مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -312-     كتاب القتل.
باب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا يجب.

قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}1 الآية وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}2 وقال عليه السلام: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس"3 قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف مكافىء دمه منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر ولا يقتل مؤمن بكافر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر"4 وإنه لا خلاف أنه لا يقتل بالمستأمن وهو في التحريم مثل المعاهد قال المزني رحمه الله: فإذا لم يقتل بأحد الكافرين المحرمين لم يقتل بالاخر قال الشافعي رحمه الله: قال قائل عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقتل مؤمن بكافر" حربي فهل من بيان في مثل هذا يثبت؟ قلت: نعم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن"5 فهل تزعم أنه أراد أهل الحرب لأن دماءهم وأموالهم حلال؟ قال: لا ولكنها على جميع الكافرين لأن اسم الكفر يلزمهم قلنا: وكذلك لا يقتل مؤمن بكافر لأن اسم الكفريلزمهم فما الفرق؟ قال قائل روينا حديث ابن السلماني قلنا منقطع وخطأ إنما روي فيما بلغنا أن عمروبن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به فلوكان ثابتا كنت قد خالفته وكان منسوخا لأنه قتل قبل الفتح بزمان وخطبة رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر" عام الفتح وهو خطأ لأن عمرو بن أمية عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا وأنت تأخذ العلم ممن بعد ليس لك به معرفة أصحابنا قال: ولا يقتل حر بعبد وفيه قيمته وإن بلغت ديات قال المزني رحمه الله تعالى: وفي إجماعهم أن يده لا تقطع بيد العبد قضاء على أن الحر لا يقتل بالعبد فإذا منع أن يقتص من يده وهي أقل لفضل الحرية على العبودية كانت النفس أعظم وهي أن تقص بنفس العبد أبعد قال الشافعي رحمه الله: ولا يقتل والد بولد لأنه إجماع ولا جد من قبل أم ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 93
2 سورة الأنعام: 151
3 انظر الأم 5/5.
4 انظر الأم 5/37, 56, 75.
5 انظر الأم 5/237.

 

ص -313-     أب بولد ولد وإن بعد لأنه والد قال المزني رحمه الله: هذا يؤكد ميراث الجد لأن الأخ يقتل بأخيه ولا يقتل الجد بابن ابنه ويملك الأخ أخاه في قوله ولا يملك جده وفي هذا دليل على أن الجد كالأب في حجب الإخوة وليس كالأخ قال: ويقتل العبد والكافر بالحر المسلم والولد بالوالد ومن جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه القصاص في الجراح ويقتل العدد بالواحد واحتج بأن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا1 قال الشافعي رحمه الله: ولو جرحه أحدهما مائة جرح والاخر جرحا واحدا فمات كانوا في القود سواء ويجرحون بالجرح الواحد إذا كان جرحهم إياه معا لا يتجزأ ولا يقتص إلا من بالغ وهومن احتلم من الذكورأو حاض من النساء أو بلغ أيهما كان خمس عشرة سنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/34.

صفة القتل العمد وجراح العمد التي فيها قصاص وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا عمد رجل بسيف أو خنجر أو سنان رمح أو ما يشق بحده إذا ضرب أو رمى به الجلد واللحم دون المقتل فجرحه جرحا كبيرا أو صغيرا فمات منه فعليه القود وإن شدخه بحجر أو تابع عليه الخنق أو والى عليه بالسوط حتى يموت أو طين عليه بيتا بغير طعام ولا شراب مدة الأغلب أنه يموت من مثله أو ضربه بسوط في شدة برد أو حر ونحو ذلك مما الأغلب أنه يموت منه فمات فعليه القود قال: ولو قطع مريئه وحلقومه أو قطع حشوته فأبانها من جوفه أو صيره في حال المذبوح ثم ضرب عنقه آخر فالأول قاتل دون الاخر ولو أجافه أو خرق أمعاءه ما لم يقطع حشوته فيبينها منه ثم ضرب آخر عنقه فالأول جارح والآخر قاتل قد جرح معى عمربن الخطاب رضي الله عنه في موضعين وعاش ثلاثا2 فلو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرىء الذي جرحه من القتل ولو جرحه جراحات فلم يمت حتى عاد إليه فذبحه صار والجراح نفسا ولو برأت الجراحات ثم عاد فقتله كان عليه ما على الجارح منفردا وما على القاتل منفردا قال: ولو تداوى المجروح بسم فمات أو خاط الجرح في لحم حي فمات فعلى الجاني نصف الدية لأنه مات من فعلين وإن كانت الخياطة في لحم ميت فالدية على الجاني ولو قطع يد نصراني فأسلم ثم ممات لم يكن قود لأن الجناية كانت وهو ممن لا قود فيه وعليه دية مسلم ولا يشبه المرتد لأن قطعه مباح كالحد والنصراني يده ممنوعة ولو أرسل سهما فلم يقع على نصراني حتى أسلم أو على عبد فلم يقع حتى أعتق لم يكن عليه قصاص لأن تخلية السهم كانت ولا قصاص وفيه دية حرمسلم والكفارة وكذلك المرتد يسلم قبل وقوع السهم لتحول الحال قبل وقوع الرمية ولوجرحه مسلما فارتد ثم أسلم ثم مات فالدية والكفارة ولا قود للحال الحادثة ولو مات مرتدا كان لوليه المسلم أن يقتص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 5/91.

 

ص -314-     بالجرح قال المزني: القياس عندي على أصل قوله أن لا ولاية لمسلم على مرتد كما لا وراثة له منه وكما أن ماله للمسلمين فكذلك الولي في القصاص من جرحه ولي المسلمين قال الشافعي رحمه الله: ولو فقأ عيني عبد قيمته مائتان من الإبل فأعتق فمات لم يكن فيه إلا دية لأن الجناية تنقص بموته حرا وكانت الدية لسيده دون ورثته قال المزني رحمه الله: القياس عندي أن السيد قد ملك قيمة العبد وهوعبد فلا ينقص ما وجب له بالعتق قال الشافعي رحمه الله: ولو قطع يد عبد وأعتق ثم مات فلا قود إذا كان الجاني حرا مسلما أو نصرانيا حرا أو مستأمنا حرا وعلى الحر الدية كاملة في ماله للسيد منها نصف قيمته يوم قطعه والباقي لورثته ولو قطع ثان بعد الحرية رجله وثالث بعدهما يده فمات فعليهم دية حر والذي للسيد من الدية قولان أحدهما: أن له الأقل من ثلث الدية ونصف قيمته عبدا ولا يجعل له أكثر من نصف قيمته عبدا ولوكان لا يبلغ إلا بعيرا؟ لأنه لم يكن في ملكه جناية غيرها ولا يجاوز به ثلث دية حر ولوكان نصف قيمته من بعير من أجل أنها تنقص بالموت والقول الثاني: أن لسيده الأقل من ثلث قيمته عبدا أو ثلث ديته حرا لأنه مات من جناية ثالثة قال المزني رحمه الله: وقد قطع في موضع آخر أنه لو جرحه ما الحكومة فيه إليه ولزمه بالجزية ومن شركة1 عشر من الإبل لم يأخذ السيد إلا البعير الذي وجب بالجرح وهو عليه قال المزني رحمه الله: فهذا أقيس بقوله وأولى عندي بأصله وإن لم يزده على بعير لأنه وجب بالجرح وهو عبده ففي القياس أن لا ينقصه وإن جاوز عقل حر لأنه وجب له بالجرح وهو عبد قال الشافعي رحمه الله: وعلى المتغلب باللصوصية والمأمور القود إذا كان قاهرا للمأمور وعلى السيد القود إذا أمر عبده صبيا أو أعجميا لا يعقل بقتل رجل فقتله فإن كان لعبد يعقل فعلى العبد القود ولو كانا لغيره فكانا يميزان بينه وبين سيدهما فهما قاتلان وإن كانا لا يميزان فالآمر القاتل وعليه القود ولو قتل مرتد نصرانيا ثم رجع ففيها قولان أحدهما: أن عليه القود وهو أولاهما لأنه قتل وليس بمسلم والثاني: أن لا قود عليه لأنه لا يقر على دينه قال المزني رحمه الله: قد أبان أن الأول أولاهما فالأولى أحق بالصواب وقد دل قوله في رفع القود عنه لأنه لا يقر على دينه على أنه لو كان القاتل نصرانيا يقر على دينه لكان القود عليه وإن أسلم قال المزني رحمه الله: فإذا كان النصراني الذي يقر على دينه الحرام الدم إذا أسلم يقتل بالنصراني فالمباح الدم بالردة أحق أن يقاد بالنصراني وإن أسلم في قياس قوله قال الشافعي رحمه الله: ويقتل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الممسك ولو ضربه بما الأغلب أنه يقطع عضوا أو يوضح رأسا فعليه القود ولو عمد عينه بأصبعه ففقأها اقتص منه لأن الأصبع يأتي منها على ما يأتي به السلاح من النفس وإن لم تنفقىء واعتلت حتى ذهب بصرها أو انتجفت ففيها القصاص وإن كان الجاني مغلوبا على عقله فلا قصاص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "ومن شركة" كذا في النسخ وانظر مصححه.

 

ص -315-     عليه إلا السكران فإنه كالصحيح ولو قطع رجل ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه عمدا قيل إن شئت وقفناك فإن بنت ذكرا أقدناك في الذكر والأنثيين وجعلنا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك وجعلنا لك دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين قال المزني رحمه الله: بقية هذه المسألة في معناه أن يقال له وإن لم تشأ أن تقف حتى يتبين أمرك وعفوت عن القصاص وبرأت فلك دية شفري امرأة وحكومة في الذكر والأنثيين لأنه الأقل وإن قلت لا أعفو ولا أقف قيل لا يجوز أن يقص مما لا يدري أي القصاص لك فلا بد لك من أحد الأمرين على ما وصفنا.

باب الخيار في القصاص.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ثم أنتم يا بني خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل قتيلا بعده فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل"1 قال الشافعي رحمه الله: ولم يختلفوا في أن العقل يورث كالمال وإذا كان هكذا فكل وارث ولي زوجة أو ابنة لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم ولا يقتل إلا باجتماعهم وحبس القاتل حتى يحضر الغائب ويبلغ الطفل وإن كان فيهم معتوه فحتى يفيق أو يموت فيقوم وارثه مقامه وأيهم عفا عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حقوقهم من الدية فإن عفوا جميعا وعفا المفلس يجني عليه أو على عبده القصاص جاز ذلك لهم ولم يكن لأهل الدين والوصايا منعهم لأن المال لا يملك يالعمد إلا بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وبمشيئة الورثة إن كان ميتا قال المزني رحمه الله: ليس يشبه هذا الاعتلال أصله لأنه احتج في أن العفو بوجب الدية بأن الله تعالى لما قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}2 لم يجزأن يقال عفا إن صولح على مال لأن العفو ترك بلا عوض فلم يجز إذا عفا عن القتل الذي هو أعظم الأمرين إلا أن يكون له مال في مال القاتل أحب أو كره ولو كان إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للعافي ما يتبعه بمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان قال المزني رحمه الله: فهذا مال بلا مشيئة أو لا تراه يقول إن عفو المحجور جائز لأنه زيادة في ماله وعفوه المال لا يجوز لأنه نقص في ماله وهذا مال بغير مشيئة فأقرب إلى وجه ما قال عندي في العفو الذي ليس لأهل الدين منعه منه هو أن يبرئه من القصاص ويقول بغير مال فيسقطان وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/16.
2 سورة البقرة: 178.

باب القصاص بالسيف.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى:
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ

 

ص -316-     سُلْطَاناً}1 قال: وإذا خلى الحاكم الولي وقتل القاتل فينبغي له أن يأمر من ينظر إلى سيفه فإن كان صارما و إلا أمره بصارم لئلا يعذبه ثم يدعه وضرب عنقه وإن ضربه بما لا يخطىء بمثله من قطع رجل أو وسط عزر وإن كان مما يلي العنق من رأسه أو كتفه فلا عقوبة عليه وأجبره الحاكم على أن يأمر من يحسن ضرب العنق ليوجئه قال: ولوأذن لرجل فتنحى به فعفاه الولي فقتله قبل أن يعلم ففيها قولان أحدهما: أن ليس له على القاتل شيء إلا أن يحلف بالله ما علمه عفا ولا على العافي والثاني: أن ليس على القاتل قود لأنه قتله على أنه مباح وعليه الدية والكفارة ولا يرجع بها على الولي لأنه متطوع وهذا أشبههما قال المزني رحمه الله: فالأشبه أولى به قال الشافعي رحمه الله: ولا تقتل الحامل حتى تضع فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لوتركت بطيب ننسى الولي حتى يوجد له مرضع فإن لم يفعل قتلت قال المزني رحمه الله: إذا لم يوجد للمولود ما يحيا به لم يحل عندي قتله بقتل أمه حتى يوجد ما يحيا به فتقتل قال الشافعي رحمه الله: ولو عجل الإمام فاقتص منها حاملا فعليه المأثم فإن ألقت جنينا ضمنه الإمام على عاقلته دون المقتص قال المزني رحمه الله: بل على الولي لأنه اقتص لنفسه مختارا فجنى على من لا قصاص له عليه فهو بغرم ما أتلف أولى من إمام حكم له بحقه فأخذه وما ليس له قال الشافعي رحمه الله: ولوقتل نفرا قتل للأولى وكانت الديات لمن بقي في ماله فإن خفي الأول منهم أقرع بينهم فأيهم قتل أولا قتل به وأعطى الباقون الديات من ماله ولو قطع يد رجل وقتل آخر قطعت يده باليد وقتل بالنفس قال المزني رحمه الله: فإن مات المقطوعة يده الأول بعد أن اقتص من اليد فقياس قول الشافعي عندي أن لوليه أن يرجع بنصف الدية في مال قاطعه لأن المقطوع قد استوفى قبل موته ما فيه نصف الدية باقتصاصه به قاطعه قال الشافعي رحمه الله: ولو قتله عمدا ومعه صبي أو معتوه أو حر وعبد قتلا عبدا أو مسلم و نصراني قتلا نصرانيا أو قتل ابنه ومعه أجنبي فعلى الذي عليه القصاص القصاص وعلى الآخر نصف الدية في ماله وعقوبة إن كان الضرب عمدا قال المزني رحمه الله: وشبه الشافعي أخذ القود من البالغ دون الصبي بالقاتلين عمدا يعفو الولي عن أحدهما إن له قتل الآخر فإن قيل: وجب عليهما القود فزال عن أحدهما بإزالة الولي قيل فإذا أزاله الولي عنه أزاله عن الآخر فإن قال: لا قيل: فعلهما واحد فقد حكمت لكل واحد منها بحكم نفسه لا بحكم غيره قال: فإن شركه قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطىء على عاقلته واحتج على محمد بن الحسن في منع القود من العامد إذا شاركه صبي أو مجنون فقال: إن كنت رفعت عنه القود لأن القلم عنهما مرفوع وإن عمدهما خطأ على عاقلتهما فهلا أقدت من الأجنبي إذا قتل عمدا مع الأب لأن القلم عن الأب ليس بمرفوع وهذا ترك أصلك قال المزني رحمه الله: قد شرك الشافعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الاسراء: 33.

 

ص -317-     رحمه الله محمد بن الحسن فيما أنكر عليه في هذه المسألة لأن رفع القصاص عن الخاطىء والمجنون والصبي واحد فكذلك حكم من شاركهم بالعمد واحد قال الشافعي رحمه الله: ولو قتل أحد الوليين القاتل بغير أمر صاحبه ففيها قولان أحدهما: أن لا قصاص بحال للشبهة قال الله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً}1 يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل وهو مذهب أكثر أهل المدينة ينزلونه منزلة الحد لهم عن أبيهم إن عفوا إلا واحدا كان له أن يحده قال الشافعي رحمه الله: وإن كان ممن لا يجهل عزر وقيل للولاة معه لكم حصصكم والقول من أين يأخذونها واحد من قولين أحدهما: أنها لهم من مال القاتل يرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال هذا قال فإن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قائل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية والقول الثاني: في حصصهم أنها لهم في مال أخيهم القاتل قاتل أبيهم لأن الدية إنما كانت تلزمه لوكان لم يقتله ولي فإذا قتله ولي فلا يجتمع عليه القتل والغرم والقول الثاني: أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل قال المزني رحمه الله: وأصل قوله أن القاتل لو مات كانت الدية في ماله قال المزني رحمه الله: وليس تعدي أخيه بمبطل حقه ولا بمزيله عمن هو عليه ولا قود للشبهة قال الشافعي رحمه الله: ولو قطع يده من مفصل الكوع فلم يبرأ حتى قطعها آخرمن المرفق ثم مات فعليهما القود يقطع قاطع الكف من الكوع ويد الآخر من المرفق ثم يقتلان لأن ألم القطع الأول واصل إلى الجسد كله قال الشافعي وإذا تشاح الولاة قيل لهم: لا يقتله إلا واحد منكم فإن سلمتم لواحد أو لأجنبي جاز وقتله وإن تشاححتم أقرعنا بينكم فأيكم خرجت قرعته خليناه وقتله ويضرب بأصرم سيف وأشد ضرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الاسراء: 33.

باب القصاص بغير السيف.
قال الشافعي رحمه الله: وإن طرحه في نار حتى يموت طرح في النار حتى يموت وإن ضربه بحجر فلم يقلع عنه حتى مات أعطى وليه حجرا مثله فقتله به وقال بعض أصحابنا: إن لم يمت من عدد الضرب قتل بالسيف قال المزني: هكذا قال الشافعي رحمه الله في المحبوس بلا طعام ولا شراب حتى مات إنه يحبس فإن لم يمت في تلك المدة قتل بالسيف وكذا قال لو غرقه في الماء وكذلك يلقيه في مهواة في البعد أو2 مثل سدة الأرض وكذا عدد الضرب بالصخرة فإن مات وإلا ضربت عنقه فالقياس على ما مضى في أول الباب أن يمنعه الطعام والشراب حتى يموت كما قال في النار والحجر والخنق بالحبل حتى يموت إذا كان ما صنع به من المتلف الوحي قال الشافعي ولو قطع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 قوله مثل سدة الأرض كذا في الأصل وانظر.

 

ص -318-     يديه ورجليه فمات فعل به الولي ما فعل بصاحبه فمان مات وإلا قتل بالسيف ولو كان أجافه أو قطع ذراعه فمات كان لوليه أن يفعل ذلك به على أن يقتله فأما على أن لا يقتله فلا يترك وإياه وقال في موضع آخر: فيها قولان أحدهما: هذا والآخر: لا نقصه من ذلك بحال لعله إذا فعل ذلك به أن يدع قتله فيكون قد عذبه بما ليس في مثله قصاص قال المزني رحمه الله: قد أبى أن يوالي عليه بالجوائف كما والى عليه بالنار والحجر والخنق بمثل ذلك الحبل حتى يموت ففرق بين ذلك والقياس عندي على معناه أن يوالي عليه بالجوائف إذا والى بها عليه حتى يموت كما يوالي عليه بالحجر والنار والخنق حتى يموت قال المزني: أولاهما بالحق عندي فيما كان في ذلك من جراح أن كل ما كان فيه القصاص لوبرىء أقصصته منه فإن مات وإلا قتلته بالسيف وما لا قصاص في مثله لم أقصه منه وقتلته بالسيف قياسا على ما قال في أحد قوليه في الجائفة وقطع الذراع أنه لا يقصه منهما بحال ويقتله بالسيف.

باب القصاص في الشجاج والجراح والأسنان ومن به نقص أو شلل أو غير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: والقصاص دون النفس شيئان جرح يشق وطرف يقطع فإذا شجه موضحة فبرىء حلق موضعها من رأس الشاج ثم شق بحديدة قدر عرضها وطولها فإن أخذت رأس الشاج كله وبقي شيء منه أخذ منه أرشه وكذا كل جرح يقتص منه ولوجرحه فلم يوضحه أقص منه بقدرما شق من الموضحة فإن أشكل لم أقد إلا مما استيقن وتقطع اليد باليد والرجل بالرجل من المفاصل والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن كان القاطع أفضل طرفا أو أدنى ما لم يكن نقص أو شلل فإن كان قاطع اليد ناقصا أصبعا قطعت يده وأخذ منه أرش أصبع وإن كانت شلاء فله الخيار إن شاء اقتص بأن يأخذ أقل من حقه وإن شاء أخذ دية اليد وإن كان المقطوع أشل لم يكن له القود فيأخذ أكثر وله حكومة يد شلاء وإن قطع أصبعه فتأكلت ذهبت كفه أقيد من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا1 ولم ينتظر به أن يراقى إلى مثل جنايته أولا قال: ولو سأل القود ساعة قطع أصبعه أقدئه فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها ولوكان مات منها قتلته به لأن الجاني ضامن لما حدث من جنايته والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود بسبب الحق قال المزني: وسمعت الشافعي رحمه الله يقول: لو شجه موضحة فذهبت منها عيناه وشعره فلم ينبت ثم برىء أقص من الموضحة فإن ذهبت عيناه ولم ينبت شعره فقد استوفى حقه وإن لم تذهب عيناه ونبت شعره زدنا عليه الدية وفي الشعر حكومة ولا أبلغ بشعر رأسه ولا بشعر لحيته دية قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بقوله عندي قياسا على قوله إذا قطع يده فمات عنها أنه يقطع فإن مات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله ولم ينتظر الخ هكذا في النسخ على تحريف فيها واختلاف فحرر كتبه مصححه.

 

ص -319-     منها فقد استوفى حقه فكذلك إذا شجه مقتصا فذهبت منها عيناه وشعره فقد أخذ حقه غير أني أقول: إن لم ينبت شعره فعليه حكومة الشعر ما خلا موضع الموضحة فإنه داخل في الموضحة فلا نغرمه مرتين قال الشافعي رحمه الله: ولوأصابته من جرح يده أكلة فقطعت الكف لئلا تمشي الأكلة في جسده لم يضمن الجاني من قطع الكف شيئا فإن مات من ذلك فنصف الدية على الجاني ويسقط نصفها لأنه جنى على نفسه ولو كان في يد المقطوع أصبعان شلاوان لم تقطع يد الجاني ولو رضي فإن سأل المقطوع أن يقطع له أصبع القاطع الثالث ويؤخذ له أرش الأصبعين والحكومة في الكف كان ذلك له ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع لأنها تبع للأصابع وكلها مستوية ولا يكون أرشها كواحدة منها ولو كان القاطع مقطوع الأصبعين قطعت له كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش أصبعين تامتين ولو كان للقاطع ست أصابع لم تقطع لزيادة الأصبع ولو كان الذي له خمس أصابع هو القاطع كان للمقطوع قطع يده وحكومة الأصبع الزائدة ولا أبلغ بها أرش أصبع ولو قطع له أنملة لها طرفان فله القود من أصبعه وزيادة حكومة وإن كان للقاطع مثلها أقيد بها ولاحكومة فإن كان للقاطع طرفان وللمقطوع واحد فلا قود لأنها أكثر قال: ولو قطع أنمل طرف ومن آخر الوسطى من أصبع واحد فإن جاء الأول قبل اقتص له ثم الوسطى وإن جاء صاحب الوسطى قيل لا قصاص لك إلا بعد الطرف ولك الدية قال: ولا أقيد بيمنى يسرى ولا بيسرى يمنى قال: ولو قلع سنه أو قطع أذنه ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه وسأل القود فله ذلك لأنه وجب له بإبانته وكذلك الجاني لا يقطع ثانية إذا أقيد منه مرة إلا بأن يقطع لأنها ميتة قال: ويقاد بذكر رجل شيخ وخصي وصبي والذي لا يأتي النساء كان الذكرينتشرأو لا ينتشر ما لم يكن به شلل يمنعه من أن ينقبض أو ينبسط وبأنثي الخصى لأن كل ذلك طرف وإن قدر على أن يقاد من إحدى أنثي رجل بلا ذهاب الأخرى أقيد منه وإن قطعهما ففيهما القصاص أو الدية تامة فإن قال الجاني: جنيت عليه وهو موجوء وقال المجني عليه: بل صحيح فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنه هذا يغيب عن أبصار الناس ولا يجوز كشفه لهم قال: ويقاد أنف الصحيح بأنف الأخرم ما لم يسقط أنفه أو شيء منه وأذن الصحيح بأذن الأصم وإن قلع سن من قد أثغر قلع سنه فإن كان المقلوع سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرحة أسنانه ونباتها فإن لم ينبت سنه وقال أهل العلم به لا ينبت أقدناه ولو قلع له سنا زائدة ففيها حكومة إلا أن يكون للقالع مثلها فيقاد منه ومن اقتص حقه بغير سلطان عزر ولا شيء عليه ولو قال المقتص: أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها وقال: عمدت وأنا عالم فلا عقل ولا قصاص فإذا برأ اقتص من يمينه وإن قال: لم أسمع أو رأيت أن القصاص بها يسقط عن يميني لزم المقتص دية اليد لوكان ذلك في سرقة لم يقطع يمينه ولا يشبه ألحد حقوق العباد ولو قال الجاني مات من قطع اليدين والرجلين وقال الولي: مات من غيرهما فالقول قول الولي قال: ويحضر الإمام القصاص عدلين عاقلين حتى لا يقاد إلا بحديدة حادة مسقاة

 

ص -320-     ويتفقد حديده لئلا يسم فيقتل فيقطع من حيث قطع بأيسر ما يكون به القطع ويرزق من يقيم الحدود ويأخذ القصاص من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس كما يرزق الحكام فإن لم يفعل فعلى المقتص منه الأجر كما عليه أجر الكيال والوزان فيما يلزمه.

باب عفو المجني عليه ثم يموت وغيرذلك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال المجني عليه عمدا قد عفوت عن جنايته من قود وعقل ثم صح جازفيما لزمه بالجناية ولم يجز فيما لزمه من الزيادة لأنها لم تكن وجبت حين عفا ولو قال: قد عفوت عنها وما يحدث منها من عقل وقود ثم مات منها فلا سبيل إلى القود للعفوونظر إلى أرش الجناية فكان فيها قولان أحدهما: أنه جائز العفو عنه من ثلث مال العافي كأنها موضحة فهي نصف العشر ويؤخذ بباقي الدية والقول الثاني: أن يؤخذ بجميع الجناية لأنها صارت نفسا وهذا قاتل لا يجوز له وصية بحال قال المزني رحمه الله: هذا أولى بقوله لأن كل ذلك وصية لقاتل فلما بطل بعضها بطل جميعها ولأنه قطع بأنه لو عفا والقاتل عبد جاز العفو من ثلث الميت قال: وإنما أجزنا ذلك لأنه وصية لسيد العبد مع أهل الوصايا ولأنه قال في قتل الخطأ لو عفا عن أرش الجناية جاز عفوه لأنها وصية لغير قاتل قال الشافعي رحمه الله: ولو كان القاتل خطأ ذميا لا يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهم والعفو باطل لأنه وصية للقاتل ولو كان لهما عاقلة لم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يريد بقوله: عفوت عنه أرش الجناية أو ما يلزم من أرش الجناية قد عفوت ذلك عن عاقلته فيجوز ذلك لها قال المزني رحمه الله: قد أثبت أنها وصية وأنها باطلة لقاتل قال الشافعي رحمه الله: ولو جنى عبد على حر فابتاعه بأهش الجرح فهو عفوولم يجز البيع إلا أن يعلما أرش الجرح لأن الاثمان لا تجوز إلا معلومة فإن أصاب به عيبا رده وكان له في عنقه أرش جنايته.

باب أسنان الإبل المغلضة والعمد وكيف يشبه العمد الخطأ.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها"1 قال الشافعي رحمه الله: فهذا خطأ في القتل وإن كان عمدا في الضرب واحتج بعمر بن الخطاب وعطاء رضي الله عنهما أنهما قالا: في تغليظ الإبل أربعون خلفة وثلاثون حقة وثلاثون جذعة قال الشافعي رحمه الله: والخلفة الحامل وقل ما تحمل الأثنية فصاعدا فأية ناقة من إبل العاقلة حملت فهي خلفة تجزىء في الدية ما لم تكن معيبة وكذلك لو ضربه.

_________________
1 انظر الأم 6/134,13.
2 انظر الأم 6/146,135.

 

ص -321-     بعمود خفيف أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف لم يجرح أو ألقاه في بحر قرب البر وهويحسن العوم أو ماء الأغلب أنه لا يموت من مثله فمات فلا قود وفيه الدية على العاقلة وكذلك الجراح وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذي الرحم وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قضى في دية امرأة وطئت بمكة بدية وثلث1 قال: وهكذا أسنان دية العمد حالة في ماله إذا زال عنه القصاص قال المزني رحمه الله: إذا كانت المغلظة أعلى سنا من سن الخطأ للتغليظ فالعامد أحق بالتغليظ إذا صارت عليه وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/138.

باب أسنان الخطأ وتقويمها وديات النفوس والجراح وغيرها.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}2 فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن الدية مائة من الإبل3 وروي عن سليمان بن يسار قال: إنهم كانوا يقولون دية الخطأ مائة من الإبل عشرون ابنة مخاض و عشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة4 قال الشافعي رحمه الله: فبهذا نأخذ ولا يكلف أحد من العاقلة غير إبله ولا يقبل منه دونها فإن لم يكن لبلده إبل كلف إلى أقرب البلدان إليه فإن كانت إبل العاقلة مختلفة أدى كل رجل منهم من إبله فإن كانت عجافا أو جربا قيل: إن أديت صحاحا جبر على قبولها فإن أعوزت الإبل فقيمتها دنانير أو دراهم كما قومها عمر بن الخطاب رضي الله عنه5 قال الشافعي رحمه الله تعالى: والعلم محيط بأنه لم يقومها إلا قيمة يومها فإذا قومها كذلك فاتباعه أن تقوم متى وجبت ولعله أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد أعوزت فيه أو يتراضى الجاني والولي فيدل على تقويمه للإعواز قوله: لا يكلم أعرابي الذهب ولا الورق لأنه يجد الإبل وأخذه ذلك من القروي لإعواز الإبل فيما أرى والله أعلم ولو جاز أن يقوم بغير الدراهم والدنانير جعلنا على أهل الخيل الخيل وعلى أهل الطعام الطعام قال المزني رحمه الله: وقوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ورجوعه عن القديم رغبة عنه إلى الجديد وهو بالسنة أشبه قال الشافعي رحمه الله: وفي الموضحة خمس من الإبل وهي التي تبرز العظم حتى يقرع بالمرود لأنها على الأسماء صغرت أو كبرت شانت أو لم تشن ولو كان وسطها ما لم ينخرق فهي موضحتان فإن قال: شققتها من رأسي وقال الجاني: بل تأكلت من جنايتي فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنهما وجبتا له فلا يبطلهما إلا إقراره أو بينة عليه وقال: في.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 سورة النساء: 92.
3 انظر الأم 6/135., 148
4 انظر الأم 6/147.
5 انظر الأم 6/135, 150.

 

ص -322-     الهاشمة عشر من الإبل وهي التي توضح وتهشم وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى فينقل من عظامه ليلتئم وذلك كله في الرأس والوجه واللحي الأسفل وفي المأمومة ثلث النفس وهي التي تخرق إلى جلد الدماغ ولم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم فيما دون الموضحة بشيء ففيما دونها حكومة لا يبلغ بها قدرموضحة وإن كان الشين أكثر وفي كل جرح ما عدا الرأس والوجه حكومة إلا الجائفة ففيها ثلث النفس وهي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر صدر أو ثغرة نحر فهي جائفة وفي الأذنين الدية وفي السمع الدية ويتغفل ويصاح به فإن أجاب عرف أنه يسمع ولم يقبل منه قوله وإن لم يجب عند غفلاته ولم يفزع إذا صيح به حلف لقد ذهب سمعه وأخذ الدية وفي ذهاب العقل الدية وفي العينين الدية وفي ذهاب بصرهما الدية فإن نقصت إحداهما عن الأخرى اختبرته بأن أعصب عينه العليلة وأطلق الصحيحة وأنصب له شخصا على ربوة أو مستوى فإذا أثبته بعدته حتى ينتهي بصرها ثم أذرع بينهما وأعطيه على قدر ما نقصت عن الصحيحة ولو قال: جنيت عليه وهو ذاهب البصر فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر ويسعها أن تشهد إذا رأته يتبع الشخص بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما وكذلك المعتوه والصبي ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها قال: وفي الجفون إذا استؤصلت الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية لآن ذلك من تمام خلقته وما يألم بقطعه وفي الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية وفي ذهاب الشم الدية قال الشافعي رحمه الله: وفي الشفتين الدية إذا استوعبتا وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفي اللسان الدية وإن خرس ففيه الدية وإن ذهب بعض كلامه اعتبر عليه بحروف المعجم ثم كان ما ذهب من عدد الحروف بحسابه وإن قطع ربع اللسان فذهب بأقل من ربع الكلام فربع الدية وإن ذهب نصف الكلام فنصف الدية وفي لسان الصبي إذا حركه ببكاء أو بشيء يغير اللسان الدية وفي لسان الأخرس حكومة فإن قال: لم أكن أبكم فالقول قول الجاني مع يمينه فإن علم أنه ناطق فهو ناطق حتى يعلم خلاف ذلك قال: وفي السن خمس من الإبل إذا كان قد أثغر فإن لم يثغر انتظر به فإن لم تنبت تم عقلها وإن نبتت فلا عقل لها والضرس سن وإن سمي ضرسا كما أن الثنية سن وإن سميت ثنية وكما أن اسم الإبهام غير اسم الخنصر وكلاهما إصبع وعقل كل إصبع سواء فإن نبتت سن رجل قلعت بعد أخذه أرشها قال في موضع: يرد ما أخذ وقال في موضع آخر: لا يرد شيئا قال المزني رحمه الله: هذا أقيس في معناه عندي لأنه لم ينتظر بسن الرجل كما انتظر بسن من لم يثغر هل تنبت أم لا؟ فدل ذلك عندي من قوله إن عقلها أو القود منها قد تم ولولا ذلك لاتنظركما انتظر بسن من لم يثغروقياسا على قوله ولو قطع لسانه فأخذ أرشه ثم نبت صحيحا لم يرد شيئا ولو قطعه آخر ففيه الأرش تاما ومن أصل قوله أن الحكم على الأسماء قال المزني: وكذلك السن في القياس نبتت أو لم تنبت سواء إلا أن تكون في الصغير إذا نبتت لم يكن لها عقل أصلا.

 

ص -323-     فيترك له القياس قال الشافعي رحمه الله: والأسنان العليا في عظم الرأس والسفلى في اللحيين ملتصقتين ففي اللحيين الدية وفي كل سن من أسنانها خمس من الإبل ولو ضربها فاسودت ففيها حكومة وقال: في كتاب عقولها تم عقلها قال المزني رحمه الله: الحكومة أولى لأن منفعتها بالقطع والمضغ ورد الريق وسد موضعها قائمة كما لو اسود بياض العين لم يكن فيها إلا حكومة لأن منفعتها بالنظر قائمة قال الشافعي رحمه الله: وفي اليدين الدية وفي الرجلين الدية وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلث عقل أصبع إلا أنملة الإبهام فإنها مفصلان ففي أنملة الإبهام نصف عقل الأصبع وأيها شل تم عقلها وإن قطعت من الذراع ففي الكف نصف الدية وفيما زاد حكومة وما زاد على القدم حكومة وقدم الأعرج ويد الأعسم إذا كانتا سالمتين الدية ولو خلقت لرجل كفان في ذراع إحداهما فوق الأخرى فكان يبطش بالسفلى ولا يبطش بالعليا فالسفلى هي الكف التي فيها القود والعليا زائدة وفيها حكومة وكذلك قدمان في ساق فإن استوتا فهما ناقصتالن فإن قطعت إحداهما ففيها حكومة لا تجاوز نصف دية قدم وإن قطعتا معا1 ففيهما دية قدم ويجاوز بها دية قدم وإن قطعت إحداهما ففيها حكومة فإن عملت الأخرى لما انفردت ثم عاد فقطعها وهي سالمة يمشي عليها ففيها القصاص مع حكومة الأولى وفي الأليتين الدية وهما ما أشرف على الظهر من المأكمتين إلى ما أشرف على استواء الفخذين وسواء قطعتا من رجل أو امرأة وكل ما قلت فيهما الدية ففي إحداهما نصف الدية ولا تفضل يمنى على يسرى ولا عين أعور على عين ليس بأعور ولا يجوزأن يقال فيها دية تامة وإنما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في العينين الدية وعين الأعور كيد الأقطع فإن كسر صلبه فلم يطق المشي ففيه الدية قال: ودية المرأة وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أوكثر وفي ثدييها ديتها وفي حلمتيها ديتها لأن فيهما منفعة الرضاع وليس ذلك في الرجل ففيهما من الرجل حكومة وفي إسكتيها وهما شفراها إذا أوعبتا ديتها والرتقاء التي لا تؤتى وغيرها سواء ولو أفضى ثيبا كان عليه ديتها ومهر مثلها بوطئه إياها في العين القائمة واليد اسجل الشلاء ولسان الأخرس وذكر الأشل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا لا ينبسط وفي الآذنين المستحشفتين بهما من الاستحشاف ما باليد من الشلل وذلك أن تحركا فلا تتحركا أو تغمزا بما يؤلم فلا تألما وكل جرح ليس فيه أرش معلوم وفي شعر الرأس والحاجبين واللحية وأهداب العينين في كل ذلك حكومة ومعنى الحكومة أن يقوم المجني عليه كم يسوي أن لو كان عبدا غير مجني عليه ثم يقوم مجنيا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كان العشر ففيه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية وما كسرمن سن أو قطع من شيء له أرش معلوم فعلى حساب ما ذهب منه وقال: في الترقوة جمل وفي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قولعه: ففيهما دية قدم الخ عبارة الأم "وإن قطعتا معا فعلى قاطعهما القود وحكومة اهـ وبها يعلم ما هنا كتبه مصححه.

 

ص -324-     الضلع جمل وقال في موضع آخر: يشبه ما حكي عن عمر فيما صفت حكومة لا توقيت قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بقوله كما يؤول قول زيد في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا توقيت وقد قطع الشافعي رحمه الله بهذا المعنى فقال في كل عظم كسر سوى السن حكومة فإذا جبرمسقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين وإن جبر معيبا بعجز أو عرج أو غير ذلك زيد في حكومته بقدر شينه وضره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع قال: ولو جرحه فشان وجه أو رأسه شيئا يبقى فإن كان الشين أكثر من الجرح أخذ بالشين وإن كان الجرح أكثر من الشين أخذ بالجرح ولم يزد للشين قال: فإن كان الشين أكثر من موضحة نقصت من الموضحة شيئا ما كان الشين لأنها لوكانت موضحة معها شين لم أزد على موضحة فإذا كان الشين معها وهو أقل من موضحة لم يجز أن يبلغ به موضحة وفي الجراح على قدر دياتهم والمرأة منهم وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر قال الشافعي رحمه الله: في الجراح في غير الوجه والرأس بقدر الشين الباقي بعد التئامه لا يبلغ بها الدية إن كان حرا ولا ثمنه إن كان عبدا ولأنه ليس في الجسد قدر معلوم سوى الجائفة ودية النصراني واليهودي ثلث الدية واحتج في ذلك بعمر وعثمان رضي الله عنهما ودية المجوسي ثمانمائة درهم واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وجراحهم على قدر دياتهم والمرأة منهم وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر1 واحتج في ديات أهل الكفر بأن الله تعالى فرق ثم رسوله صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والكافرين فجعل الكفار متى قدر عليهم المؤمنون صنفا منهم يعبدون وتؤخذ أموالهم لا يقبل منهم غيرذلك وصنفا يصنع ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فلا يجوز أن يجعل من كان خولا للمسلمين في حال أو خولا بكل حال إلا أن يعطوا الجزية كالعبد المخارج في بعض حالاته كفيئا لمسلم في دم ولا دية ولا يبلغ بدية كافر دية مؤمن إلاما لا خلاف فيه قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبقول سعيد بن المسيب أقول جراح العبد من ثمنه كجراح الحرمن ديته في كل قليل وكثيروقيمته ما كانت وهذا يروى عن عمروعلي رضي الله عنهما2 قال: وتحمل ثمنه العاقلة إذا قتل خطأ وفي ذكره ثمنه ولو زاد القطع في ثمنه أضعافآ قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فإذا كنت تزعم أن ثمنه كثمن البعير إذا قتل فلم لم يحكم في جرحه كجرح البعيروبعضه؟ قلت: قد يجامع الحر البعيريقتل فيكون ثمنه مثل دية الحر فهو في الحر دية وفي البعير قيمة والقيمة دية العبد وقسته بالحر دون البهيمة بدليل من كتاب الله تعالى في قتل النفس الدية وتحرير رقبة وحكمت وحكمنا في الرجل والمرأة والعبد بديات مختلفات وجعلنا في كل نفس منهم دية ورقبة وإنما جعل الله في النفس الرقبة حيث جعل الدية وبدل البعير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/136., 137
2 انظر الأم 6/133.

 

ص -325-     والمتاع قيمة لا رقبة معها فجامع العبد الأحرار في أن فيه كفارة وفي أنه إذا قتل قتل وإذا جرح جرح في قولنا وفي أن عليه حد الحر في بعض الحدود ونصف حد الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصلاة والصوم والتعبد وكان آدميا كالأحرار فكان بالآدميين أشبه فقسنه عليهم دون البهائم والمتاع قال المزني: وقال في كتاب الديات و الجنايات: لا تحمله العاقلة كما لا تغرم قيمة ما استهلك من مال قال المزني: الأول بقوله أشيه لأنه شبهه بالحر في أن جراحه من ثمنة كجراح الحر من ديته لم يختلف ذلك عندي من قوله قال الشافعي رحمه الله: وكل جناية عمد لا قصاص فيها فالأرش في مال الجاني وقيل جناية الصبي والمعتوه عمدا وخطأ يحملها العاقلة وقيل: لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تحمل العاقلة الخطأ في ثلاث سنين1 فلوقضينا بها إلى ثلاث سنين خالفنا دية العمد لأنها حالة فلم يقض على العاقلة بدية عمد بحال قال المزني: هذا هو المشهور من قوله قال الشافعي ولو صاح برجل فسقط عن حائط لم أرعليه شيئا ولوكان صبيا أومعتوها فسقط من صيحته ضمن ولوطلب رجلا بسيف فألقى بنفسه عن ظهربيت فمات لم يضمن وإن كان أعمى فوقع في حفرة ضمنت عاقلة الطالب ديته لأنه اضطره إلى ذلك ولو عرض له في طلبه سبع فأكله لم يضمن لأن الجاني غيره قال: ويقال لسيد أم الولد إذا جنت أقدها بالأقل من قيمتها أو جنايتها ثم هكذا كلما جنت قال المزني؟ هذا أولى بقوله من أحد قوليه وهو أن السيد إذا غرم قيمتها ثم جنت شرك المجني عليه الثاني المجني عليه الأول قال المزني: فهذا عندي ليس بشيء لأن المجني عليه الأول قد ملك الأرش بالجناية فكيف تجني أمة غيره ويكون بعض الغرم عليه؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/145.

التقاء الفارسين والسفينتين.
قال الشافعي: وإذا اصطدم الراكبان على أي دابة كانتا فماتا معا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأنه مات من صدمته وصدمة صاحبه كما لوجرح نفسه وجرحه صاحبه فمات وإن ماتت الدابتان ففي مال كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه وكذلك لورموا بالمنجنيق معا فرجع الحجر عليهم فقتل أحدهم فترفع حصته من جناينه ويغرم عاقلة الباقين باقي ديته قال: واذا كان أحدهما واقفا فصدمه الآخر فماتا فالصادم هدر ودية صاحبه على عاقلة الصادم قال: وإذا اصطدمت السفينتان وتكسرتا أو إحداهما فمات من فيهما فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين أحدهما: أن يضمن القائم بهما في تلك الحال نصف كل ما أصابت سفينته لغيره أو لا يضمن بحال إلا أن يقدر على تصريفها

 

ص -326-     بنفسه وبمن يطيعه فأما إذا غلبته فلا يضمن في قول من قال بهذا القول والقول تول الذي يصرفها أنها غلبته بريح أو موج وإذا ضمن غير النفوس في ماله ضمنت النفوس عاقلته إلا أن يكون عبدا فيكون ذلك في عنقه قال المزني رحمه الله: وقد قال في كتاب الإجارات: لا ضمان إلا أن يمكن صرفها قال الشافعي وإذا صدمت سفينته من غير أن يعهد بها الصدم لم يضمن شيئا مما في سفينته بحال لأن الذين دخلوا غير متعدى عليهم ولا على أموالهم وإذا عرض لهم ما يخافون به التلف عليها وعلى من فيها فألقى أحدهم بعض ما فيهارجاء أن تخف فتسلم فإن كان ماله فلا شيء على غيره وكذلك لوقالوا له: ألق متاعك فإن كان لغيره ضمن ولو قال لصاحبه: ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا قال المزني: هذا عندي غلط غير مشكل وقياس معناه أن يكون عليه بحصته فلا يلزمه ما لم يضمن ولا يضمن أصحابه ما أراد أن يضمنهم إياه قال الشافعي ولو خرق السفينة فغرق أهلها ضمن ما فيها وضمن ديات ركبانها عاقلته1 وسواء من خرق ذلك منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله وسواء الخ في العبارة نقص يعلم من الأم فانظرها وحرر كتبه مصححه.

باب من العاقلة التي تغرم.
قال الشافعي لم أعلم مخالفا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة ولا اختلاف بين أحد علمته في أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها في ثلاث سنين2 ولا مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب وقضى عمربن الخطاب رضي الله عنه على علي بن أبي طالب بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى للزبير بميراثهم لأنه ابنها3 قال الشافعي رحمه الله: ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوته لأبيه فحملهم ما يحمل العاقلة فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جده فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جد أبيه ثم هكذا لا يدفع إلى بني أب حتى يعجز من هوأقرب منهم ومن في الديوان ومن ليس فيه منهم سواء قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة ولا ديوان في حيانه ولا في حياة أبي بكر ولا صدر من ولاية عمررضي الله عنه ولا أعلم مخالفا أن الصبي والمرأة لا يحملان منها شيئا وإن كانا موسرين وكذلك المعتوه عندي ويؤدي العاقلة الدية في ثلاث سنين من حين يموت القتيل ولا يقوم نجم من الدية إلا بعد حلوله فإن أعسر به أو مطل حتى يجد الإبل بطلت القيمة وكانت عليه الإبل ولا يحملها فقير وإن قضى بها فأيسر الفقير قبل أن يحل نجم منها أو افتقر غني فإنما أنظر إلى الموسريوم يحل نجم منها ومن غرم في نجم ثم أعسر في النجم الآخر ترك فإن مات بعد حلول النجم موسرا أخذ من ماله ما وجب عليه ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد منهم إلا قليلا وأرى على مذاهبهم أن يحمل من كثر ماله نصف دينار ومن كان دونه ربع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله وسواء الخ في العبارة نقص يعلم من الأم فانظرها وحرر كتبه مصححه.
2 انظر الأم 6/145.
3 انظر الأم 6/150.

 

ص -327-     دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص منه وعلى قدرذلك من الإبل حتى يشترك النفر في البعيرويحمل كل ما كثروقل من قتل أو جرح من حر وعبد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حملها الأكثر دل على تحميلها الأيسر فإن كان الأرش ثلث الدية أدته في مضي سنة من يوم جرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فالزيادة في مضي السنة الثانية فإن زاد على الثلثين ففي مضي السنة الثالثة وهذا معنى السنة ولا تحمل العاقلة ما جنى الرجل على نفسه.

باب عقل الموالي.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يعقل الموالي المعتقون عن رجل من الموالي المعتقين وله قرابة تحمل العقل فإن عجزت عن بعض حمل الموالي المعتقون الباقي وإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلته عواقلهم فإن عجزوا ولا عواقل لهم عقل ما بقي جماعة المسلمين قال: ولا أحمل الموالي من أسفل عقلا حتى لا أجد نسبا ولا موالي من أعلى ثم يحملونه لا أنهم وورثته ولكن يعقلون عنه كما يعقل عنهم.

باب أين تكون العاقلة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا جنى رجل جناية بمكة وعاقلته بالشام فإن لم يكن خبر مضى يلزم به خلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم مكة إلى حاكم الشام يأخذ عاقلته بالعقل وقد قيل يحمله عاقلة الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب وإن احتمل بعضهم العقل وهم حضور فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض لأن العقل لزم الكل قال: وأحب إلي أن يقضى عليهم حتى يستووا فيه.

باب عقل الحلفاء.
قال الشافعي ولا يعقل الحليف إلا أن يكون مضى بذلك خبر ولا الدعي ولا يعقل عنه ولا يرث ولا يورث إنما يعقلى بالنسب أو الولاء الذي كالنسب وميراث الحليف والعقل عنه منسوخ وإنما يثبت من الحلف أن تكون الدعوة واليد واحدة لا غير ذلك.

باب عقل من لا يعرف نسبه وعقل أهل الذمة.
قال الشافعي إذاكان الجاني نوبيا فلاعقل على أحد من النوبة حتى يكونوا يثبتون أنسابهم إثبات أهل الإسلام وكذلك كل رجل من قبيلة أعجمية أو القبط أو غيره فإن لم يكن له ولاء يعلم فعلى المسلمين لما بينه وبينهم من ولاية الدين وإنهم يأخذون ماله إذا مات ومن انتسب إلى نسب فهو منه إلا أن تثبت بينة بخلاف ذلك ولا يدفع نسب بالسماع وإذا حكمنا على أهل العهد ألزمنا عواقلهم الذين تجري أحكامنا عليهم فإن كانوا أهل حرب لا يجري حكمنا عليهم ألزمنا الجاني ذلك ولا يقضى على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين لقطع الولاية بينهم وإنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا.

 

ص -328-     باب وضع الحجر حيث لا يجوز وضعه وميل الحائط.
قال الشافعي ولو وضع حجرا في أرض لا يملكها وآخر حديدة فتعقل رجل بالحجر فوقع على الحديدة فمات فعلى واضع الحجر لأنه كالدافع ولو حفر في صحراء أو طريق واسع محتمل فمات به إنسان أو مال حائط من داره فوقع على إنسان فمات فلا شيء فيه وإن أشهد عليه لأنه وضعه في ملكه والميل حادث من غير فعله وقد أساء بتركه وما وضعه في ملكه فمات به إنسان فلا شيء عليه قال المزني: وإن تقدم إليه الوالي فيه أو غيره فلم يهدمه حتى وقع على إنسان فقتله فلا شيء عليه عندي في قياس قول الشافعي.

باب دية الجنين.
قال الشافعي في الجنين المسلم بأبويه أو بأحدهما غرة وأقل ما يكون به جنينا أن يفارق المضغة والعلقة حتى يتبين منه شيء من خلق آدمي أصبع أو ظفر أو عين أو ما أشبه ذلك فإذا ألقته ميتا فسواء كان ذكرا أو أنثى قال المزني: هذا يدل على أن أمته إذا ألقت منه دما أن لا تكون به أم ولد لأنه لم يجعله ههنا ولدا وقد جعله في غير هذا المكان ولدا وهذا عندي أولى من ذلك قال الشافعي وكذلك إن ألقته من الضرب بعد موتها ففيه غرة عبد أو أمة تورث كما لو خرج حيا فمات لأنه المجني عليه دون أمه وعليه عتق رقبة ولا شيء لها في الأم ولمن وجبت له الغرة أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثماني سنين لأنها لا تستغني بنفسها دون هذين السنين ولا يفرق بينها وبين أمها في البيع إلا في هذين السنين فأعلى وليس عليه أن يقبلها معيبة ولا خصيا لأنه ناقص عن الغرة وان زاد ثمنها بالخصاء وقيمتها إذا كان الجنين حرا مسلط نصف عشر دية مسلم وإن كان نصرانيا أو مجوسيا فنصف عشر دية نصراني أو مجوسي وإن كانت أمه مجوسية وأبوه نصرانيا أو أمه نصرانية وأبوه مجوسيا فدية الجنين في أكثر أبوابه نصف عشر دية نصراني ولو جنى على أمة حامل فلم تلق جنينها حتى عتقت أو على ذمية فلم تلق جنينها حتى أسلمت ففيه غرة لأنه جنى عليها وهي ممنوعة وقال في كتاب الديات والجنايات: ولا أعرف أن يدفع للغرة قيمة إلا أن يكون بموضع لا توجد فيه قال المزني: هذا معنى أصله في الدية أنها الإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها فإن لم توجد فقيمتها فكذلك الغرة إن لم توجد فقيمتها قال الشافعي ويغرمها من يغرم دية الخطأ قال: فإن قامت البينة أنها لم تزل ضمنة من الضربة حتى طرحته لزمه وإن لم تقم بينة حلف الجاني وبرىء قال: وإن صرخ الجنين أو تحرك ولم يصرخ ثم مات مكانه فديته تامة وإن لم يمت مكانه فالقول قول الجاني وعاقلته إنه مات من غيرجناية ولوخرج حيا لأقل من.

 

ص -329-     ستة أشهر فكان في حال لم يتم لمثله حياة قط ففيه الدية تامة وإن كان في حال تتم فيه لأحد من الأجنة حياة ففيه الدية قال المزني: هذا سقط من الكاتب عندي إذا أوجب الدية لأنه بحال تتم لمثله الحياة فينبغي أن تسقط إذا كان بحال لا تتم لمثله حياة قال المزني: وقد قال: لو كان لأقل من ستة أشهر فقتله رجل عمدا فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليوم أو اليومين ففيه القود ثم سكت قال المزني: كأنه يقول: إن لم يكن كذلك فهو في معنى المذبوح يقطع باثنين أو المجروح تخرج منه حشوته فنضرب عنقه فلأ قود على الثاني ولا دية وفي هذا عندي دليل وبالله التوفيق قال الشافعي ولو ضربها فألقت يدا وماتت ضمن الأم والجنين لأني قد علمت أنه قد جنى على الجنين.

باب جنين الأمة1.
قال الشافعي وفي جنين الأمة عشر قيمة أمه يوم جنى عليها ذكرا كان أو أنثى وهو قول المدنيين قال المزني: القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه لأنه قال: لو ضربها أمة فألقت جنينا ميتا ثم أعتقت فألقت جنينا آخر فعليه عشر قيمة أمه لسيدها وفي الأخر ما في جنين حرة لأملى ولورثته قال الشافعي قال محمد بن الحسن للمدنيين: أرأيتم لو كان حيا أليس فيه قيمته وإن كان أقل من عشر ثمن أمه ولو كان ميتا فعشر أمه؟ فقد أغرمتم فيه ميتا أكثرمما أغرمتم فيه حيا قال الشافعي رحمه الله فقلت له: أليس أصلك جنين الحرة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر عنه أنه سأل أذكر هو أم أنثى؟ قال: بلى قلت: فجعلت وجعلنا فيه خمسا من الإبل أو خمسين دينارا إذا لم يكن غرة قال: بلى قلت: فلو خرجا حيين ذكرا وأنثى فماتا؟ قال: في الذكر مائة وفي الأنثى خمسون قلت: فإذا زعمت أن حكمهما في أنفسهما مختلفان فلم سويت بين حكمهما ميتين؟ أما يدلك هذا أن حكمهما ميتين حكم غيرهما ثم قست على ذلك جنين الأمة فقلت: إن كان ذكرا فنصف عشر قيمته لوكان حيا وإن كان أنثى فعشر قيمتها لوكانت حية أليس قد جعلت عقل الأنثى من أصل عقلها في الحياة وضعف عقل الرجل من أصل عقله في الحياة؟ لا أعلمك إلا نكست القياس قال: فأنت قد سويت بينهما قلت: من أجل أني زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين الذكر والأنثى من جنين الحرة فكان مخرج قولي معتدلا فكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/131, 134.