فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الهدنة.
إنما يعقدها لبعض إقليم واليه أو إمام ولغيره إمام لمصلحة كضعفنا أو رجاء إسلام أو بذل جزية فإن لم يكن ضعف جَازَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا فَإِلَى عَشْرِ سنين بحسب الحاجة فإن زيد بطل في الزائد ويفسد العقد إطلاقه وشرط فاسد كمنع فك أسرانا أو ترك مالنا لهم أورد مُسْلِمَةً أَوْ عَقْدِ جِزْيَةٍ بِدُونِ دِينَارٍ أَوْ دفع مال إليهم وتصح عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا إمَامٌ أَوْ مُعَيَّنٌ عَدْلٌ ذو رأي متى شاء ومتى فسدت بلغناهم مأمنهم أو صحت لزمنا الكف عنهم حتى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الْهُدْنَةِ.
مِنْ الْهُدُونِ أَيْ السُّكُونِ وَهِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً وَمُهَادَنَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُسَالَمَةً وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1 الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} 2 وَمُهَادَنَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ.
" إنَّمَا يَعْقِدُهَا لِبَعْضِ " كُفَّارِ " إقْلِيمٍ وَالِيهِ أَوْ إمَامٌ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ " وَلِغَيْرِهِ " مِنْ الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ أَوْ كُفَّارِ إقْلِيمٍ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ " إمَامٌ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ مُطْلَقًا أَوْ فِي جِهَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا فَاللَّائِقُ تَفْوِيضُهَا لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا أَوْ مَنْ فوض إليه الإمام مصلحة الْأَقَالِيمِ فِيمَا ذُكِرَ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وَالِي الْإِقْلِيمِ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَتَعْبِيرِي بِالْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِبَلْدَةٍ وَإِنَّمَا تُعْقَدُ " لِمَصْلَحَةٍ " فَلَا يَكْفِي انْتِفَاءُ الْمَفْسَدَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 3 وَالْمَصْلَحَةُ " كَضَعْفِنَا " بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ " أَوْ رَجَاءِ إسْلَامٍ أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ " وَلَوْ بِلَا ضَعْفٍ فِيهِمَا " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ " بِنَا " ضَعْفٌ جَازَتْ " ولو بلا عوض " إلى أربعة أشهر " الآية: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} 4 وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَامَ الْفَتْحِ رَجَاءَ إسْلَامِهِ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحِلُّهُ فِي النُّفُوسِ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا " وَإِلَّا " بِأَنْ كَانَ بِنَا ضَعْفٌ " فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " بِحَسَبِ الْحَاجَةِ" لأن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَ قُرَيْشًا هَذِهِ الْمُدَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشْرٍ ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمَعَ فِي مَجَالِسَ يَحْصُلُ بِهَا الْبَيَانُ لَمْ يُمْهَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِحُصُولِ غَرَضِهِ " فَإِنْ زِيدَ " عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْحَاجَةِ " بَطَلَ فِي الزَّائِدِ " دُونَ الجائز عملا بتفريق الصفقة وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ لِلنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ " وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ إطْلَاقُهُ " لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ.
" وَشَرْطٌ فَاسِدٌ كَمَنْعٍ " أي كشرط منع " فك أسرانا " منهم " أو ترك مالنا " عندهم من مسلم وغيره " لهم أورد مُسْلِمَةٍ " أَسْلَمَتْ عِنْدَنَا أَوْ أَتَتْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمَةً " أَوْ عَقْدِ جِزْيَةٍ بِدُونِ دِينَارٍ " أَوْ إقَامَتِهِمْ بالحجاز أو دخلوهم الْحَرَمَ " أَوْ دَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ " لِاقْتِرَانِ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ نَعَمْ إنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ كَأَنْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ الْأَسْرَى أَوْ أَحَاطُوا بِنَا وَخِفْنَا اصْطِلَامَهُمْ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بَلْ وَجَبَ وَلَا يَمْلِكُونَهُ وَقَوْلِي كَمَنْعِ إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ شُرِطَ مَنْعُ فَكِّ أَسْرَانَا إلى آخره " وتصح " الهدنة " على أن يقضها إمَامٌ أَوْ مُعَيَّنٌ عَدْلٌ ذُو رَأْيٍ مَتَى شَاءَ " فَإِذَا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا " وَمَتَى فَسَدَتْ بَلَّغْنَاهُمْ مَأْمَنَهُمْ " أَيْ مَا يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ عَهْدِنَا وَأَنْذَرْنَاهُمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِهِمْ ثُمَّ لَنَا قِتَالُهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِدَارِهِمْ فَلَنَا قِتَالُهُمْ بِلَا إنْذَارٍ وَهَذِهِ مع مسألة.
__________
1 سورة التوبة الآية: 1.
2 سورة الأنفال الآية: 61.
3 سورة محمد الآية: 35.
4 سورة التوبة الآية: 2.

(2/224)


تنقضي أو تنقض بتصريح أو نحوه كَقِتَالِنَا أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ حَرْبٍ بِعَوْرَةٍ لَنَا أو نقض بعضهم بلا إنكار باقيهم وإذا انتقضت جازت إغارة عليهم ببلادهم وله بأمارة خيانة نبذ هدنة لا جزية ويبلغهم مأمنهم ولو شرط رد من جاءنا منهم أم أطلق لم يرد واصف إسلام إلَّا إنْ كَانَ فِي الْأُولَى ذَكَرًا حُرًّا غير صبي ومجنون طلبته عشيرته أو غيرها وقدر على قهره ولم يجب دفع مهر لزوج والرد بتخلية ولا يلزمه رجوع وله قتل طالبه ولنا تعريض له به ولو شرط رد مرتد لزمهم الوفاء فإن أبوا فناقضون وجاز شرط عدم رده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُعَيَّنِ مِنْ زِيَادَتِي " أَوْ صَحَّتْ لَزِمَنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ " أَيْ كَفُّ أَذَانَا وَأَذَى أَهْلِ الْعَهْدِ " حَتَّى تَنْقَضِيَ " مُدَّتُهَا " أَوْ تَنْقَضَّ " قَالَ تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} 1 وقال: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} 2 فلا يلزم كيف أَذَى الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ وَلَا أَذَى بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لَأَنْ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ عَمَّا ذُكِرَ لَا الْحِفْظُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَلَا بِعَزْلِهِ وَنَقْضِهَا يَكُونُ " بِتَصْرِيحٍ " مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا بِطَرِيقِهِ " أَوْ نَحْوِهِ " أَيْ التَّصْرِيحِ " كَقِتَالِنَا أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ حَرْبٍ بِعَوْرَةٍ لَنَا أَوْ نَقْضِ بَعْضِهِمْ بِلَا إنْكَارِ بَاقِيهِمْ " قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِدَارِنَا أَوْ إيوَاءِ عُيُونِ الْكُفَّارِ أَوْ سَبِّ الله سبحانه تَعَالَى أَوْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ عَدَمُ إنْكَارِ الْبَاقِينَ فِي نَقْضِ بعضهم نَقْضًا فِيهِمْ لِضَعْفِ الْهُدْنَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَقَوْلِي أَوْ تُنْقَضُ مَعَ أَوْ نحوه أعم وأولى مما ذكره.
" وَإِذَا انْتَقَضَتْ " أَيْ الْهُدْنَةُ " جَازَتْ إغَارَةُ عَلَيْهِمْ " وَلَوْ لَيْلًا بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " بِبِلَادِهِمْ " فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا بَلَّغْنَاهُمْ مَأْمَنَهُمْ " وَلَهُ " أَيْ لِلْإِمَامِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ " بِأَمَارَةِ خِيَانَةٍ " مِنْهُمْ لَا بِمُجَرَّدِ وَهْمٍ وَخَوْفٍ " نَبْذُ هُدْنَةٍ " لِآيَةِ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} 3 فَتَعْبِيرِي بِالْإِمَارَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْخَوْفِ " لَا " نَبْذُ " جِزْيَةٍ " لِأَنَّ عَقْدَهَا آكَدُ مِنْ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ وَعَقْدُ مُعَاوَضَةٍ " وَيُبَلِّغُهُمْ " بَعْدَ استيفاء ما عليهم " مأمنهم " أي ما يؤمنون فِيهِ مِمَّنْ مَرَّ " وَلَوْ شُرُطَ رَدُّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ أَوْ أَطْلَقَ " بِأَنْ لَمْ يُشْرَطْ رَدٌّ وَلَا عَدَمُهُ " لَمْ يُرَدَّ وَاصِفُ إسْلَامٍ " وَإِنْ ارْتَدَّ " إلَّا إنْ كَانَ فِي الْأُولَى ذكرا وحرا غَيْرَ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ طَلَبَتْهُ عَشِيرَتُهُ " إلَيْهَا لِأَنَّهَا تَذُبُّ عَنْهُ وَتَحْمِيهِ مَعَ قُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ " أَوْ " طَلَبَهُ فِيهَا " غَيْرُهَا " أَيْ غَيْرُ عَشِيرَتِهِ " وَقَدَرَ عَلَى قَهْرِهِ " وَلَوْ بِهَرَبٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبِهِ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا تُرَدُّ أُنْثَى إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا أَوْ تَتَزَوَّجَ كَافِرًا وَقَدْ قَالَ تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} 4 وَلَا خُنْثَى احْتِيَاطًا وَلَا رَقِيقٌ وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَلَا مَنْ لَمْ تَطْلُبْهُ عَشِيرَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا أَوْ طَلَبَهُ غَيْرُهَا وَعَجَزَ عَنْ قَهْرِهِ لِضَعْفِهِمْ فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَوَصَفَ الْكُفْرَ رُدَّ وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي مَسْأَلَةُ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَالتَّصْرِيحُ بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمَرْأَةِ مِنْ زيادتي " ولم تجب " بِارْتِفَاعٍ نِكَاحُ امْرَأَةٍ بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ " دَفْعُ مَهْرٍ لِزَوْجٍ " لَهَا لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَشْمَلُهُ الْأَمَانُ كَمَا لَا يشمل زوجته وأما قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ} 5 أي الأزواج: {مَا أَنْفَقُوا} أَيْ مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا في وجوب الغرم محتمل لندبه الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ " وَالرَّدُّ " لَهُ يَحْصُلُ " بِتَخْلِيَةٍ " بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ " وَلَا يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ " إلَيْهِ " وَلَهُ قَتْلُ طَالِبِهِ " دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَهُ طَالِبَهُ " وَلَنَا تَعْرِيضٌ لَهُ بِهِ " أَيْ بِقَتْلِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى أبيه سهيل بن عمر: وإن دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيضِ التَّصْرِيحُ فَيَمْتَنِعُ.
" وَلَوْ شَرَطَ " عَلَيْهِمْ فِي الْهُدْنَةِ " رَدَّ مُرْتَدٍّ " جَاءَهُمْ مِنَّا " لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ " بِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ رقيقا " فإن أبو افناقضون " الْعَهْدَ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ " وَجَازَ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهِ " أَيْ مُرْتَدٍّ جَاءَهُمْ مِنَّا وَلَوْ امْرَأَةً وَرَقِيقًا فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ فَإِنْ عَادَ إلَيْنَا رَدَدْنَا لَهُمْ قِيمَةَ الرَّقِيقِ دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
فَرْعٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ المعاهدين منهم لا سبيهم.
__________
1 سورة التوبة الآية: 4.
2 سورة التوبة الآية: 7.
3 سورة الأنفال الآية: 58.
4 سورة الممتحنة الآية: 10.
5 سورة الممتحنة الآية: 10.

(2/225)