منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه

كتاب الحج
مدخل
...
كتاب الحج
هو فرض وكذا العمرة في الأظهر وشرط صحته الإسلام فللويّ أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز والمجنون وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز وإنما يقع عن حجة الإسلام بالمباشرة إذا باشره المكلف الحر فيجزىء حج الفقير دون الصبي والعبد وشرط وجوبه الإسلام والتكليف والحرية والاستطاعة وهي نوعان أحدهما: استطاعة مباشرة ولها شروط.
أحدها: وجود الزاد وأوعيته ومؤنة ذهابه وإيابه وقيل: إن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة لم تشترط نفقة الإياب فلو كان يكتسب كل يوم ما يفي بزاده وسفره طويل لم يكلف الحج وإن قصر وهو يكتسب في يوم كفاية أيام كلف.
الثاني: وجود الراحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان فإن لحقته بالراحلة مشقة شديدة اشترط وجود محمل واشترط شريك يجلس في الشق الآخر ومن بينه وبينها دون مرحلتين وهو قوي على المشي يلزمه الحج فإن ضعف فكالبعيد ويشترط كون الزاد والراحلة فاضلين عن دينه ومؤنة من عليه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه والأصح اشتراط كونه فاضلا عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته وأنه يلزمه صرف مال تجارته إليهما.
الثالث: أمن الطريق فلو خاف على نفسه أو ماله سبعا أو عدوا أو رصديا ولا طريق

(1/82)


سواه لم يجب الحج والأظهر وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامة وأنه يلزمه أجرة البذرقة ويشترط وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان وعلف الدابة في كل مرحلة وفي المرأة أن يخرج معها زوج أو محرم أو نسوة ثقات والأصح أنه لا يشترط وجود محرم لإحداهن وأنه يلزمها أجرة المحرم إذا لم يخرج إلا بها.
الرابع: أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة وعلى الأعمى الحج إن وجد قائدا وهو كالمحرم في حق المرأة والمحجور عليه لسفه كغيره لكن لا يدفع المال إليه بل يخرج معه الولي أو ينصب شخصا له.
النوع الثاني: استطاعة تحصيله بغيره فمن مات وفي ذمته حج وجب الإحجاج عنه من تركته والمعضوب العاجز عن الحج بنفسه إن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل لزمه ويشترط كونها فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن حج بنفسه لكن لا يشترط نفقة العيال ذهابا وإيابا ولو بذل ولده أو أجنبي مالا للأجرة لم يجب قبوله في الأصح ولو بذل الولد الطاعة وجب قبوله وكذا الأجنبي في الأصح.

(1/83)


باب المواقيت
وقت إحرام الحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وفي ليلة النحر وجه فلو أحرم به في غير وقته انعقد عمرة على الصحيح وجميع السنة وقت لإحرام العمرة والميقات المكاني للحج في حق من بمكة نفس مكة وقيل: كل الحرم وأما غيره فميقات

(1/83)


المتوجه من المدينة ذو الحليفة ومن الشام ومصر والمغرب الجحفة ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد الحجاز قرن ومن المشرق ذات عرق والأفضل أن يحرم من أول الميقات ويجوز من آخره ومن سلك طريقا لا ينتهي إلى ميقات فإن حاذى ميقاتا أحرم من محاذاته أو ميقاتين فالأصح أنه يحرم من محاذاة أبعدهما وإن لم يحاذ أحرم على مرحلتين من مكة ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه ومن بلغ ميقاتا غيرت مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه وإن بلغه مريدا لم تجز مجاوزته بغير إحرام فإن فعل لزمه العود ليحرم منه إلا إذا ضاق الوقت أو كان الطريق مخوفا فإن لم يعد لزمه دام وإن أحرم ثم عاد فالأصح أنه إن عاد قبل تلبسه بنسك سقط الدم وإلا فلا والأفضل أن يحرم من دويرة أهله وفي قول من الميقات قلت: الميقات أظهر وهو الموافق للأحاديث الصحيحة والله أعلم وميقات العمرة لمن هو خارج الحرم ميقات الحج ومن بالحرم يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة فإن لم يخرج وأتى بأفعال العمرة أجزأته في الأظهر وعليه دم فلو خرج إلى الحل بعد إحرامه سقط الدم على المذهب وأفضل بقاع الحل الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية.

(1/84)


باب الإحرام
ينعقد معينا بأن ينوي حجا أو عمرة أو كليهما ومطلقا بأن لا يزيد على نفس الإحرام والتعيين أفضل وفي قول الإطلاق فإن أحرم مطلقا في أشهر الحج صرفه بالنية إلى ما شاء من النسكين أو إليهما ثم اشتغل بالأعمال وإن أطلق في غير أشهره فالأصح انعقاده عمرة فلا يصرفه إلى الحج في أشهره وله أن يحرم كإحرام زيد فإن لم يكن زيد محرما انعقد إحرامه مطلقا وقيل: إن علم عدم إحرام زيد لم ينعقد وإن كان زيد محرما انعقد إحرامه

(1/84)


كإحرامه فإن تعذر معرفة إحرامه بموته جعل نفسه قارنا وعمل أعمال النسكين.
فصل
المحرم ينوي ويلبي فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح ويسن الغسل للإحرام فإن عجز تيمم ولدخول مكة وللوقوف بعرفة وبمزدلفة غداة النحر وفي أيام التشريق للرمي وأن يطيب بدنه للإحرام وكذا ثوبه في الأصح ولا بأس باستدامته بعد الإحرام ولا بطيب له جرم لكن لو نزع ثوبه المطيب ثم لبسه لزمه الفدية في الأصح وأن تخضب المرأة للإحرام يديها ويتجرد الرجل لإحرامه عن مخيط الثياب ويلبس إزارا ورداء أبيضين ونعلين ويصلي ركعتين ثم الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيا وفي قول يحرم عقب الصلاة ويستحب إكثار التلبية ورفع صوته بها في دوام إحرامه وخاصة عند تغاير الأحول كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفقة ولا تستحب في طواف القدوم وفي القديم تستحب فيه بلا جهر ولفظها لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وإذا رأى ما يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة وإذا فرغ من تلبيته صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى الجنة ورضوانه واستعاذ به من النار.

(1/85)


باب دخول مكة
الأفضل دخولها قبل الوقوف وأن يغتسل داخلها من طريق المدينة بذي طوى ويدخلها من مر ثنية كداء ويقول إذا أبصر البيت اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهامة،

(1/85)


وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا اللهم أنت السلام ومنك
السلام فحينا ربنا بالسلام ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة ويبتدىء بطواف القدوم ويختص طواف القدوم بحاج دخل مكة قبل الوقوف ومن قصد مكة لا لنسك استحب له أن يحرم بحج أو عمرة وفي قول يجب إلا أن يتكرر دخوله كحطاب وصياد.
فصل
للطواف بأنواعه واجبات وسنن أما الواجبات: فيشترط ستر العورة وطهارة الحدث والنجس فلو أحدث فيه توضأ وبنى وفي قول يستأنف وأن يجعل البيت عن يساره مبتدئا بالحجر الأسود محاذيا له في مروره بجميع بدنه فلو بدأ بغير الحجر لم يحسب فإذا انتهى إليه ابتدأ منه ولو مشى على الشاذروان أو مس الجدرا في موازاته أو دخل من إحدى فتحتي الحجر وخرج من الأخرى لم تصح طوفته وفي مسألة المس وجه وأن يطوف سبعا داخل المسجد.
وأما السنن: فأن يطوف ماشيا ويستلم الحجر أول طوافه ويقبله ويضع جبهته عليه فإن عجز استلم فإن عجز أشار بيده ويراعي ذلك في كل طوفة ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما ويستلم اليماني ولا يقبله وأن يقول أول طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وليقل قبالة الباب اللهم إن البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار وبين اليمانيين اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وليدع بما شاء

(1/86)


ومأثور الدعاء أفضل من القراءة وهي أفضل من غير مأثوره وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى بأن يسرع مشيه مقاربا خطاه ويمشي في الباقي ويختص الرمل بطواف يعقبه سعي وفي قول بطواف القدوم وليقل فيه اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وأن يضطبع في جميع كل طواف يرمل فيه وكذا في السعي على الصحيح وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر ولا ترمل المرأة ولا تضطبع وأن يقرب من البيت فلو فات الرمل بالقرب لزحمة فالرمل مع بعد أولى إلا أن يخاف صدم النساء فالقرب بلا رمل أولى وأن يوالي طوافه ويصلي بعده ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص ويجهر ليلا وفي قول تجب الموالاة والصلاة ولو حمل الحلال محرما وطاف به حسب للمحمول وكذا لو حمله محرم قد طاف عن نفسه وإلا فالأصح أنه إن قصده للمحمول فله وإن قصده لنفسه أولهما فللحامل فقط.
فصل
يستلم الحجر بعد الطواف وصلاته ثم يخرج من باب الصف للسعي وشرطه أن يبدأ بالصفا وأن يسعى سبعا ذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه أخرى وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم بحيث لا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة ومن سعى بعد قدوم لم يعده ويستحب أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة فإذا رقى قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر

(1/87)


ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ثم يدعو بما شاء دينا ودنيا.
قلت: ويعيد الذكر والدعاء ثانيا وثالثا، والله أعلم. وأن يمشي أول المسعى وآخره ويدعو في الوسط وموضع النوعين معروف.
فصل
يستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة فردة يأمر فيها بالغدو إلى منى ويعلمهم ما أمامهم من المناسك ويخرج بهم من الغد إلى منى ويبيتون بها فإذا طلعت الشمس قصدوا عرفات.
قلت: ولا يدخلونها بل يقيمون بنمرة بقرب عرفات حتى نزول الشمس والله أعلم ثم يخطب الإمام بعد الزوال خطبتين ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعا ويقفوا بعرفة إلى الغروب ويذكروا الله تعالى ويدعوه ويكثروا التهليل فإذا غربت الشمس قصدوا مزدلفة وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمعا وواجب الوقوف حضوره بجزء من أرض عرفات وإن كان مارا في طلب آبق ونحوه بشرط كونه أهلا للعبادة لا مغمى عليه ولا بأس بالنوم ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة والصحيح بقاؤه إلى الفجر يوم النحر ولو وقف نهارا ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد أراق دما استحبابا وفي قول يجب وإن عاد فكان بها عند الغروب فلا دم وكذا إن عاد ليلا في الأصح ولو وقفوا اليوم العاشر غلطا أجزأهم إلا

(1/88)


أن يقلوا على خلاف العادة فيقضون في الأصح وإن وقفوا في الثامن وعلموا قبل فوات الوقت وجب الوقوف في الوقت وإن علموا بعده وجب القضاء في الأصح.
فصل
ويبيتون بمزدلفة ومن دفع منها بعد نصف الليل أو قبله وعاد قبل الفجر فلا شيء عليه ومن لم يكن بها في النصف الثاني أراق دما وفي وجوبه القولان ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منى ويبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغلسين ثم يدفعون إلى منى ويأخذون من مزدلفة حصى الرمي فإذا بلغوا المشعر الحرام وقفوا ودعوا إلى الأسفار ثم يسيرون فيصلون منى بعد طلوع الشمس فيرمي كل شخص حينئذ سبع حصيات إلى جمرة العقبة ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي ويكبر مع كل حصاة ثم يذبح من معه هدى ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل وتقصر المرأة والحلق نسك على المشهور وأقله ثلاث شعرات حلقا أو تقصيرا أو نتفا أو إحراقا أو قصا ومن لا شعر برأسه يستحب إمرار الموصى عليه فإذا حلق أو قصر دخل مكة وطاف طواف الركن وسعى إن لم يكن سعى ثم يعود إلى منى وهذا الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا ويدخل وقتها بنصف ليلة النحر ويبقى وقت الرمي آخر يوم النحر ولا يختص الذبح بزمن.
قلت: الصحيح اختصاصه بوقت الأضحية وسيأتي في آخر باب محرمات الإحرام على الصواب والله أعلم والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها وإذا قلنا الحلق نسك

(1/89)


ففعل اثنين من الرمي والحلق والطواف حصل التحلل الأول وحل به اللبس والحلق والقلم وكذا الصيد وعقد النكاح في الأظهر.
قلت: الأظهر لا يحل عقد النكاح، والله أعلم. وإذا فعل الثالث: حصل التحلل الثاني وحل به باقي المحرمات.
فصل
إذا عاد إلى منى بات بها ليلتي التشريق ورمى كل يوم إلى الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصيات فإذا رمى اليوم الثاني فأراد النفر قبل غروب الشمس جاز وسقط مبيت الليلة الثالث: ة ورمى يومها فإن لم ينفر حتى غربت وجب مبيتها ورمى الغد ويدخل رمي التشريق بزوال الشمس ويخرج بغروبها وقيل: يبقى إلى الفجر ويشترط رمي السبع واحدة واحدة وترتيب الجمرات وكون المرمى حجرا وأن يسمى رميا فلا يكفي الوضع والسنة أن يرمي بقدر حصى الخزف ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى ولا كون الرامي خارجا عن الجمرة ومن عجز عن الرمي استناب وإذا ترك رمى يوم تداركه في باقي الأيام على الأظهر ولا دم وإلا فعليه دم والمذهب تكميل الدم في ثلاث حصيات رمي وإذا أراد الخروج من مكة طاف للوداع ولا يمكث بعده وهو واجب يجبر تركه بدم وفي قول سنة لا يجبر فإن أوجبناه فخرج بلا وداع فعاد قبل مسافة القصر سقط الدم أو بعدها فلا على الصحيح وللحائض النفر بلا وداع ويسن شرب ماء زمزم وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الحج.
فصل
أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي، والحلق، إذا جعلناه نسكا

(1/90)


ولا تجبر وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا ويؤدي النسكان على أوجه احدها: الإفراد بأن يحج ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي ويأتي بعملها الثاني: القرآن بأن يحرم بهما من الميقات ويعمل عمل الحج فيحصلان ولو أحرم بعمرة في أشهر الحج ثم بحج قبل الطواف كان قارنا ولا يجوز عكسه في الجديد الثالث: التمتع بأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويفرغ منها ثم ينشئ حجا من مكة وأفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن وفي قول التمتع أفضل من الإفراد وعلى المتمتع دم بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وحاضروه من دون مرحلتين من مكة.
قلت: الأصح من الحرم، والله أعلم. وأن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته وأن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات ووقت وجوب الدم إحرامه بالحج والأفضل ذبحه يوم النحر فإن عجز عنه في موضعه صام عشرة أيام ثلاثة في الحج تستحب قبل يوم عرفة وسبعة إذا رجح إلى أهله في الأظهر ويندب تتابع الثلاثة وكذا السبعة ولو فاتته الثلاثة في الحج فالأظهر أنه يلزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة وعلى القارن دم كدم التمتع.
قلت: بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام. والله أعلم.

(1/91)


باب محرمات الإحرام
أحدها: ستر بعض رأس الرجل بما يعد ساترا إلا لحاجة ولبس المخيط أو المنسوج أو المعقود في سائر بدنه إلا إذا لم يجد غيره ووجه المرأة كرأسه ولها لبس المخيط إلا القفاز في الأظهر.

(1/91)


الثاني: استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه ودهن شعر الرأس أو للتحية ولا يكره غسل بدنه ورأسه بخطمي.
الثالث: إزالة الشعر أو الظفر وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاث أظفار والأظهر أن في الشعرة مد طعام وفي الشعرتين مدين وللمعذور أن يحلق ويفدى.
الرابع: الجماع وتفسد به العمرة وكذا الحج قبل التحلل الأول ويجب به بدنة والمضي في فاسده والقضاء وإن كان نسكه تطوعا والأصح أنه على الفور.
الخامس: اصطياد كل مأكول يرى.
قلت: وكذا المتولد منه ومن غيره والله أعلم ويحرم ذلك في الحرم على الحلال فإن أتلف صيدا ضمنه ففي النعامة بدنة وفي بقر الوحش وحماره بقرة والغزال عنز والأرنب عناق واليربوع جفرة وما لا نقل فيه يحكم بمثله عدلان وفيما لا مثل له القيمة ويحرم قطع نبات الحرم الذي لا يستنبت والأظهر تعلق الضمان به وبقطع أشجاره ففي الشجرة الكبيرة بقرة والصغيرة شاة.
قلت: والمستنبت كغيره على المذهب ويحل الإذخر وكذا الشوك كالعوسج وغيره عند الجمهور والأصح حل أخذ نباته لعلف البهائم وللدواء والله أعلم وصيد المدينة حرام ولا يضمن في الجديد ويتخير في الصيد المثلى بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم وبين أن يقوم المثلى دراهم ويشتري به طعاما لهم أو عن كل مد يوما وغير المثلى يتصدق بقيمته طعاما أو يصوم ويتخير في فدية الحلق بين ذبح شاة والتصدق

(1/92)


بثلاثة آصع لستة مساكين وصوم ثلاثة أيام والأصح أن الدم في ترك المأمور كالإحرام من الميقات دم ترتيب فإذا عجز اشترى بقيمة الشاة طعاما وتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوما ودم الفوات كدم التمتع ويذبحه في حجة القضاء في الأصح والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب لا يختص بزمان ويختص ذبحه بالحرم في الأظهر ويجب صرف لحمه إلى مساكينه وأفضل بقعة لذبح المعتمر المروة وللحاج منى وكذا حكم ما ساقه من هدى مكانا ووقته وقت الأضحية على الصحيح. والله أعلم.

(1/93)


باب الإحصار والفوات
من أحصر تحلل وقيل: لا تتحلل الشرذمة ولا تحلل بالمرض فإن شرطه تحلل به على المشهور ومن تحلل ذبح شاة حيث أحصر.
قلت: إنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل وكذا الحلق إن جعلناه نسكا فإن فقد الدم فالأظهر أن له بدلا وأنه طعام بقيمة الشاة فإن عجز صام عن كل مد يوما وله التحلل في الحال في الأظهر والله أعلم وإذا أحرم العبد بلا إذن فلسيده تحليله وللزوج تحليلها من حج تطوع لم يأذن فيه وكذا من الفرض في الأظهر ولا قضاء على المحصر المتطوع فإن كان فرضا مستقرا بقي في ذمته أو غير مستقر اعتبرت الاستطاعة بعد ومن فاته الوقوف تحلل بطواف وسعي وحلق وفيهما قول وعليه دم والقضاء.

(1/93)


كتاب البيع
مدخل
...
كتاب البيع
شرطه الإيجاب كبعتك وملكتك والقبول كاشتريت وتملكت وقبلت ويجوز تقديم لفظ المشتري ولو قال: بعني فقال: بعتك انعقد في الأظهر وينعقد بالكناية كجعلته لك بكذا في الأصح ويشترط أن لا يطول الفصل بين لفظيهما وأن يقبل على وفق الإيجاب فلو قال بعتك بألف مكسرة فقال: قبلت بألف صحيحة لم يصح وإشارة الأخرس بالعقد كالنطلق وشرط العاقد الرشد.
قلت: وعدم الإكراه بغير حق ولا يصح شراء الكافر المصحف والمسلم في الأظهر إلا أن يعتق عليه فيصح في الأصح ولا الحربي سلاحا والله أعلم وللمبيع شروط طهارة عينه فلا يصح بيع الكلب والخمر والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن وكذا الدهن في الأصح.
الثاني: النفع فلا يصح بيع الحشرات وكل سبع لا ينفع ولا حبتى الحنطة ونحوها وآلة اللهو وقيل: تصح الآلة إن عد رضاضها مالا ويصح بيع الماء على الشط والتراب بالصحراء في الأصح.
الثالث: إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والآبق والمغصوب فإن باعه لقادر على

(1/94)


انتزاعه صح على الصحيح ولا يصح بيع نصف معين من الإناء والسيف ونحوهما ويصح في الثوب الذي لا ينقص بقطعه في الأصح ولا المرهون بغير إذن مرتهنه ولا الجاني المتعلق برقبته مال في الأظهر ولا يضر تعلقه بذمته وكذا تعلق القصاص في الأظهر.
الرابع: الملك لمن له العقد فبيع الفضولي باطل وفي القديم موقوف إن أجاز مالكه نفذ وإلا فلا ولو باع مال مورثه ظانا حياته وكان ميتا صح في الأظهر.
الخامس: العلم به فبيع أحد الثوبين باطل ويصح بيع صاع من صبرة تعلم من صيعانها وكذا إن جهلت في الأصح ولو باع بملء ذا البيت حنطة أو بزنة هذه الحصاة ذهبا أو بما باع به فلان فرسه أو بألف دراهم ودنانير لم يصح ولو باع بنقد وفي البلد نقد غالب تعين أو نقدان لم يغلب أحدهما اشترط التعيين ويصح بيع الصبرة المجهولة الصيعان كل صاع بدرهم ولو باعها بمائة درهم كل صاع بدرهم صح إن خرجت مائة وإلا فلا على الصحيح ومتى كان العوض معينا كفت معاينته والأظهر أنه لا يصح بيع الغائب والثاني يصح ويثبت الخيار عند الربية وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالبا إلى وقت العقد دون ما يتغير غالبا وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة وأنموذج المتماثل أو كان صوانا للباقي خلقة كقشر الرمان والبيض والقشرة السفلى للجوز واللوز وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به والأصح أن وصفه بصفة السلم لا يكفي ويصح سلم الأعمى وقيل: إن عمى قبل تمييزه فلا.

(1/95)


باب الربا
إذا بيع الطعام بالطعام إن كانا جنسا اشترط الحلول والمماثلة والتقابض قبل التفرق أو جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض والطعام ما قصد للطعم اقتياتا أو تفكها أو تداويا وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلوها وأدهانها أجناس واللحوم والألبان كذلك في الأظهر والمماثلة تعتبر في المكيل كيلا والموزون وزنا والمعتبر غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جهل يراعى فيه عادة بلد البيع وقيل: الكيل وقيل: الوزن وقيل: يتخير وقيل: إن كان له أصل اعتبر والنقد بالنقد كطعام بطعام ولو باع جزافا تخمينا لم يصح وإن خرجا سواء وتعتبر المماثلة وقت الجفاف وقد يعتبر الكمال أولا فلا يباع رطب برطب ولا بتمر ولا عنب بعنب ولا بزبيب ومالا جفاف له كالقثاء والعنب الذي لا يتزبب لا يباع أصلا وفي قول تكفي مماثلته رطبا ولا تكفي مماثلة الدقيق والسويق والخبز بل تعتبر المماثلة في الحبوب حبا وفي حبوب الدهن كالسمسم حبا أو دهنا وفي العنب زبيبا أو خل عنب وكذا العصير في الأصح وفي اللبن لبنا أو سمنا أو مخيضا صافيا ولا تكفي المماثلة في سائر أحواله كالجبن والأقط ولا تكفي مماثلة ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشيء ولا يضر تأثير تمييز كالعسل والسمن وإذا جمعت الصفقة ربويا من الجانبين واختلف الجنس منهما كمد عجوة ودرهم بمد ودرهم وكمد ودرهم بمدين أو درهمين أو النوع كصحاح ومكسرة بهما أو بأحدهما فباطلة ويحرم بيع اللحم بالحيوان من جنسه وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره في الأظهر.

(1/96)


باب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل
وهو ضرابه ويقال ماؤه ويقال أجرة ضرابه فيحرم ثمن مائه وكذا أجرته في الأصح وعن حبل الحبلة وهو نتاج النتاج بأن يبيع نتاج النتاج أو بثمن إلى نتاج النتاج وعن الملاقيح وهي ما في البطون والمضامين وهي ما في أصلاب الفحول والملامسة بأن يلمس ثوبا مطويا ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه والمنابذة بأن يجعلا النبذ بيعا وبيع الحصاة بأن يقول له بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه أو يجعلا الرمي بيعا أو بعتك ولك الخيار إلى رميها وعن بيعتين في بيعة بأن يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا وعن بيع وشرط كبيع بشرط بيع أو قرض ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصده البائع أو ثوبا ويخيطه فالأصح بطلانه ويستثني صور كالبيع بشرط الخيار أو البراءة من العيب أو بشرط قطع الثمر والأجل والرهن والكفيل المعينات الثمن في الذمة والإشهاد ولا يشترط تعيين الشهود في الأصح فإن لم يرهن أو لم يتكفل المعين فللبائع الخيار ولو باع عبدا بشرط إعتاقه فالمشهور صحة البيع والشرط والأصح أن للبائع مطالبة المشتري بالإعتاق وأنه لو شرط مع العتق الولاء له أو شرط تدبيره أو كتابته أو إعتاقه بعد شهر لم يصح البيع ولو شرط مقتضي العقد كالقبض والرد بعيب أو ما لا غرض فيه كشرط أن لا يأكل إلا كذا صح ولو شرط وصفا يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة حاملا أو لبونا صح

(1/97)


وله الخيار إن أخلف وفي قول يبطل العقد في الدابة ولو قال: بعتكها وحملها بطل في الأصح ولا يصح بيع الحمل وحده ولا الحامل دونه ولا الحامل بحر ولو باع حاملا مطلقا دخل الحمل في البيع.
فصل
ومن المنهي عنه ما لا يبطل لرجوعه إلى معنى يقترن به كبيع حاضر لباد بأن يقدم غريب بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول بلدي اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى وتلقى الركبان بأن يتلقى طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه قبل قدومهم ومعرفتهم بالسعر ولهم الخيار إذا عرفوا الغبن والسوم على سوم غيره وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن والبيع على بيع غيره قبل لزومه بأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله والشراء على الشراء بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه والنجش بأن يزيد في الثمن لا لرغبة بل ليخدع غيره والأصح أنه لا خيار وبيع الرطب والعنب لعاصر الخمر ويحرم التفريق بين الأم والولد حتى يميز وفي قول حتى يبلغ وإذا فرق ببيع أو هبة بطل في الأظهر ولا يصح بيع العربون بأن يشتري ويعطيه دراهم لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبة.
فصل
باع خلا وخمرا أو عبده وحرا وعبد غيره أو مشتركا بغير إذن الآخر صح في ملكه في

(1/98)


الأظهر فيتخير المشتري إن جهل فإن أجاز فبحصته من المسمى باعتبار قيمتهما وفي قول بجميعه ولا خيار للبائع ولو باع عبديه فتلف أحدهما قبل قبضه لم ينفسخ في الآخر على المذهب بل يتخير فإن أجاز فبالحصة قطعا ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع أو وسلم صحا في الأظهر ويوزع المسمى على قيمتهما أو بيع ونكاح صح النكاح وفي البيع والصداق القولان وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن كبعتك ذا بكذا وذا بكذا وبتعدد البائع وكذا بتعدد المشتري في الأظهر ولو وكلاه أو وكلهما فالأصح اعتبار الوكيل.

(1/99)


باب الخيار
يثبت خيار المجلس في أنواع البيع كالصرف والطعام بطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة ولو اشترى من يعتق عليه فإن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف فلهما الخيار وإن قلنا للمشتري تخير البائع دونه ولا خيار في الإبراء والنكاح والهبة بلا ثواب وكذا ذات الثواب والشفعة والإجارة والمساقاة والصداق في الأصح وينقطع بالتخاير بأن يختارا لزومه فلو اختار أحدهما سقط حقه وبقي حق الآخر وبالتفريق ببدنهما فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل دام خيارهما ويعتبر في التفرق العرف ولو مات في المجلس أو جن فالأصح انتقاله إلى الوارث والولي ولو تنازعا في التفرق أو الفسخ قبله صدق النافي.
فصل
لهما ولأحدهما شرط الخيار في أنواع البيع إلا أن يشترطا القبض في المجلس كربوي

(1/99)


وسلم وإنما يجوز في مدة معلومة لا تزيد عن ثلاثة أيام وتحسب من العقد وقيل: من التفرق والأظهر انه إن كان الخيار للبائع فملك المبيع له وإن كان للمشتري فله وإن كان لهما فموقوف فإن تم البيع بان أنه للمشتري من حين العقد وإلا فللبائع ويحصل الفسخ والإجازة بلفظ يدل عليهما كفسخت البيع ورفعته واسترجعت المبيع وفي الإجازة أجزته وأمضيته ووطء البائع وإعتاقه فسخ وكذا بيعه وإجارته وتزويجه في الأصح والأصح أن هذه التصرفات من المشتري إجازة وأن العرض على البيع والتوكيل فيه ليس فسخا من البائع ولا إجازة من المشتري.
فصل
للمشتري الخيار بظهور عيب قديم كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه وبوله بالفراش وبخره وصنانه وجماح الدابة وعضها وكل ما ينقص العين أو القيمة نقصا يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمه سواء قارن العقد أم حدث قبل القبض ولو حدث بعده فلا خيار إلا أن يستند إلى سبب متقدم كقطعه بجناية سابقة فيثبت الرد في الأصح بخلاف موته بمرض سابق في الأصح ولو قتل بردة سابقة ضمنه البائع في الأصح ولو باع بشرط براءة من العيوب فالأظهر أنه يبرأ عن كل عيب باطن بالحيوان لم يعلمه دون غيره وله مع هذا الشرط بعيب حدث قبل القبض ولو شرط البراءة عما يحدث لم يصح في

(1/100)


الأصح ولو هلك المبيع عند المشتري أو أعتقه ثم علم العيب رجع بالأرش وهو جزء من ثمنه نسبته إليه نسبة ما نقص العيب من القيمة لو كان سليما والأصح اعتبار أقل قيمة من يوم البيع إلى القبض ولو تلف الثمن دون المبيع رده وأخذ مثل الثمن أو قيمته ولو علم العيب بعد زوال ملكه إلى غيره فلا أرش في الأصح فإن عاد الملك فله الرد وقيل: إن عاد بغير الرد بعيب فلا رد والرد على الفور فليبادر على العادة فلو علمه وهو يصلي أو يأكل فله تأخيره حتى يفرغ أو ليلا فحتى يصبح فإن كان البائع بالبلد رده عليه بنفسه أو وكيله أو على وكيله ولو تركه ورفع الأمر إلى الحاكم فهو آكد وإن كان غائبا رفع إلى الحاكم والأصح أنه يلزمه الإشهاد على الفسخ إن أمكنه حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم فإن عجز عن الإشهاد لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح ويشترط ترك الاستعمال فلو استخدم العبد أو ترك على الدابة سرجها وإكافها بطل حقه ويعذر في ركوب جموح يعسر سوقها وقودها وإذا سقط رده بتقصير فلا أرش لو حدث عنده عيب سقط الرد قهرا ثم إن رضي به البائع رده المشتري أو قنع به وإلا فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرده أو يغرم البائع أرش القديم ولا يرد فإن اتفقا على أحدهما فذاك وإلا فالأصح إجابة من طلب الإمساك ويجب أن يعلم المشتري البائع على الفور بالحادث ليختار فإن أخر إعلامه بلا عذر فلا رد ولا أرش ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به ككسر بيض وراتج وتقوير بطيخ مدود رد ولا أرش عليه في الأظهر فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه فكسائر العيوب الحادثة.

(1/101)


فرع: اشترى عبدين معيبين صفقة ردهما ولو ظهر عيب أحدهما ردهما إلى المعيب وحده في الأظهر ولو اشترى عبد رجلين معيبا فله رد نصيب أحدهما ولو اشترياه فلأحدهما الرد في الأظهر اختلفا في قدم العيب صدق البائع بيمينه على حسب جوابه والزيادة المتصلة كالسمن تتبع الأصل والمنفصلة كالولد والأجرة لا تمنع الرد وهي للمشتري إن رد بعض القبض وكذا قبله في الأصح ولو باعها حاملا فانفصل رده معها في الأظهر ولا يمنع الرد الاستخدام ووطء الثيب وافتضاض البكر بعد القبض نقص حدث وقبله جناية على المبيع قبل القبض.
فصل
التصرية حرام تثبت الخيار على الفور وقيل: يمتد ثلاثة أيام فإن رد بعد تلف اللبن رد معها صاع
تمر وقيل: يكفي صاع قوت والأصح أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن وأن خيارها لا يختص بالنعم بل يعم كل مأكول والجارية والأتان ولا يرد معهما شيئا وفي الجارية وجه وحبس ماء القناة والرحا المرسل عند البيع وتحمير الوجه وتسويد الشعر وتجعيده يثبت الخيار لا لطخ ثوبه تخييلا لكتابته في الأصح.

(1/102)


باب المبيع قبل قبضه من ضمان البائع
فإن تلف انفسخ البيع وسقط الثمن ولو أبرأه المشتري عن الضمان لم يبرأ في الأظهر ولم يتغير الحكم وإتلاف المشتري قبض إن علم وإلا فقولان كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفا والمذهب أن إتلاف البائع كتلفه والأظهر أن إتلاف الأجنبي لا يفسخ بل يتخير المشتري بين أن يجيز ويغرم الأجنبي أو يفسخ فيغرم البائع الأجنبي ولو تعيب قبل القبض فرضيه أخذه بكل الثمن ولو عيبه المشتري بلا خيار أو الأجنبي فالخيار فإن أجاز غرم الأجنبي الأرش ولو عيبه البائع فالمذهب ثبوت الخيار لا

(1/102)


التغريم ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه والأصح أن بيعه للبائع كغيره وأن الإجارة والرهن والهبة كالبيع وأن الإعتاق بخلافه والثمن المعين كالمبيع فلا يبيعه البائع قبل قبضه وله بيع ماله في يد غيره أمانة كوديعة ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه وموروث وباق في يد وليه بعد رشده وكذا عارية ومأخوذة بسوم ولا يصح بيع المسلم فيه ولا الإعتياض عنه والجديد جواز الاستبدال عن الثمن فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير اشترط قبض البدل في المجلس والأصح أنه لا يشترط التعيين في العقد وكذا القبض في المجلس إن استبد ما لا يوافق في العلة كثوب عن دراهم ولو استبدل عن القرض وقيمة المتلف جاز وفي اشتراط قبضه في المجلس ما سبق وبيع الدين لغير من عليه باطل في الأظهر بأن اشترى عبد زيد بمائة له على عمرو ولو كان لزيد وعمرو دينار على شخص فباع زيد عمرا دينه بدينه بطل قطعا وقبض العقار تخليته للمشتري وتمكينه من الصرف بشرط فراغه من أمتعة البائع فإن لم يحضر العاقدان المبيع اعتبر مضي زمن يمكن فيه المضي إليه في الأصح وقبض المنقول تحويله فإن جرى البيع بموضع لا يختص بالبائع كفى نقله إلى حيز وإن جرى في دار البائع لم يكف ذلك إلا بإذن البائع فيكون معيرا للبقعة.
فرع: للمشتري قبض المبيع إن كان الثمن مؤجلا أو سلما وإلا فلا يستقل به ولو بيع الشيء تقديرا كثوب وأرض ذرعا وحنطة كيلا أو وزنا اشترط مع النقل ذرعه أو كيله أو وزنه مثاله بعتكها كل صاع بدرهم أو على أنها عشرة آصع ولو كان له طعام مقدر على زيد ولعمرو عليه مثله فليكتل لنفسه ثم يكل لعمرو فلو قال اقبض من زيد مالي عليه لنفسك ففعل فالقبض فاسد.

(1/103)


فرع: قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري في الثمن مثله أجبر البائع وفي قول المشتري وفي قول لا إجبار فمن سلم أجبر صاحبه وفي قول يجبران.
قلت: فإن كان الثمن معينا سقط القولان الأولان وأجبرا في الأظهر والله أعلم وإذا سلم البائع أجبر المشتري إن حضر الثمن وإلا فإن كان معسرا فللبائع الفسخ لمفلس أو موسر أو ماله بالبلد أو مسافة قريبة حجر عليه في أمواله حتى يسلم فإن كان بمسافة القصر لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره والأصح أن له الفسخ فإن صبر فالحجر كما ذكرنا وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه إن خاف فوته بلا خلاف وإنما الأقوال إذا لم يخف فوته وتنازعا في مجرد الابتداء.

(1/104)


باب التولية والإشراك والمرابحة
اشترى شيأ ثم قال العالم بالثمن وليتك هذا العقد فقبل لزمه مثل الثمن وهو بع في شرطه وترتيب أحكامه لكن لا يحتاج إلى ذكر الثمن ولو حط عن المولى بعض الثمن انحط عن المولى والإشراك في بعضه كالتولية في كله إن بين البعض ولو أطلق صح وكان مناصفة وقيل: لا يصح بيع المرابحة بأن يشتريه بمائة ثم يقول بعتك بما اشتريت وربح درهم لكل عشرة وأو ربح ده يازده والمحاطة كبعت بما اشتريت وحط ده يازده ويحط من كل أحد عشر واحدة وقيل: من كل عشرة وإذا قال بعت بما اشتريت لم يدخل فيه سوى الثمن ولو قال بما قال على دخل مع ثمنه أجرة الكيال والدلال والحارس والقصار والرفاء والصاغ وقيمة

(1/104)


الصبغ وسائر المؤن المرادة للإسترباح ولو قصر بنفسه أو كال أو حمل أو تطوع به شخص ولم تدخل أجرته وليعلما ثمنه أو ما قام به فلو جهله أحدهما بطل على الصحيح وليصدق البائع في قدر الثمن والأجل والشراء بالعرض وبيان العيب الحادث عنده فلو قال بمائة فبان بتسعين فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها وأنه لا خيار للمشتري ولو زعم أنه مائة وعشرة وصدقه المشتري لم يصح البيع في الأصح.
قلت: الأصح صحته والله أعلم وإن كذبه ولم يبين للغلط وجها محتملا لم يقبل قوله ولا بينته وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح وإن بين فله التحليف والأصح سماع بينته.

(1/105)


باب الأصول والثمار
قال: بعتك هذه الأرض أو الساحة أو البقعة وفيها بناء وشجر فالمذهب أنه يدخل في البيع دون الرهن وأصول البقل التي تبقى سنتين كالقت والهندبا كالشجر ولا يدخل ما يؤخذ دفعة كحنطة وشعير وسائر الزروع ويصح بيع الأرض المزروعة على المذهب وللمشتري الخيار إن جهله ولا يمنع الزرع دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح والبذر كالزرع والأصح أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع ولو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع بطل في الجميع وقيل: في الأرض قولان ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة فيها دون المدفونة ولا خيار للمشتري إن علم ويلزم البائع النقل وكذا إن جهل ولم يضر قلعها وإن ضر فله الخيار فإن أجاز لزم البائع النقل وتسوية الأرض وفي

(1/105)


وجوب أجرة المثل مدة النقل أوجه أصحها تجب أن نقل بعد القبض لا قبله ويدخل في بيع البستان الأرض والشجر والحيطان وكذا البناء على المذهب وفي بيع القرية الأبينة وساحات يحيط بها السور لا المزارع على الصحيح وفي بيع الدار الأرض وكل بناء حتى حمامها إلا المنقول كالدلو والبكرة والسرير وتدخل الأبواب المنصوبة وحلقها والإجانات والرف والسلم المسمران وكذا الأسفل من حجري الرحى على الصحيح والأعلى ومفتاح غلق مثبت في الأصح، وفي بيع الدابة نعلها وكذا ثياب العبد في بيعه في الأصح.
قلت: الأصح لا تدخل ثياب العبد. والله أعلم.
فرع: باع شجرة دخل عروقها وورقها وفي ورق التوت وجه أغصانها إلا اليابس ويصح بيعها بشرط القلع أو القطع وبشرط الإبقاء والإطلاق يقتضي الإبقاء والأصح أنه لا يدخل المغرس لكن يستحق منفعته ما بقيت الشجرة ولو كانت يابسة لزم المشتري القلع وثمرة النخل المبيع إن شرطت للبائع أو المشتري عمل به وإلا فإن لم يتأبر منها شيء فهي للمشتري وإلا فللبائع وما يخرج ثمره بلا نور كتين وعنب إن برز ثمره فللبائع وإلا فللمشتري وما خرج في نوره ثم سقط كمشمش وتفاح فللمشتري إن لم تنعقد الثمرة وكذا إن انعقدت ولم يتناثر النور في الأصح وبعد التناثر للبائع ولو باع نخلات بستان مطلعة وبعضها مؤبر فللبائع فإن أفرد ما لم يؤبر فللمشتري في الأصح ولو كانت في بساتين فالأصح إفراد كل بستان بحكمه وإذا بقيت الثمرة للبائع فإن شرط القطع لزمه وإلا فله تركها إلى الجذاذ ولكل منهما السقي إن انتفع به الشجر والثمر ولا منع للآخر وإن ضرهما لم يجز إلا برضاهما وإن ضر أحدهما وتنازعا فسخ العقد إلا أن يسامح المتضرر وقيل: لطالب السقي أن يسقي ولو كان الثمر يمتص رطوبة الشجر لزم البائع أن يقطع أو يسقي.

(1/106)


فصل
يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقا وبشرط قطعه وبشرط إبقائه وقبل إصلاح إن بيع منفردا عن الشجرة لا يجوز إلا بشرط القطع وأن يكون المقطوع منتفعا به لا ككمثرى وقيل: إن كان الشجر للمشتري جاز بلا شرط.
قلت: فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع لا يجب الوفاء به والله أعلم وإن بيع مع الشجر جاز بلا شرط ولا يجوز بشرط قطعه ويحرم بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط قطعه فإن بيع معها أو بعد اشتداد الحب جاز بلا شرط ويشترط لبيعه وبيع الثمر بعد بدو الصلاح ظهور المقصود كتين وعنب وشعير وما لا يرى حبه كالحنطة والعدس في السنبل لا يصح بيعه دون سنبله ولا معه في الجديد ولا بأس بكمام لا يزال إلا عند الأكل وماله كمامان كالجوز واللوز والباقلا يباع في قشره الأسفل ولا يصح في الأعلى وفي قول يصح إن كان رطبا وبد صلاح التمر ظهور مبادي النضج والحلاوة فيما لا يتلون وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السواد ويكفي بدو صلاح بعضه وإن قل ولو باع ثمرة بستان أو بساتين بدا صلاح بعضه فعلى ما سبق في التأبير ومن باع ما بدلا صلاحه لزمه سقيه قبل التخلية وبعدها ويتصرف مشتريه بعدها ولو عرض مهلك بعدهما كبرد فالجديد أنه من ضمان المشتري فلو تعيب بترك البائع السقي فله الخيار ولو بيع قبل صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك فأولى بكونه من ضمان المشتري ولو بيع ثمر يغلب تلاحقه واختلاط حادثه بالموجود كتين وقثاء لم يصح إلا أن يشترط على المشتري قطع ثمره ولو حصل الاختلاط فيما يندر فيه فالأظهر أنه لا يفسخ البيع بل يتخير المشتري فإن سمح له البائع بما حدث سقط خياره في الأصح ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية وهو المحاقلة ولا الرطب

(1/107)


على النخل بثمر وهو المزابنة ويرخص في العرايا وهو بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض أو العنب في الشجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق ولو زاد في صفقتين جاز ويشترط التقابض بتسليم الثمر كيلا والتخلية في النخل والأظهر أنه لا يجوز في سائر الثمار وأنه لا يختص بالفقراء.

(1/108)


باب اختلاف المتبايعين
إذا اتفقا على صحة البيع ثم اختلفا في كيفيته كقدر الثمن أو صفته أو الأجل أو قدره أو قدر المبيع ولا بينة تحالفا فيحلف كل على نفي قول صاحبه وإثبات قوله ويبدأ بالبائع وفي قول المشتري وفي قول يتساويان فيتخير الحاكم وقيل: يقرع والصحيح أنه يكفي كل واحد يمين تجمع نفيا وإثباتا ويقدم النفي فيقول ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا وإذا تحالفا فالصحيح أنه العقد لا ينفسخ بل إن تراضيا وإلا فليفسخانه أو أحدهما أو الحاكم وقيل: إنما يفسخه الحاكم ثم على المشتري رد المبيع فإن كان وقفه أو أعتقه أو باعه أو مات لزمه قيمته وهي قيمته يوم التلف في أظهر الأقوال وإن تعيب رده مع أرشه واختلاف ورثتهما كهما ولو قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه فلا تحالف بل يحلف كل على نفي دعوى الآخر فإذا حلفا رده مدعي الهبة بزوائده ولو ادعى صحة البيع والآخر فساده فالأصح تصديق مدعي الصحة بيمينه ولو اشترى عبدا فجاء بعبد معيب ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع بيمينه وفي السلم يصدق في الأصح.

(1/108)


باب العبد إن لم يؤذن له في التجارة
لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح ويسترده البائع سواء كان في يد العبد أو سيده فإن تلف في يده تعلق الضمان بذمته أو في يد السيد فللبائع تضمينه وله مطالبة العبد بعد العقد واقتراضه كشرائه وأن أذن له في التجارة تصرف بحسب الإذن فإن أذن في نوع لم يتجاوزه وليس له نكاح ولا يؤجر نفسه ولا يأذن لعبده في تجارة ولا يتصدق ولا يعامل سيده ولا ينعزل بإباقه ولا يصير مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه ويقبل إقراره بديون المعاملة ومن عرف رق عبد لم يعامله حتى يعلم الإذن بسماع سيده أو بينة أو شيوع بين الناس وفي الشيوع وجه ولا يكفي قول العبد فإن باع مأذون له وقبض الثمن فتلف في يده فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها على العبد وله مطالبة السيد أيضا وقيل: لا وقيل: إن كان في يد العبد وفاء فلا ولو اشترى سلعة ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف ولا يتعلق دين التجارة برقبته ولا ذمة سيده بل يؤدي من مال التجارة وكذا من كسبه باصطياد ونحوه في الأصح ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر.

(1/109)


كتاب السلم
هو بيع موصوف في الذمة يشترط له مع شروط البيع أمور:
أحدها: تسليم رأس المال في المجلس فلو أطلق ثم عين وسلم في المجلس جاز ولو أحال به وقبضه لمحال في المجلس فلا ولو قبضه وأودعه المسلم جاز ويجوز كونه منفعة وتقبض بقبض العين وإذا فسخ السلم ورأس المال باق استرده بعينه وقيل: للمسلم إليه رد بدله إن عين في المجلس دون العقد ورؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره في الأظهر.
الثاني: كون المسلم فيه دينا فلو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فليس بسلم ولا ينعقد بيعا في الأظهر ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك انعقد بيعا وقيل: سلما.
الثالث: المذهب أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله مؤنة اشترط بيان محل التسليم وإلا فلا ويصح حالا ومؤجلا فإن أطلق انعقد حالا وقيل: لا ينعقد ويشترط العلم بالأجل فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز وإن أطلق حمل على الهلالي فإن انكسر شهر حسب الباقي بالأهلة وتمم الأول ثلاثين والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى ويحمل على الأول.

(1/110)


فصل
يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوب التسليم فإن كان يوجد ببلد آخر صح إن اعتيد نقله للبيع وإلا فلا ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله لم ينفسخ في الأظهر فيتخير المسلم بين فسخه والصبر حتى يوجد ولو علم قبل المحل انقطاعه عنده فلا خيار قبله في الأصح وكونه معلوم القدر كيلا أو وزنا أو عدا أو ذرعا ويصح المكيل وزنا وعكسه ولو أسلم في مائة صاع حنطة على أن وزنها كذا لم يصح ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان ويصح في الجوز واللوز بالوزن في نوع يقل اختلافه وكذا كيلا في الأصح ويجمع في اللبن بين العد والوزن ولو عين مكيالا فسد إن لم يكن معتادا وإلا فلا في الأصح ولو أسلم في ثمر قرية صغيرة لم يصح أو عظيمة صح في الأصح ومعرفة الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا أو ذكرها في العقد على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود فلا يصح فيما لا ينضبط مقصوده له كالمختلط المقصود الأركان كهريسة ومعجون وغالية وخف وترياق مخلوط والأصح صحته في المختلط المنضبط كعتابي وخز وجبن وأقط وشهد وخل تمر أو زبيب لا الخبز في الأصح عند الأكثرين ولا يصح فيما ندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة ولا فيما لو استقصى وصفه عز وجوده كاللؤلؤ الكبار واليواقيت وجارية وأختها أو ولدها.
فرع: يصح في الحيوان فيشترط في الرقيق ذكر نوعه كتركي ولنه كأبيض ويصف بياضه بسمرة أو شقرة وذكورته وأنوثته وسنه وقده طولا وقصرا وكله على التقريب ولا يشترط

(1/111)


ذكر الكحل والسمن ونحوهما في الأصح وفي الإبل والخيل والبغال والحمير الذكورة والأنوثة والسن واللون والنوع وفي الطير النوع والصغر وكبر الجثة وفي اللحم لحم بقر أو ضأن أو معز ذكر خصي رضيع معلوف أو ضدها من فخذ أو كتف أو جنب ويقبل عظمه على العادة وفي الثياب الجنس والطول والعرض والغلظ والدقة والصفاقة والرقة والنعومة والخشونة ومطلقه يحمل على الخام ويجوز في المقصور وما سبع غزله قبل النسج كالبرود والأقيس صحته في المصبوغ بعده.
قلت: الأصح منعه وبه قطع الجمهور والله أعلم وفي التمر لونه ونوعه وبلده وصغر الحبات وكبرها وعتقه وحداثته والحنطة وسائر الحبوب كالتمر وفي العسل جبلي أو بلدي صيفي أو خريفي أبيض أو أصفر ولا يشترط العتق والحداثة ولا يصح في المطبوخ والمشوي ولا يضر تأثير الشمس والأظهر منعه في رؤوس الحيوان ولا يصح في مختلف كبرمة معمولة وجلد وكوز وطس وقمقم ومنارة وطنجير ونحوها ويصح في الاسطال المربعة وفيما صب منها في قالب ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة في الأصح ويحمل مطلقة على الجيد ويشترط معرفة العاقدين والصفات وكذا غيرهما في الأصح.
فصل
لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غيرت جنسه ونوعه وقيل: يجوز في نوعه ولا يجب ويجوز أردأ من المشروط ولا يجب ويجوز أجود ويجب قبوله في الأصح ولو أحضره قبل محلة فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح بأن كان حيوانا أو وقت غارة لم يجبر وإلا فإن كان للمؤدي غرض صحيح كفك رهن أجبر وكذا لمجرد غرض البراءة في الأظهر ولو وجد المسلم المسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم لم يلزم الأداء إن كان لنقله مؤنة

(1/112)


ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح وإن امتنع من قبوله هناك لم يجبر إن كان لنقله مؤنة أو كان الموضع مخوفا وإلا فالأصح إجباره.
فصل
الإقراض مندوب وصيغته أقرضتك أو أسلفتك أو خذه بمثله أو ملكتكه على أن ترد بدله ويشترط قبوله في الأصح وفي المقرض أهلية التبرع ويجوز إقراض ما يسلم فيه إلا الجارية التي تحل للمقترض في الأظهر وما لا يسلم فيه لا يجوز إقراضه في الأصح ويرد المثل في المثلى وفي المتقوم المثل صورة وقيل: القيمة ولو ظفر طالبه به في غير محل الإقراض وللنقل مؤنة طلبه بقيمة بلد الإقراض ولا يجوز بشرط رد صحيح عن مكسر أو زيادة ولو رد هكذا بلا شرط فحسن ولو شرط مكسرا عن صحيح أو أن يقرضه غيره لغا الشرط والأصح أنه لا يفسد العقد ولو شرط أجلا فهو كشرط مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض وإن كان كزمن نهب فكشرط صحيح عن مكسر في الأصح وله شرط رهن وكفيل ويملك لقرض بالقبض وفي قول بالتصرف وله الرجوع في عينه ما دام باقيا بحاله في الأصح. والله أعلم.

(1/113)


كتاب الرهن
لا يصح إلا بإيجاب وقبول فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به أو مصلحة للعقد كالإشهاد أو مالا غرض فيه صح العقد وإن شرط ما يضر المرتهن بطل الرهن وإن نفع المرتهن وضر الراهن كشرط منفعة للمرتهن بطل الشرط وكذا الرهن في الأظهر ولو شرط أن تحدث زوائده مرهونة فالأظهر فساد الشرط وأنه متى فسد فسد العقد وشرط العاقد كونه مطلق التصرف فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون ولا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة وشرط الرهن كونه عينا في الأصح ويصح رهن المشاع والأم دون ولدها وعكسه وعند الحاجة يباعان ويوزع الثمن والأصح أن تقوم الأم وحدها ثم مع الولد فالزائد قيمته ورهن الجاني والمرتد كبيعهما ورهن المدبر والمعلق عتقه بصفة يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب ولو رهن ما يسرع فساده فإن أمكن تجفيفه كرطب فعل وإلا فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده أو شرط بيعه وجعل الثمن رهنا صح ويباع عند خوف فساده ويكون ثمنه رهنا وإن شرط منع بيعه لم يصح وإن أطلق فسد في الأظهر وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل صح
في الأظهر وإن رهن ما لا يسرع فساده فطر أما عرضه للفساد كحنطة ابتلت لم ينفسخ الرهن بحال ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه وهو في قول عارية

(1/114)


والأظهر أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء فيشترط ذكر جنس الدين وقدره وصفته وكذا المرهون عنده في الأصح فلو تلف في يد المرتهن فلا ضمان ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن فإذا حل الدين أو كان حالا روجع المالك للبيع ويباع إن لم يقض الدين ثم يرجع المالك بما بيع به.
فصل
شرط المرهون به كونه دينا ثابتا لازما فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح ولا بما سيقرضه ولو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال اقترضت ورهنت أو قال بعتكه بكذا وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت صح في الأصح ولا يصح بنجوم الكتابة ولا بجعل الجعالة قبل الفراغ وقيل: يجوز بعد الشروع ويجوز بالثمن في مدة الخيار وبالدين رهن بعد رهن ولا يجوز أن يرهنه المرهون عنده بدين آخر في الجديد ولا يلزم إلا بقبضه ممن يصح عقده وتجري فيه النيابة لكن لا يستنيب الراهن ولا عبده وفي المأذون له وجه ويستنيب مكاتبه ولو رهن وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب لم يلزم ما لم يمض زمن إمكان قبضه والأظهر اشتراط إذنه في قبضه ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب ويبرئه إيداع في الأصح ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة وكتابة وكذا تدبيره في الأظهر وبرهن مقبوض وبإحبالها لا الوطء والتزويج ولو مات العاقد قبل القبض أو جن أو تخمر العصير أو أبق العبد لم يبطل الرهن في الأصح وليس للراهن المقبض تصرف يزيل الملك لكن في إعتاقه أقوال أظهرها ينفذ من الموسر ويغرم قيمته يوم عتقه رهنا وإن لم ينفذ فانفك لم ينفذه في الأصح ولو علقه

(1/115)


بصفة فوجدت وهو رهن فكالإعتاق أو بعده نفذ على الصحيح ولا رهنه لغيره ولا التزويج ولا الإجارة إن كان الدين حالا او يحل قبلها ولا الوطء فإن وطىء فالولد حر وفي نفوذ الإستيلاد أقوال الإعتاق فإن لم ننفذه فانفك نفذ في الأصح فلو ماتت بالولادة غرم قيمتها رهنا في الأصح وله كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى لا البناء والغراس فإن فعل لم يقلع قبل الأجل وبعده إن لم تف الأرض بالدين وزادت به ثم إن أمكن الانتفاع بغير استرداد لم يسترد وإلا فيسترد ويشهدان لمتهمه وله بإذن المرتهن ما منعناه وله الرجوع قبل تصرف الراهن فإن تصرف جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله ولو أذن في بيعه ليعجل المؤجل من ثمنه لم يصح البيع وكذا لو شرط رهن الثمن في الأظهر.
فصل
إذا لزم الرهن فاليد فيه للمرتهن ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق ولو شرطا وضعه عند عدل جاز أو عند اثنين ونصا على اجتماعهما على حفظه أو الإنفراد به فذاك وإن أطلقا فليس لأحدهما الإنفراد في الأصح ولو مات العدل أو فسق جعلاه حيث يتفقان وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل ويستحق بيع المرهون عند الحاكم ويقدم المرتهن بثمنه ويبيعه الراهن او وكيله بإذن المرتهن فإن لم يأذن قال له الحاكم تأذن أو تبرىء ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن ألزمه القاضي قضاء الدين أو بيعه فإن أصر باعه الحاكم ولو باعه المرتهن

(1/116)


بإذن الراهن فالأصح أنه إن باع بحصرته صح وإلا فلا ولو شرطا أن يبيعه العدل جاز ولا يشترط مراجعة الراهن في الأصح فإذا باع فالثمن عنده من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن ولو تلف ثمنه في يد العدل ثم استحق المرهون فإن شاء المشتري رجع على العدل وإن شاء على الراهن والقرار عليه ولا يبيع العدل إلا بثمن مثله حالا من نقد بلده فإن زاد راغب قبل انقضاء الخيار فليفسخ وليبعه ومؤنة المرهون على الراهن ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح ولا يمنع راهن من مصلحة المرهون كفصد وحجامة وهو أمانة في يد المرتهن ولا يسقط بتلفه شيء من دينه وحكم فاسد العقود حكم صحيحها في الضمان ولو شرط كون المرهون مبيعا له عند الحلول فسد وهو قبل المحل أمانة ويصدق المرتهن في دعوى التلف بيمينه ولا يصدق في الرد عند الأكثرين ولو وطىء المرتهن المرهونة بلا شبهة فزان ولا يقبل قوله جهلت تحريمه إى أن يقرب إسلامه أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء وإن وطىء بإذن الراهن قبل دعواه جهل التحريم في الأصح فلا حد ويجب المهر إن أكرهها والولد حر نسيب وعليه قيمته للراهن ولو أتلف المرهون وقبض بدله صار هنا والخصم في البدل الراهن فإن لم يخاصم يخاصم المرتهن في الأصح فلو وجب قصاص اقتص الراهن وفات الرهن فإن وجب المال بعفوه أو بجناية خطأ لم يصح عفوه عنه ولا إبراء المرتهن الجاني ولا يسري الرهن إلى زيادته المنفصلة كثمر وولد فلو رهن حاملا وحل الأجل وهي حامل بيعت وإن ولدته بيع معها في الأظهر فإن كانت حاملا عند البيع دون الرهن فالولد ليس برهن في الأظهر.
فصل
جنى المرهون قدم المجني عليه فإن اقتص أو بيع له بطل الرهن وإن جنى على سيده

(1/117)


فاقتص بطل وإن عفا على مال لم يثبت على الصحيح فيبقى رهنا وإن قتل مرهونا لسيده عند آخر فاقتص بطل الرهنان وإن وجب مال تعلق به حق مرتهن القتيل فيباع وثمنه رهن وقيل: يصير رهنا فإن كان مرهونين عند شخص بدين واحد نقصت الوثيقة أو بدينين وفي نقل الوثيقة غرض نقلت: ولو تلف مرهون بآفة بطل وينفك بفسخ المرتهن وبالبراءة من الدين فإن بقي شيء منه لم ينفك شيء من الرهن ولو رهن نصف عبد بدين ونصفه بآخر فبرىء من أحدهما أنفك قسطه ولو رهناه فبرىء أحدهما انفك نصيبه.
فصل
اختلفا في الرهن أو قدره صدق الراهن بيمينه إن كان رهن تبرع وإن شرط في بيع تحالفا ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمائة وصدقه احدهما فنصيب المصدق رهن بخمسين والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه وتقبل شهادة المصدق عليه ولو اختلفا في قبضه فإن كان في يد الراهن أو في يد المرتهن وقال الراهن غصبته صدق الراهن بيمينه وكذا إن قال أقبضته عن جهة أخرى في الأصح ولو أقر بقبضه ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه وقيل: لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلا كقوله شهدت على رسم القبالة ولو قال أحدهما جنى المرهون وأنكر الآخر صدق المنكر بيمينه ولو قال الراهن جنى قبل القبض فالأظهر تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره والأصح أنه إذا حلف غرم

(1/118)


الراهن للمجني عليه وأنه يغرم الأقل من قيمة العبد وأرش الجناية وأنه لو نكل المرتهن ردت اليمين على المجني عليه لا على الراهن فإذا حلف بيع في الجناية ولو أذن في بيع المرهون فبيع ورجع عن الإذن وقال رجعت قبل البيع وقال الراهن بعده فالأصح تصديق المرتهن ومن عليه ألفان بأحدهما رهن فأدى ألفا وقال أديته عن ألف الرهن صدق بيمينه وإن لم ينو شيئا جعله عما شاء وقيل: يقسط.
فصل
من مات وعليه دين تعلق بتركته تعلقه بالمرهون وفي قول كتعلق الأرش بالجاني فعلى الأظهر يستوي الدين المستغرق وغيره في الأصح ولو تصرف الوارث ولا دين ظاهر فظهر دين برد مبيع بعيب فالأصح أنه لا يتبين فساد تصرفه لكن إن لم يقض الدين فسخ ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين من ماله والصحيح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج والله أعلم.

(1/119)