منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه

كتاب الوقف
شرط الوقف صحة عبارته وأهلية للتبرع والموقوف دوام الانتفاع به لا مطعوم وريحان ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع لا عبد وثوب في الذمة ولا وقف حر نفسه وكذا مستولدة وكلب معلم وأحد عبديه في الأصح ولو وقف بناء أو غراسا في أرض مستأجرة لهما فالأصح جوازه فإن وقف على معين واحد أو جمع اشترط إمكان تمليكه فلا يصح على جنين ولا على العبد لنفسه فلو أطلق لوقف عليه فهو وقف على سيده ولو أطلق الوقف على بهيمة لغا وقيل: هو وقف على مالكها ويصح على ذمي لا مرتد وحربي ونفسه في الأصح وإن وقف على جهة معصية كعمارة الكنائس فباطل أو جهة قربة كالفقراء والعلماء والمساجد والمدارس صح أو جهة لا تظهر فيها القرية كالأغنياء صح في الأصح ولا يصح إلا بلفظ وصريحه وقفت كذا أو أرضى هو موقوفة عليه والتسبيل والتحبيس صريحان على الصحيح ولو قال تصدقت بكذا صدقة محرمة أو موقوفة أو لا تباع أولا توهب فصريح في الأصح وقوله تصدقت فقط ليس بصريح وإن نوى إلا أن يضيف إلى جهة عامة وينوي والأصح أن قوله حرمته أو أبدته ليس بصريح وأن قوله جعلت البقعة مسجدا تصير به مسجدا وأن الوقف على معين يشترط فيه قبوله ولو رد بطل حقه شرطنا القبول أم لا؟ ولو قال: وقفت

(1/168)


هذا سنة فباطل ولو قال: وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله ولم يزد فالأظهر صحة الوقف فإذا انقرض المذكور فالأظهر أنه يبقى وقفا وأن مصرفه أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض الذكور ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على من سيولد لي فالمذهب بطلانه أو منقطع الوسط كوقفت على أولادي ثم رجل ثم الفقراء فالمذهب صحته ولو اقتصر على وقفت فالأظهر بطلانه ولا يجوز تعليقه كقوله إذا جاء زيد فقد وقفت ولو وقف بشرط الخيار بطل على الصحيح والأصح أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر اتبع شرطه وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه لطائفة كالشافعية اختص كالمدرسة والرباط ولو وقف على شخصين ثم الفقراء فمات أحدهما فالأصح المنصوص أن نصيبه يصرف إلى الآخر.
فصل
قوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية بين الكل وكذا لو زاد ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن ولو قال على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا أو على أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى أو الأول فالأول فهو للترتيب ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح ويدخل أولاد البنات في الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد إلا أن يقول على من ينتسب إلي منهم ولو وقف على مواليه وله معتق ومعتق قسم بينهما وقيل: يبطل والصفة المتقدمة على جمل معطوفة تعتبر في الكل كوقفت على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي وكذا المتأخرة عليها والاستثناء إذا عطف بواو كقوله على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أو إلا أن يفسق بعضهم.

(1/169)


فصل
الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى أي ينفك عن اختصاص لآدمي فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه ومنافعه ملك للموقوف عليه يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة ويملك الأجرة وفوائده كثمرة وصوف ولبين وكذا الولد في الأصح والثاني يكون وقفا ولو ماتت البهيمة اختص بجلدها وله مهر الجارية إذا وطئت بشبهة أو نكاح إن صححناه وهو الأصح والمذهب أنه لا يملك قيمة العبد الموقوف إذا أتلف بل يشتري بها عبدا ليكون وقفا مكانه فإن تعذر فبعض عبد ولو جفت الشجرة لم ينقطع الوقف على المذهب بل ينتفع بها جذعا وقيل: تباع والثمن كقيمة العبد والأصح جواز بيع حصر المسجد إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته لم يبع بحال.
فصل
إن شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره اتبع وإلا فالنظر للقاضي على المذهب وشرط الناظر العدالة والكفاية والاهتداء إلى التصرف ووظيفته العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها فإن فوض إليه بعض هذه الأمور لم يتعده وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره إلا أن يشترط نظره حال الوقف وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد في الأصح.

(1/170)


كتاب الهبة
التمليك بلا عوض هبة فإن ملك محتاجا لثواب الآخرة فصدقة فإن نقله إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية وشرط الهبة إيجاب وقبول لفظا ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك ولو قال أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك فهي هبة ولو اقتصر على أعمرتك فكذا في الجديد ولو قال فإذا مت عادت إلي فكذا في الأصح ولو قال أرقبتك أو جعلتها لك رقبي أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد والقديم وما جاز بيعه جاز هبته وما لا كمجهول ومغصوب وضال فلا إلا حبتي حنطة ونحوها وهبة الدين للمدين إبراء ولغيره باطلة في الأصح ولا يملك موهوب إلا بقبض بإذن الواهب فلو مات أحدهما بين الهبة والقبض قام وارثه مقامه وقيل: ينفسخ العقد ويسن للوالد العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذكر والأنثى وقيل: كقسمة الإرث وللأب الرجوع في هبة ولده وكذا لسائر الأصول على المشهور وشرط رجوعه بقاء الموهوب في سلطنة المتهب فيمتنع ببيعه ووقفه لا برهنه وهبته قبل القبض وتعليق عتقه وتزويجها وزراعتها وكذا الإجارة على المذهب ولو زال ملكه دعا ولم يرجع في الأصح ولو زاد رجع فيه بزيادته المتصلة لا المنفصلة ويحصل الرجوع برجعه فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي أو نقضت الهبة لا يبيعه ووقفه

(1/171)


وهبته واعتاقه ووطئها في الأصح ولا رجوع لغير الأصول في هبة مقيدة بنفي الثواب ومتى وهب مطلقا فلا ثواب إن وهب لدونه وكذا لأعلى منه في الأظهر ولنظيره على المذهب فإن وجب فهو قيمة الموهوب في الأصح فإن لم يثبه فله الرجوع ولو وهب بشرط ثواب معلوم فالأظهر صحة العقد ويكون بيعا على الصحيح أو مجهول فالمذهب بطلانه ولو بعث هدية في ظرف فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر فهو هدية أيضا وإلا فلا ويحرم استعماله إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة.

(1/172)


كتاب اللقظة
يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه وقيل: يجب ولا يستحب لغير واثق ويجوز في الأصح ويكره لفاسق والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط وأنه يصح التقاط الفاسق والصبي والذمي في دار الإسلام ثم الأظهر أنه ينزع من الفاسق ويوضع عند عدل وأنه لا يعتمد تعريفه بل يضم إليه رقيب وينزع الولي لقطة الصبي ويعرف ويتملكها للصبي إن رأى ذلك حيث يجوز الاقتراض له ويضمن الولي إن قصر في انتزاعه حتى تلف في يد الصبي والأظهر بطلان التقاط العبد ولا يعتد بتعريفه فلو أخذه سيده منه كان التقاطا.
قلت: المذهب صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة ومن بعضه حر وهي له ولسيده فإن كانت مهايأة فلصاحب النوبة في الأظهر وكذا حكم سائر النادر من الإكساب والمؤن إلا أرش الجناية والله أعلم.
فصل
الحيوان المملوك الممتنع من صغار السباع بقوة كبعير وفرس أو بعدو كأرنب وظبي أو طيران كحمام إن وجد بمفازة للقاضي التقاطه للحفظ وكذا لغيره في الأصح ويحرم التقاطه

(1/173)


لتملك وإن وجد بقرية فالأصح جواز التقاطه للتملك وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه لتملك في القرية والمفازة ويتخير آخذه من مفازة فإن شاء عرفه وتملكه أو باعه وحفظ ثمنه وعرفها ثم تملكه أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه فإن أخذ من العمران فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة في الأصح ويجوز أن يلتقط عبدا لا يميز ويلتقط غير الحيوان فإن كان يسرع فساده كهريسة فإن شاء باعه وعرفه ليتملك ثمنه وإن شاء تملكه في الحال وأكله وقيل: إن وجده في عمران وجب البيع وإن أمكن بقاؤه بعلاج كرطب يتجفف فإن كانت الغبطة في بيعه بيع أو في تجفيفه وتبرع به الواجد وإلا بيع بعضه لتجفيف الباقي ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا فهي أمانة فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول ولم يوجب الأكثرون التعريف والحالة هذه فلو قصد بعد ذلك الخيانة لم يصر ضامنا في الأصح وإن أخذ بقصد الخيانة فضامن وليس له بعده أن يعرف ويتملك على المذهب وإن أخذ ليعرف ويتملك فأمانه مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح ويعرف جنسها وصفتها وقدرها وعفاصها ووكاءها ثم يعرفها في الأسواق وأبواب المساجد ونحوها سنة على العادة يعرف أولا كل يوم طرفي النهار ثم كل يوم مرة ثم كل أسبوع ثم كل شهر ولا تكفي سنة متفرقة في الأصح.
قلت: الأصح تكفي. والله أعلم.
فصل
ويذكر بعض أوصافها ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترض على المالك وإن أخذ لتملك لزمته وقيل: إن لم يتملك فعلى المالك والأصح أن الحقير لا يعرف سنة بل زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبا.

(1/174)


فصل
إذا عرف سنة لم يملكها حتى يختاره بلفظ كتملكت وقيل: تكفي النية وقيل: يملك بمضي السنة فإن تملك فظهر المالك واتفقا على رد عينها فذاك وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها أجيب المالك في الأصح وإن تلفت غرم مثلها أو قيمتها يوم التملك وإن نقصت بعيب فله أخذها مع الأرش في الأصح وإذا ادعاها رجل ولم يصفها ولا بينة لم تدفع إليه وإن وصفها وظن صدقه جاز الدفع إليه ولا يجب على المذهب فإن دفع فأقام آخر بينة بها حولت إليه فإن تلفت عنده فلصاحب البينة تضمين الملتقط والمدفوع إليه والقرار عليه.
قلت: لا تحل لقطة الحرم للتملك على الصحيح ويجب تعريفها قطعا. والله أعلم.

(1/175)


كتاب اللقيط
التقاط المنبوذ فرض كفاية ويجب الإشهاد عليه في الأصح وإنما تثبت ولاية الالتقاط لمكلف حر مسلم عدل رشيد ولو التقط عبد بغير إذن سيده انتزع منه فإن علمه فأقره عنده أو التقط بإذنه فالسيد الملتقط ولو التقط صبي أو فاسق أو محجور عليه أو كافر مسلما انتزع ولو ازدحم اثنان على أخذه جعله الحاكم عند من يراه منهما أو من غيرهما وإن سبق واحد فالتقطه منع الآخر من مزاحمته وإن التقطاه معا وهما أهل فالأصح انه يقدم غني على فقير وعدل على مستور فإن استويا أقرع وإذا وجد بلدي لقيطا ببلد فليس له نقله إلى بادية والأصح أن له نقله إلى بلد آخر وأن للغريب إذا التقط ببلد أن ينقله إلى بلده وإن وجد ببادية فله نقله إلى بلد وإن وجده بدوي ببلد فكالحضري أو ببادية أقر بيده وقيل: إن كانوا ينتقلون للنجعة لم يقر ونفقته في ماله العام كوقف على اللقطاء أو الخاص وهو ما اختص به كثياب ملفوفة عليه ومفروشة تحته وما في جيبه من دراهم وغيرها ومهده ودنانير منثورة فوقه وتحته وإن وجد في دار فهي له وليس له مال مدفون تحته وكذا ثياب وأمتعة موضوعة بقربة في الأصح فإن لم يعرف له مال فالأظهر أنه ينفق عليه من بيت المال فإن لم يكن قام المسلمون بكفايته قرضا وفي قول نفقة وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله في الأصح ولا ينفق عليه منه إلا بإذن القاضي قطعا.

(1/176)


فصل
إذا وجد لقيط بدار الإسلام وفيها أهل ذمة أو بدار فتحوها وأقروها بيد كفار صلحا أو بعد ملكها بجزية وفيها مسلم حكم بإسلام اللقيط وإن وجد بدار كفار فكافر إن لم يسكنها مسلم كأسير وتاجر وإلا فمسلم في الأصح ومن حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي بينة بنسبه لحقه وتبعه في الكفر وإن اقتصر على الدعوى فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا تفرضان في لقيط إحداهما الولادة فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق فهو مسلم فإن بلغ ووصف كفرا فمرتد ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما حكم بإسلامه فإن بلغ ووصف كفرا فمرتد وفي قول كافر أصلي الثانية إذا سبى مسلم طفلا تبع السابي في الإسلام إن لم يكن معه احد أبويه ولو سباه ذمي لم يحكم بإسلامه في الأصح ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح.
فصل
إذا لم يقر اللقيط برق فهو حر إلا أن يقيم أحد بينة برقه وإن أقر به لشخص فصدقه قبل إن لم يسبق إقراره بحرية والمذهب أنه لا يشترط أن لا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حرية كبيع ونكاح بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة لا الماضية المضرة بغيره في الأظهر فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال قضى منه ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة لم يقبل وكذا إن ادعاه الملتقط في الأظهر ولو رأينا صغيرا مميزا او غيره في يد من يسترقه ولم نعرف استنادها إلى الالتقاط حكم له بالرق فإن بلغ وقال أنا حر لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة ومن أقام بينة برقه عمل بها ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك وفي قول يكفي مطلق الملك ولو استلحق اللقيط حر مسلم لحقه وصار أولى بتربيته وإن

(1/177)


استلحقه عبد لحقه وفي قول يشترط تصديق سيده وإن استلحقته امرأة لم يلحقها في الأصح أو اثنان لم يقدم مسلم وحر على ذمي وعبد فإن لم تكن بينة عرض على القائف فيلحق من ألحقه به فإن لم يكن قائف أو تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما أمر بالانتساب بعد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما ولو أقام بينتين متعارضتين سقطتا في الأظهر.

(1/178)


كتاب الجعالة
هي كقوله من رد آبقي فله كذا ويشترط صيغه تدل على العمل بعوض ملتزم فلو عمل بلا إذن أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شيء له ولو قال أجنبي من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبي وإن قال: قال زيد من رد عبدي فله كذا وكان كاذبا لم يستحق عليه ولا على زيد ولا يشترط قبول العامل وإن عينيه وتصح على عمل مجهول وكذا معلوم في الأصح ويشترط كون الجعل معلوما فلو قال من رده فله ثوب أو أرضيه فسد العقد وللراد أجرة مثله ولو قال من بلد كذا فرده من أقرب منه فله قسطه من الجعل ولو اشترط اثنان في رده اشتركا في الجعل ولو التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته فله كل الجعل وإن قصد العمل للمالك فللأول قسطه ولا شيء للمشارك بحال ولكل منهما الفسخ قبل تمام العمل فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع فلا شيء له وإن فسخ المالك بعد الشروع فعليه أجرة المثل في الأصح وللمالك أن يزيد وينقص في الجعل قبل الفراغ وفائدته بعد الشروع وجوب أجرة المثل ولو مات الآبق في بعض الطريق أو هرب فلا شيء للعامل وإذا رده فليس له حبسه لقبض الجعل ويصدق المالك إذا أنكر شرط الجعل أو سعيه في رده فإن اختلفا في قدر الجعل تحالفا.

(1/179)