فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب إحياء الموات.
مَا لَمْ يُعْمَرْ إنْ كَانَ بِبِلَادِنَا مَلَكَهُ مسلم بإحياء ولو بحرم لا عرفة ومزدلفة ومنى أو ببلاد كفار ملكه كافر وكذا مسلم إن لم يذبونا عنه وما عمر لمالكه فإن جهل والعمارة إسلامية فمال ضائع أو جاهلية فيملك بإحياء ولا يملك به حريم عامر وهو ما يحتاج إليه لتمام انتفاع فلقرية ناد ومرتكض ومناخ إبل ومطرح رماد ونحوها ولبئر استقاء موضع نازح ودولاب ونحوهما وقناة مالو حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا ولدار ممر وفناء ومطرح نحو رماد ولا حريم لدار محفوفة بدور ويتصرف كل في ملكه بعادة فإن جاوزها ضمن وله أن يتخذه حماما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي أَيْ طُلَّابُ الرِّزْقِ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وغيره وصححه ابن حبان وهو سنة لذلك والموات أخذ مِمَّا يَأْتِي أَرْضٌ لَمْ تُعْمَرْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ تَكُنْ حَرِيمَ عَامِرٍ.
" مَا لَمْ يُعْمَرْ إنْ كَانَ بِبِلَادِنَا مَلَكَهُ مُسْلِمٌ " وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ " بِإِحْيَاءٍ وَلَوْ بِحَرَمٍ " أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ بِدَارِنَا كما سيأتي وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ بِدَارِنَا وَقَوْلِي مَلَكَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَمْلِكُهُ لِإِيهَامِهِ اشْتِرَاطَ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَ مُرَادًا " لَا عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى " لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِالْأَوَّلِ وَالْمَبِيتِ بِالْأَخِيرَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمُحَصَّبِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ الْمَبِيتُ بِهِ " أَوْ " كَانَ " بِبِلَادِ كُفَّارٍ ملكه كافر به " أي بالإحياء لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيهِ " وَكَذَا " يَمْلِكُهُ " مُسْلِمٌ " بِإِحْيَائِهِ " إنْ لَمْ يَذُبُّونَا " بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا أَيْ يَدْفَعُونَا " عَنْهُ " بِخِلَافِ مَا يَذُبُّونَا عَنْهُ أَيْ وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ " وَمَا عُمِرَ " وَإِنْ كَانَ الْآنَ خَرَابًا فَهُوَ " لِمَالِكِهِ " مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
" فَإِنْ جُهِلَ " مَالِكُهُ " وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ ضَائِعٌ " الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي حِفْظِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ أَوْ اقْتِرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ " أَوْ جاهلية فيملك بإحياء " كالركاز نعم إن كَانَ بِبِلَادِهِمْ وَذَبُّونَا عَنْهُ وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ فَظَاهِرٌ أَنَّا لَا نَمْلِكُهُ بِإِحْيَاءٍ " وَلَا يَمْلِكُ بِهِ " أَيْ بِالْإِحْيَاءِ " حَرِيمَ عَامِرٍ " لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَالِك الْعَامِرِ تَبَعًا لَهُ " وَهُوَ " أَيْ حَرِيمُ الْعَامِرِ "مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ انْتِفَاعِ" بِالْعَامِرِ " فَ " الْحَرِيمُ " لِقَرْيَةٍ " مُحَيَّاةٍ " نَادٍ " وهو مجتمع القوم للحديث " وَمُرْتَكَضٍ " لِخَيْلٍ أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ " وَمُنَاخِ إبِلٍ " بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ " وَمَطْرَحِ رَمَادٍ " وَسِرْجِينٍ " وَنَحْوِهَا " كَمَرَاحِ غَنَمٍ وَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ " وَ " الْحَرِيمُ " لِبِئْرِ اسْتِقَاءٍ " مُحَيَّاةٍ " مَوْضِعُ نَازِحٍ " مِنْهَا " وَ " مَوْضِعُ " دُولَابٍ " بِضَمِّ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهِ وَهُوَ يُطْلَقُ على ما يستقي بالنازح وما يُسْتَقَى بِهِ بِالدَّابَّةِ " وَنِحْوهمَا " كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَصُبُّ فِيهِ النَّازِحُ الْمَاءَ وَمُتَرَدِّدِ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهَا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَصَبِّ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلِي وَنَحْوِهِمَا أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " وَ " الْحَرِيمُ لِبِئْرِ " قَنَاةٍ " مُحَيَّاةٍ " مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا " أَيْ سُقُوطُهَا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى موضع نازح ولا غيره مِمَّا مَرَّ فِي بِئْرِ الِاسْتِقَاءِ " وَ " الْحَرِيمُ " لدار ممر وفناء " لجدرانها وهو مِنْ زِيَادَتِي " وَمَطْرَحِ نَحْوِ رَمَادٍ " كَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ وَحُذِفَتْ مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَالدَّارِ قَوْلُهُ فِي الْمَوَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهِ أَيْ بِجِوَارِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِي كَالْأَصْلِ.
" وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِدُورٍ " بِأَنْ أُحْيِيَتْ كُلُّهَا مَعًا لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ حَرِيمًا لَهَا لَيْسَ بالأولى من جعله حريما لأخرى.

(1/301)


وإصطبلا وحانوت حداد إن أحكم جدرانه ويختلف الإحياء بالغرض ففي مسكن تحويط ونصب باب وسقف بعض وفي زريبة الأولان وفي مزرعة جمع نحو تراب حولها وتسويتها وتهيئة ماء إن لم يكفها مطر وفي بستان تحويط ولو بجمع تراب وتهيئة ماء عادة وغرس وَمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أو نصب عليه علامة أو أقطعه له إمام فمتحجر وهو أحق به ولو أحياه آخر ملكه ولو طالت مدة تحجره قال له الإمام أحي أو اترك فإن استمهل أمهل مدة قريبة ولإمام أن يحمي لنحو نعم جزية مواتا وينقض حماه لمصلحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ " مِنْ الْمُلَّاكِ " فِي مِلْكِهِ بِعَادَةٍ " وإن أدى إلى ضرر جاره أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاءٍ أوحش فَاخْتَلَّ بِهِ جِدَارُ جَارِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا فِي الْحَشِّ مَاءُ بِئْرِهِ "فَإِنْ جَاوَزَهَا" أَيْ الْعَادَةَ فِيمَا ذَكَرَ " ضَمِنَ " بِمَا جَاوَزَ فِيهِ كَأَنْ دَقَّ دَقًّا عَنِيفًا أَزْعَجَ الْأَبْنِيَةَ أَوْ حَبَسَ الْمَاءَ فِي مِلْكِهِ فَانْتَشَرَتْ النَّدَاوَةُ إلَى جِدَارِ جَارِهِ " وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ " أَيْ مِلْكَهُ وَلَوْ بِحَوَانِيتِ بَزَّازِينَ " حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا " وَطَاحُونَةً " وَحَانُوتَ حَدَّادٍ إنْ أَحْكَمَ جُدْرَانَهُ " أَيْ كُلٌّ مِنْهَا بِمَا يَلِيقُ بِمَقْصُودِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمِلْكَ وَإِنْ ضَرَّ الْمَالِكَ بِنَحْوِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ " وَيَخْتَلِفُ الْإِحْيَاءُ بِ " حَسَبِ " الْغَرَضِ " مِنْهُ " فَ " يُعْتَبَرُ " فِي مَسْكَنٍ تَحْوِيطٌ " لِلْبُقْعَةِ بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ أَلْوَاحٍ خَشَبٍ أَوْ قصب بِحَسَبِ الْعَادَةِ " وَنَصْبُ بَابٍ وَسَقْفِ بَعْضٍ " مِنْ البقعة ليتهيأ للسكنى " وفي زريبة " للدواب وغيرها كَثِمَارٍ وَغِلَالٍ " الْأَوَّلَانِ " أَيْ التَّحْوِيطُ وَنَصْبُ الْبَابِ لَا السَّقْفِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَلَا يَكْفِي التَّحْوِيطُ بِنَصْبِ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وإطلاق الزَّرِيبَةَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهَا بِالدَّوَابِّ.
" وَفِي مَزْرَعَةٍ " بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا " جمع نحو تراب " كقصب وحجر وشوك " وحولها " لِيَنْفَصِلَ الْمُحَيَّا عَنْ غَيْرِهِ وَنَحْوِ مِنْ زِيَادَتِي " وتسويتها " بضم مُنْخَفِضٍ وَكَسْحٍ مُسْتَعْلٍ وَيُعْتَبَرُ حَرْثُهَا إنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إلَّا بما يُسَاقُ إلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ " وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ " لَهَا بِشَقِّ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أو حفر بئر أو قناة " إن لَمْ يَكْفِهَا مَطَرٌ" مُعْتَادٌ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلى تهيئة ماء فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّرَاعَةُ لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْإِحْيَاءِ " وَفِي بُسْتَانٍ تَحْوِيطٌ وَلَوْ بِجَمْعِ تُرَابٍ " حَوْلَ أَرْضِهِ " وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ " لَهُ بِحَسَبِ " عَادَةٍ " فِيهِمَا وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِي " وَغَرْسٌ " لِيَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ اسْمُ الْبُسْتَانِ وَبِهَذَا فَارَقَ اعْتِبَارَ الزَّرْعِ فِي الْمَزْرَعَةِ وَيَكْفِي غَرْسُ بَعْضِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ غَرْسٍ يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا وَكَلَامُ الْأَصْلِ قَدْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْوِيطِ وَجَمْعِ التُّرَابِ وَلَيْسَ مُرَادًا.
" وَمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى إحْيَائِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كِفَايَتِهِ " أَوْ نَصَّبَ عَلَيْهِ عَلَامَةً " كَنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرْزِ خَشَبٍ أَوْ جَمْعِ تُرَابٍ فَتَعْبِيرِي بِالْعَلَامَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ أَوْ عَلَّمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أو غرز خشب " أو قطعه لَهُ إمَامٌ " أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ مَوَاتِ بِلَادِ الْكُفَّارِ " فَمُتَحَجِّرٌ " لِذَلِكَ الْقَدْرِ " وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ أَيْ اخْتِصَاصًا لَا مِلْكًا " وَ " لَكِنْ " لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ " وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لِأَنَّهُ حَقَّقَ الْمِلْكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أن الأول لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ أَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ أَوْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ الزَّائِدَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ غير مُتَعَيَّنٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي أَقْوَى " وَلَوْ طَالَتْ " عُرْفًا " مُدَّةُ تَحَجُّرِهِ " بِلَا عُذْرٍ ولم يحيي " قَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ " مَا حَجَرْتَهُ لِأَنَّ فِي تَرْكِ إحْيَائِهِ إضْرَارًا بِالْمُسْلِمِينَ " فَإِنْ اُسْتُمْهِلَ " بِعُذْرٍ " أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً " لِيَسْتَعِدَّ فِيهَا لِلْعِمَارَةِ يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ بَطَلَ حَقُّهُ.
" وَلِإِمَامٍ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ " أَنْ يُحْمِيَ لِنَحْوِ نَعَمِ جِزْيَةٍ " كَضَالَّةٍ وَنَعَمِ صَدَقَةٍ وَفَيْءٍ وَضَعِيفٍ عَنْ النُّجْعَةِ أَيْ الْإِبْعَادِ فِي الذَّهَابِ " مَوَاتًا " لِرَعْيِهَا فِيهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ رَعْيِهَا وَلَمْ يَضُرَّ بِهِمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ بِالنُّونِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ الْآحَادُ وَبِنَحْوِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ مَا لَوْ حَمَى لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ لَا حِمَى إلَّا الله وَلِرَسُولِهِ وَلَوْ وَقَعَ كَانَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا لِأَنَّ مَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهُ كَانَ مَصْلَحَةً لَهُمْ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْمِيَ الْمَاءَ الْمُعِدَّ لِشُرْبِ نَحْوِ نَعَمِ الْجِزْيَةِ " وَ " لَهُ أَنْ " يَنْقُضَ حِمَاهُ لِمَصْلَحَةٍ " أَيْ عِنْدَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى وَلَهُ نَقْضُ حِمَى غَيْرِهِ أَيْضًا لِمَصْلَحَةٍ إلَّا حِمَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُغَيَّرُ بحال.

(1/302)


فصل:
منفعة الشارع مرور وكذا جلوس لنحو حرفة إن لم يضق وله تظليل بما لا يضر وقدم سابق ثم أقرع وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْهُ لِحِرْفَةٍ وَفَارَقَهُ ليعود ولم تطل مفارقته بحيث انقطع ألافه فحقه باق أو من مسجد لنحو إفتاء فكمحترف أو لصلاة وفارقه بعذر ليعود فحقه باق في تلك الصلاة أو من نحو رباط وخرج لحاجة فحقه باق.
فصل:
المعدن الظاهر ما خرج بلا علاج كنفط وكبريت وقار وموميا وبرام والباطن بخلافه كذهب وفضة وحديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ.
" مَنْفَعَةُ الشارع " الْأَصْلِيَّةِ " مُرُورٌ " فِيهِ " وَكَذَا جُلُوسٌ " وَوُقُوفٌ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ " لِنَحْوِ حِرْفَةٍ " كَاسْتِرَاحَةٍ وَانْتِظَارِ رفيق " إنْ لَمْ يُضَيِّقْ " عَلَى الْمَارَّةِ فِيهِ عَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ بِلَا إنْكَارٍ وَلَا يُؤْخَذُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضٌ وَفِي ارْتِفَاقِ الذِّمِّيِّ بِالشَّارِعِ بِجُلُوسٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ثُبُوتَهُ " وَلَهُ " أَيْ لِلْجَالِسِ فِيهِ " تَظْلِيلٌ " لِمَقْعَدِهِ " بِمَا لَا يَضُرُّ " الْمَارَّةَ مِمَّا يَنْقُلُ مَعَهُ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَبَارِيَّةٍ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ مَنْسُوجُ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ " وَقُدِّمَ سَابِقٌ " إلى مقعد لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ " ثُمَّ " إنْ لَمْ يَكُنْ سَابِقٌ كَأَنْ جَاءَ اثْنَانِ إلَيْهِ مَعًا " أَقْرَعَ " بَيْنَهُمَا إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَعَمْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْهُ لِحِرْفَةٍ وَفَارَقَهُ لِيَعُودَ " إلَيْهِ " وَلَمْ تَطُلْ مُفَارِقَتُهُ بحيث انقطع " عنه " ألافه " لمعاملة أو لنحوها " فَحَقُّهُ بَاقٍ " لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: " مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعَيُّنِ الْمَوْضِعِ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ فَيُعَامَلُ فَإِنْ فَارَقَهُ لَا لِيَعُودَ بَلْ لِتَرْكِهِ الْحِرْفَةَ أَوْ الْمَحَلَّ أَوْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وطالت مفارقته بحيث انقطع إلَافُهُ بَطَلَ حَقُّهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ مَتَاعَهُ أَوْ كَانَ جُلُوسُهُ فِيهِ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ أَوْ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُفَارِقَتَهُ لَا بِقَصْدِ عَوْدٍ وَلَا عَدَمِهِ كَمُفَارِقَتِهِ بِقَصْدِ عَوْدٍ وَلَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا بَطَلَ حَقُّهُ بِمُفَارِقَتِهِ وَمَتَى لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فَلِغَيْرِهِ الْقُعُودُ فِيهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ وَلَوْ لِمُعَامَلَةٍ.
" أَوْ " سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ " مِنْ مَسْجِدٍ لِنَحْوِ إفْتَاءٍ " كَإِقْرَاءِ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عِلْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالشَّرْعِ أَوْ سَمَاعِ دَرْسٍ بين يدي مدرس " فَكَمُحْتَرَفٍ " فِيمَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَتَعْبِيرِي بِنَحْوِ إفْتَاءٍ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " أَوْ " سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْهُ " لِصَلَاةٍ وَفَارَقَهُ بِعُذْرٍ " كَقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ أَوْ إجَابَةِ دَاعٍ " لِيَعُودَ " إلَيْهِ " فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ " وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ فِيهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ نَعَمْ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْبَتِهِ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ لِحَاجَةِ إتْمَامِ الصُّفُوفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ فَارَقَهُ بلا عذر أو به لا ليعود فيبطل حقه مطلقا وما لو لَمْ يُفَارِقْ الْمَحَلَّ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَحَقُّهُ بَاقٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ مَعَ الْمُفَارَقَةِ كَمَقَاعِدِ الشَّوَارِعِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاعِدِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ " أَوْ " سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ " مِنْ نَحْوِ رِبَاطٍ " مُسَبَّلٍ كَخَانِقَاهْ وَفِيهِ شَرْطُ مَنْ يَدْخُلُهُ " وَخَرَجَ " مِنْهُ " لِحَاجَةٍ " وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ " فَحَقُّهُ بَاقٍ " وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ مَتَاعَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ.
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ.
" الْمَعْدِنُ " بِمَعْنَى مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا نَوْعَانِ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ فَالْمَعْدِنُ " الظَّاهِرُ مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ " وَإِنَّمَا الْعِلَاجُ فِي تَحْصِيلِهِ " كَنِفْطٍ " بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا مَا يُرْمَى بِهِ " وَكِبْرِيتٍ " بِكَسْرِ أَوَّلِهِ " وقار " أي زفت " وموميا " بضم أوله.

(1/303)


ولا يملك ظاهر علمه بإحياء ولا الباطن بحفر ولا يثبت في ظاهر اختصاص بتحجر ولا إقطاع فإن ضاقا قدم سابق إن علم وإلا أقرع بقدر حاجته وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَلَكَهُ والماء المباح يستوي الناس فيه فإن أراد قوم سقي أرضهم منه فضاق سقي الأول إلى الكعبين ويفرد كل من مرتفع ومنخفض بسقي وما أخذ منه ملك وحافر بئر بموات لارتفاقه أولى بمائها حتى يرتحل ولتملك أو بملكه مالك لمائها وعليه بذل ما فضل عنه لحيوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمد وَيُقْصَرُ وَهُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ الْبَحْرُ إلَى السَّاحِلِ فَيَجْمُدُ وَيَصِيرُ كَالْقَارِ " وَبِرَامٍ " بِكَسْرِ أَوَّلِهِ حَجَرٌ يعمل مِنْهُ الْقُدُورُ " وَ " الْمَعْدِنُ " الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ " أَيْ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ فَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ " كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ " وَلِقِطْعَةِ ذَهَبٍ مَثَلًا أَظْهَرَهَا السَّيْلُ حُكْمُ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ " وَلَا يُمْلَكُ ظَاهِرٌ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " عَلِمَهُ " أَيْ مَنْ يُحْيِي " بِإِحْيَاءٍ " كَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ " وَلَا الباطن بِحَفْرٍ " لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَوَاتَ وَهُوَ إنَّمَا يُمْلَكُ بالعمارة وحفر المعدن تَخْرِيبٌ " وَلَا يَثْبُتُ فِي ظَاهِرِ اخْتِصَاصٍ بِتَحَجُّرٍ" بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَاءِ الْجَارِي وَالْكَلَأِ وَالْحَطَبِ " وَلَا " يَثْبُتُ فِيهِ " إقْطَاعٌ " لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ سَمَكِ بِرْكَةٍ ولا حشيش أرض ولا حطبها بِخِلَافِ الْبَاطِنِ فَيَثْبُتُ فِيهِ مَا ذُكِرَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى عِلَاجٍ " فَإِنْ ضَاقَا " أَيْ الْمَعْدِنَانِ عَنْ اثنين مثلا جاء " قُدِّمَ سَابِقٌ " إلَى بُقْعَتَيْهِمَا " إنْ عُلِمَ وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ " أُقْرِعَ " بَيْنَهُمَا فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَتَقْدِيمُ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ " بِقَدْرِ حَاجَتِهِ " بِأَنْ يَأْخُذَ مَا تَقْتَضِيهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً عَلَيْهَا أُزْعِجَ لِأَنَّ عُكُوفَهُ عَلَيْهِ كَالتَّحَجُّرِ وَذِكْرُ عَدَمِ الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ وَعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِالتَّحَجُّرِ وَحُكْمِ الضِّيقِ مِنْ زِيَادَتِي فِي الْبَاطِنِ وَقَوْلِي وَإِلَّا أَعَمُّ مِنْ قوله فلو جاء مَعًا.
" وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَلَكَهُ " لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَقَدْ مَلَكَهَا بالإحياء وخرج بظهوره مالو عَلِمَهُ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ أَمَّا بقعتهما فلا يملكها بإحيائها مع علمه بها لِفَسَادِ قَصْدِهِ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا مَزْرَعَةً أَوْ نَحْوَهَا وَقَوْلِي أحدهما أولى من تعبيره بالمعدن الباطن وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ كَلَامَ الْأَصْلِ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَاحْذَرْهُ " وَالْمَاءُ الْمُبَاحُ " كَالنَّهْرِ وَالْوَادِي وَالسَّيْلِ " يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهِ " بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَشَاءُ مِنْهُ لِخَبَرِ: " النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ " فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرْضَهُمْ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ " فَضَاقَ " الْمَاءُ عنهم وبعضهم أحيا أو لا " سَقَى الْأَوَّلُ " فَالْأَوَّلُ فَيَحْبِسُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ " إلَى " أَنْ يَبْلُغَ " الْكَعْبَيْنِ " لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: " وَيُفْرَدُ كُلٌّ مِنْ مُرْتَفَعٍ وَمُنْخَفَضٍ بِسَقْيٍ " بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدَهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّ ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرَ وَخَرَجَ بِضَاقَ مَا إذَا كان يفي الجميع فيسقي من شاء منهم متى شاء وتعبير بِالْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَعْلَى وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَقْرَبِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دَفْعَةً أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ وَلَا يَبْعُدُ القول بالإقراع ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
" وَمَا أُخِذَ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ بِيَدٍ أَوْ ظَرْفٍ كَإِنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي إناء " ملك " كالاحتطاب والاحتشاش ولورده إلَى مَحَلِّهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا بِهِ وَخَرَجَ بِأَخْذِ الْمَاءِ الْمُبَاحِ الدَّاخِلُ فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ " وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِارْتِفَاقِهِ " بِهَا " أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يرتحل " لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِقَصْدِ ارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ فيها كغيره كما فهم ذلك من زيادتي ضَمِيرَ لِارْتِفَاقِهِ " وَ " حَافِرُهَا بِمَوَاتٍ " لِتَمَلُّكٍ أَوْ بِمِلْكِهِ مَالِكٌ لِمَائِهَا " لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ " وَعَلَيْهِ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْهُ " أَيْ عن حاجته مجانا وإن ملكه " لحلايوان " مُحْتَرَمٍ لَمْ يَجِدْ صَاحِبُهُ مَاءً مُبَاحًا وَثَمَّ كَلَأٌ مُبَاحٌ يُرْعَى وَلَمْ يَحُزْ الْفَاضِلَ فِي إنَاءٍ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ تَمْكِينُ صَاحِبِ الْحَيَوَانِ لَا الِاسْتِسْقَاءُ لَهُ وَدَخَلَ فِي حَاجَتِهِ حَاجَتُهُ لِمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ بَذْلِ الْفَاضِلِ لِعَطَشِ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْهُمَا وَخَرَجَ بِالْحَيَوَانِ غَيْرُهُ كَالزَّرْعِ فَلَا يجب سقيه.

(1/304)


والقناة المشتركة يقسم ماؤها مهايأة أو بخشبة بعرضه مثقبة بقدر حصصهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَالْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ " بَيْنَ جَمَاعَةٍ " يُقْسَمُ مَاؤُهَا " عِنْدَ ضِيقِهِ بَيْنَهُمْ " مُهَايَأَةً " كَأَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ وَلِكُلِّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُهَايَأَةِ مَتَى شَاءَ " أَوْ بِ " نَصْبِ " خَشَبَةٍ بِعَرْضِهِ " أَيْ الْمَاءِ " مُثَقَّبَةٍ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ " مِنْ الْقَنَاةِ فَإِنْ جَهِلَ فَبِقَدْرِهَا مِنْ الْأَرْضِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثُّقَبُ مُتَسَاوِيَةً مَعَ تَفَاوُتِ الْحِصَصِ بِأَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ مَثَلًا ثُقْبَةً وَالْآخَرُ ثُقْبَتَيْنِ وَيَسُوقُ كُلُّ واحد نصيبه إلى أرضه.

(1/305)