منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه

كتاب التفليس
مدخل
...
كتاب التفليس
من عليه ديون حالة زائدة على ماله يحجر عليه بسؤال الغرماء ولا حجر بالمؤجل وإذا حجر بحال لم يحل المؤجل في الأظهر ولو كانت الديون بقدر المال فإن كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذا في الأصح ولا يحجر بغير طلب فلو طلب بعضهم ودينه قدر يحجر به حجر وإلا فلا ويحجر بطلب المفلس في الأصح فإذا حجر تعلق حق الغرماء بماله وأشهد على حجره ليحذر ولو باع أو وهب أو أعتق ففي قول يوقف تصرفه فإن فضل ذلك عن الدين نفذ وإلا لغا والأظهر بطلانه فلو باع ماله لغرمائه بدينهم بطل في الأصح ولو باع سلما أو اشترى في الذمة فالصحيح صحته ويثبت في ذمته ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه واقتصاصة وإسقاطه ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر فالأظهر قبوله في حق الغرماء وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملة أو مطلقا لم يقبل في حقهم وإن قال عن جناية قبل في الأصح وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه إن كانت الغبطة في الرد والأصح تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد والوصية والشراء إن صححناه وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال وإن جهل فله ذلك وأنه إذا لم يمكن التعلق بها لا يزاحم الغرماء بالثمن.

(1/120)


فصل
يبادر القاضي بعد الحجر ببيع ماله وقسمه بين الغرماء ويقدم ما يخاف فساده ثم الحيوان ثم المنقول ثم العقار وليبع بحضرة المفلس وغرمائه كل شيء في سوقه بثمن مثله حالا من نقد البلد ثم إن كان الدين غير جنس النقد ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه اشترى وإن رضي جاز صرف النقد إليه إلا في السلم ولا يسلم مبيعا قبل قبض ثمنه وما قبض قسمه بين الغرماء إلا أن يعسر لقلته فيؤخره ليجتمع ولا يكلفون بينة بأن لا غريم غيرهم فلو قسم فظهر غريم شارك بالحصة وقيل: تنقض القسمة ولو خرج شيء باعه قبل الحجر مستحقا والثمن تالف فكدين ظهر وإن استحق شيء باعه الحاكم قدم المشتري بالثمن وفي قول بحاص الغرماء وينفق على من عليه نفقته حتى يقسم ماله إلا أن يستغني بكسب ويباع مسكنه وخادمه في الأصح وإن احتاج إلى خادم لزمانته ومنصبه ويترك له دست ثوب يليق به وهو قميص وسراويل وعمامة ومكعب ويزاد في الشتاء جبة ويترك له قوت يوم القسمة لمن عليه نفقته وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين والأصح وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه وإذا ادعى أنه معسر أو قسم ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض فعليه البينة وإلا فيصدق بيمينه في الأصح وتقبل بينة الإعسار في الحال وشرط شاهده خبرة باطنه وليقل هو معسر ولا يمحض النفي كقوله لا يملك شيئا وإذا ثبت إعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر والغريب العاجز عن بينة الإعسار يوكل القاضي به من يبحث عن حاله فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به.

(1/121)


فصل
من باع ولم يقبض الثمن حتى حجر على المشتري بالفلس فله فسخ البيع واسترداد المبلغ والأصح أن خياره على الفور وأنه لا يحصل الفسخ بالوطء والإعتاق والبيع وله الرجوع في سائر المعاوضات كالبيع وله شروط منها كون الثمن حالا وأن يتعذر حصوله بالإفلاس فلو امتنع من دفع الثمن مع إيساره أو هرب فلا فسخ في الأصح ولو قال الغرماء لا تفسخ ونقدمك بالثمن فله الفسخ وكون المبيع باقيا في ملك المشتري فلو فات أو كاتب العبد فلا رجوع ولا يمنع التزويج ولو تعيب بآفة أخذه ناقصا أو ضارب بالثمن أو بجناية أجنبي أو البائع فله أخذه ويضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة وجناية المشتري كآفة في الأصح فلو تلف أحد العبدين ثم أفلس أخذ الباقي وضارب بحصة التالف فلو كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد فإن تساوت قيمتها وقبض نصف الثمن أخذ الباقي لباقي الثمن وفي قول يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن ويضارب بنصفه ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن وصنعة فاز البائع بها والمنفصلة كالثمرة والولد للمشتري ويرجع البائع في الأصل فإن كان الولد صغيرا وبذل البائع قيمته أخذه مع أمه وإلا فيباعان وتصرف إليه حصة الأم وقيل: لا رجوع فإن كانت حاملا عند الرجوع دون البيع أو عكسه فالأصح تعدي الرجوع إلى الولد واستتار الثمر بكمامه وظهوره بالتأبير قريب من استتار الجنين وانفصاله وأولى بتعدي الرجوع ولو غرس الأرض أو بنى فإن اتفق الغرماء والمفلس على تفريغها فعلوا وأخذها وإن امتنعوا لم يجبروا بل له أن يرجع ويتملك الغراس والبناء بقيمته وله أن يقلعه ويغرم أرش نقصه والأظهر أنه ليس له أن يرجع فيها ويبقى الغراس والبناء للمفلس ولو كان

(1/122)


المبيع حنطة فخلطها بمثلها أو دونها فله أخذ قدر المبيع من المخلوط أو بأجود فلا رجوع في المخلوط في الأظهر ولو طحنها أو قصر الثوب فإن لم تزد القيمة رجع ولا شيء للمفلس وإن زادت فالأظهر أنه يباع وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد ولو صبغه بصبغه فإن زادت القيمة قدر قيمة الصبغ رجع والمفلس شريك بالصبغ أو أقل فالنقص على الصبغ أو أكثر فالأصح أن الزيادة للمفلس ولو اشترى منه الصبغ والثوب رجع فيهما إلا أن تزيد قيمتهما على قيمة الثوب فيكون فاقدا للصبغ ولو اشتراهما من اثنين فإن لم تزد قيمته مصبوغا على قيمة الثوب فصاحب الصبغ فاقد وإن زادت بقدر قيمة الصبغ اشتركا وإن زادت على قيمتهما فالأصح أن المفلس شريك لهما بالزيادة.

(1/123)


باب الحجر
منه حجر المفلس لحق الغرماء والراهن للمرتهن والمريض للورثة والعبد لسيده والمرتد للمسلمين ولها أبواب ومقصود الباب حجر المجنون والصبي والمبذر فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال ويرتفع بالإفاقة وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدا والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة أو خروج المنى ووقت إمكانه استكمال تسع سنين ونبات العانة يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر لا المسلم في الأصح وتزيد المرأة حيضا وحبلا والرشد صلاح الدين والمال فلا يفعل محرما يبطل العدالة ولا يبذر بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة أو رميه في بحر أو إنفاقه في محرم والأصح أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير ويختبر رشد الصبي

(1/123)


ويختلف بالمراتب فيختبر ولد التاجر بالبيع والشراء والمماكسة فيهما وولد الزارع بالزراعة والنفقة على القوام بها والمحترف بما يتعلق بحرفته والمرأة بما يتعلق بالغزل والقطن وصون الأطعمة عن الهرة ونحوها ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر ووقته قبل البلوغ وقيل: بعده فعلى الأول الأصح أنه لا يصح عقده بل يمتحن في المماكسة فإذا أراد العقد عقد الولي فلو بلغ غير رشيد دام الحجر وإن بلغ رشيدا انفك بنفس البلوغ وأعطى ماله وقيل: يشترط فك القاضي فلو بذر بعد ذلك حجر عليه وقيل: يعود الحجر بلا إعادة ولو فسق لم يحجر عليه في الأصح ومن حجر عليه لسفه طرأ فوليه القاضي وقيل: وليه في الصغر ولو طرأ جنون فوليه وليه في الصغر وقيل: القاضي ولا يصح من المحجور عليه لسفه بيع ولا شراء ولا إعتاق وهبة ونكاح بغير إذن وليه فلو اشترى أو اقترض وقبض وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان في الحال ولو بعد فك الحجر سواء علم حاله من عامله أو جهل ويصح بإذن الولي نكاحه لا التصرف المالي في الأصح ولا يصح إقراره بدين قبل الحجر أو بعده وكذا بإتلاف المال في الأظهر ويصح
بالحد والقصاص وطلاقه وخلعه وظهاره ونفيه النسب بلعان وحكمه في العبادة كالرشيد لكن لا يفرق الزكاة بنفسه وإذا أحرم بحج فرض أعطى الولي كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه وإن أحرم بتطوع وزادت مؤنة سفره على نفقته المعهودة فللولي منعه والمذهب أنه كمحصر فيتحلل.
قلت: ويتحلل بالصوم إن قلنا لدم الإحصار بدل لأنه ممنوع من المال ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة لم يجز منعه والله أعلم.
فصل
ولي الصبي أبوه ثم جده ثم وصيهما ثم القاضي ولا تلي الأم في الأصح ويتصرف

(1/124)


الولي بالمصلحة يبني دوره بالطين والآجر لا اللبن والجص ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وله بيع ماله بعرض ونسيئة للمصلحة وإذا باع نسيئة أشهد وارتهن به ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة ويزكي ماله وينفق عليه بالمعروف فإذا ادعى بعد بلوغه على الأب والجد بيعا بلا مصلحة صدقا باليمين وإن ادعاه على الوصي والأمين صدق هو بيمينه.

(1/125)


باب الصلح
هو قسمان أحدهما: يجري بين المتداعيين وهو نوعان.
أحدهما: صلح على إقرار فإن جرى على عين غير المدعاة فهو بيع بلفظ الصلح تثبت فيه أحكامه كالشفعة والرد بالعيب ومنع تصرفه قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا في علة الربا أو على منفعة فإجارة تثبت أحكامها أو على بعض العين المدعاة فهبة لبعضها لصاحب اليد فتثبت أحكامها ولا يصح بلفظ البيع والأصح صحته بلفظ الصلح ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك بكذا فالأصح بطلانه ولو صالح من دين على عين صح فإن توافقا في علة الربا اشترط قبض العوض في المجلس وإلا فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح أو دينا اشترط تعيينه في المجلس وفي قبضه الوجهان وإن صالح من دين على بعضه فهو إبراء عن باقيه ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما وبلفظ الصلح في الأصح ولو صالح من حال على مؤجل مثله أو عكس لغا فإن عجل المؤجل صح الأداء ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة بريء من خمسة وبقيت خمسة حالة ولو عكس لغا

(1/125)


النوع الثاني: الصلح على الإنكار فيبطل إن جرى على نفس المدعى وكذا إن جرى على بعضه في الأصح وقوله صالحني على الدار التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح.
القسم الثاني: يجري بين المدعي والأجنبي فإن قال وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر لك صح ولو صالح لنفسه والحالة هذه صح وكأنه اشتراه وإن كان منكرا وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعه وعدمها وإن لم يقل هو مبطل لغا الصلح.
فصل
الطريق النافذ لا يتصرف فيه بما يضر المارة ولا يشرع فيه جناح ولا ساباط يضرهم بل يشترط ارتفاعه بحيث يمر تحته منتصبا وإن كان ممر الفرسان والقوافل فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل على البعير مع أخشاب المظلة ويحرم الصلح على اشراع الجناح وأن يبني في الطريق دكة أو يغرس شجرة وقيل: إن لم يضر جاز وغير النافذ يحرم الإشراع إليه لغير أهله وكذا لبعض أهله في الأصح إلا برضا الباقين وأهله من نفذ باب داره إليه لا من لاصقه جداره وهل الاستحقاق في كلها لكلهم أم تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب وباب داره وجهان أصحهما الثاني وليس لغيرهم فتح باب إليه للإستطراق وله فتحه إذا سمره في الأصح ومن له فيه باب ففتح آخر أبعد من رأس الدرب فلشركائه منعه فإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم فكذلك وإن سده فلا منع ومن له داران تفتحان إلى دربين أو مسدودين أو مسدود وشارع ففتح بابا بينهما لم يمنع في الأصح وحيث منع فتح الباب

(1/126)


فصالحه أهل الدرب بمال صح ويجوز فتح الكوات والجدار بين المالكين قد يختص به أحدهما وقد يشتركان فيه فالمختص ليس للآخر وضع الجذوع عليه بغير إذن في الجديد ولا يجبر المالك فلو رضي بلا عوض فهو إعارة له الرجوع قبل البناء عليه وكذا بعده في الأصح وفائدة الرجوع تخييره بأن يبقيه بأجرة أو يقلع ويغرم أرش نقصه وقيل: فائدته طلب الأجرة فقط ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض فإن أجر رأس الجدار للبناء فهو إجارة وإن قال بعته للبناء عليه أو بعت حق البناء عليه فالأصح أن هذا العقد فيه شوب بيع وإجارة فإذا بنى فليس لمالك الجدار نقضه بحال ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه فللمشتري إعادة البناء وسواء كان الإذن بعوض أو بغيره يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولا وعرضا وسمك الجدران وكيفيتها وكيفية السقف المحمول عليها ولو أذن في البناء على أرضه كفى بيان قدر محل البناء وأما الجدار المشترك فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن في الجديد وليس له أن يتد فيه وتدا أو يفتح كوة بلا إذن وله أن يستند إليه ويسند متاعا لا يضر وله ذلك في جدار الأجنبي وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد فإن أراد إعادة منهدم بآلة لنفسه لم يمنع ويكون المعاد ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء ولو قال لآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي لم يلزمه إجابته وإن أراد إعادته بنقضه المشترك فللآخر منعه ولو تعاونا على إعادته بنقضه عاد مشتركا كما كان ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر ويجوز أن يصالح على إجراء الماء وإلقاء الثلج في ملكه على مال ولو تنازعها جدارا بين ملكيهما فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بنيا معا فله اليد وإلا فلهما فإن أقام أحدهما بينة قضى له وإلا حلفا فإن حلفا أو نكلا جعل بينهما وإن حلف

(1/127)


أحدهما قضى له ولو كان لأحدهما عليه جذوع لم يرجح والسقف بين علو وسفل كجدار بين ملكين فينظر أيمكن إحداثه بعد العلو فيكون في يدهما وإلا فلصاحب السفل.

(1/128)


باب الحوالة
يشترط لها رضا المحيل والمحتال لا المحال عليه في الأصح ولا تصح على من لا دين عليه وقيل: تصح برضاه وتصح بالدين اللازم وعليه المثلى وكذا المتقوم في الأصح وبالثمن في مدة الخيار وعليه في الأصح والأصح صحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم دون حوالة السيد عليه ويشترط العلم بما يحال به وعليه قدرا وصفة وفي قول تصح بابل الدية وعليها ويشترط تساويهما جنسا وقدرا وكذا حلولا وأجلا وصحة وكسرا في الأصح ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه فإن تعذر بفلس أو جحد وحلف ونحوهما لم يرجع على المحيل فلو كان مفلسا عند الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له وقيل: له الرجوع إن شرط يساره ولو أحال المشتري بالثمن فرد المبيع بعيب بطلت في الأظهر أو البائع بالثمن فوجد الرد لم تبطل على المذهب ولو باع عبدا وأحال بثمنه ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته أو ثبتت ببينة بطلت الحوالة وإن كذبهما المحتال ولا بينة حلفاه على نفي العلم ثم يأخذ المال من المشتري ولو قال المستحق عليه وكلتك لتقبض لي وقال المستحق أحلتني أو قال أردت بقولي أحلتك الوكالة وقال المستحق بل أردت الحوالة صدق المستحق عليه بيمينه وفي الصورة الثانية وجه وإن قال أحلتك فقال وكلتني صدق الثاني بيمينه.

(1/128)


باب الضمان
شرط الضامن الرشد وضمان محجور عليه بفلس كشرائه وضمان عبد بغير إذن سيده باطل في الأصح ويصح بإذنه فإن عين للأداء كسبه أو غيره قضى منه وإلا فالأصح أنه إن كان مأذونا له في التجارة تعلق بما في يده وما يكسبه بعد الإذن وإلا فبما يكسبه والأصح اشتراط معرفة المضمون له وأنه لا يشترط قبوله ورضاه ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعا ولا معرتفه في الأصح ويشترط في المضمون كونه ثابتا وصحح القديم ضمان ما سيجب والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص الصنجة وكونه لازما لا كنجوم كتابه ويصح ضمان الثمن في مدة خيار في الأصح وضمان الجعل كالرهن به وكونه معلوما في الجديد والإبراء من المجهول باطل في الجديد لا من إبل الدية ويصح ضمانها في الأصح ولو قال ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته وأنه يكون ضامنا لعشرة.
قلت: الأصح لتسعة. والله أعلم.
فصل
المذهب صحة كفالة البدن فإن كفل بدن من عليه مال لم يشترط العلم بقدره ويشترط كونه مما يصح ضمانه والمذهب صحتها ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ومنعها في حدود الله تعالى وتصح ببدن صبي ومجنون ومحبوس وغائب وميت ليحضره فيشهد على صورته ثم إن عين مكان التسليم تعين وإلا فمكانها ويبرأ الكفيل

(1/129)


بتسليمه في مكان التسليم بلا حائل كمتغلب وبأن يحضر المكفول به ويقول سلمت نفسي عن جهة الكفيل ولا يكفي مجرد حضوره فإن غاب لم يلزم الكفيل إحضاره إن جهل مكانه وإلا فيلزمه ويمهل مدة ذهاب وإياب فإن مضت ولم يحضره حبس وقيل: إن غاب إلى مسافة القصر لم يلزمه إحضاره والأصح أنه إذا مات ودفن لا يطالب الكفيل بالمال وأنه لو شرط في الكفاية أنه يغرم المال إن فات التسليم بطلت وأنها لا تصح بغير رضا المكفول.
فصل
يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر بالتزام كضمنت دينك عليه أو تحملته أو تقلدته أو تكفلت ببدنه أو أنابا لمال أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد والأصح أنه لا يجوز تعليقهما بشرط ولا توقيت الكفالة ولو تجزها وشرط تأخير الإحضار شهرا جاز وأنه يصح ضمان الحال مؤجلا أجلا معلوما وأنه يصح ضمان المؤجل حالا وأنه لا يلزمه التعجيل وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل والأصح أنه لا يصح بشرط براءة الأصيل ولو أبرأ الأصيل برىء الضامن ولا عكس ولو مات أحدهما حل عليه دون الآخر إذا طالب المستحق الضامن فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه والأصح أنه لا يطالبه قبل أن يطالب وللضامن الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء وإن انتفى فيهما فلا وإن أذن في الضمان فقط رجع في الأصح ولا عكس في الأصح ولو أدى مكسرا عن صحاح أو صالح عن مائة بثوب قيمته خمسون فالأصح أنه لا يرجع إلا بما غرم ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن فلا رجوع وإن أذن بشرط الرجوع رجع وكذا إن أذن مطلقا في الأصح والأصح أن مصالحته على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي إذا أشهد بالأداء رجلا أو رجلا وامرأتين وكذا رجل ليحلف معه في الأصح فإن لم يشهد فلا رجوع إن أدى

(1/130)


في غيبة الأصيل وكذبه وكذا إن صدقه في الأصح فإن صدقه المضمون له أو أدى بحضرة الأصيل رجع على المذهب.

(1/131)


كتاب الشركة
هي أنواع: شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفة ليكون بينهما كسبهما متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها وشركة المفاوضة ليكون بينهما كسبهما وعليهما ما يعرض من غرم وشركة الوجوه بأن يشترك الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بمؤجل لهما فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان بينهما وهذه الأنواع باطلة وشركة العنان صحيحة ويشترط فيها لفظ يدل على الإذن في التصرف فلو اقتصرا على اشتركنا لم يكف في الأصح وفيهما أهلية التوكيل والتوكل وتصح في كل مثلى دون المتقوم وقيل: تختص بالنقد المضروب ويشترط خلط المالين بحيث لا يتميزان ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس أو صفة كصحاح ومكسرة هذا إذا اخرجا مالين وعقدا فإن ملكا مشتركا بإرث وشراء وغيرهما وأذن كل للآخر في التجارة فيه تمت الشركة والحيلة في الشركة في العروض أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببغض عرض الآخر ويأذن له في التصرف ولا يشترط تساوي قدر المالين والأصح أنه يشترط العلم بقدرهما عند العقد ويتسلط كل منهما على التصرف بلا ضرر فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش ولا يسافر به ولا ببعضه بغير إذن ولكل فسخه متى شاء وينعزلان عن التصرف بفسخهما فإن قال أحدهما عزلتك أولا تتصرف في نصيبي لم ينعزل العازل وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وبإغمائه والربح والخسران على قدر المالين تساويا في العمل أو تفاوتا فإن شرطا خلافه فسد العقد فيرجع

(1/132)


كل على الآخر بأجرة عمله في ماله وتنفذ التصرفات والربح على قدر المالين ويد الشريك يد أمانة فيقبل قوله في الرد والخسران والتلف فإن ادعا بسبب ظاهر طولب ببينة بالسبب ثم يصدق في التلف به ولو قال من في يده المال هو لي وقال الآخر مشترك أو بالعكس صدق صاحب اليد ولو قال لو اقتسمنا وصار لي صدق المنكر واشترى وقال اشتريته للشركة أو لنفسي وكذبه الآخر صدق المشتري.

(1/133)


كتاب الوكالة
شرط الموكل صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون ولا المرأة والمحرم في النكاح ويصح توكيل الولي في حق الطفل ويستثنى توكيل أعمى في البيع والشراء فيصح وشرط الوكيل صحة مباشرته التصرف لنفسه لا صبي ومجنون وكذا المرأة والمحرم في النكاح لكن الصحيح اعتماد قول صبي في الإذن في دخول دار وإيصال هدية والأصح صحة توكيل عبد في قبول نكاح ومنعه في الإيجاب وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل فلو وكل ببيع عبد سيملكه وطلاق من سينكحه بطل في الأصح وأن يكون قابلا للنيابة فلا يصح في عبادة أي الحج وتفرقة زكاة وذبح أضحية ولا في شهادة وإيلاء ولعان وسائر الأيمان ولا في الظهار في الأصح ويصح في طرفي بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح وطلاق وسائر العقود والفسوخ وقبض الديون وإقباضها والدعوى والجواب وكذا في تملك المباحات كالأحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر لا في الإقرار في الأصح ويصح في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف وقيل: لا يجوز إلا بحضرة الموكل وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه ولا يشترط علمه من كل وجه فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير أو في كل أموري أو فوضت إليك كل شيء لم يصح وإن قال في بيع موالي وعتق أرقائي صح وإن وكله في شراء عبد وجب بيان نوعه أو دار وجب بيان المحلة

(1/134)


والسكة لا قدر الثمن في الأصح ويشترط من الموكل لفظ يقتضي رضاه كوكلتك في كذا أو فوضته إليك أو أنت وكيلي فيه فلو قال بع أو اعتق حصل الإذن ولا يشترط القبول لفظا وقيل: يشترط وقيل: يشترط صيغ العقود كوكلتك دون صيغ ومتى عزلتك فأنت وكيل صحت في الحال في الأصح وفي عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها ويجريان في تعليق العزل.
فصل
الوكيل بالبيع مطلقا ليس له البيع بغير نقد البلد ولا بنسيئة ولا بغبن فاحش وهو ما لا يحتمل غالبا فلو باع على أحد هذه الأنواع وسلم المبيع ضمن فان وكله ليبيع مؤجلا وقدر الأجل فذاك وإن أطلق صح في الأصح وحمل على المتعارف في مثله ولا يبيع لنفسه وولده الصغير والأصح أنه يبيع لأبيه وابنه البالغ وأن الوكيل بالبيع له قبض الثمن وتسليم المبيع ولا يسلمه حتى يقبض الثمن فإن خالف ضمن وإذا وكله في شراء لا يشتري معيبا فإن اشتراه في الذمة وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به وقع عن الموكل إن جهل العيب وإن علمه فلا في الأصح وإن لم يساوه لم يقع عنه إن علمه وإن جهله وقع في الأصح وإذا وقع للموكل فلكل من الوكيل والموكل الرد وليس لوكيل أن يوكل بلا إذن أن تأتي منه ما وكل فيه وإن لم يتأت لكونه لا يحسنه أو لا يليق به فله التوكيل ولو كثر وعجز عن الإتيان بكله فالمذهب أنه يوكل فيما زاد على الممكن ولو أذن في التوكيل وقال وكل عن نفسك ففعل فالثاني وكيل الوكيل والأصح أنه ينعزل بعزله وانعزاله وإن قال عنى فالثاني وكيل الموكل وكذا لو أطلق في الأصح.
قلت: وفي هاتين الصورتين لا يعزل أحدهما الآخر ولا ينعزل بانعزاله وحيث جوزنا

(1/135)


للوكيل التوكيل يشترط أن يوكل أمينا إلا أن يعين الموكل غيره ولو وكل أمينا ففسق لم يملك الوكيل عزله في الأصح. والله أعلم.
فصل
قال: بع لشخص معين أو في زمن أو مكان معين تعين وفي المكان وجه إذا لم يتعلق به غرض وإن قال بع بمائة لم يبع بأقل وله أن يزيد إلا أن يصرح بالنهي ولو قال اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها فاشترى به شاتين بالصفة فإن لم تساو واحدة دينارا لم يصح الشراء للموكل وإن ساوته كل واحدة فالأظهر الصحة وحصول الملك فيهما للموكل ولو أمره بالشراء بمعين فاشترى في الذمة لم يقع للموكل وكذا عكسه في الأصح ومتى خالف الموكل في بيع ماله أو الشراء بعينه فتصرفه باطل ولو اشترى في الذمة ولم يسم الموكل وقع للوكيل وإن سماه فقال: البائع بعتك فقال: اشتريت لفلان فكذا في الأصح وإن قالت: بعت موكلك زيدا فقال: اشتريت له فالمذهب بطلانه ويد الوكيل يد أمانة وإن كان بجعل فإن تعدى ضمن ولا ينعزل في الأصح وأحكام العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل فيعتبر في الرؤية ولزوم العقد بمفارقة المجلس والتقابض في المجلس حيث يشترط الوكيل دون الموكل وإذا اشترى الوكيل طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل وإلا فلا إن كان الثمن معينا وإن كان في الذمة طالبه إن أنكر وكالته أو قال لا أعلمها وإن اعترف بها طالبه أيضا في الأصح كما يطالب الموكل ويكون الوكيل كضامن والموكل كأصيل وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن وتلف في يده وخرج المبيع مستحقا رجع عليه المشتري وإن اعترف بوكالته في الأصح ثم يرجع الوكيل على الموكل.

(1/136)


قلت: وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء في الأصح. والله أعلم.
فصل
الوكالة جائزة من الجانبين فإذا عزله الموكل في حضوره أو قال رفعت الوكالة أو أبطلتها أو أخرجتك منها انعزل فإن عزله وهو غائب انعزل في الحال وفي قول لا حتى يبلغه الخبر ولو قال عزلت نفسي أو رددت بالوكالة انعزل وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت أو جنون وكذا إغماء في الأصح وبخروج محل التصرف عن ملك الموكل وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان أو لغرض في الإخفاء ليس بعزل فإن تعمد ولا عوض انعزل وإذا اختلف في أصلها أو صفتها بأن قال: وكلتني في البيع نسيئة أو الشراء بعشرين فقال: بل نقدا أو بعشرة صدق الموكل بيمينه ولو اشترى جارية بعشرين وزعم أن الموكل أمره فقال: بلى بعشرة وحلف فإن اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد أو قال: بعده اشتريته لفلان والمال له وصدقه البائع فالبيع باطل وإن كذبه حلف على نفي العلم بالوكالة ووقع الشراء للوكيل وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل وكذا إن سماه وكذبه البائع في الأصح وإن صدقه بطل الشراء وحيث حكم بالشراء للوكيل يستحب للقاضي أن يرفق بالموكل ليقول للوكيل إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها ويقول هو اشتريت لتحل له ولو قال أتيت بالتصرف المأذون فيه وأنكر الموكل صدق الموكل وفي قول الوكيل وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمنيه وكذا في الرد وقيل: إن كان بجعل فلا ولو ادعى الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول صدق الرسول ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح ولو قالت قبضت الثمن وتلف وأنكر الموكل صدق الموكل إن كان قبل تسليم المبيع وإلا فالوكيل على المذهب ولو وكله بقضاء دين فقال قضيته وأنكر المستحق صدق المستحق بيمينه

(1/137)


والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة وقيم اليتيم وإذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ يحتاج إلى بينة على الصحيح وليس لوكيل ولا مودع أن يقول بعد طلب المالك لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد ذلك ولو قال رجل وكلني المستحق بقبض ماله عندك من دين أو عين وصدقه فله دفعه إليه والمذهب أنه لا يلزمه إلا ببينة على وكالته ولو قال أحالني عليك وصدقه وجب الدفع في الأصح.
قلت: وإن قال أنا وارثه وصدقه وجب الدفع على المذهب. والله أعلم.

(1/138)