مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -54-        كتاب الجنائز
باب إغماض الميت.

قال الشافعي: أول ما يبدأ به أولياء الميت أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه بأسهل ما يقدر عليه وأن يشد لحيه الأسفل بعصابة عريضة ويربطها من فوق رأسه لئلا يسترخي لحيه الأسفل فينفتح فوه فلا ينطبق ويرد ذراعيه حتى يلصقهما بعضديه ثم يمدهما أو يردهما إلى فخذيه ويفعل ذلك بمفاصل ركبتيه ويرد فخذيه إلى بطنه ثم يمدهما ويلين أصابعه حتى يتباقى لينه على غاسله ويخلع عنه ثيابه ويجعل على بطنه سيف أو حديد ويسجى بثوب يغطي به جميع جسده ويجعل على لوح أو سرير.

باب غسل الميت وغسل الزوج امرأته والمرأة زوجها.
قال الشافعي: ويفضي بالميت إلى مغتسله ويكون كالمنحدر قليلا ثم يعاد تليين مفاصله ويطرح عليه ما يواري ما بين ركبتيه إلى سرته ويستر موضعه الذي يغسل فيه فلا يراه أحد إلا غاسله ومن لا بد له من معونته عليه ويغضون أبصارهم عنه إلا فيما لا يمكن غيره ليعرف الغاسل ما غسل وما بقي ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع فيصب في الإناء الذي يلي الميت فما تطاير من غسل الميت إلى الإناء الذي يليه لم يصب الآخر وغير المسخن من الماء أحب إلي إلا أن يكون برد أويكون بالميت ما لا ينقيه إلا المسخن فيغسل به ويغسل في قميص ولا يمس عورة الميت بيده ويعد خرقتين نظيفتين لذلك قبل غسله ويلقي الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا بليغا والماء يصب عليه ليخفي شيء إن خرج منه وعلى يده إحدى الخرقتين حتى ينقي ما هنالك ثم يلقها لتغسل ثم يأخذ الأخرى ثم يبدأ فيدخل أصبعه في فيه بين شفتيه ولا يفغر فاه فيمرها على أسنانه بالماء ويدخل طرف أصبعيه في منخريه بشيء من ماء فينقي شيئا إن كان هناك ويوضئه وضوء الصلاة ويغسل رأسه ولحيته حتى ينقيهما ويسرحهما تسريحا رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه ثم يعود إلى شقه الأيسر فيصنع به مثل ذلك ثم يحرفه إلى جنبه الأيسر فيغسل ظهره وقفاه وفخذه وساقه اليمنى وهو يراه متمكنا ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيصنع به مثل ذلك ويغسل ما تحت قدميه.

 

ص -55-        وما بين فخذيه وأليتيه بالخرقة ويستقصي ذلك ثم يصب على جميعه الماء القراح وأحب أن يكون فيه كافور قال1: وأقل غسل الميت فيما أحب ثلاثا فإن لم يبلغ الإنقاء فخمسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن غسل ابنته: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور"2 قال: ويجعل في كل ماء قراح كافورا وإن لم يجعل إلا في الآخرة أجزأه ويتتبع ما بين أظافره بعود ولا يخرج حتى يخرج ما تحتها من الوسخ وكلما صب عليه الماء القراح بعد السدر حسبه غسلا واحدا ويتعاهد مسح بطنه في كل غسلة ويقعده عند آخر غسله فإن خرج منه شيء أنقاه بالخرقة كما وصفت وأعاد عليه غسله ثم ينشف في ثوب ثم يصير في أكفانه وإن غسل بالماء القراح مرة أجزأه ومن أصحابنا من رأى حلق الشعر وتقليم الأظفار ومنهم من لم يره قال المزني: وتركه أعجب إلي لأنه يصير إلى بلى عن قليل ونسأل الله حسن ذلك المصير قال الشافعي: ولا يقرب المحرم الطيب في غسله ولا حنوطه ولا يخمررأسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ولا تخمروا رأسه" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"3 وإن ابنا لعثمان توفى محرما فلم يخمر رأسه ولم يقربه طيبا4 قال: وأحب أن يكون بقرب الميت مجمرة لا تنقطع حتى يفرغ من غسله فإذا رأى من الميت شيئا لا يتحدث به لما عليه من ستر أخيه قال: وأولاهم بغسله أولاهم بالصلاة عليه ويغسل الرجل امرأته والمرأة زوجها غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه5 وعلي امرأته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم6 وقالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه"7 قال: وليس للعدة معنى يحل لأحدهما فيها ما لا يحل له من صاحبه وبغسل المسلم قرابته من المشركين ويتبع جنازته ولا يصلي عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا فغسل أبا طالب8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عبارة الأم: وأقل ما أحب أن يغسل ثلاثا الخ فانظره كتبه مصححه.
2 انظر الأم 1/441, 442.
3 انظر الأم 1/451.
4 انظر الأم 1/454.
5 انظر الأم 1/458.
6 انظر الأم 1/459.458.
7 انظر الأم 1/459.
8 انظر الأم 1/444.

باب عدد الكفن وكيف الحنوط.
قال الشافعي: وأحب عدد الكفن إلي ثلاثة أثواب بيض رياط ليس فيها قميص ولا عمامة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة9 قال: ويجمر بالعود حتى يعبق بها ثم يبسط أحسنها وأوسعها ثم الثانية عليها ثم التي تلي الميت ويذر فيما بينهما الحنوط ثم يحمل الميت فيوضع فوق العليا منها مستلقيا ثم يأخذ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9 انظر الأم 1/444.

 

ص -56-        شيئا من قطن منزع الحب فيجعل فيه الحنوط والكافور ثم يدخله بين أليتيه إدخالا بليغا ويكثر ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل وزعزع ويشد عليه خرقة مشقوقة الطرف تأخذ أليتيه وعانته ثم يشد عليه كما يشد التبان الواسع قال المزني: لا أحب ما قال من إبلاع الحشو لأن في ذلك قبحا يتناول منه حرمته ولكن يجعل كالموزة من القطن فيما بين أليتيه وسفرة قطن تحتها ثم يضم إلى أليتيه والشداد من فوق ذلك كالتبان يشد عليه فإن جاء منه شيء يمنعه ذلك من أن يظهر منه فهذا أحسن في كرامته من انتهاك حرمته قال الشافعي: ويأخذ القطن فيضع عليه الحنوط والكافور فيضعه على فيه ومنخريه وعينيه وأذنيه وموضع سجوده وإن كانت به جراح نافذة وضع عليها ويحنط رأسه ولحيته بالكافور وعلى مساجده ويوضع الميت من الكفن بالموضع الذي يبقى منه من عند رجليه أقل من مما يبقى من عند رأسه ثم يثني عليه ضيق الثوب الذي يليه على شقه الأيمن ثم يثني ضيق الثوب الآخر على شقه الأيسر كما وصفت كما يشتمل الحي بالسياج ثم يصنع بالأثواب كلها كذلك ثم يجمع ما عند رأسه من الثياب جمع العمامة ثم يرده على وجهه ثم يرد ما على رجليه على ظهور رجليه إلى حيث بلغ فإن خافوا أن تنتشر الأكفان عقدوها عليه فإذا أدخلوه القبر حلوها وأضجعوه على جنبه الأيمن ووسدوا رأسه بلبنة وأسندوه لئلا يستلقي على ظهره وأدنوه إلى اللحد من مقدمه لئلا ينكب على وجهه وينصب اللبن على اللحد ويسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه والإهالة أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعا ثم يهال بالمساحي ولا أحب أن يرد في القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع جدا ويشخص عن وجه الأرض قدر شبر ويرش عليه الماء ويوضع عليه الحصباء ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت فإذا فرغ من القبر فقد أكمل وينصرف من شاء ومن أراد أن ينصرف إذا ووري فذلك له واسع قال: وبلغنا "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سطح قبر ابنه إبراهيم عليه السلام ووضع عليه حصباء من حصباء العرصة"1 وأنه عليه السلام رش على قبره2 وروي عن القاسم قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسطحة3 قال: ولا تبنى القبور ولا تجصص قال: والمرأة في غسلها كالرجل وتتعهد بأكثر ما يتعهد به الرجل وأن يضفر شعر رأسها ثلاثة قرون فيلقين خلفها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أم عطية في ابنته وبأمره غسلتها4 قال المزني: وتكفن بخمسة أثواب خمار وإزار وثلاثة أثواب قال المزني: وأحب أن يكون أحدها درعا لما رأيت فيه من قول العلماء وقد قال به الشافعي مرة معها ثم خط عليه قال الشافعي: ومؤنة الميت من رأس ماله دون ورثته وغرمائه فإن اشتجروا في الكفن فثلاثة أثواب إن كان وسطا لا موسرا ولا مقلا ومن الحنوط بالمعروف لا سرفا ولا تقصيرا قال: ويغسل السقط ويصلى عليه إن استهل وإن لم يستهل غسل وكفن ودفن والخرقة التي تواريه لفافة تكفينه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/458.
2 انظر الأم 1/458.
3 انظر الأم 1/458.
4 انظر الأم 1/443.

 

ص -57-        باب الشهيد ومن يصلي عليه ويغسل.
قال الشافعي: رحمه الله: والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام أو بقوا مدة ينقطع فيها الحرب وإن لم يطعموا كغيرهم من الموتى والذين قتلهم المشركون في المعترك يكفنون بثيابهم التي قتلوا بها إن شاء أولياؤهم وتنزع عنهم الخفاف والفراء والجلود وما لم يكن من عام لباس الناس ولا يغسلون ولا يصلى عليهم وروي عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل عليهم ولم يغسلهم"1 قال: وعمر شهيد غير أنه لما لم يقتل في المعترك غسل وصلى عليه والغسل والصلاة سنة لا يخرج منها إلا من أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/447, 448.
2 انظر الأم 1/448.

باب حمل الجنازة.
قال الشافعي: وروي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حمل في جنازة سعد بن معاذ بين العمودين" وعن سعد بن أبي وقاص أنه حمل سرير ابن عوف بين العمودين على كاهله3 وأن عثمان حمل بين عمودي سرير أمه فلم يفارقه حتى وضع4 وعن أبي هريرة أنه حمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص5 وأن ابن الزبير حمل بين عمودي سرير المسور6 قال: ووجه حملها من الجوانب أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الأيمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة السرير المقدمة على عاتقه الأيسر ثم يامنته المؤخرة فإن كثر الناس أحببت أن يكون أكثر حمله بين العمودين ومن أين حمل فحسن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/450.
4 انظر الأم 1/450.
5 انظر الأم 1/450.
6 انظر الأم 1/450.

باب المشي أمام الجنازة.
قال الشافعي: والمشي بالجنازة الإسراع وهو فوق سجية المشي7 والمشي أمامها أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 انظر الأم 1/455, 456.
8 انظر الأم 1/456.

 

ص -58-        باب هل يسن القيام عند ورود الجنازة للصلاة وفي كيفية الصلاة والدفن.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا الربيع عن الشافعي قال: القيام في الجنائز منسوخ واحتج بحديث علي رضي الله عنه قال إبراهيم: قال: حدثنا يوسف بن مسلم المصيصي قال: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة عن قيس بن مسعود بن الحكم عن أبيه أنه شهد جنازة مع علي بن أبي طالب فرأى الناس قياما ينتظرون أين توضع فأشار إليهم بدرة أو سوطا اجلسوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد جلس بعد ما كان يقوم قال ابن جريج: وأخبرني نافع بن جبير عن مسعود عن علي مثله2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 1/467.

باب التكبير علي الجنائز ومن أولي بأن يدخله القبر.
قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن حمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى"3 وروي عن ابن عباس أنه قرأ بفاتحة الكتاب وجهر بها4 وقال:
"إنما فعلت لتعلموا أنها سنة" وعن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة5 وعن ابن المسيب و عروة مثله6 قال: ويكبر المصلي على الميت ويرفع يديه حذو منكبيه ثم يقرأ بفاتحة الكتاب ثم يكبر الثانية ويرفع يديه كذلك ثم يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر الثالثة ويرفع يديه كذلك ويدعو للميت فيقول: اللهم عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه وكان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 1/453.
4 انظر الأم 1/455.
5 انظر الأم 1/453.
6 انظر الأم 1/455.

 

ص -59-        تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين ثم يكبر الرابعة ثم يسلم عن يمينه وشماله ويخفي القراءة والدعاء ويجهر بالسلام1 قال: ومن فاته بعض الصلاة افتتح ولم ينتظر تكبير الإمام ثم قضى مكانه ومن لم يدرك صلى على القبر وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر2 وعن عمر و ابن عمر3 وعائشة مثله4 قال: ولا يدخل الميت قبره إلا الرجال ما كانوا موجودين ويدخله منهم أفقههم وأقربهم به رحما ويدخل المرأة زوجها وأقربهم بها رحما ويستر عليها بثوب إذا أنزلت القبر قال الشافعي: وأحب أن يكونوا وترا ثلاثة أو خمسة قال: وشمل الميت سلا من قبل رأسه وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه5 قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا الفضل بن أبي الصباح قال: حدثنا يحيى عن المنهال عن خليفة عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له وأخذه قبل من القبلة6 قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا ابن منيع عن هشيم عن خالد الحذاء عن ابن سيرين أن رجلا من الأنصار مات فشهده أنس بن مالك فأدخله من قبل رجل القبر7.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 1/455.
2 انظر الأم 1/452, 454.
3 انظر الأم 1/454.
4 انظر الأم 1/454.
5 انظر الأم 1/457, 458.
6 حديث ابن عباس أخرجه البيهقي ج 4/55.
7 الأثر أخرجه البيهقي 4/55.

باب ما يقال إذا أدخل الميت قبره.
قال الشافعي: وإذا أدخل الميت قبره قال الذين يدخلونه: بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم سلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به إن عاقبته فبذنبه وإن عفوت فأنت أهل العفو أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسناته واغفر سيئاته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الأمن من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم اخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8 انظر الأم 1/465.

باب التعزية وما يهيأ لأهل الميت.
قال الشافعي: وأحب تعزيةأهل الميت رجاء الأجر بتعزيتهم وأن يخص بها خيارهم وضعفاؤهم عن احتمال مصيبتهم ويعزي المسلم بموت أبيه النصراني فيقول: أعظم الله أجرك وأخلف عنك ويقول في تعزية النصراني لقرابته أخلف الله عليك ولا نقص عددك وقال: وأحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يسعهم فإنه سنة وفعل أهل الخير.

 

ص -60-        باب البكاء على الميت.
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: وأرخص في البكاء بلا ندب ولا نياحة لما في النوح من تجديد الحزن ومنع الصبر وعظيم الإثم وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" وذكر ذلك ابن عباس لعائشة فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه" ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه" قال: وقالت عائشة حسبكم القرآن {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقال ابن عباس عند ذلك الله أضحك وأبكى1 قال الشافعي: ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بدلالة الكتاب والسنة قال الله جل وعز: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}2 وقال: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}3 وقال عليه السلام لرجل في ابنه "إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه"4 وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له لا بذنب غيره قال المزني: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليه وبالنياحة أو بهما وهي معصية ومن أمر بهما فعملت بعده كانت له ذنبا فيجوز أن يزاد بذنبه عذابا - كما قال الشافعي: لا بذنب غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البيهقي 4/72, 73.
2 سورة الأنعام: 164.
3 سورة طـه: 15.
4 انظر الأم 1/363.