مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -141-     كتاب التفليس.
قال: حدثنا محمد بن عاصم قال: سمعت المزني قال: قال الشافعي: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب قال: حدثني أبو المعتمر بن عمر بن نافع عن خلدة1 أو ابن خلدة الزرقي الشك من المزني عن أبي هريرة أنه رأى رجلا أفلس فقال: هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه"2 قال الشافعي: وفي ذلك بيان أنه جمل له نقض البيع الأول إن شاء إذا مات أو أفلس قال الشافعي: ويقال لمن قبل الحديث في المفلس في الحياة دون الموت: قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم "بالشفعة على الحي فحكمتم بها على ورثته فكيف لم تحكموا في المفلس في موته على ورثته كما حكمتم عليه في حياته؟ فقد جعلتم للورثة أكثر مما للمورث الذي عنه ملكوا وأكثر حال الوارث أن لا يكون له إلا ما للميت" قال الشافعي: ولا أجعل للغرماء منعه بدفع الثمن ولا لورثة الميت وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أحق به منهم قال المزني: قلت أنا: وقال في المحبس إذا هلك أهله رجع إلى أقرب الناس إلى المحبس فقد جعل لأقرب الناس بالمحبس في حياته ما لم يجعل للمحبس وهذا عندي غير جائز قال: وإن تغيرت السلعة بنقص في بدنها بعور أو غيره أو زادت فسواء إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها كما تنقض الشفعة بهدم من السماء إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها قال: ولو باعه نخلا فيه ثمر أو طلع قد أبر واستثناه المشتري وقبضها وأكل الثمر أو أصابته جائحة ثم فلس أو مات فإنه يأخذ عين ماله ويكون أسوة الغرماء في حصة الثمريوم قبضه لا يوم أكله ولا يوم أصابته الجائحة قال: ولو باعها مع ثمر فيها قد اخضر ثم فلس والثمررطب أو تمر أو باعه زرعا مع أرض خرج أو لم يخرج ثم أصابه مدركا أخذه كله ولو باعه حائطا لا ثمر فيه أو أرضا لا زرع فيها ثم فلس المشتري فإن كان النخل قد أبر والأرض قد زرعت كان له الخيار في النخل والأرض وتبقى الثمار إلى الجداد والزرع إلى الحصاد إن أراد الغرماء تأخير ذلك وإن شاء ضرب مع الغرماء وإن أراد الغرماء بيع الثمر قبل الجداد والزرع بقلا فذلك لهم وكذلك لو باعه أمة فولدت ثم أفلس كانت له الأمة إن شاء والولد للغرماء وإن كانت حبلى كانت له حبلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإبار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: أو ابن خلدة الزرقي جزم به في الخلاصة وسماه عمر بن خلدة وقال: إنه يروي عن أبي هريرة كتبه مصححه.
2 انظر الأم 3/228, 245.

 

ص -142-     كالولادة وإذا لم تؤبر فهي كالحامل لم تلد ولوباعه نخلا لا ثمر فيها ثم أثمرت فلم تؤبرحتى أفلس فلم يختر البائع حتى أبرت كان له النخل دون الثمرة لأنه لا يملك عين ماله إلا بالتفليس والاختيار وكذلك كل ما كان يخرج من ثمر الشجر في أكمام فينشق كالكرسف وما أشبهه فإذا انشق فمثل النخل يؤبر وإذا لم ينشق فمثل النخل لم يؤبر ولو قال البائع: اختر عين مالي قبل الإبار وأنكر المفلس فالقول قوله مع يمينه وعلى البائع البينة وان صدقه الغرماء لم أجعل لهم من الثمر شيئا لأنهم أقروا به للبائع وأجعله للغريم سوى من صدق البائع ويحاصهم فيما بقي إلا أن يشهد من الغرماء عدلان فيجوز وإن صدته المفلس وكذبه الغرماء فمن أجاز إقراره أجازه ومن لم يجزه لم يجزه وأحلف له الغرماء الذين يدفعونه ولو وجد بعض ماله كان له بحصته ويضرب مع الغرماء في بقيته ولو كانت دارا فبنيت أو أرضا فغرست خيرته بين أن يعطي العمارة ويكون ذلك له أو يكون له الأرض والعمارة تباع للغرماء إلا أن يشاء المفلس والغرماء أن يقلعوا ويضمنوا ما نقص القلع فيكون لهم وقال في موضع آخر: إن لم يأخذ العمارة وأبى الغرماء أن يقلعوها لم يكن له إلا الثمن يحاص به الغرماء قال المزني: قلت أنا الأول عندي بقوله أشبه وأولى لأنه يجعل الثوب إذا صبغ لبائعه يكون به شريكا وكذلك الأرض تغرس لبائعها يكون بها شريكا قال الشافعي: ولو كانا عبدين بمائة فقبض نصف الثمن وبقي أحد العبدين وهما سواء كان له نصف الثمن ونصف الذي قبض ثمن الهالك كما لو رهنهما بمائة فقبض تسعين وهلك أحدهما كان الآخر رهنا بالعشرة قال المزني: قلت أنا: أصل قوله أن ليس الرهن من البيع بسبيل لأن الرهن معنى واحد بمعنى واحد ما بقي من الحق شيء قال: ولو بقي من ثمن السلعة في التفليس درهم لم يرجع في قوله من السلعة إلا بقدر الدرهم قال الشافعي: ولو أكراه أرضا ففلس والزرع بقل في أرضه كان لصاحب الأرض أن يحاص الغرماء بقدر ما أقامت الأرض في يديه إلى أن أفلس ويقلع الزرع عن أرضه إلا أن يتطوع المفلس والغرماء بأن يدفعوا إليه إجارة مثل الأرض إلى أن يستحصد الزرع لأن الزارع كان غير متعد وإن كان لا يستغني عن السقي قيل للغرماء: إن تطوعتم بأن تنفقوا عليه حتى يستحصد الزرع فتأخذوا نفقتكم مع مالكم بأن يرضاه صاحب الزرع وإن لم تشاءوا وشئتم البيع فبيعوه بحاله قال: وإن باعه زيتا فخلطه بمثله أو أردأ منه فله أن يأخذ متاعه بالكيل أو الوزن وإن خلطه بأجود منه ففيهما قولان أحدهما: لا سبيل له إليه لأنه لا يصل إلى ماله إلا زادا بمال غريمه وهو أصح وبه أقول ولا يشبه الثوب يصبغ ولا السويق يلت لأن هذا عين ماله فيه زيادة والذائب إذا اختلط انقلب حتى لا يوجد عين ماله والقول الثاني: أن ينظر إلى قيمة زيته والمخلوط به متميزين ثم يكون شريكا بقدر قيمة زيته أو يضرب مع الغرماء بزيته قال المزني: قلت أنا: هذا أشبه بقوله لأنه جعل زيته إذا خلط بأردأ وهولا يتميز عين ماله كما جعل الثوب يصبغ ولا يمكن فيه التمييز عين ماله فلما قدر على قسم الزيت بكيل أو وزن بلا ظلم قسمه ولما لم يقدر على قسم الثوب والصبغ أشركهما فيه.

 

ص -143-     بالقيمة فكذلك لا يمنع خلط زيته بأجود منه من أن يكون عين ماله فيه وفي قسمه ظلم وهما شريكان بالقيمة قال الشافعي: فإن كان حنطة فطحنها ففيها قولان أحدهما وبه أقول: يأخذها ويعطي قيمة الطحن لأنه زائد على ماله قال: وكذلك الثوب يصبغه أو يقصره يأخذه وللغرماء زيادته فإن قصره بأجرة درهم فزاد خمسة دراهم كان القصار شريكا فيه بدرهم والغرماء بأربعة دراهم شركاء بها وبيع لهم فإن كانت أجرته خمسة دراهم وزاد درهما كان شريكا في الثوب بدرهم وضرب مع الغرماء بأربعة وبهذا أقول والقول الآخر: أن القصار غريم بأجرة القصارة لأنها أثر لا عين قال المزني: قلت أنا: هذا أشبه بقوله وانما البياض في الثوب عن القصارة كالسمن عن الطعام والعلف وكبر الودي عن السقي وهو لا يجعل الزيادة للبائع في ذلك عين ماله فكذلك زيادة القصارة ليست عين ماله وقد قال في الأجير يبيع في حانوت أو يرعى غنما أو يروض دواب فالأجير أسوة الغرماء فهذه الزيادات عن هذه الصناعات التي هي آثار ليست بأعيان مال حكمها عندي في القياس واحد إلا أن تخص السنة منها شيئا فيترك لها القياس قال الشافعي: ولوتبايعا بالخيار ثلاثا ففلسا أو أحدهما فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء لأنه ليس ببيع مستحدث فإن أخذه دون صفته لم يكن ذلك له إلا أن يرضى الغرماء ولو أسلفه فضة بعينها في طعام ثم فلس كان أحق بفضته ولو أكرى دارا ثم فلس المكري فالكراء لصاحبه فإذا تم سكناه بيعت للغرماء ولوأكراه سنة ولم يقبض الكراء ثم فلس المكتري كان للمكري فسخ الكراء ولو قسم الحاكم ماله بين غرمائه ثم قدم آخرون رده عليهم بالحصص وإذا أراد الحاكم بيع متاعه أو رهنه أحضره أو وكيله ليحصي ثمن ذلك فيدفع منه حق الرهن من ساعته وبنبغي أن يقول لغرماء المفلس: ارتضوا بمن يكون على يديه الثمن وبمن ينادى على متاعه فيمن يزيد ولا يقبل الزيادة إلا من ثقة وأحب أن يرزق من ولي هذا من بيت المال فإن لم يكن ولم يعمل إلا بجعل شاركوه فإن لم يتفقوا اجتهد لهم ولم يعط شيئا وهو يجد ثقة يعمل بغيرجعل ويباع في موضع سوقه وما فيه صلاح ثمن المبيع ولا يدفع إلى من اشترى شيئا حتى يقبض الثمن وما ضاع من الثمن فمن مال المفلس ويبدأ في البيع بالحيوان ويتأنى بالمساكن بقدر ما يرى أهل البصر بها أنها قد بلغت أثمانها وإن وجد الإمام ثقة يسلفه المال حالا لم يجعله أمانة وبنبغي إذا رفع إليه أن يشهد أنه وقف ماله عنه فإذا فعل ذلك لم يجز له أن يبيع ولا يهب وما فعل من هذا ففيه قولان أحدهما: أنه موقوف فإن فضل جاز فيه ما فعل والآخر: أن ذلك باطل قال المزني: قلت أنا: قد قطع في المكاتب إن كاتبه بعد الوقف فأدى لم يعتق بحال قال: وإذا أقر بدين زعم أنه لزمه قبل الوقف ففيه قولان: أحدهما: أنه جائز كالمريض يدخل مع غرمائه وبه أقول والثاني: أن إقراره لازم له في مال إن حدث أو يفضل عن غرمائه وقد ذهب بعض المفتين إلى أن ديون المفلس إلى أجل تحل حلولها على الميت وقد يحتمل أن يؤخر المؤخر عنه لأن له ذمة وقد يملك والميت بطلت ذمته ولا يملك بعد الموت قال المزني: قلت أنا: هذا أصح.

 

ص -144-     وبه قال في الإملاء قال الشافعي: ولو جنى عليه عمدا لم يكن عليه أخذ المال إلا أن يشاء قال: وليس على المفلس أن يؤاجر وذو العسرة ينظر إلى ميسرة ويترك له من ماله قدر ما لا غنى به عنه وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب وإن كان لبيع ماله حبس أنفق منه عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة وكسوة كان ذلك في شتاء أوصيف حتى يفرغ من قسم ماله بين غرمائه وإن كانت ثيابه كلها عوالي مجاوزة القدر اشترى له من ثمنها أقل ما يلبس أقصد ما يكفيه في مثل حاله ومن تلزمه مؤنته وإن مات كفن من رأس ماله قبل الغرماء وحفر قبره وميز بأقل ما يكفيه وكذلك من يلزمه أن يكفنه ثم قسم الباقي بين غرمائه ويباع عليه مسكنه وخادمه لأن من ذلك بدا وإن أقام شاهدا على رجل بحق ولم يحلف مع شاهده فليس للغرماء أن يحلفوا ليس لهم إلا ما تم ملكه عليه دونهم.

باب الدين على الميت.
قال الشافعي: من بيع عليه في دين بعد موته أو في حياته أوتفليسه فهذا كله سواء والعهدة في مال الميت كهي في مال الحي لا اختلاف في ذلك عندي ولو بيعت داره بألف وقبض أمين القاضي الثمن فهلك من يده واستحقت الدار فلا عهدة على الغريم الذي بيعت له وأحق الناس بالعهدة المبيع عليه فإن وجد له مال بيع ثم رد على المشتري ماله لأنه مأخوذ منه ببيع ولم يسلم له فإن لم يوجد له شيء فلا ضمان على القاضي ولا أمينه ويقال للمشتري: أنت غريم المفلس أو الميت كغرمائه سواء.

باب جوازحبس من عليه الدين.
قال الشافعي: وإذا ثبت عليه الدين بيع ما ظهر له ودفع ولم يحبس وإن لم يظهر حبس وبيع ما قدر عليه منلا ماله فإن ذكر عسرة قبلت منه البينة لقول الله جل وعز:
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}1 وأحلفه مع ذلك بالله وأخليه ومنعت غرماءه من لزومه حتى تقوم بينة أن قد أفاد مالا فإن شهدوا أنهم رأوا في يديه مالا سألته فإن قال مضاربة قبلت منه مع يمينه ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكق له حبسه ولا يغفل المسألة عنه وإذا أفاد مالا فجائز ما صنع فيه حتى يحدث له السلطان وقفا آخر لأن الوقف الأول لم يكن له لأنه غير رشيد وإذا أراد الذي عليه الدين إلى أجل السفر وأراد غريمه منعه لبعد سفره وقرب أجله أو يأخذ منه كفيلا به منع منه وقيل له: حقك حيث وضعته ورضيته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 280.

 

ص -145-     باب الحجر.
قال الشافعي: قال الله عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}1 قال الشافعي: والبلوغ خمس عشرة سنة إلا أن يحتلم الغلام أو تحيض الجارية قبل ذلك وقال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}2 فأثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل هو وأمر وليه بالإملاء عنه لأنه أقامه فيما لا غنى به عنه في ماله مقامه وقيل: الذي لا يستطيع يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو أشبه معانيه به والله أعلم فإذا أمر الله جل وعز بدفع أموال اليتامى إليهم بأمرين لم يدفع إليهم إلا بهما وهو البلوغ والرشد قال الشافعي: والرشد - والله أعلم - الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة مع إصلاح المال وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتمان والاختبار يختلف بقدر حال المختبر فمنهم من يبتذل فيخالط الناس بالشراء والبيع قبل البلوغ وبعده فيقرب اختباره ومنهم من يصان عن الأسواق فاختباره أبعد فيختبر في نفقته فإن أحسن إنفاقها على نفسه وشراء ما يحتاج إليه أو يدفع اليه الشيء اليسير فإذا أحسن تدبيره وتوفيره ولم يخدع عنه دفع إليه ماله واختبار المرأة مع علم صلاحها لقلة مخالطتها في البيع والشراء أبعد فتختبرها النساء وذوو المحارم بمثل ما وصفت فإذا أونس منها الرشد دفع إليها مالها تزوجت أم لم تتزوج كما يدفع إلى الغلام نكح أو لم ينكح لأن الله تبارك وتعالى سوى بينهما في دفع أموالهما إليهما بالبلوغ والرشد ولم يذكر تزويجا واحتج الشافعي في الحجر بعثمان وعلي والزبير رضي الله عنهم قال الشافعي: وإذا كان واجبا أن يحجر على من قارب البلوغ وقد عقل نظرا له وإبقاء لماله فكان بعد البلوغ أشد تضييعا لماله وأكثر إتلافا له فلم لا يجب الحجر عليه؟ والمعنى الذي أمر بالحجر عليه به فيه قائم وإذا حجر الإمام عليه لسفهه وإفساده ماله أشهد على ذلك فمن بايعه بعد الحجر فهو المتلف لماله ومتى أطلق عنه الحجر ثم عاد إلى حال الحجر حجر عليه ومتى رجع بعد الحجر إلى حال الإطلاق أطلق عنه فإن قيل: فلم أجزت إطلاقه عنه وهو إتلاف مال؟ قيل: ليس بإتلاف مالى ألا ترى أنه يموت فلا تورث عنه امرأته ولا تحل له فيها هبة ولا بيعه ويورث عنه عبده ويباع عليه ويملك ثمنه فالعبد مال بكل حال والمرأة ليست بمال ألا ترى أن العبد يؤذن له في التجارة والنكاح فيكون له الطلاق والإمساك دون سيده ولمالكه أخذ ماله كله دونه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 6.
2 سورة البقرة: 282.

باب الصلح.
قال الشافعي: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا3 قال الشافعي: فما جاز في البيع جاز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/254.

 

ص -146-     في الصلح وما بطل فيه بطل في الصلح فإن صالح رجل أخاه من مورثه فإن عرفا ما صالحه عليه بشيء يجوز في البيع جاز ولو ادعى رجل على رجل حقا فصالحه من دعواه وهو منكر فالصلح باطل ويرجع المدعي على دعواه ويأخذ منه صاحبه ما أعطاه ولو صالح عنه رجل يقر عنه بشيء جاز الصلح وليس للذي أعطى عنه أن يرجع عليه لأنه تطوع به ولوأشرع جناحا على طريق نافذة فصالحه السلطان أو رجل على ذلك لم يجز ونظر فإن كان لا يضر ترك وإن ضر قطع ولوأن رجلين ادعيا دارا في يدي رجل فقالا: ورثناها عن أبينا فأقر لأحدهما بنصفها فصالحه من ذلك الذي أقر له به على شيء كان لأخيه أن يدخل معه فيه قال المزني: قلت أنا: ينبغي في قياس قوله أن يبطل الصلح في حق أخيه لأنه صار لأخيه بإقراره قبل أن يصالح عليه إلا أن يكون صالح بأمره فيجوز عليه قال الشافعي: ولو كانت المسألة بحالها وادعى كل واحد منهما نصفها فأقر لأحدهما بالنصف وجحد للآخر لم يكن للآخر في ذلك حق وكان على خصومته ولو كان أقر لأحدهما بجميع الدار فإن كان لم يقر للآخر بأن له النصف فله الكل وإن كان أقرب بأن له النصف ولأخيه النصف كان لأخيه أن يرجع بالنصف عليه وإن صالحه على دار أقر له بها بعد قبضه فاستحق العبد رجع إلى الدار فأخذها منه ولو صالحه على أن يسكنها الذي هي في يديه وقتا فهي عارية إن شاء أخرجه منها أو صالحه منها على خدمة عبد بعينه سنة فباعه المولي كان للمشتري الخيار في أن يجيز البيع وتكون الخدمة على العبد للمصالح أو يرد البيع قال الشافعي: ولو مات العبد جاز من الصلح بقدر ما استخدم وبطل منه بقدر ما بقي وإذا تداعى رجلان جدارا بين داريهما فإن كان متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذي لا يحدث مثله إلا من أول البنيان جعلته له دون المنقطع منه وإن كان يحدث مثله بعد كمال بنيانه مثل نزع طوبة وإدخال أخرى أحلفتهما بالله وجعلته بينهما وإن كان غير موصول بواحد من بنائهما أو متصلا ببنائهما جميعا جعلته بينهما بعد أن أحلف كل واحد منهما ولا أنظر إلى من إليه الخوارج ولا الدواخل ولا أنصاف اللبن ولا معاقد القمط لأنه ليس في شيء من هذا دلالة ولو كان لأحدهما عليه جذوع ولا شيء للآخر عليه أحلفتهما وأقررت الجذوع بحالها وجعلت الجدار بينهما نصفين لأن الرجل قد يرتفق بجدار الرجل بالجذوع بأمره وغيرأمره ولم أجعل لواحد منهما أن يفتح فيه كوة ولا يبني عليه بناء إلا بإذن صاحبه وقسمته بينهما إن شاءا إن كان عرضه ذراعا أعطيه شبرا في طول الجدار ثم قلت له: إن شئت أن تزيد من عرصة دارك أو بيتك شبرا آخر ليكون لك جدار خالص فذلك لك ولو هدماه ثم اصطلحا على أن يكون لأحدهما ثلثه وللاخر ثلثاه على أن يحمل كل واحد منهما ما شاء عليه إذا بناه فالصلح فاسد وإن شاءا أو واحد منهما قسمت أرضه بينهما نصفين وإن كان البيت السفل في يدي رجل والعلو في يدي اخر فتداعيا سقفه فهو بينهما نصفين لأن سقف السفل تابع له وسطح العلو أرض له فإن سقط لم يجبر صاحب السفل على بنائه فإن تطوع صاحب العلو بأن يبني السفل كما كان ثم يبني علوه كما كان فذلك له.

 

ص -147-     وليس له منع صاحب السفل من سكناه ونقض الجدران له ومتى شاء أن يهدمها هدمها وكذلك الشركاء في نهرأو بئرلا يجبرأحدهم على الإصلاح لضررولا غيره ولا يمنع المنفعة فإن أصلح غيره فله عين ماله متى شاء نزعه وقال في كتاب الدعوى والبينات على كتاب اختلاف أبي حنيفة: فإذا أفاد صاحب السفل مالا أخذ منه قيمة ما أنفق في السفل قال المزني: قلت أنا: الأول أولى بقوله لأن الثاني متطوع فليس له أخذه من غيره إلا أن يراضيه عليه قال الشافعي: وإذا كانت لرجل نخلة أو شجرة فاستعلت وانتشرت أغصانها على دار رجل فعليه قطع ما شرع في دار غيره فإن صالحه على تركه فليس بجائز ولو صالحه على دراهم بدنانير أو على دنانير بدراهم لم يجز إلا بالقبض فإن قبض بعضا وبقي بعض جاز فيما قبضر وانتقض فيما لم يقبض إذا رضي بذلك المصالح القابض وإذا أقر أحد الورثة في دار في أيديهم بحق لرجل ثم صالحه منه على شيء بعينه فالصلح جائزوالوارث المقرمتطوع لا يرجع على إخوته بشيء ولو ادعى رجل على رجل بيتا في يديه فاصطلحا بعد الإقرار على أن يكون لأحدهما سطحه والبناء على جدرانه بناء معلوما فجائز قال المزني: قلت أنا: لا يجوزأقيس على قوله في إبطاله أن يعطي رجلا مالا على أن يشرع في بنائه حقا فكذلك لا يجوز الصلح على أن يبني على جدرانه بناء قال الشافعي: ولو اشترى علو بيت على أن يبني على جدرانه ويسكن على سطحه أجزت ذلك إذا سميا منتهى البنيان لأنه ليس كالأرض في احتمال ما يبني عليها قال المزني: هذا عندي غير منعه في كتاب أدب القاضي أن يقتسما دارا على أن يكون لأحدهما السفل وللآخر العلوحتى يكون السفل والعلو لواحد قال الشافعي: ولوكانت منازل سفل في يدي رجل والعلو في يدي آخر فتداعيا العرصة فهي بينهما ولو كان فيها درج إلى علوها فهي لصاحب العلوكانت معقودة أو غير معقودة لأنها تتخذ ممرا وإن انتفع بما تحتها ولو ادعى على رجل زرعا في أرض فصالحه من ذلك على دراهم فجائز لأن له أن يبيع زرعه أخضر ممن يقصله ولوكان الزرع بين رجلين فصالحه أحدهما على نصف الزرع لم يجز من قبل أنه لا يجوزأن يقسم الزرع أخضر ولا يجبر شريكه على أن يقلع منه شيئا.

باب الحوالة.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"طل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع"1 قال الشافعي: وفي هذا دلالة أن الحق يتحول على المحال عليه ويبرأ منه المحيل فلا يرجع عليه أبدا كان المحال عليه غنيا أو فقيرا أفلس أو مات معدما غرمنه أو لم يغرمنه قال الشافعي: ولوكان كما قال محمد بن الحسن: إذا أفلس أومات مفلسا رجع على المحيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/231, 262.

 

ص -148-     لما صبر المحتال على من أحيل لأن حقه ثابت على المحيل ولا يخلومن أن يكون حقه قد تحول عني فصار إلى غيري فلم يأخذني بما برئت منه لأن أفلس غيري أو لا يكون حقه تحول عني فلم أبرأني منه قبل أن يفلس المحال عليه واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان رضي الله عنه قال في الحوالة أو الكفالة: يرجع صاحبها لاتوى على مال مسلم1 قال الشافعي: وهو عندي يبطل من وجهين ولو صح ما كان له فيه شيء لأنه لا يدري قال ذلك في الحوالة أو الكفالة قال المزني: هذه مسائل تحريت فيها معاني جوابات الشافعي في الحوالة قال المزني: قلت أنا: من ذلك ولو اشترى عبدا بألف درهم وقبضه ثم أحال البائع بالألف على رجل له عليه دين ألف درهم فاحتال ثم إن المشتري وجد بالعبد عيبا فرده بطلت الحوالة وإن رد العبد بعد أن قبض البائع ما احتال به رجع به المشتري على البائع وكان المحال عليه منه بريئا قال المزني: وفي إبطال الحوالة نظر قال: ولو كان البائع أحال على المشتري بهذه الألف رجلا له عليه ألف درهم ثم تصادق البائع والمشتري أن العبد الذي تبايعاه حر الأصل فإن الحوالة لا تنتقض لأنهما يبطلان بقولهما حقا لغيرهما فإن صدقهما المحتال أو قامت بذلك بينة انتقضت الحوالة ولو أحال رجل على رجل بألف درهم وضمنها ثم اختلفا فقال المحيل: أنت وكيلي فيها وقال المحتال: بل أنت أحلتني بمالي عليك وتصادقا على الحوالة والضمان فالقول قول المحيل والمحتال مدع ولو قال المحتال: أحلتني عليه لأقبضه لك ولم تحلني بمالي عليك فالقول قوله مع يمينه والمحيل مدع للبراءة مما عليه فعليه البينة ولوكان لرجل على رجل ألف درهم فأحاله المطلوب بها على رجل له عليه ألف درهم ثم أحاله بها المحتال عليه على ثالث له عليه ألف درهم برئ الأولان وكانت للطالب على الثالث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/5.

باب الكفالة.
قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}2 وقال عز وجل: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}3 وروي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزعيم غارم"4 والزعيم في اللغة هو الكفيل وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم: "هل على صاحبكم من دين؟" فقالوا: نعم درهمان قال: "صلوا على صاحبكم" فقال علي رضوان الله عليه: هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي رضي الله عنه فقال: "جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك"5 قال المزني: قلت أنا: وفي ذلك دليل على أن الدين الذي كان على الميت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 3/262.
3 سورة يوسف:72.
4 سورة القلم:40.
5 انظر الأم 3/242.

 

ص -149-     لزم غيره بأن ضمنه وروى الشافعي في قسم الصدقات "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة"1 ذكر منها رجلا تحمل بحمالة فحلت الصدقة قلت أنا: فكانت الصدقة محرمة قبل الحمالة فلما تحمل لزمه الغرم بالحمالة فخرج من معناه الأول إلى أن حلت له الصدقة قال الشافعي: وإذا ضمن رجل عن رجل حقا فللمضمون له أن يأخذ أيهما شاء فإن ضمن بأمره وغرم رجع بذلك عليه وإن تطوع بالضمان لم يرجع قال المزني: قلت أنا: وكذلك كل ضامن في دين وكفالة بدين وأجرة ومهر وضمان عهدة وأرش جرح ودية نفس فإن أدى ذلك الضامن عن المضمون عنه بأمره رجع به عليه وإن أداه بغير أمره كان متطوعا لا يرجع به فإن أخذ الضامن بالحق وكان ضمانه بأمر الذي هو عليه فله أخذه بخلاصه وإن كان بغير أمره لم يكن له أخذه في قياس قوله ولو ضمن عن الأول بأمره ضامن ثم ضمن عن الضامن ضامن بأمره فجائز فإن قبض الطالب حقه من الذي عليه أصل المال أو أحاله به برؤوا جميعا ولو قبضه من الضامن الأول رجع به على الذي عليه الأصل وبرئ منه الضامن الآخر وإن قبضه من الضامن الثاني رجع به على الضامن الأول ورجع به الأول على الذي عليه الأصل ولوكانت المسألة بحالها فأبرأ الطالب الضامنين جميعا برئا ولا يبرأ الذي عليه الأصل لأن الضمان عند الشافعي ليس بحوالة ولكن الحق على أصله والضامن مأخوذ به قال المزني: قلت أنا: ولوكان له على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه بأمره فدفعها أحدهما رجع بنصفها على صاحبه وإن أبرأ الطالب أحدهما من الألف سقط عنه نصفها الذي عليه وبرئ من ضمان نصفها الذي على صاحبه ولم يبرأ صاحبها من نصفها الذي عليه ولوأقام الرجل بينة أنه باع من هذا رجل ومن رجل غائب عبدا وقبضاه منه بألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن لذلك على صاحبه بأمره قضى عليه وعلى الغائب بذلك وغرم الحاضر جميع الثمن ورجع بالنصف على الغائب قال المزني: قلت أنا: وهذا مما يجامعنا عليه من أنكر القضاء على غائب ولو ضمن عن رجل بأمره ألف درهم عليه لرجل فدفعها بمحضره ثم أنكر الطالب أن يكون قبض شيئا حلف وبرئ وقضى على الذي عليه الدين بدفع الألف إلى الطالب ويدفع ألفا إلى الضامن لأنه دفعها بأمره وصارت له دينا عليه فلا يذهب حقه ظلم الطالب له ولوأن الطالب طلب الضامن فقال: لم تدفع إلي شيئا قضى عليه بدفعها ثانية ولم يرجع على الامر إلا بالألف التي ضمنها عنه لأنه يقر أن الثانية ظلم من الطالب له فلا يرجع على غيره من ظلمه ولو ضمن لرجل ما قضى به له على آخر أو ما شهد به فلان عليه قال الشافعي: لا يجوز هذا وهذه مخاطرة وقال الشافعي: ولو ضمن دين ميت بعد ما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان لازم ترك الميت شيئا أو لم يتركه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البيهقي 7/15.

 

ص -150-     ولا تجوز كفالة العبد المأذون له بالتجارة لأن هذا استهلاك ولو ضمن عن مكاتب أو مالا في يدي وصي أو مقارض وضمن ذلك أحد منهم عن نفسه فالضمان في ذلك كله باطل وضمان المرأة كالرجل ولا يجوز ضمان من لم يبلغ ولا مجنون ولا مبرسم يهذي ولا مغمى عليه ولا أخرس لا يعقل وإن كان يعقل الإشارة والكتاب فضمن لزمه وضعف الشافعي كفالة الوجه في موضع وأجازها في موضع آخر إلا في الحدود.

باب الشركة.
قال المزني: الشركة من وجوه منها: الغنيمة أزال الله عز وجل ملك المشركين عن خيبر فملكها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وكانوا فيه شركاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أجزاء ثم أقرع بينها فأخرج منها خمس الله تبارك وتعالى لأهله وأربعة أخماسها لأهلها1 قال المزني: وفي ذلك دليل على قسم الأموال والضرب عليها بالسهام ومنها: المواريث ومنها الشركة في الهبات والصدقات في قوله ومنها: التجارات وفي ذلك كله القسم إذا كان مما يقسم وطلبه الشريك ومنها: الشركة في الصدقات والمحرمات في قوله وهي الأحباس ولا وجه لقسمها في رقابها لارتفاع الملك عنها فإن تراضوا من السكنى سنة بسنة فلا بأس والذي يشبه قول الشافعي أنه لا تجوز الشركة في العرض ولا فيما يرجع في حال المفاصلة إلى القيمة لتغير القيم ولا أن يخرج أحدهما عرضا والاخر دنانير ولا تجوز إلا بمال واحد بالدنانير أو بالدراهم فإن أرادا أن يشتركا ولم يمكنهما إلا عرض فإن المخرج في ذلك عندي أن يبيع أحدهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه ويتقابضان فيصير جميع العرضين بينهما نصفين ويكونان فيه شريكين إن باعا أو حبسا أو عارضا لا فضل في ذلك لأحد منهما قال المزني: وشركة المفاوضة عند الشافعي لا تجوز بحال والشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد منهما دنانير مثل دنانير صاحبه ويخلطاهما فيكونان فيها شريكين فإن اشتريا فلا يجوز أن يبيعه أحدهما دون صاحبه فإن جعل كل واحد منهما لصاحبه أن يتجر في ذلك كله بما رأى من أنواع التجارات قام في ذلك مقام صاحبه فما ربحا أو خسرا فلهما وعليهما نصفين ومتى فسخ أحدهما الشركة انفخست ولم يكن لصاحبه أن يشتري ولا يبيع حتى يقسما وإن مات أحدهما انفسخت الشركة وقاسم وصي الميت شريكه فإن كان الوارث بالغا رشيدا فأحب أن يقيم على مثل شركته كأبيه فجائز ولو اشتريا عبدا وقبضاه فأصابا به عيبا فأراد أحدهما الرد والأخر الإمساك قال الشافعي: ذلك جائز لأن معقولا أن كل واحد منهما اشترى نصفه بنصف الثمن ولو اشترى أحدهما بما لا يتغابن الناس بمثله كان ما اشترى له دون صاحبه ولو أجازه شريكه ما جاز لأن شراءه كان على غيرما يجوز عليه وأيهما ادعى في يدي صاحبه من شركتهما شيئا فهومدع وعليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/102, 103.

 

ص -151-     البينة وعلى صاحبه اليمين وأيهما ادعى خيانة صاحبه فعليه البينة وأيهما زعم أن المال قد تلف فهو أمين وعليه اليمين وإذا كان العبد بين رجلين فأمر أحدهما صاحبه ببيعه فباعه من رجل بألف درهم فأقر الشريك الذي لم يبع أن البائع قد قبض الثمن وأنكر ذلك البائع وادعاه المشتري فإن المشتري يبرأ من نصف الثمن وهوحصة المقر ويأخذ البائع نصف الثمن من المشتري فيسلم له ويحلف لشريكه ما قبض ما ادعى فإن نكل حلف صاحبه واستحق الدعوى ولو كان الشريك الذي باع هو الذي أقر بأن شريكه الذي لم يبع قبض من المشتري جميع الثمن وأنكر ذلك الذي لم يبع وادعى ذلك المشتري فإن المشتري يبرأ من نصف الثمن بإقرار البائع أن شريكه قد قبض لأنه في ذلك أمين ويرجع البائع على المشتري بالنصف الباقي فيشاركه فيه صاحبه لأنه لا يصدق على حصة من الشركة تسلم إليه إنما يصدق في أن لا يضمن شيئا لصاحبه فأما أن يكون في يديه بعض مال بينهما فيدعي على شريكه مقاسمة يملك بها هذا البعض خاصة فلا يجوز ويحلف لشريكه فإن نكل حلف شريكه واستحق دعواه وإذا كان العبد بين رجلين فغصب رجل حصة أحدهما ثم إن الغاصب والشريك الآخر باعا العبد من رجل فالبيع جائز في نصيب الشريك البائع ولا يجوز بيع الغاصب ولو أجازه المغصوب لم يجز إلا بتجديد في معنى قول الشافعي وبالله التوفيق.