فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الزنا.
يجب الحد على ملتزم عالم بتحريمه بإيلاج حشفة أو قدرها بفرج مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلَا شُبْهَةٍ وَلَوْ مكتراة أو مبيحة ومحرما وإن تزوجها لا بغير إيلاج وبوطء حليلته في نحو حيض وصوم وَفِي دُبُرٍ وَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ المحرم أو وطء بإكراه أو بتحليل عالم أو لميتة أو بهيمة والحد لمحصن رجم بمدر وحجارة معتدلة ولو في مرض وحر وبرد مفرطين وسن حفر لامرأة لم يثبت زناها بإقرار والمحصن مكلف حر ولو كافرا وطىء أو وطئت بقبل في نكاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الزِّنَا.
بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِي " يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مُلْتَزِمٍ " وَلَوْ حُكْمًا لِلْأَحْكَامِ " عَالِمِ بِتَحْرِيمِهِ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ " مُتَّصِلَةٍ مِنْ حَيٍّ " أَوْ قَدْرِهَا " مِنْ فَاقِدِهَا " بِفَرْجٍ " قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى " مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طبعا بلا شبهة ولو مكتراة " للزنا " أو مبيحة " لِلْوَطْءِ " وَمُحَرَّمًا " بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ " وإن " كان " تزوجها " وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ " لَا بِغَيْرِ إيلَاجٍ " لِحَشَفَتِهِ كَمُفَاخَذَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ " وَ " لَا " بِوَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي نَحْوِ حَيْضٍ وَصَوْمٍ " كَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِعَارِضٍ " و " وطئها " في دبرو " وَطْءِ " أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ الْمُحَرَّمِ " بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا وَأُمِّهِ مِنْ الرضاع أو مصاهرة كموطوءة أبيه وابنه لشبهة الملك المأخوذ من خبر ادرؤوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وَطْءَ أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ فِي دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي إنَّهُ يُوجِبُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ قُلْت الظَّاهِرُ مَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي قُبُلِهَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ الْمُبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يُبَحْ دُبُرًا قَطُّ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَسَائِرُ جَسَدِهَا مُبَاحٌ لِلْوَطْءِ فَانْتَهَضَ شُبْهَةً فِي الدبر والوثنية كالمحرم ولا يعترض بالزوجة فإن تحريمها لعارض كالحيض انتهى.
" أو وطء بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِتَحْلِيلِ عَالِمٍ " كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِلَا شُهُودٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَالْخِلَافِ " أَوْ " وَطْءٍ " لِمَيِّتَةٍ أو بهيمة " لأن فرجها غَيْرُ مُشْتَهًى طَبْعًا بَلْ يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ وَلَا بِوَطْءِ صبي أو مجنون أو حربي ولو معاهدا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ وَلَا بِوَطْءِ جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ لِجَهْلِهِ وَحُكْمُ الْخُنْثَى حُكْمُهُ فِي الْغُسْلِ وَتَعْبِيرِي بِمُلْتَزِمٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ وَقَوْلِي طَبْعًا وَفِي دُبُرٍ مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي بِحَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالذَّكَرِ وَقَوْلِي فِي نَحْوِ حَيْضٍ وَصَوْمٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ.
" وَالْحَدُّ لِمُحْصَنٍ " رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً " رَجْمٌ " حَتَّى يَمُوتَ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي أَخْبَارِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ نَعَمْ لَا رَجْمَ عَلَى الْمَوْطُوءِ فِي دُبُرِهِ بَلْ حَدُّهُ كَحَدِّ الْبِكْرِ وَإِنْ أُحْصِنَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيلَاجُ فِي دُبُرِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا وَالرَّجْمُ " بِمَدَرٍ " أَيْ طِينٍ مُسْتَحْجَرٍ " وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ " لَا بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ وَلَا بِصَخَرَاتٍ لِئَلَّا يُذَفِّفَهُ فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْمَى بِهِ مِلْءَ الْكَفِّ وَأَنْ يُتَوَقَّى الْوَجْهُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُقَيَّدُ " وَلَوْ " كَانَ الرَّجْمُ " فِي مَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ " لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ بِهِ " وَسُنَّ حَفْرٌ لِامْرَأَةٍ " عِنْدَ رَجْمِهَا إلَى صَدْرِهَا إنْ " لَمْ يَثْبُتْ زِنَاهَا بِإِقْرَارٍ " بِأَنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فيمكنها الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ لَهُ وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحَفْرِ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مقرة فبيان للجواز وذكر حكم اللعان من زيادتي.

(2/190)


صحيح ولو بناقص ولبكر حر مائة جلدة وتغريب عام لمسافة قصر فأكثر وَيَجِبُ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ إن رجى برؤه وإلا جلد بعثكال عليه مائة غصن ونحوه مرة فإن كان خَمْسُونَ فَمَرَّتَيْنِ مَعَ مَسِّ الْأَغْصَانِ لَهُ أَوْ انكباس فإن برأ أجزأه وتعيين الجهة للإمام وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ زِنَاهُ لَا لِبَلَدِهِ ولا لدون المسافة منه ومسافر لغير مقصده فإن عاد لمحله أو لدون المسافة منه جدد ولا تغرب امرأة إلا بنحو محرم ولو بأجرة فإن امتنع لم يجبر ولغير حر نصف حر ويثبت بإقرار ولو مرة أو بينة ولو أقر ثم رجع سقط لَا إنْ هَرَبَ أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي ولو شهد أربعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ " وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ " حُرٌّ وَلَوْ كَافِرًا وَطِئَ أَوْ وُطِئَتْ " بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ عَامِلٍ " بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ " فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ " بِنَاقِصٍ " كَأَنْ وَطِئَ كَامِلٌ بِتَكْلِيفٍ وَحُرِّيَّةٍ نَاقِصَةً أَوْ عَكْسُهُ فَالْكَامِلُ مُحْصَنٌ نَظَرًا إلَى حَالِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ بِهِ قَضَى الْوَاطِئُ أَوْ الْمَوْطُوءَةُ شَهْوَتَهُ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْحَرَامِ وَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ مختص بأكمل الجهات وهو النكاح الصحيح فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مَنْ وَطِئَ وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ زَنَى وَهُوَ كَامِلٌ وَيُرْجَمُ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِوَطْءٍ فِي مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا فِي التَّحْلِيلِ وَأَنَّهُ لَا إحْصَانَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ لِأَنَّهُ صِفَةُ كَمَالٍ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ كَامِلٍ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْوَطْءُ فِي حَالِ عِصْمَةٍ حَتَّى لَوْ وَطِئَ وَهُوَ حَرْبِيٌّ ثُمَّ زَنَى بَعْدَ أَنْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةُ رُجِمَ وَقَوْلِي أَوْ وُطِئَتْ مِنْ زِيَادَتِي.
" و " الحد " لبكر حر " من مكلف ولن ذِمِّيًّا وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً " مِائَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " وَلَاءَ لِآيَةِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 1 مع أخب الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْمَزِيدُ فِيهِمَا التَّغْرِيبُ عَلَى الْآيَةِ " لِمَسَافَةِ قَصْرٍ " لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ " فَأَكْثَرَ " إنْ رَآهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ فَلَا يَكْفِي تَغْرِيبُهُ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذْ لَا يَتِمُّ الْإِيحَاشُ الْمَذْكُورُ بِهِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَتَوَاصَلُ حِينَئِذٍ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْجَلْدِ أَوْلَى " وَيَجِبُ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ " إلَى اعْتِدَالِ الْوَقْتِ " وَمَرَضٍ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ وَإِلَّا جُلِدَ بِعِثْكَالٍ " بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَشْهُرُ مِنْ فَتْحِهَا وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ عُرْجُونٍ " عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ وَنَحْوُهُ " كَأَطْرَافِ ثِيَابٍ " مَرَّةً فَإِنْ كَانَ " عَلَيْهِ " خَمْسُونَ " غُصْنًا " فَمَرَّتَيْنِ " يُجْلَدُ بِهِ " مَعَ مَسِّ الْأَغْصَانِ لَهُ أَوْ انْكِبَاسٍ " لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفَارَقَ الْأَيْمَانَ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَلَمٌ بِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يسمى ضربا والحدود مبنية على الزجر ولا يحصل إلا بالإيلام.
" فَإِنْ بَرَأَ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا بَعْدَ ضَرْبِهِ بِذَلِكَ " أَجْزَأَهُ " الضَّرْبُ بِهِ وَقَوْلِي وَنَحْوَهُ مِنْ زِيَادَتِي وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَالِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ جَلَدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَبَ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ عَنْهَا لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِوَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ وفارق ما لو ختن الإمام أقلف فِيهَا فَمَاتَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ أَصْلًا وَقَدْرًا بِالنَّصِّ وَالْخِتَانُ قَدْرًا بِالِاجْتِهَادِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الرَّوْضَةِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ " وَتَعْيِينُ الْجِهَةِ لِلْإِمَامِ " فَلَوْ عَيَّنَ لَهُ جِهَةً لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهَا لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالزَّجْرِ " وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ زِنَاهُ لَا لِبَلَدِهِ وَلَا لِدُونِ الْمَسَافَةِ مِنْهُ " أَيْ مِنْ بَلَدِهِ " وَ " يُغَرَّبُ " مُسَافِرٌ لِغَيْرِ مَقْصِدِهِ " وَيُؤَخَّرُ تَغْرِيبُ غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ حَتَّى يَتَوَطَّنَ وَقَوْلِي وَلَا لِدُونِ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي " فَإِنْ عَادَ " الْمُغَرَّبِ " لِمَحَلِّهِ " الْأَصْلِيِّ أَوْ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ " أَوْ لِدُونِ الْمَسَافَةِ مِنْهُ جُدِّدَ " التَّغْرِيبُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَقَوْلِي أَوْ لِدُونِ الْمَسَافَةِ مِنْهُ مِنْ زِيَادَتِي.
فَرْعٌ: زَنَى فِيمَا غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْعَامِ الْأَوَّلِ " وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ إلَّا بِنَحْوِ مَحْرَمٍ " كَزَوْجٍ وَمَمْسُوحٍ وَامْرَأَةٍ وَبِأَمْنٍ " وَلَوْ بِأُجْرَةٍ " لِأَنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهِ الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ " فَإِنْ امْتَنَعَ " مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا بِأُجْرَةٍ " لَمْ يُجْبَرْ " كَمَا فِي الْحَجِّ وَلِأَنَّ فِي إجْبَارِهِ تَعْذِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَقَوْلِي بِنَحْوِ مَحْرَمٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ " وَ " الْحَدُّ " لِغَيْرِ حُرٍّ " وَلَوْ مُبَعَّضًا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْعَبْدِ " نِصْفُ " حَدِّ " حُرٍّ " فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
__________
1 سورة النور الآية: 2.

(2/191)


بزناها وأربع بأنها عذراء فلا حد ويستوفيه الإمام من حر ومكاتب ومبعض وسن حضوره كالشهود ويحد الرقيق الإمام أو السيد ولو فاسقا أو مكاتبا فإن تنازعا فالإمام ولسيده تعزيره وسماع بينة بعقوبته إن كان أهلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَذَابِ} 1 وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ السَّيِّدِ فِي عُقُوبَاتِ الْجَرَائِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِرِدَّتِهِ وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ السَّيِّدُ نَعَمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا حَدَّ عَلَى الرَّقِيقِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ بِالذِّمَّةِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعَاهِدِ وَالْمُعَاهِدُ لَا يُحَدُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ لِلْكَافِرِ أَنْ يَحُدَّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهِدِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ وظاهر أن ما مر ثُمَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَتَأْخِيرِ الْجَلْدِ لِمَا مَرَّ مَعَ مَا ذُكِرَ مَعَهُ يَأْتِي هُنَا.
" وَيَثْبُتُ " الزِّنَا " بِإِقْرَارٍ " حَقِيقِيٍّ " وَلَوْ مَرَّةً " لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ خبر واغد يا أنيس إلى إمرأة هذه فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا عَلَّقَ الرَّجْمَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ لأنه شك في عقله ولهذا قال أبك جُنُونٌ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصَّلًا كَالشَّهَادَةِ " أَوْ بينة " لآية: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} 2 وَكَذَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ كَمَا مَرَّ فَلَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ الْقَاضِي فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ أَمَّا السَّيِّدُ فَيَسْتَوْفِيه مِنْ رَقِيقِهِ بِعِلْمِهِ لِمَصْلَحَةِ تَأْدِيبِهِ " وَلَوْ أَقَرَّ " بِالزِّنَا " ثُمَّ رَجَعَ " عَنْ ذَلِكَ " سَقَطَ " الْحَدُّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْت لَعَلَّك لَمَسْت أَبِكَ جُنُونٌ " لَا إنْ هَرَبَ أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي " فَلَا يَسْقُطُ لِوُجُودِ مُثْبِتِهِ مَعَ عَدَمِ تصريحه برجوعه لَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا أَمَّا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ.
" وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ " مِنْ الرِّجَالِ " بِزِنَاهَا وَأَرْبَعٌ " مِنْ النِّسْوَةِ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ " بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ " بِمُعْجَمَةٍ أَيْ بِكْرٌ سُمِّيَتْ عَذْرَاءُ لِتَعَذُّرِ وَطْئِهَا وَصُعُوبَتِهِ " فَلَا حَدَّ " عَلَيْهَا لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَذْرَاءِ أنها لم توطأ ولا على قاذفها القيام بالبينة بِزِنَاهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْعُذْرَةَ زَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} 3 وَقَوْلِي فَلَا حَدَّ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ حُدَّتْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ " وَيَسْتَوْفِيهِ " أي الحد " الإمام " ولو بناثبه " مِنْ حُرٍّ " لِمَا مَرَّ " وَمُكَاتَبٍ " كَالْحُرِّ لِاسْتِقْلَالِهِ " وَمُبَعَّضٍ " لِجُزْئِهِ الْحُرِّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَالْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَعَبْدِ بَيْتِ الْمَالِ " وَسُنَّ حُضُورُهُ " أَيْ الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ سَوَاءٌ أَثَبَتَ الزِّنَا بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَلَمْ يَحْضُرْ.
" كَالشُّهُودِ " فَيُسَنُّ حُضُورُهُمْ قَالُوا وَحُضُورُ جَمْعٍ أقلهم أربعة الظاهر أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْضُرْ " وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ " غَيْرَ الْمُكَاتَبِ " الْإِمَامُ " لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ " أَوْ السَّيِّدُ " وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْتَرُ " وَلَوْ فَاسِقًا " أَوْ كَافِرًا وَرَقِيقُهُ كَافِرٌ " أَوْ مُكَاتَبًا " لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" نَعَمْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِنَحْوِ سَفَهٍ يَقُومُ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا وَقَيِّمًا مَقَامَهُ " فَإِنْ تَنَازَعَا " فِيمَنْ يحد " فَالْإِمَامُ " أَوْلَى لِمَا مَرَّ " وَلِسَيِّدِهِ تَعْزِيرُهُ " لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِحَقِّ غَيْرِهِ كَمَا يُؤَدِّبُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ " وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِعُقُوبَتِهِ " أَيْ بِمُوجِبِهَا بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " إنْ كَانَ أَهْلًا " لِسَمَاعِهَا بِأَنْ كَانَ رَجُلًا عَدْلًا عَالِمًا بِصِفَاتِ الشُّهُودِ وَأَحْكَامِ العقوبة.
__________
1 سورة النساء الآية: 25.
2 سورة النساء الآية: 15.
3 سورة البقرة الآية: 282.

(2/192)