مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -393-     كتاب أدب القاضي.
قال الشافعي أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا تسرع ملالته فيه وأنا لإقامة الحد في المسجد أكره قال الشافعي ومعقول في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يحكم الحاكم ولا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان"1 أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا يتغير فيها خلقه ولا عقله والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أوخلقه انبغى له أن لا يقضي حتى يذهب وأي حال صار إليه فيها سكون الطبيعة واجتماع العقل حكم وإن غيره مرض أو حزن أو فرح أو جوع أو نعاس أو ملالة ترك وأكره له البيع والشراء خوف المحاباة بالزيادة ويتولاه له غيره قال: ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة إما أن يجيب كلا وإما أن يترك كلا ويعتذر ويسألهم التحليل ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي مقدم الغائب وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه فإن عاد زجره ولا يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجبه ويشاور قال الله عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}2 وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}3 قال الحسن: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده ولا يشاور إذا نزل به المشكل إلا عالما بالكتاب والسنة والاثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب ولا يقبل وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له من حيث لم تختلف الرواية فيه أو بدلالة عليه أو أنه لا يحتمل وجها أظهر منه قال الشافعي رحمه الله: فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم عبى بعض وإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي أن يقضي ولا لأحد أن يستقضيه ولا يجوز له أن يستحسن بغير قياس ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين والقياس قياسان أحدهما: أن يكون في معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه والآخر: أن يشبه الشيء الشيء من أصل ويشبه الشيء من أصل غيره فيشبهه هذا بهذا الأصل ويشبهه الآخر بأصل غيره وموضع الصواب في ذلك عندنا أن ينظر فإن أشبهه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذي أشبهه في الخصلتين قال الله عز وجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/278.
2 سورة الشورى: 38.
3 سورة آل عمران: 159.

 

ص -394-     في داود وسليمان: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}1 قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"2 قال الشافعي فأخبره أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر فلا يكون الثواب فيما لا يسع ولا في الخطأ الموضوع قال المزني رحمه الله: أنا أعرف أن الشافعي قال: لا يؤجر على الخطأ وإنما يؤجر على قصد الصواب وهذا عندي هو الحق قال الشافعي رحمه الله: من اجتهد من الحكام فقفى باجتهاده ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره فسواء فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده وليس على القاضي أن يتعقب حكم من قبله وإن تظلم محكوم عليه ممن قبله نظر فيه فرده أو أنفذه على ما وصفت وإذا تحاكم إليه أعجمي لا يعرف لسانه لم تقبل الترجمة عنه إلا بعدلين يعرفان لسانه وإذا شهد الشهود عند القاضي كتب حلية كل رجل ورفع في نسبه إن كان له أو ولاية إن كانت له وسأله عن صناعته وكنيته إن كانت له وعن مسكنه وعن موضع بياعته ومصلاه قال الشافعي رحمه الله: وأحب إذا لم يكن لهم سدة عقول أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع ومن فيه ليستدل على عورة إن كانت في شهادته وإن جمعوا الحال الحسنة والعقل لم يفعل بهم ذلك وأحب أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف عليهم أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية أو المماطلة للناس وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه فيخفي حسنا ويقول قبيحا فيكون جرحا ويسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون تعديلا ويحرص على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له وأن يكتب لأصحاب المسائل صفات الشهود على ما وصفنا وأسماء من شهد له وشهد عليه ومبلغ ما شهدوا فيه ثم لا يسألون أحدا حتى يخبروه بمن شهدوا له وعليه وبقدر ما شهدوا فيه فإن المسؤول قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسيرويقف في الكثير ولا يقبل المسألة عنه ولا تعديله ولا تجريحه إلا من اثنين ويخفي عن كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف فإن اتفقت بالتعديل أو التجريح قبلهما وإن اختلفت أعادها مع غيرهما وإن عدل رجل بشاهدين وجرح باخرين كان الجرح أولى لأن التعديل على الظاهر والجرح على الباطن ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع ولا يقبله من فقيه دين عاقل إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإن الناس يتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الانبياء: 79.
2 انظر الأم 6/281.

 

ص -395-     على بعض بالكفر والفسق بالتأويل وهو بالجرح عندهم أولى وأكثر من ينسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعد اليسير الذي لا يكون جرحا ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول عدل علي ولي ثم لا يقبل حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت باطنة متقادمة وإلا لم يقبل ذلك منه ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرصا هو هذا لا يوافق اسم اسما ولا نسب نسبا ولا ينبغي أن يتخذ كاتبا حتى يجمع أن يكون عدلا عاقلا ويحرص أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة نزها بعيدا من الطبع والقاسم في صفة الكاتب عالم بالحساب لا يخدع قال الشافعي ويتولى القاضي ضم الشهادات ورفعها لا يغيب ذلك عنه وبرفعها في قمطر ويضم الشهادات وحجج الرجلين في مكان واحد مترجمة بأسمائهما والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف له إذا طلبها فإذا مضت سنة عزلها وكتب خصوم سنة كذا حتى تكون كل سنة مفروزة وكل شهر مفروزا ولا يفتح المواضع التي فيها تلك الشهادات إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامته وأن يترك في يدي المشهود له نسخة بتلك الشهادات ولا يختمها ولا يقبل من ذلك ولا مما وجد في ديوانه إلا ما حفظ لأنه قد يطرح في الديوان ويشبه الخط الخط ولو شهد عنده شهود أنه حكم بحكم فلا يبطله ولا يحقه إذا لم يذكره وإن شهدوا عند غيره أجازه لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله.
قال الشافعي رحمه الله: ويقبل كل كتاب لقاض عدل ولا يقبله إلا بعدلين وحتى يفتحه ويقرأه عليهما فيشهدا أن القاضي أشهدهما على ما فيه وأنه قرأه بحضرتهما أو قرىء عليهما وقال: أشهد أن هذا كتابي إلى فلان قال: وينبغي أن يأمرهم بنسخه كتابة في أيديهم ويوقعوا شهادتهم فيه فإن انكسر خاتمه أو انمحى كتابه شهدوا بعلمهم عليه فإن مات الكاتب أو عزل لم يمنع ذلك قبوله ونقبله كما نقبل حكمه ولو ترك أن يكتب اسمه في العنوان وقطع الشهود بأنه كتابه قبله وإن أنكر المكتوب عليه لم يأخذه به حتى تقوم بينة بأنه هو فإذا رفع في نسبه فقامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق وإن وافق الاسم والقبيلة والنسب والصناعة فأنكر المكتوب عليه لم يقض عليه حتى يبان بشيء لا يوافقه فيه غيره وكتاب القاضي إلى الخليفة والخليفة إلى القاضي والقاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي سواء لا يقبل إلا كما وصفت من كتاب القاضي إلى القاضي.

باب القسام.
قال الشافعي رحمه الله: وينبغي أن يعطي أجر القسام من بيت المال لأنهم حكام وإن لم يعطوا خلى بينهم وبين من طلب القسم واستأجرهم طالب القسم بما شاء قل أوكثر فإن سموا على كل واحد في نصيبه شيئا معلوما فجائز وإن سموه على الكل فعلى قدر الأنصباء وإذا تداعوا إلى القسم وأبى شركاؤهم فإن كان ينتفع واحد منهم بما يصير له

 

ص -396-     مقسوما أجبرتهم على القسم فإن لم ينتفع الباقون بما يصير إليهم فأقول لمن كره إن شئتم جمعتم حقكم فكانت مشاعة بينكم لتنتفعوا بها وينبغي للقاسم أن يحصي أهل القسم ومبلغ حقوقهم فإن كان فيهم من له سدس وثلث ونصف قسمه على أقل السهمان وهو السدس فيها فيجعل لصاحب السدس سهما ولصاحب الثلث سهمين ولصاحب النصف ثلاثة ثم يقسم الدار على ستة أجزاء ثم يكتب أسماء أهل السهمين في رقاع قراطيس صغارثم يدرجها في بندق طين يدور وإذا استوت ألقاها في حجر من لم يحضر البندقة ولا الكتاب ثم سمى السهمين أولا وثانيا وثالثا ثم قال أخرج على الأول بندقة واحدة فإذا أخرجها فضها فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم الأول فإن كان صاحب السدس فهو له ولا شيء له غيره وإن كان صاحب الثلث فهو له والسهم الذي يليه وإن كان صاحب النصف فهو له والسهمان اللذان يليانه ثم قيل له: أخرج بندقة على السهم الذي يلي ما خرج فإذا خرج فيها اسم رجل فهو له كما وصفت حتى تنفذ السهمان فإذا كان في القسم رد لم يجز حتى يعلم كل واحد منهم موضع سهمه وما يلزمه ويسقط عنه وإذا علمه كما يعلم البيوع التي تجوز أجزته لا بالقرعة ولا يجوز أن يجعل لأحدهما سفلا وللآخر علوه إلا أن يكون سفله وعلوه لواحد وإذا ادعى بعضهم غلطا كلف البينة فإن جاء بها رد القسم عنه وإذا استحق بعض المقسوم أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم ويقال لهم في الدين والوصية: إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين والوصية أنفذنا القسم بينكم وإلا نقضاء عليكم ولا يقسم صنف من المال مع غيره ولا عنب مع نخل ولا يصح بعل مضموم إلى عين ولا عين مضمومة إلى بعل ولا بعل إلا نخل يشرب بنهرمأمون الانقطاع وتقسم الأرضون والثياب والطعام وكل ما احتمل القسم وإذا طلبوا أن يقسم دارا في أيديهم قلت ثبتوا على أصول حقوقكم لأني لو قسمتها بقولكم ثم رفعت إلى حاكم كان شبيها أن يجعلها لكم ولعلها لغيركم وقد قيل يقسم ويشهد أنه قسمها على إقرارهم ولا يعجبني لما وصفت.

باب ما علي القاضي في الخصوم والشهود.
قال الشافعي رحمه الله: ينبغي للقاضي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه للحكم و الاستماع والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفذ حجته ولا ينهرهما ولا يتعنت شاهدا ولا ينبغي أن يلقن واحدا منهما حجة ولا شاهدا شهادة ولا بأس إذا جلس أن يقول تكلما أو يسكت حتى يبتدىء أحدهما وينبغي أن يبتدىء الطالب فإذا أنفذ حجته تكلم المطلوب ولا ينبغي أن يضيف الخصم دون خصمه ولا يقبل منه هدية وإن كان يهدي إليه قبل ذلك حتى تنفذ خصومته وإذا حضر مسافرون ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم وأن يجعل لهم يوما بقدرما لا يضر بأهل البلد1 فإن كثروا حتى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "أساهم به يقال أسوته به أسوة اهـ قاموس وهو المراد هنا كتبه مصححه.

 

ص -397-     ساووا أهل البلد أساهم بهم ولكل حق ولا يقدم رجلا جاء قبله رجل ولا يسمع بينة في مجلس إلأ في حكم واحد فإذا فرغ أقامه ودعا الذي بعده وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه ولا يكلفه الطالب فإن لم يفعل قال للطالب: إن شئت بصحيفة فيها شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ولا أكرهك ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب وأنسى شهادته فإن قبل الشهادة من غير محضر خصم فلا بأس وينبغي إذا حضر أن يقرأ عليه ما شهدوا به عليه وينسخه أسماءهم وأنسابهم ويطرده جرحهم فإن لم يأت به حكم عليه وإذا علم من رجل بإقراره أو تيقن أنه شهد عنده بزور عزره ولم يبلغ بالتعزير أربعين سوطا وشهر أمره فإن كان من أهل المسجد وقفه فيه وإن كان من أهل قبيل وقفه في قبيله أو في سوقه وقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه.
قال المزني رحمه الله: اختلف قوله في الخصم يقر عند القاضي فقال فيها قولان: أحدهما أنه كشاهد وبه قال شريح والآخر أنه يحكم به قال المزني: وقطع بأن سماعه الإقرار منه أثبت من الشهادة وهكذا قال في كتاب الرسالة: أقضي عليه بعلمي وهو أقوى من شاهدين أو بشاهدين وبشاهد وامرأتين وهو أقوى من شاهد ويمين وبشاهد ويمين وهوأقوى من النكول ورد اليمين قال: وأحب للإمام إذا ولي القضاء رجلا أن يجعل له أن يولى القضاء من رأى في الطرف من أطرافه فيجوز حكمه ولو عزل فقال: قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل إلا بشهود وكل ما حكم به لنفسه وولده ووالده و من لا تجوز له شهادته رد حكمه.

الشهادات في البيوع مختصر من الجامع من اختلاف الحكام والشهادات ومن أحكام القرآن ومن مسائل شتي سمعتها منه لفظا.
قال الشافعي قال الله عز وجل:
{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}1 فاحتمل أمره جل ثناؤه أمرين: أحدهما: أن يكون مباحا تركه والآخر حتما يعصي من تركه بتركه فلما أمر الله عز وجل في آية الدين والدين تبايع بالإشهاد وقال فيها: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}2 دل على أن الأولى دلالة على الحظ لما في الإشهاد من منع الظالم بالجحود أو بالنسيان ولما في ذلك من براءات الذمم بعد الموت لا غير وكل أمر ندب الله إليه فهو الخير الذي لا يعتاض منه من تركه وقد حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابيا فرسا فجحده بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما إشهاد فلوكان حتما ما تركه صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 282.
2 سورة البقرة: 283.

باب عدة الشهود وحيث لا يجوز فيه النساء وحيث يجوز وحكم القاضي بالظاهر.
قال الشافعي ودل الله جل ثناؤه على أن لا يجوز في الزنا أقل من أربعة لقوله:

 

ص -398-     {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}1 وقال سعد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال: "نعم"2 وجلد عمربن الخطاب رضي الله عنه ثلاثة لما لم يقم الرابع3 وقال الله جل ثناؤه في الإمساك والفراق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}4 فانتهى إلى شاهدين ودل على ما دل قبله من نفي أن يجوز فيه إلا رجال لا نساء معهم لأنه لا يحتمل إلا أن يكونا رجلين وقال الله جل ثناؤه في آية الدين: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}5 ولم يذكر في شهود الزنا ولا الفراق ولا الرجعة امرأة ووجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال والطلاق والرجعة تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال والوصية إلى الموصى إليه قيام بما أوصى به إليه لا أن له مالا ولا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا يجوز في الزنا إلا الرجال وأكثرهم قال: ولا في الطلاق ولا في الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية فكان ذلك كالدلالة على ظاهر القرآن وكان أولى الأمور بأن يصار إليه ويقاس عليه والدين مال فما أخذ به المشهود له مالا جازت فيه شهادة النساء مع الرجال وما عدا ذلك فلا يجوز فيه إلا الرجال قال الشافعي رحمه الله: وفي قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}6 وقال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}7 دلالة على أنه لا تجوز شهادة النساء حيث يجزن إلا مع الرجل ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا وأصل النساء أنه قصر بهن عن أشياء بلغها الرجال أنهم جعلوا قوامين عليهن وحكاما ومجاهدين وأن لهم السهمان من الغنيمة دونهن وغير ذلك فالأصل أن لا يجزن فإذا أجزن في موضع لم يعد بهن ذلك الموضع وكيف أجازهن محمد بن الحسن في الطلاق والعتاق وردهن في الحدود قال الشافعي رحمه الله: وفي إجماعهم على أن لا يجزن على الزنا ولم يستنبن في الإعواز من الأربعة دليل على أن لا يجزن في الوصية إذ لم يستنبن في الإعواز من شاهدين وقال بعض أصحابنا: إن شهدت امرأتان لرجل بمال حلف معهن ولقد خالفه عدد أحفظ ذلك عنهم من أهل المدينة وهذا إجازة النساء بغيررجل فيلزمه أن يجيزأربعا فيعطي بهن حقا فإن قال إنهما مع يمين رجل فيلزمه أن لا يجيزهما مع يمين امرأة والحكم فيهما واحد قال الشافعي رحمه الله: وكان القتل والجراح وشرب الخمر والقذف مما لم يذكر فيه عدد الشهود فكان ذلك قياسا على شاهدي الطلاق وغيره مما وصفت قال: ولا يحل حكم الحاكم الأمور عما هي عليه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بالظاهر ويتولى الله عز وجل السرائر فقال: "من قضيت له من حق أخيه بشيء فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/13.
2 انظر الأم 6/245, 268.
3 انظر الأم 7/101., 139.
4 سورة الطلاق: 2
5 سورة البقرة: 282
6 سورة البقرة: 282
7 سورة البقرة: 282.

 

ص -399-     يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"1 فلو شهدا بزور أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ففرق الحاكم بينهما كانت له حلالا غير أنا نكره أن يطأها فيحدا ويلزم من زعم أن فرقته فرقة تحرم بها على الزوج ويحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها فيما بينه وبين الله عز وجل أو يقول: لو شهدا له بزور أن هذا قتل ابنه عمدا فأباح له الحاكم دمه أن يريق دمه ويحل له فيما بينه وبين الله عز وجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/14.

باب شهادة النساء لارجل معهن والرد على من أجاز شهادة امرأة من هذا الكتاب ومن كتاب اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة.
قال الشافعي رحمه الله: والولادة وعيوب النساء مما لم أعلم فيه مخالفا في أن شهادة النساء جائزة فيه لا رجل معهن واختلفوا في عددها فقال عطاء: لا يكون في شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نأخذ ولما ذكر الله النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في الموضع الذي أجازهما فيه دل والله أعلم إذ أجاز المسلمون شهادة النساء في موضع أن لا يجوز منهن إلا أربع عدول لأن ذلك معنى حكم الله عز وجل قال الشافعي وقلت لمن يجيز شهادة امرأة في الولادة كما يجيز الخبر بها لا من قبل الشهادة وأين الخبر من الشهادة أتقبل امرأة عن امرأة أن امرأة رجل ولدت هذا الولد؟ قال: لا قلت: فتقبل في الخبر أخبرنا فلان عن فلان؟ قال: نعم قلت: فالخبر هو ما استوى فيه المخبر والمخبر والعامة من حلال أو حرام؟ قال: نعم قلت: والشهادة ما كان الشاهد منه خليا والعامة وإنما تلزم المشهود عليه؟ قال: نعم قلت: أفترى هذا مشبها لهذا؟ قال: أما في هذا فلا.

باب شهادة القاذف.
قال الشافعي رحمه الله: أمر الله تبارك وتعالى أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا وسماه فاسقاإلا أن يتوب فإذا تاب قبلت شهادته ولا خلاف بيننا في الحرمين قديما وحديثا في أنه إذا تاب قبلت شهادته قال الشافعي رحمه الله: والتوبة إكذابه نفسه لأنه أذنب بأن نطق بالقذف والتوبة منه أن يقول القذف باطل كما تكون الردة بالقول والتوبة عنها بالقول فإن كان عدلا قبلت شهادته وإلا فحتى يحسن حاله قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز2 فأشهد لأخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك أو قال: إن تبت قبلت شهادتك3 قال: وبلغني عن ابن عباس مثل معنى هذا, وقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 7/53.
3 انظر الأم 7/53, 147.

 

ص -400-     ابن أبي نجيح: كلنا نقوله قلت: من؟ قال: عطاء و طاوس و مجاهد وقال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟1 قال الشافعي وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات لأهلها فكيف تردونها في أحسن حالاته وتقبلونها في شر حالاته؟ وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا كيف لا تقبلون توبة القاذف وهو أيسر ذنبا؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/54, 85, 147.

باب التحفظ في الشهادة والعلم بها.
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه:
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وقال: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}2 قال: فالعلم من ثلاثة أوجه: منها ما عاينه فيشهد به ومنها ما تظاهرت به الأخبار وثبتت معرفته في القلوب فيشهد عليه ومنها ما أثبته سمعا مع إثبات بصر من المشهود عليه فبذلك قلنا: لا تجوز شهادة أعمى لأن الصوت يشبه الصوت إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة وسمعا ونسبا ثم عمي فيجوز ولا علة في رده قال: والشهادة على ملك الرجل الدار والثوب على ظاهر الأخبار بأنه مالك ولا يرى منازعا في ذلك فتثبت معرفته في القلب فتسمع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينسبه زمانا وسمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولا دلالة يرتاب بها وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له الأخبار ممن يصدق بأنها فلانة ورآها مرة وهذا له شهادة بعلم كما وصفنا وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهده وفي رد يمين وغيره قال الشافعي وقلت لمن قال لا أجيز الشاهد وإن كان بصيرا حين علم حتى يعاين المشهود عليه يوم يؤديها عليه فأنت تجيز شهادة البصير على ميت وعلى غائب في حال وهذا نظير ما أنكرت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 سورة الزخرف: 86.

باب ما يجب على المرء من القيام بالشهادة إذا دعي ليشهد أو يكتب.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه:
{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}3 قال الشافعي والذي أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والده وولده والقريب والبعيد لا تكتم عن أحد ولا يحابى بها أحد ولا يمنعها أحد ثم تتفرع الشهادات قال الشافعي قال الله جل ثناؤه: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}4 فأشبه أن يكون خرج من ترك ذلك ضرارا وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية كالجهاد والجنائز ورد السلام ولم أحفظ خلاف ما قلت عن أحد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 سورة البقرة: 283
4 سورة البقرة: 282.

 

ص -401-     باب شرط الذين تقبل شهادتهم.
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}1 وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}2 قال: فكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنة أريد بذلك الأحرار البالغون المسلمون المرضيون وقوله: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}3 يدل على إبطال قول من قال تجوز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا فإن قال أجازها ابن الزبير فابن عباس ردها قال: ولا تجوز شهادة مملوك ولا كافر ولا صبي بحال لأن المماليك يغلبهم من يملكهم على أمورهم وأن الصبيان لا فرائض عليهم فكيف يجب بقولهم فرض والمعروفون بالكذب من المسلمين لا تجوز شهادتهم؟ فكيف تجوز شهادة الكافرين مع كذبهم على الله جل وعز؟ قال المزني: أحسن الشافعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الطلاق: 2.
2 سورة البقرة: 282.
3 سورة البقرة: 282.

كتاب الأقضية واليمين مع الشاهد ومال دخل فيه من اختلاف الحديث وغير ذلك.
قال الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحرث بن عبد الملك المخزومي عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" قال عمرو في الأموال4 ورواه من حديث أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع5 الشاهد" ومن حديث جعفربن محمد عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد"6 ورواه عن علي وابي بن كعب وعمر بن عبد العزيز وشريح7 قال الشافعي رحمه الله: فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد وقال عمرو: وهو الذي روى الحديث في الأموال وقال جعفر بن محمد من رواية مسلم بن خالد في الدين والدين مال دل ذلك على أنه لا يقضى بها في غير ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مثل معناه قال الشافعي رحمه الله: والبينة في دلالة سنة رسول الله رز بينتان بينة كاملة هي بعدد شهود لا يحلف مقيمها معها وبينة ناقصة العدد في المال يحلف مقيمها معها قال: فكل ما كان من مال يتحول إلى مالك من مالك غيره حتى يصير فيه مثله أو في مثل معناه قضى فيه بالشاهد مع اليمين وكذلك كل ما وجب به مال من جرح أو قتل لا قصاص فيه أو إقرار أو غير ذلك مما يوجب المال ولو أتى قوم بشاهد أن لأبيهم على فلان حقا أو أن فلانا قد أوصى لهم فمن حلف منهم مع شاهده استحق مورثه أو وصيته دون من لم يحلف وإن كان فيهم معتوه وقف حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه فيحلف ويستحق ولا يستحق أخ بيمين أخيه وليس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 6/355.
5 انظر الأم 6/355.
6 انظر الأم 6/356.
7 انظر الأم 6/356.

 

ص -402-     الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث في شيء وإن كانوا أولى بمال من عليه اليمين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ولا يلزمهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمنى ألا ترى أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من ذلك المال الظاهر الذي لم يحلف عليه الغريم؟ قال: وإذا حلف الورثة فالغرماء أحق بمال الميت ولو أقام شاهدا أنه سرق له متاعا من حرزيسوي ما تقطع فيه اليد حلف مع شاهده واستحق ولا يقطع لأن الحد ليس بمال كرجل قال: امرأتي طالق وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد فيشهد له عليه بغصبه شاهد فيحلف ويستحق الغصب ولا يثبت عليه طلاق ولا عتق لأن حكم الحنث غيرحكم المال قال: ولو أقام شاهدا على جارية أنها له وابنها ولد منه حلف وقضي له بالجارية وكانت أم ولده بإقراره لأن أم الولد مملوكة ولا يقضى له بالابن لأنه لا يملكه على أنه ابنه قال المزني رحمه الله: وقال في موضع آخر: يأخذها وولدها ويكون ابنه قال المزني رحمه الله: وهذا أشبه بقوله الآتي لم يختلف وهو قوله: لو أقام شاهدا على عبد في يدي رجل يسترقه أنه كان عبدا له فأعتقه ثم غصبه هذا بعد العتق حلف وأخذه وكان مولى له قال المزني رحمه الله: فهو لا يأخذه مولاه على أنه يسترقه كما أنه لا يأخذ ابنه على أنه يسترقه فإذا أجازه في المولى لزمه في الابن قال: ولو أقام شاهدا أن أباه تصدق عليه بهذه الدار صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين فمن حلف منهم ثبت حقه وصار ما بقي ميراثا فإن حلفوا معا خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعلت له حياته ومضى الحكم فيها لهم فمن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث وإن لم يحلف إلا واحد فنصيبه منها وهو الثلث صدقة على ما شهد به شاهده ثم نصيبه على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد أخويه فإن قال الذين تصدق به عليهم بعد الاثنين: نحن نحلف على ما أبى يحلف عليه الاثنان ففيها قولان أحدهما: أنه لا يكون لهم إلا ما كان للاثنين قبلهم والآخر: أن ذلك لهم من قبل أنه إنما يملكون إذا حلفوا بعد موت الذي جعل لهم ملك إذا مات وهو أصح القولين وبه أقول والله أعلم ولو قال: وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا قال: فإذا حدث ولد نقص من له حق في الحبس ويوقف حق المولود حتى يبلغ فيحلف فيأخذ أو يدع فيبطل حقه ويرد كراء ما وقف له من حقه على الذين انتقصوا من أجله حقوقهم سواء بينهم فإن مات من المنتقص حقوقهم أحد في نصف عمر الذي وقف له إلى أن يبلغ رد حصة الموقف على من معه في الحبس وأعطي ورثة الميت منهم بقدر ما استحق مما رد عليه بقدر حقه قال المزني: أصل قول الشافعي أن المحبس أزال ملك رقبته لله عز وجل وإنما يملك المحبس عليه منفعته لا رقبته كما أزال المعتق ملكه عن رقبة عبده وإنما يملك المعتق منفعة نفسه لا رقبته وهو لا يجيز اليمين مع الشاهد إلا فيما يملكه الحالف فكيف يخرج رقبة ملك رجل بيمين من لا يملك تلك الرقبة وهو لا يجيزيمين العبد مع شاهده بأن مولاه أعتقه لأنه لا يملك ما كان السيد

 

ص -403-     باب الخلاف في اليمين مع الشاهد.
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: فقد أقمتم اليمين مقام شاهد قلت: وإن أعطيت بها كما أعطيت بشاهد فليس معناها معنى شاهد وأنت تبرىء المدعى عليه بشاهدين وبيمينه إن لم يكن له بينة وتعطي المدعي حقه بنكول صاحبه كما تعطيه بشاهدين أفمعنى ذلك معنى شاهدين؟ قال: فكيف يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت أو أن لأبيه حقا على رجل1 وهو صغير وهو إن حلف حلف ما لم يعلم؟ قلت: فأنت تجيزأن يشهد أن فلانا بن فلان وأبوه غائب لم يرياه قط ويحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا اشترى عبدا ابن ماية سنة مغربيا ولد قبل جده فباعه فأبق أنك تحلفه لقد باعه بريئا من الإباق على البت قال: ما يجد الناس بدا من هذا غير أن الزهري أنكرها قلت: فقد قضى بها حين ولى أرأيت ما رويت عن علي من إنكاره على معقل حديث بروع أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها المهر والميراث ورد حديثه ومع علي زيد وابن عمر؟ فهل رددت شيئا بالإنكار2 فكيف يحتج بإنكار الزهري؟ وقلت له: وكيف حكمت بشهادة قابلة في الاستهلال وهو ما يراه الرجال؟ أم كيف حكمت على أهل محلة وعلى عواقلهم بدية الموجود قتيلا في محلتهم في ثلاث سنين وزعمت أن القرآن يحرم أن يجوز أقل من شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة؟ أرأيت لو قال لك أهل المحلة: أتدعي علينا فأحلف جميعنا وأبرئنا؟ قال: لا أحلفهم إذا جاوزوا خمسين رجلا ولا أبرئهم بإيمانهم وأغرمهم قلت: فكيف جاز لك هذا؟ قال: روينا هذا عن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقلت: فإن قيل لك لا يجوز على عمر أن يخالف الكتاب والسنة وقال عمر نفسه البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه قال: لا يجز أن أتهم من أثق به ولكن أقول بالكتاب والسنة وقول عمر على الخاص قلص: فلم لم يجز لنا من سنة رسول الله لمجلى ما أجزت لنفسك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حال من شهادة الشاهد المفهومة من قوله مع شاهد على الخ أنظر الأم اهـ كتبه مصححه.
2 انظر الأم 7/10, 12, 13.

 

ص -404-     من عمر؟ قلت: وقد رويتم أن عمر كتب فجلبهم إلى مكة وهو مسيرة اثنين وعشرين يوما فأحلفهم في الحجر وقضى عليهم بالدية فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال: حقنتم بأيمانكم دماءكم فخالفتم في ذلك عمر فلا أنتم أخذتم بكل حكمه ولا تركتموه ونحن نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسناد الصحيح أنه بدأ في القسامة بالمدعين فلما لم يحلفوا قال: تبرئكم يهود بخمسين يمينا1 وإذ قال تبرئكم يهود فلا يكون عليهم غرم ويروى عن عمر أنه بدى المدعى عليهم ثم رد اليمين على المدعين2 وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه وقد أجزتم شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله عز وجل أن تجوز شهادتهم ورددتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد قال: فإنا أجزنا شهادة أهل الذمة بقول الله عز وجل: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}3 قلت: سمعت من أرضى يقول من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج بقول الله جل وعز: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ}4؟ قلت: والمنزل فيه هذه الآية رجل من العرب فأجزت شهادة مشركي العرب بعضهم على بعض قال: لا إلا شهادة أهل الكتاب قلت: فإن قال قائل لا إلا شهادة مشركي العرب فما الفرق؟ فقلت له: أفتجيز اليوم شهادة أهل الكتاب على وصية مسلم كما زعمت أنها في القرآن؟ قال: لا لأنها منسوخة قلت: بماذا؟ قال: بقول الله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}5 قلت: فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ لم يجز الله إلا مسلما فأجزت كافرا وقال لي قائل: إذا نص الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه وقد بقي منه شيء ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن قلت: فقد نص الله عزوجل الوضوء في كتابه فأحدث فيه المسح على الخفين ونص ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت: لا تنكح المرأة على عمتها ولا عالى خالتها ونص المواريث فقلت: لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا أو والدا ونص حجب الأم بالإخوة فحجبتها بأخوين ونص للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ورفع العدة فقلت: إن خلا بها ولم يمسها فلها المهر وعليها العدة فهذه أحكام منصوصة في القرآن فهذا عندك خلاف ظاهر القرآن واليمين مع الشاهد لايخالف ظاهر القرآن شيئا والقرآن عربي فيكون عاما يراد به الخاص وكل كلام احتمل في القرآن معاني فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أحد معانيه موافقة له لا مخالفة للقرآن6.
قال الشافعي رحمه الله: وما تركنا من الحجة عليهم أكثر مما كتبناه وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/106.
2 انظر الأم 7/106.
3 سورة المائدة: 106.
4 سورة الطلاق: 2.
5 سورة المائدة: 106.
6 انظر الأم 7/106.

 

ص -405-     باب موضع اليمين.
قال الشافعي رحمه الله: من ادعى مالا فأقام عليه شاهدا أو ادعي عليه مال أو جناية خطأ بأن بلغ ذلك عشرين دينارا أو ادعى عبد عتقا تبلغ قيمته عشرين دينارا أو ادعى جراحة عمد صغرت أو كبرت أو في طلاق أو لعان أو حد أو رد يمين في ذلك فإن كان الحكم بمكة كانت اليمين بين المقام والبيت وإن كان بالمدينة كانت على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت ببلد غير مكة والمدينة أحلف بعد العصر في مسجد ذلك البلد بما تؤكد به الأيمان ويتلى عليه
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}1 الآية قال: وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم ومن حجتهم فيه أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال: أعلى دم؟ قالوا: لا قال: أفعلى أمر عظيم؟ قالوا: لا قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام2 قال فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا قال ابن أبي مليكة: كتب إلي ابن عباس في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى أن أحبسهما بعد العصر ثم أقرأ عليهما {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}3 ففعلت فاعترفت قال: واستدللت بقول الله جل ثناؤه تحبسونهما من بعد الصلاة قال المفسرون: صلاة العصر على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين وبكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه يحلف عند المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم4 وما بلغني أن عمر حلف على منبررسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في خصومة بينه وبين رجل وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها5 وقال: أخاف أن توافق قدر بلاء فيقال بيمينه قال وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل العلم ببلدنا دار السنة والهجرة وحرم الله عز وجل وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدينا والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم وأحرارهم وعبيدهم ومماليكهم يحلفون كما وصفنا ويحلف المشركون وأهل الذمة والمستأمنون كل واحد منهم بما يعظم من الكتب وحيث يعظم من المواضع مما يعرفه المسلمون وما يعظم الحالف منهم مثل قوله: والله الذي أنزل التوراة على موسى والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وما أشبه هذا ولا يحلفون بما يجهل معرفته المسلمون ويحلف الرجل في حق نفسه وفيما عليه بعينه على البت مثل أن يدير عليه براءة من حق له فيحلف بالله ان هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما اقتضاه ولا شيئا منه ولا مقتضى بأمريعلمه ولا أحال به ولا بشيء منه ولا أبرأه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه وإنه لثابت عليه إلى أن حلف بهذا اليمين وإن كان حقا لأبيه حلف في نفسه على البت وفي أبيه على العلم وإن أحلف قال: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران: 77.
2 انظر الأم 7/71.
3 انظر الأم 7/71.
4 انظر الأم 7/73.
5 انظر الأم 7/74.

 

ص -406-     الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ثم ينسق اليمين ولا يقبل منه اليمين إلا بعد أن يستحلفه الحاكم واحتج ب "أن ركانة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني طلقت امرأتي البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي عليه السلام: "والله ما أردت إلا واحدة"؟1 فردها إليه وهذا تجويزا لليمين في الطلاق والرجعة في طلاق البتة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/72.

باب الامتناع من اليمين.
قال الشافعي وإذا كانت الدعوى غير دم في مال أحلف المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل قيل للمدعي احلف واستحق فإن أبيت سألناك عن إبائك فإن كان لتأتي ببينة أو لتنظر في حسابك تركناك وإن قلت: لا أؤخر ذلك لشيء غيرأني لا أحلف أبطلنا أن تحلف وإن حلف المدعى عليه أو لم يحلف فنكل المدعي فأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين أوبشاهد وحلف مع شاهده أخذنا له حقه والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة ولو رد المدعى عليه اليمين فقال للمدعي احلف فقال المدعى عليه أنا أحلف لم أجعل ذلك له لأني قد أبطلت أن يحلف وحولت اليمين على صاحبه ولو قال: أحلفه ما اشتريت هذه الدار التي في يديه لم أحلفه إلا ما لهذا ويسميه في هذه الدار حق تملك ولاغيره بوجه من الوجوه لأنه قد يملكها وتخرج من يديه.

باب النكول ورد اليمين من الجامع ومن اختلاف الشهادات والحكام ومن الدعوى والبينات ومن إملاء في الحدود.
قال الشافعي رحمه الله: ولا يقوم النكول مقام إقرار في شيء حتى يكون معه يمين المدعي فإن قيل: فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب على المدعى عليه وجعلتها كلها ترد على المدعي؟ قيل: قلته استدلالا بالكتاب والسنة ثم الخبر عن عمر حكم الله على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأربعة شهداء2 وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة فيسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج منه بأربعة أيمان والتعانها وسن بينهما الفرقة ودرأ الله عنهما الحد بالأيمان والتعانه وكانت أحكام الزوجين وإن خالفت أحكام الأجنبيين في شيء فهي مجامعة لها في غيره وذلك أن اليمين فيه جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان هذا الحد والفراق والنفي معا داخلة فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها الزوج إلا بيمينه وتنكل عن اليمين ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف ولترك الخروج منه باليمين ولم يكن على المرأة حد ولا لعان؟ أو لا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصاريين:
"تحلفون وتستحقون دم صاحبكم"3 فلما لم يحلفوا رد الأيمان على يهود ليبرؤوا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم؟ أو لا ترى عمر جعل الأيمان على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 7/75.
3 انظر الأم 7/75.

 

ص -407-     المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين1؟ وكل هذا تحويل يمين من موضع قد ندبت فيه إلى الموضع الذي يخالفه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى المدعى عليه اليمين" ولا يجوز أن تكون على مدعى عليه دون غيره إلا بخبر لازم وهما لفظان من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"2 مخرجهما واحد فكيف يجوز أن يقال: إن جاء المدعي بالبينة أخذ وإن لم يأت بها حدث له حكم غيرها وهو استحلاف من ادعى عليه؟ وإن جاء المدعى عليه باليمين برىء وإن لم يأت بها لزمه ما نكل عنه ولم يحدث له حكم غيرها؟ ويجوزرد اليمين كما حدث للمدعي إن لم يأت بها حكم غيره وهو اليمين وإذ حول النبي صلى الله عليه وسلم اليمين حيث وضعها فكيف لم تحول كما حولها؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/17.
2 انظر الأم 7/17.

مختصر من كتاب الشهادات وما دخله من الرسالة باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز ومن يشهد بعد رد شهادته من الجامع ومن اختلاف الحكام وأدب القاضي وغير ذلك.
قال الشافعي ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته ولا يقبل الشاهد حتى يثبت عنده بخبرمنه أو بينة أنه حر ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه ولا دافع عنها ولا على خصم لأن الخصومة موضع عداوة ولا لولد بنيه ولا لولد بناته وإن سفلوا ولا لآبائه وأمهاته وإن بعدوا ولا من يعرف بكثرة الغلط أو الغفلة ولو كنت لا أجيز شهادة الرجل لامرأته لأنه يرثها ما أجزت شهادة الأخ لأخيه إذا كان يرثه ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه وقبول يمينه وشهادة من يرى كذبه شركا بالله ومعصية تجب بها النار أولى أن تطيب النفس بقبولهامن شهادة من يخفف المأثم فيها وكل من تأول حراما عندنا فيه حد أو لا حد فيه لم نرد بذلك شهادته ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علما في البلدان منهم من يستحل المتعة والدينار بالدينارين نقدا وهذا عندنا وغيرنا حرام وأن منهم من استحل سفك الدماء ولا شيء أعظم منه بعد الشرك ومنهم من تأول فاستحل كل مسكر غير الخمروعاب على من حرمه ولا نعلم أحدا من سلف هذه الآمة يقتدي به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله واللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهنا ذلك أخف حالا قال المزني رحمه الله: فكيف يحد من شرب قليلا من نبيذ شديد ويجيز شهادته؟ قال الشافعي رحمه الله: ومن شرب عصير العنب الذي عتق حتى سكر وهو يعرفها خمرا ردت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 7/17.
2 انظر الأم 7/17.

 

ص -408-     شهادته لأن تحريمها نص ومن شرب سواها من المنصف أو الخليطين فهو آثم ولا ترد شهادته إلا أن يسكر لأنه عند جميعهم حرام قال الشافعي وأكره اللعب بالنرد للخبر وإن كان يديم الغناء ويغشاه المغنون معلنا فهذا سفه ترد به شهادته وإن كان ذلك يقل لم ترد فأما الاستماع للحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشريد: "أمعك من شعر أمية شيء؟" قال: نعم قال: "هيه" فأنشده بيتا فقال: "هيه" حتى بلغت مائة بيت" وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحداء والرجز وقال لابن رواحة: "حرك بالقوم" فاندفع يرجز"1 قال المزني رحمه الله: سمعت الشافعى يقول: كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدبارا فقلت له: كيف يلعب بها استدبارا؟ قال: يوليها ظهره ثم يقول: بأي شيء وقع فيقول بكذا فيقول أوقع عليه بكذا2 قال: وإذا كان هكذا كان تحسين الصوت بذكر الله والقرآن أولى محبوبا قال الشافعي رحمه الله: وقد "روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن"3 وسمع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قيس يقرأ فقال: "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود"4 قال الشافعي رحمه الله: لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بأي وجه ما كان وأحب ما يقرأ إلي حدرا وتحزينا قال المزني رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: لو كان معنى يتغنى بالقرآن على الاستغناء لكان يتغانى وتحسين الصوت هو يتغنى ولكنه يراد به تحسين الصوت وقال: وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه والعصبية المحضة أن يبغض الرجل لأنه من بني فلان فإذا أظهرها ودعا إليها وتألف عليها فمردود وقد جمع الله تبارك وتعالى المسلمين بالإسلام وهوأشرف أنسابهم فقال جل ثناؤه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}5 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كونوا عباد الله إخوانا" فمن خالف أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ردت شهادته والشعر كلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه وفضله على الكلام أنه سائر وإذا كان الشاعر لا يعرف بشتم الناس وأذاهم ولا يمتدح فيكثر الكذب المحض ولا يتشبب بامرأة بعينها ولا يشهرها بما يشينها فجائز الشهادة وإن كان على خلاف ذلك لم تجز ويجوز شهادة ولد الزنا في الزنا والمحدود فيما حد فيه والقروي على البدوي والبدوي على القروي إذا كانوا عدولا وإذا شهد صبي أو عبد أو نصراني بشهادة فلا يسمعها واستماعه لها تكلف وإن بلغ الصبي وأعتق العبد وأسلم النصراني ثم شهدوا بها بعينها قبلتها فأما البالغ المسلم أرد شهادته في الشيء ثم يحسن حاله فيشهد بها فلا أقبلها لأنا حكمنا بإبطالها وجرحه فيها لأنه من الشرط أن لا يختبر عمله قال: ولوترك الميت ابنين فشهد أحدهما على أبيه بدين فإن كان عدلا حلف المدعي وأخذ الدين من الاثنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/302.
2 انظر الأم 6/302, 303.
3 انظر الأم 6/302.
4 انظر الأم 6/304.
5 سورة الحجرات: 10.

 

ص -409-     وإن لم يكن عدلا أخذ من يدي الشاهد بقدر ما كان يأخذه منه لو جازت شهادته لأن موجودا في شهادته أن له في يديه حقا وفي يدي الجاحد حقا فأعطيته من المقر ولم أعطه من المنكر وكذلك لو شهد أن أباه أوصى له بثلث ماله.

باب الشهادة على الشهادة.
قال الشافعي وتجوز الشهادة على الشهادة بكتاب القاضي في كل حق للآدميين مالا أو حدا أو قصاصا وفي كل حد لله قولان أحدهما: أنه تجوز والآخر: لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات قال: وإذا سمع الرجلان الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما اشهدا على شهادتي فليس لهما أن يشهدا بها ولا للحاكم أن يقبلها لأنه لم يسترعهما إياها وقد يمكن أن يقول: له على فلان ألف درهم وعده بها وإذا استرعاهما إياها لم يفعل إلا وهي عنده واجبة وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه وإن كان على الصحة حتى يسأله من أين هي؟ فإن قال: بإقرار منه أو ببيع حضرته أو سلف أجازه ولو لم يسأله رأيته جائزا وإن شهدا على شهادة رجل ولم يعدلاه قبلهما وسأل عنه فإن عدل قضى به قال: ولو شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزونه قال المزني: وخرجه على قولين وقطع في موضع آخر بأنه لا تجوز شهادتهما إلا على واحد ممن شهدا عليه وآمره بطلب شاهدين على الشاهد الآخر قال المزني: رحمه الله: ومن قطع بشيء كان أولى به من حكايته له.

باب الشهادة على الحدود وجرح الشهود.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا شهدوا على رجل بالزنا سألهم الإمام أزنى بامرأة؟ لأنهم قد يعدون الزنا وقوعا على بهيمة ولعلهم يعدون الاستمناء زنا فلا يحد حتى يثبتوا رؤية الزنا وتغييب الفرج في الفرج قال المزني رحمه الله: وقد أجاز في كتاب الحدود أن إتيان البهيمة كالزنا يحد فيه قال: ولو شهد أربعة اثنان منهم أنه زنى بها في بيت واثنان منهم في بيت غيره فلا حد عليهما ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم قال المزني رحمه الله: قد قطع في غير موضع بحدهم: قال الشافعي رحمه الله: ولو مات الشهود قبل أن يعدلوا ثم عدلوا أقيم الحد ويطرد المشهود عليه وجرح من يشهد عليه ولا أقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به للاختلاف في الأهواء وتكفير بعضهم بعضا ويجرحون بالتأويل ولو ادعي على رجل من أهل الجهالة بحد لم أر بأسا أن يعرض له بأن يقول لعله لم يسرق ولو شهدا بأنه سرق من هذا البيت كبشا لفلان فقال أحدهما غدوة وقال الآخر عشية أو قال أحدهما الكبش أبيض وقال الآخر أسود لم يقطع حتى يجتمعا ويحلف مع شاهده أيهما شاء ولو شهد اثنان أنه سرق ثوب كذا وقيمته ربع دينار وشهد آخران أنه سرق ذلك الثوب بعينه وأن قيمته أقل من ربع دينار فلا قطع وهذا من أقوى ما

 

ص -410-     تدرأ به الحدود وبأخذه بأقل القيمتين في الغرم وإذا لم يحكم بشهادة من شهد عنده حتى يحدث منه ما ترد به شهادته ردها وإن حكم بها وهو عدل ثم تغيرت حاله بعد الحكم لم نرده لأني إنما أنظريوم يقطع الحاكم بشهادته.

باب الرجوع عن الشهادة.
قال الشافعي رحمه الله: الرجوع عن الشهادة ضربان فإن كانت على رجل بشيء يتلف من بدنه أو ينال بقطع أو قصاص فأخذ منه ذلك ثم رجعوا فقالوا عمدناه بذلك فهي كالجناية فيها القصاص واحتج في ذلك بعلي وما لم يكن من ذلك فيه القصاص أغرموه وعزروا دون الحد وإن قالوا لم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل ولو قالوا أخطأنا كان عليهم الأرش ولوكان هذا في طلاق ثلاث أغرمتهم للزوج صداق مثلها دخل بها أو لم يدخل بها لأنهم حرموها عليه فلم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها ولا ألتفت إلى ما أعطاها قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يكون هذا غلطا من غير الشافعي ومعنى قوله المعروف أن يطرح عنهم ذلك بنصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها قال الشافعي رحمه الله: وإن كان في دار فأخرجت من يديه إلى غيره عزروا على شهادة الزور ولم يعاقبوا على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أني جعلتهم عدولا بالأول فأمضينا بهم الحكم ولم يكونوا عدولا بالاخر فترد الدار ولم يفيتوا شيئا لا يؤخذوا ولم يأخذوا شيئا لأنفسهم فأنتزعه منهم وهم كمبتدئين شهادة لا تقبل منهم فلا أغرمهم ما أقروه في أيدي غيرهم.

باب علم الحاكم بحال من قضي بشهادته.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا علم القاضي أنه قضى بشهادة عبدين أو مشركين أو غير عدلين من جرح بين أو أحدهما رد الحكم على نفسه ورده عليه غيره بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ منه بشهادة العبد وذلك أن الله جل ثناؤه قال:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}1 وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}2 وليس الفاسق بواحد من هذين فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله ورد شهادة العبد إنما هو تأويل وقال في موضع آخر: إن طلب الخصم الجرحة أجله بالمصر وما قاربه فإن لم يجيء بها أنفذ الحكم عليه ثم إن جرحهم بعد لم يرد عنه الحكم قال المزني: قياس قوله الأول أن يقبل الشهود العدول أنهما فاسقان كما يقبل أنهما عبدان ومشركان ويرد الحكم قال الشافعي وإذا أنفذ القاضي بشهادتهما قطعا ثم بان له ذلك لم يكن عليهما شيء لأنهما صادقان في الظاهروكان عليه أن لا يقبل منهما فهذا خطأ منه تحمله عاقلته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الطلاق: 2.
2 سورة البقرة: 282.

 

ص -411-     باب الشهادة في الوصية.
قال الشافعي رحمه الله: ولو شهد أجنبيان لعبد أن فلانا المتوفى أعتقه وهو الثلث في وصيته وشهد وارثان لعبد غيره أنه أعتقه وهو الثلث في الاثنين فسواء ويعتق من كل واحد منهما نصفه قال المزني: قياس قوله أن يقرع بينهما وقد قاله في غير هذا الباب قال: ولو شهد الوارثان أنه رجع عن عتق الأول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما وإنما أرد شهادتهما فيما جرا إلى أنفسهما فإذا لم يجرا فلا فأما الولاء فلا يملك ملك الأموال وقد لا يصير في أيديهما بالولاء شيء ولو أبطلتهما بأنهما يرثان الولاء إن مات لا وارث له غيرهما أبطلتها لذوي أرحامهما ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبدا هو الثلث وصية وشهد وارثان أنه رجع فيه وأعتق عبدا هو السدس عتق الأول بغير قرعة للجر إلى أنفسهما وأبطلت حقهما من الاخر بالإقرار ولو لم يقولا أنه رجع في الأول أقرعت بينهما حتى يستوظف الثلث وهو قول أكثر المفتين إن شهادة الأجنبيين والورثة سواء ما لم يجرا إلى أنفسهما قال: ولو شهد رجلان لرجل بالثلث وآخران لاخر بالثلث وشهد آخران أنه رجع عن أحدهما فالثلث بينهما نصفان وقال في الشهادات في العتق والحدود إملاء: وإذا شهدا أن سيده أعتقه فلم يعدلا فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده أجر ووقفت إجارته فإن تم عتقه أخذها وإن رق أخذها السيد ولو شهد له شاهد وادعى شاهدا قريبا فالقول فيها واحد من قولين: أحدهما ما وصفت في الوقف والثاني لا يمنع منه سيده ويحلف له.

مختصر من جامع الدعوى والبينات إملاء على كتاب ابن القاسم ومن كتاب الدعوى إملاء على كتاب أبي حنيفة ومن اختلاف الأحاديث ومن اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة ومن مسائل شتي سمعتها لفظا.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"البينة على المدعي" قال الشافعي أحسبه قال ولا أثبته قال: "واليمين على المدعى عليه" قال: وإذا ادعى الرجل الشيء في يدي الرجل فالظاهر أنه لمن هو في يديه مع يمينه لأنه أقوى سببا فإن استوى سببهما فهما فيه سواء فإن أقام الذي ليس في يديه البينة قيل لصاحب اليد البينة التي لا تجر إلى أنفسها بشهادتها أقوى من كينونة الشيء في يديك وقد يكون في يديك ما لا تملكه فهو له لفضل قوة سببه على سببك فإن أقام الآخر بينة قيل قد استويتما في الدعوى والبينة والذي الشيء في يديه أقوى سببا فهوله لفضل قوة سببه وهذا معتدل على أصل القياس والسنة على ما قلنا في رجلين تداعيا دابة وأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هو في يديه1 قال: وسواء التداعي والبينة في النتاج وغيره وسواء أقام أحدهما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/334.

 

ص -412-     شاهدا وامرأتين والآخر عشرة إن كان بعضهم أرجح من بعض وإن أراد الذي قامت عليه البينة أن أحلف صاحبه مع بينته لم يكن ذلك له إلا أن يدعي أنه أخرجه إلى ملكه فهذه دعوى أخرى فعليه اليمين ولو ادعى أنه نكح امرأة لم أقبل دعواه حتى يقول: نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها فإن حلفت برئت وإن نكلت حلف وقضى له بأنها زوجة له قال الشافعي والأيمان في الدماء مخالفة لغيرها لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا وسواء النفس والجرح في هذا نقتله ونقصه منه بنكوله وبمين صاحبه قال المزني رحمه الله: قطع في الإملاء بأن لا قسامة بدعوى ميت ولكن يحلف المدعى عليه ويبرأ فإن أبى حلف الأولياء واستحقوا دمه وإن أبوا بطل حقهم وقال في كتاب اختلاف الحديث من ادعى دما ولا دلالة للحاكم على دعواه كالدلالة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة أحلف المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدم قال المزني رحمه الله: وهذا به أشبه ودليل آخر حكم النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة بتبدئة المدعي لا غيره وحكم فيما سوى ذلك بتبدئة يمين المدعى عليه لا غيره فإذا حكما لشافعي فيما وصفت بتبدئة المدعى عليه ارتفع عدد أيمان القسامة قال الشافعي والدعوى في الكفالة بالنفس والنكول ورد اليمين كهي في المال إلا أن الكفالة بالنفس ضعيفة ولو أقام بينة أنه أكراه بينا من داره شهرا بعشرة وأقام المكتري البينة أنه اكترى منه الدار كلها ذلك الشهر بعشرة فالشهادة باطلة ويتحالفان ويترادان فإن كان سكن فعليه كراء مثلها ولو ادعى دارا في يدي رجل فقال ليست بملك لي وهي لفلان فإن كان حاضرا صيرتها له وجعلته خصما عن نفسه وإن كان غائبا كتب إقراره وقيل للمدعي: أقم البينة فإن أقامها قضى بها على الذي هي في يديه ويجعل في القضية أن المقر له بها على حجته قال المزني رحمه الله: قد قطع بالقضاء على غائب وهوأولى بقوله قال الشافعي ولوأقام رجل بينة أن هذه الدار كانت في يديه أمس لم أقبل قد يكون في يديه ما ليس له إلا أن يقيم بينة أنه أخذها منه ولو أقام بينة أنه غصبه إياها وأقام آخر البينة أنه أقر له بها فهي للمغصوب ولا يجوز إقراره فيما غصب قال الشافعي وإذا ادعى عليه شيئا كان في يدي الميت حلف على علمه وقال في كتاب ابن أبي ليلى: وإذا اشتراه حلف على البت.

باب الدعوى في الميراث من اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى.
قال الشافعي ولو هلك نصراني وله ابنان مسلم ونصراني فشهد مسلمان للمسلم أن أباه مات مسلما وللنصراني مسلمان أن أباه مات نصرانيا صلى عليه فمن أبطل البينة التي لا تكون إلا بأن يكذب بعضهم بعضا جعل الميراث للنصراني ومن رأى الإقراع أقرع فمن خرجت قرعته كان الميراث له ومن رأى أن يقسم إذا تكافأت بينتاهما جعله بينهما وإنما صلى عليه بالإشكال كما يصلى عليه لو اختلط بمسلمين موتى قال المزني: أشبه بالحق عندي أنه إن كان أصل دينه النصرانية فاللذان شهدا بالإسلام أولى لأنهما علما إيمانا حدث

 

ص -413-     خفي على الآخرين وإن لم يدر ما أصل دينه والميراث في أيديهما فبينهما نصفان وقد قال الشافعي: لو رمى أحدهما طائرا ثم رماه الثاني فلم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين قال المزني: وهذا وذاك عندي في القياس سواء قال الشافعي رحمه الله: ولوكانت دار في يدي رجل والمسألة على حالها فادعاها كل واحد من هذين المدعيين أنه ورثها من أبيه فمن أبطل البينة تركها في يدي صاحبها ومن رأى الإقراع بينهما أو يجعلها بينهما معا ويدخل عليه شناعة وأجاب بهذا الجواب فيما يمكن فيه البينتان أن تكونا صداقتين في مواضع قال المزني رحمه الله: وسمعته يقول في مثل هذا: لو قسمته بينهما كنت لم أفض لواحد منهما بدعواه ولا ببينته وكنت على يقين خطأ بنقص من هو له عن كمال حقه أو بإعطاء الأخر ما ليس له قال المزني: وقد أبطل الشافعي القرعة في امرأتين مطلقة وزوجة وأوقف الميراث حتق يصطلحا وأبطل في ابني أمته اللذين أقر أن أحدهما ابنه القرعة في النسب والميراث فلا يشبه قوله في مثل هذا القرعة وقد قطع في كتاب الدعوى على كتاب أبي حنيفة في امرأة أقامت البينة أنه أصدقها هذه وقبضتها وأقام رجل البينة أنه اشتراها منه ونقده الثمن وقبضها قال: أبطل البينتين لا يجوز إلا هذا أو القرعة قال المزني رحمه الله: هذا لفظه وقد بينا أن القرعة لا تشبه قوله في الأموال قال المزني رحمه الله: وقد قال الحكم في الثوب لا ينسج إلا مرة والثوب الخز ينسج مرتين سواء قال الشافعي رحمه الله: ولو كانت دار في يدي أخوين مسلمين فأقرا أن أباهما هلك وتركها ميراثا فقال أحدهما: كنت مسلط وكان أبي مسلما وقال الآخر: أسلمت قبل موت أبي فهي للذي اجتمعا على إسلامه والأخر مقر بالكفر مدع الإسلام ولو قالت امرأة الميت وهي مسلمة: زوجي مسلم وقال ولده وهم كفار: بل كافر وقال أخو الزوج وهو مسلم: بل مسلم فإن لم يعرف فالميراث موقوف حتى يعرف إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه ولوأقام رجل بينة أن أباه هلك وترك هذه الدار ميراثا له ولأخيه أحرجتها من يدي من هي في يديه وأعطيته منها نصيبه وأخرجت نصيب الغائب وأكرى له حتى يحضر فإن لم يعرف عددهم وقف ماله وتلوم به ويسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد فإذا بلغ الغاية التي لو كان له فيها ولد لعرفه وادعى الابن أن لا وارث له غيره أعطاه المال بالضمين وحكي أنه لم يقض له إلا أنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث غيره آخذ الضمناء بحقه ولوكان مكان الابن أو معه زوجة ولا يعلمونه فارقها أعطيتها ربع الثمن لأن ميراثها محدود للأكثر والأقل الثمن وربع الثمن وميراث الابن غير محدود وإذا ماتت زوجته وابنه منها فقال أخوها: مات ابنها ثم ماتت فلي ميراثي مع زوجها وقال زوجها: بل ماتت فأحرز أنا وابني المال ثم مات ابني فالمال لي فالقول قول الأخ لأنه وارث لأخته وعلى الذي يدعي أنه محجوب البينة وعلى الأخ فيما يدعي أن أخته ورثت ابنها البينة ولو أقام البينة أنه ورث هذه الأمة من أبيه وأقامت امرأة البينة أن أباه أصدقها إياه فهي للمرأة كما يبيعها ولوم يعلم شهود الميراث.

 

ص -414-     باب الدعوى في وقت قبل وقت.
قال الشافعي وإذا كان العبد في يد رجل فأقام رجل بينة أنه له منذ سنين وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي في يديه ولم أنظر إلى قديم الملك وحديثه قال المزني: أشبه بقوله أن يجعل الملك للأقدم أولى كما جعل ملك النتاج أولى وقد يمكن أن يكون صاحب النتاج قد أخرجه من ملكه كما أمكن أن يكون صاحب الملك الأقدم أخرجه من ملكه.

باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا أقام أحدهما البينة أنه اشترى هذه الدار منه بمائة درهم ونقده الثمن وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن بلا وقت فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ويرجع بالنصف وإن شاء ردها وقال في موضع آخر: إن القول قول البائع في البيع قال المزني: هذا أشبه بالحق عندي لأن البينتين قد تكافأتا وللمقر له بالدار سبب ليس لصاحبه كما يدعيانها جميعا ببينة وهي في يد أحدهما فتكون لمن هي في يديه لقوة سببه عنده على سبب صاحبه قال المزني رحمه الله: وقد قال لوأقام كل واحد منهما البينة على دابة أنه نتجها أبطلتهما وقبلت قول الذي هي في يديه قال الشافعي رحمه الله: ولو أقام بينة أنه اشترى هذا الثوب من فلان وهو ملكه بثمن مسمى ونقده وأقام الآخر البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى ونقده فإنه يحكم به للذي هوفي يديه لفضل كينونته قال المزني: وهذا يدل على ما قلت من قوله قال الشافعي رحمه الله: ولو كان الثوب في يدي رجل وأقام كل واحد منهما البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم فإنه يقضي به بين المدعيين نصفين ويقضي لكل واحد منهما عليه بنصف الثمن قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بجميع الثمن لأنه قد يشتريه من أحدهما ويقبضه ثم يملكه الآخر ويشتريه منه وبقبضه فيكون عليه ثمنان وقد قال أيضا: لو شهد شهود كل واحد على إقرار المشتري أنه اشتراه أو أقر بالشراء قضى عليه بالثمنين قال المزني: سواء إذا شهدوا أنه اشترى أو أقر بالشراء قال الشافعي رحمه الله: ولو أقام رجل بينة أنه اشترى منه هذا العبد الذي في يديه بألف درهم وأقام العبد البينة أنه سيده الذي هو في يديه أعتقه ولم يوقت الشهود فإني أبطل البينتين لأنهما تضادتا وأحلفه ما باعه وأحلفه ما أعتقه قال المزني: قد أبطل البينتين فيما يمكن أن تكونا فيه صادقتين فالقياس عندي أن العبد في يدي نفسه بالحرية كمشترقبض من البائع فهو أن أحق لقوة السبب كما إذا أقاما بينة والشيء في يدي أحدهما كان أولى به لقوة السبب وهذا أشبه بقوله قال الشافعي ولا أقبل البينة أن هذه الجارية بنت أمته حتى يقولوا ولدتها في ملكه ولو شهدوا أن هذا الغزل من قطن فلان جعلته لفلان وإذا كان في يديه صبي صغيريقول هو عبدي فهوكالثوب إذا كان لا

 

ص -415-     يتكلم فإن أقام رجل بينة أنه ابنه جعلته ابنه وهو في يدي الذي هو في يديه وإذا كانت الدار في يدي رجل لا يدعيها فأقام رجل البينة أن نصفها له وآخر البينة أن جميعها له فلصاحب الجميع النصف وأبطل دعواهما فلا حق لهما ولا قرعة وقد مضى ما هوأولى به في هذا المعنى قال: وإذا كانت الدار في يدي ثلاثة فادعى أحدهم النصف والاخر الثلث وآخر السدس وجحد بعضهم بعضا فهي لهم على ما في أيديهم ثلثا ثلثا1 قال الشافعي رحمه الله: فإذا كانت في يدي اثنين فأقام أحدهما بينة على الثلث والاخر على الكل جعلت للأول الثلث لأنه أقل مما في يديه وما بقي للاخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله ثلثا ثلثا كذا في الأصل مضببا عليه وليتأمل اهـ كتبه مصححه.

باب في القافة ودعوي الولد من كتاب الدعوى والبينات ومن كتاب نكاح قديم.
قال الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة "عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف السرور في وجهه فقال: ألم تري أن مجززا المدجلي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض"2 قال الشافعي فلولم يكن في القافة إلا هذا انبغى أن يكون فيه دلالة أنه علم ولو لم يكن علما لقال له لا تقل هذا لأنك إن أصبت في شيء لم آمن عليك أن تخطىء في غيره وفي خطئك قذف محصنة أو نفي نسب وما أقره إلا أنه رضيه ورآه علما ولا يسر إلا بالحق صلى الله عليه وسلم ودعا عمررحمه الله قائفا في رجلين ادعيا ولدا فقال: لقد اشتركا فيه فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت3 وشك أنس في ابن له فدعا له القافة قال الشافعي رحمه الله: وأخبرني عدد من أهل العلم من المدينة ومكة أنهم أدركوا الحكام يفتون بقول القافة4 قال الشافعي رحمه الله: ولم يجز الله جل ثناؤه نسب أحد قط إلا إلى أب واحد ولا رسوله عليه السلام قال: ولو ادعى حر وعبد مسلمان وذمي مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين واحد منهم كالتداعي فيما سواه فيراه القافة فإن ألحقوه بواحد فهو ابنه وإن ألحقوه بأكثر لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فيكون ابنه وتنقطع عنه دعوى غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 6/345.
3 انظر الأم 6/346.
4 انظر الأم 6/346.

باب جواب الشافعي محمد بن الحسن في الولد يدعيه عدة رجال.
قال الشافعي قلت لمحمد بن الحسن: زعمت أن أبا يوسف قال إن ادعاه اثنان فهو ابنهما بالأثر فإن ادعاه ثلاث فهو ابنهم بالقياس وإن ادعاه أربعة لم يكن ابن واحد منهم قال: هذا خطأ من قوله قلت: فإذا زعمت أنهم يشتركون في نسبه ولوكانوا مائة كما

 

ص -416-     يشتركون في المال لومات أحد الشركاء في المال أيملك الحي إلا ماكان يملكه قبل موت صاحبه قال: لا قلت: فقد زعمت إن مات واحد منهم ورثه ميراث ابن تام وانقطعت أبوته فإن مات ورثه كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب فهل رأيت أبا قط إلى مدة قلت: أو رأيت إذا قطعت أبوته من الميت أيتزوج بناته وهن اليوم أجنبيات وهن بالأمس له أخوات قال: إنه لا يدخل هذا قلت: وأكثر قال: كيف كان يلزمنا أن نورثه قلت: نورثه في قولك من أحدهم سهما من مائة سهم من ميراث ابن كما نورث كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب قال المزني: رحمه الله: ليس هذا بلازم لهم في قولهم لأن جميع كل أب أو بعض الابن وليس بعض الابن ابنا لبعض الأب دون جميعه كما لو ملكوا عبدا كان جميعا كل سيد منهم مالكا لبعض العبد وليس بعض العبد ملكا لبعض السيد دون جميعه فتفهم كذلك تجده إن شاء الله.

باب دعوى الأعاجم ولادة الشرك والطفل يسلم أحد أبويه.
قال الشافعي وإذا ادعى الأعاجم ولادة بالشرك فإن جاؤونا مسلمين لا ولاء في واحد منهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا غيرهم من أهل الجاهلية وإن كانوا مسبيين عليهم رق أو أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم يقبل إلا ببينة على ولادة معروفة قبل السبي وهكذا أهل حصن ومن يحمل إلينا منهم وإذا أسلم أحد أبوي الطفل أو المعتوه كان مسلط لأن الله عز وجل أعلى الإسلام على الأديان والأعلى أولى أن يكون الحكم له مع أنه روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معنى قولنا و يروى عن الحسن وغيره.

باب متاع البيت يختلف فيه الزوجان من كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي.
قال الشافعي وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعد ما تفرقا كان البيت لهما أو لأحدهما أو يموتان أو أحدهما فيختلف في ذلك ورثتهما فمن أقام بينة على شيء فهو له لان لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الإجماع أن هذا المتاع بأيديهما جميعا فهو بينهما نصفين وقد يملك الرجل متاع المرأة وتملك المرأة متاع الرجل ولو استعملت الظنون عليهما لحكمت في عطار ودباغ يتنازعان عطرا ودباغا في أيديهما بأن أجعل للعطار العطر وللدباغ الدباغ ولحكمت فيما يتنازع فيه معسر وموسر من لؤلؤ بأن أجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون.

باب أخذ الرجل حقه ممن يمنعه إياه.
قال الشافعي وكانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكت إليه أن تأخذ من ماله ما يكمها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له الحق على الرجل فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله فإن لم يكن له مثل كانت قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد له مالا

 

ص -417-     باع عرضه واستوفى من ثمنه حقه فإن قيل فقد "روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أد إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"1 قيل: إنه ليس بثابت ولو كان ثابتا لم تكن الخيانة ما أذن بأخذه صلى الله عليه وسلم وإنما الخيانة أن آخذ له درهما بعد استيفائه درهمي فأخونه بدرهم كما خانني في درهمي فليس لي أن أخونه بأخذ ما ليس لي وإن خانني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث سمرة أخرجه الترمذي 1264 وأبو داود 3535.

باب عتق الشرك في الصحة والمرض والوصايا في العتق.
قال الشافعي من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق وهكذا روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم2 قال الشافعي ويحتمل قوله في عتق الموسر وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد معنيين أحدهما: أنه يعتق بالقول وبدفع القيمة والآخر: أن يعتق بقول الموسر ولو أعسر كان العبد حرا واتبع بما ضمن وهذا قول يصح فيه القياس قال المزني: وبالقول الأول قال في كتاب الوصايا في العتق وقال في كتاب اختلاف الأحاديث: يعتق يوم تكلم بالعتق وهكذا قال في كتاب اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة وقال أيضا: فإن مات المعتق أخذ بما لزمه من أرش المال لا يمنعه الموت حقا لزمه كما لو جنى جناية والعبد حر في شهادته وحدوده وميراثه وجناياته قبل القيمة ودفعها قال المزني: وقد قطع بأن هذا المعنى أصح قال المزني: وقطعه به في أربعة مواضع أولى به من أحد قولين لم يقطع به وهو القياس على أصله في القرعة أن العتق يوم تكلم بالعتق حتى أقرع بين الأحياء والموتى فهذا أولى بقوله قال المزني رحمه الله: قد قال الشافعي لو أعتق الثاني كان عتقه باطلا وفي ذلك دليل لو كان ملكه بحاله لو عتق بإعتاقه إياه وقوله في الأمة بينهما أنه إن أحبلها صارت أم ولد له إن كان موسرا كالعتق وأن شريكه إن وطئها قبل أخذ القيمة كان مهرها عليه تاما وفي ذلك قضاء لما قلنا ودليل آخر لما كان الثمن في إجماعهم ثمنين أحدهما في بيع عن تراض يجوز فيه التغابن والآخر قيمة متلف لا يجوز فيه التغابن وإنما هي على التعديل والتقسيط فلما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على المعتق الموسر بالقيمة دل على أنها قيمة متلف على شريكه يوم أتلفه فهذا كله قضاء لأحد قوليه على الآخر وبالله التوفيق قال الشافعي رحمه الله: ولو قال أحدهما لصاحبه وصاحبه موسر أعتقت نصيبك وأنكر الآخر عتق نصيب المدعي ووقف ولاؤه لأنه زعم أنه حر كله وادعى قيمة نصيبه علق شريكه فإن ادعى شريكه مثل ذلك عتق العبد وكان له ولاؤه قال: وفيها قول آخر إذا لم يعتق نصيب الأول لم يعتق نصيب الآخر لأنه إنما يعتق بالأول قال المزني: قد قطع بجوابه الأول أن صاحبه زعم أنه حر كله وقد عتق نصيب المقر بإقراره قبل أخذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 8/5, 6.

 

ص -418-     قيمته فتفهم ولا خلاف أن من أقر بشيء يضره لزمه ومن ادعى حقا لم يجب له وهذا مقرللعبد بعتق نصيبه فيلزمه ومدع على شريكه بقيمته لا تجب له ومن قوله: وجميع من عرفت من العلماء أن لوقال لشريكه بعتك نصيبي بثمن وسلمته إليك وأنت موسر وإنك قبضته وأعتقته وأنكر شريكه أنه مقر بالعتق لنصيبه نافذ عليه مدع الثمن لا يجب له فهذا وذاك عندي في القياس سواء وهذا يقضي لأحد قوليه على الآخر قال المزني: وقد قال الشافعي لو قال أحدهما لصاحبه: إذا أعتقته فهو حر فأعتقه كان حرا في مال المعتق وسواء كان بين مسلمين أو كافرين أو مسلم وكافر قال المزني: وقد قطع بعتقه قبل دفع قيمته ودليل آخر من قوله أنه جعل قيسته يوم تكلم بعتقه فدل أنه في ذلك الوقت حر قبل دفع قيمته قال الشافعي وإذا أدى الموسر قيمته كان له ولاؤه وإن كان معسرا عتق نصيبه وإن كان شريكه على ملكه يخدمه يوما ويترك لنفسه يوما فما اكتسب لنفسه فهو له وإن مات وله وارث ورثه بقدر ولائه فإن مات له مورث لم يرث منه شيئا قال المزني: القياس أن يرث من حيث يورث وقد قال الشافعي: إن الناس يرثون من حيث يورثون وهذا وذاك في القياس سواء قال الشافعي فإن قال قائل: لا تكون نفس واحدة بعضها عبدا وبعضها حرا كما لا تكون امرأة بعضها طالقا وبعضها غيرطالق قيل له: أتتزوج بعض امرأة كما تشتري بعض عبد أو تكاتب المرأة كما يكاتب العبد أو يهب امرأته كما يهب عبده فيكون الموهوب له مكانه؟ قال: لا قيل: فما أعلم شيئا أبعد من العبد مما قسته عليه قال الشافعي ولو أعتق شريكان لأحدهما النصف وللآخر السدس معا أو وكلا رجلا فأعتق عنهما معا كان عليهما قيمة الباقي لشريكيهما سواء لا أنظر إلى كثير الملك ولا قليلة قال المزني: هذا يقضي لأحد قوليه في الشفعة أن من له كثير ملك وقليله في الشفعة سواء قال الشافعي وإذا اختلفا في قيمة العبد ففيها قولان أحدهما: أن القول قول المعتق والثاني: أن القول قول رب النصيب لا يخرج ملكه منه إلا بما يرضى قال المزني: قد قطع الشافعي في موضع آخر بأن القول قول الغارم وهذا أولى بقوله وأقيس على أصله على ما شرحت من أحد قوليه لأنه يقول في قيمة ما أتلف: أن القول قول الغارم ولأن السيد مدع للزيادة فعليه البينة والغارم منكر فعليه اليمين قال: ولو قال هو خباز وقال الغارم ليس كذلك فالقول قول الغارم ولو قال: هو سارق أوآبق وقال الذي له الغرم ليس كذلك فالقول قوله مع يمينه وهوعلى البراءة من العيب حتى يعلم قال المزني: قد قال في الغاصب إن القول قوله أن به داء أو غائلة والقياس على قوله في الحريجني على يده فيقول الجاني هي شلاء أن القول قول الغارم.
قال الشافعي وإذا أعتق شركا لى في مرضه الذي ممات فيه عتقا بتاتا ثم مات كان في ثلثه كالصحيح في كل ماله ولوأوصى بعتق نصيب من عبد بعينه لم يعتق بعد الموت منه إلا ما أوصى به.

 

ص -419-     باب في عتق العبيد لا يخرجون من الثلث.
قال الشافعي ولوأعتق رجل ستة مملوكين له عند الموت لا مال له غيرهم جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما أقرع النبي صلى الله عليه وسلم في مثلهم وأعتق اثنين ثلث الميت وأرق أربعة للوارث وهكذا كل ما لم يحتمل الثلث أقرع بينهم ولا سعاية لأن في إقراع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وفي قوله إن كان معسرا فقد عتق منه ما عتق إبطالا للسعاية من حديثين ثابتين وحديث سعيد بن أبي عروبة في السعاية ضعيف وخالفه شعبة وهشام جميعا ولم يذكروافيه استسعاء وهما أحفظ منه.

باب كيفية القرعة بين المماليك وغيرهم.
قال الشافعي رحمه الله: أحب القرعة إلي وأبعدها من الحيف عندي أن تقطع رقاع صغار مستوية فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماءهم ثم تجعل في بنادق طين مستوية وتوزن ثم تستجف ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر الكتابة ولا إدخالها في البندق ويغطى عليها ثوب ثم يقال له: أدخل يدك فأخرج بندقة فإذا أخرجها فضت وقرىء اسم صاحبها ودفع إليه الجزء الذي أقرع عليه ثم يقال له: أقرع على الجزء الثاني الذي يليه وهكذا ما بقي من السهمان شيء حتى تنفذ وهذا في الرقيق وغيرهم سواء.

باب الإقراع بين العبيد في العتق والدين والتبدئة بالعتق.
قال الشافعي ويجزأ الرقيق إذا أعتق ثلثهم ثلاثة أجزاء إذا كانت قيمهم سواء ويكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين ثم يقال: أخرج على هذا الجزء بعينه ويرف فإن خرج عليه سهم العتق عتق ورق الجزءان الآخران وإن خرج على الجزء الأول سهم الرق رق ثم قيل: أخرج فإن خرج سهم العتق على الجزء الثاني عتق ورق الثالث وإن خرج سهم الرق عليه عتق الثالث وإن اختلفت قيمهم ضم قليل الثمن الى كثير الثمن حتى يعتدلوا فإن تفاوتت قيمهم فكان قيمة واحد مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة جزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم على القيم فإن كانت قيمة واحد مائتين واثنين خمسين وثلاثة خمسين فإن خرج سهم العتق على الواحد عتق منه نصفه وهو الثلث من جميع المال والآخرون رقيق وإن خرج سهم اثنين عتقا ثم أعيدت القرعة بين الثلاثة والواحد وأيهم خرج سهمه بالعتق عتق منه ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه ومن غيره وإن خرج السهم على الاثنين أو الثلاثة فكانوا لا يخرجون معا جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كذلك حتى يستكمل الثلث ويجزؤون ثلاثة أجزاء أصح عندي من أكثر من ثلاثة وإن كان عليه دين يحيط ببعض رقيقه جزىء الرقيق على قدر الدين ثم جزئوا فأيهم خرج عليه سهم الدين بيعوا ثم أقرع ليعتق ثلثهم بعد الدين وإن ظهرعليه دين بعد ذلك بعت من عتق حتى لا يبقى عليه دين فإن أعتقت ثلثا وأرفقت ثلثين بالقرعة ثم ظهر له مال يخرجون معا من الثلث أعتقت من أرققت ودفعت إليهم ما اكتسبوا بعد عتق المالك إياهم وأي الرقيق أردت قيمته لعتقه فزادت

 

ص -420-     قيمته أو نقصت أو مات فإنما قيمته يوم وقع العتق فإن وقعت القرعة لميت علمنا أنه كان حرا أو لأمة فولدت علمنا أنها حرة وولدها ولد حرة لا أن القرعة أحدثت لأحد منهم عتقا يوم وقعت إنما وجب العتق حين الموت بالقرعة ولو قال في مرضه: سالم حر وغانم حر وزياد حر ثم مات فإنه يبدأ بالأول فالأول ما احتمل الثلث لأنه عتق بتات فأما كل ما كان للموصي أن يرجع فيه من تدبير وغيره فكله سواء قال: ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبده وصية وهو الثلث وشهد وارثان أنه أعتق عبدا غير وصية وهو الثلث أعتق من كل واحد منهما نصفه قال المزني: إذا أجاز الشهادتين فقد ثبت عتق عبدين وهما ثلثا الميت فمعناه أن يقرع بينهما قال الشافعي ولو قال لعشرة أعبد له: أحدكم حر سألنا الورثة فإن قالوا لا نعلم أقرع بينهم وأعتق أحدهم كان أقلهم قيمة أو أكثرهم.

باب من يعتق بالملك وفيه ذكر عتق السائبة ولا ولاء إلا لمعتق.
قال الشافعي رحمه الله: من ملك أحدا من آبائه أو أمهاته أو أجداده أو جداته أو ولده أو ولد بنيه أو بناته عتق عليه بعد ملكه بعد منه الولد أوقرب المولود ولا يعتق عليه سوى من سميت بحال وإن ملك شقصا من أحد منهم بغير ميراث قوم عليه ما بقي إن كان موسرا ورق باقيه إن كان معسرا وإن ورث منه شقصا عتق ولم يقوم عليه وإن وهب لصبي من يعتق عليه أوأوصى له به ولاءملك له وله وصي كان عليه قبول هذه كله ويعتق عليه وإن كان موسرا لم يكن له أن يقبل لأن على الموسر عتق ما بقي وإن قبله فمردود وقال في كتاب الوصايا يعتق ما ملك الصبي ولا يقوم عليه.

باب في الولاء.
قال الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب"1 قال الشافعي وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنما الولاء لمن أعتق"2 دليل أنه لا ولاء إلا لمعتق والذي أسلم النصراني على يديه ليس بمعتق فلا ولاء له ولو أعتق مسلم نصرانيا أو نصراني مسلما فالولاء ثابت لكل واحد منهما على صاحبه ولا يتوارثان لاختلاف الدين ولا يقطع اختلاف الدين الولاء كما لا يقطع النسب قال الله جل ثناؤه: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ}3 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ}4 فلم يقطع النسب باختلاف الدين فكذلك الولاء ومن أعتق سائبة فهو معتق وله الولاء ومن ورث من يعتق عليه أو مات عن أم ولد له فله ولاؤهم وإن لم يعتقهم لأنهم في معنى من أعتق والمعتق السائبة معتق وهوأكثر من هذا في معنى المعتقين فكيف لا يكون له ولاؤه قال: فالمعتق سائبة قد أنفذ الله له العتق لأنه طاعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/162.
2 انظر الأم 4/162.
3 سورة هود: 42.
4 سورة الأنعام: 74.

 

ص -421-     وأبطل الشرط بأن لا ولاء له لأنه معصبة وقال رسول الله عنه: "الولاء لمن أعتق"1 قال الشافعي وإذا أخذ أهل الفرائض فرائضهم ولم يكن لهم عصبة قرابة من قبل الصلب كان ما بقي للمولي المعتق ولو ترك ثلاثة بنين اثنان لأم فهلك أحد الاثنين لأم وترك مالا وموالي فورث أخوه لإبيه وأمه ماله وولاء مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء المولي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرزه وقال أخوه: إنما أحرزت المال وأما ولاء الموالي فلا قال الشافعي الأخ أولى بولاء الموالي وقضى بذلك عثمان بن عفان2 رحمة الله عليه ثم الأقرب فالأقرب من العصبة أولى بميراث الموالي والإخوة للأب والأم أولى من الإخوة للأب وإن كان جد وأخ لأب وأم أو لأب فقد اختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من قال: الأخ أولى وكذلك بنو الأخ وإن سفلوا ومنهم من قال: هما سواء ولا يرث النساء الولاء ولا يرثن إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/162.
2 انظر الأم 4/165 .

مختصر كتابي المدبر من جديد وقديم.
قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة "عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل منا غلاما ليس له مال غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن النحام فقال عمرو: سمعت جابرا يقول: عبد قبطي مات عام أول في إمارة ابن الزبير زاد أبو الزبير يقال له يعقوب"3 قال الشافعي وباعت عائشة مدبرة لها سحرتها4 وقال ابن عمر: المدبر من الثلث5 وقال مجاهد: المدبر وصية يرجع فيه صاحبه6 متى شاء وباع عمر بن عبد العزيز مدبرا في دين صاحبه7 وقال طاوس: يعود الرجل في مدبره8 قال الشافعي فإذا قال الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت عتيق أو محرر أو حر بعد موتي أو متى مت أو متى دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخل فهذا كله تدبيريخرج من الثلث ولا يعتق في مال غائب حتى يحضر ولوقال: ان شئت فأنت حرمتى مت فشاء فهو مدبر ولو قال: إذا مت فشئت فأنت حر أو قال: أنت حر إذا مت إن شئت فسواء قدم المشيئة أو أخرها لا يكون حرا إلا أن يشاء ولو قال شريكان في عبد: متى متنا فأنت حر لم يعتق إلا بموت الآخر منهما ولو قال سيد المدبر: قد رجعت في تدبيرك أو نقضته أوأبطلته لم يكن ذلك نقضا للتدبيرحتى يخرجه من ملكه وقال في موضع آخر: إن قال إن أدى بعد موتي كذا فهوحر أو وهبه هبة بتات قبض أو لم يقبض ورجع فهذا رجوع في التدبير قال المزني: هذا رجوع في التدبير بغير إخراج له من ملكه وذلك كله في الكتاب الجديد وقال في الكتاب القديم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 8/17, 18.
4 انظر الأم 8/20, 21.
5 انظر الأم 8/19.
6 انظر الأم 8/19.
7 انظر الأم 8/19.
8 انظر الأم 8/19.

 

ص -422-     لوقال: قد رجعت في تدبيرك أو في ربعك أو في نصفك كان ما رجع عنه رجوعا في التدبير وما لم يرجع عنه مدبرا بحاله وقال المزني وهذا أشبه بقوله بأصله وأصح لقوله إذا كان المدبر وصية فلم لا يرجع في الوصية ولو جاز له أن يخالف بين ذلك فيبطل الرجوع في المدبرولا يبطله في الوصية لمعنى اختلفا فيه جاز بذلك المعنى أن يبطل بيع المدبر ولا يبطل في الوصية فيصير إلى قول من لا يبيع المدبر ولو جاز أن يجمع بين المدبر والأيمان في هذا الموضع جاز إبطال عتق المدبر لمعنى الحنث لأن الأيمان لا يجب الحنث بها على ميت وقوله في الجديد والقديم بالرجوع فيه كالوصايا معتدل مستقيم لا يدخل عليه منه كبير تعديل قال الشافعي وجناية المدبر كجناية العبد يباع منه بقدر جنايته والباقي مدبر بحاله ولو ارتد المدبر أو لحق بدار الحرب ثم أوجف المسلمون عليه فأخذه سيده فهو على تدبيره ولو أن سيده ارتد فمات كان ماله فيئا والمدبر حرا ولو دبره مرتدا ففيه ثلاثة أقاويل أحدها: أنه يوقف فان رجع فهو على تدبيره وإن قتل فالتدبير باطل وماله فيء لأنا علمنا أن ردته صيرته ماله فيئا والثاني: أن التدبير باطل لأن ماله خارج منه إلا بأن يرجع وهذا أشبه الأقاويل بأن يكون صحيحا فيه أقول والثالث: أن التدبير ماض لأنه لا يملك عليه ماله إلا بموته وقال في كتاب الزكاة إنه موقوف فإن رجع وجبت الزكاة وإن لم يرجع وقتل فلا زكاة وقال في كتاب المكاتب: إنه إن كاتب المرتد عبده قبل أن يوقف ماله فالكتابة جائزة قال المزني: أصحها عندي وأولاها به أنه مالك لماله لا يملك عليه إلا بموته لأنه أجاز كتابة عبده وأجاز أن ينفق من ماله على من يلزم المسلم نفقته فلو كان ماله خارجا منه لخرج المدبر مع سائر ماله ولما كان لولده ولمن يلزمه نفقته حق في مال غيره مع أن ملكه له بإجماع قبل الردة فلا يزول ملكه إلا بإجماع وهوأن يموت ولو قال لعبده: متى قدم فلان فأنت حر فقدم والسيد صحيح أو مريض عتق من رأس المال وجناية المدبر جناية عبد قال: ولا يجوز على التدبير اذا جحد السيد إلا عدلان.

باب وطء المدبرة وحكم ولدها.
قال الشافعي ويطأ السيد مدبرته وما ولدت من غيره ففيهم واحد من قولين كلاهما له مذهب أحدهما: أن ولد كل ذات رحم بمنزلتها فإن رجع في تدبير الأم حاملا كان له ولم يكن رجوعا في تدبير الولد فإن رجع في تدبير الولد لم يكن رجوعا في الأم فإن رجع في تدبيرها ثم ولدت لأقل من ستة أشهرمن يوم رجع فالولد في معنى هذا القول مدبر وإن وضعت لأكثر من ستة أشهر فهو مملوك قال المزني: وهذا أيضا رجوع في التدبير بغير إخراج من ملك فتفهمه قال الشافعي والقول الثاني: أن ولدها مملوكون وذلك أنها أمة أوصى بعتقها لصاحبها فيها الرجوع في عتقها وبيعها وليست الوصية بحرية ثابتة فأولادها مملوكون قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء قال:

 

ص -423-     أولادها مملوكون1 قال المزني: هذا أصح القولين عندي وأشبههما بقود الشافعي لأن التدبير عنده وصية بعتقها كما لو أصى برقبتها لم يدخل في الوصية ولدها قال: ولو قال: إذا دخلت الدار بعد سنة فأنت حرة فدخلت أن ولدها لا يلحقها قال المزني: فكذلك تعتق بالموت وولدها لا يلحقها إلا أن تعتق حاملا فيعتق ولدها بعتقها قال: ولو قالت: ولدته بعد التدبير وقال الوارث: قبل التدبير فالقول قول الوارث لأنه المالك وهي المدعية قال: ولو قال المدبر: أفدت هذا المال بعد العتق وقال الوارث: قبل العتق أن القول قول المدبر والوارث مدع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 8/30.

باب في تدبيرالنصراني.
قال المزني: قال الشافعي ويجوز تدبير النصراني والحربي فإن دخل إلينا بأمان فأراد الرجوع إلى دار الحرب لم نمنعه فإن أسلم المدبر قلنا للحربي: إن رجعت في تدبيرك بعناه عليك وإن لم ترجع خارجناه لك ومنعناك خدمته فإن خرجت دفعناه إلى من وكلته فإذا مت فهو حر وفيه قول آخر أنه يباع قال المزني: يباع أشبه بأصله لأن التدبير وصية فهو في معنى عبد أوصى به لرجل لا يجب له إلا بموت السيد وهو عبد بحاله ولا يجوز تركه إذا أسلم في ملك مشرك يذله وقد صار الإسلام عدوا له.

باب في تدبير الذي يعقل ولم يبلغ.
قال الشافعي من أجاز وصيته أجاز تدبيره ولوليه بيع عبده على النظر وكذلك المحجور عليه قال المزني: القياس عندي في الصبي أن القلم لما رفع عنه ولم تجز هبته ولا عتقه في حياته أن وصيته لا تجوز بعد وفاته وليس كذلك البالغ المحجور عليه لأنه مكلف ويؤجر على الطاعة ويأثم على المعصية.

مختصر المكاتب.
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه:
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}1 قال: ولا يكون الابتغاء من الأطفال ولا المجانين ولا تجوز الكتابة إلا على بالغ عاقل قال: وأظهر معاني الخير في العبد بدلالة الكتابة الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمتنع من كتابته إذا كان هكذا وما جاز بين المسلمين في البيع والإجارة جاز في الكتابة وما رد فيهما رد في الكتابة ولا تجوز على أقل من نجمين فإن كاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والعين إلى عشر سنين أولها كذا وآخرها كذا يؤدي في انقضاء كل سنة منها كذا فجائز ولا يعتق حتى يقول في الكتابة: فإذا أديت كذا فأنت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور: 33.

مختصر المكاتب.
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه:
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}1 قال: ولا يكون الابتغاء من الأطفال ولا المجانين ولا تجوز الكتابة إلا على بالغ عاقل قال: وأظهر معاني الخير في العبد بدلالة الكتابة الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمتنع من كتابته إذا كان هكذا وما جاز بين المسلمين في البيع والإجارة جاز في الكتابة وما رد فيهما رد في الكتابة ولا تجوز على أقل من نجمين فإن كاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والعين إلى عشر سنين أولها كذا وآخرها كذا يؤدي في انقضاء كل سنة منها كذا فجائز ولا يعتق حتى يقول في الكتابة: فإذا أديت كذا فأنت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور: 33.

 

ص -424-     حر أو يقول بعد ذلك: إن قولي كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر كما لا يكون الطلاق إلا بصريح أو ما يشبهه مع النية ولا تجوز على العرض حتى يكون موصوفا كالسلم ولا بأس أن يكاتبه على خدمة شهر ودينار بعد الشهر وإن كاتبه على أن يخدمه بعد الشهر لم يجز لأنه قد يحدث ما يمنعه من العمل بعد الشهر وليس بمضمون يكلف أن يأتي بمثله فإن كاتبه على ان باعه شيئا لم يجز لأن البيع يلزم بكل حال والكتابة لا تلزم متى شاء تركها ولوكاتبه على مائة دينار يؤديها إليه في عشر سنين كان النجم مجهولا لا يدري أفي أولها أو آخرها قال المزني: وكذا يؤدي إليه في كل سنة عشرة مجهول لأنه لا يدري أفي أول كل سنة أو آخرها حتى يقول في انقضاء كل سنة عشرة فتكون النجوم معلومة قال الشافعي ولو كاتب ثلاثة كتابة واحدة على مائة منجمة على أنهم إذا أدوا عتقوا كانت جائزة والمائة مقسومة على قيمتهم يوم كوتبوا فأيهم أدى حصته عتق وأيهم عجز رق وأيهم مات قبل أن يؤدي مات رقيقصا كان له ولد أو لم يكن ولو أدوا فقال من قلت قيمته: أدينا على العدد وقال الاخرون: على القيم فهو على العدد أثلاثا ولو أدى أحدهم عن غيره كان له الرجوع فإن تطوع فعتقوا لم يكن له الرجوع فإن أدى بإذنهم رجع عليهم ولا يجوزأن يتحمل بعضهم عن بعض الكتابة فإن اشترط ذلك عليهم فالكتابة فاسدة ولو كاتب عبدا كتابة فاسدة فأدى عتق ورجع السيد عليه بقيمته يوم عتق ورجع على السيد بما دفع فأيهما كان له الفضل رجع به فإن أبطل السيد الكتابة وأشهد على إبطالها أو أبطلها الحاكم ثم أداها العبد لم يعتق والفرق بين هذا وقوله: إن دخلت الدار فأنت حر أن اليمين لا بيع فيها بحال بينه وبينه والكتابة كالبيع الفاسد إذا فات رد قيمته وإن أدى الفاسدة إلى الوارث لم يعتق لأنه ليس القائل إن أديتها فأنت حر ولو لم يمت السيد ولكنه حجر عليه أو غلب على عقله فتأداها منه لم يعتق ولوكان العبد مخبولا عتق بأداء الكتابة ولا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء ولوكانت كتابة صحيحة فمات السيد وله وارثان فقال أحدهما: إن أباه كاتبه وأنكر الآخر وحلف ما علم أن أباه كاتبه كان نصفه مكاتي ونصفه مملوكا يخدم يوما ويخلى يوما ويتأدى منه المقر نصف كل نجم لا يرجع به أخوه عليه وإن عتق لم يقوم عليه لأنه إنما أقرأنه عتق بشيء فعله أبوه وإن عجز رجع رقيقا بينهما ولو ورثا مكاتبا فأعتق أحدهما نصيبه فهو بريء من نصيبه من الكتابة فإن أدى إلى أخيه نصيبه عتق وكان الولاء للأب وإن عجز قوم عليه وعتق إن كان موسرا وولاؤه له لان كان معسرا فنصفه حر ونصفه رقيق لأخيه وقال في موضع آخر: يعتق نصفه عجز أو لم يعجز وولاؤه للأب لأنه الذي عقد كتابته قال الشافعي والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم وإن مات وله مال حاضر وولد مات عبدا ولا يعتق بعد الموت وإن جاءه بالنجم فقال السيد هو حرام أجبرت السيد على أخذه أو يبرئه منه وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده ولا يتسرى بحال فإن ولدت منه أمته بعد عتقه بستة أشهركانت في حكم أم ولده وإن وضعت لأقل فلا تكون أم ولد إلا بوطء بعد العتق وله بيعها قال: ويجبر السيد.

 

ص -425-     على أن يضع من كتابته شيئا لقوله عزوجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}1 وهذا عندي مثل قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} واحتج بابن عمر أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف أحسبه قال من آخر نجومه ولو مات السيد وقد قبض جميع الكتابة خاص المكاتب بالذي له أهل الدين والوصايا قال المزني: يلزمه أن يقدمه على الوصايا على أصل قوله قال الشافعي وليس لولي اليتيم أن يكاتب عبده بحال لأنه لا نظر في ذلك ولو اختلف السيد والمكاتب تحالفا وترادا ولو مات العبد فقال سيده: قد أدى إلى كتابته وجر إلى ولاء ولده من حرة وأنكر موالي الحرة فالقول قول موالي الحرة قال ولو قال: قد استوفيت مالي على أحد مكاتبي أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق والآخر على نجومه والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإن مات وعنده وفاء فهووماله لسيده وكيف يموت عبدا ثم يصير بالأداء بعد الموت حرا وإذا كان لا يعتق في حياته إلا بعد الأداء فكيف يصح عتقه إذا مات قبل الأداء قال: ولو أدى كتابته فعتق وكانت عرضا فأصاب به السيد عيبا رده ورد العتق قال: ولو فات المعيب قيل له: إن جئت بنقصان العيب وإلا فلسيدك تعجيزك كما لو دفعت دنانير نقصا لم تعتق إلا بدفع نقصان دنانيرك ولو ادعى أنه دفع أنظر يوما وأكثره ثلاث فإن جاء بشاهد حلف وبرىء ولو عجز أو مات وعليه ديون بدىء بها على السيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور: 33.

كتابة بعض عبد والشريكان في العبد يكاتبانه أو أحدهما.
قال الشافعي لا يجوز أن يكاتب بعض عبد إلا أن يكون باقيه حرا ولا بعضا من عبد بينه وبين شريكه وإن كان بإذن الشريك لأن المكاتب لا يمنع من السفر والاكتساب ولا يجوز أن يكاتباه معا حتى يكونا فيه سواء وقال في كتاب الإملاء على محمد بن الحسن: وإذا أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتبه فالكتابة جائزة وللذي لم يكاتبه أن يختدمه يوما ويخلي والكسب يوما فإن أبرأه مما عليه كان نصيبه حرا وقوم عليه الباقي وعتق إن كان موسرا ورق ان كان معسرا قال المزني: الأول بقوله أولى لأنه زعم لوكانت كتابتهما فيه سواء فعجزه أحدهما فأنظره الآخر فسخت الكتابة بعد ثبوتها حتى يجتمعا على الإقامة عليها فالابتداء بذلك أولى قال المزني: ولا يخلومن أن تكون كتابة نصيبه جائزة كبيعه إياه فلا معنى لإذن شريكه أو لا تجوز فلم جوزه بإذن من لا يملكه قال الشافعي ولوكاتباه جميعا بما يجوز فقال: دفعت إليكما مكاتبتي وهي ألف فصدقه أحدهما وكذبه الآخر رجع المنكر على شريكه بنصف ما أقر بقبضه ولم يرجع الشريك على العبد بشيء ويعتق نصيب المقر فإن أدى إلى المنكر تمام حقه عتق وإن عجز رق نصفه والنصف الآخر حر ولو أذن أحدهما لشريكه أن يقبض نصيبه فقبضه ثم عجز ففيها قولان.

 

ص -426-     أحدهما: يعتق نصيبه منه ولا يرجع شريكه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا وإن كان معسرا فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق لأنه يأخذه بما بقي له من الكتابة فإن كان فيه وفاء عتق وإلا عجز بالباقي وإن مات بعد العجز فما في يديه بينهما نصفان يرث أحدهما بقدر الحرية والآخر بقدر العبودية والقول الثاني: لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع عليه فيشركه فيما قبضه لأنه أذن له به وهو لا يملكه قال المزني: هذا أشبه بقوله أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وما في يديه موقوف ما بقي عليه درهم فليس معناه فيما أذن له بقبضه إلا بمعنى: اسبقني بقبض النصف حتى أستوفي مثله فليس يستحق بالسبق ما ليس له كأنه وزن لأحدهما قبل الآخر قال في كتاب الإملاء على كتاب مالك: إن ذلك جائز ويعتق نصيبه والباقي على كتابته فإن أدى فالولاء بينها وإن عجز قوم على المعتق إن كان موسرا ورق إن كان معسرا قال المزني: قد قال: ولو أعتقه أحدهما قوم عليه الباقي إن كان موسرا وعتق كله وإلا كان الباقي مكاتبا وكذلك لو أبرأه كان كعتقه إياه قال المزني: فهذا أشبه بقوله وأولى بأصله وبالله التوفيق قال الشافعي ولو مات سيد المكاتب فأبرأه بعض الورثة من حصته عتق نصيبه عجز أو لم يعجز وولاؤه للذي كاتبه ولا أقوم عليه والولاء لغيره وأعتقه عليه بسبب رقه فيه لأنه لولم يكن له فيه رق فعجزلم يكن له وقال في موضع آخرففيها قولان: أحدهما هذا والآخر: يقوم عليه إذا عجز وكان له ولاؤه كله لأن الكتابة الأولى بطلت وأعتق هذا ملكه قال المزني رحمه الله: الأول بمعناه أشبه بأصله إذ زعم أنه إذا أبرأه من قدر حقه من دراهم الكتابة عتق نصيبه بمعنى عقد الأب لم يجز أن يزيل ما ثبت وإذ زعم أنه إن عجز فيه فقد بطلت الكتابة الأولى فينبغي أن يبطل عتق النصيب بالإبراء من قدر النصيب لأن الأب لم يعتقه إلا بأداء الجميع فكأن الأب أبرأه من جميع الكتابة ولا عتق بإبرائه من بعض الكتابة.

باب في ولد المكاتبة.
قال الشافعي رحمه الله: ولد المكاتبة موقوف فإذا أدت فعتقت عتقوا وإن عجزت أو ماتت قبل الأداء رقوا فإن جنى على ولدها فيها قولان أحدهما: أن للسيد قيمته وما كان له لأن المرأة لا تملك ولدها ويؤخذ السيد بنفقته وإن اكتسب أنفق عليه منه ووقف الباقي ولم يكن للسيد أخذه فإن مات قبل عتق أمه كان لسيده وإن عتق بعتقها كان ماله له وإن أعتقه السيد جاز عتقه وإن أعتق ابن المكاتب من أمته لم يجز عتقه وإنما فرقت بينهما لأن المكاتبة لا تملك ولدها وإنما حكمه حكمها والمكاتب يملك ولده من أمته لو كان يجري عليه رق والقول الثاني: أن أمهم أحق بما ملكوا تستعين به لأنهم يعتقون بعتقها والأول أشبههما قال المزني: الآخر أشبههما بقوله إذا كانوا يعتقون بعتقها فهم أولى بحكمها ومما يثبت ذلك أيضا قوله: لووطىء ابنة مكاتبته أو أمها كان عليه مهر مثلها وهذا يقضي لما وصفت من معنى ولدها قال الشافعي وهو ممنوع من

 

ص -427-     وطء مكاتبته فإن وطئها طائعة فلا حد ويعزران وإن أكرهها فلها مهر مثلها قال المزني: ويعزر في قياس قوله قال الشافعي وإن اختلفا في ولدها فقالت: ولدت بعد الكتابة وقال السيد: بل قبل فالقول قوله مع يمينه وإن اختلفا في ولد المكاتب من أمته فالقول قول المكاتب.

باب المكاتبة بين اثنين يطؤها أحدهما أو كلاهما.
قال الشافعي واذا وطئها أحدهما فلم تحبل فلها مهر مثلها يدفع إليها فإن عجزت قبل دفعه كان للذي لم يطأها نصفه من شريكه فإن حبلت ولم تدع الاستبراء فاختارت العجز أو مات الواطىء فإن للذي لم يطأ نصف المهر ونصف قيمتها على الواطىء قال المزني: وينبغي أن تكون حرة بموته قال الشافعي وإن وطئاها فعلى كل واحد منهما مهر مثلها فإن عجزت تقاصا المهرين فإن كانت حبلت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولم يستبرئها الأول فهو ولده وعليه نصف قيمتها ونصف مهرها وفي نصف قيمة ولدها قولان: أحدهما: يغرمه والآخر: لا غرم عليه لأن العتق وجب به قال المزني: القياس على مذهبه أن ليس عليه إلا نصف قيمتها دون نصف قيمة الولد لأنها بالحبل صارت أم ولد قال الشافعي في الواطىء الآخر قولان: أحدهما: يغرم نصف مهرها لأنها لا تكون أم ولد للحمل إلا بعد أداء نصف القيمة والآخر: جميع مهر مثلها قال المزني: هذا أصح لأنه وطىء أم ولد لصاحبه قال الشافعي ولو جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وطء الآخر منهما كلاهما يدعيه أو أحدهما ولا تدعي استبراء فهي أم ولد أحدهما فإن عجزت أخذ بنفقتها وأري القافة فبأيهما ألحقوه لحق فإن ألحقوه بهما لم يكن ابن واحد منهما حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وتنقطع عنه أبوة الآخروعليه للذي انقطعت أبوته نصف قيمتها إن كان موسرا وكانت أم ولد له وإن كان معسرا فنصفها لشريكه بحاله والصداقان ساقطان عنهما ولو جاءت من كل واحد منهما بولد يدعيه ولم يدعه صاحبه فإن كان الأول موسرا أدى نصف قيمتها وهي أم ولد له وعليه نصف مهرها لشريكه والقول في نصف ولدها كما وصفت ويلحق الولد الآخر بالواطىء الأخر وعليه مهرها كله وقيمة الولد يوم سقط تكون قصاصا من نصف قيمة الجارية وإنما لحق ولدها به بالشبهة قال المزني: وقد قضى قوله في هذه المسألة بما قلت لأنه لو لم تكن للأول أم ولد إلا بعد أداء نصف القيمة لما كان على المحبل الثاني جميع مهرها ولا قيمة ولده منها فتفهم ذلك قال الشافعي ولو ادعى كل واحد منهما أن ولده ولد قبل ولد صاحبه ألحق بهما الولدان ووقفت أم الولد وأخذا بنفقتها وإذا مات واحد منهما عتق نصيبه وأخذ الآخر بنفقة نصيب نفسه فإذا مات عتقت وولاؤها موقوف إذا كانا موسرين أو أحدهما معسر والآخر وسر فولاؤها موقوف بكل حال.

 

ص -428-     باب تعجيل الكتابة.
قال الشافعي ويجبر السيد على قبول النجم إذا عجله له المكاتب واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب رحمة الله عليه قال الشافعي وإذا كانت دنانير أو دراهم أو ما لا يتغير على طول المكث مثل الحديد والنحاس1 وما أشبه ذلك فأما ما يتغير على طول المكث أو كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله إلا في موضعه فإن كان في طريق بخرابة أو في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله قال: ولو عجل له بعض الكتاب على أن يبرئه من الباقي لم يجز ورد عليه ما أخذ ولم يعتق لأنه أبرأه مما لم يبرأ منه فإن أحب أن يصح هذا فليرض المكاتب بالعجز ويرض السيد بشيء يأخذه منه على أن يعتقه فيجوز قال المزني: عندي أن يضع عنه على أن يتعجل وأجازه في الدين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "وما أشبه ذبك فأما الخ" سقط من هذا الموضع جواب إذا وتقديره "كان السيد قبولها فأما الخ" وانظر عبارة الأم في باب تعجيل الكتابة اهـ مصححه.

بيع المكاتب وشراؤه وبيع كتابته وبيع رقبته وجوابات فيه.
قال الشافعي وبيع المكاتب وشراؤه والشفعة له وعليه فيما بينه وبين سيده والأجنبي سواء إلا أن المكاتب ممنوع من استهلاك ماله وأن يبيع بما لا يتغابن الناس بمثله ولا يهب إلا بإذن سيده ولا يكفر في شيء من الكفارات إلا بالصوم وإن باع فلم يفترقا حتى مات المكاتب وجب البيع وقال في كتاب البيوع: إذا مات أحد المتبايعين قام وارثه مقامه ولا يبيع بدين ولا يهب لثواب وإقراره في البيع جائز ولو كانت له على مولاه دنانير ولمولاه عليه دنانير فجعلا ذلك قصاصا جاز ولو كانت له عليه ألف درهم من نجومه حالة وله على السيد مائة دينار حالة فأراد أن يجعلا الألف بالمائة قصاصا لم يجز وكذلك لو كان دينه عليه عرضا وكتابته نقدا قال: وإن أعتق عبده أو كاتبه بإذن سيده فأدى كتابته ففيها قولان: أحدهما: لا يجوز لأن الولاء لمن أعتق والثاني: أنه يجوز وفي الولاء قولان: أحدهما: أن ولاءه موقوف فإن عتق المكاتب الأول كان له وإن لم يعتق حتى يموت فالولاء لسيد المكاتب من قبل أنه عبد لعبده عتق والثاني: أن الولاء لسيد المكاتب بكل حال لأنه عتق في حين لا يكون له بعتقه ولاؤه فإن مات عبد المكاتب المعتق بعد ما يعتق وقف ميراثه في قول من وقف1 الميراث كما وصفت فإن عتق المكاتب الذي أعتقه فله وإن مات أو عجز فلسيد المكاتب إذا كان حيا يوم يموت وإن كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه وفي القول الثاني لسيد المكاتب لأن ولاءه له وقال في الإملاء على كتاب مالك: إنه لوكاتب عبده فأدى لم يعتق كما لوأعتقه لم يعتق.
قال المزني: هذا عندي أشبه قال الشافعي وبيع نجومه مفسوخ فإن أدى إلى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1قوله "الميراث" لعله "الولاء" وانظره اهـ.

 

ص -429-     المشتري كتابته بأمر سيده عتق كما يؤدي إلى وكيله فيعتق قال: وليس للمكاتب أن يشتري من يعتق عليه لوكان حرا وله أن يقبلهم إن أوصى له بهم ويكتسبون على أنفسهم ويأخذ فضل كسبهم وما أفادوا فإن مرضوا أو عجزوا عن الكسب أنفق عليهم وإن حنوا لم يكن له أن يفديهم وبيع منهم بقدر جناياتهم ولا يجوز بيع رقبة المكاتب فإن قيل: بيعت بريرة قيل هي المساومة بنفسها عائشة رضي الله عنها والمخبرة بالعجز بطلبها أوقية والراضية بالبيع فإن قيل: فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "اشترطي لهم الولاء؟" قلت أنا: - للشافعي في هذا جوابان أحدهما: يبطل الشرط ويجيز العتق ويجعله خاصا وقال في موضع آخر: هذا من أشد ما يغلط فيه وانما جاء به هشام وحده وغيره قد خالفه وضعفه قال المزني: هذا أولى به لأنه لا يجوز في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه من الله عز وجل ينكر على ناس شرطا باطلا ويأمر أهله بإجابتهم إلى باطل وهو على أهله في الله أشد وعليهم أغلظ قال المزني: وقد يحتمل أن لو صح الحديث أن يكون أراد اشترطي عليهم أن لك إن اشتريت وأعتقت الولاء أي لا تغريهم واللغة تحتمل ذلك قال الله جل ثناؤه: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} وقال: {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ}1 وكذلك قال تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}2 وقال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}3 أي فعليها وقال: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}4 فقامت لهم مقام عليهم فتفهم رحمك الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الرعد: 25 آل عمران: 87
2 سورة النساء: 109.
3 سورة الاسراء: 7.
4 سورة الحجرات: 2.

باب كتابة النصراني.
قال الشافعي رحمه الله: وتجوز كتابة النصراني بما تجوز به كتابة المسلم فإن أسلم العبد ثم ترافعا إلينا فهوعلى الكتابة إلا أن يعجز فيباع على النصراني فإن كاتبه على حلال عندهم حرام عندنا أبطلنا ما بقي من الكتابة فإن أداها ثم تحاكما إلينا فقد عتق العبد ولا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا لأن ذلك مضى في النصرانية ولو أسلما وبقي من الكتابة شيء من خمر فقبضه السيد عتق بقبضه آخر كتابته ورجع على العبد بقيمته ولو اشترى مسلما فكاتبه ففيها قولان أحدهما: أن الكتابة باطلة لأنه ليس بإخراج له من ملكه تام فإن أدى جميع الكتابة عتق بكتابة فاسدة وتراجعا كما وصفت والقول الآخر: أنها جائزة فمتى عجز بيع عليه قال المزني: القول الآخر أشبه بقوله لأنه ممنوع من النصراني بكتابته وعسى أن يؤدي فيعتق فإن عجز رق وبيع مكانه وفي تثبيته الكتابة إذا أسلم العبد ومولاه نصراني على ما قلت دليل وبالله التوفيق.

 

ص -430-     كتابة الحربي.
قال الشافعي إذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا مستأمنين أثبتها إلا أن يكون أحدث له قهرا في إبطال كتابته فالكتابة باطلة ولو كان السيد مسلما فالكتابة ثابتة فإن سبى لم يكن رقيقا1 لأن له أمانا من مسلم بعتقه إياه ولو كاتبه المستأمن عندنا وأراد إخراجه منع وقيل: إن أقمت فأد الجزية وإلا فوكل بقبض نجومه فإن أدى عتق والولاء لك وإن مت دفعت إلى ورثتك وقال في كتاب السير: يكون مغنوما قال المزني: الأول أولى لأنه إذا كان في دار الحرب حيا لا يغنم ماله في دار الإسلام لأنه مال له أمان فوارثه فيه بمثابته قال الشافعي وإن خرج فسبي فمن عليه أو فودي به لم يكن رقيقا ورد مال مكاتبه إليه في بلاد الحرب أو غيره فإن استرق وعتق مكاتبه بالأداء ومات الحربي رقيقا لم يكن رقيقا ولا ولاء لأحد بسببه والمكاتب لا ولاء عليه إلا أن يعتق الحربي قبل موته فيكون له ولاء مكاتبه وما أدى من كتابته لأن ذلك مال كان موقوفا له أمان فلم يبطل أمانه ما كان رقيقا ولم نجعله له في حال رقه فيأخذه مولاه فلما عتق كانت الأمانة مؤداة قال المزني: وقال في موضع آخر فيها قولان: أحدهما هذا والثاني: لما رق كان ما أدى مكاتبه فيئا وقال في كتاب السير: يصير ماله مغنوما قال المزني: هذا عندي أشبه بقوله الذي ختم به قبل هذه المسألة لأنه لما بطل أن يملك بطل عن ماله ملكه قال الشافعي ولو أغار المشركون على مكاتب ثم استنقذه المسلمون كان على كتابته ولو كاتبه في بلاد الحرب ثم خرج المكاتب إلينا مسلما كان حرا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "لم يكن رقيقا ولا ولاء الخ" كذا في بعض النسخ وفي بعضها لم يكن يعتق ولا ولاء الخ وعبارة الأم لم يكن له ولاؤه ولا لأحد الخ وهي واضحة اهـ.

كتابة المرتد.
قال الشافعي ولو كاتب المرتد عبده قبل أن يقف الحاكم ماله كان جائزا وقال في كتاب المدبر: إذا دبر المرتد عبده ففيه ثلاثة أقاويل قد وصفتها فيه وقضيت أن جوابه في المكاتب أصحها قال: فإن نهى الحاكم المكاتب أن يدفع إلى المرتد كتابته فدفعها لم يبرأ منها وأخذه بها فإن عجز ثم أسلم السيد ألغى السيد التعجيز ولو ارتد العبد ثم كاتبه جاز وكان حكمه حكم المرتد.

جناية المكاتب على سيده.
قال الشافعي وإذا جنى المكاتب على سيده عمدا فله القصاص في الجرح ولوارثه القصاص في النفس أو الأرض فإن أدى ذلك فهو على كتابته وإن لم يؤد فلهم تعجيزه ولا دين لهم على عبدهم وبيع في جناية الأجنبي.

 

ص -431-     باب جناية المكاتب ورقيقه.
قال الشافعي وإذا جنى المكاتب فعلى سيده الأقل من قيمة عبده الجاني يوم جنى أو أرش الجناية فإن قوي على أدائها مع الكتابة فهو مكاتب وله تعجيل الكتابة قبل الجناية وقبل الدين الحال ما لم يقف الحاكم لهم ماله كالحر فيما عليه إلا أنه ليس للمكاتب أن يعجل الدين قبل محله بغير إذن سيده فإن وقف الحاكم ماله أدى إلى سيده وإلى الناس ديونهم شرعا فإن لم يكن عنده ما يؤدي هذا كله عجزه في مال الأجنبي إلا أن ينظروه ومتى شاء من أنظره عجزه ثم خير الحاكم سيده بين أن يفديه بالأقل من أرش الجناية أو يباع فيها فيعطى أهل الجناية حقوقهم دون من داينه ببيع أو غيره لأن ذلك في ذمته ومتى عتق اتبع به وسواء كانت الجنايات متفرقة أو معا وبعضها قبل التعجيز وبعده يتحاصون في ثمنه معا وإن أبرأه بعضهم كان ثمنه للباقين منهم ولو قطع يد سيده فبرأ وعتق بالأداء اتبعه بأرش يده وأي المكاتبين جنى وكتابتهم واحدة لزمته دون أصحابه ولو كان هذا الجاني ولد المكاتب وهب له أو من أمته أو ولد مكاتبه لم يفد بشيء وإن قل إلا بإذن السيد لأني لا أجعل له بيعهم ويسلمون فيباع منهم بقدر الجناية وما بقي بحاله يعتق بعتق المكاتب أو المكاتبة وإن جنى بعض عبيده على بعض عمدا فله القصاص إلا أن يكون ولدا فلا يقتل والده بعبده وهو لا يقتل به ولو أعتقه السيد بغير أداء ضمن الأقل من قيمته أو الجناية ولوكان أدى فعتق فعليه الأقل من قيمة نفسه أو الجناية لأنه لم يعجز ولو جنى جناية أخرى ثم أدى فعتق ففيها قولان أحدهما: أن عليه الأقل من قيمة واحدة أو الجناية يشتركان فيها والآخر: أن عليه لكل واحد منهما الأقل من قيمته أو الجناية وهكذا لو كانت جنايات كثيرة قال المزني: قد قطع في هذا الباب أن الجنايات متفرقة أو معا فسواء وهو عندي بالحق أولى قال الشافعي وإن جنى على المكاتب عبده جناية لا قصاص فيها كانت هدرا وللمكاتب أن يؤدب رقيقه ولا يحدهم لأن الحد لا يكون لغير حر.

باب ما جنى على المكاتب له.
قال الشافعي رحمه الله: وأرش ما جنى على المكاتب له ولو قتله السيد لم يكن عليه شيء لأنه مات عبدا ولو قطع يده فإن كان يعتق بأرش يده وطلبه العبد جعل قصاصا وعتق وان مات بعد ذلك ضمن ما يضمن لوجنى على عبد غيره فعتق قبل أن يموت وإن كانت الكتابة غيرحالة كان له تعجيل الأرش فإن لم يقبضه حتى مات سقط عنه لأنه صار مالا له.

الجناية على المكاتب ورقيقه عمدا.
قال الشافعي وإذا جنى عبد على المكاتب عمدا فأراد القصاص والسعيد الدية.

 

ص -432-     باب عتق السيد المكاتب في المرض وغيره.
قال الشافعي إذا وضع السيد على المكاتب كتابته أو أعتقه في المرض فالعتق موقوف فإن خرج من الثلث بالأقل من قيمته أو ما بقي عليه فهو حر وإلا عتق منه ما حمل الثلث فوضع عنه من الكتابة بقدر ما عتق منه وكان الباقي منه على الكتابة ولوأوصى بعتقه عتق بالأقل من قيمته أو ما بقي عليه من كتابته إن كان قيمته ألفا وباقي كتابته خمسمائة أو كانت ألفا وثمنه خمسمائة فيعتق بخمسائة وقال في الإملاء على مسائل مالك: ولوأعتقه عند الموت ولا مال له غيره عتق ثلثه فإن أدى ثلثي الكتابة عتق كله وإن عجزرق ثلثاه ولو قال: ضعوا عنه كتابته فهي وصية له فيعتق بالأقل من قيمته أوكتابته وسواء كانت حالة أودينا يحسب في الثلث ولوكاتبه في مرضه ولا يخرج من الثلث وقفت فإن أفاد السيد مالا يخرج به من الثلث جازت الكتابة وإن لم يفد جازت كتابة ثلثه إذا كانت كتابة مثله ولم تجز في ثلثيه قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله لا تجوز كتابة بعض عبده وما أقر بقبضه في مرضه فهو كالدين يقر بقبضه في صحته وإذا وضع عنه دنانير وعليه دراهم أو شيئا وعليه غيره لم يجز ولو قال: قد استوفيت آخركتابتك إن شاء الله أو شاء فلان لم يجزلأنه استثناء.

الوصية للعبد أن يكاتب.
قال الشافعي ولو أوصى أن يكاتب عبد له لا يخرج من الثلث خاص أهل الوصايا وكوتب على كتابة مثله ولولم تكن وصايا ولا مال له غيره قيل: إن شئت كاتبنا ثلثك وولاء ثلثك لسيدك والثلثان رقيق لورثته قال المزني رحمه الله: هذا خلاف أصل قوله مثل الذي قبله ولو قال: كاتبوا أحد عبيدي لم يكاتبوا أمة ولو قال: إحدى إمائي لم يكاتبوا عبدا ولا خنثى وإن قال: أحد رقيقي كان لهم الخيار في عبد أو أمة قال المزني: قلت أنا: أو خنثى.

باب موت سيد المكاتب.
قال الشافعي ولو أنكح ابنة له مكاتبه برضاها فمات وابنته غير وارثة إما لاختلاف دينهما أو لأنها قاتلة فالنكاح ثابت وإن كانت وارثة فسد النكاح لأنها ملكت من زوجها بعضه فإن دفع من الكتابة ما عليه إلى أحد الوصيين أو أحد وارثين أو إلى وارث وعليه دين أوله وصايا لم يعتق إلا بوصول الدين إلى أهله وكل ذي حق حقه إذا لم يدفع بأمر حاكم أو إلى وصي.

 

ص -433-     باب عجز المكاتب.
قال الشافعي وليس لسيده أن يفسخ كتابته حتى يعجز عن أداء نجم فيكون له فسخها بحضرته إن كان ببلده وإذا قال ليس عندي مال فأشهد أنه قد عجزه بطلت كان عند سلطان أو غيره واحتج في ذلك بابن عمر فإن سأله أن ينظره مدة يؤدي إليها نجمه لم يكن له عليه ولا للسلطان أن ينظره إلا أن يحضره ماله يبيعه مكانه إلى المدة فينظره قدر بيعه فإن حل عليه نجم في غيبته فأشهد سيده أن قد عجزه أو فسخ كتابته فهو عاجز ولا يعجزه السلطان إلا أن تثبت بينة على حلول نجم من نجومه فإن قال: قد أنظرته وبدا لي كتب السلطان إلى حاكم بلده فأعلمه بذلك وأنه إن لم يؤد إليه أو إلى وكيله فإن لم يكن له وكيل أنظره قدر مسيره إلى سيده فإن جاء وإلا عجزه حاكم بلده ولو غلب على عقله لم يكن له أن يعجزه حتى يأتي الحاكم ولا يعجزه الحاكم حتى يسأله عن ماله فإن وجده أدى عنه وإن لم يجده عجزه وأخذ السيد بنفقته وإن وجد له مالا كان له قبل التعجيز فك العجز عنه ورد على سيده نفقته مع كتابته ولو ادعى أنه أوصل إليه كتابته وجاء بشاهد أحلفه معه وأبرئه ولودفع الكتابة وكانت عرضا بصفة وعتق ثم استحق قيل له: إن أديت مكانك وإلا رققت.

باب الوصية بالمكاتب والوصية له.
قال الشافعي وإذا أوصى به لرجل وجزه قبل موته أو بعده لم يجزكما لوأوصى برقبته وهو لا يملكه ثم ملكه حتى يجدد وصية له به وإذا أوصى بكتابته جازت في الثلث فإذا أداها عتق فإن أراد الذي أوصى له تأخيره والوارث تعجيزه فذلك للوارث تصير رقبته له ولو كانت الكتابة فاسدة بطلت الوصية ولو أوصى برقبته وكتابته فاسدة ففيها قولان أحدهما: أن الوصية باطلة والثاني: أن الوصية جائزة قال المزني: هذا أشبه بقوله لأنه في ملكه فكيف لا يجوزما صنع في ملكه؟ قال الشافعي ولوقال: ضعوا عنه أكثرما بقي عليه ومثل نصفه وضع عنه أكثرمن النصف بما شاؤوا ومثل نصفه ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثله وضع عنه الكتابة كلها والفضل باطل ولو قال: ضعوا عنه ما شاء فشاءها كلها لم يكن له إلا أن يبقى منها شيئا.