مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

باب وقت الصلاة والأذان والعذر فيه.
قال الشافعي: والوقت للصلاة وقتان: وقت مقام ورفاهية ووقت عذر وضرورة فإذا زالت الشمس فهو أول وقت الظهر والأذان ثم لا يزال وقت الظهر قائما حتى يصير ظل كل شيء مثله فإذا جاوز ذلك بأقل زيادة فقد دخل وقت والعصر والأذان ثم لا يزال وقت العصر قائما حتى يصير ظل كل شيء مثليه فمن جاوزه فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز أن أقول فاتت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"1 فإذا غربت الشمس فهو وقت المغرب والأذان ولا وقت للمغرب إلا وقت واحد فإذا غاب الشفق الأحمر فهو أول وقت العشاء الآخرة والأذان ثم لا يزال وقت العشاء قائما حتى يذهب ثلث الليل ولا أذان إلا بعد دخول وقت الصلاة خلا الصبح فإنها يؤذن قبلها بليل وليس ذلك بقياس ولكن اتبعنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم"2 ثم لا يزال وقت الصبح قائما بعد الفجر ما لم يسفر فإذا طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة منها فقد خرج وقتها فاعتمد في ذلك على إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك3 قال: والوقت الآخر هو وقت العذر والضرورة فإذا أغمي على رجل فأفاق وطهرت امرأة من حيض أو نفاس وأسلم ونصراني وبلغ صبي قبل مغيب الشمس بركعة أعادوا الظهر والعصر وكذلك قبل الفجر بركعة أعادوا المغرب والعشاء وكذلك قبل طلوع الشمس بركعة أعادوا الصبح وذلك وقت إدراك الصلوات في العذر والضرورات واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح"4 وأنه جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة فدل على أن وقتهما للضرورات واحد وقد قال الشافعي: إن أدرك الإحرام في وقت الآخرة صلاهما جميعا قال المزني: ليس هذا عندي بشيء وزعم الشافعي أن من أدرك من الجمعة ركعة بسجدتين أتمها جمعة ومن أدرك منها سجدة أتمها ظهرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من الصلاة ركعة فقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/153.
2 انظر الأم 1/169, 170.
3 انظر الأم 1/149, 150.
4 انظر الأم 1/153, 156.

 

ص -22-        أدرك الصلاة"1 ومعنى قوله عندي إن لم تفته وإذا لم تفته صلاها جمعة والركعة عند الشافعي بسجدتين قال المزني: قلت وكذلك قوله عليه السلام: "من أدرك من الصلاة ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" لا يكون مدركا لها إلا بكمال سجدتين فكيف يكون مدركا لها والظهر معها بإحرام قبل المغيب؟ فأحد قوليه يقضي على الآخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/352.

باب صفة الأذان وما يقام له من الصلوات ولا يؤذن
قال الشافعي: ولا أحب للرجل أن يكون في أذانه وإقامته إلا مستقبلا القبلة لا تزول قدماه ولا وجهه عنها2 ويقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع فيمد صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة هذا الأذان3 قال: ويلتوي في حي على الصلاة حي على الفلاح يمينا وشمالا ليسمع النواحي وحسن أن يضع أصبعيه في أذنيه ويكون على طهر فإن أذن جنبا كرهته وأجزأه وأحب رفع الصوت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به4 وأن لا يتكلم في أذانه فإن تكلم لم يعد وما فات وقته أقام ولم يؤذن واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس يوم الخندق حتى بعد المغرب بهوي من الليل فأمر بلالا فأقام لكل صلاة ولم يؤذن5 وجمع بعرفة بأذان وإقامتين وبمزدلفة بإقامتين ولم يؤذن فدل أن من جمع في وقت الأولى منهما فبأذان وفي الآخرة فبإقامة وغير أذان ولا أحب لأحد أن يصلي في جماعة ولا وحده إلا بأذان وإقامة فإن لم يفعله أجزأه6 وأحب للمرأة أن تقيم فإن لم تفعل أجزأها ومن سمع المؤذن أحببت أن يقول مثل ما يقول7 إلا أن يكون في صلاة فإذا فرغ قاله وترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر والإقامة فرادى إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة مرتين وكذلك كان يفعل أبو محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل قد أمر بلال بأن يوتر الإقامة قيل له: فأنت تثني الله أكبر الله أكبر فتجعلها مرتين وقال المزني: قد قال في القديم يزيد في أذان الصبح التثويب وهو: "الصلاة خير من النوم" مرتين ورواه عن بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه وكرهه في الجديد8 لأن أبا محذورة لم يحكه عن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 1/174.
3 انظر الأم 1/172.
4 انظر الأم 1/178.
5 انظر الأم 1/176.
6 انظر الأم 1/175.
7 انظر الأم 1/178, 179.
8 انظر الأم 1/173, 174 الهامش والبيهقي 1/424.

 

ص -23-        النبي صلى الله عليه وسلم1 وقياس قوليه أن الزيادة أولى به في الأخبار كما أخذ في التشهد بالزيادة وفي دخول النبي صلى الله عليه وسلم البيت بزيادة أنه صلى فيه وترك من قال لم يفعل قال: وأحب أن لا يجعل مؤذن الجماعة إلا عدلا ثقة لإشرافه على الناس2 وأحب أن يكون صيتا3 وأن يكون حسن الصوت أرق لسامعه وأحب أن يؤذن مترسلا بغير تمطيط4 ولا يغني فيه وأحب الإقامة إدراجا مبينا وكيفما جاء بهما أجزأ قال: وأحب أن يكون المصلي به فاضلا عالما قارئا وأي الناس أذن وصلى أجزأه وأحب أن يكون المؤذنون اثنين لأنه الذي حفظناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وابن أم مكتوم5 فإن كان المؤذنون أكثر أذنوا واحدا بعد واحد ولا يرزقهم الإمام وهو يجد متطوعا فإن لم يجد متطوعا فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يرزقه من الفيء6 ولا من الصدقات7 لأن لكل مالكا موصوفا وأحب الأذان لما جاء فيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين"8 ويستحب للإمام تعجيل الصلاة لأول وقتها إلا أن يشتد الحر فيبرد بها في مساجد الجماعات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة"9 وقد "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله"10 وأقل ما للمصلي في أول وقتها أن يكون عليها محافظا ومن المخاطرة بالنسيان والشغل والآفات خارجا ورضوان الله إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه أن يكون للمقصرين والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/174.
2 انظر الأم 1/171.
3 قوله أن يكون حسن الصوت أرق الخ عبارة الأم "وأن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع من لا يسمعه الضعيف وحسن الصوت أرق لخ" تأمل كتبه مصححه.
4 انظر الأم 1/178.
5 انظر الأم 1/170.
6 انظر الأم 1/171.
7 انظر الأم 1/171.
8 انظر الأم 1/178.
9 انظر الأم 1/152.
10 انظر الأم 1/195.

باب استقبال القبلة ولا فرض إلا الخمس.
قال الشافعي: ولا يجوز لأحد صلاة فريضة ولا نافلة ولا سجود قرآن ولا جنازة إلا متوجها إلى البيت الحرام ما كان يقدر على رؤيته إلا في حالتين إحداهما النافلة في السفر راكبا وطويل السفر وقصيره سواء وروي عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر أينما توجهت به"11 وأنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير وأن عليا رضي الله عنه كان يوتر على الراحلة12 قال الشافعي: وفي هذا دلالة على أن الوتر ليس بفرض ولا فرض إلا الخمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال: هل علي غيرها؟ فقال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11 انظر الأم 1/196.
12 انظر الأم 1/143.

 

ص -24-        النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إلا أن تطوع"1 والحالة الثانية شدة الخوف لقول الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} قال ابن عمر: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها2 فلا يصلي في غير هاتين الحالتين إلا في البيت إن كان معاينا فبالصواب وإن كان مغيبا فبالاجتهاد بالدلائل على صواب جهة القبلة فإن اختلف اجتهاد رجلين لم يسع أحدهما اتباع صاحبه فإن كان الغيم وخفيت الدلائل على رجل فهو كالأعمى وقال في موضع آخر: ومن دله من المسلمين وكان أعمى وسعه اتباعه ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل اتباعه قال المزني: لا فرق بين من جهل القبلة لعدم العلم وبين من جهلها لعدم البصر وقد جعل الشافعي من خفيت عليه الدلائل كالأعمى فهما سواء قال: ولا تتبع دلالة مشرك بحال قال الشافعي: ومن اجتهد فصلى إلى المشرق ثم رأى القبلة إلى الغرب استأنف لأن عليه أن يرجع من خطأ جهتها إلى يقين صواب جهتها ويعيد الأعمى ما صلى معه متى أعلمه وإن كان شرقا ثم رأى أنه منحرف وتلك جهة واحدة كان علبه أن ينحرف ويعتد بما مضى وإن كان معه أعمى ينحرف بانحرافه وإذا اجتهد به رجل ثم قال له رجل آخر قد أخطأ بك فصدقه تحرف حيث قال له ومما مضى مجزئ عنه لأنه اجتهد به من له قبول اجتهاد قال المزني: قد احتج الشافعي في كتاب الصيام فيمن اجتهد ثم علم أنه أخطأ أن ذلك يجزئه بأن قال: وذلك أنه لو تأخى القبلة ثم علم بعد كمال الصلاة أنه أخطأ أجزأت عنه كما يجزئ ذلك في خطأ عرفة واحتج أيضا في كتاب الطهارة بهذا المعنى فقال: إذا تأخي في أحد الإناءين أنه طاهر والآخر نجس فصلى ثم أراد أن يتوضأ ثانية فكان الأغلب عنده أن الذي ترك هو الطاهر لم يتوضأ بواحد منهما ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها بتيمم معه ماء متيقنا وليس كالقبلة يتأخذها في موضع ثم يراها في غيره لأنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوله قال المزني: فقد أجاز صلاته وإن أخطأ القبلة في هذين الموضعين لأنه أدى ما كلف ولم يجعل عليه إصابة العين للعجز عنها في حال الصلاة قال المزني: وهذا القياس على ما عجز عنه المصلي في الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود وستر أن فرض الله كله ساقط عنه دون ما قدر عليه من الإيماء عريانا فإذا قدر من بعد لم يعد فكذلك إذا عجز عن التوجه إلى عين القبلة كان عنه أسقط وقد حولت القبلة ثم صلى أهل قباء ركعة إلى غير القبلة ثم أتاهم آت فأخبرهم أن القبلة قد حولت فاستداروا وبنوا بعد يقينهم أنهم صلوا إلى غير قبلة ولو كان صواب عين القبلة المحول إليها فرضا ما أجزأهم خلاف الفرض لجهلهم به كمالا يجزئ من توضأ بغير ماء طاهر لجهله به ثم استيقن أنه غير طاهر فتفهم رحمك الله قال المزني: ودخل في قياس هذا الباب أن من عجز عما عليه من نفس الصلاة أو ما أمر به فيها أو لها أن ذلك ساقط عنه لا يعيد إذا قدر وهوأولى بأحد قوليه من قوله فيمن صلى في ظلمة أو خفيت عليه الدلائل أو به دم لا يجد ما يغسله به أو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/193, 195.
2 انظر الأم 1/199.

 

ص -25-        كان محبوسا في نجس أنه يصلي كيف أمكنه ويعيد إذا قدر قال الشافعي: ولو دخل غلام في صلاة فلم يكملها أو صوم يوم فلم يكمله حتى استكمل خمس عشرة سنة أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين أن عليه إعادة قال المزني: لا يمكنه صوم يوم هو في آخره غير صائم ويمكنه صلاة هو في آخر وقتها غير مصل ألا ترى أن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب أنه يبتدئ العصر من أولها ولا مكنه في آخريوم أن يبتدئ صومه من أوله فيعيد الصلاة لإمكان القدرة ولا يعيد الصوم لارتفاع إمكان القدرة ولا تكليف مع العجز.

باب صفة الصلاة وما يجوز منها وما يفسدها وعدد سجود القرآن وغير ذلك.
قال الشافعي: وإذا أحرم إماما أو وحده نوى صلاته في حال التكبير لا قبله ولا بعده ولا يجزئه إلا قوله: الله أكبر أو الله الأكبر1 فإن لم يحسن بالعربية كبر بلسانه وكذلك الذكر وعليه أن يتعلم ولا يكبر إن كان إماما حتى تستوي الصفوف خلفه ويرفع يديه إذا كبر حذو منكبيه2 ويأخذ كوعه الأيسر بكفه اليمنى ويجعلها تحت صدره ثم يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ثم يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم3 ثم يقرأ مرتلا بأم القرآن4 ويتبدئها ب بسم الله الرحمن الرحيم ا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بأم القرآن وعدها آية5 فإذا قال: ولا الضالين قال: آمين فيرفع بها صوته ليقتدي به من خلفه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا أمن الإمام فأمنوا"6 وبالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جهر بها وأمر الإمام بالجهر بها7 قال الشافعي: رحمه الله: وليسمع من خلفه أنفسهم ثم يقرأ بعد أم القرآن بسورة7 فإذا فرغ منها وأراد أن يركع ابتدأ التكبير قائما8 فكان فيه وهو يهوي راكعا ويرفع يديه حذو منكبيه حين يبتدىء التكبير ويضع راحتيه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض عنقه عن ظهره ولا يرفعه ويكون مستويا ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويقول إذا رجع: سبحان ربي العظيم9 ثلاثا10 وذلك أدنى الكمال وإذا أراد أن يرفع ابتدأ قوله مع الرفع: سمع الله لمن حمده ويرفع يديه حذو منكبيه فإذا استوى قائما قال أيضا: ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد11 ويقولها من خلفه وروي هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/203.
2 انظر الأم 1/209.
3 انظر الأم 1/210.
4 انظر الأم 1/210, 212.
5 انظر الأم 1/214.
6 انظر الأم 1/214, 215.
7 انظر الأم 1/215.
8 انظر الأم 1/216.
9 انظر الأم 1/221.
10 انظر الأم 1/218, 220.
11 انظر الأم 1/220.

 

ص -26-        القول عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قائما ثم هوى مع ابتدائه حتى يكون انقضاء تكبيره مع سجوده فأول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه ويكون على أصابع رجليه ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدنى الكمال1 ويجافي مرفقيه عن جنبيه حتى إن لم يكن عليه ما يستره ريئت عفرة إبطيه ويفرج بين رجليه ويقل بطنه عن فخذيه ويوجه أصابعه نحو القبلة ثم يرفع مكبرا كذلك حتى يعتدل جالسا على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى ويسجد سجدة أخرى كذلك2 فإذا استوى قاعدا نهض معتمدا على الأرض بيديه حتى يعتدل قائما3 ولا يرفع يديه في السجود ولا في القيام من السجود ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك ويجلس في الثانية على رجل اليسري وينصب اليمنى ويبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى ويقبض أصابع يده اليمنى على فخذه اليمنى إلا المسبحة يسير بها متشهدا قال المزني: ينوي بالمسبحة الإخلاص لله عز وجل قال: فإذا فرغ من التشهد قام مكبرا معتمدا على الأرض بيديه حتى يعتدل قائما ثم يصلي الركعتن الأخريين مثل ذلك يقرأ فيهما بأم القرآن سرا فإذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا وأخرجهما جميعا عن وركه اليمنى وأفضى بمقعده إلى الأرض وأضجع اليسرى ونصب اليمنى ووجه أصابعها إلى القبلة وبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى ووضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعها إلا المسبحة وأشار بها متشهدا ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر الله ويمجده ويدعو قدرا أقل من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويخفف على من خلفه ويفعلون مثل فعله إلا أنه إذا أسر قرأ من خلفه وإذا جهر لم يقرأ من خلفه قال المزني رحمه الله: قد روى أصحابنا على الشافعي أنه قال: يقرأ من خلفه وإن جهر بأم القرآن قال: محمد بن عاصم وإبراهيم يقولان: سمعنا الربيع يقول: قال الشافعي: يقرأ خلف الإمام جهر أو لم يجهر بأم القرآن قال محمد: وسمعت الربيع يقول: قال الشافعي: ومن أحسن أقل من سبع آيات من القرآن فأم أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات فإن لم يفعل لم أر عليه يعني إعادة قال الشافعي: وإن كان وحده لم أكره أن يطيل ذكر الله وتمجيده والدعاء رجاء الإجابة ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله ثم عن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى خداه ولا يثبت ساعة يسلم إلا أن يكون معه نساء فيثبت لينصرفن قبل الرجال وينصرف حيث شاء عن يمينه وشماله ويقرأ4 بين كل سورتين بسم الله الرحمان الرحيم فعله ابن عمر5 وإن كانت الصلاة ظهرا أو عصرا أسر بالقراءة في جميعها وإن كانت عشاء الآخرة أو مغربا جهر في الأوليين منهما وأسر في باقيهما وإن كانت صبحا جهر فيها كلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/221, 225.
2 انظر الأم 1/226.
3 انظر الأم 1/226, 227.
4 انظر الأم 1/232, 234.
5 انظر الأم 1/243.

 

ص -27-        قال: وإذا رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح وفرغ من قوله: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد قال وهو قائم: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت والجلسة فيها كالجلسة في الرابعة في غيرها قال: حدثنا إبراهيم قال حدثنا محمد بن عمرو الغزي قال حدثنا أبو نعيم عن أبي جعفر الداري عن الربيع بن أنس "عن أنس بن مالك قال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا"1 واحتج في القنوت في الصبح بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت قبل قتل أهل بئر معونة ثم قنت بعد قتلهم في الصلاة سواها2 ثم ترك القنوت في سواها وقنت عمر وعلي بعد الركعة الآخرة قال الشافعي: رحمه الله: والتشهد أن يقول: التحيات المباركات الصلاوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله3 يقول هذا في الجلسة الأولى وفي آخر صلاته فإذا تشهد صلى على النبي فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد"4 قال: حدثنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى الكوفي قال حدثنا أبو نعيم عن خالد بن إلياس عن المقبري "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آتاني جبريل عليه السلام فعلمني الصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر بنا فقرأ بنا بسم الله الرحمن الرحيم فجهر بها في كل ركعة" قال: ومن ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها ثم قضى قال: حدثنا إبراهيم قال الربيع أخبرنا الشافعي قال: التشهد بهما مباح فمن أخذ بتشهد ابن مسعود لم يعنف إلا أن في تشهد ابن عباس زيادة5 ولا فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى بعض وأن تلصق بطنها في السجود بفخذيها كأستر ما يكون وأحب ذلك لها في الركوع وفي جميع عمل الصلاة وأن تكثف جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها وأن تخفض صوتها وإن نابها شيء في صلاتها صفقت فإنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم6 قال: وعلى المرأة إذا كانت حرة أن تستتر في صلاتها حتى لا يظهر منها شيء إلا وجهها وكفاها فإن ظهر منها شيء سوى ذلك أعادت الصلاة فإن صلت الأمة مكشوفة الرأس أجزأها وأحب أن يصلي الرجل في قميص ورداء وإن صلى في إزار واحد أو سراويل أجزأ وكل ثوب يصف ما تحته ولا يستر لم تجزئ الصلاة فيه ومن سلم أو تكلم ساهيا أو نسي شيئا من صلب الصلاة بنى ما لم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البيهقي 2/201, 202.
2 الحديث أخرجه البيهقي 2/201, 203.
3 انظر الأم 1/228.
4 انظر الأم 1/228.
5 انظر الأم 1/228, 230 وهامشها.
6 انظر الأم 1/180.

 

ص -28-        يتطاول ذلك وإن تطاول استأنف الصلاة وإن تكلم أو سلم عامدا أو أحدث فيما بين إحرامه وبين سلامه استأنف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحليلها التسليم"1 وإن عمل في الصلاة عملا قليلا مثل دفعه المار بين يديه أو قتل حية أو ما أشبه ذلك لم يضره وينصرف حيث شاء عن يمينه وشماله فإن لم يكن له حاجة أحببت اليمين لما كان عليه السلام يحب من التيامن2 قال: وإن فات رجلا مع الإمام ركعتان من الظهر قضاهما بأم القرآن وسورة كما فاته وإن كانت مغربا وفاته منها ركعة قضاها بأم القرآن وسورة وقعد وما أدرك من الصلاة فهو أول صلاته قال المزني: قد جعل هذه الركعة في معنى أولى يقرأ بأم القرآن وسورة وليس هذا من حكم الثالثة وجعلها في معنى الثالثة من المغرب بالقعود وليس هذا من حكم الأولى فجعلها آخرة أولى وهذا متناقض وإذا قال ما أدرك أول صلاته فالباقي عليه آخر صلاته وقد قال بهذا المعنى في موضع آخر قال المزني: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن ما أدرك فهو أول صلاته وعن الأوزاعي أنه قال: ما أدرك فهو أول صلاته3 قال المزني: فيقرأ في الثالثة بأم القرآن ويسر ويقعد ويسلم فيها وهذا أصح لقوله وأقيس على أصله لأنه يجعل كل مصل لنفسه لا يفسدها عليه بفسادها على إمامه وقد أجمعوا أنه يبتدئ صلاته بالدخول فيها بالإحرام بها فإن فاته مع الإمام بعضها فكذلك الباقي عليه منها آخرها قال الشافعي: ويصلي الرجل قد صلى مرة مع الجماعة كل صلاة والأولى فرضه والثانية سنة بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "إذا جئت فصل وإن كنت قد صليت"4 قال: ومن لم يستطع إلا أن يومىء أومأ وجعل السجود أخفض من الركوع قال: وأحب إذا قرأ آية رحمة أن يسأل أو آية عذاب أن يستعيذ والناس5 قال: وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك في صلاته قال: وإن صلت إلى جنبه امرأة صلاة هو فيها لم تفسد عليه وإذا قرأ السجدة سجد فيها وسجود القرآن أربع عشرة سجدة سوى سجدة ص فإنها سجدة شكر وروي عن عمر رضي الله عنه أنه سجد في الحج سجدتين وقال: فضلت بأن فيها سجدتين وكان ابن عمر يسجد فيها سجدتين6 قال: وسجد النبي صلى الله عليه وسلم إذا السماء انشقت7 وعمر في والنجم8 قال الشافعي: وذلك دليل على أن في المفصل سجودا ومن لم يسجد فليس بفرض واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وترك وقال عمربن الخطاب رضي الله عنه: إن الله عز وجل لم يكتبها علينا إلا أن نشاء9 ويصلي الفريضة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/199.
2 انظر الأم 1/243.
3 الأثر عن علي والأوزاعي أخرجهما البيهقي في السنن 2/299.
4 انظر الأم 1/201.
5 الحديث أخرجه البيهقي 2/309.
6 انظر الأم 1/254, 255.
7 الحديث تقدم في باب الخيار في القصاص.
8 انظر الأم 1/25.
9 الأثر عن عمر أخرجه البيهقي 2/321.

 

ص -29-        في الكعبة الفريضة والنافلة1 وعلى ظهرها إن كان عليه من البناء ما يكون سترة لمصل2 فإن لم يكن لم يصل إلى غير شيء من البيت ويقضي المرتد كل ما ترك في الردة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/159.
2 انظر الأم 1/254.

باب سجود السهو وسجود الشكر.
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فعليه أن يبني على ما استيقن وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من التشهد سجد سجدتي السهو قبل التسليم واحتج في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم3 وبحديث ابن بحينة "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد قبل التسليم"4 قال: وإن ذكر أنه في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فإنه يجلس للرابعة وبتشهد ويسجد للسهو فإن نسي الجلوس من الركعة الثانية فذكر في ارتفاعه وقبل انتصابه فإنه يرجع إلى الجلوس ثم يبني على صلاته وإن ذكر بعد اعتداله فإنه يمضي وإن جلس في الأولى فذكر قام وبنى وعليه سجدتا السهو وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من أولى بعد ما اعتدل قائما فليسجد للأولى حتى تتم قبل الثانية وإن ذكر بعد أن يفرغ من الثانية أنه نسي سجدة من الأولى فإن عمله في الثانية كلا عمل فإذا سجد فيها كانت من حكم الأولى وتمت الأولى بهذه السجدة وسقطت الثانية وإن ذكر في الرابعة أنه نسي سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة وعمله في الثانية كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الأولى وتمت الأولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة ثانية فلما قام في ثالثة قبل أن يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانية فتمت الثانية وبطلت الثالثة التي كانت عند رابعة ثم يقوم فيأتي بركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد وقبل السلام وعلى هذا الباب كله وقياسه قال: وإن شك هل سها أم لا فلا سهو عليه وإن استيقن السهو ثم شك هل سجد للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة أو سجدتين سجد أخرى وإن سها سهوين أو أكثر فليس عليه إلا سجدتا السهو وما سها عنه من تكبير سوى تكبيرة الافتتاح أو ذكر في ركوع أو في سجود أو جهر فيما يسر بالقراءة أو أسر فيما يجهر فلا سجود للسهو إلا في عمل البدن وإن ذكر سجدتي السهو بعد أن سلم فإن ذكر قريبا أعادهما وسلم وإن تطاول ذلك لم يعد ومن سها خلف إمامه فلا سجود عليه وإن سها إمامه سجد معه فإن لم يسجد إمامه سجد من خلفه فإن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لإمامه لا لما يبقى من صلاته قال المزني: القياس على أصله أنه إنما أسجد معه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/246.
4 انظر الأم 1/232, 244.

 

ص -30-        ما ليس من فرضي فيما أدركت معه اتباعا لفعله فإذا لم يفعل سقط عني اتباعه وكل يصلي عن نفسه قال المزني: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: إذا كانت سجدتا السهو بعد التسليم تشهد لهما وإذا كانتا قبل التسليم أجزأه التشهد الأول قال الشافعي: فإذا تكلم عامدا بطلت صلاته وإن تكلم ساهيا بنى وسجد للسهو لأن أبا هريرة رضي الله عنه روي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تكلم بالمدينة ساهيا فبنى"1 وكان ذلك دليلا على ما روى ابن مسعود من نهيه عن الكلام في الصلاة بمكة لما قدم من أرض الحبشة وذلك قبل الهجرة وأن ذلك على العمد2 قال الشافعي: وأحب سجود الشكر ويسجد الراكب إيماء والماشي على الأرض ويرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر ولا يسجد إلا طاهرا قال المزني: وروي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى نغاشا فسجد شكرا لله"3 وسجد أبو بكر حين بلغه فتح اليمامة شكرا4 قال المزني: النغاش الناقص الخلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/236, 237.
2 انظر الأم 1/235, 237.
3 انظر الأم 1/251.
4 انظر الأم 1/251.

باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة.
قال الشافعي: وأقل مما يجزىء من عمل الصلاة أن يحرم ويقرأ بأم القرآن يبتدئها ب بسم الله الرحمان الرحيم إن أحسنها و يركع حتى يطمئن راكعا ويرفع حتى يعتدل قائما ويسجد حتى يطمئن ساجدا على الجبهة ثم يرفع حتى يعتدل جالسا ثم يسجد الأخرى كما وصفت ثم يقوم حتى يفعل ذلك في كل ركعة ويجلس في الرابعة ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم تسليمة يقول: السلام عليكم فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته وضيع حظ نفسه فيما ترك وإن كان لا يحسن أم القرآن فيحمد الله ويكبره مكان أم القرآن لا يجزئه غيره وإن كان يحسن غير أم القرآن قرأ بقدرها سبع آيات لا يجزئه دون ذلك قال: فإن ترك من أم القرآن حرفا وهو في الركعة رجع إليه وأتمها وإن لم يذكر حتى خرج من الصلاة ونطاول ذلك أعاد.

باب طول القراءة وقصرها.
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: وأحب أن يقرأ في الصبح مع أم القرآن بطوال المفصل وفي الظهر شبيها بقراءة الصبح وفي العصر نحوا مما يقرؤه في العشاء وأحب أن يقرأ في العشاء بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وما أشبهها في الطول وفي المغرب بالعاديات وما أشبهها.

 

ص -31-        ذلك بعمر بن الخطاب و العباس قال المزني: يقول: كما لا يجزئ عني فعل إمامي فكذلك لا يفسد على فساد إمامي ولو كان معناي في إفساده معناه لما جاز أن يحدث فينصرف وأبني ولا أنصرف وقد بطلت إمامته واتباعي له ولم تبطل صلاتي ولا طهارتي بانتقاض طهره قال الشافعي: ولو صلى رجل وفي ثوبه نجاسة من دم أو قيح وكان قليلا مثل دم البراغيث وما يتعافاه الناس لم يعد وإن كان كثيرا أو قليلا بولا أو عذرة أو خمرا وما كان في معنى ذلك أعاد في الوقت وغير الوقت قال المزني: ولا يعدو من صلى بنجاسة من أن يكون مؤديا فرضه أو غير مؤد وليس ذهاب الوقت بمزيل منه فرضا لم يؤده ولا إمكان الوقت بموجب عليه إعادة فرض قد أداه قال الشافعي: وان كان معه ثوبان أحدهما طاهر والاخر نجس ولا يعرفه فإنه يتحرى أحد الثوبين فيصلي فيه ويجزئه وكذلك إناءان من ماء أحدهما طاهر والآخر نجس فإنه يتوضأ بأحدهما على التحري ويجزئه وإن خفي موضع النجاسة من الثوب غسله كله لا يجزئه غيره وإن أصاب ثوب المرأة من دم حيضها قرصته بالماء حتى تنقيه ثم تصلي فيه1 ويجوز أن يصلي بثوب الحائض والثوب الذي جامع فيه الرجل أهله وإن صلى في ثوب نصراني أجزأه ما لم يعلم فيه قذرا وغيره أحب إلي منه وأصل الأبوال وما خرج من مخرج حي مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه فكل ذلك نجس إلا ما دلت عليه السنة من الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام2 ولا يتبين لي فرق بينه وبين بول الصبية ولو غسل كان أحب إلي ويفرك المني فإن صلى به ولم يفركه فلا بأس ل "أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه"3 وروي عن ابن عباس أنه قال: أمطه عنك بإذخرة فإنما هو كبصاق أو مخاط4 قال الشافعي: ويصلي على جلد ما يؤكل لحمه إذا ذكي وفي صوفه وشعره وريشه إذا أخذ منه وهو حي ولا يصل ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا فإن رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان على قلعه فإن مات صار ميتا كله والله حسيبه ولا تصل المرأة شعرها بشعر إنسان ولا شعر ما لا يؤكل لحمه بحال5 وإن بال رجل في مسجد أو أرض يطهر بأن يصب عليه ذنوب من ماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي حين بال في المسجد "صبوا عليه ذنوبا من ماء"6 قال الشافعي: وهو الدلو العظيم وإن بال اثنان لم يطهره إلا دلوان والخمر في الأرض كالبول وإن لم تذهب ريحه وإن صلى فوق قبر أو إلى جنبه ولم ينبش أجزأه وما خالط التراب من نجس لا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/66.
2 راجع البيهقي ج2 ص 414, 416.
3 انظر الأم 1/125.
4 انظر الأم 1/125.
5 انظر الأم 1/122.
6 انظر الأم 1/117, 118.

 

ص -32-        تنشفه الأرض انما يتفرق فيه1 فلا يطهره إلا الماء وإن ضرب لبن فيه بول لم يطهر إلا بما تطهر به الأرض من البول والنار لا تطهر شيئا والبساط كالأرض إن صلى في موضع منه طاهر والباقي نجس ولم تسقط عليه ثيابه أجزأه ولا بأس أن يمر الجنب في المسجد مارا ولا يقيم فيه وتأول قول الله جل ذكره {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}2 قال: وذلك عندي موضع الصلاة قال: وأكره ممر الحائض فيه قال: ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام3 لقول الله جل وعز: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}4 قال المزني: فإذا بات فيه المشرك فالمسلم الجنب أولى أن يجلس فيه ويبيت وأحب إعظام المسجد عن أن يبيت فيه المشرك أو يقعد فيه قال الشافعي: والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل اختيار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنها جن من جن خلقت"5 وكما قال حين ناموا عن الصلاة: "اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن به شيطانا"6 فكره قربه لا لنجاسة الإبل7 ولا موضعا فيه شيطان وقد مر بالنبي صلى الله عليه وسلم شيطان فخنقه ولم تفسد عليه صلاته ومراح الغنم الذي تجوز فيه الصلاة الذي لا بول فيه ولا بعر والعطن موضع قرب البئر الذي يتنحى إليه الإبل ليرد غيرها الماء لا المراح الذي تبيت فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله فلا يطهره إلا الماء كذل في الأصل ولعل إلا زائد من الناسخ وعبارة الأم فإن ذهبت الأجساد في التراب حتى تختلط بها فلا تتميز منها كانت كالمقابر لا يصلى فيها ولا تطهر فإن التراب غير متميز من الجرم المختلط بها اهـ كتبه مصححه.
2 سورة النساء: 43.
3 انظر الأم 1/121.
4 سورة التوبة: 28
5 انظر الأم 1/188. 189.
6 انظر الأم 1/189.
7 قوله ولا موضعا فيه شيطان كذا في النسخ وانظر كتبه مصححه اهـ

باب الساعات التي يكره فيها صلاة التطوع ويجوز فيها القضاء والجنازة والفريضة.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس"8 وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة" وعن الصنابحي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها"9 ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وعن أبي سعيد الخدري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8 انظر الأم 1/265.
9 انظر الأم 1/265.

 

ص -33-        الجمعة"1 وعن جبير بن مطعم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"2 قال الشافعي: وبهذا أقول والنهي عن الصلاة في هذه الأوقات عن التطوع إلا يوم الجمعة للتهجير حتى يخرج الإمام فأما صلاة فرض أو جنازة أو مأمور بها مؤكدة وإن لم تكن فرضا أو كان يصليها فأغفلها فتصلي في هذه الأقات بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها"3 وبأنه عليه السلام رأى قيسا يصلي بعد الصبح فقال: ما هاتان الركعتان؟ قال: ركعتا الفجر فلم ينكره"4 وبأنه عليه السلام صلى ركعتين بعد العصر فسألته عنهما أم سلمة فقال: "هما ركعتان كنت أصليهما فشغلني عنهما الوفد"5 وثبت عنه عليه السلام أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"6 فأحب فضل الدوام وصلى الناس على جنائزهم بعد العصر وبعد الصبح فلا يجوز أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى فيها عنها إلا على ما وصفت والنهي فيما سوى ذلك ثابت إلا بمكة وليس من هذه الأحاديث شيء مختلف قال المزني: قلت أنا: هذا خلاف قوله فيمن نسي ركعتي الفجر حتى صلى الظهر والوتر حتى صلى الصبح أنه لا يعيد والذي قبل هذا أولى بقوله وأشبه عندي بأصله قال الشافعي: ومن ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها ثم قضى وإن ذكر خارج الصلاة بدأ بها فإن خاف فوت وقت التي حضرت بدأ بها ثم قضى قال المزني: قال أصحابنا: يقول الشافعي التطوع وجهان: أحدهما: صلاة جماعة مؤكدة لا أجيز تركها لمن قدر عليها وهي: صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء وصلاة منفرد وصلاة بعضها أوكد من بعض فأوكد ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل وقالوا: إن فاته الوتر حتى تقام الصبح لم يقض وان فاتته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما وإن لم أوجبهما قال: إن فاته الوتر لم يقض وإن فاتته ركعتا الفجر حتى تقام صلاة الظهر لم يقض وقالوا: فأما صلاة فريضة أو جنازة أو مأمور بها مؤكدة وإن لم تكن فرضا أو كان يصليها فأغفلها فليصل في الأوقات التي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها"7 وبـأنه عليه السلام رأى قيسا يصلي بعد الصبح فقال: "ما هاتان الركعتان"8 فقال: ركعتا الفجر فلم ينكره" وبأنه صلى ركعتين بعد العصر فسألته عنهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/266.
2 انظر الأم 1/267.
3 انظر الأم 1/167, 163, 167.
4 انظر الأم 1/268.
5 انظر الأم 1/267. 269.
6 الحديث أخرجه مسلم "783 والترمذي 2856 وأبو داود 1368 وأحمد 6/304 و 305 و 319.
7 انظر الأم 1/162, 163.
8 انظر الأم 1/268.

 

ص -34-        أم سلمة فقال: "هما ركعتان كنت أصليهما فشغلني عنهما الوفد" وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" وأحب فضل الدوام قال المزني: يقال لهم فإذا سويتم في القضاء بين التطوع الذي ليس بأوكد وبين الفرض لدوام التطوع الذي ليس بأوكد فلم أبيتم فقضاء الوتر الذي هو أوكد ثم ركعتي الفجراللتين تليان في التأكيد اللتين هما أوكد أفتقضون الذي ليس بأوكد ولا تقضون الذي هو أوكد وهذا من القول غير مشكل وبالله التوفيق وهن احتجاجكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء التطوع: "من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها" فقد خالفتم ما احتججتم به في هذا فإن قالوا: فيكون القضاء على القرب لا على البعد قيل لهم لو كان كذلك لكان ينبغي على معنى ما قلتم أن لا يقضي ركعتي الفجر نصف النهار لبعد قضائهما من طلوع الفجر وأنتم تقولون يقضي ما لم يصل الظهر وهذا متباعد وكان ينبغي أن تقولوا: إن صلى الصبح عند الفجر آن له أن يقضي الوتر لأن وقتها إلى الفجر أقرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر"1 فهذا قريب من الوقت وأنتم لا تقولونه وفي ذلك إبطال ما اعتللتم به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/257.

باب صلاة التطوع وقيام شهر رمضان.
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: الفرض خمس في اليوم والليلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال: "هل علي غيرها قال: "لا إلا أن تطوع"2 قال الشافعي: والتطوع وجهان: أحدهما: صلاة جماعة مؤكدة فلا أجيز تركها لمن قدر عليها وهي صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء وصلاة منفرد وبعضها أوكد من بعض فأوكد ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما ولا أوجبهما ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل قال: وإن فاته الوتر حتى يصلي الصبح لم يقض قال ابن مسعود: الوتر فيما بين العشاء والفجر3 قال: فإن فاتته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض لأن أبا هريرة قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"4 وروي عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"5 وفي ذلك دلالتان أحدهما: أن النوافل مثنى مثنى بسلام مقطوعة والمكتوبة موصولة والأخرى: أن الوتر واحدة فيصلي النافلة مثنى مثنى قائما وقاعدا إذا كان مقيما وإن كان مسافرا فحيث توجهت به دابته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر على راحلته أينما توجهت به قال: فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين وأحب إلي عشرون لأنه روي عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث6 قال: ولا يقنت في رمضان إلا في النصف الأخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 الحديث سبق بيانه.
3 انظر الأم 1/262.
4 انظر الأم 1/262.
5 انظر الأم 1/257.
6 الأثر عن عمر أخرجه البيهقي 2/492. 493.

 

ص -35-        وكذلك كان يفعل ابن عمر و معاذ القاري قال: وآخر الليل أحب إلي من أوله فإن جزأ الليل أثلاثا فالأوسط أحب إلي أن يقومه قال المزني: قلت أنا في كتاب اختلاف و مالك قلت للشافعي: أيجوز أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء قال: نعم والذي أختاره ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة والحجة في الوتر بواحدة السنة والاثار روي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى"1 وعن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة"2 وأن ابن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته3 وأن عثمان كان يحيي الليل بركعة وهي وتره4 وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان يوتر بواحدة وأن معاوية أوتر بواحدة فقال ابن عباس: أصاب5 قال المزني: قلت أنا: فهذا به أولى من قوله: يوتر بثلاث وقد أنكر على مالك قوله لا يحب أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر واحتج بأن من سلم من اثنتين فقد فصلهما مما بعدهما وأنكر على الكوفي يوتر بثلاث كالمغرب فالوتر بواحدة أولى به قال المزني: ولا أعلم الشافعي ذكر موضع القنوت من الوتر ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ولما كان من رفع رأسه بعد الركوع يقول: سمع الله لمن حمده وهو دعاء كان هذا الموضع بالقنوت الذي هو دعاء أشبه ولأن من قال يقنت قبل الركوع يأمره أن يكبر قائما ثم يدعو وإنما حكم من كبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/257.
2 انظر الأم 1/257.
3 انظر الأم 1/257.
4 انظر الأم 1/257.
5 انظر الأم 1/257, 258.

باب فضل الجماعة والعذر بتركها.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"6 قال الشافعي: ولا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن جمع في بيته أو في مسجد وإن صغر أجزأ عنه والمسجد الأعظم وحيث كثرت الجماعات أحب إلي منه وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"7 وأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة"8 قال فيه: أقول لأن الغائط يشغله عن الخشوع قال: فإذا حضر فطره أو طعام فطره وبه إليه حاجة وكانت نفسه شديدة التوقان إليه أرخصت له في ترك إتيان الجماعة قال المزني: وقد احتج في موضع آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضع العشاء فأقيمت الصلاة فابدؤوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6 انظر الأم 1/278.
7 انظر الأم 1/279.
8 انظر الأم 1/279.

 

ص -36-        بالعشاء"1 قال المزني: فتأوله على هذا المعنى لئلا يشغله منازعة نفسه عما يلزمه من فرض الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/280.

باب صلاة الإمام قائما بقعود أو قاعدا بقيام أو بعلة ما تحدث وصلاة من بلغ أو احتلم.
قال الشافعي: وأحب للإمام إذا لم يستطع القيام في الصلاة أن يستخلف فإن صلى قاعدا وصلى الذين خلفه قياما أجزأته وإياهم وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه2 وفعله الآخر ناسخ لفعله الأول وفرض الله تبارك وتعالى على المريض أن يصلي جالسا إذا لم يقدر قائما و على الصحيح أن يصلي قائما فكل قد أدى فرضه فإن صلى الإمام لنفسه جالسا ركعة ثم قدر على القيام قام فأتم صلاته فإن ترك القيام أفسد على نفسه وتمت صلاتهم إلا أن يعلموا بصحته و تركه القيام في الصلاة فيتبعونه وكذلك إن صلى قائما ركعة ثم ضعف عن القيام أو أصابته علة مانعة فله أن يقعد ويبني على صلاته وإن صلت أمة ركعة مكشوفة الرأس ثم أعتقت فعليها أن تستتر إن كان الثوب قريبا منها وتبني على صلاتها فإن لم تفعل أو كان الثوب بعيدا منها بطلت صلاتها قال المزني: قلت أنا: وكذلك المصلي عريانا لا يجد ثوبا ثم يجده والمصلي خائفا ثم يأمن والمصلي مريضا يومىء ثم يصح أو يصلي ولا يحسن أم القرآن يم يحسن أن ما مضى جائز على ما كلف وما بقي على ما كلف وهو معنى قول الشافعي قال الشافعي: وعلى الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا فمن احتلم أو حاض أو استكمل خمس عشر سنة لزمه الفرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 1/165.

باب اختلاف نية الإمام والمأموم وغير ذلك.
قال الشافعي: وإذا صلى الإمام بقوم الظهر في وقت العصر وجاء قوم فصلوا خلفه ينوون العصر أجزأتهم الصلاة جميعا وقد أدى كل فرضه وقدأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل أن يصلي معه المكتوبة ثم يصلي بقومه هي له نافلة ولهم مكتوبة3 وقد كان عطاء يصلي مع الإمام القنوت ثم يعتد بها من العتمة فإذا سلم الإمام قام فبنى ركعتين من العتمة4 قال المزني: وإذا جاز أن يأتم المصلي نافلة خلف المصلي فريضة فكذلك المصلي فريضة خلف المصلي نافلة وفريضة وبالله التوفيق قال الشافعي: رحمه الله: وإذا أحس الإمام برجل وهو راكع لم ينتظره ولتكن صلاته خالصة لله قال المزني: قلت أنا: ورأيت في رواية بعضهم عنه أنه لا بأس بانتظاره والأولى عندي أولى بالصواب لتقديمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/305.
4 انظر الأم 1/306.

 

ص -37-        على من قصر في إتيانها قال الشافعي: و يؤتم بالأعمى وبالعبد وأكره إمامة من يلحن لأنه قد يحيل المعنى فإن أحال أو لفظ بالعجمية في أم القرآن أجزأته دونهم وإن كان في غيرها أجزأتهم وأكره إمامة من به تمتمة أو فأفأة فإن أم أجزأ إذا قرأ ما يجزئ في الصلاة ولا يؤم أرت ولا ألثغ ولا يأتم رجل بامرأة ولا بخنثى فإن فعل أعاد وأكره إمامة الفاسق والمظهر للبدع ولا يعيد من ائتم بهما فإن أم أمي بمن يقرأ أعاد القارئ وإن ائتم به مثله أجزأه قال المزني: قد أجاز صلات من ائتم بجنب والجنب ليس في صلاة فكيف لا يجوز من ائتم بأمي والأمي في صلاة وقد وضعت القراءة عن الأمي ولم يوضع الطهر عن المصلي؟ وأصله أن كلا مصل عن نفسه فكيف يجزئه خلف العاصي بترك الغسل ولا يجزئه خلف المطيع الذي لم يقصر؟ وقد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعدا بقيام وفقد القيام أشد من فقد القراءة فتفهم1 قال المزني: القياس أن كل مصل خلف جنب وامرأة ومجنون وكافر يجزئه صلاته إذا لم يعلم بحالهم لأن كل مصل لنفسه لا تفسد عليه صلاته بفسادها على غيره قياسا على أصل قول الشافعي في صلاة الخوف: للطائفة الثانية ركعتها مع الإمام إذا نسي سجدة من الأولى وقد بطلت هذه الركعة الثانية على الإمام وأجزأتهم عنده قال: ولا يكون هذا أكثر ممن ترك أم القرآن فقد أجاز لمن صلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وإن لم يقرأ بها إمامه وهو في معنى ما وصفت قال الشافعي: فإن ائتم بكافر ثم علم أعاد ولم يكن هذا إسلاما منه وعزر لأن الكافر لا يكون إماما بحال والمؤمن يكون إماما في الأحوال الظاهرة قال الشافعي: ومن أحرم في مسجده أو غيره ثم جاء الإمام فتقدم بجماعة فأحب إلي أن يكمل ركعتين ويسلم يكونان له نافلة وببتدئ الصلاة معه وكرهت له أن يفتتحها صلاة انفراد ثم يجعلها صلاة جماعة وهذا يخالف صلاة الذين افتتح بهم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم ذكر فانصرف فاغتسل ثم رجع فأمهم2 لأنهم افتتحوا الصلاة جماعة وقال في القديم؟ قال قائل: يدخل مع الإمام ويعتد بما مضى قال المزني: هذا عندي على أصله أقيس لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في صلاة فلم يضرهم وصح إحرامهم ولا إمام لهم ثم ابتدأ بهم وقد سبقوه بالإحرام وكذلك سبقه أبو بكر ببعض الصلاة ثم جاء فأحرم وائتم به أبو بكر3 وهكذا القول بهذين الحديثين وهو القياس عندي على فعله صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/303, 308.
2 انظر الأم 1/296, 297.
3 انظر الأم 1/280.

باب موقف المأموم مع الإمام.
قال الشافعي: وإذا أم رجل رجلا قام المأموم عن يمينه وإن كان خنثى مشكلا أو.

 

ص -38-        امرأة قام كل واحد منهما خلفه وحده وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أم أنسا وعجوزا منفردة خلف أنس"1 وركع أبو بكر وحده وخاف أن تفوته الركعة فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بإعادة قال: وإن صلت بين يديه امرأة أجزأته صلاته كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة2 قال: وإن صلى رجل في طرف المسجد والإمام في طرفه ولم تتصل الصفوف بينه وبينه أو فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام أجزأه ذلك صلى أبو هريرة فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام في المسجد3 قال: فإن صلى قرب المسجد وقربه ما يعرفه الناس من أن يتصل بشيء بالمسجد لا حائل دونه فيصلي منقطعا عن المسجد أو فنائه على قدر مائتي ذراع أو ثلمائة أو نحو ذلك فإذا جاوز ذلك لم يجزه وكذلك الصحراء والسفينة والإمام في أخرى ولو أجزت أبعد من هذا أجزت أن يصلي على ميل ومذهب عطاء أن يصلي بصلاة الإمام من علمها ولا أقول بهذا قال المزني: قد أجاز القرب في الإبل بلا تأقيت وهو عندي أولى لأن التأقيت لا يدرك إلا بخبر قال الشافعي: فإن صلى في دار قرب المسجد لم يجزه إلا بأن تتصل الصفوف ولا حائل بينه وبينها فأما في علوها فلا يجزئ بحال لأنها بائنة من المسجد وروي عن عائشة أن نسوة صلين في حجرتها فقالت: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب قال الشافعي: ومن خرج من إمامة الإمام فأتم لنفسه لم يبن أن يعيد من قبل أن الرجل خرج من صلاة معاذ بعد ما افتتح معه فصلى لنفسه فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم نعلمه أمره بالإعادة4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/299.
2 انظر الأم 1/300, 301.
3 من كتاب الأمالي في الصلاة رواه الشافعي عن ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة قال رأيت ابا هريرة.
4 انظر الأم 1/305. 307.

باب صلاة الإمام وصفة الأئمة.
قال الشافعي: وصلاة الأئمة ما قال أنس بن مالك: ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم5 وروي عنه عليه السلام أنه قال:
"فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف"6 قال: فيؤمهم أقرؤهم وأفقههم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله تعالى"7 فإن لم يجتمع ذلك في واحد فإن قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفي به في الصلاة فحسن وإن قدم أقرأهم إذا علم ما يلزمه فحسن ويقلم هذان على أسن منهما وإنما قيل يؤمهم أقرؤهم أن من مضى كانوا يسلمون كبارأ فيتفقهون قبل أن يقرؤوا ومن بعدهم كانوا يقرؤون صغارا قبل أن يتفقهوا فإن استووا أمهم أسنهم فإن استووا فقدم ذو النسب فحسن وقال في القديم: فإن استووا فأقدمهم هجرة وقال فيه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 1/287.
6 انظر الأم 1/286.
7 انظر الأم 1/283.

 

ص -39-        "لأئمة من قريش"1 قال: فإن أم من بلغ غاية في خلاف الحمد في الدين أجزأ صلى ابن عمر خلف الحجاج2 قال: ولا يتقدم أحد في بيت رجل إلا بإذنه ولا في ولاية سلطان بغير أمره ولا في بيت رجل أو غيره لأن ذلك يؤدي إلى تأذيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/284.
2 انظر الأم 1/292.

باب إمامة المرأة.
قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ليث عن عطاء عن عائشة أنها صلت بنسوة العصر فقامت وسطهن3 وروي عن أم سلمة أنها أمتهن فقامت وسطهن4 وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه كان يأمر جارية له تقوم بأهله في رمضان5 وعن صفوان بن سليم قال: من السنة أن تصلي المرأة بنساء تقوم وسطهن6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 الحديث أخرجه اليهقي 3/121
4 انظر الأم 1/292.
5 انظر الأم 1/293.
6 انظر الأم 1/292.

باب صلاة المسافر والجمع في السفر.
قال الشافعي: وإذا سافر الرجل سفرا يكون ستة وأربعين ميلا بالهاشمي فله أن يقصر الصلاة سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم أميالا فقصر7 وقال ابن عباس أقصر إلى جدة وإلى الطائف وعسفان8 قال الشافعي: وأقرب ذلك إلى مكة ستة وأربعون ميلا بالهاشمي وسافر ابن عمر إلى ريم فقصر قال مالك: وذلك نحومن أربعة برد9 قال: وأكره ترك القصر رغبة عن السنة فأماأنا فلا أحب أن أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطا على نفسي وإن ترك القصر مباح لي قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتم قال: ولا يقصر إلا في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فأما المغرب والصبح فلا يقصران وله أن يفطر في أيام رمضان في سفره ويقضي فإن صام فيه أجزأه وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر10 وإذا نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل إن كان حضريا ويفارق موضعه إن كان بدويا فإن نوى السفر فأقام أربعة أيام أتم الصلاة وصام واحتج فيمن أقام أربعة يتم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا"11 وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمنى ثلاثا يقصر وقدم مكة فأقام قبل خروجه إلى عرفة ثلاثا يقصر ولم يحسب اليوم الذي قدم فيه لأنه كان فيه سائرا ولا يوم التروية الذي خرج فيه سائرا وأن عمر أجلى أهل الذمة من الحجاز وضرب لمن يقدم منهم تاجرا مقام ثلاثة أيام12 فأشبه ما وصفت أن يكون ذلك مقام السفر وما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 انظر الأم 1/319.
8 انظر الأم 1/319.
9 انظر الأم 1/319.
10 سيأتي ذكر الحديث في الصيام باب النية في الصوم.
11 انظر الأم 1/321.
12 انظر الأم 1/322.

 

ص -40-        جاوزه مقام الإقامة وروي عن عثمان بن عفان: من أقام أربعا أتم وعن ابن المسيب: من أجمع إقامة أربع أتم1 قال الشافعي: فإذا جاوز لحاجة أو مرض وهو عازم على الخروج أتم وإن قصر أعاد إلا أن يكون في خوف2 أو حرب فيقصر قصر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لحرب هوازن سبع عشرة أو ثمان عشرة3 وقال في الإملاء: إن أقام على شيء ينجح اليوم واليومين أنه لا يزال يقصر ما لم يجمع مكثا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح سبع عشرة أو ثمان عشرة يقصر حتى خرج إلى حنين قال المزني: ومشهور عن ابن عمر أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر يقول: أخرج اليوم وأخرج غدا4 قال المزني: فإذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في حربه سبع عشرة أو ثمان عشرة ثم ابن عمر ولا عزم على وقت إقامة فالحرب وغيرها سواء عندي في القياس وقد قال الشافعي: لو قاله قائل كان مذهبا قال الشافعي: فإن خرج في آخر وقت الصلاة قصر وإن كان بعد الوقت لم يقصر قال المزني أشبه بقوله أن يتم لأنه يقول: إن أمكنت المرأة الصلاة فلم تصل حتى حاضت أو أغمي عليها لزمتها وإن لم تمكن لم تلزمها فكذلك اذا دخل عليه وقتها وهو مقيم لزمته صلاة مقيم وإنما تجب عنده بأول الوقت والإمكان وإنما وسع له التأخير إلى آخر الوقت قال الشافعي: وليس له أن يصلي ركعتين في السفر إلا أن ينوي القصر مع الإحرام فإن أحرم ولم ينو القصر كان على أصل فرضه أربع ولو كان فرضها ركعتين ما صلى مسافر خلف مقيم قال المزني: ليس هذا بحجة وكيف يكون حجة وهو يجيز صلاة فريضة خلف نافلة وليست النافلة فريضة ولا بعض فريضة وركعتا المسافر فرض وفي الأربع مثل الركعتين فرض؟ قال الشافعي: رحمه الله تعالى: وإن نسي صلاة في سفر فذكرها في حضر فعليه أن يصليها صلاة حضرلأن علة القصر هي النية والسفر فإذا ذهبت العلة ذهب القصر وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في سفر فعليه أن يصليها أربعا لأن أصل الفرض أربع فلا يجزئه أقل منها وإنما أرخص له في القصر ما دام وقت الصلاة قائما وهو مسافر فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة قال: وإن أحرم ينوي القصر ثم نوى المقام أتمها أربعا ومن خلفه من المسافرين ولوأحرم في مركب ثم نوى السفر لم يكن له أن يقصر وإن أحرم خلف مقيم أو خلف من لا يدري فأحدث الإمام كان على المسافر أن يتم أربعا وإن أحدث إمام مسافر بمسافرين فسدت صلاته فإن علم المأموم أنه صلى ركعتين لم يكن عليه إلا ركعتان وإن شك لم يجزه إلا أربع فإن رعف وخلفه مسافرون ومقيمون فقدم مقيما كان على جميعهم وعلى الراعف أن يصلوا أربعا لأنه لم يكمل واحد منهم الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/322, 323 والبيهقي 9/148.
2 انظر الأم 1/323.
3 انظر الأم 1/323 والبيهقي 3/150, 151.
4 الأثر عن ابن عمر أخرجه البيهقي 3/152.

 

ص -41-        حتى كان فيها في صلاة مقيم قال المزني: هذا غلط الراعف يبتدئ ولم يأتم بمقيم فليس عليه ولا على المسافر إتمام ولو صلى المستخلف بعد حدثه أربعا لم يصل هو إلا ركعتان لأنه مسافر لم يأتم بمقيم قال الشافعي: رحمه الله: وإذا كان له طريقان يقصر في أحدهما ولا يقصر في الآخر فإن سلك الأبعد لخوف أو حزونة في الأقرب قصر وإلا لم يقصر وفي الإملاء إن سلك الأبعد قصر قال المزني: وهذا عندي أقيس لأنه سفر مباح قال الشافعي: رحمه الله: وليس لأحد سافر في معصية أن يقصر ولا يمسح مسح المسافر فإن فعل أعاد ولا تخفيف على من سفره في معصية وإن صلى مسافر بمقيمين ومسافرين فإنه يصلي والمسافرون ركعتين ثم يسلم بهم وبأمر المقيمين أن يتموا أربعا وكل مسافر فله أن يتم وإنما رخص له أن يقصر الصلاة إن شاء فإن أتم فله الإتمام وكان عثمان بن عفان يتم الصلاة واحتج في الجمع بين الصلاتين في السفر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في سفره إلى تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعا1 وأن ابن عمر جمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء2 وأن ابن عباس قال: "ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في وقت الزوال وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر"3 قال الشافعي: وأحسبه في المغرب والعشاء مثل ذلك وهكذا فعل بعرفة لأنه أرفق به تقديم العصر ليتصل له الدعاء وأرفق به بالمزدلفة تأخير المغرب ليتصل له السفر فلا ينقطع بالنزول للمغرب لما في ذلك من التضييق على الناس فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من له القصر فله الجمع كما وصفت والجمع بين الصلاتين في أي الوقتين شاء ولا يؤخر الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع وإن صلى الأولى في أول وقتها ولم ينو مع التسليم الجمع لم يكن له الجمع فإن نوى مع التسليم الجمع كان له الجمع قال المزني: هذا عندي أولى من قوله في الجمع في المطر في مسجد الجماعات بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لا يجمع إلا من افتتح الأولى بنية الجمع واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا سفر قال مالك: أرى ذلك في مطر4 قال الشافعي: والسنة في المطر كالسنة في السفر قال المزني: والقياس عندي إن سلم ولم ينو الجمع فجمع في قرب ما سلم بقدر ما لو أراد الجمع كان ذلك فصلا قريبا بينهما أن له الجمع لأنه يكون جمع الصلاتين إلا وبينهما انفصال فكذلك كل جمع وكذلك كل من سها فسلم من اثنتين فلم يطل فصل ما بينهما أنه يتم كما أتم النبي صلى الله عليه وسلم وقد فصل ولم يكن ذلك قطعا لاتصال الصلاة في الحكم فكذلك عندي إيصال جمع الصلاتين أن لا يكون التفريق بينهما إلا بمقدار ما لا يطول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/159.
2 انظر الأم 1/159.
3 الأثر أخرجه البيهقي 3/163.
4 الأثر أخرجه البيهقي عن مالك 3/166.

 

ص -42-        باب وجوب الجمعة وغيره من أمرها.
قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سلمة بن عبيد الله الخطمي عن محمد بن كعب القرظي أنه سمع رجلا من بني وائل يقول: "قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا"1 قال الشافعي: وتجب الجمعة على أهل المصر وإن كثر أهله حتى لا يسمع أكثرهم النداء لأن الجمعة تجب على أهل المصر الجامع وعلى كل من كان خارجا من المصر إذا سمع النداء وكان المنادي صيتا وكان ليس بأصم مستمعا و الأصوات هادئة والريح ساكنة ولو قلنا حتى يسمع جميعهم ما كان على الأصم جمعة ولكن إذا كان لهم السبيل إلى علم النداء بمن يسمعه منهم فعليهم الجمعة لقول الله تبارك وتعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ}2 الآية وإن كانت قريبة مجتمعة البناء و المنازل وكان أهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة وكان أهلها أربعين رجلا حرا بالغا غير مغلوب على عقله وجبت عليهم الجمعة واحتج بما لا يثبته أهل الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جمع بأربعين رجلا"3 وعن عبيد الله بن عبد الله أنه قال: كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة4 ومثله عن عمر بن عبد العزيز قال الشافعي: فإن خطب بهم وهم أربعون ثم انفضوا عنه ثم رجعوا مكانهم صلوا صلاة الجمعة وإن لم يعودوا حتى تباعد أحببت أن يبتدئ الخطبة فإن لم يفعل صلاها بهم ظهرا فإن انفضوا بعد إحرامه بهم ففيها قولان: أحدهما: إن بقي معه اثنان حتى تكون صلاته صلاة جماعة أجزأهم الجمعة والقول الآخر: لا تجزئهم بحال حتى يكون معه أربعون يكمل بهم الصلاة قال المزني: قلت أنا: ليس لقوله إن بقي معه اثنان أجزأتهم الجمعة معنى لأنه مع الواحد والاثنين في الاستقبال في معنى المنفرد في الجمعة ولاجماعة تجب بهم الجمعة عنده أقل من الأربعين فلو جازت باثنين لأنه أحرم بالأربعين جازت بنفسه لأنه أحرم بالأربعين فليس لهذا وجه في معناه هذا والذي هوأشبه به إن كان صلى ركعة ثم انفضوا صلى أخرى منفردا كما لو أدرك معه رجل ركعة صلى أخرى منفردا ولا جمعة له إلا بهم ولا لهم إلا به فأداؤه ركعة بهم كأدائهم ركعة به عندي في القياس ومما يدل على ذلك من قوله: أنه لو صلى بهم ركعة ثم أحدث بنوا وحدانا ركعة وأجزأتهم قال الشافعي: ولو ركع مع الإمام ثم زحم فلم يقدر على السجود حتى قضى الإمام سجوده تبع الإمام إذا قام واعتد بها فإن كان ذلك في الأولى فلم يمكنه السجود حتى يركع الإمام في الثانية لم يكن له أن يسجد للركعة الأولى إلا أن يخرج من إمامته لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجدوا للعذر قبل ركوع الثانية فيركع معه في الثانية وتسقط الأخرى وقال في الإملاء فيها قولان: أحدهما لا يتبعه ولو ركع حتى يفرغ مما بقي عليه والقول الثاني: إن قضى ما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/326.
2 سورة الجمعة: 9.
3 انظر الأم 1/328.
4 انظر الأم 1/328.

 

ص -43-        فات لم يعتد به وتبعه فيما سواه قال المزني: قلت أنا: الأول عندي أشبه بقوله قياسا على أن السجود إنما يحسب له إذا جاء والإمام يصلي بإدراك الركوع ويسقط بسقوط إدراك الركوع وقد قال إن سها عن ركعة ركع الثانية معه ثم قضى التي سها عنها وفي هذا من قوله لأحد قوليه دليل وبالله التوفيق قال الشافعي: وإن أحدث في صلاة الجمعة فتقدم رجل بأمره أو بغير أمره وقد كان دخل مع الإمام قبل حدثه فإنه يصلي بهم ركعتين وإن لم يكن أدرك معه التكبيرة صلاها ظهرا لأنه صار مبتدئا قال المزني: قلت أنا: يشبه أن يكون هذا إذا كان إحرامه بعد حدث الإمام قال الشافعي: ولا جمعة على مسافر ولا عبد ولا امرأة ولا مريض ولا من له عذر وإن حضروها أجزأتهم ولا أحب لمن ترك الجمعة بالعذر أن يصلي حتى يتأخى انصراف الإمام ثم يصلي جماعة فمن صلى من الذين لا جمعة عليهم قبل الإمام أجزأتهم وإن صلى من عليه الجمعة قبل الإمام أعادها ظهرا بعد الإمام1 قال الشافعي: ومن مرض له ولد أو والد فرآه منزولا به أوخاف فوت نفسه فلا بأس أن يدع الجمعة وكذلك إن لم يكن له ذو قرابة وكان ضائعا لا قيم له غيره أوله قيم غيره له شغل عنه في وقت الجمعة فلا بأس أن يدع له الجمعة تركها ابن عمر لمنزول به2 ومن طلع له الفجر فلا يسافر حتى يصليها3.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/326.
2 انظر الأم 1/326.
3 انظر الأم 1/327.

باب الغسل للجمعة والخطبة وما يجب في صلاة الجمعة.
قال الشافعي: والسنة أن يغتسل للجمعة كل محتلم4 ومن اغتسل بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة أجزأه ومن ترك الغسل لم يعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"5 فإذا زالت الشمس وجلس الإمام على المنبر وأذن المؤذنون فقد انقطع الركوع فلا يركع أحد إلا أن يأتي رجل لم يكن ركع فيركع وروي أن سليكا الغطفاني دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: "أركعت؟ قال: لا قال: "فصل ركعتين"6 وأن أبا سعيد الخدري ركعهما و مروان يخطب وقال: ما كنت لأدعهما بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم7 قال: "وينصت الناس ويخطب الإمام قائما خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة"8 إلا أن يكون مريضا فيخطب جالسا ولا بأس بالكلام ما لم يخطب ويحول الناس وجوههم إلى الإمام ويستمعون الذكر فإذا فرغ أقيمت الصلاة فيصلي بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن يبتدئها ب بسم الله الرحمان الرحيم وبسورة الجمعة ويقرأ في الثانية بأم القرآن وإذا جاءك المنافقون9 ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويجهر الإمام بالقراءة ولا يقرأ من خلفه ومتى دخل وقت العصر قبل أن يسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 1/359.
5 انظر الأم 1/359.
6 انظر الأم 1/338, 342.
7 انظر الأم 1/347.
8 انظر الأم 1/342, 343.
9 انظر الأم 1/350.

 

ص -44-        الإمام من الجمعة فعليه أن يتمها ظهرا ومن أدرك مع الإمام ركعة بسجدتين أتمها جمعة وإن ترك سجدة فلم يدر أمن التي أدرك أم الأخرى حسبها ركعة وأتمها ظهرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة"1 ومعنى قوله: إن لم تفته ومن لم تفته صلى ركعتين وأقلها ركعة بسجدتيها وحكي في أداء الخطبة استواء النبي صلى الله عليه وسلم على الدرجة التي تلي المستراح قائما ثم سلم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذنون ثم قام فخطب الأولى ثم جلس ثم قام فخطب الثانية2 وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب اعتمد على عنزته اعتمادا" وقيل: على قوس3 قال: وأحب أن يعتمد على ذلك أو ما أشبهه فإن لم يفعل أحببت أن يسكن جسده ويديه إما بأن يجعل اليمنى على اليسرى أو يقرهما في موضعهما وبقبل بوجهه قصد وجهه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وأحب أن يرفع صوته حتى يسمع وأن يكون كلامه مترسلا مبينا معربا بغير ما يشبه العي وغير التمطيط وتقطيع الكلام ومده ولا ما يستنكر منه ولا العجلة فيه على الأفهام ولا ترك الإفصاح بالقصد4 و ليكن كلامه قصيرا بليغا جامعا وأقل ما يقع عليه اسم خطبة منهما أن يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله وطاعته5 ويقرأ آية في الأولى ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله ويدعو في الآخرة لأن معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض وهذا من أو جزه وإذا حصر الإمام لقن وإذا قرأ سجدة فنزل فسجد لم يكن به بأس كما لا يقطع الصلاة قال: وأحب أن يقرأ في الآخرة بآية ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم وإن سلم رجل والإمام يخطب كرهته ورأيت أن يرد عليه بعضهم لأن الرد فرض وينبغي تشميت العاطس6 لأنها سنة وقال في القديم: لا يشمته ولا يرد السلام إلا إشارة7 قال المزني رحمه الله: قلت أنا: الجديد أولى به لأن الرد فرض والصمت سنة والفرض أولى من السنة وهو يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة8 وكلم سليكا الغطفاني وهو يقول يتكلم الرجل فيما يعنيه ويقول: لو كانت الخطبة صلاة ما تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المزني: وفي هذا دليل على ما وصفت وبالله التوفيق قال الشافعي: رحمه الله: والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب على بلد وغير أمير جائزة وخلف عبد ومسافر كما تجزئ الصلاة في غيرها ولا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد منها وأيها جمع فيه فبدأ بها بعد الزوال فهي الجمعة وما بعدها فإنما هي ظهر يصلونها أربعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده صلوا في مسجده وحول المدينة مساجد لا نعلم أحدا منهم جمع إلا فيه ولو جاز في مسجدين لجاز في مساجد العشائر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/352.
2 انظر الأم 1/341.
3 انظر الأم 1/343.
4 انظر الأم 1/344.
5 انظر الأم 1/346.
6 انظر الأم 1/348.
7 انظر الأم 1/348.
8 انظر الأم 1/348.

 

ص -45-        باب التبكير إلى الجمعة.
قال الشافعي: أنبانا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة قال: فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"1 قال الشافعي: وأحب التبكير إليها وأن لا تؤتى إلا مشيا لا يزيد على سجية مشيته وركوبه ولا يشبك بين أصابعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة"2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/335.
2 الحديث أخرجه البيهقي ج 2 ص 230, 231.

باب الهيئة للجمعة.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن الزهري عن ابن السباق "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع: "يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله تبارك وتعالى عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك"3 قال الشافعي: رحمه الله تعالى: وأحب أن يتنظف بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغيير الريح من جميع جسده وسواك ويستحسن ثيابه ما قدر عليه وبطيبها اتباعا للسنة ولئلا يؤذي أحدا قاربه وأحب ما يلبس إلي البياض فإن جاوزه بعصب اليمن والقطري وما أشبهه مما يصنع غزله ولا يصبغ بعد ما ينسج فحسن وأكره للنساء الطيب وما يشتهون به وأحب للإمام من حسن الهيئة أكثر وأن يعتم ويرتدي ببرد فإنه يقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم ويرتدي ببرد4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/337.
4 انظر الأم 1/338.

باب صلاه الخوف.
قال الشافعي: وإذا صلوا في سفر صلاة الخوف من عدو غير مأمون صلى الإمام بطائفة ركعة وطائفة وجاه العدو فإذا فرغ منها قام فثبت قائما وأطال القيام وأتمت الطائفة الركعة التي بقيت عليها تقرأ بأم القرآن وسورة وتخفف ثم تسلم وتنصرف فتقف وجاه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها الإمام الركعة الثانية التي بقيت عليه فيقرأ فيها بعد إتيانهم بأم القرآن وسورة قصيرة ويثبت جالسا وتقوم الطائفة فتتم لأنفسها الركعة التي بقيت.

 

ص -46-        عليها بأم القرآن وسورة قصيرة ثم تجلس مع الإمام قدر ما يعلمهم تشهدوا ثم يسلم بهم وقد صلت الطائفتان جميعا مع الإمام وأخذت كل واحدة منهما مع إمامها ما أخذت الأخرى منه واحتج بقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}1 الآية واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل نحو ذلك يوم ذات الرقاع2 قال الشافعي: والطائفة ثلاثة فأكثر وأكره أن يصلي بأقل من طائفة وأن يحرسه أقل من طائفة وإن كانت صلاة المغرب فإن صلى بالطائفة الأولى ركعتين وثبت قائما وأتموا لأنفسهم فحسن وإن ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم فجائز ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها ما بقي ثم يثبت جالسا حتى تقضي ما بقي عليها ثم يسلم بهم وإن كانت صلاة حضر فلينتظر جالسا في الثانية أو قائما في الثالثة حتى تتم الطائفة التي معه ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها كما وصفت في الأخرى ولو فرقهم أربع فرق فصلى بفرقة ركعة وثبت قائما وأتم لأنفسهم ثم بفرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا ثم بفرقة ركعة وثبت قائما وأتموا ثم بفرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا كان فيها قولان: أحدهما: أنه أساء ولا إعادة عليه والثاني: أن صلاة الإمام فاسدة وتتم صلاة الأولى والثانية لأنهما خرجتا من صلاته قبل فسادها لأن له انتظارا واحدا بعد آخر وتفسد صلاة من علم من الباقيتين بما صنع وائتم به دون من لم يعلم قال: وأحب للمصلي أن يأخذ سلاحه في الصلاة ما لم يكن نجسا أو يمنعه من الصلاة أو يؤوي به أحدا ولا يأخذ الرمح إلا أن يكون في حاشية الناس ولو سها في الأولى أشار إلى من خلفه بما يفهمون أنه سها فإذا قضوا سجدوا للسهو ثم سلموا وإن لم يسه هو وسهوا هم بعد الإمام سجدوا لسهوهم وتسجد الطائفة الأخرى معه لسهوه في الأولى وإن كان خوفا أشد من ذلك وهو المسايفة والتحام القتال ومطاردة العدو حتى يخافوا إن ولوا أن يركبوا أكتافهم فتكون هزيمتهم فيصلوا كيف أمكنهم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وقعودا على دوابهم وقياما في الأرض على أقدامهم ويومئون برؤوسهم واحتج بقول الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}3 وقال ابن عمر: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم4 قال: ولو صلى على فرسه في شدة الخوف ركعة ثم أمن نزل فصلى أخرى مواجهة القبلة وإن صلى ركعة آمنا ثم سار إلى شدة الخوف فركب ابتدا لأن عمل النزول خفيف والركوب أكثر من النزول قال المزني: قلت أنا: قد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس قال الشافعي: ولا بأس أن يضرب في الصلاة الضربة ويطعن الطعنة فأما إن تابع الضرب أو ردد في المطعون أو عمل ما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 102.
2 انظر الأم 1/41.
3 سورة البقرة: 239.
4 انظر الأم 1/41.

 

ص -47-        يطول بطلت صلاته ولو رأوا سوادا أو جماعة أو إبلا فظنوهم عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف يومؤون إيماء ثم بان لهم أنه ليس عدوا أو شكوا أعادوا وقال في الإملاء: لا يعيدون لأنهم صلوا والعلة موجودة قال المزني: قلت أنا: أشبه بقوله عندي أن يعيدوا قال الشافعي: وإن كان العدو قليلا من ناحية القبلة والمسلمون كثيرا يأمنونهم في مستوى لا يسترهم شيء إن حملوا عليهم رأوهم صلى الإمام بهم جميعا وركع وسجد بهم جميعا إلا صفا يليه أو بعض صف ينظرون العدو فإذا قاموا بعد السجدتين1 سجد الذين حرسوه أولا إلا صفا أو بعض صف يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين وجلسوا سجد الذين حرسوهم ثم يتشهدون ثم يسلم بهم جميعا معا وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم عسفان2 قال الشافعي: ولو تأخر الصف الذي حرسه إلى الصف الثاني وتقدم الثاني فحرسه فلا بأس ولو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم فهكذا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل3 قال المزني: وهذا عندي يدل على جواز فريضة خلف من يصلي نافلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة الثانية فريضة لهم ونافلة له صلى الله عليه وسلم قال الشافعي: وليس لأحد أن يصلي صلاة الخوف في طلب العدو لأنه آمن وطلبهم تطوع والصلاة فرض ولا يصليها كذلك إلا خائفا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله سجد الذين حرسوه أولا إلا صفا الخ كذا في النسخ وعبارة الأم سجد الذين قاموا ينظرون الإمام ثم قاموا معه ثم ركع وركعوا معا ورفع ورفعوا معا وسجد وسجد معه الذي سجدوا معه أولا إلا صفا الخ فتأمل كتبه مصححه.
2 انظر الأم 1/365.
3 انظر الأم 1/367.

باب من له أن يصلي صلاة الخوف.
قال الشافعي: كل قتال كان فرضا أو مباحا لأهل الكفر والبغي وقطاع الطريق ومن أراد دم مسلم أو ماله أو حريمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد"4 فلمن قاتلهم أن يصلي صلاة الخوف ومن قاتل على ما لا يحل له فليس له ذلك فإن فعل أعاد ولو كانوا مولين للمشركين أدبارهم غير متحرفين لقتال ولا متحيزين إلى فئة وكانوا يومؤون أعادوا لأنهم حينئذ عاصون والرخصة لا تكون لعاص قال: ولو غشيهم سيل ولا يجدون نجوة صلوا يومؤون عدوا على أقدامهم وركابهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 1/376.

باب في كراهية اللباس والمبارزة.
قال الشافعي: وأكره لبس الديباج والدرع المنسوجة بالذهب والقباء بأزرار الذهب فإن فاجأته الحرب فلا بأس ولا أكره لمن كان يعلم من نفسه في الحرب بلاء أن يعلم ولا أن يركب الأبلق قد أعلم حمزة يوم بدر ولا أكره البراز قد بارز عبيدة وحمزة وعلي بأمر.

 

ص -48-        النبي صلى الله عليه وسلم1 قال: ويلبس فرسه وأداته جلد ما سوى الكلب والخنزير من جلد قرد وفيل وأسد ونحو ذلك لأنه جنة للفرس ولا تعبد على الفرس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/373.

باب صلاة العيدين.
قال الشافعي: ومن وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين وأحب الغسل بعد الفجر للغدو إلى المصلى فإن ترك الغسل تارك أجزأه2 قال: وأحب إظهار التكبير جماعة وفرادى في ليلة الفطر وليلة النحر مقيمين وسفرا في منازلهم ومساجدهم وأسواقهم ويغدون إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظرون الصلاة ويكبرون بعد الغدو حتى يخرج الإمام إلى الصلاة وقال في غير هذا الكتاب: حتى يفتتح الإمام الصلاة قال المزني: هذا أقيس لأن من لم يكن في صلاة ولم يحرم إمامه ولم يخطب فجائز أن يتكلم واحتج بقول الله تعالى في شهر رمضان:
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}3 وعن ابن المسيب و عروة و أبي سلمة وأبي بكر يكبرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون بالتكبير وشبه ليلة النحر بها إلا من كان حاجا فذكره التلبية4 قال الشافعي: وأحب للإمام أن يصلي بهم حيث هو أرفق بهم وأن يمشي إلى المصلى ويلبس عمامة ويمشي الناس و يلبسون العمائم ويمسون من طيبهم قبل أن يغدوا وروى الزهري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة قط"5 قال الشافعي: وأحب ذلك إلا أن يضعف فيركب وأحب أن يكون خروج الإمام في الوقت الذي يوافي فيه الصلاة وذلك حين تبرز الشمس ويؤخر الخروج في الفطر عن ذلك قليلا وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم: "أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس"6 وروي "أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة ويعتم في كل عيد ويطعم يوم الفطر قبل الغدو"7 وروي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطعم قبل الخروج إلى الجبان يوم الفطر ويأمر به"8 وعن ابن المسيب قال: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر9 وروي عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى في يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى فيكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام عليه المنبر ترك التكبير10 وعن عروة وأبي سلمة أنهما كانا يجهران بالتكبير حين يغدوان إلى المصلى11 قال: وأحب أن يلبس أحسن ما يجد فإذا بلغ الإمام المصلى نودي الصلاة جامعة12 بلا أذان ولا إقامة ثم يحرم بالتكبير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 1/385.
3 سورة البقرة: 185.
4 انظر الأم 1/385.
5 انظر الأم 1/388.
6 انظر الأم 1/386.
7 انظر الأم 1/388.
8 انظر الأم 1/387.
9 انظر الأم 1/387.
10 انظر الأم 1/385.
11 انظر الأم 1/385.
12 انظر الأم 1/391.

 

ص -49-        فيرفع يديه حذو منكبيه1 ثم يكبر سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام ويرفع كلما كبر يديه حذو منكبيه ويقف بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله ويكبره ويحمده ويمجده فإذا فرغ من سبع تكبيرات قرأ بأم القرآن ثم يقرأ ب {ق,وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}2 ويجهر بقراءته ثم يركع ويسجد فإذا قام في الثانية كبر خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من الجلوس ويقف بين كل تكبيرتين كقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة كما وصفت فإذا فرغ من خمس تكبيرات قرأ بأم القرآن وبـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ثم يركع ويسجد ويتشهد ويسلم ولا يقرأ من خلفه واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كبروا في العيدين سبعا وخمسا وصلوا قبل الخطبة وجهروا بالقراءة3 وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطربـ {ق,وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}" قال: ثم يخطب فإذا ظهر على المنبر يسلم ويرد الناس عليه لأن هذا يروى غالبا وينصتون4 ويستمعون منه ويخطب قائما خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة5 وأحب أن يعتمد على شيء6 وأن يثبت يديه وجميع بدنه فإن كان الفطر أمرهم بطاعة الله وحضهم على الصدقة والتقرب إلى الله جل ثناؤه والكف عن معصيته7 ثم ينزل فينصرف قال: ولا بأس أن يتنفل المأموم قبل صلاة العيد وبعدها في بيته والمسجد وطريقه وحيث أمكنه كما يصلي قبل الجمعة وبعدها وروي أن سهلا الساعدي ورافع بن خديج كانا يصليان قبل العيد وبعده ويصلي العيدين المنفرد في بيته والمسافر والعبد والمرأة8 قال: وأحب حضور العجائز غير ذات الهيئة العيدين وأحب إذا حضر النساء العيدين أن يتنظفن بالماء ولا يلبسن شهرة من الثياب9 وتزين الصبيان بالصبغ والحلي وروي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغدو من طريق ويرجع من أخرى"10 قال: وأحب ذلك للإمام والمأموم قال: وإذا كان العذر من مطر أو غيره أمرته أن يصلي في المساجد وروي أن عمر صلى بالناس في يوم مطير في المسجد في يوم الفطر11 قال: ولا أرى بأسا أن يأمر الإمام من يصلي بضعفة الناس في موضع من المصر ومن جاء والإمام يخطب جلس حتى يفرغ فإذا فرغ قضى مكانه أو في بيته قال: وإذا كان العيد أضحى علمهم الإمام كيف ينحرون وأن على من نحر من قبل أن يجب وقت نحر الإمام أن يعيد ويخبرهم بما يجوز من الأضاحي وما لا يجوز ويسن ما يجوز من الإبل والبقر والغنم وأنهم يضحون يوم النحر وأيام التشريق كلها قال: وكذلك قال الحسن وعطاء12.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/396.
2 انظر الأم 1/396.
3 انظر الأم 1/392, 394.
4 انظر الأم 1/398.
5 انظر الأم 1/397.
6 انظر الأم 1/396.
7 انظر الأم 1/390.
8 انظر الأم 1/390, 391.
9 انظر الأم 1/400.
10 انظر الأم 1/388, 389.
11 انظر الأم 1/389.
12 انظر الأم 1/400.

 

ص -50-        ثم لا يزال يكبر خلف كل صلاة فريضة من الظهر من النحر إلى أن يصلي الصبح من آخر أيام التشريق فيكبر بعد الصبح ثم يقطع وبلغنا نحوذلك عن ابن عباس قال: والصبح آخر صلاة بمنى والناس لهم تبع.

باب التكبير في العيدين.
قال الشافعي: التكبير كما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلوات1 قال: فأحب أن يبدأ الإمام فيقول: الله أكبر ثلاثا نسقا وما زاد من ذكر الله فحسن و من فاته شيء من صلاة الإمام قضى ثم كبر ويكبر خلف الفرائض والنوافل قال المزني: الذي قبل هذا عندي أولى به لا يكبر إلا خلف الفرائض قال الشافعي: ولو شهد عدلان في الفطر بأن الهلال كان بالأمس فإن كان ذلك قبل الزوال صلى بالناس العيد وإن كان بعد الزوال لم يصلوا لأنه عمل في وقت إذ جاوزه لم يعمل في غيره كعرفة وقال في كتاب الصيام: وأحب أن ذكر فيه شيئا وإن لم يكن ثابتا أن يعمل من الغد ومن بعد الغد قال المزني: قوله الأول أولى به لأنه احتج فقال: لو جاز أن يقضي كان بعد الظهر أجوز وإلى وقته أقرب قال المزني: وهذا من قوله على صواب أحد قوليه عندي دليل وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/401.

باب صلاة كسوف الشمس والقمر.
قال الشافعي: في أي وقت خسفت الشمس في نصف النهار أو بعد العصر فسواء ويتوجه الإمام إلى حيث يصلي الجمعة فيأمر بالصلاة جامعة ثم يكبر ويقرأ في القيام الأول بعد أم القرآن بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن إن كان لا يحفظها ثم يرجع فيطيل ويجعل ركوعه قدر قراءة مائة آية من سورة البقرة ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ثم يركع بقدر ما يلي ركوعه الأول ثم يرفع فيسجد سجدتين ثم يقول في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر خمسين آية من البقرة ثم يرفع ثم يسجد وإن جاوز هذا أو قصر عنه فإذا قرأ بأم القرآن أجزأه ويسر في خسوف الشمس بالقراءة لأنها من صلاة النهار واحتج بـ "أن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلأ قال: نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد.

 

ص -51-        ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله"1 ووصف عن ابن عباس أنه قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا2 قال الشافعي: لأنه أسر ولو سمعه ما قدر قراءته وروي "أن ابن عباس صلى في خسوف القمر ركعتين في ركعة ركعتين ثم ركب فخطبنا فقال: إنما صليت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي"3 قال: وبلغنا عن عثمان أنه صلى في كل ركعة ركعتين4 قال الشافعي: وإن اجتمع عيد وخسوف واستسقاء وجنازة بدئ بالصلاة على الجنازة فإن لم يكن حضر الإمام أمر من يقوم بها وبدئ بالخسوف ثم يصلي العيد ثم أخر الاستسقاء إلى يوم آخر وإن خاف فوت العيد صلاها وخفف ثم خرج منها إلى صلاة الخسوف ثم يخطب للعيد وللخسوف ولا يضره أن يخطب بعد الزوال لهما وإن كان في وقت الجمعة بدأ بصلاة الخسوف وخفف فقرأ في كل ركعة بأم القرآن وقل هو الله أحد وما أشبهها ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف ثم يصلي الجمعة وإن خسف القمر صلى كذلك إلا أنه يجهر بالقراءة لأنها صلاة الليل فإن خسف به في وقت قنوت بدأ بالخسوف قبل الوتر وقبل ركعتي الفجر وإن فاتتا لأنهما صلاة انفراد ويخطب بعد صلاة الخسوف ليلا ونهارا ويحض الناس على الخير ويأمرهم بالتوبة والتقرب إلى الله جل وعز ويصلي حيث يصلي الجمعة لا حيث يصلي الأعياد فإن لم يصل حتى تغيب كاسفة أومنجلية أو خسف القمر فلم يصل حتى تجلى أو تطلع الشمس لم يصل للخسوف فإن غاب خاسفا صلى للخسوف بعد الصبح ما لم تطلع الشمس ويخفف للفراغ قبل طلوع الشمس فإن طلعت أو أحرم فتجلت أتموها فإن جللها سحاب أو حائل فهي على الخسوف حتى يستيقن تجلى جميعها وإذا اجتمع أمران فخاف فوت أحدهما بدأ بالذي يخاف فوته ثم رجع إلى الآخر وإن لم يقرأ في كل ركعة من الخسوف إلا بأم القرآن أجزأه ولا يجوز عندي تركها لمسافر ولا لمقيم بإمام ومنفردين ولا آمر بصلاة جماعة في سواها وآمر بالصلاة منفردين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/41.
2 انظر الأم 1/41.
3 انظر الأم 1/41.
4 الأثر عن عثمان أخرجه البيهقي في السنن ج 3/324.

باب صلاة الاستسقاء.
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: ويستسقي الإمام حيث يصلي العيد ويخرج متنظفا بالماء وما يقطع تغيرالرائحة من سواك وغيره في ثياب تواضع وفي استكانة وما أحببته للإمام من هذا أحببته للناس كافة ويروى "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في الجمعة والعيدين بأحسن هيئة" وروي أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الاستسقاء متواضعا وقال: أحسب الذي رواه قال متبذلا5 قال: وأحب أن تخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا هيئة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 1/412, 413.

 

ص -52-        لها منهن1 وأكره إخراج من يخالف الإسلام للاستسقاء في موضع مستسقى المسلمين وأمنعهم من ذلك وإن خرجوا متميزين لم أمنعهم من ذلك ويأمر الإمام الناس قبل ذلك أن يصوموا ثلاثا ويخرجوا من المظالم ويتقربوا إلى الله جل وعز بما استطاعوا من خير يخرج بهم في اليوم الرابع إلى أوسع ما يجد2 وينادي: الصلاة جامعة ثم يصلي بهم الإمام ركعتين كما يصلي في العيدين سواء ويجهر فيهما وروي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أنهم كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء ويصلون قبل الخطبة ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا"3 وعن عثمان بن عفان أنه كبر سبعا وخمسا وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يكبر مثل صلاة العيدين سبعا وخمسا4 قال: ثم يخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ثم يقوم فيخطب يقصر الخطبة الآخرة مستقبل الناس في الخطبتين ويكثر فيهما الاستغفار ويقول كثيرا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}5 ثم يحول وجهه إلى القبلة ويحول رداءه فيجعل طرفه الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن وطرفه الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر6 وإن حوله ولم ينكسه أجزأه وإن كان عليه ساج جعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن وما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر ويفعل الناس مثل ذلك وروي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كانت عليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها"7 قال: ويدعو سرا ويدعو الناس معه ويكون من دعائهم: اللهم أنت أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك إيانا في سقيانا وسعة رزقنا ثم يدعو بما يشاء من دين ودنيا ويبدأون ويبدأ الإمام بالاستغفار ويفصل به كلامه ويختم به ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم على طاعة ربهم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ويقول: أستغفر الله لي ولكم ثم ينزل فإن سقاهم الله وإلا عادوا من الغد للصلاة والاستسقاء حتى يسقيهم الله قال: وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها وإن كانت ناحية جدبة وأخرى خصبة فحسن أن يستسقي أهل الخصبة لأهل الجدبة وللمسلمين ويسألوا الله الزيادة للمخصبين فإن ما عند الله واسع ويستسقى حيث لا يجمع من بادية وقرية ويفعله المسافرون لأنه سنة وليس بإحالة فرض ويفعلون ما يفعل أهل الأمصار من صلاة وخطبة ويجزي أن يستسقي الإمام بغير صلاة وخلف وصلواته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/412, 413.
2 انظر الأم 1/413.
3 انظر الأم 1/414.
4 انظر الأم 1/415.
5 سورة نوح: 10, 11
6 انظر الأم 1/417, 418.
7 انظر الأم 1/418.

 

ص -53-        باب الدعاء في الاستسقاء.
قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال:
"اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا"1 قال الشافعي: وروي عن سالم عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أذا استسقى قال: "اللهم اسقنا غيثا - مغيثا مريئا هنيئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من البلاء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا"2 وأحب أن يفعل هذا كله ولا وقت في الدعاء لا يجوز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/417.
2 انظر الأم 1/417.

باب الحكم في تارك الصلاة متعمدا.
قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر: لا يصليها غيرك فإن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناكك كما يكفر فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك وقد قيل: يستتاب ثلاثا فإن صلى فبها وإلا قتل وذلك حسن إن شاء الله قال المزني: قد قال في المرتد: إن لم يتب قتل ولم ينتظر به ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم
"من ترك دينه فاضربوا عنقه"3 وقد جعل تارك الصلاة بلا عذر كتارك الإيمان فله حكمه في قياس قوله لأنه عنده مثله ولا ينتظر به ثلاثا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/429.