مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -107-     كتاب البيع.
باب ما أمرالله تعالي به ونهى عنه من المبايعات وسنن النبي صلى الله عليه وسلم فيه.

قال الشافعي: قال الله جل وعز:
{ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}1 فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا أن الله جل وعز أحل البيوع إلا ما حرم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أو ما كان في معناه فإذا عقدا بيعا مما يجوز وافترقا عن تراض منهما به لم يكن لأحد منهما رده بعيب أو بشرط خيار2 قال المزني: وقد أجاز في الإملاء وفي كتاب الجديد والقديم وفي الصداق وفي الصلح خيار الرؤية3 وهذا كله غير جائز في معناه قال المزني: وهذا بنفي خيار الرؤية أولى به إذ أصل قوله ومعناه: أن البيع بيعان لا ثالث لهما صفة مضمونة وعين معروفة وأنه يبطل بيع الثوب لم ير بعضه لجهله به فكيف يجيز شراء لم ير شيئا منه قط ولا يدري أنه ثوب أم لا حتى يجعل له خيار الرؤية؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 29.
2 انظر الأم 3/3.
3 قوله: "وهذا كله غير جائز" إلى قوله: "إذ أصل قوله" كذا في الأصل الذي بيدنا وفي العبارة تحريف ظاهر فانظر وحرر كتبه مصححه.

باب خيارالمتبايعين مالم يتفرقا.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار"4 قال الشافعي: وفي حديث آخر إن ابن عمر كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع5 وفي حديث أبي الوضي قال: كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة فقال أبو برزة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"6: قال: وفي الحديث ما لم يحضر يحيى بن حسان حفظه وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال: لا أراكما تفرقتما وجعل لهما الخيار إذا بقيا في مكان واحد بعد البيع وقال عطاء: يخير بعد وجوب البيع7 وقال شريح: شاهدا عدل أنكما تفرقتما بعد رضا ببيع أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع8 قال الشافعي: وبهذا نأخذ وهو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 3/4.
5 انظر الأم 3/4.
6 انظر الأم 3/4.
7 انظر الأم 3/5.
8 انظر الأم 3/5.

 

ص -108-     قول الأكثر من أهل الحجاز والأكثر من أهل الآثار بالبلدان قال: وهما قبل التساوم غير متساومين ثم يكونان متساومين ثم يكونان متبايعين فلو تساوما فقال رجل: امرأتي طالق إن كنتما تبايعتما كان صادقا وإنما جعل لهما النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بعد التبايع ما لم يفترقا فلا تفرق بعدما صارا متبايعين إلا تفرق الأبدان فكل متبايعين في سلعة وعين وصرف وغيره فلكل واحد منهما فسخ البيع حتى يتفرقا تفرق الأبدان على ذلك أو يكون بيعهما عن خيار؟ وإذا كان يجب التفرق بعد البيع فكذلك يجب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع وكذلك قال طاوس: "خير رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بعد البيع فقال الرجل: عمرك الله ممن أنت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امرؤ من قريش"1 قال: فكان طاوس يحلف ما الخيار إلا بعد البيع قال: فإن اشترى جارية فأعتقها المشتري قبل التفرق أو الخيار واختار البائع نقض البيع كان له وكان عتق المشتري باطلا لأنه أعتق ما لم يتم ملكه فإن أعتقها البائع كان جائزا ولو عجل المشتري فوطئها فأحبلها قبل التفرق في غفلة من البائع فاختار البائع فسخ البيع كان على المشتري مهر مثلها وقيمة ولده منها يوم تلده ولحقه بالشبهة وإن وطئ البائع فهي أمته والوطء اختيار لفسخ البيع قال المزني: وهذا عندي دليل على أنه إذا قال لامرأتين له إحداكما طالق فكان له الخيار فإن وطىء إحداهما أشبه أن يكون قد اختارها وقد طلقت الأخرى كما جعل الوطء اختيارا لفسخ البيع قال الشافعي: فإن مات أحدهما قبل أن يتفرقا فالخيار لوارثه وإن كانت بهيمة فنتجت قبل التفرق ثم تفرقا فولدها للمشتري لأن العقد وقع وهو حمل وكذلك كل خيار بشرط جائز في أصل العقد ولا بأس بنقد الثمن في بيع الخيار ولا يجوز شرط خيار أكثر من ثلاث ولولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيار ثلاثة أيام في المصراة ولحبان بن منقذ فيما اشترى ثلاثا2 لما جاز بعد التفرق ساعة ولا يكون للبائع الانتفاع بالثمن ولا للمشتري الانتفاع بالجارية فلما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم على ما وصفناه ثلاثا اتبعناه ولم نجاوزه وذلك أن أمره يشبه أن يكون ثلاثا حدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/5.
2 الحديث أخرجه البيهقي 5/273.

باب الربا وما لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا ولا مؤجلا والصرف.
سمعت المزني يقول: قال الشافعي: أخبرني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم" قال: ونقص أحدهما التمر والملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى3 قال الشافعي: وهو موافق للأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف وبه قلنا وبها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/24.

 

ص -109-     تركنا قول من روى عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الربا في النسيئة" لأنه مجمل وكل ذلك مفسر فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الربا أفي صنفين مختلفين ذهب بورق أو تمر بحنطة فقال: "الربا في النسيئة" فحفظه فأدى قوله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤدي المسألة1 قال: ويحتمل قول عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء" يعطي بيد ويأخذ بأخرى فيكون الأخذ مع الإعطاء ويحتمل أن لا يتفرق المتبايعان من مكانهما حتى يتقابضا فلما قال ذلك عمر لمالك بن أوس: لا تفارقه حتى تعطيه ورقه أو ترد إليه ذهبه وهو راوي الحديث دل على أن مخرج "هاء وهاء"2 تقابضهما قبل أن يتفرقا والربا من وجهين: أحدهما: في النقد بالزيادة وفي الوزن والكيل والآخر: يكون في الدين بزيادة الأجل وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المأكول المكيل والموزون لأنه في معنى ما سمى ولم يجز أن نقيس الوزن على الوزن من الذهب والورق لأنهما غير مأكولين ومباينان لما سواهما وهكذا قال ابن المسيب: لا ربا إلا في ذهب أو ورق أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب3 قال: وهذا صحيح ولو قسنا عليهما الوزن لزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام كما لا يجوزأن نسلم دينارا في موزون من ورق ولا أعلم بين المسلمين اختلافا أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شيء ولا يسلم أحدهما في الاخر غير أن من الناس من كره أن يسلم دينارا أو درهما في فلوس وهو عندنا جائز لأنه لا زكاة فيها ولا في تبرها وإنها ليست بثمن للأشياء المتلفة وإنما أنظر في التبر إلى أصله والنحاس مما لا ربا فيه وقد أجاز عدد منهم إبراهيم النخعي السلف في الفلوس وكيف يكون مضروب الذهب دنانير ومضروب الورق دراهم في معنى الذهب والورق غير مضروبين ولا يكون مضروب النحاس فلوسا في معنى النحاس غير مضروب قال الشافعي: ولا يجوز أن يسلف شيئا بما يكال أو يوزن من المأكول والمشروب في شيء منه وإن اختلف الجنسان جازا متفاضلين يدا بيد قياسا على الذهب الذي لا يجوز أن يسلف في الفضة والفضة التي لا يجوز أن تسلف في الذهب وكل ما خرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلا إلى أجل وإن كان من صنف واحد فلا بأس أن يسلف بعيرا في بعيرين أريد بهما الذبح أو لم يرد ورطل نحاس برطلين وعرض بعرضين إذا دفع العاجل ووصف الآجل وما أكل أوشرب مما لا يكال ولا يوزن فلا يباع منه يابس برطب قياسا عندي على ما يكال ويوزن مما يؤكل أو يشرب وما يبقى ويدخر أو لا يبقى ولا يدخر وكان أولى بنا من أن نقيسه بما يباع عددا من غير المأكول من الثياب والخشب وغيرها ولا يصلح على قياس هذا القول رمانة برمانتين عددا ولا وزنا ولا سفرجلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/7, 8, 24, 15.
2 انظر الأم 3/8, 24, 36..
3 الأثر أخرجه البيهقي 5/286.

 

ص -110-     بسفرجلتين ولا بطيخة ببطيختين ونحوذلك ويباح جنس منه بجنس من غيره متفاضلا وجزافا يدا بيد ولا بأس برمانة بسفرجلتين كما لا بأس بمد حنطة بمدين من تمر ونحوذلك وما كان من الأدوية هليلجها وبليلجها وإن كانت لا تقتات فقد تعد مأكولة ومشروبة فهي بأن تقاس على المأكول والمشروب للقوت لأن جميعها في معنى المأكول والمشروب لمنفعة البدن أولى من أن تقاس على ما خرج من المأكول والمشروب من الحيوان والثياب والخشب وغيرها وأصل الحنطة والتمر الكيل فلا يجوز أن يباع الجنس الواحد بمثله وزنا بوزن ولا وزنا بكيل لأن الصاع يكون وزنه أرطالا وصاع دونه أو أكثر منه فلو كيلا كان صاع بأكثر من صاع كيلا ولا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل من قبل أنه يكون متفاضلا في نحو ذلك ولا بأس بخل العنب مثلا بمثل فأما خل الزبيب فلا خير في بعضه ببعض مثلا بمثل من قبل أن الماء يقل فيه ويكثر فإذا اختلفت الأجناس فلا بأس ولا خيرفي التحري فيما في بعضه ببعض ربا ولا خير في مد عجوة ودرهم بمدي عجوة حتى يكون التمر بالتمر مثلا بمثل وكل زيت ودهن لوز وجوز وبزور لا يجوز من الجنس الواحد إلا مثلا بمثل فإذا اختلف الجنسان فلا بأس به متفاضلا يدا بيد ولا يجوز من الجنس الواحد مطبوخ بنيء منه بحال إذا كان إنما يدخر مطبوخصا ولا مطبوخ منه بمطبوخ لأن النارتنقص من بعض أكثرمما تنقص من بعض وليس له غاية ينتهي إليها كما يكون للتمر في اليبس غاية ينتهي إليها قال المزني: ما أرى لاشتراطه يعني الشافعي إذا كان إنما يدخر مطبوخا معنى لأن القياس أن ما ادخر وما لم يدخر واحد والنار تنقصه قال الشافعي: ولا يباع عسل نحل بعسل نحل إلا مصفيين من الشمع لأنهما لو بيعا وزنا وفي أحدهما شمع وهو غير العسل كان العسل بالعسل غير معلوم وكذلك لو بيعا كيلا ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو زوان بمد حنطة لا شيء فيها من ذلك لأنها حنطة بحنطة متفاضلة ومجهولة وكذلك كل ما اختلط به إلا أن يكون لا يزيد في كيله من قليل التراب وما دق من تبنه فأما الوزن فلا خير في مثل هذا ولبن الغنم ماعزه وضأنه صنف ولبن البقر عرابها وجواميسها صنف ولبن الإبل مهريها وعرابها صنف واحد فأما إذا اختلف الصنفان فلا بأس متفاضلا يد بيد ولا خير في زبد غنم بلبن غنم لأن الزبد شيء من اللبن ولا خير في سمن غنم بزبد غنم وإذا أخرج منه الزبد فلا بأس أن يباع بزبد وسمن ولا خير في شاة فيها لبن يقدر على حلبه بلبن من قبل أن في الشاة لبنا لا أدري كم حصته من اللبن الذي اشتريت به نقدا وإن كانت نسيئة فهو أفسد للبيع وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للبن التصرية بدلا1 وإنما اللبن في الضرع كالجوز واللوز المبيع في قشره يستخرجه صاحبه أنى شاء وليس كالولد لا يقدر على استخراجه وكل ما لم يجز التفاضل فيه فالقسم فيه كالبيع ولا يجوز بيع تمر برطب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/35, 83.

 

ص -111-     بحال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرطب إذا يبس"1 فنهى عنه فنظر إلى المتعقب فكذلك لا يجوز بيع رطب برطب لأنهما في المتعقب مجهولا المثل تمرا وكذلك لا يجوز قمح مبلول بقمح جاف قال: وإذا كان المتبايعان الذهب بالورق بأعيانهما إذا تفرقا قبل القبض كانا في معنى من لم يبايع دل على أن كل سلعة باعها فهلكت قبل القبض فمن مال بائعها لأنه كان عليه تسليمها فلما هلكت لم يكن له أخذ ثمنها قال الشافعي: وإذا اشترى بالدنانير دراهم بأعيانها فليس لأحد أن يعطي غير ما وقع عليه البيع فإن وجد بالدنانير أو الدراهم عيبا فهو بالخيار إن شاء حبس الدنانير بالدراهم سواء قبل التفرق أو بعده أو حبس الدراهم بالدنانير أو نقض البيع وإذا تبايعا ذلك بغير عين الدنانير والدراهم وتقابضا ثم وجد بالدنانير أو ببعض الدراهم عيبا قبل أن يتفرقا أبدل كل واحد منهما صاحبه المعيب وإن كان بعد التفرق ففيه أقاويل أحدها: أنه كالجواب في العين والثاني: أن يبدل المعيب لأنه بيع صفة أجازها المسلمون إذا قبضت قبل التفرق ويشبه أن يكون من حجته كما لو اشترى سلما بصفة ثم قبضه فأصاب به عيبا أخذ صاحبه بمثله قال: وتنوع الصفات غير تنوع الأعيان ومن أجاز بعض الصفقة رد المعيب من الدراهم بحصتها من الدينار قال المزني: إذا كان بيع العين والصفات من الدنانير بالدراهم فيما يجوز بالقبض قبل الافتراق سواء وفيما يفسد به البيع من الافتراق قبل القبض سواء لزم أن يكونا في حكم المعيب بعد القبض سواء وقد قال: يرد الدراهم بقدر حصتها من الدينار قال الشافعي: ولو راطل مائة دينار عتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط خير من المكروه ودون المراونية لم يجز لأني لم أر بين أحد ممن لقيت من أهل العلم اختلافا في أن ما جمعته الصفقة من عبد ودار أن الثمن مقسوم على كل واحد منهما بقدر قيمته في الثمن فكانت قيمة الجيد من الذهب أكثر من الرديء والوسط أقل من الجيد ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا بأس أن يشتري الدراهم من الصراف ويبيعها منه إذا قبضها بأقل من الثمن أو أكثر وعادة وغير عادة سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/26, 31.

باب بيع اللحم باللحم.
قال الشافعي: واللحم كله صنف وحشيه وإنسيه وطائره لا يحل فيه البيع حتى يكون يابسا وزنا بوزن وقال في موضع آخر: فيها قولان فخرجهما ثم قال في آخره ومن قال اللحمان صنف واحد لزمه إذا حده بجماع اللحم أن يقوله في جماع الثمر فيجعل الزبيب والتمر وغيرهما من الثمار صنفا واحدا وهذا مما لا يجوز لأحد أن يقوله قال المزني: فإذا كان تصيير اللحمان صنفا واحدا قياسا لا يجوز بحال وأن ذلك ليس على الأسماء الجامعة وأنها على الأصناف والأسماء الخاصة فقد قطع بأن اللحمان أصناف قال المزني:

 

ص -112-     وقد قطع قبل هذا الباب بأن ألبان البقر والغنم والإبل أصناف مختلفة فلحومها التي هي أصل الألبان بالإختلاف أولى وقال في الإملاء على مسائل مالك المجموعة: فإذا اختلفت أجناس الحيتان فلا بأس بعضها ببعض متفاضلا وكذلك لحوم الطير إذا اختلفت أجناسها قال المزني: وفي ذلك كفاية لما وصفنا وبالله التوفيق.

باب بيع اللحم بالحيوان.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم "عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان"1 وعن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضي الله عنه فجاء بعناق فقال: أعطوني جزءأ بهذه العناق فقال أبو بكر: لا يصلح هذا2 وكان القاسم بن محمد و ابن المسيب و عروة بن الزبير و أبو بكر بن عبد الرحمن يحرمون بيع اللحم بالحيوان عاجلا وآجلا يعظمون ذلك ولا يرخصون فيه3 قال: وبهذا نأخذ كان اللحم مختلفا أو غير مختلف ولا نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خالف في ذلك أبا بكر وإرسال ابن المسيب عندنا حسن قال المزني: إذا لم يثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقياس عندي أنه جائز وذلك أنه كان فصيل بجزور قائمين جائزا ولا يجوزان مذبوحين لأنهما طعامان لا يحل إلا مثلا بمثل فهذا لحم وهذا حيوان وهما مختلفان فلا بأس به في القياس إن كان فيه قول متقدم ممن يكون بقوله اختلاف إلا أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا فيكون ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/98.
2 انظر الأم 3/98.
3 انظر الأم 3/98.

باب بيع الثمر.
قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع"4 قال الشافعي: فإذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإبار حدا لملك البائع فقد جعل ما قبله حدا لملك المشتري وأقل الإبار أن يؤبر شيء من حائطه وإن قل وإن لم يؤبر الذي إلى جنبه فيكون في معنى ما أبر كله ولوتشقق طلع إناثه أو شيء منه فهو في معنى ما أبر كله وإن كان فيها فحول نخل بعد أن تؤبر الإناث فثمرها للبائع وهي قبل الإبار وبعده في البيع في معنى ما لم يختلف فيه من أن كل ذات حمل من بني آدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها لأنه لم يزايلها فإذا بيعت بعد أن ولدت فالولد للبائع إلا أن يشترط المبتاع والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج جوزه ولم يتشقق فهو للمشتري وإذا تشقق فهو للبائع قال: ويخالف الثمار من الأعناب وغيرها النخل فتكون كل ثمرة خرجت بارزة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 3/50.

 

ص -113-     باب لا يجوز بيع الثمر حتي يبدو صلاحه.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن حميد عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل: يا رسول الله: وما تزهى قال
"حتى تحمر"1 وروى عنه صلى الله عليه وسلم ابن عمر: "حتى يبدو صلاحها"2 وروى غيره: "حتى تنجو من العاهة"3 قال: فبهذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/57.
2 انظر الأم 3/57.
3 انظر الأم 3/57.

 

ص -114-     نأخذ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا منع الله عز وجل الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟"1 دلالة على أنه إنما نهى بر عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها لا أنه نهى عما يقطع منها وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتي عليه تمنعه إنما يمنع ما يترك مدة يكون في مثلها الآفة كالبلح وكل ما دون البسر يحل بيعه على أن يقطع مكانه وإذا أذن صلى الله عليه وسلم في بيعه إذا صار أحمر أو أصفر فقد أذن فيه إذا بدا فيه النضج واستطيع أكله خارجا من أن يكون كله بلحا وصار عامته في تلك الحال يمتنع في الظاهر من العاهة لغلظ نواته في عامته وبسره قال: وكذلك كل ثمرة من أصل يرى فيه أول النضج لا كمام عليها وللخربز نضج كنضج الرطب فإذا رئي ذلك فيه حل بيع خربزه والقثاء يؤكل صغارا طيبا فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ثم يترك حتى يتلاحق صغاره بكباره ولا وجه لمن قال: يجوز إذا بدا صلاحهما ويكون لمشتريهما ما ثبت أصلهما أن يأخذ كل ما خرج منهما وهذا محرم وكيف لم يجز بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ويحل ما لم ير ولم يخلق منهما؟ ولو جاز لبدو صلاحهما شراء ما لم يخلق منهما لجاز لبدو صلاح ثمر النخل شراء ما لم يحمل النخل سنين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين2 قال: وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام وكانت إذا صارت إلى ما يكنها أخرجوها من قشرها وكمامها بلا فساد عليها إذا ادخروها فالذي اختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعة بالأرض للحائل وقياس ذلك على شراء لحم شاة مذبوحة عليها جلدها للحائل دون لحمها قال: ولم أجد أحدا من أهل العلم يأخذ عشر الحبوب في أكمامها ولا يجيز بيع الحنطة بالحنطة في سنبلها فإن قال قائل: فأنا أجيز بيع الحنطة في سنبلها لزمه أن يجيزه في تبنها3 أو فضة في تراب بالتراب وعلى الجوز قشرتان واحدة فوق القشرة التي يرفعها الناس عنها فلا يجوز بيعه وعليه القشرة العليا لأنه يصلح أن يرفع بدون العليا وكذلك4 الرانج وما كانت عليه قشرتان ولا يجوز أن يستثني من التمر مدا لأنه لا يدري كم المد من الحائط أسهم من ألف سهم أو من مائة أو أقل أو أكثر فهذا مجهول ولو استثنى ربعه أو نخلات بعينها فجائز وإن باع ثمر حائط وفيه الزكاة ففيها قولان أحدهما: أن يكون للمشتري الخيار في أن يأخذ ما جاوز الصدقة بحصته من الثمن أو الرد والثاني: إن شاء أخذ الفضل عن الصدقة بجميع الثمن أو الرد وللسلطان أخذ العشر من الثمرة قال المزني: هذا خلاف قوله فيمن اشترى ما فيه الزكاة أنه يجعل أحد القولين أن البيع فيه باطل ولم يقله ههنا قال الشافعي: ولا يرجع من اشترى الثمرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/57.
2 انظر الأم 3/67.
3 أو فضة الخ الذي في الأم "لزمه أن يجيز بيع حنطة في تبنها أو حنطة في تراب وأشباه هذا اهـ.
4 الرانج بكسر النون تمر أملس كالتعضوض واحدته بهاء والجوز الهندي كذا في القاموس كتبه مصححه.

 

ص -115-     وسلمت إليه بالجائحة على البائع ولو لم يكن سفيان وهن حديثه في الجائحة لصرت إليه فإني سمعته منه ولا يذكر الجائحة ثم ذكرها وقال: كان كلام قبل وضع الجوائح لم أحفظه ولو صرت إلى ذلك لوضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دونه فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول.

باب المحاقلة والمزابنة.
قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة"1 والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق تمر قال: وعن ابن جريج قلت لعطا: ما المحاقلة قال: المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع بالقمح قال ابن جريج: فقلت لعطاء: أفسر لكم جابر المحاقلة كما أخبرتني قال: نعم2 قال الشافعي: وبهذا نقول إلا في العرايا وجماع المزابنة أن ينظر كل ما عقد بيعه مما الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ربا فلا يجوز منه شيء يعرف بشيء منه جزافا ولا جزافا بجزاف من صنفه فأما أن يقول: أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما نقص فعلي تمامها فهذا من القمار والمخاطرة وليس من المزابنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/76.
2 انظر الأم 3/76.

باب العرايا.
قال الشافعي: المزني قال الشافعي: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق" الشك من داود3 و قال ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في بيع العرايا"4 قال المزني: وروى الشافعي حديثا فيه قلت لمحمود بن لبيد: أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره: ما عراياكم هذه فقال: فلان وفلانة وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا5 قال الشافعي: وحديث سفيان يدل على مثل هذا أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا أن تباع بخرصها من تمر يأكلها أهلها رطبا"6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/65.
4 انظر الأم 3/64.
5 انظر الأم 3/65.
6 انظر الأم 3/65.

 

ص -116-     قال المزني: اختلف ما وصف الشافعي في العرايا وكرهت الإكثار فأصح ذلك عندي ما جاء فيه الخبر وما قال في كتاب اختلاف الحديث وفي الإملاء: إن قوما شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نقد عندهم ولهم تمرا من فضل قوتهم فأرخص لهم فيها1 قال الشافعي: وأحب إلي أن تكون العرية أقل من خمسة أوسق ولا أفسخه في الخمسة وأفسخه في أكثر قال المزني: يلزمه في أصله أن يفسخ البيع في خمسة أوسق لأنه شك وأصل بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر حرام بيقين ولا يحل منه إلا ما أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين فأقل من خمسة أوسق يقين على ما جاء به الخبر وليست الخمسة بيقين فلا يبطل اليقين بالشك قال الشافعي: ولا يبتاع الذي يشتري العرية بالتمر إلا بأن يخرص العرية كما يخرص العشر فيقال فيها الآن رطبا كذا وإذا يبس كان كذا فيدفع من التمر مكيلة خرصها تمرا ويقبض النخلة بتمرها قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع قال: ويبيع صاحب الحائط لكل من أرخص له وإن أتى على جميع حائطه والعرايا من العنب كهي من التمر لا يختلفان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخرص في ثمرتهما ولا حائل دون الإحاطة بهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/67.

باب البيع قبل القبض.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"2 وقال ابن عباس: أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطعام أن يباع حتى يكتال وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله3 قال الشافعي: وإذا نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض لأن ضمانه من البائع ولم يتكامل للمشتري فيه تمام ملك فيجوز به البيع كذلك قسنا عليه بيع العروض قبل القبض لأنه بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن ومن ابتاعه جزافا فقبضه أن ينقله من موضعه وقد "روى عمر وابن عمر أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافا فيبعث النبي صلى الله عليه وسلم من يأمرهم بنقله من الموضع الذي ابتاعوه فيه إلى موضع غيره"4 ومن ورث طعاما كان له بيعه قبل أن يقبضه لأنه غير مضمون على غيره ولو أسلم في طعام وباع طعاما آخر فأحضر المشتري من اكتاله من بائعه وقال: أكتاله لك لم يجز لأنه بيع الطعام قبل أن يقبض فإن قال: أكتاله لنفسي وخذه بالكيل الذي حضرته لم يجز لأنه باع كيلا فلا يبرأ حتى يكيله لمشتريه ويكون له زيادته وعليه نقصانه وكذا "روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى تجري فيه الصيعان"5 ولا يقبض الذي له طعام من طعام يشتريه لنفسه لأنه لا يكون وكيلا لنفسه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 3/43, 46.
3 انظر الأم 3/43, 46, 86, 87.
4 انظر الأم 3/87.
5 انظر الأم 3/88.

 

ص -117-     مستوفيا لها قابضا منها قال: ولوحل له عليه طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إياه لم يجزمن قبل أن أصل ما كان له بيع وإحالته به بيع منه له بطعام على غيره ولوأعطاه طعاما فصدقه في كيله لم يجز فإن قبض فالقول قول القابض مع يمينه فيما وجد ولوكان الطعام سلفا جازأن يأخذ منه ما شاء يدا بيد.

باب بيع المصراة.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تصروا الإبل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر"1 قال الشافعي: والتصرية أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة ثم تترك من الحلاب اليوم واليومين والثلاثة حتى يجتمع لها لبن فيراه مشتريها كثيرا فيزيد في ثمنها لذلك ثم إذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنتين عرف أن ذلك ليس بلبنها لنقصانه كل يوم عن أوله وهذا غرور للمشتري والعلم يحيط أن ألبان الإبل والغنم مختلفة في الكثرة والأثمان فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بدلها ثمنا واحدا صاعا من تمر قال: وكذلك البقر فإن كان رضيها المشتري وحلبها زمانا ثم أصاب بها عيبا غير التصرية فله ردها بالعيب ويرد معها صاعا من تمر ثمنا للبن التصرية ولا يرد اللبن الحادث في ملكه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/35.

باب الرد بالعيب.
قال الشافعي: أخبرني من لا أتهم عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف أنه ابتاع غلاما فاستغله ثم أصاب به عيبا فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته فأخبر عروة عمر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فرد عمر قضاءه وقضى لمخلد بن خفاف برد الخراج2 قال الشافعي: فبهذا نأخذ فما حدث في ملك المشتري من غلة ونتاج ماشية وولد أمة فكله في معنى الغلة لا يرد منها شيئا ويرد الذي ابتاعه وحده إن لم يكن ناقصا عما أخذه به وإن كانت أمة ثيبا فوطئها فالوطء أقل من الخدمة وإن كانت بكراق نتضها لم يكن له أن يردها ناقصة كما لم يكن عليه أن يقبلها ناقصة ويرجع بما بين قيمتها معيبة وصحيحة من الثمن3 ولو أصاب المشتريان صفقة واحدة من رجل بجارية عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك فذلك لهما لأن موجودا في شراء الاثنين أن كل واحد منهما مشتر للنصف بنصف الثمن ولو اشتراها جعدة فوجدها سبطة فله الرد ولو كان باعها أو بعضها ثم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 3/83 والبيهقي 5/321.
3 قوله "ولو أصاب المشتريان الخ" أحسن من هذا عبارة الأم ونصها: "وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من رجل فوجدا بها عيبا الخ".

 

ص -118-     علم بالعيب لم يكن له أن يرجع على البائع بشيء ولا من قيمة العيب وإنما له قيمة العيب إذا فاتت بموت أو عتق أو حدث بها عنده عيب لا يرضى البائع أن يرد به إليه فإن حدث عنده عيب كان له قيمة العيب الأول إلا أن يرضى البائع أن يقبلها ناقصة فيكون ذلك له إلا إن شاء المشتري حبسها ولا يرجع بشيء1 ولو اختلفا في العيب ومثله يحدث فالقول قول البائع مع يمينه على البت لقد باعه بريئا من هذا العيب قال المزني: يحلف بالله ما بعتك هذا العبد وأوصلته إليك وبه هذا العيب لأنه قد يبيعه إياه وهو بريء ثم يصيبه قبل أن يوصله إليه قال المزني: ينبغي في أصل قوله أن يحلفه لقد أقبضه إياه وما به هذا العيب من قبل أنه يضمن ما حدث عنده قبل دفعه إلى المشتري ويجعل للمشتري رده بما حدث عند البائع ولو لم يحلفه إلا على أنه باعه بريئا من هذا العيب أمكن أن يكون صادقا وقد حدث العيب عنده قبل الدفع فنكون قد ظلمنا المشتري لأن له الرد بما حدث بعد البيع في يد البائع فهذا يبين لك ما وصفنا أنه لازم في أصله على ما وصفنا من مذهبه قال المزني: وسمعت الشافعي يقول: كل ما اشتريت مما يكون مأكوله في جوفه فكسرته فأصبته فاسدا فلك رده وما بين قيمته فاسدا صحيحا وقيمته فاسدا مكسورا وقال في موضح آخر: فيها قولان أحدهما: أن ليس له الرد إلا أن يشاء البائع وللمشتري ما بين قيمته صحيحا وفاسدا إلا أن لا يكون له فاسدا قيمة فيرجع بجميع الثمن قال المزني: هذا أشبه بأصله لأنه لا يرد الرانج2 مسكورا كما لا يرد الثوب مقطوعا إلا أن يشاء البائع قال الشافعي: ولو باع عبده وقد جنى ففيها قولان أحدهما: أن البيع جائز كما يكون العتق جائزا وعلى السيد الأقل من قيمته أو أرش جنايته والثاني: أن البيع مفسوخ من قبل أن الجناية في عنقه كالرهن فيرد البيع ويباع فيعطى رب الجناية جنايته وبهذا أقول إلا أن يتطوع السيد بدفع الجناية أو قيمة العبد إن كانت جنايته أكثر كما يكون هذا في الرهن قال المزني: قلت أنا: قوله كما يكون العتق جائزا تجويز منه للعتق وقد سوى في الرهن بين إبطال البيع والعتق فإذا جاز العتق في الجناية فالبيع جائز مثله قال الشافعي: ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون مبيعا معه فما جاز أن يبيعه من ماله جاز أن يبيعه من مال عبده وما حرم من ذلك حرم من هذا فإن قال قائل: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع"3 قال الشافعي: فدل على أن مال العبد لمالك العبد فالعبد لا يملك شيئا ولو كان اشترط ماله مجهولا وقد يكون دينا واشتراه بدين كان هذا بيع الغرر وشراء الدين بالدين فمعنى قوله: "إلا أن يشترطه المبتاع"4 على معنى ما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "ولا من قيمة العيب" كذا في الأصل ولعل هنا سقطا أو تكون كلمة "ولا" من زيادة النساخ كتبه مصححه.
2 الرانج: بالراء والنون المكسورة هو الجوز الهندي كتبه مصححه.
3 انظر الأم 3/50.
4 انظر الأم 3/50.

 

ص -119-     حل كما أباح الله ورسوله البيع مطلقا على معنى ما يحل لا على ما يحرم قال المزني: قلت أنا: وقد كان الشافعي قال: يجوز أن يشترط ماله وإن كان مجهولا لأنه تبع له كما يجوز حمل الأمة تبعا لها وحقوق الدار تبعا لها ولا يجوز بيع الحمل دون أمه ولا حقوق الدار دونها ثم رجع عنه إلى ما قال في هذا الكتاب قال المزني: والذي رجع إليه أصح قال الشافعي: وحرام التدليس ولا ينتقض به البيع قال أبو عبد الله محمد بن عاصم: سمعت المزني يقول: هذا غلط عندي فلو كان الثمن محرما بالتدليس كان البيع بالثمن المحرم منتقضا وإذا قال لا ينقض به البيع فقد ثبت تحليل الثمن غير أنه بالتدليس مأثوم فتفهم فلو كان الثمن محرما وبه وقعت العقدة كان البيع فاسدا أرأيت1 لو اشتراها بجارية فدلس المشتري بالثمن كما دلس البائع بما باع فهذا إذا حرام بحرام يبطل به البيع فليس كذلك إنما حرم عليه التدليس والبيع في نفسه جائز ولو كان من أحدهما سبب يحرم فليس السبب هو البيع ولو كان هو السبب حرم البيع وفسد الشراء فتفهم قال الشافعي: وأكره بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيف ممن يعصي الله به ولا أنقض البيع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "لو اشتراها بجارية" كذا في النسخ ويظهر أن في العبارة تحريفا ولعل الصواب "لو اشترى شيئا مجارفة" فانظر حرر كتبه مصححه.

باب بيع البراءة.
قال الشافعي: إذا باع الرجل شيئا من الحيوان بالبراءة فالذي أذهب إليه قضاء عثمان رضي الله عنه أنه بريء من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه له ويقفه عليه2 تقليدا فإن الحيوان مفارق لما سواه لأنه لا يفتدى بالصحة والسقم وتحول طبائعه فقلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر وإن أصح في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره أن لا يبرأ من عيوب تخفى له لم يرها ولو سماها لاختلافها أو يبرأ من كل عيب والأول أصح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 قوله: "تقليدا" وقوله بعد "يفتدي" كذا في الأصل ولعل اللفظين محرفان فحرر كتبه مصححه.

باب بيع الأمة.
قال الشافعي: إذا باعه جارية لم يكن لأحد منهما فيها مواضعة فإذا دفع الثمن لزم البائع التسليم ولا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه من يده إلى غيره ولو كان لا يلزم دفع الثمن حتى تحيض وتطهر كان البيع فاسدا للجهل بوقت دفع الثمن وفساد آخر أن الجارية لا مشتراة شراء العين فيكون لصاحبها أخذها ولا على بيع الصفة فيكون الأجل معلوما ولا يجوز بيع العين إلى أجل ولا للمشتري أن يأخذ منه حميلا بعهدة ولا بوجه وإنما التحفظ قبل الشراء.

 

ص -120-     باب البيع مرابحة.
قال الشافعي: فإذا باعه مرابحة على العشرة واحد وقال: قامت علي بمائة درهم ثم قال: أخطأت ولكنها قامت علي بتسعين فهي واجبة للمشتري برأس مالها وبحصته من الربح فإن قال: ثمنها أكثر من مائة وأقام على ذلك بينة لم يقبل منه وهو مكذب لها ولو علم أنه خانه حططت الخيانة وحصتها من الربح ولوكان المبيع قائما كان للمشتري أن يرده ولم أفسد البيع لأنه لم ينعقد على محرم عليهما معا إنما وقع محرما على الخائن منهما كما يدلس له بالعيب فيكون التدليس محرما وما أخذ من ثمنه محرما وكان للمشتري في ذلك الخيار.

باب الرجل يبيع الشي إلي أجل ثم يشتريه بأقل من الثمن.
قال الشافعي: ولا بأس بأن يبيع الرجل السلعة إلى أجل ويشتريها من المشتري بأقل بنمد وعرض وإلى أجل قال بعض الناس: إن امرأة أتت عائشة فسألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم بكذا وكذا إلى العطاء ثم اشترته منه بأقل فقالت عائشة: بئسما اشتريت وبئسما ابتعت أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب1 قال الشافعي: وهو مجمل ولو كان هذا ثابتا فقد تكون عائشة عابت البيع إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم وزيد صحابي وإذا اختلفوا فمذهبنا القياس وهو مع زيد ونحن لا نثبت مثل هذا على عائشة وإذا كانت هذه السلعة لي كسائر مالي لم لا أبيع ملكي بما شئت وشاء المشتري؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/47.

باب تفريق صفة البيع وجمعها.
قال المزني اختلف قول الشافعي رحمه الله في تفريق الصفقة وجمعها وبيضت له موضعا لأجمع فيه شرح أولى قوليه فيه إن شاء الله2 قال الشافعي: رحمه الله في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: وإذا اشترى ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالآخر عيبا واختلفا في ثمن الثوب فقال البائع: قيمته عشرة وقال المشتري: قيمته ثمانية فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد لزم المشتري فإن أراد رد الثوب بأكثر من الثمن أو أراد الرجوع بالعيب بأكثر من الثمن فلا يعطيه بقوله الزيادة وقال في كتاب الصلح أنه كالبيع وقال فيه في موضعين مختلفين: إن صالحه من دار بمائة وبعبد ثمنه مائة ثم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 قوله: قال الشافعي إلى آخر الباب وجدنا في بعض نسخ المختصر ما ملخصه "هذه الفروع كلها نقلها الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي من نسخة قديمة من المختصر وعرضها على السراج البلقيني فأقرها كتبه مصححه.

 

ص -121-     وجد به عيبا أن له الخيار إن شاء رد العبد وأخذ المائة بنصف الصلح ويسترد نصف الدار لأن الصفقة وقعت على شيئين وقال في نشوز الرجل على المرأة وفي كتاب الشروط: لو اشترى عبدا واستحق نصفه إن شاء رد الثمن وإن شاء أخذ نصفه بنصف الثمن وقال في الشفعة: إن اشترى شقصا وعرضا صفقة واحدة أخذت الشفعة بحصتها من الثمن وقال في الإملاء على مسائل مالك: اذا صرف دينارا بعشرين درهما فقبض تسعة عشر درهما ولم يجد درهما فلا بأس أن يأخذ التسعة عشر بحصتها من الدينار ويتناقضه البيع بحصة الدرهم ثم إن شاء اشترى منه بحصة الدينار ما شاء يتقابضانه قبل التفرق أو تركه عمدا متى شاء أخذه وقال في كتاب البيوع الجديد الأول: لو اشترى بمائة دينار مائة صاع تمر ومائة صاع حنطة ومائة صاع علس جاز وكل صنف منها بقيمته من المائة وقال في الإملاء على مسائل مالك المجموعة: وإذا جمعت الصفقة برديا وعجوة بعشرة وقيمة البردي خمسة أسداس الثمن وقيمة العجوة سدس العشرة فالبردي بخمسة أسداس الثمن والعجوة بسدس الثمن وبهذا المعنى قال في الإملاء: لا يجوزذهب جيد ورديء بذهب وسط ولا تمر جيد ورديء بتمر وسط لأن لكل واحد من الصنفين حصة في القيمة فيكون الذهب بالذهب والتمر بالتمر مجهولا وبهذا المعنى قال: لا يجوز أن يسلف مائة دينار في مائة صاع تمر ومائة صاع حنطة لأن ثمن كل واحد منهما مجهول وقال في الإملاء على مسائل مالك المجموعة: إن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفين فكل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن وقال في بعض كتبه: لو ابتاع غنما حال عليها الحول المصدق الصدقة منها فللمشتري الخيار في رد البيع لأنه لم يسلم له كما اشترى كاملا أويأخذ ما بقي بحصته من الثمن وقال: إن أسلف في رطب فنفد رجع بحصة ما بقي لان شاء أخر إلى قابل وقال في كتاب الصداق: ولو أصدق أربع نسوة ألفا قسمت على مهورهن قال: ولو أصدقها عبدا فاستحق نصفه كان الخيار لها أن تأخذ نصفه والرجوع بنصف قيمته أو الرد قال المزني رحمه الله: فأما قيمة ما استحق من العبد فهذا غلط في معناه وكيف تأخذ قيمة ما لم تملكه قط؟ بل قياس قوله هذا ترجع بنصف مهر مثلها كما لو استحق كله كان لها مهر مثلها وقال في الإملاء على الموطأ: لو اشترى جارية أو جاريتين فأصاب بإحداهما عيبا فليس له أن يردها بحصتها من الثمن وذلك أنها صفقة واحدة فلا ترد إلا معا كما يكون له لو بيع من دار ألف سهم وهو شفيعها أن يأخذ بعض السهمان دون بعض وإنما منعت أن يرد المعيب بحصته من الثمن أنه وقع غير معلوم القيمة وإنما يعلم بعد وأي شيء عقداه برضاهما عليه كذلك كان فاسدا لا يجوزأن أقول أشتري منك الجارية بهاتين الجاريتين على أن كل واحدة منهما بقيمتها منها ولو سميت أيتهما أرفع لأن ذلك على أمر غير معلوم وقال: فإن فاتت إحدى الجاريتين بموت أو بولادة لم يكن له رد التي بعيب ويرجع بقيمة العيب من الجارية كانت قيمة التي فاتت عشرين والتي بقيت ثلاثين وقيمة الجارية التي اشترى بها خمسين فصارت حصة المعيبة من الجارية ثلاثة أخماسها وكان العيب ينقصها العشر فيرجع بعشر الثمن.

 

ص -122-     وهو ثلاثة وقال في كتاب الإملاء على الموطأ: ولو صرف الدينار بالدراهم فوجد منها زائفا فهو بالخيار بين أخذه ورده وبنقض الصرف لأنها صفقة واحدة وقال فيه أيضا في موضع آخر: فإن كان الدرهم زائفا من قبل السكة أو قبح الفضة فلا بأس على المشتري في أن يقبله فإن رده رد الصرف كله لأنها بيعة واحدة وإن زاف على أنه نحاس أو تبر غير فضة فلا يكون له أن يقبضه والبيع منتقض وقال في كتاب الإملاء على مسائل مالك المجموعة: ولا يجوز بيع ذهب بذهب ولا ورق بورق ولا بشىء من المأكول أو المشروب إلا مثلا بمثل فإن تفرقا من مقامهما وبقي قبل أحد منهما شيء فسد وقال في كتاب الصلح: إنه كالبيع فإن صالحه من دار بمائة وبعبد قيمته مائة وأصاب بالعبد عيبا فليس له إلا أن ينقض الصلح كله أو يجيزه معا وقال في هذه المسألة بعينها: ولو استحق العبد انتقض الصلح كله وقال في الصداق: فإذا ذهب بعفر البيع لم أرد الباقي وقال في كتاب المكاتب نصفه عبد ونصفه حركان في معنى من باع ما يملك وما لا يملك وفسدت الكتابة قال المزني: وهذا كله منع تفريق صفقة قال المزني: فإذا اختلف قوله في الشيء الواحد تنافيا وكانا بلا معنى وكان أولاهما به ما أشبه قوله الذي لم يختلف قال: و أخبرني بعض أصحابنا عن المزني رحمه الله أنه يختار تفريق الصفقة ويراه أولى قولي الشافعي.

باب اختلاف المتبايعين وإذا قال كل واحد منهما لا أدفع حتي أقبض.
قال الشافعي: رحمه الله: أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار"1 قال: وقال مالك إنه بلغه عن ابن مسعود أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان" قال الشافعي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه2 فإذا تبايعا عبدا فقال البائع بألف والمشتري بخمسمائة فالبائع يدعي فضل الثمن والمشتري يدعي السلعة بأقل من الثمن فيتحالفان فإذا حلفا معا قيل للمشتري أنت بالخيار في أخذه بألف أو رده ولا يلزمك ما لا تقر به فأيهما نكل عن اليمين وحلف صاحبه حكم له قال: وإذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم وهما متصادقان على البيع ومختلفان في الثمن بنقض البيع ووجدنا الفائت في كل ما نقض فيه القائم منتقضا فعلى المشتري رده إن كان قائما أو قيمته إن كان فائتا كانت أقل من الثمن أو أكثر قال المزني: يقول صارا في معنى من لم يتبايع فيأخذ البائع عبده قائما أو قيمته متلفا قال: فرجع محمد بن الحسن إلى ما قلنا وخالف صاحبيه وقال: لا أعلم ما قالا إلا خلاف القياس والسنة قال: والمعقول إذا تناقضاه والسلعة قائمة تناقضاه وهي فائتة لأن الحكم أن يفسخ العقد فقائم وفائت سواء قال المزني: ولو لم يختلفا وقال كل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/11.
2 انظر الأم 3/68.

 

ص -123-     واحد منهما: لا أدفع حتى أقبض فالذي أحب الشافعي من أقاويل وصفها أن يؤمر البائع بدفع السلعة ويجبر المشتري على دفع الثمن من ساعته فإن غاب وله مال أشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة فإذا دفع أطلق عنه الوقف وإن لم يكن له مال فهذا مفلس والبائع أحق بسلعته ولا يدع الناس يتمانعون الحقوق وهو يقدر على أخذها منهم قال: ولو كان الثمن عرضا أو ذهبا بعينه فتلف من يدي المشتري أو تلفت السعة مع يدي البائع انتقض البيع قال: ولا أحب مبايعة من أكثر ماله من ربا أو من حرام ولا أفسخ البيع لإمكان الحلال فيه.

باب البيع الفاسد.
قال الشافعي: إذا اشترى جارية على أن لا يبيعها أو على أن لا خسارة عليه من ثمنها فالبيع فاسد ولو قبضها فأعتقها لم يجز عتقها وإن أولدها ردت إلى ربها وكان عليه مهر مثلها وقيمة ولده يوم خرج منها فإن مات الولد قبل الحكم أو بعده فسواء ولو كان باعها فسد البيع حتى ترد إلى الأول فإن ماتت فعليه قيمتها كان أكثر من الثمن الفاسد أو أقل ولو اشترى زرعا واشترط على البائع حصاده كان فاسدا ولو قال: بعني هذه الصبرة كل أردب بدرهم على أن تزيدني إردبا أو أنقصك إردبا كان فاسدا وكل ما كان من هذا النحو فالبيع فيه فاسد ولو اشترط في بيع السمن أن يزنه بظروفه ما جاز وإن كان على أن يطرح عنه وزن الظروف جاز ولو اشترط الخيار في البيع أكثر من ثلاث بعد التفرق فسد البيع.

باب بيع الغرر.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار "عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر"1 قال: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن عسب الفحل2 ولا يجوز بحال ومن بيوع الغرر عندنا بيع ما ليس عندك وبيع الحمل في بطن أمه والعبد الآبق والطير والحوت قبل أن يصادا وما أشبه ذلك ومما يدخل في هذا المعنى أن يبيع الرجل عبدا لرجل ولم يوكله فالعقد فاسد أجازه السيد أو لم يجزه كما اشترى آبقا فوجده لم يجز البيع لأنه كان على فساد إذ لم يدر أيجده أو لا يجده وكذلك مشتري العبد بغير إذن سيده لا يدري أيجيزه المالك أو لا يجيزه ولو اشترى مائة ذراع من دار لم يجز لجهله بالأذرع ولو علما ذرعها فاشترى منها أذرعا مشاعة جاز ولا يجوز بيع اللبن في الضروع لأنه مجهول كان ابن عباس يكره بيع الصوف على ظهر الغنم واللبن في ضروعها3 إلا بكيل ولا يجوز بيع المسك في دأرة لأنه مجهول لا يدري كم وزنه من وزن جلوده قال المزني: يجوز أن يشتريه إذا رآه بعينه حتى يحيط به علما جزافا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/47.
2 الحديث أخرجه البيهقي 5/339.
3 انظر الأم 3/108, 131.

 

ص -124-     باب بيع حبل الحبلة والملامسة والمنابذة وشراء الأعمي.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع "عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها"1 قال الشافعي: فإذا عقد البيع على هذا فمفسوخ للجهل بوقته وقد لا تنتج أبدا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة2 والملامسة عندنا أن يأتي الرجل بثوبه مطويا فيلمسه المشتري أو في ظلمة فيقول رب الثوب: أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرك إليه اللمس لا خيار لك إذا نظرت إلى جوفه أو طوله وعرضه والمنابذة أن أنبذ إليك ثوبي وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار إذا عرفنا الطول والعرض وكذلك أنبذه إليك بثمن معلوم قال: ولا يجوز شراء الأعمى وإن ذاق ماله طعم لأنه يختلف في الثمن باللون إلا في السلم بالصفة وإذا وكل بصيرا يقبض له على الصفة قال المزني: يشبه أن يكون أراد الشافعي بلفظة الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى فأما من خلق أعمى فلا معرفة له بالألوان فهو في معنى من اشترى ما يعرف طعمه ويجهل لونه وهويفسده فتفهمه ولا تغلط عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/45.
2 انظر الأم 3/23.

باب البيع بالثمن المجهول وبيع النجش ونحوذلك.
قال الشافعي: أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة"3 قال الشافعي: وهما وجهان أحدهما أن يقول: قد بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين إلى سنة قد وجب لك بأيهما شئت أنا وشئت أنت فهذا بيع الثمن فهو مجهول والثاني أن يقول: قد بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف فإذا وجب لك عبدي وجبت لي دارك لأن ما نقص من كل واحد منهما مما باع ازداده فيما اشترى فالبيع في ذلك مفسوخ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش4 قال الشافعي: والنجش خديعة وليس من أخلاق أهل الدين وهوأن يحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهولا يريد شراءها ليقتدي بها السوام فيعطي بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يعلموا سومه فهو عاص لله بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الشراء نافذ لأنه غير النجش وقال صلى الله عليه وسلم:
"لا بيع على بيع بعض"5 قال الشافعي: وبين في معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع على بيع أخيه أن يتواجبا السلعة فيكون المشتري مغتبطا أو غير نادم فيأتيه رجل قبل أن يتفرقا فيعرض عليه مثل سلعته أو خيرا منها بأقل من الثمن فيفسخ بيع صاحبه بأن له الخيار قبل التفرق فيكون هذا إفسادا وقد عصى الله إذا كان بالحديث عالما والبيع فيه لازم قال المزني: وكذلك المدلس عصى الله به والبيع فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/91.
4 انظر الأم 3/109.
5 انظر الأم 3/110.

 

ص -125-     لازم وكذلك الثمن حلال قال الشافعي: الثمن حرام على المدلس.

باب النهي عن بيع حاضرلباد والنهي عن تلقي السلع.
قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع حاضر لباد"1 وزاد غير الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" قال: فإن باع حاضر لباد فهو عاص إذا كان عالما بالحديث ولم يفسخ لأن في قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" يتبين أن عقدة البيع جائزة ولوكانت مفسوخة لم يكن بيع حاضر لباد يمنع المشتري شيئا من فضل البيع وإنما كان أهل البوادي إذا قدموا بسلعهم يبيعونها بسوق يومهم للمؤنة عليهم في حبسها واحتباسهم عليها ولا يعرف من قلة سلعته وحاجة الناس إليها ما يعلم الحاضر فيصيب الناس من بيوعهم رزقا وإذا توكل لهم أهل القرية المقيمون تربصوا بها لأنه لا مؤنة عليهم في المقام بها فلم يصب الناس ما يكون في بيع أهل البادية وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتلقوا الركبان للبيع" قال الشافعي: وسمعت في هذا الحديث: "فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق"2 قال: وبهذا نأخذ إن كان ثابتا وهذا دليل أن البيع جائز غير أن لصاحبها الخيار بعد قدوم السوق لأن شراءها من البدوي قبل أن يصير إلى موضع المتساومين من الغرر بوجه النقص من الثمن فله الخيار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/110, 111.
2 انظر الأم 3/111, 112.

باب بيع وسلف.
قال الشافعي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف3 قال الشافعي: وذلك أن من سنته صلى الله عليه وسلم أن تكون الأثمان معلومة والبيع معلوم فلما كنت إذا اشتريت منك دارا بماثة على أن أسلفك مائة كنت لم أشترها بمائة مفردة ولا بمائتين والمائة السلف عارية له بها منفعة مجهولة وصار الثمن غير معلوم ولا خير في أن يسلفه مائة على أن يقبضه خيرا منها ولا على أن يعطيه إياها في بلد كذا ولوأسلفه إياها بلا شرط فلا بأس أن يشكره فيقضيه خيرا منها ولو كان له على رجل حق من بيع أو غيره حال فأخره به مدة كان له أن يرجع متى شاء وذلك أنه ليس بإخراج شيء من ملكه ولا أخذ منه عوضا فيلزمه وهذا معروف لا يجب له أن يرجع فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/341.

 

ص -126-     وإذا كنا نأمر الوصي أن يشتري بمال اليتيم عقارا لأنه خير له لم يجز أن يبيع له عقارا إلا لغبطة أو حاجة.

باب تصرف الرقيق.
قال الشافعي: وإذا ادان العبد بغير إذن سيده لم يلزمه ما كان عبدا ومتى عتق اتبع به وكذلك ما أقر به من جناية ولو أقر بسرقة من حرزها يقطع في مثلها قطعناه وإذا صار حرا أغرمناه لأنه أقر بشيئين أحدهما لله في يديه فأخذناه والآخر للناس في ماله ولا مال له فأخرناه به كالمعسر نؤخره بما عليه فإذا أفاد أغرمناه ولم يجز إقراره في مال سيده.

باب بيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز.
قال الشافعي: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن "عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن"1 قال الشافعي: و قال صلى الله عليه وسلم:
"من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من أجره كل يوم قيراطان"2 قال: ولا يحل للكلب ثمن بحال ولو جاز ثمنه جاز حلوان الكاهن ومهر البغي ولا يجوز اقتناؤه إلا لصاحب صيد أو حرث أو ماشية أو ما كان في معناهم وما سوى ذلك مما فيه منفعة في حياته بيع وحل ثمنه وقيمته وإن لم يكن يؤكل من ذلك الفهد يعلم للصيد والبازي والشاهين والصقر من الجوارح المعلمة ومثل الهر والحمار الإنسي والبغل وغير ذلك مما فيه منفعة حيا وكل ما لا منفعة فيه من وحش مثل الحدأة والرخمة والبغاثة والفأرة والجرذان والوزغان والخنافس وما أشبه ذلك فأرى - والله أعلم - أن لا يجوز شراؤه ولا بيعه ولا قيمة على من قتله لأنه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا فثمنه كأكل المال بالباطل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/14.
2 انظر الأم 3/15.

باب السلم.
قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن أبي كثير أو ابن كثير3 الشك من المزني عن أبي المنهال عن ابن عباس "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة وربما قال السنتين والثلاث فقال صلى الله عليه وسلم:
"من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم"4 قال الشافعي: قد أذن الله جل وعز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 قوله الشك من المزني ثبت الحديث المذكور في نسخ الأم جميعها بلفظ "عن عبد الله بن كثير عن أبي النهال" وفي خلاصة التذهيب "عبد الله بن كثير الكناني مولاهم روى عنه عبد الله بن أبي نجيح اهـ"
وليس فيها من اسمه عبد الله بن أبي كثير بزيادة أبي" كتبه مصححه.
4 انظر الأم 3/114.

 

ص -127-     في الرهن والسلم فلا بأس بالرهن والحميل فيه1 قال الشافعي: وإذا جاز السلم في التمر السنتين والتمر قد يكون رطبا فقد دل على أنه أجاز الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لأنه إذا أسلف سنتين كان في بعضها في غير حينه قال: وإن فقد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء في البلد الذي أسلفه فيه قيل المسلف بالخيار بين أن يرجع بما بقي من سلفه بحصته أويؤخرذلك إلى رطب قابل وقيل: ينفسخ بحصته ونهى النبي صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع ما ليس عنده وأجاز السلف فدل أنه نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا وذلك بيع الأعيان فإذا أجازه صلى الله عليه وسلم بصفة مضمونا إلى أجل كان حالا أجوز ومن الغرر أبعد فأجازه عطاء حالا قال المزني: قلت أنا: والذي اختار الشافعي أن لا يسلف جزافا من ثياب ولا غيرها ولو كان درهما حتى يصفه بوزنه وسكته وبأنه وضح أو أسود كما يصف ما أسلم فيه قال المزني: قلت أنا: فقد أجاز في موضع آخر أن يدفع سلعته غير مكيلة ولا موزونة في سلم قال المزني: وهذا أشبه بأصله والذي أحتج به في تجويز السلم في الحيوان أن النبي لجم تسلف بكرا فصار به عليه حيوانا2 مضمونا وأن عليا رضي الله عنه باع جملا بعشرين جملا إلى أجل3 وأن ابن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة إلى أجل4 قال المزني: قلت أنا: وهذا من الجزاف العاجل في الموصوف الآجل قال الشافعي: ولو لم يذكرا في السلم أجلا فذكراه قبل أن يتفرقا جاز ولو أوجباه بعد التفرق لم يجز قال: ولا يجوز في السلف حتى يدفع الثمن قبل أن يفارقه ويكون ما سلف فيه موصوفا وإن كان ما سلف فيه بصفة معلومة عند أهل العلم بها وأجل معلوم جاز قال الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}5 فلم يجعل لأهل الإسلام علما إلا بها فلا يجوز إلى الحصاد والعطاء6 لتأخير ذلك وتقديمه ولا إلى فصح النصارى وقد يكون عاما في شهر وعاما في غيره على حساب ينسئون فيه أياما فلو أجزناه كنا قد عملنا في ديننا بشهادة النصارى وهذا غير حلال للمسلمين ولو كان أجله إلى يوم كذا فحتى يطلع فجر ذلك اليوم قال: وإن كان ما سلف فيه مما يكال أو يوزن سميا مكيالا معروفا عند العامة ويكون المسلف فيه مأمونا في.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/93, 114.
2 انظر الأم 3/140.
3 انظر الأم 3/44, 141.
4 انظر الأم 3/44, 140, 141.
5 سورة البقرة: 189.
6 قوله ولا يجوز السلف فيها أي في الحجارة كما في عبارة الأم ونصها قال الشافعي رحمه الله "ولا بأس بالسلف فيي حجارة البنيان والحجارة تفاضل في الألوان والأجناس والعظم ولا يجوز السلف فيها حتى يسمى أخضر الخ اهـ وقوله بعد أو رببربا أو سنبلانيا كذا في الأم والمختصر بدون نقط وحرر هذه النسبة فإنا نقف على صحة اللفظين وقوله ولا كلى قال في الأم "والكلي حجارة محلوقة مدورة صلاب لا تجيب الحديث إذا ضربت تكسرت من حيث لا يريد الضارب اهـ ولم يظهر لنا ضبطه ولعله بضم الكاف جمع الكلية المعروفة سمى بها الصنف المذكور من الحجارة تسمية اصطلاحية فحرر كتبه مصححه.

 

ص -128-     محله فإن كان تمرا قال: صيحاني أو بردي أوكذا وإن كان حنطة قال: شامية أو ميسانية أو كذا وإن كان يختلف في الجنس الواحد بالحدارة والرقة وصفا ما يضبطانه به وقال في كل واحد جيدا وأجلا معلوما أو قال: حالا وعتيقا من الطعام أو جديدا وأن يصف ذلك بحصاد عام كذا مسمى أصح ويكون الموضع معروفا ولا يستغني في العسل من أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة لأنه يتباين في ذلك ولو اشترطا أجود الطعام أو أردأه لم يجز لأنه لا يوقف عليه ولو كان ما أسلف فيه رقيقا قال: عبدا نوبيا خماسيا أو سداسيا أو محتلما ووصف سنه وأسود هو أو وضيء أبيض أو أصفر أو أسحم وكذلك إن كانت جارية وصفها ولا يجوز أن يشترط معها ولدها ولا أنها حبلى وإن كان في بعير قال: من نعم بني فلان من ثني غير مودن نقي من العيوب سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين رباع أو قال: بازل وهكذا الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها ويصف الثياب بالجنس من كتان أو قطن أو وشي إسكندراني أو يماني ونسج بلده وذرعه من عرض وطول أو صفاقة أو دقة أو جودة وهكذا النحاس يصفه أبيض أو شبه أو أحمر ويصف الحديد ذكرا أو أنثى وبجنس إن كان له في نحو ذلك وإن كان في لحم قال لحم ماعز ذكر خصي أو غير خصي أو لحم ماعز ثنية أو ثني أو جذع رضيع أو فطيم وسمين أو منقى من فخذ أو يد ويشترط الوزن في نحو ذلك ويقول في لحم البعير خاصة بغير راع من قبل اختلاف لحم الراعي ولحم المعلوف وأكره اشتراط الأعجف والمشوي والمطبوخ ويجوز السلم في لحوم الصيد إذا كانت ببلد لا تختلف ويقول في السمن: سمن ماعز أو ضأن أو بقر وإن كان منها شيء يختلف ببلد سماه ويصف اللبن كالسمن فإن كان لبن إبل قال لبن عود أو أوارك أو حمضية ويقول: راعية أو معلوفة لاختلاف ألبانها في الثمن والصحة ويقول: حليب يومه ولا يسلف في اللبن المخيض لأن فيه ماء وهكذا كل مختلط بغيره لا يعرف أو مصلح بغيره قال المزني: يدخل في هذا الطيب الغالية والأدهان المرببة ونحوها قال الشافعي: ولا خير في أن يسمي لبنا حامضا لأن زيادة حموضته زيادة نقص ويوصف اللبأ كاللبن إلا أنه موزون وبقول في الصوف: صوف ضأن بلد كذا لاختلافه في البلدان ويسمى لونا لاختلاف ألوانها ويقول: جيدا نقيا ومغسولا لما يعلق به فيثقل فيسمى قصارا أو طوالا بوزن وإن اختلف صوف فحولها من غيرها وصفا ما يختلف وكذلك الوبر والشعر ويقول في الكرسف كرسف بلد كذا ويقول جيدا أبيض نقيا أو أسمر وإن اختلف قديمه وجديده سماه وإن كان يكون نديا سماه جافا بوزن قال إبراهيم: وحدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: ولا يجوز السلف فيها حتى يسمي أخضر أو أبيض أو رببربا أو سنبلانيا وبأن لا يكون فيه عرق ولا كلى ويقول في الحطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو عرعر ويقول في عيدان القسي عود شوحطة جدل مستوي البنية قال: ولا بأس أن يسلف في الشيء كيلا وإن كان أصله وزنا ويسلف في لحم الطير بصفة ووزن غيرأنه لا سن له يعني يعرف فيوصف بصغيرأو كبير وما احتمل أن يباع مبعضا وصف موضعه.

 

ص -129-     وكذلك الحيتان وما ضبطت صفته من خشب ساج أو عيدان قسي من طول أو عرض جاز فيه السلم وما لم يكن لم يجز وكذلك حجارة الأرحاء والبنيان والآنية قال: ويجوز السلف فيما لا ينقطع من العطر في أيدي الناس بوزن وصفة كغيره والعنبر منه الأشهب والأخضر والأبيض ولا يجوز حتى يسمي وإن سماه قطعة أو قطعا صحاحا لم يكن له أن يعطيه مفتتا ومتاع الصيادلة كمتاع العطارين ولا خير في شراء شيء خالطه لحوم الحيات من الدرياق لأن الحيات محرمات ولا ما خالطه لبن ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ولو أقاله بعض السلم وقبض بعضا فجائز قال ابن عباس: ذلك المعروف وأجازه عطاء1 قال: وإذا أقاله فبطل عنه الطعام وصار عليه ذهبا تبايعا بعد بالذهب ما شاءا وتقابضا قبل أن يتفرقا من عرض وغيره ولا يجوز في السلف الشركة ولا التولية لأنهما بيع والإقالة فسخ بيع ولوعجل له قبل محله أدنى من حقه أجزته ولا أجعل للتهمة موضعا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/114, 115.

باب ما لا يجوز السلم فيه.
قال الشافعي: ولا يجوز السلم في النبل لأنه لا يقدر على ذرع ثخانتها لرقتها ولا وصفه ما فيها من ريش وعقب وغيره ولا في اللؤلؤ ولا في الزبرجد ولا الياقوت من قبل أني لو قلت لؤلؤة مدحرجة صافية صحيحة مستطيلة وزنها كذا فقد تكون الثقيلة الوزن وزن شيء وهي صغيرة وأخرى أخف منها وهي كبيرة متفاوتتين في الثمن ولا أضبط أن أصفها بالعظم ولا يجوز السلم في جوزولا رانج ولا قثاء ولا بطيخ ولا رمان ولا سفرجل عددا لتباينها إلا أن يضبط بكيل أو وزن فيوصف بما يجوز قال: وأرى الناس تركوا وزن الرؤوس لما فيها من الصوف وأطراف المشافر والمناخر وما أشبه ذلك لأنه لا يؤكل فلو تحامل رجل فأجاز السلف فيه لم يجز إلا موزونا قال: ولا يجوز السلف في جلود الغنم ولا جلود غيرها ولا إهاب من رق لأنه لا يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته ولا السلف في خفين ولا نعلين ولا السلف في البقول حزما حتى يسمي وزنا وجنسا وصغيرا أوكبيرا وأجلا معلوما.

باب التسعير.
قال الشافعي: أخبرنا الدراوردي عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بدرهم فقال عمر: لقد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبا وهم يعتبرون سعرك فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت فلما رجع عمرحاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء إنما هوشيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع2 قال الشافعي: وهذا الحديث مستقصى ليس بخلاف لما روى مالك ولكنه روى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 3/204.

 

ص -130-     بعض الحديث أو رواه من روى عنه وهذا أتى بأول الحديث وآخره وبه أقول لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها ولا شيئا منها بغيرطب أنفسهم إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها.

باب الزيادة في السلف وضبط ما يكال وما يوزن.
قال الشافعي: وأصل ما يلزم المسلف قبول ما سلف فيه أنه يأتيه به من جنسه فإن كان زائدا يصلح لما يصلح له ما سلف فيه أجبر على قبضه وكانت الزيادة تطوعا فإن اختلف في شيء من منفعة أو ثمن كان له أن لا يقبله وليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة وإن كانت حنطة فعليه أن يوفيه إياها نقية من التبن والقصل والمدر والزوان والشعير وغيره وليس عليه أن يأخذ التمر إلا جافا ولو كان لحم طائر لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن الرأس والرجلين من دون الفخذين لأنه لا لحم عليها وإن كان لحم حيتان لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن والرأس ولا الذنب من حيث لا يكون عليه لحم وإن أعطاه مكان كيل وزنا أو مكان وزن كيلا أو مكان جنس غيره لم يجز بحال لأنه بيع السلم قبل أن يستوفى وأصل الكيل والوزن بالحجاز فكل ما وزن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصله الوزن وما كيل فأصله الكيل وما أحدث الناس رد إلى الأصل ولو جاءه بحقه قبل محله فإن كان نحاسا أو نبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذي روح أجبرته على أخذه وإن كان مأكولا أو مشروبا فقد يريد أكله وشربه جديدا وإن كان حيوانا فلا غنى به عن العلف أو الرعي فلا نجبره على أخذه قبل محله لأنه يلزمه فيه مؤنة إلى أن ينتهي إلى وقته فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه.

باب الرهن.
قال الشافعي: أذن الله جل ثناؤه بالرهن في الدين والدين حق فكذلك كل حق لزم في حين الرهن وما تقدم الرهن وقال الله تبارك وتعالى:
{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}1 قال: ولا معنى للرهن حتى يكون مقبوضا من جائز الأمر حين رهن وحين أقبض وما جاز بيعه جاز رهنه وقبضه من مشاع وغيره ولو مات المرتهن قبل القبض فللراهن تسليم الرهن إلى وارثه ومنعه ولو قال: أرهنك داري على أن تداينني فداينه لم يكن رهنا حتى يعقد الرهن مع الحق أو بعده قال: حدثنا الربيع عن الشافعي قال: لا يجوز إلا معه أو بعده فأما قبله فلا رهن قال: ويجوز ارتهان الحاكم وولي المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له وذلك أن يبيعا ويفضلا ويرتهنا فأما أن يسلفا ويرتهنا فهما ضامنان لأنه لا فضل له في السلف يعني القرض ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل من ولي ليتيم أو أب لابن طفل أو مكاتب أو عبد مأذون له في التجارة فلا يجوز له أن يرهن شيئا لأن الرهن أمانة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 283.

 

ص -131-     والدين لازم قال: فالرهن نقص عليهم فلا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم أو ما أشبه ذلك ولوكان لابنه الطفل عليه حق جاز أن يرتهن له شيئا من نفسه لأنه يقوم مقامه في القبض له وإذا قبض الرهن لم يكن لصاحبه إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما فيه من الحق ولو أكرى الرهن من صاحبه أو أعار إياه لم ينفسخ الرهن ولو رهنه وديعة له في يده وأذن له بقبضة فجاءت عليه مدة يمكنه أن يقبضه فيها فهو قبض لأن قبضه وديعة غير قبضه رهنا قال: ولوكان في المسجد والوديعة في بيته لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله وهي فيه ولا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن أو وكيله لا حائل دونه والإقرار بقبض الرهن جائز إلا فيما لا يمكن في مثله فإن أراد الراهن أن يحلف المرتهن أنه قبض ما كان أقر له بقبضه أحلفته والقبض في العبد والثوب وما يحول أن يأخذه مرتهنه من يدي راهنه وقبض ما لا يحول من أرض ودار أن يسلم لا حائل دونه وكذلك الشقص وشقص السيف أن يحول حتى يضعه الراهن والمرتهن على يدي عدل أو يدي الشريك ولو كان في يدي المرتهن بغصب للراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في قبضه فقبضه كان رهنا وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب منه أو يبرئه من ضمان الغصب قال المزني: قلت أنا: يشبه أصل قوله إذا جعل قبض الغصب في الرهن جائزا كما جعل قبضه في البيع جائزا أن لا يجعل الغاصب في الرهن ضامنا إذ الرهن عنده غير مضمون قال الشافعي: ولو رهنه دارين فقبض إحداهما ولم يقبض الأخرى كانت المقبوضة رهنا دون الأخرى بجميع الحق ولو أصابها هدم بعد القبض كانت رهنا بحالها وما سقط من خشبها أو طوبها يعني الآجر ولو رهنه جارية قد وطئها قبل القبض فظهر بها حمل أقر به فهي خارجة من الرهن ولو اغتصبها بعد القبض فوطئها فهي بحالها فإن افتضها فعليه ما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق فإن أحبلها ولم يكن له مال غيرها لم تبع ما كانت حاملا فإذا ولدت بيعت دون ولدها وعليه ما نقصتها الولادة وإن ماتت من ذلك فعليه قيمتها تكون رهنا أو قصاصا من الحق قال: ولا يكون إحباله لها أكبر من عتقها ولا مال له فأبطل العتق وتباع قال المزني: يعني إذا كان معسرا قال الشافعي: فإن كانت تساوي ألفا والحق مائة بيع منها بقدر المائة والباقي لسيدها ولا توطأ وتعتق بموته في قول من يعتقها قال المزني: قلت أنا: قد قطع بعتقها في كتاب عتق أمهات الأولاد قال: وفي الأم أنه إذا أعتقها فهي حرة وقد ظلم نفسه قال الشافعي: ولو بيعت أم الولد بما وصفت ثم ملكها سيدها فهي أم ولده بذلك الولد قال المزني: قلت أنا: أشبه بقوله أن لا تصيرأم ولد له لأن قوله إن العقد إذا لم يجز في وقته لم يجز بعده حتى يبتدأ بما يجوز وقد قال: لا يكون إحباله لها أكبر من عتقها قال: ولو أعتقها أبطلت عتقها قال المزني: قلت أنا: فهي في معنى من أعتقها من لا يجوزعتقه فيها فهي رقيق بحالها فكيف تعتق أوتصيرأم ولد بحادث من شراء وهي في معنى من أعتقها محجور ثم أطلق عنه الحجر فهو لا.

 

ص -132-     يجعلها حرة عليه أبدا بهذا؟ قال الشافعي: ولو أحبلها أو أعتقها بإذن المرتهن خرجت من الرهن ولو اختلفا فقال الراهن: أعتقتها بإذنك وأنكر المرتهن فالقول قوله مع يمينه وهي رهن وهذا إذا كان الراهن معسرا فأما إذا كان موسرا أخذ منه قيمة الجارية والعتق والولاء له وتكون مكانها أو قصاصا ولوأقر المرتهن أنه أذن له بوطئها وزعم أن هذا الولد من زوج لها وادعاه الراهن فهو ابنه وهي أم ولد له ولا يصدق المرتهن وفي الأصل ولا يمين عليه قال المزني: أصل قول الشافعي أنه إن أعتقها أو أحبلها وهي رهن فسواء فإن مكان موسرا أخذت منه القيمة وكانت رهنا مكانها أو قصاصا وإن كان معسرا لم يكن له إبطال الرهن بالعتق ولا بالإحبال وبيعت في الرهن فلما جعلها الشافعي أم ولد لأنه أحبلها بإذن المرتهن ولم تبع كأنه أحبلها وليست برهن فكذلك إذا كان موسرا لم تكن عليه قيمة لأنه أحبلها بإذن المرتهن فلا تباع كأنه أحبلها وليست برهن فتفهم قال الشافعي: ولو وطئها المرتهن حد وولده منها رقيق لا يلحقه ولا مهر إلا أن يكون أكرهها فعليه مهر مثلها ولا أقبل منه دعواه الجهالة إلا أن يكون أسلم حديثا أو ببادية نائية وما أشبهه ولو كان ربها أذن له في وطئها وكان يجهل درن عنه الحد ولحق به الولد وكان حرا وعليه قيمته يوم سقط وفي المهر قولان أحدهما: أن عليه الغرم والاخر: لا غرم عليه لأنه أباحها له ومتى ملكها كانت أم ولد له قال المزني: قلت أنا: قد مضى في مثل هذا جوابي لا ينبغي أن تكون أم ولد له أبدا قال أبو محمد: وهم المزني في هذا في كتاب الربيع ومتى ملكها لم تكن له أم ولدقال الشافعي: ولوكان الرهن إلى أجل فأذن للراهن في بيع الرهن فباعه فجائز ولا يأخذ المرتهن من ثمنه شيئا ولا مكانه رهنا لأنه أذن له ولم يجب له البيع وإن رجع في الإذن قبل البيع فالبيع مفسوخ وهورهن بحاله ولوقال: أذنت لك على أن تعطيني ثمنه وأنكر الراهن الشرط فالقول قول المرتهن مع يمينه والبيع مفسوخ ولوأذن له أن يبيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له بيعه لأنه لم يأذن له إلا على أن يعجله حقه قبل محله والبيع مفسوخ به وهو رهن بحاله قال المزني: قلت أنا: أشبه بقول الشافعي في هذا المعنى أن لا يفسخ الشرط البيع لأن عقد البيع لم يكن فيه شرط ألا ترى أن من قوله: لوأمرت رجلا أن يبيع ثوبي على أن له عشر ثمنه فباعه أن البيع جائز لا يفسخه فساد الشرط في الثمن؟ وكذا إذا باع الراهن بإذن المرتهن فلا يفسخه فساد الشرط في العقد قال المزني: قلت أنا: وينبغي إذا نفذ البيع على هذا أن يكون الثمن مكان الرهن أو يتقاصان قال الشافعي: فلوكان الرهن بحق حال فأذن له فباع ولم يشترط شيئا كان عليه أن يعطيه ثمنه لأنه وجب له بيعه وأخذ حقه من ثمنه ولو رهنه أرضا من أرض من الخراج فالرهن مفسوخ لأنها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فهو رهن لان أدى عنها الخراج فهو متطوع لا يرجع به إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به كرجل اكترى أرضا من رجل اكتراها فدفع المكتري الثاني كراءها عن الأول فهو متطوع ولو اشترى عبدا بالخيار ثلاثا فرهنه قبلها فجائز وهو قطع لخياره وإيجاب للبيع في العبد وإن كان الخيار للبائع أو للبائع.

 

ص -133-     والمشتري فرهنه قبل الثلاث فتم له ملكه بعد الثلاث فالرهن مفسوخ لأنه انعقد وملكه على العبد غير تام ويجوزرهن العبد المرتد والقاتل فإن قتل بطل الرهن ولو أسلفه ألفا برهن ثم سأله الراهن أن يزيده ألفا ويجعل الرهن الأول رهنا بها وبالألف الأولى ففعل لم يجز الآخر لآنه كان رهنا كله بالألف الأولى كما لوتكارى دارا سنة بعشرة ثم اكتراها تلك السنة بعينها بشعرين لم يكن الكراء الثاني إلا بعد فسخ الأول قال المزني: قلت أنا: وأجازه في القديم وهوأقيس لأنه أجاز في الحق الواحد بالرهن الواحد أن يزيده في الحق رهنا فكذلك يجوز أن يزيده في الرهن حقا قال الشافعي: ولو أشهد المرتهن أن هذا الرهن في يده بألفين جازت الشهادة في الحكم فإن تصادقا فهو ما قالا قال الشافعي: ولو رهن عبدا قد صارت في عنقه جناية على آدمي أو في مال فالرهن مفسوخ ولوأبطل رب الجناية حقه لأنه كان أولى به بحق له في عنقه ولوكانت الجناية تساوي دينارا والعبد يساوي ألفا وهذا أكبر من أن يكون رهنه بحق ثم رهنه بعد الأول فلا يجوز الرهن الثاني ولو ارتهنه فقبضه ثم أقر الراهن أنه جنى قبل الرهن جناية ادعى بها ففيها قولان أحدهما: أن القول قول ألراهن لأنه أقر بحق في عنق عبده ولا تبرأ ذمته من دين المرتهن وقيل: يحلف المرتهن ما علم فإذا حلف كان القول في إقرار الراهن بأن عبده جنى قبل يرهنه واحدا من قولين أحدهما: أن العبد رهن ولا يؤخذ من ماله شيء وإن كان موسرا لأنه إنما أقر في شيء واحد بحقين لرجلين أحدهما من قبل الجناية والآخر من قبل الرهن وإذا فك من الرهن وهو له فالجناية في رقبته بإقرار سيده إن كانت خطأ أو شبه عمد لا قصاص وإن كانت عمدا فيها قصاص لم يقبل قوله على العبد إذا لم يقر بها والقول الثاني: أنه إذا كان موسرا أخذ من السيد الأقل من قيمة العبد أو أرش الجناية فيدفع إلى المجني عليه لأنه يقر بأن في عنق عبده حقا أتلفه على المجني عليه برهنه إياه وكان كمن أعتق عبده وقد جنى وهوموسر أوأتلفه أو قتله فيضمن الأقل من قيمته أوأرش الجناية وهو رهن بحاله وإنما أتلف على المجني عليه لا على المرتهن وإن كان معسرا فهورهن بحاله ومتى خرج من الرهن وهو في ملكه فالجناية في عنقه و إن خرج من الرهن ببيع ففي ذمة سيده الأقل من قيمته أو أرش جنايته قال المزني: قلت أنا: وهذا أصحها وأشبهها بقوله لأنه هو والعلماء مجمعة أن من أقربما يضره لزمه ومن أقربما يبطل به حق غيره لم يجزعلى غيره ومن أتلف شيئا لغيره فيه حق فهوضامن بعدوانه وقد قال: إن لم يحلف المرتهن على علمه كان المجني عليه أولى به منه وقد قال الشافعي: بهذا المعنى: لو أقر أنه أعتقه لم يضر المرتهن فإن كان موسرا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا مكانه ولو كان معسرا بيع في الرهن قال: ومتى رجع إليه عتق لأنه مقر أنه حر قال الشافعي: ولو جنى بعد الرهن ثم برئ من الجناية بعفو أو صلح أو غيره فهو على حاله رهن لأن أصل الرهن كان صحيحا ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا لأنه أثبت له عتقا قد يقع قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز وليس له أن يرجع في التدبير إلا بأن يخرجه من ملكه.

 

ص -134-     ولو قال له: إن دخلت الدار فأنت حر ثم رهنه كان هكذا قال المزني: قلت أنا وقد قال الشافعي: إن التدبير وصلى فلو أوصى به ثم رهنه أما كان جائزا؟ فكذلك التدبير في أصل قوله وقد قال في الكتاب الجديد: آخر ما سمعناه منه ولو قال في المدبر إن أدى بعد موتي كذا فهو حر أو وهبه هبة بتات قبض أو لم يقبض ورجع فهذا رجوع في التدبير هذا نص قوله قال المزني: قلت أنا: فقد أبطل تدبيره بغير إخراج له من ملكه كما لو أوصى برقبته وإذا رهنه فقد أوجب للمرتهن حقا فيه فهو أولى برقبته منه وليس لسيده بيعه للحق الذي عقده فيه فكيف يبطل التدبير بقوله: إن أدى كذا فهوحرأو وهبه ولم يقبضه الموهوب له حتى رجع في هبته وملكه فيه بحاله ولا حق فيه لغيره ولا يبطل تدبيره بأن يخرجه من يده إلى يد من هوأحق برقبته منه وبيعه وقبض ثمنه في دينه ومنع سيده من بيعه؟ فهذا أقيس بقوله وقد شرحت لك في كتاب المدبر فتفهمه قال الشافعي: ولو رهنه عصيرا حلوا كان جائزا فإن حال إلى أن يصير خلا أو مرا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله فإن حال العصير إلى أن يسكر فالرهن مفسوخ لأنه صار حراما لا يحل بيعه كما لو رهنه عبدا فمات العبد فإن صار العصير خمرا ثم صار خلا من ضير صنعة آدمي لهو رهن فإن صار خلا بصنعة آدمي فلا يكون ذلك حلالا ولو قال: رهنتكه عصيرا ثم صار في يديك خمرا وقال المرتهن: رهنتنيه خمرا ففيها قولان أحدهما: أن القول قول الراهن لأنه يحدث كما يحدث العيب في البيع ومن قال: هذا أراق الخمر ولا رهن له والبيع لازم والثاني: أن القول قول المرتهن لأنه لم يقر أنه قبض منه شيئا يحل له ارتهانه بحال وليس كالعيب في العبد الذي يحل ملكه والعيب به والمرتهن بالخيار في فسخ البيع قال المزني: قلت أنا: هذا عندي أقيس لأن الراهن ماع قال: ولا بأس أن يرهن الجارية ولها ولد صغير لأن هذا ليس بتفرقة ولو ارتهن نخلا مثمرا فالثمر خارج من الرهن طلعا كان أو بسرا إلا أن يشترطه مع النخل لأنه عين ترى وما هلك في يدي المرتهن من رهن صحيح وفاسد فلا ضمان عليه وإذا رهنه ما يفسد من يومه أو غده أو مدة قصيرة لا ينتفع به يابسا مثل البقل والبطيخ فإن كان الحق حالا فجائز ويباع وإن كان إلى أجل يفسد إليه كرهته ومنعني من فسخه أن للراهن بيعه قبل محل الحق على أن يعطي صاحب الحق حقه بلا شرط فإن شرط أن لا يباع إلى أن يحل الحق فالرهن مفسوخ ولورهنه أرضا بلا نخل فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن وليس عليه قلعها لأنه لا ضرر على الأرض منها حتى يحل الحق فإن بلغت حق المرتهن لم تقلع وإن لم تبلغ قلعت وإن فلس بديون الناس بيعت الأرض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت بالنخل فأعطى المرتهن ثمن الأرض والغرماء ثمن النخل قال: ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن: أحدثت فيها نخلا وأنكر المرتهن ولم تكن دلالة وأمكن ما قال الراهن فالقول قوله مع يمينه ثم كالمسألة قبلها ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لمن يجز أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضره رب الرهن فإن امتنع أمر الحاكم ببيعه ولو كان الشرط للعدل جاز بيعه ما لم يفسخا أو أحدهما وكالته ولو باع بما يتغابن الناس بمثله فلم يفارقه حتى جاء.

 

ص -135-     من يزيده قبل الزيادة فإن لم يفعل فبيعه مردود وإذا بيع الرهن فثمنه من الراهن حتى يقبضه المرتهن ولو مات الراهن فأمر الحاكم عدلا فباع الرهن وضاع الثمن من يدي العدل فاستحق الرهن لم يضمن الحاكم ولا العدل لأنه أمين وأخذ المستحق متاعه والحق والثمن في ذمة الميت والعهدة عليه كهي لو باع على نفسه فليس الذي بيع له الرهن من العهدة بسبيل ولو باع العدل فقبض الثمن فقال ضاع فهو مصدق وإن قالى دفعته إلى المرضهن وأنكر ذلك المرتهن فالقول قوله وعلى الدافع البينة ولو باع بدين كان ضامنا ولو قال له أحدهما: بع بدنانير والاخر: بع بدراهم لم يبع بواحد منهما لحق المرتهن في ثمن الرهن وحق الراهن في رقبته وثمنه وجاء الحاكم حتى يأمره بالبيع بنقد اليلمد ثم يصرفه فيما الرهن فيه وإن تغيرت حال العدل فأيهما دعا إلى إخراجه كان ذلك له وإن أراد العدل رده وهما حاضران فذلك له ولو دفعه بغير أمر الحاكم من غير محضرهما ضمن وإن كانا بعيدي الغيبة لم أر أن يضطره على حبسه وإنما هي وكالة ليست له فيها منفعة وأخرجه الحاكم إلى عدل ولوجنى المرهون على سيده فله القصاص فإن عفا فلا دين له على عبده وهو رهن بحاله فإن جنى عبده المرهون على عبد له آخر مرهون فله القصاص فإن عفا على مال فالمال مرهون في يدي مرتهن العبد المجني عليه بحقه الذي به أجزت لسيد العبد أن يأخذ الجناية من عنق عبده الجاني ولا يمنع المرتهن السيد من العفو بلا مال لأنه لا يكون في العبد مال حتى يختاره الولي وما فضل بعد الجناية فهو رهن وإقرار العبد المرهون بما فيه قصاص جائز كالبينة وما ليس فيه قصاص فإقراره باطل وإذا جنى العبد في الرهن قيل لسيده إن فديته بجميع الجناية فأنت متطوع وهو رهن وإن لم تفعل بيع في جنايته فإن تطوع المرتهن لم يرجع بها على السيد وإن فداه بأمره على أن يكون رهنا به مع الحق الأول فجائز قال المزني: قلت أنا: هذا أولى من قوله لا يجوز أن يزداد حقا في الرهن الواحد فإن كان السيد أمر العبد بالجناية فإن كان يعقل بالغا فهوآثم ولا شيء عليه وإن كان صبيا أو أعجميا فبيع في الجناية كلف السيد أن يأتي بمثل قيمته يكون رهنا مكانه ولوأذن له برهنه فجنى فبيع في الجناية فأشبه الأمرين أنه غير ضامن وليس كالمستعير الذي منفعته مشغولة بخدمة العبد عن معيره وللسيد في الرهن أن يستخدم عبده والخصم فيما جنى على العبد سيده فإن أحب المرتهن حضر خصومته فإذا قضى له بشيء أخذه رهنا ولوعفا المرتهن كان عفوه باطلا ولورهنه عبدا بدنانير وعبدا بحنطة فقتل أحدهما صاحبه كانت الجناية هدرا وأكره أن يرهن من مشرك مصحفا أو عبدا مسلما وأجبره على أن يضعهما على يدي مسلم ولا بأس برهنه ما سواهما رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي1 قال الشافعي: في غير كتاب الرهن الكبير: إن الرهن في المصحف والعبد المسلم من النصراني باطل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/166.

 

ص -136-     باب اختلاف الراهن والمرتهن.
قال الشافعي: ومعقول إذا أذن الله جل وعز بالرهن أنه زيادة وثيقة لصاحب الحق وأنه ليس بالحق بعينه ولا جزءا من عدده ولو باع رجلا شيئا على أن يرهنه من ماله ما يعرفانه يضعانه على يدي عدل أو على يدي المرتهن كان البيع جائزا ولم يكن الرهن تاما حتى يقبض المرتهن ولو امتنع الراهن أن يقبضه الرهن لم يجبره والبائع بالخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رده لأنه لم يرض بذمته دون الرهن وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يتحمل له فله رد البيع وليس للمشتري رد البيع لأنه لم يدخل عليه نقص يكون له به الخيار ولوكانا جهلا الرهن أو الحميل فالبيع فاسد قال المزني: قلت أنا: هذا عندي غلط الرهن فاسد للجهل به والبيع جائز لعلمهما به وللبائع الخيار إن شاء أتم البيع بلا رهن وإن شاء فسخ لبطلان الوثيقة في معنى قوله وبالله التوفيق قال الشافعي: ولوقال: أرهنك أحد عبدي كان فاسدا لا يجوز إلا معلوما يعرفانه جميعا بعينه ولو أصاب المرتهن بعد القبض بالرهن عيبا فقال: كان به قبل القبض فأنا أفسخ البيع وقال الراهن بل حدث بعد القبض فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان مثله يحدث ولو قتل الرهن بردة أو قطع بسرقة قبل القبض كان له فسخ البيع قال المزني: قلت أنا: في هذا دليل أن البيع وإن جهلا الرهن أو الحميل غير فاسد وإنما له الخيار في فسخ البيع أو إثباته لجهله بالرهن أو الحميل وبالله التوفيق قال الشافعي: وإن كان حدث ذلك بعد القبض لم يكن له فسخ البيع ولو مات في يديه وقد دلس له فيه بعيب قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار لما فات من الرهن ولو لم يشترطا رهنا في البيع فتطوع المشتري فرهنه فلا سبيل له إلى إخراجه من الرهن وبقي من الحق شيء ولو اشترطا أن يكون المبيع نفسه رهنا فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه المبيع إلا بأن يكون محبوسا على المشتري ولو قال الذي عليه الحق أرهنك على أن تزيدني في الأجل ففعلا فالرهن مفسوخ والحق الأول بحاله ويرد ما زاده وإذا أقر أن الموضوع على يديه قبض الرهن جعلته رهنا ولم أقبل قولى العدل لم أقبضه وأيهما مات قام وارثه مقامه قال المزني: قلت أنا: وجملة قوله في اختلاف الراهن والمرتهن أن القول قول الراهن في الحق والقول قول المرتهن في الرهن فيما يشبه ولا يشبه ويحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قال الشافعي: ولو قال رجل لرجلين: رهنتماني عبدكما هذا بمائة وقبضته منكما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن فإن شهد شريك صاحب نصف العبد عليه بدعوى المرتهن وكان عدلا حلف المرتهن معه وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ولا معنى في شهادته نردها به وإذا كانت له على رجل ألفان إحداهما برهن والأخرى بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال القاضي: هي التي في الرهن وقال المرتهن: هي التي بلا رهن فالقول قول القاضي مع يمينه ولو قال رهنته هذه الدار التي في يديه بألف ولم أدفعها إليه فغصبنيها أو تكاراها مني رجلى وأنزله فيها أو تكاراها هو مني فنزلها ولم أسلمها رهنا فالقول قوله مع يمينه.

 

ص -137-     باب انتفاع الراهن بما يرهنه.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني المزني قال: قال الشافعي: وقد روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الرهن مركوب ومحلوب"1 قال المزني: ومعنى هذا القول أن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من ظهرها ودرها وأصل المعرفة بهذا الباب أن للمرتهن حقا في رقبة الرهن دون غيره وما يحدث مما يتميز منه غيره وكذلك سكنى الدور وزروع الأرضين وغيرها فللراهن أن يستخدم في الرهن عبده ويركب دوابه ويؤاجرها ويحلب درها ويجز صوفها وتأوي بالليل إلى مرتهنها أو إلى يدي الموضوعة على يديه وكل ولد أمة ونتاج ماشية وثمر شجرة ونخلة فذلك كله خارج من الرهن يسلم للراهن وعليه مؤنة رهونه ومن مات من رقيقه فعليه كفنه والفرق بين الأمة تعتق أو تباع فيتبعها ولدها وبين الرهن أنه إذا أعتق أو باع زال ملكه وحدث الولد في غير ملكه وإذا رهن فلم يزل ملكه وحدث الولد في ملكه إلا أنه محول دونه لحق حبس به لغيره كما يؤاجرها فتكون محتبسة بحق غيره وإن ولدت لم يدخل ولدها في ذلك معها والرهن كالضمين لا يلزم إلا من أدخل نفسه فيه وولد الأمة لم يدخل في الرهن قط وأكره رهن الأمة إلا أن توضع على يدي امرأة ثقة وليس للسيد أخذها للخدمة خوفا أن يحبلها وما كانت من زيادة لا تتميز منها مثل الجارية تكبر والثمرة تعظم ونحو ذلك فهو غير متميز منها وهي رهن كلها ولو كان الرهن ماشية فأراد الراهن أن ينزى عليها أو عبدا صغيرا فأراد أن يختنه أو احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق أو الدابة إلى توديج أو تبزيغ فليس للمرتهن أن يمنعه مما فيه للرهن منفعة ويمنعه مما فيه مضرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/183, 192.

باب رهن المشترك.
قال الشافعي: واذا رهناه معا عبدا بمائة وقبض المرتهن فجائز وإن أبرأ أحدهما مما عليه فنصفه خارج من الرهن ولو رهنه من رجلين بمائة وقبضاه فنصفه مرهون لكل واحد منهما بخمسين فإن أبرأه أحدهما أو قبض منه نصف المائة فنصفه خارج من الرهن ولو كان الرهن مما يكال أو يوزن كان للذي افتك نصفه أن يقاسم المرتهن باذن شريكه ولا يجوزأن يأخذ رجل لرجل في أن يرهن عبده إلا بشيء معلوم أو أجل معلوم فإن رهنه بأكثر لم يجز من الرهن شيء ولو رهنه بما أذن له ثم أراد أخذه بافتكاكه وكان الحق حالا كان ذلك له وتبع في ماله حتى يوفي الغريم حقه ولو لم يرد ذلك الغريم أسلم عبده المرهون وإن كان أذن له إلى أجل معلوم لم يكن له أن يأخذه بافتكاكه إلا إلى محله ولو رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن وادعى كل واحد منهما أن رهنه وقبضه كان قبل صاحبه وليس الرهن في يدي واحد منهما فصدق الراهن أحدهما فالقول قول الراهن ولا يمين عليه ولو أنكر.

 

ص -138-     أيهما أول أحلف وكان الرهن مفسوخا وكذلك لو كان في أيديهما معا وإن كان في يدي أحدهما وصدق الذي ليس في يديه ففيها قولان أحدهما: يصدق والآخر: لا يصدق لأن الذي في يديه العبد يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره قال المزني: قلت أنا: أصحهما أن يصدق لأنه حق من الحقوق اجتمع فيه إقرار المرتهن ورب الرهن قال المزني: ثم رأيت أن القول قول المرتهن الذي هو في يديه لأن الراهن مقر له أنه أقبضه إياه في جملة قوله وله فضل يديه على صاحبه فلا تقبل دعوى الراهن عليه إلا أن يقر الذي في يديه أن كل واحد منهما قد قبضه فيعلم بذلك أن قبض صاحبه قبله.

باب رهن الأرض.
قال الشافعي: إذا رهن أرضا ولم يقل ببنائها وشجرها فالأرض رهن دون بنائها وشجرها ولو رهن شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ولا يدخل في الرهن إلا ما سمى وإذا رهن ثمرا قد خرج من نخلة قبل أن يحل بيعه ومعه النخل فهما رهن لأن الحق لوحل جازأن يباع وكذلك إذا بلغت هذه الثمرة قبل محل الحق وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها مرهونا مع النخل أو قصاصا إلا أن تكون هذه الثمرة تيبس فلا يكون له بيعها إلا بإذن الراهن ولو رهنه الثمر دون النخل طلعا أو مؤبرة أو قبل بدو صلاحها لم يجز الرهن إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل حقه قطعها وبيعها فيجوز الرهن لأن المعروف من الثمر أنه يترك إلى أن يصلح ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها1 لمعرفة الناس أنها تترك إلى بدو صلاحها وكذلك الحكم في كل ثمرة وزرع قبل بدو صلاحها فما لم يحل بيعه فلا يجوز رهنه وإن كان من الثمر شيء يخرج فرهنه وكان يخرج بعده يخره منه فلا يتميز الخارج الأول المرهون من الاخر لم يجز لأن الرهن ليس بمعروف إلا أن يشترطا أن يقطع في مدة قبل أن يلحقه الثاني فيجوز الرهن فإن ترك حتى يخرج بعده ثمرة لا تتميز ففيها قولان أحدهما: أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع والثاني: أنه لا يفسد والقول قول الراهن في قدر الثمرة المختلطة من المرهونة كما لو رهنه حنطة فاختلطت بحنطة للراهن كان القول قوله في قدر المرهونة من المختلطة بها مع يمينه قال المزني: قلت أنا: هذا أشبه بقوله وقد بينته في هذا الكتاب في باب ثمر الحائط يباع أصله قلت أنا: وينبغي أن يكون القول في الزيادة قول المرتهن لأن الثمرة في يديه والراهن مدع قدر الزيادة عليه فالقول قول الذي هي في يديه مع يمينه في قياسه عندي وبالله التوفيق قال الشافعي: وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد وليس للراهن ولا للمرتهن قطعها قبل أوانها إلا بأن يرضيا به وإذا بلغت إبانها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/20, 57, 58.

 

ص -139-     فأيهما أراد قطعها جبر الآخر على ذلك لأنه من صلاحها فإن أبى الموضوعة على يديه أن يتطوع بأن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه لأن ذلك من صلاحها فإن جئت به وإلا اكتري عليك منها.

باب ما يفسد الرهن من الشرط وما لا يفسده وغيرذلك.
قال الشافعي: إن اشترط المرتهن من منافع الرهن شيئا فالشرط باطل ولوكانت له ألف فقال: زدني ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه كان الرهن مفسوخا ولو قال له: بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك علي بلا رهن داري رهنا ففعل كان البيع والرهن مفسوخا ولو أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل لأن ذلك زيادة في السلف ولو كان اشترى منه على هذا الشرط فالبيع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته والرهن ويبطل الشرط قال المزني: قلت أنا: أصل قول الشافعي أن كل بيع فاسد بشرط وغيره أنه لا يجوز وإن أجيزحتى يبتدأ بما يجوز قال الشافعي: ولو اشترط على المرتهن أن لا يباع الرهن عند محل الحق إلا بما يرضي الراهن أوحتى يبلغ كذا أو بعد محل الحق بشهر أو نحو ذلك كان الرهن فاسدأ حتى لا يكون دون بيعه حائل عند محل الحق ولو رهنه نخلا على أن ما أثمرت أو ماشية على أن ما نتجت فهوداخل في الرهن كان الرهن من النخل والماشية رهنا ولم يدخل معه ثمر الحائط ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن وهذا كرجل رهن من رجل دارا على أن يرهنه أخرى غير أن البيع إن وقع على هذا الشرط فسخ الرهن وكان البائع بالخيار لأنه لم يتم له الشرط قال المزني: قلت أنا: وقال في موضع آخر هذا جائز في قول من أجاز أن يرهنه عبدين فيصيب أحدهما حرا فيجيز الجائز ويرد المردود قال المزني: وفيها قول آخر يفسد كما يفسد البيع إذا جمعت الصفقة جائزا وغير جائز قال المزني: قلت أنا: ما قطع به وأثبته أولى وجواباته في هذا المعنى بالذي قطع به شبيه وقد قال: لو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه فإذا هو من ساعته خمر فله الخيار في البيع لأنه لم يتم له الرهن قال الشافعي: ولو دفع إليه حقا فقال: قد رهنتكه بما فيه وقبضه المرتهن ورضي كان الحق رهنا وما فيه خارجا من الرهن إن كان فيه شيء لجهل المرتهن بما فيه وأما الخريطة فلا يجوز الرهن فيها إلا بأن يقول دون ما فيها ويجوز في الحق لأن الظاهر من الحق أن له قيمة والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها وإنما يراد ما فيها ولو شرط على المرتهن أنه ضامن للرهن ودفعه فالرهن فاسد وغير مضمون.

باب ضمان الرهن.
قال الشافعي: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يغلق الرهن والرهن من صاحبه الذي رهنه له

 

ص -140-     غنمه وعليه غرمه"1 ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه من حديث ابن أبي أنيسة2 قال الشافعي: وفيه دليل أنه غير مضمون إذ "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لرهن من صاحبه فمن كان منه شيء فضمانه منه لا من غيره" ثم أكده بقوله: "له غنمه وعليه غرمه" وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصانه ألا ترى لو ارتهن خاتما بدرهم يساوي درهما فهلك الخاتم فمن قال: ذهب درهم المرتهن بالخاتم زعم أنه غرمه على المرتهن لأن درهمه ذهب وكان الراهن برئيا من غرمه لأنه قد أخذ ثمنه من المرتهن ولم يغرم له شيئا وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن" لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه عند محله قال الشافعي: ملك الرهن لربه والمرتهن غير متعد بأخذه ولا مخاطر بارتهانه لأنه لوكان إذا هلك بطل ماله كان مخاطرا بماله وإنما جعله الله تبارك وتعالى وثيقة له وكان خيرا له ترك الارتهان بأن يكون ماله مضمونا في جميع مال غريمه قال الشافعي: وما ظهر هلاكه وخفي سواء لا يضمن المرتهن ولا الموضوع على يديه من الرهن شيئا إلا فيما يضمنان فيه من الوديعة بالتعدي فإن قضاه ما في الرهن ثم سأله الراهن فحبسه عنه وهو يمكنه فهو ضامن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/195, 213.
2 انظر الأم 3/195.