كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب الْجِنَايَات
بَاب أَنْوَاع الْقَتْل
(الْقَتْل على ثَلَاثَة أضْرب عمد مَحْض وَخطأ مَحْض وَعمد خطأ فالعمد الْمَحْض أَن يعمد إِلَى ضربه بِمَا يقتل غَالِبا فيقصد قَتله بذلك فَيجب الْقود)
الْجِنَايَات جمع جِنَايَة وَالْجِنَايَة مصدر والمصدر لَا يثنى وَلَا يجمع إِلَّا إِذا قصد التنويع وَالْجِنَايَة كَذَلِك لتنوعها إِلَى عمد وَخطأ وَعمد خطأ كَمَا ذكره الشَّيْخ فالعمد الْمَحْض أَن يقْصد الْفِعْل والشخص الْمعِين بِشَيْء يقتل غَالِبا فقولنا أَن يقْصد الْفِعْل احْتِرَازًا عَمَّا إِذا لم يقْصد الْفِعْل كَمَا إِذا زلق فَسقط على غَيره فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يجب الْقصاص وَقَوْلنَا أَن يقْصد الشَّخْص الْمعِين احْتِرَازًا عَمَّا إِذا لم يقْصد شخصا معينا كَمَا إِذا رمى إِلَى جمَاعَة وَلم يقْصد وَاحِدًا بِعَيْنِه فَإِنَّهُ لَا يجب الْقصاص على الرَّاجِح وَقَوْلنَا بِشَيْء يقتل غَالِبا أَعم من أَن يكون بِآلَة أَو غَيرهَا والآلة أَعم من أَن تكون محددة أَو مثقل فالآلة المحددة كالسكين وَمَا فِي مَعْنَاهَا والمثقلة كالدبوس وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا لَو حرقه أَو غرقه أَو صلبه أَو هدم عَلَيْهِ حَائِطا أَو سقفاً أَو داسه بِدَابَّة أَو دَفنه حَيا أَو عصر خصيتيه عصراً شَدِيدا فَمَاتَ وَجب الْقصاص وَغير الْآلَة أَنْوَاع مِنْهَا لَو حَبسه وَمنعه من الطَّعَام وَالشرَاب والطلب حَتَّى مَاتَ وَجب الْقصاص وَلَو حَبسه وعراه حَتَّى مَاتَ بالبرد فَهُوَ كَمَا لَو حَبسه وَمنعه الْأكل ذكره القَاضِي حُسَيْن بِخِلَاف مَا لَو أَخذ طَعَامه وَشَرَابه أَو ثِيَابه فِي مفازة فَمَاتَ جوعا أَو عطشاً أَو بردا فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ لم يحدث فِيهِ صنعا وَمِنْهَا إِذا شهدُوا على رجل بِمَا يُوجب قَتله قصاصا أَو ردة أَو زنا وَهُوَ مُحصن فَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِم وَقَتله بمقتضاها ثمَّ رجعُوا وَقَالُوا تعمدنا وَعلمنَا أَنه يقتل بشهادتنا لَزِمَهُم الْقصاص وَكَذَا لَو شهدُوا بِمَا يُوجب الْقطع سَوَاء كَانَ قصاصا أَو سَرقَة يجب عَلَيْهِم الْقطع وَمِنْهَا أَن يقدم إِلَى الشَّخْص طَعَاما مسموما فَأكل وَمَات وَجب الْقصاص إِن كَانَ مَجْنُونا أَو صَبيا وَكَذَا حكم الأعجمي الَّذِي يعْتَقد أَنه لَا بُد من الطَّاعَة فِي كل مَا يشار عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ وَالْحَالة هَذِه بِمَنْزِلَة الصَّغِير وَالْمَجْنُون وَإِن كَانَ الْمُقدم إِلَيْهِ بَالغا عَاقِلا فَإِن علم حَال الطَّعَام فَلَا شَيْء على الْمُقدم والآكل هُوَ الْقَاتِل نَفسه وَإِلَّا فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ جاريان فِيمَا لَو غطى رَأس بِئْر فِي دهليز وَدعَاهُ إِلَى

(1/451)


دَاره ضيفاً وَكَانَ الْغَالِب أَنه يمر على ذَلِك الْموضع فَهَلَك بالبئر وَالْأَظْهَر لَا قصاص وَإِذا كَانَ لَا قصاص وَجَبت الدِّيَة على الْأَظْهر فَإِن هَذَا أقوى من حفر الْبِئْر وَقيل لَا تجب الدِّيَة تَغْلِيبًا للمباشرة وَمِنْهَا لَو سحر رجلا فَمَاتَ سألناه فَإِن قَالَ قتلته بسحري وسحري يقتل غَالِبا لزمَه الْقصاص
إِذا عرفت هَذَا فَقتل النَّفس بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر وَكَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَالله أعلم الْآيَات وَالْأَخْبَار فِي التحذير مِنْهُ كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الْآيَة فَانْظُر إِلَى جَزَاء من قتل بِغَيْر حق جعل جزاءه جَهَنَّم مَعَ الخلود وَالْغَضَب والبعد وَالْعَذَاب الْمَوْصُوف بالعظمة عَافَانَا الله من ذَلِك وَفِي صَحِيح مُسلم لَا يحل قتل امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِيمَان وزنا بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر حق ظلما وعدواناً وَفِي الْخَبَر لقتل مُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أعَان على قتل مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة لَقِي الله وَهُوَ مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله هَذَا كُله فِي الْعمد وَقد ذكره الشَّيْخ بقوله أَن يعمد إِلَى ضربه وَهُوَ قصد الْفِعْل إِلَى الشَّخْص وَالْهَاء فِي ضربه عَائِد إِلَيْهِ وَقَوله بِمَا يقتل غَالِبا مَا بِمَعْنى شَيْء وَهُوَ أَعم من الْآلَة وَغَيرهَا كالسبب كَمَا مر وَقَوله غَالِبا احْتَرز بِهِ عَمَّا لَا يقتل غَالِبا وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله فيقصد قَتله هَذِه الزِّيَادَة طَريقَة ضَعِيفَة شَرطهَا بعض الْأَصْحَاب وَالصَّحِيح أَن قصد الْقَتْل غير شَرط لوُجُوب الْقصاص بل الْحَد الْمُعْتَبر قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا وَالله أعلم قَالَ
(فَإِن عَفا عَنهُ وَجَبت دِيَة مُغَلّظَة حَالَة فِي مَال الْقَاتِل)
مُسْتَحقّ الْقود وَهُوَ الْقصاص بِالْخِيَارِ بَين أَن يقْتَصّ وَبَين أَن يعْفُو لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَنْتُم معشر خُزَاعَة قد قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَأَنا وَالله عاقله فَمن قتل بعده قَتِيلا فأهله بَين خيرتين إِن أَحبُّوا قتلوا وَإِن أَحبُّوا أخذُوا الدِّيَة وَقَوله من قتل قَتِيلا إِلَى آخِره أخرجه البُخَارِيّ وَوجه الدّلَالَة

(1/452)


أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْوَرَثَة بَين الدِّيَة وَالْقَتْل فَإِن اقْتصّ الْمُسْتَحق فَلَا كَلَام وَإِن عَفا على الدِّيَة وَجَبت فَتجب بقتل الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل عمدا تغلظت من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنَّهَا تجب على الْجَانِي وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب حَالَة بِلَا تَأْجِيل
وَالثَّالِث أَنَّهَا تتغلط بِالسِّنِّ والتثليث فَتجب ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعَة خلفة والخلفة الْحَامِل وَسَوَاء كَانَ الْعمد مُوجبا للْقصَاص فَعَفَا على الدِّيَة كَمَا ذكره الشَّيْخ أم لم يُوجب الْعمد الْقود كَقَتل الْوَالِد وَلَده وَاحْتج لما ذَكرْنَاهُ بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل مُتَعَمدا دفع إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فَإِن شاؤوا قتلوا وَإِن شَاءُوا أخذُوا الدِّيَة وَهِي ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة وَمَا صَالحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُم وَذَلِكَ لتشديد الْقَتْل قَالَ
(وَالْخَطَأ الْمَحْض هُوَ أَن يَرْمِي إِلَى شَيْء فَيُصِيب رجلا فيقتله وَلَا قَود عَلَيْهِ بل تجب دِيَة مُخَفّفَة على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة ثَلَاث سِنِين)
قد علمت أَن الْجِنَايَة على ثَلَاثَة أضْرب وَقد تقدم الْكَلَام على الْعمد وَالْكَلَام الْآن على الْخَطَأ وَله تفسيران
أَحدهمَا مَا ذكره الشَّيْخ أَن يَرْمِي إِلَى شَيْء سَوَاء كَانَ صيدا أَو رجلا أَو غَيرهمَا فَيُصِيب رجلا وَهَذَا مَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب وَالْقَاضِي حُسَيْن وَقَالَ غَيرهمَا إِن الْخَطَأ هُوَ مالم يقْصد فِيهِ الْفِعْل كمن زلق فَوَقع على غَيره فَمَاتَ أَو تولد الْهَلَاك من يَد المرتعش ثمَّ الْخَطَأ لَا قصاص فِيهِ لقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} أوجب الله الدِّيَة وَلم يتَعَرَّض للْقصَاص وَفِي الْخَبَر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتب إِلَى أهل الْيمن إِن فِي دِيَة النَّفس مائَة من الْإِبِل ثمَّ الدِّيَة فِي الْخَطَأ تخفف إِلَى ثَلَاثَة أوجه

(1/453)


أَحدهَا بإعتبار التخميس فَتجب عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة قَالَ الرَّافِعِيّ وَاحْتج الْأَصْحَاب بِمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل وفصلها على مَا ذكرنَا وَقَوله وفصلها أَي ابْن مَسْعُود وَلِهَذَا روى بَعضهم أَن ابْن مَسْعُود رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْلَم أَن جُمْهُور الصَّحَابَة على تخميسها قَالَ سُلَيْمَان بن يسَار كَانُوا يَقُولُونَ دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل وَذكر مَا ذَكرْنَاهُ وَسليمَان تَابِعِيّ فَدلَّ على أَنه إِجْمَاع من الصَّحَابَة
الْوَجْه الثَّانِي كَونهَا على الْعَاقِلَة فَإِذا جنى الْحر على نفس حر آخر خطأ أَو عمد خطأ وَجَبت الدِّيَة على عَاقِلَة الْجَانِي وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل اقتتلتا فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر وَيرى بعمود فسطاط فقتلهتها وأسقطت جَنِينهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على عَاقِلَة القاتلة وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة وَهَذِه صُورَة شبه الْعمد وَإِذا جرى التَّحَمُّل فَيُشبه الْعمد فَفِي بدل الْخَطَأ أولى قَالَ الْعلمَاء وتغريم غير الْجَانِي خَارج عَن الأقيسة الظَّاهِرَة إِلَّا أَن الْقَبَائِل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يقومُونَ بنصرة من جنى مِنْهُم وَيمْنَعُونَ أَوْلِيَاء الْقَتِيل من أَن يدركوا بثأرهم ويأخذوا من الْجَانِي حَقهم فَجعل الشَّارِع بدل تِلْكَ النُّصْرَة بذل المَال وخصص الْعَاقِلَة بهما لِأَن الْخَطَأ وَشبه الْعمد مِمَّا يكثر فحسنت إِعَانَة الْقَاتِل لِئَلَّا يفْتَقر بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَعْذُور فِيهِ بِخِلَاف الْعمد إِذْ لَا عذر لَهُ فَلَا يَلِيق بِهِ الرِّفْق وأجلت على الْعَاقِلَة لِئَلَّا يشق عَلَيْهِم الْأَدَاء وَادّعى الإِمَام الاجماع على تحمل الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ وَشبه الْعمد وَقيل لَا تحمل الْعَاقِلَة دِيَة شبه الْعمد وَالْمذهب الأول لوُرُود النَّص فِيهِ وَالله أعلم
الْوَجْه الثَّالِث كَون الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قَالَ الشَّافِعِي وَلم أعلم مُخَالفا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن ورد النَّص بذلك كَمَا ذكره الشَّافِعِي فَلَا كَلَام وَإِلَّا فقد ضربهَا عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس كَذَلِك وَلم يُنكر عَلَيْهِم فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلَا يَقُولُونَ ذَلِك إِلَّا توقيفاً فَإِن قلت قَالَ ابْن الْمُنْذر وَمَا ذكره الشَّافِعِي لَا نعلم لَهُ أصلا من كتاب الله وَلَا سنة وَقَالَ الإِمَام أَحْمد لما سُئِلَ عَن ذَلِك قَالَ لَا أعرف فِيهِ شَيْئا فَالْجَوَاب أَن من عرف حجَّة على من لَا يعرف وَكَيف يرد قَول الشَّافِعِي بذلك وَهُوَ أعلم الْقَوْم بالأخبار والتاريخ بِمثل ذَلِك وَالله أعلم قَالَ

(1/454)


(وَعمد الْخَطَأ أَن يقْصد ضربه بِمَا لَا يقتل غَالِبا فَيَمُوت فَلَا قَود عَلَيْهِ بل تجب دِيَة مُغَلّظَة على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة)
قد مر ذكر الْعمد وَالْخَطَأ وَبَقِي شبه الْعمد وَهُوَ أَن يقْصد الْفِعْل والشخص مَعًا بِمَا لَا يقتل غَالِبا كَمَا إِذا ضربه بِسَوْط أَو عَصا ضَرْبَة خَفِيفَة أَو رَمَاه بِحجر صَغِير وَلم يوال بِهِ الضَّرْب وَلم يشْتَد الْأَلَم بِسَبَب ذَلِك وَلم يكن وَقت حر وَلَا برد شديدين أَو لم يكن الْمَضْرُوب ضَعِيفا أَو صَغِيرا فَهُوَ شبه عمد وَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك وَجب الْقصاص لِأَنَّهُ قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا وَلَو ضربه الْيَوْم ضَرْبَة وَغدا ضَرْبَة وَهَكَذَا فرق الضربات حَتَّى مَاتَ فَوَجْهَانِ لِأَن الْغَالِب السَّلامَة عِنْد تَفْرِيق الضَّرْب قَالَ المَسْعُودِيّ وَلَو ضربه ضَرْبَة وَقصد أَن لَا يزِيد عَلَيْهَا فشتمه فَضَربهُ ثَانِيَة ثمَّ شَتمه فَضَربهُ ثَالِثَة حَتَّى قَتله فَلَا قصاص لعدم الْمُوَالَاة قَالَ الرَّافِعِيّ وَيَنْبَغِي أَن لَا ينظر إِلَى صُورَة الْمُوَالَاة وَلَا إِلَى قدر مُدَّة التَّفْرِيق بل يعْتَبر أثر الضَّرْبَة السَّابِقَة والألم الْحَاصِل بهَا فَإِن تَيَقّن ثمَّ ضربه أُخْرَى فَهُوَ كَمَا لَو والى وَلَو طبق كَفه ولكمه فَهُوَ كالضرب بالعصا الْخَفِيفَة فيفصل وَقَول الشَّيْخ فَلَا قَود عَلَيْهِ بل تجب دِيَة مُغَلّظَة دَلِيله حَدِيث الْمَرْأَتَيْنِ من هُذَيْل وَقَوله مُغَلّظَة يَعْنِي من وَجه وَقَوله على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة يَعْنِي مُخَفّفَة من وَجْهَيْن لِأَن جِنَايَة الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة وُجُوه كَونهَا على الْعَاقِلَة ومؤجلة ومخمسة وَجِنَايَة الْعمد مُغَلّظَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا على الجانس حَالَة مُثَلّثَة وَجِنَايَة شبه الْعمد تنْزع إِلَى الْعمد من وَجه كَونهَا فِيهَا قصد الْفِعْل والشخص وتنزع إِلَى الْخَطَأ يكون الْآلَة لَا تقتل غَالِبا فَلهَذَا خففت بِكَوْنِهَا على الْعَاقِلَة وبالتأجيل وغلظت بِكَوْنِهَا مُثَلّثَة وَالله أعلم قَالَ
(وشرائط وجوب الْقصاص أَرْبَعَة أَن يكون الْقَاتِل بَالغا عَاقِلا وَألا يكون والدا للمقتول وَألا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِكفْر أَو رق)
لما ذكر الشَّيْخ رَحمَه الله الْجِنَايَة ونوعها بِاعْتِبَار مَا يجب فِيهَا الْقصاص وَمَا لَا يجب شرع الْآن فِي ذكر من يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَمن لَا يجب وَلَا شكّ أَن الْقصاص هُوَ الْمُمَاثلَة كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَهُوَ مَأْخُوذ من اقتصاص الْأَثر وَهُوَ تتبعه لِأَن تتبع الْجِنَايَة فَيَأْخُذ مثلهَا والمثلية تعْتَبر فِي الْجِنَايَة وكما تعْتَبر فِي الْجِنَايَة كَذَلِك تعْتَبر الْمُسَاوَاة بَين الْقَتِيل وَالْقَاتِل وَلَيْسَ المُرَاد الْمُسَاوَاة فِي كل خصْلَة لِأَن بعض الْخِصَال لم يَعْتَبِرهَا الشَّارِع قطعا كنضو الْخلقَة مَعَ كَبِير الضخامة وَنَحْو ذَلِك كالقوة والضعف وَغَيرهمَا ومدار ذَلِك على صِفَات تذكر فَمَتَى فضل الْقَاتِل على الْمَقْتُول بخصلة

(1/455)


مِنْهَا فَلَا قَود فَمِنْهَا الْإِسْلَام وَالْحريَّة والولادة فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا حر بِعَبْد وَلَا وَالِد بِولد وَلنَا عودة إِلَى ذَلِك وَيشْتَرط مَعَ ذَلِك كَون الْقَاتِل مُكَلّفا فَلَا يجب الْقصاص على صبي وَلَا مَجْنُون لِأَنَّهُ الْقَلَم مَرْفُوع عَنْهُمَا كَمَا مر فِي الْخَبَر فَلَا يجب عَلَيْهِمَا كَمَا لَا قصاص على النَّائِم فِيمَا إِذا انْقَلب على إِنْسَان فَقتله وَلَا على الْبَهِيمَة لعدم التَّكْلِيف وَلِأَن الْقصاص عُقُوبَة فَلَا يجب عَلَيْهِمَا كالحد نعم من زَالَ عقله بِمحرم كَالسَّكْرَانِ وَمن تعدى بِشرب دَوَاء مزيل الْعقل هَل يجب عَلَيْهِ الْقصاص قيل لَا كمعتوه والمذب الْقطع بِوُجُوب الْقصاص لتعديه بِفعل مَا يحرم عَلَيْهِ كَمَا نوقع عَلَيْهِ الطَّلَاق وَغَيره من المؤاخذات ولأنا لَو لم نوجب الْقصاص بذلك لَأَدَّى إِلَى تَركه بذلك فَإِن من رام قتل شخص لَا يعجز أَن يسكر حَتَّى لَا يقْتَصّ مِنْهُ فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى سفك الدِّمَاء وَالله أعلم
(فرع) لَو قَالَ الْقَائِل كنت يَوْم الْقَتْل صَغِيرا صدق بِيَمِينِهِ بِشَرْط إِمْكَان مَا يَدعِيهِ وَلَو قَالَ أَنا الْآن صَغِير صدق بِلَا يَمِين على الْأَصَح وَلَو قَالَ كنت مَجْنُونا عِنْد الْقَتْل وعهد لَهُ جُنُون صدق على الْأَصَح وَقيل يصدق الْوَارِث لِأَن الأَصْل السَّلامَة وَالله أعلم وَيشْتَرط أَن لَا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِصفة الْكفْر فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر حَرْبِيّا كَانَ الْمَقْتُول أَو ذِمِّيا أَو معاهداً لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَالله أعلم وَيشْتَرط فِي وجوب الْقصاص أَيْضا أَن لَا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِصفة الرّقّ فَلَا يقتل حر بِعَبْد قِنَا كَانَ أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو أم ولد لقَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} فَظَاهره عدم قتل حر بِعَبْد وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ من السّنة أَلا يقتل حر بِعَبْد وَلِأَنَّهُ لَا يقطع طرفه بطرفه فَأولى أَلا يقتل بِهِ وَالله أعلم
(فرع) قتل الْحر الْمُسلم شخضا لَا يعلم أَنه مُسلم أَو كَافِر أَو لَا يعلم أَنه حر أَو عبد فَلَا قصاص للشُّبْهَة ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر وَالله أعلم وَيشْتَرط فِي وجوب الْقصاص أَلا يكون الْقَاتِل أَبَا أَو جدا وَإِن علا وَإِن نزل الْمَقْتُول لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة وَقعت لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يُقَاد الْأَب من ابْنه لقتلتك هَلُمَّ دِيَته فَأَتَاهُ بهَا فَدَفعهَا إِلَى ورثته وَلِأَن الْوَالِد سَبَب وجوده فَلَا يحسن أَن يصير الْوَلَد سَببا فِي إعدامه وَقيل يقْتَصّ من الأجداد

(1/456)


والجدات وَالصَّحِيح الأول وَالله أعلم
(فرع) لَو حكم قَاض بقتل الْوَالِد لقتل الْوَلَد قَالَ ابْن كج ينْقض حكمه وَالله أعلم
(فرع) قتل مُسلم مُرْتَدا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَلَو قتل زَانيا مُحصنا فَالْأَصَحّ الْمَنْصُوص وَبِه قطع المراوزة أَنه لَا قصاص وَظَاهر كَلَام الرَّافِعِيّ أَنه لَا فرق فِي عدم وجوب الْقصاص بَين أَن يثبت زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَو بالاقرار وَقد ذكره كَذَلِك فِي حد الزِّنَا وَفِي الْأَطْعِمَة وَتَبعهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك لكنه صحّح فِي تَصْحِيح التَّنْبِيه وجوب الْقصاص إِذا ثَبت بِالْإِقْرَارِ وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو قتل مُحَاربًا هَل فِي قصاص أم لَا وَالله أعلم قَالَ
(وَتقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ)
إِذا اشْترك جمَاعَة فِي قتل وَاحِد قتلوا بِهِ بِشَرْط أَن يكون فعل كل وَاحِد لَو انْفَرد لقتل لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} يَعْنِي الْقصاص وَقتل عمر رَضِي الله عَنهُ سَبْعَة أَو خَمْسَة من أهل صنعاء الْيمن بِوَاحِد وَقَالَ لَو توالى عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم بِهِ وَقتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثَة بِوَاحِد وَقتل الْمُغيرَة سَبْعَة بِوَاحِد وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ وَلَو كَانُوا مائَة وَلم يُنكر عَلَيْهِم أحد فَكَانَ ذَلِك اجماعاً وَأَيْضًا فالتشفي لَا يحصل إِلَّا بقتل الْكل وَكَذَا الزّجر وَإِذا آل الْأَمر إِلَى المَال فَهَل يلْزمهُم على عدد الضربات أم بِالسَّوِيَّةِ الرَّاجِح الثَّانِي لِأَن الْجراحَة الْوَاحِدَة قد يكون لَهَا نكاية مَا لَا يكون للجراحات ثمَّ كَيفَ الِاسْتِحْقَاق قَالَ الْجُمْهُور يسْتَحق روح كل وَاحِد غذ الرّوح لَا يتَجَزَّأ وَلَو اسْتحق بَعْضهَا لم يقتل وَقَالَ الْحَلِيمِيّ إِذا كَانُوا عشرَة مثلا لم يسْتَحق إِلَّا عشر روح كل وَاحِد بِدَلِيل أَنه لَو آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة لم يلْزمه إِلَى عشرهَا غير أَنه لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْعشْر إِلَّا بِالْكُلِّ فاستوفى لتعذر وَصَارَ هَذَا بِمَثَابَة مَا إِذا أَدخل الْغَاصِب الْمَغْصُوب فِي مَكَان ضيق واحتيج فِي رده إِلَى قلع الْبَاب وَهدم الْجِدَار ورد الإِمَام ذَلِك بِأَنَّهُ لَو قطع يَد غَيره من نصف الساعد لَا يجْرِي الْقصاص فِيهِ خوفًا من اسْتِيفَاء الزِّيَادَة على الْجِنَايَة بِجُزْء يسير فَكيف يريق تِسْعَة أعشار الدَّم بَال اسْتِحْقَاق لِاسْتِيفَاء عشر وَاحِد وَاعْتِبَار الْقصاص بِالدِّيَةِ مَمْنُوع أَلا ترى أَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ وَإِذا آل الْأَمر إِلَى المَال لم يلْزمه إِلَّا نصف دِيَة نَفسه وَلَو ضربه كل وَاحِد بِسَوْط أَو بعصا خَفِيفَة فَمَاتَ فَفِي

(1/457)


وجوب الْقصاص عَلَيْهِم أوجه أَصَحهَا ثَالِثهَا وَبِه قطع الْبَغَوِيّ وَشَيْخه القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا صدر ذَلِك عَن تواطئ مِنْهُم لَزِمَهُم الْقصاص وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس
(وكل شَخْصَيْنِ جرى الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس يجْرِي بَينهمَا فِي الْأَطْرَاف وشرائط وجوب الْقصاص فِي الْأَطْرَاف بعد الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة اثْنَان الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم الْخَاص الْيُمْنَى باليمنى واليسرى باليسرى وَأَن لَا يكون بِأحد الطَّرفَيْنِ شلل)
قد علمت أَن الْقصاص هُوَ الْمُمَاثلَة وكما تعْتَبر فِي الفس كَذَلِك تعْتَبر فِي الْأَطْرَاف لِأَن الاعتداء بِهِ يُقَابل بِمثلِهِ فَمن لَا يقتل بشخص لَا يقطع طرفه بطرفه لانتقاء الْمُمَاثلَة المرعية شرعا وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يُقَابل طرفع بِغَيْر جنسه كَالْيَدِ بِالرجلِ وَنَحْوه وكما لَا يُقَابل الْعُضْو بِغَيْر جنسه كَذَلِك لَا يُقَابل عِنْد اخْتِلَاف الْمحل فَلَا تقطع الْيُمْنَى باليسرى وَبِالْعَكْسِ وَكَذَا بَقِيَّة الْأَعْضَاء فَلَا تُؤْخَذ الْعين الْيُمْنَى باليسرى وَبِالْعَكْسِ وَلَا السُّفْلى بالعليا من الشفتين وَبِالْعَكْسِ كَمَا لَا يُؤْخَذ خنصر بإبهام وَلَا أُنْمُلَة بِأُخْرَى لاخْتِلَاف مَحلهمَا ومنافعهما كَمَا لَا يُؤْخَذ أنف بِعَين وكما يُؤثر اخْتِلَاف الْمحل فِي منع الْقصاص لعدم الْمُمَاثلَة كَذَلِك يُؤثر تفَاوت الصِّفَات الْمُعْتَبرَة فَلَا تُؤْخَذ الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء وَإِن رَضِي لِأَن الشلاء مسلوبة الْمَنْفَعَة فَلَا تُؤْخَذ بهَا كَامِلَة مَا لَا تُؤْخَذ الْعين البصيرة بالعمياء بِخِلَاف الْأذن الشلاء حَيْثُ تُؤْخَذ بهَا الصَّحِيحَة على الرَّاجِح لِأَن مَنْفَعَتهَا من جمع الصَّوْت وَدفع الْهَوَام بَاقِيَة وَلِأَن الشلل موت كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فَلَا يقْتَصّ من حَيّ بحز رَقَبَة ميت وكما لَا تقطع الصَّحِيحَة بالشلاء كَذَلِك لَا تقطع الصَّحِيحَة بيد فِيهَا أصْبع شلاء نعم لَهُ لقط الْأَصَابِع الصَّحِيحَة وَأخذ الْأَرْش عَن الأشل وَهل تجب حُكُومَة جَمِيع الْكَفّ أَو حُكُومَة مَا قَابل الْأَصَابِع الصَّحِيحَة الَّتِي اقْتصّ مِنْهَا وَتسقط حُكُومَة الأشل الَّذِي أَخذ حكومته وَجْهَان جزم الْعِرَاقِيُّونَ بِالثَّانِي وَصحح ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة الأول وَبِه جزم القَاضِي حُسَيْن
وَاعْلَم أَنه إِذا اتَّحد الْجِنْس وَالْمحل وَالْمَنْفَعَة فَلَا اعْتِبَار بالتفاوت فِي الصغر وَالْكبر والطول وَالْقصر وَالْقُوَّة والضعف والضخامة والنحافة كَمَا لَا يعْتَبر مماثلة النَّفس فِي هَذِه الْأُمُور وَلِهَذَا تقطع يَد الصَّانِع بالأخرق كَمَا يقتل الْعَالم بالجاهل وَالله أعلم قَالَ
(وكل عُضْو أَخذ من مفصل فَفِيهِ الْقصاص وَلَا قصاص فِي الْجراح إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة)
لَا شكّ فِي جَرَيَان الْقصاص فِي الْجِرَاحَات فِي الْجُمْلَة قَالَ الله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}

(1/458)


ثمَّ الْجراحَة تَارَة تحصل مَعهَا إبانة وَتارَة لَا تحصل فَإِن حصل مَعهَا إنابة فَتَارَة تكون الْإِبَانَة من مفصل وَتارَة لَا تكون فَإِن لم تكن من مفصل فَلَا قصاص لعدم الوثوق بالمماثلة كَمَا لَو قطع يَده من نصف الْكَفّ فَلَا قصاص فِي الْكَفّ وَله الْتِقَاط الْأَصَابِع وَله حُكُومَة نصف الْكَفّ على الْأَصَح وَلَو قطع من نصف الساعد قطع من الْكُوع وَأخذ حُكُومَة نصف الساعد فَلَو عَفا فَلهُ دِيَة الْكَفّ وحكومة نصف الساعد وَكَذَا لَا قصاص فِي كسر الْعِظَام لعدم الوثوق بالمماثلة وَإِن كَانَت الْإِبَانَة من مفصل وَجب الْقصاص بِشَرْط إِمْكَان الْمُمَاثلَة وَأمن اسْتِيفَاء الزِّيَادَة وَيحصل ذَلِك بِأَن يكون للعضو مفصل تُوضَع الْحَدِيد عَلَيْهِ ثمَّ اتِّصَال الْعُضْو بالعضو قد يكون بمجاورة مَحْضَة وَقد يكون مَعَ دُخُول عظم فِي عظم كالمرفق وَالركبَة فَمن المفاصل الأنامل والكوع وَالركبَة ومفصل الْقدَم فَإِذا وَقعت الْجِنَايَة على بَعْضهَا اقْتصّ من الْجَانِي لِإِمْكَان الْمُمَاثلَة بِلَا زِيَادَة وَمن المفاصل الْفَخْذ والمنكب فَإِن أمكن الْقصاص بِلَا إجافة اقْتصّ وَإِلَّا فَلَا سَوَاء كَانَ الْجَانِي أجاف أم لَا لِأَن الجوائف لَا تنضبط وَلِهَذَا لَا يجْرِي فِيهَا الْقصاص وَفِي وَجه شَاذ أَن الْقصاص يجْرِي إِذا كَانَ الْجَانِي أجاف وَقَالَ أهل الْخِبْرَة يُمكن أَن يقطع ويجاف مثل تِلْكَ الْجَائِفَة وَإِن كَانَت الْجراحَة لَا إبانة مَعهَا فَلَا قصاص فِي شَيْء إِمَّا قطعا وَإِمَّا على الرَّاجِح إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة سَوَاء كَانَت فِي الرَّأْس أَو الْوَجْه أَو الصَّدْر أَو غَيرهَا كالساعد والأنامل وَسميت بذلك لِأَنَّهَا أوضحت الْعظم وَوَجَب الْقصاص فِيهَا لِإِمْكَان الْمُمَاثلَة بالمساحة فتذرع مُوضحَة المشجوج بخشبة أَو بخيط ويحلق ذَلِك الْموضع من رَأس الشاج إِن كَانَ عَلَيْهِ شعر ويخط عَلَيْهِ بسواد أَو حمرَة ويضبط الشاج حَتَّى لَا يضطرب ويوضح بحديدة حادة كالموسى وَلَا يُوضح بِالسَّيْفِ وَإِن كَانَ أوضح بِهِ لِأَنَّهُ لاتؤمن مَعَه الزِّيَادَة وَكَذَا لَو أوضحه بِحجر أَو دبوس أَو عَصا بل يقْتَصّ مِنْهُ بالحديد كَذَا ذكره الْقفال وَغَيره وَتردد فِيهِ الرَّوْيَانِيّ ثمَّ يفعل مَا هُوَ أسهل عَلَيْهِ من الشق دفْعَة وَاحِدَة أَو شَيْئا فَشَيْئًا وَلَا عِبْرَة بتفاوت الْجلد فِي الغلظ وَاللَّحم بَين الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ كَمَا لَا عِبْرَة بالضخامة والنحافة فِي قصاص النَّفس والطرف وَالله أعلم وَقَوله وَلَا قصاص إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة هَذَا اسْتَثْنَاهُ من الشجاج والمنقلة وَهِي تِسْعَة غير الْمُوَضّحَة فَمِنْهَا الخارصة وَهِي الَّتِي تشق الْجلد قَلِيلا نَحْو الخدش وفيهَا الْحُكُومَة وَلَا يبلغ بهَا أرش الْمُوَضّحَة
الثَّانِيَة الدامية وَهِي الَّتِي يدمي موضعهَا من الشق والخدش وَلَا يقطر مِنْهَا دم كَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَأهل اللُّغَة وَقَالَ أهل اللُّغَة إِن سَالَ مِنْهَا دم فَهِيَ الدامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة وفيهَا حُكُومَة أَيْضا
الثَّالِثَة الباضعة وَهِي الَّتِي تقطع اللَّحْم بعد الْجلد وفيهَا حُكُومَة أَيْضا

(1/459)


الرَّابِعَة المتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلد بَين اللَّحْم والعظم فِيهَا حُكُومَة أَيْضا
الْخَامِسَة السمحاق وَهِي الَّتِي تبلغ تِلْكَ الْجلْدَة وَتسَمى تِلْكَ الْجلْدَة السمحاق وفيهَا حُكُومَة أَيْضا كَالَّتِي قبلهَا
السَّادِسَة الهاشمة وَهِي الَّتِي تكسر الْعظم وفيهَا خمس من الْإِبِل فَإِن أوضح مَعَ الهشم وَجب عشرَة من الْإِبِل
السَّابِعَة المنقلة وَهِي الَّتِي تنقل الْعظم من مَوضِع إِلَى مَوضِع وفيهَا مَعَ الهشم والإيضاح خَمْسَة عشرَة
الثَّامِنَة المأمومة وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ وفيهَا ثلث الدِّيَة
التَّاسِعَة الدامغة وَهِي الَّتِي تخرق الخريطة وَتصل إِلَى أم الدِّمَاغ وفيهَا ثلث الدِّيَة
الْعَاشِرَة الْمُوَضّحَة ومحلها بعد السمحاق وَهِي الْجلْدَة لِأَن الْمُوَضّحَة تزيلها فَيظْهر الْعظم فتوضحه وفيهَا خمس من الْإِبِل عِنْد عدم وجوب الْقصاص وَقد ذكر الشَّيْخ مَا يجب فِيهَا من الدِّيَة وَفِي لجائفة ثلث الدِّيَة وَهِي الْجِنَايَة الَّتِي تصل إِلَى الْجوف وَالله أعلم قَالَ
بَاب الدِّيات فصل فِي الدِّيَة وَالدية على ضَرْبَيْنِ مُغَلّظَة ومخففة فالمغلظة من الْإِبِل ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة)
الدِّيَة هِيَ المَال الْوَاجِب بِالْجِنَايَةِ على الْحر سَوَاء كَانَت فِي نفس أَو طرف وَهِي فِي الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل كَذَا نَص عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابه إِلَى الْيمن وَادّعى ابْن يُونُس الْإِجْمَاع على ذَلِك ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل عمدا سَوَاء أوجب الْقصاص أم لَا كَقَتل الْوَالِد الْوَلَد أَو شبه عمد وَجَبت الدِّيَة أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا كَذَا ورد النَّص بِهِ وَالله أعلم قَالَ

(1/460)


(والمخفضة مائَة من الْإِبِل عشرُون حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض)
لما روى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ دِيَة الْخَطَإِ أَخْمَاس وَجُمْهُور الصَّحَابَة على تخميسها وَقد مر أَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل وَذكر مَا ذكره الشَّيْخ من التخميس وَسليمَان تَابِعِيّ فَدلَّ على أَنه إِجْمَاع من الصَّحَابَة وَالله أعلم قَالَ
(فَإِن أعوزت الْإِبِل انْتقل إِلَى قيمتهَا وَقيل ينْتَقل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَإِن غلظت زيد عَلَيْهَا الثُّلُث)
حَيْثُ وَجَبت الدِّيَة إِمَّا على الْقَاتِل أَو على الْعَاقِلَة وَله إبل وَجَبت الدِّيَة من نوعها كَمَا تجب الزَّكَاة من نوع النّصاب سَوَاء كَانَت من نوع إبل الْبَلَد أَو من فَوْقهَا أَو دونهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَفِي وَجه تجب من غَالب إبل الْبَلَد وَرجحه الإِمَام لِأَنَّهُ عوض متْلف فعلى الصَّحِيح لَو كَانَت إبل الْجَانِي أَو الْعَاقِلَة مُخْتَلفَة الْأَنْوَاع فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا تجب من الْغَالِب فَإِن اسْتَوَت تخير
وَالثَّانِي تجب من كل نوع بِقسْطِهِ فَإِن أخرج الْكل من نوع وَاحِد وَكَانَ أَجود جَازَ كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن أخرج الْقَاتِل من الْأَغْلَب جَازَ وَإِن كَانَ أردأ وَإِن اسْتَوَى جَازَ من الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل إِلَّا أَن يرضى الْوَلِيّ وَأما الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ لكل مِنْهُم أَنْوَاع فَهُوَ كالقاتل لَكِن لَهُ إِخْرَاج الْأَدْنَى لِأَنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ مواساة وَمن الْجَانِي استحقاقاً فَإِن لم يكن للجاني وَلَا لِلْعَاقِلَةِ إبل وَجَبت من غَالب إبل الْبَلَد فَإِن لم يكن فَمن غَالب أقرب إبل الْبِلَاد إِلَيْهِم كَزَكَاة الْفطر فَإِن لم يَكُونُوا من أهل الْبِلَاد فَمن غَالب إبل الْقَبِيلَة فَإِن لم يكن فَمن أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم فَإِن أعوزت الْإِبِل

(1/461)


وَجَبت قيمتهَا بَالِغَة مَا بلغت على الْأَظْهر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يقوم الْإِبِل على أهل الْقرى فَإِذا غلت رفع قيمتهَا وَإِذا هَانَتْ نقص من قيمتهَا وَلِأَن الْإِبِل بدل متْلف فَرجع إِلَى قِيمَته عِنْد إعواز أَصله هَذَا هُوَ الْجَدِيد وَفِي الْقَدِيم تجب ألف دِينَار على أهل الذَّهَب أَو اثْنَا عشر ألف دِرْهَم على أهل الْوَرق لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتب إِلَى أهل الْيمن إِن على أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْوَرق اثْنَا عشر ألف دِرْهَم فعلى الْقَدِيم يُزَاد فِي التَّغْلِيظ قدر الثُّلُث أَي ثلث الدِّيَة لفعل عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِن تعدد بِسَبَب التَّغْلِيظ بِأَن قتل محرما بِفَتْح الرَّاء فِي الْحرم فَفِي التَّعَدُّد خلاف الرَّاجِح لَا تعدد وَالله أعلم قَالَ
(وتغلظ دِيَة الْخَطَإِ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع إِذا قتل فِي الْحرم أَو فِي الاشهر الْحرم أَو قتل ذَا رحم)
قد تقدم أَن دِيَة الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا مخمسة وَكَونهَا على الْعَاقِلَة وَكَونهَا مُؤَجّلَة وَقد يطْرَأ مَا يُوجب التَّغْلِيظ فَإِذا قتل خطأ فِي حرم مَكَّة دون حرم الْمَدِينَة أَو فِي الْأَشْهر الْحرم وَهِي ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب أَو قتل ذَا رحم أَي محرم دون مَا إِذا قتل ذَا رحم غير محرم فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظ فِي الْأَصَح وَكَذَا بمحرمية الرَّضَاع والمصاهرة لَا تَغْلِيظ قطعا وَوَجَبَت الدِّيَة مُغَلّظَة وَالدَّلِيل على التَّغْلِيظ بِهَذِهِ الْأَسْبَاب أَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم غلظوا بهَا وَادّعى الاشتهار بذلك وَحُصُول الِاتِّفَاق أما عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ من قتل فِي الْمحرم أَو ذَا رحم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث وَقضى عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي امْرَأَة وطِئت فِي الطّواف بديتها سِتَّة آلَاف دِرْهَم وألفين تَغْلِيظًا لأجل الْحرم وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا قتل رجلا فِي الشَّهْر الْحَرَام وَفِي الْبَلَد الْحَرَام فَقَالَ دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وللشهر الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وللبلد الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وَلم يُنكر ذَلِك أحد من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَهَذِه الْأُمُور لَا تدْرك بِالِاجْتِهَادِ بل بالتوقيف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ قَالَ وتغلظ وَلم يذكر كَيْفيَّة التَّغْلِيظ قَالَ الرَّافِعِيّ تكون مُغَلّظَة بِاعْتِبَار التَّثْلِيث فَتجب على الْعَاقِلَة ومؤجلة ومثلثة كدية شبه الْعمد والتغليظ بِاعْتِبَار التَّثْلِيث يرجع إِلَى الصّفة وَالسّن دون الْعدَد وَقَضَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم يرجع إِلَى الزِّيَادَة على الْقدر وَالِاسْتِدْلَال

(1/462)


بِفعل الصَّحَابَة كَذَلِك يحْتَاج إِلَى تَأمل فاعرفه وَالله أعلم قَالَ
(ودية الْمَرْأَة على النّصْف من دِيَة الرجل)
لما روى عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ دِيَة الْمَرْأَة نصف دِيَة الرجل ويروى ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَعَن العبادلة رَضِي الله عَنْهُم وَلم يخالفهم أحد مَعَ اشتهاره فَصَارَ إِجْمَاعًا والعبادلة أَرْبَعَة آباؤهم صحابة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الزبير وعد ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة هُنَا العبادلة ثَلَاثَة وَأسْقط عبد الله بن الزبير وَالله أعلم قَالَ
(ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم)
دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ذِمِّيا كَانَ أَو مستأمناً أَو معاهداً ثلث دِيَة الْمُسلم رُوِيَ ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قضى فِي دِيَة الْيَهُودِيّ بأَرْبعَة آلَاف وَفِي الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم وَلِأَنَّهُ أقل مَا قيل وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فِيمَا زَاد والسامرة والصابئة إِن ألْحقُوا بهم فِي الْجِزْيَة والذبائح والمناكحة فَكَذَلِك فِي الدِّيَة وَإِلَّا فديتهم إِن كَانَ لَهُم أَمَان دِيَة الْمَجُوسِيّ وَالله أعلم قَالَ
(ودية الْمَجُوسِيّ ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم)
شَرطه أَن يكون لَهُ أَمَان وَحِينَئِذٍ فديته ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جعل دِيَته ثَمَانمِائَة دِرْهَم وَكَذَا عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَابْن مَسْعُود وانتشر فِي الصَّحَابَة بِلَا نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا وَمثل هَذِه التقديرات لَا تفعل إِلَّا توقيفا وَلِأَن الْيَهُود والنصار كَانَ لَهُم كتاب وَدين حق بِالْإِجْمَاع وَتحل مناكحتهم وذبائحهم ويقرون بالجزية وَلَيْسَ للمجوسي من هَذِه الْخَمْسَة إِلَّا التَّقْرِير بالجزية فَكَأَن ديتهم خمس دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصَارَى وَاعْلَم أَن الوثني كالمجوسي وَكَذَا عَبدة الشَّمْس وَالْبَقر وَالشَّجر وَالله أعلم

(1/463)


(فرع) من لم تبلغه دَعْوَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله تَعَالَى وبلغته دَعْوَة غَيره فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَفِيهِ ثلث الدِّيَة وَإِن كَانَ مجوسياً أَو وثنياً فَفِيهِ ثلثا عشر الدِّيَة لِأَنَّهُ ثَبت لَهُ بجهله نوع عصمَة فَألْحق بالمستأمن من أهل دينه فعلى هَذَا إِن لم يعرف دينه فَهَل تجب دِيَة ذمِّي أَو مَجُوسِيّ فِيهِ وَجْهَان قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ الْمَذْهَب مِنْهَا الثَّانِي وَالله أعلم قَالَ
(وتكمل دِيَة النَّفس فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَالْأنف والأذنين والعينين والجفون الْأَرْبَعَة وَاللِّسَان والشفتين وَذَهَاب الْكَلَام وَذَهَاب الْبَصَر وَذَهَاب السّمع وَذَهَاب الشم وَذَهَاب الْعقل وَالذكر والانثيين)
قد علمت أَن دِيَة النَّفس مائَة من الْإِبِل على الْجَدِيد أَو ألف دِينَار أَو إثنا عشر ألف دِرْهَم على الْقَدِيم وَقيل غير ذَلِك إِذا عرفت هَذَا فالجناية قد تكون على نفس وَقد تكون على غير نفس وَإِذا كَانَت على غير نفس فقد تكون على طرف وَقد تكون على غير طرف وَإِن كَانَت على غير طرف فقد يكون لَهَا أرش مُقَدّر وَقد لَا يكون لَهَا أرش فَإِن لم يكن لَهَا أرش مُقَدّر فَفِيهَا الْحُكُومَة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا وَإِن كَانَ لَهَا أرش مُقَدّر فَتَارَة يكون الْفَائِت بِالْجِنَايَةِ مَنْفَعَة فَقَط كذهاب الْبَصَر مثلا وَقد تكون الْمَنْفَعَة مَعَ الجرم وَذَلِكَ مثل الْيَدَيْنِ وَفِي إبانتهما الدِّيَة كَامِلَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا بل تكمل الدِّيَة فِي لقط الْأَصَابِع
وَالدَّلِيل على إِكْمَال الدِّيَة فيهمَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة كَذَا ورد فِي حَدِيث جَابر وَفِي كِتَابه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْيمن وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل وَلِأَنَّهُمَا أعظم نفعا من الْأُذُنَيْنِ وَالْمرَاد بِالْيَدِ الكفان وَيدل لَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقطع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مفصل الْكَفّ فَدلَّ على أَنَّهَا الْيَد لُغَة وَشرعا وَلَو قطع الْأَصَابِع ثمَّ قطع الْكَفّ بعد الِانْدِمَال وَجَبت دِيَة وحكومة وَإِن كَانَ قبل الِانْدِمَال فَكَذَلِك على الْأَصَح ثمَّ هَذَا كُله إِذا كَانَت الْيَد صَحِيحَة فَإِن كَانَت شلاء فَفِيهَا الْحُكُومَة لِأَن فِي الْيَد مَنْفَعَة وجمالاً فالحكومة فِي مُقَابلَة الْجمال وَالله أعلم وَيجب فِي الرجلَيْن كَمَال الدِّيَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الرجلَيْن الدِّيَة كَذَا ورد فِي خبر عَمْرو بن شُعَيْب وَفِي كتاب الْيمن وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة وَلَا فرق بَين الرجل العرجاء والسليمة لِأَن الْعَيْب لسي فِي نفس الْعُضْو وَإِنَّمَا العرج فِي الْفَخْذ أَو السَّاق أَو تشنج

(1/464)


الأعصاب وَلَو قطّ رجلا تعطل مشيها بِكَسْر الفقار فَالصَّحِيح وجوب الدِّيَة لِأَن الرجل صَحِيحَة والخلل فِي غَيرهَا وتكمل الدِّيَة فِي لقط الْأَصَابِع والقدم كَالْكَفِّ والقدم كَالْكَفِّ وَالله أعلم وَفِي الْأنف الدِّيَة وتكمل فِي المارن مِنْهُ والمارن مَا لَان مِنْهُ وخلا من الْعظم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الْأنف إِذا أوعت جذعاً الدِّيَة وَلَا فرق بَين الخشم وَغَيره والمارن ثَلَاث طَبَقَات الطرفان والوترة الحاجزة وَلَو قطع المارن وَبَعض القصبة لزمَه دِيَة وحكومة لِأَن القصبة مَعَ المارن كالذراع مَعَ الْكَفّ وَلَا يبلغ بالحكومة دِيَة الْأنف لِأَنَّهَا تبع وَلَا تنقص عَن دِيَة منقلة بل تزيد وَهَذَا مَا ذكره فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيح وَالصَّحِيح تجب دِيَة فَقَط كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع وَالله أعلم
وَتجب فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة إِذا قطعهمَا من أَصلهمَا وَقيل تجب فِيمَا حُكُومَة لِأَن السّمع لَا يخلهما وَلَيْسَ فيهمَا مَنْفَعَة ظَاهِرَة إِنَّمَا هما جمال وزينة فأشبها الشُّعُور قَالَ الإِمَام وَلِهَذَا لم يجر لَهما ذكر فِي كتاب عَمْرو بن حزم إِلَى الْيمن وَفِيه الْآيَات وَحجَّة الْمَذْهَب قَضَاء عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَا مُخَالف وَلِأَنَّهُمَا عُضْو فيهمَا جمال وَمَنْفَعَة فأشبها الْيَدَيْنِ ومنفعتهما جمع الصَّوْت لتأديته إِلَى الصماخ وَمحل السّمع ولمنع المَاء والهوام فَإِنَّهُ يحس بِحَسب معاطفهما وَسَوَاء فِي ذَلِك السَّمِيع والأصم لِأَن السّمع فِي الصماخ لَا فِي الْأذن وَالله أعلم
وَيجب فِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة كَذَا ورد فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَنَّهُمَا من أعظم الْجَوَارِح نفعا فكانتا أولى بِإِيجَاب الدِّيَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الصَّغِيرَة والكبيرة والحادة والكليلة والصحيحة والعليلة والغشياء والعمشاء والحولاء إِذا كَانَ النّظر سليما قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَألْحق الْغَزالِيّ الْأَخْفَش وَهُوَ الَّذِي لَا يبصر نَهَارا بالأعمش وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا لوروده وَلِأَن كل دِيَة وَجَبت فِي عضوين وَجب نصفهَا فِي أَحدهمَا كاليدين وَالله أعلم
وَتجب فِي الجفون الْأَرْبَعَة الدِّيَة لِأَنَّهَا من تَمام الْخلقَة وفيهَا جمال وَمَنْفَعَة ويخشى على النَّفس من سرايتها فَأَشْبَهت الْيَدَيْنِ وَسَوَاء فِي ذَلِك الْبَصِير والضرير وَفِي كل وَاحِد ربعهَا لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع وَالله أعلم
وَتجب فِي اللِّسَان الدِّيَة إِذا كَانَ سَالم الذَّوْق ناطقاً لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي اللِّسَان الدِّيَة وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَلَا مُخَالف وَلِأَن فِيهِ جمالاً وَمَنْفَعَة وَأي مَنْفَعَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الصَّغِير وَالْكَبِير والأعجمي والألكن والعجل والثقيل والأرت والألثغ وَغَيره قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَيحْتَمل أَن يُقَال بِخِلَافِهِ وَفِي لِسَان الْأَخْرَس حُكُومَة سَوَاء كَانَ خرسه أَصْلِيًّا أم عارضاً هَذَا إِذا لم يذهب الذَّوْق بِقطع الْأَخْرَس أَو كَانَ قد ذهب ذوقه قبله فَأَما إِذا ذهب ذوقه

(1/465)


بِقطع لِسَانه فَفِيهِ الدِّيَة كَذَا ذكره فِي أصل الرَّوْضَة وَالله أعلم
(فرع) إِذا كَانَ لِسَان الشَّخْص ناطقا إِلَّا أَن فَاقِد الذَّوْق فَقَطعه شخص فَفِيهِ الْحُكُومَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَالله أعلم

(فرع) لِسَان الطِّفْل إِن عرفت سَلَامَته بنطقه بِحرف من حُرُوف الْحلق لِأَنَّهَا أول مَا تظهر مِنْهُ عِنْد الْبكاء أَو بحروف الشّفة كبابا وماما أَو بحروف اللِّسَان فِي زَمَانه كملت فِيهِ الدِّيَة قَالَ ابْن الصّباغ وَيجب فِيهِ الْقصاص وَإِن لم ينْطق بذلك فِي زَمَانه فَفِيهِ حُكُومَة لِأَن الظَّاهِر خرسه وَلَو قطعه قَاطع حَال وِلَادَته فَالْأَصَحّ وجوب الدِّيَة حملا على الصِّحَّة وَقيل حُكُومَة لَو تعذر نطقه لَا لخلل فِي لِسَانه بل لِأَنَّهُ ولد أَصمّ فَلم يحسن الْكَلَام لعدم سَمَاعه إِيَّاه فَهَل تجب فِيهِ دِيَة أم حُكُومَة وَجْهَان وَالله أعلم
وَتجب فِي الشفتين الدِّيَة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذكر ذَلِك فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَن فيهمَا جمالاً وَمَنْفَعَة فأشبها الْيَدَيْنِ وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا وَفِي بَعْضهَا بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع وَلَو جنى عَلَيْهِمَا فشلتا وَجَبت الدِّيَة كشلل الْيَدَيْنِ وَالله أعلم قَالَ
(وَتجب فِي ذهَاب الْكَلَام الدِّيَة)
هَذَا شُرُوع فِيمَا يتَعَلَّق بِفَوَات الْمَنَافِع فَإِذا جنى شخص على لِسَان نَاطِق فَأذْهب كَلَامه وَجَبت الدِّيَة لِأَنَّهُ سلبه أعظم مَنَافِعه فَأشبه الْبَصَر وَإِن ذهب بعض الْكَلَام وَجب بِقسْطِهِ وَإِنَّمَا تُؤْخَذ الدِّيَة إِذا قَالَ أهل الْخِبْرَة لَا يعود نطقه فَلَو أخذت ثمَّ عَاد استردت مِنْهُ وَاعْلَم أَن التَّوْزِيع على جَمِيع الْحُرُوف على ظَاهر النَّص وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَلَو كَانَ شخص لَا يعرف الْحُرُوف كلهَا كالأرت والألثغ الَّذِي لَا يتَكَلَّم إِلَّا بِعشْرين حرفا مثلا فَإِذا ذهب كَلَامه فَالصَّحِيح تجب دِيَة كَامِلَة لِأَنَّهُ أذهب كَلَامه فعلى هَذَا لَو ذهب بعض الْحُرُوف وزع على مَا يُحسنهُ لَا على الْجَمِيع وَالله أعلم وَتجب فِي ذهَاب الْبَصَر الدِّيَة لِأَن مَنْفَعَة الْعَينَيْنِ الْبَصَر فذهابه كشلل الْيَدَيْنِ وَالله أعلم وَيجب فِي ذهَاب السّمع كَمَال الدِّيَة لِأَن عمر قضى بذلك وَلم يُخَالف ولانه أشرف السّمع كَمَال الدِّيَة لِأَن الْحَواس فَأشبه الْبَصَر وَلَو جنى عَلَيْهِ فارتتق دَاخل الْأذن ارتتاقا لَا وُصُول إِلَى زَوَاله فَالْأَصَحّ وجوب حُكُومَة لبَقَاء السّمع وَقيل تجب الدِّيَة لفَوَات السّمع وَالله أعلم

(1/466)


وَيجب فِي ذهَاب الشم كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ أحد الْحَواس فَأشبه الْبَصَر وَقيل فِيهِ حُكُومَة لضعف منفعَته وَالله أعلم وَيجب فِي ذهَاب الْعقل كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ كَذَلِك فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَن عمر وزيداً رَضِي الله عَنْهُمَا قضيا بذلك وَلم يخالفا وَلِأَنَّهُ من أشرف الْحَواس فَكَانَ أَحَق بِكَمَال الدِّيَة من جَمِيع الْحَواس لِأَنَّهُ لَا يَقع التَّمْيِيز بَينه وَبَين الْبَهِيمَة إِلَّا بِهِ وَأعلم أَنه لَا يجْرِي فِيهِ قصاص للِاخْتِلَاف فِي مَحَله لِأَن مِنْهُم من يَقُول إِن مَحَله الْقلب وَهُوَ الْمُصَحح أَو الدِّمَاغ أَو مُشْتَرك بَينهمَا وَلِأَنَّهُ يتَعَذَّر اسْتِيفَاؤهُ لِأَنَّهُ قد يذهب بِقَلِيل الْجِنَايَة وَلَا يذهب بكثيرها وَاعْلَم أَن المُرَاد بِالْعقلِ الْمُوجب للدية الْعقل الغريزي الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ التَّكْلِيف فَأَما المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَفِيهِ حُكُومَة وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ وَتجب فِي الذّكر والأنثيين يَعْنِي الدِّيَة أَي من كل مِنْهُمَا وَكَانَ من حق الشَّيْخ أَن يقدم هذَيْن لِأَنَّهُمَا من قبيل الإجرام لَا من قبيل الْمَنَافِع وَالْأَصْل فِي وجوب الدِّيَة فيهمَا حَدِيث عَمْرو بن حزم وَلِأَن الذّكر فِيهِ مَنْفَعَة التناسل وَهِي من أعظم الْمَنَافِع فَأشبه الْأنف وَسَوَاء فِي ذَلِك ذكر الشَّيْخ والشاب وَالصَّغِير والعنين وَغَيرهم لِأَن الْعنَّة عيب فِي غير الذّكر وَفِي الْحَشَفَة الدِّيَة لِأَن مَا عَداهَا من الذّكر كالتابع لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع وَإِن قطع بعض الْحَشَفَة وَجب بِقسْطِهِ فِي الرَّاجِح وَلَو جنى على ذكره فشل وَجَبت الدِّيَة كشلل الْيَد وَأما الأنثيان فوجوب الدِّيَة فيهمَا مَعَ ذكرهمَا فِي الْخَبَر لِأَنَّهُمَا من تَمام الْخلقَة وَمحل التناسل وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعنين والمجبوب والطفل وَالشَّيْخ والأنثيان هما البيضتان وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات وَفِي البيضتين الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع كاليدين فَلَو قطعهمَا فَذهب مَاؤُهُ لزمَه ديتان وَالله أعلم قَالَ
(وَفِي الْمُوَضّحَة وَالسّن خمس من الْإِبِل)
لِأَنَّهُ الْوَارِد فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم فَلَو أوضح موضحتين فَأكْثر تعدد الْأَرْش وَأما الْأَسْنَان فَفِي الْوَاحِدَة خمس من الْإِبِل فَلَو قلع جَمِيع الْأَسْنَان إِمَّا فِي 4 دفْعَة بضربة أَو أسقاه شَيْئا فَسَقَطت أَسْنَانه أَو والى بَين الْقلع بِحَيْثُ لم يَتَخَلَّل اندمال فَهَل تجب دِيَة نفس لِأَن الْأَسْنَان جنس ذُو عدد فَأشبه الْأَصَابِع أم يجب فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل الْمَذْهَب أَنه يجب فِي كل سنّ خمس كَمَا أطلقهُ الشَّيْخ وَبِه قطع جمَاعَة لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي كل سنّ خمس وَلِأَنَّهَا تزيد غَالِبا

(1/467)


على قدر الدِّيَة بِخِلَاف الْأَصَابِع فعلى الْمَذْهَب يجب مائَة وَسِتُّونَ بَعِيرًا إِذا كَانَ كَامِل الْأَسْنَان وَهِي اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنا أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَأَرْبع ضواحك وإثنا عشر ضرساً وَأَرْبَعَة نواجذ وَهِي آخرهَا فَلَو زَادَت على ذَلِك فَهَل يجب لكل سنّ من الزَّوَائِد خمس من الْإِبِل لظَاهِر الْخَبَر أَو حُكُومَة كالأصابع الزَّوَائِد فِيهِ وَجْهَان قَالَ
(وَفِي كل عُضْو لَا مَنْفَعَة فِيهِ حُكُومَة)
أَقُول وَكَذَا فِي كسر الْعِظَام بل فِي جَمِيع الْجِنَايَات الَّتِي لَا تَقْدِير فِيهَا لِأَن الشَّرْع لم ينص عَلَيْهَا وَلم تَنْتَهِ فِي شبهها إِلَى النُّصُوص فَوَجَبَ فِيهَا حُكُومَة وَكَذَا تجب الْحُكُومَة فِي تعويج الرَّقَبَة وَالْوَجْه وتسويده وتصغيره وَمَا أشبه ذَلِك ثمَّ الْحُكُومَة أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِتَقْدِير أَنه عبد بعد الِانْدِمَال وَيُؤْخَذ بِنِسْبَة النَّقْص من الدِّيَة وَهِي الْإِبِل على الْأَصَح وَقيل نقد الْبَلَد كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ عِنْد إفضاء الْمَرْأَة فاعرفه
مِثَاله يُسَاوِي المجنى عَلَيْهِ مائَة عِنْد السَّلامَة وَبعد الْجِنَايَة والاندمال تسعين فَتجب عشر دينه لَكِن بِشَرْط أَن ينقص عَن دِيَة الْعُضْو الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِن كَانَ لَهُ أرش مُقَدّر فَإِن لم ينقص نقص الْحَاكِم مَا يرَاهُ وَأقله مَا جَازَ جعله ثمنا أَو صَدَاقا وَالله أعلم قَالَ
(ودية العَبْد قِيمَته عبدا كَانَ أَو أمة)
إِذا قتل شخص مِمَّن يجب عَلَيْهِ الضَّمَان عبدا أَو أمة لزمَه قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهُمَا مَال فأشبها سَائِر الْأَمْوَال المتقومة وَالله أعلم قَالَ
(ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك عشر قيمَة أمة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى)
لِأَنَّهُ جَنِين آدمية فَيضمن بِعشر مَا تضمن بِهِ الْأُم كَالْحرَّةِ وَفِي الْوَقْت الَّذِي يعْتَبر فِيهِ قيمتهَا وَجْهَان
أَحدهمَا حَالَة الضَّرْب لِأَن الضَّرْب سَبَب الْإِسْقَاط وَهَذَا هُوَ الْمُصَحح فِي الْمُحَرر والمنهاج وَالشَّرْح الصَّغِير وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَذكره الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيح وَقيل تعْتَبر الْقيمَة أَكثر مَا كَانَت من وَقت الضَّرْب إِلَى الْإِسْقَاط وَهَذَا مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَلَك أَلا تجْعَل بَين التصحيحين مُخَالفَة وَتقول تَصْحِيح الْمِنْهَاج جَريا على الْغَالِب لِأَن قيمَة الْأُم وَقت الْجِنَايَة فِي الْغَالِب أَكثر قيمَة مِمَّا بعْدهَا لِأَن وَقت الْجِنَايَة وَقت سَلامَة وَلَا شكّ أَن وَقت السَّلامَة تكون الْقيمَة فِيهِ أَكثر من غَيره وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك احْتَرز بِهِ عَن الْجَنِين الْحر فديَة الْجَنِين الْحر الْمُسلم إِذا انْفَصل مَيتا بِالْجِنَايَةِ غرَّة عبد أَو أمة

(1/468)


ثَبت ذَلِك من قَضَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيشْتَرط بُلُوغهَا نصف عشر دِيَة الْأَب أَو عشر دِيَة الْأُم وَهِي قيمَة خمس من الْإِبِل لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قوم الْغرَّة خمسين دِينَارا وَكَذَا عَليّ وَزيد رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَا مُخَالف لَهُم وَلِأَنَّهَا دِيَة تقدرت كَسَائِر الدِّيات فقدرت بِأَقَلّ أرش ورد فِي الشَّرْع وَهُوَ الْمُوَضّحَة وَلَا ترد الْأُنْمُلَة فَإِن فِيهَا ثَلَاثَة وَثلثا فَإِن دِيَتهَا مقدرَة بالإجتهاد وَالله أعلم
(فرع) صَاح على صبي غير مُمَيّز على طرف سطح أَو نهر أَو بِئْر فارتعد وَسقط وَمَات مِنْهُ وَجَبت الدِّيَة قطعا وَلَا قصاص على الرَّاجِح وَلَو كَانَ على وَجه الأَرْض وَمَات من الصَّيْحَة فَلَا ضَمَان على الرَّاجِح لِأَن الْمَوْت بِهِ فِي غَايَة الْبعد وَالْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه الَّذِي يَعْتَرِيه الوسواس والنائم وَالْمَرْأَة الضعيفة كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيّز وَشهر السِّلَاح والتهديد الشَّديد كالصياح وَلَو صَاح على بالع على طرف سطح وَنَحْوه فَلَا ضَمَان على الرَّاجِح والمراهق المتيقظ كَالْبَالِغِ وَإِن صَاح على صَغِير فَزَالَ عقله وَجب الضَّمَان وَالله أعلم
(فرع) اتبع شخص إنْسَانا بِسيف فهرب وَأُلْقِي نَفسه من الْخَوْف فِي نهر أَو من شَاهِق عَال أَو فِي بِئْر فَهَلَك فَلَا ضَمَان لِأَن الهارب هُوَ الَّذِي بَاشر هَلَاك نَفسه قصدا والمباشرة مُقَدّمَة على السَّبَب فَلَو لم يعلم بالمهلك فَوَقع بِلَا قصد بِأَن كَانَ أعمى أَو فِي ظلمَة أَو فِي ليل وَجب على الطَّالِب الضَّمَان وَلَو انخسف بِهِ سقف فِي هربه وَجب الضَّمَان على الرَّاجِح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي والعراقيون وَلَو كَانَ الْمَطْلُوب صَبيا أَو مَجْنُونا فَألْقى نَفسه فِي بِئْر وَنَحْوه فَهَل يضمن الطَّالِب يَبْنِي على أَن عمدهما خطأ أَو عمد إِن قُلْنَا إِن عمدهما عمد فهما كَالْبَالِغِ وَإِن قُلْنَا خطأ وَجب الضَّمَان وَالله أعلم
(فرع) سلم الصَّبِي إِلَى سباح ليعلمه السباحة فغرق وَجَبت فِيهِ دِيَة شبه الْعمد على الصَّحِيح كَمَا لَو ضرب الْمعلم الصَّبِي للتأديب فَهَلَك وَلَو ختن الْحجام فَأَخْطَأَ فَأصَاب الْحَشَفَة وَجب الضَّمَان وتحمله الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ قطع مالم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَالله أعلم
(فرع) كناسَة الْبَيْت وقشور الْبِطِّيخ وَنَحْوهمَا إِذا طرحها فِي موَات فَهَلَك بهَا إِنْسَان أَو تلف بهَا مَال فَلَا ضَمَان وَإِن طرحها فِي الطَّرِيق فَحصل بهَا تلف وَجب الضَّمَان على الصَّحِيح وَبِه قطع الْجُمْهُور وَقيل لَا ضَمَان للْعَادَة وَقيل إِن أَلْقَاهَا فِي متن الطَّرِيق ضمن وَإِن أَلْقَاهَا فِي منعطف لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَارَّة غَالِبا فَلَا ضَمَان فعلى الصَّحِيح شَرط الضَّمَان أَن يكون الَّذِي يعثر بهَا جَاهِلا أما إِذا مَشى عَلَيْهَا قصدا فَلَا ضَمَان كَمَا لَو نزل فِي الْبِئْر الْعدوان فزلق وَلَو رش المَاء فِي الطَّرِيق فزلق بِهِ إِنْسَان أَو بَهِيمَة نظر إِن رش لمصْلحَة عَامَّة كدفع الْغُبَار عَن الْمَارَّة فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ لمصْلحَة

(1/469)


نَفسه وَجب الضَّمَان قَالَ الرَّافِعِيّ وَيَجِيء فِيهِ الْوَجْه الْمَذْكُور فِي طرح القشور وَلَو جَاوز الْقدر الْمُعْتَاد فِي الرش قَالَ الْمُتَوَلِي وَجب الضَّمَان قطعا كَمَا لَو بل الطين فِي الطَّرِيق فَإِنَّهُ يضمن مَا تلف بِهِ وَلَو بنى على بَاب دَاره دكة فَتلف بهَا إِنْسَان أَو دَابَّة وَجب الضَّمَان وَكَذَا الطّواف إِذا وضع مَتَاعه فِي الطَّرِيق فَتلف بِهِ شَيْء لزمَه الضَّمَان بِخِلَاف مَا لَو وَضعه على طرف حانوته وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْقسَامَة فصل فِي الْقسَامَة وَإِذا اقْترن بِدَعْوَى الْقَتْل لوث يَقع بِهِ صدق فِي النَّفس حلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا وَاسْتحق الدِّيَة فَإِن لم يكن هُنَاكَ لوث فاليمين على الْمُدعى عَلَيْهِ
هَذَا فصل الْقسَامَة وَهِي الْأَيْمَان فِي الدِّمَاء وَصورتهَا أَن يُوجد قَتِيل بِموضع لَا يعرف من قَتله وَلَا بَيِّنَة وَيَدعِي وليه قَتله على شخص معِين أَو جمَاعَة مُعينين وتوجد قرينَة تشعر بِصَدقَة وَيُقَال لَهُ اللوث فَيحلف على مَا يَدعِيهِ خمسين يَمِينا وَلَا يشْتَرط موالاتها على الرَّاجِح فَإذْ حلف وَجَبت الدِّيَة فِي الْعمد على الْمقسم عَلَيْهِ وَفِي الْخَطَأ وَشبه الْعمد على الْعَاقِلَة
واللوث طرق مِنْهَا أَن يُوجد قَتِيل فِي قَبيلَة أَو حصن أَو قَرْيَة صَغِيرَة أَو محلّة مُنْفَصِلَة عَن الْكَبِيرَة وَبَين الْقَتِيل وَبَين أَهلهَا عَدَاوَة ظَاهِرَة فَهَذَا اللوث فِي حَقهم وَمِنْهَا أَن يتفرق جمَاعَة عَن قَتِيل فِي دَار دَخلهَا عَلَيْهِم وَهُوَ ضَعِيف أَو لحَاجَة أَو فِي مَسْجِد أَو بُسْتَان أَو طَرِيق أَو صحراء فَهُوَ لوث وَكَذَا لَو ازْدحم قوم على بِئْر أَو مضيق ثمَّ تفَرقُوا عَن قَتِيل وَلَا يشْتَرط فِي هَذَا أَن يكون بَينه وَبينهمْ عَدَاوَة وَمِنْهَا لَو شهد عدل أَن زيدا قتل فلَانا فلوث على الْمَذْهَب سَوَاء تقدّمت شَهَادَته على الدَّعْوَى أَو تَأَخَّرت وَلَو شهد عبيد ونسوة فَإِن جاؤوا مُتَفَرّقين فلوث وَلَو جاؤوا دفْعَة على الرَّاجِح وَلَو شهد من لَا يقبل رِوَايَته كصبيان وفسقة وذميين فَالصَّحِيح أَنه لوث وَمِنْهَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَو وَقع فِي أَلْسِنَة الْخَاص وَالْعَام أَن زيدا قتل فلَانا فَهُوَ لوث فِي حَقه وَسَوَاء فِي الْقسَامَة ادّعى مُسلم على كَافِر أَو عَكسه وَالْأَصْل فِي الْقسَامَة مَا روى سهل بن أبي خَيْثَمَة قَالَ انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح فتفرقا فَأتى محيصة إِلَى عبد الله بن سهل وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه قَتِيلا فدفنه ثمَّ قدم الْمَدِينَة فَانْطَلق عبد الرَّحْمَن بن سهل وحويصة ومحيصة ابْنا مَسْعُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب عبد الرَّحْمَن يتَكَلَّم فَقَالَ كبر كبر وَهُوَ أحدث الْقَوْم فَسكت فتكلما فَقَالَ أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أَو صَاحبكُم فَقَالُوا كَيفَ نحلف وَلم نشْهد وَلم نر قَالَ فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا مِنْهُم فَقَالُوا كَيفَ نَأْخُذ بأيمان قوم كفار فعقله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده وَهَذَا الحَدِيث

(1/470)


مُخَصص لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة إِلَّا فِي الْقسَامَة وَوجه تَقْدِيم الْمُدَّعِي فِي الْقسَامَة أَن جَانِبه قوي باللوث فتحولت الْيَمين إِلَيْهِ كَمَا لَو أَقَامَ شَاهدا فِي غير الدَّم وَقَوله فَإِن لم يكن هُنَاكَ لوث فاليمين على الْمُدعى عَلَيْهِ جَريا على الْقَاعِدَة وَقَوله بِدَعْوَى الْقَتْل احْتَرز بِهِ عَن غير الْقَتْل فَلَا قسَامَة فِيمَا دون النَّفس من الْأَطْرَاف والجروح وَالْأَمْوَال بل القَوْل فِيهَا قَول الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ لوث لِأَن النَّص ورد فِي النَّفس وَفِي وَجه تجْرِي فِي الْأَطْرَاف وَغلط قَائِله وَالله أعلم
(فرع) إِذا أنكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ اللوث فِي حَقه وَقَالَ لم أكن مَعَ المتفرقين عَنهُ صدق بِيَمِينِهِ وَالله أعلم قَالَ
بَاب كَفَّارَة الْقَتْل
(وعَلى قَاتل النَّفس الْمُحرمَة كَفَّارَة وَهِي عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين)
إِذا قتل من هُوَ من أهل الضَّمَان سَوَاء كَانَ الْقَاتِل مُسلما أَو كَافِرًا وَسَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا وَسَوَاء كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا وَسَوَاء كَانَ مباشراً أَو بِسَبَب وَسَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو مخطئاً من يحرم قَتله لحق الله تَعَالَى وَجَبت الْكَفَّارَة وَسَوَاء كَانَ الْمَقْتُول مُسلما أَو كَافِرًا وَسَوَاء كَانَ ذِمِّيا أَو معاهداً وَسَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا وَسَوَاء كَانَ عَبده أَو عبد غَيره وَسَوَاء كَانَ عَاقِلا أَو مَجْنُونا وَسَوَاء كَانَ صَغِيرا أَو جَنِينا وضابطه أَن يكون الْمَقْتُول آدَمِيًّا مَعْصُوما بِإِيمَان أَو أَمَان فَلَا تجب الْكَفَّارَة بقتل حَرْبِيّ ومرتد وقاطع طَرِيق زَان مُحصن وَلَا بقتل نسَاء أهل الْحَرْب وَلَا أَوْلَادهم وَإِن كَانَ قَتلهمْ محرما لِأَن تحريمهم لَيْسَ لحرمتهم بل لمصْلحَة الْمُسلمين لِئَلَّا يفوتهُمْ الارتفاق بهم وَعَن هَذَا احترزنا بقولنَا من يحرم قَتله لحق الله أما وجوب الْكَفَّارَة فِي قتل الْخَطَأ فللإجماع وَالنَّص قَالَ الله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الْآيَة وَأما فِي الْعمد فَلَمَّا روى وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَاحب لنا قد أوجب يَعْنِي النَّار بِالْقَتْلِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتقوا عَنهُ وَفِي رِوَايَة فليعتق رَقَبَة يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار وَالْقَاتِل لَا يسْتَوْجب النَّار إِلَّا فِي الْعمد وَلِأَنَّهُ قتل

(1/471)


آدَمِيّ محقون لِحُرْمَتِهِ فَوَجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَة كالخطأ وَقَول الشَّيْخ وعَلى قَاتل النَّفس أَعم من كَونه وَاحِدًا أَو جمَاعَة فَلَو اشْترك جمَاعَة فِي قتل وَاحِد لزم كل وَاحِد مِنْهُم كَفَّارَة لِأَنَّهُ حق مُتَعَلق بِالْقَتْلِ لَا يَتَبَعَّض فَوَجَبَ أَن يكمل فِي حق كل وَاحِد كَالْقصاصِ وَلِأَن فِيهَا معنى الْعِبَادَة وَهِي لَا توزع وَقيل تجب كَفَّارَة لِأَنَّهَا مَال يجب بِالْقَتْلِ فَوَجَبَ أَن لَا تكمل فِي حق كل وَاحِد كالدية وَكَفَّارَة قتل الصَّيْد وَمن قَالَ بِالصَّحِيحِ فرق بِأَن الدِّيَة وَجَزَاء الصَّيْد بدل نفس وَهِي وَاحِدَة وَالْكَفَّارَة لتكفير إِثْم الْقَتْل لَا بَدَلا وَكَذَلِكَ لم تخْتَلف بصغر الْمَقْتُول وَكبره وَلم تجب فِي الْأَطْرَاف وَيصدق على كل مِنْهُم أَنه قَاتل وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة مُؤمنَة بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم على واجدها فاضلة عَن كِفَايَته على الدَّوَام قَالَه الْمَاوَرْدِيّ والبندنيجي فَإِن لم يجدهَا صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة فَإِن لم يسْتَطع فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يطعم سِتِّينَ مِسْكينا كل مِسْكين مدا من طَعَام ككفارة الظِّهَار وَلِأَنَّهُ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الظِّهَار فَحمل الْمُطلق عَلَيْهِ هُنَا وَالْأَظْهَر لَا يطعم شَيْئا لِأَن الْإِبْدَال فِي الْكَفَّارَات مَوْقُوف على النَّص دون الْقيَاس وَلَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد إِلَّا فِي الْأَوْصَاف دون الأَصْل كَمَا حمل مُطلق الْيَد فِي التَّيَمُّم على تقييدها بالمرفق فِي الْوضُوء وَلم يحمل ترك الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ فِيهِ على ذكرهمَا فِي الْوضُوء فعلى الصَّحِيح لَو مَاتَ قبل الصَّوْم أخرج من تركته لكل يَوْم مد طَعَام كفوات صَوْم رَمَضَان
وَاعْلَم أَن القَوْل فِي الرَّقَبَة وَالصِّيَام على مَا ذكرنَا فِي الظِّهَار وَالله أعلم
(فرع) إِذا وَجَبت الْكَفَّارَة بقتل الصَّبِي وَالْمَجْنُون أعتق الْوَلِيّ من مَالهمَا كَمَا تخرج الزَّكَاة والفطرة وَلَا يَصُوم عَنْهُمَا بِحَال فَلَو صَامَ الصَّبِي فِي صغره فَهَل يجْزِيه وَجْهَان كَمَا لَو قضى فِي صغره حجَّة أفسدها وَالله أعلم

(1/472)