كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب الطَّلَاق
بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته فصل وَالطَّلَاق ضَرْبَان صَرِيح وكناية
الطَّلَاق فِي اللُّغَة هُوَ حل الْقَيْد وَالْإِطْلَاق وَلِهَذَا يُقَال نَاقَة طَالِق أَي مُرْسلَة ترعى حَيْثُ شَاءَت
وَهُوَ فِي الشَّرْع اسْم لحل قيد النِّكَاح وَهُوَ لفظ جاهلي ورد الشَّرْع بتقريره وَيُقَال طلقت الْمَرْأَة بِفَتْح اللَّام على الْأَصَح وَيجوز ضمهَا
وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع أهل الْملَل مَعَ أهل السّنة وسنورد ذَلِك فِي مَحَله
ثمَّ للطَّلَاق أَرْكَان مِنْهَا اللَّفْظ فَلَا يَقع الطَّلَاق بِمُجَرَّد النِّيَّة وَلَو حرك لِسَانه بِكَلِمَة الطَّلَاق وَلم يرفع صَوته قدرا يسمع نَفسه نقل الْمُزنِيّ فِيهِ قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا تطلق لِأَنَّهُ أقوى من الْكِتَابَة مَعَ النِّيَّة
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَام وَلِهَذَا اشْترط فِي صلَاته أَن يسمع نَفسه قَالَ النَّوَوِيّ الْأَظْهر الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي حكم النِّيَّة الْمُجَرَّدَة بِخِلَاف الْكِتَابَة فَإِن فِي وُقُوع الطَّلَاق بِهِ حُصُول الإفهام وَلم يحصل هُنَا وَالله أعلم
ثمَّ اللَّفْظ إِمَّا صَرِيح وَإِمَّا كِنَايَة فالصريح مَالا يتَوَقَّف وُقُوع الطَّلَاق بِهِ على نِيَّة لِأَنَّهُ لذَلِك وضع أَي وَضعه الشَّارِع لذَلِك وَأما الْكِنَايَة فَهُوَ مَا يتَوَقَّف على النِّيَّة وَهَذَا بِالْإِجْمَاع وَلَا يَقع الطَّلَاق فِي الْكِنَايَة بِلَا نِيَّة قَالَ
(فالصريح ثَلَاثَة أَلْفَاظ الطَّلَاق والفراق والسراح وَلَا يفْتَقر صَرِيح الطَّلَاق إِلَى النِّيَّة)
أما كَون الطَّلَاق صَرِيحًا فَلِأَنَّهُ قد تكَرر فِي الْقُرْآن واشتهر مَعْنَاهُ وَهُوَ حل قيد النِّكَاح فِي

(1/388)


الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وأطبق عَلَيْهِ مُعظم الْخلق وَلم يخْتَلف فِيهِ أحد قَالَ الله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إِلَى غير ذَلِك وَأما الْفِرَاق والسراح فلورودهما فِي الشَّرْع ولتكرارهما فِي الْقُرْآن بِمَعْنى الطَّلَاق قَالَ الله تَعَالَى {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} وَقَالَ تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} وَقَالَ تَعَالَى {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَن الطَّلقَة الثَّالِثَة فَقَالَ أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَفِي الْقَدِيم أَن الْفِرَاق والسراح كنايتان لِأَنَّهُمَا يستعملان فِي الطَّلَاق وَغَيره فأشبها لفظ الْبَائِن والجديد الصَّحِيح الأول لما ذكرنَا
وَاعْلَم أَن لفظ الطَّلَاق مصدر والمشتق مِنْهُ فِي حكمه فِي الصراحة فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَو مُطلقَة أَو يَا طَالِق أَو يَا مُطلقَة بتَشْديد اللَّام وَقع الطَّلَاق وَإِن لم ينْو لِأَنَّهُ صَرِيح فِي حل قيد النِّكَاح مشتهر بِخِلَاف الْمُشْتَقّ من الْإِطْلَاق كَقَوْلِه أَنْت مُطلقَة بِإِسْكَان الطَّاء أَو يَاء مُطلقَة فَلَيْسَ بِصَرِيح على الصَّحِيح لعدم اشتهاره وَإِن كَانَ الْإِطْلَاق والتطليق متقاربين كالإكرام والتكريم وَفِي قَوْله أَنْت طَالِق أَو الطَّلَاق أَو طَلْقَة وَجْهَان أصَحهمَا أَنه كِنَايَة وَلَو قَالَ أَنْت مُفَارقَة أَو فارقتك أَو سرحتك وَأَنت مسرحة طلقت وَإِن لم ينْو كَالطَّلَاقِ وَالله أعلم
(فرع) قَالَ أردْت بِقَوْلِي أَنْت طَالِق إِطْلَاقهَا من الوثاق وَلَيْسَ هُنَاكَ قرينَة وبالفراق الْمُفَارقَة فِي الْمنزل وبالسراح إِلَى منزل أَهلهَا أَو قَالَ أردْت خطاب غَيرهَا فَسبق لساني إِلَيْهَا لم يقبل مِنْهُ فِي ظَاهر الحكم فَلَو صرح بذلك فَقَالَ أَنْت طَالِق من وثاق أَو سرحتك إِلَى مَوضِع كَذَا أَو فارقتك فِي الْمنزل خرج عَن كَونه صَرِيحًا وَصَارَ كِنَايَة وَالله أعلم
(مَسْأَلَة) إِذا اشْتهر فِي الطَّلَاق لفظ سوى الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة الصَّرِيحَة كَقَوْل النَّاس أَنْت عَليّ حرَام فَفِي إِلْحَاقه بِالصَّرِيحِ أوجه أَصَحهَا عِنْد الرَّافِعِيّ أَنه يلْحق بِالصَّرِيحِ حَتَّى يَقع الطَّلَاق وَإِن لم

(1/389)


ينْو لغَلَبَة الِاسْتِعْمَال وَحُصُول التفاهم وَنسبه إِلَى التَّهْذِيب وفتاوى الْقفال وَالْقَاضِي حُسَيْن والمتأخرين وَالثَّانِي لَا يلْتَحق بالصرائح قَالَ الرَّافِعِيّ وَرجحه الْمُتَوَلِي وَوَجهه بِأَن الصرائح تُؤْخَذ من وُرُود الْقُرْآن بهَا وتكرارها على لِسَان حلَّة الشَّرِيعَة وَإِلَّا فَلَا فرق إِذا نَظرنَا إِلَى مُجَرّد اللُّغَة والاستعمال بَين الْفرق والبينونة قَالَ النَّوَوِيّ الْأَرْجَح الَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ والمتقدمون أَنه كِنَايَة مُطلقًا وَالله أعلم وَأما الْبِلَاد الَّتِي لم يشْتَهر فِيهَا هَذَا اللَّفْظ للطَّلَاق فَهُوَ كِنَايَة فِي حق أَهلهَا بِلَا خلاف وَلَو قَالَ أَنْت حرَام وَلم يقل عَليّ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كِنَايَة بِلَا خلاف وَالله أعلم قَالَ
(وَالْكِنَايَة كل لفظ احْتمل الطَّلَاق وَغَيره ويفتقر إِلَى النِّيَّة)
هَذَا هُوَ الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَة وَيَقَع الطَّلَاق بهَا مَعَ النِّيَّة بِالْإِجْمَاع وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لرجل قَالَ لزوجته حبلك على غاربك أنْشدك بِرَبّ هَذِه البنية هَل أردْت الطَّلَاق فَقَالَ الرجل أردْت الْفِرَاق فَقَالَ هُوَ مَا أردْت وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن ابْنة الجون لما دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودنا مِنْهَا قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك فَإِن لم ينْو لم يَقع الطَّلَاق لأثر عمر لِأَنَّهُ لَو كَانَ يَقع بِلَا نِيَّة لم يكن للتحليف فَائِدَة وَلما بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كَعْب بن مَالك أَن يعتزل امْرَأَته قَالَ لَهَا كَعْب الحقي بأهلك فَلَمَّا نزلت تَوْبَته لم يفرق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا وَلِأَن أَلْفَاظ الْكِنَايَة تحْتَمل الطَّلَاق وَغَيره فَلَا يَقع مَا لم يُنَوّه كَمَا أَن الامساك عَن الطَّعَام لما احْتمل الْعِبَادَة وَغَيرهَا لم ينْصَرف إِلَيْهَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ ثمَّ أَلْفَاظ الْكِنَايَة كَثِيرَة جدا فنقتصر على ذكر بَعْضهَا فَمِنْهَا قَوْله أَنْت خلية أَي خَالِيَة من الْأزْوَاج وبرية ي بَرِئت من الزَّوْج وبتة أَي قطعت الْوَصْل بَيْننَا وبتلة من تبتل الرجل إِذا ترك النِّكَاح وَانْفَرَدَ وبائن من الْبَين وَهُوَ الْفِرَاق وَيجوز بَائِنَة والأفصح بَائِن كحائض وَطَالِق وَأَنت حرَّة وَأَنت وَاحِدَة واعتدي واستبرئي رَحِمك والحقي بأهلك وحبلك على غاربك وَمَا أشبه ذَلِك كَقَوْلِه أَخْرِجِي واذهبي وسافري وتقنعي وتستري وبيني وابعدي وتجرعي وَمَا أشبه ذَلِك كَقَوْلِه أَنْت حرَام وَأَنت عَليّ مُحرمَة أَو حرمتك ثمَّ إِن نوى الطَّلَاق بقوله أَنْت عَليّ حرَام وَنَحْوهَا يَقع رَجْعِيًا وَإِن نوى عددا وَقع مَا نوى وَإِن نوى الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار وَإِن نوى الطَّلَاق وَالظِّهَار مَعًا فأوجه أَصَحهَا بتخير بَين جعله طَلَاقا أَو ظِهَارًا وَبِهَذَا قَالَ ابْن الْحداد وَأكْثر الْأَصْحَاب وَلَا ينفذ الإثنان مَعًا بِلَا خلاف وَقيل يكون طَلَاقا وَقيل يكون ظِهَارًا قَالَ الأسنوي وَتَقْرِير منع الْجمع مَمْنُوع يَعْنِي كَونه طَلَاقا وظهاراً فَإِنَّهُ يجوز اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي الْمَعْنيين مَعًا على مَذْهَب الشَّافِعِي سَوَاء كَانَ اللَّفْظ حَقِيقَة فيهمَا كالمشترك أَو حَقِيقَة فِي أَحدهمَا

(1/390)


مجَازًا فِي الآخر وَقد صرح الرَّافِعِيّ بِأَن الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز غير مُمْتَنع ذكره فِي كتاب الْأَيْمَان وَإِن أطلق قَوْله أَنْت عَليّ حرَام وَلم ينْو الطَّلَاق وَلَا الظِّهَار فَقَوْلَانِ وَهَذَا كُله تَفْرِيع على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ أَن قَوْله أَنْت عَليّ حرَام كِنَايَة أما على قَول الرَّافِعِيّ فَإِنَّهُ يكون طَلَاقا وَإِن أَرَادَ بقوله أَنْت عَليّ حرَام تَحْرِيم عينهَا أَو ذَاتهَا أَو وَطئهَا لزمَه كَفَّارَة يَمِين فِي الْحَال وَكَذَا إِن لم يكن لَهُ نِيَّة فِي الْأَظْهر وَإِن قَالَ أَنْت كالميتة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَقَالَ أردْت بِهِ الطَّلَاق أَو الظِّهَار نفذا وَإِن نوى التَّحْرِيم لزمَه الْكَفَّارَة وَإِن أطلق فالنص أَنه كالتحريم فَيكون على الْخلاف وعَلى هَذَا جرى الإِمَام وَالَّذِي ذكره الْبَغَوِيّ وَغَيره أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَو قَالَ أردْت أَنَّهَا حرَام عَليّ فَإِن جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا وَجَبت الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ للكناية كِنَايَة وَتَبعهُ على هَذَا جمَاعَة قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَا يكَاد يتَحَقَّق هَذَا التَّصْوِير وَلَو قَالَ أردْت أَنَّهَا كالميتة فِي الاستقذار صدق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن نِيَّة الْكِنَايَة لَا بُد أَن تقترن بِاللَّفْظِ فَلَو تقدّمت أَو تَأَخَّرت لم تُؤثر وَلَو نوى فِي أَوله عِنْد قَوْله أَنْت أَو عَكسه كمن نوى عِنْد قَوْله بَائِن فَفِيهِ وَجْهَان الْأَصَح فِي الشَّرْح الصَّغِير الْوُقُوع فِي الصُّورَة الأولى وَخَالف فِي الْمُحَرر فرجح أَنه لَا بُد من اقترانها بِجَمِيعِ اللَّفْظ وَاخْتلف كَلَام الرَّوْضَة والمنهاج أَيْضا فرجح فِيهِ اقتران النِّيَّة بِكُل اللَّفْظ وَقَالَ فِي الرَّوْضَة وَلَو اقترنت النِّيَّة بِأول اللَّفْظ دون آخِره أَو عَكسه طلقت فِي الْأَصَح وَقَالَ الأسنوي وَالْفَتْوَى أَنه يَقع فِي الأولى فِيمَا إِذا نوى فِي أول اللَّفْظ دون الثَّانِيَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ بعد تَصْحِيحه إِنَّه أشبه بِمذهب الشَّافِعِي وَالله أعلم
(فرع) قَالَ هَذَا الطَّعَام أَو الثَّوْب أَو الشَّاة حرَام عَلَيْهِ فَهُوَ لَغْو لَا يتَعَلَّق بِهِ كَفَّارَة وَلَا غَيرهَا وَالله أعلم قَالَ
بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي فصل وَالنِّسَاء فِيهِ ضَرْبَان ضرب فِي طلاقهن سنة وبدعة وَهن ذَوَات الْحيض فَالسنة أَن يُوقع الطَّلَاق فِي طهر غير مجامع فِيهِ والبدعة أَن يُوقع الطَّلَاق فِي الْحيض أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَضرب لَيْسَ فِي طلاقهن سنة وَلَا بِدعَة وَهن أَربع الصَّغِيرَة والآيسة وَالْحَامِل والمختلعة الَّتِي لم يدْخل بهَا الزَّوْج
لم يزل الْعلمَاء قَدِيما وحديثاً يصفونَ الطَّلَاق بِالسنةِ والبدعة وَفِي مَعْنَاهُمَا اصطلاحان أَحدهمَا أَن السّني مَا لَا يحرم إِيقَاعه والبدعي مَا يحرم وعَلى هَذَا فَلَا قسم سواهُمَا وَالثَّانِي وَهُوَ المتداول وَعَلِيهِ جرى الشَّيْخ أَن السّني طَلَاق الْمَدْخُول بهَا وَلَيْسَت الْحَامِل وَلَا صَغِيرَة وَلَا آيسة والبدعي طَلَاق الْمَدْخُول بهَا فِي حيض أَو نِفَاس أَو طهر جَامعهَا فِيهِ وَلم يتَبَيَّن حملهَا وَيبقى قسم

(1/391)


آخر وَهُوَ لَا سنة فِيهِ وَلَا بِدعَة كَطَلَاق غير الْمَدْخُول بهَا وَالْحَامِل والآيسة وَالصَّغِيرَة كَمَا ذكره الشَّيْخ وَهُوَ الضَّرْب الثَّالِث
إِذا عرفت هَذَا فطلاق السّنة أَن يوقعه فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَهِي مَدْخُول بهَا لِأَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا طلق زَوجته وَهِي حَائِض فَسَأَلَ عمر رَضِي الله عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليمسكها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تظهر فَإِن شَاءَ أمْسكهَا وَإِن شَاءَ طَلقهَا قبل أَن يُجَامع فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن يُطلق بهَا النِّسَاء وَفِي رِوَايَة قبل أَن يَمَسهَا وَالْأَمر الْمشَار إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَي فِي عدتهن لِأَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى فِي قَالَ الله تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَي فِي يَوْم الْقِيَامَة وَقيل المُرَاد لوقت يشرعن عقبه فِي الْعدة وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَرَأَ {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ الإِمَام وَالظَّاهِر أَنه كَانَ يذكرهُ تَفْسِيرا فانتظم من الْآيَة وَالْخَبَر أَن الطُّهْر الَّذِي لم يُجَامع فِيهِ مَحل لطلاق السّنة وَقَول الشَّيْخ فَالسنة أَن يُوقع الطَّلَاق فِي طهر غير مجامع فِي يرد عَلَيْهِ أَنه لَو وَطئهَا فِي آخر الْحيض ثمَّ طلق فِي الطُّهْر الَّذِي يَلِيهِ قبل أَن يُجَامع فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يكون سنة على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَالله أعلم
وَأما طَلَاق الْبِدْعَة فَهُوَ أَن يطلقهَا فِي الْحيض مُخْتَارًا وَهِي مِمَّن تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ من غير عوض من جِهَتهَا أَو يطلقهَا فِي طهر جَامعهَا فِيهِ بِلَا عوض مِنْهَا وَهِي مِمَّن يجوز أَن تحبل وَلم يتَحَقَّق حملهَا وَدَلِيله حَدِيث ابْن عمر وَادّعى الإِمَام الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَن الطَّلَاق فِي الْحيض يطول عَلَيْهَا الْعدة لِأَن بَقِيَّة الْحيض لَا يحْسب من الْعدة وَفِيه إِضْرَار بهَا وَأما الطَّلَاق فِي الطُّهْر الَّذِي جَامعهَا فِيهِ فَلِأَنَّهُ رُبمَا يعقبه نَدم عِنْد ظُهُور الْحمل فَإِن الْإِنْسَان قد يُطلق الْحَائِل دون الْحَامِل وَإِذا نَدم فقد لَا يَتَيَسَّر التَّدَارُك فيتضرر الْوَلَد وَالله أعلم قَالَ
بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات فصل وَيملك الْحر ثَلَاث تَطْلِيقَات وَالْعَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ
يملك الْحر على زَوجته حرَّة كَانَت أَو أمة ثَلَاث تَطْلِيقَات لما
روى أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ

(1/392)


جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي أسمع الله يَقُول {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَبِهَذَا فسرت عَائِشَة وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم وَقيل الثَّلَاثَة فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} الْآيَة وَلِأَنَّهُ حق خَالص للزَّوْج يخْتَلف بِالرّقِّ وَالْحريَّة فَكَانَ كعدد الزَّوْجَات وَأما العَبْد فَلَا يملك إِلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَلَاق العَبْد ثِنْتَانِ وروى الشَّافِعِي أَن مكَاتبا لأم سَلمَة طلق حرَّة طَلْقَتَيْنِ وَأَرَادَ الرّجْعَة فَسَأَلَ عُثْمَان وَمَعَهُ زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُمَا فابتدراه وَقَالا حرمت عَلَيْك وَلَا فرق بَين الْقِنّ وَالْمُدبر وَالْمكَاتب وَكَذَا الْمُبْغض وَمَتى طلق الْحر أَو العَبْد جَمِيع مَا يملك لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَيصِح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق إِذا وَصله بِهِ)
الِاسْتِثْنَاء صَحِيح مَعْهُود وَفِي الْكتاب وَالسّنة مَوْجُود ثمَّ تَارَة يَقع فِي الْعدَد وَتارَة يَقع بِلَفْظ الْمَشِيئَة فَإِن وَقع فِي الْعدَد فَلهُ شَرْطَانِ
أَحدهمَا أَن يكون مُتَّصِلا باللفط فَإِن انْفَصل فَهُوَ بَاطِل وسكتة التنفس والعي لَا يمنعان الِاتِّصَال قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والاتصال الْمَشْرُوط هُنَا أبلغ من اشْتِرَاطه بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول لِأَنَّهُ يحْتَمل بَين كَلَامي الشخصين مَا لَا يحْتَمل بَين كَلَام شخص وَاحِد وَلِهَذَا لَا يَنْقَطِع التخلل بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول بتخلل كَلَام يسير فِي الْأَصَح وَيَنْقَطِع الِاسْتِثْنَاء على الصَّحِيح وَهل يشْتَرط قرن الِاسْتِثْنَاء بِأول اللَّفْظ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا بل لَو بدا لَهُ الِاسْتِثْنَاء بعد تَمام الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فاستثنى حكم بِصِحَّة الِاسْتِثْنَاء
وَثَانِيهمَا وَادّعى الْفَارِسِي الْإِجْمَاع عَلَيْهِ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء حَتَّى يتَّصل بِأول الْكَلَام قَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح وَجه ثَالِث وَهُوَ صِحَة الِاسْتِثْنَاء بِشَرْط وجود النِّيَّة قبل فرَاغ الْيَمين وَإِن لم يقارن أَولهَا وَالله أعلم
ثمَّ مَا ذَكرْنَاهُ من اتِّصَال اللَّفْظ واقتران الْقَصْد بِأول الْكَلَام يجْرِي فِي الإستثناء بألا وَأَخَوَاتهَا وَسَوَاء فِي ذَلِك التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ وَسَائِر التعليقات

(1/393)


الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يكون الِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْرقا فَإِن استغرق فَهُوَ بَاطِل وَيَقَع الْجَمِيع وَالله أعلم
مِثَاله قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدًا أَو اثْنَتَيْنِ مُتَّصِلا مَعَ النِّيَّة الْمُعْتَبرَة لم يَقع الْمُسْتَثْنى فَإِن قَالَ إِلَّا ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث للإستغراق وَالله أعلم أما إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله فَينْظر إِن سبقت إِن شَاءَ الله إِلَى لِسَانه لتعوده لَهَا كَمَا هُوَ الْأَدَب أَو قصد التَّبَرُّك بِذكر الله تَعَالَى أَو قصد الْإِشَارَة إِلَى أَن الْأُمُور كلهَا بِمَشِيئَة الله أَو لم يقْصد تَعْلِيقا محققاً لم يُؤثر ذَلِك وَوَقع الطَّلَاق وَإِن قصد التَّعْلِيق حَقِيقَة لم تطلق على الْمَذْهَب لأمرين
أَحدهمَا وَهُوَ طَرِيق الْمُتَكَلِّمين أَنه يَقْتَضِي مَشِيئَة جَدِيدَة ومشيئة الله تَعَالَى قديمَة فَإِذا تَعَذَّرَتْ الصّفة لم تطلق
وَالثَّانِي وَهُوَ طَرِيق الْفُقَهَاء أَنا لم نتحقق وجود الْمَشِيئَة فَلم تطلق لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح كَمَا لَو علق بِمَشِيئَة زيد فَمَاتَ وَلم تعلم مَشِيئَة فَإِنَّهَا لَا تطلق وَفِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من أعتق أَو طلق وَاسْتثنى فَلهُ ثنياه بِالْقِيَاسِ على غَيره من الشُّرُوط كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ أَبوك أَو أمك أَو شِئْت وَنَحْو ذَلِك وَلَا فرق فِي الِاسْتِثْنَاء بَين أَن يَقُول أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله أَو إِن شَاءَ الله فَأَنت طَالِق أَو مَتى شَاءَ الله أَو إِذا شَاءَ الله وَكَذَا لَو قَالَ إِن شَاءَ الله أَنْت طَالِق وَفِي هَذِه الصِّيغَة وَجه أَن يَقع
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَن شَاءَ الله بِفَتْح الْهمزَة حكى فِي أصل الرَّوْضَة هُنَا ثَلَاثَة أوجه فَقَالَ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَن شَاءَ الله بِفَتْح الْهمزَة وَقع فِي الْحَال وَفِي وَجه لَا يَقع وَفِي ثَالِث يفرق بَين عَارِف النَّحْو وَغَيره وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ وَمُقْتَضَاهُ وُقُوع الطَّلَاق على الصَّحِيح لكنه صحّح من زِيَادَته خلاف ذَلِك ذكره قبيل الْفَصْل الْمَعْقُود للتعليق بالجمل فَقَالَ هُنَاكَ فِي أصل الرَّوْضَة إِن الشّرطِيَّة بِكَسْر الْهمزَة فَإِن فتحت صَارَت للتَّعْلِيل فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَن لم أطلقك بِفَتْح الْهمزَة طلقت فِي الْحَال إِلَّا أَن يكون الرجل مِمَّن لَا يعرف اللُّغَة وَلَا يُمَيّز بَين إِن وَأَن وَقَالَ قصدت التَّعْلِيق فَيصدق وَقَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا أشبه وَقَالَ النَّوَوِيّ من زِيَادَته إِن من لم يعرف اللُّغَة لَا يَقع عَلَيْهِ مُطلقًا وَيحمل على التَّعْلِيق قَالَ وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قطع الْأَكْثَرُونَ وَالله أعلم انْتهى مُلَخصا وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم يَشَأْ الله أَو إِذا لم يَشَأْ الله لم تطلق على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يَشَاء الله تَعَالَى فَوَجْهَانِ أصَحهمَا فِي أصل الرَّوْضَة لَا يَقع الطَّلَاق كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله

(1/394)


وَالثَّانِي يَقع الطَّلَاق وَبِه قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ أوقع الطَّلَاق وَجعل الملخص مِنْهُ مَشِيئَة الله وَهِي غير مَعْلُومَة فَلَا يحصل الْخَلَاص كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَلَاق إِلَّا أَن يَشَاء زيد وَلم يعلم بمشيئته فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق والقائلون بِالصَّحِيحِ يَقُولُونَ إِن هَذَا تَعْلِيق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة وَهِي غير مَعْلُومَة كَمَا أَن التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ وَهِي غير مَعْلُومَة وَأَيْضًا فَمَعْنَاه حصر الْوُقُوع فِي حَال عدم مَشِيئَة الْوُقُوع وَهُوَ تَعْلِيق على مُسْتَحِيل لِأَن الْوُقُوع بِخِلَاف مَشِيئَة الله محَال وَالتَّعْلِيق على المستحيل لَا يَقع بِهِ طَلَاق كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن صعدت السَّمَاء هَذَا مَا صَححهُ الإِمَام الْغَزالِيّ وَغَيرهمَا وَجرى عَلَيْهِ الْقفال وَنَقله عَن نَص الشَّافِعِي قَالَ الرَّافِعِيّ وَهُوَ أقوى وَلِهَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة يَعْنِي عدم الْوُقُوع وَالله أعلم
(مَسْأَلَة) قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله وَلم يقْصد تبركاً وَلَا تَعْلِيقا بل أطلق فَهَل يعق الطَّلَاق أم لَا وَهَذِه الْحَالة وَهِي حَالَة الْإِطْلَاق لم يذكرهَا الرَّافِعِيّ وَلَا النَّوَوِيّ قَالَ الأسنوي وَحكمه أَنه لَا يَقع وَالله أعلم
(فَائِدَة) إِذا فرعنا على الْمَذْهَب أَن قَوْله إِن شَاءَ الله لَا يَقع مَعَه طَلَاق بِشُرُوطِهِ كَذَلِك أَيْضا الِاسْتِثْنَاء يمْنَع انْعِقَاد التَّعْلِيق كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار وَنَحْوه إِن شَاءَ الله وَيمْنَع أَيْضا الْعتْق كَقَوْلِه أَنْت حر إِن شَاءَ الله وَيمْنَع إنعقاد النّذر وَالْيَمِين وَيمْنَع صِحَة البيع وَسَائِر التَّصَرُّفَات وَالله أعلم قَالَ
(وَيصِح تَعْلِيقه بِالصّفةِ وَالشّرط)
كَمَا يَصح تَنْجِيز الطَّلَاق كَذَلِك يَصح تَعْلِيقه واستأنس الْأَصْحَاب لذَلِك بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم وقاسوه على الْعتْق فَإِن الْعتْق ورد بِالتَّدْبِيرِ وَهُوَ تَعْلِيق عتق بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق يتقاربان فِي كثير من الْأَحْكَام
وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الْمَرْأَة قد تخَالف الزَّوْج فِي بعض مقاصده وَيكرهُ كلاقها لكَون الطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات إِلَى الله وَلكنه يَرْجُو موافقتها فيعلق طَلاقهَا بِفعل مَا يكرههُ أَو ترك مَا يُريدهُ فَإِن تركت مَا يكرههُ أَو فعلت مَا يُريدهُ فَذَاك وَإِلَّا فَهِيَ مختارة للطَّلَاق كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَفِيه مُنَازعَة من جِهَة أَن الْمَعْنى الَّذِي ذكره يَقْتَضِي وجود التَّعْلِيق عِنْد وجوده لَا عِنْد عَدمه وَلَا قَائِل بِالْفرقِ وَأَيْضًا فَالْقِيَاس على الْعتْق مَمْنُوع فَإِنَّهُ ضِدّه لِأَن الْعتْق مَحْبُوب إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَنَاسَبَ أَن يُوسع فِيهِ

(1/395)


بِالتَّعْلِيقِ وَالطَّلَاق مبغوض إِلَى الرب فَلَا يُنَاسب ذَلِك وَلِهَذَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لِمعَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ مَا خلق الله عز وَجل على وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن التَّعْلِيق بِالصّفةِ وَالشّرط بَاب متسع جدا فنقتصر على بعض الْأَمْثِلَة ليدل مَا ذَكرْنَاهُ على مَا لم نذكرهُ إِذْ هَذَا الْكتاب لَا يَلِيق بِهِ الاتساع وَقيل ذكر الْأَمْثِلَة يعلم أَن الطَّلَاق إِذا علق على شَرط لم يجز الرُّجُوع فِي التَّعْلِيق وَسَوَاء علقه بِشَرْط مَعْلُوم الْحُصُول أَو محتمله لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بِوُجُود الشَّرْط وَلَا يحرم الْوَطْء قبل وجود الشَّرْط وَوُقُوع الطَّلَاق وَلَو شكّ فِي وجود الصّفة أَو الشَّرْط الْمُعَلق عَلَيْهِمَا لم يَقع طَلَاق إِذْ الأَصْل عدم ذَلِك وَلَو علق الطَّلَاق بِصفة ثمَّ قَالَ عجلت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة لَا يتعجل على الصَّحِيح فَمن الْأَمْثِلَة مَا إِذا قَالَ لزوجته عِنْد التخاصم أَو غَيره أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَيشْتَرط مشيئتها فِي مجْلِس التجارب يَعْنِي التخاطب فَإِن أخرت لم تطلق وَإِن قَالَت شِئْت على الْفَوْر طلقت وَوجه اشْتِرَاط الْفَوْر بشيئين
أَحدهمَا أَن هَذَا التَّعْلِيق استدعاء رَغْبَة جَوَاب مِنْهَا فَينزل منزلَة الْقبُول فِي الْعُقُود
وَالثَّانِي أَن يتَضَمَّن تخييرها وتمليكها الْبضْع فَكَانَ كَمَا لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك وَلَو قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفسك فَهُوَ تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَيْهَا وَهُوَ تمْلِيك الطَّلَاق على الْجَدِيد فَيشْتَرط لوُقُوع الطَّلَاق تطليقها على الْفَوْر وَكَذَا لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك على كَذَا يَعْنِي على مائَة وَنَحْوهَا فَيشْتَرط الْفَوْر وَتبين مِنْهُ ويلزمها الْمُسَمّى فَلَو أخرت وَطلقت لم يَقع هَذَا إِذا كَانَت الزَّوْجَة مكلفة راضية أما لَو كَانَت مَجْنُونَة أَو صَغِيرَة غير مُمَيزَة لم تطلق فَإِن كَانَت مُمَيزَة فَوَجْهَانِ صحّح النَّوَوِيّ أَنَّهَا لَا تطلق أَيْضا وَلَو كَانَت غير راضية فِي الْبَاطِن طلقت فِي الظَّاهِر وَهل تطلق بَاطِنا وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يَقع وَبِه قَالَ غير وَاحِد كَمَا لَو علق على حَيْضهَا فَقَالَت حِضْت وَهِي كَاذِبَة فَإِنَّهُ لَا يَقع بَاطِنا وَالأَصَح فِي الْمُحَرر والمنهاج والتهذيب وَبِه قَالَ الْقفال وَغَيره أَنه يَقع لِأَن التَّعْلِيق فِي الْحَقِيقَة بِلَفْظ الْمَشِيئَة وَقد وجدت لَا بِمَا فِي الْبَاطِن وَلَو شَاءَت بقلبها وَلم تَنْطَلِق بلسانها قَالَ الإِمَام الَّذِي يجب الْقطع بِهِ أَنَّهَا لَا تطلق ظَاهرا وَلَا بَاطِنا لِأَن الْكَلَام الْجَارِي على النَّفس لَيْسَ جَوَابا وَأبْدى الرَّافِعِيّ فِي الْوُقُوع تردداً وَحكى فِي الرَّوْضَة فِي ذَلِك وَجْهَيْن وَلَو قَالَت شِئْت فكذبها فَإِن قُلْنَا إِن الْمُعَلق عَلَيْهِ اللَّفْظ فَالْقَوْل قَوْله وَإِن قُلْنَا مَا فِي نفس الْأَمر فَالْقَوْل قَوْلهَا حَكَاهُ مجلي وَلَو علق الطَّلَاق بمشيئتها لَا على مخاطبته لَهَا فَقَالَ زَوْجَتي طَالِق إِن شَاءَت لم يشْتَرط الْمَشِيئَة على الْفَوْر على الْأَصَح سَوَاء كَانَت حَاضِرَة أم غَائِبَة وَلَو قَالَ لأَجْنَبِيّ إِن شِئْت فزوجتي طَالِق فَالْأَصَحّ أَنه لَا يشْتَرط مَشِيئَته على الْفَوْر إِذْ لَا تمْلِيك لَهُ وَلَو قَالَ إِن شِئْت وَشاء فلَان فَأَنت طَالِق اشْترط مشيئتها

(1/396)


على الْفَوْر وَفِي مَشِيئَة فلَان وَجْهَان الصَّحِيح لَا يشْتَرط الْفَوْر وَإِذا علق بمشيئتها فَأَرَادَ أَن يرجع قبل مشيئتها لم يكن كَسَائِر التعليقات ثمَّ هَذَا كُله إِذا علق بقوله أَنْت طَالِق إِن شِئْت أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مني شِئْت طلقت مَتى شَاءَت وَإِن فَارَقت الْمجْلس لِأَنَّهُ تَعْلِيق على صفة لَا تَقْتَضِي فَوْرًا وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت أَنا فَمَتَى شَاءَ وَقع الطَّلَاق وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق كَيفَ شِئْت قَالَ الْبَغَوِيّ وَأَبُو زيد والقفال تطلق شَاءَت أم لم تشأ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا تطلق حَتَّى تُوجد مَشِيئَته فِي الْمجْلس مَشِيئَة أَن تطلق وَأَن لَا تطلق
قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا الحكم إِذا قَالَ على أَي وَجه شِئْت كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ هُنَا ثمَّ أعَاد ذَلِك فِي بَاب الْعتْق قبيل الْوَلَاء وَاقْتضى نَقله هُنَاكَ رُجْحَان اشْتِرَاط الْمَشِيئَة وَالله أعلم
وَمِنْهَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك أَن لَا تطلقي فَلَا يَقع طَلَاق كَمَا لَو قَالَ إِلَّا أَن لَا يدْخل أَبوك الدَّار فَإِنَّهَا لَا تطلق إِن دخل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق لَوْلَا أَبوك لم تطلق على الصَّحِيح وَمِنْهَا لَهُ زوجتان فَقَالَ من أَخْبَرتنِي مِنْكُمَا بِكَذَا فَهِيَ طَالِق فَلفظ الْخَبَر يَقع على الصدْق وَالْكذب وَلَا يخْتَص بالْخبر الأول فَإِن أخبرتاه صادقتين أَو كاذبتين مَعًا أَو على التَّرْتِيب طلقتا مَعًا وَسَوَاء قَالَ من أَخْبَرتنِي مِنْكُمَا بقدوم زيد وَنَحْوه أَو من أَخْبَرتنِي أَن زيدا قدم أَو بِأَن زيدا قد قدم على الصَّحِيح
وَمِنْهَا أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد فَقدم نَهَارا طلقت ويتبين الْوُقُوع من أول النَّهَار على الصَّحِيح وَقيل يَقع الطَّلَاق عقب الْقدوم فَلَو مَاتَت ثمَّ قدم زيد ذَلِك الْيَوْم فعلى الصَّحِيح مَاتَت مُطلقَة فَلَا يَرِثهَا الزَّوْج إِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا وَكَذَا لَو مَاتَ الزَّوْج بعد الْفجْر فَقدم زيد فِي يَوْمه لم تَرث مِنْهُ وَلَو خَالعهَا فِي أول النَّهَار ثمَّ قدم زيد فعلى الصَّحِيح الْخلْع بَاطِل إِن كَانَ الطَّلَاق الْمُعَلق بقدوم زيد بَائِنا وَإِن كَانَ رَجْعِيًا فعلى الْخلاف فِي خلع الرَّجْعِيَّة وَالْأَظْهَر صِحَة خلع الرَّجْعِيَّة لِأَنَّهَا زَوْجَة وَلَو قدم زيد لَيْلًا لم تطلق على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَالله أعلم
وَمِنْهَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا فَأَنت طَالِق أَو أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا طلقت بِأَيِّهِمَا وجد وتنحل الْيَمين فَلَا يَقع بِالصّفةِ الْأُخْرَى شَيْء وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار وَإِن كلمت زيدا بِلَا ألف فَأَنت طَالِق فَدخلت وَكلمَة وَقع طَلْقَتَانِ وبإحدى الصفتين طَلْقَة وَإِن قَالَ إِن دخلت وَكلمت بِلَا إِذن فَأَنت طَالِق فَلَا بُد من وجود الدُّخُول والتكليم وَيَقَع طَلْقَة وَاحِدَة وَسَوَاء تقدم الْكَلَام على الدُّخُول أَو تَأَخّر على الصَّحِيح وَقيل يشْتَرط تقدم الدُّخُول فَلَو أُتِي بثم بِأَن قَالَ إِن دخلت الدَّار ثمَّ كلمت زيدا فَلَا بُد مِنْهُمَا وَيشْتَرط تقدم الدُّخُول وَالله أعلم
وَمِنْهَا إِذا قَالَ إِن أكلت هَذَا الزَّبِيب فَأَنت طَالِق فأكلته طلقت فَإِن تركت وَاحِدَة فَلَا يَحْنَث وَيُقَاس بِهَذَا أشباهه وَلَو قَالَ إِن أكلت هَذَا الرَّغِيف فَأَنت طَالِق فأكلته إِلَّا فتاتاً قَالَ القَاضِي حُسَيْن

(1/397)


لَا يَحْنَث كَمَا لَو قَالَ إِن أكلت هَذِه الرمانة فَأَنت طَالِق فَأَكَلتهَا إِلَّا حَبَّة فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَقَالَ الإِمَام وَإِن بَقِي قِطْعَة تحس وَيجْعَل لَهَا مَوضِع لم يَحْنَث وَرُبمَا يضْبط بِأَن تسمى قِطْعَة خبز وَإِن دق مدركه لم يبْق لَهُ أثر فِي بر وَلَا حنث قَالَ الرَّافِعِيّ وَالْوَجْه تنزل إِطْلَاق القَاضِي حُسَيْن على هَذَا التَّفْصِيل وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو وَقع الْحجر فِي الدَّار فَقَالَ إِن لم تخبريني هَذِه السَّاعَة من رَمَاه وَإِلَّا فَأَنت طَالِق فَفِي فتاوي القَاضِي حُسَيْن أَنا إِن قَالَت رَمَاه مَخْلُوق لم تطلق وَإِن قَالَت رَمَاه آدَمِيّ طلقت لجَوَاز أَن يكون رَمَاه الْهَوَاء أَو هرة لِأَنَّهُ وجد سَبَب الْحِنْث وشككنا فِي الْمَانِع وشبهوه بِمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يَشَاء زيد الْيَوْم فَمضى الْيَوْم وَلم تعرف مَشِيئَته فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق على خلاف فِيهِ سبق هَذَا كَلَام الرَّوْضَة هُنَا وَذكر فِي آخر الْبَاب الرَّابِع أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم يَشَأْ زيد أَو إِن لم يدْخل الدَّار أَو إِن لم يفعل كَذَا وَمَات وَلم يعلم وجود الصّفة فالأكثرون قَالُوا بالوقوع عِنْد الشَّك لِأَن الاصل عدم وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الإِمَام عدم الْوُقُوع قَالَ الرَّافِعِيّ وَهُوَ أوجه وَأقوى قَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح عدم الْوُقُوع للشَّكّ فِي الصّفة الْمُوجبَة للطَّلَاق وَالله أعلم
قلت وإيضاح مَا قَالَه النَّوَوِيّ أَنه وَإِن كَانَ الأَصْل عدم مَشِيئَة زيد أَو عدم دُخُول الدَّار إِلَّا أَنه عَارضه أصل النِّكَاح وَاحْتِمَال وجود مَشِيئَة زيد ودخوله الدَّار مُمكن فضعف أصل عدم الدُّخُول والمشيئة بِهَذَا الإحتمال وَلَا كَذَلِك النِّكَاح وَقِيَاس الْمُصَحح هُنَاكَ عدم الْوُقُوع فِي مَسْأَلَة الْحجر لاحْتِمَال صدقهَا فِيمَا أخْبرت بِهِ مَعَ أَن الْخَبَر يصدق على الصدْق وَالْكذب وَالله أعلم وَمِنْهَا لَو قَالَ كل كلمة كلمتيني بهَا إِن لم أقل مثلهَا فَأَنت طَالِق فَقَالَت الْمَرْأَة أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فطريق الْخَلَاص من ذَلِك أَن يَقُول أَنْت تَقُولِينَ أَنْت طَالِق ثَلَاثَة إِن شَاءَ الله وَالله أعلم وَمِنْهَا لَو قيل يَا زوج القحبة فَقَالَ إِن كَانَت امْرَأَتي بِهَذِهِ الصّفة فَهِيَ طَالِق نظر إِن قصد التَّخَلُّص من عارها وَقع الطَّلَاق وَإِلَّا فَهُوَ تَعْلِيق فَينْظر إِن كَانَت الصّفة الْمَذْكُورَة طلقت وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَو قَالَت لَهُ يَا خسيس فَقَالَ إِن كنت كَمَا تَقُولِينَ فَأَنت طَالِق نظر إِن أَرَادَ الْمُكَافَأَة طلقت سَوَاء كَانَ خسيساً أم لَا وَإِن قصد التَّعْلِيق لم تطلق إِلَّا بِوُجُود الخسية وَإِن أطلق وَلم يقْصد الْمُكَافَأَة وَلَا حَقِيقَة اللَّفْظ فَهُوَ للتعليق فَإِن عَم الْعرف بالمكافأة كَانَ على الْخلاف فِي أَنه يُرَاعِي الْوَضع أَو الْعرف وَالأَصَح وَبِه قطع الْمُتَوَلِي مُرَاعَاة اللَّفْظ فَإِن الْعرف لَا يكَاد يَنْضَبِط فِي مثل هَذَا فَأجَاب القَاضِي حُسَيْن بِمُقْتَضى الْوَجْه الآخر فَإِن شكّ فِي وجود الصّفة فَالْأَصْل أَن لَا طَلَاق وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَت لَهُ يَا أَحمَق فَقَالَ إِن كنت أَحمَق فَأَنت طَالِق فَالْأَمْر رَاجع مَعَ معرفَة الأحمق قَالَ الرَّافِعِيّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ الأحمق من نقصت مرتبَة أُمُوره وأحواله عَن مَرَاتِب أَمْثَاله نُقْصَانا بَينا بِلَا سَبَب وَلَا مرض وَقَالَ النَّوَوِيّ قَالَ صاحبا الْمُهَذّب والتهذيب الأحمق من يفعل

(1/398)


الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه مَعَ الْعلم بقبحه وَفِي التَّتِمَّة وَالْبَيَان أَنه من يعْمل مَا يضرّهُ مَعَ علمه بقبحه وَفِي الْحَاوِي الْكَبِير من يضع كَلَامه فِي غير مَوْضِعه فَيَأْتِي بالْحسنِ فِي مَوضِع الْقَبِيح وَعَكسه وَقَالَ ثَعْلَب الأحمق من لَا ينْتَفع بعقل وَالله أعلم
وَمِنْهَا قَالَ رجل لزوجته سرقت أَو زَنَيْت فَقَالَت لم أفعل ذَلِك فَقَالَ إِن كنت سرقت أَو زَنَيْت فَأَنت طَالِق حكم بِوُقُوع الطَّلَاق فِي الْحَال بِإِقْرَارِهِ السَّابِق كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ جازمين بِهِ وَفِيه نظر وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن ضربتك فَأَنت طَالِق فَتطلق إِذا حصل الضَّرْب بِالسَّوْطِ أَو الوكز أَو اللكز وَلَا يشْتَرط أَن يكون حَائِل وَيشْتَرط الايلام على الْأَصَح والعض وَقطع الشّعْر لَا يُسمى ضربا فَلَا يَقع بِهِ الطَّلَاق وَتوقف الْمُزنِيّ فِي العض وَلَو قصد ضرب غَيرهَا فأصابها طلقت وَلم يقبل قَوْله لِأَن الضَّرْب تَيَقّن وَيحْتَمل أَن يصدق قَالَه الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن رَأَيْت فلَانا فَأَنت طَالِق فرأته حَيا أَو مَيتا أَو نَائِما طلقت وَيَكْفِي رُؤْيَة شَيْء من بدنه وَإِن قل وَقيل يعْتَبر الْوَجْه وَإِن رَأَتْهُ مَسْتُورا أَو إِن رأه فِي الْمَنَام لم تطلق وَإِن رَأَتْهُ فِي مَاء صَاف أَو من وَرَاء زجاج شفاف طلقت على الصَّحِيح وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق فكلمته وَلَو كَانَ سَكرَان أَو مَجْنُونا طلقت قَالَ ابْن الصّباغ يشْتَرط أَن يكون السَّكْرَان بِحَيْثُ يسمع وَيتَكَلَّم وَلَو كَلمته وَهُوَ مغمى عَلَيْهِ أَو وَهُوَ نَائِم لم تطلق وَإِن كَلمته وَهِي مَجْنُونَة قَالَ ابْن الصّباغ لَا تطلق وَعَن القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا تطلق قَالَ الرَّافِعِيّ وَالظَّاهِر تَخْرِيجه على حنث النَّاسِي وَإِن كَلمته وَهِي سكرانة طلقت على الْأَصَح وَلَو خفضت صَوتهَا بِحَيْثُ لَا يسمع لم تطلق وَإِن وَقع فِي سَمعه شَيْء فَهُوَ الْمَقْصُود اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُقَال كَلمته وَلَو نادته من مَسَافَة بعيدَة لَا يسمع مِنْهَا الصَّوْت لم تطلق فَلَو حملت الرّيح كَلَامهَا وَوَقع فِي سَمعه فَالْمَذْهَب أَنَّهَا لَا تطلق وَإِن كَانَت الْمسَافَة بِحَيْثُ يسمع فِيهَا الصَّوْت فَلم يسمع لذهول أَو شغل طلقت فَإِن لم يسمع لعَارض ريح أَو لصمم فِيهِ وَجْهَان لم يصحح الرَّافِعِيّ وَلَا النَّوَوِيّ هُنَا شَيْئا صحّح الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير الْوُقُوع وَجزم بِهِ فِي الشَّرْح الْكَبِير فِي صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد إسماع أَرْبَعِينَ إِلَّا أَنه فرض الْمَسْأَلَة فِي الصمم فَقَط وَنَقله فِي التَّتِمَّة عَن نَص الشَّافِعِي وَأما النَّوَوِيّ فإختلف تَصْحِيحه فصحح فِي تَصْحِيح فِي التَّنْبِيه أَنه لَا يَقع وَجزم فِي صَلَاة الْجُمُعَة بالوقوع وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن سرقت مني شَيْئا فَأَنت طَالِق فَدفع إِلَيْهَا كيساً فَأخذت مِنْهُ شَيْئا لَا تطلق لِأَنَّهُ خِيَانَة لَا سَرقَة
قلت كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَفِيه نظر من جِهَة أَن الْعَاميّ لَا يفرق بَين السّرقَة والخيانة فَإِذا فسرت السّرقَة بالخيانة وأخذنا بذلك أوقعنا عَلَيْهِ الطَّلَاق عملا بعرفه واعتقاده وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ الْمَدْيُون لصَاحب الدّين إِن أخذت مَالك عَليّ فامرأتي طَالِق فَأَخذه صَاحب

(1/399)


الدّين مُخْتَارًا طلقت امْرَأَة الْمَدْيُون سَوَاء كَانَ الْمَدْيُون مُخْتَارًا فِي الْإِعْطَاء أَو مكْرها وَسَوَاء أعطي بِنَفسِهِ أَو استسلفه صَاحب الدّين قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا لَو أَخذه الْحَاكِم وَدفعه إِلَى صَاحب الدّين وَفِي كتب الْعِرَاقِيّين لَا يَقع الطَّلَاق إِذا أَخذه الْحَاكِم وَدفعه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا أَخذه الْحَاكِم بَرِئت ذمَّة الْمَدْيُون وَصَارَ الْمَأْخُوذ حَقًا لصَاحب الدّين فَلَا يبْقى لَهُ حق عَلَيْهِ وَلَا يصير بِأَخْذِهِ من الْحَاكِم آخِذا حَقه من الْمَدْيُون وَلَو قضى حَقه أَجْنَبِي قَالَ الدَّارمِيّ لَا تطلق لِأَنَّهُ بدل حَقه لَا حَقه بِنَفسِهِ وَلَو قَالَ إِن أخذت حَقك منى لم تطلق بِإِعْطَاء وَكيله وَلَا بِإِعْطَاء السُّلْطَان من مَاله فَإِن أكرهه السُّلْطَان حَتَّى أعْطى بِنَفسِهِ فعلى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُكْره وَلَو قَالَ إِن أَعطيتك حَقك فامرأتي طَالِق فَأعْطَاهُ بِاخْتِيَارِهِ طلقت سَوَاء كَانَ الْآخِذ مُخْتَارًا فِي الْأَخْذ أم لَا وَلَا تطلق بِإِعْطَاء الْوَكِيل وَالسُّلْطَان لِأَنَّهُ لم يُعْطه وَإِنَّمَا أعطَاهُ غَيره
قلت هَذَا صَحِيح حَيْثُ أَرَادَ أَن لَا يُعْطِيهِ بِنَفسِهِ أَو أطلق أما إِذا أَرَادَ بِإِعْطَاء عدم الْوَفَاء وَبَقَاء الْحق عَلَيْهِ فَيحنث بِإِعْطَاء الْوَكِيل وَالْحَاكِم لِأَنَّهُ غلط على نَفسه لِأَن صرف اللَّفْظ عَن حَقِيقَته إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي الصَّحِيح مُسْتَعْمل فَيعْمل بِهِ وَالله أعلم
وَمِنْهَا إِذا قَالَ إِن كلمتك فَأَنت طَالِق ثمَّ أَعَادَهُ طلقت وَكَذَا لَو قَالَ اعرفي ذَلِك طلقت لِأَنَّهُ كلمها وَلَو قَالَ إِن بدأتك بالْكلَام فَأَنت طَالِق أَو بِالسَّلَامِ فَأَنت طَالِق فبدأته لم تطلق وتنحل الْيَمين وَالله أعلم
وَمِنْهَا سُئِلَ القَاضِي حُسَيْن عَن امْرَأَة صعدت السَّطْح بالمفتاح فَقَالَ إِن لم تلق الْمِفْتَاح فَأَنت طَالِق فَلم تلقه وَنزلت بِهِ فَقَالَ لَا يَقع الطَّلَاق وَيحمل قَوْله إِن لم تلقه على التَّأْبِيد كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن دخل عَلَيْهِ صديقه فَقَالَ تغذ معي فَامْتنعَ فَقَالَ إِن لم تتغد معي فامرأتي طَالِق فَلم يفعل لَا يَقع الطَّلَاق فَلَو تغدى بعد ذَلِك مَعَه وَإِن طَال الزَّمَان انْحَلَّت يَمِينه وَإِن نوى أَن يتَعَدَّى مَعَه فِي الْحَال فَامْتنعَ وَقع الطَّلَاق وَرَأى الْبَغَوِيّ حمل الْمُطلق على الْحَال لأجل الْعَادة وَسُئِلَ القَاضِي أَيْضا عَن رجل قَالَ لامْرَأَته إِن لم تبيعي هَذِه الدجاجات فَأَنت طَالِق فقتلت وَاحِدَة مِنْهُنَّ طلق لتعذر بيع الْجَمِيع وَإِن ذبحت وَاحِدَة وباعتهن مَعَ المذبوحة لم تطلق وَسُئِلَ عَمَّن قَالَ إِن قَرَأت سُورَة الْبَقَرَة فِي صَلَاة الصُّبْح فَأَنت طَالِق فقرأتها ثمَّ فَسدتْ صلَاتهَا فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لم تطلق على الصَّحِيح لِأَن الصَّلَاة عبَادَة وَاحِدَة يفْسد أَولهَا بِفساد آخرهَا وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ لزوجته إِن غسلت ثوبي فَأَنت طَالِق فغسلته أَجْنَبِيَّة ثمَّ غمسته زَوجته فِي المَاء تنظيفاً فَفِي فَتَاوَى القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا لَا تطلق لِأَن الْعرف فِي مثل هَذَا يغلب وَالْمرَاد بِالْعرْفِ الْغسْل بالصابون والأشنان وَنَحْوهمَا وَإِزَالَة الْوَسخ وَقَالَ غير القَاضِي إِن أَرَادَ الْغسْل من الْوَسخ لم تطلق وَإِن أَرَادَ التَّنْظِيف فَلَا حنث وَإِن أطلق فَلَا حنث هَذَا كَلَام الرَّوْضَة وَقَوله فَلَا حنث سَهْو

(1/400)


لموافقته لما قبله وَصَوَابه حنث وَكَذَا هُوَ فِي الرَّافِعِيّ وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو حلف شخص أَنه لَا يخرج من الْبَلَد حَتَّى يقْضِي دين فلَان بِالْعَمَلِ فَعمل لَهُ بِبَعْض دينه وَقضى الْبَاقِي من مَوضِع آخر ثمَّ خرج طلقت فَلَو قَالَ أردْت أَنِّي لَا أخرج حَتَّى أخرج إِلَيْهِ من دينه وأقضي حَقه قبل قَوْله فِي الحكم قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ
وَمِنْهَا حلف شخص أَن هَذَا الَّذِي أَخذه من فلَان وَشهد بِهِ عَدْلَانِ أَنه لَيْسَ ذَلِك طلقت على الصَّحِيح لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت شَهَادَة على النَّفْي إِلَّا أَنه نفي يُحِيط بِهِ الْعلم كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ قَالَ الاسنوي الْحِنْث غير صَحِيح على قَاعِدَته فَإِنَّهُ إِذا حلف مُعْتَقدًا أَنه ذَلِك الشَّيْء وَلَيْسَ إِيَّاه لكَونه جَاهِلا بِهِ فَالْأَصَحّ أَن الْجَاهِل لَا يَحْنَث وَقد صرح الرَّافِعِيّ بِهَذِهِ الْقَاعِدَة فِي أول كتاب الْأَيْمَان إِذا حلف بِالطَّلَاق أَنه لم يفعل كَذَا فَشهد عَدْلَانِ عِنْده أَنه فعله وتيقن صدقهما أَو غلب على ظَنّه صدقهما لزمَه الْأَخْذ بِالطَّلَاق كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الرواياني وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَقَالَ الاسنوي هَذَا إِنَّمَا يَجِيء إِذا فرعنا على حنث النَّاسِي فاعرفه وَهُوَ قريب مِمَّا مر وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ لزوجته إِن خرجت من الدَّار بِغَيْر إذني فَأَنت طَالِق فأخرجها هُوَ فَهَل يكون إِذْنا وَجْهَان الْقيَاس الْمَنْع كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الرَّوْيَانِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَمُقْتَضَاهُ وُقُوع الطَّلَاق وَالله أعلم
وَمِنْهَا أَنه لَو قَالَ إِن لم تخرجي اللَّيْلَة من دَاري فَأَنت طَالِق فخالعها مَعَ أَجْنَبِي فِي اللَّيْل وجدد نِكَاحهَا وَلم تخرج لم تطلق وَأَنه لَو حلف لَا يخرج من الْبَلَد إِلَّا مَعهَا فَخَرَجَا أَو تقدم بخطوات فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا يَحْنَث للْعُرْف
وَالثَّانِي يَحْنَث وَلَا يحصل الْبر إِلَّا بخروجهما مَعًا بِلَا تقدم وَأَنه لَو حلف لَا يضْربهَا إِلَّا بِالْوَاجِبِ فشتمته فضربها بالخشب طلقت لِأَن الشتم لَا يُوجب الضَّرْب بالخشب وَإِنَّمَا تسْتَحقّ بِهِ التَّعْزِير وَقيل خِلَافه كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح أَنَّهَا لَا تطلق فِي مَسْأَلَة الضَّرْب وَلَا فِي مَسْأَلَة التَّقَدُّم بخطوات يسيرَة وَالله أعلم وَلَو سرقت من زَوجهَا دِينَارا فَحلف بِالطَّلَاق لتردينه وَكَانَت قد أنفقته لَا تطلق حَتَّى يحصل الْيَأْس من رده بِالْمَوْتِ فَإِن تلف الدِّينَار وهما حَيَّان فوقوع الطَّلَاق على الْخلاف فِي الْحِنْث بِفعل الْمُكْره قَالَ النَّوَوِيّ إِن تلف بعد التَّمَكُّن من الرَّد طلقت على الْمَذْهَب وَالله أعلم
وَمِنْهَا أَنه لَو قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق وَأَشَارَ إِلَى مَوضِع من الدَّار فَدخلت غير ذَلِك

(1/401)


الْموضع من الدَّار فَفِي وُقُوع الطَّلَاق وَجْهَان قَالَ النَّوَوِيّ أصَحهمَا الْوُقُوع ظَاهرا لكنه إِن أَرَادَ ذَلِك الْموضع دين فِيمَا بَينه وَبَين الله وَالله أعلم
وَمِنْهَا قَالَت لَهُ زَوجته هَذَا ملكك فَقَالَ إِن كَانَ ملكي فَأَنت طَالِق ثمَّ وكل من يَبِيعهُ فَهَل يكون ذَلِك إِقْرَارا بِأَنَّهُ ملكه وَجْهَان وَكَذَا لَو تقدم التَّوْكِيل على التَّعْلِيق قَالَ النَّوَوِيّ الْمُخْتَار فِي الْحَالين أَنه لَا طَلَاق إِذْ يحْتَمل أَن يكون وَكيلا فِي التَّوْكِيل يَبِيعهُ أَو كَانَ لغيره وَله عَلَيْهِ دين وَتعذر اسْتِيفَاؤهُ فيبيعه ليتملك ثمنه أَو بَاعه غصبا أَو بَاعه بِولَايَة كالوالد وَالْوَصِيّ والناظر وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن لم تصومي غَدا فَأَنت طَالِق فَحَاضَت فوقوع الطَّلَاق على الْخلاف فِي الْمُكْره
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن لم أطأك اللَّيْلَة فَأَنت طَالِق فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَعَن الْمُزنِيّ أَنه حكى عَن الشَّافِعِي وَمَالك وَأبي حنيفَة أَنه لَا طَلَاق وَاعْترض وَقَالَ يَقع الطَّلَاق لِأَن الْمعْصِيَة لَا تعلق لَهَا بِالْيَمِينِ وَلِهَذَا لَو حلف أَن يَعْصِي الله فَلم يَعْصِهِ حنث وَقيل مَا قَالَه الْمُزنِيّ هُوَ الْمَذْهَب وَاخْتَارَهُ الْقفال وَقيل على قَوْلَيْنِ كفوات الْبر بِالْإِكْرَاهِ وَكَذَا ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة هُنَا عَن الرَّوْيَانِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ ثمَّ أعَاد الرَّافِعِيّ الْمَسْأَلَة فِي الْبَاب السَّادِس من كتاب الْأَيْمَان فِي النَّوْع السَّابِع عِنْد الْحلف على اسْتِيفَاء الْحُقُوق وَجزم بِمَا قَالَه الْمُزنِيّ حكما وتعليقاً وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو حلف لَا يُعِيد بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وَأقَام بِهِ يَوْم الْعِيد وَلم يخرج إِلَى الْعِيد قَالَ البوشنجي حنث وَيحْتَمل الْمَنْع نَقله الرَّافِعِيّ عَنهُ وَأقرهُ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَمِنْهَا لَو تخاصم رجل وإمرأه على المراودة فَقَالَ إِن لم تجيئ إِلَى الْفراش السَّاعَة فَأَنت طَالِق ثمَّ طَالَتْ الْخُصُومَة بَينهمَا حَتَّى مَضَت السَّاعَة ثمَّ جَاءَت إِلَى الْفراش قَالَ البوشنجي الْقيَاس أَنَّهَا طلقت كَذَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ وَأقرهُ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَمِنْهَا لَو قَالَ لزوجته إِن خرجت من الدَّار فَأَنت طَالِق وللدار بُسْتَان بَابه مَفْتُوح إِلَيْهَا فَخرجت إِلَى الْبُسْتَان قَالَ البوشنجي الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يعد من جملَة الدَّار ومرافقها لَا تطلق وَإِلَّا فَتطلق كَذَا نَقله الشَّيْخَانِ عَنهُ وَأَقَرَّاهُ قَالَ البوشنجي لَو حلف أَنه لَا يعرف فلَانا وَقد عرفه بِوَجْهِهِ وطالت صحبته لَهُ إِلَّا أَنه لَا يعرف اسْمه حنث على قِيَاس الْمَذْهَب وَبِه قَالَ الاستراباذي
قَالَ البوشنجي وَلَو قَالَ إِن نمت على ثوب لَك فَأَنت طَالِق فَوضع رَأسه على مرفقة لَهَا لَا تطلق كَمَا لَو وضع عَلَيْهَا يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ وَالله أعلم
(مَسْأَلَة) حلف لَا يَأْكُل من طَعَام فلَان فتناهدا قَالَ البوشنجي حنث وَأقر الرَّافِعِيّ قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مُشكل لِأَن المناهدة فِي معنى الْمُعَاوضَة وَإِن لم تكن فِي معنى الْمُعَاوضَة فتتخرج على مَسْأَلَة الضَّيْف وَالله أعلم

(1/402)


والمناهدة خلط الْمُسَافِرين نَفَقَتهم واشتراكهم فِي الْأكل من الْمُخْتَلط ثمَّ أعَاد الرَّافِعِيّ الْمَسْأَلَة فِي آخر كتاب الْأَيْمَان وفسرها بتفسير هُوَ أَعم مِمَّا فسره النَّوَوِيّ وَذكر مَا ذكره النَّوَوِيّ من التَّخْرِيج على مَسْأَلَة الضَّيْف وَالله أعلم
وَمِنْهَا قَالَ البوشنجي لَو قَالَ إِن دخلت دَار فلَان مَا دَامَ فِيهَا فَأَنت طَالِق فتحول فلَان مِنْهَا ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فدخلتها لَا تطلق وَأقرهُ الشَّيْخَانِ على ذَلِك قَالَ البوشنجي وَلَو قَالَ إِن أغضبتك فَأَنت طَالِق فَضرب ابْنهَا طلقت وَإِن كَانَ ضرب تَأْدِيب
قلت كَذَا أطلقهُ الشَّيْخَانِ وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن أَمرته بضربه أَو لم أمره وَادعت أَنَّهَا لم تغْضب لم يَقع لعدم وجود الصّفة إِذْ لَا يلْزم من الضَّرْب الْغَضَب وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن أكلت من الَّذِي تطبخيه فَهِيَ طَالِق فَوضعت الْقدر على الكانون وأوقد غَيرهَا لم تطلق وَكَذَا لَو سجر التَّنور غَيرهَا وَوضعت الْقدر فِيهِ كَمَا قَالَه الْعَبَّادِيّ وَأقرهُ الشَّيْخَانِ
قلت وَهُوَ صَحِيح فِيمَن عَادَتهَا تباشر الطَّبْخ بِنَفسِهَا وَأما مَا جرت بِهِ عَادَة أَصْحَاب الثروة من أَن الْمَرْأَة لَهَا خَادِم هِيَ تتولى وضع الْقدر على الكانون والوقيد وَالزَّوْجَة تراقبها فِي أَمر الطَّبْخ فَيتَّجه الْحِنْث إِذْ يصدق عَلَيْهَا أَنَّهَا طبخت فِي عرفهم واستعمالهم وَلِهَذَا لم تزل الزَّوْجَة تَقول عِنْد مخاصمها لم أقصر فِي حَقه وَلم أزل أطبخ لَهُ وأغسل عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدهم عرف شَائِع يطرد وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن كَانَ فِي بَيْتِي نَار فامرأتي طَالِق وَفِيه سراج طلقت قَالَه الْعَبَّادِيّ وَأقرهُ الشَّيْخَانِ
قلت وَفِيه نظر لِأَن مُقْتَضى الْعرف لَا يَقْتَضِيهِ وَهَذَا عِنْد عدم الْقَرِينَة الدَّالَّة على النَّار الْمُعْتَادَة أما عِنْد وجود الْقَرِينَة الدَّالَّة على ذَلِك كمن جَاءَ بآنية لأخذ نَار الطَّبْخ وَنَحْوه فَالْوَجْه الْقطع بِعَدَمِ الْوُقُوع وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَت لَهُ زَوجته لَا طَاقَة بِالْجُوعِ مَعَك فَقَالَ إِن جعت يَوْمًا فِي بَيْتِي فَأَنت طَالِق وَلم ينْو المجازاة فَيعْتَبر حَقِيقَة الصّفة وَلَا تطلق بِالْجُوعِ فِي أَيَّام الصَّوْم قَالَه الْعَبَّادِيّ وَأقرهُ الشَّيْخَانِ
وَمِنْهَا لَو قَالَ لزوجته إِن لم تَكُونِي أحسن من الْقَمَر اَوْ إِن لم يكن وَجهك أحسن من الْقَمَر فَأَنت طَالِق قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ والقفال وَغَيرهمَا لَا تطلق وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الحكم والاستشهاد مُتَّفق عَلَيْهِ وَقد نَص عَلَيْهِ

(1/403)


الشَّافِعِي قَالَ الْمروزِي لَو قَالَ إِن لم أكن أحسن من الْقَمَر فَأَنت طَالِق لَا تطلق وَلَو كَانَ زنجياً أسود وَالله أعلم
وَمِنْهَا إِذا علق طَلاقهَا بحيضها فَقَالَت حِضْت وَأنكر الزَّوْج صدقت بِيَمِينِهَا وَكَذَا الحكم فِي كل مَالا يعرف إِلَّا مِنْهَا كَقَوْلِه إِن أضمرت لي سوءا فَقَالَت أضمرت فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق وَلَو علق طَلاقهَا بزناها فَقَالَت زَنَيْت فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا تصدق لِأَنَّهُ خَفِي تندر مَعْرفَته فَأشبه الْحيض وأصحهما عِنْد الإِمَام وَآخَرين لَا تصدق كالتعليق بِالدُّخُولِ وَغَيره لِأَن مَعْرفَته مُمكنَة وَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح وطرد الْخلاف فِي الْأَفْعَال الْخفية الَّتِي لَا تكَاد يُوقف عَلَيْهَا وَلَو علق بِالْولادَةِ فادعتها وَأنكر وَقَالَ هَذَا الْوَلَد مستعار لم تصدق هِيَ على الْأَصَح وتطالب بِالْبَيِّنَةِ كَسَائِر الصِّفَات وَلَو علق طَلَاق غَيرهَا بحيضها لم يقبل قَوْلهَا فِيهِ إِلَّا بِتَصْدِيق الزَّوْج وَلَو قَالَ إِن حِضْت فَأَنت وضرتك طالقتان فَقَالَت حِضْت وكذبها طلقت وَلم تطلق ضَرَّتهَا على الصَّحِيح وَيشْتَرط فِي التَّعْلِيق بِالْحيضِ أَن تحيض ثمَّ تطهر وَحِينَئِذٍ يَقع الطَّلَاق إِن قَالَ إِن حِضْت حَيْضَة فَلَو قَالَ إِن حِضْت وَأطلق فَالْمَذْهَب أَنه يَقع بِرُؤْيَة الدَّم فَإِن انْقَطع قبل يَوْم وَلَيْلَة وَلم يعد إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا تَبينا أَنه لم يَقع وَالله أعلم
وَمِنْهَا فِي فَتَاوَى الْقفال لَو قَالَ إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَقَالَت أَنا حَامِل فَإِن صدقهَا الزَّوْج حكم بِوُقُوع الطَّلَاق فِي الْحَال وَإِن كذبهَا لم تطلق حَتَّى تَلد فَإِن لمسها النِّسَاء فَقَالَ أَربع مِنْهَا فَصَاعِدا إِنَّهَا حَامِل لم تطلق لِأَن الطَّلَاق لَا يَقع بقول النسْوَة وَلَو علق الطَّلَاق بِالْولادَةِ فَشهد أَربع نسْوَة بهَا لم يَقع الطَّلَاق وَإِن ثَبت النّسَب وَالْمِيرَاث لِأَنَّهُمَا من تَوَابِع الْولادَة وضروراتها بِخِلَاف الطَّلَاق وَالله أعلم
وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق لم يَقع الطَّلَاق حَتَّى يحصل الْيَأْس من التَّطْلِيق وَفِي معنى ذَلِك التَّعْلِيق بِنَفْي دُخُول الدَّار أَو الضَّرْب وَسَائِر الْأَفْعَال بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِذا لم أطلقك فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق إِذا مضى زمَان يُمكن أَن تطلق فِيهِ وَلم تطلق وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب فِي إِن وَإِذا وَهُوَ الْمَنْصُوص وَالْفرق بَين إِن وَإِذا أَن إِن حرف يدل على مُجَرّد الِاشْتِرَاط فَلَا اشعار لَهُ بِالزَّمَانِ بِخِلَاف إِذا فَإِنَّهَا ظرف زمَان وَقيل فيهمَا قَولَانِ وَلَو قَالَ مَتى لَو أطلقك أَو مهما أَو أَي حِين أَو كلما لم أفعل أَو تفعلي كَذَا فَأَنت طَالِق فَمضى زمن الْفِعْل وَلم تفعل طلقت على الْمَذْهَب كلفظة إِذا
وَاعْلَم أَن لَفْظَة إِن الْمَكْسُورَة إِذا فتحت صَارَت للتَّعْلِيل فَلَو قَالَ أَن لم أطلقك فَأَنت طَالِق بِفَتْح أَن طلقت فِي الْحَال قَالَ الرَّافِعِيّ الْأَشْبَه أَنه يَقع فِي الْحَال إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا يعرف اللُّغَة وَقَالَ قصدت التَّعْلِيق فَيقبل مِنْهُ وَيصدق قَالَ النَّوَوِيّ يكون ذَلِك للتعليق مُطلقًا إِذا كَانَ عامياً لَا يفرق بَين إِن وَأَن وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قطع الْمُحَقِّقُونَ وَمَا قَالَه النَّوَوِيّ نَقله الرَّافِعِيّ عَن الشَّيْخ أبي حَامِد

(1/404)


وَالْإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْبَغوِيّ وَاعْلَم أَن قَول الْعَاميّ أَنْت طَالِق أَن دخلت الدَّار بِفَتْح أَن كَذَاك وَكَذَا قَوْله أَنْت طَالِق إِذْ دخلت الدَّار وَإِن كَانَت للتَّعْلِيل لِأَنَّهُ فرق بَين إِذْ وَإِذا وَالله أعلم
(فرع) علق طَلَاق زَوجته بِصفة بِصفة كدخول الدَّار مثلا ثمَّ أَبَانهَا قبل الدُّخُول بخلع أَو بِالثلَاثِ فِي الْمَدْخُول بهَا أَو بِوَاحِدَة فِي غير الْمَدْخُول بهَا ثمَّ وجدت الصّفة فِي حَال الْبَيْنُونَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا ثمَّ وجدت الصّفة ثَانِيًا فِي النِّكَاح الثَّانِي لم تطلق على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَيجْرِي الْخلاف فِي عود الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَلَو لم تُوجد الصّفة فِي حَال الْبَيْنُونَة ثمَّ وجدت فِي النِّكَاح الثَّانِي لم تطلق على الرَّاجِح لِأَن التَّعْلِيق يتَعَلَّق بِالنِّكَاحِ الَّذِي وجد التَّعْلِيق فِيهِ وَالنِّكَاح المجدد غَيره فَلَو كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا ثمَّ رَاجعهَا ثمَّ وجدت الصّفة طلقت بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لَيْسَ نِكَاحا مجدداً وَلم تحدث حَالَة تمنع وُقُوع الطَّلَاق وَهَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي يعبر عَنْهَا بِعُود الْيَمين وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا يَقع الطَّلَاق قبل النِّكَاح)
شَرط وُقُوع الطَّلَاق الْولَايَة على الْمحل كالزوجية فَلَا يَصح طَلَاق غير الزَّوْج سَوَاء كَانَ بالتنجيز كَقَوْلِه لأجنبية أَنْت طَالِق أَو بِالتَّعْلِيقِ كَقَوْلِه لأجنبية إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق وَحجَّة ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق إِلَّا فِيمَا يملك وَسُئِلَ البُخَارِيّ أَي شَيْء أصح فِي الطَّلَاق قبل النِّكَاح فَقَالَ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وروى لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح وبالقياس على مَا لَو قَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ دخلت الدَّار فَإِنَّهَا لَا تطلق بالِاتِّفَاقِ وَلنَا قَول فِي الْمُعَلق أَنه يَقع وَالْمذهب أَنه لَا يَقع وَالله أعلم قَالَ
(وَأَرْبَعَة لَا يَقع طلاقهم الصَّبِي وَالْمَجْنُون والنائم وَالْمكْره)
أما الثَّلَاثَة الأول فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل وَأما الْمُكْره فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق وَلَا

(1/405)


عتاق فِي غلاق وَلَفظ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم إغلاق بِالْألف وَهُوَ الْمَحْفُوظ والإغلاق الاكراه قَالَه أَبُو عبيد والقتيبي وَفِي
حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وضع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَاعْلَم أَن المبرسم والمغمى عَلَيْهِ كالنائم وَأما السَّكْرَان فَيَقَع طَلَاقه على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ مُكَلّف وحجته قَوْله تَعَالَى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} وَلِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ رأى إِيجَاب حد المفتري لهذيانه وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على ذَلِك فَدلَّ على أَن لكَلَامه حكما كالصاحي وَلِأَنَّهُ كالصاحي فِي قَضَاء صلَاته زمن سكره فَكَذَا فِي وُقُوع الطَّلَاق وَهل يَقع طَلَاقه بَاطِنا وَجْهَان وَمن شرب دَوَاء أَزَال عقله لغير حَاجَة حكمه حكم السَّكْرَان لاشْتِرَاكهمَا فِي التَّعَدِّي بالشرب
وَاعْلَم أَن الْمُكْره على تَعْلِيق الطَّلَاق لَا يَصح مِنْهُ التَّعْلِيق كَمَا يمْنَع الاكراه تَنْجِيز الطَّلَاق وَلَا بُد من معرفَة شُرُوط الاكراه لِأَنَّهَا قد تَلْتَبِس على كثير من الْفُقَهَاء فضلا عَن المتفقهة وَكَثِيرًا مَا يَقع فِي الْفَتَاوَى مَا يَقُول الْعلمَاء فِي شخص أكره على طَلَاق زَوجته الاكراه الشَّرْعِيّ فَهَل يَقع طَلَاقه فَيَقُول الْمُفْتِي إِذا أكره الاكراه الشَّرْعِيّ لَا يَقع وَهَذَا الْجَواب وَإِن كَانَ يُقَال إِنَّه صَحِيح إِلَّا أَنه خطأ بِاعْتِبَار عدم استفسار السَّائِل وَقد كَانَ بعض مَشَايِخنَا يُفْتِي بِمثل ذَلِك فاتفق أَنه استفسر السَّائِل فِي وَاقعَة فأبان عَن معنى الاكراه الشَّرْعِيّ عِنْده فَوَجَدَهُ بِاعْتِبَار عرف ذَلِك السَّائِل وَكَانَت الصُّورَة أَن شخصا حلف بِالطَّلَاق لَا يشرب الْخمر فَمر على أَمِير كَبِير وَهُوَ يشرب الْخمر فَحلف الْأَمِير بِالطَّلَاق عَلَيْهِ ليشربن مَعَه فَشرب واعتقد أَن ذَلِك اكراه فَبعد أَن كتب لَهُ لَا يَقع الطَّلَاق أَخذ الْفَتْوَى مِنْهُ وَأَفْتَاهُ بالوقوع وَكَانَ بعد ذَلِك إِذا كتب على فَتْوَى يذكر شُرُوط الاكراه وَلَا يقْتَصر على قَوْله إِذا أكره الاكراه الشَّرْعِيّ لَا يَقع إِذا عرفت هَذَا فَيشْتَرط فِي الاكراه كَون الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء غَالِبا قَادِرًا على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء وَقدرته إِمَّا بِولَايَة أَو تغلب أَو فرط هجوم وَيشْتَرط كَون الْمُكْره مَغْلُوبًا عَاجِزا عَن الدّفع بهرب أَو مقاومة أَو استغاثة بِغَيْرِهِ وَيشْتَرط أَيْضا أَن يغلب على ظَنّه أَنه إِن امْتنع مِمَّا

(1/406)


أكرهه عَلَيْهِ أَن يُوقع بِهِ الْمَكْرُوه وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط تَنْجِيز مَا توعده بِهِ بل يَكْفِي التوعيد نعم لَا يحصل الاكراه بالتخويف بعقوبة آجله كَقَوْلِه لأَقْتُلَنك غَدا وَيشْتَرط أَيْضا أَلا يظْهر مَا يدل على إختيار الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء فَإِن ظهر خِلَافه وَقع الطَّلَاق كَمَا إِذا أكرهه أَن يُطلق زَوجته ثَلَاثًا فَطلق وَاحِدَة فَإِنَّهُ يَقع وَكَذَا عَكسه وَكَذَا إِن أكرهه على أَن يُطلق بِصَرِيح الطَّلَاق فَطلق بِالْكِنَايَةِ أَو بِصَرِيح آخر وَبِالْعَكْسِ أَو أكرهه على تَنْجِيز الطَّلَاق فعلقه أَو بِالْعَكْسِ فَلَا عِبْرَة بالاكراه فِي هَذِه الصُّور وَيَقَع الطَّلَاق لظُهُور اخْتِيَاره إِذا عرفت هَذَا فَلَا بُد من معرفَة مَا يحصل بِهِ الاكراه من الْأَمر الْمَكْرُوه وللأصحاب فِيهِ خلاف قَالَ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة وَفِيمَا يكون التخويف بِهِ اكراهاً سَبْعَة أوجه وَنحن نقتصر على مَا يُفْتى بِهِ وَالأَصَح أَنه يحصل بالتخويف بِالْقَتْلِ وَالْقطع وَالضَّرْب الشَّديد وَالْحَبْس كَذَا أطلقهُ فِي الرَّوْضَة وَقَيده فِي الْمَذْهَب وَغَيره بِالْحَبْسِ الطَّوِيل وَكَذَا يحصل الاكراه بالتخويف بِأخذ المَال واتلافه وَزَاد الشَّيْخ أَبُو عَليّ التوعد بِنَوْع استخفاف لرجل وجيه قَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح أَن الاكراه يحصل بِأَن يكرههُ على فعل يُؤثر الْعَاقِل الاقدام عَلَيْهِ حذرا مِمَّا يهدد بِهِ فعلى هَذَا ينظر فِيمَا طلب مِنْهُ وَمَا هدد بِهِ فقد يكون الشَّيْء اكراهاً فِي مَطْلُوب دون مَطْلُوب وَفِي شخص دون شخص وَالله أعلم
وَلَا يحصل الاكراه بِأَن يَقُول شخص طلق امْرَأَتك وَإِلَّا قتلت نَفسِي أَو كفرت أَو تركت الصَّلَاة وَلَا يَقُول مُسْتَحقّ الْقصاص طلق امْرَأَتك وَإِلَّا اقتصصت مِنْك وَالله أعلم وَاعْلَم أَن النَّاسِي وَالْجَاهِل لَا يَقع طَلَاقه على الرَّاجِح قَالَ النَّوَوِيّ لحَدِيث رفع عَن أمتِي وَالْمُخْتَار أَنه عَام فَيعْمل بِعُمُومِهِ إِلَّا فِيمَا دلّ الدَّلِيل على تَخْصِيصه كغرامة الْمُتْلفَات وَالله أعلم
(فرع) أَخذ الْحَاكِم الظَّالِم شخصا بِسَبَب غَيره وطالبه بِهِ فَقَالَ لَا أعرف مَوْضِعه أَو طَالبه بِمَالِه فَقَالَ لَا شَيْء لَهُ عِنْدِي فَلم يخله حَتَّى يحلف بالطلاف فَحلف بِهِ كَاذِبًا وَقع طَلَاقه ذكره الْقفال وَغَيره لِأَنَّهُ لم يكرههُ على الطَّلَاق بِخِلَاف مَا إِذا أمْسكهُ اللُّصُوص وَقَالُوا لَا نخليك حَتَّى تحلف أَنَّك لَا تذكر مَا جرى فَحلف لَا يَقع الطَّلَاق إِذا ذكره لأَنهم أكرهوه على الْحلف بِالطَّلَاق هُنَا وَالله أعلم
(فرع) تلفظ بِالطَّلَاق ثمَّ قَالَ كنت مكْرها وَأنْكرت الْمَرْأَة لايقبل قَوْله إِلَّا أَن يكون مَحْبُوسًا أَو كَانَ هُنَاكَ قرينَة أُخْرَى فَيقبل وَلَا تحل لأحد أَن يشْهد عَلَيْهِ فِي مثل ذَلِك وأشباهه بِمُطلق الطَّلَاق وَمن شهد بذلك فَهُوَ شَاهد زور آثم قلبه وَلسَانه وشهادته مَكْتُوبَة فِي صَحِيفَته الخبيثة وَيسْأل عَنْهَا وَالله بَصِير بِمَا شهد وَالله أعلم
(فرع) طلق إِحْدَى زوجتيه بِعَينهَا ثمَّ نَسِيَهَا حرم عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاع بِكُل مِنْهُمَا حَتَّى يتَذَكَّر فَلَو بادرت وَاحِدَة وَقَالَت أَنا الْمُطلقَة فَلَا يقنع مِنْهُ بقوله نسيت أَو لَا أَدْرِي بل يُطَالب بِيَمِين جازمة أَنه لم

(1/407)


يطلقهَا فَإِن نكل حَلَفت وَقضى بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَلَو طلق مُبْهما بِأَن قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق وَلم يقْصد وَاحِدَة بِعَينهَا طلقت وَاحِدَة على الابهام وبعينها هُوَ بِاخْتِيَارِهِ وَالله أعلم
(فرع) قَالَ لزوجته الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق نظر إِن سكت بَين الطلقتين سكتة فَوق سكتة التنفس وَنَحْوه وَقع الثَّلَاث فَلَو قَالَ أردْت التَّأْكِيد لم يقبل ظَاهرا ويدين وَإِن لم يسكت وَقصد التَّأْكِيد قبل وَلم يَقع إِلَّا طَلْقَة وَإِن قصد الِاسْتِئْنَاف وَقع الثَّلَاث وَكَذَا إِن أطلق على الْأَظْهر جَريا على ظَاهر اللَّفْظ لِأَن التأسيس فِيهِ أولى من التَّأْكِيد وَالله أعلم
(فرع) لَو قَالَ شخص لزوجته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقع مَا نوى وَيدل لذَلِك حَدِيث ركَانَة فِي تَحْلِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ آللَّهُ مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة فَلَو كَانَت الثَّلَاث وَاحِدَة لما كَانَ للتحليف فَائِدَة وَلِحَدِيث مُسلم فِي غير الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهَا تبين بِالْأولَى وَالله أعلم قَالَ
بَاب الرّجْعَة فصل وَإِذا طلق امْرَأَته وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَلهُ مراجعتها مَا لم تنقض عدتهَا فَإِن انْقَضتْ عدتهَا كَانَ لَهُ نِكَاحهَا وَتَكون مَعَه على مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق
الرّجْعَة بِفَتْح الرَّاء على الْأَفْصَح وَكسرهَا لُغَة وَهِي فِي الشَّرْع عبارَة عَن الرَّد إِلَى النِّكَاح بعد طَلَاق غير بَائِن على وَجه مَخْصُوص
وَالْأَصْل فِيهَا الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الْآيَة قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالرَّدّ الرّجْعَة باجماع الْمُفَسّرين وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَفِي قصَّة ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مره فَلْيُرَاجِعهَا
وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلق حَفْصَة ثمَّ رَاجعهَا فَإِذا طلق الْحر امْرَأَته وَاحِدَة أَو طَلْقَتَيْنِ أَو العَبْد طَلْقَة بعد الدُّخُول بِلَا عوض فَلهُ مراجعتها

(1/408)


قبل أَن تَنْقَضِي الْعدة لما تقدم من الْأَدِلَّة وَتَصِح الرّجْعَة بالعجمية على الصَّحِيح سَوَاء أحسن الْعَرَبيَّة أم لَا وَلَا يشْتَرط فِيهَا الْإِشْهَاد على الصَّحِيح وَلَا تقبل التَّعْلِيق فَلَو قَالَ رَاجَعتك إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت لم تصح وَيشْتَرط أَن تكون المرتجعة مُعينَة فَلَو طلق إِحْدَى زوجتيه مُبْهما ثمَّ قَالَ راجعت الْمُطلقَة لم يَصح على الْأَصَح وَلَا يشْتَرط رضَا الزَّوْجَة فِي ذَلِك نعم يشْتَرط أَن تكون الرّجْعَة بالْقَوْل الصَّرِيح للقادر لِأَن الرّجْعَة اسْتِبَاحَة بضع مَقْصُود فَلم تصح بِغَيْر القَوْل كَالنِّكَاحِ وَلَا تصح بِالْوَطْءِ والقبلة والمباشرة بِشَهْوَة
وَصِيغَة الرّجْعَة أَن يَقُول رَاجَعتك أَو ارتجعتك أَو رجعتك وَهَذِه الثَّلَاث صَرِيحَة وَيسْتَحب أَن يضيف إِلَى النِّكَاح أَو الزَّوْجِيَّة أَو نَفسه وَلَا يشْتَرط ذَلِك نعم لَا بُد من إِضَافَة هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَى مظهر أَو مُضْمر كَقَوْلِه راجعت فُلَانَة أَو رَاجَعتك أما مُجَرّد راجعت فَلَا يَكْفِي وَلَو قَالَ رَددتهَا فَالْأَصَحّ أَنه صَرِيح فعلى هَذَا يشْتَرط أَن يَقُول إِلَى نِكَاحي على الصَّحِيح وَلَو قَالَ أمسكتك فَهَل هُوَ كِنَايَة أم صَرِيح فِيهِ خلاف صحّح الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر أَنه صَرِيح وَنَقله عَنهُ فِي الرَّوْضَة وَسكت عَلَيْهِ قَالَ الاسنوي الصَّوَاب أَنه كِنَايَة فقد قَالَ فِي الْبَحْر إِن الشَّافِعِي نَص عَلَيْهِ فِي عَامَّة كتبه وَلَو قَالَ تَزَوَّجتك أَو نكحتك فَهَل هُوَ كِنَايَة أم صَرِيح فِيهِ خلاف الْأَصَح فِي أصل الرَّوْضَة أَنه كِنَايَة وَاعْلَم أَن صرائح الرّجْعَة محصورة على الصَّحِيح لِأَن صرائح الطَّلَاق محصورة فالرجعة الَّتِي تحصل اباحته أولى ثمَّ شَرط صِحَة الرّجْعَة بَقَاؤُهَا فِي الْعدة وَكَونهَا قَابِلَة للْحلّ فَلَو ارْتَدَّت أَو هُوَ فَرَاجعهَا فِي الْعدة لم تصح الرّجْعَة لِأَن الْمحل غير حَلَال فِي هَذِه الْحَالة كَمَا لَا يَصح نِكَاحهَا فَلَو انْقَضتْ عدتهَا فَاتَت الرّجْعَة بِحُصُول الْبَيْنُونَة ثمَّ إِن جدد نِكَاحهَا قبل أَن تنْكح زوجا آخر أَو بعده وَقبل الاصابة أَو بعد الْإِصَابَة عَادَتْ إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من عدد الطَّلَاق وَلَا يهدم الزَّوْج الثَّانِي مَا وَقع من الطَّلَاق وَاحْتج الْأَصْحَاب بِمَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَمَّن طلق امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا فَتزوّجت غَيره وفارقها ثمَّ تزَوجهَا الأول فَقَالَ هِيَ عِنْده بِمَا بَقِي من الطَّلَاق وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَزيد ومعاذ وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَبِه قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنْهُم وَلِأَن الطَّلقَة والطلقتين لَا يؤثران فِي التَّحْرِيم المحوج إِلَى زوج آخر فَالنِّكَاح الثَّانِي وَالدُّخُول فِيهِ لَا يهدمانها كَوَطْء السَّيِّد الْأمة الْمُطلقَة وَالله أعلم قَالَ
(فَإِن طَلقهَا ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بعد وجود خَمْسَة أَشْيَاء انْقِضَاء عدتهَا مِنْهُ وَتَزَوجهَا بِغَيْرِهِ ودخوله بهَا وبينونتها وانقضاء عدتهَا مِنْهُ)
إِذا طلق الْحر امْرَأَته ثَلَاثًا أَو العَبْد طَلْقَتَيْنِ سَوَاء كَانَ قبل الدُّخُول أَو بعده وَسَوَاء كَانَ الطَّلَاق

(1/409)


فِي نِكَاح وَاحِد أَو أَكثر سَوَاء كَانَ الطَّلَاق الثَّلَاث بِلَفْظ وَاحِد أَو أَكثر حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطأها فِي الْفرج ويطلقها وتنقضي عدتهَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} أَي ثَلَاثَة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وَاعْلَم أَن النِّكَاح جَاءَ بِمَعْنى العقد فِي قَوْله {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} وَبِمَعْنى الْوَطْء فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} وترجحت هُنَا إِرَادَة الْوَطْء بورود السّنة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِنِّي كنت عِنْد رِفَاعَة فطلقني فَبت طَلَاقي فَتزوّجت بعده بِعَبْد الرَّحْمَن بن الزبير بِفَتْح الزَّاي وَإِن مَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب فَقَالَ عبد الرَّحْمَن كذبت يَا رَسُول الله وَالله إِنِّي لأعركها عَرك الْأَدِيم فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تريدين أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَأَرَادَ بِهِ الْوَطْء وَسميت عسيلة تَشْبِيها بالعسل ولأنا لَو لم نجْعَل الاصابة شرطا لَكَانَ التَّزْوِيج لأجل الْإِحْلَال لَا للاستمتاع وَالنِّكَاح إِنَّمَا يُرَاد الِاسْتِمْتَاع لَا للاحلال وَالله أعلم
(فرع) الْعدة تكون بِالْحملِ أَو الاقراء أَو الْأَشْهر فَإِذا ادَّعَت الْمُعْتَدَّة بِالْأَشْهرِ انْقِضَاء عدتهَا فَأنْكر الزَّوْج صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَاف فِي وَقت طَلَاقه وَأما عدَّة الْحَامِل فتنقضي بِوَضْع الْحمل التَّام الْمدَّة حَيا كَانَ أَو مَيتا أَو نَاقض الْأَعْضَاء وبانقضاء مَا ظهر فِيهِ صُورَة الْآدَمِيّ فَإِن لم يظْهر فَقَوْلَانِ فَإِذا ادَّعَت وضع حمل أَو سقط أَو مُضْغَة إِذا اكتفينا بهَا صدقت بِيَمِينِهَا وَقيل لَا بُد من بَيِّنَة وَأما الْمُعْتَدَّة بالإقراء فَإِن طلقت فِي الظّهْر حسبت بَقِيَّة الطُّهْر قرءاً وَإِن طلقت فِي الْحيض اشْترط مُضِيّ ثَلَاثَة أطهار كَامِلَة ثمَّ إِن لم يكن لَهَا عَادَة فِي الْحيض مُسْتَقِيمَة بِأَن لم تكن حَاضَت ثمَّ طَرَأَ حَيْضهَا أَو كَانَ لَهَا عَادَة مطردَة صدقت بِيَمِينِهَا إِذا ادَّعَت انْقِضَاء الإقراء الامكان فَإِن نكلت عَن الْيَمين حلف الزَّوْج وَكَانَ لَهُ الرّجْعَة وَإِن كَانَ لَهَا عَادَة مُسْتَقِيمَة صدقت فِي انْقِضَائِهَا على وفْق الْعَادة وَهل تصدق فِيمَا دونهَا مَعَ الامكان وَجْهَان أصَحهمَا عِنْد الْأَكْثَرين تصدق بِيَمِينِهَا لِأَن الْعَادة قد تَتَغَيَّر وَالله أعلم
(فرع) طلق زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ غَابَ عَنْهَا ثمَّ حضر أَو لم يحضر وَادعت أَنَّهَا تزوجت بِزَوْج آخر أحلهَا أَو كَانَ قد مضى زمن يُمكن فِيهِ صدقهَا وَلم يَقع فِي قلبه صدقهَا كره لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا للِاحْتِيَاط وَلَا يحرم لاحْتِمَال صدقهَا ولتعذر الْبَيِّنَة على الْوَطْء وانقضاء الْعدة قَالَ الإِمَام وَكَيف لَا والأجنبية

(1/410)


تنْكح اعْتِمَادًا على قَوْلهَا إِنَّهَا خلية عَن الْمَوَانِع وَهل يجب على الزَّوْج الْبَحْث عَن الْحَال قَالَ الرَّوْيَانِيّ يجب عَلَيْهِ فِي زَمَاننَا هَذَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يسْتَحبّ وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْإِيلَاء فصل فِي الْإِيلَاء وَإِذا آلى الشَّخْص أَن لَا يطَأ زَوجته مُطلقًا أَو مُدَّة تزيد على أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ مول
هَذَا فصل الْإِيلَاء وَهُوَ فِي اللُّغَة الْحلف وَفِي الشَّرْع الْحلف عَن الِامْتِنَاع من وَطْء الزَّوْجَة مُطلقًا أَو أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وَكَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَغير الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكمه
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فاؤوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ آلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نِسَائِهِ شهرا وَكَانَت انفطت رجله الشَّرِيفَة فَأَقَامَ فِي مشربَة لَهُ تسعا وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ نزل فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك آلَيْت شهرا فَقَالَ الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ يَوْمًا
وَهل يخْتَص الْحلف بِاللَّه تَعَالَى أم لَا قَولَانِ الْجَدِيد الْأَظْهر لَا يخْتَص كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاق الشَّيْخ لَا طَلَاق الْآيَة فعلى هَذَا لَو قَالَ إِن وَطئتك فعلي صَوْم أَو صَلَاة أَو حج أَو فَعَبْدي حر أَو إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق أَو فضرتك طَالِق وَنَحْو ذَلِك كَانَ موليا ثمَّ شَرط انْعِقَاده بِهَذِهِ الالتزامات أَن يلْزمه شَيْء لَو وطئ بعد أَرْبَعَة أشهر فَلَو كَانَت الْيَمين تنْحَل قبل مجاوزته أَرْبَعَة اشهر لم تَنْعَقِد فَلَو قَالَ إِن وَطئتك فعلي أَن أُصَلِّي هَذَا الشَّهْر أَو أصومه أَو أَصوم الشَّهْر الْفُلَانِيّ وَهُوَ يَنْقَضِي قبل مُجَاوزَة أَرْبَعَة أشهر من حِين الْيَمين لم ينْعَقد الْإِيلَاء وَلَو قَالَ إِن وَطئتك فعلي أَن أطلقك فَلَيْسَ بمول لِأَنَّهُ لَا يلْزمه بِالْوَطْءِ شَيْء وَالله أعلم قَالَ
(ويؤجل لَهَا إِن سَأَلت ذَلِك أَرْبَعَة أشهر ثمَّ يُخَيّر بَين التَّكْفِير وَالطَّلَاق فَإِن امْتنع طلق عَلَيْهِ القَاضِي)
إِذا صَحَّ الْإِيلَاء ضربت الْمدَّة وَهِي أَرْبَعَة أشهر بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم سَوَاء كَانَا حُرَّيْنِ أَو

(1/411)


رقيقين أَو أَحدهمَا حر وَالْآخر رَقِيق لظَاهِر الْآيَة وَلِأَنَّهَا مُدَّة شرعت لأمر جبلي وَهِي قلَّة الصَّبْر عَن الزَّوْج فَلم تخْتَلف بِالرّقِّ وَالْحريَّة كمدة الْعنَّة وكسن الْحيض وَلَيْسَ المُرَاد بِضَرْب الْمدَّة أَنَّهَا تفْتَقر إِلَى من يضْربهَا كالعنة بل المُرَاد أَن يُمْهل أَرْبَعَة أشهر من غير حَاكم لِأَنَّهَا ثَابِتَة بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع نعم إِن كَانَ الْمولى عَنْهَا رَجْعِيَّة فالمدة تضرب من الرّجْعَة وَهَذَا الْأَجَل هُوَ حق للزَّوْج كالأجل فِي حق الْمَدْيُون فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة وَالزَّوْج حَاضر وطالبت الْمَرْأَة بالفيئة وَلَا مَانع والفيئة الْجِمَاع وَسمي بِهِ من فَاء إِذا رَجَعَ لِأَنَّهُ امْتنع ثمَّ رَجَعَ فَإِن جَامع وَأَدْنَاهُ أَن يغيب الْحَشَفَة فِي الْفرج فقد وافاها حَقّهَا لِأَن سَائِر الْأَحْكَام تتَعَلَّق بالحشفة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الثّيّب وَالْبكْر لَكِن من شَرط الْبكر اذهاب الْعذرَة نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لِأَن الالتقاء لَا يكون غَالِبا إِلَّا بِهِ ثمَّ لَا فرق بَين أَن يَطَأهَا فِي حَالَة يُبَاح لَهُ الْوَطْء أم لَا مَعَ قيام الزَّوْجِيَّة وَلَا فرق بَين أَن يكون اخْتِيَارا أَو إِكْرَاها على الصَّحِيح وَتحصل الْفَيْئَة ويرتفع الْإِيلَاء وَلَو وَطئهَا وَهُوَ مَجْنُون فالنص حُصُول الْفَيْئَة لِأَن وطأه كَوَطْء الْعَاقِل فِي التَّحْلِيل وَتَقْرِير الْمهْر وَسَائِر الْأَحْكَام وَفِي وَجه لَا تحصل فَيُطَالب عقب إِفَاقَته
وَاعْلَم أَن الصَّحِيح إِنَّه إِذا وطئ وَهُوَ مكره أَو مَجْنُون لَا تنْحَل الْيَمين وَإِن حصلت الْفَيْئَة وَبَطل حَقّهَا من الْمُطَالبَة فَإِذا وَطئهَا سَوَاء كَانَ فِي الْمدَّة أَو بعْدهَا سَوَاء كَانَ بعد التَّضْيِيق أَو قبله فَإِن كَانَت الْيَمين بِاللَّه لزمَه كَفَّارَة على الْأَظْهر للْأَخْبَار الدَّالَّة على ذَلِك وَالْآيَة وَقيل لَا كَفَّارَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِن فاؤوا} الْآيَة وَأجَاب الْقَائِلُونَ بالأظهر بِأَن الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة إِنَّمَا ينصرفان إِلَى مَا يعْصى بِهِ والفيئة الْمُوجبَة لِلْكَفَّارَةِ مَنْدُوب إِلَيْهَا فَإِن لم يَفِ طُولِبَ بِالطَّلَاق لما رُوِيَ عَن سهل بن أبي صَالح عَن أَبِيه قَالَ سَأَلت اثْنَي عشر نفسا من الصَّحَابَة عَن الرجل يولي فَقَالُوا كلهم لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى تمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر فَيُوقف فَإِن فَاء وَإِلَّا طلق فَإِن لم يُطلق فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يجْبر عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ والتضييق بِمَا يَلِيق بِحَالهِ ليفيء أَو يُطلق وَلَا يُطلق الْحَاكِم لقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} فأضافه إِلَى الْأزْوَاج وَلِأَنَّهُ مُخَيّر بَين شَيْئَيْنِ الْفَيْئَة أَو الطَّلَاق فَإِذا امْتنع لم يقم القَاضِي مقَامه كمن أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة
وَالثَّانِي يُطلق القَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ حق لمُعين تدخله النِّيَابَة فينوب عَنهُ الْحَاكِم كَالدّين وَيُفَارق اخْتِيَار الْأَرْبَع لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن حق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَإِذا طلق القَاضِي فَإِنَّمَا يُطلق وَاحِدَة رَجْعِيَّة فَلَو طلق الْحَاكِم ثمَّ بَان أَن الزَّوْج وطئ قبل الطَّلَاق تَبينا أَنه لم يَقع وَكَذَا لَو بَان أَنه طلق قبله لم يَقع طَلَاق الْحَاكِم وَلَو وَقع طَلَاق الْحَاكِم أَولا وَقع على الْأَصَح وَقيل إِن جهل الزَّوْج طَلَاق الْحَاكِم لم يَقع قَوْله إِن سَأَلت يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهَا إِذا لم تسْأَل لَا يُطَالب الزَّوْج بِشَيْء وَهُوَ كَذَلِك كالمديون

(1/412)


لَا يُطَالب بِشَيْء مالم يَطْلُبهُ ربه ثمَّ إِذا لم تسْأَل لَا يسْقط حَقّهَا بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى لَو تركت حَقّهَا ورضيت بِهِ ثمَّ بدا لَهَا فلهَا الْعود إِلَى الْمُطَالبَة لِأَن الضَّرَر متجدد وتختص الْمُطَالبَة بِالزَّوْجَةِ فَلَيْسَ لوَلِيّ المراهقة والمجنونة الْمُطَالبَة نعم يحسن من الْحَاكِم أَن يَقُول لَهُ اتَّقِ الله بالفيئة أَو الطَّلَاق وَإِنَّمَا يضيق عَلَيْهِ إِذا بلغت أَو فاقت وَطلبت وَكَذَا لَيْسَ للسَّيِّد الْمُطَالبَة لِأَن الِاسْتِمْتَاع حق الْأمة وَقَول الشَّيْخ ثمَّ يُخَيّر بَين التَّكْفِير وَالطَّلَاق يُفِيد شَيْئَيْنِ
أَحدهمَا أَن الْمُطَالبَة تكون بالفيئة وَهُوَ الْوَطْء أَو بِالطَّلَاق وَلَيْسَ لَهَا أَن توجه الطّلب نَحْو أَحدهمَا بل يجب أَن تكون الْمُطَالبَة مترددة بَين الْأَمريْنِ وَهُوَ كَذَلِك جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ
الشَّيْء الثَّانِي أَنه إِذا رغب فِي الْفَيْئَة فَلَا يطَأ حَتَّى يكفر إِذْ الْوَطْء قبل التَّكْفِير لَا يجوز فَعبر بالتكفير ليُفِيد ذَلِك وَالله أعلم
(فرع) قَالَ وَالله لَا أجامعك ثمَّ أعَاد ذَلِك مرَّتَيْنِ فَصَاعِدا وَقَالَ أردْت التَّأْكِيد قبل وَكَانَت يَمِينا وَاحِدَة سَوَاء طَال الْفَصْل أم لَا وَسَوَاء اتَّحد الْمجْلس أَو تعدد على الصَّحِيح وَإِن قَالَ أردْت الِاسْتِئْنَاف تعدّدت الْيَمين وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ قَالَ الْمُتَوَلِي إِن اتَّحد الْمجْلس فَالْأَظْهر الْحمل على التَّأْكِيد وَإِن تعدد فعلى الِاسْتِئْنَاف لبعد التَّأْكِيد مَعَ اخْتِلَاف الْمجْلس فَإِن لم يحكم بالتعدد لم يجب بِالْوَطْءِ إِلَّا كَفَّارَة وَإِن حكمنَا بالتعدد تخلص من الْيَمين بوطئة وَاحِدَة وَفِي تعدد الْكَفَّارَة قَولَانِ الْأَظْهر عِنْد الْجُمْهُور أَنه لَا يجب إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة وَقيل تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْأَيْمَان وَالله أعلم قَالَ
بَاب الظِّهَار فصل فِي الظِّهَار الظِّهَار أَن يَقُول الرجل لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَإِذا قَالَ ذَلِك وَلم يتبعهُ بِالطَّلَاق صَار عَائِدًا وَلَزِمتهُ الْكَفَّارَة
الظِّهَار مُشْتَقّ من الظّهْر لِأَنَّهُ مَوضِع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوب الزَّوْج وَقيل إِنَّه مَأْخُوذ من الْعُلُوّ قَالَ الله تَعَالَى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يظهروه} أَي يعلوه فَكَأَنَّهُ قَالَ علوي عَلَيْك كعلوي على أُمِّي وَكَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ نقل الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكمه إِلَى تَحْرِيمهَا بعد الْعود وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَبَقِي مَحَله وَهِي الزَّوْجَة وَالظِّهَار حرَام بِالْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} بِخِلَاف قَوْله أَنْت عَليّ حرَام فَإِنَّهُ مَكْرُوه وَإِن كَانَ إِخْبَارًا بِمَا لم يكن لِأَن فِي الظِّهَار

(1/413)


الْكَفَّارَة الْعُظْمَى وَهِي إِنَّمَا تجب فِي الْمحرم كَالْقَتْلِ وَالْفطر بجماع فِي رَمَضَان وَفِي لفظ التَّحْرِيم كَفَّارَة يَمِين وَالْيَمِين والحنث ليسَا بمحرمين ثمَّ صُورَة الظِّهَار الْأَصْلِيَّة كَمَا ذكره الشَّيْخ أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وَهِي صَرِيحَة فِي الظِّهَار وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر الصلات كَقَوْلِه أَنْت معي أَو عِنْدِي أَو مني أولي كَظهر أُمِّي وَكَذَا لَو ترك الصِّلَة فَقَالَ أَنْت كَظهر أُمِّي وَلم يقل عَليّ وَعَن الداركي أَنه إِن ترك الصِّلَة كَانَ كِنَايَة لاحْتِمَال أَن يُرِيد أَنْت مُحرمَة على غَيْرِي وَالصَّحِيح الأول كَمَا أَن قَوْله أَنْت طَالِق صَرِيح وَلم يقل مني وَمَتى أَتَى بِصَرِيح الظِّهَار وَقَالَ أردْت غَيره لم يقبل مِنْهُ على الصَّحِيح كَمَا لَو أَتَى بِصَرِيح الطَّلَاق وَادّعى غَيره لَا يقبل وَلَو قَالَ جملتك أَو نَفسك أَو ذاتك أَو جسمك أَو بدنك وَكَذَا قَوْله أَنْت كبدن أُمِّي أَو جسمها أَو ذَاتهَا فَهُوَ كَظهر أُمِّي وَإِن شبهها بِبَعْض أَجزَاء الْأُم نظر إِن كَانَ ذَلِك الْعُضْو مِمَّا لَا يذكر فِي معرض الاكرام والاعزاز كالبطن والفرج والصدر وَالْيَد وَالرجل وَالشعر فَقَوْلَانِ الْأَظْهر أَنه ظِهَار لِأَنَّهُ تَشْبِيه بعضو حرم فَأشبه الظّهْر وَإِن كَانَ مِمَّا يذكر فِي معرض الاعزاز والاكرام كَقَوْلِه أَنْت عَليّ كعين أُمِّي فَإِن أَرَادَ الْكَرَامَة فَلَيْسَ بظهار وَإِن أَرَادَ الظِّهَار فظهار على الْأَظْهر وَإِن طلق فَوَجْهَانِ الْأَصَح أَنه لَا يكون ظِهَارًا وَلَو قَالَ كروح أُمِّي فكقوله كعين أُمِّي وَلَو قَالَ كرأس أُمِّي فَهَل هُوَ كيد أُمِّي وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ الْأَظْهر فِي الْمِنْهَاج أَو كعين أُمِّي وَهِي طَريقَة المراوزة فَيَجِيء الْخلاف وَالتَّفْصِيل قَالَ الرَّافِعِيّ وَهُوَ الْأَقْرَب وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كأمي أَو مثل أُمِّي فَإِن أَرَادَ الظِّهَار فظهار وَإِن أَرَادَ الْكَرَامَة فَلَا وَإِن أطلق فَلَيْسَ بظهار على الْأَصَح وَبِه قطع كَثِيرُونَ إِذْ الأَصْل عَدمه
وَاعْلَم أَن تَشْبِيه الزَّوْجَة بالجدة سَوَاء كَانَت من قبل الْأَب أَو الْأُم يكون ظِهَارًا قطع بِهِ الْجُمْهُور لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات ولدنهن ولأنهن يشاركن الْأُم فِي الْعتْق وَسُقُوط الْقصاص وَوُجُوب النَّفَقَة وَقيل فِيهِ خلاف كالتشبيه بالبنت وَلَو شبهها بالمحرمات من النّسَب كالبنات وَالْأَخَوَات والعمات والخالات وَبَنَات الْأَخ وَالْأُخْت فَفِيهِ خلاف الْمَذْهَب أَنه ظِهَار وَأما الْمُحرمَات بِالسَّبَبِ كالمحرمات بِالرّضَاعِ والمصاهرة ففيهن خلاف منتشر الْمَذْهَب مِنْهُ إِن شبهها بِمن لم تزل مُحرمَة عَلَيْهِ مِنْهُنَّ فَهُوَ ظِهَار وَإِلَّا فَلَا وَلَو شبهها بِمن لَا تحرم عَلَيْهِ أبدا كأجنبية ومطلقة ومعتدة وَأُخْت امْرَأَته وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ بظهار قطعا سَوَاء طَرَأَ مَا يُؤَيّد التَّحْرِيم بِأَن نكح بنت الْأَجْنَبِيَّة أَو وطئ أمهَا وطأ محرما أَو لم يطْرَأ وَلَو شبه بملاعنة فَلَيْسَ بظهار لِأَن تَحْرِيمهَا وَإِن كَانَ مُؤَبَّدًا إِلَّا أَنه لَيْسَ للمحرمية وَلَا للوصلة وَلَو شبهها بِظهْر أَبِيه أَو ابْنه أَو غُلَامه فَلَيْسَ بظهار وَالله أعلم
فَإِذا صَحَّ الظِّهَار ترَتّب عَلَيْهِ حكمان
أَحدهمَا تَحْرِيم الْوَطْء إِلَى أَن يكفر وَلَا يحرم سَائِر الاستمتاعات على الْأَظْهر عِنْد الْجُمْهُور
الحكم الثَّانِي وجوب الْكَفَّارَة بِالْعودِ وَالْعود هُوَ أَن يمْسِكهَا فِي النِّكَاح زَمنا يُمكنهُ أَن يطلقهَا فِيهِ وَلم تطلق لِأَن تشبيهها بِالْأُمِّ يَقْتَضِي أَن لَا يمْسِكهَا زَوْجَة فَإِذا أمْسكهَا زَوْجَة فقد عَاد فِيمَا قَالَ

(1/414)


لِأَن الْعود لِلْقَوْلِ مُخَالفَته وَلِهَذَا يُقَال فلَان قَالَ قولا ثمَّ عَاد فِيهِ وَعَاد لَهُ أَي خَالفه ونقضه فَإِذا وجد ذَلِك وَجَبت الْكَفَّارَة لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة لِأَنَّهُ عَاد لما قَالَ فَكَانَ من حَقه أَنه إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَن يَقُول عقبه أَنْت طَالِق وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تحصل بِهِ الْفرْقَة وَالله أعلم
(فرع) أعلم أَن الرَّجْعِيَّة زَوْجَة ويلحقها الطَّلَاق قطعا وَيصِح خلعها على الْأَظْهر وَكَذَا يَصح الْإِيلَاء مِنْهَا وَالظِّهَار فغذا ظَاهر من الرَّجْعِيَّة لم يصر بترك الطَّلَاق عَائِدًا لِأَنَّهَا صائرة إِلَى الْبَيْنُونَة فَلم يحصل الْإِمْسَاك على الزَّوْجِيَّة فَلَو رَاجعهَا فَلَا خلاف أَنه يعود الظِّهَار وَأَحْكَامه فَلَو لم يُرَاجِعهَا وَتركهَا حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا وَبَانَتْ مِنْهُ ثمَّ نَكَحَهَا فَفِي عود الظِّهَار الْخلاف فِي عود الْحِنْث وَالْمذهب أَنه لَا يعود وَلَو لم تكن رَجْعِيَّة بل زَوْجَة وَعَاد وَجَبت الْكَفَّارَة ثمَّ طَلقهَا رَجْعِيًا أَو بَائِنا لم تسْقط الْكَفَّارَة فَإِذا جدد النكح اسْتمرّ التَّحْرِيم إِلَى أَن يكفر سَوَاء حكمنَا بِعُود الْحِنْث أم لَا لِأَن التَّحْرِيم حصل فِي النِّكَاح الأول وَقد وجد وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَالله أعلم قَالَ
(وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا كل مِسْكين مد وَلَا يحل وَطْؤُهَا حَتَّى يكفر)
كَفَّارَة الظِّهَار كَفَّارَة تَرْتِيب بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} إِلَى قَوْله {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وبمثل ذَلِك أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلمَة بن صَخْر البياضي لما ظَاهر من امْرَأَته
وخصال الْكَفَّارَة ثَلَاثَة
الأولى الْعتْق وَلَا بُد فِي الْكَفَّارَة من النِّيَّة للْحَدِيث الْمَشْهُور وَلِأَن الْكَفَّارَة حق مَالِي

(1/415)


وَجب تَطْهِيرا فَتجب فِيهِ النِّيَّة كَالزَّكَاةِ وتكفي نِيَّة الْكَفَّارَة وَلَا يشْتَرط ذكر الْوُجُوب لِأَن الْكَفَّارَة لَا تكون إِلَّا وَاجِبَة وَلَا تكفيه نِيَّة الْعتْق الْوَاجِب من غير ذكر الْكَفَّارَة لِأَن الْعتْق قد يجب بِالنذرِ وَلَا يجب تعْيين سَببهَا لكَونهَا عَن ظِهَار أَو قتل أَو كَفَّارَة يَمِين كَمَا لَا يجب تعْيين المَال المزكى وَلَو لزمَه كَفَّارَة ظِهَار وجماع مثلا فَأعتق رَقَبَة بنية الْكَفَّارَة حسبت عَن إِحْدَاهمَا وَكَذَا لَو صَامَ أَو أطْعم فَإِن قلت مَا الْفرق بَين الْكَفَّارَة وَالصَّلَاة حَيْثُ يعْتَبر فِيهَا التَّعْيِين
فَالْفرق أَن الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة أضيق وَلِهَذَا امْتنع التَّوْكِيل فِيهَا وَأَيْضًا فَإِن مَرَاتِب الصَّلَاة مُتَفَاوِتَة فِي الْمَشَقَّة فَإِن وَقت الصُّبْح أشق وَعدد الظّهْر أَكثر وَلَا تفَاوت بَين كَفَّارَة الظِّهَار وَالْجِمَاع ثمَّ إِذا عين بعد ذَلِك مَا أَتَى بِهِ عَن كَفَّارَة تعين وَامْتنع صرفه إِلَى غَيرهَا كَمَا لَو عين ابْتِدَاء وَلَو عين فِي الِابْتِدَاء كَفَّارَة الظِّهَار مثلا وَكَانَت عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين لم يجزه عمدا كَانَ أَو خطأ كَمَا لَو نوى زَكَاة مَال بِعَيْنِه فَكَانَ تَالِفا لَا ينْصَرف إِلَى غَيره بِخِلَاف مَا لَو نوى رفع حدث غَلطا عَلَيْهِ غَيره فَإِنَّهُ يرْتَفع على الْأَصَح لِأَن رفع الْمَنوِي يتَضَمَّن رفع الْكل وَالْعِتْق عَن كَفَّارَة مُعينَة لَا يتَضَمَّن الْإِجْزَاء عَن أُخْرَى وَهل يشْتَرط أَن تكون النِّيَّة مُقَارنَة للإعتاق وَالْإِطْعَام قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة الصَّحِيح أَنه يشْتَرط وَقيل يجوز تَقْدِيمهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الزَّكَاة وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب أصح الْوَجْهَيْنِ جَوَاز تَقْدِيم نِيَّة الزَّكَاة على الدّفع قَالَ أَصْحَابنَا وَالْكَفَّارَة وَالزَّكَاة فِي ذَلِك سَوَاء وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَظَاهر النَّص انْتهى
وَاعْلَم أَن شَرط الْجَوَاز فِي الزَّكَاة أَن تكون النِّيَّة مُقَارنَة للعزل فاعرفه وَقِيَاسه هُنَا كَذَلِك إِذا عرفت هَذَا فَيشْتَرط فِي الرَّقَبَة المجزئة عَن الْكَفَّارَة أَرْبَعَة شُرُوط الْإِسْلَام وَلَفظ الْإِيمَان أولى لِأَنَّهُ نَص الْقُرْآن الْعَظِيم والسلامة عَن الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ وَكَمَال الرّقّ والخلو عَن الْعِوَض فَلَا يُجزئ إِعْتَاق الْكَافِر فِي شَيْء من الْكَفَّارَات وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يجوز إِعْتَاق الْكَافِر إِلَّا فِي كَفَّارَة الْقَتْل لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِيهَا {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَحجَّتنَا قِيَاس غير كَفَّارَة الْقَتْل عَلَيْهَا وَحمل الشَّافِعِي الْمُطلق على الْمُقَيد وَشبهه بقوله {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَإِنَّهُ مَحْمُول على الْمُقَيد فِي قَوْله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَول الشَّيْخ سليمَة من الْعُيُوب الَّتِي تضر بِالْعَمَلِ ضَرَرا بَينا لِأَن الْمَقْصُود تَكْمِيل حَالَة التفرغ لِلْعِبَادَةِ ووظائف الْأَحْرَار وَإِنَّمَا يحصل ذَلِك إِذا اسْتَقل وَقَامَ بكفايته وَإِلَّا فَيصير كلا على نَفسه وعَلى غَيره فَلَا يُجزئ الزَّمن وَلَا من يجن أَكثر الْأَوْقَات فَإِن كَانَت إِفَاقَته أَكثر أَجْزَأَ وَكَذَا إِذا اسْتَويَا على الْمَذْهَب وَلَا يُجزئ مَرِيض لَا يُرْجَى زَوَال مَرضه فَإِن رجى أَجْزَأَ وَلَو أعتق من وَجب

(1/416)


عَلَيْهِ الْقَتْل قَالَ الْقفال إِن أعْتقهُ قبل أَن يقدم للْقَتْل أَجْزَأَ وَإِن قدم فَهُوَ كمريض لَا يُرْجَى وَلَا يُجزئ مَقْطُوع إِحْدَى الرجلَيْن وَلَا مَقْطُوع أُنْمُلَة من إِبْهَام الْيَد وَيجوز مَقْطُوع أُنْمُلَة من غَيرهَا وَلَا يجوز مَقْطُوع أنملتين من السبابَة أَو الْوُسْطَى ويجزء مَقْطُوع الخنص من يَد والبنصر من آخرى وَلَا يُجزئ مقطوعهما من يَد وَيُجزئ مقطو جَمِيع اصابع الرجلَيْن على الصَّحِيح وَيُجزئ قصير الْخلق الَّذِي يقدر على الْعَمَل وَالْكَسْب وَيُجزئ الشَّيْخ إِن قدر على الْعَمَل على الْأَصَح وَيُجزئ الْأَعْرَج إِلَّا أَن يكون شَدِيدا يمْنَع مُتَابعَة الْمَشْي وَيُجزئ الْأَعْوَر دون الْأَعْمَى وَالْمرَاد عور لَا يضعف عينه بِالْعَمَلِ قَالَه الشَّافِعِي وَيُجزئ الْأَصَم الْأَخْرَس إِن فهم الْإِشَارَة وَإِلَّا فَلَا وَيُجزئ الْخصي والمجبوب وَالْأمة الرتقاء والقرناء ومفقود الْأَسْنَان وَولد الزِّنَا وَضَعِيف الْبَطْش وَالصَّغِير وَالله ناقد وبصير وَالله أعلم وَأما كَمَال الرّقّ فَلَا بُد مِنْهُ فَلَا تُجزئ أم الْوَلَد وَكَذَا الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة وَإِن لم يؤد شَيْئا من لنجوم وَلَو ملك من يعْتق عَلَيْهِ بشرَاء أَو غَيره وَنوى عتقه عَن الْكَفَّارَة لم يجزه على الصَّحِيح لِأَن الْعتْق مُسْتَحقّ بِجِهَة الْقَرَابَة وَلَو اشْترى عبدا بِشَرْط الْعتْق فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجْزِيه عَن الْكَفَّارَة وَلَو أعتق من تحتم قَتله فِي الْمُحَاربَة أَجزَأَهُ قَالَه القَاضِي حُسَيْن ويجزى الْمُدبر وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة وَالْعَبْد الْغَائِب الْمُنْقَطع الْخَبَر لَا يُجزئ على الْمَذْهَب والآبق وَالْمَغْصُوب يجزيان إِذا علم حياتهما على الصَّحِيح لكَمَال الرّقّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَغْصُوب عِنْد الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ إِن كَانَ لَا يقدر على الْخَلَاص فَلَا يجزى كالزمن لعدم قدرته على التَّصَرُّف وَكَذَا قَضِيَّة تَصْحِيح التَّنْبِيه وَحكى الْقطع بِهِ عَن أَكثر الْعِرَاقِيُّونَ وَحكى عَن جُمْهُور الخراسانيين الْأَجْزَاء لتَمام الْملك وَالْمَنْفَعَة وَهُوَ الَّذِي جرى عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَأما الْخُلُو عَن الْعِوَض فَلَا بُد مِنْهُ فَلَو أعتق عبدا على أَن يرد عَلَيْهِ دِينَارا مثلا لم يجزه عَن الْكَفَّارَة على الصَّحِيح وَلَو شَرط عوضا على غير العَبْد بِأَن قَالَ لإِنْسَان أعتقت عَبدِي هَذَا عَن كفارتي بِأَلف عَلَيْك فَقبل أَو قَالَ لَهُ إِنْسَان أعتق عَن كفارتك وَعلي كَذَا فَفعل لم يجزه عَن الْكَفَّارَة وَالله أعلم
الْخصْلَة الثَّانِيَة الصّيام فَمن لم يجد الرَّقَبَة فَعَلَيهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين لِلْآيَةِ ثمَّ عدم الرَّقَبَة قد يكون بِأَن لَا يجدهَا أَو لَا يجد ثمنهَا أَو يجدهَا بِثمن غال أَو يجدهَا وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا للْخدمَة أَو إِلَى ثمنهَا للنَّفَقَة أما العادم بِالْكُلِّيَّةِ فللآية وَأما الْمُحْتَاج فَلِأَن الْحَاجة تستغرق مَا مَعَه فَصَارَ كالعادم من وجد المَاء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فَإِن ينْتَقل إِلَى الْبَدَل كَذَلِك هَهُنَا وَلِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْمسكن لَا يمْنَع الِانْتِقَال إِلَى الصَّوْم للْحَاجة وَالْمرَاد بحاجة الْخدمَة أَن يكون بِهِ مرض أَو كبر أَو زمانة أَو ضخامة لَا يقدر مَعهَا على خدمَة نَفسه أَو كَانَ لَا يخْدم نَفسه فِي الْعَادة مَعَ الصِّحَّة فَلَو كَانَ يخْدم نَفسه كأوساط النَّاس لزمَه الاعتاق على الرَّاجِح وَالْمرَاد بِالنَّفَقَةِ قوته وقوت عِيَاله وكسوتهم وَمَا لَا بُد مِنْهُ من الأثاث وَكَذَا شِرَاء عبد يحْتَاج إِلَيْهِ للْخدمَة وَهل تتقدر النَّفَقَة وَالْكِسْوَة بِمدَّة قَالَ الرَّافِعِيّ لم يقدره الْأَصْحَاب فَيجوز أَن يعْتَبر كِفَايَة الْعُمر وَيجوز أَن يعْتَبر كِفَايَة سنة وَيُؤَيِّدهُ قَول الْبَغَوِيّ أَنه يتْرك لَهُ ثوبا للشتاء وثوباً للصيف قَالَ النَّوَوِيّ الصَّوَاب الثَّانِي يَعْنِي سنة قَالَ ابْن الرّفْعَة قد تعرض

(1/417)


لَهُ الْأَصْحَاب فِي كَفَّارَة الْيَمين فَقَالُوا مَا حَكَاهُ الْمحَامِلِي وَغَيره أَنه من لَيْسَ لَهُ كِفَايَة على الدَّوَام وَلَو كَانَ لَهُ ضَيْعَة أَو رَأس مَال يتجر فِيهِ وَكَانَ يحصل مِنْهُمَا كِفَايَته بِلَا مزِيد وَلَو باعهما لتَحْصِيل رَقَبَة لصار فِي حد الْمَسَاكِين لم يُكَلف بيعهَا على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَلَو كَانَ لَهُ مَاشِيَة تحلب فِي ملكه فَهِيَ كالضيعة إِن كَانَ لَا تزيد غَلَّتهَا على كِفَايَته لم يُكَلف بيعهَا وَإِن زادة لزم بيع الزَّائِد ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَالله أعلم
(فرع) شخص لَهُ مَال حَاضر وَلم يجد الرَّقَبَة أَو لَهُ مَال غَائِب لَا يجوز لَهُ الْعُدُول إِلَى الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَالْجِمَاع وَالْيَمِين بل يصبر حَتَّى يجد الرَّقَبَة أَو يصل إِلَى المَال لِأَن الْكَفَّارَة على التَّرَاخِي وَبِتَقْدِير أَن يَمُوت تُؤَدّى من تركته بِخِلَاف الْعَاجِز عَن ثمن المَاء فَإِنَّهُ يتَيَمَّم لِأَنَّهُ لَا يُمكن قَضَاء الصَّلَاة لَو مَاتَ وَفِي كَفَّارَة الظِّهَار وَجْهَان لتضرره بِفَوَات الِاسْتِمْتَاع وَأَشَارَ الْغَزالِيّ وَالْمُتوَلِّيّ إِلَى تَرْجِيح وجوب الصَّبْر هَذِه عبارَة الرَّوْضَة وَمَا ذكره الْغَزالِيّ وَالْمُتوَلِّيّ من وجوب الصَّبْر صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تَصْحِيح التَّنْبِيه وَيُؤْخَذ من كَلَام الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة هُنَا أَن الْكَفَّارَات الْوَاجِبَة هُنَا بِسَبَب محرم تكون على الْفَوْر وَقد ذكر ذَلِك فِي مَوَاضِع وَذكر فِي مَوَاضِع أخر أَن الْكَفَّارَات كلهَا على الْفَوْر وَقد صرح النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث المجامع فِي رَمَضَان بِأَنَّهَا على التَّرَاخِي وَفِيه من الِاخْتِلَاف الْكثير مَا ظهر وَالله أعلم
وَلَو تعسر عَلَيْهِ الاعتاق كفر بِالصَّوْمِ وَهل الِاعْتِبَار باليسار والإعسار بِوَقْت الْأَدَاء أَو بِوَقْت الْوُجُوب أم بأغلظ الْحَالين فِيهِ أَقْوَال أظهرها أَن الِاعْتِبَار بِوَقْت الْأَدَاء لِأَنَّهَا عبَادَة لَهَا بدل من غير جِنْسهَا فَاعْتبر فِيهَا حَالَة الْأَدَاء كَالْوضُوءِ وَالتَّيَمُّم وَالْقِيَام وَالْقعُود فِي الصَّلَاة فعلى هَذَا إِن كَانَ مُوسِرًا وَقت الْأَدَاء ففرضه الْإِعْتَاق وَإِن كَانَ مُعسرا ففرضه الصَّوْم وَإِن كَانَ مُوسِرًا من قبل وَلَو شرع فِي الصَّوْم ثمَّ أيسر أتمه وَلم يجب عَلَيْهِ الِانْتِقَال إِلَى الْعتْق على الْأَصَح وَقَالَ الْمُزنِيّ يلْزمه فعلى الصَّحِيح فِي جَوَاز الْخُرُوج من الصَّوْم وَجْهَان كالوجهين فِي رُؤْيَة المَاء فِي صَلَاة يسْقط فَرضهَا بِالتَّيَمُّمِ وَالله أعلم
(فرع) إِذا صَار وَاجِبَة الصَّوْم وَجب أَن يَنْوِي من اللَّيْل لكل يَوْم وَلَا يجب تعْيين جِهَة الْكَفَّارَة وَلَا نِيَّة التَّتَابُع على الْأَصَح وَيجب تتَابع الصَّوْم كَمَا هُوَ نَص الْقُرْآن الْعَظِيم فَلَو وطئ الْمظَاهر فِي اللَّيْل قبل تَمام الصَّوْم عصى إِلَّا أَنه لَا يقطع التَّتَابُع وَلَو أفطر يَوْمًا وَلَو أفطر الْيَوْم الْأَخير لزمَه الِاسْتِئْنَاف وَلَو غَلبه الْجُوع فَأفْطر بَطل التَّتَابُع ونسيان النِّيَّة فِي بعض اللَّيَالِي يقطع التَّتَابُع كتركها عمدا وَلَو شكّ بعد فرَاغ من صَوْم يَوْم هَل نوى فِيهِ أم لَا لم يلْزمه الِاسْتِئْنَاف على الصَّحِيح وَلَا أثر للشَّكّ بعد فرَاغ الْيَوْم ذكر الرَّوْيَانِيّ وَالْمَرَض يقطع التَّتَابُع على الْأَظْهر لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الصَّوْم بِخِلَاف الْجُنُون وَالْإِغْمَاء كالجنون وَقيل كالمرض وَفِي السّفر خلاف قيل كالمرض وَقيل يقطع قطعا لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَب أَنه يَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْفطرِ فِي

(1/418)


السّفر وَلَو أكره على الْأكل فَأكل وَقُلْنَا يبطل صَوْمه انْقَطع التَّتَابُع لِأَنَّهُ سَبَب نَادِر هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَلَو استنشق فوصل المَاء إِلَى دماغه وَقُلْنَا يفْطر فَفِي انْقِطَاع تتابعه الْخلاف وَلَو أوجر مكْرها لم يفْطر وَلم يَنْقَطِع التَّتَابُع على مَا قطع بِهِ الْأَصْحَاب فِي كل الطّرق وَفِي وَجه يبطل وَيقطع التَّتَابُع وَالله أعلم
الْخصْلَة الثَّالِثَة الْإِطْعَام فَمن لم يسْتَطع الصَّوْم لهرم أَو مرض أَو مشقة شَدِيدَة أَو خَافَ زِيَادَة الْمَرَض فَلهُ أَن يكفر بِالْإِطْعَامِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وَهل يشْتَرط فِي الْمَرَض أَن لَا يُرْجَى زَوَاله أم لَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ يشْتَرط وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ إِن كَانَ يَدُوم شَهْرَيْن فِي غَالب الظَّن الْمُسْتَفَاد من الْأَطِبَّاء أَو من الْعرف فَلهُ الْعُدُول إِلَى الْإِطْعَام وَصحح النَّوَوِيّ مَا قَالَاه يَعْنِي الإِمَام وَالْغَزالِيّ قَالَ النَّوَوِيّ وَقد وَافق الإِمَام على ذَلِك آخَرُونَ وَالله أعلم فيطعم سِتِّينَ مِسْكينا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة لكل مِسْكين مدا من قوت الْبَلَد إِذا كَانَ مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالبغدادي وَهُوَ مد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يجوز صرف الْكَفَّارَة إِلَى كَافِر وَلَا إِلَى هاشمي ومطلبي وَلَا إِلَى من تلْزمهُ نَفَقَته كَزَوْجَة وَقَرِيب وَلَا إِلَى عبد فَلَو صرف إِلَى عبد وسيده بِصفة الِاسْتِحْقَاق جَازَ إِن كَانَ بِإِذن السَّيِّد لِأَنَّهُ صرف إِلَى السَّيِّد وَيجوز الصّرْف إِلَى ولي الصَّغِير وَالْمَجْنُون وَالله أعلم
(فرع) لَو عجز عَن الْعتْق وَالصَّوْم وَلم يقدر إِلَّا على إطْعَام عشرَة أَو على مد وَاحِد لزمَه إِخْرَاجه بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لَا بدل للاطعام فَلَو عجز عَن جَمِيع خِصَال الْكَفَّارَة اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة فِي ذمَّته على الْأَظْهر وَقَول الشَّيْخ وَلَا يحل وَطئهَا حَتَّى يكفر لِلْآيَةِ وَالله أعلم
(فرع) قَالَ لامْرَأَته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت لي كَظهر أُمِّي أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي نظر إِن كَانَ أَرَادَ التَّأْكِيد بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة فَهُوَ ظِهَار وَاحِد فَإِن أمْسكهَا بعد المرات فَهُوَ عَائِد وَعَلِيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ ظِهَارًا آخر تعدّدت الْكَفَّارَة على الْجَدِيد وَإِن أطلق وَلم ينْو شَيْئا فَهَل يتحد الظِّهَار أم يَتَعَدَّد فِيهِ خلاف وَالْأَظْهَر الِاتِّحَاد وَبِه قطع ابْن الصّباغ وَالْمُتوَلِّيّ وَقد تقدم أَن الطَّلَاق إِذا كرر لَفظه وَأطلق يَتَعَدَّد الطَّلَاق وَالْفرق بَين الظِّهَار وَالطَّلَاق أَن الطَّلَاق أقوى لِأَنَّهُ يزِيل الْملك بِخِلَاف الظِّهَار وَبِأَن الطَّلَاق لَهُ عدد مَحْصُور وَالزَّوْج مَالك لَهُ فَإِذا كَرَّرَه كَانَ الظَّاهِر اسْتِئْنَاف الْمَمْلُوك وَالظِّهَار لَيْسَ بمتعدد فِي وَضعه وَلَا هُوَ مَمْلُوك للزَّوْج وَلَو تفاصلت المرات وَقصد بِكُل وَاحِدَة ظِهَارًا أَو أطلق فَكل مرّة ظِهَار بِرَأْسِهِ وَالله أعلم قَالَ
بَاب اللّعان فصل وَإِذا رمى الرجل زَوجته بِالزِّنَا فَعَلَيهِ حد الْقَذْف إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة أَو يُلَاعن فَيَقُول عِنْد

(1/419)


الْحَاكِم على الْمِنْبَر فِي جمَاعَة من الْمُسلمين أشهد بِاللَّه إِنَّنِي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميت بِهِ زَوْجَتي فُلَانَة من الزِّنَا وَأَن هَذَا الْوَلَد من زنا وَلَيْسَ مني أَربع مَرَّات وَيَقُول فِي الْخَامِسَة بعد أَن يعظه الْحَاكِم وَعلي لعنة الله إِن كنت من الْكَاذِبين)
هَذَا فصل اللّعان وَهُوَ مصدر لَاعن وَهُوَ مُشْتَقّ من اللَّعْن وَهُوَ الإبعاد وَسمي المتلاعنان بذلك لما يعقب اللّعان من الْإِثْم والإبعاد وَلِأَن أَحدهمَا كَاذِب فَيكون ملعوناً وَقيل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يبعد عَن صَاحبه بتأييد التَّحْرِيم وَهُوَ فِي الشَّرْع عبارَة عَن كَلِمَات مَعْلُومَة جعلت حجَّة للْمُضْطَر إِلَى قذف من لطخ فرَاشه وَألْحق بِهِ الْعَار واختير لفظ اللّعان على الْغَضَب وَالشَّهَادَة لِأَن اللّعان لَفْظَة غَرِيبَة وَالشَّيْء يشْتَهر بالغريب وَقيل لِأَنَّهُ فِي لعان الرجل وَهُوَ مُتَقَدم
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الْآيَات وَسبب نُزُولهَا أَن هِلَال بن أُميَّة قذف زَوجته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشريك بن السمحاء فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ هِلَال وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يُبرئ ظَهْري من الْحَد فَنزلت هَذِه الْآيَات وَقيل غير ذَلِك فَإِذا قذف الرجل زَوجته وَجب عَلَيْهِ الْحَد كَمَا جَاءَ بِهِ النَّص وَله ملخصان عَنهُ إِمَّا الْبَيِّنَة أَو اللّعان كَمَا نَص عَلَيْهِ الْخَبَر ثمَّ مَتى تَيَقّن الزَّوْج أَنَّهَا زنت بِأَن رَآهَا تَزني جَازَ لَهُ قَذفهَا وَكَذَا لَو أقرَّت بِهِ عِنْده وَوَقع فِي قلبه صدقهَا أَو أخبرهُ بِهِ ثِقَة أَو شاع أَن رجلا زنى بهَا وَرَآهُ خَارِجا من عِنْدهَا فِي أَوْقَات الرِّيبَة فَلَو شاع وَلم يره أَو رَآهُ وَلم يشع لم يجز فِي الْأَصَح وَقَالَ الإِمَام لَو رَآهُ مَعهَا تَحت شعارها على هَيْئَة مُنكرَة أَو رَآهَا مَعَه مَرَّات كَثِيرَة فِي مَحل رِيبَة كَانَ كالاستفاضة مَعَ الرُّؤْيَة وَتَبعهُ الْغَزالِيّ وَغَيره وَلَا يجوز الْقَذْف عِنْد عدم مَا ذكرنَا وَهَذَا كُله إِذا لم يكن ولد قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ أَصْحَابنَا وإذاا لم يكن ولد فَالْأولى أَن لَا يُلَاعن بل يطلقهَا إِن كرهها وَالله أعلم
وَإِن كَانَ هُنَاكَ ولد يتَيَقَّن أَنه لَيْسَ مِنْهُ وَجب عَلَيْهِ نَفْيه بِاللّعانِ هَكَذَا قطع بِهِ الْجُمْهُور حَتَّى يَنْتَفِي عَنهُ من لَيْسَ مِنْهُ وَفِي وَجه لَا يجب النَّفْي قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيره فَإِن تَيَقّن مَعَ ذَلِك أَنَّهَا زنت قَذفهَا ولاعن وَإِلَّا فَلَا يقذفها لجَوَاز أَن يكون الْوَلَد من زوج قبله أَو من وَطْء شُبْهَة قَالَ الْأَئِمَّة وَإِنَّمَا يحصل الْيَقِين إِذا لم يَطَأهَا أصلا أَو وَطئهَا وَأَتَتْ بِهِ لأكْثر من أَربع سِنِين من وَقت الْوَطْء أَو لأَقل من

(1/420)


سِتَّة أشهر فَإِذا انْتهى الْأَمر إِلَى اللّعان فَيَأْتِي بِخمْس كَلِمَات مَا ذكره الشَّيْخ وَيكون ذَلِك بِأَمْر الْحَاكِم أَو نَائِبه وَيُسمى امْرَأَته إِن كَانَت غَائِبَة عَن الْبَلَد أَو الْمجْلس وَيرْفَع فِي نَسَبهَا حَتَّى تتَمَيَّز عَن غَيرهَا وَإِن كَانَت حَاضِرَة تَكْفِي الْإِشَارَة إِلَيْهَا على الصَّحِيح لِأَن بهَا يحصل التَّمْيِيز فَلَا يحْتَاج مَعَ ذَلِك إِلَى ذكر النّسَب وَالِاسْم وَقيل يجمع بَين الِاسْم وَالْإِشَارَة وَيَقُول فِي الْخَامِسَة إِن لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا للنَّص وَإِن كَانَ هُنَاكَ ولد ذكره فِي الْكَلِمَات الْخمس لِأَن كل مرّة بِمَنْزِلَة شَهَادَة فَيَقُول إِن هَذَا الْوَلَد أَو لحمل من زنا وَلَيْسَ مني فَلَو اقْتصر على قَوْله من زنا هَل يَكْفِي قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا لاحْتِمَال أَن يعْتَقد وَطْء الشُّبْهَة زنا فَلَا يَنْتَفِي بِهِ الْوَلَد وأصحهما أَنه يَكْفِي وَلَو اقْتصر على قَوْله لَيْسَ مني يَك لم يَكْفِي وَلَو أغفل ذكر الْوَلَد فِي بعض الْكَلِمَات احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة اللّعان لنفيه وَقَول الشَّيْخ فَيَقُول عِنْد الْحَاكِم هَذَا لَا بُد مِنْهُ فِي الِاعْتِدَاد بِصِحَّة اللّعان لِأَن اللّعان يَمِين فَلَا بُد فِيهِ من أَمر الْحَاكِم كَسَائِر الْإِيمَان وَقَوله على الْمِنْبَر فِي جمَاعَة من الْمُسلمين هَذَا من الْآدَاب وَأَقلهمْ أَرْبَعَة ليكونوا من أَعْيَان الْبَلَد وصلحائهم لِأَن فِي ذَلِك تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَهُوَ أبلغ فِي الردع وَقَوله أشهد هَذَا اللَّفْظ مُتَعَيّن فَلَو بدله بقوله أَحْلف بِاللَّه أَو أقسم بِاللَّه وَنَحْوه إِنِّي لمن الصَّادِقين أَو أبدل لفظ اللَّعْن بالإبعاد أَو أبدل لفظ الْغَضَب بالسخط أَو أبدل لفظ الْغَضَب باللعن أَو عَكسه لم يَصح على الْأَصَح فِي جَمِيع ذَلِك وَقيل لَا يَصح قطعا لِأَنَّهُ أخل بِاللَّفْظِ الْمَأْمُور بِهِ فَأشبه الشَّاهِد إِذا أخل بِلَفْظ الشَّهَادَة وَإِذا بلغ الرجل لفظ اللَّعْن أَو الْمَرْأَة لفظ الْغَضَب اسْتحبَّ للْحَاكِم أَن يَقُول إِن هَذِه الْخَامِسَة مُوجبَة للعذاب فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة فَاتق الله تَعَالَى فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْك إِن لم تكن صَادِقا أَن تبوء بلعنة الله تَعَالَى كي يرجع وَيَتْلُو عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَمعنى لَا خلاق لَهُم أَي لَا نصيب لَهُم فِي الْآخِرَة فَإِن أَبَيَا إِلَّا اللّعان تَركهمَا وَيَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يذكر هَذَا الحَدِيث وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلنْ يدخلهَا الله الْجنَّة وَأَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله مِنْهُ وفضحه على رُؤُوس الْأَوَّلين والآخرين وَفِي رِوَايَة على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة قَالَ
(وَيتَعَلَّق بلعانه خَمْسَة أَحْكَام سُقُوط الْحَد عَنهُ وَوُجُوب الْحَد عَلَيْهَا وَزَوَال الْفراش وَنفي الْوَلَد وَالتَّحْرِيم على الْأَبَد)

(1/421)


اعْلَم أَن الزَّوْج لَا يجْبر على اللّعان بعد الْقَذْف بل لَهُ الِامْتِنَاع وَعَلِيهِ حد الْقَذْف كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا الْمَرْأَة لَا تجبر على اللّعان بعد لِعَانه فَإِذا لَاعن الزَّوْج وأكمل اللّعان ترَتّب عَلَيْهِ أَحْكَام مِنْهَا سُقُوط الْحَد عَنهُ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة فَإِنَّهَا أَقَامَت اللّعان فِي حَقه مقَام الشَّهَادَة وَمِنْهَا وجوب الْحَد عَلَيْهَا إِذا قَذفهَا بزنا أَضَافَهُ إِلَى حَالَة الزَّوْجِيَّة وَكَانَت مسلمة لقَوْله تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} وَمِنْهَا حُصُول الْفرْقَة بَينهمَا وَهُوَ الَّذِي عبر الشَّيْخ عَنهُ بِزَوَال الْفراش وَهَذِه الْفرْقَة تحصل ظَاهرا وَبَاطنا سَوَاء صدقت أم صدق وَقيل إِن صدقت لم تحصل بَاطِنا وَالصَّحِيح الأول وَحجَّة ذَلِك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَين رجل وَامْرَأَته تلاعنا فِي زَمَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَألْحق الْوَلَد بِالْأُمِّ رَوَاهُ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهَا نفي الْوَلَد عَنهُ لحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهَا التَّحْرِيم بَينهمَا إِذا كَانَت الْبَيْنُونَة بِاللّعانِ على التَّأْبِيد لِأَن الْعجْلَاني قَالَ بعد اللّعان كذبت عَلَيْهَا إِن أَمْسَكتهَا هِيَ طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا فنفى السَّبِيل مُطلقًا فَلَو لم يكن مُؤَبَّدًا لبين غَايَته كَمَا بَينهَا فِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا وَرُوِيَ المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا وَلَو كَانَ قد أَبَانهَا قبل اللّعان ثمَّ لاعنها فَهَل تتأبد الْحُرْمَة وَجْهَان أصَحهمَا نعم ثمَّ هَذِه الْأَحْكَام تتَعَلَّق بِمُجَرَّد لعان الزَّوْج وَلَا يتَوَقَّف شَيْء مِنْهَا على لعانها وَلَا على قَضَاء القَاضِي وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة بزناها لم تلاعن الْمَرْأَة لدفع الْحَد لِأَن اللّعان حجَّة ضَعِيفَة فَلَا يُقَاوم الْبَيِّنَة وَالله أعلم
(فرع) لَو كَانَت الْمُلَاعنَة أمة فملكها الزَّوْج فَفِي حل وَطئهَا طَرِيقَانِ وَالَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ الْمَنْع وَقيل فِيهَا الْخلاف فِيمَا إِذا طلق زَوجته الْأمة ثَلَاثًا ثمَّ ملكهَا هَل تحل لَهُ أم لَا الْأَصَح لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطلقها بِشُرُوطِهِ لظَاهِر الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وَقيل تحل لِأَن الطلقات الثَّلَاث لَا تمنع الْملك فَلَا تمنع الْوَطْء فِيهِ بِخِلَاف النِّكَاح الأول وَالله أعلم قَالَ
(وَيسْقط الْحَد عَنْهَا بِأَن تلاعن فَتَقول أشهد بِاللَّه أَن فلَانا هَذَا من الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا أَربع مَرَّات وَتقول فِي الْخَامِسَة بعد أَن يعظها الْحَاكِم وَعلي غضب الله إِن كَانَ من الصَّادِقين)

(1/422)


قد علمت أَن الْمَرْأَة لَا تجبر على اللّعان لَكِن لَهَا أَن تلاعن لدرء الْحَد عَنْهَا لقَوْله تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} يَعْنِي زَوجهَا وتشير إِلَيْهِ كَمَا تقدم إِن كَانَ حَاضرا أَو تذكر مَا يتَمَيَّز بِهِ من اسْم وَنسب إِن لم يكن حَاضرا وَتقول فِي الْخَامِسَة إِن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين لِلْآيَةِ وَلَا تحْتَاج إِلَى ذكر الْوَلَد لِأَن لعانها لَا يُؤثر وَلَو تعرضت لَا يُؤثر وَقيل تذكره ليتقابل اللعانان وَالله أعلم
(فرع) قَالَ شخص لآخر يَا لوطي فَهَل هُوَ كِنَايَة فِي الْقَذْف أم صَرِيح الْمَذْهَب عِنْد الرَّافِعِيّ أَنه كِنَايَة وَلَيْسَ بِصَرِيح قَالَ النَّوَوِيّ قد غلب فِي الْعرف لإِرَادَة الْوَطْء فِي الدبر بل لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا هَذَا فَيَنْبَغِي أَن يقطع بِأَنَّهُ صَرِيح ثمَّ قَالَ بل الصَّوَاب الْجَزْم بِأَنَّهُ صَرِيح وَبِه جزم صَاحب التَّنْبِيه وَإِن كَانَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَنه كِنَايَة وَالْعجب أَنه قَالَ فِي تَصْحِيح التَّنْبِيه الصَّوَاب أَنه كِنَايَة وَالله أعلم
(فرع) كثير فِي أَلْسِنَة النَّاس قَوْلهم للصَّبِيّ وَغَيره يَا ولد الزِّنَا وَهَذَا قذف لأم القَوْل لَهُ فَيجب فِيهِ الْحَد لِأَنَّهُ قذف صَرِيح وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْعدة فصل والمعتدة ضَرْبَان متوفي عَنْهَا زَوجهَا وَغير متوفي فالمتوفى عَنْهَا إِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَت حَائِلا فعدتها أَرْبَعَة أشهر وَعشر
الْعدة اسْم لمُدَّة مَعْدُودَة تَتَرَبَّص فِيهَا الْمَرْأَة ليعرف بَرَاءَة رَحمهَا وَذَلِكَ يحصل بِالْولادَةِ تَارَة وبالأشهر أَو الْأَقْرَاء أُخْرَى وَلَا شكّ أَن الْمُعْتَدَّة على ضَرْبَيْنِ متوفى عَنْهَا زَوجهَا وَغَيرهَا فالمتوفي عَنْهَا زَوجهَا تَارَة تكون حَامِلا وَتارَة تكون حَائِلا فَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل بِشُرُوط نذكرها فِيمَا بعد فِي عدَّة الطَّلَاق وَلَا فرق بَين أَن يتعجل الْوَضع أَو يتَأَخَّر قَالَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي وجوب الِاعْتِدَاد بالمدة وَإِن كَانَت حَامِلا لَكِن ثَبت أَن سبيعة الأسْلَمِيَّة ولدت بعد وَفَاة زَوجهَا بِنصْف شهر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حللت فَانْكِحِي من شِئْت وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَو وضعت وَزوجهَا على السرير حلت ثمَّ لَا فرق فِي عدَّة الْحمل بَين الْحرَّة وَالْأمة وَإِن كَانَت حَائِلا أَو حَامِلا بِحمْل لَا يجوز أَن يكون مِنْهُ اعْتدت الْحرَّة بأَرْبعَة أشهر وَعشر لقَوْله

(1/423)


تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} أخرجت الْحَامِل مِنْهُ بِدَلِيل فَبَقيَ مَا عدا ذَلِك على عُمُومه وَأما الْحَامِل من غَيره فَلَا يُمكن الِاعْتِدَاد بِهِ ثمَّ لَا فرق فِي ذَلِك بَين الصَّغِيرَة والكبيرة وَذَات الْأَقْرَاء وَغَيرهَا وَلَا فرق بَين زَوْجَة الصَّبِي والممسوح وَغَيرهمَا وَتعْتَبر الْأَشْهر بِالْأَهِلَّةِ مَا أمكن وَاعْلَم أَن عدَّة الْوَفَاة تخْتَص بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح فَلَو نكحت فَاسِدا وَمَات قبل الدُّخُول فَلَا عدَّة وَإِن دخل ثمَّ مَاتَ أَو فرق بَينهمَا اعْتدت للدخول كَمَا تَعْتَد عَن الشُّبْهَة وَالله أعلم قَالَ
(وَغير المتوفي عَنْهَا زَوجهَا إِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَت حَائِلا من ذَوَات الْحيض فعدتها بِالْأَقْرَاءِ وَهِي الإطهار وَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو آيسة فعدتها ثَلَاثَة أشهر)
هَذَا هُوَ الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ عدَّة غير الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَلَا شكّ أَنَّهَا أَصْنَاف إِمَّا ذَات حمل وَإِمَّا ذَات أَقراء وَإِمَّا ذَات أشهر الصِّنْف الأول ذَات الْحمل وعدتها بِوَضْع الْحمل لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} لَكِن للاعتداد بذلك شَرْطَانِ
أَحدهمَا كَون الْوَلَد مَنْسُوبا إِلَى من الْعدة مِنْهُ إِمَّا ظَاهرا وَإِمَّا احْتِمَالا كالنفي بِاللّعانِ فَإِذا لَاعن حَامِلا وَنفى الْوَلَد الَّذِي هُوَ حمل انْقَضتْ عدتهَا بِوَضْعِهِ لِإِمْكَان كَونه مِنْهُ أما إِذا لم يُمكن كَونه مِنْهُ بِأَن مَاتَ صبي لَا ينزل وَامْرَأَته حَامِل فَلَا تَنْقَضِي عدتهَا بِوَضْع الْحمل على الْمَذْهَب والخصي الَّذِي يبْقى ذكره كالفحل فِي لُحُوق الْوَلَد على الْمَذْهَب فتنقضي الْعدة مِنْهُ بِوَضْعِهِ سَوَاء فِيهِ عدَّة الطَّلَاق أَو الْوَفَاة وَأما من جب ذكره وَبَقِي أنثياه فيلحقه الْوَلَد فَتعْتَد امْرَأَته عَن الْوَفَاة بِوَضْع الْحمل وَلَا يلْزمهَا عدَّة الطَّلَاق لعدم الدُّخُول وَالله أعلم
الشَّرْط الثَّانِي أَن تضع الْحمل بِتَمَامِهِ فَإِن كَانَ الْحمل توأمين فَلَا بُد من وضعهما وَلَا تَنْقَضِي الْعدة بِخُرُوج بعض الْوَلَد لَو بَقِي الْبَعْض مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا وطلق لحقه الطَّلَاق وَلَو مَاتَ وَورثه ثمَّ مَتى انْفَصل الْوَلَد بِتَمَامِهِ انْقَضتْ الْعدة حَيا كَانَ أَو مَيتا وَلَا تَنْقَضِي بِإِسْقَاط الْعلقَة وَالدَّم وَإِن سَقَطت مُضْغَة نظر إِن ظهر فِيهَا شَيْء من صُورَة الْآدَمِيّ كيد أَو أصْبع أَو ظفر أَو غَيرهَا فتنقضي الْعدة وَإِن لم يظْهر شَيْء من صُورَة الْآدَمِيّ لكل أحد لَكِن قَالَ القوابل فِيهِ صُورَة خُفْيَة وَهِي بَيِّنَة لنا وَإِن خفيت على غَيرنَا فَتقبل شَهَادَتهنَّ وَيحكم بِانْقِضَاء الْعدة وَسَائِر الْأَحْكَام وَإِن لم تكن صُورَة ظَاهِرَة وَلَا خُفْيَة يعرفهَا القوابل إِلَّا أَنَّهُنَّ قُلْنَ إِنَّه أصل آدَمِيّ وَلَو بَقِي لتصور وَخلق فالنص أَن الْعدة تَنْقَضِي بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَب وَإِن كَانَت لَا تجب بِهِ غرَّة على النَّص وَلَا يثبت بِهِ الِاسْتِيلَاد لِأَن المُرَاد من الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَقد حصلت وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة من الْعدة وأمومة

(1/424)


الْوَلَد إِنَّمَا تثبت تبعا للْوَلَد وَلَو شكت القوابل فِي أَنه لحم آدَمِيّ أم لَا لم يثبت شَيْء من هَذِه الْأَحْكَام بِلَا خلاف وَلَو اخْتلف الزَّوْج وَهِي فَقَالَت كَانَ السقط الَّذِي وَضعته مِمَّا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَأنكر الزَّوْج وضع السقط فَالْقَوْل قَوْلهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مَأْمُونَة فِي الْعدة وَالله أعلم
النَّوْع الثَّانِي ذَات الْأَقْرَاء والأقراء جمع قرء بِفَتْح الْقَاف وَيُقَال بضَمهَا قَالَ النَّوَوِيّ وَزعم بَعضهم أَنه بِالْفَتْح للطهر وبالضم للْحيض ويقعان على الطُّهْر وَالْحيض فِي اللُّغَة على الصَّحِيح وَالصَّحِيح أَنه حَقِيقَة فيهمَا وَقيل إِنَّه حَقِيقَة فِي الطُّهْر مجَاز فِي الْحيض وَاخْتلف فِي المُرَاد بِالطُّهْرِ هُنَا وَالْأَظْهَر أَنه المحتوش بدمين وَقيل إِنَّه مُجَرّد الِانْتِقَال من الطُّهْر إِلَى الْحيض وَالْمَذْكُور فِي أول الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ للَّتِي لم تَحض قطّ أَنْت طَالِق فِي كل قرء طَلْقَة تطلق فِي الْحَال على مَا قَالَه الْأَكْثَرُونَ وَفِيه مُخَالفَة للمذكور هُنَا قَالَ الرَّافِعِيّ وَيجوز أَن يَجْعَل ترجيحهم للوقوع فِي تِلْكَ الصُّورَة لِمَعْنى يَخُصهَا لَا لرجحان القَوْل بِأَن الطُّهْر هُوَ الِانْتِقَال إِذا عرفت هَذَا فَلَو طَلقهَا وَقد بَقِي من الطُّهْر بَقِيَّة حسبت تِلْكَ الْبَقِيَّة قرءا سَوَاء كَانَ جَامعهَا فِي تِلْكَ الْبَقِيَّة أم لَا فَإِذا حَاضَت ثمَّ ظَهرت ثمَّ حَاضَت ثمَّ طهرت ثمَّ شرعت فِي الْحيض انْقَضتْ عدتهَا على الْأَظْهر لِأَن الظَّاهِر أَنه دم حيض وَقيل لَا بُد من مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة فعلى الْأَظْهر لَو انْقَطع الدَّم لدوّنَ يَوْم وَلَيْلَة وَلم يعد حَتَّى مَضَت خَمْسَة عشر يَوْمًا تَبينا أَن الْعدة لم تنقض ثمَّ لَحْظَة رُؤْيَة الدَّم أَو الْيَوْم وَاللَّيْلَة هَل هما من نفس الْعدة أم يتَبَيَّن بهما الإنقضاء وليستا من الْعدة وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي فَإِن جَعَلْنَاهُ من الْعدة صحت فِيهِ الرّجْعَة وَلَا يَصح نِكَاحهَا لأَجْنَبِيّ فِيهِ وَإِلَّا انعكس الحكم وَالله أعلم
النَّوْع الثَّالِث من لم تَرَ دَمًا إِمَّا لصِغَر أَو اياس أَو بلغت سنّ الْحيض وَلم تَحض فَعدَّة هَؤُلَاءِ بِالْأَشْهرِ قَالَ الله تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} يَعْنِي كَذَلِك قَالَ أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أول مَا نزل من الْعدَد {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فارتاب نَاس فِي عدَّة الصغار والآيسات فَأنْزل الله تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} الْآيَة وَاخْتلف فِي سنّ الاياس فالأشهر أَنه اثْنَان وَسِتُّونَ سنة وَقيل سِتُّونَ وَقيل خَمْسُونَ وَقيل تسعون قَالَ السَّرخسِيّ ورأينا امْرَأَة حَاضَت لتسعين وَبِمَ يعْتَبر اياسها قيل بإياس أقاربها من الْأَبَوَيْنِ لتقاربهن فِي الطَّبْع وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَرجحه الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر وَقيل نسَاء عصباتها كمهر الْمثل فعلى الْمُرَجح لَو اختلفن فَهَل يعْتَبر أقلهن أَو أكثرهن فِيهِ خلاف وَقيل يعْتَبر إِيَاس جَمِيع النِّسَاء أَي أقْصَى إياسهن لتحَقّق الاياس وَهَذَا هُوَ الْأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ وَغَيره وَإِلَيْهِ ميل الْأَكْثَرين كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا يمكننا طواف الْعَالم

(1/425)


وَإِنَّمَا المُرَاد بِمَا بلغنَا خَبره وَقيل الْمُعْتَبر سنّ الاياس غَالِبا لَا أقصاه وعَلى الْوَجْهَيْنِ هَل الْمُعْتَبر نسَاء زمانها أم نسَاء أَي زمن كَانَ الَّذِي فِي الْإِبَانَة والتتمة وَتَعْلِيق القَاضِي حُسَيْن الأول وَغَيرهم لم يتَعَرَّضُوا إِلَى ذَلِك وَقيل يعْتَبر اياس نسَاء بَلَدهَا لِأَن للأهوية تَأْثِيرا فَلَو اخْتلفت عادتهن اعْتبرنَا أقصاهن وَالله أعلم
(فرع) ولدت امْرَأَة وَلم تَرَ حيضا قطّ وَلَا نفاساً فَهَل تَعْتَد بالاشهر أم هِيَ كمن انْقَطع حَيْضهَا بِلَا سَبَب وَجْهَان الصَّحِيح الِاعْتِدَاد بِالْأَشْهرِ لدخولها فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} قَالَ الْأَذْرَعِيّ قَالَ الرَّافِعِيّ فِي آخر الْعدَد عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ إِن الَّتِي لم تَحض قطّ إِذا ولدت ونفست تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَلَا يَجْعَلهَا النّفاس من ذَوَات الْأَقْرَاء فَجزم الْبَغَوِيّ بِهَذَا وَلم يذكر الرَّافِعِيّ هُنَاكَ خِلَافه وَالله أعلم قَالَ
(والمطلقة قبل الدُّخُول لَا عدَّة عَلَيْهَا)
الْمُطلقَة قبل الدُّخُول بهَا إِن لم تحصل خلْوَة فَلَا عدَّة عَلَيْهَا بِلَا خلاف بل بالِاتِّفَاقِ وَإِن طَلقهَا بعد الْخلْوَة بهَا سَوَاء بَاشَرَهَا فِيمَا دون الْفرج أم لَا فَفِيهِ قَولَانِ الْأَظْهر أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وَلِأَن الْبَرَاءَة متحققة وَقيل تجب الْعدة لقَوْل عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا أغلق بَابا وأرخى سترا فلهَا الصَدَاق كَامِلا وَعَلَيْهَا الْعدة
وَاعْلَم أَن زَوْجَة الْمَجْبُوب الذّكر الْبَاقِي الانثيين لَا عدَّة عَلَيْهَا إِن كَانَت حَائِلا لِاسْتِحَالَة الْإِيلَاج وَإِن كَانَت حَامِلا لحقه الْوَلَد عَلَيْهَا الْعدة وَزوج الْمَمْسُوح لَا عدَّة عَلَيْهَا بِنَاء على الْأَصَح أَن الْوَلَد لَا يلْحقهُ وَالله أعلم قَالَ
(وعدة الْأمة كعدة الْحرَّة فِي الْحمل وبالاقراء تَعْتَد بقرءين وبالشهور عَن الْوَفَاة بشهرين وَخمْس لَيَال وَعَن الطَّلَاق بِشَهْر وَنصف)
الْأمة الْمُطلقَة إِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلِأَن الْحمل لَا يَتَبَعَّض فَأشبه قطع السّرقَة وَإِن كَانَت من ذَوَات

(1/426)


الْأَقْرَاء اعْتدت بقرءين لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُطلق العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَتعْتَد الْأمة حيضتين وَهُوَ مُخَصص لعُمُوم الْآيَة وَلِأَنَّهَا على النّصْف فِي الْقسم وَالْحَد إِلَّا أَنه لَا يُمكن تنصيف الْقُرْء فكمل الثَّانِي كَمَا كمل طَلَاق العَبْد بثنتين وَلِأَن اسْتِبْرَاء الزَّوْجَة الْحرَّة بِثَلَاثَة أَقراء لكمالها بِالْحُرِّيَّةِ وَالْعقد واستبراء الْأمة الْمَوْطُوءَة بِالْملكِ بِحَيْضَة لنقصانها برقها فَكَانَ اسْتِبْرَاء الْأمة الْمَنْكُوحَة بَينهمَا لوُجُود العقد دون الْحُرِّيَّة وَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا ثَلَاثَة أشهر لعُمُوم الْآيَة وَلِأَنَّهُ أقل زمن تظهر فِيهِ أَمَارَات الْحمل من التحرك وَكبر الْبَطن فَإِذا لم يظْهر ذَلِك علمت الْبَرَاءَة
وَالثَّانِي شَهْرَان بَدَلا عَن الْقُرْأَيْنِ كَمَا كَانَت الْأَشْهر الثَّلَاثَة للْحرَّة بَدَلا عَن الْأَقْرَاء
وَالثَّالِث شهر وَنصف لتجري على الصِّحَّة فِي التنصيف كعدة الْوَفَاة وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَبِه جزم الشَّيْخ وَاعْلَم أَن أم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة والمبعضة كالقنة فِيمَا ذكرنَا وَالله أعلم
(فرع) إِذا طلقت الزَّوْجَة الْأمة وعتقت فِي أثْنَاء الْعدة فَهَل تَعْتَد عدَّة الْإِمَاء أم الْحَرَائِر فِيهِ أَقْوَال
أَحدهَا تتمم عدَّة الْإِمَاء إعتباراً بِحَال وجوب الْعدة
وَالثَّانِي تتمم عدَّة الْحَرَائِر احْتِيَاطًا للعدة 2
وَالثَّالِث إِن كَانَت رَجْعِيَّة تممت عدَّة الْحَرَائِر لِأَنَّهَا كَالزَّوْجَةِ وَلِهَذَا لَو مَاتَ عَنْهَا انْتَقَلت إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَإِن كَانَت بَائِنا أتمت عدَّة أمة لِأَنَّهَا كالأجنبية وَالله أعلم قَالَ
بَاب الِاسْتِبْرَاء فصل فِي الإستبراء وَمن استحدث ملك أمة حرم عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاع بهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا إِن كَانَت من ذَوَات الْحيض بِحَيْضَة وَإِن كَانَت من ذَوَات الشُّهُور بِشَهْر وَإِن كَانَت من ذَوَات الْحمل بِوَضْع 4 الْحمل
هَذَا فصل الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ عبارَة عَن التَّرَبُّص بِوَاجِب بِسَبَب ملك الْيَمين حدوثاً وزوالاً وَسمي بذلك لِأَنَّهُ مُقَدّر بِأَقَلّ مَا يدل على الْبَرَاءَة من غير عدَّة وَسميت الْعدة عدَّة لتَعَدد مَا يدل على الْبَرَاءَة

(1/427)


إِذا عرفت هَذَا فَالْأَصْل فِي هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاس لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا غير ذَات حمل حَتَّى تحيض حَيْضَة
ثمَّ لوُجُوب الِاسْتِبْرَاء سببان
أَحدهمَا حُدُوث الْملك فِي الْأمة كَمَا ذكره الشَّيْخ بقوله وَمن استحدث ملك أمة فَمن ملك جَارِيَة وَجب عَلَيْهِ استبراؤها سَوَاء ملكهَا بارث أَو شِرَاء أَو هبة أَو وَصِيَّة أَو سبي أَو عَاد ملكه فِيهَا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَو التخالف أَو الْإِقَالَة أَو الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَإِذا عَادَتْ إِلَيْهِ بِفَسْخ كِتَابَة أَو ارْتَدَّت ثمَّ أسلمت فَإِنَّهُ يلْزمه الِاسْتِبْرَاء على الْأَصَح لزوَال ملك الِاسْتِمْتَاع وَلَو زوج أمته ثمَّ طلقت قبل الدُّخُول فَهَل يجب على السَّيِّد استبراؤها قَولَانِ وَلَو بَاعهَا بِشَرْط الْخِيَار فَعَادَت إِلَيْهِ بِفَسْخ فِي مُدَّة الْخِيَار فَفِي وجوب الِاسْتِبْرَاء خلاف الْمَذْهَب أَنه يجب إِن قُلْنَا يَزُول ملك البَائِع بِنَفس العقد وَإِلَّا فَلَا ثمَّ لَا فرق فِي الْأمة بَين أَن تكون صَغِيرَة أَو كَبِيرَة حَائِلا كَانَت أَو حَامِلا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَسَوَاء ملكهَا من رجل أَو امْرَأَة أَو طِفْل وَسَوَاء كَانَت مستبرأة من قبل أم لَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب لعُمُوم الْخَبَر مَعَ الْعلم بأنهن كَانَ فِيهِنَّ أبكار وعجائز وَالله أعلم
(فرع) اشْترى زَوجته الْأمة فَهَل يجب عَلَيْهِ أَن يَسْتَبْرِئهَا وَجْهَان الصَّحِيح الْمَنْصُوص لَا ويدوم حلهَا لَكِن يسْتَحبّ ليتميز ولد النِّكَاح عَن ولد ملك الْيَمين وَقيل يجب لتجدد الْملك وَالله أعلم
ثمَّ إِن كَانَت الْأمة الَّتِي حدث ملكهَا من ذَوَات الْحيض استبرأها بِحَيْضَة على الْجَدِيد الْأَظْهر للْحَدِيث وَقيل بطهر كالعدة وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تحيض لصِغَر أَو اياس فبماذا تَعْتَد فِيهِ خلاف قيل بِثَلَاثَة أشهر لِأَنَّهُ أقل مُدَّة تدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا مَا صَححهُ فِي التَّنْبِيه وَقيل بِشَهْر لِأَنَّهُ كقرء فِي الْحرَّة فَكَذَا فِي الْأمة وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَححهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا
(فرع) وَطئهَا من يجب عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاء قبل الِاسْتِبْرَاء عصى وَلَا يَنْقَطِع الِاسْتِبْرَاء لِأَن قيام الْملك لَا يمْنَع الاحتساب فَكَذَا المعاشرة بِخِلَاف الْمُعْتَدَّة وَلَو أحبلها بِالْوَطْءِ فِي الْحيض فَانْقَطع الدَّم حلت لتَمام الْحيض وَإِن كَانَت طَاهِرَة عِنْد الْوَطْء لم ينْقض الِاسْتِبْرَاء حَتَّى تضع وَالله أعلم وَإِن كَانَت حَامِلا استبرأها بِوَضْع الْحمل لعُمُوم الْخَبَر وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ أَنه لَا فرق بَين أَن يكون الْحمل من نِكَاح أَو شُبْهَة أَو زنا وَهُوَ مُوَافق لما حَكَاهُ الْمُتَوَلِي وَقَالَ الرَّافِعِيّ الْأَصَح وَعبارَة الرَّوْضَة التَّفْصِيل إِن ملكت بسبي كفى الْوَضع وَإِن ملكت بشرَاء وَحملهَا من زوج وَهِي فِي نِكَاحه أَو عدته أَو من وَطْء شُبْهَة فِي عدته فَالْمَشْهُور أَنه لَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال وَفِي وُجُوبه بعد الْعدة وَجْهَان

(1/428)


وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يحصل الِاسْتِبْرَاء بِالْوَضْعِ مُطلقًا وَأما حمل الزِّنَا فَفِي الِاكْتِفَاء بِوَضْعِهِ حَيْثُ يَكْتَفِي بثبات النّسَب وَجْهَان أصَحهمَا نعم وَإِن لم يكتف بِهِ وَرَأَتْ دَمًا وَهِي حَامِل وَقُلْنَا إِنَّه حيض كفى فِي الْأَصَح وَلَو ارتابت بِالْحملِ فِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء أَو بعده فَكَمَا فِي الْعدة وَاعْلَم أَن المرتابة الْحمل إِن كَانَ ارتيابها بعد انْقِضَاء عدتهَا سَوَاء كَانَت بالاقراء أَو الْأَشْهر يكره نِكَاحهَا والارتياب يحصل بارتفاع الْبَطن أَو حركته مَعَ ظُهُور الدَّم وَلَكِن شككنا هَل ثمَّ حمل أم لَا وَهل يَصح النِّكَاح قَولَانِ
أَحدهمَا يَصح لأَنا حكمنَا بِانْقِضَاء الْعدة فَلَا تنقضه بِالشَّكِّ كَمَا لَو حصلت الرِّيبَة بعد النِّكَاح وَهَذَا هُوَ الْأَصَح فعلى هَذَا لَو ولدت لدوّنَ سِتَّة أشهر من العقد تَبينا الْبطلَان وَقيل لَا يَصح العقد لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أعدتها بِالْحملِ فَلم تنقض أم بِغَيْرِهِ فَلَا تنْكح مَعَ الشَّك كَمَا لَو ارتاب بذلك فِي أثْنَاء الْعدة وَالله أعلم
(فرع) مَذْكُور فِي الْعدَد لَو نكح شخص امْرَأَة حَامِلا من الزِّنَا صَحَّ نِكَاحه بِلَا خلاف وَهل لَهُ وَطْؤُهَا قبل الْوَضع وَجْهَان الْأَصَح نعم إِذْ لَا حُرْمَة لَهُ وَمنعه ابْن الْحداد وَالله أعلم قَالَ
(وَإِذا مَاتَ سيد أم الْوَلَد استبرأت نَفسهَا بِشَهْر كالأمة)
هَذَا هُوَ السَّبَب الثَّانِي مِمَّا يُوجب الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ زَوَال الْفراش عَن مَوْطُوءَة بِملك يَمِين فَإِذا مَاتَ سيد عَن أم وَلَده وَلَيْسَت فِي زوجية وَلَا عدَّة نِكَاح لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهُ زَالَ عَنْهَا الْفراش فَأَشْبَهت الْحرَّة وَيكون استبراؤها بِشَهْر إِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر وَإِلَّا فبحيضة إِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء كالمتملكة وَلَو أعْتقهَا فَالْأَمْر كَذَلِك وَكَذَا لَو أعتق أمته الَّتِي وَطئهَا لزوَال الْفراش وَلَو اسْتَبْرَأَ الْأمة الْمَوْطُوءَة ثمَّ أعْتقهَا قَالَ الْأَصْحَاب لَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا وَلها أَن تتَزَوَّج فِي الْحَال وَلم يطردوا فِيهِ الْخلاف فِي الْمُسْتَوْلدَة لِأَن الْمُسْتَوْلدَة يشبه فراشها فرَاش النِّكَاح وَالأَصَح فِي الْمُسْتَوْلدَة أَنه إِن استبرأها ثمَّ أعْتقهَا أَنه يجب استبراؤها وَلَو لم تكن الْأمة مَوْطُوءَة لم يكن فراشا وَلَا يجب الِاسْتِبْرَاء بإعتاقها وَلَو أعتق مُسْتَوْلدَة وَأَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا قبل تَمام الِاسْتِبْرَاء جَازَ على الْأَصَح كَمَا يتَزَوَّج الْمُعْتَدَّة مِنْهُ بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة وَالله أعلم
(فرع) لَا يجوز تَزْوِيج الْأمة الْمَوْطُوءَة قبل الِاسْتِبْرَاء بِخِلَاف بيعهَا لِأَن مَقْصُود النِّكَاح الْوَطْء فَيَنْبَغِي أَن يستعقب الْحل وَإِن استبرأها ثمَّ أعْتقهَا فَهَل يجوز تَزْوِيجهَا فِي الْحَال أم يحْتَاج إِلَى اسْتِبْرَاء جَدِيد زجهان يَعْنِي أم الْوَلَد أصَحهمَا يجب الِاسْتِبْرَاء وَكَلَام الرَّوْضَة هَذَا يُوهم أَن الْوَجْهَيْنِ فِي الْأمة لَا فِي أم الْوَلَد فاعرفه وَلَو اشْترى أمة وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الِاسْتِبْرَاء فَإِن كَانَ البَائِع قد وَطئهَا لم يجز إِلَّا أَن يُزَوّجهَا بِهِ وَإِن لم يكن وَطئهَا البَائِع أَو كَانَ قد وَطئهَا واستبرأها قبل البيع أَو كَانَ الِانْتِقَال من امْرَأَة وَصبي جَازَ تَزْوِيجهَا فِي الْحَال على الْأَصَح كَمَا يجوز للْبَائِع تَزْوِيجهَا بعد الِاسْتِبْرَاء وَقيل لَا يجوز لَهُ كَمَا لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا والقائلون بالأصح يلْزمهُم الْفرق

(1/429)


وَهَذَا الْوَجْه قوي وَنسبه الْقفال إِلَى أَكثر الْأَصْحَاب قَالَ الرَّافِعِيّ ونوقش فِي مثل هَذِه النِّسْبَة وَالله أعلم قَالَ

(فصل فِي الْمُعْتَدَّة الرَّجْعِيَّة السُّكْنَى وَالنَّفقَة وللبائن السُّكْنَى دون النَّفَقَة إِلَّا أَن تكون حَامِلا)

المعتدات أَنْوَاع مِنْهَا الرَّجْعِيَّة فلهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى بِالْإِجْمَاع ورد فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس حِين طَلقهَا ثَلَاثًا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة وَقَالَ إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لمن تملك الرّجْعَة وَفِي رِوَايَة وَلَا نَفَقَة لَك إِلَّا أَن تَكُونِي حَامِلا وَفِي رِوَايَة لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى وَكَانَت بَائِنا حَائِلا وَلِأَن الرَّجْعِيَّة زَوْجَة وَالْمَانِع من جِهَة الزَّوْج لِأَنَّهُ يقدر على إِزَالَته وكما تجب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى تجب لَهَا بَقِيَّة مُؤَن الزَّوْجَات إِلَّا آلَات التَّنْظِيف وَالله أعلم
وَمِنْهَا الْبَائِن والبينونة إِن كَانَت بخلع أَو اسْتِيفَاء الطلقات الثَّلَاث فلهَا السُّكْنَى حَامِلا كَانَت أَو حَائِلا لقَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وَقَالَ الله تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِين بِفَاحِشَة} وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة عَن وَفَاة فَفِي اسْتِحْقَاقهَا السُّكْنَى قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب كَمَا لَا تجب النَّفَقَة وَالْأَظْهَر الْوُجُوب لِأَن فريعة بنت مَالك أَخ أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قتل زَوجهَا فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فَإِنَّهُ لم يَتْرُكهَا فِي مسكن يملكهُ فَأذن لَهَا فِي الرُّجُوع قَالَت فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي الْحُجْرَة أَو فِي الْمَسْجِد دَعَاني فَقَالَ امكثي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أجل قَالَت فاعتددت أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة عَن

(1/430)


نِكَاح بفرقة غير طَلَاق فِي الْحَيَاة كفسخ بِعَيْب ورضاع أَو غَيرهمَا فَفِي وجوب السُّكْنَى بِمثل تِلْكَ طرق عديدة وَاخْتلف تَرْجِيح الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك فصحح فِي الْمُحَرر الِاسْتِحْقَاق فِي جَمِيع الصُّور فَقَالَ الْأَظْهر أَن الْمُعْتَدَّة عَن سَائِر الْفِرَاق فِي الْحَيَاة كالمطلقة وَذكر الْوُجُوب فِي الْمُطلقَة وَقَالَ فِي بَاب الْخِيَار لَا تسْتَحقّ إِن كَانَت حَائِلا على الْمَشْهُور وَكَذَا إِن كَانَت حَامِلا على أصح الْقَوْلَيْنِ وَذكر فِي أصل الرَّوْضَة هُنَا خَمْسَة طرق وَقَالَ الرَّابِع يَعْنِي الطَّرِيق الرَّابِع ذكر الْبَغَوِيّ إِن كَانَت الْفرْقَة بِعَيْب أَو غرر فَلَا سُكْنى وَإِن كَانَت برضاع أَو مصاهرة فلهَا السُّكْنَى على الْأَصَح لِأَن السَّبَب لم يكن مَوْجُودا يَوْم العقد وَلَا اسْتندَ إِلَيْهِ والملاعنة تسْتَحقّ قطعا كالمطلقة ثَلَاثًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَب وجوب السُّكْنَى إِذا وَقع فسخ سَوَاء كَانَ بردة أَو إِسْلَام أَو رضَاع أَو عيب وَنَحْوه وَالله أعلم
(فرع) طَلقهَا وَهِي نَاشِزَة فَلَا سُكْنى لَهَا فِي الْعدة لِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فِي صلب النِّكَاح فَبعد الْبَيْنُونَة أولى كَذَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن وَقَالَ الإِمَام إِن طلقت فِي مسكن النِّكَاح فعلَيْهَا ملازمته لحق الشَّرْع فَإِن أطاعت اسْتحقَّت السُّكْنَى وَالله أعلم وَقَوله إِلَّا أَن تكون حَامِلا يَعْنِي الْبَائِن بخلع أَو طَلَاق ثَلَاث فلهَا النَّفَقَة إِذا كَانَت حَامِلا وَقَضِيَّة كَلَام الشَّيْخ أَن النَّفَقَة لَهَا وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل إِنَّه للْحَمْل فعلى الصَّحِيح لَا تجب لحامل عَن وَطْء الشُّبْهَة وَلَا فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَكَذَا أَيْضا لَا تجب النَّفَقَة لمعتدة عَن وَفَاة وَإِن كَانَت حَامِلا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة تبعا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم وَينْفق عَلَيْهَا من التَّرِكَة حَتَّى تضع وَبِه قَالَ شُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَحَمَّاد وَابْن أبي ليلى وسُفْيَان وَالله أعلم قَالَ
(وعَلى الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا الْإِحْدَاد وَهُوَ الِامْتِنَاع من الزِّينَة وَالطّيب)
يجب الاحداد فِي عدَّة الْوَفَاة وَهُوَ مَأْخُوذ من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع لِأَنَّهَا تمنع الزِّينَة وَنَحْوهَا وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث لَيَال إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَفِي رِوَايَة لَا تحد امْرَأَة على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَلَا تلبس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عصب وَلَا تكتحل وَلَا تمس طيبا إِلَّا إِذا طهرت فنبذة من قسط أَو ظفار وَلَا فرق فِي وجوب الْإِحْدَاد بَين الْمسلمَة والذمية وَلَو كَانَ زَوجهَا ذِمِّيا وَلَا بَين الْحرَّة وَالْأمة وَلَا بَين المكلفة وَغَيرهَا وَالْوَلِيّ يمْنَع الصَّغِيرَة والمجنونة مِمَّا تمْتَنع مِنْهُ

(1/431)


المكلفة وَيُؤْخَذ من كَلَام الشَّيْخ أَن الْمُعْتَدَّة عَن غير الْوَفَاة أَنه لَا يجب وَهُوَ كَذَلِك أما الرَّجْعِيَّة فَلِأَنَّهَا زَوْجَة فِي الْأَحْكَام نعم نَص الشَّافِعِي أَنه يسْتَحبّ وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى أَن الأولى أَن تتزين بِمَا يدعوا إِلَى رَجعتهَا وَأما الْمُطلقَة بخلع أَو اسْتِيفَاء الْعدَد فَفِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يجب الْإِحْدَاد أَيْضا لِأَنَّهَا مُعْتَدَّة عَن طَلَاق فَأَشْبَهت الرَّجْعِيَّة وَأَيْضًا فِي مجفوة بالطلاف فَلَا تكلّف التفجع بِخِلَاف الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَالْقَدِيم أَنه يجب الْإِحْدَاد لِأَنَّهَا بَائِن مُعْتَدَّة فَأَشْبَهت الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا
وَأما المفسوخ نِكَاحهَا بِعَيْب وَنَحْوه فَفِيهَا طَرِيقَانِ
أَحدهمَا على القَوْل فِي الْبَائِن بِالطَّلَاق وَقيل لَا يجب قطعا لِأَن الْفَسْخ إِمَّا لِمَعْنى فِيهَا أَو بمباشرتها فَلَا يَلِيق بهَا إِظْهَار التفجع هَذَا فِي الْإِحْدَاد وَأما كيفيته فَهُوَ ترك الزِّينَة بالثياب والحلي وَالطّيب أما الثِّيَاب فَلَا يحرم جنس الْقطن وَالصُّوف والوبر وَالشعر بل يجوز لبس المنسوج مِنْهَا على ألوانها الخلقية وَكَذَا الْكَتَّان والقصب والديبقي من أصل وَإِن كَانَت نفيسة ناعمة لِأَن نفاستها وحسنها من أصل الْخلقَة لَا من زِينَة دخلت عَلَيْهَا وَأما الابريسم فَلم ينْقل فِيهِ نَص عَن الشَّافِعِي وَهُوَ عِنْد مُعظم الْأَصْحَاب كالكتان وَغَيره إِذا لم يحدث فِيهِ زِينَة وَقَالَ الْقفال يحرم الإبريسم قلت إِطْلَاق جَوَاز لبس الصُّوف بأنواعه وَكَذَا الديبقي وَنَحْوه صَحِيح عَن أهل الثروة من المدن وَغَيرهم أما غير أهل الثوره لاسيما المستثعثين من أهل الْبَوَادِي فَيتَّجه الْجَزْم بِتَحْرِيم ذَلِك عَلَيْهِم وَأي نِسْبَة بَين ثوب كرباس مصبوغ إِلَى صوف مربع وَقد قَالَ فِي الْبَحْر إِن الحلى من الصفر وَنَحْوه إِن كَانَ فِي قوم يتزينون بِهِ حرم وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي أَن يُرَاعى عَادَة اللابس وَمحله مَا يحصل بِهِ الزِّينَة عِنْدهم دون مَا لَا يحصل وَالله أعلم
وَأما مَا لَا يحرم فِي جنسه لَو صبغ ينظر فِي صبغه إِن كَانَ مِمَّا يقْصد بِهِ الزِّينَة غَالِبا كالأحمر والأصفر فَلَيْسَ لَهَا لبسه وَلَا فرق بَين أَن يكون لينًا أَو خشناً فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُم وَيدخل فِي هَذَا الديباج المنقش وَالْحَرِير الملون فيحرمان والمصبوغ غزله قبل النسج كالبرود وَهُوَ حرَام على الْأَصَح كالمصبوغ بعد النسج وَإِن كَانَ الصَّبْغ مِمَّا لَا يقْصد مِنْهُ الزِّينَة بل يصْبغ للمصيبة وَاحْتِمَال الْوَسخ كالأسود والكحلي فلهَا لبسه وَهُوَ أبلغ فِي الْحداد بل حكى الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه يلْزمهَا لبس السوَاد فِي الْحداد وَإِن كَانَ الْمَصْبُوغ متردداً بَين الزِّينَة وَغَيرهَا كالأزرق فَإِن كَانَ براقاً فِي اللَّوْن فَحَرَام وَإِن كَانَ كدراً أَو أكهب وَهُوَ الَّذِي يضْرب إِلَى الغبرة جَازَ وَأما الطّراز على الثَّوْب جَازَ وَأما الطّراز على الثَّوْب فَإِن كَانَ كثيرا فَحَرَام وَإِلَّا فأوجه
ثَالِثهَا إِن نسج مَعَ الثَّوْب جَازَ وَإِن ركب حرم لِأَنَّهُ مَحْض زِينَة وَالله أعلم
وَأما الْحلِيّ فَيحرم عَلَيْهَا لبسه سَوَاء فِيهِ السوار والخلخال والخاتم وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَبِهَذَا

(1/432)


قطع الْجُمْهُور وَقَالَ الإِمَام يجوز لَهَا أَن تتختم بِخَاتم الْفضة كَالرّجلِ وَفِي اللالي تردد الإِمَام وبالتحريم قطع الْغَزالِيّ وَهُوَ الاصح وَالله أعلم
وَأما الطّيب فَيحرم عَلَيْهَا فِي بدنهَا وثيابها وَيحرم عَلَيْهَا دهن رَأسهَا وَيجوز لَهَا دهن الْبدن بِمَا لَا طيب فِيهِ كالدهن والشيرج وَلَا يجوز بِمَا فِيهِ طيب كدهن البان والبنفسج وَيحرم عَلَيْهَا أكل طَعَام فِيهِ طيب وَأَن تكتحل بِمَا فِيهِ طيب وَأما لَا طيب فِيهِ فَإِن كَانَ أسود وَهُوَ الإثمد فَحَرَام لِأَنَّهُ زِينَة وَلَا فرق بَين الْبَيْضَاء والسوداء وَفِي وَجه يجوز للسوداء وَالصَّحِيح الأول لإِطْلَاق الْأَحَادِيث فَإِذا احْتَاجَت إِلَى الاكتحال بِهِ لرمد وَغَيره اكتحلت بِهِ لَيْلًا ومسحته نَهَارا فَإِن دعت ضَرُورَة إِلَى الِاسْتِعْمَال نَهَارا جَازَ وَيجوز اسْتِعْمَاله فِي غير الْعين إِلَّا الْحَاجِب فَإِن زِينَة وَأما الْكحل الْأَصْفَر وَهُوَ الصَّبْر فَحَرَام على السَّوْدَاء وَكَذَا على الْبَيْضَاء على الْأَصَح لِأَنَّهُ يحسن الْعين وَيحرم الاسفيداج وَكَذَا الخضب بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوه فِيمَا يظْهر من الْبدن كاليدين وَالرّجلَيْنِ وَالْوَجْه
قَالَ الإِمَام وتجعيد الأصداغ وتصفي الطرة لَا نقل فِيهِ وَلَا يمْتَنع أَن يكون كالحلي وَيجوز للمحدة التزين فِي الْفراش والبسط وأثاث الْبَيْت لِأَن الْحداد فِي الْبدن لَا فِي الْفراش وَيجوز لَهَا التَّنْظِيف بِغسْل الرَّأْس والامتشاط وَدخُول الْحمام وقلم الْأَظْفَار وَإِزَالَة الأوساخ لِأَنَّهَا لَيست من الزِّينَة وَالله أعلم
(فرع) يجوز الْإِحْدَاد على غير الزَّوْج ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا دونهَا للْحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَقَدّم وَقد صرح بذلك الْغَزالِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَالله أعلم قَالَ
(وعَلى الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا والمبتوتة مُلَازمَة الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة)
يجب على الْمُعْتَدَّة مُلَازمَة مسكن الْعدة فَلَا يجوز لَهَا أَن تخرج مِنْهُ وَلَا إخْرَاجهَا إِلَّا لعذر نَص عَلَيْهِ الْقُرْآن الْعَظِيم قَالَ الله تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} فَلَو اتّفق الزَّوْجَانِ على أَن تنْتَقل إِلَى منزل آخر بِلَا عذر لم يجز وَكَانَ للْحَاكِم الْمَنْع من ذَلِك لِأَن الْعدة حق الله تَعَالَى وَقد وَجَبت فِي ذَلِك الْمنزل فَكَمَا لَا يجوز إبِْطَال أصل الْعدة كَذَلِك لَا يجوز إبِْطَال صفاتها وَقَوله إِلَّا لحَاجَة يَعْنِي يجوز الْخُرُوج وَالْحَاجة أَنْوَاع مِنْهَا إِذا خَافت على نَفسهَا أَو مَالهَا من هدم أَو حريق أَو غرق سَوَاء فِي ذَلِك عدَّة الْوَفَاة وَالطَّلَاق وَكَذَا لَو لم تكن الدَّار حَصِينَة وخافت اللُّصُوص أَو كَانَت بَين فسقة تخَاف على نَفسهَا أَو كَانَت تتأذى بالجيران والأحماء تأذياً شَدِيدا وَلَو كَانَت تبذو وتستطيل بلسانها عَلَيْهِم جَازَ إخْرَاجهَا وتتحرى الْقرب من مسكن الْعدة وَمِنْهَا إِذا احْتَاجَت إِلَى شِرَاء طَعَام أَو قطن أَو بيع غزل وَنَحْوه فَينْظر إِن كَانَت رَجْعِيَّة فَهِيَ زَوْجَة فَعَلَيهِ الْقيام بكفايتها بِلَا خلْوَة وَلَا تخرج إِلَّا بِإِذن قَالَ الْمُتَوَلِي إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا وَقُلْنَا تسْتَحقّ النَّفَقَة

(1/433)


فَلَا يُبَاح لَهَا الْخُرُوج وَمِنْهَا إِذا كَانَ الْمسكن مستعاراً وَرجع الْمُعير أَو مُسْتَأْجرًا وَمَضَت الْمدَّة وطالبه الْمَالِك فَلَا بُد من الْخُرُوج وَمِنْهَا إِذا لَزِمَهَا حق فَإِن كَانَ يُمكن اسْتِيفَاؤهُ فِي الْبَيْت كَالدّين فعل فِيهِ وَإِن لم يكن واحتيج فِيهِ إِلَى الْحَاكِم فَإِن كَانَت بَرزَة خرجت ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْمسكن وَإِن كَانَت مخدرة بعث الْحَاكِم إِلَهًا نَائِبا أَو حضر بِنَفسِهِ وَلَا تعذر فِي الْخُرُوج لأغراض تعد من الزِّيَادَات دون الْأُمُور الْمُهِمَّات كالزيارة والعمارة واستنماء المَال بِالتِّجَارَة وتعجيل حجَّة الْإِسْلَام وزيارة بَيت الْمُقَدّس وقبور الصَّالِحين وَنَحْو ذَلِك فَهِيَ عاصية بذلك وَالله أعلم
(فرع) يحرم على الزَّوْج مساكنة الْمُعْتَدَّة فِي الدَّار الَّتِي تَعْتَد فِيهَا ومداخلتها لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْخلْوَة وخلوته بهَا كخلوة الْأَجْنَبِيَّة وَكثير من الجهلة لَا يرَوْنَ ذَلِك حَرَامًا وَيَقُول هِيَ مطلقتي وَهُوَ يعرف الْحَال فَإِن اعْتقد حلّه بعد مَا عرف كفر فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه وَكَذَا حكم العكامين الَّذين يحجون مَعَ النِّسَاء لَا يحل لَهُم الْخلْوَة بِهن وَلَا يقْتَدى فِي ذَلِك بِمن يَفْعَله من المتفقهة فَإِن ذَلِك حرَام حرَام حرَام الْبَتَّةَ وَالله أعلم
(فرع) مَضَت مُدَّة من الْعدة أَو كلهَا وَلم تطلب حق السكن سقط وَلم يصر دينا فِي ذمَّته نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَنَصّ أَن نَفَقَة الزَّوْجَة لَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان بل تصير دينا فِي ذمَّته فَقيل قَولَانِ وَالْمذهب تَقْرِير النصين وَالْفرق أَن النَّفَقَة تجب بالتمكين وَقد وجد وَالسُّكْنَى لصيانة مَا بِهِ على مُوجب نظره وَلم يتَحَقَّق وَحكم السُّكْنَى فِي صلب النِّكَاح كَمَا ذكرنَا فِي الْعدة وَالله أعلم قَالَ
بَاب الرَّضَاع فصل فِي الرَّضَاع إِذا أرضعت الْمَرْأَة بلبنها ولدا صَار الرَّضِيع وَلَدهَا بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكون لَهُ دون الْحَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَن ترْضِعه خمس رَضعَات متفرقات
الرَّضَاع بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا وَيُقَال رضع بِكَسْر الضَّاد يرضع بِفَتْحِهَا وَبِالْعَكْسِ
وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب

(1/434)


ثمَّ الرضَاعَة الْمُحرمَة لَهَا أَرْكَان مِنْهَا الْمُرضعَة وَلها ثَلَاث شُرُوط
الأول كَونهَا امْرَأَة فلبن الْبَهِيمَة لَا يتَعَلَّق بِهِ تَحْرِيم فَلَو شربه صغيران لم يثبت بَينهمَا أخوة وَكَذَا لبن الرجل لَا يحرم على الصَّحِيح
الشَّرْط الثَّانِي كَونهَا حَيَّة فَلَو ارتضع صَغِير من ميتَة أَو حلب مِنْهَا لم يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم مَا لَا يثبت حكم الْمُصَاهَرَة بِوَطْء الْميتَة وَلَو حلب لبن حَيَّة ثمَّ أوجر الصَّبِي بعد مَوتهَا حرم على الصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي
الشَّرْط الثَّالِث كَونهَا مُحْتَملَة للولادة فَلَو ظهر لصغيرة دون تسع سِنِين لبن لم يحرم وَإِن كَانَت بنت تسع سِنِين حرم وَإِن لم يحكم بِالْبُلُوغِ لِأَن احْتِمَال الْبلُوغ قَائِم وَالرّضَاع كالنسب فَيَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَال وَلَا فرق فِي الْمُرضعَة بَين كَونهَا مُزَوّجَة أم لَا وَلَا بَين كَونهَا بكرا أم لَا وَقيل لَا يحرم لبن الْبكر وَالصَّحِيح أَنه يحرم وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَمِنْهَا أَي من أَرْكَان الرَّضَاع اللَّبن وَلَا يشْتَرط لثُبُوت التَّحْرِيم بَقَاء اللَّبن على هَيْئَة حَالَة انْفِصَاله عَن الثدي فَلَو تغير بحموضة أَو انْعِقَاد أَو أغلاه أَو صَار جبنا أَو أقطا أَو زبداً أَو مخيضاً وَأطْعم الصَّبِي حرم لحُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف وَحُصُول التغذية بِهِ وَلَو خلط بِغَيْرِهِ نظر إِن كَانَ اللَّبن غَالِبا تعلّقت الْحُرْمَة بالمخلوط وَيشْتَرط أَن يكون اللَّبن قدرا يسْقِي مِنْهُ الْوَلَد خمس رَضعَات على الْمَذْهَب وَمِنْهَا أَي من الْأَركان المخل وَهِي معدة الصَّبِي الْحَيّ وَمَا فِي معنى الْعدة فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول الْمعدة فالوصول إِلَيْهَا يثبت التَّحْرِيم سَوَاء ارتضع الطِّفْل أَو حلب أَو أوجر أَو صب فِي أَنفه فوصل إِلَى جَوْفه ودماغه حرم على الْمَذْهَب بِخِلَاف مَا إِذا احتقن بِهِ أَو كَانَ فِي بَطْنه جِرَاحَة فصب فِيهَا فوصل إِلَى الْجوف لم يثبت التَّحْرِيم على الْأَظْهر وَلَو ارتضع وتقيأ فِي الْحَال ثَبت التَّحْرِيم على الصَّحِيح الْقَيْد الثَّانِي كَون الصَّغِير دون الْحَوْلَيْنِ فَإِن بلغ سنتَيْن فَلَا أثر لارتضاعه ويعتبران بِالْأَهِلَّةِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَفِي رِوَايَة لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا فتق الأمعاء فِي الثدي وَكَانَ قبل الْفِطَام الْقَيْد الثَّالِث حَيَاة الرَّضِيع فَلَا أثر للوصول إِلَى معدة الصَّغِير الْمَيِّت ثمَّ شَرط الرضَاعَة الْمُحرمَة خمس رَضعَات هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقيل يثبت برضعة وَاحِدَة وَقيل بِثَلَاث وَبِه قَالَ ابْن الْمُنْذر وَجَمَاعَة وَحجَّة الصَّحِيح قَول عَائِشَة

(1/435)


رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ فِيمَا أنزل الله تَعَالَى من الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات يحرمن ثمَّ نسخن بِخمْس مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن فِيمَا يقْرَأ من الْقُرْآن وَفِي رِوَايَة لَا تحرم المصة وَلَا المصتان 2 وَلَا الرضعة وَلَا الرضعتان ثمَّ شَرط الرضعات أَن يكن متفرقات وَالرُّجُوع فِي الرضعة والرضعتين إِلَى الْعرف فَمَتَى تخَلّل فصل كثير تعدّدت الرضعات فَلَو رضع ثمَّ قطع إعْرَاضًا واشتغل بِشَيْء آخر ثمَّ عَاد وارتضع فهما رضعتان وَلَو قطعت الْمُرضعَة رضاعه ثمَّ عَادَتْ إِلَى الارضاع فهما رضعتان على الْأَصَح كَمَا لَو قطع الصَّبِي وَلَا يحصل التَّعَدُّد بِأَن يلفظ الصَّغِير الثدي ثمَّ يعود إِلَى التقامه فِي الْحَال وَلَا بِأَن يتَحَوَّل من ثدي إِلَى آخر أَو تحوله الْمُرضعَة لنفاد مَا فِي الأول وَلَا بِأَن يلهو عَن الامتصاص وَلَا بِأَن يقطع للتنفس وَلَا بتخلل النومة الْخَفِيفَة وَلَا بِأَن تقوم الْمُرضعَة وتشتغل بشغل خَفِيف ثمَّ تعود إِلَى الْإِرْضَاع فَكل ذَلِك رضعة وَاحِدَة وَالله أعلم
(فرع) أرضعت صَغِيرا وَشَكتْ هَل أَرْضَعَتْه خمْسا أم أقل وَهل وصل اللَّبن إِلَى جَوْفه أم لَا فَلَا تَحْرِيم وَلَا يخفى الْوَرع وَلَو تحققت أَنَّهَا أَرْضَعَتْه خمْسا وَلَكِن شكت هَل هِيَ فِي الْحَوْلَيْنِ أم بَعْضهَا فَلَا تَحْرِيم أَيْضا على الرَّاجِح وَالله أعلم قَالَ
(وَيصير زَوجهَا أَبَا لَهُ)
هَذَا مَعْطُوف على قَوْله صَار الرَّضِيع وَلَدهَا فَإِذا حذف المتخلل بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ يبْقى الْكَلَام صَار الرَّضِيع وَلَدهَا وَيصير زَوجهَا أَبَا لَهُ وَحجَّة ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن أَفْلح أَخا أبي القعيس اسْتَأْذن عَليّ بعد مَا أنزل الْحجاب فَقلت وَالله مَا آذن لَهُ حَتَّى اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن أَخا أبي القعيس لَيْسَ هُوَ أرضعني إِنَّمَا أرضعتني امْرَأَة أبي القعيس فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله إِن الرجل لَيْسَ هُوَ أرضعني وَإِنَّمَا أرضعتني امْرَأَته فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ائذني لَهُ فَإِنَّهُ عمك تربت يَمِينك قَالَ عُرْوَة فَلذَلِك كَانَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقول حرمُوا من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب وَأَبُو القعيس زوج أمهَا من الرضَاعَة فَهُوَ أَبوهَا لِأَن اللَّبن لَهُ وأفلح أَخُوهُ فَهُوَ عَمها وَقَوْلها إِنَّمَا أرضعتني امْرَأَته الضَّمِير رَاجع إِلَى أخي أَفْلح وَفِي رِوَايَة إِن الرضَاعَة تحرم مَا تحرم الْولادَة وَفِي رِوَايَة يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم

(1/436)


من الْولادَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تربت يَمِينك فِي معنى ذَلِك خلاف منتشر جدا للسلف وَالْخلف من جَمِيع الطوائف قَالَ النَّوَوِيّ وَالأَصَح الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا كلمة أَصْلهَا افْتَقَرت يَمِينك وَلَكِن الْعَرَب اعتادت اسْتِعْمَالهَا غير قاصدة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ مثل قَاتله الله مَا أشجعه وَلَا أم لَهُ وَلَا أَبَا لَهُ وويل أمه وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وَيحرم على الْمُرْضع التَّزْوِيج إِلَى من ناسبها وَيحرم عَلَيْهَا التَّزْوِيج إِلَى الْمُرْضع وَولده دون من كَانَ فِي دَرَجَته أَو أَعلَى طبقَة مِنْهُ)
الْكَلَام الْآن فِيمَن يحرم بِالرّضَاعِ وَلَا شكّ أَن قطب ذَلِك الرَّضِيع والمرضع وَكَذَا الْفَحْل الَّذِي لَهُ اللَّبن ثمَّ تَنْتَشِر الْحُرْمَة مِنْهُم إِلَى غَيرهم فَيحرم على الْمُرْضع بِفَتْح الضَّاد أَن يتَزَوَّج بِمن ناسب الْمُرضعَة أَي من انتسب إِلَيْهَا بِالنّسَبِ أَو بِالرّضَاعِ وَولده وَإِن سفل وَمن انتسب إِلَيْهِ وَإِن علا لِأَن الرَّضِيع وَولده وَإِن سفل أبناؤها إِمَّا على سَبِيل الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز كأبناء النّسَب وَإِذا صدقت النِّسْبَة حرم على الشَّخْص أَن يتَزَوَّج أُخْته أَو بنت أُخْته أَو بنت أَخِيه وَإِن نزلت وَكَذَا يحرم عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج أم أمه وَأم أَبِيه من الرَّضَاع وَإِن علت لِأَنَّهُمَا أما أمه وَأَبِيهِ حَقِيقَة أَو مجَازًا وَنِكَاح تِلْكَ حرَام وَإِن علت فِي الرَّضَاع كالنسب وَكَذَا يحرم عَلَيْهَا أَن تتَزَوَّج بالمرضع أَي بالرضيع وبولده وَإِن سفل لِأَنَّهَا أمّهم وَإِن سفلوا دون من فِي دَرَجَته لِأَن أخوة الرَّضِيع إِذا لم يرضعوا فهم أجانب مِنْهَا وَكَذَا لَا يحرم من هُوَ أَعلَى من فِي دَرَجَة الرَّضِيع كأعمامه وَالْحَاصِل أَن كل مَا حرم من النّسَب حرم بِالرّضَاعِ للأدلة الْمُتَقَدّمَة وَاسْتثنى بَعضهم مسَائِل تحرم فِي النّسَب وَقد لَا تحرم فِي الرَّضَاع فَمنهمْ من صحّح الِاسْتِثْنَاء وَمِنْهُم من مَنعه وعَلى كل حَال فقد ذكرنَا ذَلِك مفصلا فِي فصل والمحرمات بِالنَّصِّ أَربع عشرَة فَرَاجعه وَالله أعلم قَالَ
بَاب النَّفَقَة فصل وَنَفَقَة الْأَهْل وَاجِبَة للْوَالِدين والمولودين فَأَما الوالدون فَتجب نَفَقَتهم بِشَرْطَيْنِ الْفقر والزمانة والفقر وَالْجُنُون وَأما المولودون فَتجب نَفَقَتهم بِشُرُوط الْفقر والصغر والفقر والزمانة والفق وَالْجُنُون
النَّفَقَة مَأْخُوذَة من الْإِنْفَاق والإخراج ويوجبها ثَلَاثَة أَسبَاب الْقَرَابَة وَالْملك والزوجية أما السببان الأخيران فيوجبان للمملوك على الْمَالِك وللزوجة على الزَّوْج وَلَا عكس وَأما السَّبَب الأول

(1/437)


وَهُوَ الْقَرَابَة فَيُوجب لكل مِنْهُم على الآخر لشمُول البعضية والشفقة وَلِهَذَا إِنَّمَا تجب بِقرَابَة البعضية وَهِي الْأُصُول وَالْفُرُوع فَيجب للوالد على الْوَلَد وَإِن علا وللولد على الْوَالِد وَإِن سفل لصدق الْأُبُوَّة والبنوة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا بَين الْوَارِث وَغَيره وَلَا فرق بَين اتِّفَاق الدّين وَالِاخْتِلَاف فِيهِ وَفِي وَجه لَا تجب على مُسلم نفقه كَافِر وَالدَّلِيل على وجوب الانفاق لى الْوَالِدين قَوْله تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وَقَوله تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب مَا يَأْكُل الرجل من كَسبه وَولده من كَسبه يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} يَعْنِي وَلَده وَقد رُوِيَ إِن أَوْلَادكُم هبة من الله وَأَمْوَالهمْ لكم إِذا احتجتم إِلَيْهَا والأجداد والجدات ملحقون بالأبوين إِن لم يدخلُوا فِي عُمُوم الْأُبُوَّة كَمَا ألْحقُوا بهما فِي الْعتْق وَسُقُوط الْقصاص وَغَيرهمَا لوُجُود البعضية
وَإِنَّمَا تجب نَفَقَة الْوَالِدين بِشُرُوط مِنْهَا يسَار الْوَلَد والموسر من فضل عَن قوته وقوت عِيَاله فِي يَوْمه وَلَيْلَته مَا يصرفهُ إِلَيْهِمَا فَإِن لم يفضل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لاعساره وَيُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب مَا يُبَاع فِي الدّين من الْعقار وَغَيره لِأَنَّهَا حق مَالِي لَا بدل لَهُ فَأشبه الدّين وَلَو كَانَ الْوَلَد لَا مَال لَهُ إِلَّا أَنه يقدر على الِاكْتِسَاب وَيحصل مَا يفضل عَن كِفَايَته فَهَل يُكَلف الْكسْب فِي خلاف قيل لَا كَمَا لَا يُكَلف الْكسْب لقَضَاء الدُّيُون وَالصَّحِيح أَنه يُكَلف وَبِه قطع الْجُمْهُور لِأَنَّهُ يلْزمه إحْيَاء نَفسه بِالْكَسْبِ وَمِنْهَا أَي من الشُّرُوط أَن لَا يكون لَهما مَال فَإِن كَانَ ويكفيهما فَلَا تجب سَوَاء كَانَا زمنين أَو مجنونين أَو بهما مرض وعمى أم لَا لعدم الْحَاجة وَمِنْهَا أَن لَا يَكُونَا مكتسبين فَإِن كَانَا مكتسبين لم تجب نفقتهما لِأَن الِاكْتِسَاب بِمَنْزِلَة المَال العتيد فَلَو كَانَا صَحِيحَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا غير مكتسبين فَهَل يكلفان الْكسْب فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا فِي التَّنْبِيه لَا تجب للقدرة على الْكسْب
وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب لقَوْله تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وَلَيْسَ من المصاحبة بِالْمَعْرُوفِ تكليفهما الْكسْب وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَمِنْهُم من قطع بِهِ فَإِن فقدت هَذِه الشُّرُوط وَكَانَا فقيرين زمنين أَو مجنونين أَو بهما عجز من مرض أَو عمى كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ وَجَبت نفقتهما لتحَقّق الْحَاجة وَالله أعلم

(1/438)


(فرع حسن) لَو كَانَت الْأُم تقدر على النِّكَاح لِكَثْرَة الطلاب فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا عَن الابْن فَلَو تزوجت سَقَطت فَلَو نشزت لم يلْزم الْوَلَد نَفَقَتهَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَالله أعلم وَأما الدَّلِيل على وجوب نَفَقَة المولودين وَإِن سفلوا ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا فَقَوله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَوله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَوله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} الْآيَة وَفِي السّنة الشَّرِيفَة جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن معي دِينَار فَقَالَ أنفقهُ على نَفسك فَقَالَ معي آخر قَالَ أنفقهُ على ولدك وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لزوجة أبي سُفْيَان فِي الحَدِيث الْمَشْهُور خذي من مَاله مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْفِي بنيك وَإِنَّمَا تجب النَّفَقَة لَهُم بِشُرُوط مِنْهَا يسَار الْوَالِدين كَمَا مر فِي حق الْوَلَد فَإِن لم يكن لَهما مَال وَلَكِن كَانَا ذَا كسب لَائِق بهما فَهَل يجب عَلَيْهِمَا أَن يكتسبا لنفقة الْوَلَد فِيهِ خلاف الصَّحِيح تجب وَبِه قطع الْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي لَا تجب وَمِنْهَا أَن لَا يكون للْوَلَد مَال وَلَا كسب فَإِن كَانَ لم تجب لعدم حَاجته سَوَاء كَانَ الْوَلَد زَمنا أَو مَجْنُونا أَو مَرِيضا أَو بِهِ عمى فَإِن كَانَ الْوَلَد أَو الْأَوْلَاد فُقَرَاء زمنين أَو فُقَرَاء مجانين أَو فُقَرَاء أطفالاً لَا يتهيأ مِنْهُم الْعَمَل وَجَبت نَفَقَتهم للآيات الدَّالَّة على ذَلِك ولعجزهم وَأوجب أَبُو ثَوْر نَفَقَتهم مَعَ الْيَسَار فَلَو كَانَت الْأَوْلَاد أصحاء إِلَّا أَنهم غير مكتسبين بِأَيْدِيهِم فَهَل تجب نَفَقَتهم وَالْحَالة هَذِه فِي خلاف وَالْأَحْسَن عِنْد الرَّافِعِيّ تجب كَمَا تجب للْأَب وَالْحَالة هَذِه وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح عدم الْوُجُوب لِأَن الطِّفْل مَحل النَّص وَالصَّحِيح المتمكن من الْحِيلَة والتكسب لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يلْحق بِهِ بِخِلَاف الزَّمن وَالْمَجْنُون وَالله أعلم
(فرع) لَو كَانَ للِابْن مَال غَائِب لزم الْوَالِد أَن ينْفق عَلَيْهِ قرضا مَوْقُوفا فَإِن قدم مَاله رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أنْفق وَإِن لم يَأْذَن الْحَاكِم إِذا قصد الرُّجُوع وَإِن هلك المَال لم يرجع بِمَا أنْفق من حِين التّلف قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَالله أعلم وَاعْلَم أَنه يُؤْخَذ من كَلَام الشَّيْخ أَن غير الأَصْل وَالْفُرُوع لَا تجب نَفَقَتهم وَهُوَ كَذَلِك وَقَالَ أَبُو ثَوْر يلْزم الْوَارِث النَّفَقَة لقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَن النَّفَقَة لَو كَانَت على الْوَارِث للَزِمَ الْأَب ثلثا النَّفَقَة وَالأُم ثلثهَا وَلَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم

(1/439)


(فرع) نَفَقَة الْقَرِيب لَا تقدر بل هِيَ بِقدر الْكِفَايَة وتختلف بِالْكبرِ والصغر والزهادة وَالرَّغْبَة لِأَنَّهَا لتجزية الْوَقْت وَلَا يشْتَرط انْتِهَاء الْمُنفق عَلَيْهِ إِلَى حد الضَّرُورَة وَيُعْطِيه مَا يسْتَقلّ بِهِ دون مَا يسد الرمق وَتجب لَهُ الْكسْوَة وَالسُّكْنَى وَلَو احْتَاجَ إِلَى خَادِم وَجب وَلَو اندفعت هَذِه الْأُمُور بضيافة وتبرع سَقَطت وَلَا يجب عَلَيْهِ بدلهَا فَلَو سلم النَّفَقَة إِلَى الْقَرِيب فَتلفت فِي يَده أَو أتلفهَا وَجب الْإِبْدَال لَكِن إِذا أتلفهَا لزمَه الْإِبْدَال إِذا أيسر فَلَو ترك الْإِنْفَاق على قَرِيبه حَتَّى مضى زمَان لم تصر دينا سَوَاء تعدى أم لَا لِأَنَّهَا شرعت على سَبِيل الْمُوَاسَاة بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة لِأَنَّهَا عوض وَالله أعلم قَالَ
(وَنَفَقَة الرَّقِيق والبهائم وَاجِبَة بِقدر الْكِفَايَة وَلَا يُكَلف من الْعَمَل مَالا يُطيق)
هَذَا هُوَ السَّبَب الثَّانِي مِمَّا يُوجب النَّفَقَة وَهُوَ ملك الْيَمين فَمن ملك عبدا أَو أمة لزمَه نَفَقَة رَقِيقه قوتاً وأدماً وَكِسْوَة وَسَائِر الْمُؤَن سَوَاء كَانَ قِنَا أَو مُدبرا أَو أم ولد وَسُوء كَانَ صَغِيرا أَو كَبِيرا وَسَوَاء كَانَ زَمنا أَو أعمى أَو سليما وَسَوَاء كَانَ مَرْهُونا أَو مُسْتَأْجرًا أَو غير ذَلِك لوُجُود السَّبَب الْمُوجب لذَلِك وَهُوَ ملك الْيَمين وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمملوك طَعَامه وَكسوته وَلَا يُكَلف من الْعَمَل إِلَّا مَا يُطيق وَفِي رِوَايَة كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحبس عَمَّن يملكهُ قوته وَلِأَن السَّيِّد يملك كَسبه وتصرفه فَلَزِمته مُؤْنَته وَقد اتّفق الْعلمَاء على ذَلِك فَيلْزمهُ إطعامه ومؤنته بِقدر الْكِفَايَة وَيعْتَبر فِي ذَلِك رغبته وزهادته وَلَا يُكَلف من الْعَمَل مَالا يُطيق وَإِذا اسْتَعْملهُ لَيْلًا أراحه نَهَارا وَبِالْعَكْسِ ويريحه فِي الصَّيف فِي وَقت القيلولة وَمَا خفف عَنهُ فَلهُ أجره فَفِي الحَدِيث مَا خففت عَن خادمك من عمله كَانَ لَك أجر فِي موازينك وعَلى الْمَمْلُوك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بذل المجهود وَترك الكسل وَالله أعلم
وكما يجب عَلَيْهِ مُؤنَة مَمْلُوكه كَذَا يجب عَلَيْهِ نَفَقَة دَابَّته سَوَاء فِي ذَلِك الْعلف والسقي نعم يقوم مقَام ذَلِك أَن يخليها لترعى وَترد المَاء إِن كَانَت مِمَّن ترعى وتكتفي بذلك لخصب الأَرْض وَنَحْوه وَلم يكن مَانع من ثلج وَغَيره فَإِن امْتنع من ذَلِك أجْبرهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ وأثم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ عذبت امْرَأَة فِي هرة حبستها حَتَّى مَاتَت فَدخلت فِيهَا النَّار لَا هِيَ أطعمتها وسقتها إِذْ هِيَ حبستها وَلَا هِيَ تركتهَا تَأْكُل من خشَاش الأَرْض قَالَ والخشاش الحشرات

(1/440)


وَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِط رجل من الْأَنْصَار والحائط الْبُسْتَان فَإِذا فِيهِ جمل فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذرفت عَيناهُ فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمسح عَلَيْهِ فسكن ثمَّ قَالَ من رب هَذَا الْجمل فجَاء فَتى من الْأَنْصَار فَقَالَ هُوَ لي يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَقَالَ أَلا تتقي الله فِي هَذِه الْبَهِيمَة الَّتِي ملكك الله إِيَّاهَا فَإِنَّهَا تَشْكُو إِلَيّ أَنَّك تجيعه وتدأبه وَفِي رِوَايَة أَن الْجمل حن إِلَيْهِ وَلِأَن الدَّابَّة ذَات روح فَأَشْبَهت الْمَمْلُوك وَلَا يكلفها من الْعَمَل إِلَّا مَا تطِيق كالرقيق وَالله أعلم
(فرع) الدَّابَّة اللَّبُون لَا يجوز نزف لَبنهَا بِحَيْثُ يضر وَلَدهَا وَإِنَّمَا يحلب مَا فضل عَن ري وَلَدهَا قَالَ الْمُتَوَلِي وَلَا يجوز الْحَلب إِذا كَانَ يضر الْبَهِيمَة لقلَّة الْعلف وَيسْتَحب أَن لَا يستقصى فِي الْحَلب ويدع فِي الضَّرع شَيْئا وَيسْتَحب أَن يقص الحالب أَظْفَاره لِئَلَّا تؤذيها وَكَذَا أَيْضا يبْقى للنحل شَيْئا من الْعَسَل فِي الكوارة وَالله أعلم قَالَ
(وَنَفَقَة الزَّوْجَة الممكنة من نَفسهَا وَاجِبَة وَهِي مقدرَة إِذا كَانَ الزَّوْج مُوسِرًا فمدان من غَالب قوتها وَمن الْأدم وَالْكِسْوَة مَا جرت بِهِ الْعَادة وَإِن كَانَ مُعسرا فَمد وَمَا يتأدم بِهِ المعسرون ويكتسونه وَإِن كَانَ متوسطاً فَمد وَنصف وَمن الْأدم وَالْكِسْوَة الْوسط)
قد علمت أَن أَسبَاب النَّفَقَة ثَلَاثَة الْقَرَابَة البعضية وَملك الْيَمين وَقد تقدم وَهَذَا هُوَ السَّبَب الثَّالِث وَهُوَ ملك الزَّوْجِيَّة وَلَا شكّ فِي وجوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَقد تظاهرت الْأَدِلَّة على ذَلِك من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} والقيم على الْغَيْر هُوَ الْمُتَكَلف بأَمْره وَقَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} والآيات فِي ذَلِك كَثِيرَة وَفِي السّنة الشَّرِيفَة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث هِنْد امْرَأَة أبي سُفْيَان لما جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشَكتْ إِلَيْهِ أمرهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ وَفِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله وَلكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يؤطئن فرشكم أحدا تكرهونه فَإِن فعلن ذَلِك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ وَقد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعدة إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كتاب الله الحَدِيث بِطُولِهِ وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وجوب نَفَقَة الزَّوْجَة فِي الْجُمْلَة وَنَفَقَة الزَّوْجَة أَنْوَاع مِنْهَا

(1/441)


الطَّعَام وَهُوَ الْحبّ المقتات فِي الْبَلَد غَالِبا وَيخْتَلف الْوَاجِب بإختلاف حَال الزَّوْج فِي الْيَسَار والإعسار وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْمسلمَة والذمية والحرة وَالْأمة لِأَنَّهُ عوض فعلى الْمُوسر مدان وعَلى الْمُعسر مد وعَلى الْمُتَوَسّط مد وَنصف والأعتبار بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مائَة وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ درهما وَثلث دِرْهَم على مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ تَفْرِيع من الرَّافِعِيّ على أَن رَطْل بَغْدَاد مائَة وَثَلَاثُونَ درهما وَالْمُخْتَار أَنه مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم وَالله أعلم
وَدَلِيل التَّفَاوُت قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أَي ضيق {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} وَأما اعْتِبَار الْحبّ المقتات فِي الْبَلَد فَلِأَن الله تَعَالَى أوجب النَّفَقَة بِالْمَعْرُوفِ وَمن الْمَعْرُوف أَن يطْعمهَا مِمَّا يَأْكُل أهل الْبَلَد وَأما وجوب الْحبّ دون غَيره من الدَّقِيق وَالْخبْز فبالقياس على الْكَفَّارَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الْقَمْح وَالشعِير وَالتَّمْر وَكَذَا الأقط فِي أهل الْبَادِيَة الَّذين يقتاتونه وَلنَا مقَالَة إِن كَانَ الْأَغْلَب فِي بلدهما أم لَا يطحنون بِأَيْدِيهِم لم يفْرض لَهَا إِلَّا الدَّقِيق وَإِن اعتدن الطَّحْن فَلَا بَأْس بِفَرْض الْحِنْطَة وَقيل لأنظر إِلَى الْغَالِب بل إِلَى مَا يَلِيق بِحَال الزَّوْج وَالْمذهب الأول وَيجب لَهَا أُجْرَة الطَّحْن وَالْخبْز وَقيل إِن اعتادت ذَلِك لَزِمَهَا فعله وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَي من الْأَنْوَاع الْوَاجِبَة للزَّوْجَة الْأدم وجنسه غَالب أَدَم الْبَلَد من الزَّيْت وَغَيره وَيخْتَلف باخْتلَاف الْفُصُول وَقد تغلب الْفَوَاكِه فِي أَوْقَاتهَا فَتجب وَيجب أَن يطعهما اللَّحْم وَفِي كَلَام الشَّافِعِي أَنه يطْعمهَا فِي كل أُسْبُوع رَطْل لحم وَهُوَ مَحْمُول على الْمُعسر وعَلى الْمُوسر رطلان وعَلى الْمُتَوَسّط رَطْل وَنصف وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي أَن يكون يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ أولى بالتوسع فِيهِ ثمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي هَذَا على عَادَة أهل مصر لعزة اللَّحْم عِنْدهم ذَلِك الْوَقْت وَأما حَيْثُ يكثر اللَّحْم فيزاد بِحَسب عَادَة الْبَلَد وَقَالَ الْقفال وَآخَرُونَ لَا مزِيد على مَا قَالَه الشَّافِعِي فِي جَمِيع الْبِلَاد لِأَن فِيهِ كِفَايَة لمن قنع وَيجب على الزَّوْج آلَات الطَّبْخ وَالشرب كالقدر والجرة والكوز وَنَحْوهَا وَيَكْفِي كَونهَا من خزف أَو حجر أَو خشب والزيادات على ذَلِك من رعونات الْأَنْفس
وَمِنْهَا أَي وَمن الْأَنْوَاع الْوَاجِبَة الإخدام فَمن لَا تخْدم نَفسهَا فِي عَادَة الْبَلَد فعلى الزَّوْج إخداهما على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور لِأَنَّهُ من المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ فَإِن قَالَ الزَّوْج أَنا أخدمها بنفسي لم يلْزمهَا ذَلِك لِأَنَّهَا تَسْتَحي مِنْهُ فتمتنع من اسْتِيفَاء الْخدمَة وَلِأَنَّهُ عَار عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقيل لَهُ ذَلِك
وَمِنْهَا أَي من الْأَنْوَاع الْوَاجِبَة الْكسْوَة وَتجب على قدر الْكِفَايَة وتختلف بطول الْمَرْأَة وقصرها وهزلها وسمنها وباختلاف الْبَلَد فِي الْحر وَالْبرد وَلَا يخْتَلف عدد الْكسْوَة بيسار الزَّوْج وإعساره وَفِي

(1/442)


الْحَاوِي للماوردي أَن نسَاء أهل الْقرى إِذا جرت عادتهن أَن لَا يلبسن فِي أرجلهن شَيْئا فِي الْبيُوت لم يجب لأرجلهن شَيْء ثمَّ جنس الْكسْوَة تخْتَلف باخْتلَاف يسَار الزَّوْج وإعساره فَيجب لامْرَأَة الْمُوسر من رفيع مَا يلبس أهل الْبَلَد من قطن أَو كتَّان أَو حَرِير لِأَن الْكسْوَة مقدرَة بالكفاية فَلَا يُمكن فِيهَا الزِّيَادَة فَيرجع إِلَى تفَاوت النَّوْع لِأَنَّهُ الْعرف بِخِلَاف النَّفَقَة وَيجب لامْرَأَة الْمُعسر من غليظ الْقطن والكتنان ولامرأة الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَقيل ينظر فِي الْكسْوَة إِلَى حَال الزَّوْجَيْنِ فَيلْزمهُ مَا يكسو مثله مثلهَا عَادَة وَقيل يعْتَبر حَال الزَّوْجَة وَالله أعلم
وَقَول الشَّيْخ وَنَفَقَة الزَّوْجَة الممكنة من نَفسهَا احْتَرز بِهِ عَن غير الممكنة وَعدم التَّمْكِين يحصل بِأُمُور مِنْهَا النُّشُوز فَلَا نَفَقَة لناشز وَإِن قدر الزَّوْج على ردهَا إِلَى الطَّاعَة قهرا فَلَو نشزت بعض النَّهَار فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا شَيْء لَهَا
وَالثَّانِي يجب لَهَا بقسط زمن الطَّاعَة قَالَ الرَّافِعِيّ وَالْأول أوفق بِمَا سبق وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ الرَّافِعِيّ إِلَى تَرْجِيحه وَهُوَ عدم الْوُجُوب تبعه النَّوَوِيّ هُنَا ثمَّ رجح فِي آخر النِّكَاح الْقطع بِعَدَمِ الْوُجُوب ذكره فِي أول الْبَاب الْحَادِي عشر من زِيَادَته فَقَالَ قلت الصَّحِيح الْجَزْم فِي الْحرَّة بِأَنَّهُ لَا شَيْء لَهَا فِي هَذِه الْحَالة وَالله أعلم
وَلَا يشْتَرط فِي النُّشُوز الِامْتِنَاع الْكُلِّي بل لَو امْتنعت من الْوَطْء وَحده أَو من بَقِيَّة الاستمتاعات حَتَّى قبْلَة سَقَطت نَفَقَتهَا فَلَو قَالَت سلم الْمهْر لأسلم نَفسِي فَإِن جرى دُخُول أَو كَانَ الْمهْر مُؤَجّلا فَهِيَ ناشز إِذْ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاع وَالْحَالة هَذِه لِأَنَّهَا بِالتَّسْلِيمِ أسقطت حَقّهَا من حبس نَفسهَا فَلَو حل الْأَجَل فَهَل هُوَ كالمؤجل أَو كالحال وَجْهَان وَلم يرجح الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ هُنَا شَيْئا وَصحح فِي الرَّوْضَة والمنهاج فِي الصَدَاق تبعا للمحرر عدم الْحَبْس وَنَقله الرَّافِعِيّ فِي الصَدَاق عَن أَكثر الْأَئِمَّة لكنه صحّح فِي الشَّرْح الصَّغِير أَن لَهَا الْحَبْس وعلته أَن لَهَا الْمُطَالبَة بعد الْحُلُول كَمَا فِي الإبتداء لَكِن جزم الرَّافِعِيّ فِي نَظِيره من البيع أَنه لَا حبس للْبَائِع إِذا حل الْأَجَل وَيحْتَاج إِلَى الْفرق نعم لَو كَانَت مَرِيضَة أَو كَانَ بهَا قرح يَضرهَا الْوَطْء فَهِيَ معذورة فِي الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء وَعَلِيهِ النَّفَقَة بِشَرْط أَن تكون عِنْده وَكَذَا لَو كَانَ الرجل عبلاً وَهُوَ كَبِير الذّكر بِحَيْثُ لَا تُطِيقهُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاع عَن الزفاف بِعُذْر عبالته وَلها الِامْتِنَاع بِعُذْر الْمَرَض لِأَنَّهُ متوقع الزَّوَال وَلَو قَالَت لَا أمكنه إِلَى فِي بَيْتِي أَو فِي مَوضِع كَذَا فَهِيَ ناشر وهربها من بَيت الزَّوْج وسفرها بِلَا إِذْنه نشوز قَالَ النَّوَوِيّ وَلَو حبست ظلما أَو بِحَق فَلَا نَفَقَة كَمَا لَو وطِئت بِشُبْهَة فاعتدت وَالله أعلم
وَمِنْهَا الصغر فَإِذا كَانَت صَغِيرَة وَهُوَ كَبِير أَو صَغِير فَلَا نَفَقَة لَهَا على الْأَظْهر وَإِن كَانَت كَبِيرَة وَهُوَ صَغِير وَجَبت النَّفَقَة على الْأَظْهر إِذْ لَا عذر مِنْهَا وَمِنْهَا الْعِبَادَات فَإِذا أَحرمت بِحَجّ أَو عمْرَة فَإذْ

(1/443)


أَحرمت بِإِذْنِهِ وَخرجت فقد سَافَرت فِي غَرَض نَفسهَا فَإِن سَافر الزَّوْج مَعهَا لم تسْقط نَفَقَتهَا على الْمَذْهَب وَإِلَّا سَقَطت على الْأَظْهر وَإِن أَحرمت بِغَيْر إِذْنه فَلهُ أَن يحللها من حجَّة التَّطَوُّع قطعا وَكَذَا الْفَرْض على الْأَظْهر لِأَن حَقه على الْفَوْر فَإِن لم يحللها فلهَا النَّفَقَة مَا لم تخرج لِأَنَّهَا فِي قَبضته وَهُوَ قَادر على تحليلها والاستمتاع بهَا وَقيل لَا نَفَقَة لِأَنَّهَا ناشز بالاحرام وَلَو صَامت فِي رَمَضَان فَلَا تمنع مِنْهُ وَلَا تسْقط النَّفَقَة بِحَال وَأما قَضَاء رَمَضَان فَإِن تعجل لتعديها بالافطار لم تمنع مِنْهُ وَلَا تسْقط بِهِ النَّفَقَة على الْأَصَح وَفِي جَوَاز إلزامها الْإِفْطَار إِذا شرعت فِيهِ وَجْهَان مخرجان من الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْلِيل من الْحَج فَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَفِي سُقُوط النَّفَقَة وَجْهَان صحّح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة السُّقُوط وَأما صَوْم التَّطَوُّع فَلَا تشرع فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن أذن لم تسْقط نَفَقَتهَا وَإِن شرعت فِيهِ بِغَيْر إِذْنه فَلهُ قطعه فَإِن أفطرت فلهَا النَّفَقَة وَإِن أَبَت فَلَا نَفَقَة على الْأَصَح وَقيل تجب لِأَنَّهَا فِي دَاره وقبضته قلت وَهُوَ قوي لِأَنَّهُ مُتَمَكن من وَطئهَا والاستمتاع بهَا وَإِلَّا فَمَا الْفرق بَين الصَّوْم وَالْحج إِلَّا أَن تفرض الصُّورَة فِي امتناعها من التَّمْكِين وَفِيه نظر لِأَن السُّقُوط وَالْحَالة هَذِه إِنَّمَا هُوَ لأجل عدم التَّمْكِين وَحِينَئِذٍ فَلَا مدْخل للصَّوْم وَالله أعلم
وَلَو كَانَ الصَّوْم نذرا فَإِن كَانَ نذرا مُطلقًا فَللزَّوْج منعهَا مِنْهُ على الصَّحِيح لِأَنَّهُ موسع وَإِن كَانَ أَيَّامًا مُعينَة نظر إِن نذرتها قبل النِّكَاح أَو بعده بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ منعهَا وَإِلَّا فَلهُ وَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الْمَنْع فشرعت فِيهِ وأبت أَن تفطر فكصوم التَّطَوُّع وَأما صَوْم الْكَفَّارَة فَهُوَ على التَّرَاخِي فَللزَّوْج منعهَا وَحَيْثُ قُلْنَا إِن الصَّوْم يسْقط فَهَل يسْقط كل النَّفَقَة أم لَا لتمكنه من الِاسْتِمْتَاع لَيْلًا وَجْهَان صحّح النَّوَوِيّ سُقُوط الْجَمِيع وَالله أعلم قَالَ
(وَإِن أعْسر بنفقتها فلهَا الْفَسْخ وَكَذَا إِن أعْسر بِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُول)
إِذا عجز الزَّوْج عَن الْقيام بمؤن الزَّوْجِيَّة الموظفة عَلَيْهِ فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي قَدِيما وجديداً أَنَّهَا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَت صبرت وأنفقت من مَالهَا أَو اقترضت وأنفقت على نَفسهَا ونفقتها فِي ذمَّته إِلَى أَن يوسر وَإِن شَاءَت طلبت فسخ النِّكَاح وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَقيل لَا خِيَار لَهَا وللأصحاب خلاف فِي ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَب أَن لَهَا أَن تفسخ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رَضِي الله عَنْهُمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَمَّن يعسر بِنَفَقَة امْرَأَته فَقَالَ يفرق بَينهمَا وَسُئِلَ ابْن الْمسيب عَن ذَلِك فَقَالَ يفرق بَينهمَا فَقيل لَهُ سنة فَقَالَ سنة قَالَ الشَّافِعِي الَّذِي يشبه قَول ابْن الْمسيب أَنه سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/444)


وَأَيْضًا فالجب أَو الْعنَّة يثبت حق الْفَسْخ فالعجز عَن النَّفَقَة أولى لِأَن الصَّبْر عَن الِاسْتِمْتَاع أسهل من الصَّبْر عَن النَّفَقَة فَرُبمَا عدم النَّفَقَة يُوقع الزَّوْجَة فِي الزِّنَا وَلَو كَانَ الرجل حَاضرا وَله مَال غَائِب فَإِن كَانَ دون مَسَافَة الْقصر فَلَا فسخ وَيُؤمر بتعجيل الاحضار وَإِن كَانَ على مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوْقهَا فلهَا الْفَسْخ وَلَا يلْزمهَا الصَّبْر لشدَّة الضَّرَر وَإِن كَانَ لَهُ دين على زَوجته فَأمرهَا بالانفاق مِنْهُ فَإِن كَانَت موسرة فَلَا خِيَار كَمَا لَو كَانَ لَهُ دين على مُوسر حَاضر وَإِن كَانَت معسرة فلهَا الْفَسْخ لِأَنَّهَا لَا تصل إِلَى حَقّهَا والمعسر ينظر وَلَو تبرع شخص بأَدَاء النَّفَقَة عَن الْمُعسر فلهَا الْفَسْخ وَلَا يلْزمهَا الْقبُول كَمَا لَو كَانَ لَهُ دين على إِنْسَان فتبرع غَيره بِقَضَائِهِ لَا يلْزمه الْقبُول لِأَن فِيهِ منَّة للمتبرع
وَاعْلَم أَن الْقُدْرَة بِالْكَسْبِ كالقدرة بِالْمَالِ فَلَو كَانَ يكْتَسب كل يَوْم قدر النَّفَقَة فَلَا خِيَار فَلَو عجز عَن الْعَمَل لمَرض فَلَا فسخ إِن رجى زَوَاله فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن كَانَ يطول فلهَا الْفَسْخ للضَّرَر وَالله أعلم
(فرع) لَو لم يُعْطهَا الْمُوسر إِلَّا نَفَقَة الْمُعسر فَلَا فسخ وَيصير الْبَاقِي دينا عَلَيْهِ والقادر على الْكسْب إِذا امْتنع من الانفاق عَلَيْهَا فَهُوَ كالموسر إِذا امْتنع وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تفسخ إِذا منع الْمُوسر النَّفَقَة سَوَاء كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا والاعسار بالكسوة كالاعسار بِالنَّفَقَةِ وَكَذَا الاعسار بالمسكن وَهل لَهَا أَن تفسخ بِالْعَجزِ عَن الْأدم فِيهِ خلاف الْأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ نعم وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ لَا فسخ لِأَنَّهُ غير ضَرُورِيّ وَالله أعلم
(فرع كثير الْوُقُوع) شَرط الْفَسْخ تحقق اعسار الزَّوْج أَو غَلَبَة الظَّن بِالْبَيِّنَةِ المقبولة شرعا سَوَاء كَانَ الزَّوْج حَاضرا أَو غَائِبا فَلَو غَابَ وَلم يعلم اعساره فَلَا فسخ فِي الْأَصَح كَمَا لَو كَانَ الزَّوْج مُوسِرًا وَهُوَ غَائِب وَلَو ضمن النَّفَقَة ضَامِن بِإِذْنِهِ فَقيل لَهَا الْفَسْخ وَجزم القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ بِالْمَنْعِ إِن كَانَ مليئاً وَإِن ضمن بِغَيْر غذنه فَوَجْهَانِ وَالله أعلم
والاعسار بِالْمهْرِ فِيهِ خلاف منتشر
حَاصِل الْمَذْهَب مَا ذكره الشَّيْخ إِن كَانَ قبل الدُّخُول فلهَا الْفَسْخ وَإِلَّا فَلَا وَالْفرق أَن بِالدُّخُولِ قد تلف المعوض فَصَارَ الْعِوَض دينا فِي الذِّمَّة وَلِأَن تَسْلِيمهَا يشْعر بِرِضَاهَا بِذِمَّتِهِ بِخِلَاف مَا قبل الدُّخُول
وَاعْلَم أَنا حَيْثُ جَوَّزنَا الْفَسْخ فشرطه أَن لَا تكون الْمَرْأَة قبضت شَيْئا من الصَدَاق وَإِن قبضت شَيْئا مِنْهُ امْتنع عَلَيْهَا الْفَسْخ بِخِلَاف البَائِع إِذا قبض بعض الثّمن فَإِنَّهُ يجوز لَهُ الْفَسْخ بإفلاس المُشْتَرِي عَن بَاقِيه وَالْفرق أَن الزَّوْج باقباض بعض الْمهْر قد اسْتَقر لَهُ بعض الْبضْع فَلَو جَازَ للْمَرْأَة الْفَسْخ لعاد إِلَيْهَا الْبضْع بِكَمَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن فِيهِ التَّشْرِيك فَيُؤَدِّي إِلَى الْفَسْخ فِيمَا اسْتَقر بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ وَإِن اسْتَقر بعضه بِقَبض بعض الثّمن إِلَّا أَن الشّركَة فِيهِ مُمكنَة فجوزنا الْفَسْخ فِي الْبَاقِي خَاصَّة كَذَا ذكره ابْن الصّلاح وَتوقف ابْن الرّفْعَة فِي الْمَسْأَلَة ذكره فِي الْمطلب وَالله أعلم

(1/445)


(فرع) الصَّحِيح الْمَشْهُور أَن الْمَرْأَة لَا تستقل بِالْفَسْخِ بل لَا بُد من الرّفْع إِلَى الْحَاكِم كَمَا فِي الْعنَّة لِأَنَّهُ أَمر مُجْتَهد فِيهِ وَقيل لَهَا أَن تفسخ بِنَفسِهَا كالرد بِالْعَيْبِ فعلى الصَّحِيح إِذا ثَبت عِنْده الاعسار تولى الْفَسْخ بِنَفسِهِ أَو أذن لَهَا أَن تفسخ فَلَو لم ترفع إِلَى القَاضِي وفسخت بِنَفسِهَا لعلمها بعجزه لم ينفذ فِي الظَّاهِر وَهل ينفذ بَاطِنا وَجْهَان قَالَ الإِمَام الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام الْأَئِمَّة أَنه لَا ينفذ بَاطِنا
وَاعْلَم أَن القَاضِي إِنَّمَا يفْسخ أَو يإذن لَهَا فِيهِ بعد إمهال ثَلَاثَة أَيَّام من اعساره فِي الْأَصَح وَالله أعلم
(فرع) لَهُ أم ولد وَعجز عَن نَفَقَتهَا فَعَن أبي زيد أَنه يجْبر على عتقهَا وتزويجها إِن وجد خاطباً رَاغِبًا وَقَالَ غَيره لَا يجْبر عَلَيْهِ بل يخليها لتكسب وتنفق على نَفسهَا كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ وَصحح النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الثَّانِي وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْحَضَانَة فصل فِي الْحَضَانَة وَإِذا فَارق الرجل زَوجته وَله مِنْهَا ولد فَهِيَ أَحَق بحضانته إِلَى سبع سِنِين ثمَّ يُخَيّر بَين أَبَوَيْهِ فَأَيّهمَا اخْتَار سلم إِلَيْهِ
الْحَضَانَة بِفَتْح الْحَاء هِيَ عبارَة عَن الْقيام بِحِفْظ من لَا يُمَيّز وَلَا يسْتَقلّ بأَمْره وتربيته بِمَا يصلحه ووقايته عَمَّا يُؤْذِيه وَهِي نوع ولَايَة إِلَّا أَنَّهَا بالاناث أليق لِأَنَّهُنَّ أشْفق وَأهْدى إِلَى التربية وأصبر على الْقيام بهَا وَأَشد مُلَازمَة للأطفال وَمؤنَة الْحَضَانَة على الْأَب لِأَنَّهَا من أَسبَاب الْكِفَايَة كَالنَّفَقَةِ فَإِذا فَارق الرّقّ الرجل زَوجته فالأم أَحَق بحضنة الْوَلَد مِنْهُ وَمن غَيره من النِّسَاء بِالشُّرُوطِ الَّتِي تَأتي وَاحْتج لتقديمها بِمَا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن ابْني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء وثديي لَهُ سقاء وحجري لَهُ حَوَّاء وَإِن أَبَاهُ طَلقنِي وَأَرَادَ أَن يَنْزعهُ مني فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت أَحَق بِهِ مالم تنكحي ثمَّ إِنَّمَا يحكم بالطفل للْأُم دون الْأَب إِذا كَانَ صَغِيرا لَا يُمَيّز فَإِن ميز خير بَين الْأَبَوَيْنِ فَيكون عِنْد من اخْتَارَهُ مِنْهُمَا وَسَوَاء فِي ذَلِك الابْن وَالْبِنْت وَاحْتج للتَّخْيِير بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما

(1/446)


بَين أَبِيه وَأمه وَفِي رِوَايَة فَأخذ بيد أمه فَانْطَلَقت بِهِ وَاخْتلف فِي سنّ التَّمْيِيز فَالَّذِي جزم بِهِ هُنَا فِي أصل الرَّوْضَة أَنه فِي الْغَالِب ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين تَقْرِيبًا
وَاعْلَم أَن الْمدَار على التَّمْيِيز سَوَاء حصل قبل السَّبع أَو بعْدهَا وَلَا بُد مَعَ التَّمْيِيز أَن يكون عَارِفًا بِأَسْبَاب الِاخْتِيَار وَإِلَّا أخر إِلَى حُصُول ذَلِك لِأَن التخييز غنما فوض إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أعرف بحظه لِأَنَّهُ قد يعرف من أَبَوَيْهِ مَا يَدْعُو إِلَى اخْتِيَاره وَلِلنَّاسِ عِبَارَات فِي ضبط التَّمْيِيز وَأحسن مَا ذكر أَن يصير الطِّفْل بِحَيْثُ يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويستنجي وَحده وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن حكم أم الْأُم مَعَ الْأَب أَو الْجد حكم الْأُم وَإِذا تنَازع الاناث فِي الْحَضَانَة قدمت الْأُم ثمَّ أمهاتها تقدم الْقُرْبَى فالقربى ثمَّ أم الْأَب ثمَّ أمهاتها ثمَّ أم الْجد ثمَّ أمهاتها وَلَا حق لأم الْأَب ثمَّ الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ ثمَّ للْأَب ثمَّ الْأُخْت للْأُم ثمَّ الْخَالَة ثمَّ الْعمة هَذَا هُوَ الْأَظْهر إِذا تمحض الاناث فَإِن اجْتمع مَعَ النِّسَاء رجال قدمت الْأُم ثمَّ أمهاتها ثمَّ الْأَب ثمَّ أمهاته ثمَّ الْجد ثمَّ الْأَخَوَات ثمَّ الْخَالَة ثمَّ الْعمة على النَّص وَأما الْأُخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم فَإِنَّهُم كَالْأَبِ وَالْجد فِي الْحَضَانَة يقدم الْأَقْرَب مِنْهُم فَالْأَقْرَب على تَرْتِيب الْمِيرَاث على النَّص
وَاعْلَم أَن بَنَات الْأَخَوَات يقدمن على بَنَات الْإِخْوَة كَمَا قدم الْأُخْت على الْأَخ وَالأَصَح ثُبُوت الْحَضَانَة للْأُنْثَى الَّتِي لَيست بِمحرم كبنتي الْخَالَة والعمة وبنتي الْخَال وَالْعم فَإِن كَانَ الْوَلَد ذكرا استمرت حضانته حَتَّى يبلغ حدا يَشْتَهِي مثله وتتقدم بَنَات الخالات على بَنَات الأخوال وَبَنَات العمات على بَنَات الْأَعْمَام ويقدمن بَنَات الخؤولة على بَنَات العمومة وَالله أعلم قَالَ
(وشرائط الْحَضَانَة سَبْعَة الْعقل وَالْحريَّة وَالدّين والعفة وَالْأَمَانَة والخلو من زوج وَالْإِقَامَة فَإِن اخْتَلَّ شَرط سَقَطت)
قد علمت أَن الْحَضَانَة ولَايَة وسلطة وَأَن الْأُم أولى من الْأَب وَغَيره لوفور شفقتها فَإِذا رغبت فِي الْحَضَانَة فَلَا بُد لاستحقاقها من شُرُوط
الأول كَونهَا عَاقِلَة فَلَا حضَانَة لمجنونة سَوَاء كَانَ جنونها مطبقاً أَو متقطعاً نعم إِن كَانَ ينْدر وَلَا تطول مدَّته كَيَوْم فِي سِنِين فَلَا يبطل الْحق بِهِ كَمَرَض يطْرَأ وَيَزُول وَوجه سُقُوط حَقّهَا بالجنون أَنه لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا مَعَ الْجُنُون حفظ الْوَلَد صيانته بل هِيَ فِي نَفسهَا تحْتَاج إِلَى من يكفلها فَكيف تكون كافلة لغَيْرهَا وَالله أعلم

(1/447)


الثَّانِي الْحُرِّيَّة فَلَا حضَانَة لرقيقة وَإِن أذن السَّيِّد وَوجه الْمَنْع أَن مَنْفَعَتهَا للسَّيِّد وَهِي مَشْغُولَة عَن الْحَضَانَة بِهِ وَلِأَن الْحَضَانَة نوع ولَايَة وَلَا ولَايَة لرقيق ثمَّ إِن كَانَ الْوَلَد حرا فالحضانة بعد الْأُم للْأَب وَغَيره وَإِن كَانَ رَقِيقا فحضانته على السَّيِّد وَهل لَهُ نَزعَة من الْأَب وتسليمه إِلَى غَيره وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَاز التَّفْرِيق وَهل لَهَا حق الْحَضَانَة فِي وَلَدهَا من السَّيِّد وَجْهَان الصَّحِيح لَا حضَانَة لنقصها وَلَو كَانَ الْوَلَد نصفه حر وَنصفه رَقِيق فَنصف حضانته لسَيِّده وَنِصْفهَا لمن يَلِي حضانته من أَقَاربه الْأَحْرَار وَالله أعلم
الثَّالِث كَونهَا مسلمة إِن كَانَ الطِّفْل مُسلما بِإِسْلَام أَبِيه فَلَا حضَانَة لكافرة على مُسلم لِأَنَّهُ لَا حَظّ لَهُ فِي تربيتها لِأَنَّهَا تغشه وينشأ على مَا كَانَ يألف مِنْهَا وَلِأَنَّهُ ولَايَة وَلَا ولَايَة لكَافِر على مُسلم وَقيل تحضنه الْأُم الذِّمِّيَّة حَتَّى يُمَيّز وَالصَّحِيح الأول لما ذكرنَا والطفل الْكَافِر وَالْمَجْنُون الْكَافِر يثبت لقريبه الْمُسلم حضانته وكفالته على الصَّحِيح لِأَن فِيهِ مصلحَة لَهُ وَالله أعلم
الرَّابِع وَالْخَامِس الْعِفَّة وَالْأَمَانَة فَلَا حضَانَة لفاسقة لِأَنَّهَا ولَايَة وَلَا تأمن أَن تخون فِي حفظه وينشأ على طريقتها
وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط تحقق الْعَدَالَة الْبَاطِنَة بل تَكْفِي الْعَدَالَة الظَّاهِرَة كشهود النِّكَاح قَالَه الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فَلَو ادّعى أحد الْأَبَوَيْنِ فسق الآخر ليكفل قَوْله وَلَيْسَ لَهُ إحلافه بل هُوَ على ظَاهر الْعَدَالَة حَتَّى يُقيم مدعي الْفسق عَلَيْهِ بَيِّنَة كَذَا ذكره ابْن الرّفْعَة وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيّ لَا بُد من ثُبُوت أَهْلِيَّة الْأُم عِنْد القَاضِي إِذا نازعها الْأَب أَو غَيره من الْمُسْتَحقّين وَالله أعلم
السَّادِس كَونهَا فارغة خلية عَن النِّكَاح لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنْت أَحَق بِهِ مالم تنكحي وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَة بِالزَّوْجِ فيضرر الْوَلَد وَلَا أثر لرضا الزَّوْج بذلك كَمَا لَا أثر لرضا السَّيِّد بحضانة الْأمة وَلَو رَضِي الْأَب مَعَه فَهَل يسْقط حق الْجدّة الْأَصَح فِي الْكِفَايَة لِابْنِ الرّفْعَة أَنه يسْقط حق الْجدّة وَيكون عِنْد الْأُم وَقَالَ فِي التَّهْذِيب لَا يسْقط حق الْجدّة فقد يرجعان فيتضرر الْوَلَد فَلَو تزوجت أم الطِّفْل بِعَمِّهِ فَهَل تبطل حضانتها وَجْهَان أصَحهمَا لَا تبطل لِأَن الْعم صَاحب حق فِي الْحَضَانَة وشفقته تحمله على رِعَايَة الطِّفْل فيتعاونان على كفَالَته بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ وَبِهَذَا قطع الامامان الْقفال وَحجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ
وَاعْلَم أَن الْخلاف مطرد فِي حق كل من لَهَا الْحَضَانَة ونكحت قَرِيبا للطفل لَهُ حق فِي الْحَضَانَة بِأَن نكحت أمه ابْن عَم الطِّفْل أَو عَم أَبِيه وَكَذَا تبقى حضانتها إِذا كَانَ زَوجهَا جد الطِّفْل أَي أَب أَبِيه

(1/448)


لِأَن لَهُ حَقًا فِي الْحَضَانَة وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا كَانَت الحاضنة جدة أَن يتَزَوَّج رجل بِامْرَأَة وَابْنه ببنتها من غَيره ثمَّ يَجِيء للِابْن ولد ثمَّ تَمُوت الْأُم وَالْأَب فتنتقل الْحَضَانَة إِلَى أم الْأُم وَهِي زَوْجَة الْجد وَالله أعلم
السَّابِع الْإِقَامَة وَإِنَّمَا تكون الْأُم أَحَق بالطفل إِذا كَانَ الأبوان مقيمين فِي بلد وَاحِد فَأَما إِذا أَرَادَ أَحدهمَا سفرا يخْتَلف فِيهِ بلدهما نظر إِن كَانَ سفر حَاجَة كحج وتجارة وغزو لم يُسَافر بِالْوَلَدِ لما فِي السّفر من الْخطر وَالْمَشَقَّة بل يكون مَعَ الْمُقِيم إِلَى أَن يعود الْمُسَافِر سَوَاء طَالَتْ مُدَّة السّفر أم قصرت وَقيل للْأَب السّفر بِهِ إِذا طَال سَفَره وَإِن كَانَ السّفر سفر نقلة إِن كَانَ ينْتَقل إِلَى مَسَافَة الْقصر فللأب انتزاع من الْأُم ويستصحبه مَعَه سَوَاء كَانَ الْمُنْتَقل الْأَب أَو الْأُم أَو أَحدهمَا إِلَى بلد وَالْأُخْرَى إِلَى بلد آخر احْتِيَاطًا للنسب فَإِن النّسَب يتحفظ بِالْآبَاءِ وَفِيه مصلحَة للتأديب والتعليم وسهولة الْقيام بمؤنتة وَسَوَاء نَكَحَهَا فِي بَلَدهَا أَو فِي الغربة فَلَو رافقته الْأُم فِي الطَّرِيق دَامَ حَقّهَا وَكَذَا فِي الْمَقْصد وَلَو عَاد من سفر النقلَة عَاد حَقّهَا وَيشْتَرط أَمن الطَّرِيق وَأمن الْبَلَد الَّذِي ينْتَقل إِلَيْهِ فَلَو كَانَا مخوفين لغارة وَنَحْوهَا لم يكن لَهُ انْتِزَاعه مِنْهَا وَإِن كَانَت النقلَة إِلَى دون مَسَافَة الْقصر فَهَل يُؤثر ذَلِك وَجْهَان
أَحدهمَا لَا ويكونان كالمقيمين فِي دارين من بلد وأصحهما أَنه كمسافة الْقصر وَلَو قَالَت إِنَّمَا تُرِيدُ سفر التِّجَارَة فَقَالَ بل النقلَة فَهُوَ الْمُصدق بِيَمِينِهِ على الْأَصَح وَقَالَ الْقفال يصدق بِلَا يَمِين فعلى الصَّحِيح لَو نكل حَلَفت وَأَمْسَكت الْوَلَد
وَاعْلَم أَن سَائِر الْعَصَبَات من الْمَحَارِم كالجد وَالْأَخ وَالْعم بِمَنْزِلَة الْأَب فِي انتزاع الْوَلَد مِنْهَا وَنَقله إِذا أَرَادَ الِانْتِقَال احْتِيَاطًا للنسب وَكَذَا غير الْمَحَارِم كَابْن الْعم إِن كَانَ الْوَلَد ذكرا فَإِن كَانَت أُنْثَى لم تسلم إِلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِي إِلَّا إِذا لم تبلغ حدا تشْتَهى وَفِي الشَّامِل لِابْنِ الصّباغ أَنه لَو كَانَ لَهُ بنت ترافقه سلمت إِلَى ابْنَته
وَاعْلَم أَن الْمحرم الَّذِي لَا عصوبة لَهُ كالخال وَالْعم للْأُم فَلَيْسَ لَهُ نقل الْوَلَد إِذا انْتقل لِأَنَّهُ لَا حق لَهُ فِي النّسَب وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ فَإِن اخْتَلَّ شَرط سَقَطت وَجه ذَلِك أَن عِلّة اسْتِحْقَاق الْحَضَانَة مركبة من هَذِه الصِّفَات وَلَا شكّ أَن الْمَاهِيّة المركبة من أَجزَاء تَنْتفِي بِانْتِفَاء جُزْء مِنْهَا أَلا ترى أَن الصَّلَاة المستجمعة للشروط تصح بِوُجُود شُرُوطهَا وَلَو انْتَفَى شَرط مِنْهَا بطلت كَذَلِك هَهُنَا وَالله أعلم
(فرع) هَل يشْتَرط مَعَ هَذِه الشُّرُوط فِي اسْتِحْقَاق الْأُم الْحَضَانَة أَن ترْضع الْوَلَد إِن كَانَ رضيعاً وَجْهَان
أَحدهمَا لَا بل لَهَا الْحَضَانَة وَإِن لم يكن لَهَا لبِنْت أَو امْتنعت من الارضاع فعلى الْأَب على

(1/449)


هَذَا أَن يسْتَأْجر مُرْضِعَة ترْضِعه عِنْد الْأُم وَهَذَا مَا صَححهُ الْبَغَوِيّ وَالصَّحِيح الذب قطع بِهِ الْأَكْثَرُونَ يشْتَرط ذَلِك لعسر اسْتِئْجَار مُرْضِعَة قَالَ الاسنوي وَلم يذكرُوا من الشُّرُوط كَونهَا نصيرة وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوت الْحَضَانَة للعمياء وَهُوَ كَذَلِك وَالله أعلم قَالَ

(1/450)