مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -330-     كتاب القسامة.
قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن "عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله ومحيصة خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في قفير أو عين فأتى يهود فقال: أنتم قتلتموه قالوا: ما قتلناه فقدم على قومه فأخبرهم فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب محيصة يتكلم فقال عليه السلام: كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم محيصة فقال عليه السلام:
"إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" فكتب عليه السلام إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟" قالوا: لا قال: "فتحلف يهود" قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء" قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فقد قال للولي وغيره تحلفون وتستحقون وأنت1 لا تحلف إلا الأولياء قيل يكون قد قال ذلك لأخي المقتول الوارث ويجوز أن يقول تحلفون لواحد والدليل على ذلك حكم اللة عز وجل وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام إن اليمين لا تكون إلا فيما يدفع بها المرء عن نفسه أو يأخذ بها مع شاهده ولا يجوز لحالف يمين يأخذ بها غيره قال الشافعي فإذا كان مثل السبب الذي قضى فيه عليه الصلاة والسلام بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية فيها لحى المدعى عليهم فإن قيل: وما السبب الذي حكم فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: كانت خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصرفوجد قتيلا قبل الليل فيكاد يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود فإذا كانت دار قوم محضة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول فيهم - وفي كتاب الربيع أعداء للمقتول أو قبيلته ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة وكذلك يدخل نفر بيتا أو صحراء وحدهم أو صفين في حرب أو ازدحام جماعة فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك أو أتى ببينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهاداتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض فإن لم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/116., 117.

 

ص -331-     يكونوا ممن لم يعدلوا أو يشهد عدل على رجل أنه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة من أمكن أن يكون في جملتهم وسواء كان به جرح أو غيره لأنه قد يقتل بما لا أثر له فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يسمع الولي إلا ببينة أو إقرار أنه كان قيهم ولا أنظر إلى دعوى الميت ولورثته القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم به الغائب وينبغي للحاكم أن يقول لهم: اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات وتقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا على مشركين أو مشركين على مسلمين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته ولسيد العبد القسامة في عبده على الأحرار والعبيد قال: ويقسم المكاتب في عبده لأنه ماله فإن لم يقسم حتى عجزكان للسيد أن يقسم قال: ولوقتل عبد لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى لها بثمن العبد لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد وإن لم يقسم الورثة لم يكن لهم ولا لها شيء إلا أيمان المدعى عليهم قال: ولو جرح رجل فمات أبطلت القسامة لأن ماله فيء ولو كان رجع إلى الإسلام كانت فيه القسامة للوارث ولو جرح وهو عبد فعتق ثم مات حرا وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار ولسيده المعتق بقدر ما يملك في جراحه ولا تجب القسامة في دون النفس ولو لم يقسم الولي حتى ارتد فأقسم وقفت الدية فإن رجع أخذها وإن قتل كانت فيئا والأيمان في الدماء مخالفة لها في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين يمين وفي الدماء خمسون يمينا وقال في كتاب العمد: ولو ادعى أنه قتل أباه عمدا فقال بل خطأ فالدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود قال المزني: هذا القياس على أقاويله في الطلاق والعتاق وغيرهما في النكول ورد اليمين قال الشافعي وسواء في النكول المحجور عليه وغير المحجور عليه ويلزمه منها في ماله ما يلزم غير المحجور والجناية خلاف البيع والشراء فإن قال قائل: كيف يحلفون على ما لا يعلمون؟ قيل: فأنتم تقولون لو أن ابن عشرين سنة ريء بالمشرق اشترى عبدا ابن مائة سنة ريء بالمغرب فباعه من ساعته فأصاب به المشتري عيبا أن البائع يحلف على البت لقد باعه إياه وما به هذا العيب ولا علم له به والذي قلنا قد يصح علمه بما وصفنا.

باب ما ينبغي للحاكم أن يعلمه من الذي له القسامة وكيف يقسم.
قال الشافعي وينبغي أن يقول له: من قتل صاحبك؟ فإن قال: فلان قال: وحده؟ فإن قال: نعم قال: عمداأو خطأ؟ فإن قال: عمدا سأله: وما العمد؟ فإن وصف ما في مثله القصاص أحلف على ذلك وإن وصف من العمد ما لا يجب فيه القصاص لم يحلفه عليه والعمد في ماله والخطأ على عاقلته في ثلاث سنين فإن قال قتله فلان ونفر معه لم يحلفه حتى يسمي النفرأوعددهم إن لم يعرفهم ولوأحلفه قبل أن يسأله عن هذا ولم يقل

 

ص -332-     له عمدا ولا خطأ أعاد عليه عدد الأيمان قال الشافعي يحلف وارث القتيل على قدر مواريثهم ذكرا كان أو أنثى زوجا أو زوجة فإن ترك ابنين كبيرا وصغيرا أو غائبا وحاضرا أكذب أخاه وأراد الآخر اليمين قيل له: لا تستوجب شيئا من الدية إلا بخمسين يمينا فإن شئت فاحلف خمسين يمينا وخذ من الدية مورثك وإن امتنعت فدع حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فيحلفان خمسين يمينا فإن ترك ثلاثة بنين حلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا يجبرعليهم كسر اليمين فإن ترك أكثر من خمسين ابنا حلف كل واحد منهم يمينا يجبر الكسر من الأيمان ومن مات من الورثة قبل أن يقسم قام ورثته مقامه بقدر مواريثهم ولو لم يتم القسامة حتى مات ابتدأ وارثه القسامة ولو غلب على عقله ثم أفاق بنى لأنه حلف لجميعها.

باب ما يسقط القسامة من الاختلاف أو لا يسقطها.
قال الشافعي رحمه الله: ولو ادعى أحد الابنين على رجل من أهل هذه المحلة أنه قتل أباه وحده وقال الاخر وهوعدل ما قتله بأنه كان في الوقت الذي قتل فيه ببلد لا يمكن أن يصل إليه في ذلك الوقت ففيها قولان أحدهما: أن للمدعي أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصف الدية والثاني: أن ليس له أن يقسم على رجل يبرئه وارثه قال المزني: قياس قوله أن من أثبت السبب الذي به القسامة حلف ولم يمنعه من ذلك إنكار الاخر كما لو أقام أحدهما شاهدا لأبيهما بدين وأنكر الآخر ما ادعاه أخوه وأكذبه أن للمدعي مع الشاهد اليمين ويستحق كذلك للمدعي مع السبب القسامة ويستحق فالسبب والشاهد بمعنى واحد في قوله لأنه يوجب مع كل واحد اليمين والاستحقاق إلا أن في الدم خمسين يمينا وفي غيره يمين قال الشافعي ولكن لو قال أحدهما: قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه وقال الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه فهذا خلاف لما مضى لأنه قد يجوز أن يكون الذي جهله أحدهما هو الذي عرفه الآخر فلا يسقط حق واحد منهما في القسامة ولو قال الأول: قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله وقال الآخر: قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان أحدهما: أن يكون لكل واحد القسامة على الذي ادعى عليه ويأخذ حصته من الدية والقول الثاني: أنه ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد قال المزني: قد قطع بالقول الأول في الباب الذي قبل هذا وهو أقيس على أصله لأن الشريكين عنده في الدم يحلفان مع السبب كالشريكين عنده في المال يحلفان مع الشاهد فإذا أكذب أحد الشريكين صاحبه في الحق حلف صاحبه مع الشاهد واستحق وكذلك إذا أكذب أحد الشريكين صاحب في الدم حلف صاحبه مع السبب واستحق قال الشافعي ومتى قامت البينة بما يمنع إمكان السبب أو بإقرار وقد أخذت الدية بالقسامة ردت الدية.

 

ص -333-     باب كيف يمين مدعي الدم والمدعي عليه.
قال الشافعي وإذا وجبت لرجل قسامة حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لقد قتل فلان فلانا منفردا بقتله ما شاركه في قتله غيره وإن ادعى على آخر معه حلف لقتل فلان وآخر معه فلانا منفردين بقتله ما شاركهما فيه غيرهما وإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراح زاد وما برأ من جراحة فلان حتى مات منها وإذا حلف المدعى عليه حلف كذلك ما قتل فلانا ولا أعان على قتله ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شيء جرحه ولا وصل إلى شيء من بدنه لأنه قد يرمي فيصيب شيئا فيطير الذي أصابه فيقتله ولا أحدث شيئا مات منه فلان لأنه قد يحفر البئر ويضع الحجر فيموت منه ولولم يزده السلطان على حلفه بالله أجزأه لأن الله تعالى جعل بين المتلاعنين الأيمان بالله.

باب دعوى الدم في الموضع الذي فيه قسامة.
قال الشافعي وإذا وجد قتيل في محلة قوم يخالطهم غيرهم أو في صحراء أو مسجد أو سوق فلا قسامة وإن ادعى وليه على أهل المحلة لم يحلف إلا من أثبتوه بعينه وإن كانوا ألفا فيحلفون يمينا يمينا لأنهم يزيدون على خمسين فإن لم يبق منهم إلا واحد حلف خمسين يمينا وبرىء فإن نكلوا حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية في أموالهم إن كان عمدا وعلى عواقلهم في ثلاث سنين إن كان خطأ قال: وفي ديات العمد على قدر حصصهم والمحجور عليه وغيره سواء لأن إقراره بالجناية يلزمه في ماله والجناية خلاف الشراء والبيع وكذلك العبد إلا في إقراره بجناية لا قصاص فيها فإنه لا يباع فيها لأن ذلك في مال غيره فمتى عتق لزمه قال المزني: فكما لم يضر سيده إقراره بما يوجب المال فكذلك لا يضر عاقلة الحر قوله بما يوجب عليهم المال قال الشافعي ومن كان منهم سكران لم يحلف حتى يصحو قال المزني: هذا يدل على إبطال طلاق السكران الذي لا يعقل ولا يميز وقد قيل لا يبرأ المدعى عليهم إلا بخمسين يمينا كل واحد منهم ولا يحتسب لهم يمين غيره وهكذا الدعوت فيما دون النفس وقيل: يلزمه من الأيمان على قدر الدية في اليد خمس وعشرون وفي الموضحة ثلاثة أيمان قال المزني رحمه الله: وقد قال في أول باب من القسامة: ولا تجب القسامة في دون النفس وهذا عندي أولى بقول العلماء.

باب كفارة القتل.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى:
{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}1 وقال تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 92.

 

ص -334-     فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}1 يعني في قوم في دار حرب خاصة ولم يجعل له قودا ولا دية إذا قتله وهو لا يعرف مسلما وذلك أن يغير أو يقتله في سرية أو يلقاه منفردا بهيئة المشركين وفي دارهم أو نحوذلك قال: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}2 قال الشافعي وإذا وجبت عليه كفارة القتل في الخطأ وفي قتل المؤمن في دار الحرب كانت الكفارة في العمد أولى قال المزني رحمه الله: واحتج بأن الكفارة في قتل الصيد في الإحرام والحرم عمدا أو خطأ سواء إلا في المأثم فكذلك كفارة القتل عمدا أو خطأ سواء إلا في المأثم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 92.
2 سورة النساء: 92.

باب لا يرث القاتل من كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة.
قال الشافعي رحمه الله: قال أبو حنيفة: لا يرث قاتل خطأ ولا عمدا إلا أن يكون مجنونا أو صبيا فلا يحرم الميراث لأن القلم عنهما مرفوع وقال أهل المدينة: لا يرث قاتل عمد ولا يرث قاتل خطأ من الدية ويرث من سائر ماله قال محمد بن الحسن: هل رأيتم وارثا يرث بعض مال رجل دون بعض؟ إما أن يرث الكل أو لا يرث شيئا قال الشافعي رحمه الله: يدخل على محمد بن الحسن أنه يسوي بين المجنون والصبي وبين البالغ الخاطىء في قتل الخطأ ويجعل على عواقلهم الدية ويرفع عنهم المأثم فكيف ورث بعضهم دون بعض وهم سواء في المعنى؟ قال: ويدخل على أصحابنا ما دخل على محمد بن الحسن وليس في الفرق بين قاتل خطأ لا يرث وقاتل عمد خبر يلزم ولوكان ثابتا كانت فيه الحجة قال المزني رحمه الله: فمعنى تأويله إذا لم يثبت فرق أنهما سواء في أنهما لا يرثان وقد قطع بهذا المعنى في كتاب قتال أهل البغي فقال: إذا قتل العادل الباغي أو الباغي العادل لا يتوارثان لأنهما قاتلان قال: وهذا أشبه بمعنى الحديث.

باب الشهادة على الجناية.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقبل في القتل وجراح العمد والحدود سوى الزنا إلا عدلان ويقبل شاهد وامرأتان ويمين وشاهد فيما لا قصاص فيه مثل الجائفة وجناية من لا قود عليه من معتوه وصبي ومسلم على كافروحر على عبد وأب على ابن لأن ذلك مال فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة لم أقبل أقل من شاهدين لأن الذي شج إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت لأنها موضحة وزيادة قال: ولو شهدا أنه ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا: فأنهر دمه ومات مكانه قبلتهما وجعلته قاتلا وإن قالا لا ندري أنهر دمه أم لا بل رأيناه سائلا لم أجعله جارحا حتى يقولا أوضحه هذه الموضحة بعينها ولو شهدا على رجلين أنهما.

 

ص -335-     قتلاه وشهد الآخران على الشاهدين الأولين أنهما قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما ولي الدم معا أبطلت الشهادة وإن صدق اللذين شهدا أولا قبلت شهادتهما وجعلت الآخرين دافعين بشهادتهما وإن صدق اللذين شهدا آخرا أبطلت شهادتهما لأنهما يدفعان بشهادتهما ما شهد به عليهما ولو شهد أحدهما على إقراره أنه قتله عمدا والأخر على إقراره ولم يقل خطأ ولا عمدا جعلته قاتلا والقول قوله فإن قال عمدا فعليه القصاص وإن قال خطأ أحلف ما قتله عمدا وكانت الدية في ماله في مضي ثلاث سنين ولو قال أحدهما قتله غدوة وقال الآخر عشية أو قال أحدهما بسيف والآخر بعصا فكل واحد منهما مكذب لصاحبه ومثل هذا يوجب القسامة ولو شهد أحدهما أنه قتله والآخر أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما لأن الإقرار مخالف للفعل ولو شهد أنه ضربه ملففا فقطعه باثنين ولم يبينا أنه كان حيا لم أجعله قاتلا وأحلفته ما ضربه حيا ولو شهد أحد الورثة أن أحدهم عفا القود والمال فلا سبيل إلى القود وإن لم تجز شهادته وأحلف المشهود عليه ما عفا المال ويأخذ حصته من الدية وإن كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته لقد عفا عنه القصاص والمال وبرىء من حصته من الدية ولو شهد وارث أنه جرحه عمدا أو خطأ لم أقبل لأن الجرح قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية فإن شهد وله من يحجبه قبلته فإن لم أحكم حتى صار وارثا طرحته ولوكنت حكمت ثم مات من يحجبه ورثته لأنها مضت في حين لا يجربها إلى نفسه ولو شهد من عاقلته بالجرح لم أقبل وإن كان فقيرا لأنه قد يكون له مال في وقت العقل فيكون دافعا عن نفسه بشهادته ما يلزمه قال صالمزني رحمه الله: وأجازه في موضع آخر إذا كان من عاقلته في قرب النسب من يحمل العقل حتى لا يخلص إليه الغرم إلا بعد موت الذي هو أقرب قال: وتجوز الوكالة في تثبيت البينة على القتل عمدا أو خطأ فإذا كان القود لم يدفع إليه حتى يحضر الولي أو يوكله بقتله فيكون له قتله قال: وإذا أمر السلطان بقتل رجل أو قطعه اقتص من السلطان لأنه هكذا يفعل ويعزر المأمور.

باب الحكم في الساحر إذا قتل بسحره.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا سحر رجلا فمات سئل عن سحره فإن قال: أنا أعمل هذا لأقتل فأخطىء القتل وأصيب وقد مات من عملي ففيه الدية وإن قال مرض منه ولم يمت أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت الدية وإن قال: عملي يقتل المعمول به وقد عمدت قتله به قتل به قودا.

قتال أهل البغي باب من يجب قتاله من أهل البغي والسيرة فيهم.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ

 

ص -336-     فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}1 فأمر الله تعالى جده أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا أن تكون التبعات في الدماء والجراح وما تلف من الأموال ساقطة بينهم وكما قال ابن شهاب عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهما وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه قال الشافعي رحمه الله: وما علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه أن صاحبه أحق به قال: وأهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ضربان: فمنهم قوم كفروا بعد إسلامهم مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات ولهم لسان عربي والردة ارتداد عما كانوا عليه بالكفر وارتداد بمنع حق كانوا عليه وقول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: أليس قد "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟" وقول أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوه النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليها معرفة منهما معا أن ممن قاتلوا من تمسك بالإسلام ولولا ذلك لما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا اللة فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم فقال شاعرهم2:

ألا أصبحينا قبل نائرة الفجر                      لعل منايانا قريب وما ندري

أطعنا رسول الله ما كان بيننا                   فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر

فإن الذي سألوكم فمنعتم                      لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر

سنمنعهم ما كان فينا بقية                     كرام على العزاء في ساعة العسر3

وقالوا لأبي بكر رضي الله عنه بعد الإسار: ما كفرنا بعد إيماننا ولكنا شححنا على أموالنا فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله ومعه عمر وعامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو بكر رضي الله عنه خالدا في قتال من ارتد ومنع الزكاة فقاتلهم بعوام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم4 قال الشافعي رحمه الله: ففي هذا دلالة على أن من منع حقا مما فرض الله عليه فلم يقدر الإمام على أخذه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل فمنعه بجماعة وقال لا أؤدي ولا أبدؤكم بقتال قوتل وكذا قال من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فإذا لم يختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمنع الزكاة فالباغي الذي يقاتل الإمام العادل في مثل معناهم في أنه لا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحجرات:9
2 انظر الأم 6/304, 305 و6/55.
3 انظر الأم 6/306.
4 انظر الأم 6/306.

 

ص -337-     يعطي الإمام العادل حقا يجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ولو أن نفرا يسيرا قليلي العدد ويعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريدوا فأظهروا آراءهم ونابذوا الإمام العادل وقالوا: نمتنع من الحكم فأصابوا أموالا ودماء وحددوا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق كما تؤخذ من غير المتأولين وإذا كانت لأهل البغي جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فإن فعلوا مثل هذه فينبغي أن يسألوا ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت وإن لم يذكروها بينة قيل: عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل: إنا مؤذنوكم بحرب فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله قال الشافعي رحمه الله: والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة أو الترك للقتال أي حال تركوا فيها القتال فقد فاءوا حرم قتالهم لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم بالإسلام أن يقاتل فأما من لم يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا قاتلوه نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح1 وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له علي: لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله2 والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا فبهذا كله أقول وأما إذا لم تكن جماعة ممتنعة فحكمه القصاص قتل ابن ملجم عليا متأولا فأمر بحبسه وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى عليه القتل3 وقتله الحسن بن علي رضي الله عنه وفي الناس بقية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فما أنكر قتله ولا عابه أحد ولم يقد علي وقد ولي قتال المتأولين4 ولا أبو بكر من قتله الجماعة الممتنع مثلها على التأويل على ما وصفنا ولا على الكفر وإن كان بارتداد إذا تابوا قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم فلم يضمن عقلا ولا قودا فأما جماعة ممتنعة غير متأولين قتلت وأخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق5 قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله في قتال أهل الردة لأنه ألزمهم هناك ما وضع عنهم ههنا وهذا أشبه عندي بالقياس قال الشافعي رحمه الله: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم بلغنا أن عليا رضي الله عنه سمع رجلا يقول: لا حكم إلا لله في ناحية المسجد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/308.
2 انظر الأم 6/309.
3 انظر الأم 6/308.
4 انظر الأم 6/304.
5 انظر الأم 6/315.

 

ص -338-     فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال1 قال الشافعي رحمه الله: ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام كان عليهم في ذلك القصاص قد سلموا وأطاعوا واليا عليهم من قبل علي ثم قتلوه فأرسل إليهم علي رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا كلنا قتله قال: فاستسلموا نحكم عليكم قالوا: لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال الشافعي رحمه الله: وإذا قاتلت امرأة منهم أو عبد أو غلام مراهق قوتلوا مقبلين وتركوا مولين لأنهم منهم ويختلفون في الإسار ولو أسر بالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يسع أن يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن فأما إذا انقضت الحرب فلا يحبس أسيرهم وإن سألوا أن ينظروا لم أر بأسا على ما يرجو الإمام منهم وإن خاف على الفئة العادلة الضعف عنهم رأيت تأخيرهم إلى أن تمكنه القوة عليهم ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل قتل أهل الحرب وسبوا ولا يكون هذا أمانا إلا على الكف فأما على قتال أهل العدل فلوكان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا لأمانهم وإن كانوا أهل ذمة فقد قيل ليس هذا نقضا للعهد قال: وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن دمها يحل كقطاع الطريق أو لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلم لم يكن هذا نقضا للعهد وأخذوا بكل ما أصابوا من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم وإن أتى أحدهم تائبا لم يقص منه لأنه مسلم محرم الدم قال الشافعي وقال لي قائل: ما تقول فيمن أراد دم رجل أو ماله أو حريمه قلت: يقاتله وإن أتى القتل على نفسه إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك وروي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس"2 قلت: هو كلام عربي ومعناه إذا أتى واحدة من الثلاث حل دمه فمعناه أن رجلا زنى محصنا ثم ترك الزنا وتاب منه وهرب فقدر عليه قتل رجما أو قتل عمدا وترك القتل وتاب منه وهرب ثم قدر عليه قتل قودا وإذا كفرثم تاب فارقه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا قال: ولا يستعان عليهم بمن يرى قتلهم مدبرين ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنه تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ولا يعين العادل إحدى الطائفتين الباغيتين وإن استعانته على الأخرى حتى ترجع إليه ولا يرمون بالمنجنيق ولا نار إلا أن تكون ضرورة بأن يحاط بهم فيخافوا الاصطلام أو يرمون بالمنجنيق فيسعهم ذلك دفعا عن أنفسهم وإن غلبوا على بلاد فأخذوا صدقات أهلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/309.
2 انظر الأم 6/5.

 

ص -339-     وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضي غيرهم وقال في موضع آخر: إذا كان غير مأمون برأيه على استحلال دم ومال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه قال: ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه فإن قتل باغ في المعترك غسل وصلي عليه ودفن وإن كان من أهل العدل ففيها قولان أحدهما: إنه كالشهيد والآخر: أنه كالموتى إلا من قتله المشركون قال: وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحم من أهل البغي وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكررضي الله عنه يوم أحد عن قتل ابنه وأيهما1 قتل أباه أو ابنه فقال بعض الناس: إن قتل العادل أباه ورثه وإن قتله الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال: يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال: لا يتوارثان لأنهما قاتلان قال الشافعي رحمه الله: وهذا أشبه بمعنى الحديث فيرثهما غيرهما من ورثتهما ومن أريد دمه أو ماله أو حريمه فله أن يقاتل وإن أتى ذلك على نفس من أراده قال الشافعي رحمه الله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد"2 قال الشافعي رحمه الله: فالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز أمان كل مسلم من حر وامرأة وعبد قاتل أو لم يقاتل لأهل بغي أو حرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/315.
2 انظر الأم 6/46.

باب الخلاف في قتال أهل البغي.
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم واذا انقضت الحرب فذلك رد قلت: أرأيت إن عارضك وإيانا معارض يستحل مال من يستحل دمه فقال: الدم أعظم فإذا حل الدم حل المال هل لك من حجة إلا أن هذا في أهل الحرب الذين ترق أحرارهم وتسبى نساؤهم وذراريهم والحكم في أهل القبلة خلافهم وقد يحل دم الزاني المحصن والقاتل ولا تحل أموالهما بجنايتهما والباغي أخف حالا منهما ويقال لهما مباحا الدم مطلقا ولا يقال للباغي مباح الدم وإنما يقال يمنع من البغي إن قدر على منعه بالكلام أو كان غير ممتنع لا يقاتل لم يحل قتاله قال: إني إنما آخذ سلاحهم لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا مقاتلين فقلت له: فإذا أخذت ماله وقتل فقد صار ملكه كطفل أو كبير لم يقاتلك قط أفتقوى بمال غائب غير باغ على باغ فقلت له: أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقوبك عليهم أتأخذها قال: لا قلت: فقد تركت ما هو أقوى لك عليهم من السلاح في بعض الحالات قال: فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي قلت: ولم وهو يصلي على من قتله في حد يجب عليه قتله ولا يحل له تركه والباغي محرم قتله موليا وراجعا عن البغي ولوترك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل إلا قتله بترك الصلاة أولى قال: كأنه ذهب إلى أن ذلك

 

ص -340-     عقوبة لينكل بها غيره قلت: وإن كان ذلك جائزا فاصلبه أو حرقه أو حز رأسه وابعث به فهو أشد في العقوبة قال: لا أفعل به شيئا من هذا قلت له: هل يبالي من يقاتلك على أنك كافر لا يصلي عليك وصلاتك لا تقربه إلى ربه وقلت له: أيمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو شيئا مما يجري لأهل الإسلام قال: لا قلت: فكيف منعته الصلاة وحدها قال الشافعي ويجوز أمان الرجل والمرأة المسلمين لأهل الحرب والبغي فأما العبد المسلم فإن كان يقاتل جاز أمانه وإلا لم يجز قلت: فما الفرق بينه يقاتل أو لا يقاتل قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم"1 قلت: فإن قلت ذلك على الأحرار فقد أجزت أمان عبد وان كان على الإسلام فقد رددت أمان عبد مسلم لا يقاتل قال: فإن كان القتل يدل على هذا قلت: ويلزمك في أصل مذهبك أن لا تجيز أمان امرأة ولا زمن لأنهما لا يقاتلان وأنت تجيز أمانهما قال: فأذهب إلى الدية فأقول دية العبد لا تكافىء دية الحر قلت: فهذا أبعد لك من الصواب قال: ومن أين قلت: دية المرأة نصف دية الحر وأنت تجيز أمانها ودية بعض العبيد أكثر من دية المرأة ولا لجيز أمانه وقد تكون دية عبد لا يقاتل أكثر من دية عبد يقاتل فلا تجيزأمانه فقد تركت أصل مذهبك قال: فإن قلت إنما عنى مكافأة الدماء في القود قلت: فأنت تقيد بالعبد الذي لا يسوي عشرة دنانير الحر الذي ديته ألف دينار كان العبد يحسن قتالا أو لا يحسنه قال: إني لأفعل وما هو على القود قلت: ولا على الدية ولا على القتال قال: فعلام هو قلت: على اسم الإسلام وقال الناس: إذا امتنع أهل البغي بدارهم من أن يجري الحكم عليهم فما أصابه المسلمون من التجار والأسرى في دارهم من حدود الناس بينهم أو لله لم تؤخذ منهم ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله تعالى تأديتها إلى أهلها قلت: فلم قتلته قال: قياسا على دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا يقاد منهم قلت: هم مخالفون للتجار والأسرى في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا أرأيت لو سبى المحاربون بعضهم بعضا ثم أسلموا أندع السابي يتخول المسبي مرقوقا له قال: نعم قلت: أفتجيز هذا في التجار والأسرى في دار أهل البغي قال: لا قلت: فلو غزانا أهل الحرب فقتلوا منا ثم رجعوا مسلمين أيكون على أحد منهم قود قال: لا قلت: فلو فعل ذلك التجار والأسرى ببلاد الحرب غير مكرهين ولا شبه عليهم قال: يقتلون قلت: أيسع قصد قتل التجار والأسرى ببلاد الحرب فيقتلون قال: بل يحرم قلت: أرأيت التجار والأسرى لو تركوا الصلاة والزكاة في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاء ذلك قال: نعم قلت: ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل لهم في دار الإسلام قال: لا قلت: فإذا كانت الدار لا تغير ما أحل لهم وحرم عليهم فكيف أسقطت عنهم حق الله وحق الادميين الذي أوجبه الله عليهم ثم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/321, 405.

 

ص -341-     أنت لا تحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره وما كأن لا يحل لهم حبسه فإن على الإمام استخراجه عندك في غير هذا الموضع قال: فأقيسهم بأهل الردة الذين أبطل ما أصابوا قلت: فأنت تزعم أن أهل البغي يقاد منهم ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكما والتجار والأسارى لا إمام لهم ولا امتناع ونزعم لو قتل أهل البغي بعضهم بعضا بلا شبهة أقدت منهم قال: ولكن الدار ممنوعة من أن يجري عليهم الحكم قلت: أرأيت لو أن جماعة من أهل القبلة محاربين امتنعوا في مدينة حتى لا يجري عليهم حكم فقطعوا الطريق وسفكوا الدماء و اخذوا الأموال وأتوا الحدود قال: يقام هذا كله عليهم قلت: فهذا ترك معناك وقلت له: أيكون على المدنيين قولهم لا يرث قاتل عمد ويرث قاتل خطأ إلا من الدية فقلت: لا يرث القاتل في الوجهين لأنه يلزمه اسم قاتل فكيف لم تقل بهذا في القاتل من أهل البغي والعدل لأن كلا يلزمه اسم قاتل وأنت تسوي بينهما فلا تقيد أحدا بصاحبه؟.

باب حكم المرتد.
قال الشافعي رحمه الله: ومن ارتد عن الإسلام إلى أي كفر كان مولودا على الإسلام أو أسلم ثم ارتد قتل وأي كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة ثم تاب لم يقتل فإن لم يتب قتل امرأة كانت أو رجلا عبدا كان أو حرا وقال في الثاني: في استتابته ثلاثا قولان أحدهما: حديث عمر يتأنى به ثلاثا والآخر: لا يؤخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بأناة وهو لو تؤني به بعد ثلاث كهيئته قبلها قال الشافعي رحمه الله: وهذا ظاهر الخبر قال المزني: وأصله الظاهر وهو أقيس على أصله قال الشافعي ويوقف ماله وإذا قتل فماله بعد قضاء دينه وجنايته ونفقة من ئلزمه نفقته فيء لا يرث المسلم الكافرولا الكافر المسلم وكما لا يرث مسلما لا يرثه مسلم ويقتل الساحر إن كان ما يسحر به كفرا إن لم يتب قال: ويقال لمن ترك الصلاة وقال أنا أطيقها ولا أصليها لا يعملها غيرك فإن فعلت وإلا قتلناك كما تترك الإيمان ولا يعلمه غيرك فإن آمنت وإلا قتلناك ومن قتل مرتدا قبل أن يستتاب أو جرحه فأسلم ثم مات من الجرح فلا قود ولا دية ويعزر القاتل لأن المتولي لقتله بعد استتابته الحاكم قال: ولا يسبى للمرتدين ذرية وإن لحقوا بدار الحرب لأن حرمة الإسلام قد ثبتت لهم ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم ومن بلغ منهم إن لم يتب قتل ومن ولد للمرتدين في الردة لم يسب لأن آباءهم لم يسبوا وإن ارتد معاهدون ولحقوا بدار الحرب وعندنا لهم ذراري لم نسبهم وقلنا: إذا بلغوا لكم العهد إن شئتم وإلا نبذنا إليكم ثم أنتم حرب وإن ارتد سكران فمات كان ماله فيئا ولا يقتل وإن لم يتب حتى يمتنع مفيقا قال المزني: قلت إن هذا دليل على طلاق السكران الذي لا يميز أنه لا يجوز ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكره قيل: إن أقررت بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام لم يكشف عن غيره وما جرح أو أفسد في ردته أخذ به وإن جرح مرتدا ثم جرح مسلما فمات فعلى من جرحه مسلما نصف الدية.