مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -378-     كتاب السبق والرمي.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"1 قال الشافعي رحمه الله: الخف الإبل والحافر والخيل والنصل كل نصل من سهم أو نشابة والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي أو غير الوالي من ماله وذلك أن يسبق بين الخيل إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع فهذا حلال لمن جعل له ليست فيه علة والثاني: يجمع وجهين وذلك مثل الرجلين يريدان أن يستبقا بفرسيهما ولا يريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجان سبقين فلا يجوز إلا بالمحلل وهو أن يجعل بينهما فرسا ولا يجوز حتى يكون فرسا كفؤا للفرسين لا يأمنان أن يسبقهما ويخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه يتواضعانه على يدي رجل يثقان به أو يضمنانه ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما كان السبقان له وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ سبق صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ أحدهما من صاحبه شيئا والسبق أن يسبق أحدهما صاحبه وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو الكتد أو بعضه وسواء لو كانوا مائة وأدخلوا بينهم محللا فكذلك والثالث: أن يسبق أحدهما صاحبه فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن سبق صاحبه أحرز سبقه ولا يجوز السبق إلا أن تكون الغاية التي يخرجان منهما وينتهيان إليها واحدة والنضال فيما بين الرماة كذلك في السبق والعلل يجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الاخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا فإذا سبق أحدهما صاحبه وجعلا بينها قرعا معلوما فجائز أن يشترطا محاطة أو مبادرة فإن اشترطا محاطة فكلما أصاب أحدهما وأصاب الآخر بمثله أسقطا العددين ولا شيء لواحد منهما ويستأنفان وإن أصاب أقل من صاحبه حط مثله حتى يخلص له فضل العدد به ويستحق سبقه يكون ملكا له يقضي به عليه كالدين يلزمه إن شاء أطعم أصحابه وإن شاء تموله وإن أخذ به رهنا أو ضمينا فجائز ولا يجوز السبق إلا معلوما كما لا يجوز في البيوع ولو اشترط أن يطعم أصحابه كان فاسدا وقد رأيت من الرماة ق يقول: صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق لهما يبدىء أيهما شاء ولا يجوز في القياس عندي إلا أن يتشارطا وأيهما بدأ من وجه بدأ صاحبه من الأخر ويرمي البادىء بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفذا نبلهما وإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/325.

 

ص -379-     عرف أحدهما وخرج السهم من يديه فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود به من قبل العارض وكذلك لو انقطع وتره أو انكسرت قوسه فلم يبلغ الغرض أو عرض دونه دابة أو إنسان فأصابه أو عرض له في يديه ما لا يمر السهم معه كان له أن يعود فأما إن جاز السهم أو أجاز من وراء الناس فهذا سوء رمي ليس بعارض غلب عليه فلا يرد إليه وإذا كان رميهما مبادرة فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله ثم رمى البادىء فإن أصاب سهمه ذلك فلج عليه وإن لم يرم الآخر بالسهم لأن المبادرة أن يفوت أحدهما الاخر وليس كالمحاطة قال المزني رحمه الله: هذا عندي غلط لا ينضله حتى يرمي صاحبه بمثله قال الشافعي رحمه الله: وإذا تشارطا الخواسق لم يحسب خاسقا حتى يخزق الجلد بنصله ولوتشارطا المصيب فمن أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب وإذا اشترطا الخواسق والشن ملصق بالهدف فأصاب ثم رجع فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة وغيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة فيؤخذ بها وإن كان الشن باليا فأصاب موضع الخرق فغاب في الهدف فهو مصيب وإن أصاب طرف الشن فخرقه ففيها تولان أحدهما: أنه لا يحسب له خاسقا إلا أن يكون بقي عليه من الشن طعنة أوخيط أوجلد أوشيء من الشن يحيط بالسهم ويسمى بذلك خاسقا وقليل ثبوته وكثيره سواء قال: ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال خاسق إلا ما أحاط به المخسوق فيه ويقال للاخر خارم لا خاسق والقول الآخر: أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهن الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض النصل سمي خاسقا لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرق قال: وإذا وقع في خرق وثبت في الهدف كان خاسقا والشن أضعف من الهدف ولو كان الشن منصوبا فمرق منه كان عندي خاسقا ومن الرماة من لا يحسبه إذا لم يثبت فيه قال: فإن أصاب بالقدح لم يحسب إلا ما أصاب بالنصل ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته أو مقصرا فأسرعت به فأصاب حسب مصيبا ولا حكم للريح ولوكان دون الشن شيء فهتكه السهم ثم مربحموته حتى يصيب كان مصيبا ولوأصاب الشن ثم سقط بعد ثبوته حسب وهذا كنزع إنسان إياه ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نصل وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل ولا يجوز أن ينتضل رجلان وفي يدي أحدهما من النبل أكثر مما في يدي الآخر ولا على أن يحسب خاسقه خاسقين والآخر خاسق ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به ويحسب له مع خواسقه ولا على أن يطرح من خواسقه خاسقا ولا على أن خاسق أحدهما خاسقان ولا أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه إلا في عرض واحد وعدد واحد ولا على أن يرمي بقوس أو نبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ومن الرماة من زعم أنهما إذا سميا قرعا يستبقان إليه فصارا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد

 

ص -380-     القرع ما شاء ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنه ليس له يزيد بغيررضا المسبق قال المزني رحمه الله: وهذا أشبه بقوله كما لم يكن سبقهما في الخيل ولا في الرمي ولا في الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة فكذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحد وبالله التوفيق قال الشافعي ولا يجوز أن يقول أحدهما لصاحبه: إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتك إلا أن يجعل رجل له سبقا إن أصاب به وإن قال: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فإن أصاب بالنصل كان له خاسقا وإن أصاب بالقدح لم يكن خاسقا ولو انقطع باثنين فأصاب بهما جميعا حسب الذي فيه النصل: وإن كان في الشن نبل فأصاب سهمه فوق سهم في الشن لم يحسب ورد عليه ورمى به لأنه عارض دون الشن وإذا أراد المستبق أن يجلس ولا يرمي وللمسبق فضل أو لا فضل له فسواء وقد يكون له الفضل فينضل ويكون عليه الفضل وينضل والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل ومنهم من يقول ليس له أن يجلس إلا من عذر وأحسبه إن مرض مرضا يضر بالرمي أو يصيب إحدى يديه علة تمنعه من ذلك كان له أن يجلس ويلزمهم أن يقولوا إذا تراضيا على أصل الرمي الأول قال: ولا يجوز أن يسبقه على أن يعيد عليه وإن سبقه على أن يرمي بالعربية لم يكن له أن يرمي بالفارسية لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية قال: وإن سبقه ولم يسم الغرض كرهته فإن سمياه كرهت أن يرفعه أو يخفضه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يراميه رشقا وأكثر في المائتين ومن أجاز هذا أجازه في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة قال: ولا بأس أن يشترطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أوله إلى آخره فلا يفترقا حتى يفرغا منها إلا من عذر مرض أو عاصف من الريح ومن اعتلت أداته أبدل مكانه قوسه ونبله ووتره وأن طول أحدهما بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى حسن صنيعه في السهم الذي رماه فأصاب أو أخطأ فليستعتب من طريق الخطأ فقال: لم أنو هذا لم يكن ذلك له وقيل له: ارم كما ترمي الناس لا معجلا عن التثبت في مقامك ونزعك وإرسالك ولا مبطئا لإدخال الضرر بالحبس على صاحبك قال: ولو كان الرامي يطيل الكلام والحبس قيل له: لا تطل ولا تعجل عما يفهم وللمبدىء أن يقف في أي مقام شاء ثم للآخرمن الغرض الآخر أي مقام شاء وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا على أن أسبق ولا على أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه لأن هذا مخاطرة وإذا حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه: كنا نراه راميا أو من يرمي عليه كنا نراه غير رام وهو من الرماة فحكمه حكم من عرفوه وإذا قال لصاحبه: اطرح فضلك على أني أعطيك به شيئا لم يجز إلا بأن يتفاسخا ثم يستأنفا سبقا جديدا قال: ولو شرطوا أن يكون فلان مقدما وفلان معه وفلان ثان كان السبق مفسوخا ولكل حزب أن يقدموا من شاءوا ويقدم الاخرون كذلك وإذا كان البدء لأحد

 

ص -381-     المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم عليه والصلاة جائزة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا كلبا أو خنزيرا فإن ذلك لا يطهر بالدباغ غير أني أكرهه لمعنى واحد وإني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض ولا بأس أن يصلي متنكب القوس والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله فأكرهه وتجزئه.

مختصر الأيمان والنذور وما دخل فيهما من الجامع من كتاب الصيام ومن الإملاء ومن مسائل شتى سمعتها لفظا.
قال الشافعي رحمه الله: من حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بغير الله فهي يمين مكروهة وأخشى أن تكون معصية ل "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يحلف بأبيه فقال عليه السلام:
"ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" فقال عمر: والله ما حلفت بها بعد ذاكرا ولا آثرا"1 قال الشافعي رحمه الله: وأكره الأيمان على كل حال إلا فيما كان لله عز وجل طاعة ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فالاختيارأن يأتي الذي هوخير ويكفر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم2 بذلك ومن قال: والله لقد كان كذا ولم يكن أثم وكفر واحتج بقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى}3 نزلت في رجل حلف لا ينفع رجلا فأمره الله أن ينفعه وبقول الله جل ثناؤه في الظهار: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً}4 ثم جعل فيه الكفارة وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه"5 فقد أمره بالحنث عامدا وبالتكفير ودل إجماعهم أن من حلف في الإحرام عمدا أو خطأ أو قتل صيدا عمدا أو خطأ في الكفارة سواء على أن الحلف بالله وقتل المؤمن عمدا أوخطأ في الكفارة سواء قال الشافعي وإن قال: أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما فليست بيمين حادثة وإن أراد بها يمينا فهي يمين وإن قال: أقسم بالله فليس بيمين فإن قال: أقسم بالله فإن أراد بها يمينا فهي يمين وإن أراد بها موعدا فليست بيمين كقوله سأحلف قال المزني رحمه الله: وفي الإملاء هي يمين وإن قال: لعمر الله فإن لم يرد بها يمينا فليست بيمين ولو قال: وحق الله أووعظمته أو وجلال الله أو وقدرة الله فلذلك كله يمين نوى بها يمينا أو لا نية له وإن لم يرد يمينا فليست بيمين لأنه يحتمل أن يقول وحق لله واجب وقدرة الله ماضية لا أنه يمين ولو قال: بالله أو تالله فهي يمين نوى أو لم ينو وقال في الإملاء: تالله يمين وقال في القسامة: ليست بيمين قال المزني رحمه الله: وقد حكى الله عز وجل يمين إبراهيم عليه السلام: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}6 قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/106.
2 انظر الأم 2/399.
3 سورة النور: 22.
4 سورة المجادلة: 2.
5 انظر الأم 2/399, 4/263.
6 سورة الانبياء:57.

 

ص -382-     المزني رحمه الله: فإن قال: ألله لأفعلن فهذا ابتداء كلام لا يمين إلا أن ينوي بها فإن قال: أشهد بالله فإن نوى اليمين فهي يمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين لأنها تحتمل أشهد بأمر الله ولوقال أشهد ينويه يمينا لم يكن يمينا ولو قال: أعزم بالله ولا نية له لم يكن يمينا لأن معناها أعزم بقدرة الله أو بعون الله على كذا وإن أراد يمينا فهي يمين ولو قال: أسألك بالله أو أعزم عليك بالله لتفجلن فإن أراد المستحلف بها يمينا فهي يمين وإن لم يرد بها شيئا فليست بيمين ولوقال: على عهد الله وميثاقه فليست بيمين إلا أن ينوي يمينا لأن لله عليه عهدا أن يؤدي فراضه وكذلك ميثاق الله بذلك وأمانته.

باب الاستثناء في الأيمان.
قال الشافعي رحمه الله: ومن حلف بأي يمين كانت ثم قال: إن شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى والوصل أن يكون الكلام نسقا وإن كانت بينه سكتة كسكتة الرجل للتذكر أو العي أو التنفس أو انقطاع الصوت فهو استثناء والقطع أن يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره أو يسكت السكوت الذي يبين أنه قطع وقال: لوقال في يمينه لأفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان فإن شاء فلان لم يحنث وإن مات أوغبي عنا حتى مضى الوقت حنث قال المزني: قال بخلافه في باب جامع الأيمان قال الشافعي رحمه الله: ولو قال في يمينه: لا أفعل كذا إن شاء فلان ففعل ولم يعرف شاء أو لم يشأ لم يحنث.

باب لغو اليمين من هذا ومن اختلاف مالك و الشافعي.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله1 قال الشافعي رحمه الله: واللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو هو الخطأ واللغو كما قالت عائشة والله أعلم وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة وعقد اليمين أن يثبتهاعلى الشيءبعينه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/110.

باب الكفارة قبل الحنث وبعده.
قال الشافعي رحمه الله: ومن حلف على شيء وأراد أن يحنث فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث فإن كفر قبل الحنث بغير الصيام أجزأه وإن صام لم يجزه لأنا نزعم أن لله على العباد حقا في أموالهم وتسلف النبي صلى الله عليه وسلم من العباس صدقة عام قبل أن يدخل2 وأن المسلمين قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق في الأموال قياسا على.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 7/111.

 

ص -383-     هذا فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزىء إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم.

باب من حلف بطلأق امرأته أن يتروج عليها.
قال الشافعي رحمه الله: ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها واحدة تملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث وإن كانت بائنا لم يحنث فإن قال: أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ولم يوقف فهو على الأبد لا يحنث حتى يموت أو تموت هي قبل أن يتزوج عليها وإن تزوج عليها من يشبهها أو لا يشبهها خرج من الحنث دخل بها أو لم يدخل بها وإن ماتت لم يرثها وإن مات ورثته في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض قال المزني: قد قطع في غير هذا الكتاب أنها لا ترث قال المزني: وهو بالحق أولى لأن الله تبارك وتعالى ورثها منه بالمعنى الذي ورثه به منها فلما ارتفع ذلك المعنى فلم يرثها لم يجز أن ترثه.

باب الإطعام في الكفارة في البلدان كلها ومن له أن يطعم وغيره.
قال الشافعي ويجزىء في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا يجزي هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا1 فلكل مسكين مد في كل بلاد سواء ولا أرى أن يجزي دراهم وإن كانت أكثر من قيمة الأمداد وما اقتات أهل البلدان من شيء أجزأهم منه مد ويجزي أهل البادية مد أقط قال المزني رحمه الله: أجاز الأقط ههنا ولم يجزه في الفطرة وإذا لم يكن لأهل بلاد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم ويعطي الرجل الكفارة والزكاة من لا تلزمه النفقة عليه من قرابته وهم من عدا الولد والوالد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم تطوعا ولا يجزئه إلا أن يعطي حرا مسلما محتاجا ولو علم أنه أعطى غيرهم فعليه عندي أن يعيد ولا يطعم أقل من عشرة مساكين واحتج على من قال: إن أطعم مسكينا واحدا مائة وعشرين مدا في ستين يوما أجزأه وإن كان في أقل من ستين لم يجزه فقال: أراك جعلت واحدا ستين مسكينا فقد قال الله:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}2 فإن شهد اليوم شاهد بحق ثم عاد من الغد فشهد به فقد شهد بها مرتين فهو كشاهدين فإن قال: لا يجوز لأن الله عز وجل ذكر العدد قيل: وكذلك ذكر الله للمساكين العدد قال الشافعي رحمه الله: ولوأطعم تسعة وكسا واحدا لم يجزه حتى يطعم عشرة كما قال الله عز وجل: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ}3 قال: ولو كانت عليه كفارة ثلاثة أيمان مختلفة فأعتق وأطعم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/106.
2 سورة الطلاق: 2.
3 سورة المائدة: 89.

 

ص -384-     وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها العتق ولا الإطعام ولا الكسوة أجزأه وأيها شاء أن يكون عتقا أو طعاما أو كسوة كان وإن لم يشأ فالنية الأولى تجزئه قال: ولا يجزي كفارة حتى يقدم النية قبلها أو معها ولوكفر عنه رجل بأمره أجزأه وهذه كهبته إياها من ماله ودفعه إياها بأمره كقبض وكيله لهبته لووهبها له وكذلك إن قال: أعتق عني فولاؤه للمعتق عنه لأنه قد ملكه قبل العتق وكان عتقه مثل القبفر كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق كالقبض ولوأن رجلا كفر عن رجل بغير أمره فأطعم أو أعتق لم يجزه وكان هو المعتق لعبده فولاؤه له وكذلك لوأعتق عن أبويه بعد الموت إذا لم يكن ذلك بوصية منهما ولو صام رجل عن رجل بأمره لم يجزه لأن الأبدان تعبدت بعمل فلا يجزي أن يعمله غيرها إلا الحج والعمرة للخبر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأن فيهما نفقة ولأن الله تبارك وتعالى إنما فرضهما على من وجد السبيل إليهما والسبيل بالمال ومن اشترى مما أطعم أو كسا أجزته ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلي ومن كان له مسكن لا يستغني عنه هو وأهله وخادم أعطى من الكفارة والزكاة وإن كان في مسكنه فضل عن خادمه وأهله الفضل الذي يكون به غنيا لم يعط وإذا حنث موسرا ثم أعسر لم أر الصوم يجزي عنه وآمره احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه ولو حنث معسرا فأيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم وإن صام أجزأ عنه لأن حكمه حين حنث حكم الصيام قال المزني: وقد قال في الظهار إن حكمه حين يكفر وقد قال في جماعة العلماء: إن تظاهر فلم يجد ماء فلم يصم ولم يدخل في الصلاة بالتيمم حتى وجد الرقبة والماء إن فرضه العتق والوضوء وقوله في جماعة العلماء أولى به من انفراده عنها قال: ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأه وإن كان غنيا وماله غائب عنه لم يكن له أن يكفر حتى يحضر ماله إلا بالإطعام أو الكسوة أو العتق.

باب ما يجزي من الكسوة في الكفارة.
قال الشافعي رحمه الله: وأقل ما يجزي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل أو إزارأو مقنعة وغير ذلك لرجل أو امرأة أو صبي ولو استدل بما يجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين لجاز أن يستدل بما يكفيه في الشتاء والصيف أو في السفر من الكسوة وقد أطلقه الله فهو مطلق.

باب ما يجوز في عتق الكفارات وما لا يجوز.
قال الشافعي رحمه الله: ولا يجزىء رقبة في كفارة ولا واجب إلا مؤمنة وأقل ما يقع عليه اسم الإيمان على الأعجمي أن يصف الإيمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه مؤمنين أو أحدهما وولد الزنا وكل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا مثل العرج الخفيف والعور والشلل في الخنصر ونحو ذلك ولا يجزىء.

 

ص -385-     المقعد ولا الأعمى ولا الأشل الرجل ويجزىء الأصم والخصي والمريض الذي ليس به مرض زمانه مثل الفالج والسل ولو اشترى من يعتق عليه لم يجزه ولا يعتق عليه إلا الوالدون والمولودون ولو اشترى رقبة بشرط يعتقها لم تجز عنه ويجزىء المدبر ولا يجوز المكاتب حتى يعجز فيعتق بعد العجز ويجزىء المعتق إلى سنين واحتج في كتاب اليمين مع الشاهد على من أجاز عتق الذمي في الكفارة بأن الله عز وجل لما ذكررقبة في كفارة فقال: مؤمنة ثم ذكر رقبة أخرى في كفارة كانت مؤمنة لأنهما يجتمعان في أنهما كفارتان ولما رأينا ما فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم منقولا إلى المسلمين لم يجزأن يخرج من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا ويدع مؤمنا.

باب الصيام في كفارة الأيمان المتتابع وغيره.
قال الشافعي رحمه الله: كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله أن يكون متتابعا أجزأه متفرقا قياسا على قول الله جل ذكره:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}1 والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء وقال في كتاب الصيا م: إن صيام كفارة اليمين متتابع والله أعلم قال المزني رحمه الله: هذا ألزم له لأن الله عز وجل شرط صوم كفارة المتظاهر متتابعا وهذا صوم كفارة مثله كما احتج الشافعي بشرط الله عز وجل رقبة القتل مؤمنة قال المزني: فجعل الشافعي رقبة الظهار مثلها مؤمنة لأنها كفارة شبيهة بكفارة فكذلك الكفارة عن ذنب بالكفارة عن ذنب أشبه منها بقضاء رمضان الذي ليس بكفارة عن ذنب فتفهم قال: وإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم أو الصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف وقال في القديم: المرض كالحيض وقد يرتفع الحيض بالحمل وغيره كما يرتفع المرض قال: ولا صوم فيما لا يجوز صومه تطوعا مثل يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 184.

باب الوصية بكفارة الأيمان والزكاة.
قال الشافعي رحمه الله: من لزمه حق المساكين في زكاة أو كفارة يمين أو حج فذلك كله من رأس ماله يحاص به الغرماء فإن أوصى بأن يعتق عنه في كفارة فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه فإن لم يحمله الثلث أطعم عنه من رأس ماله.

باب كفارة يمين العبد بعدأن يعتق.
قال الشافعي لا يجزىء العبد في الكفارة إلا الصوم لأنه لا يملك مالا وليس له أن يصوم إلا بإذن مولاه إلا أن يكون ما لزمه بإذنه ولو صام في أي حال أجزأه ولو حنث ثم

 

ص -386-     أعتق وكفر كفارة حر أجزأه لأنه حينئذ مالك ولو صام أجزأه لأن حكمه يوم حنث حكم الصيام قال المزني رحمه الله: قد مضت الحجة أن الحكم يوم يكفر لا يوم يحنث كما قال: إن حكمه في الصلاة حين يصلي كما يمكنه لا حين وجبت عليه قال: ولووجبت عليه ونصفه عبد ونصفه حر وكان في يديه مال لنفسه لم يجزئه الصوم وكان عليه أن يكفر مما في يديه لنفسه قال المزني رحمه الله: إنما المال لنصفه الحر لا يملك منه النصف العبد شيئا فكيف يكفر بالمال نصف عبد لا يملك منه شيئا؟ فأحق بقوله أنه كرجل موسر بنصف الكفارة فليس عليه إلا الصوم وبالله التوفيق.

باب جامع الأيمان.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا كان في دار فحلف أن لا يسكنها أخذ في الخروج مكانه وإن تخلف ساعة يمكنه الخروج منها فلم يفعل حنث فيخرج ببدنه متحولا ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه وإخراج أهله لأن ذلك ليس بسكنى ولو حلف أن لا يساكنه وهو ساكن فإن أقاما جميعا ساعة يمكنه التحويل عنه حنث ولوكانا في بيتين فجعل بينهما حدا ولكل واحد من الحجرتين باب فليست هذه بمساكنة وإن كانا في دار واحدة والمساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد وإذا افترق البيتان أو الحجرتان فليست بمساكنة إلا أن يكون له نية فهو على ما نوى فإن قيل: ما الحجة في أن النقلة دون متاعه وأهله وماله؟ قيل: أرأيت إذا سافر أيكون من أهل السفر فيقصر؟ أو رأيت لو انقطع إلى مكة ببدنة أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم؟ فإذا قال: نعم فإنما النقلة والحكم على البلدان لا على مال وأهل وعيال ولوحلف لا يدخلها فرقى فوقها لم يحنث حتى يدخل بيتا منها أو عرصتها ولوحلف لا يلبس ثوبا وهولابسه ولا يركب دابة وهو راكبها فإن نزع أو نزل مكانه وإلا حنث وكذلك ما أشبهه وإن حلف لا يسكن بيتا وهو بدوي أو قروي ولا نية له فأي بيت من شعر أوأدم أو خيمة أو بيت من حجارة أو مدر أو ما وقع عليه اسم بيت سكنه حنث وإن حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشتراه فلان وآخر معه طعاما ولا نية له فأكل منه لم يحنث ولوحلف لا يسكن دار فلان هذه بعينها فباعها فلان حنث بأي وجه سكنها إن لم تكن له نية فإن كانت نيته ما كانت لفلان لم يحنث إذا خرجت من ملكه ولوحلف لا يدخلها فانهدمت حتى صارت طريقا لم يحنث لأنها ليست بدار ولوحلف لا يدخل من باب هذه الدار في موضع فحول لم يحنث إلا أن ينوي أن يدخلها فيحنث ولوحلف لا يلبس ثوبا وهو رداء فقطعه قميصا أو ائتزر به أو حلف لا يلبس سراويل فائتزر به أو قميصا فارتدى به فهذا كله لبس يحنث به إلا أن يكون له نية فلا يحنث إلا على نيته ولوحلف لا يلبس ثوب رجل من عليه فوهبه له فباعه واشترى بثمنه ثوبا لبسه لم يحنث إلا أن يلبس الذي حلف عليه بعينه وإنما أنظر إلى مخرج اليمين ثم أحنث صاحبها أو أبره وذلك أن الأسباب متقدمة.

 

ص -387-     والأيمان بعدها محدثة قد يخرج على مثالها وعلى خلافها فأحنثه على مخرج يمينه أرأيت رجلا لوكان قال وهبت له مالي فحلف ليضربنه أما يحنث إن لم يضربه؟ وليس يشبه سبب ما قال؟ قال: ولوحلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيتا يسكنه فلان بكراء لم يحنث إلا بأن يكون نوى مسكن فلان فيحنث ولو حمل فأدخل فيه لم يحنث إلا أن يكون هو أمرهم بذلك تراخى أو لم يتراخ قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: نويت شهرا لم يقبل منه في الحكم إن حلف بالطلاق ودين فيما بينه وبين الله عزوجل ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل على رجل غيره بيتا فوجد المحلوف عليه فيه لم يحنث لأنه لم يدخل على ذلك وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ قال المزني رحمه الله: قد سوى الشافعي في الحنث بين من حلف ففعل عمدا أو خطأ قال الشافعي رحمه الله: ولوحلف ليأكلن هذا الطعام غدا فهلك قبل غد لم يحنث للإكراه قال الله جل وعز: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}1 فعقلنا أن قول المكره كما لم يكن في الحكم وعقلنا أن الإكراه هوأن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف عليه ليفعلن فيه شيئا بغير فعل منه فهو في أكثر من الإكراه ولوحلف ليقضينه حقه لوقت إلا أن يشاء أن يؤخره فمات قبل يشاء أن يؤخره أنه لا حنث عليه وكذلك لوقال إلا أن يشاء فلان فمات فلان الذي جعل المشيئة إليه قال المزني: هذا غلط ليس في موته ما يمنع إمكان بره وأصل قوله إن أمكنه البر فلم يفعل حتى فاته الإمكان أنه يحنث وقد قال: لوحلف لا يدخل الدار إلا بإذن فلان فمات الذي جعل الإذن إليه أنه إن دخلها حنث قال المزني: وهذا وذاك سواء قال الشافعي رحمه الله: ولو حلف ليقضينه عند رأس الهلال أو إلى رأس الهلال2 فرأى في الليلة التي يهل فيها الهلال حنث قال المزني رحمه الله: وقد قال في الذي حلف ليقضينه إلى رمضان فهل إنه حانث لأنه حد قال المزني رحمه الله: هذا أصح كقوله إلى الليل فإذا جاء الليل حنث قال الشافعي ولو قال إلى حين فليس بمعلوم لأنه يقع على مدة الدنيا ويوم والفتيا أن يقال له: الورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا نحنثك أبدا لأنا لا نعلم للحين غاية وكذلك زمان ودهر وأحقاب وكل كلمة مفردة ليس لها ظاهريدل عليها ولوحلف لا يشتري فأمر غيره أو لا يطلق فجعل طلاقها إليها فطلقت أو لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه لا يحنث إلا أن يكون نوى ذلك قال الشافعي ومن حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران لم يحنث حتى يكونا جميعا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله ولو قال: والله لا أشرب ماء هذه الأداوة أوماء هذا النهرلم يحنث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل: 106.
2 قوله: "فرأى في الليلة الخ كذا في أصله ولا معنى له وفي الأم فيمن حلف إلى رأسه الشهر أنه يحنث بفوات الليلة الأولى ويومها فحرر.

 

ص -388-     حتى يشرب ماء الأداوة كله ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله ولو قال: من ماء هذه الأداوة أو من ماء هذا النهر حنث إن شرب شيئا من ذلك.

باب من حلف علي غريمه لا يفارقه حتى يستوفي حقه.
قال الشافعي رحمه الله: من حلف على غريمه لا يفارقه حتى يستوفي حقه ففر منه لم يحنث لأنه لم يفارقه ولو قال: لا أفترق أنا وأنت حنث ولو أفلس قبل أن يفارقه أو استوفى حقه فيما يرى فوجد في دنانيره زجاجا أو نحاسا حنث في قول من لا يطرح الغلبة والخطأ عن الناس لأن هذا لم يعمده قال: ولوأخذ بحقه عرضا فإن كان قيمة حقه لم يحنث وإن كان أقل حنث إلا أن ينوي حتى لا يبقى عليك من حقي شيء فلا يحنث قال المزني رحمه الله: ليس للقيمة معنى لأن يمينه إن كانت على عين الحق لم يبر إلا بعينه وإن كانت على البراءة فقد برىء والعرض غير الحق سوى أو لم يسو قال الشافعي رحمه الله: حد الفراق أن يتفرقا عن مقامهما الذي كانا فيه أو مجلسهما قال: ولوحلف ليقضينه حقه غدا فقضاه اليوم حنث لأن قضاءه غدا غيرقضائه اليوم فإن كانت نيته أن لا يخرج غدا حتى أقضيك حقك فقد بروهكذا لووهبه له رب الحق حنث إلا أن يكون نوى أن لا يبقى علي غدا من حقك شيء فيبر.

باب من حلف على امرأته لا تخرج إلا بإذنه.
قال الشافعي من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني أو حتى آذن لك فهذا على مرة واحدة وإذا خرجت بإذنه فقد بر ولا يحنث ثانية إلا أن يقول كلما خرجت إلا بإذني فهذا على كل مرة ولوأذن لها وأشهد على ذلك فخرجت لم يحنث لأنه قد أذن لها وإن لم تعلم كما لو كان عليه حق لرجل فغاب أو مات فجعله صاحب الحق في حل برىء غير أني أحب له في الورع لوأحنث نفسه لأنها خرجت عاصية له عند نفسها وإن كان قد أذن لها.

باب من يعتق من مماليكه إذا حنث أو حلف بعتق عبد فباعه ثم اشتراه وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: من حلف بعتق ما يملك وله أمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد عتقوا عليه إلا المكاتب إلا أن ينويه لأن الظاهر أن المكاتب خارج من ملكه بمعنى وداخل فيه بمعنى وهو محول بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه ولا زكاة عليه في ماله ولا زكاة الفطر في رقيقه وليس كذا أم ولد ولا مدبره ولو حلف بعتق عبده ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث لأن الحنث إذا وقع مرة لم يحنث ثانية ولو قال لعبده: أنت حر إن بعتك فباعه بيعا ليس ببيع خيار فهو حر حين عقد البيع وإنما زعمته من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل "المتبابعين بالخيار ما لم يتفرقا" قال:

 

ص -389-     وتفرقهما بالأبدان فقال: فكان لوأعتقه عتقا فيعتق بالحنث ولو قال: إن زوجتك أو بعتك فأنت حر فزوجه أو باعه بيعا فاسدا لم يحنث.

باب جامع الأيمان الثاني.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا حلف لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الحيتان أو رؤوس الطير أو رؤوس شيء يخالف رؤوس الغنم والإبل والبقر لم يحنث من قبل أن الذي يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرؤوس إنما هي ما وصفنا إلا أن يكون بلاد لها صيد يكثر كما يكثر لحم الأنعام في السوق وتميزرؤوسها فيحنث في رؤوسها وكذلك البيض وهو بيض الدجاج والأوز والنعام الذي يزايل بائضه حيا فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا ولو حلف لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل والبقر والغنم والوحش والطير لأنه كله لحم ولا يحنث في لحم الحيتان لأنه ليس بالأغلب ولو حلف أن لا يشرب سويقا فأكله أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه أو لا يشرب شيئا فذاقه فدخل بطنه لم يحنث ولو حلف لا يأكل سمنا فأكله بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث لأن السمن لا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا مفردا وإذا حلف لا يأكل هذه التمرة فوقعت في تمر فإن أكله إلا تمرة أو هلكت منه تمرة لم يحنث حتى يستيقن أنه أكلها والورع أن يحنث نفسه وإذا حلف أن لا يأكل هذه الحنطة فطحنها أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث لأنه لم يأكل ما وقع عليه اسم قمح ولوحلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما ولا شحما فأكل لحما أو رطبا فأكل تمرا أو تمرا فأكل رطبآ أو زبدا فأكل لبنا لم يحنث لأن كل واحد منها غير صاحبه ولوحلف لا يكلم رجلا ثم سلم على قوم والمحلوف عليه فيهم لم يحنث إلا أن ينويه ولوكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا فالورع أن يحنث ولا يبين ذلك لأن الرسول والكتاب غير الكلام قال المزني رحمه الله: هذا عندي به وبالحق أولى قال الله جل ثناؤه:
{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}1 إلى قوله: {بُكْرَةً وَعَشِيّاً}2 فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام ولم يتكلم وقد احتج الشافعي بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث فلوكتب أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها قال المزني رحمه الله: فلو كان الكتاب كلاما لخرج به من الهجرة فتفهم قال الشافعي رحمه الله: ولوحلف لا يرى كذا إلا رفعه إلى قاض فرآه فلم يمكنه رفعه إليه حتى مات ذلك القاضي لم يحنث حتى يمكنه فيفرط وإن عزل فإن كانت نيته أن يرفعه إليه إن كان قاضيا فلا يجب رفعه إليه وإن لم يكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه ولوحلف ماله مال وله عرض أو دين حنث إلا أن يكون نوى غير ذلك فلا يحنث قال: ولوحلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنها ماسته كلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة مريم: 10.
2 سورة مريم: 11.

 

ص -390-     بر وإن أحاط أنها لم تماسه كلها لم يبر وإن شك لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع واحتج الشافعي بقول الله عز وجل: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ}1 وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأثكال النخل في الزنا وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته2 قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله لو حلف ليفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان فإن مات أو غبي عنا حتى مضى الوقت حنث قال المزني رحمه الله: وكلا ما يبربه شك فكيف يحنث في أحدهما ولا يحنث في الآخر؟ فقياس قوله عندي أن لا يحنث بالشك قال الشافعي ولو لم يقل ضربا شديدا بأي ضرب ضربه إياه لم يحنث لأنه ضاربه ولوحلف لا يهب له هبة فتصدق عليه أو نحله أو أعمره فهو هبة فإن أسكنه فإنما هي عارية لم يملكه إياها فمتى شاء رجع فيها وكذلك إن حبس عليه ولو حلف أن لا يركب دابة العبد فركب دابة العبد لم يحنث لأنها ليست له إنما اسمها مضاف إليه قال الشافعي رحمه الله: ولو قال مالي في سبيل الله أو صدقة على معاني الأيمان فمذهب عائشة رضي الله عنها وعدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعطاء والقياس أن عليه كفارة يمين وقال: من حنث في المشي إلى بيت الله ففيه قولان أحدهما: قول عطاء كفارة يمين ومذهبه أن أعمال البر لا تكون إلا ما فرض الله أو تبررا يراد به الله عز وجل قال الشافعي والتبرر أن يقول: لله علي إن شفاني أن أحج نذرا فأما إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا معاني النذور قال المزني رحمه الله: قد قطع بأنه قول عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس وقد قال في غير هذا الموضع: لو قال لله علي نذرحج إن شاء فلان فشاء لم يكن عليه شيء إنما النذرما أريد به الله عزوجل ليس على معاني المعلق والشائي غير الناذر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة صّ: 44.
2 انظر الأم 7/135.

باب النذور.
قال الشافعي رحمه الله: من نذر أن يمشي إلى بيت الله لزمه إن قدر على الشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه ولا يمشي أحد إلى بيت الله إلا أن يكون حاجا أو معتمرا وإذا نذر الحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم يركب وإذا نذرأن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر ولو فاته الحج حل ماشيا وعليه حج قابل ماشيا ولو قال: ير أن أمشي لم يكن عليه المشي حتى يكون برا فإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه لأنه ليس في المشي إلى غيرمواضع التبرر بروذلك مثل المسجد الحرام وأحب لو نذر إلى مسجد المدينة أو إلى بيت المقدس أن يمشي واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"3 ولا يبين لي أن يجب كما.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 2/405, 8/122.

ص -391-     يبين لي أن واجبا المشي إلى بيت الله وذلك أن البر بإتيان بيت الله عز وجل فرض والبر بإتيان هذين نافلة ولو نذر أن يمشي إلى مسجد مصر لم يجب عليه ولو نذرأن ينحر بمكة لم يجزئه بغيرها ولو نذرأن ينحره بغيرها لم يجزئه إلا حيث نذر لأنه وجب لمساكين ذلك البلد وإذا نذر أن يأتي إلى موضع من الحرم ماشيا أو راكبا فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو منى أو قريبا من الحرم لم يلزمه ولو نذر أن يهدي متاعا لم يجزئه إلا أن يتصدق به على مساكين الحرم فإن كانت نيته أن يعلقه سترا على البيت أو يجعله في طيب البيت جعله حيث نواه وإذا نذر أن يهدي مالا يحمل من الأرضين والدور باع ذلك وأهدى ثمنه ومن نذر بدنة لم يجزئه إلا ثنى أو ثنية والخصي يجزي وإذا لم يجد بدنة فبقرة ثنية فإن لم يجد فسبع من الغنم تجزي ضحايا وإن كانت نيته على بدنة من الإبل لم يجزئه من البقر والغنم إلا بقيمتها ولو نذر عدد صوم صامه متفرقا أو متتابعا ولو نذر صيام سنة بعينها صامها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان ويوم الفطر والأضحى وأيام التشريق ولا قضاء عليه فبها وإن نذر سنة بغير عينها قضى هذه الأيام كلها وإن قال: لله علي أن أحج عامي هذا حال بينه وبينه عدو أو سلطان فلا قضاء عليه وإن حدث به مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان قضاه ولو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا فلا صوم عليه وأحب لو صام صبيحته ولو قدم نهارا هو فيه صائم تطوعا كان عليه قضاؤه لأنه نذر وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه القضاء من قبل أنه لا يصلح بأن يكون فيه صائما عن نذره قال المزني: يعني أنه لا صوم لنذره إلا بنية قبل الفجر ولم يكن له سبيل إلى أن يعلم أن عليه صوما إلا بعد مقدمه قال المزني: قضاؤه عندي أولى به قال المزني: وكذلك الحج إذا أمكنه قبل موته فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان بعينه فلم يسقط بعجزه عنه بمرضه قال المزني رحمه الله: قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}1 وأجمعوا أنه لو أغمي عليه الشهر كله فلم يعقل فيه أن عليه قضاءه والنذر عنده واجب فقضاؤه إذا أمكنه وإن ذهب وقته واجب وقد قطع بهذا القول في موضع آخر قال الشافعي ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أحببت أن يعود لصومه لنذره ويعود لصومه لقدوم فلان ولو نذرأن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين فعليه أن يصوم كل اثنين يستقبله إلا أن يكون يوم فطر أو أضحى أو تشريق فلا يصومه ولا يقضيه وقال في كتاب الصوم: عليه القضاء قال المزني رحمه الله: لا قضاء أشبه بقوله لأنها ليست بوقت لصوم عنده لفرض ولا لغيره وإن نذر صومها نذر معصية وكذلك لا يقضي نذر معصية.
قال الشافعي ولو وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما وقضى كل اثنين فيهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 184.

 

ص -392-     ولا يشبه شهررمضان لأن هذا شيء أدخله على نفسه بعد ما وجب عليه صوم الاثنين وشهررمضان أوجبه الله عليه لا بشيء أدخله على نفسه ولو كان الناذر امرأة فهي كالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضها ولو قالت: لله علي أن أصوم أيام حيضي فلا يلزمها شيء لأنها نذرت معصية قال المزني رحمه الله: هذا يدل على أن لا يقضي نذر معصية قال الشافعي رحمة الله عليه: وإذا نذر الرجل صوما أو صلاة ولم ينو عددا فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ومن الصوم يوم ولو نذر عتق رقبة فأي رقبة أعتق أجزأه ولو قال رجل لآخريمين في يمينك فحلف فاليمين على الحالف دون صاحبه قال المزني رحمه الله فقلت له فإن قال يمين في يمينك بالطلاق فحلف أعليه شيء؟ فقال: لا يمين إلا على الحالف دون صاحبه قال المزني رحمه الله: قال لي علي بن معبد: في المشي كفارة يمين عن زيد وابن عمر وحفصة وميمون بن مهران والقاسم بن محمد والحسن وعبد الله بن عمر الجوزي ورواية عن محمد بن الحسن والحسن وقال سعيد بن المسيب: لا كفارة عليه أصلا وعطاء وشريك وسمعته يقول ذلك وذكر عن الليث كفارة يمين في ذلك كله إلا سعيد فإنه قال: لا كفارة1 قال المزني: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصوربن عبد الرحمن الحجي عن أمه صفية بنت شيبة ان ابن عم لها جعل ماله في سبيل الله أو في رتاج الكعبة فقالت قالت عائشة: هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين2 وحدثنا الحميدي قال: حدثنا ابن أبي رواد عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال فيمن جعل ماله في سبيل الله: يمين يكفرها ما يكفر اليمين3 قال الحميدي وسمعت الشافعي و سفيان يفتيان به قال الحميدي وهو قولي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثار ورد في البيهقي 10/67 و78 و82.
2 انظر الأم 2/400.
3 انظر الأم 10/67.