كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب السَّبق وَالرَّمْي
(وَتَصِح الْمُسَابقَة على الدَّوَابّ والمناضلة بِالسِّهَامِ إِذا كَانَت الْمسَافَة مَعْلُومَة وَصفَة المناضلة مَعْلُومَة)
الْمُسَابقَة تطلق على الْمُسَابقَة بِالْخَيْلِ والسهام إِلَّا أَنَّهَا بِالْخَيْلِ تخْتَص بالرهان وبالسهام تخْتَص بالنضال وَالْأَصْل فِي ذَلِك الْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الْآيَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي وَفِي السّنة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَابق بَين الْخَيل الَّتِي أضمرت من الحيفاء وَكَانَ أمدها من ثنية الْوَدَاع وسابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضمر من الثَّنية إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق وَكَانَت نَاقَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام العضباء لَا تسبق فجَاء أَعْرَابِي على قعُود فسبقها فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حَقًا على الله أَن لَا يرفع شَيْئا من هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وَأما الرَّمْي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارموا بني إِسْمَاعِيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا ورد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من تعلم الرَّمْي ثمَّ تَركه

(1/536)


فَلَيْسَ منا أَو قد عصى الله وَيجوز شَرط المَال فِي المناضلة والمسابقة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رهان الْخَيل طلق أَي حَلَال وَقيل لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَكُنْتُم تراهنون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم وَلِأَن فِيهِ حثاً على الاستعداد للْجِهَاد وَيجوز على الدَّوَابّ إِذا كَانَت الْمسَافَة مَعْلُومَة لما تقدم من الْخَبَر وَتَكون مَعْلُومَة الِابْتِدَاء والانتهاء وَيُمكن وُصُول الدابتين إِلَيْهَا غَالِبا لِأَنَّهُمَا لَو تسابقا لَا إِلَى غَايَة لم يُؤمن من أَن تعطب الْفرس لِأَن كلا يحرص على المَال وَدفع عَار السَّبق وَلِأَنَّهُ تتعذر الْبَيِّنَة على السَّبق فِي مثل ذَلِك
وَأما المناضلة فَلَا بُد من الْعلم بهَا أَيْضا إِمَّا بالمسافة وَالْعلم بهَا إِمَّا بِالشّرطِ أَو بِأَن تكون هُنَاكَ عَادَة فَلَو ذكر غَايَة لَا تبلغها السِّهَام بَطل العقد أَو بالاصابة كخمسة من عشْرين ولبينا أَيْضا صفة الاصابة من القرع وَهِي الاصابة الْمُجَرَّدَة أَو الْخرق وَهُوَ أَن يثقب الْغَرَض وَلَا يثبت فِيهِ أَو الخسق وَهُوَ أَن يثبت فِي الْغَرَض أَو الخرم وَهُوَ أَن يقطع الْغَرَض أَو المرق وَهُوَ أَن ينفذ من الْغَرَض من الْجَانِب الآخر وَإِذا أطلق العقد حمل على القرع لِأَنَّهُ الْمُتَعَارف وَالله أعلم
(فرع) تناضلا على أَن يكون المَال لأبعدهما رمياً أَو لم يقصدا غَرضا صَحَّ على الْأَصَح لِأَن الابعاد مَقْصُود أَيْضا فِي مُقَابلَة القلاع وَغَيرهَا وَحُصُول الإرعاب وامتحان شدَّة الساعد وَقَالَ امام الْحَرَمَيْنِ وَالَّذِي أرَاهُ على هَذَا أَنه يشْتَرط اسْتِوَاء القوسين فِي الشدَّة ويراعى خفَّة السهْم ورزانته لِأَنَّهُمَا يؤثران فِي الْقرب والبعد تَأْثِيرا عَظِيما وَالله أعلم قَالَ
(وَيخرج الْعِوَض أحد المتسابقين حَتَّى إِذا سبق استرده وَإِن سبق أَخذه صَاحبه فَإِن أَخْرجَاهُ مَعًا لم يجز إِلَّا أَن يدخلا محللاً بَينهمَا إِن سبق أَخذه وَإِن سبق لم يغرم)
المَال الْمخْرج للمسابقة قد يُخرجهُ أحد المتسابقين وَقد يخرجَاهُ مَعًا وَكِلَاهُمَا ذكره الشَّيْخ فَإِن أخرجه أَحدهمَا على أَن من سبق مِنْهُمَا أحرزه جَازَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مر بحزبين من الْأَنْصَار يتناضلون وَقد سبق أَحدهمَا الآخر فأقرهما على ذَلِك وَلِأَن الْمَقْصُود يحصل بذلك مَعَ خلوه عَن الْقمَار لِأَن الْمخْرج حَرِيص على أَن يسْبق لِئَلَّا يغرم وَالْآخر حَرِيص حَتَّى يَأْخُذهُ وَإِن أخرجه المتسابقان على أَن من سبق مِنْهُمَا أَخذ الْجَمِيع لم يجز لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَدخل فرسا بَين فرسين وَقد أَمن أَن يسبقهما فَهُوَ قمار وَإِن لم يَأْمَن أَن يسْبق فَلَيْسَ بقمار فَإِذا كَانَ قماراً عِنْد

(1/537)


الْأَمْن من سبق فرس الْمُحَلّل فَعِنْدَ عدم الْمُحَلّل أولى وَلِأَن معنى الْقمَار مَوْجُود فِيهِ فَإِن كلا مِنْهُمَا دائر بَين أَن يغنم وَيغرم وَهَذَا هُوَ الْقمَار فَإِذا دخل محللا كفؤ لَهما لَا يخرج شَيْئا فَيجوز للْخَبَر وَلِأَنَّهُ خرج عَن صُورَة الْقمَار قلت إِلَّا أَن عِلّة الْقمَار مَوْجُودَة لِأَن كلا مِنْهُمَا دائر بَين أَن يغنم وَيغرم وَالله أعلم
(فرع) لَو شَرط على السَّابِق أَنه يطعم المَال أَصْحَابه بَطل العقد على الصَّحِيح وَقيل يَصح والاطعام وعد وَقيل يَصح العقد وَلَا عوض وَقيل يَصح العقد وَيجب عوض الْمثل وَالله أعلم
(فرع) تجوز الْمُسَابقَة على الْحمير على الْمَذْهَب وَلَا تجوز الْمُسَابقَة على الْبَقر على الْمَذْهَب وَلَا على مَا لَا يصلح للحرب وَإِن كَانَ من الْخَيل كالجذع وَلَا تجوز على الْكَلْب وَتجوز على الْحمام وَغَيره من الطُّيُور بِلَا عوض وَالأَصَح الْمَنْع بِالْعِوَضِ وَلَا تجوز الْمُسَابقَة باشالة الْحجر بِالْيَدِ على الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْأَكْثَرُونَ
وَأما مرامات الْأَحْجَار وَهُوَ أَن يَرْمِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْحجرِ إِلَى صَاحبه فباطلة قطعا وَتجوز الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام والسباحة فِي المَاء والصراع بِلَا عوض وَالأَصَح الْمَنْع بِالْعِوَضِ وَفِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تسابقت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبقته فلبثنا حَتَّى إِذا أرهقني اللَّحْم سابقني فَسَبَقَنِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَذِه بِتِلْكَ
(فرع) لَا تجوز الْمُسَابقَة على مناطحة الكباش ومهارشة الديكة لَا بعوض وَلَا بِغَيْرِهِ وَكَذَا لَا يجوز عقد الْمُسَابقَة على اللّعب بالشطرنج والخاتم والأكرة وَرمي البندق وَمَعْرِفَة مَا فِي الْيَد من زوج وفرد وَسَائِر أَنْوَاع اللّعب وَالله أعلم قَالَ

(1/538)