مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -373-     كتاب الضحايا.
من كتاب اختلاف الأحاديث ومن إملاء على كتاب أشهب ومن كتاب أهل المدينة وأبي حنيفة.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين" وقال أنس: وأنا أضحي أيضا بكبشين وقال أنس في غير هذا الحديث: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين"  "وذبح أبو بردة بن نيار قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود لضحية أخرى فقال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجد إلا جذعا فاذبحه"  قال الشافعي رحمه الله: فاحتمل أمره دالإعادة أنها واجبه واحتمل على معنى أنه إن أراد أن يضحي فلما "قال عليه السلام: "إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا" دل على أنها غير واجبة وبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يرى أنها واجبه  وعن ابن عباس أنه اشترى بدرهمين لحما فقال: هذه أضحية ابن عباس  قال: وأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا اتباعا واختيارا بدلالة السنة وروت عائشة أنها كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها هو بيده ثم يبعث بها فلم يحرم عليه شيء أحله الله له حتى نحر الهدي  قال الشافعي رحمه الله: والأضحية سنة تطوع لا نحب تركها وإذا كانت غير فرض فإذا ضحى الرجل في بيته فقد وقع ثم اسم أضحية قال: ويجوز في الضحايا الجذع من الضأن والثني من الإبل والبقر والمعز ولا يجوز دون هذا من السن والإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر والبقر من الغنم والضأن أحب إلي من المعز والعفراء أحب إلي من السوداء وزعم بعض المفسرين أن قول الله جل ثناؤه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}  استسمان الهدي واستحسانه قال: ولا يجوز في الضحايا العوراء البين عورها ولا العرجاء البين عرجها ولا المريضة البين مرضها ولا العجفاء التي لا تنقى وليس في القرن نقص فيضحي بالجلحاء والمكسورة القرن أكبر منها دمي قرنها أو لم يدم ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البيهقي 9/259.
2 أخرجه البيهقي 9/262.
3 انظر الأم 2/350.
4 انظر الأم 2/350.
5 الحديث أخرجه البيهقي 9/316.
6 سورة الحج: 32.

 

ص -374-     تجزىء الجرباء لأنه مرض يفسد لحمها ولا وقت للذبح يوم الأضحى إلا في قدر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك حين حلت الصلاة وقدر خطبتين خفيفتين وإذا كان هذا القدر فقد حل الذبح لكل أحد حيث كان فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت قال: والذكاة في الحلق واللبة وهي ما لا حياة بعده إذا قطع وكمالها بأربع الحلقوم والمريء والودجين وأقل ما يجزىء من الذكاة أن يبين الحلقوم والمريء وإنما أريد بفري الأوداج لأنها لا تفرى إلا بعد قطع الحلقوم والمريء والودجان عرقان قد ينسلان من الإنسان والبهيمة ثم يحيا وموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل مجامع اللحيين فإذا نحرت بقرة أو ذبح بعير فجائز قال عمر وابن عباس: الذكاة في الحلق واللبة وزاد عمر ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ونهى عن النخع1 قال: وأحب أن لا يذبح المناسك التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إلا مسلم فإن ذبح مشرك تحل ذبيحته أجزأ على كراهيتي لما وصفت وذبح من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين أحب إلي من ذبح النصراني واليهودي ولا بأس بذبيحة الأخرس وأكره ذبيحة السكران والمجنون في حال جنونه ولا يتبين أنها حرام ولا تحل ذبيحة نصارى العرب وهو قول عمر2 قال: وأحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة ويقول الرجل على ذبيحته باسم الله ولا أكره الصلاة عل رسول الله لأنهما إيمان بالله "قال عليه الصلاة والسلام: "أخبرني جبريل عن الله جل ذكره أنه قال: من صلى عليك صليت عليه"3 قال: فإن قال اللهم منك وإليك فتقبل مني فلا بأس هذا دعاء فلا أكرهه "وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر الله: "اللهم عن محمد وآل محمد" وفي الآخر: اللهم عن محمد وأمة محمد"4 قال الشافعي فإذا ذبحها فقطع رأسها فهي ذكية ولو ذبحها من قفاها فإن تحركت بعد قطع الرأس أكلت وإلا لم تؤكل وإذا أوجبها أضحية وهو أن يقول هذه أضحية وليسر شراؤها والنية أن يضحي بها إيجابا لها فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بحال وإن باعها فالبيع مفسوخ وإن فاتت بالبيع فعليه أن يشتري بجميع قيمتها مكانها فإن بلغ أضحيتين اشتراهما لأن ثمنها بدل منها وإن بلغ أضحية وزاد شيئا لا يبلغ أخرى ضحى بأضحية وأسلك الفضل مسلك الأضحية وأحب إلي لوتصدق به وإن نقص عن أضحية فعليه أن يزيد حتى يوفيه أضحية لأنه مستهلك للضحية فأقل ما يلزمه أضحية مثلها فإن ولدت الأضحية ذبح معها ولا يشرب من لبنها إلا الفضل عن ولدها ولا ما ينهك لحمها ولوتصدق به كان أحب إلي ولا يجز صوفها وإن أوجبها هديا وهوتام ثم عرض له نقص وبلغ المنسك أجزأ إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه ويخرج من ماله إلى ما جعله له وإن أوجبه ناقصا ذبحه ولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/374.
2 راجع البيهقي 9/216.
3 انظر الأم 2/375.
4 انظر الأم 2/275.

 

ص -375-     يجزه ولو ضلت بعدما أوجبها فلا بدل ودمت بأحصر من هدي التطوع يوجبه صاحبه فيموت ولا يكون عليه بدق ولو وجدها وقد مضت أيام النحر كلها صنع بها كما يصنع في النحر كما لو أوجب هديها العام وأخرها إلى قابل وما أوجبه على نفسه لوقت ففات الوقت لم يبطل الإيجاب ولوأن مضحيين ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه ضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وأجزأ عن كل واحد منهما ضحيته وهديه فإذا ذبح ليلا أجزأه والضحية نسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره وأكره بيع شيء منه والمبادلة به ومعقول ما أخرج لله عز وجل أن لا يعود إلى مالكه إلا ما أذن الله عز وجل فيه ثم رسوله صلى الله عليه وسلم فاقتصرنا على ما أذن الله فيه ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعنا البيع على أصل النسك أنه لله ولا تجوز الأضحية لعبد ولا مدبر ولا أم ولد لأنهم لا يملكون وإذا نحر سبعة بدنة أو بقرة في الضحايا أو الهدي كانوا من أهل بيت واحد أو شتى فسواء وذلك يجزي وإن كان بعضهم مضحيا وبعضهم مهديا أو مفتديا أجزأه لأن سبع كل واحد منهم يقوم مقام شاة منفردة وكذلك لو كان بعضهم يريد بنصيبه لحما لا أضحية ولا هديا وقال جابر بن عبد الله: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" قال الشافعي رحمه الله: وهم شتى قال: والأضحى جائزيوم النحر وأيام منى كلها إلى المغيب لأنها أيام نسك قال المزني رحمه الله: وهو قول عطاء و الحسن أخبرنا علي بن معبد عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه قال: يضحي أيام التشريق كلها وحدثنا علي بن معبد عن هشيم عن الحجاج عن عطاء أنه كان يقول: يضحي في أيام التشريق1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثران أخرجهما البيهقي 5/239.

باب العقيقة.
قال الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن وهب "عن أم كرز قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول:
"عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا"2 وسمعته يقول: "أقروا الطير على مكناتها" قال الشافعي رحمه الله: فيعق عن الغلام وعن الجارية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم3.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 الحديث أخرجه البيهقي 9/300, 301.
3 الحديث أخرجه البيهقي 9/298, 299.

باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب من معاني الرسالة ومعان أعرف له وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه:
{يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}4 وقال في النبي صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}5 وإنما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 سورة المائدة: 4.
5 سورة لأعراف: 157.

 

ص -376-     خوطب بذلك العرب الذين يسألون عن هذاونزلت فيهم الأحكام وكانوا يتركون من خبيث المآكل ما لا يترك غيرهم قال الشافعي وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}1 الآية يعني مما كنتم تأكلون ولم يكن الله عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال والله أعلم فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور2 دل ذلك على أن هذا مخرجه ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئا ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع3 وأحل الضبوع ولها ناب وكانت العرب تأكلها وتدع الأسد والنمر والذئب تحريما له بالتقذر وكان الفرق بين ذوات الأنياب أن ما عدا منها على الناس لقوته بنابه حرام وما لم يعد عليهم بنابه الضبع والثعلب وما أشبههما حلال وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب والحدأة والرخمة والبغاثة وكذلك تترك اللحكاء والعظاء والخنافس فكانت داخلة في معين الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل فإن كانت العرب تأكله فهوداخل في جملة الحلال والطيبات عندهم لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهوداخل في معنى الخبائث ولا بأس بأكل الضب وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعافه فقيل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي"4 فاكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراما ما تركه وأكله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأنعام: 145
2 انظر الأم 2/384, 390.
3 انظر الأم 2/385, 390.
4 انظر الأم 2/393, 398.

باب كسب الحجام.
قال الشافعي رحمه الله: ولا بأس بكسب الحجام فإن قيل: فما معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم السائب عن كسبه وإرخاصه في أن يطعمه رقيقه وناضحه؟ قيل: لا معنى له إلا واحد وهو أن المكاسب حسنا ودنيئا فكان كسب الحجام دنيئا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه فلما زاده فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه وقد حجم أبوطيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه5 ولوكان حراما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعطي إلا ما يحل إعطاؤه ولآخذه ملكه وقد روي أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حجام أو حجامين فقال: إن كسبكم لوسخ أو قال لدنس أولدنيء أوكلمة تشبهها6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 الحديث أخرجه البيهقي 9/337.
6 الأثر أخرجه البيهقي 9/338.

 

ص -377-     باب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة من غير كتاب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يحل أكل زيت ماتت فيه فأرة ولا بيعه ويستصبح به فإن قيل: كيف ينتفع به ولا يبيعه؟ قيل: قد ينتفع المضطر بالميتة ولا يبيعها وينتفع بالطعام في دار الحرب ولا يبيعه في تلك الحال قال: وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وأباح الانتفاع به في بعض الأحوال فغيرمستنكرأن ينتفع الرجل بالزيت ولا يبيعه في هذه الحال قال: ولا يحل من الميتة إلا إهابها بالدباغ ويباع ولا يأكل المضطر من الميتة إلا ما يرد نفسه فيخرج به من الاضطرار قال: في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة: بهذا أقول وقال فيه: وما هو بالبين من قبل أن الشيء حلال وحرام فإذا كان حراما لم يحل منه شيء وإذا كان حلالا فقد يحتمل أن لا يحرم منه شبع ولا غيره لأنه مأذون له فيه قال المزني رحمه الله: قوله الأول أشبه بأصله لأنه يقول: إذا حرم الله عز وجل شيئا فهو محرم إلا ما أباح منه بصفة فإذا زالت الصفة زالت الإباحة قال المزني: ولا خلاف أعلمه أن ليس له أن يأكل من الميتة وهو بادي الشبع لأنه ليس بمضطر فإذا كان خائفا على نفسه فمضطر فإذا أكل منها ما يذهب الخوف فقد أمن فارتفع الاضطرار الذي هو علة الإباحة قال المزني رحمه الله: وإذا ارتفعت العلة ارتفع حكمها ورجع الحكم كما كان قبل الاضطرار وهو تحريم الله عز وجل الميتة من ليس بمضطر ولو جاز أن يرتفع الاضطرار ولا يرتفع حكمه جاز أن يحدث الاضرار ولا يحدث حكمه وهذا خلاف القرآن قال الشافعي فيما وضعه بخطه: لا أعلمه سمع منه إن مر المضطر بتمر أو زرع لم أر بأسا أن يأكل ما يرد به جوعه ويرد قيمته ولا أرى لصاحبه منعه فضلا عنه وخفت أن يكون أعان على قتله إذا خاف عليه بالمنع الموت قال الشافعي رحمه الله: ولو وجد المضطر ميتة وصيدا وهو محرم أكل الميتة ولو قيل يأكل الصيد ويفتدي كان مذهبا قال المزني رحمه الله: الصيد محرم لغيره وهو الإحرام ومباح لغير محرم والميتة محرمة لعينها لا لغيرها على كل حلال وحرام فهي أغلظ تحريما فإحياء نفسه بترك الأغلظ وتناول الأيسر أولى به من ركوب الأغلظ وبالله التوفيق وخالف الشافعي المدني والكوفي في الانتفاع بشعر الخنزير وفي صوف الميتة وشعرها فقال: لا ينتفع بشيء من ذلك.