مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -344-     كتاب السرقة.
باب ما يجب فيه القطع من كتاب الحدود وغيره.

قال الشافعي رحمه الله: القطع في ربع دينار فصاعدا لثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم1 بذلك وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار قال مالك: هي الأترجة التي تؤكل2 قال الشافعي وفي ذلك دلالة على قطع من سرق الرطب من طعام وغيره إذا بلغت سرقته ربع دينار وأخرجها من حرزها والدينار هو المثقال الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقطع إلا من بلغ الاحتلام من الرجال والحيض من النساء أو أيهما استكمل خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم أو لم تحض وجملة الحرزأن ينظر إلى المسروق فإن كان الموضع الذي سرق منه ينسبه العامة إلى أنه حرز في مثل ذلك الموضع قطع إذا أخرجها من الحرز وإن لم ينسبه العامة إلى أنه حرز لم يقطع ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فقطع عليه السلام سارق ردائه3 قال الشافعي رحمه الله: وإذا ضم متاع السوق إلى بعض في موضع تبايعاه وربط بحبل أو جعل الطعام في حبس وخيط عليه قطع وهكذا يحرز وإذا كان يقود قطار إبل أو يسوقها وقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع وإن أناخها حيث ينظر إليها في صحراء أو كانت غنما فآواها إلى مراح فاضطجع حيث ينظر إليها فهذا حرزها ولو ضرب فسطاطا وآوى فيه متاعه فاضطجع فسرق الفسطاط والمتاع من جوفه قطع لأن اضطجاعه حرز له ولما فيه إلا أن الأحراز تختلف فيحرز كل بما تكون العامة تحرز مثله ولو اضطجع في صحراء ووضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم في مقاعد ليس عليها حرز لم يضم ولم يربط أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطريق غير مقطورة أو أباتها بصحراء ولم يضطجع عندها أو ضرب فسطاطا فلم يضطجع فيه فسرق من هذا شيء لم يقطع لأن العامة لا ترى هذا حرزا والبيوت المغلقة حرز لما فيها وإن سرق منها شيء فأخرج بنقب أو فتح باب أو قلعه قطع وإن كان البيت مفتوحا لم يقطع وإن أخرجه من البيت والحجرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/169.
2 انظر الأم 6/170.
3 انظر الأم 6/173.

 

ص -345-     إلى الدار والدار للمسروق منه وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار لأنها حرز لما فيها وإن كانت مشتركة وأخرجه من الحجرة إلى الدار فليست الدار بحرز لأحد من السكان فيقطع ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب وأخذها رجل من خارج لم يقطع واحد منهما وإن رمى بها فأخرجها من الحرز قطع وإن كانوا ثلاثة فحملوا متاعا فأخرجوه معا يبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن نقص شيئا لم يقطعوا وإن أخرجوه متفرقا فمن أخرج ما يساوي ربع دينار قطع وإن لم يساوي ربع دينار لم يقطع ولو نقبوا معا ثم أخرج بعضهم ولم يخرج بعض قطع المخرج خاصة وإن سرق سارق ثوبا فشقه أو شاة فذبحها في حرزها ثم أخرج ما سرق فإن بلغ ربع دينار قطع وإلا لم يقطع ولو كانت قيمة ما سرق ربع دينار ثم نقصت القيمة فصارت أقل من ربع دينار ثم زادت القيمة فإنما أنظر إلى الحال التي خرج بها من الحرز ولو وهبت له لم أدرأ بذلك عنه الحد وإن سرق عبدا صغيرا لا يعقل أو أعجميا من حرز قطع وإن كان يقعل لم يقطع وإن سرق مصحفا أو سيفا أو شيئا مما يحل ثمنه قطع وإن أعار رجلا بيتا فكان يغلقه دونه فسرق منه رب البيت قطع وبقطع العبد آبقا وغير آبق ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله.

باب قطع اليد والرجل في السرقة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق:
"إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله"1 واحتج بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع يد السارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل قال الشافعي رحمه الله: فإذا سرق قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من مفصل الكعب ثم حسمت بالنار ويقطع بأخف مؤنة وأقرب سلامة وإن سرق الخامسة عزر وحبس ولا يقطع الحربي إذا دخل إلينا بأمان ويضمن السرقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/209.

باب الإقرار بالسرقة والشهادة عليها.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقام على سارق حد إلا بأن يثبت على إقراره حتى يقام عليه الحد أو بعدلين يقولان: إن هذا بعينه سرق متاعا لهذا من حرزه بصفاته يسوي ربع دينار ويحضر المسروق منه ويدعي شهادتهما فإن ادعى أن هذا متاعه غلبه عليه وابتاعه منه أوأذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله له خصما لو نكل صاحبه أحلفت المشهود عليه ودفعته إليه وإن لم يحضررب المتاع حبس السارق حتى يحضر ولو شهد

 

ص -346-     رجل وامرأتان أو شاهد ويمين على سرقة أوجبت الغرم في المال ولم أوجبه في الحد وفي إقرار العبد بالسرقة شيئان أحدهما: لله في بدنه فأقطعه والآخر في ماله وهو لا يملك مالا فإذا أعتق وملك أغرمته.

باب غرم السارق ماسرق1.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أغرم السارق ما سرق قطع أو لم يقطع وكذلك قاطع الطريق والحد لله فلا يسقط حد الله غرم ما أتلف للعباد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/212.

ما لا قطع فيه2.
قال الشافعي رحمه الله: ولا قطع على من سرق من غير حرز ولا في خلسة ولا على عبد سرق من متاع سيده ولا على زوج سرق من متاع زوجته ولا على امرأة سرقت من متاع زوجها ولا على عبد واحد منهما سرق من متاع صاحبه للأثر والشبهة ولخلطة كل واحد منهما بصاحبه وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي: إذا سرقت من مال زوجها الذي لم يأتمنها عليه وفي حرز منها قطعت قال المزني رحمه الله: هذا أقيس عندي قال الشافعي ولا يقطع من سرق من مال ولده وولد ولده أو أبيه أو أمه أو أجداده من قبل أيهما كان ولا يقطع في طنبور ولا مزمار ولا خمر ولا خنزير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 6/210, 211.

باب قطاع الطريق.
قال الشافعي عن ابن عباس في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يؤخذوا فيقام عليهم الحد3 قال الشافعي فبهذا أقول وقطاع الطريق هم الذين يعترضون بالسلاح القوم حتى يغصبوهم المال في الصحارى مجاهرة وأراهم في المصر إن لم يكونوا أعظم ذنبا فحدودهم واحدة ولا يقطع منهم إلا من أخذ ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق ويحد كل رجل منهم بقدر فعله فمن وجب عليه القتل والصلب قتله قبل صلبه كراهية تعذيبه وقال في كتاب قتل العمد: يصلب ثلاثا ثم يترك قال: ومن وجب عليه القتل دون الصلب قتل ودفع إلى أهله يكفنونه ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت بالنار ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد ثم خلي ومن حضر منهم وكثر أو هيب أو كان ردءأ عزر وحبس ومن قتل وجرح أقص لصاحب الجرح ثم قطع لا يمنع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 6/212, 213.

 

ص -347-     حق الله حق الآدميين في الجراح وغيرها ومن عفا الجراح كان له ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل ومن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولا تسقط حقوق الآدميين ويحتمل أن يسقط كل حق لله بالتوبة وقال في كتاب الحدود: وبه أقول قال: ولو شهد شاهدان من الرفقة أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا متاعنا لم تجز شهادتهما لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا بهم كذا وكذا وأخذوا منهم كذا وكذا ونحن ننظر وليس للإمام أن يكشفهما عن غير ذلك قال: وإذا اجتمعت على رجل حدود وقذف بدىء بحد القذف ثمانين جلدة ثم حبس فإذا برأ أحد في الزنا مائة جلدة فإذا برأ قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف لقطع الطريق وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا فإن مات في الحد الأول سقطت عنه الحدود كلها وفي ماله دية النفس.

باب الأشربة والحد فيها.
قال الشافعي رحمه الله: كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وفيه الحد قياسا على الخمر ولا يحد إلا بأن يقول: شربت الخمر أو يشهد عليه به أو يقول شربت ما يسكر أو يشرب من إناء هو ونفر فيسكر بعضهم فيدل على أن الشراب مسكر واحتج بأن علي بن أبي طالب قال: لا أوتي بأحد شرب خمرا أو نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
1 انظر الأم 6/253.

باب عدد حد الخمر ومن يموت من ضرب الإمام وخطأ السلطان.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري "عن عبد الرحمن بن أزهر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال:
"اضربوه" فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال: "نكبوه" فنكبوه ثم أرسله قال: فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر ثم تتابع الناس في الخمر فاستشار فضرب ثمانين"2 وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار فقال علي: نرى أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال فجلده عمر ثمانين في الخمر3 وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي شيئا الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات منه فديته إما قال في بيت المال وإما قال على عاقلة الإمام4 الشك من الشافعي قال الشافعي وإذا ضرب الإمام في خمر أو ما يسكر من شراب بنعلين أو طرف ثوب أو رداء أو ما أشبهه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 6/252.
3 انظر الأم 6/252.
4 انظر الأم 6/253.

 

ص -348-     ضربا يحيط العلم أنه لم يجاوز أربعين فمات من ذلك فالحق قتله وإن ضرب أكثر من أربعين بالنعال وغير ذلك فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال لأن عمر أرسل إلى امرأة ففزعت فأجهضت ذا بطنها فاستشار عليا فأشار عليه أن يديه فأمر عمر عليا فقال عمر: عزمت عليك لتقسمنها على قومك1 قال المزني رحمه الله: هذا غلط في قوله إذا ضرب أكثر من أربعين فمات فلم يمت من الزيادة وحدها وإنما مات من الأربعين وغيرها فكيف تكون الدية على الإمام كلها وإنما مات المضروب من مباح وغير مباح ألا ترى أن الشافعي يقول: لو ضرب الإمام رجلا في القذف إحدى وثمانين فمات أن فيها قولين أحدهما: أن عليه نصف الدية والاخر أن عليه جزءا من أحد وثمانين جزءا من الدية قال المزني: ألا ترى أنه يقول: لو جرح رجلا جرحا فخاطه المجروح فمات فإن كان خاطه في لحم حي فعلى الجارح نصف الدية لأنه مات من جرحه والجرح الذي أحدثه في نفسه فكل هذا يدلك إذا مات المضروب من أكثر من أربعين فمات أنه بهما مات فلا تكون الدية كلها على الإمام لأنه لم يقتله بالزيادة وحدها حتى كان معها مباح ألا ترى أنه يقول فيمن جرح مرتدا ثم أسلم ثم جرح جرحا آخر فمات أن عليه نصف الدية لأنه مات من مباح وغير مباح قال المزني رحمه الله: وكذلك إن مات المضروب بأكثر من أربعين من مباح وغير مباح قال الشافعي ولو ضرب امرأة حدا فأجهضت لم يضمنها وضمن ما في بطنها لأنه قتله ولوحده بشهادة عبدين أو غير عدلين في أنفسهما فمات ضمنته عاقلته لأن كل هذا خطأ منه في الحكم وليس على الجاني شيء ولو قال الإمام للجالد: إنما أضرب هذا ظلما ضمن الجالد والإمام معا ولو قال الجالد: قد ضربته وأنا أرى الإمام مخطئا وعلمت أن ذلك رأي بعض الفقهاء ضمن إلا ما غاب عنه بسبب ضربه ولو قال: اضربه ثمانين فزاد سوطا فمات فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما: أن عليهما نصفين كما لو جنى رجلان عليه أحدهما بضربة والاخر بثمانين ضمنا الدية نصفين أو سهما من واحد وثمانين سهما قال: وإذا خاف رجل نشوز امرأته فضربها فماتت فالعقل على العاقلة لأن ذلك إباحة وليس بفرض ولو عزر الإمام رجلا فمات فالدية على عاقلته والكفارة في ماله قال: وإذا كانت برجل سلعة فأمر السلطان بقطعها أو أكلة فأمر بقطع عضو منه فمات فعلى السلطان القود في المكره وقد قيل عليه القود في الذي لا يقتل وقيل لا قود عليه في الذي لا يقتل وعليه الدية في ماله وأما غير السلطان يفعل هذا فعليه القود ولو كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان فعذرا فماتا لم يضمن السلطان لأنه كان عليهما أن يفعلا إلا أن يعذرهما في حر شديد أو برد مفرط الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله فيضمن عاقلته الدية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/241.

 

ص -349-     باب صفة السوط.
قال الشافعي رحمه الله: يضرب المحدود بسوط بين السوطين لا جديد ولا خلق ويضرب الرجل في الحد والتعزير قائما وتترك له يده يتقي بها ولا يربط ولا يمد والمرأة جالسة وتضم عليها ثيابها وتربط لئلا تنكشف ويلي ذلك منها امرأة ولا يبلغ في الحد أن ينهر الدم لأنه سبب التلف وإنما يراد بالحد النكال أو الكفارة قال المزني رحمه الله: ويتقي الجلاد الوجه والفرج وروي ذلك عن علي رضي الله عنه قال الشافعي رحمه الله: ولا يبلغ بعقوبة أربعين تقصيرا عن مساواة عقوبة الله تعالى في حدوده ولا تقام الحدود في المساجد.

باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين من كتاب قتل الخطأ.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا أسلم القوم ثم ارتدوا عن الإسلام إلى أي كفر كان في دار الإسلام أو دار الحرب وهم مقهورون أو قاهرون في موضعهم الذي ارتدوا فيه فعلى المسلمين أن يبدؤوا بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط فإذا ظفروا بهم استتابوهم فمن تاب حقن دمه ومن لم يتب قتل بالردة وسواء في ذلك الرجل والمرأة وما أصاب أهل الردة من المسلمين في حال الردة وبعد إظهار التوبة في قتال وهم ممتنعون أو غير قتال أو على نائرة أو غيرها سواء والحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في القود والعقل وضمان ما يصيبون قال المزني: هذا خلاف قوله في باب قتال أهل البغي قال الشافعي فإن قيل: فما صنع أبو بكر في أهل الردة؟ قيل: قال لقوم جاؤوه تائبين تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم فقال عمر: لا نأخذ لقتلانا دية1 فأن قيل: فما قوله تدون قيل: إن كانوا يصيبون غير متعمدين ودوا وإذا ضمنوا الدية في قتل غير عمد كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين وهذا خلاف حكم أهل الحرب عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإن قيل: فلا نعلم منهم أحدا أقيد بأحد قيل: ولا يثبت عليه قتل أحد بشهادة ولوثبت لم نعلم حاكما أبطل لولي دما طلبه والردة لا تدفع عنهم قودا ولا عقلا ولا تزيدهم خيرا إن لم تزدهم شرا قال المزني: هذا عندي أقيس من قوله في كتاب قتال أهل البغي يطرح ذلك كله لأن حكم أهل الردة أن نردهم إلى حكم الإسلام ولا يرقون ولا يغنمون كأهل الحرب فكذلك يقاد منهم ويضمنون قال الشافعي رحمه الله: وإذا قامت لمرتد بينة أنه أظهر القول بالإيمان ثم قتله رجل يعلم توبته أو لا يعلمها فعليه القود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/55.

 

ص -350-     كتاب صول الفحل
باب دفع الرجل عن نفسه وحريمه ومن يتطلع في بيته.

قال الشافعي رحمه الله: إذا طلب الفحل رجلا ولم يقدر على دفعه إلا بقتله فقتله لم يكن عليه غرم كما لو حمل عليه مسلم بالسيف فلم يقدر على دفعه إلا بضربة فقتله بالضرب أنه هدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قتل دون ماله فهو شهيد"1 فإذا سقط عنه الأكثر لأنه دفعه عن نفسه بما يجوز له كان الأقل أسقط قال الشافعي ولو عض يده رجل فانتزع يده فندرت ثنيتا العاض كان ذلك هدرا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فحل"2 وأهدر ثنيته قال: ولو عضه كان له فك لحييه بيده الأخرى فإن عض قفاه فلم تنله يداه كان له أن ينزع زأسه من فيه فإن لم يقدر فله التحامل عليه برأسه إلى ورائه ومصعدا ومنحدرا وإن غلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيده حتى يرسله فإن بعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيده أو ضربه في بعض جسده ضمن ورفع إلى عمربن الخطاب رضي الله عنه جارية كانت تحتطب فاتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر أو صخر فقتلته فقال عمر: هذا قتيل الله والله لا يودي أبدا قال: ولو قتل رجل رجلا فقال: وجدته على امرأتي فقد أقر بالقود وادعى فإن لم يقم بينة قتل "قال سعد: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال عليه الصلاة والسلام: "نعم" وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته3 قال: ولوتطلع إليه رجل من نقب فطعنه بعود أورماه بحصاة أو ما أشبهها فذهبت عينه فهي هدر واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل ينظر إلى بيته من جحر وبيده مدرى يحك به رأسه فقال عليه الصلاة والسلام: "لوأعلم أنك تنظر لي أو تنظرني لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"4 ولودخل بيته فأمره بالخروج فلم يخرج فله ضربه وإن أتى على نفسه قال المزني رحمه الله: الذي عض رأسه فلم يقدرأن يتخلص من العاض أولى بضربه ودفعه عن نفسه وإن أتى ذلك على نفسه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/46.
2 انظر الأم 6/43, 44.
3 انظر الأم 6/45, 188.
4 انظر الأم 6/48.

 

ص -351-     باب الضمان علي البهائم.
قال الشافعي أخبرنا مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى عليه السلام أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها1 قال الشافعي رحمه الله: والضمان على البهائم وجهان أحدهما: ما أفسدت من الزرع بالليل ضمنه أهلها وما أفسدت بالنهار لم يضمنوه والوجه الثاني: إن كان الرجل راكبا فما أصابت بيدها أو رجلها أو فيها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن له لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما أتلفت به أحدا وكذلك إن كان سائقا أو قائدا وكذلك الإبل المقطورة بالبعير الذي هو عليه لأنه قائد لها وكذلك الإبل يسوقها ولا يجوز إلا ضمان ما أصابت الدابة تحت الرجل ولا يضمن إلا ما حملها عليه فوطئته فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهذا تحكم وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الرجل جبار فهو خطأ لأن الحفاظ لم يحفظوه هكذا قال: ولو أنه أوقفها في موضع ليس له أن يقفها فيه ضمن ولو وقفها في ملكه لم يضمن ولوجعل في داره كلبا عقورا أو حبالة فدخل إنسان فقتله لم يكن عليه شيء قال المزني: وسواء عندي أذن له في الدخول أو لم يأذن له.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/335.