.
ولانه (صلى الله عليه وسلم) هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح رجاء إسلامه فأسلم قبل مضيها.
قال الماوردي: ومحله في النفوس أما أموالهم فيجوز العقد عليها مؤبدا (وإلا) بأن كان بنا ضعف (فإلى عشر سنين) بقيد زدته بقولي (بحسب الحاجة) لان (صلى الله عليه وسلم) هادن قريشا هذه المدة.
رواه أبو داود فلا يجوز أكثر منها إلا في عقود متفرقة بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشر ذكره الفوراني وغيره، ولو دخل إلينا بأمان لسماع كلام الله تعالى، فاستمع في مجالس يحصل بها البيان لم يمهل أربعة أشهر لحصول غرضه، (فإن زيد) على الجائز منها بحسب المصلحة أو الحاجة (بطل في الزائد) دون الجائز عملا بتفريق الصفقة، وعقد الهدنة للنساء.
والخناثى لا يتقيد بمدة (ويفسد العقد إطلاقه) لاقتضائه التأبيد وهو ممتنع لمنافاته مقصوده من المصلحة

(2/318)


(وشرط فاسد كمنع) أي كشرط منع (فك أسرانا) منهم (أو ترك مالنا) عندهم من مسلم وغيره.
(لهم أورد مسلمة) أسلمت عندنا أو أتتنا منهم مسلمة (أو عقد جزية بدون دينار) أو إقامتهم بالحجاز أو دخلوهم الحرم (أو دفع مال إليهم) لاقتران العقد بشرط مفسد.
نعم إن كان ثم ضرورة كأن كانوا يعذبون الاسرى أو أحاطوا بنا وخفنا اصطلامهم جاز الدفع إليهم بل وجب ولا يملكونه، وقولي كمنع إلى آخره أولى من قوله بأن شرط منع فك أسرانا إلى آخره، (وتصح) الهدنة (على أن يقضها إمام أو معين عدل ذو رأي متى شاء) فإذا نقضها انتقضت، وليس له أن يشاء أكثر من أربعة أشهر عند قوتنا ولا أكثر من عشر سنين عند ضعفنا، (ومتى فسدت بلغناهم مأمنهم) أي ما يأمنون فيه منا ومن أهل عهدنا وأنذرناهم إن لم يكونوا بدارهم ثم لنا قتالهم، وإن كانوا بدارهم فلنا قتالهم بلا إنذار وهذه مع مسألة المعين من زيادتي (أو صحت لزمنا الكف عنهم) أي كف أذانا وأذى أهل العهد (حتى تنقضي) مدتها (أو تنقض) قال تعالى: * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) *.
وقال: * (فما استقاموا لكم
فاستقيموا لهم) *.
فلا يلزم كيف أذ الحربيين عنهم ولا أذى بعضهم عن بعض، لان مقصود الهدنة الكف عما ذكر لا الحفظ وبذلك علم أنها لا تنفسخ بموت الامام ولا بعزله ونقضها يكون (بتصريح) منهم أو منا بطريقه، (أو نحوه) أي التصريح (كقتالنا أو مكاتبة أهل حرب بعورة لنا أو نقض بعضهم بلا إنكار باقيهم) قولا وفعلا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا أو إيواء عيون الكفار أو سب الله سبحانه تعالى أو نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وإنما كان عدم إنكار الباقين في نقض بعضهم نقضا فيهم لضعف الهدنة بخلاف نظيره في عقد الجزية وقولي أو تنقض مع أو نحوه أعم وأولى مما ذكره (وإذا انتقضت) أي الهدنة (جازت إغارة عليهم) ولو ليلا بقيد زدته بقولي (ببلادهم) فإن كانوا ببلادنا بلغناهم مأمنهم (وله) أي للامام ولو بنائبه (بأمارة خيانة) منهم لا بمجرد وهم وخوف (نبذ هدنة) لآية: * (وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم) *.
فتعبيري بالامارة أولى من تعبيره بالخوف (لا) نبذ (جزية) لان عقدها آكد من عقد الهدنة لانه مؤبد وعقد معاوضة (ويبلغهم) بعد استيفاء ما عليهم (مأمنهم) أي ما يؤمنون فيه ممن مر، (ولو شرط رد من جاءنا منهم أو أطلق) بأن لم يشرط رد ولا عدمه (لم يرد واصف إسلام) وإن ارتد، (إلا إن كان في الاولى ذكرا وحرا غير صبي ومجنون طلبته عشيرته) إليها لانها تذب عنه وتحميه مع

(2/319)


قوته في نفسه، (أو) طلبه فيها (غيرها) أي غير عشيرته (وقدر على قهره) ولو بهرب.
وعليه حمل رد النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان فقتل أحدهما في الطريق وأفلت الآخر رواه البخاري.
فلا ترد أنثى إذ لا يؤمن أن يطأها زوجها أو تتزوج كافرا.
وقد قال تعالى: * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) * ولا خنثى احتياطا ولا رقيق وصبي ومجنون ولا من لم تطلبه عشيرته ولا غيرها أو طلبه غيرها وعجز عن قهره لضعفهم، فإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون ووصف الكفر رد وخرج بالتقييد بالاولى.
وهو من زيادتي مسألة الاطلاق فلا يجب الرد مطلقا والتصريح بوصف الاسلام في غير المرأة من زيادتي
(ولم تجب) بارتفاع نكاح امرأة بإسلامها قبل الدخول أو بعده (دفع مهر لزوج) لها، لان البضع ليس بمال فلا يشمله الامان كما لا يشمل زوجته.
وأما قوله تعالى: * (وآتوهم) * [ الممتحنة: 10 ] أي الازواج ما * (أنفقوا) * أي من المهور، فهو وإن كان ظاهرا في وجوب الغرم محتمل لندبه الصادق بعدم الوجوب الموافق للاصل، ورجحوه على الوجوب لما قام عندهم في ذلك.
(والرد) له يحصل (بتخلية) بينه وبين طالبه كما في الوديعة، (ولا يلزمه رجوع) إليه (وله قتل طالبه) دفعا عن نفسه ودينه ولذلك لم ينكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على أبي بصير امتناعه وقتله طالبه، (ولنا تعريض له به) أي بقتله لما روي أحمد في مسنده أن عمر قال لابي جندل حين رده النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أبيه سهيل بن عمر وإن دم الكافر عند الله كدم الكلب يعرض له بقتل أبيه.
وخرج بالتعريض التصريح فيمتنع (ولو شرط) عليهم في الهدنة (رد مرتد) جاءهم منا، (لزمهم الوفاء) به عملا بالشرط سواء أكان رجلا أم امرأة حرا أو رقيقا (فإن أبو افناقضون) العهد لمخالفتهم الشرط، (وجاز شرط عدم رده) أي مرتد جاءهم منا ولو امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده لانه (صلى الله عليه وسلم) شرط ذلك في مهادنة قريش ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق فإن عاد إلينا رددنا لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة كذا في الروضة كأصلها.
(فرع) قال الماوردي يجوز شراء أولاد المعاهدين منهم لا سبيهم.

(2/320)


كتاب الصيد أصله مصدر ثم أطلق على المصيد (والذبائح) جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة.
والاصل فيهما قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) *.
وقوله: * (إلا ما ذكيتم) * (أركان الذبح) بالمعنى الحاصل بالمصدر أربعة.
(ذبح وذابح وذبيح وآلة فالذبح) الشامل للنحر، وقتل غير المقدور عليه بما يأتي (قطع حلقوم) وهو مجرى النفس (ومرئ) وهو مجرى الطعام (من) حيوان (مقدور) عليه (وقتل غيره) أي قتل غير المقدور عليه (بأي محل) كان
منه، والكلام في الذبح استقلالا فلا يرد الجنين، لان ذبحه بذبح أمه تبعا لخبر ذكاة الجنين ذكاة أمه (ولو ذبح مقدورا) عليه (من قفاه أو) من داخل (أذنه عصى) لما فيه من التعذيب، ثم أن قطع حلقومه ومريئه وبه حياة مستقرة أول القطع حل وإلا فلا كما يعلم مما يأتي، وسواء في الحل أقطع الجلد الذي فوق الحلقوم والمرئ أم لا.
وتعبيري بأذنه أعم من تعبيره بأذن ثعلب (وشرط في الذبح قصد) أي قصد العين أو الجنس بالفعل.
والتصريح بهذا من زيادتي (فلو سقطت مدية على مذبح شاة أو احتكت بها فانذبحت أو استرسلت جارحة بنفسها فقتلت أو أرسل سهما لا لصيد) كأن أرسله إلى غرض أو اختبارا لقوته، (فقتل صيدا حرم) وإن أغرى الجارحة صاحبها بعد استرسالها في الثانية، وزاد عدوها لعدم القصد المعتبر (كجارحة) أرسلها و (غابت عنه مع الصيد أو جرحته) ولم ينته بالجرح إلى حركة مذبوح (وغاب ثم وجده ميتا فيها) فإنه يحرم لاحتمال أن موته بسبب آخر وما ذكر من التحريم في الثانية، هو ما عليه الجمهور، وصححه الاصل واعتمده البلقيني.
لكن اختار النووي في تصحيحه الحل وقال في الروضة، إنه أصح دليلا وفي المجموع، أنه الصواب أو الصحيح (لا إن رماه ظانه حجرا) أو حيوانا لا يؤكل (أو) رمى (سرب) بكسر أوله أي قطيع، (ظباء فأصاب واحدة) منه (أو قصد واحدة) منه (فأصاب غيره) فلا يحرم لصحة قصده، ولا اعتبار بظنه المذكور (وسن نحر إبل)

(2/321)


في لبة وهي أسفل العنق لانه أسهل لخروج روحها بطول عنقها (قائمة معقولة ركبة) بقيد زدته بقولي، (يسري وذبح نحو بقر) كغنم وخيل في حلق وهو أعلى العنق، للاتباع رواه الشيخان وغيرهما، ويجوز عكسه بلا كراهة إذ لم يرد فيه نهي (مضجعا لجنب أيسر) لانه أسهل على الذابح في أخذه السكين باليمين، وإمساكه الرأس باليسار (مشدودا قوائمه غير رجل يمنى) لئلا يضطرب حالة الذبح، فيزل الذابح بخلاف رجله اليمنى فتترك بلا شد ليستريح بتحريكها.
وتعبيري بنحو بقر أعم من تعبيره بالبقر والغنم،
(و) سن (أن يقطع) الذابح (الودجين) بفتح الواو والدال تثنية ودج وهما عرقا صفحتي عنق يحيطان به يسميان بالوريدين، (و) أن (يحد) بضم الياء (مديته) لخبر مسلم وليحد أحدكم شفرته، وهي بفتح الشين السكين العظيم.
والمراد السكين مطلقا (و) أن (يوجه ذبيحته) أي مذبحها (لقبلة ويتوجه هو لها أيضا.
(و) أن يسمي لله وحده) عند الفعل من ذبح أو إرسال سهم أو جارحة فيقول بسم الله للاتباع فيهما.
رواه الشيخان في الذبح للاضحية بالضأن وقيس بما فيه غيره، وخرج بوحده تسمية رسوله معه بأن يقول بسم الله واسم محمد فلا يجوز لايهامه التشريك.
قال الرافعي: فإن أراد أذبح بسم الله وأتبرك باسم محمد (صلى الله عليه وسلم) فينبغي أن لا يحرم، ويحمل إطلاق من نفى الجواز عنه على أنه مكروه، لان المكروه يصح نفي الجواز عنه.
(و) أن (يصلي) ويسلم (على النبي) (صلى الله عليه وسلم) لانه محل يشرع فيه ذكر الله فيشرع فيه ذكر نبيه كالاذان والصلاة، (و) شرط (في الذابح) الشامل للناحر ولقاتل غير المقدور عليه بما يأتي ليحل مذبوحه، (حل نكاحنا لاهل ملته) بأن يكون مسلما أو كتابيا بشرطه السابق في النكاح ذكرا أو أنثى ولو أمة كتابية.
قال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) *، بخلاف المجوسي ونحوه وإنما حلت ذبيحة الامة الكتابية مع أنه يحرم نكاحها، لان الرق مانع ثم لا هنا والشرط المذكور معتبر من أول الفعل إلى آخره، ولو تخلل بينهما ردة أو إسلام نحو مجوسي لم تحل ذبيحته ودخل فيما عبرت به ذبيحة أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد موته، فتحل بخلاف ما عبر به (وكونه في غير مقدور) عليه من صيد وغيره (بصيرا) فلا يحل مذبوح لاعمى بإرسال آلة الذبح، إذ ليس له في ذلك قصد صحيح.
والتصريح بهذا مع شموله لغير الصيد من زيادتي.
(وكره ذبح أعمى وغير مميز) لصبا أو جنون (وسكران) لانهم قد يخطئون المذبح فعلم أنه يحل ذبح الاعمى في المقدور عليه وذبح الآخرين مطلقا، لان لهم قصد أو إرادة في الجملة ومنه يؤخذ عدم حل ذبح النائم.
وقد حكى الدارمي فيه وجهين وذكر حل ذبح الصبي والمجنون والسكران في غير المقدور عليه من غير الصيد مع ذكر كراهة، ذبح غير المميز والسكران من زيادتي.

(2/322)


(وحرم ما شارك فيه من حل ذبحه غيره) كأن أمر مسلم ومجوسي مدية على حلق شاة، أو قتلا صيدا بسهم أو جارحة تغليبا للمحرم.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (لا ما سبق إليه) من آلتيهما المرسلتين إليه، (آلة الاول فقتلته أو أنهته إلى حركة مذبوح) فلا يحرم كما لو ذبح مسلم شاة فقدها مجوسي، بخلاف ما لو انعكس ذلك أو جرحاه معا أو جهل ذلك أو جرحاه مرتبا ولم يذفف أحدهما فمات بهما تغليبا للمحرم كما علم مما مر.
(و) شرط (في الذبيح كونه) حيوانا (مأكولا فيه حياة مستقرة) أول ذبحه وإلا فلا يحل لانه حينئذ ميتة نعم المريض لو ذبح آخر رمق حل إن لم يوجد فعل يحال الهلاك عليه من جرح أو نحوه وسيأتي حل ميتة السمك.
والجراد ودود طعام لم ينفرد عنه (ولو أرسل آلة على غير مقدور) عليه كصيد وبعير ند وتعذر لحوقه ولو بلا استعانة (فجرحته ولم يترك ذبح بتقصير) بأن لم يدرك فيه حياة مستقرة، كأن رماه فقده نصفين أو أبان منه عضوا بجرح مذفف أو بغير مذفف ولم يثبته به ثم جرحه ثانيا، فمات حالا أو أدركها وذبحه ولو بعد أن أبان منه عضوا بجرح غير مذفف أو ترك ذبحه بلا تقصير كأن اشتغل بتوجيهه للقبلة أو سل السكين، فمات قبل الامكان (حل) إجماعا في الصيد ولخبر الشيخين في البعير بالسهم، وقيس بما فيه غيره ورويا خبر أبي ثعلبة ما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه وكل، (إلا عضوا أبانه) منه (بجرح غير مذفف) أي غير مسرع للقتل فلا يحل لانه أبين من حي سواء أذبحه بعد الابانة أم جرحه ثانيا أم ترك ذبحه بلا تقصير ومات بالجرح.
وما ذكرته في صورة الترك هو ما صححه في الشرحين والروضة والذي صححه الاصل فيها حل العضو أيضا كما لو كان الجرح مذففا، أما لو ترك ذبح بتقصير كأن لم يكن معه سكين أو غصب منه أو علق في الغمد بحيث يعسر إخراجه، أو أبان منه عضوا بجرح غير مذفف وأثبته به ثم جرحه ومات فلا يحل لتقصيره بترك حمل السكين، ودفع غاصبه وبعدم استصحاب غمد يوافقه وبترك ذبحه بعد قدرته عليه.
نعم رجح البلقيني الحال فيما لو غصب بعد الرمي أو كان الغمد معتادا غير ضيق فعلق لعارض،
(وما تعذر ذبحه لوقوعه في نحو بئر حل بجرح يزهق ولو بسهم) لانه حينئذ في معنى البعير الناد (لا بجارحة) أي بإرسالها فلا يحل.
والفرق أن الحديد يستباح به الذبح مع القدرة بخلاف فعل الجارحة ونحو من زيادتي.
(و) شرط (في الآلة كونها محددة) بفتح الدال المشددة أي ذات حد (تجرح كحديد) أي كمحدد حديد (وقصب وحجر) ورصاص وذهب وفضة (إلا عظما) كسن وظفر لخبر الشيخين ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس

(2/323)


السن والظفر وألحق بهما باقي العظام ومعلوم مما يأتي أن ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها حلال فلا حاجة لاستثنائه، (فلو قتل بثقل غير جارحة) من مثقل (كبندقة) وسوط وأحبولة خنقته وهي ما تعمل من الحبال للاصطياد، (و) من محدد مثل (مدية كالة أو) قتل (بمثقل) بفتح القاف المشددة (ومحدد كبندقة وسهم) وسهم جرح صيدا فوقع بحبل أو نحوه ثم سقط منه ومات (حرم) فيهما تغليبا للمحرم في الثانية ولقوله تعالى: * (والمنخنقة والموقوذة) * [ المائدة: 3 ] أي المقتولة ضربا في الاولى بنوعيها.
أما المقتول بثقل الجارحة فكالمقتول بجرحها، كما يعلم مما يأتي أيضا، (لا إن جرحه سهم في هواء وأثر) فيه (فسقط بأرض ومات أو قتل بإعانة ريح للسهم) فلا يحرم، لان السقوط على الارض وهبوب الريح لا يمكن التحرز منهما وخرج بجرحه وأثر ما لو أصابه السهم في الهواء بلا جرح ككسر جناح أو جرحه، ولم يؤثر فيه فيحرم.
فتعبيري بجرحه أولى من تعبيره بأصابه وقولي وأثر من زيادتي، (وكونها) أي الآلة (في غير مقدور) عليه (جارحة سباع أو طير ككلب وفهد وصقر معلمة) قال تعالى: * (أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح) *.
أي صيده وتعلمها (بأن تنزجر بزجر) في ابتداء الامر وبعده (وتسترسل بإرسال) أي تهيج بإغراء (وتمسك) ما أرسلت عليه بأن لا تخليه يذهب ليأخذه المرسل (ولا تأكل منه) أي من لحمه أو نحوه كجلد وحشوته قبل قتله أو عقبه.
وما ذكرته من اشتراط جميع هذه الامور في جارحة الطير، وجارحة السباع وهو ما نص عليه الشافعي كما نقله البلقيني كغيره، ثم قال ولم يخالفه أحد
من الاصحاب، وكلام الاصل كالروضة وأصلها يخالف ذلك حيث خصها بجارحة السباع.
وشرط في جارحة الطير ترك الاكل فقط (مع تكرر) لذلك (يظن به تأدبها) ومرجعه أهل الخبرة بالجوارح وعلم مما ذكر أنه لا يضر تناولها الدم، لانها لم تتناول ما هو مقصود المرسل (ولو تعلمت ثم أكلت من صيد) أي من لحمه أو نحوه قبل قتله أو عقبه فقولي من صيد أولى من قوله من لحم صيد (حرم) لقوله (صلى الله عليه وسلم) في خبر الشيخين عن عدي بن حاتم فإن أكل فلا تأكل وأما قوله في خبر أبي داود عن أبي ثعلبة كل وإن أكل منه فأجيب عنه بأن في رجاله من تكلم فيه وإن صح حمل على ما إذا أطعمه صاحبه منه أو أكل منه بعد ما قتله وانصرف أما ما قبله من الصيود، فلا ينعطف التحريم عليه (واستؤنفت تعليمها)، قال في المجموع لفساد التعليم الاول أي من حينه لا من أصله.

(2/324)


(فصل) فيما يملك به الصيد وما يذكر معه (يملك صيد) غير حرمي وليس به أثر ملك كخضب وقص جناح وصائده غير محرم (بإبطال منعته) حسا أو حكما (قصدا كضبط بيد)، وإن لم يقصد تملكه حتى لو أخذه لينظر إليه ملكه (وتذفيف) أي إسراع للقتل (وإزمان) برمي أو نحوه (ووقوعه فيما نصب له) كشبكة نصبها له (وإلجائه لمضيق) بأن يدخله نحو بيت (بحيث لا ينفلت منهما)، وذكر الضابط المزيد مع جعل المذكورات بعده أمثلة له أولى من قوله يملك المصيد بضبطه بيده إلى آخره إذ ملكه لا ينحصر فيها، إذ مما يملك به ما لو عشش الطائر في بنائه وقصد ببنائه تعشيشه، وما لو أرسل جارحة على صيد فأثبتته بخلاف ما لو انفلت منها، وخرج بقصد ما لو وقع اتفاقا في ملكه وقدر عليه بتوحل أو غيره، ولم يقصده به فلا يملكه، ولا ما حصل منه كبيض وفرخ.
وتقييدي ما نصب بقولي له وبالحيثية المذكورة من زيادتي، ولو سعى خلفه فوقف إعياء لم
يملكه حتى يأخذه (ولا يزول ملكه عنه بانفلاته) كما لو أبق العبد، نعم لو انفلت بقطعه ما نصب له زال ملكه عنه، (و) لا (بإرساله) له وإن قصد به التقرب إلى الله تعالى كما لو سيب بهيمة، ومن أخذه لزمه رده.
ولو قال مطلق التصرف عند إرساله أبحته لمن يأخذه حل لآخذه، أكله ولا ينفذ تصرفه فيه، (ولو تحول حمامه لبرج غيره لزمه) أي الغير (تمكين) منه.
وهو مراد الاصل بقوله لزمه رده، وإن حصل بينهما بيض أو فرخ فهو تبع للانثى فيكون لمالكها هذا إن اختلط، ولم يعسر تمييزه (فإن عسر تمييزه لم يصح تمليك أحدهما شيئا منه لثالث) لانه لا يتحقق الملك فيه.
وخرج بالثالث ما لو ملك ذلك لصاحبه فيصح للضرورة، (فإن علم) لهما (العدد واستوت القيمة وباعاه) لثالث (صح) البيع.
ووزع الثمن على العدد، فإذا كان لاحدهما مائة والآخر مائتين، كان الثمن أثلاثا وكذا يصح لو باعا له بعضه المعين بالجزئية، فإن جهلا العدد ولو مع استواء القيمة، أو علماه ولم تستو القيمة لم يصح للجهل بحصة كل منهما من الثمن.
نعم لو قال: كل بعتك الحمام الذي لي فيه بكذا، صح (ولو جرحا صيدا معا وأبطلا منعته) بأن ذففا أو أزمنا، أو ذفف أحدهما وأزمن الآخر، والاخير من زيادتي.
(فلهما) الصيد لاشتراكهما في سبب الملك، (أو) أبطلها (أحدهما) فقط، (فله) الصيد لانفراده بسبب الملك ولا شئ على الآخر بجرحه، لانه

(2/325)


لم يجرح ملك غيره.
ومعلوم أن المذفف في المسألتين حلال سواء أكان التذفيف في المذبح أم في غيره، فإن احتمل كون الابطال منهما أو من أحدهما فهو لهما أو علم تأثير أحدهما وشك في الآخر سلم النصف لمن أثر جرحه ووقف النصف الآخر بينهما فإن تبين الحال أو اصطلحا على شئ فذاك وإلا قسم بينهما نصفين وينبغي أن يستحل كل من الآخر ما حصل له بالقسمة (أو) جرحاه (مرتبا وأبطلها أحدهما) فقط (فله) الصيد فإن أبطلها الثاني فلا شئ على الاول بجرحه لانه كان مباحا حينئذ أو أبطلها الاول بتذفيف فعلى الثاني أرش ما نقص من لحمه وجلده إن كان لانه جنى على ملك غيره
(ثم إبطال الاول بإزمان إن ذفف الثاني في مذبح حل وعليه للاول أرش) لما نقص بالذبح عن قيمته مزمنا (أو) ذفف (في غيره) أي في غير مذبح (أو لم يذفف ومات بالجرحين حرم) تغليبا للمحرم (ويضمن للاول) قيمته مزمنا في التذفيف وكذا في الجرحين إن لم يتمكن الاول من ذبحه كما اقتضاه كلامهم لكن استدرك صاحب التقريب فقال إن كانت قيمته سليما عشرة ومزمنا تسعة ومذبوحا ثمانية لزمه ثمانية ونصف لحصول الزهوق بفعليهما فيوزع الدرهم الفائت بهما عليهما وصححه الشيخان وإن تمكن الاول من ذبحه ولم يذبحه فله بقدر ما فوته الثاني لا جميع قيمته مزمنا لان تفريط الاول صير فعله إفسادا، ففي المثال السابق تجمع قيمته سليما وقيمته زمنا فتبلغ تسعة عشر فيقسم عليها ما فوتاه وهو عشرة فحصة الاول لو كان ضامنا عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة وحصة الثاني تسعة أجزاء من ذلك، فهي اللازمة له (ولو ذفف أحدهما فيه) أي في غير المذبح (وأزمن الآخر وجهل السابق) منهما (حرم) الصيد لاحتمال تقدم الازمان، فلا يحل بعده إلا بالتذفيف في المذبح ولم يوجد وقولي فيه من زيادتي.

(2/326)


كتاب الاضحية بضم الهمزة وكسرها مع تخفيف الياء وتشديدها، ويقال ضحية بفتح الضاد وكسرها وأضحاة بفتح الهمزة وكسرها، وهي ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى، من يوم عيد النحر إلى آخر أيام التشريق كما سيأتي وهي مأخوذة من الضحوة سميت بأول زمان فعلها وهو الضحى.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * أي صل صلاة العيد وانحر النسك.
وخبر مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ضحى النبي (صلى الله عليه وسلم) بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما، والاملح قيل: الابيض الخالص.
وقيل الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل غير ذلك (التضحية سنة) مؤكدة في حقنا على الكفاية، إن تعدد أهل البيت وإلا فسنة عين لخبر
صحيح في الموطأ، وفي سنن الترمذي، وواجبة في حق النبي (صلى الله عليه وسلم)، (وتجب بنحو ونذر) كجعلت هذه الشاة كسائر القرب، (وكره لمريدها) غير محرم (إزالة نحو شعر) كظفر وجلدة لا تضر إزالتها، ولا حاجة له فيها، (في عشر) ذي (الحجة و) أيام (تشريق حتى يضحي) للنهي عنها في خبر مسلم.
والمعنى فيه شمول العتق من النار جميع ذلك، وذكر الكراهة والتشريق من زيادتي.
وتعبيري بنحو شعر أعم مما عبر به (ويسن أن يذبح) الاضحية (رجل بنفسه) إن أحسن الذبح، (وأن يشهد) ها (من وكل) به لانه (صلى الله عليه وسلم) ضحى بنفسه، رواه الشيخان.
وقال لفاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك، رواه الحاكم وصحح إسناده وخرج بزيادتي رجل الانثى والخنثى، فالافضل لهما التوكيل.
(وشرطها) أي التضحية (نعم) إبل وبقر وغنم إناثا كان أو خناثى أو ذكورا ولو خصيانا، لقوله تعالى: * (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) *، ولان التضحية عبادة تتعلق بالحيوان، فاختصت بالنعم كالزكاة.
(و) شرطها (بلوغ ضأن سنة أو إجذاعه و) بلوغ (بقر ومعز سنتين وإبل خمسا) لخبر أحمد وغيره، ضحوا بالجذع من الضان فإنه جائز وخبر مسلم لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن.
قال العلماء المسنة، هي الثنية من الابل والبقر والغنم

(2/327)


فما فوقها، وقضيته أن جذعة الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة والجمهور على خلافه وحملوا الخبر على الندب وتقديره يسن لكم أن تذابحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن.
وقولي أو إجذاعه من زيادتي.
(و) شرطها (فقد عيب) في الاضحية (ينقص مأكولا) منها من لحم وشحم وغيرهما فتجزئ فاقدة قرن ومكسورته كسرا لم ينقص المأكول، ومشقوقة الاذن ومخروقتها وفاقدة بعض الاسنان ومخلوقة بلا ألية أو ضرع أو ذنب لا مخلوقة بلا أذن ولا مقطوعتها ولو بعضها ولا تولاء، وهي التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلا فتهزل ولا عجفاء، وهي ذاهبة المخ من شدة هزالها ولا ذات جرب، ولا بينة مرض أو عور أو عرج وإن
حصل عند اضطجاعها للتضحية باضطرابها.
والاصل في ذلك خبر لا تجزئ في الاضاحي العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان وغيره.
وفي المجموع عن الاصحاب منع التضحية بالحامل، وصحح ابن الرفعة الاجزاء ولا يضر قطع فلقة يسيرة من عضو كبير كفخذ.
وقولي: مأكولا أعم من قوله لحما.
(و) شرطها (نية) لها (عند ذبح أو) قبله عند (تعيين) لما يضحى به كالنية في الزكاة، سواء أكان تطوعا أم واجبا بنحو جعلته أضحية أو بتعيينه عن نذر في ذمته، (لا فيما عين) لها (بنذر) فلا يشترط له نية (وإن وكل بذبح كفت نيته) فلا حاجة لنية الوكيل بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر، (وله تفويضها لمسلم مميز) وكيل أو غيره فلا يصح تفويضها لكافر، ولا غير مميز بجنون أو نحوه، وقولي: أو تعيين مع قولي وله إلى آخره من زيادتي.
وتعبيري بما ذكر بينهما أولى من تعبيره بما ذكره، (ويجزئ بعير أو بقرة عن سبعة) كما يجزئ عنهم في التحلل للاحصار لخبر مسلم عن جابر: نحرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
وظاهر أنهم لم يكونوا من أهل بيت واحد.
(و) تجزئ (شاة عن واحد) لخبر الموطأ السابق، ففيه ما يدل لذلك.
وأفضلها) أي التضحية (بسبع شياه فواحدة من إبل فبقر فضأن فمعز فشرك من بعير)، فمن بقر اعتبارا بكثرة إراقة الدم، وأطيبية اللحم في الشياه وبكثرة اللحم غالبا في البعير، ثم البقر وبأطيبية الضأن على المعز فيما بعدهما، وبالانفراد بدم في المعز على الشرك، وأفضلها البيضاء البيضاء ثم الصفراء ثم العفراء ثم الحمراء ثم البلقاء ثم السوداء.
(ووقتها) أي التضحية (من مضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات من طلوع شمس) يوم (نحر إلى آخر) أيام (تشريق)، فلو ذبح قبل ذلك أو بعده لم يقع أضحية لخبر الصحيحين.
أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك، فإنما هو لحم قدمه لاهله ليس من النسك في شئ وخبر ابن حبان في كل أيام التشريق ذبح وذكر الخفة في

(2/328)


الركعتين من زيادتي.
(والافضل تأخيرها إلى مضي ذلك من ارتفاعها) أي الشمس يوم النحر (كرمح) خروجا من الخلاف (ومن نذر) أضحية (معينة) ولو معيبة كلله على إن أضحي بهذه الشاة وفي معناه جعلتها أضحية، (أو) نذر أضحية (في ذمته) كلله على أضحية (ثم عين) المنذور (لزمه ذبح فيه) أي في الوقت المذكور وفاء بمقتضى ما التزمه، ومعلوم أنه لو خرج وقت المنذور لزمه ذبحه قضاء ونقله الروياني عن الاصحاب.
(فإن تلفت) أي المعينة (في الثانية) ولو بلا تقصير، (بقي الاصل) عليه لان ما التزمه ثبت في ذمته.
والمعين وإن زال ملكه عنه فهو مضمون عليه إلى حصول الوفاء، كما لو اشترى من مدينه سلعة بدينه ثم تلفت قبل تسليمها، فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين، كذلك يبطل التعيين هنا ويعود ما في الذمة كما كان، (أو) تلفت (في الاولى) بقيد زدته بقولي، (بلا تقصير فلا شئ) عليه لان ملكه زال عنها بالنذر وصارت وديعة عنده.
وإطلاقي للتلف في الصورتين أولى من تقييده بقبل الوقت، (أو) تلفت فيها (به) أي بتقصير هو أعم من قوله أتلفها، (لزمه الاكثر من مثلها) يوم النحر (وقيمتها) يوم التلف (ليشتري بها كريمة أو مثلين) للمتلفة، (فأكثر) فإن فضل شئ شارك به في آخرى وهذا في الروضة كأصلها، فقول الاصل لزمه أن يشتري بقيمتها مثلها محمول على ما إذا ساوت قيمتها ثمن مثلها، فإن أتلفها أجنبي لزمه دفع قيمتها للناذر يشتري بها مثلها، فإن لم يجد فدونها، (و) سن له (أكل من أضحية تطوع) ضحى بها عن نفسه للخبر الآتي، وقياسا بهدي التطوع الثابت بقوله تعالى: * (فكلوا منها) *.
بخلاف الواجبة بخلاف ما لو ضحى بها عن غيره كميت بشرطه الآتي وذكر سن الاكل من زيادتي.
(و) له (إطعام أغنياء) مسلمين لقوله تعالى: * (وأطعموا القانع) * أي السائل والمعتر أي المتعرض للسؤال لا تمليكهم لمفهوم الآية بخلاف الفقراء ويجوز تمليكهم منها ليتصرفوا فيه في بالبيع وغيره.
(ويجب تصدق بلحم منها) وهو ما ينطلق عليه الاسم منه لظاهر قوله تعالى: * (وأطعموا البائس الفقير) * أي الشديد الفقر.
ويكفي تمليكه لمسكين واحد ويكون نيئا لا مطبوخا لشبهه حينئذ بالخبز في الفطرة.
قال البلقيني ولا قديدا على الظاهر، وقولي: بلحم
منها أولى من قول الاصل ببعضها (والافضل) التصدق (بكلها إلا لقما يأكلها) تبركا، فإنها مسنونة.
روى البيهقي أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يأكل من كبد أضحيته، (وسن إن جمع) بين الاكل والتصدق والاهداء (أن لا يأكل فوق ثلث) وهو مراد الاصل بقوله ويأكل ثلثا، (و) أن (لا يتصدق بدونه) أي بدون الثلث وهو من زيادتي وأن يهدي الباقي (ويتصدق بجلدها أو ينتفع

(2/329)


به) أي في استعماله وإعارته دون بيعه وإجارته، (وولد الواجبة) المعينة ابتداء بلا نذر أو به عن نذر في الذمة (كهي) في وجوب الذبح والتفرقة سواء أماتت أم لا وسواء أكانت حاملا عند التعيين أم حملت بعده، وليس في تضحية بحامل فإن الحمل قبل انفصاله لا يسمى ولدا كما ذكره الشيخان في كتاب الوقف، (وله أكل ولد غيرها) كاللبن فلا يجب التصدق بشئ منه ولا يكفي عن التصدق بشئ منها (و) له بكره، (شرب فاضل لبنهما) عن ولدهما إن لم ينهك لحمها وسقيه غيره بلا عوض، لانه يستخلف بخلاف الولد، وله ركوب الواجبة وإركابها بلا أجرة فإن تلفت أو نقصت بذلك ضمنها لكن إن حصل ذلك في يد المستعير ضمنها المستعير دونه، والتفصيل في الاكل بين ولدي الواجبة وغيرها مع التصريح بحل شرب فاضل لبن غيرها من زيادتي.
وجزم الاصل بحل أكل ولد الواجبة مبني على ضعيف (ولا تضحية لاحد عن آخر بغير إذنه ولو) كان (ميتا) كسائر العبادات بخلاف ما إذا أذن له كالزكاة.
وصورته في الميت أن يوصي بها، واستثنى من اعتبار الاذن ذبح أجنبي معينة بالنذر بغير إذن الناذر، فيصح على المشهور ويفرق صاحبها لحمها، لان ذبحها لا يفتقر إلى نية كما مر.
وتضحية الولي من ماله عن محاجيره فيصح كما أفهمه تقييدهم المنع بمالهم، وتضحية الامام عن المسلمين من بيت المال فتصح كما نقله الشيخين عن الماوردي وأقراه، (ولا) تضحية (لرقيق) ولو مكاتبا أو أم ولد لانه لا يملك شيئا أو ملكه ضعيف، (فإن أذن) له (سيده) فيها وضحى فإن كان غير مكاتب، (وقعت لسيده) لان يده كيده (أو) مكاتبا وقعت (للمكاتب) لانها تبرع، وقد أذن له فيه سيده وهذا من زيادتي.
أما المبعض فيضحى بما يملكه بحريته ولا
يحتاج إلى إذن سيده كما لو تصدق به.
(فصل) في العقيقة قال ابن أبي الدم: قال أصحابنا: يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة ويكره تسميتها عقيقة كما يكره تسمية العشاء عتمة وهي لغة الشعر الذي على رأس الولد حين ولادته.
وشرعا ما يذبح عند حلق شعره، لان مذبحه يعق أي يشق ويقطع ولان الشعر يحلق إذ ذاك والاصل فيها أخبار كخبر الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى رواه الترمذي وقال حسن صحيح والمعنى فيه إظهار البشر والنعمة، ونشر النسب وهي سنة مؤكدة وإنما لم تجب كالاضحية بجامع أن كلا منهما إراقة دم بغير جناية ولخبر أبي داوود: من أحب أن

(2/330)


ينسك عن ولده فليفعل.
ومعنى مرتهن بعقيقته قيل لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه، قال الخطابي: أجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة (سن لمن تلزمه نفقة فرعه) بتقدير فقره (أن يعق عنه)، ولا يعق عنه من ماله، ويعتبر يساره قبل مضي مدة النفاس، وذكر من يعق من زيادتي.
(وهي) أي العقيقة (كضحية) في جميع أحكامها من جنسها وسنها وسلامتها ونيتها، والافضل منها والاكل والتصدق وحصول السنة بشاة، ولو عن ذكر وغيرها مما يأتي في العقيقة.
لكن لا يجب التصدق بلحم منها نيئا كما يعلم مما يأتي.
فتعبيري بذلك أعم من قوله وسنها وسلامتها، والاكل والتصدق كالاضحية، (وسن لذكر شاتان وغيره) من أنثى وخنثى (شاة) إن أريد العق بالشياه للامر بذلك في غير الخنثى رواه الترمذي وقال حسن صحيح وقيس بالانثى الخنثى وإنما كانا على النصف من الذكر، لان الغرض من العقيقة استبقاء النفس، فأشبهت الدية لان كلا منهما فداء للنفس وذكر الخنثى من زيادتي.
(و) سن (طبخها) كسائر الولائم إلا رجلها، فتعطى نيئة للقابلة لخبر الحاكم الآتي.
(و) سن طبخها (بحلو) من زيادتي تفاؤلا بحلاوة أخلاق الولد، ولانه (صلى الله عليه وسلم) كان يحب الحلوى
والعسل وإذا أهدى للغني منها شئ ملكه بخلافه في الاضحية كما مر، لان الاضحية ضيافة عامة من الله تعالى للمؤمنين بخلاف العقيقة، (وأن لا يكسر عظمها) تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد، فإن كسر فخلاف الاولى (وأن تذبح سابع ولادته) أي الولد، وبها يدخل وقت الذبح ولا تفوت بالتأخير عن السابع، وإذا بلغ بلا عق سقط سن العق عن غيره.
(و) أن (يسمى فيه) ولو سقطا لما مر أول الفصل، ولا بأس بتسميته قبله بل قال النووي في أذكاره يسن تسميته يوم السابع، أو يوم الولادة واستدل لكل منهما بأخبار صحيحة وحمل البخاري أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده، (و) أن (يحلق) فيه (رأسه) لما مر (بعد ذبحها) كما في الحاج.
(و) أن (يتصدق بزنته) أي شعر رأسه (ذهبا) فإن لم يرد (ففضة) لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر فاطمة فقال زني شعر الحسين وتصدقي بزنته فضة، وأعطى القابلة رجل العقيقة رواه الحاكم وصححه.
وقيس بالفضة الذهب وبالذكر غيره.
وذكر الترتيب بين الذهب والفضة من زيادتي، وهو ما في المجموع وغيره، وعبارة الاصل ذهبا أو فضة، (و) أن (يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى ويحنك بتمر فحلو حين يولد) فيهما.
أما الاولى فلان من فعل به ذلك لم تضره أم الصبيان أي التابعة من الجن، رواه ابن السني، ولانه (صلى الله عليه وسلم) أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة.
رواه الترمذي، وقال حسن صحيح وليكون إعلامه بالتوحيد أول ما يقرع سمعه عند قدومه

(2/331)


إلى الدنيا، كما يلقن عند خروجه منها، وأما الثانية وهي تحنيكه بتمر بأن يمضغ ويدلك به حنكه داخل الفم حتى ينزل إلى جوفه شئ منه فلانه (صلى الله عليه وسلم) أتى بابن أبي طلحة حين ولد وتمرات فلا كهن، ثم فغرفاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فقال (صلى الله عليه وسلم) حب الانصار التمر، وسماه عبد الله.
رواه مسلم، وقيس بالتمر الحلو وفي معنى التمر الرطب، وقولي: اليمنى ويقام في اليسرى مع ذكر الحلو، وتقييد التحنيك بحين الولادة من زيادتي.

(2/332)


كتاب الاطعمة أي بيان ما يحل منها وما يحرم والاصل فيها آية: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما) * [ الانعام: 145 ] وقوله تعالى: * (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) * (حل دود طعام) كخل (لم ينفرد) عنه لعسر تمييزه بخلافه، إن انفرد عنه فلا يحل أكله ولو معه.
وتعبيري بذلك أولى مما عبر به (و) حل (جراد وسمك) أي أكلهما وبلعهما، وإن لم يشبه الثاني السمك المشهور ككلب وخنزير وفرس، (في) حال (حياة أو موت) في الثلاثة ولو بقتل مجوسي، أما الاول فلما مر فيه وأما الاخيران فلقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) *.
وخبر أحلت لنا ميتتان وليس في أكلهما حيين أكثر من قتلهما، وهو جائز بل يحل قليهما حيين (وكره قطعهما) حيين كما في أصل الروضة وعليه يحمل قول الاصل في باب الصيد والذبائح، ولا يقطع بعض سمكة ويكره ذبحها إلا سمكة كبيرة يطول بقاؤها فيسن ذبحها، وذكر حل الجراد حيا وكراهة قطعه من زيادتي.
(وحرم ما يعيش في بر وبحر كضفدع) بكسر أوله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الاول، وكسره في الثاني وفتحه في الثالث، (وسرطان) ويسمى عقرب الماء (وحية) ونسناس وتمساح وسلحفاة بضم السين وفتح اللام لخبث لحمها، وللنهي عن قتل الضفدع رواه أبو داود والحاكم وصححه.
(وحل من حيوان بر جنين) ظهر فيه صورة الحيوان (مات بذكاة أمه ونعم) أي إبل وبقر وغنم لقوله تعالى: * (أحلت لكم بهيمة الانعام) *.
وروى أبو داود وغيره خبر أبي سعيد الخدري: قلنا يا رسول الله إنا ننحر الابل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين أي الميت، فنلقيه أم نأكله فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه أي ذكاتها التي أحلتها أحلته تبعا لها.
(وخيل) لان (صلى الله عليه وسلم) نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الاهلية، وأذن في لحوم الخيل رواه الشيخان.
(وبقر وحش وحماره) لانه (صلى الله عليه وسلم) قال في الثاني: كلوا من لحمه، وأكل منه وراه الشيخان.
وقيس به الاول (وظبي) بالاجماع (وضبع) بضم الباء أكثر من إسكانها لان (صلى الله عليه وسلم)
قال: يحل أكله رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
(وضب) وهو حيوان للذكر منه ذكران

(2/333)


وللانثى فرجان، لانه أكل على مائدته (صلى الله عليه وسلم) رواه الشيخان (وأرنب) لانه بعث بوركها إليه فقبله رواه الشيخان.
زاد البخاري وأكل منه وهو حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة يطأ الارض على مؤخر قدميه، (وثعلب) بمثلثة أوله ويسمى أبا الحصين، (ويربوع) وهو حيوان قصير اليدين جدا طويل الرجلين لونه كلون الغزال، (وفنك) بفتح الفاء والنون وهو دويبة يؤخذ من جلدها الفرو للينها وخفتها، (وسمور) بفتح السين وضم الميم المشدد وهو حيوان بشبه السنور لان العرب تستطيب الاربعة.
والمراد في كل ما مر ومما يأتي الذكر والانثى (وغراب زرع) وهو نوعان أحدهما يسمى الزاغ وهو أسود وصغير، وقد يكون محمر المنقار والرجلين والآخر يسمى الغداف الصغير، وهو أسود أو رمادي اللون.
والحل فيه هو مقتضى كلام الرافعي وصرح به جمع منهم الروياني وعلله بأنه يأكل الزرع، لكن صحح في أصل الروضة تحريمه، وخرج بغراب الزرع غيره وهو ثلاثة الابقع وهو الذي فيه سواد وبياض والعقعق وهو ذو لونين أبيض وأسود وطويل الذنب قصير الجناح صوته العقعقة والغداف الكبير ويسمى الغراب الجبلي، لانه لا يسكن إلا الجبال (ونعامة وكركي وإوز) بكسر أوله وفتح ثانيه وهو شامل للبط، (ودجاج) بفتح أوله، أفصح من ضمه وكسره، (وحمام وهو ما عب) أي شرب الماء بلا مص، وزاد الاصل كغيره وهدر أي صوت ولا حاجة إليه لانه لازم لعب ومن ثم اقتصر في الروضة في جزاء الصيد على عب، وقال إنه مع هدر متلازمان، ولهذا اقتصر الشافعي على عب، (وما على شكل عصفور) بضم أوله أفصح من فتحه (بأنواعه كعندليب) بفتح العين والدال المهملتين بينهما نون، وآخره موحدة بعد التحتية، (وصعوة) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين، (وزرزور) بضم أوله لانها كلها من الطيبات قال تعالى: * (أحل لكم الطيبات) *
(لا حمار أهلي) للنهي عنه رواه الشيخان، (ولا ذو ناب) من سباع وهو ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه (و) ذو (مخلب) بكسر الميم أي ظفر من طير للنهي عن الاول في خبر الشيخين وعن الثاني في خبر مسلم فذو ناب (كأسد وقرد) وهو معروف، (و) ذو المخلب (كصقر) بالصاد والسين والزاي (ونسر) بفتح النون أشهر من ضمها وكسرها، (ولا ابن آوى) بالمد لان العرب تستخبثه وهو حيوان كريه الريح فيه شبه من الذئب والثعلب وهو فوقه ودون الكلب (وهرة) وحشية أو أهلية لانها تعدو بنا بها، وإطلاقي لها أولى من تقييده لها بالوحشية (ورحمة) وهي طائر أبقع (وبغاثه) بتثليث الموحدة وبالمعجمة والمثلثة طائر أبيض ويقال أغبر

(2/334)


دوين الرخمة بطئ الطيران لخبث غذائهما.
(وببغا) بفتح الموحدتين وتشديد الثانية وبالمعجمة وبالقصر الطائر الاخضر المعروف بالدرة بضم المهملة، (وطاوس وذباب) بضم أوله (وحشرات) بفتح أوله صغار دواب الارض، (كخنفساء) بضم أوله مع فتح ثالثه أشهر من ضمه وبالمد وحكى ضم ثالثه مع القصر لخبث لحم الجميع واستثنى من الحشرات القنفذ والوبر والضب واليربوع وهذان تقدم تفسيرهما آنفا.
وتقدم ضبط الوبر وتفسيره في باب ما حرم بالاحرام، (ولا ما أمر بقتله أو نهى عنه) أي عن قتله، لان الامر بقتل شئ أو النهي عنه يقتضي حرمة أكله، فالمأمور بقتله (كعقرب وحية وحدأة) بوزن عنبة (وفأرة وسبع ضار) بالتخفيف أي عاد روى الشيخان: خمس يقتلن في الحل والحرام: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور.
وفي رواية لمسلم، الغراب الابقع والحية بدل العقرب وفي رواية لابي داود والترمذي، ذكر السبع العادي مع الخمس (و) المنهي عن قتله (كخطاف) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء، ويسمى الآن بعصفور الجنة (ونحل).
وتعبيري بما نهى عنه مع التمثيل له بما ذكر أولى من قوله لا خطاف ونمل ونحل، (ولا ما تولد من مأكول وغيره) كمتولد بين كلب وشاة أو بين فرس وحمار أهلي تغليبا للتحريم، (وما نص فيه) بتحريم أو تحليل أو بما يدل على أحدهما كالامر بالقتل والنهي
عنه، (إن استطابه عرب ذو يسار وطباع سليمة حال رفاهية حل أو استخبثوه فلا) يحل لان العرب أولى الامم، لانهم المخاطبون أولا.
ولان الدين عربي.
وخرج بذو يسار المحتاجون وبسليمة أجلاف البوادي الذين يأكلون مآدب ودرج من غير تمييز، فلا عبرة بهم.
وبحال الرفاهية حال الضرورة فلا عبرة بها، (فإن اختلفوا) في استطابته (فالاكثر) منهم يتبع، (ف) - إن استووا اتبع (قريش) لانهم قطب العرب وفيهم الفتوة، (فإن اختلفت) قريش ولا ترجيح، (أو لم تحكم بشئ) بأن شكت أو لم توجد العرب أو لم يكن له اسم عندهم، (اعتبر بالاشبه) به من الحيوانات صورة أو طبعا أو طعما للحم، فإن استوى الشبهان أو لم نجد ما يشبهه فحلال لآية: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) *.
وقولي: فإن اختلفوا إلى آخره ما عدا ما لو عدم اسمه عندهم من زيادتي.
(وما جهل اسمه عمل بتسميتهم) أي العرب له مما هو حلال أو حرام.
(وحرم متنجس) أي تناوله مائعا كان أو جامدا لخبر الفأرة السابق في باب النجاسة، (وكره جلالة) وهي التي تأكل الجلة بفتح الجيم من نعم وغيره كدجاج أي كره تناول شئ منها كلبنها وبيضها ولحمها، وكذار كوبها بلا حائل، فتعبيري بها أعم من تعبيره بلحمها هذا إن (تغير لحمها)، أي طعمه

(2/335)


أو لونه أو ريحه، وتبقى الكراهة (إلى أن يطيب) لحمها بعلف أو بدونه، (لا بنحو غسل) كطبخ ومن اقتصر كالاصل على العلف جرى على الغالب لخبر أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أكل الجلالة، وشرب لبنها حتى تعلف أربعين ليلة وراه الترمذي وقال: حسن صحيح زاد أبو داود وركوبها وإنما لم يحرم ذلك، لانه إنما نهى عنه لتغيره، وذلك لا يوجب التحريم كلحم المذكي إذ أنتن وتروح.
أما طيبه بنحو غسل فلا تزول به الكراهة، (وكره لحر) تناول (ما كسب) أي كسبه حر أو غيره، (بمخامرة نجس كحجم) وكنس زبل أو نحوه بخلاف الفصد والحياكة ونحوهما.
وخرج بزيادتي لحر غيره، (وسن) له (أن يناوله مملوكه) من رقيق وغيره.
فهو أعم من تعبيره بيطعمه رقيقه وناضحه.
ودليل ذلك أنه (صلى الله عليه وسلم) سئل
عن كسب الحجام، فنهى عنه.
وقال: أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك.
رواه ابن حبان وصححه الترمذي وحسنه، وقيس بما فيه غيره.
والفرق من جهة المعنى شرف الحر ودناءة غيره قالوا وصرف النهي عن الحرمة خبر الشيخين عن ابن عباس: احتجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأعطى الحجام أجرته، فلو كان حرا ما لم يعطه، (وعلى مضطر) بأن خاف على نفسه محذورا كموت ومرض مخوف، وزيادته وطول مدته وانقطاع رفقة من عدم التناول (سد رمقه) أي بقية روحه (من محرم) غير مسكر كآدمي ميت، (وجده فقط) أي دون حلال (وليس نبيا) فلا يشبع وإن لم يتوقع حلالا قريبا لاندفاع الضرورة بذلك، (إلا أن يخاف محذورا) إن اقتصر عليه (فيشبع) وجوبا بأن يأكل حتى يكسر سورة الجوع لا بأن لا يبقى للطعام مساغ، فإنه حرام قطعا أما النبي فلا يجوز التناول منه لشرف النبوة، وكذا لو كان مسلما.
والمضطر كافرا وليس لمضطر أشرف على الموت أكل من المحرم، لانه حينئذ لا ينفع.
وكذا العاصي بسفره حتى يتوب، كما مر في صلاة المسافر.
ومثله مراق الدم كمرتد وحربي ولو وجد ميتة آدمي وغيره قدمت ميتة غيره.
وميتة الآدمي المحترم لا يجوز طبخها ولا شيها لما فيه من هتك حرمته.
وقولي فقط وليس نبيا من زيادتي.
وتعبيري بالمضطر والمحذور أعم من تعبيره بما ذكره، (وله) أي للمضطر (قتل غير آدمي معصوم)، ولو بالنسبة إليه كمن له عليه قود ومرتد وحربي ولو صبيا وامرأة (لاكله) لعدم عصمته.
وإنما امتنع قتل الصبي والمرأة الحربيين في غير حال الضرورة لحق الغانمين لا لعصمتهما، ولهذا لا تجب الكفارة على قاتلهما، أما الآدمي المعصوم فلا يجوز قتله ولو ذميا ومستأمنا.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله، وله قتل مرتد وحربي، (ولو وجد طعام غائب أكل) منه وجوبا (وغرم) قيمة ما أكله إن كان متقوما، ومثله إن كان مثليا لانه قادر على أكل طاهر بعوض مثله سواء قدر على العوض أم لا، لان الذمم تقوم مقام الاعيان، (أو) طعام (حاضر مضطر) له (لم يلزمه بذله) بمعجمة له.
نعم إن كان نبيا وجب بذله له وإن لم يطلبه

(2/336)


(فإن آثر) في هذه الحالة مضطرا (مسلما) معصوما، (جاز) بل ندب وإن كان أولى به كما
ذكره في الروضة كأصلها، لقوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *.
وهذا من شيم الصالحين.
وخرج بالمسلم الكافر ولو ذميا.
والبهيمة فلا يجوز إيثارهما لكمال شرف المسلم على غيره، والآدمي على البهيمة (أو) طعام حاضر (غير مضطر) له (لزمه) أي بذله (لمعصوم) بخلاف غير المعصوم، وتعبيري بمعصوم أعم من قوله مسلم أو ذمي، وإنما يلزمه ذلك (بثمن مثل مقبوض إن حضر وإلا ففي ذمة)، لان الضرر لا يزال بالضرر فلا يلزمه بلا ثمن مثل.
وقولي في ذمة أعم من تعبيره بنسيئة (ولا ثمن إن لم يذكر) حملا على المسامحة المعتادة في الطعام، لاسيما في حق المضطر (فإن منع) غير المضطر بذله بالثمن للمضطر، (فله) أي للمضطر (قهره)، وأخذ الطعام (وإن قتله) ولا يضمنه بقتله، إلا إن كان مسلما والمضطر كافرا معصوما فيضمنه على ما بحثه ابن أبي الدم، واغتر به بعضهم فجزم به، (أو وجد) مضطر (ميتة وطعام وغيره) بقيد زدته بقولي.
(لم يبذله أو) ميتة (وصيدا حرم بإحرام أو حرم تعينت) أي الميتة فيهما لعدم ضمانها واحترامها، وتختص الاولى بأن إباحة الميتة للمضطر منصوص عليها، وإباحة أكل مال غيره بلا إذنه ثابتة بالاجتهاد، والثانية بأن المحرم ممنوع من ذبح الصيد مع أن مذبوحه منه ميتة كما مر في الحج.
والثالثة وهي من زيادتي بأن صيد الحرم ممنوع من قتله، أما إذا بذله غيره مجانا أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن بمثلها، ومع المضطر ثمنه أو رضي بذمته فلا تحل له الميتة، ولو لم يجد المضطر المحرم إلا صيدا أو غير المحرم إلا صيد حرم ذبحه وأكله، وافتدى (وحل قطع جزئه) أي جزء نفسه كلحمة من فخذه (لاكله) بلفظ المصدر، لانه إتلاف جزء لاستيفاء الكل كقطع اليد للاكلة هذا (إن فقد نحو ميتة) مما مر كمرتد وحربي، (وكان خوفه) أي خوف قطعه (أقل) من الخوف في ترك الاكل، أو كان الخوف في ترك الاكل فقط كما فهم بالاولى بخلاف ما إذا وجد نحو ميتة أو كان الخوف في القطع فقط، أو مثل الخوف في ترك الاكل، أو أشد فإنه يحرم القطع وخرج بجزئه قطع جزء غير المعصوم، وبأكله قطع جزئه لاكل غيره فلا يحلان إلا أن يكون المضطر نبيا فيهما، أما قطع جزء غير المعصوم لاكله فحلال أخذا
من قولي فيما مر، وله قتل غير آدمي معصوم.

(2/337)


كتاب المسابقة على الخيل والسهام وغيرهما مما يأتي.
فالمسابقة تعم المناضلة والرهان وإن اقتضى كلام الاصل تغاير المسابقة والمناضلة.
قال الازهري: النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما (هي) للرجال المسلمين بقصد الجهاد (سنة) للاجماع.
وللآية: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) *.
وفسر النبي (صلى الله عليه وسلم) القوة فيها بالرمي كما رواه مسلم، ولخبر لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل رواه الشافعي وغيره وصححه ابن حبان.
والسبق بفتح الباء العوض ويروى بالسكون مصدرا (ولو بعوض) لان فيه حثا على الاستعداد للجهاد، (ولازمة في حق ملتزمه) أي العوض ولو غير المتسابقين كالاجارة، (فليس له فسخها ولا ترك عمل) قبل الشروع ولا بعده وإن كان مسبوقا أو سابقا، وأمكن أن يدركه الآخر ويسبقه وإلا فله تركه لانه ترك حق نفسه (ولا زيادة و) لا (نقص فيه) أي في العمل، (ولا في عوض).
وتعبيري بالعوض أولى من تعبيره بالمال.
وقولي في حق ملتزمه من زيادتي.
وخرج به غيره فهي جائزة في حقه.
(وشرطها) أي المسابقة بين اثنين مثلا (كون المعقود عليه عدة قتال)، لان المقصود منها التأهب له ولهذا قال الصيمري: لا تجوز المسابقة من النساء لانهن لسن أهلا للحرب ومثلهن الخناثى، (كذي حافر) من خيل وبغال وحمير (و) ذي (خف) من إبل وفيلة (و) ذي (نصل) كسهام ورماح ومسلات، (ورمي بأحجار) بيد أو مقلاع بخلاف إشالتها المسماة بالعلاج والمراماة بها بأي يرميها كل منهما إلى الآخر، (ومنجنيق لا كطير وصراع) بكسر أوله ويقال بضمه، (وكرة محجن وبندق وعوم وشطرنج) بفتح وكسر أوله المعجم والمهمل، (وخاتم) ووقوف على رجل ومعرفة ما بيده من شفع ووتر مسابقة بسفن وأقدام (بعوض) فيها لانها لا تنفع في الحرب.
وأما مصارعة النبي (صلى الله عليه وسلم) ركانة على شياه كما رواها أبو داود في مراسيله، فأجيب عنها بأن
الغرض أن يريه شدته ليسلم بدليل أنه لما صرعه فأسلم رد عليه غنمه.
والكاف من زيادتي، وخرج بزيادتي بعوض ما إذا خلت عنه المسابقة فجائزة (و) كونه (جنسا) واحدا وإن اختلف نوعه، (أو بغلا وحمارا) فيجوز وإن اختلف جنسهما لتقاربهما.
والتصريح بهذا الشرط من زيادتي

(2/338)


(وعلم مسافة) بالاذرع أو المعاينة (و) علم (مبدإ) يبتدئان منه (مطلقا) أي سواء أكانا راكبين أو راميين، (و) علم (غاية) ينتهيان إليها (لراكبين و) كذا (لراميين إن ذكرت) أي الغاية فلو أهملا الثلاثة أو بعضها.
وشرط العوض لمن سبق أو قالا إن اتفق السبق دون الغاية لواحد منا.
فالعوض له لم يصح للجهل هذا كله إذا لم يغلب عرف، وإلا فلا يشترط شئ من ذلك بل يحمل المطلق عليه.
وذكر اشتراط العلم بالمسافة في المركوب مع ذكر اشتراط العلم بالمبدأ والغاية في الرمي من زيادتي، أما إذا لم تذكر الغاية في الراميين فلا يأتي اشتراط العلم بها فلو تناضلا على أن يكون السبق لا بعدهما رميا ولا غاية، صح العقد وبذلك علم أنه لا يأتي حينئذ اشتراط العلم بالمسافة أيضا.
وعلى ذلك يشترط استواء القوسين في الشدة واللين والسهمين في الخفة والرزانة، (وتساو) منهما (فيهما) فلو شرط تقدم مبدإ أحدهما أو غايته لم يجز، لان المقصود معرف حذف الراكب أو الرامي، وجودة سير المركوب وذلك لا يعرف مع تفاوت المسافة.
(وتعيين المركوبين ولو بالوصف والراكبين والراميين بالعين) لان المقصود ما مر آنفا، ولا يعرف إلا بالتعيين (ويتعينون) أي المركوبان والراكبان والراميان (بها) أي بالعين لا بالوصف على ما تقرر فلا يجوز إبدال واحد منهم (وإمكان سبق كل) من الراكبين أو الراميين، (و) إمكان (قطع المسافة بلا ندور) فيهما فلو كان أحدهما ضعيفا يقطع بتخلفه أو فارها يقطع بتقدمه أو كان سبقه ممكنا على ندور أولا يمكنه قطع المسافة إلا على ندور لم يجز.
وذكر تعيين الراكبين والراميين وتعينهما وإمكان سبق كل من الراميين وإمكان قطع المسافة بلا ندور مع التصريح بقولي بها من زيادتي.
وتعبيري هنا وفيما يأتي بالمركوب من تعبيره بالفرس.
(وعلم عوض) عينا كان أو دينا كالاجرة فلو شرطا عوضا مجهولا كثوب غير موصوف، لم يصح العقد (ويعتبر) لصحتها (عند شرطه منهما محلل كف ء هو) لهما في الركوب وغيره، (و) كف ء (مركوبه) المعين لمركوبيهما (يغنم) إن سبق (ولا يغرم) إن لم يسبق (فإن سبقهما أخذ العوضين) جاءا معا أو أحدهما قبل الآخر (أو سبقاه وجاءا معا أو لم يسبق أحد فلا شئ لاحد أو جاء مع أحدهما) وتأخر الآخر (فعوض هذا لنفسه وعوض المتأخر للمحلل ومن معه) لانهما سبقاه، (وإلا) بأن توسطهما أو سبقاه وجاءا مرتبين أو سبقه أحدهما وجاء مع المتأخر (فعوض المتأخر للسابق) لسبقه لهما أما إذا كان الشرط من غيرهما، إماما كان أو غيره، كقوله: من سبق منكما فله في بيت المال أو على كذا أو من أحدهما، كقوله: إن سبقتني فلك على كذا وإن سبقتك فلا شئ لي عليك.
فيصح بغير محلل بخلاف ما إذا كان الشرط منهما، لان

(2/339)


كلا منهما متردد بين أن يغنم وأن يغرم، وهو صورة القمار المحرم.
وإنما صح شرطه من غيرهما لما فيه من التحريض على تعلم الفروسية وغيرها، وبذل عوض في طاعة.
واشتراط كفاءة المحلل لهما وغنمه وعدم غرمه مع قولي: أو لم يسبق أحد من زيادتي.
وتعبيري بقولي وإلا أعم مما عبر به (ولو تسابق جمع) ثلاثة فأكثر، (وشرط للثاني مثل الاول أو دونه صح) لان كل واحد يجتهد أن يكون أولا أو ثانيا في الاولى ليفوز بالعوض، وأولا في الثانية ليفوز بالاكثر وما ذكرته في الاولى هو ما صححه في الروضة كالشرحين.
ووقع في الاصل الجزم فيها بالفساد لان كلا منهم لا يجتهد في السبق لوثوقه بالعوض سبق أو سبق فإن شرط للثاني أكثر من الاول، لم يصح لذلك أو للاخير أقل من الاول صح وإلا فلا، (وسبق ذي خف) من إبل وفيلة عند إطلاق العقد (بكتد) بفتح الفوقية أشهر من كسرها، وهو مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر.
وتعبيري به هو ما في الروضة كأصلها تبعا للنص والجمهور والاصل عبر بكتف (و) سبق (ذي حافر) من خيل ونحوها (بعنق) عند الغاية والفرق بين ذي الخف وغيره أن الفيل
منه لا عنق له حتى يعتبر، والابل منه ترفع أعناقها في العدو فلا يمكن اعتبارها والخيل ونحوها تمدها.
فالتقدم ببعض الكتد أو العنق سابق وإن زاد طول أحد العنقين، فالسبق بتقدمه بأكثر من قدر الزائد وتعبيري بذي خف وحافر أعم من قوله إبل وخيل (وشرط لمناضلة) زيادة على ما مر (بيان بادئ) منهما بالرمي لاشتراط الترتيب بينهما فيه حذرا من اشتباه المصيب بالمخطئ لو رميا معا، (و) بيان (عدد رمي) وهو من زيادتي.
(و) عدد (إصابة) فيها كخمسة من عشرين (وبيان قدر غرض) بفتح الغين المعجمة والراء أي ما يرمى إليه من نحو خشب أو جلد أو قرطاس طولا وعرضا وسمكا (و) بيان (ارتفاعه) من الارض (إن) ذكر الغرض و (لم يغلب عرف) فيهما فإن غلب فلا يشترط بيان شئ منهما بل يحمل المطلق عليه وقولي وارتفاعه من زيادتي (لا) بيان (مبادرة بأن يبدر) بضم الدال أي يسبق (أحدهما بإصابة) العدد (المشروط) إصابته بقيود زدتها بقولي: (من عدد معلوم) كعشرين من كل منهما (مع استوائهما في) عدد (المرمي أو اليأس منه) أي من استوائهما (فيها) أي في الاصابة، فلو شرطا أن من سبق إلى خمسة من عشرين فله كذا، فرمى كل عشرين أو عشرة وأصاب أحدهما خمسة والآخر دونها فالاول ناضل، وإن أصاب كل منهما خمسة فلا ناضل، وكذا لو أصاب أحدهما خمسة من عشرين والآخر أربعة من تسعة عشر، بل يتم العشرين لجواز أن يصيب في الباقي.
وإن أصاب أحدهما الآخر من التسعة عشر ثلاثة يتم العشرين، وصار

(2/340)


منصولا ليأسه من الاستواء في الاصابة مع الاستواء في رمي عشرين، (و) لا بيان (محاطة) بتشديد الطاء (بأن تزيد إصابته على إصابة الآخر بكذا) كواحد (منه) أي من عدد معلوم كعشرين من كل منهما وقولي منه من زيادتي.
(و) لا بيان عدد (نوب) للرمي كسهم سهم واثنين اثنين (ويحمل المطلق) عن التقييد بمبادرة ومحاطة وبعد نوب الرمي (على المبادرة و) على (أقل نوبه) وهو سهم سهم لغلبتهما، وما ذكرته من عدم اشتراط بيان الثلاث هو الاصح في أصل الروضة.
والشرح الصغير في الاولين ومقتضى كلامهما في الاخيرة.
والاصل جزم
باشتراط بيان الثلاث (ولا) بيان (قوس وسهم)، لان العمدة على الرامي.
(فإن عين) شئ منهما (لغا وجاز إبداله بمثله) من نوعه، ولو بلا عيب بخلاف المركوب كما مر.
وبخلاف ما لو عينا نوعا كقسي فارسية أو عربية، فلا يبدل بنوع آخر إلا بتراض منهما، (وشرط منعه) أي منع إبدال (مفسد) للعقد لفساده لان الرامي قد يعرض له أحوال خفية تحوج إلى الابدال وفي منعه منه تضييق فأشبه تعيين المكيال في السلم، (وسن بيان صفة إصابة الغرض) هو أولى من تعبيره بصفة الرمي، (من قرع) بسكون الراء (وهو مجردها) أي مجرد إصابة الغرض، أي يكفي فيه ذلك لا أن ما بعده يضر وكذا فيما يأتي، (أو خزق) بمعجمة وزاي (بأن يثقبه ويسقط أو خسق) بمعجمة ثم مهملة، (بأن يثبت فيه وإن سقط) بعد ذلك (أو مرق) بالراء (بأن ينفذ) منه أو خرم بالراء، بأن يصيب طرف الغرض فيخرمه أو الحوابي بالمهملة، بأن يقع السهم بين يدي الغرض ثم يثب إليه من حبى الصبي (فإن أطلقا كفى القرع) لصدق الصيغة به كغيره، ولانه المتعارف (ولو عين زعيمان) أي كبيران ممن جمع في المناضلة (حزبين)، بأن عين أحدهما واحدا ثم الآخر بإزائه واحدا وهكذا إلى آخرهم بقيد زدته بقولي: (متساويين) في عددهما، وفي عدد الرمي بأن ينقسم عليهما صحيحا (جاز) إذ لا محذور في ذلك.
وفي البخاري ما يدل له (لا) تعيينهما (بقرعة)، ولا أن يختار واحد جميع الحزب أو لا، لانه لا يؤمن أن يستوعب الحذاق.
والقرعة قد تجمعهم في جانب فيفوت مقصود المناضلة، نعم إن ضم حاذق إلى غيره في كل جانب، وأقرع فلا بأس قاله الامام.
وبعد تراضي الحزبين وتساويهما عددا يتوكل كل زعيم عن حزبه في العقد ويقعدان (فإن عين من ظنه راميا فأخلف) أي فبان خلافه (بطل) العقد (فيه وفي مقابله) من الحزب الآخر ليحصل التساوي، كما إذا خرج أحد العبدين المبيعين مستحقا فإنه يبطل فيه البيع، ويسقط من الثمن ما يقابله (لا في الباقي)، عملا بتفريق الصفقة (ولهم)

(2/341)


جميعا (الفسخ) للتبعيض، (فإن أجازوا وتنازعوا في) تعيين من يجعل في (مقابلة فسخ) العقد
لتعذر إمضائه، ثم الحزبان كالشخصين في جميع ما مر فيهما، (وإذا نضل حزب قسم العوض بالسوية) بينهم لان الحزب كالشخص، وكما إذا غرم حزب العوض فإنه يوزع عليهم بالسوية (لا) بعدد (الاصابة إلا إن شرط) القسم بعددها، فيقسم بعددها عملا بالشرط، وهذا ما صححه في الروضة كأصلها.
وصحح الاصل أنه يقسم بينهم بحسب الاصابة مطلقا، لان الاستحقاق بها، (وتعتبر) أي الاصابة المشروطة (بنصل) بمهملة، لانة المفهوم منها.
(فلو تلف) ولو مع خروج السهم من القوس (وتر) بالانقطاع، (أو قوس) بالانكسار، (أو عرض ما انصدم به السهم) كبهيمة، (وأصاب) في الصور الثلاث الغرض (حسب له) لان الاصابة مع ذلك تدل على جودة الرمي، (وإلا) أي وإن لم يصبه (لم يحسب عليه) بقيد زدته بقولي: (إن لم يقصر) لعذر فيعيد رميه، فإن قصر حسب عليه، (ولو نقلت ريح الغرض فأصاب محله حسب له) عن الاصابة المشروطة، لانه لو كان فيه لاصابه (وإلا) أي وإن لم يصب محله (حسب عليه)، وإن أصاب الغرض في المحل المستقل إليه وهذا ما في الروضة كأصلها.
وفي أكثر نسخ المحرر ما يوافقه فقول الاصل: وإلا فلا يحسب عليه.
قال الاذرعي: إنه سبق قلم ولعله تبع بعض نسخ المحرر، (ولو شرط خسق فلقي صلابة فسقط) ولو من غير ثقب، (حسب له) لعدم تقصيره ويسن أن يكون عند الغرض شاهدان ليشهدا على ما وقع من إصابة وخطأ، وليس لهما أن يمدحا المصيب ولا أن يذما المخطئ، لان ذلك يخل بالنشاط.

(2/342)


(كتاب) (الايمان) جمع يمين والاصل فيها قبل الاجماع آيات كآية: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *.
وأخبار كخبر البخاري أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يحلف لا ومقلب القلوب، واليمين والحلف والايلاء والقسم ألفاظ مترادفة (اليمين تحقيق) أمر (محتمل) هذا من زيادتي.
وخرج بالتحقيق لغو اليمين بأن سبق لسانه إلى ما لم يقصده بها أو إلى لفظها كقوله في حال غضبه أو صلة كلام لا والله تارة
وبلى والله أخرى وبالمحتمل غيره كقوله: والله لاموتن أو لا أصعد السماء فليس بيمين لامتناع الحنث فيه بذاته بخلاف والله لاصعدن السماء، فإنه يمين تلزم به الكفارة حالا وتنعقد بأربعة أنواع (بما اختص الله تعالى به)، ولو مشتقا أو من غير أسمائه الحسنى (كو الله) بتثليث أخره أو تسكينه، إذ اللحن لا يمنع الانعقاد، (ورب العالمين) أي مالك المخلوقات لان كل مخلوق علامة على وجود خالقه وخالق الخلق (والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده) أي بقدرته يصرفها كيف يشاء، والدي أعبده أو أسجد له، (إلا أن يريد) به (غير اليمين) فليس بيمين، فيقبل منه ذلك كما في الروضة كأصلها، ولا يقبل منه ذلك في الطلاق والعتاق والايلاء ظاهرا، لتعلق حق غيره به.
فشمل المستثنى منه ما لو أراد بها غيره تعالى، فلا يقبل منه إرادته ذلك لا ظاهرا ولا باطنا، لان اليمين بذلك لا تحتمل غيره.
فقول الاصل: ولا يقبل قوله لم أرد به اليمين، مؤول بذلك أو سبق قلم (وبما هو فيه) تعالى عند الاطلاق (أغلب كالرحيم والخالق و الرازق والرب ما لم يرد) بها (غيره) تعالى بأن أراده تعالى، أو أطلق بخلاف ما إذا أراد بها غيره، لانها تستعمل في غيره مقيدا كرحيم القلب وخالق الافك ورازق الجيش ورب الابل، (أو) بما هو (فيه) تعالى (وفي غيره سواء كالموجود والعالم والحي إن أراده) تعالى بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره، أو أطلق لانها لما أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات (وبصفته) الذاتية (كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه ومشيئته وعلمه وقدرته وحقه، إلا أن يرد بالحق العبادات، وباللذين قبله المعلوم والمقدور وبالبقية ظهور آثارها)، فليست يمينا

(2/343)


لاحتمال اللفظ لها وقولي وبالبقية إلى آخره من زيادتي، وقوله وكتاب الله يمين وكذا والقرآن أو المصحف إلا أن يريد بالقرآن الخطبة والصلاة وبالمصحف الورق والجلد.
(وأحرف القسم) المشهورة (باء) موحدة (وواو وتاء) فوقية كبالله ووالله وتالله لافعلن كذا، (ويختص الله) أي لفظه (بالتاء) الفوقية والمظهر مطلقا بالواو وسمع شاذا ترب الكعبة، وتالرحمن وتدخل الموحدة عليه، وعلى المضمر فهي الاصل، وتليها الواو ثم التاء (ولو قال الله) مثلا (بتثليث آخره
أو تسكينه) لافعلن كذا، (فكناية) كقوله أشهد بالله أو لعمر الله أو على عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لافعلن كذا، إن نوى بها اليمين، وإلا فلا.
واللحن وإن قيل به في الرفع لا يمنع الانعقاد كما مر على أنه لا لحن في ذلك، فالرفع بالابتداء أي الله أحلف به لافعلن والنصب بنزع الخافض والجر بحذفه وإبقاء عمله، والتسكين بإجراء الوصل مجرى الوقف.
وقولي أو تسكينه من زيادتي.
(و) قوله (أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف بالله لافعلن) كذا (يمين)، لانه عرف الشرع قال تعالى: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) *.
(إلا إن نوى خبرا) ماضيا في صيغة الماضي أو مستقبلا في المضارع، فلا يكون يمينا لاحتمال ما نواه، (و) قوله لغيره (أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن) كذا (يمين إن أراد يمين نفسه) فيسن للمخاطب إبراره فيها بخلاف ما إذا لم يردها، ويحمل على الشفاعة في فعله (لا) قوله) (إن فعلت كذا فإنا يهودي أو نحوه) كأنا برئ من الاسلام أو من الله أو من رسوله فليس بيمين، ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل، أو أطلق كما اقتضاه كلام الاذكار، وليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله ويستغفر اللوإن قصد الرضا بذلك إن فعله فهو كافر في الحال، وقولي أو نحوه أعم من قوله أو برئ من الاسلام (وتصح) أي اليمين (على ماض وغيره) نحو والله ما فعلت كذا أو فعلته والله لافعلن كذا أو لا أفعله.
(وتكره) أي اليمين قال الله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) *.
(إلا في طاعة) من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، (و) في (دعوى) عند حاكم، (و) في (حاجة) كتوكيد كلام كقوله (صلى الله عليه وسلم): فوالله لا يمل الله حتى تملوا أو تعظيم أمر كقوله: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.
فلا تكره فيهما وهما من زيادتي.
(فإن حلف على) ارتكاب (معصية) كترك واجب عيني، ولو عرضا وفعل حرام (عصى) بحلفه (ولزمه حنث وكفارة) لخبر الصحيحين من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وإنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه، وإلا

(2/344)


فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها، لان الغرض حاصل مع بقاء التعظيم، (أو) على ترك أو فعل (مباح) كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب (سن ترك حنثه) لما فيه من تعظيم اسم الله تعالى.
نعم إن تعلق بتركه أو فعله غرض ديني كأن حلف أن لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما، فقيل: يمين مكروهة وقيل: يمين طاعة اتباعا للسلف في خشونة العيش، وقيل: يختلف باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم للعبادة.
قال الشيخان وهو الاصوب (أو) على (ترك مندوب) كسنة ظهر، (أو فعل مكروه) كالتفات في الصلاة (سن حنثه وعليه) بالحنث (كفارة) للخبر السابق (أو) على (عكسهما) أي على فعل مندوب أو ترك مكروه (كره) أي حنثه، وعليه بالحنث كفارة وهذا من زيادتي.
(وله تقديم كفارة بلا صوم على أحد سببيها) لانها حق مالي تعلق بسببين، فجاز تقديمها على أحدهما كالزكاة، فتقدم على الحنث ولو كان حراما كالحنث بترك واجب أو فعل حرام وعلى عود في ظهار، كأن ظاهر من رجعية، ثم راجعها.
وكأن طلق رجعيا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع وعلى موت في قتل بعد جرح.
أما الصوم فلا يقدم لانه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان، وخرج بغير حاجة الجمع بين الصلاتين تقديما، والتقييد بغير الصوم فيما عدا الحنث من زيادتي.
(كمنذور مالي) فإنه يجوز تقديمه على وقته الملتزم لما مر، سواء أقدمه على المعلق عليه كإشفاء أم لا، كقوله إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبدا، أو إن شفى الله مريضي فلله على أن أعتق عبدا يوم الجمعة الذي يعقب الشفاء، فإنه يجوز إعتاقه قبل الشفاء وقبيوم الجمعة الذي عقب الشفاء.
(فصل) في صفة كفارة اليمين وهي مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء كما يعلم مما يأتي، (خير) المكفر الحر الرشيد ولو كافرا (في كفارة يمين بين إعتاق كظهار) أي كإعتاق عن
كفارته، وهو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل، والكسب كما مر في محله.
(وتمليك عشرة مساكين كل) منهم إما (مدا من جنس فطرة) كما مر في كتاب الكفارة.
وإن عبر الاصل هنا بمد حب من غالب قوت بلده، (أو مسمى كسوة) مما يعتاد لبسه كعرقية ومنديل، (ولو ملبوسا لم

(2/345)


تذهب قوته ولم يصلح للمدفوع له كقميص صغير وعمامته وإزراره وسراويله لكبير: وحرير لرجل، (لا نحو خف) مما لا يسمى كسوة كدرع من حديد، أو نحوه وقفازين وهما ما يعملان لليدين، ويحشيان بقطن كما مر في الحج.
ومنطقة وهي ما تشد في الوسط فلا تجزئ، وقولي: نحو خف أعم مما ذكره، (فإن) لم يكن المكفر رشيدا أو (عجز عن كل) من الثلاثة هو أولى من قوله عن الثلاثة (بغير غيبة ماله) برق أو غيره، (لزمه صوم ثلاثة) من الايام.
(ولو مفرقة) لآية: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *.
والرقيق لا يملك أو يملك ملكا ضعيفا، فلو كفر عنه سيده بغير صوم لم يجز ويجزئ بعد موته بالاطعام والكسوة، لانه لا رق بعد الموت، وله في المكاتب أن يكفر عنه بهما بإذنه وللمكاتب أن يكفر بهما بإذن سيده، أما العاجز بغيبة ماله فكغير العاجز لانه واجد فينتظر حضور ماله بخلاف فاقد الماء مع غيبة ماله، فإنه يتيمم لضيق وقت الصلاة، وبخلاف المتمتع المعسر بمكة الموسر ببلده، فإنه يصوم لان مكان الدم بمكة فاعتبر يساره وعدمه بها، ومكان الكفارة مطلق فاعتبرا مطلقا فإن كان هنا رقيق غائب تعلم حياته فله إعتاقه في الحال، (فإن كان) العاجز (أمة تحل) لسيدها (لم تصم إلا بإذن) منه وإن لم يضرها الصوم في خدمة السيد لحق التمتع (كغيرها) من أمة لا تحل له، وعبد.
(والصوم يضره) أي غيرها في الخدمة، (وقد حنث بلا إذن) من السيد فإنه لا يصوم إلا بإذن وإن أذن له في الحلف لحق الخدمة، فإن أذن له في الحنث صام بلا إذن وإن لم يأذن له في الحلف، فالعبرة في الصوم بلا إذن فيما إذا أذن في أحدهما بالحنث.
ووقع في الاصل ترجيح اعتبار الحلف لان الاذن فيه إذن
فيما يترتب عليه من التزام الكفارة، والاول هو الاصح في الروضة كالشرحين، لان الحلف مانع من الحنث فلا يكون الاذن فيه إذنا في التزام الكفارة، فإن لم يضره الصوم في الخدمة لم يحتج إلى إذن فيه.
والتصريح بحكم الامة من زيادتي، (ومبعض كحر في غير إعتاق) فإن كان له مال كفر بتمليك ما مر باعتاق لعدم أهليته للولاء، وإلا فيصوم وهذا أولى مما عبر به الاصل.
(فصل) في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما مما يأتي لو (حلف لا يسكن بهذه الدار (أو لا يقيم بها) وهو فيها (فمكث) فيها (بلا عذر حنث

(2/346)


وإن بعث متاعه) وأهله، كما لو لم يبعثهما لانه حلف على سكنى نفسه فلا يحنث إن خرج حالا بنية التحول، وإن تركهما ولا إن مكث بعذر كجمع متاع وإخراج أهل ولبس ثوب وإغلاق باب ومنع من خروج وخوف على نفسه أو ماله، (كما لو حلف لا يساكنه وهما فيها فمكثا لبناء حائل) بينهما فيحنث لوجود المساكنة إلى تمام البناء بلا ضرورة.
وهذا ما نقله في الروضة كأصلها عن الجمهور، وصححه في الشرح الصغير، وصحح الاصل تبعا للبغوي أنه لا يحنث لاشتغاله برفع المساكنة (لا إن خرج أحدهما حالا) بينة التحول، (أو حلف لا يدخلها وهو فيها أو لا يخرج وهو خارج أو نحو ذلك) مما لا يتقدر بمدة كصلاة وصوم وتطهر وتطيب وتزوج ووطئ وغصب، إذا حلف لا يفعلها (فاستدام) - ها فلا يحنث لعدم وجود المحلوف عليه.
وهو في الاولى ظاهر إذ لا مساكنة، وأما فيما عداها فلان استدامة الاحوال المذكورة ليست كانشائها، إذ لا يصح أن يقال دخلت شهرا.
وكذا البقية.
وصورة حلف المصلي أن يحلف ناسيا أو جاهلا أو يكون أخرس ويحلف بالاشارة، (ويحنث باستدامة نحو لبس) مما يتقدر بمدة كركوب وقيام وقعود وسكنى واستقبال ومشاركة، فلان إذا حلف لا يفعلها، فيحنث باستدامتها لصدق اسمها بذلك إذ يصح أن يقال: لبست شهرا وركبت ليلة، وكذا البقية.
وإذا حنث باستدامة شئ ثم حلف أن لا يفعله فاستدامه لزمه كفارة أخرى لانحلال اليمين أو ولى
باستدامة الاولى.
وتعبيري في هذه والتي قبلها بما ذكر أعم مما ذكره.
(ومن حلف لا يدخل) هذه (الدار حنث بدخوله داخل بابها) حتى دهليزها، ولو برجله معتمدا عليها فقط)، لانه يعد داخلا بخلاف ما لو مدها وقعد خارجها أو دخل بها، ولم يعتمد عليها فقط.
وإن أطلق الاصل أنه لا يحنث بدخوله بها، وبخلاف ما لو أدخل رأسه أو يده أو دخل طاقا معقودا قدام الباب (لا بصعود سطح) من خارج الدار، (ولو محوطا لم يسقف) لانه لا يعد داخلا بخلاف ما إذا سقف كله أو بعضه، ونسب إليها بأن كان يصعد إليه منها كما هو الغالب، لانه حينئذ كطبقة منها.
وقولي لم يسقف من زيادتي.
(ولو صارت غير دار) كأن صارت فضاء أو جعلت مسجدا، (فدخل لم يحنث) لزوال اسم الدار المحلوف عليها بخلاف ما لو بقي اسمها.
كأن بقي رسوم جدرها أو أعيدت بآلتها، (أو) حلف (لا يدخل دار زيد حنث ب) - دخول (ما) أي دار (يملكها أو) دار (تعرف به) كدار العدل، وإن لم يسكنها دون دار يسكنها بإجارة أو إعارة أو غصب أو نحوها، لان الاضافة إلى من يملك تقتضي ثبوت الملك حقيقة أو ما ألحق به، (فإن أراد) بها (مسكنه) - يحنث (به) أي بمسكنه، وإن لم يملكه ولم يعرف به ولا

(2/347)


يحنث بغير مسكنه وإن كان ملكه أو عرف به.
وقولي: أو تعرف به من زيادتي.
(أو) حلف (لايدخل داره) أي زيد (أو لا يكلم عبده أو زوجته فزال ملكه) عن الثلاث أو بعض الاولين، (فدخل) الدار (وكلم) العبد أو الزوجة (لم يحنث) لزوال الملك (إلا أن يشير) إليهم بأن يقول داره هذه أو عبده هذا أو زوجته هذه، (ولم يرد ما دام ملكه) بالرفع والنصب فيحنث تغليبا للاشارة، فإن أراد ما دام ملكه لم يحنث، ولو مع الاشارة.
كما دخل في المستثنى منه عملا بإرادته، وزوال ملكه في غير الزوجة، بلزوم العقد من قبله.
وفيها بإبانته لها لا بطلاقه الرجعي.
فتعبيري بما ذكر أولى من قوله: فباعهما أو طلقها.
وظاهر أنه لا حنث لو مع الاشارة في زوال الاسم، كزوال اسم العبد بعتقه، واسم الدار بجعلها مسجدا.
فقولهم: تغليبا للاشارة أي مع بقاء الاسم كما يعلم مما يأتي أو اخر الفصل الآتي، (أو) حلف (لا يدخل دارا
من ذا الباب حنث بالمنفذ) المشار إليه لا بغيره، وإن نقل إليه خشب الاول لان الباب حقيقة في المنفذ مجاز في الخشب، فإن أراد الثاني حمل عليه، (أو) حلف لا يدخل (بيتا ف) - يحنث (بمسماه) أي بما يسمى بيتا ولو خشبا أو خيمة أو شعرا لوقوع اسمه على الجميع، بخلاف ما لا يسمى بيتا كمسجد وحمام وغار جبل وكنيسة وبيعة، لانه لا يقع عليها اسم البيت إلا بتقييد أو تجوز.
فإن أراد شيئا حمل عليه، (أو) حلف (لا يدخل على زيد فدخل على قوم هو فيهم) عالما بذلك، (حنث وإن استثناه) بلفظه أو نيته لوجود الدخول عليه (وفي نظيره من السلام) ولو في الصلاة، (يحنث إن لم يستثنه) لظهور اللفظ في الجميع، فإن استثناه باللفظ أو بالنية لم يحنث وفارق ما قبله بأن الدخول لا يتبعض بخلاف السلام.
(فصل) في الحلف على أكل أو شرب مع بيان ما يتناوله بعض المأكولات.
لو (حلف لا يأكل رؤوسا) وأطلق (حنث برؤوس نعم) لانها المتعارفة لاعتياد بيعها مفردة، (لا برؤوس طير وصيد) بري أو بحري (إلا إن كان) الحالف (من بلد تباع فيه مفردة) وإن حلف خارجه فيحنث بأكلها فيه قطعا، وفي غيره على الاقوى في الروضة.
وأصلها قالا وهو الاقرب إلى ظاهر النص، لكن صحح النووي في تصحيحه مقابله.
قال في الروضة كأصلها وهو ما رجحه

(2/348)


الشيخ أبو حامد، والروياني ومال إليه البلقيني بل صححه في تصحيحه، وكلام الاصل يفهمه، (أو) لا يأكل (بيضا ف) - يحنث (بمفارق بائضه) أي ما من شأنه أن يفارقه (حيا)، ويؤكل بيضه منفردا (كدجاج ونعام)، وإن فارقه بعد موته بخلاف غيره كبيض سمك وهو بطارخه، لانه إنما يفارقه ميتا بشق بطنه، وكبيض جراد لانه لا يؤكل منفردا، (أو) حلف لا يأكل (لحما ف) - يحنث (بلحم مأكول) كنعم وخيل وطير ووحش مأكولين، فيحنث بالاكل من مذكاة، (ولو لحم رأس ولسان لا) لحم (سمك وجراد)، لانه لا يفهم من إطلاق اللحم عرفا، فعلم أنه لا يتناول غير اللحم ككرش وكبد وطحال وقلب ورئة.
(ويتناول) أي اللحم (شحم ظهر وجنب) لانه لحم
سمين، ولهذا يحمر عند الهزال (لا) شحم (بطن وعين)، لانه يخالف اللحم في الاسم والصفة.
(والشحم عكسه) فلا يتناول شحم ظهر وجنب ويتناول شحم بطن وعين، وذكر الجراد مع عدم تناول اللحم شحم العين والشحم شحم الجنب، ومع تناول الشحم شحم البطن، والعين من زيادتي.
(والالية والسنام) بفتح أولهما، (ليسا) أي كل منهما (شحما ولا لحما) لمخالفته، لكل منهما في الاسم والصفة، (ولا يتناول أحدهما الآخر)، لذلك فلا يحنث من حلف لا يأكل أحدهما بالآخر.
(والدسم) وهو الودك (يتناولهما) أي الالية والسنام، (و) يتناول (شحم نحو ظهر) كبطن وجنب، (ودهنا) مأكولا فيحنث بأكل أحدهما من حلف، لا يأكل دسما.
وقولي: نحو ظهر أعم من قوله ظهر وبطن.
(ويتناول لحم البقر جاموسا وبقر وحش) فيحنث بأكل أحدهما، من حلف لا يأكل لحم بقر وذكر بقر الوحش من زيادتي.
(و) يتناول (الخبز كل خبز ولو من أرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي على الاشهر، (وباقلا) بتشديد اللام مع القصر على الاشهر، (وذرة) بذال معجمة والهاء عوض عن واو أو ياء، (وحمص) بكسر الحاء وفتح الميم وكسرها، فيحنث بأكل أحدها من حلف لا يأكل خبزا، (وإن ثرده) بمثلثة أو لم يكن معهود بلده لظهور اللغة فيه، وبهذا فارق ما مر من اعتبار العرف سواء ابتلعه بعد مضغ أم دونه، (و) يتناول (الطعام قوتا وفاكهة) لوقوع اسمه عليهما، والفاكهة تشمل الادم والحلوى كما مر في الربا، وتقدم ثم إن الطعام يتناول الدواء بخلافه هنا مع الفرق بين البابين، (و) يتناول (الفاكهة رطبا وعنبا ورمانا وأترجا)، بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم، ويقال فيه أترنج بالنون، وترج (ورطبا ويابسا) كتمر وزبيب، (وليمونا ونبقا) بفتح النون وسكون الموحدة، وكسرها.
(وبطيخا ولب فستق) بضم الفوقية وفتحها، (و) لب (غيره) كلب بندق (لاقثاء) بكسر القاف

(2/349)


أكثر من فتحها، وبمثلثة مع المد (وخيارا وباذنجانا) بكسر المعجمة، (وجزرا) بفتح الجيم وكسرها فليست من الفاكهة، وكذا البلح والحصرم كما ذكره المتولي.
لكن محله في البلح في غير
الذي حلا، أما ما حلا فظاهر أنه من الفاكهة (ولا يتناول الثمر) بمثلثة، (يابسا ولا البطيخ والتمر) بمثناة، (والجوز هنديا) والهندي من البطيخ الاخضر واستشكل (ولا الرطب تمرا وبسرا) وبلحا (ولا العنب زبيبا) وحصر ما (وعكوسها) لاختلافها، إسما وصفة فلا يحنث بأكل التمر من حلف لا يأكل رطبا والعكس، وكذا الباقي ولو حلف لا يأكل العنب أو الرمان لم يحنث بأكل التمر من حلف لا يأكل رطبا والعكس رطبا والعكس وكذا الباقي ولو حلف لا يأكل العنب أو الرمان لم يحنث بشرب عصيره ولا بدبسه ولا بامتصاصه، ورمى ثفله لانه لا يسمى أكلا.
(فائدة) أول التمر طلع ثم خلال بفتح المعجمة ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر، (ولو قال) في حلقه مشيرا لبر (لا آكل ذا البر حنث به على هيئته ولو مطبوخا لا على غيرها) كطحينه وسويقه وعجينه وخبزه لزوال اسمه، (أو) قال فيه مشيرا له لا آكل (ذا ف) - يحنث (بالجميع) عملا بالاشارة (أو) قال مشيرا الرطب لا آكل (ذا الرطب فأكله تمرا أو) لصبي أو عبد، (لا أكلم هذا الصبي أو ذا العبد فكلمه كاملا) بالبلوغ أو الحرية (لم يحنث) لزوال الاسم، وذكر حكم العبد من زيادتي، وتعبيري بالكامل في الصبي أولى من تعبيره بالشيخ، (أو) قال مشيرا لبقرة أو شجرة (لا آكل من ذي البقرة أو من ذي الشجرة حنث.
بما يؤكل منهما) من لحم وغيره في الاولى، ومن ثمر وجمار في الثانية، (لا بولد ولبن) في الاولى (ونحو ورق) كطرف غصن في الثانية، عملا بالعرف.
وتعبيري بما يؤكل أعم من تعبيرة بلحم وثمر (أو) قال في حلفه (لا آكل سويقا فسفه أو تناوله بآلة) هو أعم من قوله بأصبع، (أو) لا آكل (مائعا) أو لبنا (فأكله بخبز حنث) لان ذلك يعد أكلا، (لا إن شربه) أي السويق في مائع أو المائع أو اللبن، فلا يحنث لانه لم يأكله (أو) قال (لا أشربه) أي السويق أو المائع، (فبالعكس) أي يحنث في الثانية، دون الاولى فيهما (أو) قال: (لا أشربه) أي السسويق أو المائع (فبالعكس) أي يحنث في الثانية دون الاولى فيهما.
(أو) قال: (لا آكل سمنا فأكله) ولو ذائبا (بخبز أو في عصيدة وعينه ظاهرة حنث) لانه متميز في الحس، وقد أكل المحلوف عليه، وزيادة بخلاف ما إذا شربه ذائبا كما علم وما إذا لم تظهر عينه لاستهلاكه.

(2/350)


(فصل) في مسائل منثورة لو (حلف لا يأكل ذي التمرة فاختلطت بتمر فأكله إلا بعض تمرة لم يحنث) لجواز أن تكون هي المحلوف عليها، ولفظ بعض من زيادتي.
(أو ليأكلنها فاختلطت أو) ليأكلن (ذي الرمانة لم يبر إلا بالجميع) لاحتمال أن يكون المتروك هو المحلوف عليه أو بعضه في الاولى، ولتعلق اليمين بالجميع في الثانية (أو لا يلبس ذين لم يحنث بأحدهما) لان الحلف عليهما، (أولا) يلبس (ذا ولا ذا حنث به) أي بأحدهما لانه يمينان (أو ليأكلن ذا) الطعام (غدا فتلف) بنفسه أبإتلاف، (أو مات) الحالف في غد بعد (تمكنه) من أكله، (أو أتلفه قبله) أي قبل تمكنه (حنث) من الغد بعد مضي زمن تمكنه، لانه تمكن من البر في الاوليين وفوت البر باختياره في الثالثة، بخلاف ما لو تلف أو مات هو أو أتلفه غيره قبل التمكن فلا يحنث كالمكره واعتباري في الاتلاف قبلية التمكن أعم من اعتباره، فيه قبلية الغد (أو ليقضين حقه عند رأس الهلال) أو معه أو أول الشهر، (فليقض عند غروب) شمس (آخر الشهر فإن خالف) بأن قدم أو أخر (مع تمكنه) من القضاء فيه (حنث)، فينبغي أن يعد المال ويرصد ذلك الوقت فيقضيه فيه، (لا إن شرع في مقدمة القضاء) كوزن وكيل وعد وحمل ميزان (حينئذ فتأخر) القضاء لكثرتها، فلا يحنث للعذر.
وتعبيري بمقدمة القضاء أعم من تعبيره بالكيل.
(أو لا يتكلم لم يحنث بما لا يبطل الصلاة) كذكر ودعاء غير محرم لا خطاب فيهما، وقراءة قرآن وشئ من التوراة غير محرم، أو الانجيل لان إسم الكلام عند الاطلاق، ينصرف إلى كلام الآدميين في محاوراتهم.
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بالتسبيح وقراءة القرآن، (أو لا يكلمه فسلم عليه) ولو من صلاة (حنث)، لان السلام عليه نوع من الكلام (لا إن كاتبه أو راسله أو أشار إليه) بيد أو غيرها (أو أفهمه بقراءة آية مراده ونواها) فلا يحنث به اقتصارا بالكلام على حقيقته.
وقال تعالى: * (فلن أكلم اليوم إنسيا فأشارت إليه) *.
فإن لم ينو في الاخيرة قراءة حنث لانه كلمه، ودخل في الاشارة إشارة الاخرس فلا يحنث بها وإنما نزلت إشارته منزلة
النطق في العقود، والفسوخ للضرورة.
(أو) حلف (لا مال له حنث بكل مال وإن قل حتى بمدبره)

(2/351)


ومستولدته (ودينه ولو مؤجلا) لصدق إسمه على ذلك (لا بمكاتب) لان كالخارج عن ملكه ولا بالدين الذي عليه للسيد لتعليلهم بأن الدين تجب فيه الزكاة، ولا زكاة في هذا الدين لسقوطه بالتعجيز ولا بملك منفعة، لان المفهوم من إطلاق المال الاعيان (أو ليضربنه بر بما يسمى ضربا ولو لطما) أي ضربا للوجه بباطن الراحة (ووكزا) أي دفعا، ويقال ضربا باليد مطبقها، لان كلا منهما ضرب خلاف ما لا يسمى ضربا كعض وخنق بكسر النون وقرص ووضع سوط عليه ونتف شعر، (ولا يشترط) فيه (إيلام) لانه يقال ضربه فلم يؤلمه ويخالف الحد والتعزير، لان المقصود منهما الزجر (إلا أن يصفه) أي الضرب (بنحو شديد) كمبرح فيشترط فيه الايلام ونحو من زيادتي.
(أو ليضربنه مائة سوط أو خشبة فضربه ضربة بمائة مشدودة) من السياط في الاولى ومن الخشب في الثانية، (أو) ضربه ضربة (في الثانية بعثكال عليه مائة غصن بر، وإن شك في إصابة الكلل) عملا بالظاهر وهو إصابة الكل وخالف نظيره في حد الزنا، لان العبرة فيه الايلام بالكل ولم يتحقق وهنا الاسم وقد وجد وفيما لو حلف ليفعلن كذا اليوم، إلا أن يشاء زيد فلم يفعله ومات زيد.
ولم تعلم مشيئته حيث يحنث، لان الضرب سبب ظاهر في الانكباس والمشيئة لا أمارة عليها، والاصل عدمها، والشك هنا مستعمل في حقيقته، وهو استواء الطرفين فلترجح عدم إصابة الكل فمقتضى كلام الاصحاب كما في المهمات عدم البر، وتقييدي العثكال بالثانية من زيادتي.
فخرج الاولى فلا يبر به فيها كما صححه في الروضة كالشرحين لانه ليس بسياط، ولا من جنسها.
وما اقتضاه كلام الاصل من أنه يبر به فيها ضعيف، وإن زعم الاسنوي أنه الصواب (أو) ليضربنه (مائة مرة لم يبر بهذا) المذكور من المائة المشدودة، ومن العثكال لانه لم يضربه إلا مرة، (أو لا يفارقه حتى يستوفي) حقه منه (ففارقه) مختارا ذاكرا لليمين، (ولو بوقوف) بأن كانا ماشيين ووقف أحدهما حتى ذهب الآخر (أو بفلس) بأن فارقه بسبب ظهور فلسه إلى أن
يوسر (أو أبرأه) من الحق، (أو أحال) به على غريمه وهذا من زيادتي.
(أو احتال) به على غريم غريمه (حنث) في المسائل الاربع لوجود المفارقة في الاولى بأنواعها، ولتفويته البر باختياره في الثانية، ولعدم الاستيفاء الحقيقي في الاخيرتين.
نعم إن فارقه في مسألة الفلس بأمر الحاكم، لم يحنث كالمكره (لا إن فارقه غريمه) وإن أذن له أو تمكن من اتباعه، لانه إنما حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره (وإن استوفى) حقه (وفارقه ووجده غير جنس حقه) كمغشوش أو نحاس (وجهله أو) وجده (رديئا لم يحنث) لعذره في الاولى، ولان الرداءة لا تمنع الاستيفاء في الثانية بخلاف ما إذا كان غير جنس حقه وعلم به (أو) حلف.
(لا أرى

(2/352)


منكرا إلا رفعته إلى القاضي فرآه بر بالرفع إلى قاضي البلد) في محل ولايته لا إلى غيره، لان ذلك مقتضى التعريف بأل حتى لو انعزل وتولى غيره بر بالرفع إلى الثاني (فإن مات وتمكن) من رفعه إليه، (فلم يرفعه حنث) لتفويته البر باختياره.
(أو) لا أرى منكرا إلا رفعته (إلى قاض بر بكل قاض) في ذلك البلد وغيره، (أو إلى القاضي فلان بر بالرفع إليه ولو معزولا) لتعلق اليمين بعينه، (فإن نوى ما دام قاضيا وتمكن) من رفعه (فلم يرفعه حتى عزل حنث) لما مر.
فإن لم يتمكن فلا يحنث لعذره وإن نوى وهو قاض، والحالة ما ذكر لم يبر برفعه إليه بعد عزله ولا يحنث لانه ربما ولي ثانيا والرفع على التراخي، ويحصل الرفع إلى القاضي بأن يخبره به أو يكتب إليه، أو يرسل رسولا يخبره به.
(فصل) في الحلف على أن لا يفعل كذا لو (حلف لا يفعل كذا) كبيع وشراء وعتق، (وأطلق حنث بفعله لا بفعل وكيله له)، لانه إنما حلف على فعله (إلا فيما لو حلف لا ينكح فيحنث بقبول وكيله لا بقبوله هو لغيره)، لان الوكيل في قبول النكاح سفير محض لا بد له من تسمية الموكل، وخرج بقولي وأطلق ما لو أراد في الاولى أن لا يفعله هو ولا غيره، وفي الثانية أن لا ينكح لنفسه ولا لغير، فيحنث عملا
بنيته.
وقولي: وأطلق من زيادتي.
فيها (ولا يحنث بفاسد) من بيع أو غيره، لان ذلك غالبا في الحلف منزل على الصحيح، (إلا بنسك) فيحنث به وإن كان فاسدا لانه منعقد يجب المضي فيه وهذا من زيادتي.
وتعبيري في المستثنى منه بما ذكر أعم من تعبيره بما قاله.
(أو لا يهب حنث بتمليك) منه (تطوع في حياة) كهدية وعمري ورقبى وصدقة غير واجبة، لان كلا منها هبة، فلا يحنث بأعارة وضيافة.
ووقف وبهبة بلا قبض وزكاة ونذر وكفارة وهبة ذات ثواب، ووصية إذ لا تمليك في الثلاثة الاول، ولا تمليك تام في الرابعة، ولا تطوع في الاربعة بعدها، أو لا تمليك في الحياة في الاخيرة.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (أو لا يتصدق لم يحنث بهبة) ولا هدية، لانهما ليسا صدقة كما مر، ولهذا حلتا للنبي (صلى الله عليه وسلم)

(2/353)


دون الصدقة، ويحنث بالصدقة الواجبة والمندوبة.
وبما تقرر علم أن مرادهم بالهبة في هذه ما يقابل الصدقة، والهدية وفي التي قبلها الهبة المطلقة، (أو لا يأكل طعاما أو من طعام اشتراه زيد حنث بما اشتراه) زيد (وحده ولو سلما) أو تولية أو مرابحة، لانها أنواع من الشراء (لا إن اختلط) ما اشتراه وحده (بغير ولم يظن أكله منه) بأن يأكل قليلا، كعشر حبات وعشرين حبة لانه يمكن أن يكون من غير المشتري بخلاف ما إذا أكل كثيرا ككف، وخرج بما اشتراه وحده ما لو اشتراه وكيله أو شركة أو ملكه بقسمة فلا يحنث، ووجهه فيما إذا اشتراه شركة أن كل جزء منه مشترك.
وتعبيري بالظن أولى من تعبيره باليقين (ألا يدخل دارا اشتراها زيد لم يحنث بدار أخذها بلا شراء كشفعة)، كأن أخذها بشفعة الجوار بعد حكم الحنفي له بها أو أخذ بعضها بشفعة وباقيها بشراء، لان ذلك لا يسمى شراء عرفا.
وقولي: بلا إلى آخره أعم من قوله بشفعة.

(2/354)


(كتاب (النذر) بمعجمة ولغة الوعد بشر أو التزام ما ليس بلازم أو الوعد بخير أو شر وشرعا التزام
قربة لم تتعين كما يعلم مما يأتي، والاصل فيه آيات كقوله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) *.
وأخبار كخبر البخاري من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.
(أركانه) ثلاثة (صيغة ومنذور وناذر وشرط فيه) أي في الناذر، (إسلام واختيار ونفوذ تصرف فيما ينذره) بكسر الذال وضمها فيصح النذر من السكران، ولا يصح من كافر لعدم أهليته للقربة ولا من مكره لخبر رفع عن أمتي الخطأ، ولا ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره كمحجور سفه أو فلس في القرب المالية العينية وصبي ومجنون.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بالتزام) وفي معناه ما مر في الضمان، وهذا وما قبله من زيادتي، (كالله علي) كذا (أو على كذا) كعتق وصوم وصلاة فلا يصح بالنية كسائر العقود، (و) شرط (في المنذور كونه قربة لم تتعين) نفلا كانت أو فرض كفاية لم يتعين، والثاني من زيادتي.
(كعتق وعيادة) وسلام وتشييع جنازة، (وقراءة سورة معينة وطول قراءة صلاة وصلاة جماعة وكخصلة معينة من خصال الواجب

(2/355)


المخير فيما يظهر، ولا فرق في صحة نذر الثلاثة الاخيرة في المتن بين كونها في فرض أم لا فالقول بأن صحتها مقيدة بكونها في الفرض أخذا من تقييد الروضة.
وأصلها بذلك وهم لانهما إنما قيدا بذلك للخلاف فيه (فلو نذر غيرها) أي غير القرية المذكورة واجب عيني كصلاة الظهر، أو مخير كأحد خصال كفارة اليمين مبهما أو معصية كشرب خمر وصلاة بحدث أو مكروه كصوم الدهر لمن خاف به ضررا أو فوت حق أو مباح كقيام وقعود سواء أنذر فعله أم تركه، (لم يصح) نذره أما الواجب المذكور فلانه لزم عينا بإلزام الشرع قبل النذر فلا معنى لالتزامه وأما المعصية فلخبر مسلم لا نذر في معصية الله تعالى ولا فيما لا يملكه ابن آدم، وأما المكروه وهو من زيادتي.
والمباح فلانهما لا يتقرب بهما ولخبر أبي داود لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله (ولم يلزمه) بمخالفته (كفارة)، حتى في المباح لعدم انعقاد نذره، وأما خبر لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين فضعيف باتفاق المحدثين وعدم لزومها في المباح، هو ما رجحه في
الروضة كالشرحين وصوبه في المجموع، وخالف الاصل فرجح لزومها نظرا إلى أنه نذر في غير معصية.
وكلام الروضة كأصلها يقتضيه في موضع (والنذر ضربان) أحدهما (نذر لجاج) بفتح اللام وهو التمادي في الخصومة، ويسمى نذر اللجاج والغضب ويمين اللجاج والغضب ونذر الغلق ويمين الغلق بفتح الغين المعجمة واللام، (بأن يمنع) نفسه أو غيرها من شئ (أو يحث) عليه (أو يحقق خبرا غضبا بالتزام قربة)، وهذا الضابط من زيادتي.
(كإن كلمته) أو إن لم أكلمه أو إن لم يكن الامر، كما قلته (فعلى كذا) من نحو عتق وصوم، (وفيه) عند وجود الصفة (ما التزمه) عملا بالتزامه (أو كفارة يمين) لخبر مسلم كفارة النذر كفارة يمين وهي لا تكفي في نذر التبرر بالاتفاق فتعين حمله على نذر اللجاج (ولو قال) إن كلمته، (فعلي كفارة يمين أو) كفارة (نذر لزمته) أي الكفارة عند

(2/356)


وجود الصفة تغليبا لحكم اليمين في الاولى، ولخبر مسلم السابق في الثانية، ولو قال فعلي يمين فلغو أو فعلي نذر صح ويتخير فيه بين قربة وكفارة يمين ونص البويطي يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شئ فلو كان ذلك في نذر التبرر، كأن قال إن شفى الله مريضي فعلي نذر، أو قال ابتداء لله علي نذر لزمه قربة من القرب، والتعيين إليه ذكره البلقيني وبعضهم قرر كلام الاصل على خلاف ما قررته فاحذره.
(و) ثانيهما (نذر تبرر بأن يلتزم قربة بلا تعليق كعلي كذا) وكقول من شفي من مرضه لله علي كذا لما أنعم الله على من شفائي من مرضي، (أو بتعليق بحدوث نعمة أو ذهاب نقمة، كإن شفي الله مريضي فعلى كذا فيلزمه ذلك) أي ما التزمه، (حالا) إن لم يعلقه (أو عند وجود الصفة) إن علقه للآيات المذكور بعضها أول الباب، (ولو نذر صوم أيام سن تعجيله) حيث لا عذر مسارعة لبراءة ذمته، (فإن قيد بتفريق أو موالاة وجب) ذلك عملا بالتزامه، وإلا فلا لحصول الوفاء.
بالتقديرين، فلو نذر عشرة أيام متفرقة فصامها متوالية أجزأ منها خمسة، (أو) نذر صوم (سنة معينة لم يدخل) في نذرها (عيد وتشريق وحيض ونفاس ورمضان) أي أيامها، لان رمضان لا يقبل صوم غيره وما عداه لا يقبل صوما أصلا،
فلا يدخل في نذر ما ذكر (فلا قضاء) لها عن نذره، لما ذكر خلافا للرافعي فيما وقع في الحيض والنفاس، (ولا يجب بما أفطره من غيرها استئناف سنة) بل له أن يقتصر على قضائه، لان التتابع إنما كان للوقت كما في رمضان، لا لانه مقصود (إلا إن شرط تتابعها) فيجب استئنافها، عملا بالشرط، لان التتابع صار به مقصودا (أو) نذر صوم سنة (مطلقة وجب تتابعها إن شرطه) في نذره وإلا فلا (ولا يقطعه ما لا

(2/357)


يدخل في) نذر (معينة) من صوم رمضان عنه، وفطر أيام العيد والتشريق والحيض، والنفاس لاستثنائه شرعا، وإن لم يذكر الاصل النفاس (ويقضيه غير زمن حيض ونفاس متصلا بآخر السنة) ليفي بنذره، أما زمن الحيض والنفاس فلا يلزمه قضاؤه والاشبه عند ابن الرفعة لزومه كما في رمضان بل أولى وفرضه في الحيض، قال الزركشي ومثله النفاس (أو) نذر صوم أيام (الاثانين لم يقضها إن وقعت فيما مر) مما لا يدخل في نذر صوم سنة معينة، ووقع في الاصل ترجيح قضائها، إن وقعت في حيض أو نفاس.
ولعل النووي لم يتعقب في الاصل الرافعي في ذلك، كما تعقبه فيفي السنة المعينة قبل للعلم به من ذلك، (أو) وقعت (في شهرين لزمه صومهما تباعا) لكفارة مثلا (وسبقا) أي موجبهما نذر الاثانين فلا يلزمه قضاؤها لتقد وجوبهما على النذر، بخلاف ما إذا لم يسبقا.
وتعبيري بذلك أعم من تقييده الشهرين بالكفارة (أو) نذر صوم (يوم بعينه من جمعة تعين) فلا يصوم عنه قبله، والصوم عنه بعده قضاء كما لو تعين بالشرع ابتداء، (فإن نسيه صام يومها) أي يوم الجمعة، فإن كان هو وقع أداء، وإلا فقضاء وهذا بناء على أن أول الاسبوع السبت، أما على القول بأن أوله الاحد، وعزى للاكثرين وجرى عليه النووي في تحريره، وغيره فيصوم يوم السبت والمعتمد الاول (ومن نذر إتمام نفل) من صوم أو غيره، فهذا أعم من قوله: ومن شرع في صوم نفل فنذر إتمامه، (لزمه) لانه عباد فصح التزامه بالنذر، (أو) نذر (صوم بعض يوم لم ينعقد) نذره لانه غير معهود شرعا، وكذا لو نذر سجدة أو ركوعا أو بعض ركعة كما علم مما مر، (أو) صوم
(يوم قدوم زيد انعقد) لامكان الوفاء به، بأن يعلم قدومه غدا فيبيت النية (فإن صامه عنه) فذاك (وإلا فإن قدم ليلا أو يوما مما مر)، مما لا يدخل في نذر صوم سنة معينة، وهذا أعم من قوله: أو يوم عيد أو في رمضان، (سقط) الصوم لعدم قبول ذلك للصوم أو لصوم غيره، (وإلا) بأن قدم نهارا وهو صائم نفلا أو واجبا غير رمضان، أو وهو مفطر بغير ما مر، (لزمه القضاء) وإنما لم يكف تتميم صوم النفل بعد قدومه فيه، لان لزوم صومه ليس من وقت القدوم بل من أول

(2/358)


النهار، (أو) نذر صوم اليوم (التالي له) أي ليوم قدوم زيد، (و) صوم (أول خميس بعد قدوم عمر و) كأن قال إن قدم زيد فعلي صوم اليوم التالي ليوم وقدومه، وإن قدم عمرو فعلي صوم أول خميس بعد قدومه، (فقدم في الاربعاء صام الخميس عن أولهما) أي النذرين (وقضى الآخر) لتعذر الاتيان به في وقته وصح عكسه، وإن أثم به قال في المجموع، ولو قال: إن قدم زيد فلله علي أن أصوم أمس يوم قدومه لم يصح نذره على المذهب وما نقل عنه من أنه قال صح نذره على المذهب سهو.
(فصل) في نذر الاتيان إلى الحرم بنسك أو غيره مما يأتي لو (نذر اتيان الحرم أو شئ منه) كالبيت الحرام أو بيت الله الحرام أو بيت الله بنية ذلك والصفا ومسجد الخيف ودار أبي جهل، (لزمه نسك) من حج أو عمرة، لان القربة إنما تتم باتيانه بنسك والنذر محمول على واجب الشرع، وذكر حكم اتيان الحرم من زيادتي، وقولي: أو شئ منه أعم من تعبيره باتيان بيت الله مع أنه غير كاف لصدقه بمساجد غير الحرم، بل لا بد من وصفه بالحرام أو بنيته كما علم، (أو) نذر (المشي إليه لزمه مع نسك مشي من مسكنه)، لان ذلك مدلول لفظه وهذا فيما عدا بيت الله من زيادتي.
(أو) نذر (أن يحج أو يعتمر ماشيا) أو عكسه، (لزمه) مع ذلك (مشي) لانه مقصود (من حيث أحرم) من الميقات، أو قبله أو بعده، لانه التزم المشي في النسك وابتداؤه من الاحرام فإن صرح به من مسكنه وجب منه، وقولي من
حيث أحرم من زيادتي بالنظر للعمرة، (فإن ركب) ولو بلا عذر (أجزأه) لانه أفضل عند النووي، ولانه أتى بأصل النسك، ولم يترك إلا هيئة فكان كترك الاحرام من الميقات أو المبيت بمنى، (ولزمه دم) أي شاة، وإن ركب بعذر لتركه الواجب ولترفهه بتركه، ويمتد وجوب المشي حتى يفرغ من نسكه أو يفسد وفراغه من حجه بفراغه من التحللين.
قال الشيخان: والقياس أنه إذا كان يتردد في خلال أعمال النسك لغرض تجارة أو غيرها، فله الركوب ولم يذكروه ومن نذر الحج مثلا راكبا فحج ماشيا لزمه دم أو الحج حافيا لزمه الحج دون الحفاء (أو) نذر (نسكا) من حج أو عمرة (وعضب أناب) كما في حجة الاسلام وعمرته، (وسن تعجيله أول) زمن (تمكنه) مبادرة إلى براءة الذمة،

(2/359)


(فإن مات بعده) أي بعد تمكنه من فعله (فعل من ماله)، فإن مات قبل التمكن فلا شئ عليه كحجة الاسلام وعمرته، (أو) نذر (أن يفعله) أي النسك من حج أو عمرة فهو أعم من قوله: وإن نذر الحج (عاما معينا) هو أعم من قوله عامه، (وتمكن) من فعله (لزمه) فيه، إن لم يكن عليه نسك إسلام، فإن لم يفعله فيه وجب قضاؤه، فإن لم يعين العام لزمه في أي عام شاء أو عين ولم يتمكن من فعله فيه، فإن لم يبق زمن يسعه لم ينعقد نذره أو وسعه، وحدث له قبل إحرامه عذر كمرض فلا قضاء لان المنذور نسك في ذلك العام ولم يقدر عليه، (فإن فاته بلا عذر أو بمرض أو خطأ) للطريق أو الوقت (أو نسيان) لاحدهما أو للنسك (بعد إحرامه قضى) وجوبا، كما لو نذر صوم سنة معينة، فأفطر فيها لمرض فإنه يقضي ما أفطره بخلاف ما لو طرأ ذلك قبل إحرامه كما مر.
وقولي: بلا عذر مع ذكر حكم الخطأ أو النسيان ومع قولي: بعد إحرامه من زيادتي.
فعلم بما تقرر أنه لا قضاء فيما لو فاته بمنع نحو عدو كسلطان ورب دين لا يقدر على وفائه، فلا يجب قضاؤه كما في نسك الاسلام، إذا صد عنه في أول سني الامكان لا يجب قضاؤه.
وفارق المرض وتالييه باختصاصه بجواز التحلل به من غير شرط بخلاف المذكورات، (أو) نذر (صلاة أو صوما في وقت) لم ينه عن فعل ذلك فيه (ففاته) ولو بعذر كمرض
ومنع نحو عدو (قضى) وجوبا لتعين الفعل في الوقت، ولتفويته ذلك باختياره، وفارق النسك في نحو العد وبأن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع، وقد تجب الصلاة والصوم مع العجز فكذا يلزمان بالنذر والنسك لا يجب إلا عند الاستطاعة فكذا النذر قاله البغوي وغيره.
قال الزركشي وما ذكروه في الصلاة خلاف القياس بل القياس أنه يصلي كيف أمكنه في الوقت المعين، ثم يجب القضاء لان ذلك عذر نادر كما في الواجب بالشرع.
(أو) نذر (إهداء شئ) من نعم أو غيرها وعينه في نذره أو بعده (إلى الحرم) كأن قال لله علي أن أهدي هذا الثوب أو البعير إلى الحرم أو إلى مكة، (لزمه حمله إليه) أي إلى الحرم نفسه إن لم يعين شيئا منه وإلى ما عينه منه إن عين (إن سهل) عملا بالتزامه، (و) لزمه (صرفه) بعد ذبح ما يذبح منه (لمساكينه) الشاملين لفقرائه، والذي يذبح منه ما يجزى في الاضحية فإن لم يجز فيها كظبي وصغير ومعيب تصدق به حيا فلو ذبحه تصدق بلحمه وغرم ما نقص بذبحه، أما إذا لم يسهل حمله كعقار ورحا فيلزم حمل ثمنه إلى الحرم.
ويشترط في لزوم حمله أيضا إمكان التعميم به حيث وجب التعميم، فإن لم يمكن التعميم به كلؤلؤ فإن كانت قيمته في الحرم ومحل النذر سواء تخير بين حمله وبيعه بالحرم وبين حمل ثمنه أو في أحدهما أكثر تعين.
وقولي: إن سهل من زيادتي.
وتعبيري بالمشي وبالحرم وبالمساكين أولى من تعبيره بالهدي وبمكة، وبمن بها لان الحكم لا يختص بها مع ما في قوله من إيهام غير المراد،

(2/360)


(أو) نذر (تصدقا) بشئ (على أهل بلد معين لزمه) صرفه لمساكينه من المسلمين، سواء الحرم وغيره فلا يجوز نقله كما في الزكاة ومن نذر النحر بالحرم لزمه النحر به وتفرقة اللحم على مساكينه أو بغيره لم يلزمه شئ، (أو) نذر (صوما بمكان لم يتعين) الصوم فيه فله الصوم في غيره سواء الحرم وغيره، كما أن الصوم الذي هو بدل واجبات الاحرام لا يتعين في الحرم (أو) نذر (صلاة به) أي بمكان (فكاعتكاف) أي فكنذره فلا تتعين فيه لانها لا تختلف باختلاف الامكنة إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الاقصى.
فتتعين لعظم فضلها وإن تفاوتت
فيه ويقوم الاول مقام الآخرين، وأولهما مقام الآخر دون العكس كما علم ذلك من التنظير فهو أعم مما عبر به، (أو) نذر (صوما) مطلقا أو مقيدا بنحو دهر كحين (فيوم) يحمل عليه لانه أقل ما يفرد بالصوم، (أو أياما) أي صومها (فثلاثة) لانها أقل الجمع، (أو) نذر (صدقة فبمتمول) يتصدق به، وإن قل وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم لان الصدقة الواجبة لا تنحصر في قدر، لان الخلطاء قد يشتركون في نصاب فيجب على أحدهم شئ قليل.
وتعبيري بمتمول أولى من قوله فيما كان إذ لا يكفي بما لا يتمول، (أو) نذر (صلاة فركعتان) تكفيان لانهما أقل واجب منها (بقيام قادر) إلحاقا للنذر بواجب الشرع، (أو) نذر (صلاة قاعد أجاز) فعلها (قائما) لاتيانه بالافضل (لا عكسه) أي نذر الصلاة قائما فلا يجوز فعلها قاعدا مع القدرة على القيام، لانه دون ما التزمه (أو) نذر (عتقا فرقبة) تجزي ولو ناقصة، ككافرة لوقوع الاسم عليها (أو) نذر (عتق كافرة أو معيبة أجزأه) رقبة (كاملة) لاتيانه بالافضل، (فإن عين) رقبة (ناقصة) كلله علي عتق هذا العبد الكافر أو المعيب (تعينت) لتعلق النذر بالعين.

(2/361)


(كتاب) (القضاء) بالمد أي الحكم بين الناس.
والاصل فيه قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) *.
وقوله: * (فاحكم بينهم بالقسط) *.
وأخبار كخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران.
وفي رواية صحح الحاكم إسنادها فله عشرة أجور وما جاء في التحذير من القضاء كقوله: من جعل قاضيا ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له القضاء أو يحرم عليه ما يأتي (توليه) أي القضاء (فرض كفاية) في حق الصالحين له في الناحية.
أما تولية الامام لاحدهم ففرض عين عليه (فمن تعين له في ناحية لزمه طلبه) ولو ببذل مال أو خاف من نفسه الميل، (و) لزمه (قبوله) إذا وليه للحاجة إليه فيها فإن امتنع أجبر، وإنما يلزمه الطلب والقبول
(فيها) أي في ناحيته فلا يلزمانه في غيرها لان ذلك تعذيب لما فيه من ترك الوطن بالكلية لانه عمل القضاء لا غاية له بخلاف سائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر.
كالجهاد وتعلم العلم، (أو) لم يتعين فيها لكنه (كان أفضل) من غيره (سنا) أي الطلب والقبول، (له فيها إذا وثق بنفسه، وقولي: وقبوله إلى آخره من زيادتي.
(أو) كان (مفضولا ولم يمتنع الافضل) من القبول (كرها له) أي للمفضول، لما في خبر الصحيحين من قوله (صلى الله عليه وسلم) لعبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الامارة.
فإن كان الافضل يمتنع من القبول فكالمعدوم.
واستثنى الماوردي من الكراهة ما إذا كان المفضول أطوع وأقرب إلى القبول، والبلقيني ما إذا كان أقوى في القيام في الحق وذكر كراهة القبول من زيادتي.
(أو) كان (مساويا) لغيره (فكذا) أي فيكرهان له (إن اشتهر) بالانتفاع بعلمه (وكفى) بغير بيت المال لما فيه من الخطر بلا حاجة وعلى هذا حمل امتناع السلف (وإلا) بأن لم يشتهر أو لم يكف بما ذكر (ستاله) لينتفع بعلمه أو ليكفي من بيت المال، ويحرم طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا وتبطل عدالة الطالب والتصريح بسن القبول من زيادتي.
(وشرط القاضي كونه إهلا للشهادات) بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا عدلا سميعا بصيرا ناطقا (كافيا) لامر القضاء، فلا

(2/362)


يولاه كافر وصبي ومجنون ومن به رق وأنثى وخنثى وفاسق ومن لم يسمع وأعمى وأخرس وإن فهمت إشارته ومغفل ومختل النظر بكبر أو مرض لنقصهم (مجتهدا وهو العارف بأحكام القرآن والسنة وبالقياس وأنواعها).
فمن أنواع القرآن والسنة الخاص والعام والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ المنسوخ.
ومن أنواع السنة المتواتر والآحاد والمتصل وغيره، ومن أنواع القياس الاولى والمساوي والادون كقياس الضرب للوالدين على التأفيف لهما، وقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما.
وقياس التفاح على البر في باب الربا بجامع الطعم، (وحال الرواة) قوة وضعفا فيقدم عند التعارض الخاص على العام.
والمقيد على المطلق والنص على الظاهر والمحكم على المتشابه والناسخ والمتصل
والقوي على مقابلها (ولسان العرب) لغة ونحوا وصرفا وبلاغة، (وأقوال العلماء) إجماعا واختلافا فلا يخالفهم في اجتهاده، (فإن فقد الشرط) المذكور بأن لم يوجد رجل متصف به، (فولى سلطان ذو شوكة مسلما غير أهل) كفاسق ومقلد وصبي وامرأة (نفذ) بمعجمة (قضاؤه للضرورة)، لئلا تتعطل مصالح الناس.
وتعبيري بمسلما غير أهل أعم من قوله فاسقا أو مقلدا وهو الاوفق لتعليلهم ومقتضى كلام الروضة، وأصلها وصرح به ابن عبد السلام في الصبي، والمرأة وإن خالفه بعضهم تفقها، ومعلوم أنه يشترط في غير الاهل معرفة طرف من الاحكام (وسن للامام أن يأذن للقاضي في الاستخلاف) إعانة له (فإن أطلق التولية) بأن لم يأذن له في الاستخلا ف ولم ينهه عنه (استخلف) ولو بعضه (فيما عجز عنه) لحاجته إليه دون ما يقدر عليه (أو) أطلق (الاذن) بأن لم يعمم له في الاذن في الاستخلاف ولم يخصص، (ف) يستخلف (مطلقا) وهذه من زيادتي.
وكإطلاق الاذن تعميمه كما فهم منه بالاولى وإن خصصه بشئ لم يتعده أو نهاه عن الاستخلاف لم يستخلف ويقتصر على ما يمكنه أن كانت توليته أكثر منه، (وشرطه) أي المستخلف بفتح اللام (كالقاضي) أي كشرطه السابق (إلا أن يستخلفه في) أمر (خاص كسماع بينة فيكفي علمه بما يتعلق به ويحكم باجتهاده) إن كان مجتهدا (أو اجتهاد مقلده) بفتح اللام إن كان مقلدا بكسرها، لانه إنما يحكم بمعتقده (ولا يشترط عليه خلافه) أي خلاف الحكم باجتهاده أو اجتهاد مقلده، لانه لا يعتقده (وجاز نصب أكثر من قاض بمحل) كبلد، وإن لم يخص كلا منهم بمكان أو زمان أو نوع كالاموال أو الدماء أو الفروج، هذا (إن لم يشرط اجتماعهم على الحكم)، وإلا فلا يجوز لما يقع بينهم من الخلاف في محل الاجتهاد، ويؤخذ من التعليل أن عدم الجواز محله في غير المسائل المتفق عليها وهو ظاهر وقولي: أكثر

(2/363)


من قاض أعم من قوله قاضيين وقيده الماوردي بقوله ما لم يكثروا وفي المطلب يجوز أن يناط بقدر الحاجة، (و) جاز (تحكيم إثنين) فأكثر (إهلا للقضاء) واحدا أو أكثر (في غير عقوبة لله تعالى)،
ولو مع وجود قاض أوفي قود أو نكاح، وخرج بالاهل غيره فلا يجوز تحكيمه أي مع وجود الاهل، وإلا جاز حتفي عقد نكاح امرأة لا ولي لها خاص وبغير عقوبة الله تعالى عقوبته من حد أو تعزير، فلا يجوز التحكيم فيها إذ ليس لها طالب معين ويؤخذ من هذا التعليل أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين فلا يجوز فيه التحكيم وهو ظاهر.
وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من تعبيره بما ذكره وقضية كلامهم أن للمحكم أن يحكم بعلمه وهو ظاهر، وإن زعم بعض المتأخرين أن الراجح خلافه وقال الاذرعي: لم أر فيه شيئا أي صريحا (ولا ينفذ حكمه إلا برضاهما به قبله) لان رضاهما هو المثبت للولاية فلا بد من تقدمه بقيد زدته بقولي، (إن لم يكن أحدهما قاضيا) وإلا فلا يشترط رضاهما بناء على أن ذلك تولية منه فلو حكما إثنين لم ينفذ حكم أحدهما حتى يجتمعا بخلاف تولية قاضيين، ليجتمعا على الحكم لظهور الفرق قاله في المطلب أما الرضا بالحكم بعده فليس بشرط كحكم الحاكم (ولا يكفي رضا جان) هو أعم من قوله رضا قاتل بحكمه (في ضرب دية على عاقلته) بل لا بد من رضاهم أيضا به ولو كانوا فقراء لانهم يؤاخذون بإقراره فكيف يؤاخذون برضاه (ولو رجع أحدهما قبله) أي قبل الحكم ولو بعد إقامة المدعي شاهدين (امتنع) الحكم وليس للمحكم أن يحبس بل غايته الاثبات والحكم وإذا حكم بشئ من العقوبات كالقود وحد القذف لم يستوفه لان ذلك يحرم أبهة الولاة.
(فصل) فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه لو (زالت أهليته) أي أهلية القاضي (بنحو جنون وإغماء) كغفلة وصمم ونسيان يخل بالضبط وفسق (انعزل) لوجود المنافي، ولان القضاء عقد جائز نعم لو عمى بعد سماع البينة وتعديلها، ولم يحتج لاشارة نفذ حكمه في تلك الواقعة.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (فلو عادت) أهليته (لم تعد ولايته) كالوكالة وغيرها من العقود، (وله عزل نفسه) كالوكيل وهذا من

(2/364)


زيادتي.
(وللامام عزله بخلل) ظهر منه ويكفي فيه غلبة الظن، وحمل هذا وما قبله إن وجد ثم صالح غيره للقضاء (وبأفضل) منه (وبمصلحة) كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أم بدونه، وذكر حكم دونه من زيادتي.
(وإلا) بأن لم يكن شئ من ذلك (حرم) عزله، (و) لكنه (ينفذ) طاعة للامام بقيد زدته بقولي، (إن وجد) ثم (صالح) غيره للقضاء، وإلا فلا ينفذ أما القاضي فله عزل خليفته بلا موجب بناء على انعزاله بموته، (ولا ينعزل قبل بلوغه عزله) لعظم الضرر بنقض الاحكام وفساد التصرفات، نعم لو علم الخصم أنه معزول لم ينفذ حكمه له لعلمه أنه غير حاكم باطنا ذكره الماوردي (فإن علقه) أي عزله (بقراءة كتابا انعزل بها وبقراءة) من غيره (عليه)، لان الغرض إعلامه بصورة الحال لا قراءته بنفسه، وصوب الاسنوي عدم انعزاله بقراءة غيره عليه كما في مسألة الطلاق، والقائل بالاول، فرق بأن المرعى ثم النظر إلى الصفات وهنا إلى الاعلام وكما ينعزل بقراءة الكتاب ينعزل بمعرفته ما فيه بتأمله، وإن لم يكن قراءة حقيقة (وينعزل بانعزاله) بموت أو غيره (نائبه) لانه فرعه (لا قيم يتيم ووقف) فلا ينعزل بذلك لئلا تتعطل أبواب المصالح، (ولا من استخلفه بقول الامام استخلف عني) لانه خليفة الامام، والاول سفير في التولية بخلاف ما لو قال له استخلف عن نفسك أو أطلق فينعزل بذلك لظهور غرض المعاونة له، فلا تشكل الثانية بنظيرتها من الوكالة إذ ليس الغرض ثم معاونة الوكيل، بل النظر في حق الموكل فحمل الاطلاق على إرادته، (ولا ينعزل قاض ووال)، والتصريح به من زيادتي (بانعزال الامام) بموت أو غيره، لشدة الضرر في تعطيل الحوادث.
وتعبيري بالانعزال هنا، وفي القيم أعم من تعبيره بالموت، (ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته ولا) قول (معزول حكمت بكذا) لانهما لا يملكان الحكم حينئذ، فلا يقبل إقرارهما به (ولا شهادة كل) منهما (بحكمه) لانه يشهد على فعل نفسه، (إلا أن شهد بحكم حاكم ولم يعلم القاضي أنه حكمه) فتقبل شهادته، كما تقبل شهادة المرضعة، كذلك فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته به كما لو صرح به وقولي: ولم يعلم إلى آخره من زيادتي، (ولو ادعى على متول جور في حكم لم يسمع) ذلك (إلا ببينة) فلا
يحلف لانه نائب الشرع، والدعوى على النائب دعوى على المنيب، ولانه لو فتح باب التحليف لتعطل القضاء، قال الزركشي: هذا أن كان موثوقا به وإلا حلف، (أو) ادعى عليه (ما) أي شئ (لا يتعلق بحكمه أو على معزول شئ) كأخذ مال برشوة أو بشهادة من لا تقبل شهادته،

(2/365)


(فكغيرهما) فتفصل الخصومة بإقرار أو حلف أو إقامة بينة وقيد السبكي الاولى من هاتين، فقال: هذا إن ادعى عليه بما لا يقدح فيه ولا يخل بمنصبه وإلا فالقطع بأن الدعوى لا تسمع، ولا يحلف ولا طريق للمدعي حينئذ إلا البينة، ثم قال بل ينبغي أن يكون الحكم كذلك، وإن ادعى عليه بما لا يقدح فيه ولم يظهر للحاكم صحة الدعوى صيانة عن ابتدائه بالدعوى والتحليف انتهى، وليس لاحد أن يدعى على متول في محل ولايته عند قاض أنه حكم بكذا، فإن كان في غير محلها أو معزولا سمعت البينة ولا يحلف ذكره في الروضة، وأصلها فما ذكرته في المعزول محله في غير ما ذكراه فيه.
(فصل) في آداب القضاء وغيرها (تثبت التولية) للقضاء (بشاهدين) كغيرها (يخرجان مع المتولي) إلى محل ولايته قرب أو بعد، (يخبران) أهله بها (أو باستفاضة) بها كما جرى عليه الخلفا ولانها آكد من الاشهاد فلا تثبت بكتاب لامكان تحريفه قال تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
(وسن أن يكتب موليه) إماما كان أو قاضيا فهو أعم، وأولى من قوله ليكتب الامام

(2/366)


(له) كتابا بالتولية وبما يحتاج إليه في المحل المذكور، لانه (صلى الله عليه وسلم) كتب لعمرو بن حزم لما بعثه إلى اليمن رواه أبو داود وغيره وفيه الزكوات والديات وغيرها.
(و) أن (يبحث القاضي عن حال علماء المحل وعدوله) قبل دخوله إن تيسر وإلا فحين يدخل هذا إن لم يكن عارفا بهم.
وتعبيري بالمحل هنا وفيما يأتي أعم من تعبيره بالبلد (و) أن (يدخل) وعليه عمامة سوداء، (يوم
إثنين) صبيحته (و) إن عسر دخل يوم (خميس ف) - يوم (سبت) وقولي فخميس فسبت من زيادتي، ونقله في الروضة عن الاصحاب، (و) أن (ينزل وسط المحل) بفتح السين على الاشهر ليتساوى أهله في القرب منه، (و) أن (ينظر أولا في أهل الحبس) لانه عذاب (فمن أقر) منهم (بحق فعل) به (مقتضاه)، فإن كان الحق حدا أقامه عليه وأطلقه أو تعزيرا ورأى إطلاقه فعل أو ما لا أمره بأدائه.
فإن لم يؤد ولم يثبت إعساره أدام حبسه، وإلا نودي عليه لاحتمال خصم آخر فإن لم يحضره أحد أطلق.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (ومن قال ظلمت) بالحبس (فعلى خصمه حجة) فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه (فإن كان) خصمه (غائبا كتب إليه ليحضر) هو أو وكيله عاجلا، فإن لم يفعل حلف وأطلق لكن يحسن أن يؤخذ منه كفيل، (ثم) بعد فراغه من المحبوسين ينظر في (الاوصياء) بأن يحضرهم إليه فمن ادعى وصاية بحث عنها هل ثبتت ببينة أولا وعن حاله وتصرفه فيها (فمن وجده عدلا قويا) فيها (أقره أو فاسقا) أو شك في عدالته، ولم يعدله الحاكم الاول، (أخذ المال منه أو) عدلا (ضعيفا) لكثرة المال أو لسبب آخر (عضده بمعين) يتقوى به ثم ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجيز، وتفرقة الوصايا ثم في الوقف العام والمال الضال واللقطة (ثم يتخذ كاتبا) للحاجة إليه، ولان القاضي لا يفرغ للكتابة غالبا (عدلا) في الشهادة لتؤمن خيانته (ذكرا حرا) هما من زيادتي.
(عارفا بكتابة محاضر وسجلات) وكتب حكمية ليعلم صحة ما يكتبه من فساده (شرطا) فيها، والمحضر بفتح الميم ما يكتب فيه ما جرى للمتحاكمين في المجلس، فإن زاد عليه الحكم أو تنفيذه سمي سجلا وقد يطلقان على ما يكتب (فقيها) بما زاد على ما يشترط من أحكام الكتابة لئلا يؤتمن قبل الجهل (عفيفا) عن الطمع لئلا يستمال به وهو من زيادتي.
(وافر عقل) لئلا يخدع (جيد خط) لئلا يقع الغلط والاشتباه حاسبا فصيحا (ندبا)

(2/367)


فيها، (و) أن يتخذ (مترجمين) للحاجة إليهما في تعريف كلام من لا يعرف القاضي لغته من خصم أو شاهد.
أما تعريف كلام القاضي الذي لا يعرف الخصم أو الشاهد لغته، فلا يشترط فيه
العدد لانه إخبار محض، (و) أن يتخذ قاض (أصم مسمعين) للحاجة إليهما، أما إسماع الخصم الاصم ما يقوله القاضي والخصم.
فقال القفال: لا يشترط فيه العدد لما مر وشرط كل من المترجمين والمسمعين أن يكونا، (أهلي شهادة) فيشترط إتيانهما بلفظها فيقول كل منهما أشهد أنه يقول كذا، ويشترط انتفاء التهمة حتى لا يقبل ذلك من الوالد والولد إن تضمن حقا لهما، ويجزي من المترجمين والمسمعين في المال أو حقه رجل وامرأتان وفي غيره رجلان.
وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره في المترجم بالعدالة والحرية والعدد وفي المسمع بالعدد (ولا يضرهما العمى)، لان الترجمة والاسماع تفسير ونقل اللفظ لا يحتاج إلى معاينة بخلاف الشهادة وهذا من زيادتي في المسمعين.
(و) أن (يتخذ القاضي مزكيين) لما مر.
وسيأتي شرطهما آخر الباب ومحل سن ما ذكر من اتخاذ كاتب ومن بعده، إذا لم يطلب أجرة أو رزقا من بيت المال (و) أن يتخذ (درة) بكسر المهملة (لتأديب وسجنا لاداء حق ولعقوبة) هو أعم من قوله، ولتعزير كما أتخذهما عمر رضي الله عنه (ومجلسا رفيقا) به وبغيره بأن يكون واسعا لئلا يتأذى بضيقه الحاضرون ظاهرا ليعرفه كل من يراه لائقا بالحال، كأن يجلس في الشتاء في كن وفي الصيف في فضاء.
وكأن يجلس على مرتفع وفراش وتوضع له وسادة (وكره مسجد) أي اتخاذه مجالسا للحكم صونا له عن ارتفاع الاصوات، واللغط الواقعين بمجلس القضاء عادة ولو اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره فيه لصلاة أو غيرها فلا بأس بفصلها، (و) كره (قضاء عند تغير خلقه بنحو غضب) كجوع وشبع مفرطين ومرض مؤلم وخوف مزعج وفرح شديد، نعم إن غضب لله ففي الكراهة وجهان، قال البلقيني المعتمد عدمها (وأن يعامل) هذا أعم من قوله وأن لا يشتري ولا يبيع (بنفسه) إلا إن فقد من يوكله (أو وكيل) له (معروف) لئلا يحابى، وذكر كراهة المسجد والمعاملة من زيادتي.
(وسن) عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الآراء في حكم (أن يشاور الفقهاء) الامناء لقوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): * (وشاورهم في الامر) *.
(وحرم قبوله هدية من لا عادة له) بها (قبل ولايته أو) له
عادة بها و (زاد عليها) قدرا أو صفة بقيد زدته فيهما بقولي، (في محلها) أي ولايته (و) قبوله ولو في غير محلها هدية (من له خصومة) عنده وإن اعتادها قبل ولايته، لانها في الاخيرة تدعو إلى الميل إليه، وفي غيرها سببها العمل ظاهرا ولخبر هدايا العمال غلول، وروى سحت

(2/368)


رواه باللفظ الاول البيهقي بأسناد حسن (وإلا) بإن كان في محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته، ولا خصومة فيهما (جاز) قبولها ولو أرسل بها إليه من ليس من أهل عمله ولم يدخل معها ولا حكومة له، ففي جواز قبولها وجهان في الكفاية عن الماوردي، وحيث حرمت لم يملكها (وسن) له فيما يجوز قبولها، (أن يثيب عليها أو يردها) لمالكها (أو يضعها في بيت المال) وهذان الاخيران من زيادتي.
(ولا يقضي) أي القاضي (بخلاف علمه) وإن قامت به بينة وإلا لكان قاطعا ببطلان حكمه، والحكم بالباطل محرم (ولا به) أي بعلمه (في عقوبة لله) تعالى من حد أو تعزير لندب الستر في أسبابها (أو) في غيرها، و (قامت) عنده (بينة بخلافه) وهذه من زيادتي.
وتعبيري بالعقوبة أعم من تعبيره بالحدود وما عدا ما ذكر يحكم فيه بعلمه لانه إذا قضى بشاهدين أو شاهد ويمين، وذلك إنما يفيد الظن فبالعلم وإن شمل الظن أولى، وشرط الحكم به أن يصرح بمستنده فيقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وحكمت عليك بعلمي، قاله الماوردي والروياني (ولا) يقضي مطلقا (لنفسه وبعضه) من أصله وفرعه (ورقيق كل) منهم ولو مكاتبا (وشريكه في المشترك) للتهمة في ذلك، (ويقضي لكل) منهم (غيره) أي غير القاضي من إمام وقاض ولو نائبا عنه دفعا للتهمة، وذكر رقيق البعض وشريك غير القاضي ممن ذكر من زيادتي.
(ولو أقر مدعي عليه) بالحق (أو حلف المدعي) يمين الرد أو غيرها، (أو أقام) به (بينة وسأل) المدعي (القاضي أن يشهد بذلك) أي بإقراره أو يمينه أو ما قامت به البينة، والاخيرة من زيادتي.
(أو) سأله (الحكم بما ثبت) عنده (والاشهاد به لزمه) إجابته لانه قد ينكر بعد ذلك فلا يتمكن القاضي من الحكم عليه إذ لا يقبل قوله: حكمت بكذا، لانه ربما نسي أو
عزل وقولي: أو حلف المدعي أعم من قوله، أو نكل فحلف المدعي ولو حلف المدعي عليه، وسأل القاضي ذلك ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى لزمه إجابته، (أو) سأله (أن يكتب له) في قرطاس أحضره (محضرا) بما جرى من غير حكم (أو) أن يكتب له (سجلا) بما جرى مع الحكم به (سن إجابته)، لان في ذلك تقوية لحجته، وإنما لم يجب كالاشهاد، لان الكتابة لا تثبت حقا بخلاف الاشهاد وسواء في ذلك الديون المؤجلة والوقوف وغيرهما.
نعم إن تعلقت الحكومة بصبي أو مجنون له أو عليه وجب التسجيل على ما نقل عن الزبيدي وشريح والروياني، وكالمدعي في سن الاجابة المدعي عليه كما في الروضة كأصلها، وصيغة الحكم نحو حكمت أو قضيت بكذا أو أنفذت الحكم به أو ألزمت الخصم به بخلاف قوله.
ثبت عندي كذا أو صح، لانه ليس بإلزام والحكم إلزام.
(و) سن (نسختان) لما وقع بين ذي الحق

(2/369)


وخصمه (إحدهما) تعطى (له) غير مختومة (والاخرى) تحفظ (بديوان الحكم) مختومة مكتوب على رأسها إسم الخصمين، (وإذا حكم) قاض باجتهاد أو تقليد (فبان) حكمه (بمن لا تقبل شهادته) كعبدين (أو خلاف نص) من كتاب أو سنة أو نص مقلده (أو إجماع أو قياس جلي)، وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الاصل والفرع أو بعد تأثيره، (بأن أن لا حكم)، وهو المراد بقوله نقضه هو وغيره أي من الحكام لتيقن الخطأ فيه ولمخالفته القاطع أو الظن المحكم بخلاف القياس الخفي، وهو ما لا يبعد فيه تأثير الفارق فلا ينفض الحكم المخالف له، لان الظنون المتعادلة لو نقض بعضها ببعض لما استمر حكم ولشق الامر على الناس والجلي كقياس الضرب على التأفيف للوالدين في قوله تعالى: * (ولا تقل لهما أف) *.
بجامع الايذاء والخفي كقياس الذرة على البر في باب الربا بجامع الطعم.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به المذكور بعضه في الشهادات (وقضاء) بقيد زدته بقولي.
(رتب على أصل كاذب) بأن كان باطن الامر فيه بخلاف ظاهره (ينفذ ظاهرا) لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه، فلو حكم بشهادة زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح
وغيرهما، أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا، إن كان في محل اتفاق المجتهدين، وعلى الاصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم، وإن كان الحكم لمن لا يعتقده لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو قضي حنفي للشافعي بشفعة الجوار أو بالارث بالرحم حل له الاخذ به وليس للقاضي منعه من الاخذ بذلك، ولا من الدعوى به إذا أرادها اعتبارا بعقيدة الحاكم، ولان ذلك مجتهد فيه، والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره، ولهذا جاز للشافعي أن يشهد بذلك عند من يرى جوازه وإن كان خلاف اعتقاده (ولو رأى) قاض أو شاهد، (ورقة فيها حكمه أو شهادته) على شخص بشئ (أو شهد شاهدان أنه حكم أو شهد بكذا لم يعمل به) واحد منهما في إمضاء حكم ولا أداء شهادة (حتى يذكر) ما حكم أو شهد به لامكان التزوير ومشابهة الخط، (وله) أي الشخص (حلف على ماله به تعلق) كاستحقاق حق له على غيره أو أدائه لغيره، (اعتمادا على خط نحو مورثه) كنفسه ومكاتبه الذي مات مكاتبا أن له على فلان كذا أو أداه ما له عليه، (إن وثق بأمانته) لاعتضاده بالقرينة.
وفارق القضاء والشهادة بما تضمنه الخط حيث لا يجوز ما لم يذكر كما مر بأن اليمين تتعلق به، والحكم والشهادة بغيره وكالخط إخبار عدل كما فهم منه بالاولى ونحو من زيادتي، (وله رواية الحديث بخط محفوظ) عنده أو عند من يثق به، وإن لم يذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة وعلى ذلك عمل العلماء سلفا وحلفا، وفارقت الشهادة بأنها أوسع منها لان الفرع يروى محضور الاصل ولا يشهد.

(2/370)


(فصل) في التسوية بين الخصمين وما يتبعها (تجب تسوية) على القاضي (بين الخصمين في) وجوه (الاكرام) وإن اختلفا شرفا (كقيام) لهما ونظر إليهما (ودخول) عليه فلا يأذن لاحدهما دون الآخر (واستماع) لكلامهما، (وطلاقة وجه) لهما (وجواب سلام) منهما إن سلما معا فلو سلم أحدهما فلا بأس أن يقول للآخر سلم أو يصبر حتى يسلم فيجيبهما جميعا.
قال الشيخان: وقد يتوقف في هذا إذا طال
الفصل وكأنهم احتملوه محافظة على التسوية، (ومجلس) بأن يجلسهما إن كانا شريفين بين يديه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره.
وقولي في الاكرام مع جعل ما بعده أمثلة له أولى من اقتصاره على الامثلة.
والتصريح بوجوب التسوية من زيادتي، (وله رفع مسلم) على كافر في المجلس وغيره من أنواع الاكرام كأن يجلس المسلم أقرب إليه كما جلس علي رضي الله عنه بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، وقال لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، ولكني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تساووهم في المجلس.
رواه البيهقي، وذكر رفع المسلم في غير المجلس من زيادتي، وهو ما بحثه الشيخان وصرح به الفوراني وزدت له تبعا للحاوي الصغير وغيره لانبه على جواز ذلك وبه صرح سليم الرازي وغيره في الرفع في المجلس، لكن قال الزركشي مع نقله ذلك عن سليم والظاهر وجوبه وبه صرح صاحب التمييز، وهو قياس القاعدة أن ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب كقطع اليد في السرقة انتهى.
يجاب بأن القاعدة أكثرية لا كلية بدليل سجود السهو والتلاوة في الصلاة (وإذا حضراه) أي الخصمان هذا أعم من قوله، وإذا جلسا أي بين يديه مثلا (سكت) عنهما حتى يتكلما (أو قال ليتكلم المدعي) منكما لما فيه من إزالة هيبة القدوم.
قال الشيخان: أو يقول للمدعي إذا عرفه تكلم وفيه كلام ذكرته في شرح الروض، (فإذا ادعى) أحدهما (طالب) القاضي جوازا (خصمه بالجواب)، وإلم يسأله المدعي، لان المقصود فصل الخصومة وبذلك تنفصل (فإن أقر) بالحق حقيقة أو حكما، (فذاك) ظاهر في ثبوته (أو أنكر سكت أو قال للمدعي ألك حجة) نعم إن علم علمه بأن له إقامتها، فالسكوت أولى أو شك، فالقول أولى أو علم جهله بذلك وجب إعلامه به (فإن قال) فيهما (لي حجة وأريد حلفه مكن) لانه قد لا يحلف ويقر فيستغني المدعي عن إقامة الحجة، وإن حلف أقامها

(2/371)


وأظهر كذبه فله في طلب حلفه غرض (أو) قال (لا) حجة لي أو زاد عليه لا حاضرة ولا غائبة أو كل حجة أقيمها فهي كاذبة أو زور، (ثم أقامها) ولو بعد الحلف (قبلت) لانه ربما لم يعرف
له حجة أو نسي ثم عرف.
وتعبيري بالحجة أعم من تعبيره بالبينة لشموله الشاهد مع اليمين (وإذا ازدحم مدعون)، هو أولى من قوله خصوم (قدم) وجوبا (بسبق) من أحدهم (علم ف) - إن لم يعلم سبق بأن جهل أو جاؤوا معا قدم (بقرعة)، والتقديم فيهما (بدعوى واحدة) لئلا يطول الزمن فيتضرر الباقون، (و) لكن (سن تقديم مسافرين مستوفزين) شدوا الرجال ليخرجوا مع رفقتهم على مقيمين.
(و) تقديم (نسوة) على غيرهن من المقيمين طلبا لسترهن، وإن تأخر المسافرون والنسوة في المجئ إلى القاضي (إن قلوا) وينبغي كما في الروضة، كأصلها أن لا يفرق بين كونهم مدعين ومدعى عليهم.
والتصريح بسن التقديم من زيادتي، فإن كثروا أو كان الجميع مسافرين أو نسوة، فالتقديم بالسبق أو القرعة كما مر أو نسوة ومسافرين قدموا عليهن والازدحام على المفتي والمدرس كالازدحام على القاضي، إن كان العلم فرضا وإلا فالخيرة إلى المفتي والمدرس، (وحرم) عليه (اتخاذ شهود) معينين (لا يقبل غيرهم) لما فيه من التضييق على الناس، (بل من) شهد عنده و (علم حاله) من عدالة أو فسق (عمل بعلمه) فيه فيقبل الاول، ولا يحتاج إلى تعديل وإن طلبه الخصم، ويرد الثاني ولا يحتاج إلى بحث نعم لا يعمل بشهادة الاول إن كان أصله أو فرعه على الارجح عند البلقيني، من وجهين في الروضة.
كأصلها بلا ترجيح تفريعا على تصحيح الروصة، أنه لا تقبل تزكيته لهما، (وإلا) أي وإن لم يعلم فيه ذلك (استزكاه) أي طلب تزكيته وجوبا، وإن لم يطعن فيه الخصم لان الحكم بشهادته فيجب البحث عن شرطها، (كأن) هو أولى من قوله: بأن (يكتب ما يميز الشاهد والمشهود له و) المشهود (عليه) من الاسماء والكنى والحرف وغيرها، فقد يكون بينهما وبين الشاهد ما يمنع الشهادة كبعضية أو عداوة، (و) المشهود (به) من دين أو عين أو غيرهما كنكاح فقد يغلب على الظن صدق الشاهد في شئ دون شئ، فهو أعم من قوله: وقدر الدين.
(ويبعث) سرا (به) أي بما كتبه صاحبا مسألة، ولا يعلم أحدهما بالآخر (لكل مزك) ليبحث عن حاله من ذكر قبول الشاهد في نفسه، وهل بينه وبين المشهود له أو عليه ما يمنع شهادته، (ثم يشافهه المبعوث بما عنده بلفظ شهادة) لان
الحكم إنما يقع بشهادته.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (ويكفي) أشهد على شهادته (أنه عدل) وإن لم يقل لي وعلى لانه أثبت العدالة التي اقتضاها قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
فزيادة لي وعلى تأكيد واعتذر ابن الصباغ عن كونه شهادة على شهادة مع حضور الاصل في البلد بالحاجة، لان المزكين لا يكلفون الحضور إلى القاضي

(2/372)


(وشرط المزكي كشاهد) أي كشرطه (مع معرفته بجرح وتعديل) أي بأسبابهما (وخبرة باطن من يعدله بصحبة أو جوار) بكسر الجيم أفصح من ضمها، (أو معاملة) ليكون على بصيرة مما يشهد به من التعديل والجرح (ويجب ذكر سبب جرح) كزنا وسرقة، وإن كان فقيها للاختلاف فيه بخلاف سبب التعديل ولا يجعل بذكر الزنا قاذفا، وإن انفرد لانه مسؤول فهو في حقه فرض كفاية أو عين بخلاف شهود الزنا، إذا نقصوا عن الاربعة فإنهم قذفة لانهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون، (ويعتمد فيه) أي الجرح (معاينة) كأن رآه يزني (أو سماعا منه) كأن سمعه يقذف وهذا من زيادتي، (أو استفاضة) أو تواترا أو شهادة من عدلين لحصول العلم أو الظن بذلك، وفي اشتراط ذكر ما يعتمده من معاينة ونحوها وجهان أحدهما وهو الاشهر نعم وثانيهما وهو الاقيس لا، ذكره في الروضة وأصلها، والثاني أوجه أما أصحاب السائل فيعتمدون المزكين.
وأعلم أن الجرح الذي ليس مفسرا وإن لم يقبل يفيد التوقف عن القبول إلى أن يبحث عن ذلك كما ذكره في الرواية، وظاهر أنه لا فرق بينهما وبين الشهادة في ذلك (ويقدم) الجرح أي بينته (على) بينة (تعديل) لما فيه من زيادة العلم، (فإن قال المعدل تاب من سببه) أي الجرح (قدم) قوله على قول الجارح، لان معه حينئذ زيادة علم (ولا يكفي) في التعديل (قول المدعي عليه هو عدل) وقد غلط في شهادته على وإن كان البحث لحقه، وقد اعترف بعدالته لان الاستزكاء حق الله تعالى.
(باب) (القضاء على الغائب) عن البلد أو عن المجلس وتوارى أو تعزز مع ما يذكر معه.
(هو جائز في غير عقوبة لله) تعالى ولو في قود وحد قذف لعموم الادلة، قال جمع ولقوله (صلى الله عليه وسلم) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه (صلى الله عليه وسلم) على زوجها أبي سفيان، وهو غائب ولو كان فتوى لقال عليه الصلاة والسلام لك أن تأخذي أو لا بأس عليك أو نحوه لم يقل: خذي لكن قال في شرح مسلم: لا يصح الاستدلال به، لان القصة كانت بمكة وأبو سفيان فيها ولم يكن متواريا ولا متعززا، وخرج بما ذكر عقوبة الله تعالى من حد أو تعزير، لان حقه تعالى مبني على المسامحة بخلاف حق الآدمي فيقضي فيه على الغائب (إن كان للمدعي حجة ولم يقل هو) أي الغائب (مقر) بالحق بأن قال هو جاحد له، وهو ظاهر أو

(2/373)


أطلق لانه قد لا يعلم جحوده ولا إقراره والحجة تقبل على الساكت فلتجعل غيبته كسكوته، فإن قال: هو مقر وأنا أقيم الحجة استظهارا لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي لسماعها إذ لا فائدة فيها مع الاقرار، نعم لو كان للغائب مال حاضر وأقام الحجة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى حاكم بلد الغائب بل ليوفيه دينه فإنه يسمعها، وإن قال هو مقر كما في الروضة كأصلها عن فتاوى القفال، وكذا لو قال هو مقر لكنه ممتنع أو قال وله بينة بإقراره أقر فلان بكذا ولي به بينة (وللقاضي نصب مسخر) بفتح الخاء المعجمة المشددة، (ينكر) عن الغائب لتكون الحجة على إنكار منكر (ويجب تحليفه) أي المدعي يمين الاستظهار، إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا (بعد) إقامة (حجته إن الحق) ثابت (عليه يلزمه أداؤه) وبعد تعديلها كما في الروضة كأصلها، إحتياطا للغائب لانه لو حضر بما ادعى ما يبرئه منه، (كما لو ادعى على نحو صبي) من مجنون وميت وهو من زيادتي.
فإنه يحلف لما مر.
نعم إن كان للغائب نائب حاضر أو للصبي أو للمجنون نائب خاص، أو للميت وارث خاص اعتبر في وجوب التحليف سؤاله، ولو ادعى قيم لموليه شيئا وأقام به بينة على قيم شخص آخر.
فمقتضى كلام الشيخين أنه يجب انتظار كمال المدعى له ليحلف ثم يحكم له، وخالفهما السبكي.
فقال الوجه أنه يحكم له ولا ينتظر كما له
لانه قد يترتب على الانتظار ضياع الحق وسبقه إليه ابن عبد السلام وهو المعتمد، لان اليمين هنا تابعة للبينة.
وتعبيري فيما مر بالعقوبة، وفيه وفيما يأتي بالحجة أعم من تعبيره بالحد، وبالبينة.
وقولي: يلزمه أداؤه من زيادتي.
ولا يغني عنه ما قبله، لان الحق قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل ونحوه، (ولو ادعى وكيل على غائب لم يحلف) لان الوكيل لا يحلف يمين الاستظهار بحال (ولو حضر) الغائب (وقال) للوكيل (أبرأني موكلك أمر بالتسليم) للوكيل ولا يؤخر الحق إلى أن يحضر الموكل وإلا لا نجر الامر إلى أن يتعذر استيفاء الحقوق بالوكالة، ويمكن ثبوت الابراء من بعد أن كانت له حجة، (وله تحليفه) أي الوكيل (أنه لا يعلم) أي أن موكله أبرأه إذا ادعى عليه علمه به، لان تحليفه إنما جاء من جهة دعوى صحيحة يقتضي اعترافه بها سقوط مطالبته لخروجه باعترافه بهامن الوكالة والخصومة بخلاف يمين الاستظهار فإن حاصلها أن المال ثابت في ذمة الغائب أو نحوه وهذا لا يتأتى من الوكيل وهذه من زيادتي.
(وإذا حكم) الحاكم على الغائب (بمال وله مال) بقيد زدته بقولي (في عمله قضاه منه) لغيبته وقولي بحكم أولى من قوله ثبت لانه إنما يعطي من مال الغائب إذا حكم به القاضي لا بمجرد الثبوت فإنه ليس حكما (وإلا) بأن لم يحكم أو لم يكن المال في عمله، (فإن سأل المدعي إنهاء الحال) في

(2/374)


ذلك (إلى قاضي بلد الغائب أنهاه) إليه (بإشهاد عدلين) يؤديان عند القاضي الآخر، إما (بحكم) إن حكم لستوفي الحق (أو سماع حجة) ليحكم بها ثم يستوفي الحق، (ويسميها) أي الحجة (إن لم يعدلها وإفله ترك تسميتها) كما أنه حكم استغنى عن تسمية الشهود ثم إن كانت الحجة شاهدين فذاك أو شاهد أو يمينا أو يمينا مردودة وجب بيانها، فقد لا يكون ذلك حجة عند المنهي إليه، (وسن) مع الاشهاد (كتاب به يذكر فيه ما يميز الخصمين) الغائب وذا الحق.
وذكر الثاني من زيادتي، ويكتب في إنهاء الحكم قامت عندي حجة على فلان لفلان بكذا وحكمت
له به فاستوف حقه، وقد ينهي علم نفسه، (و) سن (ختمه) بعد قراءته على الشاهدين بحضرته ويقول أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما سمعتما ويضعان خطهما فيه، ولا يكفي أن يقول: أشهد كما أن هذا خطي، وأن ما فيه حكمي ويدفع للشاهدين نسخة أخرى بلا ختم ليطالعاها، ويتذكرا عند الحاجة (ويشهدان) عند القاضي الآخر على القاضي الكاتب (بما جرى) عنده من ثبوت أو حكم، (إن أنكر الخصم) المحضر أن المال المذكور فيه عليه (فإن قال ليس المكتوب إسمي حلف) فيصدق بقيد زدته بقولي (إن لم يعرف به) لانه أخبر بنفسه والاصل براءة الذمة فإن عرف به لم يصدق بل يحكم عليه، (أو) قال (لست الخصم و) قد (ثبت) بإقراره أو بحجة، (أنه إسمه حكم عليه إن لم يكن ثم من يشركه فيه) أي في الاسم حالة كونه (معاصرا للمدعي) بأن لم يكن ثم من يشركه فيه وعليه اقتصر الاصل، أو كان ولم يعاصر المدعي، لان الظاهر أنه المحكوم عليه (وإلا) بأن كان ثم من يشركه فيه وعاصر المدعي (فإن مات) هو من زيادتي.
(أو أنكر) الحق (بعث) المكتوب إليه (للكاتب ليطلب من الشهود زيادة تمييز) للمشهود عليه (ويكتبها) وينهيها ثانيا لقاضي بلد الغائب، فإن لم يجد زيادة تمييز وقف الامر حتينكشف، فإن اعترف المشارك بالحق طولب به ويعتبر أيضا مع المعاصرة إمكان المعاملة كما صرح به البندنيجي والجرجاني وغيرهما، (ولو شافه الحاكم) وهو (في عمله بحكمه قاضيا) ولو غير المكتوب إليه بأن اتحد عملهما وهو من زيادتي، أو حضر القاضي إلى بلد الحاكم وشافهه بذلك أو ناداه وكل منهما في طرف عمله، (أمضاه) أي نفذه إذا كان (في عمله) لانه أبلغ من الشهادة والكتاب (وهو) حينئذ (قضاء بعلمه) بخلاف ما

(2/375)


لو شافهه به في غير عمله وما لو شافهه بسماع الحجة فقط، فلا يقضي بذلك، وظاهر أن محله في الثانية حيث تيسرت شهادة الحجة (والانهاء) ولو بلا كتاب فهو أعم من قوله: والكتاب (بحكم يمضي مطلقا) عن التقييد بفوق مسافة العدوى (و) الانهاء (بسماع حجة يقبل فيما فوق مسافة عدوى) لا فيما دونه، وفارق الانهاء بالحكم بأن الحكم قد تم ولم يبق إلا الاستيفاء
بخلاف سماع الحجة، إذ يسهل إحضارها مع القرب.
والعبرة في المسافة بما بين القاضيين لا بما بين القاضي المنهي، والغريم (وهي) أي مسافة العدوى (ما يرجع منها مبكرا إلى محله يومه) المعتدل، وهو مراد الاصل بقوله إلى محله ليلا وسميت بذلك، لان القاضي يعدي أي يعين من طلب خصما منها على احضاره، ويؤخذ من تعليلهم السابق أنه لو عسر إحضار الحجة مع القرب بنحو مرض قبل الانهاء كما ذكره في المطلب.
(فصل) في الدعوى بعين غائبة لو (ادعى عينا غائبة عن البلد يؤمن اشتباهها) بغيرها (كحيوان وعقار عرفا) بأن عرف الاول بشهرة، والثاني بها أو بحدوده وسكنه (سمع) القاضي (حجته وحكم بها وكتب) بذلك (إلى قاضي بلد العين ليسلمها للمدعي) كما في نطيره من الدعوى على غائب، (ويعتمد) المدعي (في) دعوى (عقار) بقيد زدته بقولي: (لم يشتهر حدوده) ليتميز، ولا يجب ذكر القيمة لحصول التمييز بدونه (أو لا يؤمن) اشتباهها كغير المعروف من العبيد والدواب وغيرها.
(بالغ) المدعي (في وصف مثلي) ما أمكنه (وذكر قيمة متقوم) وجوبا فيهما، وندب أن يذكر قيمة مثلي وأن يبالغ في وصف متقوم وهذا ما في الروضة، وأصلها هنا وعليه يحمل كلام الاصل هنا، وما ذكره كالروضة، وأصلها في الدعاوى من وجوب وصف العين بصفة السلم دون قيمتها مثلية كانت أو متقومة هو في عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم وبذلك اندفع قول بعضهم إن كلامهما هنا يخالف ما في الدعاوى، (وسمع الحجة) في العين اعتمادا على صفاتها (فقط)، أي دون الحكم بها لخطر الاشتباه (وكتب إلى قاضي بلد العين بما قامت به) الحجة، (فيبعثها للكاتب مع المدعي بكفيل ببدنه) أي المدعي احتياطا للمدعى عليه، حتى إذا لم تعينها الحجة طولب بردها.
هذا (إن لم

(2/376)


تكن أمة) تحرم خلوته بها (وإلا) بأن كانت كذلك (فمع أمين) في الرفقة لتقوم الحجة بعينها، نعم إن أظهر الخصم عينا أخرى مشاركة في الاسم والصفة فكما مر في المحكوم عليه، وذكر حكم الامة من زيادتي ويسن أن يختم على العين عند تسليمها بختم لازم لئلا تبدل بما يقع به
اللبس على الشهود، فإن كان رقيقا جعل في عنقه قلادة وختم عليها (فإن قامت) عنده (بعينها كتب) إلى قاضي بلدها (ببراءة الكفيل) بعد تتميم الحكم وتسليم العين للمدعي (أو) ادعى عينا غائبة (عن المجلس فقط) أي لا عن البلد (كلف إحضار ما يسهل) هو أولى من قوله: يمكن (إحضاره لتقوم الحجة بعينه) لتيسر ذلك فلا تشهد بصفة لعدم الحاجة بخلافه في الغائبة عن البلد، نعم إن كانت العين مشهورة للناس أو عرفها القاضي لم يحتج إلى إحضارها، أما إذا لم يسهل إحضاره بأن لم يمكن كعقار أو يعسر كشئ ثقيل أو يورث قلعه ضررا فلا يؤمر باحضاره بل يحدد المدعي العقار، ويصف ما يعسر وتشهد الحجة بتلك الحدود والصفات أو يحضر القاضي أو يبعث نائبه لسماع الحجة، فإن كان العقار مشهورا بالبلد لم يحتج لتحديده فيما ذكر ومثله يأتي في وصف ما يعسر إحضاره.
واعلم أن العين الغائبة عن بلد بمسافة العدوى كالتي في البلد لاشتراكهما في إيجاب الاحضار نبه على ذلك في المطلب، (ولو أنكر المدعي عليه العين) المدعاة (حلف) فيصدق لان الاصل عدمها، (ثم) بعد حلفه (للمدعي دعوى بدلها) من مثل أو قيمة فهو أعم من تعبيره بالقيمة (فإن نكل) عن اليمين (فحلف المدعي أو أقام حجة) حين أنكر (كلف الاحضار) للعين لتشهد الحجة بعينها (وحبس عليه) حيث لا عذر، لانه امتنع من حق واجب عليه، (فإن ادعى تلفها حلف) فيصدق وإن ناقض نفسا إذ لو لم يصدق لخلد عليه الحبس فيلزمه بدلها، وذكر التحليف في التلف من زيادتي.
(ولو غصبه) غيره (عينا أو دفعها له ليبيعها فجحدها وشك أباقية) هي فيدعيها، (أم لا) فبدلها في الصورتين أو ثمنها إن باعها في الثانية (فقال ادعى عليه كذا يلزمه رده إن بقي أو بدله) من مثل أو قيمة، (إن تلف أو ثمنه إن باعه سمعت) دعواه وإن كانت مترددة للحاجة، فإن أقر بشئ فذاك وإن أنكر حلف أنه لا يلزمه رد العين ولا بد لها ولا ثمنها وإن نكل.
فقيل: يحلف المدعي كما ادعى وقيل: يشترط التعيين، والاوجه الاول.
وتعبيري بالبدل أعم من تعبيره بالقيمة (وإذا أحضرت العين) الغائبة عن البلد أو المجلس، (فثبتت للمدعي فمؤنة الاحضار على خصمه وإلا) أي وإن لم تثبت له (فهي) أي مؤنة الاحضار (ومؤنة الرد) للعين إلى محلها (عليه)، أي على المدعي لتعديه وعليه أجرة مثلها
أيضا لمدة الحيلولة، إن كانت غائبة عن البلد لا عن المجلس فقط.

(2/377)


(فصل) في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه (الغائب الذي تسمع الحجة) عليه، (ويحكم عليه من فوق) مسافة (عدوى) وقد مر بيانها قبيل الفصل السابق للحاجة إلى ذلك، (أو) من (توارى أو تعزز) وعجز القاضي عن إحضاره لتعذر الوصول إليه وإلا لاتخذ الناس ذلك ذريعة إلى إبطال الحقوق، أما غير هؤلاء فلا تسمع الحجة ولا يحكم عليه إلا بحضوره، نعم إن كان الغائب في غير عمل الحاكم فله أن يحكم ويكاتب قاله الماوردي وغيره، (ولو سمع حجة على غائب فقدم قبل الحكم لم تعد) أي لم تجب إعادتها، (بل يخبره (بالحال) ويمكنه من جرح) لها واما بعد الحكم فهو على حجته بالاداء والابراء، والجرح يوم إقامة الحجة أو قبله ولم تمض مدة الاستبراء، (ولو سمعها فانعزل) هو أعم من قوله، ولو عزل بعد سماع بينة (فولي) ولم يحكم بقبولها كما قيد به البلقيني (أعيدت) وجوبا لبطلان السماع الاول بالانعزال بخلاف ما لو خرج عن عمله، ثم عاد أو حكم بقبول الحجة، فإن له الحكم بالسماع الاول (ولو استعد) بالبناء للمفعول (على حاضر) بالبلد أي طلب من القاضي إحضاره، ولم يعلم القاضي كذبه (أحضره) وجوبا إن لم يكن مكتري العين وحضوره يعطل حق المكتري كما قاله السبكي (بدفع ختم) أي مختوم من طين رطب أو غيره للمدعي يعرضه على الخصم، ويكون نقش الختم أجب القاضي فلانا، (فإن امتنع بلا عذر فبمرتب لذلك) من الاعوان بباب القاضي يحضره وما ذكرته من الترتيب بين الامرين هو ما في الروضة، وأصلها.
وكلام الاصل يقتضي التخيير بينهما فعليه مؤنة المرتب على الطالب إن لم يرزق من بيت المال، وعلى الاول مؤنته على الممتنع فيما يظهر (ف) إن امتنع كذلك ف (بأعوان السلطان) يحضره (ويعزره) بما يراه، والمؤنة عليه وإن امتنع لعذر كمرض وخوف ظالم وكل من يخاصم عنه أو بعث إليه القاضي
نائبه فإن وجب تحليفه في الاولى بعث إليه القاضي من يحلفه (أو) على (غائب في غير عمله أو فيه وله ثم نائب أو فيه مصلح) بين الناس (لم يحضره) لعدم ولايته عليه في الاولى ولما في إحضاره من المشقة مع وجود الحاكم أو نحوه ثم في الثانية وقولي أو فيه مصلح من زيادتي.

(2/378)


(بل يسمع حجة) عليه (ويكتب) بذلك إلى قاضي بلده في الاولى إن كان وإلى النائب أو المصلح في الثانية، وظاهر أن محل هذا إذا كان المكتوب إليه فوق مسافة العدوى وقولي: بل يسمع حجة ويكتب من زيادتي في الاولى (وإلا) فإن كان في عمله ولم يكن ثم نائب عنه ولا مصلح (أحضره) بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها (من) مسافة (عدوى) وهذا ما صححه الاصل وهو الموافق لاول الفصل، وقيل يحضره وإن بعدت المسافة وهو مقتضى كلام الروضة وأصلها وعليه العراقيون، لان عمر رضي الله تعالى عنه استدعى المغيرة بن شعبة في قضية من البصرة إلى الكوفة ولئلا يتخذ السفر طريقا لابطال الحقوق (ولا تحضر) بالبناء للمفعول (مخدرة) أي لا تكلف حضور مجلس الحكم للدعوى عليها بل ولا الحضور للتحليف إلا لتغليظ يمين بمكان، (وهي من لا يكثر خروجها لحاجات) كشراء خبر وقطن وبيع غزل ونحوها، وذلك بإن لم تخرج أصلا إلا لضرورة أو تخرج قليلا لحاجة كعزاء وزيارة وحمام.
(باب) (القسمة) هي تمييز الحصص بعضها من بعض.
والاصل فيها قبل الاجماع آيات كآية: * (وإذا حضر القسمة) *.
وأخبار كخبر الصحيحين كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقسم الغنائم بين أربابها والحاجة داعية إليها فقد يتبرم الشريك من المشاركة أو يقصد الاستبداد بالتصرف، (قد يقسم) المشترك (الشركاء أو حاكم ولو بمنصوبهما وشرط منصوبه) أي الحاكم (أهليته للشهادات) فيشترط كونه مكلفا ذكرا حرا مسلما عدلا ضابطا سميعا بصيرا ناطقا فلا يصح نصب غيره، لان نصبه لذلك ولاية وهذا ليس من أهلها.
فتعبيري بذلك أولى من قوله ذكر
حر عدل (وعلمه بقسمة) والعلم بها يستلزم العلم بالمساحة والحساب، لانهما آلتاها ويعتبر كونه عفيفا عن الطمع ومعرفته بالقيمة على أحد وجهين رجح منهما الاسنوي ندبها تبعا لجزم جماعة به، فإن لم يعرفها سأل عدلين، ورده البلقيني.
وقال المعتمد اعتبارها في التعديل، والرد أما منصوب الشركاء فلا يشترط فيه إلا التكليف لانه وكيل عنهم إلا أن يكون فيهم محجور عليه، فتعتبر فيه العدالة ومحكمهم كمنصوب الحاكم (وكذا) يشترط إما (تعدده لتقويم) في القسمة، لانه شهادة بالقيمة فإن لم يكن فيها تقويم كفي قاسم، لان قسمته تلزم بنفس قوله فأشبه الحاكم، ولا يحتاج القاسم إلى لفظ الشهادة وإن

(2/379)


وجب تعدده لانها تستند إلى عمل محسوس، (أو جعله) بأن يجعله الحاكم (حاكما فيه) أي في التقويم فيقسم وحده ويعمل بعد لين وبعلمه وإن أفهم كلام الاصل أنه لا يعمل به (وأجرته من بيت المال) من سهم المصالح، لان ذلك من المصالح العامة (ف) إن تعذر بيت المال فأجرته (على الشركاء) سواء أطلب القسمة كلهم أم بعضهم، لان العمل لهم (فإن أكتروا قاسما وعين كل) منهم (قدرا لزمه) ولو فوق أجرة المثل سواء أعقدوا معا أم مرتبين، (وإلا) بأن أطلقوا المسمى (فالاجرة) موزعة (على قدر) مساحة (الحصص المأخوذة) لانها من مؤن الملك كالنفقة، وخرج بزيادتي المأخوذة الحصص الاصلية في قسمة التعديل، فإن الاجرة ليست على قدر مساحتها بل على قدر مساحة المأخوذة قلة وكثرة، لان العمل في الكثير أكثر منه في القليل هذا إذا كانت الاجارة صحيحة، وإلا فالموزع أجرة المثل على قدر الحصص مطلقا، (ثم ما عظم ضرر قسمته إن بطل نفعه بالكلية كجوهرة وثوب نفيسين منعهم الحاكم) منها، لانه سفه ولم يجبهم إليها كما فهم بالاولى (وإلا) أي وإن لم يبطل نفعه بالكلية بأن نقص نفعه، أو بطل نفعه المقصود (لم يمنعهم ولم يجبهم) فالاول (كسيف يكسر) فلا يمنعهم من قسمته كما لو هدموا جدارا واقتسموا نقضه ولا يجيبهم لما فيها من الضرر.
(و) الثاني (كحمام وطاحونة صغيرين) فلا يمنعهم ولا يجيبهم لما مر.
وفي لفظ صغيرين تغليب المذكر على المؤنث لان
الحمام مذكر والطاحونة مؤنثة فإن كان كل منهما كبيرا بأن أمكن جعل كل منهما حمامين أو طاحونتين أجيبوا، وإن احتيج إلى إحداث بئر أو مستوقد ولا يخفى على الواقف على ذلك ما فيه من الايضاح وغيره بخلاف كلام الاصل، (ولو كان له عشر دار) مثلالا يصلح للسكنى والباقي لآخر يصلح لها ولو بضم ما يملكه بجواره أجبر صاحب العشر على القسمة (بطلب الآخر لا عكسه) أي لا يجبر الآخر لطلب صاحب العشر، لان صاحب العشر متعنت في طلبه، والآخر معذور أما إذا صلح العشر ولو بالضم فيجبر بطلب صاحبه الآخر لعدم التعنت حينئذ، (وما لا يعظم ضرره) أي ضرر قسمته (قسمته أنواع) ثلاثة وهي الآتية، لان المقسوم إن تساوت الانصباء منه صورة وقيمة فهو الاول، وإلا فإن لم يحتج إلى رد شئ آخر، فالثاني وإلا فالثالث.
(أحدها) القسمة (بالاجزاء) وتسمى قسمة المتشابهات (كمثلي) من حبوب ودراهم وأدهان وغيرها، (ودار متفقة الابنية وأرض مشتبهة الاجزاء فيجبر الممتنع) عليها إذ لا ضرر

(2/380)


عليها فيها (فيجزأ ما يقسم) كيلا في المكيل ووزنا في الموزون وذرعا في المذروع وعدا في المعدود (بعدد الانصباء إن استوت)، كأثلاث لزيد وعمرو وبكر (ويكتب) مثلا هنا، وفيما يأتي من بقية الانواع، (في كل رقعة) إما (إسم شريك) من الشركاء (أو جزء) من الاجزاء (مميز) عن البقية بحد أو غيره، (وتدرج) الرقع (في بنادق) من نحو طين مجفف أو شمع (مستوية) وزنا وشكلا ندبا، (ثم يخرج من لم يحضرهما) أي الكتابة والادراج بعد جعل الرقاع في حجره مثلا.
فتعبيري بذلك أولى من قوله، ثم يخرج من لم يحضرهما (رقعة) إما (على الجزء الاول إن كتبت الاسماء) فيعطى من خرج إسمه، (أو على إسم زيد) مثلا (إن كتبت الاجزاء) فيعطى ذلك الجزء ويفعل كذلك في الرقعة الثانية، فيخرجها على الجزء الثاني أو على إسم عمرو وتتعين الثالثة للباقي إن كانت أثلاثا، وتعين من يبدأ به من الشركاء أو الاجزاء منوط بنظر القاسم.
(فإن اختلفت) أي الانصباء (كنصف وثلث وسدس) في أرض أو نحوها (جزئ)
ما يقسم (على أقلها) وهو في المثال السدس فيكون ستة أجزاء وأقرع كما مر، (ويجتنب) إذا كتبت الاجزاء (تفريق حصة واحد) بأن لا يبدأ بصاحب السدس، لانه إذا بدأ به حينئذ ربما خرج له الجزء الثاني أو الخامس فيتفرق ملك من له النصف أو الثلث فيبدأ بمن له النصف مثلا، فإن خرج على إسمه الجزء الاول أو الثاني أعطيهما والثالث ويثنى بمن له الثلث، فإن خرج على إسمه الجزء الرابع أعطيه والخامس ويتعين السادس لمن له السدس.
فالاولى كتابة الاسماء في ثلاث رقاع أو ست، والاخراج على الاجزاء لانه لا يحتاج فيها إلى اجتناب ما ذكر (الثاني) القسمة (بالتعديل)، بأن تعدل السهام بالقيمة (كأرض تختلف قيمة أجزائها) لنحو قوة إنبات وقرب ماء أو يختلف جنس ما فيها كبستان بعضه نخل، وبعضه عنب، فإذا كانت لاثنين نصفين وقيمة ثلثها المشتمل على ما ذكر كقيمة ثلثيها الخاليين عن ذلك جعل الثلث سهما والثلثان سهما وأقرع كما مر.
(ويجبر) الممتنع (عليها) أي على قسمة التعديل إلحاقا للتساوي في القيمة بالتساوي في الاجزاء (فيها) أي في الارض المذكورة نعم إن أمكن قسمة الجيد وحده والردئ وحده لم يجبر عليها فيها كأرضين يمكن قسمة كل منهما بالاجزاء فلا يجبر على التعديل كما بعثه الشيخان، وجزم به جمع منهم الماوردي والروياني (و) يجبر عليها (في منقولات نوع)، لم يختلف متقومه كعبيد وثياب من نوع إن زالت الشركة بالقسمة كما سيأتي كثلاثة أعبد زنجية متساوية القيمة بين ثلاثة، وكثلاثة أعبد كذلك بين إثنين قيمة أحدهم كقيمة الآخرين لقلة اختلاف الاغراض فيها بخلاف منقولات نوع اختلف كضائنتين شامية ومصرية أو منقولات أنواع كعبيد تركي وهندي وزنجي وثياب إبريسم وكتان وقطن، أو لم تزل الشركة

(2/381)


كعبدين قيمة ثلثي أحدهما تعدل قيمة ثلثه مع الآخر، فلا إجبار فيها لشدة اختلاف الاغراض فيها، ولعدم زوال الشركة بالكلية في الاخيرة.
وتعبيري بمنقولات نوع أعم من تعبيره وثياب من نوع، (و) يجبر على قسمة التعديل أيضا، (في نحو دكاكين صغار متلاصقة) مما لا يحتمل كل منهما القسمة (أعيانا إن زالت الشركة) بها للحاجة بخلاف نحو الدكاكين الكبار والصغار
غير الموصوفة بما ذكر، فلا إجبار فيها وإن تلاصقت الكبار واستوت قيمتها لشدة اختلاف الاغراض باختلاف المحال والابنية كالجنسين.
ومعلوم مما مر.
أنه لو طلبت قسمة الكبار غير أعيان أجبر الممتنع، وذكر حكم نحو الدكاكين الصغار من زيادتي بل كلام الاصل يقتضي أنه لا إجبار فيها، وتقييد الحكم في المنقولات بزوال الشركة كما مرت الاشارة إليه من زيادتي، (الثالث) القسمة (بالرد) بأن يحتاج في القسمة إلى رد مال أجنبي، (كأن يكون بأحد الجانبين) من الارض (نحو بئر) كشجر وبيت (لا يمكن قسمته) وليس في الجانب الآخر ما يعادله إلا بضم شئ إليه من خارج، (فيرد آخذه) بالقسمة التي أخرجتها القرعة (قسط قيمته) أي قيمة نحو البئر فإن كانت ألفا وله النصف رد خمسمائة.
وتعبيري بنحو بئر أعم من تعبيره ببئر وشجر، (ولا إجبار فيه) أي في هذا النوع لان فيه تمليكا لما لا شركة فيه، فكان كغير المشترك، (وشرط لما) أي لقسمة ما (قسم بتراض) من قسمة رد وغيرها، ولو بقاسم يقسم بينهما بقرعة (رضا) بها (بعد) خروج (قرعة).
أما في قسمة الرد والتعديل فلان كلا منهما بيع والبيع لا يحصل بالقرعة، فافتقر إلى الرضا بعد خروجها كقبله، وأما في غيرها فقياسا عليهما وذلك (ك) قولهما (رضينا بهذه) القسمة، أو بهذا أو بما أخرجته القرعة فإن لم يحكما القرعة كأن اتفقا على أن يأخذ أحدهما أحد الجانبين، والآخر الآخر أو أحدهما الخسيس، والآخر النفيس ويرد زائد القيمة فلا حاجة إلى تراض ثان.
أما قسمة ما قسم إجبارا فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها.
وتعبيري بما ذكر بالنظر لقسمة غير الرد أولى مما عبر به فيها.
(و) النوع (الاول إفراز) للحق لا بيع قالوا لانها لو كانت بيعا لما دخلها الاجبار ولما جاز الاعتماد على القرعة ومعنى كونها إفرازا أن القسمة تبين أن ما خرج لكل من الشريكين، كان ملكه وقيل هو بيع فيما لا يملكه من نصيب صاحبه إفرازا فيما كان يملكه قبل القسمة، وإنما دخلها الاجبار للحاجة وبهذا جزم في الروضة تبعا لتصحيح أصلها له في بابي زكاة العشرات والربا (وغيره) من النوعين الاخيرين (بيع)، وإن أجبر على الاول منهما كما مر.
قالوا لانه لما انفرد كل من الشريكين ببعض المشترك بينهما صار كأنه باع ما كان له بما كان للآخر، وإنما دخل
الاول منهما الاجبار للحاجة، وبهذا جزم في الروضة كما يبيع الحاكم مال المدين جبرا.

(2/382)


(ولو ثبت بحجة) هو أعم من قوله ببينة (غلط) فاحش أو غيره، (ى وحيف في قسمة إجبار أو قسمة تراض) بأن نصبا لهما قاسما أو اقتسما بأنفسهما، ورضيا بعد القسمة (وهي بالاجزاء نقضت) أي القسمة بنوعيها، كما لو قامت حجة بجور القاضي أو كذب شهود، ولان الثانية إفراز ولا إفراز مع التفاوت فإن لم تكن بالاجزاء بأن كانت بالتعديل أو الرد لم تنقض لانها بيع ولا أثر للغلط والحيف فيه كما لا أثر للغبن فيه لرضا صاحب الحق بتركه، (وإن لم يثبت) ذلك وبين المدعي قدر ما ادعاه، (فله تحليف شريكه) كنظائره ولا يحلف القاسم الذي نصبه الحاكم كما لا يحلف الحاكم إنه لم يظلم، (ولو استحق بعض مقسوم معينا وليس سواء) بأن اختص أحدهما به أو أصاب أكثر منه (بطلت) أي القسمة، لاحتياج أحدهما إلى الرجوع على الآخر، وتعود الاشاعة (وإلا) بأن استحق بعضه شائعا أو معينا سواء (بطلت فيه) لا في الباقي تفريقا للصفقة.
(خاتمة) لو ترافعوا إلى قاض في قسمة ملك بلا بينة به لم يجبهم، وإن لم يكن لهم منازع وقيل يجيبهم وعليه الامام وغيره.

(2/383)


(كتاب الشهادات) جمع شهادة وهي إخبار عن شئ بلفظ خاص.
والاصل فيها آيات كآية: * (ولا تكتموا الشهادة) *.
وأخبار كخبر الصحيحين ليس لك إلا شاهداك أو يمينه) وأركانها شاهد ومشهود له ومشهود عليه ومشهود به وصيغة وكلها تعلم مما يأتي مع ما يتعلق بها (الشاهد حر مكلف ذو مروءة يقظ ناطق غير محجور) عليه (بسفه) وهذا من زيادتي.
(و) غير (متهم عدل) فلا يقبل ممن به رق أو صبا أو جنون ولا من عادم مروءة ومغفل لا يضبط وأخرس ومحجور عليه بسفه ومتهم وغير عدل من كافر وفاسق.
والعدل يتحقق (بأن لم يأت
كبيرة) كقتل وزنا وقذف وشهادة زور، (ولم يصر على صغيرة أو) أصر عليها (وغلبت طاعاته) فبارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة من نوع، أو أنواع تنتفي العدالة إلا أن تغلب طاعات المصر على ما أصر عليه فلا تنتفي العدالة عنه، وقولي أو إلى آخره من زيادتي.
والصغيرة (كلعب بنرد) لخبر أبي داود: من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله، (و) لعب (بشطرنج) بكسر أوله وفتحه معجما ومهملا (إن شرط) فيه (مال) من الجانبين أو من أحدهما لانه في الاول قمار.
وفي الثاني مسابقة على غير آلة القتال ففاعلها متعاط لعقد فاسد، وكل منهما حرام وإن أوهم كلام الاصل أنه مكروه في الثاني.
(وإلا) بأن لم يشترط فيه مال (كره) لان فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي نعم إن لعبه مع معتقد التحريم حرم، (كغناء) بكسر الغين والمد (بلا آلة واستماعه) فإنهما مكروهان لما فيهما من اللهو، أما مع الآلة فيحرمان.
وتعبيري بالاستماع هنا فيما يأتي أولى من تعبيره بالسماع (لا حداء) بضم الحاء وكسرها والمد وهو ما يقال خلف الابل من رجز وغيره (ودف) بضم الدال أشهر من فتحها لما هو سبب لاظهار السرور كعرس وختان وعيد وقدوم غائب (ولو بجلاجل).
والمراد بها الصنوج جمع صنج وهو الحلق التي تجعل داخل الدف، والدوائر العراض التي تؤخذ من صفر وتوضع في خروق دائرة الدف، (واستماعها) فلا يحرم ولا بكره شئ من الثلاثة لما في الاول من تنشيط الابل للسير وإيقاظ النوام، وفي الثاني من إظهار السرور وورد في حلهما أخبار بل صرح النووي بسن الاول والبغوي بسن الثاني، وحل استماعهما تابع

(2/384)


لحلهما والتصريح بذكر استماع الثاني من زيادتي.
(وكاستعمال آلة مطربة كطنبور) بضم الطاء (وعود وصنج) بفتح أوله ويسمى الصفاقتين وهما من صفر تضرب إحداهما بالاخرى، (ومزمار عراقي) بكسر الميم وهو ما يضرب مع الاوتار (ويراع) وهو الزمارة التي يقال لها الشبابة فكلها صغائر لكن صحح الرافعي حل اليراع ومال إليه البلقيني وغيره لعدم ثبوت دليل معتبر بتحريمه، (وكوبة) بضم الكاف (وهي طبل طويل ضيق الوسط واستماعها) أي الآلات
المذكورة لانها من شعار الشربة وهي مطربة.
وروى أبو داود وغيره خبر إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والمعنى فيه التشبيه بمن يعتاد استعماله، وهم المخنثون وذكر استماع الكوبة من زيادتي.
(لا رقص) فليس بحرام ولا مكروه بل مباح لخبر الصحيحين: أنه (صلى الله عليه وسلم) وقف لعائشة يسترها حتى تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ويزفنون والزفن الرقص، ولانه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج (إلا بتكسر) فيحرم لانه يشبه أفعال المخنثين.
(ولا إنشاء شعر وإنشاده واستماعه) فكل منها مباح اتباعا للسلف، ولانه (صلى الله عليه وسلم) كان له شعراء يصغي إليهم منهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رواه مسلم.
وذكر استماعه من زيادتي.
(إلا بفحش) كهجو لمعصوم (أو تشبيب بمعين من أمرد أو امرأة غير حليلة)، وهو ذكر صفاتهما من طول وقصر وصدغ وغيرها فيحرم لما فيه من الايذاء بخلاف تشبيب بمبهم، لان التشبيب صنعة، وعرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيق المذكور، أما حليلته من زوجة أو أمة فلا يحرم التشبيب بها، نعم إن ذكره بما حقه الاخفاء سقطت مروءته، وذكر الامرد مع التقييد بغير الحليلة من زيادتي.
(والمروءة توقي الادناس عرفا) لانها لا تنضبط بل تختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والاماكن، (فيسقطها أكل وشرب وكشف رأس ولبس فقيه قباء أو قلنسوة حيث) أي بمكان (لا يعتاد) لفاعلها، كأن يفعل الثلاثة الاول غير سوقي في سوق، ولم يغلبه عليه في الاولين جوع أو عطش ويفعل الرابع فقيه ببلد لا يعتاد مثله، لبس ذلك فيه.
وقولي وشرب من زيادتي.
وتعبيري بكشف الرأس أعم من تعبيره بالمشي مكشوف الرأس والتقييد في هذه بحيث لا يعتاد من زيادتي، وفي الاكل به أولى من تقييده له بالسوق وككشف الرأس كشف البدن كما فهم الاولى، والمراد غير العورة أما ذاك فمن المحرمات (وقبلة حليلة) من زوجة أو أمة (بحضرة الناس) الذي يستحيا منهم في ذلك، (وإكثار ما يضحك) بينهم (أو) إكثار (لعب شطرنج أو غناء أو استماعه أو رقص) بخلاف قليل الخمسة إلا قليل ثانيها في الطريق ويقاس به ما في معناه، (و) يسقطها أيضا (حرفة دنيئة) بالهمز (كحجم

(2/385)


وكنس ودبغ ممن لا تليق) هي (به) لاشعارها بالخسة بخلافها ممن تليق به وإن لم تكن حرفة آبائه، وقول الاصل تبعا للرافعي وكانت حرفة أبيه اعترضه في الروضة.
فقال لم يتعرض الجمهور لهذا القيد وينبغي أن لا يقيد به بل ينظر هل تليق به هو أم لا ولهذا حذفه بعض مختصريها، (والتهمة) بضم التاء وفتح الهاء في الشخص (جر نفع) إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له بشهادته، (أو دفع ضرر) عنه بها (فترد) شهادته (لرقيقه) ولو مكاتبا (وغريم له مات) وإن لم تستغرق تركته الديون، (أو حجر) عليه (بفلس) للتهمة.
وروى الحاكم على شرط مسلم خبر لا تجوز شهادة ذي الظنة، ولا ذي الحنة والظنة التهمة.
والحنة العداوة بخلاف حجر السفه والمرض وبخلاف شهادته لغريمه الموسر، وكذا المعسر قبل موته، والحجر عليه لتعلق الحق حينئذ بذمته لا بعين أمواله، (و) ترد شهادته (بما هو محل تصرفه) كأن وكل أو وصى فيه لانه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم إن شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم قبلت.
وتعبيري بما ذكر أعم من قوله بما هو وكيل فيه (وببراءة مضمونة)، لانه يسقط بها المطالبة عن نفسه، (و) ترد الشهادة (من غرماء محجور فلس بفسق شهود دين آخر) لتهمة دفع ضرر المزاحمة، والتقييد بالحجر من زيادتي.
(و) ترد شهادته (لبعضه) من أصل أو فرع له كشهادته لنفسه (لا) بشهادته (عليه) بشئ (ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه أو قذفها ولا لزوجه) ذكرا أو أنثى (وأخيه وصديقه)، لانتفاء التهمة نعم لو شهد الزوج أن فلانا قذف زوجته لم تقبل على أحد وجهين في النهاية، وأشعر كلامها بترجيحه ورجحه البلقيني فهذه مستثناة من قبول شهادته لزوجته.
وحذفت من الاصل هنا مسائل لتقدمها في كتاب دعوى الدم، ولو كان بينه وبين بعضه عداوة ففي قبول شهادته عليه خلاف وجزم في الانوار بعدم قبولها له وعليه، (ولو شهد لمن لا تقبل) شهادته (له) من أصل أو فرع أو غيرهما فهو أعم من قوله شهد لفرع (وغيره قبلت لغيره) لا له لاختصاص المانع به (أو شهد إثنان لاثنين بوصية من تركه فشهدا لهما بوصية منها قبلتا)، وإن احتملت المواطأة لان الاصل عدمها مع أن كل شهادة منفصلة عن الاخرى، (ولا تقبل) الشهادة (من عدو شخص عليه) في عداوة دنيوية لخبر الحاكم
السابق، ولان العداوة من أقوى الريب بخلاف شهادته له إذ لا تهمة.
والفضل ما شهدت به الاعداء.
(وهو) أي عدو الشخص (من يحزن بفرحه وعكسه) أي ويفرح بحزنه، (وتقبل) الشهادة (على عدو دين ككافر) شهد عليه مسلم (ومبتدع) شهد عليه سني (و) تقبل (من مبتدع لا نكفره) ببدعته كمنكري صفات الله وخلقه أفعال عباده، وجواز رؤيته يوم القيامة لاعتقادهم

(2/386)


أنهم مصيبون في ذلك، لما قام عندهم بخلاف من نكفره ببدعته كمنكري حدوث العالم، والبعث والحشر للاجسام وعلم الله بالمعدوم وبالجزئيات لانكارهم ما علم مجئ الرسول به ضرورة، فلا تقبل شهادتهم (لا داعية) أي يدعو الناس إلى بدعته فلا تقبل شهادته كما لا تقبل روايته بل أولى كما رجحه فيها ابن الصلاح والنووي وغيرهما، (ولا خطابي) فلا تقبل شهادته (لمثله إن لم يذكر) فيها، (ما ينفي الاحتمال) أي احتمال اعتماده على قول المشهود له، لاعتقاده أنه لا يكذب، فإن ذكر فيها ذلك كقوله رأيت أو سمعت أو شهد لمخالفه قبلت لزوال المانع، وهذه والتي قبلها من زيادتي.
(ولا مبادر) بشهادته قبل أن يسألها لانه متهم، (إلا في شهادة حسبة) فتقبل شهادته بأن يشهد (في حق الله) كصلاة وزكاة وصوم بأن يشهد بتركها، (أو) في (ماله فيه حق مؤكد كطلاق وعتق ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة وانقضائها) وخلع في الفراق لا في المال بأن يشهد بذلك ليمنع من مخالفه ما يترتب عليه وصورتها أن يقول الشهود ابتداء للقاضي نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه فإن ابتدؤوا وقالوا فلان زنى فهم قذفة، وإنما تسمع عند الحاجة إليها فلو شهد إثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه، أو أنه يريد نكاحها، أما حق الآدمي كقود وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة كما شمله المستثنى منه، (وتقبل شهادة معادة بعد زوال رق أو صبا أو كفر ظاهر أو بدار) لانتفاء التهمة، لان المتصف بذلك لا يتغير برد شهادته (لا) بعد زوال (سيادة أو عداوة أو فسق) أو خرم مروءة فلا تقبل للتهمة.
والتقييد بظاهر مع قولي، أو بدار ولا سيادة أو عداوة من زيادتي.
وخرج
بظاهر الكافر المسر، فلا تقبل شهادته المعادة للتهمة وبالمعادة غيرها فتقبل من الجميع (وإنما يقبل غيرها) أي غير المعادة، (من فاسق أو خارم مروءة) وهو من زيادتي.
(بعد توبته وهي ندم) على المحذور (ب) شرط (إقلاع) عنه (وعزم أن لا يعود) إليه (وخروج عن ظلامة آدمي) من مال أو غيره فيؤدي الزكاة لمستحقها ويرد المغصوب إن بقي، وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء ويبرئه منه المستحق، وما هو حد لله تعالى كزنا وشرب مسكر، إن لم يظهر عليه أحد فله أن يظهره ويقربه ليستوفى منه وله أن يستر على نفسه، وهو الافضل وإن ظهر فقد فات الستر، فيأتي الحاكم يقربه ليستوفى منه، (و) شرط (قول في) محذور (قولي) لتقبل شهادته (كقوله) في القذف (قذفي باطل وأنا نادم) عليه (ولا أعود) إليه، (و) بشرط (استبراء سنة في) محذور (فعلي وشهادة زور وقذف إيذاء)، لان

(2/387)


لمضيها المشتمل على الفصول الاربعة، أثرا بينا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة ومحله في الفاسق إذا أظهر فسقه فلو كان يسره، وأقر به ليقام عليه الحد قبلت شهادته عقب توبته فهذه مستثناة وبما ذكر علم أنه لا استبراء في قذف لا إيذاء به كشهادة الزنا، إذا وجب بها الحد لنقص العدد ثم تاب الشاهد وما أفهمه كلام الام من أنه لا استبراء على قاذف غير المحصن، محمول على قذف لا إيذاء به ولا يخفى عليك حسن ما سلكته في بيان التوبة وشرطها على ما سلكه الاصل.
(فصل) في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود وما لا يعتبر فيه ذلك مع ما يتعلق بهما (لا يكفي لغير هلال رمضان) ولو للصوم (شاهد) واحد ماله فيكفي للصوم كما مر.
في كتابه (وشرط لنحو زنا) كإتيان بهيمة أو ميتة (أربعة) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل حشفته أو قدرها من فاقدها في فرجها بالزنا أو نحوه قال تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) *.
الآية وخرج بذلك وطئ الشبهة إذا قصد بالدعوى به المال أو شهد به حسبة، ومقدمات الزنا كقبلة ومعانقة فلا يحتاج إلى أربعة بل الاول بقيده الاول، يثبت بما يثبت به المال وسيأتي ولا يحتاج فيه إلى ذكر ما يعتبر في شهادة الزنا من قول الشهود رأيناه أدخل حشفته إلى آخره، والباقي يثبت برجلين ونحو هنا وفيما يأتي من زيادتي.
(ولمال) عينا كان أو دينا أو منفعة (وما قصد به مال) من عقد مالي أو فسخه أو حق مالي، (كبيع) ومنه الحوالة لانها بيع دين بدين، (وإقالة) وضمان (وخيار) وأجل (رجلان أو رجل وامرأتان) لعموم آية: * (واستشهدوا شهيدين) *.
والخنثى كالمرأة.
وتعبيري بما قصد به مال أولى مما عبر به (ولغير ذلك) أي ما ذكر من نحو الزنا إلى آخره، (من) موجب (عقوبة) لله تعالى أو لآدمي (وما يظهر لرجال غالبا كنكاح وطلاق) ورجعة، (وإقرار بنحو زنا وموت ووكالة ووصاية) وشركة وقراض وكفالة.
(وشهادة على شهادة رجلان)، لانه تعالى نص على الرجلين في الطلاق والرجعة والوصاية وتقدم خبر لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
وروى مالك عن الزهري مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح والطلاق وقيس بالمذكورات غيرها

(2/388)


مما يشاركها في المعنى المذكور والوكالة والثلاثة بعدها، وإن كانت في مال القصد منها الولاية والسلطنة، لكن لما ذكر ابن الرفعة اختلافهم في الشركة والقراض.
قال: وينبغي أن يقال إن رام مدعيهما إثبات التصرف، فهو كالوكيل أو إثبات حصته من الربح فيثبتان برجل وامرأتين إذ المقصود المال ويقرب منه دعوى المرأة النكاح لاثبات المهر أي أو شطره أو الارث فيثبت برجل وامرأتين، وإن لم يثبت النكاح بهما في غير هذه (وما لا يرونه غالبا كبكارة وولادة وحيض ورضاع وعيب امرأة تحت ثوبها يثبت بمن مر)، أي برجلين ورجل وامرأتين، (وبأربع) من النساء.
روى ابن أبي شيبة عن الزهري: مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن، وقيس بذلك غيره مما يشاركه في المعنى المذكور،
وإذا قبلت شهادتهن في ذلك منفردات فقبول الرجلين، والرجل والمرأتين أولى.
وما تقرر في مسألة الرضاع قيده القفال وغيره، بما إذا كان الرضاع من الثدي، فإن كان من إناء حلب فيه اللبن لم تقبل شهادة النساء به، لكن تقبل شهادتهن بأن هذا اللبن من هذه المرأة، لان الرجال لا يطلعون عليه غالبا (ولا يثبت برجل ويمين إلا مال أو ما قصد به مال).
روى مسلم وغيره أنه (صلى الله عليه وسلم) قضى بشاهد ويمين زاد الشافعي في الاموال، وقيس بما فيه ما قصد به مال (ولا يثبت شئ بامرأتين ويمين) ولو فيما يثبت بشهادة النساء منفردات، لعدم ورود ذلك.
وقيامهما مقام رجل في غير ذلك لوروده، (ويذكر) وجوبا (في حلفه صدق شاهده واستحقاقه لما ادعاه فيقول: والله إن شاهدي لصادق وإني مستحق لكذا، قال الامام ولو قدم ذكر الاستحقاق على تصديق الشاهد فلا بأس، واعتبر تعرضه في يمينه لصدق شاهده، لان اليمين والشهادة حجتان مختلفتا الجنس فاعتبر ارتباط إحداهما بالاخرى ليصيرا كالنوع الواحد.
(وإنما يحلف بعد شهادته وتعديله) لانه إنما يحلف من قوي جانبه وجانب المدعي فيما ذكر إنما يقوى حينئذ.
وفارق عدم اشتراط تقدم شهادة الرجل على المرأتين، بقيامهما مقام الرجل قطعا ولا ترتيب بين الرجلين، (وله ترك حلفه) بعد شهادة شاهده (وتحليف خصمه) لانه قد يتورع عن اليمين، وبيمين الخصم تسقط الدعوى، (فإن نكل) خصمه عن اليمين (فله) أي للمدعي (أن يحلف يمين الرد) كما أن له ذلك في الاصل لانها غير التي تركها لان تلك لقوة جهته بالشاهد وهذه لقوة جهته بنكول الخصم ولان تلك لا يقضى بها إلا في المال وهذه يقضى بها في جميع الحقوق فلو لم يحلف سقط حقه من اليمين كما سيأتي في الدعاوى.

(2/389)


(ولو قال) رجل (لمن بيده أمة وولدها) يسترقهما (هذه مستولدتي علقت بذا في ملكي مني وحلف مع شاهد) أو شهد له رجل وامرأتان بذلك (ثبت الايلاد)، لان حكم المستولدة حكم المال فتسلم إليه وإذا مات حكم بعتقها بإقراره، وقولي مني من زيادتي.
(لا نسب الولد
وحريته) فلا يثبتان بذلك كما لا يثبت به عتق الام فيبقى الولد بيد من هو بيده على سبيل الملك، وفي ثبوت نسبه من المدعي بالاقرار ما مر في بابه، (أو) قال لمن بيده (غلام) يسترقه (كان لي وأعتقته وحلف مع شاهد) أو شهد له رجل وامرأتان بذلك (انتزعه) منه (وصار حرا) بإقراره وإن تضمن استحقاق الولاء، لانه تابع (ولو ادعوا) أي ورثة كلهم أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم وأقاموا شاهدا وحلف) معه (بعضهم) فقط على الجميع لا على حصته فقط (انفرد بنصيبه) فلا يشارك فيه إذ لو شورك فيه لملك الشخص بيمين غيره (وبطل حق كامل حضر) بالبلد (ونكل) حتى لو مات لم يكن لوارثه أن يحلف (وعيره) من صبي أو مجنون أو غائب (إذا زال عذره حلف وأخذ نصيبه بلا إعادة شهادة) ان لم يتغير حال الشاهد، لان الشهادة ثبتت في حق البعض فتثبت في حق الجميع، وإن لم تصدر الدعوى منهم بخلاف ما إذا أوصى لشخصين فحلف أحدهما مع شاهد، والآخر غائب فلا بد من إعادة الشهادة، لان ملكه منفصل عن ملك الحالف بخلاف حقوق الورثة، فإنها إنما تثبت أولا لواحد وهو المورث.
قال الشيخان وينبغي أن يكون الحاضر الذي لم يشرع في الخصومة، أو لم يشعر بالحال كالصبي ونحوه في بقاء حقه بخلاف ما مر في الناكل، إما إذا تغير حال الشاهد فوجهان في الروضة كأصلها.
قال الاذرعي وغيره والاقوى منع الحلف قال الزركشي: وينبغي أن يكون محل ذلك إذا ادعى الاول الجميع، فإن ادعى بقدر حصته فلا بد من الاعادة جزما، (وشرط لشهادة بفعل كزنا) وغصب وولادة (إبصار) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير، وقد تجوز الشهادة فيه بلا إبصار كأن يضع أعمى يده على ذكر رجل داخل فرج امرأة فيمسكهما حتى يشهد عند قاض بما عرفه، (فيقبل) في ذلك (أصم) لابصاره، ويجوز تعمد النظر لفرجي الزانيين لتحمل الشهادة لانهما هتكا حرمة أنفسهما، (و) شرط لشهادة (يقول كعقد) وفسخ وإقرار (هو) أي إبصار (وسمع فلا يقبل) فيه (أصم) لا يسمع شيئا، (و) لا (أعمى) تحمل شهادة في مبصر لجواز اشتباه الاصوات وقد يحاكي الانسان صوت غيره فيشتبه به، (إلا أن) يترجم أو يسمع كما مر أو يشهد بما يثبت بالتسامع كما يعلم مما يأتي أو (يقر) شخص
(في أذنه) بنحو طلاق أو عتق أو مال لرجل معروف الاسم والنسب، (فيمسكه حتى يشهد)

(2/390)


عليه عند قاض.
(أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود له و) المشهود (عليه معروفي الاسم والنسب) فيقبل لحصول العلم بأنه المشهود عليه، (ومن سمع قول شخص أو رأى فعله وعرفه باسمه ونسبه) ولو بعد تحمله (شهد بهما إن غاب) بالمعنى السابق في آخر القضاء على الغائب أو مات وإلا) بأن لم يغب ولم يمت (فبإشارة) شهد على عينه فلا يشهد بهما، (كما لو لم يعرفه بهما ومات ولم يدفن) فإنه إنما يشهد بالاشارة وهذا من زيادتي.
فعلم أنه لا يشهد في غيبته ولا بعد موته ودفنه إن لم يعرفه بهما فلا ينبش قبره.
وقال الغزالي: إن اشتدت الحاجة إليه ولم يتغير نبش، (ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة) بنون ثم تاء من انتقب كما قاله الجوهري (اعتمادا على صوتها) فإن الاصوات تتشابه، (فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب) أو أمسكها حتى شهد عليها (جاز) التحمل عليها منتقبة، (وأدى بما علم) من ذلك فيشهد في العلم بعينها عند حضورها.
وفي العلم بالاسم والنسب عند غيبتها، (لا بتعريف عدل أو عدلين) أنها فلانة بنت فلان أي لا يجوز التحمل عليها بذلك وهذا ما عليه الاكثر (والعمل على خلافه) وهو التحمل عليها بذلك، (ولو ثبت على عينه حق) فطلب المدعي التسجيل، (سجل) له (القاضي) جوازا (بحلية لا باسم ونسب لم يثبتا) ببينة ولا بعلمه.
ولا يكفي فيهما قول المدعي ولا إقرار من يثبت عليه الحق لان نسب الشخص لا يثبت بإقراره ولا بإقرار المدعي.
فإن ثبتا ببينته أو بعلمه سجل بهما.
وتعبيري يثبت أعم من تعبيره بقامت بينة (وله بلا معارض شهادة بنسب) ولو من أم أو قبيلة (وموت وعتق وولاء ووقف ونكاح بتسامع) أي استفاضة (من جمع يؤمن كذبهم) أي تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم، ولا يشترط عدالتهم وحريتهم وذكورتهم كما لا يشترط في التواتر، ولا يكفي أن يقول: سمعت الناس يقولون كذا، بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا لانه قد يعلم خلاف ما سمع من الناس.
وإنما اكتفي بالتسامع في
المذكورات، وإن تيسرت مشاهدة أسباب بعضها، لان مدتها تطول فيعسر أقامة البينة على ابتدائها فتمس الحاجة إلى إثباتها بالتسامع وما ذكر في الموقف هو بالنظر إلى أصله أما شروطه وتفاصيله فبينت حكمها في شرح الروض، (و) له بلا معارض شهادة (بملك به أي بالتسامح ممن ذكر أو بيد وتصرف تصرف

(2/391)


ملاك كسكنى وهدم وبناى وبيع مدة طويلة عرفا) فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد، لانه قد يكون عن إجارة أو إعارة ولا بمجرد التصرف، لانه قد يكون من وكيل أو غاصب ولا بهما معا بدون التصرف المذكور.
كأن تصرف مرة أو تصرف مدة قصيرة لان ذلك لا يحصل الظن (أو باستصحاب) لما سبق من نحو إرث وشراء، وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولا يصرح في شهادته بالاستصحاب، فإن صرح به وظهر في ذكره تردد لم يقبل.
ومسألة الاستصحاب ذكرها الاصل في الدعوى والبينات وخرج بزيادتي.
بلا معارض ما لو عورض كأن أنكر المنسوب إليه النسب أو طعن بعض الناس به فتمتنع الشهادة به لاختلال الظن حينئذ وقولي: عرفا من زيادتي.
(تنبيه) صورة الشهادة بالتسامع أشهد أن هذا ولد فلان أو أنه عتيقه أو مولاه أو وقفه أو أنها زوجته أو أنه ملكه لا أشهد أن فلانة ولدت فلانا أو أن فلانا أعتق فلانا أو أنه وقف كذا أو أنه تزوج هذه أو أنه اشترى هذا، لما مر من أنه يشترط في الشهادة بالفعل الابصار وبالقول الابصار والسمع، ولو تسامع سبب الملك كبيع وهبة لم تجز الشهادة به بالتسامع ولو مع الملك إلا أن يكون السبب إرثا فتجوز لان الارث يستحق بالنسب والموت، وكل منهما يثبت بالتسامع ومما يثبت به أيضا ولاية القضاء والجرح والتعديل والرشد والارث واستحقاق الزكاة والرضاع وتقدم بعض ذلك.
(فصل) في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك
والشهادة تطلق على تحملها كشهدت بمعنى تحملت وعلى أدائها كشهدت عند القاضي بمعنى أديت وعلى المشهود به وهو المراد هنا كتحملت شهادة بمعنى مشهود به فهي مصدر بمعنى المفعول، (تحمل الشهادة وكتابة الصك) وهو الكتاب (فرضا كفاية) في كل تصرف مالي أو غيره كبيع ونكاح وطلاق وإقراره أما فرضية التحمل في ذلك فللحاجة إلى إثباته عند التنازع، ولتوقف الانعقاد عليه في النكاح وغيره مما يجب فيه الاشهاد، وأما فرضية كتابة الصك.
والمراد في الجملة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم ما ثبت عنده أو حكم به، فلانها لا يستغنى عنها في حفظ الحق ولها أثر ظاهر في التذكر.
وصورة الاولى أن يحضر من يتحمل فإن دعى للتحمل فلا وجوب إلا أن يكون الداعي معذورا بمرض أو حبس أو كان امرأة مخدرة أو قاضيا ليشهده على أمر ثبت عنده، ولا يلزم الشاهد كتابة الصك إلا بأجرة فله أخذها كما له ذلك في تحمله إن دعي له لا في أدائه وله بعد كتابته حبسه عنده للاجرة، (وكذا الاداء) للشهادة فرض

(2/392)


كفاية وإن وقع التحمل اتفاقا، (إن كانوا جمعا) كأن زاد الشهود على إثنين فيما يثبت بهما (فلو طلب من واحد) منهم وهو من زيادتي.
(أو) من (إثنين) منهم (أو لم يكن إلا هما أو) إلا (واحد والحق يثبت به وبيمين) عند الحاكم المطلوب إليه (ففرض عين) وإلا لافضى إلى ترك الواجب قال تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) *.
سواء أكان الحق في الثالثة يثبت بشاهد ويمين أم لا فلو أدى واحد وامتنع الآخر وقال للمدعي أحلف معه عصى، لان مقاصد الاشهاد التورع عن اليمين، (وإنما يجب) الاداء (إن دعى) المتحمل (من مسافة عدوى) بناء على أنه يلزمه الحضور إلى القاضي للاداء منها، (ولم يجمع على فسقه) بأن أجمع على عدمه أو اختلف فيه كشارب نبيذ فيلزم شاربه الاداء وإن عهد من القاضي رد الشهادة به لانه قد يتغير اجتهاده، أما إذا أجمع على فسقه كشارب الخمر فلا يجب عليه الاداء إذ لا فائدة له سواء أكان فسقا ظاهرا أم خفيا، بل يحرم عليه ذلك (ولا عذر له من نحو مرض) كتخدير
المرأة وغيره مما تسقط به الجمعة، (والمعذور يشهد على شهادته أو يبعث القاضي) إليه (من يسمعها) وإذا احتمعت الشروط وكان في صلاة أو حمام أو على طعام فله التأخير إلى أن يفرغ.
(فصل) في تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها (تقبل شهادة على شهادة مقبول) شهادته (في غير عقوبة لله) تعالى (وإحصان) مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وقود وحد قذف لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
ولدعاء الحاجة إليها لان الاصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم الاداء فيشهد عليها كسائر الحقوق بخلاف عقوبة الله تعالى والاحصان، لان حقه تعالى المشروط فيه الاحصان في الجملة مبني على المسامحة وحق الآدمي على المضايقة وذكر الاحصان من زيادتي.
وخرج بمقبول الشهادة غيره فلا يصح تحمل شهادة مردودها كفاسق ورقيق وعدو، وكذا لا يصح تحمل النساء وإن كانت الشهادة في ولادة أو رضاع كما علم من فصل، وشهادة الاصل مما يطلع عليه الرجال غالبا وما يطلع عليه الرجال غالبا لا يكفي فيه شهادة النساء ولا يكفي لغير هلال رمضان شاهد، لان شهادة الفرع تثبت شهادة الاصل لا ما يشهد به الاصل، (وتحملها بأن

(2/393)


يسترعيه) الاصل أي يلتمس منه رعاية الشهادة وضبطها، لان الشهادة على الشهادة نيابة فاعتبر فيها الاذن أو ما يقوم مقامه كما يأتي (فيقول أنا شاهد بكذا وأشهدك) أو أشهدتك (أو أشهد على شهادتي) به وكل من سمع المسترعى له ذلك كما يؤخذ مما عطفته على يسترعيه.
بقولي (أو) بأن يسمعه يشهد عند حاكم) ولو محكما أن لفلان عند فلان كذا فله أن يشهد على شهادته، وإن لم يسترعه لانه إنما يشهد عند الحاكم بعد تحقق الوجوب (أو) بأن يسمعه (يبين سببها) أي الشهادة، (كأشهد أن لفلان على فلان ألفا قرضا) فلسامعه الشهادة على شهادته وإن لم يسترعه ولم يشهد عند حاكم لانتفاء احتمال الوعد والتساهل مع الاسناد إلى السبب فلا
يكفي ما لو سمعه يقول لفلان على فلان كذا، أو أشهد أن له عليه كذا أو عندي شهادة بكذا أو أعلمك أو أخبرك بكذا أو أنا عالم به لانه مع كونه لم يأت في بعض ذلك بلفظ الشهادة، قد يريد عدة كان قد وعدها أو يشير بكلمة على إلى أن عليه من باب مكارم الاخلاق الوفاء بذلك، وقد يتساهل باطلاقه لغرض صحيح أو فاسد فإذا آل الامر إلى الشهادة أحجم، (وليبين) وجوبا (الفرع عند الاداء جهة التحمل) فإن استرعاه الاصل قال: أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته، وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند حاكم أو أنه أسند المشهود به إلى سببه، (إلا أن يثق الحاكم بعلمه)، فلا يجب البيان كقوله: أشهد على شهادة فلان بكذا لحصول الغرض، (ولو حدث بالاصل عداوة أو فسق) بردة أو غيرها (لم يشهد فرع) لانها لا تهجم غالبا دفعة فتورث ريبة فيما مضى، وليس لمدتها الماضية ضبط فتنعطف إلى حالة التحمل.
فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد (وصح أداء كامل تحمل) حالة كونه (ناقصا)، كفاسق وعبد وصبي تحمل ثم أدى بعد كماله فتقبل شهادته كالاصل.
وتعبيري بذلك أعم مما عبر به (ويكفي فرعان لاصلين) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان كما لو شهدا على مقرين، ولا يكفي واحد لهذا وواحد للآخر (وشرط قبولها) أي شهادة الفرع (موت أصل أو عذره بعذر جمعة) كمرض يشق به حضوره، وعمى وجنون وخوف من غريم.
فتعبيري بعذر الجمعة أعم مما عبر به نعم استثنى الامام الاغماء حضرا، فينتظر لقرب زواله.
وأقره الشيخان بل جزم به في الشرح الصغير (أو غيبة فوق) مسافة (عدوى) بزيادتي، فوق فلا تقبل في غير ذلك لانها إنما قبلت للضرورة ولا ضرورة حينئذ، (وأن يسميه فرع) وإن كان الاصل عدلا لتعرف عدالته، فإن لم

(2/394)


يسمه لم يكف لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه ولانه ينسد باب الجرح على الخصم (وله) أي للفرع (تزكيته) لانه غير متهم فيها وهذا بخلاف ما لو شهد إثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر لان تزكية الفرع للاصل من تتمة شهادته، ولذلك شرطها بعضهم وفي تلك قام
الشاهد المزكي بأحد شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني وبذلك علم أنه لا يشترط في شهادة الفرع تزكية الاصل، كما صرح به الاصل بل له اطلاقها والحاكم يبحث عن عدالته وأنه لا يلزمه أن يتعرض في شهادته لصدق أصله، لانه لا يعرفه بخلاف ما إذا حلف المدعي مع شاهد حيث يتعرض لصدقه لانه يعرفه.
(فصل) في رجوع الشهود عن شهادتهم لو (رجعوا عن الشهادة قبل الحكم امتنع) الحكم بها وإن أعادوها لان لا يدري أصدقوا في الاول، أو في الثاني فلا يبقى ظن الصدق فيها (أو بعده) أي الحكم (لم ينقض و) لكن (لا تستوفي عقوبة) ولو لآدمي كزنا وشرب خمر وقود وحد قذف لانها تسقط بالشبهة، والرجوع شبهة بخلاف المال فيستوفي إن لم يكن استوفى لانه ليس مما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع، (فإن كانت) أي العقوبة قد (استوفيت بقطع) بسرقة أو غيرها (أو قتل) بردة أو غيرها (أو جلد) بزنا أو غيره (أو مات وقالوا تعمدنا) شهادة الزور، أو قال كل منهم: تعمدت ولا أعلم حال أصحابي، (وعلمنا أنه يستوفي منه بقولنا لزمهم قود أن جهل الولي تعمدهم)، وإلا فالقود عليه فقط كما أفاده كلام الاصل في الجنايات.
فإن آل الامر إلى الدية في الحالين، وجبت مغلظة كما هو معلوم مما مر.
ثم وصرح به الاصل هنا بالنسبة للشهود فإن قالوا: أخطأنا لزمهم دية مخففة في مالهم، ولو قال أحد شاهدين تعمدت أنا وصاحبي، وقال الآخر أخطأت أو أخطأنا أو تعمدت وأخطأ صاحبي، فالقود على الاول.
وتعبيري بقطع وتالييه أولى مما عبر به وخرج بزيادتي.
وعلمنا أنه يستوفي منه بقولنا ما لو قالوا لم نعلم ذلك، فإن كانوا ممن لا يخفى عليه ذلك فلا اعتبار بقولهم وإلا بأن قرب عهدهم بالاسلام أو نشؤوا بعيدا عن العلماء فشبه عمد، ولو قال ولي القاتل أنا أعلم كذبهم في رجوعهم وإن مورثي وقع منه ما شهدوا به فلا شئ عليهم (كمزك وقاض) رجعا فإن كلا منهما يلزمه ذلك بالشروط المذكورة وهي في المزكي،

(2/395)


والاخيران منها في القاضي من زيادتي.
(ولو رجع هو) أي القاضي (وهم) أي الشهود (فالقود) عليهم بالشروط المذكورة، (والدية) حال الخطأ والتعمد بأن آل الامر إليها (مناصفة) عليه نصف وعليهم نصف وشمول المناصفة للمتعمد من زيادتي.
(أو) رجع (ولي) للدم (ولو معهم) أي مع الشهود والقاضي (فعليه دونهم) القود أو الدية، لانه المباشر وهم معه كالممسك مع القاتل.
وقولي: ولو معهم أعم مما عبر به (ولو شهدوا ببينونة) كطلاق بائن ورضاع محرم ولعان وفسخ بعيب فهو أعم من قوله، ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع أو لعان (وفرق القاضي) في الجميع بين الزوجين (فرجعوا) عن شهادتهم (لزمهم مهر مثل ولو قبل وطئ) أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر نظر إلى بدل البضع المفوت بالشهادة إذ النظر في الاتلاف إلى المتلف لا إلى ما قام به على المستحق سواء دفع الزوج إليها المهر أم لا، بخلاف نظيره في الدين لا يغرمون قبل دفعه لان الحيلولة هنا قد تحققت، وخرج بالبائن الرجعي فلا غرم فيه عليهم إذا لم يفوتوا شيئا، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة غرموا كما في البائن (إلا إن ثبت) بحجة فيما ذكر، (أن لا نكاح) بينهما كرضاع محرم أو نحوه فلا غرم إذا لم يفوتوا شيئا.
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به (ولو رجع شهود مال) معا أو مرتبا (غرموا) وإن قالوا أخطأنا بدله للمشهود عليه لحصول الحيلولة بشهادتهم (موزعا عليهم) بالسوية بينهم عند اتحاد نوعهم (أو) رجع (بعضهم وبقي) منهم (نصاب فلا) غرم على الراجع لقيام الحجة بمن بقى، (أو) بقى (دونه) أي النصاب (فقسط منه) يغرمه الراجع سواء زاد الشهود عليه كثلاثة رجع منهم إثنان أم لا كإثنين رجع أحدهما فيغرم الراجع فيهما النصف لبقاء نصف الحجة، (وعلى امرأتين) رجعتا (مع رجل نصف) على كل منهما ربع، لانهما نصف الحجة وعلى الرجل النصف الباقي، (وعليه) أي الرجل إذا رجع (مع) نساء (أربع في نحو رضاع) مما يثبت بمحضهن ثلث وعليهن ثلثان إذ كل ثنتين بمنزلة رجل فإن رجع هو أن ثنتان فلا غرم على الراجع لبقاء الحجة ونحو من
زيادتي، (و) عليه إذا رجع مع أربع (في مال نصف) وعليهن نصف (فإن رجع) منهن (ثنتان فلا غرم) عليهما لبقاء الحجة، (كما لو رجع شهود إحصان أو صفة) ولو مع شهود زنا أو شهود تعليق طلاق أو عتق فإنهم لا يغرمون، وإن تأخرت شهادتهم عن شهادة الزنا والتعليق إذ لم يشهدوا في الاحصان بما يوجب عقوبة على الزاني، وإنما وصفوه بصفة كمال وشهادتهم في الصفة شرط لا سبب، والحكم إنما يضاف للسبب لا للشرط قال الاسنوي: والمعروف أنهم يغرمون وعزاه لجمع وقال البلقيني: أنه الارجح كالمزكين.

(2/396)


كتاب الدعوى والبينات الدعوى لغة الطلب وشرعا إخبار عن وجوب حق للمخبر على غيره عند حاكم والبينة الشهود سموا بها لان بهم يتبين الحق والاصل في ذلك أخبار كخبر الصحيحين: لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه.
وروى البيهقي بإسناد حسن ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكره.
(المدعي من خالف قوله الظاهر والمدعى عليه من وافقه فلو قال) الزوج وقد أسلم هو وزوجته (قبل وطئ أسلمنا معا) فالنكاح باق، (وقالت) بل (مرتبا) فلا نكاح (فهو مدع) وهي مدعى عليها.
وتقدم شرط المدعي والمدعى عليه في ضمن شروط الدعوى في باب دعوى الدم والقسامة.
(وشرط في غير عين ودين) كقود وحد قذف ونكاح ورجعة وإيلاء ولعان، (دعوى عند حاكم) ولو محكما فلا يستقل صاحبه باستيفائه نعم لو استقل المستحق لقود باستيفائه وقع الموقع، وإن حرم كما علم ذلك من الجنايات وخرج بذلك العين والدين ففيهما تفصيل يأتي، ومحل سماع الدعوى فيهما وفي غيرهما فيما لا يشهد فيه حسبة، وإلا فلا تسمع فيه الدعوى بل تكفي فيه شهادة الحسبة كما مر ومن ذلك قتل من لا وارث له أو قذفه إذا لحق فيه للمسلمين وقتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه لانه لا يتوقف على طلب.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (وإن استحق) شخص (عينا) عند آخر، (فكذا)
تشترط الدعوى بها عند حاكم (إن خشي بأخذها ضررا) تحرزا عنه وإلا فله أخذها استقلالا للضرورة، (أو) استحق (دينا على غير ممتنع) من أدائه (طالبه) به فلا يأخذ شيئا له بغير مطالبة، ولو أخذه لم يملكه ولزمه رده ويضمنه إن تلف عنده (أو) على (ممتنع) مقرا كان أو منكرا (أخذ) من ماله وإن كان له حجة (جنس حقه فيملكه) إن كان بصفته، وإلا فكغير الجنس وسيأتي وعليه يحمل قول الاصل فيتملكه، وعلى الاول يحمل قول البغوي والماوردي وغيرهما يملكه بالاخذ أي فلا حاجة إلى تملكه (ثم) إن تعذر عليه جنس حقه أخذ (غيره) مقدما النقد على غيره (فيبيعه) مستقلا كما يستقل بالاخذ، ولما في الرفع إلى الحاكم من المؤنة والمشقة وتضييع الزمان هذا (حيث لا

(2/397)


حجة) له وإلا فلا يبيع إلا بإذن الحاكم.
والتقييد بهذا من زيادتي، وإذا باعه فليبعه بنقد البلد وإن كان غير جنس حقه ثم يشتري به الجنس إن خالفه ثم يتملك الجنس وما ذكر محله في دين آدمي.
أما دين الله تعالى كزكاة امتنع المالك من أدائها وظفر المستحق بجنسها من ماله فليس له الاخذ لتوقفه على النية بخلاف دين الآدمي وأما المنفعة فالظاهر كما قيل أنها كالعين إن وردت على عين فله استيفاؤها منها بنفسه، إن لم يخش ضررا وكالدين إن وردت على ذمة فإن قدر على تحصيلها بأخذ شئ من ماله فله ذلك بشرطه، (فله) أي لمن جاز له الاخذ (فعل ما لا يصل للمال إلا به) ككسر باب ونقب جدار وقطع ثوب فلا يضمن ما فوقه.
فتعبيري بذلك أعم مما عبر به وظاهر أن محل ذلك إذا كان ما يفعل به ذلك ملكا للمدين ولم يتعلق به حق لازم كرهن وإجارة (والمأخوذ مضمون) على الآخذ (إن تلف قبل تملكه) ولو بعد البيع، لانه أخذه لغرض نفسه كالمستام ولو أخر بيعه لتقصير فنقصت قيمته ضمن النقص، (ولا يأخذ) المستحق (فوق حقه إن أمكن) الاقتصار عليه فإن لم يمكن بأن لم يظفر إلا بمتاع تزيد قيمته على حقه أخذه، ولا يضمن الزيادة لعذره وباع منه بقدر حقه إن أمكن بتجزئه وإلا باع الكل وأخذ من ثمنه قدر حقه ورد الباقي بهبة ونحوها، (وله أخذ مال غريم غريمه) كأن يكون
لزيد على عمرو دين ولعمر وعل بكر مثله فلزيد أن يأخذ من مال بكر ما له على عمرو إن لم يظفر بمال الغريم وكان غريم الغريم جاحدا أو ممتنعا أيضا، (ومتى ادعى) شخص (نقدا أو دينا) مثليا أو متقوما (وجب) فيه لصحة الدعوى، (ذكر جنس ونوع وقدر وصفة تؤثر) في القيمة كمائة درهم فضة ظاهرية صحاح أو مكسرة نعم ما هو معلوم القدر كالدينار لا يحتاج إلى بيان قدر وزنه كما جزم به في أصل الروضة، وخرج بتأثير الصفة ما إذا لم تؤثر فلا يحتاج إلى ذكرها لكن استثنى منه دين السلم فيعتبر ذكرها فيه وذكر الدين من زيادتي.
وتعبيري بالصفة أعم من تعبيره بالصحة والتكسير (أو) ادعى (عينا) حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم مثلية أو متقومة، (تنضبط) بالصفات كحبوب وحيوان (وصفها) وجوبا (بصفة سلم) ولا يجب ذكر قيمة، فإن لم تنضبط بالصفات كالجواهر واليواقيت وجب ذكر القيمة كما في الكفاية عن القاضي أبي الطيب والبندنيجي وابن الصباغ، (فإن تلفت) أي العين (متقومة ذكر) وجوبا (قيمة) دون الصفات بخلافها مثلية، فيكفي فيها الضبط بالصفات ولا تسمع الدعوى بمجهول إلا في أمور منها الاقرار والوصية وحق إجراء الماء في أرض حددت، (أو) ادعى (عقدا ماليا) كبيع وهبة (وصفه) وجوبا (بصحة)، ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لانه أخف حكما منه ولهذا لا يشترط فيه الاشهاد

(2/398)


(أو) ادعى (نكاحا فكذا) أي وصفه بالصحة، (مع) قوله (نكحتها بولي وشاهدين عدول ورضاها إن شرط) بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي فيه الاطلاق.
وتعبيري في الولي بالعدالة أولى من تعبيره فيه بالرشد لانه لا يستلزمها، (ويزيد) حر وجوبا (في) نكاح (من بها رق عجزا عمن تصلح لتمتع وخوف زنا) وإسلامها إن كان مسلما لانها مشترطان في جواز نكاحها.
ويقول في نكاح الامة زوجنيها مالكها الذي له إنكاحها أو نحوه، وذكر اشتراط الوصف بالصحة في دعوى العقد والنكاح من زيادتي.
وتعبيري بمن بها رق أولى من تعبيره بالامة (ولا يمين على من أقام بينة) بحق لانه كطعن في الشهود (إلا إن ادعى خصمه مسقطا) له
كأداء له أو إبراء منه وشرائه من مدعيه وعلمه بفسق شاهده (فيحلف على نفيه)، وهو أنه ما تأدى منه ألحق ولا أبرأه منه ولا باعه له ولا يعلم فسق شاهده لاحتمال ما يدعيه ومحله في غير الاخيرة، إذا ادعى حدوثه قبل قيام البينة، والحكم وكذا بينهما ومضى زمن إمكانه وإلا فلا يلتفت إلى قوله.
ويستثنى مع ما ذكر ما لو قامت بينة بإعسار المدين، فللدائن تحليفه لجواز أن يكون له مال باطن وما لو قامت بعين وقال الشهود: لا نعلمه باع ولا وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه وخرج بالبينة أي وحدها الشاهد، واليمين والبينة مع يمين الاستظهار، فليس لخصم المدعي تحليفه على نفي ذلك لان الحلف مع من ذكر قد تعرض فيه الحالف لاستحقاقه الحق فلا يحلف بعد ذلك على نفي ما ادعاه الخصم (وإذا استمهل) من قامت عليه البينة، أي طلب الامهال (ليأتي بدافع) من نحو أداء أو إبراء (أمهل ثلاثة) من الايام، لانها مدة قريبة لا يعظم فيها الضرر ومقيم البينة قد يحتاج إلى مثلها للفحص عن الشهود، (أو ادعى رق غير صبي ومجنون) مجهول نسب ولو سكران، (فقال: أنا حر أصالة حلف) فيصدق، لان الاصل الحرية وعلى المدعي البينة وإن استخدمه قبل إنكاره، وجرى عليه البيع مرارا، وتداولته الايدي وخرج بزيادتي أصالة ما لو قال: أعتقتني أو أعتقني من باعني منك فلا يصدق بغير بينة، (أو) ادعى (رقهما) أي رق صبي ومجنون (وليسا بيده لم يصدق إلا بحجة)، لان الاصل عدم الملك نعم لو كانا بيد غيره وصدقه الغير كفى تصديقه أي مع تحليف المدعى (أو بيده وجهل لقطعهما حلف) فيحكم له برقهما، لانه الظاهر من حالهما وإنما حلف لخطر شأن الحرية، فإن علم لقطعهما لم يصدق إلا بحجة على ما مر في كتاب اللقيط.
والفرق أن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا بخلاف غيره.
وقولي: حلف أولى من قوله حكم له به، (وإنكارهما) أي الصبي والمجنون ولو بعد كمالهما (لغو) لانه قد حكم برقهما فلا يرفع ذلك الحكم إلا بحجة.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به (ولا تسمع دعوى ب) - دين (مؤجل) وإن

(2/399)


كان به بينة إذ لا يتعلق بها إلزام في الحال، فلو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا صحت الدعوى
به لاستحقاق المطالبة ببعضه.
قاله الماوردي قال: وكذا لو كان المؤجل في عقد وقصد بدعواه له تصحيح العقد، لان المقصود منها مستحق في الحال.
(فصل) فيما يتعلق بجواب المدعى عليه لو (أصر على سكوته عن جواب الدعوى فكنا كل) إن حكم القاضي بنكوله أو قال للمدعي احلف بعد عرض اليمين عليه، كما سيأتي في فصل النكول فيحلف المدعي فإن كان سكوته لنحو دهش أو غباوة، شرح له القاضي الحال ثم حكم عليه أو قال للمدعي احلف وإن لم يصر (فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (لم يكف) في الجواب (لا تلزمني) العشرة (حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف)، إن حلف لان مدعيها مدع لكل جزء منها فاشترط مطابقة الانكار، والحلف دعواه (فإن حلف على نفيها)، أي العشرة (فقط فنا كل عما دونها فيحلف المدعي على استحقاقه) ويأخذه نعم لو كان المدعي به مستند إلى عقد، كأن ادعت نكاحه بخمسين كفاه نفي العقد بها، والحلف عليه فإن نكل لم تحلف هي على البعض، لانه يناقض ما ادعته (أو) ادعى (شفعة أو مالا مضافا لسبب كأقرضتك كفى) في الجواب، (لا تستحق علي شيئا أو لا يلزمني تسليم شئ) إليك لان المدعي قد يكون صادقا ويعرض ما يسقط المدعى به ولو اعترف به وادعى مسقطا طولب بالبينة وقد يعجز عنها فدعت الحاجة، إلى قبول الجواب المطلق نعم لو ادعى عليه وديعة لم يكفه في الجواب لا يلزمني تسليم، وإنما يلزمه التخلية.
فالجواب الصحيح لا تستحق علي شيئا أو أن ينكر الايداع أو يقول هلكت الوديعة أو رددتها، (وحلف كما أجاب) ليطابق الحلف الجواب فإن أجاب بنفي السبب حلف عليه أو بالاطلاق فكذلك، ولا يحلف التعرض لنفي السبب فإن تعرض لنفيه جاز (أو) ادعى المالك (مرهونا أو مؤجرا بيد خصمه كفاه) أي خصمه أن يقول (لا يلزمني تسليمه) فلا يجب التعرض للملك، (أو) يقول (إن ادعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني تسليم أو) ادعيت (مرهونا أو مؤجرا فاذكره لاجيب فإن أقر بالملك وادعى رهنا أو إجارة كلف بينة)، لان

(2/400)


الاصل عدم ما ادعاه (أو) ادعى (عينا فقال ليست لي أو أضافها لمن تتعذر مخاصمته) كهي لمن لا أعرفه أو لمحجوري أو هي وقف على مسجد كذا أو على الفقراء، وهو ناظر عليه (لم تنزع) أي العين منه (ولا تتصرف الخصومة) عنه، لان ظاهر اليد الملك وما صدر عنه ليس بمؤثر (بل يحلف أنه لا يلزمه تسليم) للعين رجاء أن يقر أو ينكل، فيحلف المدعى وتثبت له العين في الاولى وفيما لو أضافها لغير معين والبدل للحيلولة في غير ذلك، (أو يقيم المدعي بينة) أنها لها وهذا ما في المحرر وغيره فهو أولى من تقييده التحليف بعدم البينة، (وإن أقر بها لحاضر) بالبلد (وصدقه صارت الخصومة معه) وإن كذبه تركت العين بيده كما مر في كتاب الاقرار (أو) أقر بها (لغائب انصرفت) أي الخصومة عند نظرا لظاهر الاقرار، (فإن أقام المدعي بينة فقضاء على غائب) فيحلف معها (وإلا وقف الامر إلى قدومه) أي الغائب.
اعلم أن انصراف الخصومة فيما إذا أقر لحاضر أو غائب هو بالنسبة للعين المدعاة لا بالنسبة لتحليفه إذ للمدعى تحليفه لتغريم البدل للحيلولة، كمن قال هذا لزيد بل لعمرو (وما قبل إقرار رقيق به كعقوبة) لآدمي من قود وحد وتعزير وكدين متعلق بمال تجارة أذن له فيها سيده، (فالدعوى والجواب عليه) لان أثر ذلك يعود عليه.
أما عقوبة الله تعالى فلا تسمع فيها الدعوى عليه كما مر (وما لا) يقبل إقراره به، (كأرش) لعيب وضمان متلف (فعلى السيد) الدعوى به.
والجواب لان الرقبة التي هي متعلقة حق للسيد فيقول ما جنى رقيقي نعم يكونان على الرقيق في دعوى القتل خطأ أو شبه عمد بمحل اللوث، مع أنه لا يقبل إقراره به لان الولي يقسم وتتعلق الدية برقبة الرقيق وصرح به الرافعي في كتاب القسامة، وقد يكونان عليهما معا كما في إنكاح العبد والمكاتبة فإنه يثبت بإقرارهما.
(فصل) في كيفية الحلف وضابط الحالف (سن تغليظ يمين) من مدع ومدعي عليه في غير نجس ومال كدم ونكاح وطلاق ورجعة
وإيلاء وعتق وولاء ووصاية ووكالة، وفي مال ادعى به أو بحقه، وبلغ نصاب زكاة نقدا ولم

(2/401)


يبلغه ورأى الحاكم التغليظ فيه لجراءة في الحالف بناء على أنه لا يتوقف على طلب الخصم وهو الاصح، (لا في) نحو (جنس أو مال) ادعى به أو بحقه كخيار وأجل (لم يبلغ) أي المال (نصاب زكاة نقد ولم يره) أي التغليظ فيه (قاض) والتغليظ يكون (بما) مر (في اللعان من زمان ومكان) لا جمع وتكرير ألفاظ (وبزيادة أسماء وصفات) كأن يقول والله العظيم الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، وإن كان الحالف يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوارة على موسى ونجاه من الغرق أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى أو مجوسيا، أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره فلو اقتصر على قوله والله كفى ولا يجوز لقاض أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر، كما قاله الماوردي وغيره.
قال الشافعي: ومتى بلغ الامام أن قاضيا يحلف الناس بطلاق أو عتق عزله وجوبا، وذكر سن التغليظ مع عدمه في النجس ومع قولي نقد، ولم يره قاض ومع قولي وبزيادة أسماء وصفات من زيادتي، وتقييدي بما مر في اللعان بالزمان والمكان أولى من إطلاقه له (ويحلف) الشخص (على البت) أي القطع في فعله وفعل مملوكه إثباتا أو نفيا لانه يعلم حال نفسه وحال مملوكه منسوب إليه فهو كحاله، بل ضمان جناية بهيمته بتقصيره في حفظها لا بفعلها وفي فعل غيرهما إثباتا أو نفيا محصورا لتيسر الوقوف عليه، (لا في نفي مطلق لفعل لا ينسب له) كقول غيره له في جواب دعواه دينا لمورثه أبراني مورثك، (ف) - حلف (عليه) أي على البت (أو على نفي العلم) لتعسر الوقوف عليه.
والتقييد بمطلق مع قولي عليه من زيادتي.
ويجوز البت في الحلف بظن مؤكد كأن يعتمد فيه الحالف خطه أو خط مورثه كما علم من كتاب القضاء، (ويعتبر) في الحلف (نية الحاكم) المستحلف للخصم بعد الطلب له (فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة نحو تورية)، كاستثناء لا يسمعه الحاكم وذلك لخبر مسلم اليمين على نية المستحلف، وهو محمول على الحاكم لانه الذي له ولاية التحليف، فلو حلف إنسان ابتداء أو
حلفه غير الحاكم أو حلفه الحاكم بغير طلب أو بطلاق أو نحوه اعتبر نية الحالف ونفعته التورية، وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق، (ومن طلب منه يمين على ما لو أقر به لزمه) ولو بلا دعوى كطلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه على أنه ما زنى (حلف) لخبر البينة على المدعي، واليمين على من أنكر رواه البيهقي، وفي الصحيحين خبر اليمين على المدعى عليه، وهذا مراد الاصل بما عبر به وخرج بما لو أقربه لزمه نائب المالك كالوصي والوكيل فلا يحلف لانه لا يصح أقراره، (ولا يحلف قاض على تركه ظلما في حكمه ولا شاهد أنه لم يكذب) في شهادته لارتفاع

(2/402)


منصبهما عن ذلك، (ولا مدع صبا) ولو محتملا (بل يمهل حتى يبلغ) فيدعي عليه، وإن كان لو أقر بالبلوغ في وقت احتماله قبل لان حلفه يثبت صباه وصباه يبطل حلفه ففي تحليفه إبطال تحليفه (إلا كافرا) مسببا (أنبت وقال تعجلته) أي إنبات العانة فيحلف لسقوط القتل بناء على أن الانبات علامة للبلوغ، وهذا الاستثناء من زيادتي (واليمين) من الخصم (تقطع الخصومة حالا لا الحق) فلا تبرأ ذمته لانه (صلى الله عليه وسلم) أمر رجلا بعد ما حلف بالخروج من حق صاحبه، كأنه عرف كذبه رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده (فتسمع بينة المدعي بعد) أي بعد حلف الخصم كما لو أقر الخصم بعد حلفه، وكذا لوردت اليمين على المدعي فنكل، ثم أقام بينة ولو قال بعد إقامة بينة بدعواه بينتي كاذبة أو مبطلة سقطت ولم تبطل دعواه واستثنى البلقيني ما إذا أجاب المدعى عليه وديعة بنفي الاستحقاق، وحلف عليه، فإن حلفه يفيد البراءة حتى لو أقام، المدعي بينة بأنه أودعه إياها لم تؤثر فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق، (ولو قال الخصم) قد (حلفني) على ما ادعاه عند قاض (فليحلف أنه لم يحلفني) عليه (مكن) من ذلك، لان ما قاله محتمل غير مستبعد ولا يرد أنه لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلفه على أنه ما حلفه، وهكذا لان ذلك لا يسمع منه لئلا يتسلسل.
(فصل) في النكول والترجمة به من زيادتي لو (نكل) الخصم على اليمين المطلوبة منه (كأن قال) هو أولى من قوله والنكول أن يقول (بعد قول القاضي) له (احلف لا أو أنا ناكل) أو قال بعد قوله: قل والله والرحمن، (أو) كان (سكت) لا لدهشة أو غباوة أو نحوها (بعد ذلك) أي بعد قوله له ما ذكر (فحكم) القاضي (بنكوله أو قال للمدعي احلف حلف المدعي) لتحول الحلف إليه (وقضى له) بذلك (لا بنكوله) أي الخصم لانه (صلى الله عليه وسلم) رد اليمين على طالب الحق رواه الحاكم وصحح إسناده، وقول القاضي للمدعي احلف وإن يكن حكما بنكوله حقيقة لكنه نازل منزلة الحكم به كما في الروضة كأصلها، وبالجملة للخصم بعد نكوله العود إلى الحلف ما لم يحلف بنكوله حقيقة أو تنزيلا، وإلا فليس له العود إليه برضا المدعي ويبين القاضي حكم النكول للجاهل به بأن يقول

(2/403)


له إن نكلت عن اليمين حلف المدعي، وأخذ منك الحق فإن لم يفعل وحكم بنكوله نفذ حكمه لتقصيره بترك البحث عن حكم النكول، (ويمين الرد) وهي يمين المدعي بعد نكول خصمه (كإقرار الخصم) لا كالبينة، لانه يتوصل باليمين بعد نكوله إلى الحق فأشبه إقراره به فيجب الحق بفراغ المدعي من يمين الرد من غير افتقار إلى حكم الاقرار، (فلا تسمع بعدها حجته بمسقط) كأداء وإبراء واعتياض لتكذيبه لها بإقراره.
وتعبيري بمسقط أولى من قوله بأداء أو إبراء، (فإن لم يحلف المدعي) يمين الرد ولا عذر (سقط حقه) من اليمين والمطالبة لاعراضه عن اليمين، (و) لكن (تسمع حجته) كما مر (فإن أبدى عذرا كإقامة حجة) وسؤال فقيه ومراجعة حساب وهذا أولى من قوله وإن تعلل بإقامة بينة أو مراجعة حساب، (أمهل ثلاثة) من الايام فقط لئلا تطول مدافعته، والثلاثة مدة مغتفرة شرعا، ويفارق جواز تأخير الحجة أبدا بأنها قولا تساعده ولا تحضر واليمين إليه وهل هذا الامهال
واجب أو مستحب وجهان (ولا يمهل خصمه لذلك) أي لعذر، (حين يستحلف إلا برضا المدعي) لانه مقهور بطلب الاقرار أو اليمين بخلاف المدعي وهذا الاستثناء من زيادتي (وإن استمهل) الخصم أي طلب الامهال (في ابتداء الجواب لذلك) أي لعذر (أمهل إلى آخر المجلس) بقيد زدته بقولي (إن شاء) أي المدعي أو القاضي، وعلى الثاني جرى جماعة وتبعتهم في شرح البهجة (ومن طولب بجزية فادعى مسقطا) كإسلامه قبل تمام الحول، (فإن وافقت) دعواه (الظاهر) كأن كان غائبا فحضر وادعى ذلك (وحلف) فذاك (وإلا) بأن لم توافق الظاهر بأن كان عندنا ظاهرا ثم ادعى ذلك أو وافقته ونكل (طولب بها)، وليس ذلك قضاء بالنكول بل لانها وجبت ولم يأت بدافع وهذه المسألة من زيادتي.
(أو بزكاة فادعاه) أي المسقط كدفعها لساع آخر أو غلط خارص (لم يطالب بها)، وإن نكل عن اليمين لانها مستحبة كما مر، (ولو ادعى ولي صبي أو مجنون حقا له) على شخص (فإنكر ونكل ولم يحلف الولي)، وإادعى ثبوته بمباشرة سببه بل ينتظر كماله، لان إثبات الحق لغير الحالف بعيد وذكر المجنون من زيادتي.

(2/404)


(فصل) في تعارض البينتين لو (ادعى كل منهما) أي من الاثنين (شيئا وأقام بينة به وهو بيد ثالث سقطتا) لتناقض موجبهما، فيحلف لكل منهما يمينا وإن أقربه لاحدهما عمل بمقتضى إقراره، (أو بيدهما أو لا بيد أحد فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر، والثانية من زيادتي.
وظاهر مما يأتي أن مقيم البينة أولا في الاولى، محتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده لتقع بعد بينة الخارج، (أو بيد أحدهما) ويسمى الداخل (رجحت بينته) وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة الخارج شاهدين، أو لم تبين سبب الملك من شراء أو غيره ترجيحا لبينته بيده.
هذا (وإن أقامها بعد بينة الخارج) ولو قبل تعديلها بخلاف ما لو أقامها قبلها لانها إنما تسمع بعدها، لان الاصل في جانبه
اليمين فلا تعدل عنها ما دامت كافية، (ولو أزيلت يده ببينة وأسندت بينته) الملك (إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبتها) مثلا فإنها ترجح، لان يده إنما أزيلت لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء بخلاف ما إذا لم تسند بينته إلى ذلك، أو لم يعتذر بما ذكر فلا ترجح، لانه الآن مدع خارج، واشتراط الاعتذار ذكره الاصل كالروضة وأصلها قال البلقيني، وعندي أنه ليس بشرط والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه كمسألة المرابحة قال الولي العراقي بعد نقله ذلك، ولهذا لم يتعرض له الحاوي انتهى ويجاب بأنه إنما شرط هنا، وإن لم يظهر من صاحبه ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره فاحتيط بذلك ليسهل نقض الحكم بخلاف ما مر ثم (لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك) أو غصبته أو استعرته أو اكتريته مني (فقال) الداخل، (بل) هو (ملكي) وأقاما بينتين بما قالاه كما علم (رجح الخارج) لزيادة علم بينته بما ذكر وعلم مما تقرر من أن بينة الداخل ترجح إذا أزيلت يده ببينة، أن دعواه تسمع ولو بغير ذكر انتقال بخلاف ما لو أزيلت بإقرار ففيه تفصيل ذكرته كالاصل بقولي: (فلو أزيلت يده بإقرار) حقيقة أو حكما (لم تسمع دعواه) به (بغير ذكر انتقال)، لانه مؤاخذ بإقراره فيستصحب إلى الانتقال فإذا ذكر سمعت نعم لو قال وهبته له وملكه لم يكن إقرار بلزوم الهبة، الجواز اعتقاده لزومها بالعقد ذكره في الروضة كأصلها (ويرجح بشاهدين) وبشاهد وامرأتين لاحدهما (على شاهد مع يمين) للآخر، لان ذلك

(2/405)


حجة بالاجماع وأبعد عتهمة الحالف بالكذب في يمينه، إلا إن كان مع الشاهد يد فيرجح بها على من ذكر كما علم مما مر، (لا بزيادة شهود) عددا أو صفة لاحدهما، وهذا أولى من اقتصاره على العدد (ولا برجلين على رجل وامرأتين)، ولا على أربع نسوة لكمال الحجة في الطرفين (ولا ب) - بينة (مؤرخة على) بينة (مطلقه)، لان المؤرخة وإن اقتضت الملك قبل الحال فالمطلقة لا تنفيه نعم لو شهدت إحداهما بالحق والاخرى بالابراء، رجحت بينة الابراء، لانها إنما تكون بعد الوجوب (ويرجح بتاريخ سابق)، فلو شهدت بينة لواحد بملك من سنة إلى
الآن وبينة أخرى بملك من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين والعين بيدهما أو بيد غيرهما، أو لا بيد أحد كما علم مما مر.
رجحت بينة ذي الاكثر لان الاخرى لا تعارضها فيه.
(ولصاحبه) أي التاريخ السابق (أجرة وزيادة حادثة من يومئذ) أي يوم الملك بالشهادة، لانهما نماء ملكه ويستثنى من الاجرة مالو كانت العين بيد البائع قبل القبض فلا أجرة عليه للمشتري على الاصح عند النووي في البيع والصداق.
لكن صحح البلقيني خلافه (ولو شهدت) بينة (بملكه أمس ولم تتعرض للحال، (لم تسمع) كما لا تسمع دعواه بذلك ولانها شهدت له بما لم يدعه، نعم لو ادعى رق شخص بيده فادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه، وأقام بذلك بينة قبلت لان المقصود منها إثبات العتق.
وذكر الملك السابق، وقع تبعا بخلافه فيما ذكر لا تسمع البينة فيه، (حق تقول ولم يزل ملكه أو لا نعلم مزيلاله أو تبين سببه) كأن تقول اشتراه من خصمه أو أقر له به أمس.
فتعبيري ببيان السبب أولى من اقتصاره على الاقرار.
(ولو أقام حجة مطلقة بملك دابة أو شجرة لم يستحق ولدا أو ثمرة ظاهرة) عند إقامتها المسبوقة بالملك، وإذ يكفي لصدق الحجة سبقه بلحظة لطيفة، وخرج بزيادتي مطلقة المؤرخة للملك، بما قبل حدوث ذلك فإنه يستحقه، وبالولد الحمل وبالظاهرة غيرها، فيستحقهما تبعا لاصلهما كما في البيع ونحوه، وإن احتمل انفصالهما عنه بوصية وقولي: ظاهرة أولى من قوله موجودة، (ولو اشترى) شخص (شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار ولو مطلقة) عن تقييد الاستحقاق بوقت الشراء أو غيره، (رجح على بائعه بالثمن) وإن احتمل انتقاله منه إلى المدعي، أو لم يدع ملكا سابقا على الشراء لمسيس الحاجة إلى ذلك في عهدة العقود، ولان الاصل عدم انتقاله منه إليه فليستند الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء، وخرج بتصريحي بغير إقرار أي من المشتري الاقرار منه حقيقة أو حكما.
فلا يرجع المشتري فيه بشئ، (ولو ادعى) شخص (ملكا مطلقا فشهدت له) به (مع سببه لم يضر) ما زادته (وإن ذكر سببا وهي) سببا (آخر ضر) ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة، وإن لم تذكر السبب قبلت شهادتها لانها شهدت بالمقصود ولا تناقض.

(2/406)


(فصل) في اختلاف المتداعيين لو (اختلفا) أي اثنان (في قد مكتري) كأن قال أجرتك هذا البيت من هذا الدار شهر كذا بعشرة، فقال بل أجرتني جميع الدار بالعشرة، (أو ادعى كل) منهما (على ثالث بيده شئ أنه اشتراه منه وسلمه ثمنه وأقام) كل منهما في الصورتين (بينة)، بما ادعاه (فإن اختلف تاريخهما حكم للاسبق) تاريخا لعدم المعارض حال السبق، وهذا من زيادتي في الاولى ومحله فيها إذا لم يتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد، فإن اتفقا على ذلك سقطت البينتان، (وإلا) بأن اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما (سقطتا) لاستحالة أعمالهما، وصار كأن لا بينة فيفسخ العقد بعد تحالفهما في الاولى كما مر في البيع ويحلف الثالث الثانية لكل منهما يمينا أنه ما باعه ولا تعارض الثمنين، فليزمانه قال الرافعي في الاولى ولك أن تقول إن محل التساقط في المطلقتين وفي المطلقة والمؤرخة إذا اتفقتا على ما ذكر فيها، وإلا فلا تساقط لجواز أن يكون التاريخ فيهما مختلفا، فيثبت الزائد بالبينة الزائدة (أو) ادعى كل منهما على ثالث بيده شئ (أنه باعه له) أي للثالث بكذا فأنكر (وأقامها) أي البينة وطالب بالثمن (سقطتا إن لم يمكن جمع) بأن اتحد تاريخهما أو اختلف وضاق الوقت عن العقدين، والانتقال بينهما من المشتري إلى البائع الثاني فيحلف الثالث يمينين (وإلا) أي وإن أمكن الجمع بأن اختلف تاريخهما، واتسع الوقت لذلك أو أطلقتا أو إحداهما، (لزمه الثمنان) وقولي: إن لم يمكن جمع أعم من قوله إن اتحد تاريخهما، (ولو مات) شخص (عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل) منهما (مات على ديني) فأرثه (فإن عرفت نصرانيته حلف النصراني) فيصدق، لان الاصل بقاء كفره وذكر التحليف من زيادتي.
(فإن أقام كل بينة مطلقة) بما قاله (قدم المسلم) لان مع بينته زيادة علم بانتقاله من النصرانية إلى الاسلام، (وإن قيدت) بينة النصراني (بأن آخر كلامه نصرانية) كقولهم ثالث ثلاثة (حلف النصراني) فيصدق، لان الظاهر معه سواء أعكست بينة المسلم بأن قيدت بأن آخر
كلامه الاسلام، أم أطلقت.
ومسألة إطلاق بينته من زيادتي.
(أو جهل دينه ولكل) منهما (بينة أو لا بينة حلفا) أي حلف كل منهما للآخر وقسم المتروك بحكم اليد نصفين بينهما.
فقول الاصل،

(2/407)


وأقام كل بينة ليس بقيد.
(ولو مات نصراني عنهما) أي عن ابنين مسلم ونصراني (فقال المسلم أسلمت بعد موته) فالميراث بيننا، (و) قال (النصراني) بل (قبله) فلا ميراث لك (حلف المسلم) فيصدق لان الاصل بقاؤه على دينه سواء اتفق على وقت موت الاب أم لا.
(وتقدم بينة النصراني) على بينته إذا أقاماهما بما قالاه لان مع بينته زيادة علم بالانتقال إلى الاسلام قبل موت الاب، فهي ناقلة.
والاخرى مستصحبة لدينه.
نعم إن شهدت بينة المسلم بأنها كانت تسمع تنصره إلى ما بعد الموت تعارضتا فيحلف المسلم (أو قال المسلم مات) الاب (قبل إسلامي و) قال (النصراني) مات (بعده و) قد (اتفقا على وقت الاسلام فعكسه)، فيصدق النصراني بيمينه لان الاصل بقاء الحياة، وتقدم بينة المسلم على بينته إذا أقامهما بما قالاه، لانهما ناقلة من الحياة إلى الموت، والاخر مستصحبة للحياة.
نعم إن شهدت بينة النصراني بأنها عاينته حيا بعد الاسلام تعارضتا، قاله الشيخان إي فيحلف النصراني، وذكر التحليف هنا من زيادتي أيضا، فإن لم يتفقا على وقت الاسلام فالمصدق المسلم لان الاصل بقاؤه على دينه.
وتقدم بينة النصراني على بينته، نعم إن شهدت بينته أنها عاينته ميتا قبل الاسلام تعارضتا فيحلف المسلم، (ولو مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال لك) من الفريقين (مات على ديننا، حلف الابوان) فهما المصدقان، لان الولد محكوم بكفره في الابتداء تبعا لهما، فيستصحب حتى يعلم خلافه.
ولن انعكس الحال فكان الابوان مسلمين والابنان كافرين.
وقال كل ما ذكر فإن عرف للابوين كفر سابق، وقالا أسلمنا قبل بلوغه أو أسلم هو أو بلغ بعد إسلامنا، وقال الابنان لا، ولم يتفقوا على وقت الاسلام في الثالثة، فالمصدق الابنان لان الاصل البقاء على الكفر، وإن لم يعرف لهما كفر سابق أو اتفقوا على وقت الاسلام في الثالثة، فالمصدق الابوان عملا بالظاهر في الاولى، ولان الاصل بقاء الصبا في
الثانية (ولو شهدت) بينة (أنه أعتق في مرض موته سالما و) شهدت (أخرى) أنه أعتق فيه (غانما وكل) منهما (ثلث ماله) ولم تجز الورثة ما زاد عليه (فإن اختلف تاريخ) للبينتين (قدم الاسبق) تاريخا كما في سائر التصرفات المنجزة في مرض الموت، ولان مع بينته زيادة علم (أو اتحد) التاريخ (أقرع) بينهما لعدم المرجح (وإلا) أي وإن لم يذكرا تاريخا بأن أطلقتا أو إحداهما (عتق من كل) من سالم وغانم (نصفه) جمعا بين البينتين، وإنما لم يقرع بينهما لانا لو أقر عنا لم نأمن أن يخرج سهم الرق على الاسبق، فليزم إرقاق حر وتحرير رقيق.
وقولي: وإلا أعم من

(2/408)


قوله وإن أطلقتا (أو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم و) شهد (وارثان) عدلان (أنه رجح) عن ذلك، (ووصى بعتق غانم وكل) منهما (ثلثه) أي ثلث ماله (تعين) للاعتاق (غانم) دون سالم وارتفعت التهمة في الشهادة بالرجوع عنه بذكر بدل يساويه، وخرج بثلثه ما لو كان غانم دونه فلا تقبل شهادة الوارثين في القدر الذي لم يثبتا له بدلا، وفي الباقي خلاف تبعيض الشهادة.
(فإن كانا) أي الوارثان، (حائزين فاسقين ف) - يتعين للاعتاق (سالم) بشهادة الاجنبيين لاحتمال الثلث له، (وثلثا غانم) بإقرار الوارثين الذي تضمنته شهادتهما له وكأن سالما هلك أو غصب من التركة، ولا يثبت الرجوع بشهادتهما لفسقهما ولو كانا غير حائزين عتق من غانم قدر ثلث حصتهما.
(فصل) في القائف وهو الملحق للنسب عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به من علم ذلك، (شرط القائف أهلية الشهادات) هذا أولى من اقتصاره على الاسلام والعدالة والحرية والذكورة.
(وتجربة) في معرفة النسب، بأن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمة ثلاث مرات ثم في نسوة فيهم أمه، فإن أصاب في المرات جميعا اعتمد قوله، وذكر الام مع النسوة ليس
للتقييد بل للاولوية إذ الاب مع الرجال، كذلك على الاصح فيعرض عليه الولد في رجال كذلك بل سائر العصبة، والاقارب كذلك وبما ذكر علم ما صرح به الاصل، أنه لا يشترط فيه عدد كالقاضي ولا كونه من بني مدلج نظرا للمعنى، خلافا لمن شرطه وقوفا مع ما ورد في الخبر وهو ما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي (صلى الله عليه وسلم) مسرورا فقال: ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وقد بدت أقدامهما فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض، (فإذا تداعيا) أي اثنان (وإن لم يتفقا إسلاما وحرية مجهولا) لقيطا أو غيره (أو ولد موطوءتهما وأمكن كونه من كل) منهما (كأن وطئا امرأة بشبهة) كأمة لهما (أو) وطئ (أحدهما زوجة الآخر بشبهة وولدته لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئهما عرض عليه) أي على القائف فيلحق من ألحقه به منهما

(2/409)


(فإن تخلل) وطأهما (حيضة فللثاني) الولد، لان فراشه باق وفراش الاول قد انقطع بالحيضة (إلا أن يكون الاول زوجا في نكاح صحيح) والثاني واطئا بشبهة فلا ينقطع تعلق الاول لان إمكان الوطئ مع فراش النكاح الصحيح قائم مقام نفس الوطئ والامكان حاصل بعد الحيضة فإن كان الاول زوجا في نكاح فاسد انقطع تعلقه لان المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بالوطئ.

(2/410)


كتاب الاعتاق هو إزالة الرق عن الآدمي والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (فك رقبة) *.
وخبر الصحيحين أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: أيما رجل أعتق أمرا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج.
(أركانه) ثلاثة (عتيق وصيغة ومعتق وشرط فيه ما) مر (في واقف) من كونه مختارا أهل تبرع (وأهلية ولاء) فيصح من مسلم وكافر ولو حربيا لامن مكره، ولا من غير مالك بغير
نيابة ولا من صبي ومجنون ومحجور سفه أو فلس ولا من مبعض ومكاتب.
وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به.
(و) شرط (في العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه) كمستولدة ومؤجر بخلاف ما تعلق به ذلك كرهن على تفصيل مر بيانه، والتصريح بهذا من زيادتي.
(و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر به) وفي معناه ما مر في الضمان إما (صريح وهو مشتق تحرير وإعتاق وفك رقبة) لورودها في القرآن والسنة، كقوله أنت حر أو محررا أو حررتك أو عتيق أو معتق أو أعتقتك أو أنت فكيك الرقبة إلى آخره، نعم لو قال لمن اسمها حرة يا حرة ولم يقصد العتق لم تعتق وقولي مشتق من زيادتي.
(أو كناية كلا) هو أولى من قوله وهي لا (ملك لي عليك) لا يد لي عليك (لا سلطان)، أي لي عليك (لا سبيل) أي لي عليك (لا خدمة) أي لي عليك، (أنت سائبة أنت مولاي) لاشتراكه بين العتيق والمعتق، (وصيغة طلاق أو ظهار) صريحة كانت أو كناية فكل منهما كناية هنا أي فيما هو صالح فيه بخلاف قوله للعبد اعتد أو استبرئ رحمك، أو لرقيقه أنا منك حر فلا ينفذ به العتق وإن نواه وقولي أو ظهار من زيادتي، وتقدم أن الكناية تحتاج إلى نية بخلاف الصريح (ولا يضر خطأ بتذكير أو تأنيث) فقوله لعبده أنت حرة ولامته أنت حر صريح (وصح معلقا) بصفة كالتدبير ومؤقتا ولغا التوقيت، (ومضافا لجزئه) أي الرقيق شائعا، كان كالربع أو معينا كاليد (فيعتق كله) سراية كنظيره في الطلاق.
نعم لو وكل في إعتاقه فأعتق الوكيل جزءه

(2/411)


أي الشائع عتق ذلك الجزء فقط كما صححه في أصل الروضة.
(و) صح (مفوضا إليه) ولو بكتابة (فلو قال) له (خيرتك) في إعتاقك (ونوى تفويضا) أي تفويض الاعتاق إليه، (أو) قال له (إعتاقك إليه فأعتق نفسه) حالا كما أفادته الفاء (عتق) كما في الطلاق، فقول الاصل فأعتق نفسه في المجلس أراد به مجلس التخاطب لا الحضور، ليوافق ما في الروضة كأصلها (و) صح (بعوض) كما في الطلاق (ولو في بيع).
فلو قال: أعتقتك أو بعتك نفسك بألف فقبل حالا عتق ولزمه الالف وكأنه في الثانية أعتقه بألف (والولاء لسيده) لعموم خبر الصحيحين:
إنما الولاء لمن أعتق (ولو أعتق حاملا بمملوك له تبعها) في العتق، وإن استثناه لان كالجزء منه فعتقه بالتبعية لا بالسراية لان السراية في الاشقاص لا في الاشخاص فقولي: تبعها أولى من قوله عتقا، ولقوة العتق لم يبطل بالاستثناء بخلافه بالبيع كما مر (لا عكسه) أي لا إن أعتق حملا مملوكا له فلا تتبعه أمه، لان الاصل لا يتبع الفرع وإن أعتقهما عتقا بخلاف البيع في المسألتين فيبطل كما مر.
ومحل صحة أعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح فإن لم ينفخ فيه الروح كمضغة فقال: أعتقت مضغتك فهو لغو كما في الروضة، كأصلها عن فتاوي القاضي.
وقال أيضا لو قال مضغة هذه الامة حرة، فإقرار بانعقاد الولد حرا، وتصير الام به أم ولد وقال النووي ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها لاحتمال أنه حر من وطئ أجنبي بشبهة، وفيه كلام ذكرته في شرح الروض أما لو كان لا يملك حملها بأن كان لغيره بوصية أو غيرها، فلا يعتق أحدهما بعتق الاخر (أو) أعتق (مشتركا) بينه وبين غيره (أو) أعتق (نصيبه) منه (عتق نصيبه) لانه مالك التصرف فيه، (وسرى بالاعتاق) من موسر لا معسر (لما أيسر به) من نصيب الشريك أو بعضه، (ولو) كان (مدينا) فلا يمنع الدين ولو مستغرقا السراية كما لا يمنع تعلق الزكاة (كإيلاده)، فإنه يثبت في نصيبه، ويسري بالعلوق من الموسر إلى ما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولو مدينا، (وعليه لشريكه قيمة ما أيسر به) هو أعم من قوله في الثانية قيمة نصيب شريكه، (وقت الاعتاق أو العلوق) لانه وقت الاتلاف.
والاصل في ذلك خبر الصحيحين من أعتق شركاله في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق ويقاس بما فيه غيره مما ذكر.
(و) عليه لشريكه في المستولدة (حصة من مهر) مع أرش بكارة، إن كانت بكرا هذا إن تأخر الانزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب وإلا فلا يلزمه حصة مهر، لان الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف (لا قيمتها) أي حصته (من الولد) لان أمه صارت أم ولد حالا فيكون العلوق في ملك الوالد فلا تجب القيمة.
وتعبيري بالوقت أولى من تعبيره باليوم

(2/412)


(ولا يسري تدبير) لان كتعليق عتق بصفة، (ولو قال ل) - شريك له (موسر أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي فأنكر) الشريك (حلف ويعتق نصيب المدعي فقط بإقراره) مؤاخذة له به.
أما نصيب المنكر فلا يعتق وإن كان المدعي موسرا، لانه لم ينش عتقا فإن نكل عن اليمين فحلف المدعي استحق القيمة ولم يعتق نصيب المنكر أيضا، لان الدعوى إنما توجهت للقيمة لا للعتق (أو) قال (لشريكه) ولو معسرا (إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر) سواء أطلق وهو من زيادتي.
أم قال بعد نصيبك (فأعتق) الشريك (وهو موسر سرى) لنصيب القائل، (ولزمه القيمة) له لان السراية أقوى من العتق بالتعليق لانها قهرية، لا مدفع لها وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه، أما لو كان معسرا فلا سراية عليه ويعتق عن المعلق نصيبه (فلو قال له) أي لشريكه ولو موسرا أي قال: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر، (وقال) عقبه (مع نصيبك) وهو من زيادتي، أو قبله فأعتق) الشريك (عتق نصيب كل) منهما (عنه) وإن كان المعلق موسرا فلا شئ لاحدهما على الآخر (والولاء لهما) لاشتراكهما في العتق، (ولو تعدد معتق ولو مع تفاوت) في قدر الحصة من العتيق كأن كان لواحد نصف ولآخر ثلث ولآخر سدس، (فالقيمة) اللازمة بالسراية (بعدده) أي المعتق لا بقدر الاملاك فلو أعتق الاخيران وكل منهما موسر بالربع نصيبهما معا فقيمة النصف الذي سرى إليه العتق عليهما نصفين، لان سبيلها سبيل ضمان المتلف وإن أيسر أحدهما فقط بالنصف فالقيمة عليه أو أيسر بما ينقص عن الربع سرى على كل منهما بقدر يساره (وشرط للسراية تملكه) أي المالك، ولو بنائبه (باختياره) كشراء جزء بعضه (فلو ورث جزء بعضه) أي أصله، وإن علا أو فرعه وإن نزل (لم يسر) عتقه إلى باقيه لما مر أن سبيل السراية سبيل ضمان المتلف ولم يوجد منه إتلاف ولا قصد، (والميت معسر) فلو أوصى أحد شريكين بإعتاق نصيبه لم يسر إعتاقه بعد الموت وإخرج كله من الثلث لانتقال المال غير الموصى به بالموت إلى الوارث، (كذا المريض) معسر (إلا في
ثلث ماله)، فلو أعتق أحد شريكين نصيبه في مرض موته ولم يخرج من الثلث إلا نصيبه عتق ولا سراية عليه.

(2/413)


(فصل) في العتق بالبعضية لو (ملك حر) ولو غير مكلف وأن أفهم خلافه، وأن المبعض كالحر قول الاصل إذا ملك أهل تبرع (بعضه) من أصل أو فرع ذكرا كان أو غيره (عتق) عليه قال (صلى الله عليه وسلم): لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
أي بالشراء رواه مسلم وقال تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) *.
دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية وسواء أكان الملك اختيارا كالحاصل بالشراء أم قهريا كالحاصل بالارث وخرج بالبعض غيره كالاخ فلا يعتق بملكه، وبالحر المكاتب والمبعض فلا يعتق ذلك عليهما لتضمنه الولاء وليسا من أهله، وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته، لانه حينئذ أهل للولاء لانقطاع الرق بالموت (ولا يشتري) الولي (لموليه) من صبي ومجنون وسفيه (بعضه)، لانه إنما يتصرف له بالغبطة.
وتعبيري بذلك أولى من قوله لطفل قريبه (ولو وهب) له (أو وصى له) به (ولم تلزمه نفقته) كأن كان هو معسرا أو فرعه كسوبا (فعلى الولي قبوله ويعتق) على موليه لانتفاء الضرر وحصول الكمال للبعض، ولا نظر إلى احتمال توقع وجوب النفقة لزمانه تطرأ لان المنفعة محققة والضرر مشكوك فيه، والاصل عدمه (وإلا) أي وإن لزمته نفقته (لم يجز) للولي قبوله لئلا يتضرر موليه بالانفاق عليه من ماله.
وتعبيري بلزوم النفقة وعدمه له سالم مما أورد على تعبيره بكون بعضه كاسبا أو لا من أنه يقتضي وجوب قبول الاصل القادر على الكسب ولم يكتسب وعدم وجوب قبوله، إذا كان غير كاسب وابنه الذي هو عم المولي عليه حي موسر وليسا كذلك (ولو ملكه في مرض موته مجانا) كأن ورثه أو وهب له (عتق) عليه (من رأس المال)، لان
الشرع أخرجه عن ملكه فكأنه لم يدخل وهذا ما صححه في الروضة كالشرحين، وصحح الاصل أنه يعتق من ثلث ما له، لانه دخل في ملكه وخرج بلا مقابل فكان كما لو تبرع به، (أو) ملكه فيه (بعوض بلا محاباة فمن ثلثه) يعتق، لانه فوت على الورثة ما بذله من الثمن (ولا يرثه)، لانه لو ورثه لكان عتقه تبرعا على الوراث فيبطل لتعذر إجازته لتوقفها على إرثه المتوقف على عتقه المتوقف عليها فيتوقف كل من إجازته إرثه على الآخر فيمتنع إرثه بخلاف الذي عتق من رأس المال إذ لا يتوقف عتقه على إجازته (فإن كان) المريض (مدينا) بدين مستغرق لماله عند موته (بيع للدين)، فلا يعتق منه شئ،

(2/414)


لان عتقه يعتبر من الثلث والدين يمنع منه، فإن لم يكن الدين مستغرقا أو أسقط بإبراء أو غيره عتق إن خرج من ثلث ما بقي بعد وفاء الدين في الاولى، أو ثلث المال في الثانية أو إجازة الوارث فيهما، وإلا عتق منه بقدر ثلث ذلك (أو) ملكه فيه بعوض (بها) أي بمحاباة من البائع، (فقدرهما كملكه مجانا) فيكون من رأس المال.
(والباقي من الثلث ولو وهب لرقيق جزء بعض سيده فقبل) وقلنا بالاصح إنه يستقل بالقبول كما مر في باب معاملة الرقيق، (عتق وسري وعلى سيده قيمة باقيه) لان الهبة له هبة لسيده وقبوله كقبول سيده وقال في الروضة ينبغي أن يسري لانه دخل في ملكه قهرا كالارث وفيها كأصلها في كتاب الكتابة تصحيحه، وأنه إن تعلق بالسيد لزوم النفقة لم يصح قبول العبد هذا إذا لم يكن العبد مكاتبا أو مبعضا، فإن كان مكاتبا لم يعتق من موهوب به شئ نعم إن عجز نفسه أو عجزه السيد عتق ما وهب له ولم يسر لعدم اختيار السيد وهو في الثانية إنما قصد التعجيز، والملك حصل ضمنا وإن كان مبعضا وكان بينه وبين سيده مهايأة، فإن كان في نوبة الحر فلا عتق أو كان في نوبة الرق فكالقن وإن لم يكن بينهما مهايأة فما يتعلق بالحرية لا يملكه السيد وما يتعلق بالرق فيه ما مر.
(فصل) في الاعتاق في مرض الموت وبيان القرعة
لو (أعتق في مرض موته عبدا لا يملك غيره) عند موته (ولا دين) عليه (عتق ثلثه)، لان العتق تبرع معتبر من الثلث كما مر في الوصايا، فإن كان عليه دين فإن كان مستغرقا فلا يعتق شئ منه، لان العتق وصية والدين مقدم عليها وإلا عتق منه ثلث باقيه.
وظاهر أنه لو سقط الدين بإبراء أو غيره عتق ثلثه (أو) أعتق (ثلاثة) بقيد زدته بقولي: (معا كذلك) أي لا يملك غيرهم عند موته (وقيمتهم سواء) كقوله أعتقتكم، (أو) قال لهم (أعتقت ثلثكم أو) أعتقت (ثلث كل منكم أو ثلثكم حر عتق أحدهم)، وإنما لم يعتق ثلث كل منهم في غير الاولى، لان إعتاق بعض الرقيق كإعتاق كله فيكون كما لو قال أعتقتكم فيعتق أحدهم بمعنى أن عتقه يتميز (بقرعة)، لانها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا فلو اتفقوا مثلا على أنه إن طار غراب ففلان حر أو من وضع صبي يده عليه فهو حر لم يكف.
والقرعة إما (بأن يكتب في رقعتين) من ثلاث رقاع (رق وفي ثالثة عتق) وتدرج في بنادق كما مر في القسمة.
(وتخرج واحدة باسم

(2/415)


أحدهم فإن خرج) لواحد منهم (العتق عتق ورق الآخران) بفتح الحاء (أو الرق رق وأخرجت أخرى باسم آخر) فإن خرج العتق عتق ورق الثالث، وإن خرج الرق رق وعتق الثالث (أو) بأن (تكتب أسماؤهم) في الرقاع (ثم تخرج رقعة) منها (على العتق فمن خرج اسمه عتق ورقا) أي الآخران وهذا الطريق، قال القاضي أصوب من الاول لعدم تعدد الاخراج فيه، فإن رقعة العتق تخرج فيه أو لا ويجوز إخراج رقعة الاسماء على الرق (أو) وقيمتهم (مختلفة كمائة) لواحد (ومائتين) لآخر (وثلاثمائة) لآخر (أقرع) بينهم (كما مر) بإن يكتب في رقعتين رق، وفي واحدة عتق أو بأن يكتب أسماؤهم إلى آخر ما مر.
(فإن خرج) العتق (للثاني عتق ورقا) أي الآخران (أو للثالث عتق ثلثاه) ورق باقيه والآخران (أو للاول عتق ثم أقرع) بين الآخرين (فمن خرج) له العتق (تممنه الثلث)، فإن كان الثاني عتق نصفه أو الثالث عتق ثلثه ورق باقيه والآخر.
فقولي كما مر أعم من قوله بسهمي رق وسهم عتق، (أو) أعتق (فوق ثلاثة) معا لا يملك غيرهم (وأمكن توزيع) لهم
(بعدد وقيمة) معا (كستة قيمتهم سواء جعلوا اثنين اثنين) أي جعل كل اثنين منهم جزءا وفعل ما مر في الثلاثة المتساوية القيمة وكذا لو كانت قيمة ثلاثة مائة وقيمة ثلاثة خمسين خمسين، فيضم لكل نفيس خسيس (أو) أمكن توزيعهم (بقيمة فقط) أي دون العدد (أو عكسه) وهو من زيادتي، أي وأمكن توزيعهم بالعدد دون القيمة، (كستة قيمة أحدهم مائة و) قيمة (اثنين مائة و) قيمة (ثلاثة مائة جزئوا كذلك) أي جعل الاول جزءا والاثنان جزءا وفعل ما مروالستة المذكورة مثال للاول، باعتبار عدم تأتي توزيعها بالعدد مع القيمة مثال لعكسه باعتبار عدم تأتي توزيعها بالقيمة مع العدد، فلا تنافى بين تمثيل الاصل بها للاول.
وتمثيل الروضة كأصلها لعكسه، (وإن لم يمكن) توزيعهم بشئ من العدد والقيمة بأن لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح (كأربعة قيمتهم سواء سن)، وعن نص الام ما اقتضاه كلام الاكثرين وجب (أن يجزؤوا ثلاثة) من الاجزاء (واحد) جزء وواحد جزء (واثنان) جزء، (فإن خرج) العتق (لواحد) سواء أكتب العتق والرق أم الاسماء، (عتق ثم أقرع لتتميم الثلث) بين الثلاثة أثلاثا فمن خرج له العتق عتق ثلثه، (أو) خرج العتق (للاثنين رق الآخران ثم أقرع بينهما) أي بين الاثنين، (فيعتق

(2/416)


من خرج له العتق وثلث الآخر).
وعلم من سن التجزئة أنه يجوز تركها كأن يكتب اسم كل عبد في رقعة، وتخرج على العتق رقعة ثم أخرى فيعتق من خرج أولا وثلث الثاني.
والاصل في القرعة ما رواه مسلم عن عمران بن حصين أن رجلا من الانصار أعتق سته أعبد مملوكين له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
والظاهر يساوي الا ثلاث في القيمة، أما إذا أعتق عبيدا مرتبا فلا قرعة بل يعتق الاول إلى تمام الثلث، (وإذا أعتق بعضهم بقرعة فظهر مال وخرج كلهم من الثلث بأن عتقهم) من الاعتاق كما سيأتي، (ولا يرجع الوارث بما أنفق عليهم) لانه أنفق على أن لا يرجع فكان كمن نكح امرأة
نكاحا فاسدا يظن صحته، وأنفق عليها ثم بان فساده (أو) خرج (بعضهم) زيادة على من عتق عبدا كان، أو أكثر أو أقل من الثلث.
فهو أعم من قوله: عبد آخر (أقرع) بين الباقين فيمن خرج له العتق بأن عتقه (ومن عتق ولو بقرعة بان عتقه وقوم وله كسبه من) وقت (الاعتاق) لا من وقت الاقراع في الثلاث بخلاف من أوصى بعتقه، فإنه يقوم وقت الموت لا وقت الاستحقاق (فلا يحسب) كسبه (من الثلث) سواء أكسبه في حياة المعتق أم بعد موته.
وفي معنى الكسب الولد وأرش الجناية (ومن رق قوم بأقل قيمه من) وقت (موت إلى قبض) أي قبض الورثة التركة، لانه إن كانت قيمته وقت الموت أقل فالزيادة حدثت في ملكهم، أو وقت القبض أقل فما نقص قبل ذلك لم يدخل في يدهم فلا يحسب عليهم كالذي يغصب أو يضيع من التركة قبل أن يقبضوه.
هذا ما في الروضة كأصلها، فقول الاصل: فقوم يوم الموت محمول على ما إذا كانت القيمة فيه أقل أو لم تختلف (وحسب) على الورثة، (كسبه الباقي قبله) أي قبل الموت من الثلثين) بخلاف الحادث بعده لانه ملكهم، (فلو أعتق) في مرض موته (ثلاثة) معا (لا يملك غيرهم قيمة كل) منهم (مائة فكسب أحدهم) قبل موت المعتق، (مائة أقرع) بينهم (فإن خرج العتق للكاسب عتق وله المائة أو) خرج (لغيره عتق ثم أقرع) بين الباقيين الكاسب وغيره، (فإن خرج) العتق (لغيره عتق ثلثه) لضميمة مائة الكسب، (أو) خرجت (له عتق ربعه وله ربع كسبه) ويكون للورثة الباقي منه ومن كسبه مع العبد الآخر وذلك مائتان وخمسون ضعف ما عتق، لانك إذا أسقطت ربع كسبه وهو خمسة وعشرون يبقى من كسبه خمسة وسبعون مضافة إلى قيمة العبيد الثلاثة.
يصير المجموع

(2/417)


ثلاثمائة وخمسة وسبعين ثلثاها مائتان وخمسون للورثة، والباقي مائة وخمسة وعشرون للعتق، ويستخرج ذلك بطريق الجبر، والمقابلة وهو أن يقال عتق من العبد الثاني شئ وتبعه من كسبه مثله يبقى للورثة ثلاثمائة إلا شيئين تعدل مثلي ما عتق وهو مائة وشئ فمثلاه مائتان، وشيئان وذلك يعدل ثلثمائة إلا شيئين فيجبر وتقابل فمائتان وأربعة أشياء تعدل ثلاثمائة تسقط
منها المائتان يبقى مائة تعدل أربعة أشياء فالشئ خمسة وعشرون، فعلم أن الذي عتق من العبد ربعه وتبعه ربع كسبه.
(فصل) في الولاء هو بفتح الواو والمدلغة القرابة مأخوذ من الموالاة وهي المعاونة والمقاربة وشرعا عصوبة سببها زوال الملك عن الرقيق بالحرية.
والاصل فيه قبل الاجماع ما يأتي من الاخبار (من عتق عليه من به رق ولو بكتابة أو تدبير) أو بسراية أو بعضية، (فولاؤه له ولعصبته بنفسه لخبر الشيخين إنما الولاء لمن أعتق وقيس بما فيه غيره (يقدم) منهم (بفوائده) من إرث به وولاية تزويج وغيرهما، (الاقرب) فالاقرب كما في النسب ولخبر ابن حبان والحاكم وصحح إسناده الولاء لحمة كلحمة النسب بضم اللام وفتحها.
وقولي: ولعصبته أولى من قوله ثم لعصبته، لان المذهب أن ولاء العصبة ثابت لهم في حياة المعتق والمتأخر لهم عنه إنما هو فوائده كما تقرر وقد بسطت الكلام عليه في شرح الفصول وغيره، وتقدم في الفرائض حكم إرث المرأة بالولاء مع بيان من ترث منه به وخرج بقولي ولعصبته معتق أحد أصوله وعصبيته، فلا ولاء لهما عليه كأن ولدت رقيقة رقيقا من رقيق أو حر وأعتق أبويه أو أمه مالكهم (وولاء ولد عتيقة من عبد لمولاها) لانه عتيق معتقها (فإن عتق الاب أو الجد انجر) الولاء من مولاها (لمولاه) بمعنى أنه بطل ولاء مولاها وثبت لمولاه لان الولاء فرع النسب، والنسب معتبر بالاب وإن علا وإنما ثبت لولي الام لضرورة رق الاب وقد زالت بعتقه (أو) عتق (لاب بعد)، عتق (الجد انجر) من مولى الجد، (لمولاه)، لانه إنما انجر لمولى الجد لضرورة رق الاب والاب أقوى في النسب، وقد زالت الضرورة بعتقه (ولو ملك هذا الولد) الذي ولاؤه لمولى أمه (أباه جر ولاء إخوته)، لابيه من مولى أمهم (إليه)، أما ولاء نفسه فلا يجره لانه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، ولهذا لو اشترى العبد نفسه أو كاتبه سيده وأخذ النجوم كان الولاء عليه لسيده.

(2/418)


كتاب التدبير (هو) لغة النظر في العواقب، وشرعا (تعليق عتق) من مالك (بموته) فهو تعليق بصفة معينة لا وصيه ولهذا لا يفتقر إلى إعتاق بعد الموت، وسمي تدبيرا من الدبر لان الموت دبر الحياة.
والاصل فيه قبل الاجماع خبر الصحيحين أن رجلا دبر غلاما ما ليس له مال غيره، فباعه النبي (صلى الله عليه وسلم) فتقريره له يدل على جوازه (وأركانه) ثلاثة (صيغة ومالك ومحل وشرط فيه كونه رقيقا غير أم ولد) لانها تستحق العتق بجهة أقوى من التدبير، (و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر به) وفي معناه ما مر في الضمان إما (صريح) وهو ما لا يحتمل غير التدبير (كأنت حر) بعد موتي، (أو أعتقتك) أو حررتك (بعد موتي أو دبرتك أو أنت مدبر) أو إذا مت فأنت حر وذكر كاف كأنت من زيادتي.
(أو كناية) وهي ما يحتمل التدبير وغيره (كخليت سبيلك) أو حبستك (بعد موتي وصح) التدبير (مقيدا) بشرط (كإن) أو متى (مت في ذا الشهر أو المرض فأنت حر فإن مات فيه عتق وإلا فلا (ومعلقا كإن) أو متى (دخلت الدار فأنت حر بعد موتي)، فإن وجدت الصف ومات عتق وإلا فلا ولا يصير مدبرا حتى يدخل (وشرط) لحصول العتق (دخوله قبل موت سيده) فإن مات السيد قبل الدخول فلا تدبير (فإن قال) السيد (إن مت ثم دخلت) الدار (فأنت حر فبعده)

(2/419)


يشترط لذلك دخوله (ولو متراخيا) عن الموت، فيشترط الفور إذ ليس في الصيغة ما يقتضيه بل فيها ما يقتضي التراخي وإن لم يكن شرطا هنا (وللوارث كسبه قبله) أي قبل الدخول (لا نحو بيعه) مما يزيل الملك كالهبة لتعلق حق العتق به (ك) - قوله (إذا مت ومضى شهر) مثلا أي بعد موتي (فأنت حر) فللوارث كسبه في الشهر لا نحو بيعه.
وذكر أن للوارث كسبه في الاولى والتصريح به في الثانية، مع ذكر نحو من زيادتي.
وفي معنى كسبه استخدامه وإجارته (وليستا) أي الصورتان (تدبيرا) بل تعليق عتق بصفة، لان المعلق عليه ليس الموت فقط ولا مع شئ قبله وهذا من زيادتي، (أو قال إن أو متى
شئت) فأنت حر بعد موتي (اشترطت المشيئة) أو وقوعها (قبل الموت فيهما)، كسائر الصفات المعلق بها (فورا) بأن يأتي بالمشيئة في مجلس التواجب (في نحو إن) كإذا لاقتضاء الخطاب الجواب حالا دون نحو متى مما لا يقتضي الفور في مشيئة المخاطب كمهما وأي حين لانها مع ذلك للزمان فاستوى فيها جميع الازمان، واشتراط وقوع المشيئة قبل الموت مع ذكر نحو من زيادتي.
فإن صرح بوقوعها بعده أو نواه اشترط وقوعها بعده بلا فور وإن لم يعلق بمتى أو نحوها.
واعلم أن غير المشيئة من نحو الدخول ليس مثلها في اقتضاء الفورية، (ولو قالا لعبدهما إذا متنا فأنت حر لم يعتق حتى يموتا) معا أو مرتبا (فإن مات أحدهما فليس لوارثه نحو بيع نصيب) لانه صار مستحق العتق بموت الشريك، وله كسبه ونحوه ثم عتقه بموتهما، معا عتق تعليق بصفة لا عتق تدبير لان كلا منهما لم يعلقه بموته بل بموته وموت غيره وفي موتهما مرتبا يصير نصيب المتأخر موتا بموت المتقدم مدبرا دون نصيب المتقدم ونحو من زيادتي.
(و) شرط (في المالك اختيار) وهو من زيادتي (وعدم صبا أو جنون فيصح) التدبير،

(2/420)


(من سفيه) ومفلس ولو بعد الحجر عليهما ومن مبعض (وكافر) ولو حربيا، لان كلا منهم صحيح العبارة والملك ومن سكران لانه كالمكلف حكما لا من مكره وصبي ومجنون وإن ميز كسائر عقودهم (وتدبير مرتد موقوف) إن أسلم بأن صحته وإن مات مرتدا بأن فساده (ولحربي حمل مدبره) الكافر الاصلي من دارنا (لدراهم)، لان أحكام الرق باقية بخلاف مكاتبه الكافر بغير رضاه لاستقلاله، وبخلاف مدبره المرتد لبقاء علقة الاسلام، (ولو دبر كافر مسلما بيع عليه) إن لم يزل ملكه عنه بالبيع بطل التدبير وإن لم ينقض خلافا لما يوهمه كلام الاصل، (أو) دبر كافر، (كافر فأسلم نزع منه) وجعل عند عدل دفعا للذل عنه (وله) أي لسيده، (كسبه) وهو باق على تدبيره فلا يباع لتوقع الحرية والولاء، (وبطل) أي التدبير.
(بنحو بيع) للمدبر، للخبر السابق، فلا يعود وإن ملكه بناء على عدم عود الحنث، في اليمين ومعلوم أن
محجور السفه لا يصح بيعه.
وإن صح تدبيره، ونحو من زيادتي (و) بطل (بإيلاد) لمدبرته، لانه أقوى منه بدليل أنه لا يعتبر من الثلث، ولا يمنع منه الدين، بخلاف التدبير فيرفعه الاقوى، كما يرفع ملك اليمين النكاح (لا بردة) من المدبر، أو سيده صيانة لحق المدبر، عن الضياع فيعتق بموت السيد، وإن كانا مرتدين (و) لا (رجوع) عنه (لفظا) كفسخته أو نقضته كسائر التعليقات، (و) لا (إنكار) له، كما أن إنكار الردة ليس إسلاما وإنكار، الطلاق ليس رجعة، فيحلف أنه ما دبره (و) لا (وطئ) لمدبرته، سواء أعزل أم لا، لانه لا ينافي الملك، بل يؤكده، بخلاف البيع ونحوه (وحل له) وطؤها لبقاء ملك، ولم يتعلق به حق لازم (وصح تدبير ومكاتب) كما يصح تعليق عتقه بصفة كما يأتي (وعكسه).
أي كتابة مدبر بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة.
فيكون كل منهما مدبرا مكاتبا ويعتق بالاسبق من الوصفين، موت السيد وأداء النجوم ويبطل الآخر لكن إن كان الآخر كتابة لم تبطل أحكامها، فيتبع العتيق

(2/421)


كسبه وولده كما قاله ابن الصباغ، في الاولى ويقاس في الثانية، ويحتمل خلافه وعليه جرى ابن المقرى ومعلوم مما يأتي في الفصل الآتي، أنه إذا كان الاسبق الموت، فلا يعتق كله إلا إن احتمله الثلث، وإلا فيعتق قدره (و) صح (تعليق عتق كل) منهما (بصفة) كما يصح تدبير، وكتابة المعلق عتقه بصفة (ويعتق بالاسبق) من الوصفين.
فإن سبقت الصفة المعلق عتقه بها أعتق بها أو الموت فيه عن التدبير أو الااء فبه عن الكتابة، وذكر حكم تعليق المكاتب بصفة مع قولي ويعتق بالاسبق في تدبير المكاتب، وعكسه من زيادتي.
(فصل) في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها بصفة مع ما يذكر معه (حمل من دبرت حاملا) ولم يستثنه (مدبر) تبعا لها وإن انفصل، قبل موت سيدها (لا إن بطل قبل انفصاله تدبيرها بلا موت)، لها كبيع فيبطل تدبيره أيضا، تبعا لها وخرج بالحامل، الحائل فإذا دبرها، ثم حملت فإن انفصل قبل موت السيد فغير مدبر، كما في ولد المرهونة وولد
الموصى لها، والاعتق تبعا لامه، وبقولي لا إن بطل إلى آخره ما لو بطل بعد انفصاله تدبيرها أو قبله لكن بطل بموتها، فلا يبطل تدبيره، فإنه في الثانية قد يعيش، والتقييد بقبل الانفصال، مع بلا

(2/422)


موت من زيادتي (كملعق عتقها) فإن حملها يصير معلقا عتقه بالصفة التي علق عتقها بها بقيد زدته بقولي (حاملا) به وإن انفصل قبل وجود الصفة، حتى لو عتقت بها عتق، هو أيضا لا إن بطل قبل انفصاله التعليق فيها بلا موت بخلاف ما لو علق عتقها حائلا ثم حملت لا يعتق، إن انفصل قبل وجود الصفة وإلا عتق تبعا لامه وبخلاف ما لو علق عتقها حاملا وبطل بعد انفصاله تعليق عتقها، أو قبله لكن بطل بموتها، فلا يبطل تعليق عتقه (وصح تدبير حمل) كما يصح إعتاقه، (ولا تتبعه أمه) لان الاصل لا يتبع الفرع، (فإن باعها) مثلا، (فرجوع عنه)، أي عن تدبير الحمل (ولا يتبع مدبرا ولده) وإنما يتبع أمه، في الرق والحرية، (والمدبر كقن في جناية) منه وعليه والثانية من زيادتي، فإن قتل بجناية، أو بيع فيها، بطل التدبير، لا إن فداه السيد.
ولا يلزمه إن قتل أن يشتري بقيمته عبدا يديره.
(ويعتق) المدبر كله أو بعضه (بالموت) أي بموت سيده محسوبا، (من الثلث بعد الدين) وإن وقع التدبير في الصحة، فلو استغرق الدين التركة لم يعتق شئ منه، أو نصفها وهي هو فقط بيع نصفه في الدين

(2/423)


وعتق ثلث الباقي منه، وإن لم يكن دين ولا مال غيره عتق ثلثه، (كعتق علق بصفة قيدت بالمرض) أي مرض الموت (كإن دخلت) الدار.
(في مرض موتي فأنت حر) ثم وجدت الصفة، (أو) لم تقيد بو (وجدت فيه باختياره) أي السيد (فإنه يحسب من الثلث) فإن وجدت بغير اختياره، فمن رأس المال اعتبارا بوقت التعليق، لانه لم يكن متهما بإبطال حق الورثة، وعليه يحمل إطلاق الاصل أنه من رأس المال (وحلف) مدبر فيصدق (فيما) وجد (معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث قبله) لان اليد له وكما تقدم بينته، فيما لو أقاما بينتين بما قالاه كما علم مما مر في الدعوى والبينات وصرح به الاصل هنا بخلاف ولد المدبرة إذا قالت ولدته
بعد الموت وقال الوارث قبله فإن المصدق الوارث لانها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بمال.

(2/424)


كتاب الكتابة هي بكسر الكاف، وقيل بفتحها لغة الضم والجمع شرعا عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين، فأكثر والاصل فيها قبل الاجماع آية: * (والذي يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم) * وخبر المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه أبو داود وغيره وصحح الحاكم إسناده، وقال في الروضة، إنه حسن والحاجة داعية إليها (هي سنة) لا واجبة وإن طلبها الرقيق، كالتدبير لئلا يتعطل أثر الملك ويتحكم المماليك على الملاك (بطلب أمين مكتسب) أي قوي على الكسب، وبهما فسر الشافعي رضي الله عنه، الخير في الآية: واعتبرت الامانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق والطلب والقدرة على الكسب.
ليوثق بتحصيل النجوم (وإلا) بأن فقدت الشروط أو أحدهما (فمباحة)، إذ لا يقوى رجاء العتق بها، ولا تكره بحال، لانها عند فقد ما ذكر قد تقضي إلى العتق (وأركانها) أربعة.
(رقيق وصيغة وعوض وسيد وشرط

(2/425)


فيه ما مر في معتق) من كونه مختارا أهل تبرع، وولاء لانها تبرع، وآيلة للولاء فتصح من كافر، أصلي وسكران، لا من مكره ومكاتب، وإن أذن له سيده.
ولا من صبي ومجنون ومحجور، سفه وأوليائهم ولا من محجور فلس ولا من مرتد لان ملكه موقوف والعقود لا توقف على الجديد، كما علم من باب الردة ولا من مبعض، لان ليس أهلا للولاء، وذكر حكمه مع المكره من زيادتي (وكتابة مريض) مرض الموت محسوبة (من الثلث) وإن كاتبه بمثل قيمته أو أكثر لان كسبه له (فإن خلف مثليه) أي مثلي قيمته (صحت) أي الكتابة (في كله) سواء أكان ما خلفه مما أداه الرقيق أم من غيره، إذ يبقى للورثة مثلاه.
(أو) خلف (مثله) أي مثل قيمته (ففي ثلثيه) تصح فيبقى لهم ثلثه مع مثل قيمته.
وهما مثلا ثلثيه، (أو لم يخلف غيره ففي ثلثه) تصح فإذا
أدى حصته من النجوم عتق، وهذا من زيادتي.
(و) شرط (في الرقيق اختيار) وهو من زيادتي (وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق لازم) فتصح لسكران وكافر، ولو مرتدا لا لمكره وصبي ومجنون ومن تعلق به، حق لازم كسائر عقودهم في غير الاخير وأما فيه فلانه إما معرض للبيع كالمرهون، والكتابة تمنع منه، أو مستحق المنفعة كالمؤجر فلا يتفرغ للاكتساب لنفسه، (و) شرط (في الصيغة لفظ يشعر بها) أي بالكتابة وفي معناه ما مر في الضمان (إيجابا ككاتبتك)

(2/426)


أو أنت مكاتب (على كذا) كألف (منجما مع) قوله (إذا أديته) مثلا (فانتحر لفظا أو نية وقبولا كقبلت ذلك) وذكر الكاف قبل كاتبتك، وقبلت من زيادتي (و) شرط (في العوض كونه دينا ولو منفعة) فإن كان غير دين، فإن لم يكن منفعة عين لم تصح الكتابة، وإلا صحت على ما يأتي (مؤجلا) ليحصله ويؤديه، ولا تخلو المنفعة في الذمة من التأجيل، وإن كان في بعض نجومها تعجيل.
فالتأجيل فيها شرط في الجملة (منجما بنجمين فأكثر)، كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم، (ولوفي مبعض) فلا بد من كون العوض فيه دينا إلى آخره، وإن كان قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه وبهذا وبما يأتي علم أن كتابة المبعض فيما رق منه صحيحة، وبه صرح الاصل، سواء أقال كاتبت مارق منك أم كاتبتك وتبطل في باقيه في الثانية، لانها تفيده الاستقلال باستغراقها مارق منه في الاولى وعملا بتفريق الصفقة في الثانية، ومن التنجيم بنجمين في المنفعة أن يكاتبه على بناء دارين موصوفتين في وقتين معلومين بخلاف ما لو اقتصر على خدمة شهرين لا يصح وإن صرح بأن كل شهر نجم لانهما نجم واحد (مع بيان قدره) أي العوض (وصفته) وهما من زيادتي.
(وعدد النجوم وقسط كل نجم) لان الكتابة عقد معاوضة والنجم الوقت المضروب وهو المراد هنا.
ويطلق على المال المؤدى فيه كما سيأتي.
(ولو كاتب على) منفعة عين مع غيرها مؤجلا نحو (خدمة شهر) من الآن (ودينار ولو في أثنائه) هو أولى من قوله عند انقضائه، (صحت) أي الكتابة، لان المنفعة مستحقة في الحال والمدة لتقديرها والتوفية فيها والدينار إنما تستحق المطالبة به بعد المدة التي عينها لاستحقاقه، وإذا
اختلف الاستحقاق حصل تعدد النجم.
ويشترط في الصحة أن تتصل الخدمة والمنافع المتعلقة بالاعيان بالعقد، فلا يجوز تأخيرها عنه كما أن العين لا تقبل التأجيل بخلاف المنافع الملتزمة في الذمة، ولا يشترط بيان الخدمة بل يتبع فيها العرف كما مر بيانه في الاجارة، (لا) إن كاتبه (على أن يبيعه كذا) كثوب بألف فلا يصح لانه شرط عقد في عقد، (ولو كاتبه وباعه ثوبا) مثلا بأن قال كاتبتك وبعتك هذا الثوب، (بألف ونجمه) بنجمين مثلا (وعلق الحرية بأدائه صحت) أي الكتابة، (لا البيع) لتقدم أحد شقيه على مصير الرقيق، من أهل مبايعة سيده فعمل في ذلك بتفريق الصفقة، فيوزع الالف على قيمتي الرقيق.
والثوب فما خص الرقيق يؤديه في النجمين مثلا

(2/427)


(وصحت كتابة أرقاء) كثلاثة صفقة، (على عوض) منجم بنجمين مثلا لاتحاد المالك، فصار كما لو باع عبيدا بثمن واحد (ووزع) العوض (على قيمتهم وقت الكتابة فمن أدى) منهم (حصته عتق) ولا يتوقف عتقه على أداء الباقي (ومن عجز رق).
فإذا كانت قيمة أحدهم مائة والثاني مائتين والثالث ثلاثمائة فعلى الاول سدس العوض وعلى الثاني ثلثه وعلى الثالث نصفه (لا) كتابة (بعض رقيق) وإن كان باقيه لغيره، وأذن له في الكتابة، لان الرقيق لا يستقل فيها بالتردد لاكتساب النجوم، نعم لو كاتب في مرض موته بعضه والبعض ثلث ماله أو أوصى بكتابة رقيق فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة صحت الكتابة في ذلك القدر وعن النص، والبغوي صحت الوصية بكتابة عبده (ولو كاتباه) أي شريكان فيه بنفسهما أو نائبهما (معا صح) ذلك (إن اتفقت النجوم) جنسا وصفة وأجلا وعددا وفي هذا إطلاق النجم على المؤدي، (وجعلت) أي النجوم (على نسبة ملكيهما) صرح به أو أطلق (فلو عجز) الرقيق (فعجزه أحدهما)، وفسخ الكتابة (وأبقاه الآخر) فيها (لم تجز) كابتداء عقدها (ولو أبرأه) أحدهما (من نصيبه) من النجوم (أو أعتقه) أي نصيبه من الرقيق (عتق) نصيبه منه، (وقوم) عليه (الباقي) وعتق عليه وكان الولاء كله له (إن أيسر وعاد الرق) للمكاتب بأن عجز فعجزه الآخر.
والتقييد بعود الرق من زيادتي، فإن أعسر من ذكر أو لم يعد الرق وأدى المكاتب نصيب
الشريك من النجوم عتق نصيبه من الرقيق عن الكتابة، وكاالولاء لهما وخرج بالابراء والاعتاق ما لو قبض نصيبه فلا يعتق وإن رضي الآخر بتقديمه إذ ليس له تخصيص أحدهما بالقبض.
(فصل) فيما يلزم السيد وما يسن له وما يحرم عليه، وبيان حكم ولد المكاتبة وغير ذلك (لزم السيد في) كتابة صحيحة قبل عتق حط متمول من النجوم) عن المكاتب (أو دفعه)

(2/428)


له بقيد زدته بقولي (من جنسها) وإن كان من غيرها قال تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) *.
فسر الايتاء بما ذكر لان القصد منه والاعانة على العتق وخرج بزيادتي في صحيحة الفاسدة، فلا شئ فيها من ذلك واستثنى من لزوم الايتاء ما لو كاتبه في مرض موته وهو ثلث ماله وما لو كاتبه على منفعته، (والحط) أولى من الدفع لان القصد بالحط الاعانة على العتق وهي محققة فيه موهومة في الدفع، إذ قد يصرف المدفوع في جهة أخرى (وكون كل) من الحط والدفع (في) النجم (الاخير) أول منه فيما قبله، لانه أقرب إلى العتق.
(و) كونه (ربعا) من النجوم أولى من غيره.
(ف) إن لم تسمح به نفسه فكونه (سبعا أولى) روي حط الربع النسائي وغيره وحط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (وحرم) عليه (تمتع بمكاتبته) لاختلال ملكه فيها، واقتصار الاصل هنا على تحريم الوطئ يفهم حل غيره وليس مرادا، (ويجب بوطئه) لها (مهر) وإن طاوعته لشبهة الملك (لاحد) لانها ملكه (والولد) منه (حر) لانها علقت به في ملكه (ولا تجب) عليه (قيمته) لانعقاده حرا، (وصارت) بالولد (مستولدة مكاتبة)، فإن عجزت عتقت بموت السيد (وولدها) أي المكاتبة (الرقيق) بقيد زدته بقولي.
(الحادث) بعد الكتابة ولو حملت به بعدها (يتبعفا رقا وعتقا) بالكتابة، كولد المستولدة فلا شئ عليه للسيد إذ لم يوجد منه التزام بل للسيد مكاتبته كما جزم به الماوردي.
وإن ذكر الاصل أنه مكاتب، لان الحاصل له كتابة تبعية لا استقلالية ومن ثم تركت ذلك.
(والحق) أي
حق الملك (فيه للسيد فلو قتل فقيمته له ويمونه من أرش جناية عليه وكسبه ومهره وما فضل وقف، فإن عتق فله وإلا فلسيده) كما في الام في جميع ذلك (ولا يعتق شئ من مكاتب إلا بأداء الكل) أي كل النجوم لخبر المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وفي معنى أدائها حط الباقي منها الواجب والابراء منها والحوالة بها لا عليها، (ولو أتى بمال فقال سيده) هذا (حرام ولا بينة) له بذلك (حلف المكاتب) فيصدق في أنه ليس بحرام (ويقال لسيده) حينئذ (خذه أو أبرئه عنه) أي عن قدره، (فإن أبى قبضه القاضي) عنه وعتق المكاتب إن أدى الكل، (فإن نكل) المكاتب عن الحلف (حلف سيده) أنه حرام لغرض امتناعه منه، ولو كان له بينة سمعت لذلك نعم لو كاتبه على لحم فجاء به فقال هذا حرام، فالظاهر استفصاله في قوله حرام فإن قال لانه مسروق أو نحوه فكذلك أو لانه لحم غير مذكى حلف السيد، لان الاصل عدم التذكية كنظيره في السلم (ولو خرج المؤدي) من النجوم

(2/429)


(معيبا ورده) السيد بالعيب، وهو حائز له.
وبه صرح الاصل (أو) خرج (مستحقا بأن لا عتق) فيهما، (وإن) كان السيد (قال عنده أخذه أنت حر) لانه بناه على ظاهر الحال من صحة الاداء، وقد بان عدم صحته.
والاولى من زيادتي، وتعبيري بما ذكر في الثانية أولى من تقييده لها بالنجم الاخير (وله) أي للمكاتب (شراء إماء لتجارة) توسعا في طرق الاكتساب، (لا تزوج إلا بإذن سيده) لما فيه من المؤن (ولا وطئ) لامته ولو بإذنه خوفا من هلاك الامة في الطلق فمنعه من الوطئ كمنع الراهن من وطئ المرهونة.
وتعبيري بالوطئ أعم من تعبيره بالتسري لاعتبار الانزال فيه دون الوطئ (فإن وطئها) على خلاف منعه منه (فلا حد) عليه لشبهة الملك، ولا مهر لانه لو ثبت لثبت له (والولد) من وطئه (نسيب) لاحق به لشبهة الملك، (فإن ولدته قبل عتق أبيه) أو معه (أو بعده) لكن (لدون ستة أشهر) من العتق (تبعه) رقا وعتقا، وهو مملوك لابيه يمتنع بيعه ولا يعتق عليه لضعف ملكه فوقف عتق على عتق أبيه إن عتق عتق وإلا رق وصار
للسيد، (ولا تصير) أمه (أم ولد) لانها علقت بمملوك (أو) ولدته بعد العتق (لها) أي لستة أشهر فأكثر منه وهذا ما في الروضة كالشرحين.
ووقع في الاصل لفوق ستة أشهر (ووطئها معه) أي مع العتق مطلقا (أو بعده) في صورة الاكثر بقيد زدته بقولي.
(وولدته لستة أشهر) فأكثر (من الوطئ فهي أم ولد) لظهور العلوق بعد الحرية، ولا نظر إلى احتمال العلوق قبلها تغليبا لها والولد حينئذ حر فإن لم يطأها مع العتق ولا بعده أو ولدته دون ستة أشهر من الوطئ، لم تصر أم ولد (ولو عجل) النجوم أو بعضها قبل محلها (لم يجبر السيد على قبض) لما عجل (إن امتنع) منه (لغرض) كمؤنة حفظه وخوف عليه كأن عجل في زمن نهب، (وإلا) بأن امتنع لا لغرض (أجبر) على القبض، لان للمكاتب غرضا ظاهرا فيه، وهو تنجيز العتق أو تقريبه ولا ضرر على السيد.
وظاهر مما مر أنه لا يتعين الاجبار على القبض بل إما عليه أو على الابراء ويفارق نظيره في السلم من تعيين القبول بأن الكتابة موضوعة على تعجيل العتق، ما أمكن فضيق فيها بطلب الابراء (فإن أبى قبض القاضي) عنه وعتق المكاتب إن أدى الكل (أو عجل بعضا) من النجوم (ليبرئه) من الباقي، (فقبض وأبرأ بطلا) أي القبض والابراء لان ذلك يشبه ربا الجاهلية فقد كان الرجل إذا حل دينه يقول لمدينه اقض أو زد فإن قضاه، وإلا زاده في الدين.
وفي الاجل وعلى السيد رد المقبوض ولا عتق

(2/430)


(وصح اعتياض عن نجوم) للزومها من جهة السيد مع التشوف للعتق بهذا جزم في الروضة كأصلها في الشفعة وصوبه الاسنوي لنص الشافعي عليه في الام وغيرها، وإن جزم الاصل تبعا لما صححه في الروضة وأصلها هنا بعدم صحته، وعلى الاول جرى البلقيني أيضا قال وتبع الشيخان على الثاني البغوي ولم يطلعا على النص (لا بيعها) لانها غير مستقرة، ولان المسلم فيه لا يصح بيعه مع لزومه من الطرفين لتطرق السقوط إليه.
فالنجوم بذلك أولى (ولا بيعه وهبته) أي المكاتب كأم الولد لكن إن رضي المكاتب بذلك صح وكان رضاه فسخا
للكتابة ويصح أيضا بيعه من نفسه كما في أم الولد، (فلو باع) مثلا السيد النجوم أو المكتوب (وأدا) ها المكاتب (للمشتري لم يعتق) وإن تضمن البيع الاذن في قبضها، لان الاذن في مقابلة سلامة العوض ولم يسلم فلم يبق الاذن ولو سلم بقاؤه ليكون المشتري كالوكيل فالفرق بينهما أن المشتري يقبض النجوم لنفسه بخلاف الوكيل، نعم لو باعها وأذن للمشتري في قبضها مع علمها بفساد البيع عتق بقبضه، (ويطالب السيد المكاتب) بها (والمكاتب المشتري) بما أخذه منه، (وليس له) أي للسيد (تصرف في شئ مما بيد مكاتبه) ببيع أو إعتاق أو تزويج أو غيرها، لانه معه في المعاملات كالاجنبي.
وتعبيري بذلك أعم مما عبر به (ولو قال له غيره أعتق مكاتبك بكذا ففعل عتق ولزمه ما التزم) وهو افتداء منه كما في أم الولد، فلو قال أعتقه عني على كذا ففعل لم يعتق عنه بل عن المعتق ولا يستحق المال.
(فصل) في لزوم الكتابة وجوزاها وما يعرض لها من فسخ أو انفساخ، وبيان حكم تصرفات المكاتب وغيرها.
(الكتابة) الصحيحة (لازمة للسيد فلا يفسخها) لانها عقدت لحظ مكاتبه لا لحظه فكان فيها كالراهن، (إلا إن عجز المكاتب عن أداء) عند المحل لنجم أو بعضه غير الواجب في الايتاء (أو امتنع منه) عند ذلك مع القدرة عليه (أو غاب) عند ذلك (وإن حضر ماله)، أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة قصر على الاشبه في المطلب، فله فسخها بنفسه ويحاكم متى

(2/431)


شاء لتعذر العوض عليه، وإطلاقي الامتناع أولى من تقييده له بتعجيز المكاتب نفسه، (وليس لحاكم أداء منه) أي من مال المكاتب الغائب عنه بل يمكن السيد من الفسخ لانه ربما عجز نفسه، أو امتنع من الاداء لو حضر.
أما إذا عجز عن الواجب في الايتاء فليس للسيد فسخ ولا يحصل التقاص، لان للسيد أن يؤديه من غيره لكن يرفعه المكاتب للحاكم يرى فيه رأيه ويفصل الامر بينهما.
(وجائزة للمكاتب) كالرهن بالنسبة للمرتهن، (فله ترك الاداء و) له (الفسخ) وإن
كان معه وفاء (ولو استمهل) سيده (عند المحل لعجز سن إمهاله) مساعدة له في تحصيل العتق، (أو لبيع عرض وجب) إمهاله ليبيعه والتصريح بالوجوب هنا وفيما يأتي من زيادتي، (وله أن لا يزيد) في المهلة (على ثلاثة) من الايام سواء أعرض كساد أم لا فلا فسخ فيها وما أطلقه الامام من جواز الفسخ محمول على ما زاد عليها، (أو لاحضار ماله من دون مرحلتين وجب) أيضا إمهاله إلى إحضاره، لانه كالحاضر بخلاف ما فوق ذلك لطول المدة (ولا تنفسخ) الكتابة (بجنون) منهما أو من أحدهما ولا بإغماء كما فهم بالاولى، (ولا بحجر سفه) لان اللازم من أحد طرفيه لا ينفسخ بشئ من ذلك كالرهن والاخيرة من زيادتي، (ويقوم ولي السيد) الذي جن أو حجر عليه (مقامه في قبض) فلا يعتق بقبض السيد لفساده، وإذا لم يصح قبض المال فللمكاتب استرداده لانه على ملكه، فإن تلف فلا ضمان لتقصيره بالدفع إلى سيده، ثم إن لم يكن بيده شئ آخر يؤديه فللولي تعجيزه و) يقوم (الحاكم مقام المكاتب) الذي جن أو حجر عليه (في أداء إن وجد له ما لا ولم يأخذ السيد) استقلالا وثبتت الكتابة وحل النجم وحلف السيد على استحقاقه.
قال الغزالي ورأى له مصلحة في الحرية فإن رأى أنه يضيع إذا أفاق لم يؤد قال الشيخان وهذا حسن، فإن لم يجد له ما لا مكن السيد من الفسخ، فإذا فسخ عاد المكاتب قنا له وعليه مؤنته فإن أفاق وظهر له مال كأن حصله قبل الفسخ دفعه إلى السيد، وحكم بعتقه ونقض تعجيزه ويقاس بالافاقة في ذلك ارتفاع الحجر وخرج بزيادتي، ولم يأخذ السيد ما لو أخذه استقلالا فإنه يعتق لحصول القبض المستحق (ولو جنى على سيده) قتلا أو قطعا (لزمه قود أو أرش) بالغا ما بلغ لان واجب جنايته عليه لا تعلق له برقبته بخلاف ما يأتي في الاجنبي ويكون الارش (مما معه) ومما سيكسبه لانه معه كأجنبي كما مر (فإن لم يكن) معه ما يفي بذلك (فله) أي للسيد أو الوارث (تعجيزه) دفعا للضرر عنه (أو) جنى (على أجنبي) قتلا أو قطعا (لزمه قود أو الاقل من قيمته والارش) لانه يملك تعجيز نفسه وإذا عجزها فلا متعلق سوى الرقبة وفي إطلاق الارش على دية النفس

(2/432)


تغليب (فإن لم يكن معه مال) يفي بالواجب (عجزه الحاكم بطلب المستحق وبيع بقدر الارش) إن زادت قيمته عليه، وإلا فكله هذا كلام الجمهور، وقال ابن الرفعة كلام التنبيه يفهم أنه لا حاجة إلى التعجيز بل يتبين بالبيع انفساخ الكتابة، كما أن بيع المرهون في أرش الجناية لا يحتاج إلى فك الرهن.
وقال القاضي للسيد أيضا تعجيزه أي بطلب المستحق وبيعه أو فداؤه (وبقيت الكتابة فيما بقي) لما في ذلك من الجمع بين الحقوق، فإذا أدى حصته من النجوم عتق (وللسيد فداؤه) بأقل الامرين من قيمته والارش فيبقى مكاتبا، وعلى المستحق قبول الفداء (ولو أعتقه أو أبرأه) من النجوم، (بعد الجناية عتق ولزمه الفداء) لانه فوت متعلق حق المجني عليه كما لو قتله بخلاف ما لو عتق بأداء النجوم بعدها، فلا يلزم السيد فداؤه (ولو قتل المكاتب بطلت) أي الكتابة ومات رقيقا لفوات محلها، (ولسيده قود على قاتله إن كافأه وإلا فالقيمة) له لبقائه على ملكه ولو قتله هو فليس عليه إلا الكفارة مع الاثم، إن تعمد ولو قطع طرفه ضمنه لبقاء الكتابة (ولمكاتب تصرف لا تبرع فيه ولا خطر) كبيع وشراء وإجارة، أما ما فيه تبرع كصدقة وهبة أو خطر كقرض وبيع نسيئة وإن استوثق برهن أو كفيل فلا بد فيه من إذن سيده نعم ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله وعدم بيعه له إهداؤه لغيره على النص في الام، (و) له (شراء من يعتق على سيده) والملك فيه للمكاتب (ويعتق) على سيده (بعجزه) لدخوله في ملكه وله أيضا شراء بعض من يعتق على سيده ثم إن عجز نفسه أو عجزه سيده عتق ذلك البعض ولا يسري إلى الباقي، وإن اختار سيده تعجيزه لما مر في العتق، (و) له (شراء من يعتق عليه بإذن) من سيده، (و) إذا اشتراه بإذنه (تبعه رقا وعتقا) ولا يصح إعتاقه عن نفسه وكتابته ولو بإذن لتضمنهما الولاء وليس من أهله كما علم ذلك مما مر.
(فصل) في الفرق بين الكتابة الباطلة والفاسدة وما تشارك فهي الفاسدة الصحيحة وما تخالفها فيه، وغيره ذلك
(الكتابة الباطلة) وهي ما اختلت صحتها (باختلال ركن) من أركانها ككون أحد العاقدين مكرها صبيا أو مجنونا أو عقدت بغير مقصود كدم (ملغاة إلا في تعليق معتبر) بأن يقع ممن

(2/433)


يصح تعليقه فلا تلغى فيه، وذكر الباطلة مع حكمها المذكور من زيادتي، (والفاسدة) وهي ما اختلت صحتها (بكتابة بعض) من رقيق (أو فساد شرط) كشرط أن يبيعه كذا، (أو) فساد (عوض) كخمر (أو) فساد (أجل) كنجم واحد (كالصحيحة في استقلاله) أي المكاتب (بكسب و) في (أخذ أرش جناية عليه ومهر) في أمة ليستعين به في كتابته سواء أوجب المهر بوطئ شبهة أم بعقد صحيح، فقولي: ومهر أعم من قوله ومهر شبهة (وفي أنه يعتق بالاداء) لسيده عند المحل بحكم التعليق، لان مقصود الكتابة العتق وهو لا يبطل بالتعليق بفاسد، وبهذا خالف البيع وغيره من العقود قال البندنيجي: وليس لنا عقد فاسد يملك به كالصحيح إلا هذا، (و) في أنه (يتبعه) إذا عتق (كسبه) الحاصل بعد التعليق فيتبع المكاتبة ولدها، وفي أنه تسقط نفقته عن سيده (وكالتعليق) بصفة (في أنه لا يعتق بغير أدائه) أي المكاتب كإبراء له وأداء غيره عنه متبرعا.
فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالابراء (و) في أن كتابته (تبطل بموت سيده) قبل الاداء لعدم حصول المعلق عليه، فإن كان قال إن أديت إلي أو إلى وارثي بعد موتي لم تبطل بموته.
(و) في أنه (تصح الوصية به و) في أنه (لا يصرف له سهم المكاتبين) وفي صحة إعتاقه عن الكفارة، وتمليكه ومنعه من السفر وجواز وطئ الامة وكل من الصحيحة والفاسد وعقد معاوضة لكن المغلب في الاولى معنى المعاوضة وفي الثانية معنى التعليق.
واعلم أن الباطل والفاسدة عندنا سواء إلا في مواضع منها الحج والعارية والخلع والكتابة (وتخالفهما) أي تخالف الفاسدة الصحيحة والتعليق (في أن للسيد فسخها) بالفعل أو بالقول إذ لم يسلم له العوض كما سيأتي، فكان له فسخها دفعا للضرر حتى لو أدى المكاتب المسمى بعد فسخها لم يعتق، لانه وإن كان تعليقا فهو في ضمن معاوضة وقد ارتفعت فارتفع، وقيد الفسخ بالسيد لانه حينئذ هو الذي خالفت فيه الفاسدة كلا من الصحيحة والتعليق بخلافه من العبد فإنه يطرد في الصحيحة أيضا على اضطراب وقع للرافعي، ولا يأتي في التعليق وإن كان فسخ السيد كذلك،
(و) في (أنها تبطل بنحو إغماء السيد وحجر سفه عليه)، لان الحط في الكتابة للمكاتب لا للسيد كما مر بخلاف الصحيحة والتعليق لا يبطلان بذلك وخرج بالسيد المكاتب فلا تبطل الفاسدة بنحو إغمائه وحجر سفه عليه وبزيادتي السفه حجر الفلس فلا تبطل به فإن بيع في الدين بطلت، (و) في (أن المكاتب يرجع عليه بما أداه) إن بقي (أو ببدله) أن تلف وهذا من زيادتي، هذا (إن كان له قيمة) هو أولى من قوله إن كان متقوما بخلاف غيره كخمر فلا يرجع فيه

(2/434)


بشئ إلا أن يكون محترما كجلد ميتة، لم يدبغ فيرجع به لا ببدله إن تلف (وهو) أي السيد يرجع عليه بقيمته وقت العتق) إذ لا يمكن رد العتق فأشبه ما إذا وقع الاختلاف في البيع بعد تلف المبيع في يده المشتري.
ولو كاتب كافر كافرا على فاسد مقصود كخمر وقبض في الكفر فلا تراجع (فإن اتحدا) أي واجبا السيد.
والمكاتب جنسا وصفة وتكسير وحلول وأجل وكانا نقدين فهو أولى من قوله فإن تجانسا، (فالتقاص) واقع بينهما كسائر الديون من النقود المتحدة كذلك بأن يسقط من أحد الديتين بقدره من الآخر، (ولو بلا رضا) من صاحبيهما أو من أحدهما إذ لا حاجة إليه (ويرجع صاحب الفضل) في أحدهما (به) على الآخر أما إذا كانا نقدين فإن كانا متقومين فلا تقاص أو مثلين ففيهما تفصيل ذكرته في شرح الروض وغيره، (فإن فسخها) أي الفاسدة (أحدهما) هو أعم من قوله السيد (أشهد) بفسخها احتياطا وتحرزا من التجاحد لا شرطا، (فلو قال) السيد (بعد قبضه) المال (كنت فسخت) الكتابة (فأنكر) المكاتب (حلف) المكاتب فيصدق، لان الاصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة (ولو ادعى) عبد (كتابة فأنكر سيده أو وارثه حلف) المنكر فيصدق لان الاصل عدمها ولو عكس بأن ادعاها السيد وأنكرها العبد صار قنا، وجعل إنكاره تعجيز منه لنفسه فإن قال: كاتبتك وأديت المال وعتقت عتق بإقراره.
ومعلوم مما مر في الدعوى والبينات أن السيد يحلف على البت والوارث على نفي العلم (ولو اختلفا) أي السيد والمكاتب، (في قدر النجوم) أي المال (أو صفتها)
كجنسها أو عددها أو قدر أجلها، ولا بينة أو لكل بينة (تحالفا) بالكيفية السابقة في البيع، فإن اختلفا في قدر النجوم بمعنى الاوقات فالحكم كذلك إلا من كان قول أحدهما مقتضيا للفساد، كأن قال السيد: كاتبتك على نجم فقال بل على نجمين فيصدق مدعي الصحة، وهو المكاتب في هذا المثال.
(ثم إن لم يقبض) السيد (ما ادعاه ولم يتفقا) على شئ (فسخها الحاكم) وقياس ما مر في البيع أنه يفسخها الحاكم، أو المتحالفان أو أحدهما وهو ما مال إليه الاسنوي وغيره، ولكن فرق الزركشي بأن الفسخ هنا غير منصوص عليه، بل مجتهد فيه فأشبه العنة بخلافه، ثم (وإن قبضه) أي ما ادعاه (وقال المكاتب بعضه) أي بعض المقبوض وهو الزائد على ما اعترف به في العقد (وديعة لي) عندك (عتق) لاتفاقهما على وقوع العتق بالتقديرين.
(ورجع) هو (بما أدى و) رجع (السيد بقيمته وقد يتقاصان) في تلف المؤدي بأن كان هو أو قيمته من جنس قيمة العبد وصفتها.
(ولو قال) السيد (كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي فأنكر) المكاتب الجنون أو

(2/435)


الحجر (حلف السيد) فيصدق (إن عرف) له (ذلك) أي ما ادعاه لقوة جانبه بذلك (وإلا فالمكاتب) لان الاصل عدم ما ادعاه السيد ولا قرينة، والحكم في الشق الاول، مخالف لما ذكر في النكاح، من أنه لو زوج بنته ثم قال كنت محجورا علي أو مجنونا يوم زوجتها، لم يصدق وإن عهد له بذلك وفرق بأن ألحق، ثم تعلق بثالث بخلافه هنا.
وذكر التحليف هنا وفيما يأتي من زيادتي (أو قال) السيد (وضعت) عنك (النجم الاول أو بعضا) من النجوم (فقال) المكاتب (بل) وضعت النجم (الآخر أو الكل) أي كل النجوم، (حلف السيد) فيصدق لانه أعرف بمراده وفعله، (ولو قال) العبد لابني سيده (كاتبني أبوكما فصدقاه).
وهما أهل للتصديق، أو قامت بكتابته بينة (فمكاتب) عملا بقولهما أو بالبينة (فمن أعتق) منهما (نصيبه) منه (أو أبرأه عن نصيبه) من النجوم (عتق) خلافا للرافعي في تصحيحه الوقف (ثم إن عتق نصيب الآخر)، بأداء
أو إعتاق أو إبراء (فالولاء) على المكاتب (للاب) ثم ينتقل بالعصوبة إليهما بالمعنى السابق في أواخر كتاب الاعتاق (وإن عجز) فعجزه الآخر (عاد) نصيبه (قنا ولا سراية) على المعتق ولو كان موسرا لان الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها، والميت لا سراية عليه كما مر، وقولي ثم إلى آخره من زيادتي (وإن صدقه أحدهما فنصيبه مكاتب) عملا بإقرار، واغتفر التبعيض، لان الدوام أقوى من الابتداء (ونصيب المكذب قن يحلفه) على نفي العلم بكتابة أبيه، استصحابا لاصل الرق فنصف الكسب له، ونصفه للمكاتب فأن أعتق المصدق) نصيبه (وكان موسرا سري العتق) عليه إلى نصيب المكذب، لان المكذب يدعي أن الكل رقيق لهما، بخلاف ما لو أبرأه عن نصيبه من النجوم أو قبضه، فلا سراية أما لو أنكرا فيحلفان على نفي العلم كما علم مما مر.

(2/436)


كتاب أمهات الاولاد بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها جمع أم وأصلها أمهة، قاله الجوهري ومن نقل عنه، أنه قال جمع أمهة، أصل أم فقد تسمح ويقال في جمعها أمات، وقال بعضهم الامهات للناس والامات للبهائم، وقال آخرون يقال فيهما أمهات وأمات لكن الاول أكثر في الناس والثاني أكثر في غيرهم، ويمكن رد الاول إلى هذا والاصل فيه خبر أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه رواه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده وخبر أمهات الاولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما داحيا، فإذا مات فهي حرة رواه الدارقطني والبيهقي وصححا وقفه على عمر رضي الله عنه، وخالف ابن القطان، فصحح رفعه وحسنه وقال رواته كلهم ثقات وسبب عتقها بموته انعقاد الولد حرا للاجماع ولخبر الصحيحين إن من أشراط الساعة أن تلد الامة ربتها.
وفي رواية بها، أي سيدها فأقام الولد مقام أبيه، وأبوه حر فكذا هو.
لو (حبلت من حر) كله أو بعضه ولو كافرا أو مجنونا (أمته) ولو بلا وطئ أو بوطئ محرم،
(فوضعت حيا أو ميتا أو ما فيه غرة) وإن لم ينفصل (عتقت بموته ولو بقتلها له لما مر (كولدها) الحاصل (بنكاح) رقيقا (أو زنا بعد وضعها) فإنه يعتق بموت السيد، وإن ماتت أمه قبل ذلك بخلاف الحاصل، بشبهة وقد ظن أنها زوجته الحرة أو أمته لانعقاده حرا فإن ظن أنها زوجته الامة فكأمة وبخلاف الحاصل بنكاح أو زنا قبل الوضع لحدوثه قبل ثبوت حق، الحرية للام ومن ثم لم يعتق بموت السيد ولد المرهونة الحاصل بذلك بعد وضعها وقبل عود ملكها إليه، فيما لو أولدها وهو معسر، ثم بيعت في الدين ثم عاد ملكها وتقدم حكم المرهونة في كتاب الرهن، ومثلها الجانية المتعلق برقبتها مال وفي المحجور عليه بفلس خلاف رجح ابن الرفعة نفوذ إيلاده، وتبعه البلقيني وهو أوجه ورجح السبكي خلافه، وتبعه الاذرعي والزركشي، ثم قال لكن سبق عن الحاوي والغزالي النفوذ وخرج بزيادتي حر المكاتب، فلا تعتق بموته أمته، التي حبلت منه ولا ولدها وقولي حبلت أولى من قوله أحبلها لايهامه اعتبار فعله وليس مرادا، فإن استدخالها ذكره أو منيه المحترم، كذلك كما يثبت به النسب (أو) حبلت منه، (أمة غيره بذلك) أي بنكاح أو زنا (فالولد) الحاصل بذلك (رقيق) تبعا لامه (أو بشبهة) منه كأن

(2/437)


ظنها ولو زوجا أمته أو زوجته الحرة (فحر) لظنه وعليه قيمته لسيدها وكالشبهة نكاح أمة غر بحريتها كما مر في الخيار والاعفاف ولو ظن بالشبهة، أن الامة زوجته المملوكة، فالولد رقيق (ولا تصير)، من حبلت من غير مالكها (أم ولد) له (وإن ملكها) لانتفاء العلوق بحر في ملكه (وله) أي للسيد (انتفاع بأم ولده)، كوطئ واستخدام وإجارة (وأرش جناية عليها وتزويجها جبرا) وقيمتها إذا قتلت لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها كالمدبرة (ولا يصح تمليكها من غيرها) ببيع أو هبة، أو غيرهما لانها لا تقبل النقل وما رواه أبو داود عن جابر، كنا نبيع سرارينا أمهات الاولاد والنبي (صلى الله عليه وسلم) حي لا يرى بذلك بأسا أجيب عنه بأنه منسوخ، وبأنه منسوب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) استدلالا واجتهادا فيقد عليه ما نسب إليه قولا.
ونصا وهو نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن بيع أمهات الاولاد كما مر وخرج بزيادتي من غيرها تمليكها من نفسها فيصح كما أفتى به القفال في البيع، ومثله غيره مما يمكن لانه في الحقيقة إعتاق (و) لا يصح (رهنها) لما فيه من التسليط على بيعها، وتعبيري بما ذكر أولى من قوله ويحرم بيعها ورهنها وهبتها (كولدها التابع لها) في العتق بموت السيد، فلا يصح تملكه من غيره، ورهنه وهذه من زيادتي (وعتقهما من رأس المال) وإن حبلت به من سيدها، في مرض موته أو أوصى بعتقهما من الثالث كإنفاقه المال في الشهوات، فلا يؤثر فيه ذلك بخلاف ما لو أوصى بحجة الاسلام، من الثلث وهذا من زيادتي في الولد، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(2/438)