مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -363-     كتاب مختصر الجامع من كتاب الجزية.
وما دخل فيه من اختلاف الأحاديث ومن كتاب الواقدي واختلاف الأوزاعي وأبي حنيفة رحمة الله عليهم باب من يلحق بأهل الكتاب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن فدانت دين أهل الكتاب فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من أكيدر دومة1 وهو رجل يقال إنه من محسمان أو من كندة ومن أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب فدل ما وصفت أن الجزية ليست على الأحساب وإنما هي على الأديان وكان أهل الكتاب المشهور عنله العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل وأحطنا بأن الله تعالى أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان بقوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى*وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} فأخبر أن له كتابا سوى هذا المشهور قال: فأما قول أبي يوسف لا تؤخذ الجزية من العرب فنحن كنا على هذا أحرص ولولا أن نأثم بتمني باطل لوددناه كما قال وأن لا يجري على عربي صغار ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما حكم الله به تعالى قال: والمجوس أهل كتاب دانوا بغير دين أهل الأوثان وخالفوا اليهود والنصارى في بعض دينهم كما خالفت اليهود والنصارى في بعض دينهم وكانت المجوس في طرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين اليهود والنصارى حتى عرفوه وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هم أهل كتاب بدلوا فأصبدوا وقد أسرى بكتابهم وأخذها منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما2 قال الشافعي رحمه الله: والصابئون والسامرة مثلهم يؤخذ من جميعهم الجزية ولا تؤخذ الجزية من أهل الأوثان ولا ممن عبد ما استحسن من غير هل الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/244, 245.
2 انظر الأم 6/245, 246.

باب الجزية على أهل الكتاب والضيافة وما لهم وعليهم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أمر الله تعالى بقتال المشركين من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون قال: والصغار أن تؤخذ منهم الجزية وتجري

 

ص -364-     عليهم أحكام الإسلام ولا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا على أقل من دينار فمن أعطى منهم الجزية غنيا كان أو فقيرا في كل سنة قبل منه ولم يزد عليه ولم يقبل منه أقل من دينار من غني ولا فقير فإن زادوا قبل منهم وقال في كتاب السير ما يدل على أنه لا جزية على فقير حتى يستغني قال المزني: والأول أصح عندي في أصله وأولى عندي بقوله وإن صالحوا على ضيافة ما وظفت ثلاثا قال: ويضيف الموسر كذا والوسط كذا ويسمي ما يطعمونهم خبز كذا وأدم كذا ويعلفون دوابهم من التبن والشعير كذا ويضيف من مر به من واحد إلى كذا وأين ينزلونهم من فضول منازلهم أو في كنائسهم أو فيما يكن من حروبرد ولا يؤخذ من امرأة ولا مجنون حتى يفيق ولا مملوك حتى يعتق ولا صبي حتى ينبت الشعرتحت ثيابه أو يحتلم أو لبلغ خمس عشرة سنة فيلزمه الجزية كأصحابه وتؤخذ من الشيخ الفاني والزمن ومن بلغ وأمه نصرانية وأبوه مجوسي أو أمه مجوسية وأبوه نصراني فجزيته جزية أبيه لأن الأب هو الذي عليه الجزية لست أنظر إلى غير ذلك فأيهم أفلس أو مات فالإمام غريم يضرب مع غرمائه وإن أسلم وقد مضى بعض السنة أخذ منه بقدر ما مضى منها ويشترط عليهم أن من ذكر كتاب الله تعالى أو محمدا صلى الله عليه وسلم أو دين الله بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع عليه الطريق أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عينا لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله عليه الصلاة والسلام ويشترط عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير والمسيح ولا يسمعونهم ضرب ناقوس وإن فعلوا عزروا ولا يبلغ بهم الحد ولا يحدثوا في أمصار الإسلام كنيسة ولا مجمعا لصلاتهم ولا يظهروا فيها حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يحدثون بناء يتطولون به بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئات المسلمين وأن يعقدوا الزنانير على أوساطهم ولا يدخلوا مسجدا ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه خنزيرا فإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم نتعرض لهم في خمرهم وخنازيرهم ورفع بنيانهم وإن كان لهم بمصر المسلمين كنيسة أو بناء طائل لبناء المسلمين لم يكن للمسلمين هدم ذلك وتركوا على ما وجدوا ومنعوا إحداث مثله وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحيوه أو فتحوه عنوة وشرط هذا على أهل الذمة وإن كانوا فتحوا بلادهم على صلح منهم على تركهم ذلك خلوا وإياه ولا يجوز أن يصالحوا على أن ينزلوا بلاد الإسلام يحدثوا فيه ذلك ويكتب الإمام أسماءهم وحلاهم في ديوان ويعرف عليهم عرفاء لا يبلغ منهم مولود ولا يدخل فيهم أحد من غيرهم إلا رفعه إليه وإذا أشكل عليه صلحهم بعث في كل بلاد فجمع البالغون منهم ثم يسألون عن صلحهم فمن أقر بأقل الجزية قبل منه ومن أقر بزيادة لم يلزمه غيرها وليس للإمام أن يصالح أحدا منهم على أن يسكن الحجاز بحال ولا يبين أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم بها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لاحتمال أمر

 

ص -365-     النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها1 ولا بأس أن يدخلها الرسل لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}2 الاية ولولا أن عمر رضي الله عنه أجل من قدم المدينة منهم تاجرا ثلاثة أيام لا يقيم فيها بعد ثلاث لرأيت أن لا يصالحوا على أن لا يدخلوها بحال ولا يتركوا يدخلونها إلا بصلح كما كان عمر رضي الله عنه يأخذ من أموالهم إذا دخلوا المدينة ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا فإن دخلوا بأمان وشرط عليهم أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر أخذ فإن لم يكن شرط عليهم لم يؤخذ منهم شيء وسواء كانوا يعشرون المسلمين إذا دخلوا بلادهم أو يخمسونهم أو لا يعرضون لهم وإذا اتجروا في بلاد المسلمين إلى أفق من الافاق لم يؤخذ منهم في السنة إلا مرة كالجزية وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن يؤخذ مما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين وأن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول3 ولولا أن عمررضي الله عنه أخذه منهم ما أخذناه ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة إلا مرة قال: ويؤخذ منهم ما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر4 ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذ قال المزني رحمه الله: قد روى الشافعي رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حديث صحيح الإسناد أنه أخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ومن القطنية العشر قال الشافعي ولا أحسبه أخذ ذلك منهم إلا بشرط قال: ويحدد الإمام بينه وبينهم في تجاراتهم ما يبين له ولهم وللعامة ليأخذهم به الولاة وأما الحرم فلا يدخله منهم أحد بحال كان له بها مال أو لم يكن ويخرج الإمام منه إلى الرسل ومن كان بها منهم مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها وروى أنه سمع عددا من أهل المغازي يروون "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/251, 252.
2 سورة التوبة: 6.
3 انظر الأم 4/292.
4 انظر الأم 4/291.

باب في نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة ومسلك الجزية.
قال الشافعي رحمه الله: اختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب فروى عنه أنه صالحهم على أن يضعف عليهم الجزية ولا يكرهوا على غير دينهم5 وهكذا حفظ أهل المغازي قالوا رامهم عمر على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضي الله عنه: لا هذا فرض على المسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 4/343, 401.

 

ص -366-     فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن يضعف عليهم الصدقة قال: فإذا ضعفها عليهم فانظر إلى مواشيهم وذهبهم وورقهم وأطعمتهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها وكل أمر أخذ فيه من مسلم خمس فخذ خمسين أو عشر فخذ عشرين أو نصف عشر فخذ عشرا أو ربع عشر فخذ نصف عشر وكذلك ماشيتهم خذ الضعف منها وكل ما أخذ من ذمي عربي فمسلكه مسلك الفيء وما تتجر به نصارى العرب وأهل دينهم وإن كانوا يهودا تضاعف عليهم فيه الصدقة.

باب المهادنة على النظر للمسلمين ونقض ما لا يجوز من الصلح.
قال الشافعي رحمه الله: إن نزلت بالمسلمين نازلة بقوة عدو عليهم وأرجو أن لا ينزلها الله بهم هادنهم الإمام على النظر للمسلمين إلى مدة يرجو إليها القوة عليهم لا تجاوز مدة أهل الحديبية التي هادنهم عليها عليه الصلاة والسلام وهي عشر سنين فإن أراد أن يهادن إلى غير مدة على أنه متى بدا له نقض الهدنة فجائز وإن كان قويا على العدو لم يهادنهم أكثر من أربعة أشهر لقوله تعالى لما قوي الإسلام:
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}1 الاية وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر2 لا أعلمه زاد أحد بعد قوة الإسلام عليها ولا يجوز أن يؤمن الرسول والمستأمن إلا بقدر ما يبلغان حاجتهما ولا يجوز أن يقيم بها سنة بغير جزية ولا يجوز أن يهادنهم على أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الإسلام أعز من أن يعطي مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال يخافون الاصطلام فيعطون من أموالهم أو يفتدى مأسورا فلا بأس لأن هذا موضع ضرورة وإن صالحهم الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم في النساء وقد أعطى المشركين فيهن ما أعطاهم في الرجال ولم يستثن فجاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما وأخبرأن الله منع الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال وبهذا قلنا لوأعطى الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين أو مال ثم جاؤوه لم يحل له إلا نزعه منهم بلا عوض وإن ذهب ذاهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم رد أبا جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله3 قيل له: أهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرصهم على سلامتهم ولعلهم يقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو عذاب وإنما نقموا منهم دينهم فكانوا يشددون عليهم بترك دينهم كرها وقد وضع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة:1.
2 انظر الأم 4/271, 272.
3 انظر الأم 4/275, 276.

 

ص -367-     الله المأثم في إكراههم أو لا ترى أن النساء إذا أريد بهن الفتنة ضعفن ولم يفهمن فهم الرجال وكان التقية تسعهن وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام عليهن؟ قال: وإن جاءتنا امرأة مهادنة أو مسلمة من دار الحرب إلى موضع الإمام فجاء سوى زوجها في طلبها منع منها بلا عوض وإن جاء زوجها ففيها قولان أحدهما: يعطى ما أنفق وهو ما دفع إليها من المهر والآخر: لا يعطى وقال في آخر الجواب وأشبهها أن لا يعطوا عوضا قال المزني: هذا أشبه بالحق عندي وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمره لأنه يلي الأموال كلها وعلى من بعده من الخلفاء إنفاذه ولا بأس أن يصالحهم على خرج على أراضيهم يكون في أموالهم مضمونا كالجزية ولا يجوز عشور ما زرعوا لأنه مجهول.

باب تبديل أهل الذمة دينهم.
قال الشافعي أصل ما أبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه في دانوا به قبل نزول الفرقان فلا تقبل ممن بدل يهودية بنصرانية أو نصرانية بمجوسية أو مجوسية بنصرانية أو بغير الإسلام وإنما أذن الله بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد عليه الصلاة والسلام وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعده فإن أقام على ما كان عليه وإلا نبذ إليه عهده وأخرج من بلاد الإسلام بما له وصار حربا ومن بدل دينه من كتابية لم يحل نكاحها قال المزني رحمه الله: قد قال في كتاب النكاح وقال في كتاب الصيد والذبائح: إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهي حلال وهذا عندي أشبه وقال ابن عباس:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}1 قال المزني: فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 51.

باب نقض العهد.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو جماعة منهم فلم يخالفوا الناقض بقول أوفعل ظاهر أو اعتزال بلادهم أو يرسلون إلى الإمام أنهم على صلحهم فللإمام غزوهم وقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم فنقض ولم يفارقوه وليس كلهم أشرك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الناقض إلا نفر منهم وأعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفرمن قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم قريشا عام الفتح بغدرثلاثة نفر منهم وتركهم معونة خزاعة وإيوائهم من قاتلها قال: ومتى ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ إليهم عهدهم وأبلغهم مأمنهم ثم هم

 

ص -368-     حرب قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}1 الآية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 42.

باب الحكم في المهادنين والمعاهدين وما أتلف من خمرهم وخنازيرهم وما يحل منهم وما يرد.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة واح يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل:
{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}2 إنما نزلت فيهم ولم يقروا أن يجري عليهم الحكم وقال بعضهم: نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ}3 الآية قال: وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد الله تعالى وعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال المزني رحمه الله: هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود: لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم قال الشافعي رحمه الله: وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله وما أحدثوا مما ليس بجائز في دينهم وله حكم عندنا أمضي عليهم قال: ولا يكشفون عن شيء مما استحلوه مما لم يكن ضررا على مسلم أومعاهد أو مستأمن غيرهم وإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي بأنه طلقها أوآلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين وأمرته في الظهار أن لا يقربها حتى يكفررقبة مؤمنة كما يؤدي الواجب من حد وجرح وأرش وإن لم يكفر عنه وأنفذ عتقه ولا أفسخ نكاحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن عقد ما يجوز أن يستأنف ورد ما جاوز العدد إلا أن يتحاكموا وهي في عدة فنفسخه وهكذا كل ما قبض من ربا أو ثمن خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما عفي عنه ومن أراق لهم خمرا أو قتل لهم خنزيرا لم يضمن لأن ذلك حرام ولا ثمن لمحرم فإن قيل: فأنت تقرهم على ذلك؟ قيل: نعم وعلى الشرك بالله وقد أخبر الله تعالى أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله فهو حرام لا ثمن له وإن استحلوه قال: وإذا كسر لهم صليب من ذهب لم يكن فيه غرم وإن كان من عود وكان إذا فرق صلح لغير الصليب فما نقص الكسر العود وكذلك الطنبور والمزمار ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه وأكره أن يكري نفسه من نصراني ولا أفسخه وإذا اشترى النصراني مصحفا أو دفترا فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فسخته ولو أوصى ببناء كنيسة لصلاة النصارى فمفسوخ ولو قال ينزلها المارة أجزته وليس في بنائها معصية إلا بأن تبنى لصلاة النصارى ولو قال اكتبوا بثلثي التوراة والإنجيل فسخته لتبديلهم قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 سورة المائدة: 43.
3 سورة البقرة: 79.