مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -352-     كتاب السير
من خمسة كتب الجزية والحكم في أهل الكتاب وإملاء على كتاب الواقدي وإملاء على غزوة بدر وإملاء علي كتاب اختلأف أبي حنيفة والأوزاعي أصل فرض الجهاد1.

قال الشافعي رحمه الله: لم مضت بالنبي صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله عليهم الجهاد فقال تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}2 وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}3 مع ما ذكرته فرض الجهاد ودل كتاب الله عز وجل ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الجهاد على مملوك ولا أنثى ولا على من لم يبلغ لقول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}4 فحكم أن لا مال للملوك وقال: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}5 فدل على أنهم الذكور وعرض ابن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فرده وعرض عليه عام الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه6 وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم وأسهم لضعفاء أحرار وجرحى بالغين فدل أن السهمان إنما تكون لمن شهد القتال من الرجال الأحرار فدل بذلك أن لا فرض على غيرهم في الجهاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/16.
2 سورة البقرة: 216.
3 سورة البقرة: 190.
4 سورة التوبة: 41.
5 سورة لأنفال: 65.
6 انظر الأم 6/16.

باب من له عذر بالضعف والضرر والزمانة والعذر بترك الجهاد من كتابة الجزية.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى}7 الآية وقال: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}8 وقال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}9 فقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه عرج الرجل الواحدة وقيل: نزلت في وضع الجهاد عنهم قال: ولا يحتمل غيره فإن كان سالم البدن قويه لا يجد أهبة الخروج ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 سورة التوبة: 91.
8 سورة التوبة: 93.
9 سورة النور: 61.

 

ص -353-     فهو ممن لا يجد ما ينفق فليس له أن يتطوع بالخروج ويذع الفرض ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدين وبإذن أبويه لشفقتهما ورقتهما عليه إذا كانا مسلمين وإن كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي محكم باحد يخذل من أطاعه1 قال: ومن غزا ممن له عذر أو حدث له بعد الخروج عذركان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان أو يكون في موضع يخاف إن رجع أن يتلف قال: ويتوقى في الحرب قتل أبيه ولا يجوزأن يغزو يجعل من مال رجل ويرده إن غزا به وإنما أجرته من السلطان لأنه يغزو بشيء من حقه قال: ومن ظهر منه تخذيل للمؤمنين وإرجاف بهم أو عون عليهم منعه الإمام الغزو معهم لأنه ضرر عليهم وإن غزا لم يسهم له وواسع للإمام أن يأذن للمشرك أن يغزو معه اذا كانت فيه للمسلمين منفعة2 وقد غزا عليه السلام بيهود من بني قينقاع بعد بدروشهد معه صفوان حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك3 قال: وأحب أن لا يعطى المشرك من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن أغفل ذلك الإمام أعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم ويبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار وبالأخوف فإن كان الأبعد الأخوف فلا بأس أن يبدأ به على معنى الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها وأقل ما على الإمام أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزو بنفسه أو بسراياه على حسن النظر للمسلمين حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر ويغزى أهل الفيء كل قوم إلى من يليهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/226.
2 انظر الأم 6/270, 271.
3 انظر الأم 6/372.

باب النفير من كتاب الجزية والرسالة.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}4 وقال: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ}5 إلى قوله: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}6 فلما وعد القاعدين الحسنى دل أن فرض النفير على الكفاية فإذا لم يقم بالنفير كفاية حرج من تخلف واستوجبوا ما قال الله تعالى وإن كان فيهم كفاية حتى لا يكون النفير معطلا لم يأثم من تخلف لأن الله تعالى وعد جميعهم الحسنى وكذلك رد السلام ودفن الموتى والقيام بالعلم ونحو ذلك فإذا قام بذلك من فيه الكفاية لم يحرج الباقون وإلا حرجوا أجمعون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 سورة النساء: 95.
5 سورة التوبة: 39.
6 سورة النساء: 95.

 

ص -354-     جامع السير.
قال الشافعي الحكم في المشركين حكمان فمن كان منهم أهل أوثان أو من عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب لم تؤخذ منهم الجزية وقوتلوا حتى يقتلوا أو يسلموا لقول الله تبارك وتعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}1 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ومن كان منهم أهل كتاب قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإن لم يعطوا قوتلوا وقتلوا وسبيت ذراريهم ونساؤهم وأموالهم وديارهم وكان ذلك كله فيئا بعد السلب للقاتل في الأنفال قال ذلك الإمام أو لم يقله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل أبا قتادة يوم حنين سلب قتيله2 وما نفله إياه إلا بعد تقضي الحرب ونفل محمد بن مسلمة سلب مرحب يوم خيبر ونفل يوم بدرعددا ويوم أحد رجلا أو رجلين أسلاب قتلاهم3 وما علمته صلى الله عليه وسلم حضر محضرا قط فقتل رجل قتيلا في الأقتال إلا نفله سلبه وقد فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمررضي الله عنهما قال: ثم يرفع بعد السلب خمسة لأهله وتقسم أربعة أخماسه بين من حضر الوفعة دون من بعدها واحتج بأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا: الغنيمة لمن شهد الوقعة قال: ويسهم للبرذون كما يسهم للفرس سهمان وللفارس سهم ولا يعطى إلا لفرس واحد ويرضخ لمن لم يبلغ والمرأة والعبد والمشرك إذا قاتل ولمن استعين به من المشركين ويسهم للتاجر إذا قاتل وتقسم الغنيمة في دار الحرب قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث غنمها وهي دار حرب بني المصطلق وحنين4 وأما ما احتج به أبويوسف بأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بعد قدومه المدينة وقوله الدليل على ذلك أنه أسهم لعثمان وطلحة ولم يشهدا بدرا فإن كان كما قال فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطى أحدا لم يشهد الوقعة ولم يقدم مددا عليهم في دار الحرب وليس كما قال قال الشافعي ما قسم عليه السلام غنائم بدر إلا بسير شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر فلما تشاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غنيمتها أنزل الله عزوجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}5 فقسمها بينهم وهي له تفضلا وأدخل معهم ثمانية نفر من المهاجرين والأنصار بالمدينة وإنما نزلت {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}6 بعد بدر ولم نعلمه أسهم لأحد لم يشهد الوقعة بعد نزول الاية ومن أعطى من المؤلفة وغيرهم فمن ماله أعطاهم لا من الأربعة الأخماس وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر ولذلك كانت وقعتهم في آخر الشهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة: 5.
2 انظر الأم 6/183.
3 انظر الأم 6/183, 346.
4 انظر الأم 6/180.
5 سورة لأنفال: 1.
6 سورة لأنفال: 41.

 

ص -355-     الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}1 وليس مما خالف فيه الأوزاعي في شيء قال الشافعي ولهم أن يأكلوا ويعلفوا دوابهم في دار الحرب فإن خرج أحد منهم من دار الحرب وفي يده شيء صيره إلا الإمام وما كان من كتبهم فيه طب أو ما لا مكروه فيه بيع وما كان فيه شرك أبطل وانتفع بأوعيته وما كان مثله مباحا في بلاد الإسلام من شجر أو حجر أو صيد في بر أو بحر فهو لمن أخذه ومن أسر منهم فإن أشكل بلوغهم فمن لم ينبت فحكمه حكم طفل ومن أنبت فهو بالغ والإمام في البالغين بالخيار بين أن يقتلهم بلا قطع يد ولا عضو أو يسلم أهل الأوثان ويؤدي الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال أو بأسرى من المسلمين أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة2 "أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فقتل عقبة بن أبي معيط والنضربن الحرث ومن على أبي عزة الجمحي على أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا عليه أن لا يفلت فما أسر غيره ثم أسر ثمامة بن أثال الحنفي فمن عليه3 ثم أسلم وحسن إسلامه وفدى النبي عليه السلام رجلا من المسلمين برجلين من المشركين"4 قال: وإن أسلموا بعد الأسر رقوا وإن أسلموا قبل الأسر فهم أحرار وإذا التقوا والعدو فلا يولوهم الأدبار قال ابن عباس: من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر5 قال الشافعي هذا على معنى التنزيل فإذا فر الواحد من الاثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت بحضرته أو مبينة عنه فسواء ونيته في التحرف والتحيز ليعود للقتال المستثنى المخرج من سخط الله فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله أن يكون قد باء بسخط من الله قال: ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة6 ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان7 وقطع أموال بني النضير وحرقها8 وشن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات والتحريق وقطع بخيبر وهي بعد النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها قط عليه السلام لقي فيها قتالا9 فبهذا كله أقول وما أصيب بذلك من النساء والولدان فلا بأس لأنه على غير عمد فإن كان في دارهم أسارى مسلمون أو مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق احتياطا غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن يحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه ولكن لو التحموا فكان يتكامن التحامهم أن يفعلوا ذلك رأيت لهم أن يفعلوا وكانوا مأجورين لأمرين أحدهما: الدفع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 217.
2 انظر الأم 6/189, 336.
3 انظر الأم 6/189, 336.
4 انظر الأم 6/337.
5 انظر الأم 6/338.
6 انظر الأم 6/347.
7 انظر الأم 6/338.
8 انظر الأم 6/347.
9 انظر الأم 6/348.

 

ص -356-     عن أنفسهم والاخر: نكاية عدوهم ولو كانوا غيرملتحمين فتترسوا بأطفالهم فقد قيل: يضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل: يكف ولوتترسوا بمسلم رأيت أن يكف إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما قال في كتاب حكم أهل الكتاب: أعتق رقبة وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: إن كان علمه مسلما فالدية مع الرقبة قال المزني رحمه الله: ليس هذا عندي بمختلف ولكنه يقول إن كان قتله مع العلم بأنه محرم الدم فالدية مع الرقبة فإذا ارتفع العلم فالرقبة دون الدية ولذلك قال الشافعي: لو رمى في دار الحرب فأصاب مستأمنا ولم يقصده فليس عليه إلا رقبة ولو كان علم بمكانه ثم رماه غير مضطر إلى الرمي فعليه رقبة ودية ولو أدركونا وفي أيدينا خيلهم أو ماشيتهم لم يحل قتل شيء منها ولا عقره إلا أن يذبح لمأكلة ولو جاز ذلك لغيظهم بقتلهم طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم ولكن لو قاتلونا على خيلهم فوجدنا السبيل إلى قتلهم بأن نعقر بهم فعلنا لأنها تحتهم أداة لقتلنا وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليقتله فرآه ابن شعوب فرجع إليه فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته1 وقال في كتاب حكم أهل الكتاب: وإنما تركنا قتل الرهبان اتباعا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه2 وقال في كتاب السير: ويقتل الشيوخ والأجراء والرهبان قتل دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله3: قال: ورهبان الديات والصوامع والمساكن سواء ولو ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلاف هذا لأشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم ولا يتشاغلون بالمقام على الصوامع عن الحرب كالحصون لا يشغلون بالمقام بها عما يستحق النكاية بالعدو وليس أن قتال الحصون حرام وكما روي عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لأنه قد حضررسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع على بني النضير وحضره يترك وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بفتح الشام فترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذا كان واسعا لهم ترك قطعه قال المزني رحمه الله: هذا أولى القولين عندي بالحق لأن كفر جميعهم واحد وكذلك حل سفك دمائهم بالكفر في القياس واحد قال: وإذا أمنهم مسلم حر بالغ أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز قال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم"4 ولو خرجوا إلينا بأمان صبي أو معتوه كان علينا ردهم إلى مأمنهم لأنهم لا يعرفون من يجوز أمانه لهم ومن لا يجوز ولوأن علجا دل مسلمين على قلعة على أن له جارية سماها فلما انتهوا إليها صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل: إن رضيت العوض عوضناك بقيمتها وإن أبيت قيل لصاحب القلعة أعطيناك ما صالحنا عليه غيرك بجهالة فإن سلمتها عوضناك وإن لم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/370.
2 انظر الأم 6/181.
3 انظر الأم 6/340, 348.
4 انظر الأم 6/321.

 

ص -357-     تفعل نبذنا إليك وقاتلناك فإن كانت أسلمت قبل الظفر أو ماتت عوض ولا يبين ذلك في الموت كما يبين إذأ أسلمت وإن غزت طائفة بغير أمر الإمام كرهته لما في إذن الإمام من معرفته بغزوهم ومعرفتهم ويأتيه الخبر عنهم فيعنيهم حيث يخاف هلاكهم فيقتلون ضيعة قال الشافعي رحمه الله: ولا أعلم ذلك يحرم عليهمم وذلك "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار: إن قتلت يا رسول الله صابرا محتسبا قال: "فلك الجنة" قال: فانغمس في العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كان عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم"1 قال: فإذا حل للمنفرد أن يتقدم على ما الأغلب أنهم يقتلونه كان هذا أكثر مما في الانفراد من الرجل والرجال بغير إذن الإمام وبعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده2 فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتسرى واحد ليصيب غرة ويسلم بالحيلة أو يقتل في سبيل الله فحكم الله تعالى أن ما أوجف المسلمون غنيمة قال: ومن سرق من الغنيمة من حر أو عبد حضر الغنيمة لم يقطع لأن للحر سهما ويرضخ للعبد ومن سرق من الغنيمة وفي أهلها أبوه أو ابنه لم يقطع وإن كان أخوه أو امرأته قطع قال المزني رحمه الله: وفي كتاب السرقة إن سرق من امرأته لم يقطع قال: وما افتتح من أرض موات فهي لمن أحياها من المسلمين وما فعل المسلمون بعضهم ببعض في دار الحرب لزمهم حكمه حيث كانوا إذا جعل ذلك لإمامهم لا تضع الدار عنهم حد الله ولا حقا لمسلم وقال في كتاب السير: ويؤخر الحكم عليهم حتى يرجعوا من دار الحرب قال: ولا أعلم أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون خلف الذين يقاتلون أمة من المشركين خلف الترك والخزر لم تبلغهم الدعوة فلا يقاتلون حتى يدعوا إلى الإيمان فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى من قتله الدية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/225, 345.
2 انظر الأم 6/194.

باب ما أحرزه المشركون من المسلمين.
قال الشافعي رحمه الله: لا يملك المشركون ما أحرزوه على المسلمين بحال أباح الله لأهل دينه ملك أحرارهم ونسائهم وذراريهم وأموالهم فلا يساوون المسلمين في شيء من ذلك أبدا وقد أحرزوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأحرزتها منهم الأنصارية فلم يجعل لها النبي عليه الصلاة والسلام شيئا وجعلها على أصل ملكه فيها3 وأبق لابن عمر عبد وعار له فرس فأحرزهما المشركون ثم أحرزهما عليهم المسلمون فردا عليه4 وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه مالكه أحق به قبل القسم وبعده ولا أعلم أحدا خالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لمسلم فأدركه وقدأوجف عليه قبل القسم أنه لمالكه بلا قيمة ثم اختلفوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 6/263.
4 انظر الأم 6/380.

 

ص -358-     بعدما وقع في المقاسم فقال منهم قائل بقولنا وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل سهمه من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يوافق الكتاب والسنة والإجماع وقال غيرنا: هو أحق به بالقيمة إن شاء ولا يخلو من أن يكون مال مسلم فلا يغنم أو مال مشرك فيغنم فلا يكون لربه فيه حق ومن زعم أنهم لا يملكون الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبر ويملكون ما سواهم فإنما يتحكم قال الشافعي وإذا جعل الحربي إلينا بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم قتل بدار الحرب فجميع ماله مغنوم وقال في كتاب المكاتب: مردود إلى ورثته لأنه مال له أمان قال المزني رحمه الله: هذا عندي أصح لأنه إذا كان حيا لا يغنم ماله في دار الإسلام لأنه مال له أمان فوارثه فيه بمثابته قال: ومن خرج إلينا منهم مسلما أحرز ماله وصغار ولده حصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة فأسلم ابنا شعبة فأحرز لهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار1 وسواء الأرض وغيرها ولو دخل مسلم فاشترى منهم دارا أو أرضا أو غيرها ثم ظهر على الدار كان للمشتري وقال أبو حنيفة و أبو يوسف: الأرض والدار فيء والرقيق والمتاع للمشتري وقال الأوزاعي: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأراضيهم وديارهم وقال أبو يوسف: لأنه عفا عنهم ودخلها عنوة وليس النبي صلى الله عليه وسلم في هذا كغيره قال الشافعي ما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وما دخلها إلا صلحا2 والذين قاتلوا وأذن في قتلهم بنو نفاثة قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دار إنما هربوا إليها وأما غيرهم ممن دفع فادعوا أن خالدا بدأهم بالقتال ولم ينفذ لهم الأمان وادعى خالد أنهم بدؤوه ثم أسلموا قبل أن يظهر لهم على شيء ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: "من ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن"3 فمال من يغنم ولا يقتدى إلا بما صنع عليه الصلاة والسلام وما كان له خاصة فمبين في الكتاب والسنة وكيف يجوز قولهما بجعل بعض مال المسلم فيئا وبعضهم غير فيء أم كيف يغنم مال مسلم بحال قال المزني رحمه الله: قد أحسن والله الشافعي في هذا وجود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/397
2 راجع البيهقي 9/117, 120.
3 أخرجه البيهقي 9/118.

باب وقوع الرجل على الجارية قبل القسم أو يكون له فيهم أب أو ابن وحكم السبي.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن وقع على جارية من المغنم قبل القسم فعليه مهر مثلها يؤديه في المغنم وينهى إن جهل ويعزر إن علم ولا حد للشبهة لأن له فيها شيئا قال: وإن أحصوا المغنم فعلم كم حقه فيها مع جماعة أهل المغنم سقط عنه بقدرحصته منها وإن حملت فهكذا وتقوم عليه إن كان بها حمل وكانت له أم ولد وإن كان في

 

ص -359-     السبي ابن وأب لرجل لم يعتق عليه حتى يقسمه وإنما يعتق عليه من اجتلبه بشراء أو هبة وهو لوترك حقه من مغنمه لم يعتق عليه حتى يقسم قال المزني رحمه الله: وإذا كان فيهم ابنه فلم يعتق منه عليه نصيبه قبل القسم كانت الأمة تحمل منه من أن تكون له أم ولد أبعد قال: ومن سبي منهم من الحرائر فقد رقت وبانت من الزوج كان معها أو لم يكن سبى النبي صلى الله عليه وسلم نساء أوطاس وبني المصطلق ورجالهم جميعا فقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها1 وليس قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استبائهن ولا يفرق بينها وبين ولدها حتى يبلغ سبع أو ثمان سنين وهو عندنا استغناء الولد عنها وكذلك ولد الولد فأما الأخوان فيفرق بينهما وإنما نبيع أولاد المشركين من المشركين بعد موت أمهاتهم إلا أن يبلغوا فيصفوا الإسلام قال المزني رحمه الله: ومن قوله إذا سبي الطفل وليس معه أبواه ولا أحدهما أنه مسلم وإذا سبي ومعه أحدهما فعلى دينهما فمعنى هذه المسألة في قوله أن يكون سبي الأطفال مع أمهاتهم فيثبت في الإسلام حكم أمهاتهم ولا يوجب إسلامهم موت أمهاتهم قال: ومن أعتق منهم فلا يورث كمثل أن لا تقوم بنسبه بينة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/384.

باب المبارزة.
قال الشافعي رحمه الله: ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الخندق عمرو بن عبد ود2 قال الشافعي رحمه الله: فاذا بارز مسلم مشركا أو مشرك مسلما على أن لا يقاتله غيره وفى بذلك له فإن ولى عنه المسلم أوجرحه فأثخنه فلهم أن يحملوا عليه ويقتلوه لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله ولهم دفعه واستنقاذ المسلم منه فان امتنع وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه أعان حمزة علي على عتبة بعد إن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن لعتبة أمان يكفون به عنه ولوأعان المشركون صاحبهم كان حقا على المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه ولا يقتلون المبارز ما لم يكن استنجدهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 4/346.

باب فتح السواد وحكم ما يوقفه الإمام من الأرض للمسلمين.
قال الشافعي رحمه الله: ولا أعرف ما أقول في أرض السواد إلا بظن مقرون إلى علم وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان

 

ص -360-     ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها: أنهم يقولون إن السواد صلح ويقولون إن السواد عنوة ويولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة ويقولون إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه1 قال الشافعي أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: كانت بجبلة ربع الناس فقسم لهم ربع السواد فاستغلوه ثلاث أوأربع سنين شك الشافعي ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعي فلانة بنت فلان امرأة منهم قد سماها ولم يحضرني ذكر اسمها قال عمر: لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس2 قال الشافعي وكان في حديثه وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا وكان في حديثه فقالت فلانة: قد شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلم حتى تعطيني كذا وكذا فأعطاها إياه قال الشافعي رحمه الله: ففي هذا الحديث دلالة إذ أعطى جريرا عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها على أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين الموجفين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم وأن يرد عليهم ما أخذ منهم فخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الأموال والسبي فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك النبي صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم وسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم ثم بقي قوم من المهاجرين والأنصار فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال: ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت ذكره قال: فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أتيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم عليه السلم حق من طاب نفسا عن حقه قال: وهذا أولى الأمرين بعمر عندنا في السواد3 وفتوحه إن كان عنوة لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر لكبر قدره ولو يفوت عليه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولوكان القسم ليس لمن قسم له ما كان له منه عوض ولكان عليهم أن يردوا الغلة والله أعلم كيف كان وهكذا صنع صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة لمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام نظرا للمسلمين أن يجعلوا وقفا عليهم تقسم غلته فيهم على أهل الفيء والصدقة وحيث يرى الإمام ومن لم يطب نفسا فهو أحق بماله وأي أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها يؤدون فيها خراجا فليس لأحد أخذها من أيديهم وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك وإنما فرق بين هذه المسألة والمسألة قبلها أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/399.
2 انظر الأم 4/399.
3 انظر الأم 4/270, 400.

 

ص -361-     أفليس بحرام أن يأخذ منه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه ولا بأس أن يكتري المسلم من أرض الصلح كما يكتري دوابهم والحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام إنما هوخراج الجزية وهذا كراء.

باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب أو على الفداء.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أسر المسلم فأحلفه المشركون على أن لا يخرج من بلادهم إلا أن يخلوه فله أن يخرج لا يسعه أن يقيم ويمينه يمين مكره وليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولوحلف وهومطلق كفر ولو خلوه على فداء إلى وقت فإن لم يفعل عاد إلى أسرهم فلا يعود ولا يدعه الإمام أن يعود ولو امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على دفعته بغير حق ولو أعطاهموه على شيء أخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم إنما أطرح عنه ما استكره عليه قال: وإذا قدم ليقتل لم يجزله من ماله إلا الثلث.

باب إظهار دين النبي علي الأديان كلها من كتاب الجزية.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى:
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}1 وروي مسندا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله"2 قال: ولما أتى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى مزقه فقال صلى الله عليه وسلم: "يمزق ملكه"3 قال: وحفظنا "أن قيصر أكرم كتابه ووضعه في مسك فقال صلى الله عليه وسلم: "يثبت ملكه"4 قال الشافعي رحمه الله: ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام5 فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها6 وتم فتحها في زمن عمر وفتح عمررضي الله عنه العراق وفارس7 قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقد أظهر الله دين نبيه صلى الله عليه وسلم على سائر الأديان بأن أبان لكل من تبعه أنه الحق وما خالفه من الأديان فباطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين أميين "فقهر النبي صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا الإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم" قال: فهذا ظهوره على الدين كله قال: ويقال ويظهر دينه على سائر الآديان حتى لا يدان لله إلا به وذلك متى شاء الله قال: وكانت قريش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة: 33.
2 انظر الأم 4/240.

 

ص -362-     تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشهم منه وتأتي العراق فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده قال: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم عليه الصلاة والسلام على نحو ما قالوا وكان كما قال عليه السلام وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بعده بالشام وقال في قيصر: يثبت ملكه فيثبت له ملكه ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا.