فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الجزية.
أركانها عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ وَشَرْطٌ فيها ما في البيع وهي كأقررتكم أو أذنت في إقامتكم بدارنا على أن تلتزموا كذا وتنقادوا لحكمنا وقبلنا ورضينا وصدق كافر في دخلت لسماع كلام الله أو رسولا أو بأمان مسلم وفي العاقد كونه إماما وعليه إجابة إذا طلبوا وأمن وفي المعقود له كونه متمسكا بكتاب لجد أعلى لم نعلم تمسكه به بعد نسخه حرا ذكرا غير صبي ومجنون وتلفق إفاقة جنون كثر ولو كمل عقد له إن التزم جزية وإلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الْجِزْيَةِ.
تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} 1 أي لا تقضي والأصل لها قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 2 وَقَدْ أَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ" كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفُسِّرَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا.
" أَرْكَانُهَا " خَمْسَةٌ " عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ وَشَرَطَ فِيهَا " أَيْ فِي الصِّيغَةِ " مَا " مَرَّ فِي شَرْطِهَا " فِي الْبَيْعِ " مِنْ نَحْوِ اتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مُؤَقَّتَةٌ أَوْ مُعَلَّقَةٌ وَذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَقَدْرِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَفْيَدُ مِمَّا عُبِّرَ بِهِ " وَهِيَ " أَيْ الصِّيغَةُ إيجَابًا " كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِدَارِنَا " مَثَلًا " عَلَى أَنْ تَلْتَزِمُوا كذا " جزية " وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا " الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَزِنًا وَسَرِقَةٍ دُونَ غَيْرِهِ كَشُرْبِ مُسْكِرٍ وَنِكَاحِ مَجُوسٍ مَحَارِمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالِانْقِيَادَ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فيجب ذكرهما كالثمن في البيع " و " قبولا نَحْوَ " قَبِلْنَا وَرَضِينَا " وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الِانْقِيَادِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ كَفِّ لِسَانِهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِانْقِيَادِ غَنِيَّةً عَنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ صِحَّةِ التَّأْقِيتِ السَّابِقِ مَا لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُكُمْ مَا شِئْتُمْ لِأَنَّ لهم نبذ العقد متى شاؤوا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَهُ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ.
" وَصُدِّقَ كَافِرٌ " وُجِدَ فِي دَارِنَا " فِي " قَوْلِهِ " دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ " تَعَالَى " أَوْ رَسُولًا أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ " فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ لِأَنَّ قَصْدَ ذَلِكَ يؤمنه وَالْغَالِبُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَدْخُلُ بِلَادَنَا إلَّا بِأَمَانٍ فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ نَدْبًا نَعَمْ إنْ اُدُّعِيَ ذَلِكَ بَعْدَ أَسْرِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا ببينة " و " شرط " في العقد كَوْنُهُ إمَامًا " يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ بَلْ يُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ " وَعَلَيْهِ إجَابَةٌ إذَا طَلَبُوا وَأَمِنَ " بِأَنْ لَمْ يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ وَمَكِيدَتَهُمْ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَاسُوسًا يَخَافُ شَرَّهُ لَمْ يُجِبْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ إلَى أَنْ قَالَ: "فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ" وَيُسْتَثْنَى الْأَسِيرُ إذَا طُلِبَ عَقْدُهَا فَلَا يجب تقريره به وَقَوْلِي وَأَمِنَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا جَاسُوسًا يَخَافُهُ.
" وَ " شُرِطَ " فِي الْمَعْقُودِ لَهُ كَوْنُهُ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابٍ " كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ كِتَابِيًّا وَلَوْ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِأَنْ اخْتَارَهُ أَمْ مَجُوسِيًّا " لِجَدٍّ " لَهُ " أَعْلَى لَمْ نَعْلَمْ " نَحْنُ " تَمَسُّكَهُ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ " بِأَنْ عَلِمْنَا تَمَسُّكَهُ بِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ وَلَوْ كَانَ تَمَسُّكُهُ بِهِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبْدَلَ مِنْهُ وَذَلِكَ للآية وخبر.
__________
1 سورة البقرة الآية: 123.
2 سورة التوبة الآية: 29.

(2/218)


بلغ المأمن وفي المكان قبوله فيمنع كافر إقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها فلو دخله بلا إذن إمام أخرجه وعزر عالما بالتحريم ولا يأذن له إلَّا لِمَصْلَحَةٍ لَنَا كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ فِيهَا كَبِيرُ حاجة وإلا فلا يأذن له إلا بشرط أخذ شيء منها ولا يقيم إلا ثلاثة فإن مرض فيه وشق نقله أو خيف منه ترك فإن مات وشق نقله دفن ثم ولا يدخل حرم مكة فإن كان رسولا خرج له إمام يَسْمَعُهُ فَإِنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ فِيهِ نُقِلَ وفي المال كونه دينارا فأكثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبُخَارِيِّ السَّابِقَيْنِ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدَيْنٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ وَلَا لِمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ ولا شبهة كعبدة الأوثان والشمس والملائكة وحكم السامرة والصائبة هُنَا كَهُوَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُمْ فَيُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ فَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ وأولى من تعبيره بما ذكره " حرا غير صبي ومجنون " ولو سكران وَزَمِنًا وَهَرِمًا وَأَعْمَى وَرَاهِبًا وَأَجِيرًا وَفَقِيرًا لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ فَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَحْقُونُ الدَّمِ وَالْآيَةُ السَّابِقَةُ فِي الذُّكُورِ وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى والمرأة عقد الذمة في الجزية أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ وَلَوْ بَانَ خنثى الْمَعْقُودُ لَهُ ذَكَرًا طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " وَتُلَفَّقُ إفَاقَةُ جُنُونٍ " أَيْ أَزْمِنَتُهَا إنْ " كَثُرَ " الْجُنُونُ وَأَمْكَنَ تَلْفِيقُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ اعْتِبَارًا لِلْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْمُجْتَمِعَةِ وَخَرَجَ بِكَثُرَ مَا لَوْ قَلَّ زَمَنُ الْجُنُونِ كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ.
" وَلَوْ كَمَلَ " بِبُلُوغٍ أَوْ إفَاقَةٍ أَوْ عِتْقٍ " عُقِدَ لَهُ إنْ الْتَزَمَ جِزْيَةً " فلا يكفي بِعَقْدِ مَتْبُوعِهِ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا " بَلَغَ الْمَأْمَنَ " لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَمَانِ مَتْبُوعِهِ وَتَعْبِيرِي بِكَمَلَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبَلَغَ " وَ " شُرِطَ " فِي الْمَكَانِ قَبُولُهُ " لِلتَّقْرِيرِ " فَيُمْنَعُ كَافِرٌ " ولو ذميا " إقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وطرفها " أَيْ الثَّلَاثَةِ " وَقُرَاهَا " كَالطَّائِفِ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ روى البيهقي عن أبي عبيدة ابن الْجَرَّاحِ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ" وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ: " أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" وَمُسْلِمٌ خَبَرَ: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" وَالْقَصْدُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهِ وَتَعْبِيرِي بِالْإِقَامَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالِاسْتِيطَانِ " فَلَوْ دَخَلَهُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ أَخْرَجَهُ " مِنْهُ لِعَدَمِ إذْنِهِ لَهُ " وَعُزِّرَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ " بِدُخُولِهِ لجراءته بخلاف ما إذا جهله " ولا يأذن لَهُ " فِي دُخُولِهِ الْحِجَازَ غَيْرَ حَرَمِ مَكَّةَ " إلَّا لِمَصْلَحَةٍ لَنَا كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ وَإِلَّا " بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَبِيرُ حاجة " فلا يأذن لَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا " أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا كَالْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ بِحَسْبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْجِزْيَةِ " وَلَا يُقِيمُ " فِيهِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ فِي دُخُولِهِ " إلَّا ثَلَاثَةً " مِنْ الْأَيَّامِ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْهَا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا ثُمَّ وَالْمُرَادُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَوْ أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ أَيْ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَكَذَا فَلَا مَنْعَ.
" فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ وَشَقَّ نَقْلِهِ " مِنْهُ " أَوْ خِيفَ مِنْهُ " مَوْتُهُ أَوْ زِيَادَةُ مَرَضِهِ وَذِكْرُ الْخَوْفِ مِنْ زِيَادَتِي " تُرِكَ " مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ وَإِلَّا نُقِلَ رِعَايَةً لِحُرْمَةِ الدَّارِ وَتَقْيِيدِي التَّرْكَ فِي الْمَرِيضِ بِمَشَقَّةِ نَقْلِهِ تَبِعْتُ فِيهِ الْأَصْلَ وَالْحَاوِي وَغَيْرَهُمَا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَإِنْ خَالَفَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاَلَّذِي فِيهِمَا عَنْ الإمام أنه ينقل عظمت المشقة أولا وَعَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ اقتصر مختصر الروضة " فَإِنْ مَاتَ " فِيهِ " وَشَقَّ نَقْلُهُ " مِنْهُ لِتَقَطُّعِهِ أَوْ بُعْدِ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ " دُفِنَ ثَمَّ " لِلضَّرُورَةِ نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ وَتُغْرَى الْكِلَابُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وُورِيَ أَمَّا إذَا لَمْ يَشُقَّ نَقْلُهُ بِأَنْ سَهُلَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فَيُنْقَلَ فَإِنْ دُفِنَ تُرِكَ " وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ " وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} 1 وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقرا يمنعهم مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 2 وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ.
" فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ لَهُ إمَامٌ " بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ " يَسْمَعُهُ فَإِنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ فِيهِ نُقِلَ " مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ أَوْ دفن أو.
__________
1 سورة التوبة الآية: 28.
2 سورة التوبة الآية: 28.

(2/219)


كل سنة لكن لا يعقد لسفيه بأكثر وسن مماكسة غير فقير فيعقد لمتوسط بدينارين ولغني بأربعة وَلَوْ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ حجر عليه فجزيته كدين آدمي أو في أثنائها فقسط وتؤخذ الجزية برفق وسن أن يشرط على غير فقير ضيافة من يمر به منا زائدة على جزية ثلاثة أيام فأقل ويذكر عدد ضيفان رجلا وخيلا ومنزلهم ككنيسة وفاضل مسكن وجنس طعام وأدم وقدرهما لكل منا والعلف لا جنسه وقدره إلا الشعير فيقدره وله إجابة من طلب أداء جزية باسم زكاة إن رآه وتضعيفها عليه لا الجبران ولا يأخذ قسط بعض نصاب ثم المأخوذ جزية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ لِتَعَدِّيهِ وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ بِالْإِذْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِذْنُ نَعَمْ إنْ تَهَرَّى بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ وَفِيهِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْحِجَازِ فَلِكُلِّ كَافِرٍ دُخُولُهُ بِأَمَانٍ " وَ " شُرِطَ " فِي الْمَال " عِنْدَ قُوتِنَا " كَوْنُهُ دِينَارًا فَأَكْثَرَ كُلَّ سَنَةٍ " عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَيْ مُحْتَلِمٍ دِينَارًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والحاكم " ولكن لَا يُعْقَدُ لِسَفِيهٍ بِأَكْثَرَ " مِنْ دِينَارٍ احْتِيَاطًا له سواء أعقد هو أم وليه وهذا من زيادتي.
" وسن " للإمام " مما كسة غير فقير " أَيْ مُشَاحَّتُهُ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ أَعَقَدَ بنفسه أم بِوَكِيلِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَسُنَّ أَنْ يفاوت بينهم " فيعقد لمتوسط بدينار وَلِغَنِيٍّ بِأَرْبَعَةٍ " لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا آخِرَ السَّنَةِ مَا عُقِدَ بِهِ إنْ وُجِدَ بِصِفَتِهِ آخِرَهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ الْأَخْذِ لَا بِوَقْتِ الْعَقْدِ نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ فَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَامْتَنَعَ الْكَافِرُ مِنْ بَذْلِ الزَّائِدِ فَنَاقِضٌ لِلْعَهْدِ كَمَا سَيَأْتِي فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ " وَلَوْ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ " بِفَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ بَعْدَ سَنَةٍ " فَجِزْيَتُهُ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ " فَتُقَدَّمُ عَلَى الوصايا والإرث ويسوى بينها وَبَيْنَ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا مَالُ مُعَاوَضَةٍ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الزَّكَاةَ حَيْثُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا "أَوْ" أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ " فِي أَثْنَائِهَا " أَيْ السَّنَةِ " فَقُسِّطَ " مِنْ الْجِزْيَةِ لِمَا مَضَى كَالْأُجْرَةِ وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يَخْلُفَ وَارِثًا خَاصًّا مستغرقا وإلا فماله أَوْ الْبَاقِي بَعْدَ قِسْطِ الْجِزْيَةِ فَيْءٌ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي بَعْدَ الْقِسْطِ فِي الثَّانِي وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْجُنُونِ وَالْحَجْرِ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ " مِنْهُ " بِرِفْقٍ " كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَتِهَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا لَا يُعْتَقَدُ حِلُّهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الْكَافِرُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ ظَهْرَهُ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى سَنِّهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَشَدُّ بُطْلَانًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا " وَسُنَّ " لِإِمَامٍ "أَنْ يَشْرِطَ" بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ " عَلَى غَيْرِ فَقِيرٍ " مِنْ غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ " ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَّا " بِخِلَافِ الْفَقِيرِ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا تَتَيَسَّرُ له " زائدة عَلَى جِزْيَةٍ " لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى التَّمْلِيكِ " ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ " وَإِطْلَاقِي مَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِبَلَدِهِمْ.
" وَيَذْكُرَ عَدَدَ ضِيفَانٍ رَجْلًا وَخَيْلًا " لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَأَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ بِأَنْ يَشْرِطَ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَأَنْ يَقُولَ وَتُضَيِّفُوا فِي كل سنة ألف مسلم وهم يَتَوَزَّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ " وَ " يَذْكُرَ " مَنْزِلَهُمْ كَكَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وجنس طعام وأدم " مِنْ خُبْزٍ وَسَمْنٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهَا " وَقَدْرِهِمَا لِكُلٍّ منا " ويفاوت بينهم في القدر لا فِي الصِّفَةِ بِحَسْبِ تَفَاوُتِ الْجِزْيَةِ وَيَذْكُرَ قَدْرَ أَيَّامِ الضِّيَافَةِ فِي الْحَوْلِ كَمِائَةِ يَوْمٍ فِيهِ " و " يذكر " الْعَلَفَ " لِلدَّوَابِّ " لَا جِنْسَهُ وَ " لَا " قَدْرَهُ " أَيْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُمَا فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَحَشِيشٍ وُقِّتَ بِحَسْبِ الْعَادَةِ " إلَّا الشَّعِيرَ " إنْ ذَكَرَهُ " فَيُقَدِّرُهُ " وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ دَوَابُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ لَهُ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ وَقَوْلِي لَا جِنْسَهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ: "الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ".
" وَلَهُ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ " مِنْهُ وَلَوْ أَعْجَمِيًّا " أَدَاءُ جِزْيَةٍ " لَا بِاسْمِهَا بَلْ " بِاسْمِ زَكَاةٍ إنْ رَآهُ " مَصْلَحَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ الْجِزْيَةِ " وَ " لَهُ " تَضْعِيفُهَا " أَيْ الزَّكَاةِ " عَلَيْهِ " كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَهُ أَيْضًا تربيعها.

(2/220)


فصل
لزمنا الكف مطلقا والدفع عنهم لا بدار حرب خلت عن مسلم إلا إن شرط أو انفردوا بجوارنا وضمان ما نتلفه عليهم نفسا ومالا ومنهم إحداث كنيسة ونحوها وهدمهما لا ببلد فتحناه صلحا وشرط لنا مع إحداثهما أو إبقائهما أو لهم ومنعهم مساواة بناء لبناء جار مسلم وركوبا لخيل وبسرج أو ركب نحو حديد وإلجاؤهم لزحمتنا إلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ " لَا الْجُبْرَانُ " لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَفِي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ وَفِي الْمُعَشِّرَاتِ خُمُسُهَا أَوْ عُشْرُهَا وَفِي الرِّكَازِ خُمُسَانِ وَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا لَيْسَ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ أَوْ حِقَّتَيْنِ مَعَ أَخْذِهِ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مع كل واحدة شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ لَكِنَّ الْخِيرَةَ فِي ذَلِكَ هُنَا لِلْإِمَامِ لَا لِلْمَالِكِ كَمَا نص عليه الشافعي " وَلَا يَأْخُذُ قِسْطَ بَعْضِ نِصَابٍ " كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ مِنْ عَشْرَةٍ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي تَضْعِيفِ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ " ثُمَّ الْمَأْخُوذُ " مِنْهُ مُضَعَّفًا أَوْ غَيْرَ مُضَعَّفٍ " جِزْيَة " فَيُصْرَفُ مَصْرِفَهَا وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضَوْا بِالْمَعْنَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَيُزَادُ عَلَى الضَّعْفِ إنْ لَمْ يَفِ بِدِينَارٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى أَنْ يَفِيَ.
فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ.
غَيْرِ مَا مَرَّ " لَزِمَنَا " بِعَقْدِهَا لِلْكُفَّارِ " الْكَفُّ " عَنْهُمْ " مُطْلَقًا " عن التقييد بما يأتي بأن لا تتعرض لَهُمْ نَفْسًا وَمَالًا وَسَائِرَ مَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كخمر وخنزير لم يظهر وهما لِأَنَّهُمْ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِعِصْمَتِهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" " وَالدَّفْعُ " أَيْ دَفْعُ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ " عنهم " إن كانوا بدارنا أَوْ بِدَارِ حَرْبٍ فِيهَا مُسْلِمٌ: " لَا " إنْ كَانُوا " بِدَارِ حَرْبٍ خَلَتْ عَنْ مُسْلِمٍ " فَلَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ إذْ لَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهَا بِخِلَافِ دَارِنَا " إلَّا إنْ شُرِطَ " الدَّفْعُ عَنْهُمْ " أَوْ انْفَرَدُوا بِجِوَارِنَا " فَيَلْزَمُنَا ذَلِكَ لِالْتِزَامِنَا إياه في الأولى وإلحاقا فِي الثَّانِيَةِ بِنَا فِي الْعِصْمَةِ وَقَوْلِي لَا بدار إلى إلَّا إنْ شُرِطَ مَعَ تَقْيِيدِ مَا بَعْدَهُ بِقَوْلِي بِجِوَارِنَا مِنْ زِيَادَتِي.
" و " لَزِمَنَا " ضَمَانُ ما نتلفه عليهم نفسا ومالا " أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ لِعِصْمَتِهِمْ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا " و " لَزِمَنَا " مَنْعُهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَنَحْوهَا " كَبِيعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلتَّعَبُّدِ فِيهِمَا " و " لَزِمَنَا " هَدْمُهُمَا " بِبَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ كَبَغْدَادَ وَالْقَاهِرَةِ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كاليمن والمدينة أو فتحناه عنوة فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَنَا " لَا بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ صُلْحًا وَشُرِطَ " كَوْنُهُ " لَنَا مَعَ إحْدَاثِهِمَا " فِي الْأُولَى " أَوْ إبْقَائِهِمَا " فِي الثَّانِيَةِ " أَوْ " شُرِطَ كَوْنُهُ " لَهُمْ " وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهُ فَلَا نَمْنَعُهُمْ إحْدَاثهمَا وَلَا نَهْدِمُهُمَا لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ فِيمَا إذَا شُرِطَ لَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا إحْدَاثَهُمَا أَوْ إبْقَاءَهُمَا فِيمَا إذَا شُرِطَ لَنَا نَعَمْ لَوْ وجدتا ببلد لم نعمل إحْدَاثَهُمَا بِهِ بَعْدَ إحْدَاثِهِ أَوْ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ أَوْ فَتْحِهِ وَلَا وَجُودَهُمَا عِنْدَهَا لَمْ نَهْدِمْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا كَانَتَا فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ فَاتَّصَلَتْ بِهِمَا عِمَارَتُنَا وَقَوْلِي وَنَحْوُهَا مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْفَتْحِ صُلْحًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ كَوْنِ الْبَلَدِ لَنَا مَعَ شَرْطِ إحْدَاثِ مَا ذكر وهو ما نقل الشَّيْخَانِ فِي الْأَخِيرَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّاهُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَنْعِ وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَهُ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ وَمَسْأَلَةُ الْهَدْمِ بِبَلَدِ أَحْدَثْنَاهُ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِي.
" و " لَزِمَنَا " مَنْعُهُمْ مُسَاوَاةَ بِنَاءٍ لِبِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ " وَرَفْعِهِ عليه المفهوم الأولى وَإِنْ رَضِيَ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَلِخَبَرِ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعُوا عَلَى عَوْرَاتِنَا وللتمييز بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَارٌ مُسْلِمٌ كَأَنْ انْفَرَدُوا بَقَرِيَّةٍ أَوْ بعدوا عن بناء المسلم عرفا إذ المراد بالجار أَهْلُ مَحَلَّتِهِ دُونَ جَمِيعِ الْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ " و " مَنْعُهُمْ " رُكُوبًا لِخَيْلٍ " لِأَنَّ فِيهِ عِزًّا وَاسْتَثْنَى الْجُوَيْنِيُّ الْبَرَاذِينَ الْخَسِيسَةَ وخرج بالخيل غيرها كالحمير.

(2/221)


أضيق طريق وعدم توفيرهم وتصديرهم بمجلس به مسلم وأمرهم بغيار أو زنار فوق الثياب وتمييزهم بنحو خاتم حديد إن تجردوا بمكان به مسلم ومنعهم إظهار منكر بيننا فإن خالفوا عزروا ولم ينتقض عهدهم ولو قاتلونا أو أبوا جزية أو إجراء حكمنا انتقض ولو زنى ذمي بمسلمة ولو بنكاح أو دل أهل حرب على عورة لنا أو دعا مسلما لكفر أو سب الله أو نبيا له أَوْ الْإِسْلَامَ أَوْ الْقُرْآنَ بِمَا لَا يَدِينُونَ به أو نحوها انتقض عهده إن شرط انتقاضه به ومن انتقض عهده بقتال قتل أو بغيره وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ عَهْدٍ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ فإن أسلم قبلها تعين من ومن انتقض أمانه لم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً " و " رُكُوبًا " بِسَرْجٍ أَوْ رَكْبِ نَحْوِ حَدِيدٍ " كَرَصَاصٍ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَنَّا بِخِلَافِ بَرْذعَةٍ وَرَكْبِ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُؤَمَّرُونَ بِالرُّكُوبِ عَرْضًا وَقِيلَ لَهُمْ الِاسْتِوَاءُ وَاسْتَحْسَنَ الشَّيْخَانِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَهَذَا فِي الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ أَيْ الْعُقَلَاءِ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي " و " لَزِمَنَا " إلْجَاؤُهُمْ " بِقَيْدٍ زدته بقولي " لزحمتنا إلى أضيق طريق " بِحَيْثُ لَا يَقَعُونَ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُمْ جدار روى الشيخان خبر: " لا تبدؤوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ" فَإِنْ خَلَتْ الطُّرُقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ " و " لَزِمَنَا " عَدَمُ تَوْقِيرِهِمْ و " عَدَمُ " تَصْدِيرِهِمْ بِمَجْلِسٍ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " بِهِ مُسْلِمٌ " إهَانَةً لَهُمْ " و " لَزِمَنَا " أمرهم " أعني البالغين العقلاء منهم " بغيار " بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَغْيِيرُ اللِّبَاسِ بِأَنْ يَخِيطَ فَوْقَ الثِّيَابِ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْتَادُ الْخِيَاطَةَ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُ وَيُلْبَسُ وَالْأَوْلَى باليهودي الأصفر وبالنصراني الأزرق أو الأكهب ويقال الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِيِّ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ وَيَكْتَفِي عَنْ الْخِيَاطَةِ بِالْعِمَامَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَبِإِلْقَاءِ مِنْدِيلِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ " أَوْ زُنَّارٍ " بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ " فَوْقَ الثِّيَابِ " فَجَمْعُ الْغِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الشُّهْرَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَعْبِيرِي بِأَوْ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ وَالْمَرْأَةُ تَجْعَلُ زُنَّارَهَا تَحْتَ الْإِزَارِ مَعَ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فيما يظهر.
" و " لزمنا أمرهما ب " تَمْيِيزِهِمْ بِنَحْوِ خَاتَمٍ حَدِيدٍ " كَخَاتَمِ رَصَاصٍ وَجُلْجُلٍ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا " إنْ تَجَرَّدُوا " عَنْ ثِيَابِهِمْ " بِمَكَانٍ " كَحَمَّامٍ " بِهِ مُسْلِمٌ " وَتَقْيِيدِي بِالْمُسْلِمِ فِي غَيْرِ الْحَمَّامِ مِنْ زِيَادَتِي " و " لَزِمَنَا " مَنْعُهُمْ إظْهَارَ مُنْكَرٍ بَيْنَنَا " كَإِسْمَاعِهِمْ إيَّانَا قَوْلَهُمْ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَاعْتِقَادَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِظْهَارُ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَظْهَرُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَأَنْ انْفَرَدُوا فِي قَرْيَةٍ والناقوس ما يضربه النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ " فَإِنْ خَالَفُوا " بِأَنْ أَظْهَرُوا شيئا مِمَّا ذُكِرَ " عُزِّرُوا " وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَلَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ " وَإِنْ شُرِطَ انْتِقَاضُهُ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ " وَلَوْ قَاتَلُونَا " وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ كَمَا مَرَّ فِي الْبُغَاةِ " أَوْ أَبَوْا جِزْيَةً " بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِ مَا عُقِدَ بِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ زَائِدًا عَلَى دِينَارٍ " أَوْ إجْرَاءِ حُكْمِنَا " عَلَيْهِمْ " انْتَقَضَ " عَهْدُهُمْ بِذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ مَوْضُوعَ الْعَقْدِ.
" وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ وَلَوْ بِنِكَاحٍ " أَيْ بِاسْمِهِ " أَوْ دَلَّ أَهْلَ حَرْبٍ عَلَى عَوْرَةٍ " أَيْ خَلَلٍ " لَنَا " كَضَعْفٍ " أَوْ دَعَا مُسْلِمًا لِلْكُفْرِ أَوْ سَبَّ اللَّهَ " تَعَالَى " أَوْ نَبِيًّا له " صلى الله عليه وسلم وهو أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ رَسُولُ اللَّهِ " أَوْ الْإِسْلَامَ أَوْ الْقُرْآنَ بِمَا لَا يَدِينُونَ بِهِ أَوْ " فَعَلَ " نَحْوَهَا " كَقَتْلِ مُسْلِمٍ عَمْدًا أَوْ قَذْفِهِ " انْتَقَضَ عَهْدُهُ " بِهِ " إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُهُ بِهِ " وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّصِّ لَكِنْ صَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ بِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجَبُ مَا فَعَلَهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَمَّا مَا يَدِينُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَوْلِهِمْ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَقَوْلِي بِمَا لَا يَدِينُونَ بِهِ مَعَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى " وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدَهُ بِقِتَالٍ قُتِلَ " وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لقوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} 1 وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ " أَوْ بِغَيْرِهِ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ عَهْدٍ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ " مِنْ قتل وَإِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بمأمنه.
__________
1 سورة البقرة الآية: 191.

(2/222)


ينتقض أمان ذراريه ومن نبذه واختار دار الحرب بلغها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ وَيُفَارِقُ مَنْ أمنه صبي حيث نلحقه بِمَأْمَنِهِ إنْ ظَنَّ صِحَّةَ أَمَانِهِ بِأَنَّ ذَاكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ أَمَّا لَوْ سَأَلَ تَجْدِيدَ عَهْدٍ فَتَجِبُ إجَابَتُهُ " فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا " أَيْ الْخِيَرَةِ " تعين من " فيمتنع القتل والإرقاق والقداء لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْإِمَامِ بِالْقَهْرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ امْتَنَعَ الرِّقُّ " وَمَنْ اُنْتُقِضَ أَمَانُهُ " الْحَاصِلُ بِجِزْيَةٍ وَغَيْرَهَا " لَمْ يُنْتَقَضْ أمان ذراريه " إذ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ نَاقِضٌ وَتَعْبِيرِي بِذَرَارِيِّهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ " وَمَنْ نَبَذَهُ " أَيْ الْأَمَانَ " وَاخْتَارَ دَارَ الْحَرْبِ بُلِّغَهَا " وَهِيَ مَأْمَنُهُ لِيَكُونَ مَعَ نَبْذِهِ الْجَائِزِ لَهُ خُرُوجُهُ بِأَمَانٍ كَدُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ خِيَانَةٌ وَلَا مَا يُوجِبُ نَقْضَ عَهْدِهِ.

(2/223)