فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الردة
هي قطع من يصح طلاقه الإسلام بكفر عزما أو قولا أو فعلا استهزاء أو عنادا أو اعتقادا كنفي الصانع أو نبي أو تكذيبه أو جحد مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة بلا عذر أَوْ تَرَدَّدَ فِي كُفْرٍ أَوْ إلْقَاءِ مُصْحَفٍ بقاذورة أو سجود لمخلوق فتصح ردة سكران كإسلامه ولو ارتد فجن أمهل ويجب تفصيل شهادة بردة ولو ادعى إكْرَاهًا وَقَدْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِلَفْظِ كُفْرٍ أَوْ فعله حلف أو بردته فلا تقبل وَلَوْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ مَاتَ أَبِي مرتدا فإن بين سبب ردته فنصيبه في وإلا استفصل وتجب استتابة مرتد حالا فإن أصر قتل أو أسلم صح ولو زنديقا وفرعه إن انعقد قبلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الرِّدَّةِ
" هِيَ " لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَشَرْعًا " قَطْعُ مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ الإسلام بِكُفْرٍ عَزْمًا " وَلَوْ فِي قَابِلٍ " أَوْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا اسْتِهْزَاءً " كَانَ ذَلِكَ " أَوْ عِنَادًا أَوْ اعْتِقَادًا " بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرِّدَّةِ كَاجْتِهَادٍ أَوْ سَبْقِ لِسَانٍ أَوْ حِكَايَةٍ أَوْ خَوْفٍ وَكَذَا قَوْلُ الْوَلِيِّ حَالَ غَيْبَتِهِ أَنَا اللَّهُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ يُعَزَّرُ فَلَا يَتَقَيَّدُ الاستهزاء وما عطف عليه بالقول وإن أو همه كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَلِكَ " كَنَفْيِ الصَّانِعِ" الْمَأْخُوذِ مِنْ قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ} 1 أو نفي " نبي أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ جَحْدٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ " إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِقَيْدَيْنِ زِدْتهمَا بِقَوْلِي " مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً بِلَا عُذْرٍ " كَرَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَكَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ بِخِلَافِ جَحْدٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَلَوْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ وَبِخِلَافِ الْمَعْذُورِ كَمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ " أَوْ تردد في كفر أو إلقاء مصحف بقاذورة أَوْ سُجُودٍ لِمَخْلُوقٍ " كَصَنَمٍ وَشَمْسٍ فَتَعْبِيرِي بِمَخْلُوقٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ " فَتَصِحُّ ردة سكران كَإِسْلَامِهِ " بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ " وَلَوْ ارْتَدَّ فَجُنَّ أُمْهِلَ " احْتِيَاطًا فَلَا يُقْتَلُ فِي جُنُونِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقِلُ وَيَعُودُ لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ قُتِلَ فِيهِ هُدِرَ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ لَكِنْ يُعَزَّرُ قَاتِلُهُ لِتَفْوِيتِهِ الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ.
" وَيَجِبُ تَفْصِيلُ شَهَادَةٍ بِرِدَّةٍ " لاختلاف الناس فيما يوجبها كما فِي الشَّهَادَةِ بِالْجَرْحِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَكِنَّهُمَا صُحِّحَا هُنَا فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا لَا يَقْدُمُ الشَّاهِدُ بِهَا إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السُّبْكِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَقْلًا وَنَقْلًا قَالَ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ بَحْثٌ لَهُ " وَلَوْ ادَّعَى " مُدَّعًى عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ " إكْرَاهًا وَقَدْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِلَفْظِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلِهِ حَلَفَ " فَيُصَدَّقُ وَلَوْ بِلَا قَرِينَةٍ لِأَنَّهُ لم يكذب الشهود والحزم أنه يُجَدِّدَ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ وَقَوْلِي أَوْ فِعْلِهِ مِنْ زيادتي " و " شَهِدْت " بِرِدَّتِهِ فَلَا تُقْبَلُ " أَيْ الْبَيِّنَةُ لِمَا مَرَّ وَعَلَى مَا فِي الْأَصْلِ تُقْبَلُ وَلَا يصدق مدعي الإكراه بلا قرينة لتكذيبه الشُّهُودَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا أَمَّا بِقَرِينَةٍ كَأَسْرِ كُفَّارٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُخْتَارًا " وَلَوْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ مَاتَ أَبِي مُرْتَدًّا فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ رِدَّتِهِ " كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ " فَنَصِيبُهُ فَيْءٌ " لِبَيْتِ الْمَالِ " وَإِلَّا " بِأَنْ أَطْلَقَ " اسْتُفْصِلَ " فَإِنْ ذَكَرَ مَا هُوَ رِدَّةٌ كَانَ فَيْئًا أَوْ غَيْرَهَا كَقَوْلِهِ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ صُرِفَ إلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَيْءٌ أَيْضًا ضَعِيفٌ.
" وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ مُرْتَدٍّ " ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فتزال وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ " حَالًا " لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا حَدٌّ فَلَا يُؤَخَّرُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ نَعَمْ إنْ كَانَ سَكْرَانَ سُنَّ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّحْوِ " فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ " لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" " أَوْ أَسْلَمَ صَحَّ " إسْلَامُهُ وَتُرِكَ "وَلَوْ" كان " زندقيا " أو تكرر ذلك لآية: {قُلْ لِلَّذِينَ
__________
1 سورة النمل الآية: 88.

(2/188)


أو فيها وأحد أصوله مسلم فمسلم أو مرتدون فمرتد وَمِلْكُهُ مَوْقُوفٌ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بالردة ويقضي منه دين لزمه قبلها وما أتلفه فيها ويمان منه ممونه وَتَصَرُّفُهُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْوَقْفَ بَاطِلٌ وَإِلَّا فموقوف إن أسلم نفذ وَيَجْعَلُ مَالَهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَأَمَتُهُ عِنْدَ نَحْوِ محرم ويؤجر ماله ويؤدي مكاتبه النجوم لقاض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَفَرُوا} 1 وَخَبَرُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقٍّ وَالزِّنْدِيقُ مَنْ يُخْفِي الْكَفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابَيْ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْفَرَائِضِ أَوْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِّمَّاتِ ثُمَّ " وَفَرْعُهُ " أَيْ الْمُرْتَدُّ " إنْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا " أَيْ الرِّدَّةِ " أَوْ فِيهَا وَاحِدٌ أُصُولُهُ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ " تَبَعًا وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو " أَوْ " أُصُولُهُ " مُرْتَدُّونَ فَمُرْتَدٌّ " تَبَعًا لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يبلغ ويستتاب فإن لم يتب قتل وَاخْتُلِفَ فِي الْمَيِّتِ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ تَبَعًا لِلْمُحَقِّقَيْنِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَقِيلَ عَلَى الْأَعْرَافِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَكَافِرٌ أَصْلِيٌّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ " وَمِلْكُهُ " أَيْ الْمُرْتَدِّ " مَوْقُوفٌ " كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ " إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ " وَإِلَّا فَلَا يَزُولُ " وَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا " بِإِتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِ " وَ " بَدَلِ " مَا أَتْلَفَهُ فِيهَا " قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَمَاتَ ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ " وَيُمَانُ مِنْهُ مُمَوِّنُهُ " مِنْ نَفْسِهِ وَبَعْضِهِ وَمَالِهِ وَزَوْجَاتِهِ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " وَتَصَرُّفُهُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ " بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَكِتَابَةٍ " بَاطِلٌ " لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ الْوَقْفَ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ احْتَمَلَهُ بِأَنْ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ " فَمَوْقُوفٌ إن أسلم نفذ " بمعجمة تبينا وَإِلَّا فَلَا " وَيَجْعَلُ مَالَهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَأَمَتُهُ عِنْدَ نَحْوِ مَحْرَمٍ " كَامْرَأَةٍ ثِقَةٍ احْتِيَاطًا وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ " وَيُؤَجَّرُ مَالُهُ " عَقَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ " وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ لِقَاضٍ " حِفْظًا لها ويعتق بِذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَدُّ لِأَنَّ قَبْضَهُ غير معتبر.
__________
1 سورة آل عمران الآية: 12.

(2/189)