كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب الصَّلَاة
بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها
(الصَّلَوَات المفروضات خمس الظّهْر وَأول وَقتهَا زَوَال الشَّمْس وَآخره إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله بعد ظلّ الزَّوَال)
الصَّلَاة فِي اللُّغَة الدُّعَاء قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أَي ادْع لَهُم
وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن أَقْوَال وأفعال مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ بِشُرُوط وَالْأَصْل فِي وُجُوبهَا قَوْله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} أَي حَافظُوا عَلَيْهَا وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة جدا وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على ذَلِك وَبَدَأَ بِذكر أَوْقَاتهَا لِأَن أهم أُمُور الصَّلَاة معرفَة أَوْقَاتهَا لِأَن بِدُخُول الْوَقْت تجب وبخروجه تفوت وَالْأَصْل فِي التَّوْقِيت الْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتاً} أَي مَكْتُوبَة موقتة وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَكَانَ قدر شِرَاك النَّعْل وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظله مثله وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم وَصلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق الْأَحْمَر وَصلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب للصَّائِم فَلَمَّا كَانَ الْغَد صلى بِي الظّهْر حِين كَانَ ظله مثله وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظله مثلَيْهِ وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم وَصلى بِي الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل الأول وَصلى بِي الْفجْر باسفار ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يامحمد هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك وَالْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ)

(1/83)


والشراك بشين مُعْجمَة مَكْسُورَة أحد سيور النَّعْل والظل فِي اللُّغَة السّتْر تَقول أَنا فِي ظلك وَفِي ظلّ اللَّيْل وَهُوَ يكون من أول النَّهَار إِلَى آخِره والفيء يخْتَص بِمَا بعد الزَّوَال
(وَقَوله زَوَال الشَّمْس) أَي فِيمَا يظْهر لنا لَا مَا فِي نفس الْأَمر لِأَن الشَّمْس إِذا انْتَهَت إِلَى وسط السَّمَاء وَهِي حَالَة الاسْتوَاء يبْقى للشاخص ظلّ فِي أغلب الْبِلَاد وَيخْتَلف مِقْدَاره باخْتلَاف الْأَمْكِنَة والفصول فَإِذا مَالَتْ الشَّمْس إِلَى جَانب الْمغرب حدث الظل فِي جَانب الْمشرق فحدوثه فِي مَكَان لَا ظلّ للشاخص فِيهِ كمكة وَصَنْعَاء الْيمن هُوَ الزَّوَال وزيادته فِي مَكَان للشاخص فِيهِ ظلّ هُوَ الزَّوَال الَّذِي بِهِ يدْخل وَقت الظّهْر فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله غير ظلّ الزَّوَال حَالَة الاسْتوَاء فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر قَالَ
(وَالْعصر وَأول وَقتهَا الزِّيَادَة على ظلّ الْمثل وَآخره فِي الإختيار إِلَى ظلّ المثلين وَفِي الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس)
إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر وَأول وَقت الْعَصْر للْخَبَر لَكِن لَا بُد من زِيَادَة ظلّ وَإِن قلت لِأَن خُرُوج وَقت الظّهْر لَا يكَاد يعرف إِلَّا بِتِلْكَ الزِّيَادَة فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ خرج وَقت الِاخْتِيَار وَسمي بذلك لِأَن الْمُخْتَار هُوَ الرَّاجِح وَقيل لِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اخْتَارَهُ وَقَوله الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس حجَّته قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(وَقت الْعَصْر مَا لم تغرب الشَّمْس) وَاعْلَم أَن للعصر أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَهُوَ إِلَى أَن يصير الظل مثل الشاخص وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة وَهُوَ من مصير الظل مثلَيْهِ إِلَى الاصفرار وَوقت كَرَاهَة يَعْنِي يكره التَّأْخِير إِلَيْهِ وَهُوَ من الاصفرار إِلَى قبيل الْغُرُوب وَوقت تَحْرِيم وَهُوَ تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى وَقت لَا يَسعهَا وَإِن قُلْنَا كلهَا أَدَاء قَالَ
(وَالْمغْرب وَقتهَا وَاحِد وَهُوَ غرُوب الشَّمْس)
دَلِيل ذَلِك حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَقت وَاحِد فِي الْيَوْمَيْنِ وَمَتى يخرج وَقت الْمغرب فِيهِ قَولَانِ الْجَدِيد الْأَظْهر أَنه يخرج بِمِقْدَار طَهَارَة وَستر عَورَة وأذان وَإِقَامَة وَخمْس رَكْعَات وَالِاعْتِبَار فِي ذَلِك بالوسط المعتدل وَالْقَدِيم لَا يخرج حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَوقت الْمغرب إِذا غَابَتْ الشَّمْس مَا لم يسْقط الشَّفق) وَعَن بُرَيْدَة رَضِي الله

(1/84)


عَنهُ
(أَن سَائِلًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة فصلى بِهِ يَوْمَيْنِ فصلى بِهِ الْمغرب فِي الْيَوْم الأول حِين غَابَتْ الشَّمْس وصلاها فِي الْيَوْم الثَّانِي قبل أَن يغيب الشَّفق ثمَّ قَالَ أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ الرجل هَا أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ
(وَقت صَلَاتكُمْ بَين مَا رَأَيْتُمْ) وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة قَالَ الرَّافِعِيّ وَاخْتَارَ طَائِفَة من الْأَصْحَاب الْقَدِيم ورجحوه قَالَ النَّوَوِيّ الْأَحَادِيث الصحيجة مصرحة بِمَا قَالَه فِي الْقَدِيم وَتَأْويل بَعْضهَا مُتَعَذر فَهُوَ الصَّوَاب وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ من أَصْحَابنَا ابْن خُزَيْمَة والخطابي وَالْبَيْهَقِيّ وَالْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء وَالْبَغوِيّ فِي التَّهْذِيب وَغَيرهم وَالله أعلم قَالَ
(وَالْعشَاء وَأول وَقتهَا إِذا غَابَ الشَّفق الْأَحْمَر وَآخره فِي الإختيار إِلَى ثلث اللَّيْل وَفِي الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي)
وَيدخل وَقت الْعشَاء بغيبوبة الشَّفق للأحاديث قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهُوَ بِالْإِجْمَاع وَالِاخْتِيَار أَن لَا يُؤَخر عَن ثلث اللَّيْل لحَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيره وَفِي قَول حَتَّى يذهب نصف اللَّيْل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل) قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِن كَلَام الْأَكْثَرين يَقْتَضِي تَرْجِيح هَذَا وَصرح فِي شرح مُسلم بِتَصْحِيحِهِ فَقَالَ إِنَّه الْأَصَح وَوقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي للْأَخْبَار وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن لَهَا وَقت كَرَاهَة وَهُوَ مَا بَين الفجرين وَالله أعلم قَالَ
(وَالصُّبْح وَأول وَقتهَا طُلُوع الْفجْر آخِره فِي الِاخْتِيَار إِلَى الاسفار وَفِي الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس)
أول وَقت الصُّبْح طُلُوع الْفجْر الصَّادِق وَهُوَ الْمُنْتَشِر ضوؤه مُعْتَرضًا بالأفق وَهُوَ الثَّانِي دَلِيل حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أما الْفجْر الأول فَلَا وَهُوَ أَزْرَق مستطيل وَيُسمى الْكَاذِب لِأَنَّهُ ينور ثمَّ يسود وَوقت الِاخْتِيَار إِلَى الاسفار لبَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ يبْقى وَقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من أدْرك من الصُّبْح رَكْعَة قبل أم تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح)
وَاعْلَم أَن الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى طُلُوع الْحمرَة فَإِذا طلعت يبْقى وَقت الْكَرَاهَة إِلَى طُلُوع الشَّمْس إِذا لم يكن عذر

(1/85)


(مَسْأَلَة) يكره النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء والْحَدِيث بعْدهَا إِلَّا فِي خير كمذاكرة الْعلم وترتيب أُمُور يعود نَفعهَا على الدّين والخلق لقَوْل أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يكره النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء والْحَدِيث بعْدهَا) وَلَا فرق بَين الحَدِيث الْمَكْرُوه والمباح وَالْمعْنَى فِي كَرَاهَة النّوم قبلهَا مَخَافَة استمراره إِلَى خُرُوج الْوَقْت وَلِهَذَا قَالَ ابْن الصّلاح إِن هَذِه الْكَرَاهَة تعم سَائِر الصَّلَوَات وَأما الحَدِيث بعْدهَا فَلِأَنَّهُ يخَاف من ذَلِك أَن تفوته الصُّبْح عَن وَقتهَا أَو عَن أَوله أَو تفوته صَلَاة اللَّيْل إِن كَانَ لَهُ تهجد وَقيل لِأَن الصَّلَاة الَّتِي هِيَ أفضل تكون خَاتِمَة عمله لاحْتِمَال مَوته فِي نَومه وَقيل لِأَن الله تَعَالَى جعل اللَّيْل سكناً والْحَدِيث يُخرجهُ عَن ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة
(فصل وشرائط وجوب الصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل)
من اجْتمع فِيهِ الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالطَّهَارَة عَن الْحيض وَالنّفاس فَلَا شكّ فِي وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فَأَما الْكَافِر فَإِن كَانَ كفره أَصْلِيًّا لم تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة لِأَنَّهَا لَا تصح مِنْهُ فِي الْكفْر وَلَا يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذا أسلم بِلَا خلاف تَخْفِيفًا فَلَا يجوز أَن يُخَاطب بهَا كالحائض وَهَذَا ظَاهر نَص الشَّافِعِي وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وطرده فِي جَمِيع فروع الشَّرِيعَة وَحكي عَن العراقين كَذَا قَالَ الْفُقَهَاء لَكِن الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا أَن الْكَافِر الْأَصْلِيّ مُخَاطب بِالصَّلَاةِ وَغَيرهَا من فروع الشَّرِيعَة وَوجه الْجمع أَن الْفُقَهَاء يَقُولُونَ إِنَّه غير مُخَاطب حَال كفره وَالَّذِي قَالُوا إِنَّه مُخَاطب قَالُوا شَرط خطابه أَن يسلم فَمن لم يسلم فَلَا يُخَاطب فاعرفه وَأما الْمُرْتَد فَتجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالْقَضَاء بِلَا خلاف إِذا أسلم لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ الْتزم ذَلِك فَلَا تسْقط عَنهُ بِالرّدَّةِ من أقرّ بِمَال ثمَّ ارْتَدَّ لَا يسْقط عَنهُ وَأما الصَّبِي وَمن زَالَ عقله بجنون أَو مرض وَنَحْوهمَا فَلَا تجب عَلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل) وَدَلِيل عدم الْوُجُوب فِي حق الْحَائِض وَالنُّفَسَاء يعلم من الْحيض قَالَ

(1/86)


بَاب الصَّلَوَات المسنونة
(والصلوات المسنونة خمس العيدان والكسوفان وَالِاسْتِسْقَاء)
مُرَاده بالمسنونة الَّتِي تسن لَهَا الْجَمَاعَة وَسَتَأْتِي فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ
(وَالسّنَن التابعة للفرائض سبع عشرَة رَكْعَة رَكعَتَا الْفجْر وَأَرْبع قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وَأَرْبع قبل الْعَصْر وركعتان بعد الْمغرب وَثَلَاث بعد الْعشَاء يُوتر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ)
اخْتلف الْأَصْحَاب فِي عدد الرَّكْعَات التابعة للفرائض فالأكثرون على أَنَّهَا عشر رَكْعَات وَالْمرَاد الرَّاتِبَة الْمُؤَكّدَة وَإِلَّا فَمَا ذكره الشَّيْخ سنة وسنورد أدلته وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَحجَّة ذَلِك حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ
(صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) وحدثتني حَفْصَة بنت عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين بَعْدَمَا يطلع الْفجْر) وَمن ذكر أَرْبعا قبل الظّهْر فحجته ورد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر) وَمن ذكر أَرْبعا قبل الْعَصْر فحجته مَا ورد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات يفصل بَينهُنَّ) وَرُوِيَ
(رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا) والركعتان بعد الْعشَاء مذكورتان فِي حَدِيث ابْن عمر ثمَّ المُرَاد بالمؤكد مَا واظب عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهل يسْتَحبّ رَكْعَتَانِ قبل صَلَاة الْمغرب وَجْهَان قَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح استحبابهما فقد ورد
(صلوا قبل الْمغرب قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ) وَفِي رِوَايَة
(كَانُوا يبتدرون السَّوَارِي لَهما إِذا أذن الْمغرب حَتَّى إِن الرجل ليدْخل الْمَسْجِد فيحسب أَن الصَّلَاة قد صليت لِكَثْرَة من بصليهما) وَالثَّانِي لَا يستحبان لما روى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ
(مَا رَأَيْت أحدا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالله أعلم قَالَ

(1/87)


(وَثَلَاث نوافل مؤكدات صَلَاة اللَّيْل وَصَلَاة الضُّحَى وَصَلَاة التَّرَاوِيح)
لَا شكّ فِي اسْتِحْبَاب قيام اللَّيْل وَقد أَجمعت الْأَئِمَّة على اسْتِحْبَابه قَالَ الله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَالَ تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} وَكَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ وَفِي الحَدِيث
(عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ وقربة لكم إِلَى ربكُم ومكفرة للسيئات ومنهاة عَن الْإِثْم) وَفِي الْخَبَر أَيْضا
(من صلى فِي لَيْلَة بِمِائَة آيَة لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى بِمِائَتي آيَة فَإِنَّهُ يكْتب من القانتين المخلصين) وَاعْلَم أَن وسط اللَّيْل أفضل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لما سُئِلَ أَي الصَّلَاة أفضل بعد الْمَكْتُوبَة فَقَالَ صَلَاة جَوف اللَّيْل) وَلِأَن الْعِبَادَة فِيهِ أثقل والغفلة فِيهِ أَكثر وَالنّصف الْأَخير أفضل من الأول لمن أَرَادَ قيام نصفه لقَوْله تَعَالَى {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ} وَلِأَنَّهُ وَقت نزُول الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ نزُول قدرَة لَا حُلُول وَلَا تجسيم {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَأفضل من ذَلِك كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَة السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أحب الصَّلَاة إِلَى الله تَعَالَى صَلَاة دَاوُد كَانَ ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه) وَيكرهُ قيام اللَّيْل كُله قَالَ فِي الرَّوْضَة إِذا داوم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُضر للعينين والجسد كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فَإِن لم يجد بذلك مشقة اسْتحبَّ لَا سِيمَا للتلذذ بمناجاة الله سُبْحَانَهُ فَإِن وجد بذلك مشقة ومحذوراً كره وَإِلَّا لم يكره ورفقه بِنَفسِهِ أولى وَترك قيام اللَّيْل مَكْرُوه لمن اعتاده لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
(يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان كَانَ يقوم اللَّيْل ثمَّ تَركه) وَالله أعلم
وَمن سنَن صَلَاة الضُّحَى قَالَ الله تَعَالَى {يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الْإِشْرَاق صَلَاة الضُّحَى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي - هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ

(1/88)


(أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وركعتي الضُّحَى وَأَن أوتر قبل أَن انام) ثمَّ أقل الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَأما أَكْثَرهَا فَالَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر وَالشَّرْح الصَّغِير وَنَقله فِي الشَّرْح الْكَبِير عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ أَنَّهَا اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة وَاحْتج لَهُ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ذَر رَضِي الله عَنهُ
(إِن صليت الضُّحَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة) وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَكْثَرهَا ثَمَان رَكْعَات قَالَه الْأَكْثَرُونَ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أم هَانِيء وَذكر مثله فِي التَّحْقِيق قَالَ الرَّافِعِيّ ووقتها من حِين ترْتَفع الشَّمْس أَي قدر رمح إِلَى الاسْتوَاء وَتَبعهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب وَكَذَا ابْن الرّفْعَة لَكِن قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الَّذِي قَالَه الْأَصْحَاب إِن وَقتهَا يدْخل بِطُلُوع الشَّمْس لَكِن يسْتَحبّ تَأْخِيرهَا إِلَى الِارْتفَاع وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقتهَا الْمُخْتَار إِذا مضى ربع النَّهَار وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق قَالَ الْغَزالِيّ وَالْمعْنَى فِيهِ حَتَّى لَا يَخْلُو ربع النَّهَار عَن عبَادَة وَالله أعلم
وَأما صَلَاة التَّرَاوِيح فَلَا شكّ فِي سنيتها وانعقد الْإِجْمَاع على ذَلِك قَالَه غير وَاحِد وَلَا عِبْرَة بشواذ الْأَقْوَال وَقد ورد
(من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) وَفِيهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(صلاهَا ليَالِي فصلوها مَعَه ثمَّ صلى فِي بَيته بَقِيَّة الشَّهْر وَقَالَ إِنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم فتعجزوا عَنْهَا) ثمَّ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتمرّ على ذَلِك وَكَذَلِكَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ وصدراً من خلَافَة الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ ثمَّ رأى النَّاس يصلونها فِي الْمَسْجِد فُرَادَى واثنين اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة ثَلَاثَة فَجَمعهُمْ على أبي رَضِي الله عَنهُ ووضب لَهُم عشْرين رَكْعَة وَأجْمع الصَّحَابَة مَعَه على ذَلِك وَفعل عمر ذَلِك لأمنه الافتراض وَسميت بالتراويح لأَنهم كَانُوا يستريحون بعد كل تسليمتين وَيَنْوِي فِي كل رَكْعَتَيْنِ التَّرَاوِيح أَو قيام رَمَضَان وَلَو صلاهَا أَرْبعا بِتَسْلِيمَة لم يَصح بِخِلَاف مَا لَو صلى سنة الظّهْر أَرْبعا بِتَسْلِيمَة فَإِنَّهُ يَصح وَالْفرق أَن التَّرَاوِيح شرعت فِيهَا الْجَمَاعَة فَأَشْبَهت الْفَرَائِض فَلَا تغير عَمَّا وَردت ووقتها مَا بَين صَلَاة الْعشَاء وطلوع الْفجْر الثَّانِي وفعلها فِي الْجَمَاعَة أفضل لما مر وَقيل الِانْفِرَاد أفضل كَسَائِر النَّوَافِل وَقيل إِن كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ أمنا من الكسل وَلم تختل الْجَمَاعَة بتخلفه فالانفراد أفضل وَإِلَّا فالجماعة وَالله أعلم قَالَ

(1/89)


بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة
(فصل وشرائط الصَّلَاة قبل الدُّخُول فِيهَا خَمْسَة أَشْيَاء)
اعْلَم أَن الشَّرْط فِي اللُّغَة الْعَلامَة وَمِنْه أَشْرَاط السَّاعَة وَفِي الِاصْطِلَاح مَا يلْزم من عَدمه عدم الصِّحَّة وَلَيْسَ بِرُكْن هَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا كَذَا ذكره بعض الشُّرَّاح وَهُوَ صَحِيح إِن عددنا المبطلات شُرُوطًا وَأما مَا ذكره الشَّيْخ فَلَيْسَ كَذَلِك ثمَّ إِن الصَّلَاة لَهَا شُرُوط وأركان وأبعاض وهيئات فالشروط كَمَا ذكره الشَّيْخ خَمْسَة وعدها النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج أَيْضا خَمْسَة إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتلفَا فِي الْكَيْفِيَّة وَاحْترز الشَّيْخ بقبل الدُّخُول فِيهَا عَمَّا وجد فِيهَا وَهُوَ مُبْطل فَإِنَّهُ لَا يعد شرطا بل يعد مَانِعا وَهُوَ اصْطِلَاح جمَاعَة مِنْهُم النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب والوسيط وَقَالَ الصَّوَاب أَنَّهَا مبطلات لَا شُرُوط وعد فِي الرَّوْضَة المبطلات شُرُوطًا فَذكر خَمْسَة ثمَّ قَالَ السَّادِس السُّكُوت عَن الْكَلَام السَّابِع الْكَفّ عَن الْأَفْعَال الْكَثِيرَة الثَّامِن الْإِمْسَاك عَن الْأكل فَصَارَت ثَمَانِيَة وَلِهَذَا قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة شُرُوطهَا ثَمَانِيَة وَاعْلَم أَن الشَّرْط والركن لَا بُد مِنْهُمَا فِي صِحَة الصَّلَاة وَلَكِن يفترقان بِأَن الشَّرْط مَا كَانَ خَارِجا عَن مَا هية الصَّلَاة والركن مَا كَانَ داخلها وَأما الأبعاض فتجبر بسجود السَّهْو بِخِلَاف الهيئات وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ
(طَهَارَة الْأَعْضَاء من الْحَدث وَالنَّجس)
يشْتَرط لصِحَّة الصَّلَاة الطَّهَارَة عَن الْحَدث سَوَاء فِي ذَلِك الْأَصْغَر والأكبر عِنْد الْقُدْرَة لِأَن فَاقِد الطهُورَيْنِ يجب أَن يُصَلِّي على حسب حَاله وَتجب الْإِعَادَة وتوصف صلَاته بِالصِّحَّةِ على الصَّحِيح وَالدَّلِيل على اشْتِرَاط الطَّهَارَة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} الْآيَة وَغَيرهَا وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور) الْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة جدا فَلَو صلى بِغَيْر طَهَارَة وَكَانَ مُحدثا عِنْد إِحْرَامه لم تَنْعَقِد صلَاته عَامِدًا كَانَ أَو نَاسِيا وَإِن أحرم متطهراً ثمَّ أحدث بِاخْتِيَارِهِ بطلت صلَاته سَوَاء علم أَنه فِي الصَّلَاة أم لَا وَإِن أحدث لَا بِاخْتِيَارِهِ بطلت طَهَارَته بِلَا خلاف وَتبطل صلَاته أَيْضا على الْمَشْهُور الْجَدِيد لانْتِفَاء شَرطهَا وَفِيه حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَفِي قَول قديم يَبْنِي إِذا تطهر وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيث ضَعِيف الشَّرْط الثَّانِي الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة فِي الْبدن وَالثَّوْب وَالْمَكَان أما الْبدن فَلقَوْله تَعَالَى {وَالرجز فاهجر} وَالرجز النَّجس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رَضِي

(1/90)


الله عَنْهَا
(إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي) وَمِنْهَا حَدِيث القبرين
(إنَّهُمَا ليعذبان أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل) وَفِي إِضَافَة عَذَاب الْقَبْر إِلَى الْبَوْل خُصُوصِيَّة تخص دون بَقِيَّة الْمعاصِي وَقد جَاءَ
(تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ) عَافَانَا الله الْحَلِيم من عَذَابه وَأما الثَّوْب فللآية الْكَرِيمَة وَفِي الحَدِيث فِي دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ) وَأما الْمَكَان فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَال الْأَعرَابِي فِي الْمَسْجِد
(صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء) إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن النَّجَاسَة قِسْمَانِ نَجَاسَة وَاقعَة فِي مَظَنَّة الْعَفو ونجاسة لَا يُعْفَى عَنْهَا فالنجاسة غير المعفو عَنْهَا يجب اجتنابها فِي الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان فَلَو أصَاب الثَّوْب نَجَاسَة وَعرف موضعهَا غسلهَا فَلَو قطع موضعهَا أَجزَأَهُ وَيلْزم ذَلِك إِذا عجز عَن الْغسْل وَكَانَ الْبَاقِي يستر الْعَوْرَة بِشَرْط أَن لَا ينقص من قِيمَته بِالْقطعِ أَكثر من أُجْرَة الثَّوْب وَإِن لم يعرف موضعهَا من الْبدن وَالثَّوْب وَجب غسله كُله وَلَا يجْزِيه الِاجْتِهَاد وَلَو أصَاب طرف ثَوْبه أَو عمَامَته نَجَاسَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ الصائب يَتَحَرَّك بحركته أم لَا وَلَو قبض طرف حَبل أَو شدَّة فِي وَسطه وطرفه الآخر نجس أَو ملقى على نَجَاسَة فَفِيهِ خلاف الرَّاجِح فِي الشَّرْح الْكَبِير وَالرَّوْضَة الْبطلَان كالعمامة وَالثَّانِي لَا تبطل وَالله أعلم قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَهُوَ أوجه الْوَجْهَيْنِ وَلَو كَانَ الْحَبل فِي يَده أَو شده فِي وَسطه وطرفه الآخر مربوط فِي عنق حمَار وعَلى الْحمار حمل نَجَاسَة فَفِيهِ الْخلاف وَالْأولَى عدم الْبطلَان لِأَن بَين الْحَبل والنجاسة وَاسِطَة وَلَو صلى على بِسَاط تَحْتَهُ نَجَاسَة أَو على طرفه نجاسه أَعلَى سَرِير قوائمه على نَجَاسَة لم يضر وَلَو كَانَت نَجَاسَة تحاذي صَدره فِي حَال سُجُوده أَو غَيره فَوَجْهَانِ الْأَصَح لَا تبطل صلَاته لِأَنَّهُ غير حَامِل للنَّجَاسَة وَلَا مصل عَلَيْهَا وَلَو صلى وَهُوَ حَامِل نشاباً لم تصح صلَاته لأجل الريش وَكَذَا لَو كَانَ فِي إبهامه كشتوان غير طَاهِر وَمَا أشبه ذَلِك وَالله أعلم
الْقسم الثَّانِي من النَّجَاسَة الْوَاقِعَة فِي مَظَنَّة الْعَفو وَهِي أَنْوَاع مِنْهَا الْأَثر الْبَاقِي على مَحل

(1/91)


الِاسْتِنْجَاء بعد الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ يُعْفَى عَنهُ وَلَو حمل ثوبا عَلَيْهِ نَجَاسَة مَعْفُو عَنْهَا لم تصح صلَاته كَمَا لَو حمل مستجمراً بِالْحجرِ وَلَو انتشرت بالعرق عَن مَحل الِاسْتِنْجَاء فَالْأَصَحّ الْعَفو لعسر الِاحْتِرَاز وَلَو حمل حَيَوَانا تنجس منفذه بالخارج مِنْهُ فَفِي بطلَان صلَاته وَجْهَان الْأَصَح عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْبطلَان وَقطع بِهِ الْمُتَوَلِي وَالأَصَح عِنْد الْغَزالِيّ صِحَة صلَاته وَلَو حمل بَيْضَة مذرة حشوها دم وظاهرها طَاهِر فَالْأَصَحّ بطلَان الصَّلَاة وَمِنْهَا طين الشوارع الْمُتَيَقن النَّجَاسَة يُعْفَى عَمَّا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز مِنْهُ غَالِبا وَيخْتَلف بِالْوَقْتِ فيعفى فِي الشتَاء دون الصَّيف وبموضع النَّجَاسَة من الْبدن فيعفى عَن الأذيال دون الاكمام والاكتاف وَالرَّأْس وكل ذَلِك فِي الْقَلِيل دون الْكثير فالقليل مَا لَا ينْسب صَاحبه فِيهِ إِلَى قلَّة تحفظ بِخِلَاف الْكثير فَإِنَّهُ ينْسب صَاحبه فِيهِ إِلَى قلَّة الْحِفْظ وَلَو أصَاب أَسْفَل الْخُف أَو النَّعْل نَجَاسَة فدلكه بِالْأَرْضِ حَتَّى ذهب أجزاؤها فَفِي صِحَة صلَاته قَولَانِ الصَّحِيح لَا تصح مُطلقًا لِأَن النَّجَاسَة لَا يطهرها إِلَّا المَاء كَمَا مر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَمِنْهَا دم البراغيث فيعفى عَن قَلِيله فِي الثَّوْب وَالْبدن لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز وَكَذَا يُعْفَى عَن كَثِيره فِي الْأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ وَالأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ لَا يُعْفَى وَالْقمل كالبراغيث وبل الذُّبَاب كالبراغيث وَكَذَا بَوْل الخفاش وَفِي ضبط الْقَلِيل وَالْكثير خلاف وَالأَصَح الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعرف وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْأَوْقَات والبلاد وَلَو شكّ هَل هُوَ قَلِيل أَو كثير فالراجح أَنه قَلِيل لِأَن الأَصْل عدم الْكَثْرَة وَلَو قتل قمله أَو برغوثاً فِي ثَوْبه أَو بدنه أَو بَين أَصَابِعه فتلوث بِهِ أَو بسط الثَّوْب الَّذِي عَلَيْهِ الدَّم المعفو عَنهُ وَصلى عَلَيْهِ أَو حمله فَإِن كَانَ كثيرا لم تصح صلَاته وَإِن كَانَ قَلِيلا فَالْأَصَحّ فِي التَّحْقِيق الْعَفو وَنَقله فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْمُتَوَلِي وَأقرهُ وَلَو كَانَ الثَّوْب زَائِدا على لِبَاسه لم تصح صلَاته لِأَنَّهُ غير مُضْطَر إِلَيْهِ وَالله أعلم وَمِنْهَا دم البثرات وقيحها وصديدها كَدم البراغيث فيعفى عَن قَلِيله وَعَن كَثِيره فِي الْأَصَح وَلَو عصره على الرَّاجِح والبثرات جمع بثرة وَهُوَ خراج صَغِير وَلَو أَصَابَهُ شَيْء من دم نَفسه لَا من البثرات بل من الدماميل والقروح وَمَوْضِع الفصد والحجامة فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ أَنه كَدم البثرات ثمَّ مَاء القروح والنفاطات إِن كَانَ لَهُ رَائِحَة فَهُوَ نجس وَإِلَّا فَالْمَذْهَب أَنه طَاهِر وَلَو أَصَابَهُ دم من غَيره فَإِن كَانَ كثيرا لم يعف عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يشق الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَإِن كَانَ قَلِيلا فَقَوْلَانِ الْأَحْسَن عِنْد الرَّافِعِيّ عدم الْعَفو وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ الْعَفو وَيسْتَثْنى دم الْكَلْب وَالْخِنْزِير لغلظ نجاستهما
(فرع) إِذا صلى بِنَجَاسَة لَا يُعْفَى عَنْهَا وَهُوَ جَاهِل بهَا حَال الصَّلَاة سَوَاء كَانَت فِي بدنه أَو ثَوْبه أَو مَوضِع صلَاته فَإِن لم يعلم بهَا أَلْبَتَّة فَقَوْلَانِ الْجَدِيد الْأَظْهر يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهَا طَهَارَة وَاجِبَة فَلَا تسْقط بِالْجَهْلِ كطهارة الْحَدث وَالْقَدِيم أَنه لَا يجب وَنَقله ابْن الْمُنْذر عَن خلائق وَاخْتَارَهُ وَكَذَا النَّوَوِيّ اخْتَارَهُ فِي شرح الْمُهَذّب وَإِن علم بِالنَّجَاسَةِ ثمَّ نَسِيَهَا فطريقان
أَحدهمَا على الْقَوْلَيْنِ وَالْمذهب الْقطع بِوُجُوب الْقَضَاء لتَقْصِيره ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا الْإِعَادَة

(1/92)


فَيجب عَلَيْهِ إِعَادَة كل صَلَاة صلاهَا مَعَ النَّجَاسَة يَقِينا فَإِن احْتمل حدوثها بعد الصَّلَاة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل عدم وجدانها فِي ذَلِك الزَّمن وَلَو رأى شخصا يُرِيد الصَّلَاة وَفِي ثَوْبه نَجَاسَة وَالْمُصَلي لَا يعلم بهَا لزم الْعَالم إِعْلَامه بذلك لِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يتَوَقَّف على الْعِصْيَان بل هُوَ لزوَال الْمفْسدَة قَالَه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة وَالله أعلم قَالَ
(وَستر الْعَوْرَة بلباس طَاهِر وَالْوُقُوف على مَكَان طَاهِر)
أما طَهَارَة اللبَاس وَالْمَكَان عَن النَّجَاسَة فقد مر وَأما ستر الْعَوْرَة فَوَاجِب مُطلقًا حَتَّى فِي الْخلْوَة والظلمة على الرَّاجِح لِأَن الله تَعَالَى أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا والعورة فِي اللُّغَة النَّقْص والخلل وَمَا يستحيا مِنْهُ وَهِي هُنَا مَا يجب ستره فِي الصَّلَاة وَالدَّلِيل على أَن سترهَا شَرط لصِحَّة الصَّلَاة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار) وَالْمرَاد بالحائض الْبَالِغ وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على ذَلِك عِنْد الْقُدْرَة فَإِن عجز عَن الستْرَة صلى عُريَانا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ على الرَّاجِح لِأَنَّهُ عذر عَام وَرُبمَا يَدُوم فَلَو أَوجَبْنَا الْإِعَادَة لشق ثمَّ شَرط الستْرَة أَن تمنع لون الْبشرَة سَوَاء كَانَ من ثِيَاب أَو جُلُود أَو ورق أَو حشيش وَنَحْو ذَلِك حَتَّى الطين وَالْمَاء الكدر وَصُورَة الصَّلَاة فِي المَاء على الْجِنَازَة وَالأَصَح وجوب التطين لِأَنَّهُ قَادر على الستْرَة وَلَا يَكْفِي الثَّوْب الرَّقِيق مثل غزل الْبَنَات وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يمْنَع لون الْبشرَة وَكَذَا الكرباس الَّذِي لَهُ أبخاش وَلَو كَانَت عَوْرَته ترى من جيبه فِي رُكُوعه أَو سُجُوده لم يكف فَيجب إِمَّا زره أَو وضع شدّ عَلَيْهِ وَنَحْوه وَلَو لم يجد إِلَّا ثوبا نجسا وَلَا يجد مَاء يغسلهُ بِهِ فَقَوْلَانِ الْأَظْهر أَنه يُصَلِّي عُريَانا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيد وَلَو كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوضِع نجس وَمَعَهُ ثوب وَاحِد لَا يَكْفِي للعورة والنجاسة فَقَوْلَانِ أَيْضا أظهرهمَا يبسطه للنَّجَاسَة وَيُصلي عَارِيا بِلَا إِعَادَة وَالثَّانِي يُصَلِّي فِيهِ على النَّجَاسَة وَيُعِيد وَلَو لم يجد العاري إِلَّا ثوبا لغيره حرم عَلَيْهِ لبسه بلَى يُصَلِّي عَارِيا وَلَا يُعِيد وَلَيْسَ لَهُ أَخذه مِنْهُ قهرا وَلَو وهبه لم يلْزمه قبُوله فِي الْأَصَح للمنة وَلَو أَعَارَهُ لزمَه قبُوله لضعف الْمِنَّة فَإِن لم يقبل وَصلى عَارِيا لم تصح صلَاته لقدرته على الستْرَة وَلَو بَاعه إِيَّاه أَو أجره فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّم وَيكرهُ أَن يُصَلِّي فِي ثوب فِيهِ صُورَة وتمثيل وَالْمَرْأَة متنقبة إِلَّا أَن تكون فِي مَسْجِد وَهُنَاكَ أجانب لَا يحترزون عَن النّظر فَإِن خيف من النّظر إِلَيْهَا مَا يجر إِلَى الْفساد حرم عَلَيْهَا رفع النقاب وَهَذَا كثير فِي مَوَاضِع الزِّيَارَة كبيت الْمُقَدّس زَاده الله تَعَالَى شرفاً فليجتنب ذَلِك وَيسْتَحب أَن يُصَلِّي الشَّخْص فِي أحسن ثِيَابه وَالله أعلم قَالَ

(1/93)


(وَالْعلم بِدُخُول الْوَقْت)
لَا شكّ أَن دُخُول الْوَقْت شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة فَإِن علم ذَلِك فَلَا كَلَام وَإِن جَهله وَجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد لِأَنَّهُ مَأْمُور بِهِ وَلَا فرق فِي الْجَهْل بَين أَن يكون لغيم أَو حبس فِي مَوضِع مظلم أَو غير ذَلِك فَلَو قدر على الْخُرُوج من الْبَيْت المظلم لرؤية الشَّمْس فَهَل يلْزمه ذَلِك فَوَجْهَانِ أصَحهمَا فِي شرح الْمُهَذّب لَهُ الإجتهاد وَلَو أخبرهُ عدل عَن مُعَاينَة بِأَن قَالَ رَأَيْت الْفجْر طالعاً والشفق غارباً أَو أَخْبرنِي فلَان بِرُؤْيَتِهِ امْتنع عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد كَمَا لَو أخبرهُ شخص بِنَصّ من كتاب أَو سنة فِي مَسْأَلَة لَا يجوز الِاجْتِهَاد مَعَ وجود النَّص ثمَّ الِاجْتِهَاد يكون بورد من قِرَاءَة أَو درس علم وَبِنَاء وَنسخ وَنَحْو ذَلِك وَسَوَاء كَانَ مِنْهُ أَو من غَيره كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة وَمن الأمارات صياح الديك المجرب والمؤذن الْوَاحِد إِن لم يكن ثِقَة فَلَا يَأْخُذ أحد بأذانه وَإِن كَانَ ثِقَة وَهُوَ غير عَالم بِالْوَقْتِ فَكَذَا وَإِن كَانَ ثِقَة عَالما بِالْوَقْتِ فَوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيّ لَا يُؤْخَذ بقوله لِأَنَّهُ يخبر عَن اجْتِهَاده والمجتهد لَا يُقَلّد مُجْتَهدا بِخِلَاف مَا إِذا أذن فِي يَوْم الصحو فَإِنَّهُ يخبر عَن مُشَاهدَة وَقَالَ النَّوَوِيّ يَأْخُذ بقوله وَنَقله عَن نَص الشَّافِعِي فَإِنَّهُ لَا يتقاعد عَن صياح الديك ثمَّ حَيْثُ أمرناه بِالِاجْتِهَادِ نظر إِن كَانَ عَاجِزا عَن الْأَدِلَّة فَالْأَصَحّ فِي شرح الْمُهَذّب أَنه يُقَلّد وَإِن كَانَ يحسنها نظر إِن صلى بِلَا اجْتِهَاد لم تصح صلَاته وَوَجَب عَلَيْهِ أَن يُعِيد وَإِن صلى فِي الْوَقْت وَإِن اجْتهد نظر إِن لم يغلب على ظَنّه شَيْء أخر إِلَى حُصُول الظَّن وَالِاحْتِيَاط أَن يُؤَخر إِلَى زمن يغلب على ظَنّه أَنه لَو أخر لخرج الْوَقْت وَإِن غلب على ظَنّه دُخُول الْوَقْت صلى ثمَّ إِن لم يتَبَيَّن لَهُ الْحَال فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن بَان وُقُوعهَا فِي الْوَقْت فَلَا كَلَام وَإِن بَان بعده صحت وَإِن نوى الْأَدَاء صرح بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الصّيام وَإِن بَان أَنَّهَا قبل الْوَقْت قضى على الْمَذْهَب وَلَو علم المنجم دُخُول الْوَقْت بِالْحِسَابِ قَالَ فِي الْبَيَان الْمَذْهَب أَنه يعْمل بِهِ بِنَفسِهِ وَلَا يعْمل بِهِ غَيره والمنجم الموقت لَا المنجم فِي عرف النَّاس كهؤلاء الَّذين يضْربُونَ بالرمل فَإِنَّهُم فسقة وَمِنْهُم من يكون سيء الِاعْتِقَاد وَهُوَ زنديق كَافِر وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
(من أَتَى عرافاً لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وَرِوَايَة مُسلم
(من أَتَى عرافاً فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فَصدقهُ) وَلَو أخبرهُ مخبر بِأَن صلَاته وَقعت قبل الْوَقْت نظر إِن أخبرهُ عَن علم أَو مُشَاهدَة وَجَبت الْإِعَادَة وَإِن أخبرهُ عَن اجْتِهَاد فَلَا وَالله أعلم قَالَ
(واستقبال الْقبْلَة)
هِيَ الْكَعْبَة وَسميت قبْلَة لِأَن الْمُصَلِّي يقابلها وكعبة لارتفاعها واستقبالها شَرط لصِحَّة

(1/94)


الصَّلَاة فِي حق الْقَادِر لَا فِي شدَّة الْخَوْف وَفِي نفل السّفر الْمُبَاح لقَوْله تَعَالَى {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} والاستقبال لَا يجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين أَن يكون فِي الصَّلَاة وَلقَوْله للمسيء صلَاته
(واستقبل الْقبْلَة وَكبر) ثمَّ الْفَرْض فِي خق الْقَرِيب من الْقبْلَة اصابة عينهَا بِأَن يحاذيها بِجَمِيعِ بدنه فَلَو خرج بعض بدنه عَن مسامتتها فَلَا تصح صلَاته على الْأَصَح وَأما الْبعيد فَفِي الْفَرْض فِي حَقه قَولَانِ أظهرهمَا أَيْضا إِصَابَة الْعين لِلْآيَةِ لَكِن يَكْفِي غَلَبَة الظَّن بِخِلَاف الْقَرِيب فَإِنَّهُ يلْزمه ذَلِك بِيَقِين لقدرته عَلَيْهِ بِخِلَاف الْبعيد
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْفَرْض فِي حق الْبعيد الْجِهَة
وَاعْلَم أَن يشْتَرط أَيْضا أَن يكون مصلي الْفَرْض مُسْتَقرًّا فَلَا يَصح من الْمَاشِي وان اسْتقْبل الْقبْلَة وَلَا من الرَّاكِب الَّذِي تسير بِهِ دَابَّته لعدم استقراره فَلَو كَانَت الدَّابَّة واقفة واستقبل وَلم يخل بِالْقيامِ صحت على الْأَصَح وَقطع بِهِ الْجُمْهُور نعم تصح فِي السَّفِينَة السائرة بِخِلَاف الدَّابَّة وَالْفرق أَن الْخُرُوج من السَّفِينَة فِي أَوْقَات الصَّلَاة إِلَى الْبر مُتَعَذر أَو متعسر بِخِلَاف الدَّابَّة وَلَو خَافَ من النُّزُول عَن الدَّابَّة انْقِطَاعًا عَن رفقته أَو كَانَ يخَاف على نَفسه أَو مَاله صلى عَلَيْهَا وَأعَاد
وَاعْلَم أَن الْقَادِر على يَقِين الْقبْلَة لَا يجوز لَهُ الِاجْتِهَاد وَأما غير الْقَادِر على الْيَقِين فَإِن وجد من يُخبرهُ عَنْهَا عَن علم اعْتَمدهُ وَلم يجْتَهد بِشَرْط عَدَالَة الْمخبر فيستوي فِي ذَلِك الرجل وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد فَلَا يقبل قَول الْكَافِر قطعا وَكَذَا الْفَاسِق كقضاة الرشا وأئمة الظُّلم وشهود قسم الْجور وَكَذَا لَا يقبل قَول الصَّبِي الْمُمَيز على الصَّحِيح ثمَّ الْمخبر قد يكون بِاللَّفْظِ وَقد يكون دلَالَة كالمحراب الْمُعْتَمد وَسَوَاء فِي الْعَمَل بالْخبر أهل الِاجْتِهَاد وَغَيرهم حَتَّى إِن الْأَعْمَى يعْتَمد الْمِحْرَاب بالمس حَيْثُ يعْتَمد الْبَصِير وَكَذَا الْبَصِير فِي الظلمَة وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ مَوَاضِع فَلَا شكّ أَنه يصبر حَتَّى يُخبرهُ غَيره صَرِيحًا فَإِن خَافَ فَوَات الْوَقْت صلى على حسب حَاله وَأعَاد هَذَا كُله إِذا وجد من يُخبرهُ عَن علم وَهُوَ مِمَّن يعْتَمد قَوْله أما إِذا لم يجد الْعَاجِز من يُخبرهُ فَتَارَة يقدر على الِاجْتِهَاد وَتارَة لَا يقدر فَإِن قدر لزمَه الِاجْتِهَاد واستقبل مَا ظَنّه الْقبْلَة وَلَا يَصح الِاجْتِهَاد إِلَّا بأدلة

(1/95)


الْقبْلَة وَهِي كَثِيرَة وأضعفها الرِّيَاح لاختلافها وأقوالها القطب وَهُوَ نجم صَغِير فِي بَنَات نعش الصُّغْرَى بَين الفرقدين والجدي إِذا جعله الْوَاقِف خلف أُذُنه الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة إِن كَانَ بِنَاحِيَة الْكُوفَة وبغداد وهمدان وجرجان وَمَا والاها وَيكون على عَاتِقه الْأَيْسَر بأقليم مصر وَيكون خلف ظَهره بِدِمَشْق وَلَيْسَ للقادر على الإجتهاد تَقْلِيد غَيره فَإِن فعل وَجب قَضَاء الصَّلَاة وَسَوَاء خَافَ خُرُوج الْوَقْت أم لَا فَإِن ضَاقَ الْوَقْت صلى كَيفَ كَانَ وَتجب الْإِعَادَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقيل يُقَلّد عِنْد خوف الْفَوات وَلَو خفيت الْأَدِلَّة على الْمُجْتَهد لغيم أَو ظلمَة أَو تَعَارَضَت الْأَدِلَّة فَفِيهِ خلاف منتشر ملخصه قَولَانِ أظهرهمَا لَا يُقَلّد قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمحل الْخلاف عِنْد ضيق الْوَقْت أما إِذا لم يضق فَلَا يُقَلّد قطعا لعدم الْحَاجة هَذَا فِي الْقَادِر أما إِذا لم يقدر على الِاجْتِهَاد بِأَن كَانَ عَاجِزا عَن أَدِلَّة الْقبْلَة كالأعمى والبصير الَّذِي لَا يعرف الْأَدِلَّة وَلَا لَهُ أَهْلِيَّة مَعْرفَتهَا وَجب عَلَيْهِ تَقْلِيد مُسلم عدل عَارِف بالأدلة سَوَاء فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد
وَاعْلَم أَن التَّقْلِيد هُوَ قبُول قَول الْمُسْتَند إِلَى الِاجْتِهَاد فَلَو قَالَ بَصِير رَأَيْت القطب أَو رأين الْخلق الْكثير من الْمُسلمين يصلونَ إِلَى هُنَا كَانَ الْأَخْذ بِهِ قبُول خبرلا تَقْلِيد لِأَنَّهُ لم يسْتَند إِلَى اجْتِهَاد بل إِلَى الرُّؤْيَة وَلَو اخْتلف عَلَيْهِ اجْتِهَاد مجتهدين قلد من شَاءَ مِنْهُمَا على الصَّحِيح وَالْأولَى تَقْلِيد الأوثق الأعلم وَقيل يجب ذَلِك وَرجحه الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير قَالَه ابْن الرّفْعَة وَنَقله القَاضِي أَبُو الطّيب عَن نَص الشَّافِعِي فِي الْأُم قَالَ ابْن الرّفْعَة لَكِن الْأَكْثَرُونَ على التَّخْيِير
وَاعْلَم أَن الْمُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ إِذا ظهر الْخَطَأ فِي الإجتهاد فَإِن كَانَ قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة أعرض عَنهُ وَاعْتمد الْجِهَة الَّتِي يعلمهَا أَو يَظُنهَا فَإِن تَسَاوَت عِنْده جهتان فَلهُ الْخِيَار فيهمَا على الْأَصَح وَلَو تَيَقّن الْخَطَأ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَجَبت الْإِعَادَة على الْأَظْهر لفَوَات الِاسْتِقْبَال وَقيل لَا يُعِيد اعْتِبَارا بِمَا ظَنّه وَقت الْفِعْل لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالصَّلَاةِ بِهِ وَالْأول مَذْهَب الْفُقَهَاء وَالثَّانِي مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين وَلَو تَيَقّن الْخَطَأ وَلم يتَيَقَّن الصَّوَاب بل ظَنّه فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَن الأول مُجْتَهد فِيهِ وَالثَّانِي مُجْتَهد فِيهِ وَلَا ينْقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات إِلَى أَربع جِهَات باجتهادات فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ على الأصيح وَلَو تَيَقّن الجظأ فِي أثْنَاء الصَّلَاة بطلت على الْأَظْهر أَو ظن الْخَطَأ فَالْأَصَحّ أَنه ينحرف وَيَبْنِي على صلَاته حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات إِلَى أَربع جِهَات باجتهادات فَلَا قَضَاء وَلَو صلى بِاجْتِهَاد ثمَّ أَرَادَ صَلَاة فَرِيضَة أُخْرَى حَاضِرَة أَو فَائِتَة وَجب الِاجْتِهَاد على الْأَصَح سعياً فِي إِصَابَة الْحق وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الِاجْتِهَاد للنافلة قطعا قَالَ فِي الرَّوْضَة وَلَو اجْتهد اثْنَان وَأدّى اجْتِهَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جِهَة عمل كل مِنْهُمَا بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يَقْتَدِي بِصَاحِبِهِ لِأَن كلا مِنْهُمَا يعْتَقد خطأ صَاحبه كَمَا لَو اخْتلف اجتهادهما فِي الإناءين أَو الثَّوْبَيْنِ الْمُتَنَجس أَحدهمَا وَلَو شرع فِي الصَّلَاة بالتقليد فَقَالَ لَهُ عدل أَخطَأ بك فلَان فَإِن كَانَ يخبر عَن علم ومعاينة وَجب الرُّجُوع إِلَى قَوْله وَإِن كَانَ يخبر عَن اجْتِهَاد فَإِن كَانَ قَول الأول عِنْده أرجح لزِيَادَة عَدَالَته أَو هدايته للأدلة أَو هُوَ

(1/96)


مثله أَو لم يعرف أَنه مثله أم لَا لم يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بقول الثَّانِي وَلَا يجوز على الصَّحِيح وَإِن كَانَ الثَّانِي أرجح تحول وَبنى على الصَّحِيح كتغير اجْتِهَاده وَلَو قَالَ لَهُ الْمُجْتَهد الثَّانِي ذَلِك بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة لم تلْزمهُ الاعادة قطعا وَإِن كَانَ الثَّانِي أرجح كَمَا لَو تغير اجْتِهَاده بعد الْفَرَاغ وَلَو قَالَ لَهُ الثَّانِي أَنْت على الْخَطَأ قطعا وَجب قبُوله قطعا سَوَاء أخبرهُ هَذَا الْقَاطِع بالْخَطَأ عَن الصَّوَاب متيقناً أَو مُجْتَهدا يجب قبُوله لِأَن تَقْلِيد الأول بَطل بِقطع هَذَا وَالله أعلم
الشَّرْط السَّادِس السُّكُوت عَن الْكَلَام فالمتكلم إِن كَانَ غير مَعْذُور ونطق بِحرف مفهم مثل ق وش تبطل وَإِن نطق بحرفين بطلت أفهم كقم أَو لَا كمن وَعَن وبطلانها بِالثَّلَاثَةِ فَصَاعِدا أولى وَلَا فرق فِي الْبطلَان بَين أَن يكون لمصْلحَة الصَّلَاة كَقَوْلِه للْإِمَام قُم أم لَا وَلَو نطق بِحرف بعده مُدَّة فَالْأَصَحّ بُطْلَانهَا لِأَن الْمدَّة حرف وَفِي التنحنح خلاف الرَّاجِح أَنه إِن بَان مِنْهُ حرفان بطلت وَإِلَّا فَلَا هَذَا إِذا كَانَ بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا بَأْس وَلَو تَعَذَّرَتْ الْقِرَاءَة الْوَاجِبَة إِلَّا بالتنحنح تنحنح وَهُوَ مَعْذُور وَإِن تعذر الْجَهْر فالراجح أَنه لَيْسَ بِعُذْر وَلَو تنحنح الامام وَظهر مِنْهُ حرفان فَهَل للْمَأْمُوم أَن يَدُوم على مُتَابَعَته وَجْهَان الرَّاجِح نعم وَالظَّاهِر أَنه مَعْذُور وَأما الضحك والبكاء والأنين فَإِن بَان مِنْهُ حرفان بطلت وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاء كَانَ الْبكاء للدنيا أَو للآخررة وَإِن تكلم الْمُصَلِّي وَهُوَ مَعْذُور كمن سبق لِسَانه إِلَى الْكَلَام بِلَا قصد أَو غَلبه السعال أَو الضحك وَبَان مِنْهُ حرفان أَو تكلم نَاسِيا أَو جَاهِلا بِتَحْرِيم الْكَلَام وَهُوَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَإِن كَانَ يَسِيرا لم تبطل صلَاته وَإِن كثر بطلت على الْأَصَح والقلة وَالْكَثْرَة يرجع فيهمَا إِلَى الْعرف وَضم إِلَى ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب كَثْرَة العطاس وَقَالَ إِنَّه يبطل وَلَو جهل كَون التنحنح مُبْطلًا فَهُوَ مَعْذُور لخفاء حكمه على الْعَوام وَلَو أكره على الْكَلَام بطلت صلَاته على الْأَظْهر لِأَنَّهُ نَادِر كَمَا لَو أكره على الصَّلَاة بِلَا طَهَارَة أَو على أَن يُصَلِّي وَهُوَ قَاعد فَإِنَّهُ يجب الاعادة وَلَو أشرف إِنْسَان على الْهَلَاك فَأَرَادَ انذاره وَلم يحصل إِلَّا بالْكلَام وَجب وَتبطل صلَاته على الْأَصَح لوُجُود الْكَلَام وَلَو قَالَ الْمُصَلِّي آه من خوف النَّار بطلت صلَاته على الصَّحِيح
الشَّرْط السَّابِع الْكَفّ عَن الْأَفْعَال اعْلَم أَن الْفِعْل الزَّائِد على الصَّلَاة إِن كَانَ من جِنْسهَا كالركوع وَالسُّجُود وَزِيَادَة رَكْعَة إِن تعمد ذَلِك بطلت سَوَاء قل الزَّائِد أَو كثر وَإِن كَانَ الْفِعْل من غير جنس الصَّلَاة فاتفق الْأَصْحَاب على أَن الْقَلِيل لَا يبطل وَالْكثير يبطل وَفِي ضبط الْقَلِيل وَالْكثير أوجه الصَّحِيح الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعَادة فَلَا يضر مَا عده ى النَّاس قَلِيلا كالإشارة برد السَّلَام وخلع النَّعْل وَنَحْوهمَا ثمَّ قَالُوا الفعلة الْوَاحِدَة كالخطوة والصربة قَلِيل قطعا وَالثَّلَاث كَثِيرَة قطعا والاثنتان قَلِيل على الْأَصَح وَاتفقَ الْأَصْحَاب على أَن الْكثير إِنَّمَا يبطل إِذا توالى فَإِن تفرق بِأَن خطا خطْوَة ثمَّ بعد زمن خطْوَة أُخْرَى وَكرر ذَلِك مَرَّات فَلَا يضر قطعا قَالَه فِي الرَّوْضَة وَيشْهد لَهُ حَدِيث أَمَامه رَضِي الله عَنْهَا فَلَو تردد فِي فعل هَل وصل إِلَى حد الْكَثْرَة أم لَا قَالَ الإِمَام الْأَظْهر أَنه لَا يُؤثر لِأَن الأَصْل

(1/97)


عدم الْكَثْرَة وَعدم بطلَان الصَّلَاة ثمَّ حد التَّفْرِيق أَن يعد الثَّانِي مُنْقَطِعًا عَن الأول
وَاعْلَم أَن شَرط الفعلة الْوَاحِدَة الَّتِي لَا تبطل أَن لَا تتفاحش فَإِن أفرطت كالوثبة الْفَاحِشَة أبطلت قطعا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهَا مُنَافِيَة للصَّلَاة
وَاعْلَم أَن الحركات الْخَفِيفَة كتحريك الْأَصَابِع فِي حكة لَا تضر على الْأَصَح وَإِن كثرت وتوالت لِأَنَّهَا لَا تخل بهيئة تَعْظِيم الصَّلَاة وَلَا بالخشوع أما لَو حرك كَفه ثَلَاثًا على بدنه يهترش فَإِن صلَاته تبطل قَالَ فِي الْكَافِي إِلَّا أَن يكون بِهِ جرب لَا يقدر مَعَه على عدم الحك فيعذر
وَاعْلَم أَن كثير الْفِعْل حَيْثُ أبطل عِنْد الْعمد فَكَذَا يبطل عِنْد فعله سَهوا على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ يقطع نظم الصَّلَاة وَالله أعلم
الشَّرْط الثَّامِن الامساك عَن الْأكل فَإِن أكل الْمُصَلِّي شَيْئا بطلت صلَاته وَإِن قل لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوع وَفِي وَجه لَا تبطل بِالْقَلِيلِ وَهُوَ غلط وَلَو كَانَ بَين أَسْنَانه شَيْء فابتلعه أَو نزلت من رَأسه نخامة فابتلعها عَامِدًا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ مَغْلُوبًا بِأَن جرى الرِّيق بباقي الطَّعَام أَو نزلت المخامة وَلم يُمكنهُ إِِمْسَاكهَا لم تبطل صلَاته لِأَنَّهُ مَعْذُور وَإِن أكل نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ فَإِن قل لم تبطل وَإِن كثر بطلت صلَاته على الْأَصَح
وَاعْلَم أَن المضغ وَحده فعل يبطل كَثِيره الصَّلَاة إِن لم يصل شَيْء إِلَى الْجوف وَلَو كَانَ بفمه عقيدة فذابت وَنزل إِلَى جَوْفه مِنْهَا شَيْء بطلت صلَاته وَإِن لم يحصل مِنْهُ فعل الْوُصُول الْمُفطر إِلَى جَوْفه ويعبر عَن هَذَا بِأَن الامساك شَرط فِي الصَّلَاة ليَكُون حَاضر الذِّهْن تَارِكًا للأمور العادية فعلى هَذَا تبطل الصَّلَاة بِكُل مَا يبطل بِهِ الصَّوْم فَلَو نكش أُذُنه بِشَيْء وَأدْخلهُ بَاطِن أُذُنه بطلت صلَاته وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز ترك الِاسْتِقْبَال فِي حالتين فِي شدَّة الْخَوْف)
إِذا التحم الْقِتَال وَلم يتمكنوا من تَركه بِحَال لقلتهم وَكَثْرَة الْعَدو أَو اشْتَدَّ الْخَوْف وَلم يلتحم الْقِتَال وَلم يأمنوا أَن يركب الْعَدو أكتافهم وَلَو ولوا انقسموا وصلوا بِحَسب الامكان وَلَيْسَ لَهُم التَّأْخِير عَن الْوَقْت لِلْآيَةِ الشَّرِيفَة الدَّالَّة على إِقَامَة الصَّلَاة فِي وَقتهَا ويصلن ركباناً وَمُشَاة مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها لقَوْله تَعَالَى {خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرهَا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها كَذَا رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع قَالَ نَافِع لَا أرَاهُ قَالَ ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي بِسَنَدِهِ عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن الضَّرُورَة

(1/98)


قد تَدْعُو إِلَى الصَّلَاة على هَذِه الْحَالة وَلَا يجب الِاسْتِقْبَال لَا فِي حَال التَّحْرِيم وَلَا فِي غَيره وَإِن كَانَ رَاجِلا قَالَه الْبَغَوِيّ وَغَيره وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا يُعْفَى عَن ترك الِاسْتِقْبَال إِذا كَانَ بِسَبَب الْعَدو فَلَو انحرف عَن الْقبْلَة لجماح الدَّابَّة وَطَالَ الزَّمن بطلت الصَّلَاة وَلَو لم يتَمَكَّن من اتمام الرُّكُوع وَالسُّجُود اقْتصر على الْإِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وَيجب الِاحْتِرَاز عَن الصياح بِكُل حَال لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَو احْتَاجَ إِلَى الفعلات الْكَثِيرَة كالطعنات والضربات المتوالية فعل وَلَا تبطل صلَاته على الصَّحِيح كَمَا لَو اضْطر إِلَى الْمَشْي وَقيل تبطل وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقَوله
(فِي شدَّة الْخَوْف) يَشْمَل كل مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة من أَنْوَاع الْقِتَال فَيجوز فِي قتال الْكفَّار وَلأَهل الْعدْل فِي قتال الْبُغَاة وَفِي قتال قطاع الطَّرِيق وَلَا يجوز للبغاة وَلَا لقطاع الطَّرِيق ذَلِك لعصيانهم فَلَا يُخَفف عَنْهُم وَلَو قصد شخص نفس شخص أَو حريمه أَو نفس غَيره أَو حريمه واشتغل بِالدفع عَن ذَلِك صلى على هَذِه الْحَالة وَلَو قصد مَاله نظر إِن كَانَ حَيَوَانا صلى كَذَلِك وَإِن لم يكن حَيَوَانا فَقَوْلَانِ وَالْأَظْهَر الْجَوَاز ويشمل مُطلق الْخَوْف مَا لَو هرب من سيل أَو حريق وَلم يجد معدلاً عَنهُ وَلَو كَانَ على شخص دين وَهُوَ مُعسر وعاجز عَن بَيِّنَة الاعسار وَلَا يصدقهُ الْمُسْتَحق وَلَو ظفر بِهِ حَبسه فَلهُ أَن يُصَلِّي هَارِبا على الْمَذْهَب وَلَو كَانَ عَلَيْهِ قصاص ويرجو الْعَفو إِذا سكن الْغَضَب قَالَ الْأَصْحَاب لَهُ الْهَرَب وَله أَن يُصَلِّي صَلَاة شدَّة الْخَوْف فِي هربه واستبعد الامام جَوَاز هربه بِهَذَا التوقع وَلَو ضَاقَ الْوَقْت على الْمحرم وَخَافَ إِن صلى مُسْتَقرًّا فَاتَ الْوُقُوف بِعَرَفَة فَفِيهِ أوجه الَّذِي رَجحه الرَّافِعِيّ أَن يُصَلِّي مُسْتَقرًّا وَإِن فَاتَ الْوُقُوف
وَالثَّانِي يُصَلِّي صَلَاة شدَّة الْخَوْف جمعا بَيْنَمَا
وَالثَّالِث يُؤَخر الصَّلَاة وَيحصل الْوُقُوف لِأَن قَضَاء الْحَج صَعب قَالَ النَّوَوِيّ إِن الثَّالِث هُوَ الصَّوَاب وَمَا رَجحه الرَّافِعِيّ ضَعِيف وَالله أعلم قَالَ
(وَفِي النَّافِلَة فِي السّفر على الرَّاحِلَة)
يجوز للْمُسَافِر التنقل رَاكِبًا وماشياً إِلَى جِهَة مقْصده فِي السّفر الطَّوِيل والقصير على الْمَذْهَب أما فِي الرَّاكِب فَلَمَّا ورد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(يُصَلِّي على رَاحِلَته فِي السّفر حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ) وَفِي رِوَايَة
(يُصَلِّي على ظهر رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ) وَإِذا أَرَادَ الْفَرِيضَة نزل عَن رَاحِلَته فَاسْتقْبل وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّاس محتاجون إِلَى الْأَسْفَار وَلَهُم أوراد وَقصد فِي النَّافِلَة فَلَو شَرط الِاسْتِقْبَال فِي التَّنَفُّل لَأَدَّى إِلَى ترك أورادهم أَو ترك مصَالح مَعَايشهمْ وَأما الْمَاشِي فبالقياس على الرَّاكِب لوُجُود الْمَعْنى ثمَّ هَذَا فِي الرَّاكِب الَّذِي لَا يُمكنهُ إتْمَام الرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِن أمكن بِأَن كَانَ فِي مرقد كالمحارة وَنَحْوهَا لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ لَا مشقة عَلَيْهِ

(1/99)


كراكب السَّفِينَة وَأما من لَا يُمكنهُ ذَلِك فَفِي وجوب الِاسْتِقْبَال وَقت التَّحَرُّم أوجه الصَّحِيح إِن سهل عَلَيْهِ ذَلِك بِأَن كَانَ الزِّمَام فِي يَده وَهِي سهلة الانقياد أَو كَانَت قَائِمَة وَأمن انحرافه عَلَيْهَا أَو تحريفها لزمَه ذَلِك وَغير السهلة بِأَن تكون مقطورة أَو صعبة الانقياد وَاحْتج لذَلِك بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(كَانَ إِذا سَافر وَأَرَادَ أَن يتَطَوَّع اسْتقْبل بناقته الْقبْلَة وَكبر وَصلى حَيْثُ وَجه ركابه) وَالْمعْنَى فِيهِ وُقُوع أول الْعِبَادَة بِالشُّرُوطِ وَالْبَاقِي يَقع تبعا كالنية يجب ذكرهَا فِي أول الصَّلَاة وَيَكْفِي دوامها حكما لَا ذكرا للعسر وَإِذا شرطنا الِاسْتِقْبَال عِنْد الاحرام لم يشْتَرط عِنْد السَّلَام على الرَّاجِح مَا فِي سَائِر الْأَركان ثمَّ مهما أمكنه الِاسْتِقْبَال فِي الصَّلَاة وَجب بِأَن وقفت الدَّابَّة لحَاجَة سَوَاء فِي ذَلِك وَقت التَّحَرُّم أَو غَيره فاعرفه
وَاعْلَم أَن صوب مقصد الْمُسَافِر هُوَ قبلته فَلَو انحرف عَنهُ بطلت صلَاته لِأَنَّهُ لَا حَاجَة لَهُ فِي ذَلِك وَإِن انحرف نَاسِيا وَعَاد عَن قرب لم تبطل صلَاته وَكَذَا لَو غلط فِي الطَّرِيق وَلَو انحرف بجماح الدَّابَّة وَطَالَ الزَّمَان بطلت صلَاته على الصَّحِيح كَمَا لَو أماله شخص عَن صوب مقْصده وَإِن قصر لم تبطل صلَاته لعُمُوم الجماح وَإِذا لم تبطل فِي صُورَة النسْيَان فَإِن طَال الزَّمَان سد للسَّهْو وَإِلَّا فَلَا
وَاعْلَم أَنه لَا يجب على الرَّاكِب وضع جَبهته على عرف الدَّابَّة وَلَا على السرج وإلاكاف بل ينحني للرُّكُوع وَالسُّجُود وَيكون السُّجُود أَخفض ليحصل التَّمْيِيز بَينهمَا وَهُوَ وَاجِب عِنْد التَّمَكُّن نعم الرَّاكِب فِي مرقد وَنَحْوه مِمَّا يسهل فِيهِ الِاسْتِقْبَال وَكَذَا إتْمَام الْأَركان فَيجب عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَال فِي جَمِيع الصَّلَاة وَكَذَا اتمام الْأَركان لقدرته هَذَا فِي الرَّاكِب أما الْمَاشِي فَفِيهِ أَقْوَال أظهرها أَنه يرْكَع وَيسْجد على الأَرْض وَله التَّشَهُّد مَاشِيا لطوله كالقيام وَيشْتَرط أَن يكون مَا يلاقي بطن الْمُصَلِّي على الرَّاحِلَة طَاهِرا فَلَو وطِئت الدَّابَّة النَّجَاسَة لم يضر وَكَذَا لَو أَوْطَأَهَا على الْأَصَح وَلَو وطىء الْمَاشِي نَجَاسَة عمدا بطلت صلَاته نعم لَا يُكَلف التحفظ وَالِاحْتِيَاط فِي الْمَشْي للْمَشَقَّة وَاعْلَم أَنه يشْتَرط فِي جَوَاز التَّنَفُّل رَاكِبًا وماشياً دوَام السّفر وَالسير فَلَو وصل الْمنزل فِي خلال الصَّلَاة اشْترط اتمامها إِلَى الْقبْلَة مُتَمَكنًا وَينزل إِن كَانَ رَاكِبًا وَكَذَا لَو وصل مَكَان اقامته وَجب عَلَيْهِ النُّزُول واتمام الصَّلَاة مُسْتَقْبلا بِأول دُخُول الْبُنيان وَحكم نِيَّة الاقامة كَحكم من وصل منزل اقامته وَالله أعلم
(فرع) يشْتَرط فِي حق الرَّاكِب والماشي الِاحْتِرَاز عَن الْأَفْعَال الَّتِي لَا يحْتَاج إِلَيْهَا فَلَو ركض الدَّابَّة لحَاجَة فَلَا بَأْس وَلَو أجراها بِلَا عذر أَو مَاشِيا فَقعدَ بِلَا عذر بطلت على الرَّاجِح وَالله أعلم
(فرع) رَاكب التعاسيف وَهُوَ الهائم الَّذِي لَيْسَ لَهُ مقْعد معِين بل يسْتَقْبل الْقبْلَة مرّة

(1/100)


ويستدبرها أُخْرَى لَيْسَ لَهُ ترك الِاسْتِقْبَال فِي شَيْء من نافلته
(فرع) رَاكب السَّفِينَة لَا يجوز لَهُ التَّنَفُّل فِيهَا إِلَى غير الْقبْلَة لتمكنه من ذَلِك نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي كالراكب فِي المحفة وَهل يسْتَثْنى الملاح ويتنفل حَيْثُ توجه لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِك رجح الرَّافِعِيّ عدم استثنائه صرح بذلك فِي الشَّرْح الصَّغِير وَقَالَ لَا فرق بَينه وَبَين غَيره وَرجح النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ يسْتَثْنى قَالَ وَلَا بُد من استثنائه لِحَاجَتِهِ لأمر السَّفِينَة وَالله أعلم قَالَ
بَاب أَرْكَان الصَّلَاة
(فصل وأركان الصَّلَاة ثَمَانِيَة عشر ركنا النِّيَّة)
قد علمت أَن الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة تشْتَمل على أَرْكَان وأبعاض وهيئات فَمن الْأَركان النِّيَّة لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي بعض الصَّلَاة يَعْنِي ذكرا وَهُوَ أَولهَا فَكَانَت ركنا كالتكبيرة وَالرُّكُوع وَغَيرهمَا وَمِنْهُم من عدهَا شرطا قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ بِالشّرطِ أشبه وَوَجهه أَنه يعْتَبر دوامها حكما إِلَى آخر الصَّلَاة فَأَشْبَهت الْوضُوء والاستقبال وَهُوَ قوي
ثمَّ النِّيَّة الْقَصْد فَلَا بُد من قصد أُمُور
أَحدهَا قصد فعل الصَّلَاة لتمتاز عَن سَائِر الْأَفْعَال
وَالثَّانِي تعين الصَّلَاة المأتي بهَا من كَونهَا ظهرا أَو عصرا أَو جُمُعَة وَهَذَانِ لَا بُد مِنْهُمَا بِلَا خلاف فَلَو نوى فرض الْوَقْت بدل الظّهْر أَو الْعَصْر لم تصح على الْأَصَح لِأَن الْفَائِتَة تشاركها فِي كَونهَا فَرِيضَة الْوَقْت
الثَّالِث أَن يَنْوِي الْفَرِيضَة على الْأَصَح عِنْد الْأَكْثَرين سَوَاء كَانَ الناوي بَالغا أَو صَبيا وَسَوَاء كَانَت الصَّلَاة قَضَاء أَو أَدَاء وَفِي شرح الْمُهَذّب أَن الصَّوَاب فِي الصَّبِي أَنه لَا يَنْوِي الْفَرْض وَفِي اشْتِرَاط الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يَقُول لله وَجْهَان الْأَصَح أَنه لَا يشْتَرط
الرَّابِع هَل لَا يشْتَرط تَمْيِيز الْأَدَاء من الْقَضَاء وَجْهَان أصَحهمَا فِي الرَّافِعِيّ لَا يشْتَرط لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد ولهذذا يُقَال أدّيت الدّين وقضيت الدّين وَالَّذِي قَالَ النَّوَوِيّ إِن هَذَا فِيمَن جهل خُرُوج الْوَقْت لغيم وَنَحْوه قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب صرح الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ إِذا نوى الْأَدَاء فِي وَقت الْقَضَاء أَو عَكسه لم تصح قطعا وَالله أعلم وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض لعدد الرَّكْعَات وَلَا للاستقبال على الصَّحِيح نعم لَو نوى الظّهْر خمْسا أَو ثَلَاثًا لم تَنْعَقِد
وَاعْلَم أَن النِّيَّة فِي جَمِيع الْعِبَادَات مُعْتَبرَة بِالْقَلْبِ فَلَا يَكْفِي نطق للسان مَعَ غَفلَة الْقلب نعم

(1/101)


لَا يضر مُخَالفَة اللِّسَان من قصد بِقَلْبِه الظّهْر وَجرى على لِسَانه الْعَصْر فَإِنَّهَا تَنْعَقِد ظَهره وَاعْلَم أَن شَرط النِّيَّة الْجَزْم ودوامه فَلَو نوى فِي أثْنَاء الصَّلَاة الْخُرُوج مِنْهَا بطلت وَكَذَا لَو تردد فِي أَن يخرج أَو يسْتَمر بطلت وَلَو علق الْخُرُوج مِنْهَا على شَيْء فَإِن قَالَ إِن عيط لي فلَان أَو دق الْبَاب خرجت مِنْهَا بطلت فِي الْحَال على الرَّاجِح كَمَا لَو دخل فِي الصَّلَاة على ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد بِلَا خلاف لفَوَات الْجَزْم كَمَا لَو علق الْخُرُوج من الاسلام فَإِنَّهُ يكفر فِي الْحَال بِلَا خلاف وَلَو شكّ فِي صلَاته هَل أَتَى بِكَمَال النِّيَّة أَو تَركهَا أَو ترك بعض شُرُوطهَا نظر إِن تذكر أَنه أَتَى بكمالها قبل أَن يَأْتِي بِشَيْء على الشَّك وَقصر الزَّمَان لم تبطل صلَاته لِأَن عرُوض الشَّك وزواله كثير فيعفى عَنهُ وَإِن طَال الزَّمَان فَالْأَصَحّ الْبطلَان لانْقِطَاع نظم الصَّلَاة وندور مثل ذَلِك وَإِن تذكر بعد مَا أَتَى على الشَّك بِرُكْن فعلي كالركوع وَالسُّجُود بطلت وَإِن أَتَى بِقَوْلِي كالقراءة وَالتَّشَهُّد بطلت أَيْضا على الْأَصَح الْمَنْصُوص الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور قَالَ النَّوَوِيّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَو شكّ هَل نوى ظهرا أَو عصراً لم يجزه عَن وَاحِدَة مِنْهُمَا فَإِن تيقنهما فعلى التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَالله أعلم
وَاعْلَم أَنه يشْتَرط أَن تقارن النِّيَّة لتكبيرة الاحرام يَعْنِي ذكرا وَمَا معنى الْمُقَارنَة فِيهِ أوجه أَصَحهَا فِي الرَّوْضَة هُنَا أَنه يجب ذكرهَا من أول التَّكْبِيرَة إِلَى فراغها
وَالثَّانِي أَن الْوَاجِب استحضارها لأوّل التَّكْبِيرَة فَقَط قَالَ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الطَّلَاق وَهُوَ الْأَظْهر
وَالثَّالِث تَكْفِي الْمُقَارنَة الْعُرْفِيَّة عِنْد الْعَوام بِحَيْثُ يعد مستحضراً للصَّلَاة وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الامام وَالْغَزالِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَالله أعلم قَالَ
(وَالْقِيَام مَعَ الْقُدْرَة)
اعْلَم أَن الْقيام أَو مَا يقوم مقَامه عِنْد الْعَجز كالقعود والاضطجاع ركن فِي صَلَاة الْفَرْض لما روى عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعداً فَإِن لم تستطع فعلى جنب) وَزَاد النَّسَائِيّ
(فَإِن لم تستطع فمستلقياً لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) وَيشْتَرط فِي الْقيام الانتصاب فَلَو انحنى متخشعاً وَكَانَ قَرِيبا إِلَى حد الرُّكُوع لم تصح صلَاته وَلَو لم يقدر على الْقيام إِلَّا بِمعين ثمَّ لَا يتَأَذَّى بِالْقيامِ لزمَه أَن يَسْتَعِين بِمن يقيمه فَإِن لم يجد مُتَبَرعا لزمَه أَن يستأجره بأجره الْمثل إِن وجدهَا وَلَو قدر

(1/102)


على الْقيام دون الرُّكُوع وَالسُّجُود لعِلَّة بظهره لزم ذَلِك لقدرته على الْقيام وَلَو احْتَاجَ فِي الْقيام إِلَى شَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ لزمَه وَلَو كَانَ قَادِرًا على الْقيام واستند إِلَى شَيْء بِحَيْثُ لَو انحنى سقط صحت صلَاته مَعَ الْكَرَاهَة وَمن عجز عَن الانتصاب وَصَارَ فِي حد الراكعين كمن تقوس ظَهره لكبر أَو زمانة الْقيام على تِلْكَ الْحَالة فَإِذا أَرَادَ الرُّكُوع زَاد فِي الانحناء بِهِ إِن قدر عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتوَلِّيّ وَالْبَغوِيّ وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي وَالله أعلم قَالَ
(وَتَكْبِيرَة الاحرام)
التَّكْبِيرَة ركن من أَرْكَان الصَّلَاة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(مِفْتَاح الصَّلَاة الْوضُوء وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم) وَورد فِي حَدِيث الْمُسِيء صلَاته
(إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر) قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ أحسن الْأَدِلَّة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يذكر لَهُ فِي الحَدِيث إِلَّا الْفَرْض وَاعْلَم أَن تَكْبِيرَة الاحرام يعْتَبر فِيهَا أُمُور فَلَو فقد وَاحِد مِنْهَا لم يجز وَلم تصح صلَاته
أَحدهَا أَنه يَأْتِي بِصِيغَة الله أكبر بِالْعَرَبِيَّةِ إِذا كَانَ قَادِرًا لما رَوَاهُ أَبُو حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة اسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ الله أكبر) فَلَو قَالَ الرَّحْمَن الرَّحِيم أكبر أَو أجل أَو قَالَ الرب أعظم وَنَحْو ذَلِك لم يجز وَلَو قَالَ الله الْأَكْبَر أَجزَأَهُ على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لفظ يدل على التَّكْبِير وَهَذِه الزِّيَادَة تدل على التَّعْظِيم فَصَارَ كَمَا لَو قَالَ الله أكبر من كل شَيْء فَإِنَّهُ يجزىء وَلَو عكس وَقَالَ أكبر الله لم يجز على الصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يُسمى تَكْبِيرا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ عِنْد الْخُرُوج من الصَّلَاة عَلَيْكُم السَّلَام فَإِنَّهُ يجزىء لِأَنَّهُ يُسمى سَلاما كَذَا قَالُوا وَلَو حصل بَين الِاسْم الْكَرِيم وَلَفظه أكبر فصل نظر إِن قل لم يضر كَمَا لَو قَالَ الله الْجَلِيل أكبر وَإِن طَال الْفَصْل كَمَا لَو قَالَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس أكبر لم يجز قطعا لِخُرُوجِهِ عَن اسْم التَّكْبِير وَمِنْهَا أَن يحصل بَين الِاسْم الْكَرِيم وَلَفظه أكبر وَقْفَة وَمِنْهَا أَن لَا يزِيد مَا يخل بِالْمَعْنَى بِأَن يمد الْهمزَة من الله لِأَنَّهُ يخرج بِهِ إِلَى الِاسْتِفْهَام أَو بِأَن يشْبع حَرَكَة الْبَاء فِي أكبر فَتبقى أكبار وَهُوَ اسْم للْحيض أَو يزِيد فِي إشباع الْهَاء فتتولد وَاو سَوَاء كَانَت سَاكِنة أَو متحركة وَمِنْهَا أَن

(1/103)


يَأْتِي بالتكبيرة بكمالها وَهُوَ منتصب فَلَو أَتَى بِبَعْضِهَا وَهُوَ فِي الْهَوِي وَقد وصل إِلَى حد أقل الرُّكُوع فَلَا تَنْعَقِد فرضا وَهل تَنْعَقِد نفلا الْأَصَح إِن كَانَ جَاهِلا انْعَقَدت وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَن يَنْوِي بهَا تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَهَذَا يَقع كثيرا فِيمَن أدْرك الامام رَاكِعا نَحوه فَلَو نوى بهَا تَكْبِيرَة الاحرام وَالرُّكُوع لم تَنْعَقِد صلَاته فرضا وَلَا نفلا على الصَّحِيح للتشريك وَلَو لم ينْو تَكْبِيرَة الاحرام وَلَا تَكْبِيرَة الرُّكُوع بل أطلق فَالصَّحِيح الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقطع بِهِ جُمْهُور الْأَصْحَاب لَا تَنْعَقِد صلَاته لِأَنَّهُ لم يقْصد تَكْبِيرَة الاحرام وَقيل تَنْعَقِد لقَرِينَة الِافْتِتَاح وَمَال إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَيَردهُ قرينَة الرُّكُوع وَهَذَا كل فِي الْقَادِر على النُّطْق بِالْعَرَبِيَّةِ أما الْعَاجِز فَإِن كَانَ لَا يقدر على التَّعَلُّم إِمَّا لخرس أَو بِأَن لَا يطاوعه لِسَانه أَتَى بالترجمة وَلَا يعدل إِلَى ذكر آخر وَجَمِيع اللُّغَات فِي التَّرْجَمَة سَوَاء على الصَّحِيح وَأما الْقَادِر على التَّعَلُّم فَيجب عَلَيْهِ ذَلِك حَتَّى لَو كَانَ بِنَاحِيَة لَا يجد من يُعلمهُ فِيهَا لزمَه السّفر إِلَى مَوضِع يتَعَلَّم فِيهِ على الصَّحِيح لِأَن السّفر وَسِيلَة إِلَى وَاجِب وَمَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب وَلَا تجوز التَّرْجَمَة فِي أول الْوَقْت لمن أمكنه التَّعَلُّم فِي آخِره فَلَو صلى بالترجمة من لَا يحسسن التَّعَلُّم بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَأما من قدر على التَّعَلُّم وَلَكِن ضَاقَ الْوَقْت عَن تعلمه لبلاده ذهنه أَو قلَّة مَا أدْركهُ من الْوَقْت فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ أَيْضا وَإِن أخر التَّعَلُّم مَعَ التَّمَكُّن وضاق الْوَقْت صلى بالترجمة لحُرْمَة الْوَقْت وَتجب الاعادة على الصَّحِيح الصَّوَاب لتَقْصِيره وَهُوَ آثم وَلَو كبر تَكْبِيرَات دخل بالأوتار فِي الصَّلَاة وَخرج مِنْهَا بالأشفاع لِأَن نِيَّة الِافْتِتَاح تَتَضَمَّن قطع الصَّلَاة وَلَو لم ينْو بِغَيْر الأولى الِافْتِتَاح وَلَا الْخُرُوج من الصَّلَاة صَحَّ دُخُوله بِالْأولَى وَبَاقِي التَّكْبِيرَات ذكر لَا تبطل الصَّلَاة والوسوسة عِنْد تَكْبِيرَة الاحرام من تلاعب الشَّيْطَان وَهِي تدل على خبل بِالْعقلِ أَو الْجَهْل فِي الدّين وَالله أعلم
(وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا)
من أَرْكَان الصَّلَاة قِرَاءَة الْفَاتِحَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب) وَفِي رِوَايَة
(لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ الرجل فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب) وَفِي رِوَايَة
(أم الْقُرْآن عوض عَن غَيرهَا وَلَيْسَ غَيرهَا مِنْهَا عوضا) وَورد فِي حَدِيث الْمُسِيء صلَاته أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ
(فَكبر ثمَّ اقْرَأ بِأم الْكتاب) وَهَذَا ظَاهر فِي دلَالَة الْوُجُوب قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة كَامِلَة من أول الْفَاتِحَة بِلَا خلاف وَحجَّة ذَلِك أَن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(عد

(1/104)


الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد الْبَسْمَلَة آيَة مِنْهَا) وَعَزاهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ إِلَى البُخَارِيّ وَلَيْسَ فِي صَحِيحه نعم ذكره فِي تَارِيخه وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد فاقرءوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا أَو قَالَ هِيَ إِحْدَى آياتها) وَعَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(عد الْبَسْمَلَة آيَة من الْفَاتِحَة) وَقَالَ أَبُو نصر الْمُؤَدب اتّفق قراء الْكُوفَة وفقهاء الْمَدِينَة على أَنَّهَا آيَة مِنْهَا فَإِن قلت فَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين) فَالْجَوَاب أَن المُرَاد قِرَاءَة السُّورَة الملقبة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإِن قيل هَذَا خلاف الظَّاهِر فَالْجَوَاب تعْيين ذَلِك جمعا بَين الْأَدِلَّة
(فَائِدَة) هَل ثُبُوت الْبَسْمَلَة قُرْآنًا بِالْقطعِ أم بِالظَّنِّ قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب الْأَصَح أَن ثُبُوتهَا بِالظَّنِّ حَتَّى يَكْفِي فِيهَا أَخْبَار الْآحَاد لَا بِالْقطعِ وَلِهَذَا لَا يكفر نافيها باجماع الْمُسلمين قَالَ ابْن الرّفْعَة حكى العمراني أَن صَاحب الْفُرُوع قَالَ بتكفير جاحدها وتفسيق تاركها وَالله أعلم قلت قد حُكيَ الْمَاوَرْدِيّ والمحاملي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْن فِي الْبَسْمَلَة هَل هِيَ فِي الْفَاتِحَة قُرْآن على سَبِيل الْقطع كَسَائِر الْقُرْآن أم على سَبِيل الحكم وَمعنى الحكم أَن الصَّلَاة لَا تصح إِلَّا بهَا فِي أول الْفَاتِحَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا هِيَ آيَة حكما لَا قطعا فعلى قَول الْجُمْهُور يقبل فِي إِثْبَاتهَا خبر الْوَاحِد كَسَائِر الْأَحْكَام وعَلى الآخر لَا يقبل كَسَائِر الْقُرْآن وَإِنَّمَا ثبتَتْ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتر عَن الصَّحَابَة فِي إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن الْقَادِر على قِرَاءَة الْفَاتِحَة يتَعَيَّن عَلَيْهِ قرَاءَتهَا فِي حَال الْقيام وَمَا يقوم مقَامه وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لما مر من الْأَدِلَّة وَلَا يجوز ترجمتها عِنْد الْعَجز للإعجاز يَسْتَوِي فِي تَعْيِينهَا الامام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد فِي السّريَّة وَكَذَا فِي الجهرية وَفِي قَول لَا تجب على الْمَأْمُوم فِي الجهرية بِشَرْط أَن يكون يسمع الْقِرَاءَة فَلَو كَانَ أَصمّ أَو بَعيدا لَا يسمع الْقِرَاءَة لزمَه الرَّاجِح وَتجب قِرَاءَة الْفَاتِحَة بِجَمِيعِ حروفها وتشديداتها فَلَو أسقط حرفا أَو خفف مشدداً أَو بدل حرفا بِحرف سَوَاء فِي ذَلِك الضَّاد وَغَيره لم تصح قِرَاءَته وَلَا صلَاته وَلَو لحن لحنا بِغَيْر الْمَعْنى كضم تَاء أَنْعَمت أَو كسرهَا أَو كسر كَاف إياك لم يُجزئهُ وَتبطل صلَاته إِن تعمد وَتجب اعادة الْقِرَاءَة إِن لم يتَعَمَّد وَيجب تَرْتِيب قرَاءَتهَا فَلَو قدم مُؤَخرا إِن تعمد بطلت قِرَاءَته وَعَلِيهِ استئنافها وَإِن سَهَا لم يعْتد بالمؤخر وَيَبْنِي على الْمُرَتّب إِلَّا أَن يطول فيستأنف الْقِرَاءَة وَتجب الْمُوَالَاة بَين كَلِمَات الْفَاتِحَة فَإِن أخل بالموالاة نظر إِن سكت وطالت مُدَّة السُّكُوت بِأَن أشعر بِقطع الْقِرَاءَة أَو

(1/105)


إعراضه عَنْهَا بطلت قِرَاءَته وَلَزِمَه استئنافها فَإِن قصرت مُدَّة السُّكُوت لم يُؤثر فَلَو قصد مَعَ السُّكُوت الْيَسِير قطع الْقِرَاءَة بطلت قِرَاءَته على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَلَو تخللها ذكر أَو قِرَاءَة آيَة أُخْرَى أَو إِجَابَة مُؤذن أَو فتح على غير الإِمَام يَعْنِي غلط شخص فِي الْقِرَاءَة فَرد عَلَيْهِ وَكَذَا لَو جمد لعطاس بطلت قِرَاءَته وَإِن كَانَ مل تخَلّل مَنْدُوبًا فِي صلَاته كتأمينه لقِرَاءَة إِمَامه وَفتح عَلَيْهِ وسؤاله الرَّحْمَة والتعوذ من الْعَذَاب عِنْد قِرَاءَته آيهما فَلَا تبطل قِرَاءَته على الْأَصَح هَذَا كُله فِي الْقَادِر على قِرَاءَة الْفَاتِحَة أما من لَا يحسن الْفَاتِحَة حفظا لزمَه تعلمهَا أَو قرَاءَتهَا من مصحف وَلَو بشرَاء أَو اجارة أَو اعارة وَيلْزمهُ تَحْصِيل الضَّوْء فِي الظلمَة وَكَذَا يلْزمه أَن يتلقنها من شخص وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَلَا يجوز لَهُ ترك هَذِه الْأُمُور إِلَّا عِنْد التَّعَذُّر فَإِن عجز عَن ذَلِك إِمَّا لضيق الْوَقْت أَو بلادة ذهنه أَو عدم الْمعلم أَو الْمُصحف أَو غَيره قَرَأَ سبع آيَات وَلَا يترجم عَنْهَا وَلَا ينْتَقل إِلَى الذّكر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ للمسيء صلَاته
(فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن فاقرأ وَإِلَّا فاحمد الله تَعَالَى وَهَلله وَكبره) وَالْمعْنَى أَن الْقِرَاءَة بِالْقُرْآنِ أشبه وَاشْتِرَاط سبع آيَات لِأَنَّهَا بدل وَهل يشْتَرط أَن تكون الْآيَات الَّتِي بدل الْفَاتِحَة مُتَوَالِيَات فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا عِنْد الرَّافِعِيّ نعم لِأَن المتوالية أشبه بِالْفَاتِحَةِ وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوص أَن يجوز المتفرقة مَعَ الْقُدْرَة على المتوالية كَمَا فِي قَضَاء رَمَضَان فَإِن عجز أَتَى بِذكر للْحَدِيث
(أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أتعلم الْقُرْآن فعلمني مَا يجزيني من الْقُرْآن فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم) وَهل يشْتَرط أَن يَأْتِي بسبعة أَنْوَاع من الذّكر وَجْهَان قَالَ الرَّافِعِيّ أقربهما نعم وَلَا يجوز نقص حُرُوف الْبَدَل عَن حُرُوف الْفَاتِحَة سَوَاء كَانَ الْبَدَل قُرْآنًا أَو غَيره كالأصل وَلَو كَانَ يحسن آيَة من الْفَاتِحَة أَتَى بهَا ويبدل الْبَاقِي إِن أحسن وَإِلَّا كررها وَلَا بُد من مُرَاعَاة التَّرْتِيب فَإِن كَانَت الْآيَة من أول الْفَاتِحَة أَتَى بهَا أَولا ثمَّ أَتَى بِالْبَدَلِ وَإِن كَانَت من آخر الْفَاتِحَة أَتَى بِالْبَدَلِ ثمَّ بِالْآيَةِ فَإِن لم يحسن شَيْئا وقف بِقدر قِرَاءَة الْفَاتِحَة لِأَن قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَاجِبَة الْوُقُوف بِقَدرِهَا وَاجِب فَإِذا تعذر أَحدهمَا بَقِي الآخر وَمثله التَّشَهُّد الْأَخير قَالَ ابْن الرّفْعَة وَمثله التَّشَهُّد الأول والقنوت وَقَالَ فِي الاقليد وَلَا يقف وَقْفَة الْقُنُوت لِأَن قِيَامه مَشْرُوع لغيره وَيجْلس فِي التَّشَهُّد الأول لِأَن جُلُوسه مَقْصُود فِي نَفسه وَالله أعلم قَالَ
(وَالرُّكُوع والطمأنينة فِيهِ)
فَرِيضَة الرُّكُوع ثَابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة وَوُجُوب الطُّمَأْنِينَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمسىء

(1/106)


صلَاته
(ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا) وَأَقل الرُّكُوع أَن ينحني الْقَادِر المعتدل الْخلقَة حَتَّى تبلغ راحتاه رُكْبَتَيْهِ يَعْنِي لَو أَرَادَ ذَلِك بِدُونِ إِخْرَاج رُكْبَتَيْهِ أَو انخناس لبلغتا رُكْبَتَيْهِ لِأَن دون ذَلِك يُسمى رُكُوعًا حَقِيقَة وَلَو لم يقدر على الانحناء إِلَى هَذَا الْحَد الْمَذْكُور إِلَّا بِمعين لزمَه وَكَذَا يلْزم الِاعْتِمَاد على شَيْء فَإِن لم يقدر انحنى الْقدر الْمُمكن فَإِن عجز أَوْمَأ بطرفه من قيام هَذَا فِي الْقَائِم وَأما الْقَاعِد فَأَقل رُكُوعه أَن ينحني قدر مَا يُحَاذِي وَجهه مَا وَرَاء رُكْبَتَيْهِ من الأَرْض وَلَا يجزبه غير ذَلِك وأكمله أَن ينحني بِحَيْثُ تحاذي جَبهته مَوضِع سُجُوده ثمَّ أقل الطُّمَأْنِينَة أَن يصبر حَتَّى تَسْتَقِر أعضاؤه فِي هَيْئَة الرُّكُوع وينفصل هويه عَن رَفعه فَلَو وصل إِلَى حد الرُّكُوع وَزَاد فِي الْهَوِي ثمَّ ارْتَفع والحركات مُتَّصِلَة لم تحصل الطُّمَأْنِينَة وَيشْتَرط أَن يقْصد بهوية غير الرُّكُوع حَتَّى لَو هوى لسجود تِلَاوَة وَصَارَ فِي حد الرُّكُوع وَأَرَادَ جعله رُكُوعًا لَا يعْتد بذلك الْهَوِي لِأَنَّهُ صرفه عَن هوي الرُّكُوع إِلَى هوي سُجُود التِّلَاوَة وَاعْلَم أَن أكمل الرُّكُوع أَن ينحني بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهره وعنقه ويمدهما كالصفيحة وَينصب سَاقيه وَيَأْخُذ رُكْبَتَيْهِ بكفيه وَيفرق أَصَابِعه ويوجههما نَحْو الْقبْلَة جَاءَت السّنة بذلك قَالَ
(والإعتد الوالطمأنين فِيهِ)
الإعتدال ركن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمسيء صلاتته
(ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما) وَأما وجوب الطُّمَأْنِينَة فلحديث صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَابْن حَيَّان فِي صَحِيحه وَقِيَاسًا على الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ثمَّ الِاعْتِدَال الْوَاجِب أَن يعود بعد رُكُوعه إِلَى الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل الرُّكُوع سَوَاء صلاهَا قَائِما أَو قَاعِدا وَلَو رفع الرَّاكِع رَأسه ثمَّ سجد وَشك هَل أتم اعتداله وَجب أَن يعتدل قَائِما وَيُعِيد السُّجُود وَيجب أَن لَا يقْصد بِرَفْعِهِ غير الِاعْتِدَال فَلَو رأى فِي رُكُوعه حَيَّة فَرفع فَزعًا مِنْهَا لم يعْتد بِهِ السُّجُود وَيجب أَن لَا يقْصد بِرَفْعِهِ غير الِاعْتِدَال فَلَو رأى فِي رُكُوعه حَيَّة فَرفع فَزعًا مِنْهَا لم يعْتد بِهِ وَيجب أَن لَا لايطول الِاعْتِدَال فَإِن طوله عمدا فَفِي بطلَان صلَاته ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقطع بِهِ الْبَغَوِيّ تبطل إِلَّا مَا ورد الشَّرْع بتطويله فِي الْقُنُوت أَو صَلَاة التَّسْبِيح
وَالثَّانِي لَا تبطل مُطلقًا
وَالثَّالِث إِن طول بِذكر آخر لَا بِقصد الْقُنُوت لز تبطل وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ وَقَالَ إِنَّه الْأَرْجَح وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب إِنَّه الْأَقْوَى إِلَّا أَنه صحّح فِي أصل الْمِنْهَاج أَن تطويله مُبْطل فِي

(1/107)


الْأَصَح فعلى مَا صَححهُ فِي الْمِنْهَاج حد التَّطْوِيل أَن يلْحق الِاعْتِدَال بِالْقيامِ فِي القرءة نَقله الْخَوَارِزْمِيّ عَن الْأَصْحَاب وَيلْحق الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بالتشهد إِذا قُلْنَا إِنَّه قصير وَالله أعلم قَالَ
(وَالسُّجُود والطمأنينة فِيهِ)
السُّجُود ركن فِي الصَّلَاة بِالْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {ارْكَعُوا واسجدوا} وَأما الطُّمَأْنِينَة فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمسيء صلَاته
(ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا) ثمَّ أقل السُّجُود أَن يضع على الأَرْض من الْجَبْهَة مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَلَا بُد من تحامل فَلَا يَكْفِي الْوَضع حَتَّى تَسْتَقِر جَبهته فَلَو سجد على حشيش أَو شَيْء محشو وَجب أَن يتحامل حَتَّى ينكبس وَيظْهر أَثَره وَحجَّة ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا سجدت فمكن جبهتك من الأَرْض وَلَا تنقر نقرا) فَلَو سجد على جَبينه أَو أَنفه لم يكف أَو عمَامَته لم يكف أَو على شدّ على كَتفيهِ أَو على كمه لم يكف فِي كل ذَلِك إِن تحرّك بحركته فَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن حبَان
(شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حر الرمضاء فَلم يشكنا) وَفِي رِوَايَة
(فِي جباهنا وأكفنا) وَهل يجب وضع يَدَيْهِ وركبتيه وقدميه مَعَ جَبهته فِيهِ قَولَانِ الْأَظْهر عِنْد الرَّافِعِيّ لَا يجب ولأظهر عِنْد النَّوَوِيّ الْوُجُوب فعلى مَا صَححهُ النَّوَوِيّ الِاعْتِبَار بباطن الْكَفّ وَظهر الْأَصَابِع وَيشْتَرط فِي السُّجُود أَن ترْتَفع أسافله على أعاليه فِي الْأَصَح لِأَن الْبَراء بن عَازِب رفع عجيزته وَقَالَ
(هَكَذَا كَانَ يفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالثَّانِي تجوز الْمُسَاوَاة وَنَقله الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند عَن نَص الشَّافِعِي وَلَو ارْتَفَعت الأعالي على الأسافل لم يجز جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَلَو تَعَذَّرَتْ هَيْئَة رفع الأسافل على الأعالي لعِلَّة فَهَل يجب وضع وسَادَة ليضع جَبهته عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَان الرَّاجِح فِي الشَّرْح الْكَبِير لَا يجب وَصحح فِي الشَّرْح الصَّغِير الْوُجُوب وَالله أعلم
(فرع) لَو كَانَ على جَبهته جِرَاحَة وعصبها وَسجد على الْعِصَابَة أَجزَأَهُ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ إِذا سَقَطت الْإِعَادَة مَعَ الْإِيمَاء بِالسُّجُود فَهُنَا أولى وَلَو عجز عَن السُّجُود لعِلَّة أَوْمَأ بِرَأْسِهِ فَإِن عجز فبطرفه وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَالله أعلم قَالَ
(وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ والطمأنينة فِيهِ)

(1/108)


من أَرْكَان الصَّلَاة الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمسيء صلَاته
(ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل جَالِسا) وَفِي رِوَايَة
(حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا) وَقد ورد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا رفع رَأسه لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا) وَالله أعلم قَالَ
(وَالْجُلُوس الْأَخير وَالتَّشَهُّد فِيهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي فِيهِ)
الْقعُود الَّذِي يعقبه السَّلَام وَالتَّشَهُّد فِيهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ كل وَاجِب وَالْمرَاد بالتشهد التَّحِيَّات وأقلها
(التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ لَا يشْتَرط لفظ أشهد بل يَكْفِي وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله إِذا عرف هَذَا فالدليل على وجوب ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد السَّلَام على الله السَّلَام على فلَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(قُولُوا التَّحِيَّات لله) إِلَى آخِره فَقَوله قبل أَن يفْرض وَقُولُوا ظاهران فِي الْوُجُوب وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الْأَمر بِهِ وَإِذا ثَبت وجوب التَّشَهُّد وَجب الْقعُود لَهُ لِأَن كل من أوجب التَّشَهُّد أوجب الْقعُود لَهُ وَأما وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَوَاهُ كَعْب بن عجْرَة قَالَ خرج علينا النَّبِي
0 - (فَقُلْنَا قد عرفنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة
(كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا فَقَالَ قُولُوا) إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة
(إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد ربه والثنا عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد أَمر الله تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وأجمعنا على أَنَّهَا لَا تجب خَارج الصَّلَاة فَتعين أَن تكون فِي الصَّلَاة كَذَا قَرَّرَهُ بَعضهم قلت فِي دَعْوَى الْإِجْمَاع نظر فَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال مِنْهُم من أوجبهَا فِي الْعُمر مرّة وَمِنْهُم من أوجبهَا فِي كل مجْلِس مرّة وَمِنْهُم من أوجبهَا كلما ذكر وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيّ من أَصْحَابنَا وَمِنْهُم من أوجبهَا فِي أول كل دُعَاء وَفِي آخِره وَالله أعلم

(1/109)


وَقَول السيخ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْخَذ مِنْهُ أَن الصَّلَاة على الْآل لَا تجب وَهُوَ كَذَلِك بل الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهَا سنة وَالله أعلم وَاعْلَم أَن التَّحِيَّات جمع تَحِيَّة وَهِي الْملك وَقيل الْبَقَاء وَقيل الْحَيَاة وَإِنَّمَا جمعت لِأَن مُلُوك الأَرْض كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم يحييه أَصْحَابه بِتَحِيَّة مَخْصُوصَة فَقيل جَمِيع تحياتهم لله وَهُوَ الْمُسْتَحق لذَلِك حَقِيقَة والبركات كَثْرَة الْخَيْر وَقيل النَّمَاء والصلوات هِيَ الصَّلَوَات الْمَعْرُوفَة وَقيل الدَّعْوَات والتضرع وَقيل الرَّحْمَة أَي لله تَعَالَى المتفضل بهَا والطيبات أَي الْكَلِمَات الطَّيِّبَات وَالله أعلم
(فرع) من عرف التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يجوز لَهُ أَن يعدل إِلَى ترجمتها كتكبيرة الْإِحْرَام فَإِن عجز ترجمتها وَالله أعلم قَالَ
(والتسليمة الأولى وَنِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة)
من أَرْكَان الصَّلَاة التَّسْلِيم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم) وَيجب إِيقَاع التسليمة الأولى فِي حَال الْقعُود ثمَّ أَقَله السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يَجْزِي سَلام عَلَيْكُم وَلَا سلامي عَلَيْكُم وَلَا سَلام الله عَلَيْكُم وَلَا السَّلَام عَلَيْهِم قَالَ النَّوَوِيّ لِأَن الْأَحَادِيث قد صحت بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَلم ينْقل عَنهُ خِلَافه فَلَو قَالَ شَيْئا من ذَلِك مُتَعَمدا بطلت صلَاته إِلَّا قَوْله سَلام عَلَيْهِم لِأَنَّهُ دُعَاء لَا كَلَام وَهل يجوز سَلام عَلَيْكُم بِالتَّنْوِينِ فِيهِ وَجْهَان الْأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ الْجَوَاز قِيَاسا على التَّشَهُّد لِأَن التَّنْوِين يقوم مقَام الْألف وَاللَّام وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح الْمَنْصُوص لَا يَجْزِي لعدم وُرُوده هُنَا فَلَو لم ينون لم يجز بِاتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ وَهل تجب نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تجب وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ لِأَن السَّلَام ذكر وَاجِب فِي أحد طرفِي الصَّلَاة فَتجب فِيهِ النِّيَّة كتكبيرة الْإِحْرَام وَلِأَن السَّلَام لفظ آدَمِيّ يُنَاقض الصَّلَاة فِي وَضعه فَلَا بُد فِيهِ من نِيَّة تميزه وأصحهما أَنَّهَا لَا تجب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات وَلَيْسَ السَّلَام كتكبيرة الْإِحْرَام لِأَن التَّكْبِير فعل تلِيق بِهِ النِّيَّة وَالسَّلَام ترك وَالله أعلم قَالَ
بَاب سنَن الصَّلَاة
(وسننها قبل الدُّخُول فِيهَا شَيْئَانِ الْأَذَان والاقامة) الْأَذَان فِي اللُّغَة الْإِعْلَام وَفِي الشَّرْع ذكر مَخْصُوص شرع للإعلام بِصَلَاة مَفْرُوضَة وَالْأَذَان

(1/110)


وَالْإِقَامَة مشروعان بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِذا نُودي للصَّلَاة} والإخبار فِي ذَلِك كَثِيرَة مِنْهُمَا حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم) وَفِي رِوَايَة
(فأذنا ثمَّ أقيما) وهما سنة على الصَّحِيح وَقيل فرض كِفَايَة وَقيل هما سنة فِي غير الْجُمُعَة وَفرض كِفَايَة فِيهَا وَقَضِيَّة كَلَام الشَّيْخ أَنَّهُمَا ليسَا بِسنة فِي غير الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَهُوَ كَذَلِك فَلَا يشرعان فِي الْمَنْذُورَة والجنازة وَلَا السّنَن وَإِن شرعت فِيهَا الْجَمَاعَة كالعيد والكسوف وَالِاسْتِسْقَاء والتراويح لعدم ورودهما فِي ذَلِك ثمَّ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة إِن كَانَت مَكْتُوبَة فِي جمَاعَة رجال فَلَا خلاف فِي اسْتِحْبَاب الْأَذَان لَهَا وَأما الْمُنْفَرد فِي الصَّحرَاء وَكَذَا فب الْبَلَد فَيُؤذن أَيْضا على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ
(إِنِّي أَرَاك تحب الْبَادِيَة وَالْغنم فَإِذا كنت فِي باديتك أَو غنمك للصَّلَاة فارفع صَوْتك بالنداء فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة) وَالْقَدِيم لَا يُؤذن لانْتِفَاء الْإِعْلَام وَيَنْبَغِي أَن يُؤذن وَيُقِيم قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَلَو تَركهمَا مَعَ الْقُدْرَة صَحَّ أَذَانه وإقامته على الْأَصَح لَكِن يكره إِلَّا إِذا كَانَ مُسَافِرًا فَلَا بَأْس بأذانه رَاكِبًا وأذان المضطجع كالقاعد إِلَّا أَنه أَشد كَرَاهَة وَلَا يقطع الْأَذَان بِكَلَام وَلَا غَيره فَلَو سلم عَلَيْهِ إِنْسَان أَو عطس لم يجبهُ حَتَّى يفرغ فَإِن أَجَابَهُ أَو تكلم لمصْلحَة لم يكره وَكَانَ تَارِكًا للمستحب نعم لَو رأى أعمى يخَاف وُقُوعه فِي بِئْر وَنَحْوه وَجب إنذاره وَيسْتَحب أَن يكون الْمُؤَذّن متطهرا فَإِن أذن وَأقَام وَهُوَ مُحدث أَو جنب كره وَيسْتَحب أَن يكون صيتًا وَحسن الصَّوْت وَأَن يُؤذن على مَوضِع عَال وَشرط الْأَذَان أَن يكون الْمُؤَذّن مُسلما عَاقِلا ذكرا وَهل الْأَذَان أفضل من الْإِمَامَة أم لَا فِيهِ خلاف الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي أم الْإِمَامَة أفضل وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ قَالَ وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا إِن الْأَذَان أفضل وَنَصّ الشَّافِعِي على كَرَاهَة الْإِمَامَة وَاعْلَم أَن الْأَذَان مُتَعَلق بِنَظَر الْمُؤَذّن لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى مُرَاجعَة الإِمَام وَأما الْإِقَامَة فتتعلق بِإِذن الْأَمَام وَالله أعلم قَالَ
(وَبعد الدُّخُول فِيهَا شَيْئَانِ التَّشَهُّد الأول والقنوت فِي الصُّبْح وَفِي الْوتر فِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان)

(1/111)


التَّشَهُّد الأول سنة فِي الصَّلَاة لما رَوَاهُ عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(قَامَ فِي صَلَاة الظّهْر وَعَلِيهِ جُلُوس فَلَمَّا أتم صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ) وَلَو كَانَ وَاجِبا لما تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مشروعيته فالإجماع مُنْعَقد بعد السّنة الشَّرِيفَة على ذَلِك وَكَيف قعد جَازَ بِلَا خلاف بِالْإِجْمَاع لَكِن الإفتراش أفضل فيجلس على الكعب يسراه وَينصب يمناه وَيَضَع أَطْرَاف أَصَابِعه الْيُمْنَى للْقبْلَة وَأما الْقُنُوت فَيُسْتَحَب فِي اعْتِدَال الثَّانِيَة فِي الصُّبْح لما رَوَاهُ أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا) وَكَون الْقُنُوت فِي الثَّانِيَة رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَكَونه بعد رفع الرَّأْس من الرُّكُوع فَلَمَّا ورد عَن بِي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لما قنت فِي قصَّة قَتْلَى بِئْر مَعُونَة قنت بعد الرُّكُوع فقسنا عَلَيْهِ قنوت الصُّبْح) نعم فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يقنت قبل الرّفْع من الرُّكُوع) قَالَ الْبَيْهَقِيّ لَكِن رُوَاة الْقُنُوت بعد الرّفْع أَكثر وأحفظ فَهَذَا أولى فَلَو قنت قبل الرُّكُوع قَالَ فِي الرَّوْضَة لم يُجزئهُ على الصَّحِيح وَيسْجد للسَّهْو على الْأَصَح وَلَفظ الْقُنُوت
(اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت) قَالَ الرَّافِعِيّ وَزَاد الْعلمَاء وَلَا يعز من عاديت قبل تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت وَقد جَاءَت فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ وَبعده فلك الْحَمد على مَا قضيت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَاعْلَم أَن الصَّحِيح أَن هَذَا الدُّعَاء لَا يتَعَيَّن حَتَّى لَو قنت بِآيَة تَتَضَمَّن دُعَاء وَقصد الْقُنُوت تأدت السّنة بذلك ويقنت الإِمَام بِلَفْظ الْجمع بل يكره تَخْصِيص نَفسه بِالدُّعَاءِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا يؤم عبد قوما فيخص نَفسه بدعوة دونهم فَإِن فعل فقد خَانَهُمْ) ثمَّ سَائِر الْأَدْعِيَة فِي حق الإِمَام كَذَلِك أَي يكره لَهُ إِفْرَاد نَفسه صرح بِهِ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْأَذْكَار للنووي وَالسّنة أَن يرفع يَدَيْهِ وَلَا يمسح وَجهه لِأَنَّهُ لم يثبت قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَلَا يسْتَحبّ مسح الصَّدْر بِلَا خلاف بل نَص جمَاعَة على كَرَاهَته قَالَه فِي الرَّوْضَة وَيسْتَحب الْقُنُوت فِي آخر وتره فِي النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَأَبُو دَاوُد عَن أبي بن كَعْب وَقيل يقنت كل السّنة فِي الْوتر قَالَه النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق فَقَالَ إِنَّه مُسْتَحبّ فِي جَمِيع السنه وَقيل يقنت فِي جَمِيع

(1/112)


رَمَضَان وَيسْتَحب فِيهِ قنوت عمر رَضِي الله عَنهُ وَيكون قبل قنوت الصُّبْح قَالَه الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح بعده لِأَن قنوت الصُّبْح ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوتر فَكَانَ تَقْدِيمه أولى وَالله أعلم قَالَ
بَاب هيئات الصَّلَاة
(وهيئاتها خَمْسَة عشر شَيْئا رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ)
رفع الْيَدَيْنِ سنة فِيمَا ذكره الشَّيْخ لِأَنَّهُ صَحَّ عَن فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَوَاء فِي ذَلِك من صلى قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا وَسَوَاء فِي ذَلِك الْفَرْض وَالنَّفْل وَسَوَاء فِي ذَلِك الرجل وَالْمَرْأَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَكَيْفِيَّة الرّفْع أَن يرفعهما بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَاف أَصَابِعه أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهامهاه شحمتي أُذُنَيْهِ وَكَفاهُ مَنْكِبَيْه وَهَذَا معنى قَول الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب يرفعهما حَذْو مَنْكِبَيْه وَحجَّة ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام
(كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة) وَكَذَا يسْتَحبّ رفع يَدَيْهِ إِذا قَامَ من التَّشَهُّد الأول وَلَو كَانَ بكفيه عِلّة رفع الْمُمكن أَو كَانَ أقطع رفع الساعد وَيسْتَحب أَن يكون كَفه إِلَى الْقبْلَة وَيسْتَحب كشف الْيَدَيْنِ وَنشر الْأَصَابِع وَالله أعلم قَالَ
(وَوضع الْيَمين على الشمَال والتوجه والاستعاذة)
يسْتَحبّ أَن يضع كَفه الْيَمين على الْيُسْرَى وَيقبض بكف الْيُمْنَى كوع الْيُسْرَى ثَبت ذَلِك عَن فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون الْقَبْض على رسغ الْكَفّ وَأول ساعد الْيُسْرَى وَقَالَ الْقفال هُوَ بِالْخِيَارِ بَين بسط أَصَابِع الْيُمْنَى فِي عرض الْمفصل وَبَين نشرها فِي صوب الساعد وَيسْتَحب جَعلهمَا تَحت صَدره رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقيل يجعلهما تَحت السُّرَّة وَقَالَ ابْن الْمُنْذر هما سَوَاء لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ حَدِيث وَلَو أرسل يَدَيْهِ وَلم يقبض كره ذَلِك قَالَه الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِي إِنَّه ظَاهر الْمَذْهَب لَكِن نقل ابْن الصّباغ عَن الشَّافِعِي أَنه إِن أرسلهما وَلم يعبث فَلَا يأس وَعلله الشَّافِعِي بِأَن الْمَقْصُود تسكين يَدَيْهِ بل نقل الطَّبَرِيّ قولا أَنه يسْتَحبّ وَالله أعلم وَيسْتَحب أَن يَقُول عقب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام
(وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين) رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(كَانَ إِذا استفتح الصَّلَاة كبر ثمَّ

(1/113)


قَالَ وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره وَمعنى وجهت وَجْهي قصدت بعبادتي وَقيل أَقبلت بوجهي وحنيفاً يُطلق على المائل والمستقيم فعلى الأول يكن مَعْنَاهُ مائلاً إِلَى الْحق والنسك الْعِبَادَة وَلَو ترك دُعَاء الاقتتاح وتعوذ لم يعد إِلَيْهِ سَوَاء تعمد أَو نسي لفَوَات مَحَله وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق الإِمَام فِي التَّشَهُّد الْأَخير فَسلم عقب تحرمه نظر إِن لم يقْعد استفتح وَإِن قعد فَسلم الإِمَام فَلَا يَأْتِي بِهِ لفَوَات مَحَله وَلَو أَنه بِمُجَرَّد مَا أحرم فرغ الإِمَام من الْفَاتِحَة فَقَالَ آمين أَتَى بِدُعَاء الاقتتاح لِأَن التَّأْمِين يسير لَا يقوم مقَامه نَقله فِي الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ وَأقرهُ قلت وَجزم بِهِ شيخ الْبَغَوِيّ القَاضِي حُسَيْن وَالله أعلم وَيسْتَحب أَيْضا التَّعَوُّذ لقَوْل تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} أَي إِذا أردْت الْقِرَاءَة وَعَن جُبَير بن مطعم رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا ثَلَاثًا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه) وهمزه هُوَ الْجُنُون ونفخة الْكبر ونفثة الشّعْر وَكَذَا ورد تَفْسِيره فِي الحَدِيث قَالَ الشَّافِعِي وَتحصل الِاسْتِعَاذَة بِكُل لفظ يشْتَمل عَلَيْهَا والأحب أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقيل أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَيسْتَحب التَّعَوُّذ لكل رَكْعَة لوُقُوع الْفَصْل بَين الْقِرَاءَتَيْن بِالرُّكُوعِ وَغَيره وَقيل يخْتَص بالركعة الأولى قَالَ
(والجهر فِي مَوْضِعه والاسرار فِي مَوْضِعه والتأمين)
الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْح والأولتين من الْمغرب وَالْعشَاء مُسْتَحبّ للْإِمَام بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَفَاد من نقل الْخلف عَن السّلف وَأما الْمُنْفَرد فَيُسْتَحَب لَهُ أَيْضا لِأَنَّهُ غير مَأْمُور بالإنصات فَأشبه الإِمَام وَيسن الْجَهْر بالبسملة فِيمَا يجْهر فِيهِ لِأَنَّهُ صَحَّ من رِوَايَة عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يجْهر بهَا فِي الْحَاضِرَة) فَلَو صلى فَائِتَة فَإِن قضى فَائِتَة اللَّيْل بِاللَّيْلِ جهر وَإِن قضى فَائِتَة النَّهَار بِالنَّهَارِ أسر وَإِن قضى فَائِتَة النَّهَار بِاللَّيْلِ أَو بِالْعَكْسِ فأوجه الْأَصَح أَن الِاعْتِبَار بِوَقْت الْقَضَاء فيسر فِي الْعشَاء نَهَارا ويجهر فِي الظّهْر لَيْلًا وَلَا يسْتَحبّ فِي الصَّلَاة الجهرية الْجَهْر بِدُعَاء الاستفتاح قطعا وَفِي التَّعَوُّذ خلاف الْمَذْهَب أَنه

(1/114)


لَا يجْهر كدعاء الاستفتاح وَيسْتَحب عقب الْفَاتِحَة لَفْظَة آمين خَفِيفَة لقَوْل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا قَالَ الإِمَام غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَقولُوا آمين فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) وَمعنى آمين استجب ثمَّ إِن التَّأْمِين يُؤْتى بِهِ سرا فِي الصَّلَاة السّريَّة وَأما فِي الجهرية فيجهر بِهِ الإِمَام وَالْمُنْفَرد فَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا فرغ من أم الْقُرْآن رفع صَوته وَقَالَ آمين) وَفِي الْمَأْمُوم طرق الرَّاجِح أَنه يجْهر قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم أخبرنَا مُسلم بن خَالِد عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ كنت أسمع الْأَئِمَّة ابْن الزبير وَمن بعده يَقُولُونَ آمين وَمن خَلفهم يَقُولُونَ آمين حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة وَذكر البُخَارِيّ ذَلِك عَن ابْن الزبير تَعْلِيقا وَقد مر أَن تعليقات البُخَارِيّ بِصِيغَة الْجَزْم هَكَذَا تكون صَحِيحَة عِنْده وَعند غَيره واللجة اخْتِلَاف الْأَصْوَات وَالله أعلم قَالَ
(وَقِرَاءَة سُورَة بعد سُورَة الْفَاتِحَة)
يسن للْإِمَام وَالْمُنْفَرد قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن الْعَظِيم بعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي صَلَاة الصُّبْح وَفِي الأولتين من سَائِر الصَّلَوَات وَالْأَصْل فِي مَشْرُوعِيَّة ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر فِي الأولتين بِأم الْقُرْآن وسورتين وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأم الْكتاب ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولى مَا لَا يطول فِي الثَّانِيَة وَكَذَا فِي الْعَصْر) وَاعْلَم أَنه يحصل الِاسْتِحْبَاب بِأَيّ شَيْء قَرَأَ لَكِن السُّورَة الْكَامِلَة وَإِن قصرت أحب من بعض السُّورَة وَإِن طَالَتْ صرح بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ إِن ذَلِك عِنْد التَّسَاوِي أما بعض السُّورَة الطَّوِيلَة إِذا كَانَ أطول من القصيرة فَهُوَ أولى ذكره فِي شرح الْمُهَذّب وَغَيره قلت قَول الرَّافِعِيّ أفقه إِلَّا أَن يكون الطَّوِيلَة قد اشْتَمَل على معَان تَامَّة الِابْتِدَاء والانتهاء وَالْمعْنَى فَلَا شكّ حِينَئِذٍ فِي تَفْضِيل ذَلِك على السُّورَة القصيرة وَالله أعلم وَلَا يسْتَحبّ السُّورَة فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة على الرَّاجِح إِلَّا أَن يكون مَسْبُوقا فَيَقْرَؤُهَا فيهمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَأما الْمَأْمُوم الَّذِي لم يسْبق فَيُسْتَحَب لَهُ الْإِنْصَات لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} الْآيَة وَجَاء فِي الحَدِيث النَّهْي عَن قِرَاءَة الْمَأْمُوم وَقَالَ
(لَا تَفعلُوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب)

(1/115)


وَهَذَا إِذا كَانَت الصَّلَاة جهرية وَكَانَ الْمَأْمُوم يسمع إِمَّا إِذا لم يسمع لصمم أَو بعد أَو كَانَت الصَّلَاة سَرِيَّة أَو أسر الإِمَام بالجهرية فَإِنَّهُ يقْرَأ فِي ذَلِك لانْتِفَاء الْمَعْنى نعم الْجنب إِذا فقد الطهُورَيْنِ لَا يجوز لَهُ قِرَاءَة السُّورَة وَقَوله بعد سُورَة الْفَاتِحَة يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه لَو قَرَأَ السُّورَة قبل الْفَاتِحَة لَا تحصل السّنة وَهُوَ كَذَلِك على الْمَذْهَب وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي يجوز فِيهَا الْهَمْز وَتَركه وَالله أعلم قَالَ
(والتكبيرات عِنْد الْخَفْض وَالرَّفْع وَقَوله سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد وَالتَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود)
الأَصْل فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة يكبر حِين يقوم وَيكبر حِين يرْكَع ثمَّ يَقُول سمع الله لمن حَمده حِين يرفع صلبه من الرُّكُوع وَيَقُول وَهُوَ قَائِم رَبنَا لَك الْحَمد ثمَّ يكبر حِين يهوي للسُّجُود ثمَّ يكبر حِين يرفع رَأسه يفعل ذَلِك فِي صلَاته كلهَا وَكَانَ يكبر حِين يقوم لإثنتين من الْجُلُوس) وَسمع الله لمن حَمده ذكر الرّفْع وربنا لَك الْحَمد ذكر الِاعْتِدَال وَقَوله رَبنَا لَك الْحَمد جَاءَ فِي الصَّحِيح هَكَذَا بِلَا وَاو وَمعنى سمع الله لمن حَمده أَي تقبله مِنْهُ وجازاه عَلَيْهِ وَأما التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فقد ورد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما نزل قَوْله تَعَالَى {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} قَالَ
(اجهلوها فِي ركوعكم) وَلما نزل {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ
(اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ) وروى مُسلم من حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول ذَلِك وَيسْتَحب أَن يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا وَقد جَاءَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة وَفِيه أَحَادِيث وَهُوَ أدنى الْكَمَال وأكمله من تسع تسبيحات إِلَى إِحْدَى عشرَة تَسْبِيحَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَفِي الإفصاح يسبح فِي الأولتين إِحْدَى عشرَة تَسْبِيحَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ سبعا سبعا وَهل يسْتَحبّ أَن يضيف وَبِحَمْدِهِ قَالَ الرَّافِعِيّ استحبه بَعضهم قَالَ النَّوَوِيّ استحبه الْأَكْثَرُونَ وَجزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وَالله أعلم قَالَ
(وَوضع الْيَدَيْنِ على الفخذين فِي الْجُلُوس يبسط الْيُسْرَى وَيقبض الْيُمْنَى إِلَّا المسبحة فَإِنَّهُ يُشِير بهَا متشهداً)

(1/116)


فِي الْجُلُوس الأول وَالثَّانِي يسْتَحبّ للْمُصَلِّي أَن يضع يَده فيهمَا على فَخذيهِ ويبسط الْيُسْرَى بِحَيْثُ يسامت رؤوسها الرّكْبَة وَيقبض من الْيُمْنَى الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى والإبهام وَيُرْسل المسبحة رَوَاهُ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسميت المسبحة لِأَنَّهَا تنزه الرب سُبْحَانَهُ إِذْ التَّسْبِيح التَّنْزِيه ويرفعها عِنْد قَوْله إِلَّا الله لِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى التَّوْحِيد فَيجمع فِي ذَلِك بَين القَوْل وَالْفِعْل وَيسْتَحب أَن يميلها قَلِيلا عِنْد رَفعهَا وَفِيه حَدِيث رَوَاهُ ابْن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ وَصَححهُ وَلَا يحركها لعدم وُرُوده وَقيل يسْتَحبّ تحريكها وَفِيهِمَا حديثان صَحِيحَانِ قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَفِي وَجه أَنه حرَام مُبْطل للصَّلَاة حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَالله أعلم قَالَ
(والافتراش فِي جَمِيع الجلسات والتورك فِي الجلسة الْأَخِيرَة والتسليمة الثَّانِيَة)
اعْلَم أَنه لَا يتَعَيَّن فِي الصَّلَاة جُلُوس بل كَيفَ قعد الْمُصَلِّي جَازَ وَهَذَا إِجْمَاع سَوَاء فِي ذَلِك جلْسَة الاسْتِرَاحَة وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوس لمتابعة الإِمَام نعم يسن فِي غير الْأَخير جُلُوس التَّشَهُّد الأول الافتراش فيجلس على كَعْب يسراه بعد فرشها وَينصب رجله الْيُمْنَى وَيجْعَل أَطْرَاف أصابعها للْقبْلَة وَفِي الْأَخير التورك وَهُوَ مثل الافتراش إِلَّا أَنه يُفْضِي بوركه إِلَى الأَرْض وَيجْعَل يسراه من جِهَة يمناه وَهَذِه الْكَيْفِيَّة قد ثبتَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَوجه الْفرق بَين الْجُلُوس الْأَخير وَغَيره أَن الْجُلُوس الأول خَفِيف وللمصلي بعده حَرَكَة فَنَاسَبَ أَن يكون على هَيْئَة المستوفز بِخِلَاف الْأَخير فَلَيْسَ بعده عمل فَنَاسَبَ أَن يكون على هَيْئَة المستقر وَاعْلَم أَن الْمَسْبُوق يجلس مفترشاً وَكَذَا الساهي لِأَن بعد جلوسهما حَرَكَة وتستحب التسليمة الثَّانِيَة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره) ورد من رِوَايَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَالله أعلم قَالَ
بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل
(فصل وَالْمَرْأَة تخَالف الرجل فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء فالرجل يُجَافِي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ ويقل بَطْنه عَن فَخذيهِ فِي السُّجُود وَالرُّكُوع ويجهر فِي مَوضِع الْجَهْر وَإِذا نابه شَيْء فِي صلَاته سبح)
يسْتَحبّ للراكع أَولا أَن يمد ظَهره وعنقة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمد ظَهره وعنقه حَتَّى لَو صب على ظَهره مَاء لركد قَالَ الشَّافِعِي وَيجْعَل رَأسه وعنقه حِيَال ظَهره محدودباً وَيسْتَحب

(1/117)


نصب سَاقيه وَيكرهُ أَن يطأطىء رَأس لِأَنَّهُ دلح كدلح الْحمار كَمَا ورد فِي الْخَبَر الْمنْهِي عَنهُ وَيسْتَحب أَن يُجَافِي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ لِأَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَوَت أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَفْعَله وَالْمَرْأَة تضم بَعْضهَا إِلَى بعض لِأَنَّهُ أستر لَهَا وَالْمُسْتَحب للرجل أَن يباعد مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ فِي سُجُوده فَفِي الصَّحِيحَيْنِ
(أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ إِذا سجد فرج بَين يَدي حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ) وَيسْتَحب أَيْضا أَن يقل بَطْنه عَن فَخذيهِ لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(كَانَ إِذا سجد فرج) وَفِي رِوَايَة
(كَانَ إِذا سجد لَو أَرَادَت بَهِيمَة لنفذت) والبهيمة الْأُنْثَى من صغَار الْمعز وَالْمَرْأَة تضم بَعْضهَا إِلَى بعض لِأَنَّهُ أستر لَهَا وَأما الْجَهْر فقد مر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرجل وَأما الْمَرْأَة إِذا أمت أوصلت مُنْفَرِدَة فَإِنَّهَا تجْهر إِن لم يكن بِحَضْرَة الرِّجَال الْأَجَانِب لَكِن دون جهر الرجل وتسر إِن كَانَ هُنَاكَ أجانب وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن السّنة أَن تخْفض صَوتهَا سَوَاء قُلْنَا صَوتهَا عَورَة أم لَا فَإِن جهرت وَقُلْنَا إِن صَوتهَا عَورَة بطلت صلَاتهَا وَالرجل إِذا نابه شَيْء فِي صلَاته كتنبيه إِمَامه وإنذاره أعمى وَنَحْوه كغافل وَكَمن قَصده ظَالِم أَو سبع وَنَحْو ذَلِك يسْتَحبّ لَهُ أَن يسبح وَالْمَرْأَة تصفق لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من نابه شَيْء فِي صلَاته فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء) وَفِي رِوَايَة
(من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل سُبْحَانَ الله) وَإِذا سبح فَيَنْبَغِي لَهُ قصد الذّكر والإعلام
(فَائِدَة) التَّسْبِيح والتصفيق تبع للمنبه عَلَيْهِ إِن كَانَ التَّنْبِيه قربَة فالتسبيح والتصفيق قربتان وَإِن كَانَ مُبَاحا فمباحان وَلَو صفق الرجل وسبحت الْمَرْأَة لم يضر وَلكنه خلاف السّنة وَفِي وَجه أَن تصفيق الرجل يضر وَلَو تكَرر تصفيق الْمَرْأَة لم يضر بِلَا خلاف قَالَه ابْن الرّفْعَة وَفِي كَيْفيَّة تصفيق الْمَرْأَة أوجه الصَّحِيح أَنَّهَا تضرب بطن كفها الْأَيْمن على ظهر الْأَيْسَر فَلَو ضربت بطن كفها على بطن الآخر على وَجه اللّعب عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاتهَا وَإِن قل قَالَه الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب وَالله أعلم قَالَ
(وعورة الرجل مَا بَين سرته وركبته)

(1/118)


أَي حرا كَانَ أَو عبدا مُسلما كَانَ أَو ذِمِّيا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجرهد وَهُوَ بجيم وهاء مفتوحين ودال مُهْملَة
(غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة) وَقَوله مَا بَين سرته وركبته يُؤْخَذ مِنْهُ أَن السُّرَّة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَأما الْحرَّة فعورتها فِي الصَّلَاة جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ظهرا وبطناً إِلَى الكوعين لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم هُوَ الْوَجْه والكفان وَلِأَنَّهُمَا لَو كَانَا من الْعَوْرَة لما كشفتهما فِي حَال الْإِحْرَام وَقَالَ الْمُزنِيّ القدمان ليسَا من الْعَوْرَة مُطلقًا وَأما الْأمة فَفِيهَا وَجْهَان الْأَصَح أَنَّهَا كَالرّجلِ سَوَاء كَانَت قنة أَو مُسْتَوْلدَة أَو مُكَاتبَة أَو مُدبرَة لِأَن رَأسهَا لَيْسَ بِعَوْرَة بِالْإِجْمَاع فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ ضرب أمة لآل أنس رَآهَا قد سترت رَأسهَا فَقَالَ لَهَا تتشبهين بالحرائر وَمن لَا يكون رَأسه عَورَة تكون عَوْرَته مَا بَين سرته وركبته كَالرّجلِ وَقيل مَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَال الْخدمَة لَيْسَ بِعَوْرَة وَهُوَ الرَّأْس والرقبة والساعد وطرف السَّاق لَيْسَ بِعَوْرَة لِأَنَّهَا محتاجة إِلَى كشفه ويعسر عَلَيْهَا ستره وَمَا عدا ذَلِك عَورَة وَالله أعلم قَالَ
بَاب مبطلات الصَّلَاة
(فصل وَالَّذِي تبطل بِهِ الصَّلَاة أحد عشر شَيْئا الْكَلَام الْعمد وَالْعَمَل الْكثير) إِذا تكلم الْمُصَلِّي عَامِدًا بِمَا يصلح لخطاب الْآدَمِيّين بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ يتَعَلَّق بمصلحة الصَّلَاة أَو غَيرهَا وَلَو كلمة لما رُوِيَ عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لمعاوية بن الحكم السّلمِيّ وَقد شمت عاطساً فِي الصَّلَاة
(إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) وَقَوله عمدا احْتَرز بِهِ عَن النسْيَان وَفِي مَعْنَاهُ الْجَاهِل بِالتَّحْرِيمِ لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ وَفِي مَعْنَاهُ من بدره الْكَلَام بِلَا قصد وَلم يطلّ وَكَذَا غَلبه الضحك لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(رفع عَن أمتِي الْخَطَأ

(1/119)


وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) نعم لَو أكره على الْكَلَام بطلت صلَاته على الْأَصَح لِأَنَّهُ نَادِر وَلِهَذَا تَتِمَّة مهمة ذَكرنَاهَا فِي شُرُوط الصَّلَاة وَأما الْعَمَل الْكثير كالخطوات الثَّلَاث المتواليات وَكَذَا الضربات تبطل الصَّلَاة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعمد وَالنِّسْيَان كَمَا أطلقهُ الشَّيْخ وَالْأَصْل فِي ذَلِك الْإِجْمَاع لِأَن الْعَمَل الْكثير يُغير نظمها وَيذْهب الْخُشُوع وَهُوَ مقصودها وَيُؤْخَذ من كَلَام الشَّيْخ أَن الْعَمَل الْقَلِيل لَا يبطل وَوَجهه بِأَن الْقَلِيل فيمحل الْحَاجة وَأَيْضًا فَلِأَن مُلَازمَة حَالَة مِمَّا يسعر بِخِلَاف الْكَلَام فَإِنَّهُ لَا يعسر فَلهَذَا بطلت بِالْكَلِمَةِ دون الخطوة وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مس الحصي
(إِن كنت فَاعِلا فَمرَّة وَاحِدَة) وَأمر بِدفع الْمَار وبقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وأدار ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا من يسَاره الى يَمِينه وغمز رجل فِي السُّجُود وَأَشَارَ لجَابِر رَضِي الله عَنهُ وكل ذَلِك فِي الصَّحِيح وَلِهَذَا تَتِمَّة مرت فِي شُرُوط الصَّلَاة قَالَ
(وَالْحَدَث) الْحَدث فِي الصَّلَاة يُبْطِلهَا عمدا كَانَ أَو سَهوا وَسَوَاء سبقه أم لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَإِذا فسا أحدكُم فِي صلَاته فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليعد صلَاته) وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على ذَلِك فِي غير صُورَة السَّبق وَلِهَذَا تَتِمَّة مرت فِي شُرُوط الصَّلَاة قَالَ
(وحدوث النَّجَاسَة وانكشاف الْعَوْرَة) إِذا تعمد إِصَابَة النَّجَاسَة الَّتِي غير مَعْفُو عَنْهَا بطلت صلَاته كَمَا لَو تعمد الْحَدث وَأما المعفو عَنْهَا مثل أم قتل قملة وَنَحْوهَا فَلَا تبطل لِأَن دَمهَا مَعْفُو عَنهُ كَذَا قَالَه الْبَنْدَنِيجِيّ وَإِن وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة نظر إِن نحاها فِي الْحَال بِأَن نفضها لَو تبطل لتعذر الِاحْتِرَاز عَن ذَلِك مَعَ أَنه لَا تَقْصِير مِنْهُ وَفَارَقت هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة سبق الْحَدث لِأَن زمن الطَّهَارَة يطول وَأما انكشاف الْعَوْرَة فَإِن كشفها عمدا بطلت صلَاته وَإِن أَعَادَهَا فِي الْحَال لِأَن السّتْر شَرط وَقد أزاله بِفِعْلِهِ فَأشبه لَو أحدث وَإِن كشفها الرّيح فاستتر فِي الْحَال فَلَا تبطل وَكَذَا لَو انحل الْإِزَار أَو تكة اللبَاس فَأَعَادَهُ عَن قرب فَلَا تبطل كَمَا ذكرنَا فِي النَّجَاسَة قَالَ الإِمَام وحد الطول مكث محسوس وَالله أعلم قَالَ

(1/120)


(وتغيير النِّيَّة) فِيهِ مسَائِل
الأولى إِذا قطع النِّيَّة مثل إِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة بطلت بِلَا خلاف لِأَن من شَرط النِّيَّة بقاءها وَقد زَالَت وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو نوى الْخُرُوج من الصَّوْم حَيْثُ لَا يبطل على الْأَصَح وَالْفرق أَن الصَّوْم إمْسَاك فَهُوَ من بَاب التروك فَلم تُؤثر النِّيَّة فِي إِبْطَاله بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا أَفعَال مُخْتَلفَة لَا يربطها إِلَّا النِّيَّة فَإِذا زَالَت زَالَ الرابط
الثَّانِيَة لَو نقل النِّيَّة من فرض إِلَى آخر أَو من فرض إِلَى نفل فَالْأَصَحّ الْبطلَان وَمِنْهُم من قطع ببطلانها
الثَّالِثَة إِذا عزم على قطعهَا مثل أَن جزم من الرَّكْعَة الأولى أَن يقطعهَا فِي الثَّانِيَة بطلت فِي الْحَال لقطعه مُوجب النِّيَّة وَهُوَ الِاسْتِمْرَار إِلَى الْفَرَاغ
الرَّابِعَة إِذا شكّ هَل يقطعهَا مثل أَن تردد فِي أَنه هَل يخرج مِنْهَا أَو يسْتَمر بطلت لِأَن الِاسْتِمْرَار الَّذِي اكْتفى بِهِ فِي الدَّوَام قد زَالَ بِهَذَا التَّرَدُّد قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلم أر فِيهِ خلافًا قَالَ الإِمَام وَلَيْسَ من شكّ عرُوض التَّرَدُّد بالبال كَمَا يجْرِي للموسوس فَإِنَّهُ قد يعرض بالذهن تصور الشَّك وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يبطل قَالَ
(واستدبار الْقبْلَة)
إِذا استدبر الْقبْلَة بطلت صلَاته كَمَا لَو أحدث إِذْ الْمَشْرُوط يفوت بِفَوَات شَرطه وَقد تقدم فِي فصل اسْتِقْبَال الْقبْلَة فروع مهمة فلتراجع قَالَ
(وَالْأكل وَالشرب والقهقهة وَالرِّدَّة)
من مبطلات الصَّلَاة الْأكل وَالشرب لِأَنَّهُ إِذا بَطل الصَّوْم بِهِ وَهُوَ لَا يبطل بالأفعال فَالصَّلَاة أولى وَلِأَنَّهُ يعد معرضًا عَن الصَّلَاة إِذْ الْمَقْصُود من الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة تَجْدِيد الايمان ومحادثة الْقلب بالمعرفة وَالرُّجُوع إِلَى الله تَعَالَى وَالْأكل يُنَاقض ذَلِك وَهَذَا إِذا كَانَ عَامِدًا فَإِن أكل نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوه كَمَا مر فِي شُرُوط الصَّلَاة فَلَا تبطل كَالصَّوْمِ وَهَذَا إِذا كَانَ قَلِيلا فَإِن كثر فَالْأَصَحّ الْبطلَان قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن أكل أقل من سمسمة لَا تبطل وَفِي السمسمة أَو قدرهَا وَجْهَان الصَّحِيح الْبطلَان وَالشرب كَالْأَكْلِ وَأما القهقهة وَهِي الضحك فَإِن تعمد ذَلِك بطلت صلَاته لِأَنَّهُ يُنَافِي الْعِبَادَة وَهَذَا إِذا بَان مِنْهُ حرفان فَإِن لم يبن فَلَا تبطل لِأَنَّهُ لَيْسَ

(1/121)


بِكَلَام وَقد مر لهَذَا تَتِمَّة فِي شُرُوط الصَّلَاة وَأما الرِّدَّة وَهِي قطع الْإِسْلَام إِمَّا بِفعل كَأَن سجد فِي الصَّلَاة لصنم أَو للشمس أَو قَول كَأَن ثلث أَو اعْتِقَاد كَأَن فكر فِي الصَّلَاة فِي هَذَا الْعَالم بِفَتْح اللَّام فَاعْتقد قدمه وَمَا أشبه ذَلِك كفر فِي الْحَال قطعا وَتبطل صلَاته وَكَذَا لَو اعْتقد عدم وجوب الصَّلَاة لاختلال النِّيَّة وَمَا أشبه ذَلِك وَالله أعلم
بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة
(فصل وركعات الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة سبع عشرَة رَكْعَة)
هَذَا إِذْ كَانَت الصَّلَاة فِي الْحَضَر وَفِي غير يَوْم الْجُمُعَة فَإِن كَانَ فِيهَا جُمُعَة نقصت رَكْعَتَانِ وَإِن كَانَت مَقْصُورَة نقصت أَرْبعا أَو سِتا قَوْله فِيهَا سبع عشرَة رَكْعَة إِلَى آخِره يعرف بِالتَّأَمُّلِ وَلَا يَتَرَتَّب على ذَلِك كثير فَائِدَة وَالله أعلم قَالَ
(وَمن عجز عَن الْقيام فِي الْفَرِيضَة صلى جَالِسا فَإِن عجز عَن الْجُلُوس صلى مُضْطَجعا) إِذا عجز الْمُصَلِّي عَن الْقيام فِي صَلَاة الْفَرْض صلى قَاعِدا وَلَا ينقص ثَوَابه لِأَنَّهُ مَعْذُور قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمران بن حُصَيْن
(صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعداً فَإِن لم تستطع فعلى جنب) زَاد النَّسَائِيّ
(فَإِن لم تستطع فمستلقياً لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) وَنقل الاجماع على ذَلِك
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ المُرَاد بِالْعَجزِ عدم الامكان بل خوف الْهَلَاك أَو زِيَادَة الْمَرَض أَو لُحُوق مشقة شَدِيدَة أَو خوف الْغَرق ودوران الرَّأْس فِي حق رَاكب السَّفِينَة وَقَالَ الامام ضبط الْعَجز أَن تلْحقهُ مشقة تذْهب خشوعه كَذَا نَقله عَنهُ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَأقرهُ إلاأنه فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ الْمَذْهَب خِلَافه وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ أَن لَا يُطيق الْقيام إِلَّا بِمَشَقَّة غير مُحْتَملَة قَالَ ابْن الرّفْعَة أَي مشقة غَلِيظَة وَاعْلَم أَنه لَا يتَعَيَّن لقعوده هَيْئَة وَكَيف قعد جَازَ وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ أصَحهمَا الافتراش لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيام وَلِأَن التربع نوع ترفه
وَالثَّانِي التربع أفضل ليتميز قعُود الْبَدَل عَن قعُود الأَصْل فَإِن عجز عَن الْقعُود صلى

(1/122)


مُضْطَجعا للْخَبَر السَّابِق وَيكون على جنبه الْأَيْمن على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص وَيجب أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِن لم يسْتَطع صلى على قَفاهُ وَيكون إيماؤه بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة إِن عجز عَن الاتيان بهما وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه فَإِن عجز عَن ذَلِك أَوْمَأ بطرفه لِأَنَّهُ حد طاقته فَإِن عجز عَن ذَلِك أجْرى أَفعَال الصَّلَاة على قلبه ثمَّ إِن قدر فِي هَذِه الْحَالة على النُّطْق بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة وَالتَّشَهُّد وَالسَّلَام أَتَى بِهِ وَإِلَّا أجراه على قلبه وَلَا ينقص ثَوَابه وَلَا يتْرك الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا وَإِذا صلى فِي هَذِه الْحَالة لَا إِعَادَة عَلَيْهِ عَلَيْهِ وَاحْتج الْغَزالِيّ لذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) ونازعه الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك الِاسْتِدْلَال وَلنَا وَجه أَنه فِي هَذِه الْحَالة لَا يُصَلِّي وَيُعِيد وَاعْلَم أَن المصلوب يلْزمه أَن يُصَلِّي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَكَذَا الغريق على لوح قَالَه القَاضِي حُسَيْن وَغَيره
(فرع) إِذا كَانَ يُمكنهُ الْقيام لَو صلى مُنْفَردا وَلَو صلى فِي جمَاعَة قعد فِي بَعْضهَا نَص الشَّافِعِي على جَوَاز الْأَمريْنِ وَأَن الأول أفضل مُحَافظَة على الرُّكْن وَجرى على ذَلِك القَاضِي حُسَيْن وتلميذاه الْبَغَوِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَهُوَ الْأَصَح وَقَالُوا لَو أمكنه الْقيام بِالْفَاتِحَةِ فَقَط وَلَو قَرَأَ سُورَة عجز فَالْأَفْضَل الْقيام بِالْفَاتِحَةِ فَقَط وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة أفضل وَالله أعلم قَالَ
بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة
(فصل والمتروك من الصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء فرض وَسنة وهيئة فالفرض لَا يَنُوب عَنهُ سُجُود السَّهْو بل إِن ذكره وَالزَّمَان قريب أَتَى بِهِ وَبنى عَلَيْهِ وَسجد للسَّهْو)
سُجُود السَّهْو مَشْرُوع للخلل الْحَاصِل فِي الصَّلَاة سَوَاء فِي ذَلِك صَلَاة الْفَرْض أَو النَّفْل وَفِي قَول لَا يشرع فِي النَّفْل ثمَّ ضَابِط سُجُود السَّهْو إِمَّا بارتكاب شَيْء مَنْهِيّ عَنهُ فِي الصَّلَاة كزيادة قيام أَو رُكُوع أَو سُجُود أَو قعُود فِي غير مَحَله على وَجه السَّهْو أَو ترك مَأْمُور بِهِ كَتَرْكِ رُكُوع أَو

(1/123)


سُجُود أَو قيام أَو قعُود وَاجِب أَو ترك قِرَاءَة وَاجِبَة أَو تشهد وَاجِب وَقد فَاتَ مَحَله فَإِنَّهُ يسْجد للسَّهْو بعد تدارك مَا تَركه ثمَّ إِن تذكر ذَلِك وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَتَى بِهِ وتمت صلَاته وَإِن تذكره بعد السَّلَام نظر إِن لم يطلّ الزَّمَان تدارك مَا فَاتَهُ وَسجد للسَّهْو وَإِن طَال اسْتَأْنف الصَّلَاة من أَولهَا وَلَا يجوز الْبناء لتغير نظم الصَّلَاة بطول الْفَصْل
وَفِي ضبط طول الْفَصْل قَولَانِ للشَّافِعِيّ الْأَظْهر وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُم أَنه يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَالْقَوْل الآخر وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ أَن الطَّوِيل مَا يزِيد على قدر رَكْعَة ثمَّ حَيْثُ جَازَ الْبناء فَلَا فرق بَين أَن يتَكَلَّم بعد السَّلَام وَيخرج من الْمَسْجِد ويستدبر الْقبْلَة وَبَين أَن لَا يفعل ذَلِك هَذَا هُوَ الصَّحِيح ثمَّ هَذَا عِنْد تَيَقّن الْمَتْرُوك أما إِذا سلم من الصَّلَاة وَشك هَل ترك ركنا أَو رَكْعَة فَالْمَذْهَب الصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه شَيْء وَصلَاته مَاضِيَة على الصِّحَّة لِأَن الظَّاهِر أَنه أَتَى بهَا بكمالها وعروض الشَّك كثير لَا سِيمَا عِنْد طول الزَّمَان فَلَو قُلْنَا بتأثير الشَّك لَأَدَّى إِلَى حرج ومشقة وَلَا حرج فِي الدّين وَهَذَا بِخِلَاف عرُوض الشَّك فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يَبْنِي على الْيَقِين وَيعْمل بِالْأَصْلِ كَمَا ذكره الشَّيْخ من بعده فَإِذا شكّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة هَل صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَخذ بِالْيَقِينِ وأتى بِرَكْعَة وَلَا يَنْفَعهُ غَلَبَة الظَّن أَنه صلى أَرْبعا وَلَا أثر للإجتهاد فِي هَذَا الْبَاب وَلَا يجوز الْعَمَل فِيهِ بقول الْغَيْر وَلَو كَانَ المخبرون كثيرين وثقات بل يجب عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بِمَا شكّ فِيهِ حَتَّى لَو قَالُوا لَهُ صليت أَرْبعا يَقِينا وَهُوَ شَاك فِي نَفسه لَا يرجع إِلَيْهِم
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى أَثلَاثًا أم أَرْبعا فليطرح الشَّك وليبن على مَا استيقن ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن كَانَ صلى خمْسا شفعن لَهُ صلَاته وَإِن كَانَ صلى تَمام الْأَرْبَع كَانَتَا ترغيماً للشَّيْطَان) ثمَّ هَذَا فِي حق الامام وَالْمُنْفَرد أما الْمَأْمُوم فَلَا يسْجد إِذا سَهَا خلف امامه ويتحمل الامام سَهْوه حَتَّى لَو ظن أَن الامام سلم فَسلم ثمَّ بَان لَهُ أَنه لم يسلم فَسلم مَعَه فَلَا سُجُود عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَال اقتدائه وَلَو تَيَقّن الْمَأْمُوم فِي تشهده أَنه ترك الرُّكُوع أَو الْفَاتِحَة مثلا من رَكْعَة نَاسِيا أَو شكّ فِي ذَلِك فَإِذا سلم الإِمَام لزمَه أَن يَأْتِي بِرَكْعَة وَلَا يسْجد للسَّهْو لِأَنَّهُ شكّ فِي حَال الِاقْتِدَاء وَلَو سمع الْمَأْمُوم الْمَسْبُوق صَوتا فَظَنهُ سَلام الإِمَام فَقَالَ ليتدارك مَا عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ رَكْعَة مثلا فَأتى بهَا وَجلسَ ثمَّ علم أَن الامام لم يسلم وَتبين خطأ نَفسه لم يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة لِأَنَّهَا مفعولة فِي غير محلهَا لِأَن وَقت التَّدَارُك بعد انْقِطَاع الْقدْوَة فَإِذا سلم الامام قَامَ وأتى بالركعة وَلَا يسْجد للسَّهْو لبَقَاء حكم الْقدْوَة وَلَو سلم الإِمَام

(1/124)


بعد مَا قَامَ فَهَل يجب عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى الْقعُود لِأَن قِيَامه غير مَأْذُون فِيهِ أم يجوز أَن يمْضِي فِي صلَاته وَجْهَان أصَحهمَا فِي شرح الْمُهَذّب وَالتَّحْقِيق وجوب الْعود وَالله أعلم قَالَ
(والمسنون لَا يعود إِلَيْهِ بعد التَّلَبُّس بِغَيْرِهِ لكنه يسْجد للسَّهْو)
وَقد تقدم أَن الصَّلَاة تشْتَمل على أَرْكَان وأبعاض وهيئات فالأركان مَا لَا بُد منا وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهَا جَمِيعهَا وَأما الأبعاض وَهِي الَّتِي سَمَّاهَا الشَّيْخ سنناً وَلَيْسَت من صلب الصَّلَاة فتجبر بسجود السَّهْو عِنْد تَركهَا سَهوا بِلَا خلاف وَكَذَا عِنْد الْعمد على الرَّاجِح لوُجُود الْخلَل الْحَاصِل فِي الصَّلَاة بِسَبَب تَركهَا بل الْعمد أَشد خللاً فَهُوَ أولى بِالسُّجُود وَهَذِه الأبعاض سِتَّة
التَّشَهُّد الأول وَالْقعُود لَهُ والقنوت فِي الصُّبْح وَفِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان وَالْقِيَام لَهُ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وَالصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الْأَخير
وَالْأَصْل فِي التَّشَهُّد الأول مَا ورد من حَدِيث عبد الله بن بُحَيْنَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(ترك التَّشَهُّد الأول نَاسِيا فَسجدَ قبل أَن يسلم) وَإِذا شرع السُّجُود لَهُ شرع لقعوده لِأَنَّهُ مَقْصُود ثمَّ قسنا عَلَيْهِمَا الْقُنُوت وقيامه لِأَن الْقُنُوت ذكر مَقْصُود فِي نَفسه شرع لَهُ مَحل مَخْصُوص وَهَذَا فِي قنوت الصُّبْح ورمضان أما قنوت النَّازِلَة فَلَا يسْجد لَهُ على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَالْفرق تَأَكد ذَيْنك بِدَلِيل الِاتِّفَاق على أَنَّهُمَا مشروعان بِخِلَاف النَّازِلَة وَأما الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول فَلِأَنَّهُ ذكر يجب الاتيان بِهِ فِي الْجُلُوس الْأَخير فَيسْجد لتَركه فِي التَّشَهُّد الأول قِيَاسا على التَّشَهُّد وَعلل الْغَزالِيّ اخْتِصَاص السُّجُود بِهَذِهِ المور لِأَنَّهَا من الشعائر الظَّاهِرَة الْمَخْصُوصَة بِالصَّلَاةِ
وَقَوله والمسنون لَا يعود إِلَيْهِ بعد التَّلَبُّس بِغَيْرِهِ كَمَا إِذا قَامَ من التَّشَهُّد الأول أَو ترك الْقُنُوت وَسجد فَلَو ترك التَّشَهُّد الأول وتلبس بِالْقيامِ نَاسِيا لم يجز لَهُ الْعود إِلَى الْقعُود فَإِن عَاد عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ بطلت صلَاته لِأَنَّهُ زَاد قعُودا وَإِن عَاد نَاسِيا لم تبطل وَعَلِيهِ أَن يقوم عِنْد تذكره وَيسْجد للسَّهْو وَإِن كَانَ جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ فَالْأَصَحّ أَنه كالناسي هَذَا حكم الْمُنْفَرد والامام وَأما الْمَأْمُوم فَإِذا تلبس إِمَامه بِالْقيامِ فَلَا يجوز لَهُ التَّخَلُّف عَنهُ لأجل التَّشَهُّد فَإِن فعل بطلت صلَاته وَلَو انتصب مَعَ الامام ثمَّ عَاد الامام إِلَى الْقعُود لم يجز للْمَأْمُوم أَن يعود مَعَه فَإِن عَاد الامام عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا لم تبطل وَلَو قعد الْمَأْمُوم فانتصب الامام ثمَّ عَاد الامام إِلَى الْقعُود لزم الْمَأْمُوم الْقيام لِأَنَّهُ توجه على الْمَأْمُوم الْقيام بانتصاب الامام وَلَو قعد الامام للتَّشَهُّد الأول وَقَامَ الْمَأْمُوم نَاسِيا فَالصَّحِيح وجوب الْعود إِلَى مُتَابعَة الامام فَإِن لم يعد بطلت صلَاته هَذَا كُله فِيمَن انتصب قَائِما أما إِذا انتهض نَاسِيا وتذكر قبل الانتصاب فَقَالَ الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب يرجع إِلَى التَّشَهُّد

(1/125)


وَالْمرَاد من الانتصاب الِاعْتِدَال والاستواء هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور ثمَّ إِذا عَاد قبل الانتصاب فَهَل يسْجد للسَّهْو قَولَانِ الاظهر فِي أصل الرَّوْضَة أَنه لَا يسْجد وَإِن صَار إِلَى الْقيام أقرب وَصَححهُ فِي التَّحْقِيق وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب إِنَّه الْأَصَح عِنْد الْجُمْهُور وَالَّذِي فِي الْمُحَرر أَنه إِذا صَار إِلَى الْقيام أقرب سجد وَإِلَّا فَلَا وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير إِن طَريقَة التَّفْصِيل أظهر قَالَ الإسنائي الْفَتْوَى على مَا فِي شرح الْمُهَذّب لموافقته الْأَكْثَرين هَذَا كُله إِذا ترك التَّشَهُّد الأول ونهض نَاسِيا أما إِذا تعمد ذَلِك ثمَّ عَاد قبل الانتصاب والاعتدال فَإِن عَاد بعد مَا صَار إِلَى الْقيام أقرب بطلت صلَاته وَإِن عَاد قبله لم تبطل وَالله أعلم وَلَو ترك الامام الْقُنُوت إِمَّا لكَونه لَا يرَاهُ كالحنفي أَو نسي فَإِن علم الْمَأْمُوم أَنه لَا يلْحقهُ فِي السُّجُود فَلَا يقنت وَإِن علم أَنه لَا يسْبقهُ قنت وَقد أطلق الرَّافِعِيّ وَالْغَزالِيّ أَنه لَا بَأْس بِمَا يَقْرَؤُهُ من الْقُنُوت إِذا لحقه عَن قرب وَأطلق القَاضِي حُسَيْن أَن من صلى الصُّبْح خلف من صلى الظّهْر وقنت تبطل صلَاته قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلعلَّة مُصَور بِحَالَة الْمُخَالفَة وَهُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم قَالَ
(والهيئة لَا يعود إِلَيْهَا بعد تَركهَا وَلَا يسْجد للسَّهْو عَنْهَا وَإِذا شكّ فِي عدد مَا أَتَى بِهِ من الرَّكْعَات بنى على الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل وَيسْجد لَهُ سُجُود السَّهْو وَمحله قبل السَّلَام وَهُوَ سنة)
الهيئات هِيَ الْأُمُور المسنونة غير الأبعاض كالتسبيح وتكبير الِانْتِقَالَات والتعوذ وَنَحْوه فَلَا يسْجد لَهَا بِحَال سَوَاء تَركهَا عمدا أَو سَهوا لِأَنَّهَا لَيست أصلا فَلَا تشبه الأَصْل بِخِلَاف الأبعاض وَوجه ذَلِك أَن سُجُود السَّهْو زِيَادَة فِي الصَّلَاة فَلَا يجوز إِلَّا بتوقيف وَورد فِي بعض الأبعاض وقسنا عَلَيْهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ لتأكده وَبَقِي مَا عداهُ على الأَصْل فَلَو فعله ظَانّا جَوَازه بطلت صلَاته إِلَّا أَن يكون قريب عهد باسلام أَو نَشأ ببادية قَالَه الْبَغَوِيّ وَقيل يسْجد لترك التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقيل يسْجد لترك السُّورَة وَقيل يسْجد لكل مسنون وَأما إِذا شكّ فِي عدد الرَّكْعَات فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ
وَأما كَون السُّجُود قبل السَّلَام وَبعد التَّشَهُّد فللاخبار وَلِأَن سَببه وَقع فِي الصَّلَاة فَأشبه سُجُود التِّلَاوَة وَأما كَونه سنة فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَانَت الرَّكْعَة والسجدتان نَافِلَة) وَلِأَنَّهُ بدل مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة
(فصل وَخَمْسَة أَوْقَات لَا يصلى فِيهَا إِلَّا صَلَاة لَهَا سَبَب بعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى تطلع

(1/126)


الشَّمْس وَعند طُلُوعهَا حَتَّى تتكامل وترتفع قدر رمح وَإِذا اسْتَوَت حَتَّى تَزُول وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَعند الْغُرُوب حَتَّى يتكامل غُرُوبهَا)
الْأَوْقَات الَّتِي تكره الصَّلَاة الَّتِي لَا سَبَب لَهَا فِيهَا خَمْسَة ثَلَاث تتَعَلَّق بِالزَّمَانِ وَهِي وَقت طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع قد رمح هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَعْرُوف وَفِي وَجه تَزُول الْكَرَاهَة بِطُلُوع قرص الشَّمْس بِتَمَامِهِ وَوقت الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول الشَّمْس وَعند الاصفرار حَتَّى يتم غُرُوبهَا وَحجَّة ذَلِك مَا ورد عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(ثَلَاث سَاعَات كَانَ ينهانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصلي فِيهِنَّ أَو نقبر فِيهِنَّ أمواتنا حِين تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل الشَّمْس وَحين تضيف الشَّمْس للغروب) وَمعنى تضيف تميل وَمِنْه الضَّيْف لِأَن المضيف يميله إِلَيْهِ وتضيف بتاء مَفْتُوحَة بنقطتين من فَوق وياء بنقطتين من تَحت بعد الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْمرَاد بالدفن فِي هَذِه الْأَوْقَات أَن يترقب الشَّخْص هَذِه الْأَوْقَات لأجل دفن الْمَوْتَى فِيهِ سَبَب الْكَرَاهَة كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ
(إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا دنت للغروب قارنها فَإِذا غربت فَارقهَا) وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بقرن الشَّيْطَان فَقيل قومه وهم عباد الشَّمْس يَسْجُدُونَ لَهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقيل إِن الشَّيْطَان يدني رَأسه من الشَّمْس فِي هَذِه الْأَوْقَات ليَكُون الساجد لَهَا سَاجِدا لَهُ وَقيل غير ذَلِك
وَأما الوقتان الْآخرَانِ فيتعلقان بِالْفِعْلِ بِأَن يُصَلِّي الصُّبْح أَو الْعَصْر فَإِذا قدم الصُّبْح أَو الْعَصْر طَال وَقت الْكَرَاهَة وَإِذا أخر قصر وَحجَّة ذَلِك مَا ورد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس) وَمُقْتَضى كَلَامهم أَن من جمع جمع تَقْدِيم وَصلى الْعَصْر مَجْمُوعَة فِي وَقت الظّهْر إِمَّا

(1/127)


لسفر أَو مرض أَو مطر أَنه يكره لَهُ وَهُوَ كَذَلِك وَقد صرح بِهِ الْبَنْدَنِيجِيّ عَن الْأَصْحَاب وَنَقله عَن الشَّافِعِي نعم ذكر الْعِمَاد بن يُونُس أَنه يكره وَتَبعهُ بعض شرَّاح الْوَسِيط قَالَ الاسنائي وَهُوَ مَرْدُود بِنَصّ الشَّافِعِي
فَإِن قلت لَا تَنْحَصِر الْكَرَاهَة فِيمَا ذكرنَا بل تَركه الصَّلَاة أَيْضا فِي وَقت صعُود الإِمَام لخطبة الْجُمُعَة وَعند اقامة الصَّلَاة فَالْجَوَاب إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْقَات الْأَصْلِيَّة وَهل الْكَرَاهَة كَرَاهَة تَحْرِيم أَو تَنْزِيه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب فِي هَذَا الْبَاب التَّحْرِيم وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الرسَالَة وَصَححهُ فِي التَّحْقِيق هُنَا وَفِي كتاب الطَّهَارَة وَفِي كتاب الاشارات أَن الْكَرَاهَة كَرَاهَة تَنْزِيه ثمَّ صحّح مَعَ تَصْحِيحه كَرَاهَة التَّنْزِيه أَن الصَّلَاة لَا تَنْعَقِد على الْأَصَح وَهُوَ مُشكل لِأَن الْمَكْرُوه جَائِز الْفِعْل ثمَّ إِذا قُلْنَا بِمَنْع الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات فيستثنى زمَان وَمَكَان أما الزَّمَان فَعِنْدَ الاسْتوَاء يَوْم الْجُمُعَة وَفِيه حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد رَضِي الله عَنهُ إِلَّا أَنه مُرْسل وَعلل عدم الْكَرَاهَة بِأَن النعاس يغلب فِي هَذِه الْأَوْقَات فيطرده بالتنفل خوفًا من انْتِقَاض الْوضُوء واحتياجه إِلَى تخطي النَّاس وَقيل غير ذَلِك وَلَا يلْحق بَقِيَّة الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة بِوَقْت الزَّوَال يَوْم الْجُمُعَة على الصَّحِيح لانْتِفَاء هَذَا الْمَعْنى ويعم عدم الْكَرَاهَة وَقت الزَّوَال لكل أحد وَإِن لم يحضر الْجُمُعَة على الصَّحِيح وَأما الْمَكَان فمكة زَادهَا الله تَعَالَى شرفاً وتعظيماً فَلَا تكره الصَّلَاة فِيهَا فِي شَيْء من هَذِه الْأَوْقَات سَوَاء صَلَاة الطّواف وَغَيرهَا على الصَّحِيح وَفِي وَجه إِنَّمَا يُبَاح رَكعَتَا الطّواف وَالصَّوَاب الأول وَفِيه حَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَالْمرَاد بِمَكَّة جَمِيع الْحرم على الصَّحِيح وَقبل مَكَّة فَقَط وَقيل يخْتَص بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَهَذَا كُله فِي صَلَاة لَا سَبَب لَهَا وَأما مَا لَهَا سَبَب فَلَا تكره وَالْمرَاد بِالسَّبَبِ السَّبَب الْمُتَقَدّم أَو الْمُقَارن فَمن ذَوَات الْأَسْبَاب قَضَاء الْفَوَائِت كالفرائض وَالسّنَن والنوافل الَّتِي اتخذها الانسان وردا وَتجوز صَلَاة الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَصَلَاة الْكُسُوف وَلَا تكره صَلَاة الاسْتِسْقَاء فِي هَذِه الْأَوْقَات على الْأَصَح وَقيل تكره كَصَلَاة الاستخارة لِأَن صَلَاة الاستخارة سَببهَا مُتَأَخّر وَكَذَا تكره رَكعَتَا الاحرام على الْأَصَح لتأخر سَببهَا وَهُوَ الاحرام وَأما تَحِيَّة الْمَسْجِد فَإِن اتّفق دُخُوله فِي هَذِه الْأَوْقَات لغَرَض كاعتكاف أَو درس علم أَو انْتِظَار صَلَاة وَنَحْو ذَلِك لم يكره على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور لوُجُود السَّبَب الْمُقَارن وَإِن دخل لَا لحَاجَة بل ليصليها فَوَجْهَانِ أقيسهما فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة الْكَرَاهَة كَمَا لَو أخر الْفَائِتَة ليقضيها فِي هَذِه الْأَوْقَات وَالله أعلم وَاعْلَم أَن من جملَة الْأَسْبَاب إِعَادَة الصَّلَاة حَيْثُ شرعت كَصَلَاة الْمُنْفَرد والمتيمم وَنَحْوهمَا وَالله أعلم قَالَ

(1/128)


بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة
(فصل وَصَلَاة الْجَمَاعَة مُؤَكدَة وعَلى الْمَأْمُوم أَن يَنْوِي الْجَمَاعَة دون الإِمَام)
الأَصْل فِي مَشْرُوعِيَّة الْجَمَاعَة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ تَعَالَى {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} الْآيَة أَمر بِالْجَمَاعَة فِي قَوْله فلتقم فَعِنْدَ الْأَمْن أولى وَهِي فرض عين فِي الْجُمُعَة وَأما فِي غَيرهَا فَفِيهِ خلاف الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ أَنَّهَا سنة وَقيل فرض كِفَايَة وَصَححهُ النَّوَوِيّ وَقيل فرض عين وَصَححهُ ابْن الْمُنْذر وَابْن خُزَيْمَة وَحجَّة من قَالَ إِنَّهَا سنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة) وروى البُخَارِيّ بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة من رِوَايَة أبي سعيد فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل يَقْتَضِي جَوَاز الْأَمريْنِ إِذْ المفاضلة تَقْتَضِي ذَلِك فَلَو كَانَ أحد الامرين مَمْنُوعًا لما جَاءَت هَذِه الصِّيغَة وَحجَّة من قَالَ بِفَرْض الْكِفَايَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة أَو بَدو لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب من الْغنم القاصية) وَحجَّة من قَالَ إِنَّهَا فرض عين أَحَادِيث مِنْهُمَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لقد هَمَمْت أَن آمُر بِالصَّلَاةِ فتقام ثمَّ آمُر رجلا فَيصَلي بِالنَّاسِ ثمَّ انْطلق مَعَ رجال مَعَهم حزم من حطب إِلَى قوم لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم بالنَّار) وَجَوَابه أَنه لم يحرق وَإِن هَذَا كَانَ فِي الْمُنَافِقين وَاعْلَم أَن الْجَمَاعَة تحصل بِصَلَاة الرجل فِي بَيته مَعَ زَوجته وَغَيرهَا لَكِنَّهَا فِي الْمَسْجِد أفضل وَحَيْثُ كَانَ الْجمع من الْمَسَاجِد أَكثر فَهُوَ أفضل فَلَو كَانَ بِقُرْبِهِ مَسْجِد قَلِيل الْجمع وبالبعيد مَسْجِد كثير الْجمع فالبعيد أفضل إِلَّا فِي حالتين
أَحدهمَا أَن تتعطل جمَاعَة الْقَرِيب لعدوله عَنهُ
الثَّانِيَة أَن يكون إِمَام الْبعيد مبتدعا كالمعتزلي غَيره وَكَذَا لَو كَانَ حنفياً لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد وجوب بعض الْأَركان وَكَذَا الْمَالِكِي وَغَيره وَالْفَاسِق كالمبتدع وَأَشد الْفُسَّاق قُضَاة الظلمَة والرشا بل قَالَ أَبُو إِسْحَاق رَضِي الله عَنهُ إِن الصَّلَاة مُنْفَردا أفضل من الصَّلَاة خلف الْحَنَفِيّ وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق الامام قبل أَن يسلم أدْرك فَضِيلَة الْجَمَاعَة على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور لقَوْله

(1/129)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا جَاءَ أحدكُم الصَّلَاة وَنحن سُجُود فاسجدوا وَلَا تعدوها شَيْئا وَمن أدْرك الرُّكُوع فقد أدْرك الرَّكْعَة) وَقَالَ الْغَزالِيّ لَا تدْرك الْجَمَاعَة إِلَّا بِإِدْرَاك رَكْعَة قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة وَهُوَ شَاذ ضَعِيف قلت وَمَا قَالَه الْغَزالِيّ جزم بِهِ الفوراني وَنَقله الجيلي عَن المراوزة وَنَقله القَاضِي حُسَيْن عَن عَامَّة الْأَصْحَاب إِلَّا أَنه قَالَ فِي مَوضِع آخر وَلَو دخل جمَاعَة فوجدوا الامام فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة فالمستحب أَن يقتدوا بِهِ لِأَن هَذِه فَضِيلَة مُحَققَة فَلَا يتْركُوا الِاقْتِدَاء بِهِ فيصلون جمَاعَة ثَانِيًا لِأَنَّهَا فَضِيلَة موهومة وَالله أعلم
وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق الامام فِي الرُّكُوع فَهَل يدْرك الرَّكْعَة الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ النَّاس وأطبق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة كَمَا قَالَه فِي أصل الرَّوْضَة أَنه يكون مدْركا لَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ وَدَعوى الاجماع مَمْنُوع فقد قَالَ ابْن خُزَيْمَة والصبغي من أَصْحَابنَا لَا يدْرك الرَّكْعَة وَنَقله عَنْهُمَا الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ قلت كَذَا ابْن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ البُخَارِيّ إِنَّمَا أجَاز ذَلِك من الصَّحَابَة من لم ير الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَأما من رَآهَا فَلَا وَحكى ابْن الرّفْعَة عَن بعض شُرُوح الْمُهَذّب أَنه إِذا قصر فِي التَّكْبِير حَتَّى ركع الامام لَا يكون مدْركا للركعة وَحكى الرَّوْيَانِيّ عَن بَعضهم أَنه يكون مدْركا للركعة بِإِدْرَاك الرُّكُوع إِذا كَانَ الامام بَالغا لَا صَبيا وزيفه وَالله أعلم
فَإِذا فرعنا على الادراك فَلهُ شَرْطَانِ
أَحدهمَا أَن يكون رُكُوع الامام معتداً بِهِ أما إِذا لم يكن فَلَا يدْرك الرَّكْعَة وَذَلِكَ كَمَا إِذا كَانَ الإِمَام مُحدثا أَو جنبا أَو نسي سَجْدَة من رَكْعَة قبل هَذِه الرَّكْعَة لِأَن الرُّكُوع إِذا لم يحْسب للامام فَأولى أَن لَا يحْسب للْمَأْمُوم
الشَّرْط الثَّانِي أَن يطمئن قبل أَن يرْتَفع الامام عَن أقل الرُّكُوع لِأَن الرُّكُوع بِدُونِ الطُّمَأْنِينَة لَا يعْتد بِهِ فانتفاء الطُّمَأْنِينَة كانتفاء الرُّكُوع وَهَذَا مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ لَكِن قَالَ ابْن الرّفْعَة ظَاهر كَلَام الْأَئِمَّة أَنه لَا يشْتَرط وَلَو شكّ هَل أدْرك الرُّكُوع مَعَ الطُّمَأْنِينَة قبل رفع الامام فَالْأَظْهر أَنه لَا يدْرك الرَّكْعَة ن الأَصْل عدم ادراكها وَلَو أدْرك الامام بعد رَفعه من الرُّكُوع فَلَا يكون مدْركا لَهَا بِلَا خلاف وَيجب على الْمَأْمُوم أَن يُتَابع الامام فِي الرُّكْن الَّذِي أدْركهُ فِيهِ وَإِن لم يحْسب وَلَو أدْرك الامام فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَجب عَلَيْهِ أَن يُتَابِعه فِي الْجُلُوس وَلَا يلْزمه أَن يَأْتِي بالتشهد قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة قطعا وَيسن لَهُ ذَلِك على الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَالله أعلم قلت وَدَعوى الْقطع مَمْنُوع فقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ بِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يتَشَهَّد كَمَا يجب عَلَيْهِ الْقعُود لِأَنَّهُ بالاقتداء الْتزم اتِّبَاعه وَالله أعلم ثمَّ شَرط حُصُول الْجَمَاعَة أَن يَنْوِي الْمَأْمُوم الائتمام مَعَ التَّكْبِير لِأَن التّبعِيَّة عمل

(1/130)


فافتقرت إِلَى النِّيَّة فَدخلت فِي عُمُوم الحَدِيث ويكفيه أَن يَنْوِي الائتمام بالمتقدم وَإِن لم يعرف عينه فَلَو نوى الِاقْتِدَاء بزيد مثلا فَبَان أَنه عَمْرو لم تصح كَمَا لَو عين الْمَيِّت فِي صَلَاة جَنَازَة وَأَخْطَأ لَا تصح صلَاته وَهَذَا إِذا لم يشر فَلَو أَشَارَ كَمَا لَو قَالَ أُصَلِّي خلف زيد هَذَا فَوَجْهَانِ قَالَ الامام وَابْن الرّفْعَة الْمَنْقُول الْبطلَان وَصحح النَّوَوِيّ الصِّحَّة تَغْلِيبًا للاشارة وَلَو لم ينْو الِاقْتِدَاء انْعَقَدت صلَاته مُنْفَردا ثمَّ إِن تَابع الامام فِي أَفعاله بطلت صلَاته على الْأَصَح فَلَو شكّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِي نِيَّة الِاقْتِدَاء نظر إِن تذكر قبل أَن يحدث فعلا على مُتَابعَة الامام لم يضر وَإِن تذكر بعد أَن احدث فعلا على مُتَابَعَته بطلت صلَاته لِأَنَّهُ فِي حَال الشَّك حكمه حكم الْمُنْفَرد وَلَيْسَ لَهُ الْمُتَابَعَة حَتَّى لَو عرض لَهُ الشَّك فِي التَّشَهُّد الْأَخير لَا يجوز لَهُ أَن يُوقف سَلَامه على سَلام الامام وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز أَن يأتم الْحر بِالْعَبدِ والبالغ بالمراهق)
يجوز للْحرّ الْبَالِغ أَن يَقْتَدِي بِالْعَبدِ وَالصَّبِيّ أما جَوَاز الِاقْتِدَاء بِالْعَبدِ فَلَمَّا ورد أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
(كَانَ يؤمها عَبدهَا ذكْوَان) نعم الْحر أولى من العَبْد لِأَن الامامة منصب جليل فَهِيَ بالأحرار أولى وَأما جَوَاز الِاقْتِدَاء بِالصَّبِيِّ فَلِأَن عَمْرو بن سَلمَة رَضِي الله عَنهُ كَانَ يؤم قومه على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن سِتّ أَو سبع سِنِين نعم الْبَالِغ أولى من الصَّبِي وَإِن كَانَ الصَّبِي أفقه وأقرأ للاجماع على صِحَة الِاقْتِدَاء بِهِ بِخِلَاف الصَّبِي وَلِأَن الْبَالِغ صلَاته وَاجِبَة عَلَيْهِ فَهُوَ أحرص بالمحافظة على حُدُودهَا وَكَلَام الرَّافِعِيّ يشْعر بِعَدَمِ كَرَاهَة إِمَامَة الصَّبِي لَكِن فِي الْبُوَيْطِيّ التَّصْرِيح بِالْكَرَاهَةِ وَهَذَا كُله فِي الصَّبِي الْمُمَيز أما غير الْمُمَيز فَصلَاته بَاطِلَة لفقدان النِّيَّة قَالَ
(وَلَا يأتم رجل بِامْرَأَة وَلَا قارىء بأمي)
لَا يَصح اقْتِدَاء الرجل بِالْمَرْأَةِ لقَوْله تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أخروهن من حَيْثُ أخرهن الله) وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أَلا لَا يُؤمن إمرأة رجلا) وَاحْتج بَعضهم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة) وَلِأَن الْمَرْأَة عَورَة وَفِي إمامتها بِالرِّجَالِ فتْنَة وَأما اقْتِدَاء

(1/131)


القارىء وَهُوَ هُنَا من يحسن الْفَاتِحَة بالأمي وَهُوَ هُنَا من لَا يحفظها فَفِي صِحَة اقتدائه بِهِ قَولَانِ الْجَدِيد الْأَظْهر لَا تصح لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(يؤم الْقَوْم أقرؤهم) فَلَا يجوز مُخَالفَته بجعلهه مَأْمُوما وَلِأَن الامام بصدد أَن يتَحَمَّل عَن الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة لَو أدْركهُ رَاكِعا والأمي لَيْسَ من أهل التَّحَمُّل وَيدخل فِي الْأُمِّي الْأَرَت الَّذِي يدغم حرفا فِي حرف فِي غير مَوضِع الادغام والألثغ وَهُوَ الَّذِي يُبدل حرفا بِحرف كالراء بالغين وَالْكَاف بِالْهَمْزَةِ وَكَذَا لَا يَصح الِاقْتِدَاء بِمن بِلِسَانِهِ رخاوة تَمنعهُ من التَّشْدِيد ثمَّ مَحل الْخلاف هُوَ فِي من لم يطاوعه لِسَانه أَو طاوعه وَلم يمض زمن يُمكن التَّعَلُّم فِيهِ أما إِذا مضى زمن يُمكن أَن يتَعَلَّم فِي وَقصر بترك التَّعْلِيم فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ بِلَا خلاف لِأَن صلَاته حِينَئِذٍ مقضية كَصَلَاة من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا وَيصِح اقْتِدَاء أُمِّي بأمي مثله كاقتداء الْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ
(فرع) لَو اقْتدى فِي صَلَاة سَرِيَّة بِمن لَا يعرف هَل هُوَ أُمِّي أم لَا تصح وَلَا يجب الْبَحْث بل يجوز حمل أمره على الْغَالِب فِي أَنه قارىء كَمَا يجوز حمل الْأَمر على أَنه متطهر وَإِن اقْتدى بِهِ فِي صَلَاة جهرية فَأسر وَجَبت الاعادة حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَن نَص الشَّافِعِي لِأَن الظَّاهِر أَنه لَو كَانَ قَارِئًا لجهر فَلَو قَالَ إِنَّمَا أسررت نِسْيَانا أَو لكَونه جَائِزا لم تجب الاعادة وَالله أعلم قَالَ
(وَأي مَوضِع صلى فِي الْمَسْجِد بِصَلَاة الامام فِيهِ وَهُوَ عَالم بِصَلَاتِهِ أَجزَأَهُ مَا لم يتَقَدَّم عَلَيْهِ)
اعْلَم أَن لصِحَّة الِاقْتِدَاء شُرُوطًا
أَحدهَا الْعلم بِصَلَاة الامام أَي الْعلم بأفعاله الظَّاهِرَة وَهَذَا لَا بُد مِنْهُ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَاتفقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَاب ثمَّ الْعلم قد يكون بمشاهدة الإِمَام بعض الصُّفُوف وَقد يكون بِسَمَاع صَوت الامام أَو بِسَمَاع صَوت الْمبلغ فو كَانَ الْمبلغ صَبيا هَل يَكْفِي قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الفروق وَابْن الاستاذ فِي شرح الْوَسِيط شَرط الْمبلغ كَونه ثِقَة وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يقبل خَبره لَكِن قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب الْأَذَان ان الْجُمْهُور قَالُوا يقبل خبر الصَّبِي فِيمَا طَرِيقه الْمُشَاهدَة كدلالة الْأَعْمَى على الْقبْلَة وَنَحْوهَا وَهِي قَاعِدَة ومسألتنا فَرد من أفرادها مَسْأَلَة حَسَنَة
الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يتَقَدَّم الْمَأْمُوم على الامام فِي الْموقف لِأَن المقتدين بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ لم ينْقل عَنْهُم التَّقَدُّم عَلَيْهِ وَكَذَا المقتدون بالخلفاء الرَّاشِدين لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم ذَلِك فَلَو تقدم الْمَأْمُوم على الامام بطلت صلَاته على الْجَدِيد كَمَا لَو تقدم عَلَيْهِ فِي أَفعاله وإحرامه بل هَذَا أفحش فِي الْمُخَالفَة وَلَو تقدم عَلَيْهِ فِي أثْنَاء صلَاته بطلت أَيْضا لوُجُود الْمُخَالفَة وَلَو

(1/132)


شكّ هَل تقدم فَالصَّحِيح صِحَة صلَاته مُطلقًا كَذَا قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم لِأَن الأَصْل عدم التَّقَدُّم وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن جَاءَ من وَرَاء الامام صحت وَإِن جَاءَ من قدامه فَلَا تصح عملا بِالْأَصْلِ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه وَلَا تضر الْمُسَاوَاة لعدم التَّقَدُّم ثمَّ الِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم بالعقب وَهُوَ مُؤخر الرجل وَمحل ذَلِك فِي الْقيام فَإِن كَانَ قَاعِدا فالاعتبار بالألية وَإِن صلى مُضْطَجعا فالاعتبار بالجنب قَالَه الْبَغَوِيّ ثمَّ هَذَا فِي غير المستديرين بِالْكَعْبَةِ أما المستديرون بهَا فَلَا يضر كَون الْمَأْمُوم أقرب إِلَى الْقبْلَة فِي غير جِهَة الامام على الرَّاجِح الْمَقْطُوع بِهِ
إِذا عرفت هَذَا فللامام وَالْمَأْمُوم ثَلَاثَة أَحْوَال
أَحدهَا أَن يَكُونَا خَارج الْمَسْجِد
الثَّانِيَة أَن يكون الامام دَاخل الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم خَارجه وَهَذِه تَأتي فِي كَلَام الشَّيْخ
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يكون الامام وَالْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد وَهِي الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ بقوله وَأي مَوضِع صلى فِي الْمَسْجِد بِصَلَاة الامام فِيهِ جَازَ وَذكر الشَّرْطَيْنِ اللَّذين ذكرناهما بقوله وَهُوَ عَالم بِصَلَاة الامام مَا لم يتَقَدَّم عَلَيْهِ فَإِذا جَمعهمَا مَسْجِد أَو جَامع صَحَّ الِاقْتِدَاء سَوَاء انْقَطَعت الصُّفُوف بَينهمَا أَو اتَّصَلت وَسَوَاء حَال بَينهمَا حَائِل أم لَا وَسَوَاء جَمعهمَا مَكَان وَاحِد أم لَا حَتَّى لَو كَانَ الامام فِي مَنَارَة وَهِي المئذنة وَالْمَأْمُوم فِي بِئْر أَو بِالْعَكْسِ صَحَّ لِأَنَّهُ كُله مَكَان وَاحِد وَهُوَ مبْنى للصَّلَاة وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد نهر لَا يخوضه إِلَّا السابح فَهَل يمْنَع قَالَ الرَّوْيَانِيّ لَا يمْنَع قطعا وَإِن جرى فِي مثل ذَلِك خلاف فِي الْموَات وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن حفر بعد جعله مَسْجِدا لم يمْنَع وحفره حِينَئِذٍ لَا يجوز وَإِن حفر قبل ذَلِك فَوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيّ وَفِي كَلَام أبي مُحَمَّد أَنه لَو كَانَ فِي جوَار الْمَسْجِد مَسْجِد آخر مُنْفَرد بامام وَجَمَاعَة ومؤذن فَيكون حكم كل مِنْهُمَا بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّانِي كالملك الْمُتَّصِل بِالْمَسْجِدِ قَالَ الرَّافِعِيّ وَظَاهره يَقْتَضِي تغاير الحكم إِذا انْفَرد بالأمور الْمَذْكُورَة وَإِن كَانَ بَاب أَحدهمَا نَافِذا إِلَى الآخر وَمَا نَقله عَن أبي مُحَمَّد جزم بِهِ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب الصَّوَاب الَّذِي صرح بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَصَاحب الشَّامِل والتنبيه وَغَيرهم أَن الْمَسَاجِد الَّتِي يفتح بَعْضهَا إِلَى بعض لَهَا حكم مَسْجِد وَاحِد ورحبة الْمَسْجِد مِنْهُ عِنْد الْأَكْثَرين والرحبة هِيَ الْخَارِجَة عَنهُ مُتَّصِلَة بِهِ محجراً عَلَيْهَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَصَححهُ النَّوَوِيّ قَالَ
(وَإِن صلى الامام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم خَارج الْمَسْجِد قَرِيبا مِنْهُ وَهُوَ عَالم بِصَلَاتِهِ وَلَا حَائِل هُنَاكَ جَازَ)
الْحَالة الثَّانِيَة إِذا كَانَ الامام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم خَارج الْمَسْجِد وَلَيْسَ بَينهمَا حَائِل صَحَّ

(1/133)


الِاقْتِدَاء إِذا لم تزد الْمسَافَة على ثلثمِائة ذِرَاع وَتعْتَبر الْمسَافَة من آخر الْمَسْجِد على الْأَصَح لِأَن الْمَسْجِد مَبْنِيّ للصَّلَاة فَلَا يدْخل فِي الْحَد الْفَاصِل وصورت الْمَسْأَلَة فِي أصل الرَّوْضَة بِأَن يقف الْمَأْمُوم فِي موَات مُتَّصِل بِالْمَسْجِدِ وصورها فِي الْمِنْهَاج بالموات وَلم يشْتَرط الِاتِّصَال وعَلى عدم الِاشْتِرَاط جرى ابْن الرّفْعَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة وَلَو وقف الْمَأْمُوم فِي شَارِع مُتَّصِل بِالْمَسْجِدِ فَهُوَ كالموات على الصَّحِيح وَلَو كَانَ الفضاء الَّذِي وقف فِيهِ الْمَأْمُوم مُتَّصِلا بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ مَمْلُوك فَهَل حكمه حكم الْموَات أم لَا نقل فِي الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ أَنه لَا يَصح الِاقْتِدَاء حَتَّى تتصل الصُّفُوف وَكَذَا لَو وقف على سطح مَمْلُوك مُتَّصِل بسطح الْمَسْجِد لَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ حَتَّى تتصل الصُّفُوف بِأَن لَا يبْقى بَين الواقفين مَوضِع يسع وَاقِفًا كَمَا لَو كَانَ فِي دَار مَمْلُوكَة مُتَّصِلَة بِالْمَسْجِدِ يشْتَرط الِاتِّصَال بِأَن يقف وَاحِد فِي آخر الْمَسْجِد مُتَّصِلا بِعتبَة الدَّار وَآخر فِي الدَّار مُتَّصِل بالعتبة بِحَيْثُ لَا يكون بَينهمَا موقف رجل قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة وَمَا ذكره فِي الدَّار فَهُوَ صَحِيح وَأما مَا ذكره فِي الفضاء فمشكل وَيَنْبَغِي أَن يكون كالموات هَذَا كُله إِذا لم يكن حَائِل فَإِن كَانَ لِلْمَسْجِدِ جِدَار نظر إِن كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح ووقف مُقَابِله جَازَ حَتَّى لَو اتَّصل صف بالمحاذي وَخَرجُوا عَن الْمُحَاذَاة جَازَ وَإِن لم يكن فِي الْجِدَار بَاب أَو كَانَ وَلم يقف بحذائه فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ وَإِن كَانَ الْحَائِل غير جِدَار الْمَسْجِد لم يَصح الِاقْتِدَاء بِلَا خلاف وَلَو كَانَ بَاب الْمَسْجِد مغلقاً أَي مُسكرا إِمَّا بسكره ويعبر عَنْهَا بالضبة فِي بعض الْبِلَاد أَو بغال أَو قفل وَنَحْو ذَلِك فَحكمه حكم الْجِدَار فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء على الصَّحِيح وَإِن كَانَ بَاب الْمَسْجِد مردوداً فَقَط أَو كَانَ بَينهمَا شباك وَالْمَأْمُوم يعلم انتقالات الامام فَوَجْهَانِ الْأَصَح لَا يَصح الِاقْتِدَاء لِأَن الْبَاب يمْنَع الْمُشَاهدَة والشباك يمْنَع الاستطراق نعم قَالَ الْبَغَوِيّ لَو كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا حَالَة التَّحَرُّم بِالصَّلَاةِ فانغلق فِي أثْنَاء الصَّلَاة لم يضر كَذَا ذكره فِي فَتَاوِيهِ وَالله أعلم
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يكون الامام وَالْمَأْمُوم فِي غير الْمَسْجِد فَتَارَة يكونَانِ فِي الفضاء وَتارَة يكونَانِ فِي غير فضاء
الضَّرْب الأول أَن يَكُونَا فِي الفضاء فَيجوز الِاقْتِدَاء بِشَرْط أَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا على ثلثوائة ذِرَاع تَقْرِيبًا فِي الْأَصَح لِأَن الواقفين فِي الفضاء هَكَذَا يعدَّانِ فِي الْعَادة مُجْتَمعين وَلِأَن صَوت الامام عِنْد الْجَهْر الْمُعْتَاد يبلغ الْمَأْمُوم غَالِبا فِي هَذِه الْمسَافَة فَلَو تلاحقت الصُّفُوف فالاعتبار بالصف الْأَخير على الصَّحِيح وَقيل بالامام وَاعْلَم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين الفضاء الْموَات أَو الْمَمْلُوك أَو الْمَوْقُوف

(1/134)


أَو الَّذِي بعضه مَوْقُوف وَبَعضه مَمْلُوك سَوَاء كَانَ الفضاء محوطاً أَو غير محوط وَلَو حَال بَين الامام وَالْمَأْمُوم أَو بَين الصفين نهر يُمكن العبور بِلَا سباحة إِمَّا بالوثوب أَو بالخوض أَو العبور على الجسر صَحَّ الِاقْتِدَاء وَإِن كَانَ يحْتَاج إِلَى سباحة لم يضر على الصَّحِيح وَكَذَا الشَّارِع المطروق وَالله أعلم
الضَّرْب الثَّانِي أَن يَكُونَا فِي غير فضاء كَمَا إِذا وقف الامام فِي صحن دَار وَالْمَأْمُوم على ضفة مِنْهَا أَو فِي بَيت آخر مِنْهَا أَو كَانَا فِي مدرسة أَو رِبَاط مُشْتَمل على بيُوت وأروقة ووقف الامام فِي الرواق أَو محراب الرواق وصف خَلفه فِي الرواق الْمَأْمُومين فَإِن كَانَ موقف الْمَأْمُوم فِي بَيت أَو رواق آخر عَن يَمِين الامام أَو عَن يسَاره أَو خَلفه فَفِي كَيْفيَّة الِاقْتِدَاء طَرِيقَانِ
أَحدهمَا وَهِي طَريقَة المراوزة وصححها الرَّافِعِيّ إِن كَانَ بِنَاء الْمَأْمُوم عَن يَمِين الامام أَو يسَاره اشْترط الِاتِّصَال بِحَيْثُ لَا يبْقى فرجه تسع وَاقِفًا بَين الْمَأْمُوم والامام أَو الصَّفّ الَّذِي يحصل بِهِ الِاتِّصَال فَإِن بقيت فرجه لَا تسع وَاقِفًا لم يضر على الصَّحِيح لَو كَانَ بَين الْمَأْمُوم وَبَين الامام مَا يشْتَرط الِاتِّصَال بِهِ عتبَة عريضة تسع وَاقِفًا اشْترط أَن يقف فِيهَا مصل وَإِن كَانَت لاتسع وَاقِفًا لم يضر على الصَّحِيح وَوجه وجوب الِاتِّصَال على هَذِه الْكَيْفِيَّة أَن اخْتِلَاف الْأَبْنِيَة يُوجب الِافْتِرَاق فاشترطنا الِاتِّصَال ليحصل الرَّبْط بالاجتماع وَإِن كَانَ بِنَاء الْمَأْمُوم خلف بِنَاء الامام فَالصَّحِيح صِحَة الِاقْتِدَاء للْحَاجة إِلَى الِاقْتِدَاء خلف الامام كَمَا يحْتَاج إِلَى الِاقْتِدَاء عَن يَمِينه ويساره فعلى هَذَا يشْتَرط الِاتِّصَال وَهُوَ هُنَا أَن لَا يكون بَين الصفين أَكثر من ثَلَاثَة أذراع تَقْرِيبًا فَلَا يضر زِيَادَة مَا لَا يتَبَيَّن فِي الْحس بِلَا ذرع وَقيل لَا يَصح الِاقْتِدَاء هُنَا لِأَن اخْتِلَاف الْبناء يُوجب الِافْتِرَاق وَلَا ينجبر ذَلِك بالاتصال المحسوس بتواصل المناكب بِخِلَاف الِاتِّصَال عَن الْيَمين واليسار فقد حصل حسا
والطريقة الثَّانِيَة وَهِي طَريقَة الْعِرَاقِيّين وصححها النَّوَوِيّ أَنه لَا يشْتَرط الِاتِّصَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ بل الْمُعْتَبر الْقرب والبعد الْمَذْكُور فِي الفضاء ثمَّ هَذَا كُله إِذا لم يكن حَائِل أصلا أَو كَانَ هُنَاكَ بَاب نَافِذ فَوقف بحذائه رجل أَو صف فَإِنَّهُ يَصح فَلَو حَال حَائِل يمْنَع الاستطراق والمشاهدة لم يَصح الِاقْتِدَاء بِلَا خلاف وَإِن منع الاستطراق دون الْمُشَاهدَة كالشباك فَالصَّحِيح عدم الصِّحَّة
(تَنْبِيه) لَو كَانَ الشباك فِي جِدَار الْمَسْجِد ككثير من الترب والربط والمدارس ووقف الْمَأْمُوم فِي نفس الْجِدَار صحت الصَّلَاة لِأَن جِدَار الْمَسْجِد من الْمَسْجِد والحيلولة فِي الْمَسْجِد بَين الْمَأْمُوم وَالْإِمَام لَا تضر كَذَا قَالَه الإسنائي فِي شرح الْمِنْهَاج وَفِي فَتَاوِيهِ وَهُوَ سَهْو وَالْمَنْقُول فِي

(1/135)


الرَّافِعِيّ أَنه لايصح فَرَاجعه وَالله أعلم ثمَّ إِذا صَحَّ الِاقْتِدَاء صحت صَلَاة الصُّفُوف الَّتِي خلف الْمَأْمُوم وَإِن حَال بَين هَذِه الصُّفُوف وَبَين الإِمَام أبنية وَذَلِكَ بطرِيق التبع والصفوف مَعَ الْمَأْمُوم كالمؤتمين بِهِ حَتَّى لَا يجوز تقدمهم عَلَيْهِ فِي الْموقف وَإِن كَانُوا متأخرين عَن الإِمَام قَالَ القَاضِي حُسَيْن وَلَا يجوز تقدم تكبيرهم على تكبيره نعم لَو أحدث هَذَا الْمَأْمُوم الْمَتْبُوع أَو ترك الصَّلَاة لَا تبطل قدوة الصُّفُوف التَّابِعين لَهُ لِأَنَّهُ لَا يغْتَفر ذَلِك دواماً دون الِابْتِدَاء قَالَه الْبَغَوِيّ ثمَّ شَرط صِحَة ذَلِك مَا إِذا حصل بَين الْمَأْمُوم وَالْإِمَام محاذاة كَمَا إِذا صلى الإِمَام على صفة عالية وَصلى الْمَأْمُوم على صحن أَو عَكسه فَلَا بُد من محاذاة بَينهمَا وَلَو كَانَ يُحَاذِي رَأس الْأَسْفَل قدم الْأَعْلَى وَقيل يشْتَرط محاذاة الرَّأْس للركبة وَلَو كَانَا فِي الْبَحْر وَالْإِمَام فِي سفينة وَالْمَأْمُوم فِي أُخْرَى وهما مكشوفتان فَالصَّحِيح أَنه يَصح الِاقْتِدَاء إِذا لم يزدْ مَا بَينهمَا على ثلثمِائة ذِرَاع كالصحراء قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا لَو كَانَ أَحدهمَا فِي سفينة وَالْآخر على الشط وَإِن كَانَتَا مسقفتين فهما كالدارين والسفينة الَّتِي فِيهَا بيُوت كَالدَّارِ ذَات الْبيُوت والخيام كالبيوت وَالله أعلم قَالَ
بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا
(فصل وَيجوز للْمُسَافِر قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة بِأَرْبَع شَرَائِط أَن يكون سَفَره فِي غير مَعْصِيّة) لَا شكّ أَن السّفر غَالِبا وَسِيلَة إِلَى الْخَلَاص من مهروب أَو الْوُصُول إِلَى مَطْلُوب وَالسّفر مَظَنَّة الْمَشَقَّة وَهِي تجلب التَّيْسِير فَلهَذَا حط من الصَّلَاة الرّبَاعِيّة رَكْعَتَانِ وَالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة على جَوَاز الْقصر فِي السّفر الْمُبَاح الطَّوِيل وَفِي قصر المقضية خلاف وتفصيل بأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ} الْآيَة وَالضَّرْب فِي الأَرْض السّفر وَورد عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أبي بكر رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عمر رَكْعَتَيْنِ) وَقَالَ ابْن عمر
(سَافَرت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَكَانُوا يصلونَ الظّهْر وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ)

(1/136)


ثمَّ شَرط السّفر أَن يكون فِي غير مَعْصِيّة فَيشْمَل الْوَاجِب كسفر الْحَج وَقَضَاء الدُّيُون وَنَحْوهمَا ويشمل الْمَنْدُوب كحج التَّطَوُّع وصلَة الرَّحِم وَنَحْوهمَا ويشمل الْمُبَاح كسفر التِّجَارَة والتنزه ويشمل الْمَكْرُوه كسفر الْمُنْفَرد عَن رَفِيقه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَمن الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة طواف الصُّوفِيَّة لرؤية الْبِلَاد والأقاليم قَالَ الإِمَام وَلَا يشْتَرط كَون السّفر طَاعَة بِاتِّفَاق وَعَن صَاحب التَّلْخِيص اشْتِرَاط الطَّاعَة وَاحْترز الشَّيْخ بقوله فِي غير مَعْصِيّة عَن سفر الْمعْصِيَة كالسفر لقطع الطَّرِيق وَأخذ المكوس وجلب الْخمر والحشيش وَمن تبعثه الظلمَة فِي أَخذ الرشا والجبايات وسفر الْمَرْأَة بِغَيْر إِذن زَوجهَا وسفر العَبْد الْآبِق وسفر الْمَدْيُون الْقَادِر على الْوَفَاء بِغَيْر إِذن صَاحب الدّين وَنَحْو ذَلِك فَهَؤُلَاءِ وأشباههم لَا يترخصون بِالْقصرِ لِأَن الْقصر رخصَة وَهَذَا السّفر مَعْصِيّة والرخص لَا تناط بِالْمَعَاصِي وكما لَا يقصر العَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ وَلَا يتَنَفَّل على الرَّاحِلَة وَلَا يمسح ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يَأْكُل الْميتَة عِنْد الِاضْطِرَار قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب بِلَا خلاف وَفِي الرَّوْضَة حِكَايَة خلاف فِي أكل الْميتَة وَلَا معول عَلَيْهِ وَلَو وجد ظَالِما فِي مفازة فَلَا يسْقِيه وَإِن مَاتَ أفتى بذلك سُفْيَان الثَّوْريّ لتستريح مِنْهُ الْبِلَاد والعباد وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَهُوَ مَسْأَلَة مهمة نفيسة وَاحْترز الشَّيْخ بِالصَّلَاةِ الرّبَاعِيّة عَن الْمغرب وَالصُّبْح فَإِنَّهُمَا لَا يقصران قَالَ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ بِالْإِجْمَاع لَكِن نقل الْعَبَّادِيّ عَن مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي من أَصْحَابنَا أَنه يجوز قصر الصُّبْح إِلَى رَكْعَة فِي الْخَوْف كمذهب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَالله أعلم قَالَ
(وَأَن تكون مسافته سِتَّة عشر فرسخاً)
يشْتَرط فِي جَوَاز الْقصر كَون السّفر طَويلا وَهُوَ سِتَّة عشر فرسخاً كَمَا ذكره الشَّيْخ وَهُوَ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا بالهاشمي وَهِي أَرْبَعَة برد وَلَو حَبسه الرّيح قَالَ الدَّارمِيّ هُوَ كالإقامة فِي الْبَلَد من غير نِيَّة وَاعْلَم أَن مَسَافَة الرُّجُوع لَا تحسب فَلَو قصد موضعا على مرحلة بنية أَن يُقيم فَلَيْسَ لَهُ أَن يقصر لَا ذَهَابًا وَلَا إياباً وَإِن ناله مشقة مرحلَتَيْنِ لَا يُسمى طَويلا
وَاعْلَم أَيْضا أَنه لَا بُد للْمُسَافِر من ربط قَصده بِموضع مَعْلُوم فَلَا يقصر الهائم وَإِن طَال سَفَره وَيُسمى هَذَا أَيْضا رَاكب التعاسيف
(فرع) نوى مَسَافَة الْقصر ثمَّ نوى بعد خُرُوجه أَنه إِن وجد فلَانا رَجَعَ وَإِلَّا مضى فَالْأَصَحّ أَنه يترخص مَا لم يلقه فَإِذا لقِيه خرج عَن السّفر وَصَارَ مُقيما وَلَو نوى مَسَافَة الْقصر ثمَّ نوى بعد خُرُوجه أَنه إِذا وصل بلد كَذَا والبلد وسط الطَّرِيق أَقَامَ أَرْبَعَة أَيَّام فَأكْثر فَإِن كَانَ من مَوضِع خُرُوجه إِلَى الْمَقْصد الثَّانِي مَسَافَة الْقصر ترخص وَإِن كَانَ أقل ترخص أَيْضا على الْأَصَح وَالله أعلم قَالَ

(1/137)


(وَأَن يكون مُؤديا للصَّلَاة الرّبَاعِيّة وَأَن يَنْوِي الْقصر مَعَ الْإِحْرَام)
حجَّة كَون الصَّلَاة الَّتِي تقصر أَن تكون مُؤَدَّاة لما مر من الْأَدِلَّة أما المقضية فَإِن فَاتَت فِي الْحَضَر وقضاها فِي السّفر وَجب عَلَيْهِ الْإِتْمَام لِأَنَّهَا ترتبت فِي ذمَّته أَرْبعا وَادّعى ابْن الْمُنْذر وَالْإِمَام أَحْمد الْإِجْمَاع على ذَلِك وَقَالَ الْمُزنِيّ وَله قصرهَا وَحكى الْمَاوَرْدِيّ وَجها مثله لِأَن الِاعْتِبَار بِوَقْت الْقَضَاء كَمَا لَو ترك صَلَاة فِي الصِّحَّة لَهُ قَضَاؤُهَا فِي الْمَرَض قَاعِدا والقائلون بِالْمذهبِ فرقوا بِأَن الْمَرَض حَالَة ضَرُورَة فَيحْتَمل فِيهِ مَا لايحتمل فِي السّفر لِأَنَّهُ رخصَة أَلا ترى أَنه لَو شرع فِي الصَّلَاة قَائِما ثمَّ طَرَأَ الْمَرَض لَهُ أَن يقْعد وَلَو شرع فِي الصَّلَاة فِي الْحَضَر ثمَّ سَافَرت بِهِ السَّفِينَة لم يكن لَهُ أَن يقصر وَإِن فَاتَت الصَّلَاة فِي السّفر قَضَاهَا فِي السّفر أَو فِي الْحَضَر فَهَل يقصرها فِيهِ أَقْوَال أظرهاإن قصاها فِي السّفر قصر وغن تخللت إِقَامَته وَإِن قَضَاهَا فِي الْحَضَر أتم هَذَا مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَصحح ابْن الرّفْعَة الْإِتْمَام مُطلقًا وَلَو شكّ هَل فَاتَت فِي الْحَضَر أَو فِي السّفر لم يقصر وَاعْلَم أَن شَرط الْقصر أَن ينويه لِأَن الأَصْل الْإِتْمَام فَإِذا لم ينْو الْقصر انْعَقَد إِحْرَامه على الأَصْل وَيشْتَرط أَن تكون نِيَّة الْقصر وَقت التَّحْرِيم بِالصَّلَاةِ كنيته وَلَا يشْتَرط دوَام ذكرهَا للْمَشَقَّة نعم يشْتَرط الانفكاك عَمَّا يُخَالف الْجَزْم بِالنِّيَّةِ فَلَو نوى الْقصر ثمَّ نوى الْإِتْمَام وَكَذَا لَو تردد بَين أَن يقصر أَو يتم أتم وَلَو شكّ هَل نوى الْقصر أم لَا لزمَه الإِمَام وَإِن تذكر فِي الْحَال أَنه نوى الْقصر لِأَنَّهُ بالتردد لزمَه الْإِتْمَام
وَاعْلَم أَن للقصر أَرْبَعَة شُرُوط
أَحدهَا النِّيَّة كَمَا ذكره الشَّيْخ
الثَّانِي أَن يكون مُسَافِرًا من أول الصَّلَاة إِلَى آخرهَا فَلَو نوى الْإِقَامَة فِي أَثْنَائِهَا أَو انْتَهَت بِهِ السَّفِينَة إِلَى دَار الْإِقَامَة لزمَه الْإِتْمَام
الثَّالِث أَن يعلم بِجَوَاز الْقصر فَلَو جهل جَوَازه فقصر لم تصح صلَاته لتلاعبه نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم قَالَ النَّوَوِيّ وَيلْزمهُ إِعَادَة هَذِه الصَّلَاة أَرْبعا الشَّرْط الرَّابِع
أَن لَا يَقْتَدِي بمقيم أَو بمتم فِي جُزْء من صلَاته فَإِن فعل لزمَه الْإِتْمَام وَلَو صلى الظّهْر خلف من يُصَلِّي الصُّبْح مُسَافِرًا كَانَ أَو مُقيما لم يجز لَهُ الْقصر على الْأَصَح لِأَنَّهَا صَلَاة لَا تقصر وَلَو صلى الظّهْر خلف من يُصَلِّي الْجُمُعَة فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجوز لَهُ الْقصر وَيلْزمهُ الْإِتْمَام وَسَوَاء كَانَ إِمَام الْجُمُعَة مُسَافِرًا أَو مُقيما وَلَو نوى الظّهْر مَقْصُورَة خلف من يُصَلِّي الْعَصْر مَقْصُورَة جَازَ وَالله أعلم
(فرع) اقْتدى الْمُسَافِر بِمن علمه أَو ظَنّه مُقيما لزم الْإِتْمَام وَكَذَا لَو شكّ هَل هُوَ مُسَافر أَو

(1/138)


مُقيم يلْزمه الْإِتْمَام وَإِن اقْتدى بِمن علمه أَو ظَنّه مُسَافِرًا أَو علم أَو ظن أَنه قصر جَازَ لَهُ أَن يقصر خَلفه وَكَذَا لَو لم يدر أَنه نوى الْقصر فَلَا يلْزمه الْإِتْمَام بِهَذَا التَّرَدُّد لِأَن الظَّاهِر من حَال الْمُسَافِر أَنه يَنْوِي الْقصر وَكَذَا لَو عرض لَهُ هَذَا التَّرَدُّد فِي أثْنَاء الصَّلَاة لَا يلْزمه الْإِتْمَام وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز للْمُسَافِر أَن يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ)
يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء جمع تَقْدِيم فِي وَقت الأولى وَجمع تَأْخِير فِي وَقت الثَّانِيَة فِي السّفر الطَّوِيل وَلَا تجمع الصُّبْح إِلَى غَيرهَا وَلَا الْعَصْر إِلَى الْمغرب
وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَكَانَ يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء فَأخر الصَّلَاة يَوْمًا ثمَّ خرج فصلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ دخل ثمَّ خرج فصلى الْمغرب وَالْعشَاء جَمِيعًا)
ثمَّ لجمع التَّقْدِيم ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يبْدَأ بِالْأولَى بِأَن يُصَلِّي الظّهْر قبل الْعَصْر وَالْمغْرب قبل الْعشَاء لِأَن الْوَقْت للأولى وَالثَّانيَِة تبع لَهَا وَالتَّابِع لَا يتَقَدَّم على الْمَتْبُوع فَلَو بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ لم تصح وَيُعِيدهَا بعد الأولى
الشَّرْط الثَّانِي نِيَّة الْجمع عِنْد تحرم الأولى أَو فِي أَثْنَائِهَا على الْأَظْهر فَلَا يجوز بعد سَلام الأولى
الشَّرْط الثَّالِث الْمُوَالَاة بَين الأولى وَالثَّانيَِة لِأَن الثَّانِيَة تَابِعَة وَالتَّابِع لَا يفصل عَن متبوعه وَلِأَنَّهُ الْوَارِد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِهَذَا يتْرك الرَّوَاتِب بَينهمَا فَلَو وَقع الْفَصْل الطَّوِيل بَينهمَا امْتنع ضم الثَّانِيَة إِلَى الأولى وَيتَعَيَّن تَأْخِيرهَا إِلَى وَقتهَا سَوَاء طَال بِعُذْر كالسهو وَالْإِغْمَاء وَغَيره أم لَا وَلَا يضر الْفَصْل الْقصير وَاحْتج لَهُ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما جمع بنمرة أَمر بِالْإِقَامَةِ بَينهمَا ثمَّ جُمْهُور الْأَصْحَاب جوزوا الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ وَفِيه فصل مَعَ نوع طلب للْمَاء بِشَرْط أَن يكون خَفِيفا وَالصَّحِيح أَن الرُّجُوع فِي الْفَصْل إِلَى الْعرف هَذَا فِي جمع التَّقْدِيم أما جمع التَّأْخِير فَلَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَين الصَّلَاتَيْنِ وَلَا نِيَّة الْجمع حَال الصَّلَاة على الصَّحِيح وَلَا الْمُوَالَاة نعم يجب أَن يَنْوِي فِي وَقت الأولى كَون التَّأْخِير لأجل الْجمع تمييزاً عَن التَّأْخِير مُتَعَدِّيا وَلِئَلَّا يَخْلُو الْوَقْت عَن الْفِعْل أَو الْعَزْم فَإِن لم ينْو عصى وَصَارَت الأولى قَضَاء وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز للحاضر فِي الْمَطَر أَن يجمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا)

(1/139)


يجوز للمقيم الْجمع بالمطر فِي وَقت الأولى من الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء على الصَّحِيح وَقيل يخْتَص ذَلِك بالمغرب وَالْعشَاء للْمَشَقَّة وَهَذَا بِشَرْط أَن تقع الصَّلَاة فِي مَوضِع لَو سعى إِلَيْهِ أَصَابَهُ الْمَطَر وتبتل ثِيَابه وَاقْتصر الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ على ذَلِك وَإِن كَانَ الْمَطَر قَلِيلا إِذا بل الثَّوْب وَاشْترط القَاضِي حُسَيْن مَعَ ذَلِك أَن يبتل النَّعْل كَالثَّوْبِ وَذكر الْمُتَوَلِي فِي التَّتِمَّة مثله وَاحْتج للْجمع بِمَا ورد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(صلى بِالْمَدِينَةِ ثمانياً جَمِيعًا وَسبعا جَمِيعًا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء) وَفِي رِوَايَة مُسلم من غير خوف وَلَا سفر وكما يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر يجوز الْجمع بَين الْجُمُعَة وَالْعصر ثمَّ إِذا جمع بالتقديم فَيشْتَرط فِي ذَلِك مَا شَرط فِي جمع السّفر وَيشْتَرط تحقق وجود الْمَطَر فِي أول الأولى وَأول الثَّانِيَة وَكَذَا يشْتَرط أَيْضا وجوده عِنْد السَّلَام من الأولى على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقيل لَا يشْتَرط وَنَقله الإِمَام عَن مُعظم الْأَصْحَاب وَلَا يشْتَرط وجوده فِي غير هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاثَة هَذَا هُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقطع بِهِ الْأَصْحَاب وَقَول الشَّيْخ فِي وَقت الأولى يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه لَا يجوز الْجمع بالمطر فِي وَقت الثَّانِيَة وَهُوَ كَذَلِك على الْأَظْهر وَفِي قَول يجوز قِيَاسا على جمع السّفر والقائلون بالأظهر فرقوا بِأَن السّفر إِلَيْهِ فَيمكن أَن يستديمه بِخِلَاف الْمَطَر فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهِ فقد يَنْقَطِع قبل الْجمع وَالله أعلم
(فرع) الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب أَنه لَا يجوز الْجمع بِالْمرضِ وَلَا الوحل وَلَا الْخَوْف وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاع على امْتِنَاعه بِالْمرضِ وكذاادعى إِجْمَاع الْأمة على ذَلِك التِّرْمِذِيّ وَدَعوى الْإِجْمَاع مِنْهُمَا مَمْنُوع فقد ذهب جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِلَى جَوَاز الْجمع بِالْمرضِ مِنْهُم القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ والخطابي وَالْإِمَام أَحْمد وَمن تبعه على ذَلِك وَفعله ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَأنكرهُ رجل من بني تَمِيم فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أتعلمني السّنة لَا أم لَك وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله قَالَ ابْن شَقِيق فحاك فِي صَدْرِي من ذَلِك شَيْء فَأتيت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَصدق مقَالَته وقصة ابْن عَبَّاس وسؤال ابْن شَقِيق ثابتان فِي صَحِيح مُسلم قَالَ النَّوَوِيّ القَوْل بِجَوَاز الْجمع بِالْمرضِ ظَاهر مُخْتَار فقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(جمع بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر) قَالَ الأسنائي وَمَا اخْتَار النَّوَوِيّ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَيُؤَيِّدهُ الْمَعْنى أَيْضا فَإِن الْمَرَض يجوز الْفطر كالسفر فالجمع أولى بل ذهب جمَاعَة من الْعلمَاء إِلَى جَوَاز الْجمع فِي الْحَضَر للْحَاجة لمن لَا يَتَّخِذهُ عَادَة وَبِه قَالَ أَبُو

(1/140)


إِسْحَاق الْمروزِي وَنَقله عَن الْقفال وَحَكَاهُ الْخطابِيّ عَن جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر من أَصْحَابنَا وَبِه قَالَ أَشهب من أَصْحَاب مَالك وَهُوَ قَول ابْن سِرين وَيشْهد لَهُ قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته حِين ذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(جمع بِالْمَدِينَةِ بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء من غير خوف وَلَا مطر) فَقَالَ سعيد بن جُبَير لم فعل ذَلِك فَقَالَ لِئَلَّا يحرج أمته فَلم يعلله بِمَرَض وَلَا غَيره وَاخْتَارَ الْخطابِيّ من أَصْحَابنَا أَنه يجوز الْجمع بالوحل فَقَط وَالله أعلم قَالَ
بَاب صَلَاة الْجُمُعَة
(فصل وشرائط وجوب الْجُمُعَة سَبْعَة أَشْيَاء الْإِسْلَام)
الْجُمُعَة لَهَا شُرُوط بِاعْتِبَار الْوُجُوب وشروط بِاعْتِبَار صِحَة الْفِعْل وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَسميت الْجُمُعَة جُمُعَة لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهَا أَو لما جمع فِيهَا من الْخَيْر
وَالْأَصْل فِي وُجُوبهَا الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} الآيه وَفِي صَحِيح مُسلم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ
(لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا فَيصَلي بِالنَّاسِ ثمَّ أحرق على رجال يتخلفون عَن الْجُمُعَة بُيُوتهم) وَفِي رِوَايَة
(لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجُمُعَة أَو ليختمن الله على قُلُوبهم ثمَّ لَيَكُونن الغافلين) وَفِي الحَدِيث
(من ترك ثَلَاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) إِذا عرفت هَذَا فَمن شُرُوط وُجُوبهَا الْإِسْلَام لما تقدم فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ
(وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ وَالْعقل)
أما وُجُوبهَا على الْحر الْبَالِغ الْعَاقِل فللأدلة الْمُتَقَدّمَة وَاحْترز الشَّيْخ بِالْحرِّ عَن العَبْد وبالبالغ عَن الصَّبِي وبالعاقل عَن غير الْعَاقِل فَلَا تجب الْجُمُعَة عَن عبد وَصبي وَمَجْنُون وَكَذَا

(1/141)


الْمغمى عَلَيْهِ بِخِلَاف السَّكْرَان قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(الْجُمُعَة وَاجِبَة على كل مُسلم إِلَّا على أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك وَامْرَأَة وَصبي ومريض) وَأما الْمَجْنُون فَلِأَنَّهُ غير مُكَلّف قَالَ
(والذكورة وَالصِّحَّة والاستيطان)
احترزنا بالذكورة عَن الْأُنُوثَة فَلَا تجب الْجُمُعَة على الْمَرْأَة للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَلِأَن فِي خُرُوجهَا إِلَى الْجُمُعَة تكليفاً لَهَا وَنَوع مُخَالطَة بِالرِّجَالِ وَلَا تأمن الْمفْسدَة فِي ذَلِك وَقد تحققت الْآن الْمَفَاسِد لَا سِيمَا فِي مَوَاضِع الزِّيَارَة كبيت الْمُقَدّس شرفه الله وَغَيره فَالَّذِي يجب الْقطع بِهِ مَنعهنَّ فِي هَذَا الزَّمَان الْفَاسِد لِئَلَّا يتَّخذ أشرف الْبِقَاع مَوَاضِع الْفساد وَاحْترز الشَّيْخ بِالصِّحَّةِ عَن الْمَرَض فَلَا تجب الْجُمُعَة على مَرِيض وَمن فِي مَعْنَاهُ كالجوع والعطش والعري وَالْخَوْف من الظلمَة وأتباعهم قَاتلهم الله مَا أفسدهم للشريعة وَحجَّة عدم الْوُجُوب على الْمَرِيض الحَدِيث السَّابِق وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَفِي معنى الْمَرِيض من بِهِ إسهال وَلَا يقدر على ضبط نَفسه ويخشى تلويث الْمَسْجِد ودخوله الْمَسْجِد وَالْحَالة هَذِه حرَام صرح بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَة وَقد صرح الْمُتَوَلِي بِسُقُوط الْجُمُعَة عَنهُ وَلَو خشِي على الْمَيِّت الانفجار أَو تغيره كَانَ عذرا فِي ترك الْجُمُعَة فليبادر إِلَى تَجْهِيزه وَدَفنه وَقد صرح بذلك الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة وَقَوله الاستيطان احْتَرز بِهِ عَن غير المستوطن كالمسافر وَنَحْوه فَلَا جمعه عَلَيْهِم كالمقيم فِي مَوضِع لَا يسمع النداء من الْموضع الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة إِذْ لم ينْقل عَنهُ أَنه صلى الْجُمُعَة فِي سفر وَقد رُوِيَ
(لَا جُمُعَة على مُسَافر) قَالَ
(وشرائط فعلهَا ثَلَاثَة أَن تكون الْبَلَد مصرا أَو قَرْيَة وَأَن يكون الْعدَد أَرْبَعِينَ من أهل الْجُمُعَة وَأَن يكون الْوَقْت بَاقِيا فَإِن خرج الْوَقْت أَو عدمت الشُّرُوط صليت ظهرا)
لصِحَّة الْجُمُعَة شُرُوط بَقِيَّة شُرُوط الصَّلَاة مِنْهَا دَار الْإِقَامَة وَهِي عبارَة عَن الْأَبْنِيَة الَّتِي يستوطنها الْعدَد الَّذين يصلونَ الْجُمُعَة سَوَاء فِي ذَلِك المدن والقرى والمغر الَّتِي تتَّخذ وطناً وَسَوَاء فِيهَا الْبناء من حجر أَو طين أَو خشب وَنَحْوه وَوجه اشْتِرَاط ذَلِك أَنه لم ينْقل إِقَامَتهَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين إِلَّا كَذَلِك وَلَو جَازَت فِي غير ذَلِك لفَعَلت وَلَو مرّة وَلَو فعلت لنقل

(1/142)


وَيشْتَرط فِي الْأَبْنِيَة أَن تكون مجتمعة فَلَو تَفَرَّقت لم يكف وَيعرف التَّفْرِيق بِالْعرْفِ وَلَا جُمُعَة على أهل الْخيام وَإِن لازموا مَكَانا وَاحِدًا صيفاً وشتاء لأَنهم على هَيْئَة المستوفزين وَمِنْهَا أَن تُقَام فِي جمَاعَة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين فَمن بعدهمْ لم ينْقل عَنْهُم وَلَا عَن غَيرهم فعلهَا فُرَادَى ثمَّ شَرط الْجَمَاعَة أَن تكون أَرْبَعِينَ وَبِه قَالَ الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا مثل مَذْهَبنَا وَالْأُخْرَى أَن الِاعْتِبَار بِعَدَد يعد بهم الْموضع قَرْيَة وتمكنهم الْإِقَامَة فِيهِ وَيكون بَينهم البيع وَالشِّرَاء وَنقل صَاحب التَّلْخِيص من أَصْحَابنَا قولا عَن الْقَدِيم أَنَّهَا تَنْعَقِد بِثَلَاثَة وَلم يُثبتهُ عَامَّة الْأَصْحَاب وَالْمذهب الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنه لَا بُد من أَرْبَعِينَ وَاحْتج لَهُ بِأَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
(مَضَت السّنة أَن فِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقهَا جُمُعَة) وَقَول الصَّحَابِيّ مَضَت السّنة كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا حَدِيث كَعْب بن مَالك قَالَ أول من صلى بِنَا الْجُمُعَة فِي بَقِيع الْخضمات أسعد بن زُرَارَة وَكُنَّا أَرْبَعِينَ وَجه الدّلَالَة أَن الْغَالِب على أَحْوَال الْجُمُعَة التَّعَبُّد وَالْأَرْبَعُونَ أقل مَا ورد وَمِنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جمع بِالْمَدِينَةِ وَلم ينْقل أَنه جمع بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ واتفقنا على اقامتها بالأربعين فَمن ادّعى إِقَامَتهَا بِدُونِ ذَلِك فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَنقل عَن الإِمَام أَحْمد أَنه يشْتَرط خمسين وَاحْتج بِحَدِيث وَالْجَوَاب أَن الحَدِيث فِي رِجَاله جَعْفَر بن الزبير وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث
وَاعْلَم أَن شَرط الْأَرْبَعين الذُّكُورَة والتكليف وَالْحريَّة وَالْإِقَامَة على سَبِيل التوطن لَا يظعنون شتاء وَلَا صيفاً إِلَّا لحَاجَة فَلَا تَنْعَقِد بالإناث وَلَا بالصبيان وَلَا بالعبيد وَلَا بالمسافرين وَلَا بالمستوطنين شتاء دون صيف وَعَكسه والغريب إِذا أَقَامَ بِبَلَد واتخذه وطنا صَار لَهُ حكم أَهله فِي وجوب الْجُمُعَة وَإِن لم يتَّخذ بل عزمه الرُّجُوع إِلَى بَلَده بعد مُدَّة يخرج بهَا عَن كَونه مُسَافِرًا قَصِيرَة كَانَت أَو طَوِيلَة كالتاجر والمتفقة وَالَّذِي يرحل من بَلَده من قلَّة المَاء أَو خوف الظلمَة قَاتلهم الله ثمَّ عزمه يعود إِذا انفرج أمره فَهَؤُلَاءِ لَا تلزمهم الْجُمُعَة وَلَا تَنْعَقِد بهم على الْأَصَح
(فرع) إِذا تقَارب قَرْيَتَانِ فِي كل مِنْهُمَا دون أَرْبَعِينَ بِصفة الْكَمَال وَلَو اجْتَمعُوا لبلغوا أَرْبَعِينَ لم تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة وَإِن سَمِعت كل قَرْيَة نِدَاء الْأُخْرَى لِأَن الْأَرْبَعين غير مقيمين فِي مَوضِع الْجُمُعَة وَالله أعلم
وَمِنْهَا أَي من شُرُوط صِحَة الْجُمُعَة أَن تقع فِي الْوَقْت ووقتها وَقت الظّهْر فَلَا تقضى على صورتهَا بالِاتِّفَاقِ وَقَالَ الإِمَام أَحْمد تجوز قبل الزَّوَال وَحجَّتنَا مَا ورد عَن أنس

(1/143)


رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(يُصَلِّي الْجُمُعَة حِين تَزُول الشَّمْس) وروى مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة إِذا زَالَت الشَّمْس ثمَّ نرْجِع فنتتبع الْفَيْء أَي ظلّ الْحِيطَان) وَلَو ضَاقَ الْوَقْت عَن الْجُمُعَة صلوا ظهرا وَلَا يجوز الشُّرُوع فِي الْجُمُعَة نَص الشَّافِعِي فِي الْأُم وَلَو خرج الْوَقْت وهم فِيهَا أتموها ظهرا وَإِن صلو رَكْعَة فِي الْوَقْت وَلَو شكوا هَل خرج الْوَقْت أم لَا لم يشرعوا فِي الْجُمُعَة وصلوا ظهرا فَإِن الْوَقْت شَرط لَا بُد من تَحْقِيق وجوده وَقد شككنا فِيهِ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالله أعلم قَالَ
(وفرائضها ثَلَاثَة أَشْيَاء خطبتان يقوم فيهمَا وَيجْلس بَينهمَا وَأَن تصلى رَكْعَتَيْنِ فِي جمَاعَة)
من شُرُوط صِحَة الْجُمُعَة أَن يتقدمها خطبتان فِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(كَانَ يخْطب خطبتين يجلس بَينهمَا وَكَانَ يخْطب قَائِما) وَفِي رِوَايَة
(أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يخْطب خطبتين يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس) وللخطبة خَمْسَة أَرْكَان
أَحدهَا حمد لله تَعَالَى وَيتَعَيَّن لفظ الْحَمد
وَالثَّانِي الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيتَعَيَّن لفظ الصَّلَاة
الثَّالِث الْوَصِيَّة بتقوى الله تَعَالَى قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فَإِن ذَلِك قد يتواصى بِهِ مُنكر والشرائع بل لَا بُد من الْحمل على طَاعَة الله تَعَالَى وَالْمَنْع من الْمعاصِي بِلَا خلاف وَلَو قَالَ أطِيعُوا الله كفى
الرَّابِع الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَهُوَ ركن على الصَّحِيح وَلَا تصح الْخطْبَة بِدُونِهِ وَهُوَ مَخْصُوص بِالثَّانِيَةِ وَيَكْفِي مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء
الْخَامِس قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن وَأقله آيَة وَاحِدَة نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي سَوَاء كَانَت وَعدا أَو وعيداً أَو حكما أَو قصَّة وَيشْتَرط كَون الْآيَة مفهمة فَلَا يَكْفِي {ثمَّ نظر} وَإِن كَانَت آيَة وَاخْتلف فِي مَحل الْقِرَاءَة وَالصَّحِيح الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم أَنَّهَا تجب فِي إِحْدَى الْخطْبَتَيْنِ لَا بِعَينهَا وَالله أعلم

(1/144)


هَذِه أَرْكَان الْخطْبَة أما شُرُوطهَا فستة
أَحدهَا الْوَقْت وَهُوَ بعد الزَّوَال فَلَا يَصح تَقْدِيم شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ
الثَّانِي تَقْدِيم الْخطْبَتَيْنِ على الصَّلَاة
الثَّالِث الْقيام فيهمَا مَعَ الْقُدْرَة
الرَّابِع الْجُلُوس بَينهمَا وَتجب الطُّمَأْنِينَة فِيهِ فَلَو كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام وخطب جَالِسا وَجب أَن يفصل بَينهمَا بسكتة على الْأَصَح
الْخَامِس الطَّهَارَة عَن الْحَدث وَالنَّجس فِي الْبدن وَالثَّوْب وَالْمَكَان وَكَذَا يجب ستر الْعَوْرَة على الْجَدِيد
السَّادِس رفع الصَّوْت بِحَيْثُ يسمع أَرْبَعِينَ من أهل الْكَمَال وَإِلَّا لما يحصل الْمَقْصُود من مَشْرُوعِيَّة الْخطْبَة وَهل يشْتَرط كَونهَا عَرَبِيَّة الصَّحِيح نعم لنقل الْخلف عَن السّلف ذَلِك وَقيل لَا يجب لحُصُول الْمَعْنى فعلى الصَّحِيح لَو لم يكن فيهم من يحسن الْعَرَبيَّة جَازَ بغَيْرهَا وَيجب على كل وَاحِد أَن يتعلمها بِالْعَرَبِيَّةِ كالعاجز عَن التَّكْبِير بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِن مَضَت مُدَّة إِمْكَان التَّعْلِيم وَلم يتَعَلَّم أحد مِنْهُم عصوا كلهم وَلَا جُمُعَة لَهُم بل يصلونَ الظّهْر كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَوُجُوب تعلم الْخطْبَة على كل وَاحِد ذكره فِي التَّتِمَّة وَذكره غَيره وَجزم بِهِ ابْن الرّفْعَة وَعبارَة الرَّوْضَة وَيجب أَن يتَعَلَّم كل وَاحِد مِنْهُم الْخطْبَة قَالَ الأسنوي وَهُوَ غلط قَالَ القَاضِي حُسَيْن وَإِذا لم يعرف الْقَوْم الْعَرَبيَّة فَمَا فَائِدَة الْخطْبَة وَأجَاب بِأَن فَائِدَة الْخطْبَة الْعلم بالوعظ من حَيْثُ الْجُمْلَة وَقَول الشَّيْخ وَأَن تصلى رَكْعَتَيْنِ فِي جمَاعَة لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ تَمام من غير قصر على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا نقلهَا الْخلف عَن السّلف قَالَ ابْن الْمُنْذر وَهَذَا بِالْإِجْمَاع وَكَونهَا فِي جمَاعَة قد مر وَالله أعلم قَالَ
(وهيئاتها أَربع الْغسْل وتنظيف الْجَسَد وَلبس الثِّيَاب الْبيض وَأخذ الظفر وَالطّيب)
السّنة لمن أَرَادَ الْجُمُعَة أَن يغْتَسل لَهَا بل يكره تَركه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
(إِذا أَتَى أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا
(حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا) زَاد النَّسَائِيّ وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة ولغسل الْجُمُعَة تَتِمَّة مهمة مرت فِي فصل الأغسال المسنونة وَالْغسْل وَإِن صدق بسكب المَاء على جَمِيع الْجَسَد إِلَّا أَن الْمَقْصُود مِنْهُ تنظيف الْجَسَد من الأوساخ الَّتِي يحصل بِسَبَبِهَا رَائِحَة كريهة فَلهَذَا ذكر الشَّيْخ تنظيف الْجَسَد وَمن السّنة أَيْضا أَن يتزين ويلبس من أحسن ثِيَاب ويتطيب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَلبس من

(1/145)


أحسن ثِيَابه وَمَسّ من طيب بَيته إِن كَانَ عِنْده ثمَّ أَتَى الجمعه فَلم يتخط أَعْنَاق النَّاس ثمَّ صلى مَا كتب لَهُ أنصت إِذا خرج إِمَامه حَتَّى يفرغ من صلَاته كَانَت كَفَّارَة بَينهَا وَبَين جمعته الَّتِي قبلهَا) والأبيض من الثِّيَاب أفضل وكما يسْتَحبّ الْغسْل وَالطّيب يسْتَحبّ إِزَالَة الظفر وَالشعر الْمُسْتَحبّ إزالتهما وَالْحكمَة فِي الْغسْل أَن لَا يجد الجليس من جليسه مَا يكره فَيَتَأَذَّى قَالَ الْعلمَاء وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن الجليس لَا يتعاطى مَا يتَأَذَّى مِنْهُ جليسه من كَلَام سيء وَغَيره ومشروعية الطّيب حَتَّى يجد الجليس من جليسه مَا ينْتَفع بِهِ من طيب الرَّائِحَة وَحسن الثِّيَاب لأجل النّظر فَلَا يجد مَا يتَأَذَّى بِهِ بَصَره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من شرع لنا هَذَا الْخَيْر وَالله أعلم قَالَ
0 - وَيسْتَحب الْإِنْصَات فِي حَال الْخطْبَة)
هَل يحرم الْكَلَام وَقت الْخطْبَة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَنه يحرم وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أرجح الرِّوَايَتَيْنِ عِنْده لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين نزلت فِي الْخطْبَة قُرْآنًا لاشتمالها على الْقُرْآن الَّذِي يُتْلَى فِيهَا وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا قلت لصاحبك يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب أنصت فقد لغوت) واللغو الاثم قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} والجديد أَن الْكَلَام لَيْسَ بِحرَام والإنصات سنة لما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(أَن عُثْمَان دخل وَعمر يخْطب فَقَالَ عمر مَا بَال رجال يتأخرون عَن النداء فَقَالَ عُثْمَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا زِدْت حِين سَمِعت النداء أَن تَوَضَّأت) وَرُوِيَ
(أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهِ رجل وَهُوَ يخْطب الْجُمُعَة فَقَالَ مَتى السَّاعَة فَأَوْمأ النَّاس إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلم يفعل وَأعَاد الْكَلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بعد الثَّانِيَة وَيحك مَا أَعدَدْت لَهَا قَالَ حب الله وَرَسُوله فَقَالَ إِنَّك مَعَ من أَحْبَبْت) وَجه الدّلَالَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يُنكر عَلَيْهِم ذَلِك وَلَو كَانَ حَرَامًا لأنكره

(1/146)


وَيجوز الْكَلَام قبل الشُّرُوع فِي الْخطْبَة وَبعد الْفَرَاغ مِنْهَا وَقبل الصَّلَاة قَالَ فِي المرشد حَتَّى فِي حَال الدُّعَاء لِلْأُمَرَاءِ أَو فِيمَا بَين الْخطْبَتَيْنِ خلاف وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ أَنه لَا يحرم وَبِه جزم فِي الْمُهَذّب وَالْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط نعم فِي الشَّامِل وَغَيره إِجْرَاء الْقَوْلَيْنِ ثمَّ هَذَا فِي الْكَلَام الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض مُهِمّ ناجز فَأَما إِذا رأى أعمى يَقع فِي بِئْر أَو عقربا ندب على إِنْسَان فأنذره أَو علم ظَالِما يتطلب شخصا بِغَيْر حق كعريف الْأَسْوَاق ورسل قُضَاة الرشا فَلَا يحرم بِلَا خلاف وَكَذَا لَو أَمر بِمَعْرُوف أَو نهى عَن مُنكر فَإِنَّهُ لَا يحرم قطعا وَقد نَص على ذَلِك الشَّافِعِي وَاتفقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَاب
(فرع) لَو سلم الدَّاخِل حَال الْخطْبَة فَإِن قُلْنَا بالقديم يحرم الْكَلَام حرمت إجَابَته بِاللَّفْظِ وَيسْتَحب بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي حَال الصَّلَاة وَلَو عطس شخص فَيحرم تشميته على الصَّحِيح كرد السَّلَام وَإِن قُلْنَا بالجديد إِنَّه لَا يحرم الْكَلَام فَيجوز رد السَّلَام والتشميت بِلَا خلاف وَهل يجب رد السَّلَام فِيهِ خلاف الصَّحِيح فِي الشَّرْح الصَّغِير اسْتِحْبَابه أَيْضا لَا وُجُوبه وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وأصل الرَّوْضَة وَالله أعلم قَالَ
(وَمن دخل وَالْإِمَام يخْطب صلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ يجلس)
إِذا حضر شخص وَالْإِمَام يخْطب لم يتخط رِقَاب النَّاس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من تخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة اتخذ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّم) وَيسْتَثْنى من ذَلِك الإِمَام وَمن بَين يَدَيْهِ فُرْجَة وَلَا طَرِيق إِلَيْهَا إِلَّا بالتخطي لأَنهم قصروا بِعَدَمِ سدها ثن الْمَنْع من التخطي لَا يخْتَص بِحَال الْخطْبَة بل الحكم قبلهَا كَذَلِك ثمَّ الدَّاخِل هَل يُصَلِّي التَّحِيَّة اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك فَقَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَجُمْهُور السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهمَا ويروى عَن عمر وَعُثْمَان وعَلى رَضِي الله عَنْهُم وحجتهم الْأَمر بالإنصات وتأولوا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي قَضِيَّة سليك على أَنه كَانَ عُريَانا فآمره بِالْقيامِ ليراه النَّاس ويتصدقوا عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي وَالْإِمَام أَحْمد وَإِسْحَاق وفقهاء الْمُحدثين إِنَّه يسْتَحبّ أَن يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد رَكْعَتَيْنِ خفيفتين وَيكرهُ أَن يجلس قبل أَن يُصَلِّيهمَا وَحكى هَذَا الْمَذْهَب عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره من الْمُتَقَدِّمين وَاحْتج هَؤُلَاءِ بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسليك حِين جَاءَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة وَقد جلس
(أصليت يَا فلَان قَالَ لَا قَالَ قُم فاركع) وَفِي رِوَايَة
(قُم فَصلي الرَّكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة
(صل رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة
(إِذا

(1/147)


جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَقد خرج الإِمَام فَليصل رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة
(وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا) قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذِه الْأَحَادِيث كلهَا صَرِيحَة فِي الدّلَالَة لمَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد وَتَأْويل من قَالَ إِن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسليك بِالْقيامِ ليتصدق عَلَيْهِ بَاطِل يردهُ صَرِيح قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِذا جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا) فَهَذَا نَص صَرِيح لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَأْوِيل وَلَا أَظن عَالما يبلغهُ هَذَا اللَّفْظ صَحِيحا فيخالفه وَالله أعلم
وَقَول الشَّيْخ وَمن دخل وَالْإِمَام يخْطب يَقْتَضِي أَن الْحَاضِر لَا يفْتَتح صَلَاة وَلم يبين أَنه مَكْرُوه أم لَا وَعبارَة الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة يَنْبَغِي لمن لَيْسَ فِي الصَّلَاة من الْحَاضِرين أَن لَا يستفتحها سَوَاء صلى السّنة أم لَا وَفِي الْحَاوِي الصَّغِير الْكَرَاهَة وَالَّذِي ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَنه حرَام وَنقل الْإِجْمَاع على ذَلِك وَلَفظه قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جلس الإِمَام على الْمِنْبَر حرم على من فِي الْمَسْجِد أَن يبتدىء صَلَاة وَإِن كَانَ فِي صَلَاة خففها وَهَذَا إِجْمَاع قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالله أعلم قلت هَذِه مَسْأَلَة حَسَنَة نفيسة قل من يعرفهَا على وَجههَا فَيَنْبَغِي الاعتناء بهَا وَلَا يغتر بِفعل ضعفاء الطّلبَة وجهلة المتصوفة فَإِن الشَّيْطَان يتلاعب بصوفية زملننا كتلاعب الصّبيان بالكرة وَأَكْثَرهم صدهم عَن الْعلم مشقة الطّلب فاستدرجهم الشَّيْطَان قَالَ السَّيِّد الْجَلِيل أبوزيد قعدت ثَلَاثِينَ سنه فِي المجاهدة فَلم أر أصعب عَليّ من الْعلم وَقَالَ السَّيِّد الْجَلِيل أَبُو بكر الشبلي إِن فِي الطَّاعَة من الْآفَات مَا يغنيكم أَن تَطْلُبُوا الْمعاصِي فِي غَيرهَا وَقَالَ السَّيِّد الْجَلِيل ضرار بن عَمْرو إِن قوما تركُوا الْعلم ومجالسة الْعلمَاء وَاتَّخذُوا محاريب وصلوا وصاموا حَتَّى يبس جلد أحدهم على عظمه خالفوا فهلكوا وَالَّذِي لَا اله غَيره مَا عمل عَامل على جهل إِلَّا كَانَ مَا يفْسد أَكثر مِمَّا يصلح وَهَذِه زِيَادَة خَارجه عَن الْفَنّ الَّذِي نَحن فِيهِ فَمن أَرَادَ من هَذِه المناداة فَعَلَيهِ بِكِتَاب سير السالك فِي أَسْنَى المسالك وَالله أعلم قَالَ
بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ
(فصل وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ سنة مُؤَكدَة وَهِي رَكْعَتَانِ يكبر فِي الأولى سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَفِي الثَّانِيَة خمْسا سوى تَكْبِيرَة الْقيام ويخطب بعْدهَا خطبتين)
الْعِيد مُشْتَقّ من الْعود لِأَنَّهُ يعود فِي السنين أَو يعود السرُور بعوده أَو لِكَثْرَة عوائد الله تَعَالَى

(1/148)


على عباده فِيهِ أَي أفضاله ثمَّ صَلَاة الْعِيد مَطْلُوبَة بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قيل المُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا صَلَاة عيد النَّحْر وَلَا خَفَاء فِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُصَلِّيهمَا هُوَ وَالصَّحَابَة مَعَه وَمن بعده وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أول عيد صلاه الْفطر فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وفيهَا فرضت زَكَاة الْفطر قَالَه الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ الصَّلَاة سنة لقَوْل الْأَعرَابِي هَل عَليّ غَيرهَا أَي غير الصَّلَوَات الْخمس قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع وَهَذَا مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقيل إِنَّهَا فرض كِفَايَة لِأَنَّهَا من شَعَائِر الْإِسْلَام فَتَركهَا تهاون فِي الدّين وتشرع جمَاعَة بِالْإِجْمَاع وَالْمذهب أَنَّهَا تشرع للنفرد وَالْمُسَافر وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة لِأَنَّهَا نَافِلَة فَأَشْبَهت الاسْتِسْقَاء والكسوف نعم يكره للشابة الجميلة وَذَوَات الْهَيْئَة الْحُضُور وَيسْتَحب للعجوز الْحُضُور فِي ثِيَاب بذلتها بِلَا طيب
قلت يَنْبَغِي الْقطع فِي زَمَاننَا بِتَحْرِيم خُرُوج الشابات وَذَوَات الهيئات لِكَثْرَة الْفساد وَحَدِيث أم عَطِيَّة وَإِن دلّ على الْخُرُوج إِلَّا أَن الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي خير الْقُرُون قد زَالَ وَالْمعْنَى أَنه كَانَ فِي الْمُسلمين قلَّة فَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُنَّ فِي الْخُرُوج ليحصل بِهن الْكَثْرَة وَلِهَذَا أذن للْحيض مَعَ أَن الصَّلَاة مفقودة فِي حقهن وتعليله بشهودهن الْخَيْر ودعوة الْمُسلمين لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا وَأَيْضًا فَكَانَ الزَّمَان زمَان أَمن فَكُن لَا يبدين زينتهن ويغضضن أبصارهن وَكَذَا الرِّجَال يَغُضُّونَ من أَبْصَارهم وَأما زَمَاننَا فخروجهن لأجل إبداء زينتهن وَلَا يغضضن أبصارهن وَلَا يغض الرِّجَال من أَبْصَارهم ومفاسد خروجهن مُحَققَة وَقد صَحَّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت
(لَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل) فَهَذِهِ فَتْوَى أم الْمُؤمنِينَ فِي خير الْقُرُون فَكيف بزماننا هَذَا الْفَاسِد وَقد قَالَ بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد خلق غير عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مِنْهُم عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ وَالقَاسِم وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَمَالك وَأَبُو حنيفَة مرّة وَمرَّة أجَازه وَكَذَا مَنعه أَبُو يُوسُف وَهَذَا فِي ذَلِك الزَّمَان وَأما فِي زَمَاننَا هَذَا فَلَا يتَوَقَّف أحد من الْمُسلمين فِي مَنعهنَّ إِلَّا غبي قَلِيل البضاعة فِي معرفَة أسرار الشَّرِيعَة قد تمسك بِظَاهِر دَلِيل حمل على ظَاهره دون فهم مَعْنَاهُ مَعَ إهماله فهم عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَمن نحا نَحْوهَا وَمَعَ إهمال الْآيَات الدَّالَّة على تَحْرِيم إِظْهَار الزِّينَة وعَلى وجوب غض الْبَصَر فَالصَّوَاب الْجَزْم بِالتَّحْرِيمِ وَالْفَتْوَى بِهِ وَالله أعلم
ثمَّ وَقتهَا مَا بَين طُلُوع الشَّمْس والزوال وَقيل لَا يدْخل وَقتهَا إِلَّا بارتفاع الشَّمْس قدر رمح وَالصَّحِيح الأول والارتفاع قدر رمح مُسْتَحبّ ليزول وَقت الْكَرَاهَة وكيفيتها رَكْعَتَانِ للادلة وَإِجْمَاع الْأمة وَيَنْوِي صَلَاة عيد الْفطر أَو الْأَضْحَى وَيكبر فِي الأولى سبع

(1/149)


تَكْبِيرَات غير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَفِي الثَّانِيَة خمْسا سوى تَكْبِيرَة الْقيام من السُّجُود
(رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى فِي الأولى سبعا قبل الْقِرَاءَة وَفِي الثَّانِيَة خمْسا قبل الْقِرَاءَة) وَيقف بَين كل تكبيرتين قدر آيَة معتلة يهلل وَيكبر ويحمد ورد عَن ابْن مَسْعُود قولا وفعلاً وَمعنى يهلل يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله والتحميد التَّعْظِيم وَهَذَا إِشَارَة إِلَى التَّسْبِيح والتحميد وَيحسن سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لِأَنَّهُ اللَّائِق بِالْحَال وجامع للأنواع الْمَشْرُوعَة للصَّلَاة وَهِي الْبَاقِيَات الصَّالِحَات كَمَا قَالَه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَجَمَاعَة وَلَو نسي التَّكْبِيرَات وَشرع فِي الْقِرَاءَة فَاتَت وَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الأولى ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت بكمالها رَوَاهُ مُسلم وَتَكون الْقِرَاءَة جَهرا للسّنة وَإِجْمَاع الْأمة وَكَذَا يجْهر بالتكبيرات ثمَّ يسن بعد الصَّلَاة خطبتان ورد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
(كَانُوا يصلونَ الْعِيد قبل الْخطْبَة) فَلَو خطب قبل الصَّلَاة لم يعْتد بهَا على الصَّحِيح الصَّوَاب الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وتكرير الْخطْبَة هُوَ بِالْقِيَاسِ على الْجُمُعَة وَلَو يثبت فِيهِ حَدِيث قَالَه النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة وَيسْتَحب أَن يفْتَتح الأولى بتسع تَكْبِيرَات وَالثَّانيَِة بِسبع تَكْبِيرَات وَاعْلَم أَن الصَّلَاة تجوز فِي الصَّحرَاء فَإِن كَانَ بِمَكَّة فالمسجد الْحَرَام أفضل وَإِن لم يكن عذر فَإِن ضَاقَ الْمَسْجِد فالصحراء أولى بل يكره فعلهَا فِي الْمَسْجِد وَإِن كَانَ الْمَسْجِد وَاسِعًا فَالصَّحِيح أَن الْمَسْجِد أولى وَالله أعلم قَالَ
(وَيكبر من غرُوب الشَّمْس لَيْلَة الْعِيد إِلَى أَن يدْخل الإِمَام فِي الصَّلَاة وَفِي الْأَضْحَى خلف الصَّلَوَات الْفَرَائِض من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق)
يسْتَحبّ التَّكْبِير بغروب الشَّمْس لَيْلَتي الْعِيد الْفطر والأضحى وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْمَسَاجِد والبيوت والأسواق وَلَا بَين اللَّيْل وَالنَّهَار وَعند ازدحام النَّاس ليوافقوه على ذَلِك وَلَا فرق

(1/150)


بَين الْحَاضِر وَالْمُسَافر دَلِيله فِي عيد الْفطر قَوْله تَعَالَى {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} وَفِي عيد الْأَضْحَى بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ ويغني عَنهُ ورد عَن أم عَطِيَّة قَالَت
(كُنَّا نؤمر فِي الْعِيدَيْنِ بِالْخرُوجِ حَتَّى تخرج الْحيض فيكُن خلف النَّاس يكبرن بتكبيرهم) وَأما آخر وَقت التَّكْبِير فَفِي عيد الْفطر حَتَّى يحرم الإِمَام بِصَلَاة الْعِيد هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأما فِي الْأَضْحَى فَالصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ أَن آخر عقيب الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَعند النَّوَوِيّ الصَّحِيح أَنه عقيب الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق قَالَ وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد الْمُحَقِّقين للْحَدِيث وابتداؤه بصبح يَوْم عَرَفَة ويشرع فِي الْأَضْحَى خلف الْفَرَائِض الْحَاضِرَة والفائتة وَكَذَا فِي كل صَلَاة نَافِلَة كَانَت ذَات سَبَب أَو مُطلقَة أَو فرض كِفَايَة كَصَلَاة جَنَازَة وَهل يسْتَحبّ عقب الصَّلَوَات فِي عيد الْفطر فِيهِ خلاف وَالأَصَح فِي أصل الرَّوْضَة أَنه لَا يسْتَحبّ لعدم نَقله وَصحح النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار أَنه يسْتَحبّ عقب الصَّلَوَات كالأضحى وَيسْتَحب رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ للرِّجَال دون النِّسَاء وَالتَّكْبِير فِي وقته أفضل من غَيره من الْأَذْكَار لِأَنَّهُ شعار الْيَوْم وَالله أعلم (فرع) : الْحَاج يكبر من ظهر يَوْم النَّحْر وَهُوَ يَوْم الْعِيد وَيخْتم بيصح آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَالصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ أَن غير الْحَاج كالحاج وَالله أعلم قَالَ:
بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف
(فصل وَيصلى لكسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة قيامان يُطِيل الْقِرَاءَة فيهمَا وركوعان يُطِيل التَّسْبِيح فيهمَا دون السُّجُود)
اعْلَم أَن الْكُسُوف والخسوف يُطلق على الشَّمْس وَالْقَمَر جَمِيعًا نعم الأجود كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي أَن الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر وَالصَّلَاة لَهما سنة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا وَادعوا الله تَعَالَى) وَفِي رِوَايَة
(أدعوا الله وصلوا حَتَّى ينْكَشف مَا بكم) ثمَّ أقلهَا أَن يحرم بنية صَلَاة الْكُسُوف وَيقْرَأ الْفَاتِحَة ويركع ثمَّ يرفع فَيقْرَأ الْفَاتِحَة ثمَّ يرْكَع ثَانِيًا ثمَّ يرفع ويطمئن ثمَّ يسْجد فَهَذِهِ رَكْعَة ثمَّ يُصَلِّي ثَانِيَة كَذَلِك فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان وَيقْرَأ الْفَاتِحَة فِي كل قيام فَلَو اسْتمرّ الْكُسُوف فَهَل يزِيد رُكُوعًا ثَالِثا وَجْهَان الصَّحِيح لَا يجوز كَسَائِر الصَّلَوَات وكما لَا يجوز زِيَادَة رُكُوع ثَالِث لَا يجوز

(1/151)


نقص رُكُوع لَو حصل الانجلاء وَلَو سلم من الصَّلَاة والكسوف بَاقٍ فَلَيْسَ لَهُ أَن يستفتح صَلَاة أُخْرَى على الْمَذْهَب والأكمل فِي هَذِه أَن يقْرَأ فِي الْقيام الأول بعد الْفَاتِحَة وَمَا يسْتَحبّ من الاستفتاح وَغَيره سُورَة الْبَقَرَة فَإِن لم يحسنها قَرَأَ بِقَدرِهَا وَفِي الْقيام الثَّانِي كمائتي آيَة مِنْهَا وَفِي الْقيام الثَّالِث يقْرَأ قدر مائَة وَخمسين آيَة وَفِي الرَّابِع قدر مائَة كَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَيسْتَحب أَن يطول فِي الرُّكُوع الأول بالتسبيح قدر مائَة آيَة من الْبَقَرَة وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ آيَة وَفِي الثَّالِث سبعين آيَة وَفِي الرَّابِع قدر خمسين آيَة لمجيئه فِي الْخَبَر وَلَا يطول السُّجُود على الصَّحِيح كالاعتدال قَالَه الرَّافِعِيّ وَصحح النَّوَوِيّ التَّطْوِيل قَالَ وَثَبت فِي الصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ وتستحب الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْكُسُوف وينادى لَهَا الصَّلَاة جَامِعَة وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق الإِمَام فِي الرُّكُوع الثَّانِي لم يدْرك الرَّكْعَة على الْمَذْهَب لِأَن الرُّكُوع الثَّانِي يتبع الأول وَالله أعلم قَالَ
(ويخطب بعْدهَا خطبتين وَيسر فِي كسوف الشَّمْس ويجهر فِي خُسُوف الْقَمَر)
يسن أَن يخْطب بعد الصَّلَاة خطبتين كخطبتي الْجُمُعَة لفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي ورد وَفِيه
(قَامَ فَخَطب فَأثْنى على الله تَعَالَى) إِلَى أَن قَالَ
(يَا أمة مُحَمَّد هَل من أحد أغير من الله أَن يرى عَبده أَو أمته يزنيان يَا أمة مُحَمَّد وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قَلِيلا أَلا هَل بلغت) وروى الْخطْبَة جمع من الصَّحَابَة فِي الصَّحِيح وَيَنْبَغِي أَن يحرضهم على الْإِعْتَاق وَالصَّدَََقَة ويحذرهم الْغَفْلَة والاغترار وَقد ورد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(أَمر بالعتاقة فِي كسوف الْقَمَر) وَمن صلى مُنْفَردا لم يخْطب وَيسْتَحب الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي خُسُوف الْقَمَر والإسرار فَفِي التِّرْمِذِيّ وَقَالَ إِنَّه حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ إِنَّه على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَالله أعلم قَالَ
بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء
(فصل وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء مسنونة فيأمرهم الإِمَام بِالتَّوْبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم

(1/152)


وَمُصَالَحَة الْأَعْدَاء وَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يخرج بهم فِي الْيَوْم الرَّابِع فِي ثِيَاب بذلة واستكانة وتضرع وَيُصلي بهم رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الْعِيد) الاسْتِسْقَاء طلب السقيا من الله تَعَالَى عِنْد الْحَاجة وَصلَاته سنة مُؤَكدَة
(خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَسْقِي فَجعل إِلَى النَّاس ظَهره واستقبل الْقبْلَة وحول رِدَاءَهُ) وَفِي رِوَايَة جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة ثمَّ قبل الْخُرُوج يَعِظهُمْ الْأَمَام ويخوفهم عَذَاب الله وَيذكرهُمْ بالعواقب وَيَأْمُرهُمْ بِالصَّدَقَةِ وأنواع الْبر وبالخروج من الْمَظَالِم وَالتَّوْبَة من الْمعاصِي فَإِن هَذِه الْأُمُور سَبَب انْقِطَاع الْغَيْث والأعين وحرمان الرزق وَسبب الْغَضَب وإرسال الْعُقُوبَات من الْخَوْف والجوع وَنقص الْأَمْوَال والزروع والثمرات بل سَبَب تدمير أهل ذَلِك الإقليم قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فِيهَا فَحق عَلَيْهَا القَوْل فدمرناها تدميراً} وَيَأْمُرهُمْ بصيام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات ثمَّ يخرج بهم فِي الْيَوْم الرَّابِع وهم صِيَام لِأَن دُعَاء الصّيام أقرب إِلَى الْإِجَابَة وَيَكُونُونَ فِي ثِيَاب البذلة وَهِي الْخدمَة ليكونوا على هَيْئَة السَّائِل وَعَلَيْهِم السكينَة فِي مشيتهم وَكَلَامهم وجلوسهم فقد ورد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(خرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً حَتَّى أَتَى الْمصلى) وَلَا يتطيب لِأَنَّهُ من السرُور وَيَنْبَغِي أَن يكون الاسْتِسْقَاء بالمشايخ المنكسرين والعاجزين والمحزونات وَالصغَار لِأَن دُعَاء هَؤُلَاءِ أقرب إِلَى الْإِجَابَة والحذر أَن يَقع الاسْتِسْقَاء بقضاة الرشا وفقراء الزوايا الَّذين يَأْكُلُون من أَمْوَال الظلمَة ويتعبدون بآلات اللَّهْو فَإِنَّهُم فسقة ومعتقدون أَن مزمار الشَّيْطَان قربَة وزنادقة فَلَا يُؤمن على النَّاس بسؤالهم أَن يزْدَاد غضب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على تِلْكَ النَّاحِيَة فَإِذا خرج الإِمَام بهم صلى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الْعِيد ويستغفر فِي الأولى سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا ويجهر بِالْقِرَاءَةِ للْحَدِيث وَيسْتَحب أَن يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِسُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهَا لائقة بِالْحَال وَقَالَ الشَّافِعِي يقْرَأ فيهمَا مَا يقْرَأ فِي الْعِيد ووقتها وَقت الْعِيد قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَذكر الرَّوْيَانِيّ وَآخَرُونَ أَنه يبْقى بعد الزَّوَال مَا لم يصل الْعَصْر وَقَالَ الْمُتَوَلِي لَا يخْتَص بِوَقْت قَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقطع بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَصَححهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهَا لَا تخْتَص بِوَقْت كَمَا لَا تخْتَص بِيَوْم وَالله أعلم قَالَ

(1/153)


(ثمَّ يخْطب بعْدهَا خطبتين ويحول رِدَاءَهُ وَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وَيكثر من الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار)
إِذا فرغ من الصَّلَاة اسْتحبَّ لَهُ أَن يخْطب على شَيْء عَال خطبتين لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(خطب للاستسقاء على مِنْبَر) ويستغفر الله الْكَرِيم فِي افْتِتَاح الأولى تسعا وَالثَّانيَِة سبعا لِأَن الاسْتِغْفَار لَائِق بِالْحَال وليحذر كل الحذر أَن يسْتَغْفر بِلِسَانِهِ وَقَلبه مصر على بَقَائِهِ على الظُّلم والجور وَعدم إِقَامَة الْحُدُود وبقائه على الْغِشّ للرعية فيبوء بغضب من الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّهَا صفة الْيَهُود وَقد ذمهم الله تَعَالَى على ذَلِك وَلِأَنَّهُ نوع استهزاء وَقد صرح الْعلمَاء بِأَن هَذَا الاسْتِغْفَار ذَنْب قد ذكر أَن عمر رَضِي الله عَنهُ لما استسقى لم يزدْ على الاسْتِغْفَار فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا نرَاك اسْتَسْقَيْت فَقَالَ قد طلبت الْغَيْث بِمَجَادِيح السَّمَاء الَّتِي يسْتَنْزل بهَا الْمَطَر ثمَّ قَرَأَ {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} الْآيَات والمجاديح نُجُوم كَانَت الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا تمطر فَأخْبر عمر رَضِي الله عَنهُ أَن المجاديح الَّتِي يستمطر بهَا هُوَ الاسْتِغْفَار لَا النُّجُوم ويحول رداءة كَمَا ذكره الشَّيْخ وَيفْعل النَّاس مثل الْخَطِيب فِي التَّحْوِيل وَفِيه إِشَارَة إِلَى تَحْويل الْحَال من الشدَّة إِلَى الرخَاء وَمن الْعسر إِلَى الْيُسْر وَمن الْغَضَب إِلَى الرأفة وَيرْفَع يَدَيْهِ وَيَدْعُو رَوَاهُ مُسلم ثمَّ يَدْعُو بِدُعَاء رَسُول الله صلى اللخ عَلَيْهِ وَسلم ويبالغ فِي الدُّعَاء سرا وجهراً لقَوْله تَعَالَى {ادعوا ربكُم تضرعا وخفية} فَإِذا أسر دَعَا النَّاس وَإِذا جهر أمنُوا وَمن جملَة الْأَدْعِيَة اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك مَا لَا يشتكي إِلَّا إِلَيْك اللَّهُمَّ انبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنْبت لنا من بَرَكَات الأَرْض اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعرى واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَا لَا يكشفه غَيْرك اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت بِنَا غفارًا فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا وَالله أعلم قَالَ
بَاب صَلَاة الْخَوْف
(فصل وَصَلَاة الْخَوْف على ثَلَاثَة أضْرب
أَحدهَا أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة فيفرقهم الإِمَام فرْقَتَيْن فرقة تقف فِي وَجه الْعَدو وَفرْقَة تقف خَلفه فَيصَلي بالفرقة الَّتِي خَلفه رَكْعَة ثمَّ لنَفسهَا وتمضي إِلَى وَجه الْعَدو

(1/154)


وتجيء الطَّائِفَة الْأُخْرَى وَيُصلي بهَا رَكْعَة ثمَّ تتمّ لنَفسهَا ثمَّ يسلم بهَا)
صَلَاة الْخَوْف مَشْرُوعَة فِي حَقنا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقد صلاهَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده وَلِأَن سَببهَا بَاقٍ فتفعل كالقصر
قَالَ الشَّيْخ وَهِي ثَلَاثَة أضْرب
الأول أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة فيفرقهم الإِمَام كَمَا قَالَ الشَّيْخ فرْقَتَيْن وَفرض الْمَسْأَلَة أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا تمكن مشاهدتنا لَهُم فِي الصَّلَاة وَلم نَأْمَن أَن يكبسونا فِي الصَّلَاة وَأَن يكون فِي الْمُسلمين كَثْرَة بِحَيْثُ تكون كل فرقة تقاوم الْعَدو وَحِينَئِذٍ فتذهب فرقة إِلَى وَجه الْعَدو ويتأخر بفرقة إِلَى حَيْثُ لَا تبلغهم سِهَام الْعَدو فيفتتح بهم الصَّلَاة وَيُصلي بهم رَكْعَة فَإِذا قَامَ إِلَى الثَّانِيَة خرج المقتدون عَن مُتَابَعَته بنية الْمُفَارقَة فَإِن لم ينووا الْمُفَارقَة بطلت صلَاتهم فَإِذا فارقوه أَتموا لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وتشهدوا وسلموا وذهبوا إِلَى وَجه الْعَدو وَجَاءَت الطَّائِفَة الَّتِي فِي وَجه الْعَدو فاقتدوا بِالْإِمَامِ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة ويطيل الإِمَام الْقيام إِلَى لحوقهم فَإِذا لحقوه صلى بهم الثَّانِيَة فَإِذا جلس الإِمَام للتَّشَهُّد قَامُوا وَأَتمُّوا الثَّانِيَة وَالْإِمَام ينتظرهم فِي التَّشَهُّد فَإِذا لحقوه سلم بهم وَهَذِه الصَّلَاة على هَذِه الْكَيْفِيَّة هِيَ الَّتِي فعلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع وَذَات الرّقاع مَوضِع بِنَجْد وَسميت الْوَقْعَة بذلك لَان الْوَقْعَة كَانَت عِنْد شَجَرَة تسمى بذلك وَقيل لأَنهم لفوا على بواطن أَقْدَامهم الْخرق لِأَنَّهَا كَانَت قد تمزقت وَهَذَا أصح لِأَنَّهُ ثَبت فِي الصَّحِيح وَقيل غير ذَلِك قَالَ
(الثَّانِي أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة فيصفهم الإِمَام صفّين وَيحرم بِهِ فَإِذا سجد سجد مَعَه أحد الصفين ووقف الصَّفّ يحرسهم فَإِذا رفع سجدوا ولحقوه)
هَذَا هُوَ الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة فيرتب الإِمَام النَّاس صفّين وَيحرم بِالْجمعِ فيصلون مَعَه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الِاعْتِدَال عَن رُكُوع الرَّكْعَة الأولى فَإِذا سجد سجد مَعَه أحج الصفين إِمَّا الأول أَو الثَّانِي هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَلَا يتَعَيَّن صف للحراسة فَإِذا قَامَ الإِمَام وَمن مَعَه إِلَى الثَّانِيَة سجد الصَّفّ الآخر ولحقوه وَقَرَأَ بِالْجَمِيعِ وَركع بِالْجَمِيعِ فَإِذا اعتدل

(1/155)


حرس الصَّفّ الَّذِي سجد فِي الأولى وَسجد الصَّفّ الآخر فَإِذا رفعوا رؤوسهم يسْجد الصَّفّ الحارس وَهَذِه صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان كَمَا رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيره وَإِن كَانَ فِي رِوَايَة مُسلم أَن الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ هُوَ الَّذِي يسْجد أَولا وَقَامَ الصَّفّ الآخر فِي نحر الْعَدو وَقَالَ الْأَصْحَاب ولهذه الصَّلَاة ثَلَاثَة شُرُوط أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وَأَن يكون على جبل أَو مستو من الأَرْض لَا يسترهم شَيْء عَن أبصار الْمُسلمين وَأَن يكون فِي الْمُسلمين كَثْرَة تسْجد طَائِفَة وتحرس أُخْرَى وَاعْلَم أَنه لَو رتبهم صُفُوفا جَازَ وَكَذَا لَو حرس بعض صف وَالله أعلم قَالَ الْحَال
(الثَّالِث أَن يَكُونُوا فِي شدَّة الْخَوْف والتحام الْحَرْب فَيصَلي كَيفَ أمكنه رَاجِلا أَو رَاكِبًا مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَغير مُسْتَقْبل لَهَا)
الضَّرْب الثَّالِث صَلَاة شدَّة الْخَوْف فَإِذا اشْتَدَّ الْخَوْف وَلم يُمكن قسْمَة الْقَوْم لِكَثْرَة الْعَدو وَنَحْو ذَلِك والتحم الْقِتَال فَلم يقدروا على النُّزُول حَيْثُ كَانُوا ركباناً وَلَا على الانحراف إِن كَانُوا رجالة صلوا رجَالًا أَو ركباناً إِلَى الْقبْلَة وَإِلَى غَيرهَا قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها وَكَذَا رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع مولى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا ذكره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَاوَرْدِيّ رَوَاهُ الشَّافِعِي بِسَنَدِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَصْحَاب يصلونَ بِحَسب الْإِمْكَان وَلَيْسَ لَهُم تَأْخِير الصَّلَاة عَن الْوَقْت وَإِذا صلوها على هَذِه الْكَيْفِيَّة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِم وَلِهَذَا تَتِمَّة مرت فِي فصل الِاسْتِقْبَال وَالله أعلم قَالَ
بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره
(فصل وَيحرم على الرِّجَال لبس الْحَرِير والتختم بِالذَّهَب وَيحل للنِّسَاء ويسير الذَّهَب وَكَثِيره سَوَاء)
يحرم على الرِّجَال لبس الْحَرِير وَكَذَا التغطية بِهِ والاستناد إِلَيْهِ وافتراشه والتدثر بِهِ وَكَذَا اتِّخَاذه بطانة وستراً وَسَائِر وُجُوه الِاسْتِعْمَال وَحجَّة ذَلِك نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَفِي رِوَايَة
(نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير والديباج وَأَن نجلس عَلَيْهِ) وَعلة النَّهْي أَن فِيهِ خُيَلَاء وخنوثة

(1/156)


لَا تلِيق بشهامة الرِّجَال وَلِهَذَا لَا يلْبسهُ إِلَّا الأرذال الَّذين يتشبهون بِالنسَاء الملعونون على لِسَان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحل لبسه للنِّسَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أحل الذَّهَب وَالْحَرِير لإناث أمتِي وَحرم على ذكورها) وَفِيه لَطِيفَة شَرْعِيَّة وَهُوَ أَن لبسه يمِيل الطَّبْع إِلَى وَطْء النِّسَاء فَيُؤَدِّي إِلَى مَا طلبه سيد الْأَوَّلين والآخرين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ كَثْرَة النَّسْل وَهل يحرم على النِّسَاء افتراش الْحَرِير فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا عِنْد الرَّافِعِيّ يحرم لما فِيهِ من السَّرف وَالْخُيَلَاء أَلا ترى أَنه يجوز لَهُنَّ لبس الذَّهَب دون الْأكل فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلِأَن الْمَعْنى الَّذِي ذكرنَا فِي اللّبْس بِتَمَامِهِ مَفْقُود فِي الافتراش وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ الْجَوَاز وَقَوله يحرم على الرِّجَال يُؤْخَذ مِنْهُ أَن لَا يحرم على الصّبيان حَتَّى أَنه يجوز لوَلِيّ الصَّبِي أَن يلْبسهُ وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير بِشَرْط أَن يكون دون سبع سِنِين وَالصَّحِيح فِي الْمُحَرر وَعند النَّوَوِيّ الْجَوَاز مُطلقًا وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخ وَقَول الشَّيْخ ويسير الذَّهَب وَكَثِيره سَوَاء يَعْنِي فِي التَّحْرِيم وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا تلبسوا الْحَرِير والديباج وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلكم فِي الْآخِرَة) لهَذَا تَتِمَّة مهمة مرت فِي أول الْكتاب وَالله أعلم قَالَ
(وَإِذا كَانَ بعض الثَّوْب إبْريسَمًا وَبَعضه قطنا أَو كتانا جَازَ لبسه مَا لم يكن الابريسم غَالِبا)
حرم مَا حرم اسْتِعْمَاله من الْحَرِير الصّرْف وَإِذا ركب مَعَ غَيره مِمَّا يُبَاح اسْتِعْمَاله كالكتان وَغَيره مَا حكمه ينظر إِن كَانَ الْأَغْلَب الْحَرِير حرم وَإِن كَانَ الْأَغْلَب غَيره حل تَغْلِيبًا لجَانب الْأَكْثَر إِذْ الْكَثْرَة من أَسبَاب التَّرْجِيح فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ الْأَصَح الْحل لِأَنَّهُ لَا يُسمى ثوب حَرِير وَالْأَصْل فِي الْمَنَافِع الْإِبَاحَة وَقيل يحرم تَغْلِيبًا لجَانب التَّحْرِيم وَهُوَ الْقيَاس لِأَن الْقَاعِدَة التَّحْرِيم عِنْد اجْتِمَاع الْحَلَال وَالْحرَام وَالصَّحِيح أَن الِاعْتِبَار بِالْوَزْنِ فِي الْكَثْرَة والقلة وَقيل الِاعْتِبَار بالظهور وَهُوَ قوي لوُجُود الْمَعْنى من الْخُيَلَاء وميل النَّفس وَاعْلَم أَنه يحل الثَّوْب الْمُطَرز والمطرف الَّذِي جعل طرفه حَرِيرًا كالطوق والفرج ورؤوس الأكمام والذيل ظَاهرا كَانَ التطريف أَو بَاطِنا وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا مَا ورد عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير إِلَّا فِي مَوضِع أصْبع أَو أصبعين أَو ثَلَاث أَو أَربع وَهَذَا فِي التطريف والتطريز بالحرير

(1/157)


أما الذَّهَب فَإِنَّهُ حرَام لشدَّة السَّرف وَقد صرح بذلك الْبَغَوِيّ وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهَا فَإِن كثيرا من الأرذال من أَبنَاء الدُّنْيَا يدْفع إِلَيْهِ فِي وَقت الْوضُوء أَو الْحمام شَمله أَو منشفة مطرفة بِالذَّهَب فيستعملها وَرُبمَا جَاءَ إِلَى الْمَسْجِد ووضعها تَحت جَبهته فِي وَقت الصَّلَاة قَالَ الله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} قَالَ بعض الْعلمَاء الْفِتْنَة الْكفْر عَافَانَا الله تَعَالَى من ذَلِك وَالله أعلم قَالَ

(1/158)